شذرات الذهب في أخبار من ذهب

ابن العِماد الحنبلي

المجلد الاول

[المجلد الاول] تقديم الكتاب بقلم الأستاذ الدّكتور خالد عبد الكريم جمعة مدير معهد المخطوطات العربيّة الحمد لله وحده لا شريك له، والصّلاة والسّلام على رسوله النّبيّ العربي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فحين طلب إليّ الأستاذ محمود الأرناؤوط أن أقدم لهذا الكتاب- الذي يقوم بتحقيقه، وتتولى طبعه دار ابن كثير بدمشق- وجدت نفسي في حيرة شديدة، فماذا يمكنني أن أقول في كتاب بذل محققه ما استطاع من جهد في ضبط نصه والتعليق عليه، وقدم له بمقدمة وافية تحدث فيها عن المؤلّف والكتاب باسطا القول فيهما، فلم يترك زيادة لمستزيد. إنّ خير ما يمكن قوله: إنّ هذا العمل يزكّي نفسه، فهو عمل سار فيه محققه وفق منهج واضح في التحقيق والتعليق، فبدأ بنسخ الكتاب ومقابلة المخطوطة بالنسخة المطبوعة، ثم أخذ في قراءته على والده مرة أخرى، فضبط الأعلام وخاصة ما يحتاج منها إلى ضبط، وخرّج الآيات القرآنية والأشعار. ثم أضاف في مواطن عديدة- وفي هوامش الكتاب- بعض ما يحتاج إليه القارئ من مهمات الحوادث التي فات المؤلّف ذكرها، مع تتبع للنصوص المنقولة للتأكد من صحتها، وفعل ذلك كله في أناة وصبر ودقة. وما أحوجنا في هذه الأيام إلى نشر نصوص تراثنا بهذه الطريقة، بعد أن كثر نشر النصوص بصورة سيئة على أيدي بعض المحققين من حملة الشهادات. وقد رأيت من بعض هؤلاء عجبا، حيث يشوهون النصّ تشويها،

ولو أنهم تركوه في خزائن المكتبات مخطوطا لكان خيرا لنا ولهم. وما أحوجنا أيضا إلى نشر كتب التاريخ الإسلامي التي ما زالت مخطوطة وإعادة نشر ما نشر منها غير محقّق، لما لهذه الكتب من أثر في فهم تاريخنا وتحليل أحداثه تحليلا سليما، بعيدا عن روح العصبية والتحامل. إن قيام الأستاذ محمود الأرناؤوط بنشر هذا الكتاب يعدّ خدمة جليلة للمهتمين بالتراث العربي الإسلامي، وإسهاما منه في تقديم نصّ ذي قيمة علمية كبيرة إلى قرّاء العربية. أما والد المحقق الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط- المشرف على تحقيق الكتاب- فقد خرّج أحاديث الكتاب وفق الأسس العلمية الصحيحة في تخريج الحديث، ولا غرو فهو أحد المحدّثين المتمكنين القلائل في أيامنا، وقد يعجز مثلي عن أن يفيه ما يستحقّ من الثناء، فكفاه فخرا أن يكون محقق «جامع الأصول في أحاديث الرسول» لابن الأثير، وأحد محقّقي «زاد المعاد في هدي خير العباد» لابن قيم الجوزية، فجزاه الله كل خير على ما قدم إلى الإسلام وأهله. وإني لآمل أن يستمر محقق هذا الكتاب الأستاذ محمود الأرناؤوط في بذل الجهد لنشر نصوص أخرى، خدمة لتراثنا العربي الإسلامي. والحمد لله رب العالمين الكويت: 27/ ربيع الأول/ 1406 هـ الموافق 9/ ديسمبر/ 1985 م الدّكتور خالد عبد الكريم جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المحقق

بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدّمة المحقّق إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 3: 102 (آل عمران: 102) . يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً، وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسائَلُونَ به وَالْأَرْحامَ، إِنَّ الله كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً 4: 1 (النساء: 1) . يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً 33: 70- 71 (الأحزاب: 70، 71) . أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله عزّ وجلّ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أحمدك اللهمّ، يا من حبّبت إلى نفسي طلب العلم، ويسّرت لي أسباب المعرفة بفضلك وكرمك.

وأصلّي وأسلّم على رسولنا محمد، معلّم النّاس الخير، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. وبعد: فإن من عظيم فضل الله عزّ وجلّ عليّ، أن ولدت في بيت من البيوت التي يذكر فيها اسم الله تعالى صباح مساء، ويتداول العلم في جنباته دراسة وتدريسا آناء الليل وأطراف النهار، وعلى الخصوص من ذلك كتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة نبيّه المطهرة، مما كان له أكبر الأثر في منهجي وتوجهي في الحياة. وعميد هذا البيت رجل جنّد نفسه للعمل في خدمة مصنفات علماء الأمة الأقدمين ذات الصلة بكتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة نبيّه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والتصدّي لنصح الناس في المساجد والمجالس في الحلّ والترحال منذ أكثر من ثلاثين عاما، فكنت أينما دخلت في حجرات دارنا- وأنا طفل صغير- ألتقي بكتب والدي، وأوراقه، وأقلامه. وما من مرة اصطحبني معه فيها إلا وكانت وجهتنا إلى إحدى المكتبات، العامة منها أو الخاصة، وكذلك الحال في زيارة أصدقائه وزملائه، فقد كان معظمهم من أهل العلم والفضل. ولقد فرض واقع وفاة أمي- ولمّا أبلغ الرابعة من عمري- على أبي أن يجعل منّي رفيقا صغيرا له، وذلك لعدم وجود إخوة لي في تلك الحقبة من الزمن ألهو معهم وأمرح، فلم تخلف أمي سواي، رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جنانه، ولم يكن في الدار غير جدتي لأبي، وكانت متقدمة في السن، فكان حرص أبي على عدم إرهاقها بخدمتي يحمله على اصطحابي معه إلى مكتبه الذي كنت ألتقي فيه مع أعداد أخرى كبيرة من الكتب تآلفت هنا وهناك في المكتبات الجدارية المنتشرة في كل غرفة من غرفه. وفي ذلك المكتب أيضا التقيت بعدد كبير من العلماء والباحثين والطلبة من زملاء والدي وأصدقائه ومساعديه، وفي مقدمتهم صاحبه وزميله ورفيق دربه

الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، الذي كان في طليعة من أسهم في تعليمي وتثقيفي وإرشادي وتوجيهي في مراحل مختلفة من الحياة، جزاه الله تعالى خير الجزاء وأحسن مثوبته يوم الدّين. وكل هذه الأسباب جعلتني أقترب من الكتاب أكثر فأكثر، حتى أصبحت أسيرا طيّعا له، فكنت لا أبرح كتابا، حتى أتناول غيره، ولا أغادر مجلة، حتى أتناول غيرها، وكنت أشغل وقتي في أثناء ركوبي في السيارات والحافلات بقراءة الصحف في أكثر الأحيان. وكانت أسعد الأوقات في حياتي، هي تلك الساعات التي كنت أقضيها في مساعدة والدي حفظه الله بتصحيح تجارب الطبع لبعض الكتب التي عني بتحقيقها منذ سنوات طويلة. ثم شدّتني الصحافة إليها، فنشرت عددا من المقالات المنوعة في عدد من المجلات في سورية وغيرها من الأقطار، ثم صنّفت من مجموع ما تخيّرته من تلك المقالات ثلاثة كتب، هي: «الكشكول الصغير» ، و «عناقيد ثقافية» ، و «زهرات الياسمين» . وكنت في أثناء هذه الفترة التي قضيتها في الاهتمام بالصحافة وما يتصل بها، أعدّ العدّة للعمل بين يدي أبي في خدمة كتب التراث العزيز. ولما تأكد لأبي حسن نيّتي في الإقدام على ولوج عالم التراث، وجّهني نحو خدمة كتاب «النصيحة في الأدعية الصحيحة» للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي، ولا تسأل عن السعادة التي غمرتني وأنا أعمل به، فقد شعرت بأن أحلامي قد تحققت مرة واحدة، وقد صدر الكتاب فيما بعد عن مؤسسة الرسالة في بيروت، وبذلك انتقلت إلى مرحلة جديدة في الحياة، مرحلة الانقطاع الكامل إلى العمل في خدمة كتب التراث. ولقد كانت سعادة أبي في انصرافي إلى العمل في خدمة كتب التراث أعظم من سعادتي، وكيف لا يكون سعيدا من يرى ولده الأكبر يسير على الطريق ذاتها التي سار عليها من قبل؟ الأمر الذي يجعله على يقين بأن الراية التي حملها لن تسقط- بإذن الله- من بعده.

ثم تابعت رحلتي في عالم التراث، فأخرجت كتاب «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» لابن طولون محققا للمرة الأولى، وتبعه «عمدة الأحكام» للحافظ عبد الغني المقدسي، و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي، و «شرح الأربعين النووية» ، فكان عملي في هذه الكتب على صغرها قد متّن صلتي بفن التحقيق، وجعلني أنطلق إلى آفاق بعيدة من التفكير في خدمة مصنفات أكبر منها حجما، وأبعد منها أثرا، فكان أن وقع اختياري على هذا الكتاب- «شذرات الذهب» - لجملة أسباب: أولها: لأنه من كتب التاريخ، وهو الفن الذي أحببته منذ الصغر، وازداد حبّي له أثناء خدمتي لكتاب «إعلام السائلين» ، ومن ثم «الأمصار ذوات الآثار» . وثانيها: لاحتوائه على تراجم مشاهير المحدّثين وغيرهم من أعيان الزمان، وأنا من المغرمين بدراسة سير الرجال، لما فيها من العبر والفوائد. وثالثها: لكونه يؤرّخ بإيجاز لفترة زمنية طويلة تمتد لعشرة قرون، الأمر الذي يجعله من أفضل التواريخ المختصرة في نظري. فعرضت رغبتي في خدمة الكتاب على والدي حفظه الله، وشرحت له رأيي بالكيفية التي يمكن أن يخرج الكتاب على أساسها، فأعجب بالفكرة، وشجعني على المضيّ في تنفيذها، فقلت له: إن انتقال فكرة تحقيق الكتاب إلى حيّز التنفيذ يتوقف على موافقتك على الإشراف على تحقيقه، ومراجعته، وتخريج ما يرد فيه من الأحاديث، فوافق حفظه الله على القيام بذلك، ومن ثم تفضل بالنظر في المنهج الذي وضعته لتحقيق الكتاب فأقرّه بعد مناقشة تناولت عددا من الفقرات فيه. وكان من توفيق الله تعالى ورعايته، أن قيّض لهذا الكتاب ناشرا فاضلا، عمل في طبع كتاب الله عزّ وجلّ ونشره لفترة طويلة، وأسهم في انتشار عدد كبير من كتب التراث، هو الأستاذ علي مستو صاحب «دار ابن كثير» ، الذي قدّم لنا كلّ ما يمكن أن يسهم في ظهور الكتاب على أفضل وجه، جزاه الله تعالى خير الجزاء، وجعل تجارته رابحة في الدّنيا والآخرة.

وحين تم تحقيق هذا المجلد من الكتاب، طلبت من والدي أن يتولى كتابة مقدمة التحقيق، فاعتذر وقال: إن الكلام عن تحقيق الكتاب من مهام محقّقه، وهو أعلم الناس بما تم من العمل فيه، ولا يليق بالمشرف أن يضع يده على أيّ من حقوق المحقّق، ولو كان ابنه، أو أحد تلامذته المقرّبين. وأمام واقع الحال هذا توجهت إلى الله تعالى بالسؤال، أن يعينني على كتابة مقدمة تليق بهذا الكتاب العظيم وصاحبه. وقد رأيت من المفيد أن تتضمن هذه المقدمة نبذة عن أهم المؤرّخين الذين نقل عنهم المؤلف مباشرة، أو بالواسطة، والتعريج على دراسة حياة المؤلف، ثم الكلام عن القيمة الفنية لهذا الكتاب، والمنهج الذي اتبع في تحقيقه، وذلك بالتشاور مع والدي حفظه الله. ومن ثم قسّمت المقدمة إلى أربعة فصول هي: 1- مشاهير المؤرخين السابقين لابن العماد. 2- ابن العماد. 3- القيمة الفنية لكتاب شذرات الذهب. 4- عملنا في تحقيق الكتاب. وقد استعنت في إعداد هذه المقدمة بكتب جمهرة من العلماء من متقدمين ومحدثين. فأسأل الله عزّ وجلّ أن يجعل عملنا هذا متقبلا، وأن يكتب فيه النفع للناس جميعا، وأن يعيننا على إتمام تحقيق بقية الكتاب، إنه خير مسؤول .

الفصل الأول مشاهير المؤرخين السابقين لابن العماد

الفصل الأول مشاهير المؤرخين السّابقين لابن العماد لعلّ أهم ما ينبغي عليّ التأكيد عليه في مستهل هذا الفصل، أن الكلام محصور فيه على المشاهير من علماء التاريخ عند المسلمين ممّن تقدموا ابن العماد واستفاد منهم. وليس المطلوب أن نستقصي جميع المؤرخين من أصحاب المصنفات التي نقل عنها المؤلف، وإلّا لطال الكلام، وتشعب الموضوع، وخرج بنا عن البرنامج المعدّ لهذه المقدمة بعد دراسة مطولة. وليس المطلوب من هذا الفصل أيضا أن يحدّث القارئ عن علم التاريخ كفنّ من الوجهة التاريخية، ففي بعض ما كتب في هذين الجانبين من الدراسات والمصنفات كفاية لمن يريد التوسّع في دراسة هذا الموضوع [1] . وقبل المضي في الكلام عن مشاهير المؤرخين موضوع حديثنا، لا بدّ لنا من الوقوف قليلا عند بعض ما قاله عدد من العلماء المتخصصين في فن التأريخ، وذلك لتقديم إلمامة سريعة بهذا الفن للقارئ الكريم.

_ [1] انظر على سبيل المثال: «مصطلح التاريخ» للدكتور أسد رستم، و «التاريخ العربي والمؤرخون» للدكتور شاكر مصطفى، و «علم التاريخ عند المسلمين» للدكتور فرانز روزنثال، و «إلمامة بالتاريخ عند العرب» الفصل الذي ألحقه الأستاذ عبد الحميد عبادي بكتاب «علم التاريخ» للأستاذ. ج. هرنشو، و «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» للدكتور أكرم ضياء العمري.

قال ابن منظور: التأريخ: تعريف الوقت، والتوريخ مثله، أرّخ الكتاب ليوم كذا: وقّته، والواو فيه لغة، وزعم يعقوب [1] أن الواو بدل من الهمزة، وقيل: إن التأريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض، وإن المسلمين أخذوه عن أهل الكتاب، وتأريخ المسلمين أرّخ من زمن هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتب في خلافة عمر رضي الله عنه، فصار تاريخا إلى اليوم [2] . وقال ابن خلدون: اعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب، جمّ الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه [3] في أحوال الدّين والدّنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثّبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به [4] عن المزلّات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثّا أو سمينا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنّة الكذب، ومطيّة الهذر، ولا بدّ

_ [1] هو يعقوب بن إسحاق بن السّكّيت، أبو يوسف، أحد أئمة اللغة والأدب، أصله من خوزستان، تعلم في بغداد، واتصل بالمتوكل العباسي فجعله في عداد ندمائه من أهم مصنفاته كتابه «إصلاح المنطق» قال المبرد: ما رأيت للبغداديين كتابا أحسن منه. مات سنة (244) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (8/ 195) . [2] «لسان العرب» «أرخ» (1/ 58) ، وانظر «تاج العروس» للزبيدي «أرخ» ، و «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التأريخ» للسخاوي ص (6) ، و «فتح الباري» لابن حجر (7/ 267- 268) . [3] أي يطلبه. [4] أي يعدلان به. انظر «لسان العرب» لابن منظور «نكب» (6/ 4534) .

من ردّها إلى الأصول، وعرضها على القواعد [1] . وقال السخاوي: [التاريخ] في الاصطلاح: التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال، من مولد للرواة والأئمة، ووفاة، وصحة، وعقل، وبدن، ورحلة، وحج، وحفظ، وضبط، وتوثيق، وتجريح، وما أشبه هذا، مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم ... ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة، من ظهور ملمّة، وتجديد فرض، وخليفة، ووزير، وغزوة، وملحمة، وحرب، وفتح بلد وانتزاعه من متغلّب عليه، وانتقال دولة، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق، وقصص الأنبياء، وغير ذلك من أمور الأمم الماضية، وأحوال القيامة ومقدّماتها مما سيأتي، أو دونها كبناء جامع، أو مدرسة، أو قنطرة، أو رصيف، أو نحوها مما يعمّ الانتفاع به مما هو شائع مشاهد، أو خفي سماوي، كجراد، وكسوف، وخسوف، أو أرضي، كزلزلة، وحريق، وسيل، وطوفان، وقحط، وطاعون، وموتان، وغيرها من الآيات العظام، والعجائب الجسام. والحاصل: أنه فنّ يبحث عن وقائع الزمان، من حيثية التعيين والتوقيت، بل عمّا كان في العالم. وأما موضوعه، فالإنسان والزمان، ومسائلة أحوالهما المفصّلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان، وفي الزمان. وأما فائدته، فمعرفة الأمور على وجهها. ومن أجلّ فوائده أنه أحد الطرق التي يعلم بها النسخ في أحد الخبرين المتعارضين، المتعذّر الجمع بينهما [2] . وقال الدكتور شاكر مصطفى: تلك العوامل والحاجات التي أوجدت علم التاريخ في الإسلام لم تأت كلها مجتمعة في وقت واحد، ولكن سبق بعضها بعضا، وتعاون بعضها مع بعض على مدى يزيد على قرنين، ما بين أواسط القرن الأول الهجري، حتى أواسط القرن الثالث، كما أنها لم تكن متساوية في

_ [1] «مقدمة ابن خلدون» ص (9- 10) . [2] «الإعلان بالتوبيخ» ص (7) .

التأثير، فبعضها لعب دوره في ناحية من نواحي التاريخ، وبعضها لعب الدور في نواح أخرى، وبعضها كان واضح الأثر في عصر بذاته، أو تحت ضغط حادث معين، أو بنتيجة عمل أحد الرواة أو الرجال، أو مجموعة منهم، وبعضها كان دائم التأثير متكرّر الحاجة خلال القرون الأولى للهجرة كلها وفيما بعدها من القرون أيضا. ولم تكن تلك المؤثرات والعوامل من نوع واحد، فإنها كانت تصدر عن جذور سياسية ودينية، صدورها عن أسباب اقتصادية، وقومية، واجتماعية، وبعض هذه العوامل كان ينشئ فروعا من التاريخ من منابع جديدة، وبعضها كان يزيد في خصبه، أو يضيف إليه روافد أخرى مستحدثة، أو من ألوان شتى، وعلى هذا، فإن ظهور التاريخ نشأ عن ميول موجودة في المجتمع الإسلامي، أضيفت إليها مع تطور الزمن دوافع جديدة بعد دوافع، وقد أخذ شكله وتطوره نتيجة عدد كبير متغيّر من العوامل والمؤثرات المتفاوتة في طول الأعمال والتأثير المختلفة في الأنواع أيضا اختلافا واسعا، وقد نجم عن ذلك كله، أن الحصاد التاريخي لفترة نشوء التاريخ قد تميز بعدد من الملامح، ولعلّنا قبل أن نعرض لها مضطرون لأن نقف عند نقطة إشكالية أحاطت بداية التدوين التاريخي والعلمي عامّة عند العرب بالكثير من الغموض، وأوجدت الوهم العلمي الشائع بأن التاريخ والحديث والعلوم الأخرى إنما كانت تروى في البدء الرواية الشفهية، وأنها لم تكتب وتدوّن حتى أواسط القرن الثاني الهجري، والسبب في هذا الوهم المغلوط هو الخلط ما بين ثلاث عمليات متتالية كانت تمرّ بها المعلومات والمعارف التي يتداولها الناس، وتشكّل بالتدريج تراثهم الثقافي، والتحليل هو الذي يكشف عنها. العملية الأولى: عملية استماع الشهادة من الشهود المباشرين للحدث التاريخي، وهي عملية شفهية خالصة كانت تتم بشكل مباشر بين الشاهد الذي هو المصدر الأوّلي والأساسي للمعلومات، وبين جامع تلك المعلومات من الأفواه، ومعظم معلومات التاريخ الإسلامي الأوليّة إنما جاءت عن هذا الطريق الشفوي.

العملية التالية: عملية حفظ المعلومات، ولم تكن تتم عن طريق الذاكرة، ولا بها وحدها أبدا، ولكن [كانت] تتم في الكثرة الساحقة من الأحوال بالتسجيل والتدوين الكتابي الشخصي، وهذه العملية كانت تجري باستمرار منذ عهد الرسالة نفسه، إذ يدوّن المستمع ما يهمّه من المعلومات لنفسه [1] ، ومهمة التدوين هنا هي معونة الذاكرة على دقة النقل وصحته، وحفظ السمعة بذلك خوف التضعيف، أو خيانة الذاكرة. العملية الأخيرة: عملية نقل المعلومات في التوثيق ومنع الدسّ والتحريف والزيف كانت تدفعهم إلى أن لا يعتبروا المعلومات جديرة بالثقة ما لم تأت بالنقل المباشر والسماع الشخصي عن أصحابها العارفين بها والحافظين لها، وهذا ما كان يؤخر الصحف المكتوبة إلى مستوى الاهتمام الثانوي ويدفع من

_ [1] قلت: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم عن كتابة حديثه صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، وأذن لهم بكتابة القرآن، فقال فيما رواه مسلم في «صحيحه» رقم (3004) : «لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» . قال ابن الأثير في «جامع الأصول» (8/ 33) بتحقيق والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: [قوله صلى الله عليه وسلم] : «لا تكتبوا عنّي غير القرآن» ، الجمع بين قوله: «لا تكتبوا عنّي غير القرآن» وبين إذنه في الكتابة: أن الإذن في الكتابة ناسخ للمنع منه بإجماع الأمة على جوازه، ولا يجمعون إلا على أمر صحيح، وقيل: إنما نهى عن الكتابة: أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، فيختلط به، فيشتبه على القارئ. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيما رواه الترمذي في «جامعه» رقم (2665) بإسناد حسن قال: استأذنّا النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا. قلت: وهذا كان في أول الأمر، ثم صحّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله وقت فتح مكة: «اكتبوا لأبي شاه» ، وذلك فيما رواه أحمد في «المسند» ، والبخاري ومسلم في «صحيحيهما» ، والترمذي في «جامعه» ، وانظر نصّ الحديث وتخريجه في «عمدة الأحكام» للمقدسي رقم (348) بتحقيقي، ومراجعة والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، طبع دار المأمون للتراث بدمشق. وروى الترمذي في «جامعه» رقم (2666) بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيستمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعن بيمينك» وأومأ بيده للخط.

1 - ابن إسحاق

جديد بالرواية الشفهية إلى مستوى الاهتمام الأول [1] . وقال الأساتذة مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ الشلبي: لم يكن للعرب قبل مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم من مادة التاريخ إلا ما توارثوه بالرواية، مما كان شائعا بينهم من أخبار الجاهلية الأولى، كحديثهم عن آبائهم وأجدادهم، وأنسابهم، وما في حياة الآباء من قصص، فيها البطولة، وفيها الكرم، وفيها الوفاء، ثم حديثهم عن البيت، وزمزم، وجرهم [2] وما كان من أمرها، ثم ما كان من خبر البيوتات التي تناوبت الإمرة على قريش، وما جرى لسدّ مأرب، وما تبعه من تفرّق الناس في البلاد، إلى أمثال هذا مما قامت فيه الذاكرة مقام الكتاب، واللسان مقام القلم، يعي الناس عنه، ويحفظون، ثم يؤدّون [3] . ونعود فيما يلي إلى الحديث عن مشاهير المؤرخين الذين نقل عنهم ابن العماد، مع الحديث بإيجاز عن مصنفاتهم التي اشتهروا من خلالها، وذلك مع مراعاة الترتيب الزمني لوفياتهم. 1- ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر، وقيل: أبو عبد الله، القرشي المطلبي، مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، من أقدم مؤرخي العرب، وكان بحرا من بحور العلم، ذكيّا، حافظا طلّابة للعلم، أخباريا، نسّابة علّامة، صاحب «السيرة النبوية» ، وكلّ من تكلم في «السيرة» من بعده فعليه اعتماده. ولد في المدينة المنورة سنة ثمانين، ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه بالمدينة، وسعيد بن المسيّب رحمه الله، وحدّث عن: أبيه، وعمه موسى بن

_ [1] «التاريخ العربي والمؤرخون» (1/ 74- 76) . [2] قال ابن منظور: جرهم: حيّ من اليمن نزلوا مكة، وتزوج فيهم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهم أصهاره، ثم ألحدوا في الحرم فأبادهم الله تعالى. «لسان العرب» «جرهم» (1/ 609) . [3] مقدمة «السيرة النبوية» لابن هشام ص (4) .

2 - الواقدي

يسار، وعن أبان بن عثمان- فيما قيل- وعن بشير بن يسار، وسعيد بن أبي هند، وسعيد المقبري، وطائفة من أهل العلم. وحدّث عنه: يزيد بن أبي حبيب شيخه، ويحيى بن سعد الأنصاري وهما من التابعين وفاقا، وشعبة، والثوري، والحمّادان، وأبو عوانة، وهشيم، وطائفة من أهل العلم. وقد ترك ابن إسحاق المدينة ورحل إلى غيرها متنقلا في أكثر من بلد، فقصد الاسكندرية، وحدّث عن جماعة من أهل مصر، منهم: عبيد الله بن المغيرة، ويزيد بن أبي حبيب، وثمامة بن شفي، وغيرهم، ثم رحل إلى الكوفة، والجزيرة، والرّيّ، والحيرة، وبغداد، وفي بغداد ألقى عصا الترحال، والتقى بالمنصور، وصنّف لابنه المهدي كتاب «السيرة» ، وعاش ببغداد حتى وافته المنيّة بها ودفن في مقبرة الخيزران، وقد اختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة مائة وخمسين، وقيل: سنة مائة وإحدى وخمسين، وقيل: سنة مائة واثنتين وخمسين، وقيل: سنة مائة وثلاث وخمسين، والله أعلم بالصواب. قال الذهبي: روى له مسلم في المتابعات، واستشهد به البخاري، وأخرج أصحاب «السنن» له. قلت: ومعلوم بأن شهرة ابن إسحاق قامت على تصنيفه ل «السيرة النبوية» التي استوعبت التأريخ لأهم مراحل التاريخ الإسلامي، ألا وهي الفترة النبوية التي شهدت أهم الأحداث العظيمة في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد طبعت هذه «السيرة» في تركيا بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد حميد الله صاحب «مجموعة الوثائق السياسية» - أمدّ الله في عمره- ولكنها بحاجة إلى المزيد من التحقيق والتخريج ولعله يفعل ذلك مستقبلا إن شاء الله. 2- الواقدي هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، من أقدم المؤرخين في الإسلام، ومن أشهرهم، ومن حفّاظ الحديث، وأحد أوعية

3 - ابن هشام

العلم على الرغم من ضعفه المتفق عليه، صاحب «المغازي» . ولد بالمدينة المنورة سنة مائة وثلاثين، وطلب العلم عام بضعة وأربعين، وسمع من صغار التابعين فمن بعدهم بالحجاز، والشام، وغير ذلك. حدّث عن: محمد بن عجلان، وابن جريج، وثور بن يزيد، ومعمر بن راشد، وأسامة بن عثمان الزّيادي، وغيرهم. استقضاه المأمون سنة أربع ومائتين على الجانب الشرقي من بغداد، وأكرمه، وأمره أن يصلّي الجمعة بالناس في مسجد الرصافة. قال وكيع: حدّثني أبو سهل الرازي، عن محمد بن سعد قال: رآني الواقديّ مهموما فقال لي: لا تغتمّ فإن الرزق يأتي من حيث لا تحتسب. وقال الخطيب البغدادي: كان الواقدي كلما ذكرت له وقعة ذهب إلى مكانها فعاينها. وقال الذهبي: جمع فأوعى، وخلط الغثّ بالسّمين، والخرز بالدّرّ الثمين، فاطّرحوه [1] لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة وأخبارهم. وقال ابن حجر: متروك مع سعة علمه. مات في ذي الحجة سنة سبع ومائتين، ودفن في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وصلّى عليه محمد بن سماعة. قلت: وكتابه «المغازي» الذي قامت عليه شهرته، مطبوع في مصر بتحقيق المستشرق الدكتور مارسدن جونس في ثلاث مجلدات تشتمل على فهارس تفصيلية، وله كتب كثيرة أخرى في علوم متنوعة. 3- ابن هشام هو عبد الملك بن هشام البصري النحوي الأخباري، أبو محمد، مهذّب «السيرة النبوية» لابن إسحاق.

_ [1] أي أبعدوه: انظر «لسان العرب» «طرح» (2651) .

4 - ابن سعد

كان عالما بالأنساب، واللغة، وأخبار العرب، ولد ونشأ في البصرة. هذّب «السيرة النبوية» ، وسمعها من زياد البكّائي صاحب ابن إسحاق، وخفّف من أشعارها، وروى فيها مواضع عن عبد الوارث بن سعيد، وأبي عبيدة. وله كتاب في «المغازي» ، وآخر اسمه «التيجان لمعرفة ملوك الزمان» . وكان رحمه الله إماما في النحو، والأنساب، وأخبار العرب، ويذكر لنا الذهبي، وابن كثير، أنه حين جاء إلى مصر اجتمع به الشافعي، وتناشدا من أشعار العرب أشياء كثيرة. وكان علّامة أهل مصر بالعربية، والشعر. مات سنة ثمان عشرة ومائتين. قلت: وقد قامت شهرته على تهذيبه ل «السيرة النبوية» التي صنّفها ابن إسحاق، حتى دعيت هذه «السيرة» ب «سيرة ابن هشام» الأمر الذي جعل العامة من الناس في هذا العصر يظنون أنها من تصنيفه، ناسين ما كان لابن إسحاق من الفضل فيها، وهو الرائد الأول في هذا الفن تماما كما أن تهذيب الحافظ المزّي لكتاب «الكمال في أسماء الرجال» الذي صنّفه الحافظ عبد الغني المقدسي قد قضى على فضل المقدسي في الكتاب في نظر البعض، علما بأن المقدسي هو السابق في الفضل لكثير من العلماء في عصره وبعد عصره أيضا في علم الرّجال. وقد طبع تهذيب «السيرة النبوية» المشار إليه عدة مرات، أفضلها التي نشرت بتحقيق الأساتذة الأفاضل مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، وصدرت في مصر. 4- ابن سعد هو محمد بن سعد بن منيع البغدادي، أبو عبد الله، كاتب الواقدي، مؤرّخ من حفّاظ الحديث، صاحب «الطبقات الكبرى» . ولد سنة (168 هـ) بالبصرة، وطلب العلم في صباه، ولحق الكبار، وكان من أوعية العلم.

5 - خليفة بن خياط

سمع من: هشيم بن بشير، وابن عيينة، وأبي معاوية، وابن أبي فديك، ووكيع، وأنس بن عياض، وغيرهم. وحدّث عنه: أبو بكر بن أبي الدّنيا، والحارث بن أبي أسامة، والحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم، وغيرهم. رحل إلى بغداد وأقام فيها ملازما لأستاذه الواقدي يكتب له، حتى عرف ب «كاتب الواقدي» ، وكانت له رحلة إلى المدينة، والكوفة، ولا ريب في أن رحلته إلى المدينة تمّت قبل سنة (200) هـ، فهو يذكر أنه لقي فيها بعض الشيوخ عام (189) هـ كما أن أكثر الذين روى عنهم من أهلها أدركتهم المنيّة قبل مطلع القرن الثالث، وفي أثناء حلّه وترحاله كان شغله الشاغل هو لقاء الشيوخ، وكتابة الحديث، وجمع الكتب، ولذلك اتصل بأعلام عصره من المحدّثين، فروى عنهم، وقيد مرويّاته، وأفاد منها في تصنيف كتبه. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ابن سعد فقال: صدوق، رأيته جاء إلى القواريري وسأله عن أحاديث فحدّثه. وقال الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» : محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدلّ على صدقه، فإنه يتحرّى في كثير من مرويّاته. مات ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة (230) هـ، وهو ابن اثنتين وستين سنة. قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «الطبقات الكبرى» المعروف أيضا ب «طبقات ابن سعد» ، وقد نشر هذا الكتاب على أيدي مجموعة من المستشرقين الألمان، ولكن هذه النشرة تفتقر إلى التحقيق ودراسة الأسانيد الواردة فيها. 5- خليفة بن خيّاط هو خليفة بن خياط العصفري البصري، أبو عمرو، المقلب ب «شباب»

الإمام المؤرخ العلّامة، صاحب «التاريخ» و «الطبقات» . نشأ في البصرة في بيت علم، فقد كان جده أبو هبيرة خليفة بن خياط من أهل الحديث، سمع الحديث من عمرو بن شعيب، وحميد الطويل، وروى عنه محدّثون كبار، مثل: عمرو بن منصور، ووكيع بن الجراح، وأبي الوليد الطيالسي، وذكر البخاري أن مسلما حدّث عنه، ولعلّه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي البصري، أحد شيوخ البخاري المتوفى سنة (222) هـ. وذكر خليفة في «الطبقات» أن جدّه خليفة مات سنة (160) [1] . وقد سمع خليفة المترجم من أبيه، ويزيد بن زريع، وزياد بن عبد الله البكّائي، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. وحدّث عنه: البخاريّ بسبعة أحاديث أو أزيد في «صحيحه» ، وبقيّ بن مخلد، وحرب الكرماني، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو بكر بن أبي عاصم، وغيرهم. وكان صدوقا، نسّابة، عالما بالسّير، والأيام، والرجال كما قال الذهبي. وقال ابن عدي: هو صدوق من متيقظي الرواة. وقال ابن حبّان: كان متقنا عالما بأيام الناس وأنسابهم. وقال ابن خلّكان: كان حافظا عارفا بالتواريخ وأيام الناس، غزير الفضل. ووصفه ابن كثير بأنه أحد أئمة التاريخ. مات سنة (240) هـ. قلت: وقد قامت شهرته على كتابيه «التاريخ» و «الطبقات» ، وكلاهما قام بتحقيقه الأستاذ الدكتور سهيل زكّار، ثمّ الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري، وهما من الكتب الرائدة في التاريخ والرجال، ولقد عرفت لهذا المؤرّخ الكبير فضله لدى رجوعي إلى كتابة «التاريخ» أثناء تحقيقي لهذا المجلد من الكتاب،

_ [1] انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبّان ص (157) .

6 - البخاري

فقد تأكد لي بأن اختصاره للتدوين يعود إلى أمانته وحذره رحمه الله. 6- البخاريّ هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، أبو عبد الله، الإمام الكبير، صاحب «الصحيح» و «التاريخ الكبير» وغيرهما. ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة (194) هـ، ورحل في طلب العلم إلى جميع محدّثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، والعراق، والحجاز، والشام، ومصر، وأخذ الحديث عن مشاهير الحفّاظ، منهم: مكّي بن إبراهيم البلخي، وعبدان بن عثمان المروزي، وعبيد الله بن موسى العبسي، وأبو عاصم الشيباني، وورد على المشايخ وله إحدى عشرة سنة، وطلب العلم وله عشر سنين. وأخذ عنه الحديث خلق كثير في كل بلدة حدّث بها. ولما قدم بغداد، وسمع أصحاب الحديث بقدومه، اجتمعوا، وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال لا أعرفه، حتى فرغ من العشرة، والبخاري يقول: لا أعرفه، فأما العلماء فعرفوا بإنكاره أنه عارف، وأمّا غيرهم فلم يدركوا ذلك منه. ثم انتدب رجل آخر من العشرة، فكان حاله معه كذلك، ثم انتدب آخر بعد آخر إلى تمام العشرة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه. فلما فرغوا، التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك، فهو كذا، والثاني كذا، على النسق إلى آخر العشرة، فردّ كلّ متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، ثم فعل بالباقين مثل ذلك، فأقرّ الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل. وقال: خرّجت كتاب «الصحيح» من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت

7 - ابن قتيبة

فيه حديثا إلا صلّيت ركعتين، وهو أول من وضع في الإسلام كتابا على هذا النحو. مات ليلة الفطر سنة (256) هـ. وعمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوما. قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «الصحيح» كما هو معلوم، ويأتي بالمنزلة الثانية بعد «الصحيح» من كتبه كتابه «التاريخ الكبير» وقد تكلم فيه عن رواة الحديث والآثار فأجاد وأفاد، جزاه الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء، وقد طبع بعناية العلّامة المحقّق الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله، وطبع في تركيا بدار مكتبة أزدمير بمدينة ديار بكر، وقد صدرت هذه الطبعة في تسع مجلدات بعناية الدكتور محمد عبد المعيد خان. 7- ابن قتيبة هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوري، وقيل المروزي، أبو عبد الله، الإمام العلّامة الكبير، ذو الفنون، صاحب «المعارف» ، و «عيون الأخبار» ، و «أدب الكاتب» ، وغير ذلك من المصنفات العديدة المفيدة. ولد ببغداد سنة (213) هـ، وأخذ العلم بها عن: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن زياد بن عبيد الله الزيادي، وزياد بن يحيى الحساني، وأبي حاتم السجستاني، وطائفة. وأخذ العلم عنه: ابنه القاضي أحمد بن عبد الله، بديار مصر، وعبيد الله السّكّري، وعبيد الله بن أحمد بن بكر، وعبد الله بن جعفر بن رستويه النّحوي، وغيرهم. قال الذهبي: ليس ابن قتيبة بصاحب حديث، وإنما هو من كبار العلماء المشهورين، عنده فنون جمّة، وعلوم مهمة. وقال قاسم بن أصبغ: كنا عند ابن قتيبة، فأتوه وبأيديهم المحابر، فقال:

8 - الفسوي

اللهمّ سلّمنا منهم. فقعدوا، ثم قالوا: حدّثنا- رحمك الله- قال: ليس أنا ممّن يحدّث، إنما هذه الأوضاع، فمن أحبّ؟ قالوا له: ما يحلّ لك هذا، فحدّثنا بما عندك عن إسحاق بن راهويه، فإنه لا نجد فيه إلا طبقتك، وأنت عندنا أوثق. قال: لست أحدّث. ثم قال لهم: تسألوني أن أحدّث وببغداد ثمان مائة محدّث، كلهم مثل مشايخي!، لست أفعل. فلم يحدّثهم بشيء. وكان موته فجاءة، وذلك سنة ست وسبعين ومائتين، وقيل: إنه أكل هريسة، فأصابته حرارة، فصاح صيحة شديدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فما زال يتشهد حتى مات. قلت: وقد قامت شهرة ابن قتيبة على مجموعة من كتبه، ومن أهمها الكتب المنوّه عنها في صدر الترجمة. وقد طبع الأول منها مرتين، الأولى بعناية الأستاذ محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، وهي طبعة تجارية تفتقر إلى التحقيق والضبط والتصحيح. والثانية بتحقيق وتقديم الأستاذ الدكتور ثروة عكاشة، وهي طبعة جيدة. وطبع الثاني في دار الكتب المصرية، وهي طبع جيدة، ولكنها تفتقر إلى المزيد من الخدمة والتحقيق. وطبع الثالث منها عدة مرات، أفضلها التي صدرت عن مؤسسة الرسالة في بيروت بتحقيق الأستاذ محمد أحمد الدالي. 8- الفسوي هو يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي، أبو يوسف، أحد الأئمة الكبار، محدّث بلاد فارس في عصره. صاحب «المعرفة والتاريخ» ، و «المشيخة» . ولد في حدود سنة تسعين ومائة في دولة الرشيد ببلدة فسا [1] ، وهي

_ [1] قال ياقوت: فسا: بالفتح والقصر، كلمة أعجمية، وعندهم «بسا» بالباء، وهكذا يتلفظون بها، وأصلها في كلامهم: الشمال من الرياح [وهي] مدينة بفارس أنزه مدينة بها فيما قيل، بينها وبين شيراز أربع مراحل. «معجم البلدان» (4/ 260- 261) . ومن هنا نعت صاحب الترجمة عند بعض العلماء ب «البسوي» .

9 - أبو زرعة الدمشقي

حاضرة مقاطعة دارابجرد في إقليم فارس، ولم تكن مدينة فسا من المراكز العلمية في دراسة الحديث النبوي وعلومه في عصره، الأمر الذي جعله يرحل إلى مراكز العلم في سنّ مبكرة رغبة في سماع الحديث من أعلام المحدّثين في أمصار مختلفة، فسمع من أبي عاصم النبيل، وعبيد الله بن موسى، ومكّي بن إبراهيم، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وغيرهم. وحدّث عنه: أبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وإبراهيم بن أبي طالب، والحسن بن سفيان الفسوي، وغيرهم. وحدّث عنه: أبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وإبراهيم بن أبي طالب، والحسن بن سفيان الفسوي، وغيرهم. وقد حظي بتقدير العلماء، وكبار النقاد من أعصر مختلفة وبيئات عديدة، فقال أبو زرعة الدمشقي: كان نبيلا جليل القدر. ووصفه ابن حبّان البستي بالورع والنسك والصلابة في السّنّة. وقال عنه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب «المستدرك» : هو إمام أهل الحديث بفارس. ووثّقه ابن حجر في «التقريب» . وقال ابن العماد: كان ثقة بارعا عارفا ماهرا. مات سنة سبع وسبعين ومائتين. قلت: وقد طبع كتابه «المعرفة والتاريخ» طبعة متقنة بتحقيق الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في ثلاثة مجلدات في العراق أول الأمر، ثم صدرت طبعته الثانية عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت منذ سنوات قليلة. 9- أبو زرعة الدّمشقي هو عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النّصري الدمشقي، أبو زرعة، الإمام الصادق، محدّث الشام في عصره، صاحب «التاريخ» ، وغير ذلك من التصانيف. ولد قبل سنة مائتين، وروى عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وهوذة بن خليفة، وعفان بن مسلم، وأبي مسهر الغسّاني، وغيرهم. وحدّث عنه: أبو داود في «سننه» ، ويعقوب الفسوي، وأحمد بن المعلّى

10 - أبو حنيفة الدينوري

القاضي، وأبو بكر بن أبي داود، وغيرهم. وقد جمع، وصنّف، وذاكر الحفّاظ، وتميّز، وتقدّم على أقرانه لمعرفته وعلوّ سنده. قال الذهبي: لمّا قدم أهل الرّيّ إلى دمشق أعجبهم علم أبي زرعة، فكنّوا صاحبهم الحافظ عبيد الله بن عبد الكريم بكنيته. وقال ابن ناصر الدين: علم، حافظ، ثبت. مات سنة إحدى وثمانين ومائتين [1] . قلت: و «تاريخه» منشور في «مجمع اللغة العربية» بدمشق في مجلدين بتحقيق الأستاذ شكر الله بن نعمة الله القوجاني، وهي نشرة جيدة متقنة. 10- أبو حنيفة الدّينوري هو أحمد بن داود بن ونند الدينوري، أبو حنيفة، الإمام المؤرّخ، المهندس، النباتي، أحد نوابغ الدهر، صاحب «الأخبار الطوال» ، وغير ذلك من المصنفات. ولد في مدينة الدينور من أعمال الجبال بأرض فارس [2] ، ونشأ في أسرة من أصل فارسي، وقد عاش معظم حياته في تلك المدينة، وأمضى شبابه في الرحلات، وقادته هذه الرحلات إلى بلاد ما بين النهرين، ثم امتدت به أسفاره إلى المدينة المنورة، وإلى بيت المقدس، وإلى شواطئ الجزيرة العربية من جهة الخليج، فعاش في هذه البلدان فترات مختلفة، ثم انتقل إلى أصفهان سنة (235) هـ وعاش بها مدة، اشتغل فيها برصد الكواكب. قال أبو حيّان: الذي أقوله وأعتقده، وآخذ به، وأستهام عليه، أني لم أجد

_ [1] وهو ما ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ، وابن العماد في «شذرات الذهب» ، وقيل غير ذلك. [2] انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 545) .

11 - الطبري

في جميع من تقدم وتأخر إلا ثلاثة، لو اجتمع الثّقلان على تقريظهم ومدحهم ونشر فضائلهم في أخلاقهم، وعلمهم، ومصنفاتهم، ووسائلهم مدى الدّنيا إلى أن يأذن الله بزوالها، لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم، أحدهم عمرو بن بحر، والثاني أبو حنيفة بن داود الدينوري، فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له في كل فنّ ساق وقدم، ورواء وحكم. وأما الثالث فهو أبو زيد البلخي. نعم لقد كان أبو حنيفة عالما في شتى العلوم والمعارف، حباه الله بعقلية علمية واسعة، واستوعبت معارف كثيرة انفرد بها عن علماء فترته وما تلاها ممّن كان لهم شأن في تاريخ الأدب العربي، وعلوم اللغة، فلقد كان أبو حنيفة عالما في كثير من فروع العلم، وكان دائما مجدّدا، وظل مع كل هذا مبدعا دون تكرار عن أسلافه ومعاصريه. مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وكتابه «الأخبار الطوال» من أهم المصادر التاريخية الأولى، وغاية في سرد حوادث الحياة المعاشية، والسياسية، والحربية عند الفرس، وفي الإبانة عن الأحداث الدقيقة في الدولة الإسلامية حتى عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله، وقد طبع في مصر بتحقيق الأستاذ عبد المنعم عامر، ومراجعة الدكتور جمال الدين الشيّال، وهي طبعة جيدة متقنة منتشرة. 11- الطّبري هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري، أبو جعفر، الإمام المؤرّخ المفسّر الكبير صاحب «التفسير» ، و «التاريخ» . ولد في آمل [1] طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين، وطلب العلم بعد

_ [1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 57) .

الأربعين ومائتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرّجال، وكان من أفراد الدّهر علما، وذكاء، وكثرة تصانيف، قلّ أن ترى العيون مثله. وسمع من محمد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، وإسماعيل بن موسى السّدّي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن أبي معشر، وغيرهم. وحدّث عنه: أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحرّاني- وهو أكبر منه-، وأبو القاسم الطّبراني، وأحمد بن كامل القاضي، وأبو بكر الشّافعي، وأبو أحمد بن عدي، وغيرهم كثير. واستقرّ في أواخر أمره ببغداد، وكان من كبار أئمة الاجتهاد. قال الخطيب البغدادي: كان محمد بن جرير أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله تعالى، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفا بأيام الناس وأخبارهم [1] . وقال الذهبي: كان ثقة، صادقا، حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه والإجماع والاختلاف، علّامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك. قال ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير. ووصفه ابن العماد بالحبر، البحر، الإمام. مات سنة عشر وثلاثمائة، وقد رثاه ابن دريد بقصيدة مطوّلة، منها قوله: لو تعلم الأرض من وارت لقد خشعت ... أقطارها لك إجلالا وترحيبا

_ [1] وقد اقتبس السمعاني كلام الخطيب هذا في «الأنساب» (8/ 205) وزاد عليه، فراجعه.

12 - ابن أبي حاتم

إن يندبوك فقد ثلّت عروشهم ... وأصبح العلم مرثيّا ومندوبا ومن أعاجيب ما جاء الزّمان به ... وقد يبين لنا الدّهر الأعاجيبا أن قد طوتك غموض الأرض في لحف ... وكنت تملأ منها السّهل واللّوبا قلت: وقد قامت شهرته على كتابيه «التاريخ» ، و «التفسير» ، وقد طبع الأول منهما في مصر طبعة متقنة في دار المعارف بتحقيق المحقق المعروف الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم. وطبع من الثاني ستة عشر مجلدا في دار المعارف أيضا، وقد تولى تحقيقها العالم المحقّق الأستاذ محمود محمد شاكر، بإشراف شقيقه العلّامة المحقّق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله في أجزائه الأولى، ثم انفرد بتحقيقه في بقيتها. ونسأل الله عزّ وجلّ أن يلهم محقّقه متابعة تحقيق ما بقي من أجزائه، إنه تعالى خير مسؤول. 12- ابن أبي حاتم هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الرّازي الحنظلي الغطفاني، أبو محمد، المعروف بابن أبي حاتم، لأن كنية أبيه أبو حاتم. صاحب كتاب «الجرح والتعديل» ، وغير ذلك من المصنفات المشهورة. ولد سنة أربعين أو إحدى وأربعين ومائتين بالرّيّ، ولم يدعه أبوه الإمام العالم الكبير أبو حاتم الرازي يطلب الحديث حتى قرأ القرآن على الفضل بن شاذان، وهو من العلماء المقرئين، ثم شرع في الطلب على أبيه، وعلى الإمام أبي زرعة الرازي، وغيرهما من محدّثي بلده الرّي. قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي في ترجمة عملها لابن أبي حاتم:

كان رحمه الله قد كساه الله نورا وبهاء، يسرّ من ينظر إليه. سمعته يقول: رحل بي أبي سنة خمس وخمسين ومائتين، وما احتلمت بعد، فلما بلغنا ذا الحليفة احتلمت، فسرّ أبي، حيث أدركت حجة الإسلام، فسمعت في هذه السنة من محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ. قال الذهبي: وسمع من أبي سعيد الأشج، والحسن بن عرفة، والزعفراني، ويونس بن عبد الأعلى ... وخلائق من طبقتهم وممّن بعدهم بالحجاز، والعراق، والعجم، ومصر، والشام، والجزيرة، والجبال. وروى عنه: ابن عدي، وحسين بن علي التميمي، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو الشيخ بن حيّان، وأبو أحمد الحاكم، وعلي بن عبد العزيز بن مردك ... وخلق سواهم. وقال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمد علم أبيه، وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرّجال. وقال أيضا: يقال: إن السّنّة بالرّي ختمت بابن أبي حاتم. قال الذهبي: ومن كلامه قال: وجدت ألفاظ التعديل والجرح مراتب، فإذا قيل: ثقة، أو متقن، احتجّ به، وإن قيل: صدوق، أو محلّه الصدق، أو لا بأس به، فهو ممّن يكتب حديثه، وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية، وإذا قيل: شيخ، فيكتب حديثه، وهو دون ما قبله، وإذا قيل: صالح الحديث، فيكتب حديثه وهو دون ذلك يكتب حديثه للاعتبار، وإذا قيل: ليّن، فدون ذلك، وإذا قالوا: ضعيف الحديث، فلا يطرح حديثه، بل يعتبر به، فإذا قالوا: متروك الحديث، أو ذاهب الحديث، أو كذّاب، فلا يكتب حديثه. مات سنة سبع وعشرين وثلاث مائة بالرّي، وله بضع وثمانون سنة. قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «الجرح والتعديل» وهو مطبوع في حيدر أباد بالهند في تسع مجلدات بعناية العلّامة المحقّق الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني طيّب الله ثراه .

13 - المسعودي

13- المسعودي هو علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن، من ذريّة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب «أخبار الزمان ومن أباده الحدثان» و «مروج الذهب» وغير ذلك من المصنفات التاريخية المتنوعة. ولد في بغداد [1] وأخذ العلم فيها وفي غيرها من الأمصار. ورحل في الآفاق إلى أن حطّت رحاله في مصر، فأقام فيها إلى أن مات. قال الذهبي: وكان أخباريّا، صاحب ملح وغرائب وعجائب وفنون، وكان معتزليا، أخذ العلم عن أبي خليفة الجمحي، ونفطويه، وعدّة. وقال ابن حجر: ذكره ابن دحية في «كتاب صفين» فقال: مجهول لا يعرف، ونكرة لا يتعرف، كذا قال ولم يصب. قال الذهبي: مات في جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وثلاث مائة. وذكر غيره بأنه مات سنة ست وأربعين وثلاث مائة. قلت: وقد قامت شهرة المسعودي على كتابيه المشار إليهما في صدر الترجمة، وقد ذكر الزركلي رحمه الله بأن كتابه «أخبار الزمان» يقع في ثلاثين مجلدا بقي منه الجزء الأول مخطوطا، ولم يذكر مكان وجوده. وأما كتابه «مروج الذهب» فقد طبع أول مرة في باريس بفرنسا في تسع مجلدات من الحجم الصغير، ولكن آفة هذه الطبعة أنها قدمت إلى القرّاء وكتبت هوامشها باللغة الفرنسية الأمر الذي قلل من إمكانية الفائدة منها. وطبع للمرة الثانية في بيروت بتحقيق المستشرق شارل بلا، وقد صدرت هذه الطبعة في أربعة مجلدات. ثم طبع في المكتبة التجارية الكبرى في مصر بتحقيق العلّامة المحقق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله تعالى، وقد صدرت هذه الطبعة في أربعة مجلدات أيضا، وهي أفضل طبعة صدرت من الكتاب، وهذا الكتاب هو أحد مصادر ابن العماد في كتابه.

_ [1] ونسبه النديم في «الفهرست» ص (171) من طبعة الأستاذ رضا تجدد إلى المغرب.

14 - ابن حبان

14- ابن حبّان هو محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان التميمي البستي، أبو حاتم، الإمام العلّامة، شيخ خراسان في عصره، صاحب «الصحيح» ، و «مشاهير علماء الأمصار» ، وغيرهما من المصنفات المشهورة. ولد سنة بضع وسبعين ومائتين في بست من إقليم سجستان، وتنقل في الأقطار، فرحل إلى خراسان، والشام، ومصر، والعراق، والجزيرة، ونيسابور، والبصرة، وغير ذلك من الأمصار. وأكبر شيخ لقيه أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، سمع منه بالبصرة، ومن زكريا السّاجي، وسمع بمصر من أبي عبد الرحمن النسائي، وإسحاق بن يونس المنجنيقي، وعدّة، وبالموصل من أبي يعلى أحمد بن علي، وبنسإ من الحسن بن سفيان، وبجرجان من عمران بن موسى بن مجاشع السّختياني، وببغداد من أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصّوفي وطبقته، وبدمشق من جعفر بن أحمد، ومحمد بن خريم، وخلق، وفي غير ذلك من الأمصار. وحدّث عنه: أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله الحاكم، ومنصور بن عبد الله الخالدي، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني، وغيرهم. قال أبو سعد الإدريسي: كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء الدّين، وحفّاظ الآثار، عالما بالطب، والنجوم، وفنون العلم، صنّف «المسند الصحيح» [1] ، وكتاب «التاريخ» ، وكتاب «الضعفاء» ، وفقّه الناس بسمرقند. وقال الحاكم: كان ابن حبّان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ، ومن عقلاء الرجال. وقال الخطيب البغدادي: كان ابن حبّان ثقة نبيلا فهما. وقال ابن العماد: كان حافظا، ثبتا، إماما، حجّة، أحد أوعية العلم.

_ [1] وهو المعروف أيضا بكتاب «الأنواع والتقاسيم» .

15 - أبو نعيم الأصبهاني

قال السمعاني: مات في شوّال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، ودفن ببست في الصّفّة التي ابتناها بقرب داره التي هي اليوم مدرسة لأصحابه، ولهم جرايات يستنفقونها. قلت: وقد قامت شهرته عند أهل العلم على كتابه «المسند الصحيح» الذي رتبه الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي المتوفى سنة (739) هـ، وهو الذي يطبع في مؤسسة الرسالة في بيروت، وقد صدر المجلد الأول منه بتحقيق الأستاذ حسين سليم الأسد، والشيخ شعيب الأرناؤوط. وعلى كتابه الآخر «مشاهير علماء الأمصار» المطبوع بعناية المستشرق الألماني الدكتور مانفريد فلايشهمر، وهي طبعة سقيمة تفتقر إلى الضبط، والتحقيق، وجمال الإخراج، وقد صدرت في مصر. 15- أبو نعيم الأصبهاني هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني الأصبهاني، أبو نعيم، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» ، و «دلائل النبوة» ، و «معرفة الصحابة» ، وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة. ولد في أصبهان سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وأخذ العلم عن جمهرة كبيرة من العلماء الأعلام، وأخذ العلم عنه طائفة كبيرة من أهل العلم. وقد تضاربت الآراء فيما يتصل بتوثيقه وضعفه عند أصحاب السّير والتراجم، وإليك البعض مما قالوه: قال ابن ناصر الدّين: لا يلتفت إلى قول من تكلم فيه لأنه صدوق عمدة. وقال الخطيب البغدادي: لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير أبي نعيم، وأبي حازم. وقال مردويه: لم يكن في أفق من الآفاق أحفظ ولا أسند منه.

وقال ابن العماد: تفرّد في الدّنيا بعلو الإسناد، مع الحفظ والاستبحار في الحديث وفنونه. وقال ابن كثير: قال الخطيب البغدادي: كان أبو نعيم يخلط المسموع له بالمجاز، ولا يوضّح أحدهما من الآخر. وقال أيضا: قال عبد العزيز النّخشبي: لم يسمع أبو نعيم «مسند الحارث بن أبي أسامة» من أبي بكر بن خلّاد بتمامه، فحدّث به كله. وقال ابن الجوزي: سمع الكثير، وصنّف الكثير، وكان يميل إلى مذهب الأشعري في الاعتقاد ميلا كثيرا. توفي في الثامن والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة. قلت: وقد قامت شهرة الرجل على كتابه الكبير الشهير «حلية الأولياء» الذي قال فيه ابن ناصر الدّين: لما صنّف [أبو نعيم] كتاب «الحلية» حملوه إلى نيسابور، فبيع بأربعمائة دينار. وقال ابن كثير: دلّت «حلية الأولياء» على اتساع روايته، وكثرة مشايخه، وقوة اطّلاعه على مخارج الحديث، وشعب طرقه. وقد طبعت «الحلية» منذ عهد بعيد طبعة تجارية تفتقر إلى التحقيق والتخريج والإخراج اللائق بها، وقد صوّرت تلك الطبعة مرات كثيرة فيما بعد. وأما كتابه «دلائل النبوّة» فقد طبع مرتين، الأولى طبعة تجارية في مجلد واحد، والثانية علمية جيدة، تولى تحقيقها الدكتور محمد رواس قلعجي، وخرّج أحاديثها الأستاذ عبد البرّ عباس، وقد صدرت مصوّرة جديدة عن هذه الطبعة عن دار ابن كثير بدمشق، والمكتبة العربية بحلب. وأما كتابه «معرفة الصحابة» فهو مخطوط، قال الزركلي: بقيت منه مخطوطة في مجلدين، عليها قراءة سنة (551 هـ) في مكتبة أحمد الثالث بطوبقبو سراي باستانبول رقم (497) كما في مذكرات الميمني.

16 - ابن حزم

16- ابن حزم هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، وأحد الأئمة الإسلام، صاحب «المحلّى» ، و «جمهرة أنساب العرب» ، وغيرهما من المصنفات الكثيرة النافعة. ولد بقرطبة من بلاد الأندلس في شهر رمضان سنة (384) هـ، ونشأ في نعمة سابغة، وجاه عريض، وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين، فقيها، حافظا، يستنبط الأحكام من الكتاب والسّنّة، بعيدا عن المصانعة. وكان إليه المنتهى في الذكاء، والعربية، والآداب، والمنطق، والشعر، مع الصدق، والديانة، والحشمة، والسؤدد، والرياسة، والثروة، وكثرة الكتب. قرأ ابن حزم على أبي عمر أحمد بن الحسين، ويحيى بن مسعود، وأبي الخيار مسعود بن سليمان الظاهري، ويونس بن عبد الله القاضي، ومحمد بن سعيد بن ساني، عبد الله بن الربيع التميمي، وعبد الله بن يوسف بن نامي، وغيرهم. وروى عنه أبو عبد الله الحميدي صاحب «جذوة المقتبس» فأكثر الرواية عنه، كما روى عنه بالإجازة سريج بن محمد بن سريج المقبري، فكان خاتمة من روى عنه. ونشر علمه بالمشرق ولده أبو رافع، كما روى عنه ابناه: أبو أسامة يعقوب، وأبو سليمان المصعب، وممّن تتلمذ له الوزير الإمام أبو محمد بن المغربي، صحبه سبعة أعوام سمع فيها جلّ مصنفاته، واستمرت قراءته عليه إلى سنة وفاته. قال الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لأبي محمد بن حزم يدلّ على عظم حفظه، وسيلان ذهنه. وقال ابن صاعد في «تاريخه» : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة

17 - الخطيب البغدادي

لعلوم الإسلام، وأوسعهم مع توسّعه في علم اللسان، والبلاغة، والشعر، والسّير، والأخبار. وقال ابن خلّكان: كان حافظا، عالما بعلوم الحديث، مستنبطا للأحكام من الكتاب، والسّنّة ... وكان متفننا في علوم جمّة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدّنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك، متواضعا ذا فضائل وتآليف كثيرة. ولكنه كان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين، لا يكاد أحد يسلم من لسانه، فنفرت عنه القلوب، واستملل من فقهاء وقته، فمالوا على بغضه، وردّوا قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنّعوا عليه، وحذّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامّهم عن الدنوّ إليه، والأخذ عنه، فأقصته الملوك، وشرّدته عن بلاده. وقال ابن العريف: كان لسان ابن حزم، وسيف الحجّاج شقيقين. مات مشردا عن بلده من قبل الدولة ببادية لبلة [1] بقرية له، ليومين بقيا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة. قلت: وقد أشتهر ابن حزم بكتابيه «المحلى» وهو في الفقه، وقد نشر في مصر، وقام بتحقيقه العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ عبد الرحمن الجزيري، وأتمه الشيخ محمد منير الدمشقي، وقد صدر في أحد عشر مجلدا. و «جمهرة أنساب العرب» وهو من خيرة كتب الأنساب، وقد نشر في دار المعارف بمصر عام 1382 هـ بتحقيق الأستاذ المحقّق عبد السلام محمد هارون، وهي طبعة جيدة متقنة مفهرسة. 17- الخطيب البغدادي هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، أبو بكر،

_ [1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 10) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (507- 508) .

المعروف، بالخطيب [1] ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب التآليف المنتشرة في الإسلام، وأشهرها «تاريخ بغداد» و «الكفاية في علم الرواية» ، و «شرف أصحاب الحديث» ، و «اقتضاء العلم العمل» ، وغير ذلك من المصنفات. ولد في شهر جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة في غزية بمنتصف الطريق بين الكوفة ومكة، ونشأ في بغداد، ورحل إلى البصرة، وأصبهان، وخراسان، والحجاز، والشام، والكوفة، والدينور، وغير ذلك من الأمصار، وشيوخه أكثر من أن يذكروا، منهم القاضي أبو الطيب الطبري، وأبو الحسن المحاملي، وأبو عمر بن مهدي، وابن الصلت الأهوازي. قال السّمعاني: كان إمام عصره بلا مدافعة، وحافظ وقته بلا منازعة، صنّف قريبا من مائة مصنّف صارت عمدة لأصحاب الحديث. وقال الأمير ابن ماكولا: كان أحد الأعيان ممّن شاهدناه: معرفة، وحفظا، وإثباتا، وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفننا في علله وأسانيده، وعلما بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره، قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله. وقال ابن الأهدل: تصانيفه قريب من مائة مصنف في اللغة، وبرع فيها، ثم غلب عليه الحديث والتأريخ. وقال أبو علي البرداني: لعلّ الخطيب لم ير مثل نفسه. قال ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحدّث عن أبي الفضل بن خيرون أو غيره، أن الخطيب ذكر أنه لما حجّ شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله ثلاث حاجات، أخذا بالحديث: «ماء زمزم لما شرب له» [2] . الحاجة الأولى: أن يحدّث بتاريخ بغداد بها [3] .

_ [1] وهذه النسبة إلى الخطابة على المنابر. [2] وهو حديث صحيح (ع) . [3] لفظة «بها» سقطت من «طبقات الحفّاظ» للسيوطي صفحة (325) بتحقيق الأستاذ علي محمد عمر، وانظر «تذكرة الحفّاظ» للذهبي (3/ 1159) .

الثانية: أن يملي الحديث بجامع المنصور. الثالثة: أن يدفن عند بشر الحافي. فقضى الله له ذلك. وقال أبو الحسن الهمذاني: مات هذا العلم [1] بوفاة الخطيب، وقد كان رئيس الرؤساء [2] تقدم إلى الوعاظ والخطباء ألّا يرووا حديثا حتى يعرضوه على أبي بكر، وأظهر بعض اليهود كتابا بإسقاط النبيّ صلى الله عليه وسلم الجزية عن الخيابرة، وفيه شهادة الصحابة، فعرضه الوزير على أبي بكر فقال: هذا مزوّر، قيل: من أين قلت هذا؟ قال: فيه شهادة معاوية، وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ، ومات قبل خيبر بسنين. ومات الخطيب في السابع من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربع مائة. قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «تاريخ بغداد» وهو كتاب عظيم جليل القدر يضمّ سبعة آلاف وثمانمائة وثلاثة وستين ترجمة كما ذكر الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في مؤلفه النافع «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» ص (87) ، وقد طبع «تاريخ بغداد» في مطبعة السعادة في مصر سنة (1349) هـ، وصدر في أربعة عشرة مجلدا [3] .

_ [1] أي فن الحديث النبوي. [2] في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي: «رئيس الخطباء» . [3] قال الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» حاشية الصفحة (87) ما ملخصه: في طبعة «تاريخ بغداد» المشار إليها سقط كثير، وأخطاء متعددة، منها ما يتعلق بتصحيف الأسماء وقلبها، واختلاط إسناد رواية بإسناد رواية أخرى، مع سقط الرواية الأولى، أو سقوط اسم وسط السند، وغير ذلك. قلت: وأنا أسأل الله تعالى أن يلهم الأستاذ الدكتور أكرم العمري أن يتصدى لمهمة تحقيق هذا الكتاب العظيم سيّما وقد درسه وسبر غوره ووقف على ما فيه من الأغلاط لدى إعداده لكتابه المشار إليه، إنه تعالى خير مسؤول.

18 - السمعاني

18- السّمعاني هو عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله السّمعاني، أبو سعد، تاج الإسلام، الإمام المؤرّخ الكبير، صاحب كتاب «الأنساب» وصاحب التصانيف الكثيرة، والفوائد الغزيرة، والرحلة الواسعة. ولد بمرو يوم الإثنين الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمسمئة. رحل في طلب العلم إلى عدد كبير من الأمصار، منها بلاد خراسان، وأصبهان، وما وراء النهر، والعراق، والحجاز، والشام، وطبرستان، وزار بيت المقدس وهو بأيدي النصارى، وحجّ مرتين. وعمل معجم شيوخه في عشر مجلدات كبار. قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد ... وسرد تصانيفه [1] . وذكر المعلمي بعض شيوخه، منهم: أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين الشيروي النيسابوري المتوفى سنة (510) هـ. وأبو العلاء عبيد بن محمد بن عبيد القشيري التاجر النيسابوري المتوفى سنة (512) هـ. وأبو القاسم سهل بن إبراهيم السبعي المسجدي النيسابوري المتوفى سنة (522) هـ. وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي المتوفى سنة (530) هـ.

_ [1] وانظر أسماء مصنفاته في مقدمة العلّامة المحقّق الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني لكتاب «الأنساب» (1/ 23- 27) .

وأبو القاسم تميم بن أبي سعيد الجرجاني مسند هراة المتوفى سنة (531) هـ. وأبو الفرج بن أبي الرجاء الأصبهاني المتوفى سن (532) هـ. وأبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري النيسابوري المتوفى سنة (532) هـ. وأبو نصر أحمد بن محمد بن عمر الغازي الأصبهاني المتوفى سنة (532) هـ. وأبو الحسن محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي الفقيه المتوفى سنة (532) هـ. ثم عاد إلى مرو وألقى عصا الترحال بعد ما شقّ الأرض شقّا، وأقبل على التصنيف، والإملاء، والوعظ، والتدريس، ونشر العلم. توفي في شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وستين وخمسمئة. وقد أثنى عليه عدد كبير من أهل العلم والفضل. قال صديقه وزميله الحافظ ابن عساكر الدمشقي: كان متصونا، عفيفا، حسن الأخلاق ... وهو الآن شيخ خراسان غير مدافع عن صدق ومعرفة وكثرة سماع لأجزاء وكتب مصنفة. وقال ابن النجار: كان مليح التصانيف، كثير النشوار والأناشيد، لطيف المزاح، ظريفا، حافظا، واسع الرحلة، ثقة، صدوقا، ديّنا، سمع منه مشايخه وأقرانه. وقال الذهبي: كان ذكيا، فهما، سريع الكتابة، مليحها، درّس وأفتى، ووعظ وأملى، وكتب عمّن دبّ ودرج. وكان ثقة، حافظا، حجة، واسع الرحلة، عدلا، ديّنا، جميل السيرة، حسن الصحبة، كثير المحفوظ. قلت: وقد قامت شهرة السمعاني على كتابه «الأنساب» الذي هو بحق

19 - ابن عساكر الدمشقي

الكتاب الوحيد الجامع في هذا الفن، وقد نشر هذا الكتاب في العصر الحاضر على أيدي عدد من العلماء والأساتذة، فقد قام الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني بتحقيق الأجزاء الستة الأولى منه، ونشرت في الهند، ثم قام الأستاذ محمد عوامة بتحقيق الجزء السابع، وقد أشرف على القسم الأول منه- وهو الذي يضم تراجم حرف السين بكاملها- والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ثم صدر الجزء الثامن بتحقيق الأستاذ محمد عوامة أيضا، والجزء التاسع بتحقيق الأستاذين محمد عوامة، ورياض عبد الحميد مراد، والجزء العاشر بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، والجزء الحادي عشر بتحقيق الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع الحافظ، والجزء الثاني عشر- وهو الأخير- بتحقيق صديقنا الفاضل الأستاذ أكرم البوشي، وقد صدرت الأجزاء الستة الأخيرة منه عن منشورات أمين دمج في بيروت خلال السنوات العشر الأخيرة [1] . 19- ابن عساكر الدمشقي هو علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله، الملقب بثقة الدين، والمعروف بابن عساكر، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «تاريخ مدينة دمشق» وغير ذلك من المصنفات الكثيرة. ولد في دمشق سنة (499) هـ، ومن هنا عرف بالدمشقي نسبة إلى هذه المدينة العظيمة التي يجمع المؤرخون على أنها من أقدم مدن العالم، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق. وبيت ابن عساكر من البيوت الدمشقية المشهورة بالعلم والفضل، وقد اشتهر أبناؤه بالتقوى والتصدّي لنفع الناس في دينهم. وقد أخذ ابن عساكر شيئا من العلم عن أهله، وانتفع بصحبة جده أبي

_ [1] وقد توسعت في الكلام عن هذا الكتاب العظيم في كتابي «عناقيد ثقافية» ص (85- 91) طبع دار المأمون للتراث بدمشق فليرجع إليه من شاء.

الفضل في النحو، كما تفقّه في حداثة سنّه على الفقيه العالم أبي الحسن السّلمي. ثم رحل، وطوّف، وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم السّمعاني في الرحلة. سمع في بغداد سنة عشرين وخمسمئة من أصحاب البرمكي، والتنوخي، والجوهري. ثم رجع إلى دمشق. ثم رحل إلى خراسان، ودخل نيسابور، وهراة، وأصبهان، والجبال. وأخذ عن شيوخ مكّة، والمدينة، ومنى، والكوفة، وسرخس، والجزيرة، وغير ذلك من البلاد. وذكر بعض المؤرخين بأن عدّة الشيوخ الذين سمع منهم ألف وثلاثمائة شيخ، وثمانون امرأة. ولم يخرج ابن عساكر عن إطار الحديث، والفقه، والتاريخ، والأخبار، والأدب، وهي الموضوعات التي خاض عبابها، وما كان اعتماده على النقل فقط، بل كان يستعمل العقل أيضا، يدلّ على ذلك مذهبه في المصنفات التي خلّفها، فهو معنيّ بحل المشاكل، يناقش ويجادل بعيدا عن التعصب لمذهبه الشافعي، وكان إلى الاجتهاد أقرب منه إلى التقليد والجمود والوقوف عند أقوال من كان قبله، ولا غرو فالتاريخ يوسّع العقل، ويورث صاحبه نورا لا يستضيء بمثله عقل من لم يرزق حظا من النظر فيه. توفي في الحادي عشر من شهر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمئة، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين جنازته، وصلى عليه الشيخ قطب الدين النيسابوري، ودفن في مقابر الباب الصغير. قال السّمعاني: كان كثير العلم غزير الفضل، حافظا، متقنا، ديّنا، خيّرا، حسن السمت، جمع بين المتون والأسانيد، متثبتا، محتاطا. وقال ابن خلكان: كان محدّث الشام في وقته، ومن أعيان فقهاء

الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره. وقال ابن كثير: أحد أكابر حفّاظ الحديث، وممّن عني به سماعا، وجمعا، وتصنيفا، واطّلاعا، وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانا لأساليبه وفنونه، صنّف «تاريخ الشام» في ثمانين مجلدة، فهي باقية بعده مخلّدة، وقد ندر من تقدمه من المؤرخين، وأتعب من يأتي بعده من المتأخرين، فحاز فيه قصب السبق، ومن نظر فيه وتأمله رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره في التواريخ، وأنه الذروة العليا من الشماريخ. وقال ابن النجار: هو إمام المحدّثين في وقته، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان، والثقة، والمعرفة التامة، وبه ختم هذا الشأن. قلت: وقد قامت شهرة ابن عساكر على كتابه العظيم «تاريخ مدينة دمشق» الذي قال فيه العلّامة الأستاذ محمد كرد علي الرئيس الأول لمجمع اللغة العربية بدمشق: يقع في ثمانين مجلدة، لم يترك شيئا عن دمشق إلا وذكره فيه، ولا نعرف مدينة من مدن الدنيا حظيت بمثله، ففي المجلدتين الأولى والثانية تكلّم عن تخطيط دمشق وسورها وأبوابها وخططها، وأنهارها، وتخطيطها، وقد ترجم ابن عساكر في بقية المجلدات لكل من يصحّ أن يترجم له من أهل دمشق، وخلفائها، وأمرائها، وحكامها، وقضاتها، وعلمائها، وأدبائها، منذ الفتح الإسلامي وإلى زمانه. قلت: يقوم مجمع اللغة العربية العامر بدمشق منذ أكثر من ثلاثين عاما بطبع هذا الكتاب العظيم، وقد صدرت منه عشر مجلدات بتحقيق عدد كبير من العلماء والباحثين منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وقد اختصر الإمام ابن منظور هذا الكتاب العظيم، و «مختصره» يطبع الآن بتحقيق عدد من الأساتذة الأفاضل، وقد صدرت منه حتى الآن ثمانية أجزاء، ويتوالى صدور الأجزاء الأخرى تباعا خلال هذا العام والذي يليه، وهو من منشورات دار الفكر بدمشق.

20 - السهيلي

وقام بتهذيبه العلّامة المحدّث المؤرخ الشيخ عبد القادر بدران الدوماني الدمشقي المتوفى سنة (1346) هـ، وقد نشرت المكتبة العربية بدمشق سبعة أجزاء منه، خمسة منها نشرت في حياته، واثنان نشرا بعد وفاته بعناية الأستاذ أحمد عبيد. 20- السّهيلي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي الأندلسي المالقي السّهيلي، أبو القاسم، وأبو زيد، الإمام الحافظ النحوي المؤرّخ، صاحب «الروض الأنف» ، و «التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام» ، وغير ذلك من المصنفات المفيدة. ولد بوادي سهيل من إقليم مالقه بالأندلس سنة (508) هـ، وسمع من ابن العربي، وطائفة، وأخذ النحو والأدب عن ابن الطّراوة، والقراءات عن أبي داود الصغير سليمان بن يحيى. وعمي وعمره سبعة عشرة سنة. ولما نبغ، اتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. وكان إماما في لسان العرب، واسع المعرفة، غزير العلم، نحويا متقدما لغويا، عالما بالتفسير، وصناعة الحديث، عارفا بالرّجال وبالتاريخ، ذكيا نبيها، صاحب استنباطات. وهو صاحب الأبيات: يا من يرى ما في الضّمير ويسمع ... أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع يا من يرجّى للشّدائد كلّها ... يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن ... أمنن فإنّ الخير عندك أجمع

21 - ابن الجوزي

ما لي سوى فقري إليك وسيلة ... وبالافتقار إليك فقري أدفع ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأيّ باب أقرع من ذا الّذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع حاشا لجودك أن تقنّط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب أوسع ثمّ الصّلاة على النّبيّ وآله ... خير الأنام ومن به يتشفّع قلت: وقد قامت شهرة السّهيلي على كتابه الفذ «الروض الأنف» الذي شرح فيه «السيرة النبوية» التي صنفها ابن إسحاق، وهذبها ابن هشام، وقد طبع كتابه المذكور عدة مرات، أفضلها الطبعة التي حقّقها الأستاذ عبد الرحمن الوكيل، المنشورة في مصر. وأما كتابه الآخر «التنبيه والإعلام» فإني أقوم بتحقيقه بالاشتراك مع والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وسيصدر عن دار ابن كثير قريبا إن شاء الله تعالى. 21- ابن الجوزي هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، أبو الفرج الإمام الحافظ المؤرخ الواعظ الكبير، صاحب «المنتظم في تاريخ الأمم» ، و «زاد المسير في علم التفسير» ، و «أخبار الأذكياء» ، وغير ذلك من المصنفات المختلفة ذات النفع العظيم. ولد في بغداد سنة (511) هـ، وشرع في طلب العلم وهو صغير، فأخذ العلم عن جمهرة من أفاضل العلماء في عصره، منهم: أبو بكر الدّينوري، والقاضي أبو يعلى، والقاضي أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم الحريري، وأبو السعادات المتوكلي، وأبو عبد الله البارع، وأبو الحسن علي بن أحمد الموحد،

وأبو غالب الماوردي، وأبو القاسم السّمرقندي، وأبو القاسم علي الهروي، وأبو منصور القزّاز، وعلي بن عبد الله الزّاغوني، ومحمد بن ناصر السّلامي، وابن الباقلّاني، وسواهم. وحلّق في مختلف فروع العلم، وبلغ في صناعة الوعظ شهرة عمّت الآفاق، والقصص التي تروى عن براعته في هذا الفن تدخل تحت باب الإعجاز، فمجلسه في الوعظ كان يحضره الخلفاء، والوزراء، والأعيان، والعلماء، وأقل ما كان يحضر مجلسه عشرة آلاف، وربما حضره مائة ألف، وقد شهد مجلسه الرحالة الشهير ابن جبير، وأطنب في الكلام عنه في «رحلته» . وكان رحمه الله من أحسن الناس كلاما وأتمّهم نظاما، وأعذبهم لسانا، وأجودهم بيانا، وكان مكثرا من التصنيف في شتى فروع العلم، فقد تجاوزت مؤلفاته أربعمائة مؤلف، بعضها يقع في عدة مجلدات، والآخر في مجلد أو رسالة. توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة، فاجتمعت جموع غفيرة جدا من أهل بغداد في تشييعه، وغلقت الأسواق، وحملت جنازته على رؤوس الناس إلى مقبرة باب حرب، فدفن فيها إلى جوار قبر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. قلت: وقد قامت شهرة ابن الجوزي على جملة من مؤلفاته، ومن أهمها كتبه الثلاثة المنوّه عنها في صدر الترجمة، وقد طبع القسم الموجود منه في الهند، وهو من الكتب التي تحتاج إلى الطبع طبعات محققة متقنة نظرا لما فيه من الفوائد النفيسة. والثاني منها وهو «زاد المسير في علم التفسير» قام بتحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصدر عن المكتب الإسلامي بدمشق في تسع مجلدات، وهي الطبعة الوحيدة منه، وقد صدرت بين عامي (1384- 1388) هـ[1] .

_ [1] وقد تكلمت عن هذا الكتاب النفيس في كتابي «عناقيد ثقافية» ص (101- 105) طبع دار المأمون للتراث بدمشق، فليرجع إليه من شاء.

22 - المقدسي

وأما الثالث منها فقد طبع طبعات كثيرة متعددة في مصر والشام ولبنان، وخير طبعة صدرت منه هي التي قام بتحقيقها الدكتور محمد مرسي الخولي رحمه الله، وقد صدرت في مصر عام 1390 هـ. 22- المقدسي هو عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر الجمّاعيلي [1] المقدسي ثم الدمشقي، أبو محمد، الإمام المحدّث، المحقّق، المؤرّخ، حافظ عصره، صاحب «الكمال في أسماء الرجال» ، و «عمدة الأحكام» [2] ، و «النصيحة في الأدعية الصحيحة» [3] ، وغير ذلك من المصنفات النافعة. ولد بجمّاعيل سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقدم مع أسرته من بيت المقدس إلى الشام، فسكنوا في مسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي لمدينة دمشق أول الأمر، ثم انتقلوا إلى سفح جبل قاسيون، فبنوا دارا كبيرة احتوت على عدد كبير من الحجرات دعيت فيما بعد بدار الحنابلة، ثم شرعوا في بناء أول مدرسة في جبل قاسيون، وهي المعروفة ب «المدرسة العمرية» [4] ، وقد عرفت تلك الضاحية التي سكنوها بالصالحيّة فيما بعد نسبة إليهم، لأنهم كانوا من أهل العلم والصلاح. وقد تتلمذ الحافظ عبد الغني في صغره على عميد أسرته العلّامة الفاضل

_ [1] نسبة إلى جمّاعيل، وهي قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 159) . [2] الذي أكرمني الله عزّ وجلّ بدراسته وتحقيقه، وقام والدي حفظه الله بمراجعته وتقديمه، وقد صدر عن دار المأمون للتراث بدمشق. [3] الذي أكرمني الله عزّ وجلّ بتحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه بإشراف والدي حفظه الله، وقد صدر في طبعتين عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت. [4] هذه المدرسة كانت من خيرة مدارس المسلمين، خرّجت عددا كبيرا من مشاهير العلماء، وكانت فيها مكتبة عظيمة عزّ نظيرها. انظر «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» لابن طولون (1/ 248) بتحقيق الشيخ محمد أحمد دهمان، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.

الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم، ثم قصد بغداد سنة (560) هـ ونزل عند الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني، فقرأ عليه شيئا من الفقه والحديث، وأقام عنده نحو أربعين يوما، بعدها مات الشيخ الجيلاني، فأخذ عن الشيخ أبي الفتح بن المني الفقه والخلاف، ثم رحل إلى أصبهان فمكث فيها وقتا طويلا يدرس ويدرّس إلى أن عاد إلى بغداد مرة ثانية سنة (578) هـ، فحدّث بها، وانتقل من ثمّ إلى دمشق، فأخذ يقرأ الحديث في رواق الحنابلة من مسجد دمشق الأموي، فاجتمع الناس عليه، وكان رقيق القلب سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس عظيم. ثم ضيّق عليه البعض، فرحل إلى بعلبك، ومنها إلى مصر، فنزل عند الطحانين، وصار يقرأ الحديث، فنفق بها سوقه، وصار له حشد وأصحاب، فثار عليه الفقهاء بمصر أيضا، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شكر فأقرّ نفيه إلى المغرب، غير أن الحافظ عبد الغني مات قبل وصول كتاب النفي إليه، وذلك سنة ست مائة من هجرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد وصفه جمع من مشاهير العلماء بأوصاف كثيرة تنبئ عن تمكنه من علم الحديث، وتحليقه في إطار علم الرّجال، وصفاء سريرته، وقوة اعتقاده، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وغضبه لانتهاك حدود الله عزّ وجلّ. قال ضياء الدين المقدسي: كان لا يسأل عن حديث إلا ذكره وبيّنه، وذكر صحته أو سقمه، وكان يقال: هو أمير المؤمنين في الحديث، جاء إليه رجل فقال: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر من هذا العدد لصدق. وقال تاج الدّين الكندي: لم ير الحافظ عبد الغني مثل نفسه، ولم يكن بعد الدارقطني مثله. وقال ابن النجار: حدّث بالكثير، وصنّف في الحديث تصانيف حسنة، وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، قيّما بجميع فنون الحديث.

وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي: كان رفيقي، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدع وقيامهم عليه، وقد رزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة، إلّا أنه لم يعمّر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها. قلت: وقد قامت شهرة الحافظ عبد الغني المقدسي على عدد من كتبه وأهمها «الكمال في أسماء الرجال» الذي ترجم فيه لرجال الكتب الستة المشهورة في علم الحديث، التي عليها المعوّل عند المحدّثين المتقدمين والمحدثين، وهو من الكتب الرائدة في هذا الباب، وقد استفاد العلماء المسلمون من هذا الكتاب العظيم لسنوات طويلة امتدت لقرابة قرن ونصف، إلى أن قام الإمام الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزّي المتوفى سنة (742) هـ بتهذيب هذا الكتاب، وسمّى كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرّجال» الأمر الذي جعل العلماء فيما بعد يميلون إلى اعتماد «تهذيب» المزي لما تضمنه من الزيادة والترتيب والضبط عن «الكمال» نتيجة لتقدم العلم وأساليب البحث والتصنيف عند علماء المسلمين في الفترة الفاصلة بين وفاة الحافظ عبد الغني، وعصر الإمام المزي. ولكن تجدر الإشارة إلى أن عمل المزي في «تهذيب الكمال» لا يلغي بالضرورة ما للحافظ عبد الغني من فضل في جمع مادة الكتاب أصلا، لأن من المسلّم به أنّ الأفضلية من جهة الدراية في العلوم هي للسابق لا للاحق، وهو الأمر الذي بدت مقدمة محقّق «تهذيب الكمال» الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف وكأنها تصرّ على تجاوزه!. ولا أقول هذا لأقلّل من قيمة «تهذيب بالكمال» الذي صنّفه المزّي، فإني من أسعد الناس بظهوره بهذا الإتقان الذي اتّسمت به المجلدات الخمس الأولى الصادرة منه حتى الآن، ولكن الإنصاف هو الذي دعاني إلى التشديد على فضل الحافظ عبد الغني المقدسي في وجود أصل الكتاب [1] .

_ [1] وللتوسّع في دراسة حياة الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى راجع كتابي «عناقيد

23 - ابن الأثير

23- ابن الأثير هو علي بن محمد بن محمد [1] بن عبد الكريم بن الواحد الشّيباني الجزري، أبو الحسن، المعروف بابن الأثير، الإمام المؤرّخ الأديب، صاحب «الكامل» ، و «أسد الغابة» ، و «اللباب في تهذيب الأنساب» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة. ولد بجزيرة ابن عمر سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ونشأ بها، ثم سار إلى الموصل مع والده وأخويه مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير صاحب «جامع الأصول» [2] المتوفى سنة (606) هـ، وضياء الدين أبي الفتح نصر الله بن محمد بن الأثير صاحب «المثل السائر» ، المتوفى سنة (637) هـ، وسمع بها من أبي الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسي، ومن طبقته، وقدم بغداد مرارا، وسمع بها من الشيخين أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصوفي، وغيرهما، ثم رحل إلى الشام، والقدس، وسمع هناك من جماعة، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا إلى العلم والتصنيف، وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها. وكان إماما في حفظ الحديث ومعرفته، وحافظا للتاريخ، وخبيرا بأنساب العرب، وأخبارهم، وأيامهم، ووقائعهم. وقد روى عنه ابن الدبيثي، وخلق. توفي في الخامس والعشرين من شعبان من سنة ثلاثين وستمائة. قال ابن خلّكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء. اجتمعت به في حلب فوجدته مكمّل الفضائل، والتواضع، وكرم الأخلاق، فترددت إليه.

_ ثقافية» ص (137- 145) ، ومقدمتي لكتاب «عمدة الأحكام» ص (17- 24) وكلاهما من منشورات دار المأمون للتراث بدمشق. [1] «ابن محمد» الثانية سقطت من «الأعلام» للزركلي. [2] الذي قام بتحقيقه والدي حفظه الله وصدر بدمشق في أحد عشر مجلدا.

24 - المنذري

وقال الذهبي: كان صدرا معظّما كثير الفضائل، وبيته مجمع الفضلاء. وقال ابن العماد: كان إماما، نسّابة، مؤرّخا، أخباريا، أديبا، نبيلا، محتشما. قلت: وقد قامت شهرته على كتبه الثلاثة المشار إليها في صدر الترجمة، وجميعها، تندرج في إطار علم التأريخ، فكتابه «الكامل» صنّفه مرتبا على السنين، وهو من خيرة التواريخ، ابتدأ فيه من أول الزمان، وانتهى به إلى سنة تسع وعشرين وستمائة، وهو مطبوع ومنتشر، ولكنه يفتقر إلى التحقيق والضبط، والتخريج. وكتابه «أسد الغابة» قال عنه ابن العماد: جمع فيه بين كتاب ابن مندة، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البر، وكتاب أبي موسى، وزاد وأفاد، وهو مطبوع في مصر طبعة متقنة في سبعة مجلدات بدار الشعب. وكتابه «اللباب في تهذيب الأنساب» قال عنه ابن العماد: اختصر [فيه] «الأنساب» لأبي سعد السّمعاني، وهذّبه، وأضاف فيه أشياء وهو في مقدار نصف أصله. وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات، ولكنه يحتاج إلى تحقيق متقن. 24- المنذري هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري، أبو محمد، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «التكملة لوفيات النقلة» و «الترغيب والترهيب» ، و «مختصر صحيح مسلم» وغير ذلك من المصنفات النافعة. ولد في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة في مصر. سمع من الأرياحي، وأبي الجود، وابن طبرزد، وخلق، وتخرّج بأبي الحسن علي بن الفضل ولزمه مدة. وتفقّه على الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي الوراق، وسمع من عبد المجيب بن زهير، ومحمد بن سعيد المأموني، والمطهر بن أبي بكر البيهقي، والحافظ الكبير علي بن الفضل المقدسي، وبه تخرّج.

ورحل في طلب العلم إلى مكة، وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنّا وطبقته، ثم قصد دمشق وسمع فيها من عمر بن طبرزد، ومحمد بن وهب بن الشريف، والخضر بن كامل، وأبي اليمن الكندي، وخلق، ثم سمع بحرّان، والرّها، والإسكندرية، وغيرها. مات سنة ست وخمسين وستمائة في الرابع من شهر ذي القعدة. قال ابن ناصر الدّين: كان حافظا كبيرا، حجة، ثقة، عمدة. وقال: ابن قاضي شهبة: برع في العربية، والفقه، وسمع الحديث بمكة، ودمشق، وحرّان، والرّها، والإسكندرية، وروى عنه الدمياطي، وابن دقيق العيد، والشريف عز الدين، وأبو الحسين اليونيني، وخلق، وتخرّج به العلماء في فنون من العلم، وبه تخرّج الدمياطي، وابن دقيق العيد، والشريف عزّ الدين وطائفة في علوم الحديث. وقال الشريف عزّ الدين: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، عالما بصحيحه، وسقيمه، ومعلوله، وطرقه، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيّما بمعرفة غريبة وإعرابه، واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم، وتعديلهم، ووفياتهم، ومواليدهم، وأخبارهم، إماما، حجّة، ثبتا، ورعا، متحريا فيما يقوله، متثبتا فيما يرويه. قلت: وقد قامت شهرة المنذري على كتبه الثلاثة المنوّه عنها في صدر الترجمة. وقد طبع الأول منها في أربع مجلدات كبيرة بتحقيق الأستاذ الدكتور بشّار عوّاد معروف، وصدر في طبعته الثانية المتقنة عن مؤسسة الرسالة، ولهذا الكتاب «صلة» من تصنيف العلّامة أحمد بن محمد الحسيني تلميذ المنذري المتوفى سنة (695) هـ. وطبع الثاني منها في أربع مجلدات في مصر بتحقيق الأستاذ مصطفى محمد عمارة، وهي طبعة جيدة، وقد صدرت عن شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ويقوم الأستاذ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بفصل الصحيح من أحاديث هذا الكتاب عن الضعيف، وقد صدر جزء من الصحيح من طبعته، وجزء من الضعيف أيضا.

25 - النووي

وكان العلّامة الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله قد أفرد من هذا الكتاب الأحاديث التي وردت في «الصحيحين» فقط في جزء صغير، وقد طبع منذ سنوات طويلة في مصر [1] . وطبع الثالث منها في مجلد كبير في الكويت بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهي طبعة جيدة نافعة، وقد صدرت فيما بعد عن المكتب الإسلامي ببيروت. 25- النّووي هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الدمشقي، أبو زكريا، الإمام الحافظ المؤرّخ الفقيه، صاحب «روضة الطالبين» ، و «تهذيب الأسماء واللغات» ، و «الأذكار» ، و «الأربعين» ، وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة. ولد في نوى من أرض حوران في الجنوب الغربي من سورية، وذلك في العشر الأوسط من شهر الله المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ونشأ نشأة صالحة، وشرع بحفظ القرآن الكريم وهو صغير، ولما بلغ التاسعة عشرة من عمره قدم به والده إلى دمشق لطلب العلم، فسكن المدرسة الرواحية، وأخذ العلم عن جمهرة غفيرة من العلماء الكبار في الشام آنذاك، منهم الرضي بن البرهان، وشيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد الأنصاري، وزين الدين عبد الدائم، وعماد الدين بن عبد الكريم الحرستاني، وزين الدين أبي البقاء خالد بن يوسف المقدسي النابلسي، والشيخ المحقّق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي، والقاضي التفليسي، وقرأ على ابن مالك كتابا من تصنيفه، ولازم الاشتغال والتصنيف ونشر العلم والعبادة والذكر، والصبر على العيش الخشن في المأكل، والملبس بما لا مزيد عليه. وتخرّج به جماعة من العلماء، منهم

_ [1] ويقوم بتحقيقه الآن صديقنا الفاضل الأستاذ مأمون الصاغرجي، وسوف يصدر عن دار ابن كثير بدمشق وبيروت قريبا.

الخطيب صدر الدين سليمان الجعفري، وشهاب الدين الأربدي، وشهاب الدين بن جعوان، وغيرهم. وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق حسبة لوجه الله. وقد أسعف النووي رحمه الله بالتأييد، وساعدته المقادير فقرّبت منه كل بعيد، فكان يجد مع الأهلية ثلاثة أشياء: أولها: فراغ البال، واتساع الزمان. وثانيها: جمع الكتب التي يستعان بها على النظر والاطّلاع على كلام العلماء. وثالثها: حسن النيّة وكثرة الورع والزهد والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها. وكان رحمه الله قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى، فكان ذلك الإنتاج العظيم في عمره القصير الذي لم يتجاوز (45) عاما، ولكنه كان مليئا بالخير والبركة. وسافر آخر عمره إلى بلدته نوى، وزار بيت المقدس، والخليل، ثم رجع إلى نوى، فمرض عند أبويه، وتوفي ليلة الأربعاء لست بقين من شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة، ودفن ببلده وقبره مشهور بها. قلت: وقد قامت شهرة النووي على جملة من كتبه القيّمة، منها كتبه الأربعة التي أشرت إليها في صدر الترجمة، وقد طبع الأول منها في المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصدر في (12) جزءا. وطبع الثاني في إدارة الطباعة المنيرية في مصر، وصوّرت طبعته من قبل عدد من دور النشر في لبنان، وهو أحد الكتب التي نقل عنها ابن العماد، وهو بأمسّ الحاجة إلى طبعة محققة متقنة وأما الثالث منها فقد طبع عدة مرات من غير تحقيق، ثم طبع في دار

26 - ابن خلكان

الملاح بدمشق بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وهي أفضل وأشهر طبعة ظهرت منه. وأما الرابع منها وهو «الأربعين» فقد أكرمني الله عزّ وجلّ بشرحه وتخريج أحاديثه، وقام والدي حفظه الله بمراجعته والحكم على أحاديثه، وقد طبع حديثا في دار ابن كثير بدمشق وبيروت. 26- ابن خلّكان هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان البرمكي الإربلي، أبو العباس، الإمام المؤرّخ الأديب الحجّة، صاحب «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» وهو من أشهر كتب التراجم ومن أحسنها ضبطا وإحكاما كما يقول الزركلي صاحب «الأعلام» . ولد في إربل بالقرب من الموصل، وذلك في سنة ثمان وستمائة. وسمع من ابن مكرم، وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة، وتفقّه بالموصل على كمال الدين بن يونس، وبالشام على ابن شداد، ولقي كبار العلماء، وبرع في الفضائل، والآداب. ودخل الديار المصرية وسكنها، وناب في القضاء عن القاضي بدر الدين السخاوي مدة طويلة، وأدّى عنده شهادة شيخ المالكية أبو عمر ابن الحاجب، وسأله عن مسألة دخول الشرط على الشرط، ثم قدم الشام على القضاء في ذي الحجة سنة تسع وخمسين منفردا بالأمر، فأضيف إليه مع القضاء نظر الأوقاف، والجامع الأموي، والمارستان، وتدريس سبع مدارس: العادلية، والناصرية، والعذراوية، والفلكية، والركنية، والإقبالية، والبهنسية، وقرئ تقليده يوم عرفة، ويوم جمعة بعد الصلاة بالشباك الكمالي من جامع دمشق، ثم عزل بعز الدين الصائغ في أول سنة تسع وستين، فسافر إلى مصر، فأقام سنين معزولا بمصر، ثم أعيد، وصرف ابن الصائغ في أول سنة سبع وسبعين، ثم عزل في آخر

27 - محب الدين الطبري

المحرم سنة وثمانين، وأعيد عز الدين الصائغ، وبقي ابن خلّكان معزولا وبيده الأمينية والنجيبية. مات يوم السبت في السادس عشر من شهر رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة ودفن بصالحية دمشق. وقال تاج الدين الفزاري في «تاريخه» : كان [ابن خلّكان] قد جمع حسن الصورة، وفصاحة النطق، وغزارة الفضل، وثبات الجأش، ونزاهة النفس. وقال الذهبي: كان إماما فاضلا، بارعا، متقنا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علّامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كريما جوادا، ممدوحا، من سروات الناس ... ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة. قلت: وقد قامت شهرة ابن خلّكان على كتابه «وفيات الأعيان» المنوّه عنه في صدر الترجمة، وقد طبع منذ سنوات قليلة في ثمانية مجلدات في بيروت بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عباس، وهي طبعة جيدة مفهرسة غير أن الضبط فيها قليل لا يتناسب مع قيمة الكتاب العلمية. 27- محبّ الدّين الطّبري هو أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، أبو العباس، الإمام الحافظ الفقيه، صاحب «الرياض النضرة في مناقب العشرة» ، و «الثمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين» وغير ذلك من المصنفات النافعة. ولد بمكة في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة، وسمع من جماعة، وأفتى، ودرّس وتفقّه، وصنف كتابا كبيرا إلى الغاية في «الأحكام» في ست مجلدات، وتعب عليه مدة، ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن. وروى عنه الدمياطي، وابن العطار، وابن الخباز، والبرزالي، وجماعة. وكان شيخ الحرم بمكة. توفي في جمادى الآخرة من سنة أربع وتسعين وستمائة بمكة المكرمة.

28 - أبو الفداء

قلت: وقد قامت شهرة المترجم على كتابيه المشار إليهما في صدر الترجمة، وقد طبع الأول منهما طبعتين غير متقنتين في مصر، وهو بأمسّ الحاجة إلى طبعه طبعة علمية متقنة، وهو من بين الكتب التي نقل عنها ابن العماد مباشرة في كثير من المواطن في كتابه. وطبع الثاني منهما أكثر من مرة، منها الطبعة الصادرة عن مكتبة الكليات الأزهرية بمصر، وهو الآخر غير محقّق إلى الآن، وينتظر من يمدّ إليه يد الرعاية العلمية. 28- أبو الفداء هو إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة، أحد فضلاء زمانه، وعالم كبير من علمائه في التاريخ والأدب، والجغرافية، وعلم الأصول، صنّف مصنفات مختلفة أشهرها «المختصر في تاريخ البشر» ويعرف ب «تاريخ أبي الفداء» ، و «تقويم البلدان» ، وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة. ولد في شهر جمادى الأولى سنة سبعين وستمائة، وكان أميرا بدمشق، وخدم الملك الناصر لمّا كان بالكرك، وبالغ في ذلك، فوعده بحماة ووفى له بذلك، فأعطاه حماة وجعله سلطانا يفعل فيها ما يشاء من إقطاع وغيره، ليس لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه حكم، وأركبه في القاهرة بشعار الملك وأبّهة السلطنة. قال ابن قاضي شهبة: اشتغل أبو الفداء في العلوم وتفنن فيها، وصنّف التصانيف المشهورة ... وكان جوادا ممدحا امتدحه غير واحد. وقال ابن كثير: كان يحبّ العلماء ويشاركهم في فنون كثيرة، وكان من فضلاء بني أيوب. وقال ابن شاكر: كان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه، وطبّ، وحكمة، وغير ذلك، وأجود ما كان يعرفه علم الهيئة لأنه أتقنه، وإن

29 - التبريزي

كان قد شارك في سائر العلوم مشاركة جيدة، وكان محبّا لأهل العلم مقرّبا لهم. وقال الإسنوي: كان جامعا لأشتات العلوم، أعجوبة من أعاجيب الدّنيا، ماهرا في الفقه، والتفسير، والأصلين، والنحو، وعلم الميقات، والفلسفة، والمنطق، والطب، والعروض، والتاريخ، وغير ذلك من العلوم، شاعرا، ماهرا، كريما إلى الغاية، صنّف في كل علم تصنيفا أو تصانيف. توفي في المحرم من سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة عن ستين سنة إلا ثلاثة أشهر وأياما. قلت: وقد قامت شهرة أبي الفداء على كتابيه المتقدم ذكرهما، وقد طبع الأول منهما طبعة تجارية ويقع في مجلدين، وهو بأمسّ الحاجة إلى طبعة علمية متقنة، وذكر الزركلي في «الأعلام» بأنه ترجم إلى الفرنسية، واللاتينية، وقسم منه إلى الإنكليزية، وهو من جملة الكتب التي نقل عنها ابن العماد مباشرة. والثاني منهما مطبوع طبعة تجارية أيضا، ويقع في مجلدين، وترجمه إلى الفرنسية المستشرق رينو كما ذكر الزركلي في «الأعلام» . 29- التّبريزي هو محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي [1] أبو عبد الله، الإمام الحافظ المؤرّخ، صاحب «مشكاة المصابيح» ، و «الإكمال في أسماء الرّجال» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة. لم أقف على ترجمة وافية له فيما بين يدي من المصادر والمراجع، وذكر الزركلي في «الأعلام» أنه مات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. قلت: وقد قامت شهرة التبريزي على كتابيه المشار إليهما، والأول منهما

_ [1] قال السمعاني في «الأنساب» (3/ 21) : التبريزي: بكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وسكون الباء الموحدة، وكسر الراء، وبعدها ياء منقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الزاي، هذه النسبة إلى تبريز، وهي من بلاد أذربيجان، أشهر بلدة بها، والمنتسب إليها جماعة كثيرة.

30 - الذهبي

وهو «مشكاة المصابيح» كمل فيه «مصابيح السّنة» للبغوي، وذيّل أبوابه، فذكر الصحابي الذي روى الحديث عنه، وذكر الكتاب الذي أخرجه منه، وزاد على كل باب من صحاحه وحسانه- إلا نادرا- فصلا ثالثا، فصار كتابا كاملا فرغ من جمعه آخر يوم الجمعة من رمضان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وقد طبع هذا الكتاب في الهند وفي روسيا، ثم طبع في المكتب الإسلامي بدمشق في ثلاثة مجلدات، وقد تولى الكلام على أحاديثه الأستاذ الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني، وله عدة شروح أحسنها «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» لملا علي القاري رحمه الله. وطبع الكتاب الثاني على هامش الطبعة الهندية من «المشكاة» ، ثم أفرد في آخر الطبعة المطبوعة من «مشكاة المصابيح» في المكتب الإسلامي بدمشق. 30- الذّهبي هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الذهبي، أبو عبد الله، الإمام المؤرّخ، المحدّث، المحقّق، المتقن الكبير، صاحب «تاريخ الإسلام» ، و «سير أعلام النبلاء» ، و «الأمصار ذوات الآثار» [1] ، وغير ذلك من المصنفات النافعة المفيدة. ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وستمائة. وحينما بلغ الثامنة عشرة من عمره توجهت عنايته إلى طلب العلم بصورة جدية نحو حقلين رئيسين هما: القراءات، والحديث النبوي الشريف، فتميز في دراسة القراءات وبرع فيها، وعني بالحديث عناية فائقة، وانطلق فيه حتى طغى على كل تفكيره واستغرق كل حياته بعد ذلك، فسمع ما لا يحصى كثرة من الكتب والأجزاء، ولقي العديد من الشيوخ والشيخات، وأصيب بالشّره في سماعه وقراءته.

_ [1] الذي أكرمني الله عزّ وجلّ بتحقيقه والتعليق عليه بإشراف والدي حفظه الله، وقد صدر حديثا عن دار ابن كثير.

ورحل في طلب العلم داخل البلاد الشامية منذ سنة ثلاث وتسعين وستمائة، فسمع ببعلبك، وحلب، وحمص، وحماة، وطرابلس، والكرك، والمعرّة، وبصرى، ونابلس، والرملة، والقدس، وتبوك. ورحل إلى البلاد المصرية سنة خمس وتسعين وستمائة فوصلها في رجب، وعاد منها في ذي القعدة. وتوجه إلى البيت الحرام لأداء فريضة الحج، وذلك سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع هنالك من مجموعة من الشيوخ. توفي يوم الإثنين الثالث من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق، وأضرّ قبل موته بيسير. قال تاج الدين السبكي: اشتمل عصرنا على أربعة من الحفّاظ وبينهم عموم وخصوص، المزّي، والبرزالي، والذهبي، والشيخ الوالد [1] لا خامس لهم في عصرهم، فأما أستاذنا أبو عبد الله [2] ، فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد، فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها، وكان محطّ رحال المعنت، ومنتهى رغبات من تعنّت، تعمل المطي إلى جواره، وتضرب البزل المهارى أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خرّجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنّا أفضل الجزاء، وجعل حظّه من عرصات الجنان موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم، يذعن له الكبير والصغير من الكتب، والعالي والنازل من الأجزاء. قلت: وقد قامت شهرة الذهبي على كتابيه «تاريخ الإسلام» و «العبر في خبر

_ [1] يعني تقي الدين السّبكي، شيخ الإسلام في عصره، المتوفى سنة (756) هـ انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 302) . [2] يعني الإمام الذهبي.

31 - ابن شاكر الكتبي

من عبر» ، والأول منهما عقده لتدوين حوادث الزمان وذكر الأعيان من الرجال، منذ العصر النبوي، وإلى أيامه، وقد نشرت بعض الأجزاء من هذا الكتاب العظيم في مصر، وأفضلها هو الجزء الذي قام بتحقيقه الأستاذ الدكتور بشّار عوّاد معروف [1] . ويقوم الآن الدكتور عمر عبد السلام التدمري في لبنان بتحقيق عدد من الأجزاء من هذا الكتاب القيّم، ولا أدري عن أيّ من دور النشر ستصدر [2] . وأما الثاني- وهو العبر- فقد خصصه للكلام عن حوادث الدّهر وتراجم الأعيان ولكن باختصار. ومن كتب الذهبي المهمة أيضا «سير أعلام النبلاء» ، و «تذكرة الحفاظ» . 31- ابن شاكر الكتبي هو محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الكتبي الداراني ثم الدمشقي، العالم المؤرّخ الكبير، صاحب «عيون التواريخ» ، و «فوات الوفيات» . ولد في داريّا، وسمع من المزّي، وابن الشحنة، وغيرهما من علماء الشام، وتوسعت مداركه وبعد نظره لما اشتغل في صنعة الوراقة والمتاجرة بالكتب، وهي الصنعة التي كانت مزدهرة في عصره. توفي في رمضان من سنة أربع وستين وسبعمائة. قال ابن كثير: كان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه. قلت: وقد قامت: شهرة ابن شاكر على كتابيه المشار إليهما، والأول منهما مخطوط في عشرة أجزاء طبع منها ثلاثة، قال صاحب «كشف الظنون»

_ [1] وقد أفدت من مقدمته لهذا الجزء في إعداد هذه الترجمة للإمام الذهبي رحمه الله تعالى. [2] انظر العدد الثامن عشر من «نشرة أخبار التراث العربي» ص (25) التي يصدرها معهد المخطوطات العربية في الكويت.

32 - الصفدي

ما معناه: إن ابن شاكر تتبع في كتابه «عيون التواريخ» كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير، لا سيما في الحوادث، وكثيرا ما ينقل عنه صفحة فأكثر بحروفها. وطبع الثاني منهما وهو «فوات الوفيات» طبعة متقنة في دار صادر ببيروت بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس، ويقع في خمسة مجلدات. 32- الصّفدي هو خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، أبو الصفا، الإمام المؤرّخ الكبير، صاحب «الوافي بالوفيات» وغير ذلك من المصنفات النافعة. ولد في صفد بفلسطين سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة. أخذ العلم عن جمهرة من العلماء الأعلام في عصره، كالقاضي بدر الدين بن جماعة، وأبي الفتح بن سيد الناس، وتقي الدين السبكي، والحافظين أبي الحجاج المزّي، وأبي عبد الله الذهبي. وأخذ طرفا من الفقه، وأخذ النحو عن أبي حيّان، والأدب عن ابن نباتة، والشهاب محمود، ولازمه، ومهر في فن الأدب، وكتب الخط المليح، وقال النظم الرائق، وألّف المؤلفات الفائقة، وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق، ثم ولي كتابة السر بحلب، ثم وكالة بيت المال بالشام، وتصدى للإفادة بالجامع الأموي، وحدّث بدمشق وحلب وغيرهما. توفي في شهر شوّال من سنة أربع وستين وسبعمائة. وقد ذكره شيخه الإمام الذهبي في «المعجم المختصّ» فقال: الإمام العالم الأديب البليغ الأكمل، طلب العلم وشارك في الفضائل، وساد في علم الرسائل، وقرأ الحديث، وكتب المنسوب، وجمع وصنّف، والله يمدّه بتوفيقه، سمع منّي، وسمعت منه، وله تآليف، وكتب، وبلاغة. قلت: وقد اشتهر الصفدي بكتابه العظيم «الوافي بالوفيات» المنوّه عنه في صدر الترجمة، وقد جمع فيه تراجم الأعيان ونجباء الزمان ممّن وقع عليه

33 - اليافعي

اختياره، فلا يغادر أحدا من أعيان الصحابة والتابعين، والملوك والأمراء، والقضاة والعمال، والقرّاء والمحدّثين، والفقهاء والمشايخ، والصلحاء والأولياء والنحاة، والأدباء والشعراء، والأطباء والحكماء، وأصحاب النّحل والبدع والآراء، وأعيان كل فن ممّن اشتهر أو أتقن إلا وذكره. وقد قامت جمعية المستشرقين الألمان في بيروت بتكليف عدد من الباحثين المختصّين من عرب ومستشرقين بتحقيقه، وقد صدرت منه مجموعة كبيرة من الأجزاء، ولا تزال أجزاء أخرى منه قيد التحقيق، أو تحت الطبع. 33- اليافعي هو عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح اليافعي اليمني ثم المكّي، أبو محمد، العالم المؤرخ المتصوف، صاحب «مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان» وغير ذلك من المصنفات المختلفة. ولد في اليمن سنة (698) ، وكان من صغره تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللعب، فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة، بعث به إلى عدن فاشتغل بالعلم، وأخذ عن العلّامة أبي عبد الله البصّال وغيره، وعاد إلى بلاده، وصحب الشيخ علي الطواشي، وهو الذي سلّكه الطريق، ثم لازم العلم وحفظ «الحاوي الصغير» ، و «الجمل» للزجاجي، ثم جاور بمكّة وتزوج بها. وكان ينظم الشعر الحسن، ومن شعره: وقائلة ما لي أراك مجانبا ... أمورا وفيها للتّجارة مربح فقلت لها ما لي بربحك حاجة ... فنحن أناس بالسلّامة نفرح مات في مكة في جمادى الآخرة من سنة ثمان وستين وسبعمائة، ودفن بمقبرة باب المعلى بجوار الفضيل بن عياض.

34 - تاج الدين السبكي

قال الإسنوي: كان إماما يسترشد بعلومه ويقتدى، وعلما يستضاء بأنواره ويهتدى، صنّف تصانيف كثيرة في أنواع العلوم، إلّا أن معظمها صغير الحجم معقود لمسائل مفردة. قلت: وقد قامت شهرة اليافعي على كتابه المشار إليه في صدر الترجمة، وهو من الكتب التي نقل عنها ابن العماد مباشرة، وقد طبع في الهند طبعة تجارية صدرت في أربعة مجلدات، ويطبع الآن في مؤسسة الرسالة في بيروت بتحقيق الدكتور عبد الله الجبوري، وقد اطّلعت على المجلد الأول من هذه الطبعة أثناء تصحيح تجارب الطبع الثانية من المجلد الأول من هذا الكتاب فاستفدت منه في بعض المواطن، ولكن لفت نظري التسرّع الذي اتصف به عمل المحقّق الأمر الذي أوقعه في أخطاء كثيرة، ناهيك عن افتقاره إلى الضبط، وتفصيل النصوص وفق مناهج التحقيق الحديثة، وخلوه من تخريج الأحاديث الواردة في الكتاب تخريجا علميا، ولا سيما في القسم الذي تحدّث فيه المؤلف عن سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم. 34- تاج الدّين السّبكي هو عبد الوهّاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن موسى بن تمام السّبكي الشافعي، أبو نصر، الإمام الباحث المؤرّخ، صاحب «طبقات الشافعية الكبرى» . ولد في القاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وسمع بمصر من جماعة، ثم قدم مع والده إلى دمشق في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وسمع بها من جماعة، وقرأ على الحافظ المزّي، ولازم الذهبي وتخرّج به، وطلب بنفسه، ودأب، وأجازه شمس الدين بن النقيب بالإفتاء والتدريس، ولما مات ابن النقيب كان عمره ثماني عشرة سنة، وأفتى ودرس، وصنّف، واشتغل بالقضاء، وولي الخطابة بعد وفاة ابن جملة، ثم عزل، وحصل له فتنة شديدة، وسجن بالقلعة نحو ثمانين يوما، ثم عاد إلى القضاء.

35 - ابن كثير

وقد درّس بمصر والشام بمدارس العزيزة، والعادلية الكبرى، والغزالية، والعذراوية، والشاميتين، والناصرية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وغير ذلك من المدارس. مات شهيدا بالطاعون في شهر ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ودفن بتربتهم في سفح جبل قاسيون قرب دمشق في ذلك العصر. وقد ذكره الحافظ الذهبي في «المعجم المختصّ» وأثنى عليه. وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله. وقال شهاب الدين بن حجّي: حصّل فنونا من العلم، والأصول- وكان ماهرا فيه- والحديث، والأدب، وبرع وشارك في العربية، وكان له يد في النظم والنثر، جيد البديهة، ذا بلاغة وطلاقة لسان، وجراءة جنان، وذكاء مفرط، وذهن وقّاد، صنّف تصانيف عدّة في فنون مختلفة على صغر سنّه وكثرة اشتغاله، قرئت عليه، وانتشرت في حياته وبعد موته. قلت: وقد اشتهر تاج الدين السبكي بكتابه «طبقات الشافعية الكبرى» المنوّه عنه في صدر الترجمة، وقد استوعب فيه تراجم عدد كبير جدا من علماء المذهب، وقد طبع في مصر بتحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي، والدكتور عبد الفتاح الحلو، وهي طبعة متقنة. 35- ابن كثير هو إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوّ بن كثير القرشي البصروي الدمشقي، الإمام الحافظ المفسّر المؤرّخ الكبير، صاحب «البداية والنهاية» ، و «التفسير» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة الماتعة. ولد في قرية صغيرة من قرى مدينة بصرى من أرض حوران في بلاد الشام، اسمها «مجدل» وذلك سنة سبعمائة من الهجرة، لما كان أبوه خطيبا بها.

ولما بلغ السابعة من عمره توفي والده، فتحولت أسرته إلى دمشق، ونزلت في الدار المجاورة للمدرسة النورية. وفي دمشق شرع ابن كثير بطلب العلم على عدد من العلماء الأعلام من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ المزّي، والبرهان الفزاري الشهير بابن الفركاح، وابن قاضي شهبة. وكان كثير الاستحضار قليل النسيان جيد الفهم، حفظ «التنبيه» وعرضه سنة ثمان عشرة، وحفظ «مختصر ابن الحاجب» . ثم أقبل على الحديث، فاشتغل بمطالعة متونه ورجاله، فسمع «الموطأ» للإمام مالك، و «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، و «الجامع الصحيح» للإمام مسلم، و «سنن الدارقطني» ، وشيئا من «السنن الكبرى» للبيهقي، وسمع «مسند الشافعي» ، وغير ذلك من المصنفات الحديثية وهو لا يزال في مقتبل العمر. توفي في شهر شعبان من سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودفن عند شيخه ابن تيمية في مقبرة الصوفية خارج باب النصر من دمشق. قلت: وقد قامت شهرة ابن كثير على كتابيه «البداية والنهاية» و «التفسير» المشار إليهما في صدر الترجمة، وقد طبع الأول منهما في مصر أول الأمر طبعة غير محققة وكثيرة التحريف والتصحيف والسّقط، ثم صوّرت هذه الطبعة في بيروت عدة مرات، أو صفّت حروفها من جديد من غير تحقيق يليق بهذا الكتاب العظيم، وقد تصدّت لنشره نشرة علمية متقنة دار ابن كثير بدمشق وبيروت، وقامت بتكليف مجموعة كبيرة من المحققين المتمرّسين بتحقيقه بالاعتماد على ثلاث من نسخه الخطية، وكلفت والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بمراجعة الكتاب والحكم على الأحاديث التي أوردها المؤلف من خارج «الصحيحين» من جهة الصحة والحسن والضعف، وسوف تصدر هذه الطبعة في عشرين مجلدا من الحجم الكبير تضم فهارس تفصيلية إن شاء الله. وطبع الثاني منهما- وهو «التفسير» - في مصر أيضا في أربع مجلدات من غير تحقيق ولا تدقيق، وقد صوّرت هذه الطبعة عدة مرات في بيروت كما هي .

36 - لسان الدين ابن الخطيب

36- لسان الدّين ابن الخطيب هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب، الوزير العلّامة المؤرّخ النبيل، صاحب «الإحاطة في تاريخ غرناطة» وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة. ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من رجب سنة (713) هـ، وتربى في أحضان أسرته التي عرفت بالأصالة علما وجاها، ونشأ في العاصمة «غرناطة» حيث تلقى بها دراسته على أيدي جهابذة العلماء والأدباء في عصره، فقد كانت غرناطة في ذلك العصر أعظم مركز للدراسات العلمية والأدبية في مغرب العالم الإسلامي. وكان من الطبيعي أن يتأثر لسان الدين بالجو المحيط بوالده الذي كان يشغل وقتئذ منصب الوزارة في بلاط ملوك بني نصر، حيث وزر للسلطان يوسف بن إسماعيل بن الأحمر، فلما توفي والده دعي لسان الدين ليشغل منصب أبيه وهو في ريعان الشباب كأمين سر أولا لأستاذه رئيس ديوان الإنشاء أبي الحسن علي بن الجباب، ثم تقلّد ديوان الإنشاء بعد وفاة شاغله، وأظهر من البراعة والكفاءة في هذه المناصب ما جعله أهلا لثقة السلطان المذكور، فقلّده السلطان منصب أمانة السر في ديوانه ولمّا يستكمل مرحلة الشباب، وأرسله سفيرا إلى عدد من الملوك، ثم استنابه بدار الملك، وسلّمه خاتمه، وائتمنه على بيت المال، وسجوف حرمه، ومعقل امتناعه، فكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية في حياة هذا العالم الكبير. ولما توفي السلطان يوسف خلفه ابنه السلطان الغني بالله، فأبقى هذا ابن الخطيب وزيرا له، وهكذا احتل ابن الخطيب مكانة مرموقة في بلاط الغني بالله، حيث جمع في عهده فيما بعد بين وزارة القلم، ووزارة السيف، فلقّب ب «ذي الوزارتين» ، ثم ما لبث السلطان الغني بالله أن انقلب على ابن

الخطيب إثر بعض التقلبات السياسية التي حصلت في فترة لا حقة، الأمر الذي جعل ابن الخطيب يفرّ من وجهه، ثم ما لبث إلا قليلا حتى وقع في أيدي الغني بالله فاتهمه بالزندقة والإلحاد، فأفتى الفقهاء للسلطان بإعدامه، فخنق ثم أحرق، وذلك في أواخر سنة ست وسبعين وسبعمائة من الهجرة. قال المقري في كتابه «تعريف ابن الخطيب» : كان رحمه الله مبتلى بداء الأرق، لا ينام من الليل إلّا اليسير جدا، وقد قال في كتابه «الوصول لحفظ الصحة في الفصول» : العجب منّي مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلّف مثله في الطب، ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي، ولذا يقال له: ذو العمرين، لأن الناس ينامون وهو ساهر، ومؤلفاته ما كان يؤلفها غالبا إلا بالليل، وقد سمعت بعض الرؤساء بالمغرب يقول: لسان الدين، ذو الوزارتين، وذو العمرين، وذو الميتتين، وذو القبرين. ثم قال المقري: واعلم أن لسان الدّين لما كانت الأيام له مسالمة لم يقدر أحد أن يواجهه بما يدنّس معاليه، أو يطمس معالمه، فلما قلبت الأيام له ظهر مجنّها وعاملته بمنعها بعد منحها، ومنها أكثر أعداؤه في شأنه الكلام، ونسبوه إلى الزندقة والانحلال من ربقة الإسلام، بتنقص النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام، والقول بالحلول والاتحاد، والانخراط في سلك أهل الإلحاد، وسلوك مذاهب الفلاسفة في الاعتقاد، وغير ذلك مما أثاره الحقد والعداوة والانتقاد من مقالات نسبوها إليه خارجة عن السنن السويّ، وكلمات كدروا بها منهل علمه الرويّ، لا يدين بها ويفوه إلا الضالّ والغويّ، والظن أن مقامه رحمه الله تعالى من لبسها بريّ، وجنابه سامحه الله عن لبسها عريّ، وكان الذي تولى كبر محنته وقتله تلميذه ابن زمرك. قلت: وقد اشتهر ابن الخطيب عقب موته بكتابه العظيم «الإحاطة في أخبار غرناطة» وقد بقي هذا الكتاب مخطوطا إلى أن امتدّت إليه يد العالم المؤرّخ الأستاذ محمد عبد الله عنان، فأزاحت الغبار عنه، وأخرجته إلى عالم المطبوعات محقّقا تحقيقا جيدا، وقد صدر في مصر عام 1376 هـ، فقدّم بذلك خدمة عظيمة للمكتبة العربية في العصر الحديث .

37 - ابن خلدون

37- ابن خلدون هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون الحضرمي الإشبيلي، أبو زيد، فيلسوف التاريخ الإسلامي، والعالم المحقّق الكبير، وأحد نوادر الدهر علما وثقافة وتحصيلا وذكاء، صاحب «التاريخ» الذي اشتهرت منه «المقدمة» شهرة لم تكتب إلا للقلّة من المصنفات الإسلامية في جميع العصور، حتى دعي بصاحب «المقدمة» أو دعيت هي ب «مقدمة ابن خلدون» وكأنه لم يصنّف غيرها. ولد في تونس وذلك يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. وفي تونس نشأ ابن خلدون، وأخذ العلم عن جمهرة من علمائها، فقد سمع من العالم الفاضل شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن جابر، المعروف ب الوادي آشي صاحب «البرنامج» المتوفى سنة (746) هـ. وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال إفرادا وجمعا، وأخذ العربية عن أبيه، وأبي عبد الله السايري، وغيرهما، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام، وغيره، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي شيخ المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب والكتابة، وولي كتابة السر بمدينة فاس لأبي عنان، ولأخيه أبي سالم، ثم تنقل في البلاد متقلدا مناصب مختلفة، ثم رجع إلى تونس فأكرمه سلطانها، ثم حاول نفر من الناس الإساءة إليه عن طريق تأليب السلطان عليه، فعلم بالأمر، فما كان منه إلا أن رحل إلى المشرق، فحطّت به رحاله في القاهرة، فأكرمه سلطان مصر في ذلك العصر السلطان برقوق، وولي قضاء المالكية فيها، ثم عزل، وولي مشيخة المدرسة البيبرسية، ثم عزل عنها أيضا، ثم ولي القضاء مرارا، آخرها في رمضان من سنة ثمان وثمانمائة، فباشره ثمانية أيام، فأدركه أجله، ولم يتزيّ بزيّ القضاة في مصر، محتفظا بزيّ بلاده. وكان فصيحا، جميل الصورة، عاقلا، صادق اللهجة، عزوفا عن الضيم،

38 - ابن ناصر الدين

طامحا للمراتب العليا، ولما رحل إلى الأندلس اهتزّ له سلطانها، وأركب خاصّته لتلقّيه، وأجلسه في مجلسه. قال لسان الدين ابن الخطيب عنه في «الإحاطة» : رجل فاضل، جمّ الفضائل، رفيع القدر، أسيل المجد، وقور المجلس، عالي الهمّة، قويّ الجأش، متقدّم في فنون عقلية ونقلية، كثير الحفظ، صحيح التصوّر، بارع الخط، حسن العشرة، فخر من مفاخر العرب. قلت: وقد قامت شهرة ابن خلدون على تاريخه المعروف ب «العبر وديوان المبتدإ والخبر» ، وهو مطبوع في مصر في سبعة مجلدات بما في ذلك «المقدمة» التي تعدّ- كما يقول الزركلي- من أصول علم الاجتماع، وقد نقلت هي وأجزاء من الكتاب إلى اللغة الفرنسية، وغيرها، واشتهرت شهرة كبيرة بين المتعلمين من المسلمين منذ عصر ابن خلدون وحتى أيامنا، حتى إنه تكاد لا تخلو منها مكتبة أيّ باحث أو مثقف في ربوع أقطار أمتنا العظيمة، وفي مواطن الاستشراق أيضا. 38- ابن ناصر الدّين هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي، الشهير بابن ناصر الدين، الإمام الحافظ المؤرّخ الأديب، صاحب «توضيح المشتبه» و «الردّ الوافر» ، و «بواعث الفكرة في حوادث الهجرة» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة المفيدة. ولد بدمشق في أواسط المحرم من سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ وحفظ القرآن العزيز، وعدة متون، وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن المحب، وسمع من خلق منهم بدر الدّين بن قوّام، ومحمد بن عوض، والعزّ الأبناسي، وابن غشم المرداوي، وغيرهم. ومهر في الحديث، وكتب وخرّج، وعرف العالي والنازل، وخرّج لنفسه ولغيره، وصار حافظ الشام في عصره بلا منازع.

39 - ابن قاضي شهبة

واشتهر اسمه، وبعد صيته، وألّف التآليف الجليلة. وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سنة (837) هـ. مات في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس بدمشق. قلت: وقد قامت شهرة ابن ناصر الدين على كتابه «توضيح المشتبه» يعني «مشتبه النسبة» للإمام الذهبي، وجرد منه كتابه «الإعلام بما وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام» ، ويقوم الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي الدمشقي بتحقيق «التوضيح» وقد أنجز منه الجزء الأول كما ذكر لي حفظه الله، وسوف يصدر قريبا عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت. وأما كتابه «الردّ الوافر» فقد طبع طبعة تجارية في «مطبعة كردستان العلمية» في مصر، ثم طبع طبعة أخرى أفضل منها في «المكتب الإسلامي» في بيروت، وهو بحاجة إلى التحقيق العلمي المتقن، ولعلّي أقوم بذلك مستقبلا إن شاء الله تعالى. وأما قصيدته «بواعث الفكرة في حوادث الهجرة» فهي مخطوطة لم تنشر بعد، وتحتفظ مكتبة الحرم المكي بنسخة منها. 39- ابن قاضي شهبة هو أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الأسدي الشهبي الدمشقي، فقيه الشام، ومؤرخها، وعالمها في عصره، صاحب المصنفات الكثيرة الشهيرة، التي أهمّها كتابه «الإعلام بتاريخ الإسلام» ، وقد اشتهر ابن قاضي شهبة بهذا الاسم، لأن أبا جدّه عمر أقام قاضيا بشهبة إحدى قرى حوران أربعين سنة. ولد سنة (779) هـ، وتفقّه بوالده وغيره، وسمع من أكابر أهل عصره وأفتى ودرس، وجمع وصنّف. توفي في دمشق فجأة، وهو جالس يصنّف ويكلّم ولده، وذلك يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.

40 - ابن حجر العسقلاني

قلت: وقد قامت شهرته في المقام الأول على كتابه المنوّه عنه في صدر الترجمة، و «تاريخ» يشتمل على ذكر الحوادث والوفيات من سنة (741) هـ وما بعدها، وقد نشر مجلد واحد منه في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق معنونا ب «تاريخ ابن قاضي شهبة» وقام بتحقيقه الأستاذ الدكتور عدنان درويش، وقد علمت من محققه الكريم بأنه أنهى تحقيق تتمة الكتاب، وسوف يطبع قريبا. 40- ابن حجر العسقلاني هو أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، الإمام الحافظ المؤرّخ الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» ، و «الإصابة في تمييز الصحابة» ، و «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة المفيدة القيّمة. ولد في الثاني عشر من شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة في مصر، ومات والده وهو حدث السن، فكفله زكي الدين الخروبي، وهو من كبار التجار، وما إن بلغ التاسعة حتى كان قد حفظ القرآن، وسرعان ما أجاد بسائط الفقه والنحو، ودرس مدة طويلة من الزمن على أعظم علماء عصره، من أمثال البلقيني، وابن الملقن، والعراقي، وعزّ الدين بن جماعة، والتنوخي، ومحبّ الدين بن هشام، والفيروزآبادي، والبرهان الأبناسي، ونور الدين الهيثمي والأبشيطي، والخليلي، والأيكي، وابن سالم، والقلقشندي، وبدر الدين ابن مكي، وغيرهم. وقد رحل إلى عدد من البلاد في سبيل تحصيل العلم والسماع من العلماء المذكورين وسواهم من مشايخه. وأقبل على الاشتغال والإشغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار حافظ الإسلام في عصره، وانتهت إليه معرفة الرجال واستحضارهم، ومعرفة العالي والنازل، وعلل الحديث، وغير ذلك، وصار هو المعوّل عليه في

41 - ابن تغري بردي

هذا الشأن في سائر الأقطار، وقدوة الأمة، وعلّامة العلماء، وحجّة الأعلام، ومحيي السّنّة، وانتفع به الطلبة، وحضر دروسه وقرأ عليه غالب علماء مصر، ورحل الناس إليه من الأقطار، وولي القضاء، ودرّس في عدد من المدارس الشهيرة في مصر، وصنّف تصانيف كثيرة نافعة في بابها. مات في أواخر ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة [1] . قلت: وقد قامت شهرة ابن حجر على عدد كبير من كتبه، وأهمها كتبه الثلاثة «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» ، و «الإصابة في تمييز الصحابة» ، و «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» ، وقد طبع الأول منها طبعة مرقمة جيدة في المكتبة السلفية بمصر بإشراف العلّامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، وصدر في أربعة عشر مجلدا بما فيها «المقدمة» ، وهي أفضل طبعة من هذا الكتاب. وطبع الثاني منها طبعة مضبوطة متقنة مرقمة في مكتبة الكليات الأزهرية بمصر بتحقيق الأستاذ الدكتور طه محمد الزيني، وصدر في ثلاثة عشرة جزءا، وهي أفضل طبعة من هذا الكتاب. والثالث منها مطبوع في مصر أيضا، وطبعته منتشرة غير أنها تفتقر إلى التحقيق والتصحيح والتدقيق. 41- ابن تغري بردي هو يوسف بن الأمير سيف الدين تغري بردي [2] بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن، الإمام الفقيه المؤرّخ البحّاثة، صاحب «المنهل الصافي

_ [1] للتوسّع في دراسة حياة الحافظ ابن حجر يمكن الرجوع إلى كتاب «الضوء اللامع» لتلميذه الحافظ السخاوي، و «دائرة المعارف الإسلامية» الطبعة العربية المنشورة في مصر، و «الأعلام» للزركلي، وللحافظ السخاوي كتاب في ترجمته سمّاه «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر» في مجلد. [2] قال الزركلي في حاشية كتابه «الأعلام» (8/ 222) : تغري بردي: تترية بمعنى «عطاء الله» أو «الله أعطى» كان يكتبها الأتراك «تكري ويردي» ويلفظون الكاف نونا، والواو أقرب إلى أل V بحركة بين الفتح والكسر.

42 - السخاوي

والمستوفي بعد الوافي» ، و «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» ، وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة. ولد في القاهرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ونشأ يتيما في حجر قاضي القضاة جلال الدين البلقيني المتوفى سنة (824) هـ، وتأدب وتفقّه وقرأ الحديث على جمهرة من علماء عصره، وأولع بالتاريخ، فلازم مؤرخي عصره مثل العيني، والمقريزي، واجتهد إلى الغاية، وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوّره، وصحة فهمه، ومهر وكتب، وحصّل، وصنّف، وانتهت إليه رئاسة فن التاريخ في عصره. سمع شيئا كثيرا من كتب الحديث، وأجازه جماعات لا تحصى مثل الحافظ ابن حجر، والمقريزي، والعيني. وتوفي في ذي الحجة من سنة أربع وسبعين وثمانمائة في القاهرة. قلت: وقد قامت شهرة ابن تغري بردي على كتابيه المشار إليهما في صدر الترجمة، وقد طبع من الأول المجلد الأول فقط كما ذكر الزركلي في «الأعلام» ، وهو من الكتب الجديرة بالنشر والتحقيق العلمي نظرا لما فيه من الفوائد الكثيرة العديدة. والثاني منهما مطبوع طبعة جيدة بدار الكتب المصرية بالقاهرة. 42- السّخاوي هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السّخاوي، أبو الخير، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع» ، و «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التأريخ» ، و «المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة» ، وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة. ولد في القاهرة في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة،

وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، وجوّده، ثم حفظ «المنهاج» و «ألفية ابن مالك» ، و «ألفية العراقي» ، وغالب «الشاطبية» و «النخبة» لابن حجر، ومقدمة «الشاوي» في العروض، وبرع في العربية، والفقه، والقراءات، والحديث، والتاريخ، وشارك في الفرائض، والحساب، والتفسير، وأصول الفقه، والميقات، وغيرها. وأما مقروءاته ومسموعاته، فكثيرة جدا لا تكاد تنحصر، وأخذ عن جماعة لا يحصون، يزيدون على أربعمائة شيخ، وأذن له غير واحد بالإفتاء، والتدريس، والإملاء، وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر، وأقبل عليه بكليته إقبالا يزيد على الوصف، حتى حمل عنه علما جمّا، واختصّ به كثيرا بحيث كان أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قرب منزله من منزله، وكان لا يفوته مما يقرأ عليه إلّا النادر، وقرأ عليه «الإصلاح» بتمامه، وسمع عليه جلّ كتبه، كالألفية وشرحها مرارا، وعلوم الحديث إلا اليسير، وأكثر تصانيفه في الرجال وغيرها، وغير ذلك من المصنفات الأخرى. وقد رحل إلى عدد كبير من الأمصار في سبيل طلب العلم، منها دمشق، وحلب، وبيت المقدس، والخليل، ونابلس، والرملة، وحماة، وبعلبك، وحمص. مات في المدينة المنورة يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان سنة اثنتين وتسعمائة، وصلي عليه بعد صلاة صبح يوم الإثنين، ودفن بالبقيع بقرب الإمام مالك رحمه الله تعالى. قلت: وقد قامت شهرة السّخاوي على عدد من الكتب التي صنّفها، وأهمها كتبه الثلاثة المنوّه عنها في صدر الترجمة. والأول منها مطبوع طبعة تجارية غير محققة. والثاني مطبوع مرتين الأولى على يد الأستاذ حسام الدين القدسي رحمه الله في مصر، وهي طبعة غير محققة وفيها الكثير من التحريف والتصحيف، والثانية ضمن كتاب المستشرق الدكتور فرانز روزنثال «علم التأريخ عند

43 - ابن طولون

المسلمين» الذي ترجمه الأستاذ الدكتور صالح العلي ونشر في العراق، وهي نشرة جيدة، غير أن المؤلف روزنثال كان قد أخرج من الكتاب رسالة الذهبي «الأمصار ذوات الآثار» التي ساقها السخاوي في الكتاب، فقام المترجم بإعادة هذه الرسالة من «الإعلان» المنشور على يد القدسي بكل ما فيها من السقط، والتحريف، والتصحيف، والخطأ، وهذا ما تأكد لنا لدى تحقيقنا لكتاب «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي الصادر عن دار ابن كثير حديثا. والكتاب الثالث وهو «المقاصد الحسنة» مطبوع في دار الكتب العلمية ببيروت بعناية الشيخ عبد الله الصّدّيق، وتقديم الشيخ عبد الوهّاب عبد اللطيف، ولكنها طبعة تفتقر إلى التحقيق والضبط والتخريج. 43- ابن طولون هو محمد بن علي بن أحمد بن حمّارويه بن طولون الدمشقي الصالحي، الإمام المؤرّخ، المحدّث، الفقيه، صاحب «مفاكهة الخلّان في حوادث الزمان» ، و «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» ، و «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» ، وغير ذلك من الكتب النافعة المفيدة. ولد في شهر ربيع الأول من سنة ثمانين وثمانمائة في صالحية دمشق، ونشأ فاقد الأم، فقد ماتت والدته شهيدة بالطاعون وهو رضيع. وقد تعلم ابن طولون الخط بمكتب المدرسة الحاجبية بالقرب من منزله، ثم حفظ القرآن بمكتب مسجد الكوافي المشهور في عصره بمسجد العساكرة. وسمع وقرأ على جماعة من العلماء منهم: القاضي ناصر الدين أبو البقاء بن رزين، والخطيب سراج الدين الصيرفي، والجمال يوسف بن الهادي المعروف بابن المبرّد، والشيخ أبو الفتح السكندري المزّي، وابن النعيمي في آخرين، وتفقّه بعمّه الجمال بن طولون وغيره، وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين من أهل الحجاز، وقرأ عددا كبيرا من كتب الفقه، والحديث، وغير ذلك من العلوم.

44 - العيدروس

وكانت أوقاته معمورة بالتدريس والإفادة، والتأليف والعبادة، وقد اشتغل في أثناء حياته بعدد كبير من العلوم وصنّف فيها، وكانت له وظائف عديدة أيضا، وكان متفرغا للعلم والعبادة، فلم تكن له زوجة ولا ولد. مات يوم الأحد الحادي عشر من جمادى الأولى من سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ودفن بتربة أسرته في صالحية دمشق. قلت: وقد قامت شهرة ابن طولون على عدد من كتبه أهمها كتبه الثلاثة المشار إليها في صدر هذه الترجمة، وقد طبع الأول منها في مصر بتحقيق الأستاذ محمد مصطفى، وهي طبعة غير متقنة. والثاني منها طبع في دمشق مرتين بتحقيق الأستاذ المحقّق الشيخ محمد أحمد دهمان، الأولى نشرها بنفسه، والثانية صدرت عن مجمع اللغة العربية منذ ثلاث سنوات. وأما الثالث وهو «إعلام السائلين» فقد أكرمني الله عزّ وجلّ بتحقيقه، والتقديم له، والتعليق عليه، وقام والدي حفظه الله بقراءته والنظر في تحقيقه قبل دفعه للطبع، وقد صدر عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت قبل سنوات [1] . 44- العيدروس هو عبد القادر بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس، العلّامة المؤرّخ، صاحب «النور السافر عن أخبار القرن العاشر» الذي ينقل عنه ابن العماد كثيرا في تأريخه لحوادث القرن العاشر في كتابه. والمترجم من أهل اليمن، سكن حضرموت، وانتقل إلى مدينة أحمد أباد بالهند فسكن فيها إلى أن توفي سنة (1037) هـ كما جاء في حاشية الصفحة (334) من «النور السافر» .

_ [1] وسوف تصدر طبعته الثانية عن مؤسسة الرسالة قريبا متضمنة زيادات كثيرة أضفتها للكتاب، ومزودة بفهارس علمية.

45 - الحلبي

وقال الزركلي في «الأعلام» : وفي «المشرع الروي» (2/ 147) وفاته سنة (1048) هـ، ومثله في «تاريخ شعراء الحضرميين» (1/ 123) ، ومراجع «تاريخ اليمن» ص (172) . قلت: وقد اشتهر المترجم بكتابه المنوّه عنه في صدر الترجمة، وهو مطبوع طبعة تجارية سقيمة في مصر دون ذكر اسم الدار الناشرة له، وهو بأمسّ الحاجة إلى التحقيق العلمي المتقن. وله مؤلفات أخرى كثيرة متنوعة ذكرها الزركلي في «الأعلام» (4/ 39) . 45- الحلبي هو علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي القاهري، أبو الفرج، العلّامة المؤرخ الفقيه، صاحب «إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون» المعروف ب «السيرة الحلبية» و «غاية الإحسان فيمن لقيته من أبناء الزمان» وغير ذلك من المصنفات النافعة. ولد في مصر سنة (975) هـ، وأخذ العلم عن عدد من العلماء فيها، ثم انصرف إلى التدريس والتصنيف. توفي في آخر يوم من شهر شعبان سنة (1044) هـ بالقاهرة ودفن فيها. قلت: وقد قامت شهرة المترجم على كتابه «السيرة» وهو من بين الكتب التي نقل ابن العماد عنها مباشرة، وقد طبع قديما في مصر طبعة تجارية تفتقر إلى التحقيق والفهرسة، ثم صورت عدة مرات في بيروت دون أن تضاف إليها أية خدمة تذكر. قلت: وهؤلاء المؤرخون المتقدّم ذكرهم هم من أبرز العلماء الذين تقدموا ابن العماد في فروع التأريخ الإسلامي الأربعة «السيرة النبوية» و «علم الأنساب» و «تدوين حوادث الدهر» و «سير الرجال» .

فإن التأريخ الإسلامي ليس محصورا بما جرى تدوينه من الأحداث في كتب بعض المؤرخين من متقدمين ومحدثين كما يتوهم بعضهم، وإنما يتكون من هذه الفروع الأربعة التي لا يمكن لأحدها أن يغفل إذا أريد للفظة التاريخ أن تكون صحيحة، فليس هناك حدث إلا ووراءه سبب ما، وأحداث التاريخ سببها الرّجال، وأعظم الرّجال في تاريخنا كله بلا شك هو نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي غيّر ببعثته مجرى التاريخ كله، فكانت رسالته الحدّ الفاصل بين عهدين في حياة بني الإنسان على وجه الأرض، عهد سادت فيه القوة الغاشمة، واستعبد فيه القويّ الضعيف، واستغلّ فيه الغنيّ الفقير أبشع استغلال، وعهد عادت فيه الحقوق إلى أهلها، وألغيت فيه عبودية الإنسان للإنسان إلى يوم القيامة، وأصبح فيه الغنيّ والفقير، والقويّ والضعيف، والأبيض والأسود في ميزان الفضل سواء بسواء. وكذلك الحال، فإن علم الأنساب حفظ لنا الأسماء والألقاب والكنى من الخلط والتحريف والتصحيف والضياع. وتدوين الحوادث التي مرّت في تاريخنا الإسلامي في بعض الكتب التي اختصّت بذلك- ومنها «شذرات الذهب» - حفظ لنا الصورة الصحيحة التي كان عليها واقع الحال للمسلمين بما فيه من صور مشرقة وأخرى مؤلمة دون أن يضيع منها شيء. وأما كتب الرّجال فإنها لم تترك لنا صغيرة ولا كبيرة في سير الأعلام المتقدمين إلا وذكرتها، والأهم من ذلك، فقد جعلت هذه الكتب في مقدورنا معرفة الصفات التي كان عليها الرواة للأحداث، والأخبار، والأحاديث، والأمثال، والأشعار، فأصبح بمقدورنا لدى الرجوع إليها معرفة الصادق من الكاذب، والمتقن من المتهاون، والضابط من الواهم، والسليم النيّة من المغرض، فيما يعرض لنا من أسماء أولئك الرواة في كتب التاريخ، والحديث، والأدب. ولله درّ أولئك الأئمة الأعلام الذين خلّفوا لنا كتب فروع هذا الفن الذي هو من أهم الفنون التي ترتكز عليها حضارتنا العربية الإسلامية. ومما تجدر الإشارة إليه أن معظم هؤلاء الأعلام الذين تكلمت عليهم فيما

سبق هم أهم أصحاب المصادر التي نقل عنها «ابن العماد» مباشرة، أو بالواسطة، ومعظمهم اشتغلوا بالحديث النبوي، وصنّفوا فيه مصنفات مشهورة منتشرة، الأمر الذي يجعلني أجزم بأن خير المؤرخين المسلمين من العرب والعجم هم المؤرخون الذين كانت لهم عناية ودراية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله، فإن هؤلاء تأثروا بمنهج المحدّثين من المسلمين، الذين اشترطوا لقبول رواية الراوي أن يتمتع بصفات محددة، أهمها أن يكون مسلما، مؤمنا، صادقا، عادلا، ضابطا، متقنا، محتاطا، وإلا فإن روايته تكون موضع الشك والريبة، الأمر الذي يفقدها أهم مقوّمات القبول، فتصبح ضعيفة، بل ومردودة أيضا إذا كان صاحبها ممّن اتّهم بالوضع أو الكذب. وهذا ما يجعلني أجزم أيضا بأن فنيّ التأريخ والحديث عند علماء المسلمين الثقات يتمتعان بمصطلح أقرب ما يكون إلى التطابق والانصهار في بوتقة واحدة، فقد أثبتت التجربة لي أثناء عملي في خدمة هذا الكتاب، وكتاب «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي من قبل بإشراف والدي حفظه الله، بأن أهل الدراية بالحديث هم الجديرون حقا بتحقيق كتب التاريخ والرّجال، أو الإشراف على تحقيقها والكلام على ما يرد من النصوص الحديثية فيها على أقل تقدير، لأنهم من أعلم الناس بالأسماء، والأنساب، والكنى، والألقاب، وهي من أهم ما يقع فيه التصحيف، والتحريف، والخطأ، والسّقط في كتب التراث. لذا يجدر بكل من يودّ تحقيق أو طبع أيّ كتاب من كتب التأريخ أو الرجال أن يرجع إلى أحد علماء الحديث المتقنين الثقات- وما أقلّهم في هذا العصر- ليتزوّد منه بالتوجيهات القيّمة التي تجعل كتابه يصدر على أحسن وجه، وأن يوكل إليه الحكم على الأحاديث التي قد ترد في كتابه من جهة الصحة والضعف إن استطاع، لكي يستكمل الكتاب شروط النشرة العلمية المتقنة، وإلا كان الكتاب عرضة لظهور الكثير من الأخطاء والتحريفات فيه، كتلك التي تظهر في معظم الكتب التي تغلب على طبعاتها الصفة التجارية، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى التحقيق والنشر من جديد .

مصادر ومراجع مختارة [1]

مصادر ومراجع مختارة [1] 1- أخبار القضاة: لوكيع محمد بن خلف بن حيّان، عالم الكتب، بيروت بدون تاريخ. 2- الأخبار الطوال () : لأبي حنيفة الدينوري، تحقيق الأستاذ عبد المنعم عامر، ومراجعة الدكتور جمال الدين الشيال، مصوّرة مكتبة المثنى، بغداد بدون تاريخ. 3- الأذكار () : للنووي، تحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، دار الملاح، دمشق 1391 هـ. 4- أسد الغابة في معرفة الصحابة () : لابن الأثير، تحقيق الأساتذة: محمد إبراهيم البنّا، ومحمد أحمد عاشور، ومحمود عبد الوهاب فايد، كتاب الشعب، القاهرة 1390 هـ. 5- الأعلام: للعلّامة الأستاذ خير الدين الزركلي- الطبعة الرابعة- دار العلم للملايين، بيروت 1399 هـ. 6- إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين () : لابن طولون الدمشقي، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه محمود الأرناؤوط، قرأه ونظر في تحقيقه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403 هـ. 7- الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التأريخ: للسخاوي، بعناية الأستاذ حسام الدين القدسي، مصوّرة دار الكتاب العربي، بيروت 1399 هـ. 8- الأنساب: للسمعاني، الجزء الأول، تحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني. طبع محمد أمين دمج. بيروت 1396 هـ.

_ [1] الكتب التي عقب أسمائها نجمة بين هلالين هي التي استفدت من مقدماتها فقط.

9- تاريخ أبو زرعة () : تحقيق الأستاذ شكر الله بن نعمة الله القوجاني، مجمع اللغة العربية، دمشق 1400 هـ. 10- تاريخ الأمم والملوك () : للطبري، الجزء الأول، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، مصوّرة دار سويدان، بيروت بدون تاريخ. 11- تاريخ خليفة بن خياط () : تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة ببيروت، ودار القلم بدمشق، 1397 هـ. 12- التاريخ العربي والمؤرخون: للدكتور شاكر مصطفى، دار العلم للملايين، بيروت 1399 هـ. 13- الترغيب والترهيب () : للمنذري، تحقيق الأستاذ مصطفى محمد عمارة، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1388 هـ. 14- التكملة لوفيّات النقلة () : للمنذري، تحقيق الدكتور بشّار عوّاد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت 1401 هـ. 15- جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لابن الأثير، تحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط. مكتبة الحلواني، مطبعة الملّاح، مكتبة دار البيان، دمشق 1389 هـ. 16- الجرح والتعديل () : لابن أبي حاتم، بعناية وتقديم الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن في الهند، 1371 هـ. 17- جمهرة أنساب العرب () : لابن حزم، تحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون، دار المعارف بمصر، 1382 هـ. 18- دائرة المعارف الإسلامية، لجماعة من المستشرقين، الطبعة العربية، الجزء الأول، إعداد وتحرير الأساتذة: إبراهيم زكي خورشيد، وأحمد الشنتناوي، وعبد الحميد يونس، كتاب الشعب، القاهرة 1353 هـ. 19- دول الإسلام: للذهبي، تحقيق الأستاذين فهيم محمد شلتوت، ومحمد مصطفى إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1394 هـ. 20- سنن ابن ماجة: تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1373 هـ. 21- سير أعلام النبلاء: للذهبي، تحقيق جماعة من الأفاضل، بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1401- 1403.

22- السيرة النبوية () : لابن إسحاق، تهذيب ابن هشام، تحقيق الأساتذة: مصطفى السقّا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، مصوّرة مؤسسة علوم القرآن بدمشق وبيروت بدون تاريخ. 23- شذرات الذهب: لابن العماد، بعناية الأستاذ حسام الدين القدسي، مصوّرة دار المسيرة، بيروت 1399 هـ. 24- طبقات الحفّاظ: للسيوطي، تحقيق الأستاذ علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة 1393 هـ. 25- الطبقات الكبرى () : لابن سعد، تقديم الدكتور إحسان عباس، دار صادر ودار بيروت، بيروت 1380 هـ. 26- عناقيد ثقافية: تأليف محمود الأرناؤوط، دار المأمون للتراث بدمشق وبيروت 1405 هـ. 27- لسان العرب: لابن منظور، تحقيق الأساتذة: عبد الله علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، وسيد رمضان أحمد، دار المعارف بمصر، بدون تاريخ. 28- المسند: للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي، ودار صادر، بيروت 1389 هـ. 29- المعرفة والتاريخ () : للفسوي، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت 1401 هـ. 30- المغازي () : للواقدي، تحقيق المستشرق الدكتور مارسدن جونس، مصوّرة عالم الكتب ببيروت بدون تاريخ. 31- موارد الخطيب البغدادي: للدكتور أكرم ضياء العمري، دار القلم، دمشق 1395 هـ. 32- النور السافر: للعيدروس، بدون تاريخ ومكان الطبع .

الفصل الثاني لابن العماد

الفصل الثاني لابن العماد هو الإمام الفقيه الأديب المؤرّخ الأخباري أبو الفلاح عبد الحيّ بن أحمد بن محمد العكري [1] الدمشقي الصالحي الحنبلي، المعروف ب ابن العماد. ولد في صالحية دمشق، وذلك يوم الأربعاء الثامن من شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وألف، وكان ذلك في أيام العثمانيين حكام الدولة الإسلامية الكبيرة التي عرفها التاريخ آنذاك، التي كانت فرائص أقوى الممالك في أوروبة ترتعد فرقا من سلاطينها لفترة طويلة من الزمن، تلك الدولة التي امتدت رقعتها من المحيط الأطلسي إلى بلاد فارس إلى أواسط أوروبة، والتي انتزعت القسطنطينية من أيدي الروم، وذلك قبل أن تتفق على تحطيمها الدول الاستعمارية الكبرى التي كانت تطمع في ممتلكاتها كما هو معلوم. نشأ ابن العماد في دمشق، وقرأ القرآن الكريم، وطلب العلم مشمّرا عن ساعد الجدّ والاجتهاد، فأخذ من أعلام الأشياخ، وأجلّهم الشيخ أيوب الخلوتي [2] .

_ [1] قال العلّامة الشيخ محمد كمال الدين بن محمد الغزّي العامري في «النعت الأكمل» ص (240) : العكري بضم العين. قلت: وقال العلّامة الأستاذ خير الدين الزركلي في «الأعلام» (3/ 290) ما معناه: العكري في «تاج العروس» للزبيدي، بفتح الكاف مخفة أو مع التشديد، إلّا أن «بيت العكر» معروفون في دمشق إلى اليوم بفتح العين وسكون الكاف. وانظر «تاج العروس» «عكر» (13/ 121) طبعة حكومة الكويت. [2] هو أيوب بن أحمد بن أيوب القرشي الماتريدي الحنفي الخلوتي، شيخ من كبار المتصوفين،

وتلقى الفقه قراءة وأخذا عن ابن فقيه فصّة [1] مفتي الحنابلة في الشام في عصره، وعن الشيخ شمس الدين بن بلبان [2] . ثم رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة طويلة للأخذ عن علمائها، فأخذ بها عن الشيخ سلطان المزّاحي [3] والنّور الشّبراملّسي [4] ، وشمس الدّين البابلي [5] ،

_ أصله من البقاع العزيزي في الشام، ومولده ومنشؤه ووفاته في دمشق، وكان شيخ وقته في الشام، له عدة رسائل، منها «ذخيرة الفتح» و «وصية» أوصى بها ولده محمدا المكنّى بأبي الصفاء، مات سنة (1071 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (2/ 37) . [1] هو عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر البعلي الأزهري الدمشقي، ولد في بعلبك ونسبته إلى قرية «فصّة» ، ورحل إلى القاهرة فتعلم في الأزهر، وعاد إلى دمشق فتوفي بها، من تصانيفه «العين والأثر في عقائد أهل الأثر» و «فيض الرزّاق في تهذيب الأخلاق» ، و «رياض أهل الجنة في آثار أهل السنّة» و «شرح صحيح البخاري» لم يكمّله. مات سنة (1071 هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 272) . [2] هو محمد بن بدر الدين بن عبد الحق بن بلبان، فقيه حنبلي، أصله من بعلبك، اشتهر وتوفي بدمشق كان يقرئ في المذاهب الأربعة، وأخذ الحديث عنه جماعة من كبراء عصره، منهم المحبي صاحب «خلاصة الأثر» ، له تآليف، منها «الرسالة في أجوبة أسئلة الزيدية» و «كافي المبتدي من الطلاب» ، و «أخصر المختصرات» ، و «عقيدة في التوحيد» ، و «بغية المستفيد في التجويد» ، وغيرها، مات سنة (1083) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 51) . [3] هو سلطان بن أحمد بن سلامة بن إسماعيل المزاحي الشافعي، كان شيخ الإقراء بالقاهرة، من مصنفاته «حاشية على شرح المنهج للقاضي زكريا» ، و «القراءات الأربع الزائدة عن العشر» و «أجوبة عن أسئلة وردت إليه في القراآت» . مات سنة (1075) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 108) . [4] هو علي بن علي الشبراملسي، أبو الضياء، فقيه شافعي مصري، كفّ بصره في طفولته. تعلم وعلّم بالأزهر، وصنّف كتبا منها «حاشية على المواهب اللدنية للقسطلاني» و «حاشية على الشمائل» باسم «حواش على متن الشمائل» ، و «حاشية على نهاية المحتاج» ، مات سنة (1087) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 314) . [5] هو محمد بن علاء الدين البابلي، أبو عبد الله، فقيه شافعي من علماء مصر، ولد ببابل من قرى مصر، ونشأ وتوفي في القاهرة، وكان كثير الإفادة للطلاب قليل العناية بالتأليف، وكان ينهى عن التأليف إلا في أحد أقسام سبعة: إما في شيء لم يسبق إليه المؤلف يخترعه، أو شيء ناقص يتمّمه، أو شيء مستغلق يشرحه، أو طويل يختصره- على أن لا يخلّ بشيء من معانيه- أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنفه يبيّنه، أو شيء مغرق يجمعه. له

وشهاب الدّين القليوبي [1] الشافعيين، وغيرهم. ثم رجع إلى دمشق ولزم الإفادة والتدريس، وانتفع به كثير من أبناء عصره، منهم المحبّي [2] صاحب «خلاصة الأثر» ، والشيخ عثمان بن أحمد بن عثمان النجدي الحنبلي، والشيخ مصطفى الحموي [3] ، والشيخ عبد القادر البصري. قال المحبّى في «خلاصة الأثر» (2/ 340- 341) : وكان مع كثرة امتزاجه بالأدب وأربابه، مائلا بالطبع [4] إلى نظم الشعر، إلّا أنه لم يتفق له نظم شيء فيما علمته منه، ثم أخبرني بعض الإخوان أنه رأى في المنام كأنه ينشد هذين البيتين، قال: وأظن أنهما له، وهما: كنت في لجّة المعاصي غريقا ... لم تصلني يد تروم خلاصي أنقذتني يد العناية منها ... بعد ظنّي أن لات حين مناص وقال: وكنت فى عنفوان عمري تلمذت له وأخذت عنه، وكنت أرى

_ كتاب «الجهاد وفضائله» ألجئ إلى تأليفه، مات سنة (1077) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 270) . [1] هو أحمد بن سلامة القليوبي، أبو العباس، فقيه متأدب من أهل قليوب في مصر، له حواش ورسائل، وكتاب في تراجم جماعة من أهل البيت سمّاه «تحفة الراغب» و «فضائل مكة والمدينة وبيت المقدس وشيء من تاريخها» ، مات سنة (1069) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 270) . [2] هو محمد أمين بن فضل الله بن محبّ الله بن محمد المحبي الحموي الأصل الدمشقي، مؤرّخ، باحث، أديب، عني كثيرا بتراجم أهل عصره، فصنّف «خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر» وغير ذلك من المصنفات المختلفة، مات سنة (1111) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (2/ 41) . [3] هو مصطفى بن فتح الله الشافعي الحموي ثم المكّي، مؤرّخ من أدباء عصره، أصله من حماة، رحل منها إلى دمشق، فقرأ على بعض علمائها، وسافر إلى اليمن فتوسّع في الأخذ عن أهلها، واستقر بمكة، وتوفي بذمار من أرض اليمن، له «فوائد الارتحال ونتائج السفر في أخبار أهل القرن الحادي عشر» ، مات سنة (1123) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (7/ 238) . [4] في «خلاصة الأثر» المطبوع: «مائل بالطبع» .

لقيته فائدة أكتسبها، وجملة فخر لا أتعدّاها، فلزمته حتى قرأت عليه الصرف والحساب، وكان يتحفني بفوائد جليلة ويلقيها عليّ، وحباني الدهر مدة بمجالسته، فلم يزل يتردد إليّ تردّد الآسي إلى المريض، حتى قدّر الله تعالى الرحلة عن وطني إلى ديار الروم، وطالت مدة غيبتي وأنا أشوق إليه من كل شيق، حتى ورد عليّ خبر موته وأنا بها، فتجددت لوعتي أسفا على ماضي عهوده، وحزنا على فقد فضائله وآدابه. مات في السادس عشر من ذي الحجة سنة تسع وثمانين وألف في مكة المكرمة عقب أدائه لفريضة الحج، رحمه الله تعالى برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه، وحشرنا وإياه يوم القيامة تحت لواء سيد المرسلين. وقد خلّف ابن العماد رحمه الله عددا من المصنفات في علوم مختلفة منها: 1- بغية أولي النهى في شرح المنتهى. شرح فيه كتاب «منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات» للعلّامة تقي الدين أبي البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي [1] ، الشهير بابن النّجّار، المتوفى سنة (972) هـ[2] . 2- شذرات الذهب في أخبار من ذهب. وهو كتابنا هذا الذي قامت شهرة ابن العماد عليه، والذي نقوم بتحقيقه للمرة الأولى. 3- شرح بديعية ابن حجّة الحموي الشهيرة التي مطلعها:

_ [1] قلت: وقد تحرّفت «الفتوحي» في «هدية العارفين» للبغدادي (1/ 508) إلى «التنوخي» وهو خطأ، وتبعه على ذلك الأستاذ عمر رضا كحالة في «معجم المؤلفين» (5/ 107) فيستدرك فيهما. [2] انظر «البديعيات» لصديقنا الفاضل الأستاذ المحقّق علي أبو زيد ص (94) و (196) .

لي في ابتداء مدحكم يا عرب ذي سلم ... براعة تستهلّ الدّمع في العلم 4- معطية الأمان من حنث الأيمان. وهو في الفقه. 5- نزهة ذات العماد على تفسير العلّامة البيضاوي لسورة يس. وهو مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق تحت رقم (5543) [1] . 6- وله بعض الشعر [2] .

_ [1] انظر «فهرس مخطوطات الظاهرية» (علوم القرآن الكريم) (3/ 450) . [2] انظر «النعت الأكمل» ص (242- 248) .

مصادر ومراجع مختارة

مصادر ومراجع مختارة 1- الأعلام: للعلّامة الأستاذ خير الدين الزركلي، الطبعة الرابعة، دار العلم للملايين، بيروت 1399 هـ. 2- البديعيات: للأستاذ علي أبو زيد، عالم الكتب، بيروت 1403 هـ. 3- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، للمحبي، مصوّرة دار صادر، بيروت بدون تاريخ. 4- فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم القرآن الكريم) : للأستاذ صلاح محمد الخيمي، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق 1405 هـ. 5- معجم المؤلفين: للأستاذ عمر رضا كحالة، مطبعة الترقي، دمشق 1376 هـ. 6- النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل: للشيخ محمد كمال الدين بن محمد الغزّي العامري، تحقيق وجمع الأستاذين محمد مطيع الحافظ، ونزار أباظة، دار الفكر، دمشق 1402 هـ. 7- هدية العارفين: للبغدادي، مصوّرة مكتبة المثنى، بغداد بدون تاريخ .

الفصل الثالث القيمة الفنية لكتاب شذرات الذهب

الفصل الثالث القيمة الفنيّة لكتاب شذرات الذّهب يعتبر هذا الكتاب من الوجهة الفنية من أهم مصنفات التاريخ العربي الإسلامي المختصرة، وقد استطاع مصنفه أن يؤرّخ فيه أحداث القرون الهجرية العشرة الأولى، كالحروب، والغزوات، والمعارك، والولادات، والوفيات، وسير الأعلام، وغير ذلك من الأحداث التي شهدها تاريخنا العربي الإسلامي خلال هذه الفترة الطويلة من عمر الزمن، باختصار من غير إخلال ولا إطناب إلا فيما ندر. أضف إلى ذلك أنه يمتاز من غيره من كتب التاريخ بأمرين اثنين: أولهما: كونه يؤرّخ من السنة الأولى إلى سنة ألف للهجرة، الأمر الذي يجعله من أوسع كتب التاريخ الإسلامي المختصرة من جهة استيعابه لما يقرب من ثلاثة قرون زيادة على كتب التاريخ الأخرى ك «تاريخ الإسلام» للذهبي، و «البداية والنهاية» لابن كثير، وغيرهما من مصنفات التاريخ. وثانيهما: صفة الحياد التي حاول المؤلف أن يتمسك بها في معظم المواطن التي ألمح فيها إلى الأحداث الأليمة التي شهدها التاريخ الإسلامي، ولا سيما في القرن الأول الذي شهد العدد الكبير جدا من تلك الأحداث، ولا يخفى على الدارسين بأن صفة الحياد إن وجدت لدى المؤرّخ فهي تعزّز الثقة بكلامه، وتجعل كتابه مصدر ثقة لكل باحث أو ناقل، والعكس بالعكس. ولا بدّ من الإشارة أيضا إلى تمكّن المؤلف- رحمه الله- من فهم

النصوص القرآنية، والحديثية، والفقهية، وذلك ما يظهر واضحا في أكثر من موطن من مواطن الكتاب، كما في قصص الظّهار، وابن صيّاد، والتحكيم من هذا المجلد من الكتاب. وإنك لتجد فوائد في الكتاب فيما يتصل بتراجم الأعيان من المحدّثين، والمؤرخين، والأدباء، والشعراء، والفرسان، والقادة، والأمراء، لا تجدها في غيره من المراجع إلّا بعد تتبّع واستقراء كبيرين، لذلك إن اعتبر ابن العماد أحد المؤرخين المتأخرين الذين اعتمدوا على النقل واختصار الأحداث من مصنفات المؤرخين من العلماء السابقين لهم، إلا أن منهجيته في الاختصار والنقل والتدوين تكاد تكون هي المنهجية المثلى لمن يريد التصنيف المختصر في أيّ من الموضوعات العلمية أو الأدبية في نظري. ولقد عني المؤلّف في المقام الأول بذكر وفيات أعيان المحدّثين من رجال القرون العشرة التي استوعبها كتابه، وإنك لو تصفّحت الكتاب كله لوجدت منهم العدد الكبير جدا، الأمر الذي يجعل الباحثين في كتب الحديث النبوي الشريف يستفيدون فوائد قيّمة من هذا الكتاب، لدى رجوعهم إلى طبعته المحقّقة هذه إن شاء الله. ولا بدّ لي من التنويه إلى أن المؤلف قد اقتصر على ذكر بعض الأحداث التي شهدها القرن الأول، وأغفل غيرها من الحوادث المهمة، الأمر الذي جعلني أذيّل عليه في بعض المواطن، وأسجل بتعليقات مسبوقة بالنجوم أهم ما شهده هذا القرن من الحوادث التي ارتأيت أن تدوينها في الكتاب أمر ضروري لاستكمال ما فيه من النقص. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن المؤلف- رحمه الله- اعتمد على عدد كبير من الكتب والمصنفات التي لم يشر إليها في مقدمته لكتابه، ولا في معرض نقله عنها في المواطن التي أثبت النقول منها، وقد ظهرت لي أثناء العمل، ويمكن للقارئ الكريم أن يلحظ أسماء معظمها في الحواشي التي أثبتها في هوامش الصفحات.

وهناك أمر مهم تجدر الإشارة إليه، وهو أن المؤلّف لم يكن ممّن يعوّل على النقل من غير تدقيق ولا تمحيص، بل على العكس من ذلك نراه يناقش أصحاب الكتب التي نقل عنها مناقشة تثبت تعمّقه في فهم التأريخ، ونرى ذلك جليّا في الردود التي أثبتها في كتابه على عدد من أصحاب الكتب التي نقل عنها، الأمر الذي يجعلنا نجزم بأن المؤلف كان أهلا لتدوين حوادث هذه الفترة الزمنية الطويلة من التاريخ، لأنه كان صاحب مشاركة في العديد من العلوم العقلية منها والنقلية. وخلاصة القول: إن «شذرات الذهب» هو أحد كتب التاريخ الإسلامي التي استوعبت التأريخ لهذا العدد الكبير من السنوات الهجرية من غير إخلال ولا إطناب إلا فيما ندر، وهو الكتاب الوحيد من كتب المؤلّف، الذي يمكن للمرء أن يقف من خلاله على المستوي الرفيع الذي كان عليه ابن العماد بين علماء عصره، وهو الكتاب الوحيد أيضا الذي يمكنه أن يغني معظم القرّاء عن اقتناء الكثير من المصنفات فيما يتصل بالوفيات بشكل خاص والتراجم، والأحداث بشكل عام بعد اكتمال تحقيقه وطبعه إن شاء الله تعالى .

الفصل الرابع عملنا في تحقيق الكتاب

الفصل الرّابع عملنا في تحقيق الكتاب إن أهم ما يراد من تحقيق أيّ كتاب من كتب تراثنا العربي الإسلامي العظيم، هو الوصول به إلى جادة الصواب: قال ابن منظور: حقّ الأمر يحقّه حقا وأحقّه: كان منه على يقين، تقول: حققت الأمر وأحققته: إذا كنت على يقين منه [1] . وقال أيضا: وأحققت الشّيء أي أوجبته. وتحقّق عنده الخبر، أي صحّ. وحقّق قوله وظنّه تحقيقا، أي صدّق. وكلام محقّق، أي رصين، قال الرّاجز: «دع ذا وحبّر منطقا محقّقا» [2] وفن التحقيق كما تعلمته على يدي والدي- حفظه الله- يتفق تمام الاتفاق مع ما قاله ابن منظور، فإن والدي علّمني بأن التحقيق يعني محاكمة النص الذي يراد تحقيقه، بحيث لا يدع من يتصدى لتحقيق كتاب من الكتب كلمة أوردها المؤلّف دون أن يكون منها على يقين، وخاصة منها ما يحتمل التحريف والتصحيف والخطأ، كالآيات، والأحاديث، والأسماء، والكنى، والألقاب، وأسماء الأمصار، والأبيات الشعرية، والأمثال، والأقوال، وغير ذلك مما قد يرد في نص المؤلف، وذلك لتقويم ما قد يقع فيه من الخطأ، واستدراك السّقط، لأن العلماء المتقدمين الذين خلفوا لنا هذا التراث العظيم هم مثلنا من بني

_ [1] «لسان العرب» «حقق» (2/ 940) . طبعة دار المعارف بمصر. [2] المصدر السابق، ص (942) .

البشر، وبنو البشر عرضة للخطأ والنسيان، مهما كان موقع أحدهم من أهل عصره. ومن ثم تخريج كل ما يحتاج إلى التخريج من الآيات، والأحاديث، وأبيات الشعر، والأمثال، والتعليق على المواطن التي لا بدّ من التعليق عليها، وتجنّب الإطناب في التعليق على المواطن التي لا فائدة من التعليق عليها، وخاصة في المصنفات التي يقتنيها الباحثون بشكل عام، ثم فهرست الكتاب [1] . ولقد اجتهدت في أثناء خدمتي لهذا الكتاب في تحقيق هذا المنهج على أفضل وجه، وإن كنت لا أدّعي بأني قد اقتربت من صفة الكمال، لأن الله عزّ وجلّ يأبى إلّا أن يكون الكمال لكتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الذي حملني على العمل في تحقيق هذا الكتاب العظيم، هو ما وقع في طبعته السابقة المنتشرة من الخطأ، والسّقط، والتحريف، والتصحيف، وسوء الإخراج، إضافة إلى أنها خلت من الضبط، والترقيم، والتخريج، الأمر الذي قلّل من إمكانية الاعتماد عليها من قبل الباحثين إلى حدّ بعيد، فكان لا بدّ من العمل على إخراجه إخراجا جديدا يليق به من

_ [1] قلت: ويخطئ من يعتقد بأن التحقيق هو أن يقوم المرء بإخراج النص كما ورد في الأصل الخطّي أو أحد المصوّرات للكتاب الذي يتصدى لتحقيقه، مقتفيا في ذلك آثار المستشرقين الذين لا يحسن معظمهم فهم النصوص ناهيك عن تحقيقها. ولقد ظن البعض ممّن لا علم لديهم ولا ثقافة ممّن اقتحموا عالم تحقيق التراث عن غير أهلية، بأن المستشرقين هم الذين سبقوا المسلمين إلى العمل في فن التحقيق. والصواب أن الذي يقوم به معظم المستشرقين من العمل في كتب التراث العربي الإسلامي إنما هو نشر لتلك الكتب، وليس تحقيقا لها، وبين النشر والتحقيق فرق كبير. ولعلّ من أهمّ ما ينبغي أن يتّصف به المحقّق هو فهم اللغة، أو الرجوع إلى المصادر التي تعينه على فهمها في أسوأ الحالات، ومن أين للمستشرق أن يفهم لغة شرع بتعلّمها في العشرين من عمره؟. وما ينبغي التأكيد عليه أخيرا هو أن فن التحقيق فنّ نشأ وترعرع في بلادنا، ووضعت أصوله وفروعه على أيدي علمائنا القدامى رحمهم الله، ولو نظر الباحث في كتب الرجال لوجد الكثير من العلماء موصوفين ب المحققين.

جهة الشكل والمضمون، إنصافا له، ولمؤلفه العالم الكبير. وقد جرى العمل في تحقيق الكتاب- وهذا المجلد منه على وجه الخصوص- وفق ما يلي: 1- قمت بقراءة المطبوع على والدي- المشرف على تحقيق الكتاب- وذلك لمقابلة المطبوع على الأصل، فصحّحنا الخطأ، والتحريف، والتصحيف الذي لحق بالنصوص، واستدركنا السّقط، وكنت في أثناء ذلك، أدوّن ملاحظات والدي القيّمة التي انحصرت بشكل أساسي فيما يتصل بضبط الأسماء، والأبيات الشعرية، والنصوص القرآنية منها والحديثية. 2- وبعد ذلك قمت بتفصيل النصوص، وترقيمها، وضبط الألفاظ التي رأيت أن ضبطها أمر ضروري، ولا سيما الآيات، والأحاديث، وأسماء الأعلام، والبلدان، والأبيات الشعرية، وغير ذلك مما يراه القارئ الكريم في أثناء مطالعته للكتاب، وقد استعنت في ذلك بكتب اللغة والرّجال ودواوين الشعر. 3- وقمت بالتذييل على هذا الجزء من الكتاب بشكل خاص، وذلك في المواطن التي تبين لي بأن المؤلف اختصر فيها من إيراد الحوادث التي جرت إلى حدّ بعيد، فأثبتّ ما صحّ من الأخبار في عدد من المصادر بعد التحقيق فيها، أو ما رأيت أن هناك شبه إجماع من المؤرخين المتقدمين عليه، وهذا ما تطلّب منّي جهدا إضافيا، ووقتا طويلا لإخراج هذا المجلد. 4- وقمت بترقيم الآيات، وتخريج أبيات الشعر من مصادرها بالقدر الممكن، وشرحت ما ورد في النصوص من الألفاظ الغريبة، وعلّقت على عدد من المواطن من الكتاب، وعرّفت بعدد من الأعلام ممّن دعت الحاجة إلى التعريف بهم، ولا سيما الذين لم ترد لهم تراجم مستقلة في الكتاب، وتتبعت النقول التي وردت في الكتاب في مصادرها، فصحّحت ما وقع فيها من الخطأ، واستدركت ما حصل فيها من السّقط.

5- ثم قمت بكتابة هذه المقدمة التي اجتهدت في جعلها مقدّمة تليق بهذا الكتاب العظيم وصاحبه بعد دراسة وإعداد طويلين. ومن ثم شرعت بتقديم مواد الكتاب إلى والدي حفظه الله على مراحل لكي يقوم بمراجعته وتخريج النصوص الحديثية الواردة فيه تمشيا مع المنهج الذي وضعته لتحقيق الكتاب، وقد أضاف- حفظه الله- إلى تعليقاتي على الكتاب عددا من التعليقات جعلها مختومة بحرف (ع) . بقي أن أشير إلى أننا اعتمدنا في تحقيق الكتاب على مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق، وهي تحت رقم (3465) عام، وعدد أوراقها (546) ورقة بقياس (30 42) سم، وكل ورقة تتألف من صفحتين، وفي كل صفحة ثمانية وثلاثون سطرا، وفي كل سطر ما يقرب من ثماني عشرة كلمة، وقد جاء في آخر هذه النسخة الخطية ما يلي: وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة الشريفة صبيحة يوم الجمعة رابع عشر شهر شوّال، من شهور سنة خمس وثمانين وألف، على يد أحقر العباد، الفقير إلى الله تعالى شعبان بن عبد الله بن يوسف بن علي الشافعي الخزرجي، غفر الله له ولوالديه، ولمن دعا له بالمغفرة آمين. ونقلت هذه النسخة المباركة من خط مؤلفها بلّغه الله مناه، وجعل الجنة جزاه، وهي ثالث نسخة تمّت، فلله الحمد والمنّة، وصلى الله على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه وسلّم تسليما كثيرا. وقيمة هذه النسخة تعود إلى نسخها عن نسخة المؤلف في حياته، ولعلها قوبلت عليه. وأرى من الواجب عليّ أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان بالجميل إلى العالم الكبير الأستاذ الدكتور شاكر الفحّام نائب رئيس مجمع اللغة العربية العامر بدمشق الذي أذن لي بالحصول على مصوّرة النسخة الخطبة من الظاهرية، وشجّعني على المضيّ في تحقيق الكتاب حين أطلعته على مقدمتي للكتاب،

وعلى نماذج مما تمّ طبعه من هذا المجلد، حفظه الله ذخرا للعلم وطلبته في هذا البلد. ولقد كتبت إلى كل من أعلم أن في مقدوره مساعدتي في الحصول على مصوّرات لنسخ خطية أخرى من الكتاب، فجاءتني رسالة الأستاد الدكتور خالد عبد الكريم جمعة مدير معهد المخطوطات العربية في الكويت تعلمني عن وجود نسختين خطيتين من الكتاب في دار الكتب المصرية في القاهرة جزاه الله تعالى خيرا، وقد تعذّر عليّ الحصول على أيّ من النسختين، ولكن عزائي كان في أن الأستاذ حسام الدين القدسي رحمه الله تعالى وأحسن إليه قد اعتمد في طبعته على النسختين المذكورتين، الأمر الذي حملني على اعتماد طبعته كأصل ثان في العمل أثناء تحقيق الكتاب. وجاءتني أيضا رسالة الأستاذ أحمد مشاري العدواني الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت تعلمني عن وجود نسخة من مخطوطات الكتاب في الهند، وعدد من الأوراق منه في ألمانيا، جزاه الله تعالى كل خير، وأقوم الآن بالسعي للحصول على النسختين المذكورتين. وبعد: فهذه هي أهم الأسس التي ارتكز عليها عملنا في تحقيق هذا المجلد من الكتاب، وحسبنا أننا بلغنا فيه ما استطعناه من الجودة والإتقان، فإن أحسنّا فذلك من توفيق الله عزّ وجلّ، وإن قصّرنا وأخطأنا، فلسنا ممّن يدّعي العصمة، وإنّا لنرجو جميع العاملين بإخلاص على إحياء التراث العربي الإسلامي على اختلاف اختصاصاتهم أن لا يبخلوا علينا بملاحظاتهم واستدراكاتهم، لأننا سوف نرحب بما يردنا منها، وسوف نذكر بالجميل أصحابها، فإن هذا الكتاب هو في نهاية الأمر إرث لأفراد الأمة جميعهم، والنصح للقائمين على تحقيقه وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها. وختاما أتوجه بالشكر الجزيل إلى والدي وأستاذي المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، الذي كان لخبرته الواسعة في مضمار التحقيق أكبر الأثر في ظهور

الكتاب على هذا الوجه الذي يسعد له فؤاد كل محبّ في الله، جزاه الله تعالى عنّي كل خير، وجعلني ممّن يترسمون خطاه ويسيرون على منواله. وأسأله تعالى أن يمدّ في عمره، وأن يجعله من الرّجال الذين يجري النفع على أيديهم للمسلمين أجمعين. وأتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى الأستاذ الدكتور خالد عبد الكريم جمعة المدير الفذ لمعهد المخطوطات العربية في الكويت، والمحبّب إلى نفوس العاملين بصدق على تحقيق ونشر ما ينفع الناس من تراث أمتنا، لتفضله بتقديم الكتاب، على الرغم من ازدحام أوقاته بأعمال هي في مردودها أنفع لأهل العلم دون شك، جزاه الله تعالى كل خير ونفع به وأعلى مقامه في الدّنيا والآخرة. وإلى الأستاذ الدكتور عدنان درويش مدير إدارة إحياء التراث العربي بوزارة الثقافة الذي أفدت من ملاحظاته التي تناولت مقدمتي للكتاب لدى اطلاعه على تجربة طبعها الأولى، حفظه الله تعالى ونفع به. وإلى الأخ الصديق الأستاذ علي أبو زيد الذي أفدت من ملاحظاته أثناء عملي في تحقيق هذا المجلد، حفظه الله تعالى وزاده توفيقا. وأرى من الواجب عليّ أيضا أن أذكر بالجميل الأخ الصديق الأستاذ علي مستو صاحب «دار ابن كثير» الذي بذل كل ما في وسعه لظهور هذا الكتاب على أحسن وجه من جهة الشكل والمضمون، وإني أسأل الله عزّ وجلّ أن يعوّضه أضعاف ما أنفق من المال في طبعه هذا الكتاب وكل كتاب مما نشره في الماضي أو سينشره في المستقبل، لأنه والحقّ يقال، من أفاضل الناشرين في أيامنا هذه، سدّد الله خطاه، وأنجح مسعاه، وأحسن مثوبته يوم القيامة. والأستاذ الفاضل محيي الدين مستو الذي شجعني على الاستمرار في تحقيق الكتاب، وكان من أسعد الناس بظهور هذا المجلد منه بهذا الإتقان لدى اطّلاعه على تجارب طبعه الأولى، بارك الله فيه.

بقي أن أشير أخيرا إلى الحثّ والتشجيع اللذين لمستهما خلال عملي في هذا المجلد من أستاذي الجليل سليم الزركلي كبير شعراء الشام في هذا العصر، فقد كانت سعادته عظيمة في إقدامي على خدمة هذا الكتاب، الذي هو أحد السجلّات الذهبية التي تفخر بها هذه الأمة في نظره، حفظه الله تعالى ذخرا لدنيا الأدب العربي الرفيع. وأضرع إلى الله عزّ وجلّ وأنا على مشارف هذه المقدمة أن يجعل خير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاه، إنه خير مسؤول. دمشق: في 24/ ربيع الآخر/ 1406 هـ الموافق ل 5/ كانون الثاني/ 1986 م أبو عبد القادر محمود الأرناؤوط

مقدمة المؤلف

بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه أستعين [1] مقدمة المؤلف الحمد لله الذي خلق ما في الأرض جميعا للإنسان، وركّبه في أي صورة شاء على أكمل وضع بأبهر إتقان، وجعله بأصغريه القلب واللسان، فهذا ملك أعضائه، وهذا له ترجمان، فإذا صلح قلبه، صلح منه سائر الأركان، وكان ذلك على فوزه بخيري الدّارين أعظم عنوان، وإذا فسد فسد جسده واستدلّ على خسرانه بأوضح برهان، قضى سبحانه بأن يبلي ديباجة شبابه الجديدان [2] ، ويصير حديثا لمن بعده من أولي البصائر والعرفان، وأعدّ تعالى له بعد النشأة الآخرة إحدى [3] داري العزّ والهوان، حكمة بالغة تحيّر فيها عقول ذوي الأذهان. أحمده حمد معترف بالتقصير، مقرّ بأن إليه المصير، وأشكره شكر من توالت عليه آلاؤه، وتتابع عليه من فضله عطاؤه. وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله أمات وأحيا، وخلق الزّوجين الذّكر والأنثى، وألهم نفس كلّ متنفّس الفجور والتّقوى، فإما أن يزكّيها فيسعد، أو يدسّيها [4] فيشقى، قدم إلى عباده بالوعيد، وقسمهم كما

_ [1] قوله: «وبه أستعين» لم يرد في المطبوع. [2] الجديدان: الليل والنهار. [3] في الأصل: «أحد» وما أثبتناه من المطبوع. [4] أي ينقصها، ويخفيها، ويخملها بالفجور، ويضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب

أخبر إلى شقيّ وسعيد، وأحصى لكل عامل ما فعل من طارف وتليد [1] ، حتى ما يَلْفِظُ من قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 50: 18 [ق: 18] . وأشهد أن سيّدنا محمّدا عبده ورسوله خير نبي أرسله، ففتح [به] [2] آذانا صمّا، وأعينا عميا، وقلوبا مقفلة. أرسله على حين فترة من الرّسل، وطموس لمعالم الهدى والسّبل، فكانت بعثته أنفع للخليقة من الماء الزّلال، بل من الأنفس، والأهل، والصّحب، والمال، إذ بمبعثه تمت للنّاس مصالح الدّارين، واتّصح [بها] [3] لهم أقوم الطريقين، فطوبى لمن أمسى باتّباع شريعته قرير العين، وويل لمن نبذ ما جاء به ظهريّا وأخرج هديه من البين. اللهم فصلّ وسلّم عليه أفضل صلاة وأكمل سلام، وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود، أشرف مقام، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، من بذلوا في طاعته رضا لمرسله المهج والمال، ففازوا بجزيل الثناء وجميل الخلال، وسعدوا بما نالوا من شريف المآل، وعلى تابعيهم، وأتباعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان، وأشرق النّيّران [4] آمين. وبعد: فهذه نبذة جمعتها، تذكرة لي ولمن تذكّر، وعبرة لمن تأمّل فيها وتبصّر، من أخبار من تقدّم من الأماثل وغبر، وصار لمن بعده مثلا سائرا وحديثا يذكر. جمعتها من أعيان الكتب، وكتب الأعيان، ممّن كان له القدم الرّاسخ في هذا الشّأن [5] ، إذ جمع كتبهم في ذلك إمّا عسر أو محال، لا سيّما من كان

_ المعاصي، وترك طاعة الله عز وجل، وفي المطبوع: ويدسسها، وهو صواب أيضا وبنفس المعنى. [1] الطارف: المال المستحدث، والتليد: ما ولد عندك من مالك أو نتج. [2] لفظة «به» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [3] لفظة «بها» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [4] النيران: الشمس والقمر. [5] أي علم التأريخ.

مثلي فاقد الجدة بائس الحال، فتسلّيت عن ذلك بهذه الأوراق، وتعلّلت بعلل [1] علّه يبرد أوام [2] الاحتراق [3] ، إذ هذا شأو [4] لا يدرك دقّه وجلّه، فليكن كما قيل: ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه. أردت أن أجعله دفترا جامعا لوفيات أعيان الرجال، وبعض ما اشتملوا عليه من المآثر، والسجايا، والخلال، فإنّ حفظ التأريخ أمر مهمّ، ونفعه من الدّين بالضرورة علم، لا سيما وفيات المحدّثين والمتحمّلين لأحاديث سيد المرسلين، فإن معرفة السّند لا تتم إلا بمعرفة الرّواة، وأجلّ ما فيها تحفظ السّيرة والوفاة. فممّن جمعت من كتبهم، وكرعت من نهلهم [5] وعلمهم مؤرّخ الإسلام الذّهبيّ [6] ، وفي الأكثر على كتبه أعتمد، ومن مشكاة ما جمع في مؤلفاته أستمدّ، وبعده من اشتهر في هذا الشأن كصاحب «الكمال» [7] و «الحلية» [8]

_ [1] العلل: الشرب الثاني، والنهل: الشرب الأول، يقال: علل بعد نهل. [2] الأوام: حر العطش. [3] المعنى: وتلهيت بالشرب الثاني لعله يبرد حرّ عطش الاحتراق. [4] الشأو: الغاية والأمد. [5] يقال: كرع في الماء، تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفه ولا بإناء، والنهل: الشرب الأول. [6] هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، المؤرخ، المحدّث، النقاد، صاحب «تاريخ الإسلام» و «سير أعلام النبلاء» و «الأمصار ذوات الآثار» وغير ذلك من المصنفات، المتوفى سنة (748) هـ. انظر «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (517) و «الأعلام» للزركلي (5/ 326) . [7] هو تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، الحافظ، المحدّث، المؤرخ، صاحب كتاب «الكمال في أسماء الرجال» - الذي أشار إليه المؤلف- و «عمدة الأحكام» و «النصيحة في الأدعية الصحيحة» وغير ذلك من المصنفات، المتوفى سنة (600) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في صدر كتاب «عمدة الأحكام» بتحقيقي ص (17) وما بعدها، طبع دار المأمون للتراث بدمشق. [8] هي «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» لصاحبها أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، الحافظ، المحدّث، المتوفى سنة (430) هـ. انظر «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (423) و «الأعلام» للزركلي (1/ 157) .

و «المنهل» [1] و «ابن خلّكان» [2] وغير ذلك من الكتب المفيدة، والأسفار الجميلة الحميدة، وسمّيته: «شذرات الذّهب في أخبار من ذهب» . ورتّبته على السنين، من هجرة سيّد الأوّلين والآخرين. وأسأل الله تعالى أن يثقل به ميزان الحسنات، وأن يجعله مقرّبا إليه، وإنما الأعمال بالنّيّات، فأقول، ومنه أطلب العون والقبول.

_ [1] هو «المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي» لصاحبه جمال الدين يوسف بن تغري بردي، المؤرخ، المتقن المتفنن، المتوفى سنة (874) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (8/ 22) . [2] هو أبو العباس أحمد بن محمد بن خلّكان، الأديب، المؤرخ، الحجة، المتوفى سنة (681) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (1/ 220) وكتابه الذي ينقل عنه المؤلف «ابن العماد» هو «وفيات الأعيان» .

السنة الأولى من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية

السنة الأولى من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة ضحى يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل. وفيها توفي النقيبان أسعد بن زرارة النّجاريّ، والبراء بن معرور السّلميّ [1] .

_ [1] قلت: وفي السنة الأولى من الهجرة النبوية أيضا، أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء، الذي نزل فيه قول الله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى من أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ 9: 108 (التوبة/ 108) . انظر «تاريخ الطبري» (2/ 397) و «تفسير ابن كثير» (2/ 387) و «البداية والنهاية» (3/ 209، 210) . وفيها رأى عبد الله بن زيد رضي الله عنه الأذان، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا رضي الله عنه أن ينادي بالأذان. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (56) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 375) . وفيها ولد عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه، وكان أوّل مولود من المهاجرين في دار الهجرة، فكبّر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم حين ولد، وذلك أن المسلمين كانوا قد تحدثوا أن اليهود يذكرون أنهم قد سحروهم، فلا يولد لهم، فكان تكبيرهم ذلك سرورا منهم بتكذيب الله- عز وجل- اليهود فيما قالوا من ذلك. انظر «تاريخ الطبري» (2/ 401) ، و «الإصابة» لابن حجر (6/ 83- 88) . وفيها شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجده في المدينة المنورة، وكان يشارك الصحابة رضوان الله عليهم في بنائه، وينقل اللّبن والحجارة بيده الكريمتين. انظر «زاد المعاد» لابن قيم الجوزية (3/ 62) بتحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وزميله الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت، ومكتبة المنار الإسلامية في الكويت.

وفي الثانية

وفي الثانية حوّلت القبلة، وذلك في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان [1] . وفيه فرض الصوم [2] . وفي سابع عشر شهر رمضان منها يوم الجمعة كانت وقعة بدر، واستشهد من المسلمين أربعة عشر، ستة من قريش وهم: عبيدة بن الحارث

_ [1] وذلك حين نزل قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 (البقرة: 144) . وكان ذلك بعد وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، كما ثبت ذلك في «الصحيحين» وغيرهما من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. انظر «جامع الأصول» لابن الأثير (2/ 10- 12) بتحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، و «زاد المعاد» لابن القيم (3/ 66- 69) . [2] أي في شعبان، وذلك حين نزل قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمن كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ 2: 185 (البقرة: 185) . قال الحافظ ابن كثير: قال الإمام أحمد بن حنبل: وأما أحوال الصيام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام، وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ 2: 183 (البقرة: 183) ، إلى قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ 2: 184 (البقرة: 184) ، فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه، ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ 2: 185 إلى قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ 2: 185 فأثبت الله صيامه على المقيم، والصحيح، ورخص فيه للمريض، والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ... قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له: صرمة

ابن عبد المطّلب بن عبد مناف المطّلبيّ، وعمير [1] بن أبي وقّاص الزّهري، وذو الشّمالين [2] ، وعاقل بن البكير، ومهجع مولى عمر، وهو يمانيّ من عكّ بن عدثان [3] ، وهو أول قتيل قتل يومئذ، وصفوان بن بيضاء. ومن الأنصار ثمانية، خمسة من الأوس وهم: سعد بن خيثمة، ومبشّر ابن عبد المنذر، ويزيد [4] بن الحارث، وعمير بن الحمام [5] ، ورافع بن المعلّى، وثلاثة من الخزرج [وهم] [6] حارثة بن سراقة، وعوف ومعوّذ ابنا عفراء، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

_ ابن مالك كان يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا، فقال: «ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا؟» قال يا رسول الله: إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت حين أصبحت صائما. قال: وكان عمر- رضي الله عنه- قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأنزل الله عز وجل [قوله] : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ 2: 187 إلى قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ 2: 187 (البقرة: 187) . انظر «تفسير ابن كثير» (1/ 214) . وللتوسع راجع «زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (1/ 184- 188) بتحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وزميله الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبع المكتب الإسلامي بدمشق. [1] في الأصل، والمطبوع: «عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «الإصابة» و «أسد الغابة» وكتب «السير» . [2] ذو الشمالين: هو عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، حليف بني زهرة، ذكر فيمن شهد بدرا، واستشهد بها، ولقب بذي الشمالين لأنه كان يعمل بيديه جميعا. انظر «الإصابة» لابن حجر (3/ 217) و (6/ 335) ، و «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (3/ 228) ، و «السيرية النبوية» لابن هشام (2/ 681) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (59) . [3] هو مهجع بن صالح، مولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من عكّ بن عدثان، وفي الأصل والمطبوع: عك بن عدنان، قال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (3/ 324) : وعكّ بن عدثان بالثاء المثلثة بن عبد الله بن الأزد، وليس ابن عدنان، أخا معدّ. [4] في الأصل، والمطبوع: «زيد بن الحارث» وهو خطأ، والتصحيح من «الإصابة» لابن حجر (10/ 343) . [5] في الأصل، والمطبوع: «عمير بن الجملة» وهو خطأ، والتصحيح من «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 290) ، و «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 697) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 39) . [6] لفظة «وهم» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.

وقتل من الكفار سبعون. وفيها توفيت رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي شوال منها دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها [1] . وفيها بنى عليّ بفاطمة رضي الله عنهما. وفيها توفي عثمان بن مظعون القرشيّ الجمحيّ، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة بعد رجوعه من بدر، وقبّله النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ميت، وكان يزوره، ودفن إلى جنبه ولده إبراهيم، وكان ممن حرّم الخمر على نفسه قبل تحريمها، وكان عابدا مجتهدا، وسمع لبيد بن ربيعة [2] ينشد: ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل فقال: صدقت، فلما قال: وكلّ نعيم لا محالة زائل قال: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: يا معشر قريش أكذّب في مجلسكم، فلطم بعض الحاضرين وجهه لطمة اخضرت منها عينه، وذلك في أول الإسلام، فقال له عتبة بن ربيعة: لو بقيت في منزلي [3] ما أصابك

_ [1] وقيل في السنة الأولى، انظر «تاريخ الطبري» (2/ 398) . [2] هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابي الجعفري، أبو عقيل، الشاعر الفحل، قال المرزباني في «معجمه» : كان فارسا شجاعا، شاعرا سخيا، قال الشعر في الجاهلية دهرا، ثم أسلم، ولما كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله بالكوفة: سل لبيدا، والأغلب العجلي: ما أحدثا من الشعر في الإسلام؟ فقال لبيد: أبدلني الله عز وجل سورة البقرة، وآل عمران: فزاد عمر في عطائه، قال: ويقال: إنه ما قال في الإسلام إلا بيتا واحدا: ما عاتب المرء اللّبيب كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح ويقال: بل قوله: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سربالا مات سنة (41) هـ. انظر «الإصابة» لابن حجر (9/ 6- 10) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 70، 71) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 240) . [3] في المطبوع: «لو بقيت في نزلي» .

شيء، وكان قد ردّ عليه جواره، فقال له عثمان: إن عيني الأخرى لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله [1] . وفيها ولد عبد الله بن الزّبير، وقيل: في الأولى [2] .

_ [1] انظر خبر هذه القصة في «السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 370، 371) و «الإصابة» لابن حجر (9/ 7- 8) في ترجمة لبيد. [2] انظر التعليق على حوادث السنة الأولى.

السنة الثالثة

السنة الثالثة في نصف رمضان منها ولد الحسن بن عليّ [1] رضي الله عنهما، وأما الحسين فمقتضى ما ذكروه في مدّة عمرهما، وتاريخ ولادتهما، أن يكون ولد في الخامسة، ولم يظهر كما سيأتي من تاريخ وفاتهما ما يقتضي ما ذكروه فليتأمل. وقال القرطبي: ولد الحسن في شعبان من الرابعة، وعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن، ويؤيده ما ذكره الواقدي، أن فاطمة علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة، وجزم النواويّ في «التهذيب» [2] أن الحسن ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وقيل: لم يكن بين ولادتهما إلا طهر واحد [3] .

_ [1] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (3/ 246) : مولده في شعبان سنة ثلاث من الهجرة. وقيل: في نصف رمضانها. وجزم ابن حجر في «الإصابة» (2/ 242) والنووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 158) ، والطبري في «تاريخه» (2/ 537) ، وابن الأثير في «الكامل» (2/ 166) ، بأن ولادته رضي الله عنه كانت في نصف رمضان من سنة ثلاث من الهجرة كما ذكر المؤلف. [2] «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 163) . قال الذهبي: وهو قول الزّبير: انظر «سير أعلام النبلاء» (3/ 280) . [3] وهو قول الإمام جعفر الصادق رحمه الله. انظر «سير أعلام النبلاء» (3/ 280) ، و «الإصابة» (2/ 248) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 163) .

وفي رمضان منها دخل صلى الله عليه وسلم بحفصة، ودخل بزينب بنت جحش، وبزينب بنت خزيمة العامريّة أمّ المساكين، وعاشت عنده نحو ثلاثة أشهر ثم توفيت. وفيها تزوج عثمان أمّ كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وفيها تحريم الخمر [1] .

_ [1] وذلك حين نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 5: 90 (المائدة: 90) . انظر «تفسير ابن كثير» (2/ 91- 97) . والأحاديث في تحريم الخمر كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «كلّ مسكر خمر وكلّ مسكر حرام» الذي رواه مسلم في «صحيحه» رقم (2003) ، وأبو داود في «سننه» رقم (3639) ، والترمذي في «سننه» رقم (1862) ، والنسائي في «المجتبى» (8/ 297) ، وابن ماجة في «سننه» رقم (3390) ، وأحمد في «المسند» (2/ 16 و 29 و 31 و 105 و 134 و 137) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» الذي رواه أبو داود رقم (3681) ، والترمذي رقم (1866) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ولتمام الفائدة انظر «جامع الأصول» لابن الأثير (5/ 89- 118) . وقال الإمام ابن القيم: فأما تحريم بيع الخمر، فيدخل فيه تحريم بيع كل مسكر، مائعا، كان، أو جامدا، عصيرا، أو مطبوخا، فيدخل فيه عصير العنب، وخمر الزبيب، والتمر، والذّرة، والشعير، والعسل، والحنطة، واللقمة الملعونة، لقمة الفسق والقلب، التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن، فإن هذا كلّه خمر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده، ولا إجمال في متنه، إذ صح عنه قوله: «كل مسكر خمر» ، وصح عن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابه ومراده: أن الخمر ما خامر العقل، فدخول هذه الأنواع تحت اسم الخمر، كدخول جميع أنواع الذهب والفضة، والبرّ، والشعير، والتمر والزبيب، تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبرّ بالبرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا مثلا بمثل» ، فكما لا يجوز إخراج صنف من هذه الأصناف عن تناول اسمه له، فهكذا لا يجوز إخراج صنف من أصناف المسكر عن اسم الخمر، فإنه يتضمن محذورين. أحدهما: أن يخرج من كلامه ما قصد دخوله فيه. والثاني: أن يسرع لذلك النوع الذي أخرج حكم غير حكمه، فيكون تغييرا لألفاظ الشارع ومعانيه، فإنه إذا سمّى ذلك النوع بغير الاسم الذي سمّاه به الشارع، أزال عنه حكم ذلك المسمّى، وأعطاه حكما آخر.

ووقعة أحد يوم السبت السابع من شوال، وصحح بعضهم أنها في الحادي عشر منه، وقتل فيها حمزة رضي الله عنه عمّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل جماعة، وكان إسلامه في السنة الثانية، وقيل: في السادسة من المبعث، ولم يسلم من إخوته سوى العباس رضي الله عنه، وكانوا تسعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثني عشر، ولما وقف صلى الله عليه وسلم يوم أحد ورأى ما به من المثلة حلف ليمثّلنّ بسبعين منهم، فنزل قوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ به 16: 126 [النحل: 126] الآية، فقال: «بل نصبر» وكفّر عن يمينه [1] . وفي ذي القعدة منها [2] . كانت غزوة بدر الصغرى [3] ، وغزوة بني النّضير، والصواب أنها في الرابعة [4] .

_ ولما علم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن من أمته من يبتلى بهذا، كما قال: «ليشربنّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» . قضى قضية كلية عامة لا يتطرق إليها إجمال، ولا احتمال، بل هي شافية كافية، فقال: «كل مسكر خمر» . «زاد المعاد» (5/ 747، 748) . وانظر التعليق عليه. [1] انظر «جامع الأصول» لابن الأثير (2/ 209، 210) ، و «تفسير ابن كثير» (2/ 592) . [2] أي من السنة الثالثة للهجرة. [3] وتسمى: بدر الثالثة، وبدر الموعد. [4] انظر خبر بني النضير في «سيرة ابن هشام» (2/ 190- 194) ، وابن سعد في «الطبقات» (2/ 57- 59) ، و «تاريخ الطبري» (3/ 36) ، و «سيرة ابن كثير» (3/ 145) ، وابن سيد الناس (2/ 48) ، و «شرح المواهب اللدنية» للزرقاني (2/ 79- 86) ، و «المصنف» لعبد الرزاق رقم (9732) .

السنة الرابعة

السنة الرابعة في صفر منها غزوة بئر معونة [1] وكانوا سبعين، وقيل: أربعين [2] . وفي ربيع الأول منها غزوة بني النّضير [3] نزلوا صلحا، وارتحلوا إلى خيبر. وفي محرّمها غزوة ذات الرّقاع [4] ، وغزوة الخندق عند بعضهم [5] ، وكان مقام الأحزاب فيها خمسة عشر يوما، وقيل: أكثر من عشرين يوما. وفيها نزل التميم، وقصة الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها.

_ [1] انظر ملخص هذه الوقعة في «زاد المعاد» لابن قيم الجوزية (3/ 246) . [2] في الأصل: وقيل: أربعون، وفي المطبوع: أربعين، وهو أصوب. [3] انظر التعليق رقم (4) في الصفحة السابقة. [4] وهي غزوة نجد. وسميت ذات الرقاع، لأنهم رقعوا فيها راياتهم، أو لما كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدة الحر. قال النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 20) والأصح أن غزوة ذات الرقاع في سنة خمس من الهجرة. [5] وهو الصحيح، ففي «الصحيحين» عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.

السنة الخامسة

السنة الخامسة فيها صلاة الخوف عند بعضهم، وغزوة دومة الجندل [1] ، وغزوة ذات الرّقاع عند بعضهم [2] ، وقيل: وغزوة الخندق [3] ، ثم غزوة بني قريظة، وصحح في «الروضة» أن الخندق في الرابعة، وبني قريظة في الخامسة، وجزم ابن ناصر الدّين [4] ، أنهما في الخامسة كما سيأتي، وهذا هو الصحيح، لأنه توجّه صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه من الأحزاب. وفيها توفي سعد بن معاذ سيّد الأوس، واهتزّ لموته عرش الرّحمن [5] .

_ [1] وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسميت (دومة الجندل) لأن حصنها مبني بالجندل، وهي الحجارة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 487، 489) ، و «الروض المعطار» ص (245) . [2] وهو الأصح. [3] والصحيح أنها كانت في الرابعة، كما قال النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 20) . [4] هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد القيسي الدمشقي الشافعي، شمس الدين، الشهير بابن ناصر الدّين، الإمام الحافظ المؤرخ، صاحب التصانيف المتنوعة، المتوفى سنة (842) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 237) . [5] روى البخاري في «صحيحه» (7/ 93) في فضائل سعد بن معاذ، ومسلم رقم (2467) في فضائل سعد، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» . وسعد بن معاذ الأنصاري الأوسي، من الأبطال من أهل المدينة، رمي بسهم يوم الخندق فمات من أثر جرحه ودفن بالبقيع سنة (4) هـ. وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (1/ 279- 297) .

السنة السادسة

السنة السادسة فيها بيعة الرضوان [1] ، وموت سعد بن خولة، الذي رثى له النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة [2] . قيل: وفيها غزوة بني المصطلق. وفيها فرض الحج [3] ، وقيل: سنة خمس. وكسفت الشّمس. ونزل حكم الظّهار [4] [5] .

_ [1] وذلك في صلح الحديبية، وقد بايع المسلمون تحت الشجرة بيعة الرضوان، حيث قال الله: لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ 48: 18 [الفتح: 18] . [2] والصحيح أنه مات في حجة الوداع. انظر «الإصابة» (4/ 139) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 343، 344) . وهو سعد بن خولة القرشي العامري. [3] والصحيح في السنة التاسعة أو العاشرة. وأما الآية الكريمة: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ 2: 196 فإنها وإن كانت قد نزلت سنة ست عام الحديبية، فليس فيها فرضية الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه، وإتمام العمرة بعد الشروع فيها، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء، وانظر «زاد المعاد لابن قيم الجوزية (2/ 101) . [4] في الأصل والمطبوع: منزل حكم الطهارة، وهو خطأ. وانظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 21) . والظّهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. وكانت العرب تطلق نساءها في الجاهلية بهذه الكلمة، وكان الظهار في الجاهلية طلاقا، فلما جاء الإسلام نهوا عنه وأوجبت الكفارة على من ظاهر من امرأته، وذلك حين نزل قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ من 58: 3

السنة السابعة

السنة السابعة فيها غزوة خيبر [1] ، وفتحها في صفر، وأكرم بالشهادة بضعة عشر.

_ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ به وَالله بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ 58: 3- 4 (المجادلة: 2- 4) . وانظر «لسان العرب» لابن منظور «ظهر» (4/ 2770) ، و «تفسير ابن كثير» (4/ 318- 322) ، و «زاد المعاد» لابن القيم (5/ 322) فقد توسعوا في الكلام حول هذا الموضوع. وانظر كلام المؤلف في ص (138- 142) من هذا المجلد. [5] قلت: وفي سنة ست من الهجرة أيضا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسائله إلى ملوك الأمم، وزعماء القبائل. انظر كتاب «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم» لابن طولون بتحقيقي ص (18- 21) ، طبع مؤسسة الرسالة. [1] قال الإمام ابن القيم: قال موسى بن عقبة: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الحديبية، مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها، ثم خرج غازيا إلى خيبر، وكان الله عز وجل وعده إياها وهو بالحديبية. وقال مالك: كان فتح خيبر في السنة السادسة. والجمهور: على أنها في السابعة. وقطع أبو محمد بن حزم: بأنها كانت في السادسة بلا شك، ولعل الخلاف مبنيّ على أوّل التاريخ، هل هو شهر ربيع الأول شهر مقدمه المدينة، أو من المحرم في أول السنة؟ وللناس في هذا طريقان. فالجمهور على أن التاريخ وقع من المحرم، وأبو محمد بن حزم يرى أنه من شهر ربيع الأول حين قدم. «زاد المعاد» (3/ 316) . وانظر خبر هذه الغزوة فيه. وخيبر على ثمانية برد من المدينة المنورة لمن يريد الشام، وتشتمل على سبعة حصون، ومزارع، ونخل كثير. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 409- 411) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (228) .

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيّة [1] ، وميمونة [2] ، وأمّ حبيبة [3] ، وجاءته مارية القبطية [4] . وقدم جعفر ومهاجرة الحبشة رضي الله عنهم. وأسلم أبو هريرة [5] رضي الله عنه. وفيها عمرة القضاء.

_ [1] هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب، سبيت في فتح خيبر سنة سبع من الهجرة، فوقعت في سهم دحية الكلبي رضي الله عنه، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس، ثم إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما طهرت تزوجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت شريفة عاقلة ذات حسب، وجمال، ودين، لها عشرة أحاديث في كتب السنة، منها واحد متفق عليه، توفيت سنة (50) هـ رضي الله تعالى عنها وأرضاها. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (82، 83) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 231- 238) ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 206) . [2] هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأخت أم الفضل زوج العباس، وخالة خالد بن الوليد، وخالة ابن عباس. تزوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم في وقت فراغه من عمرة القضاء سنة سبع في ذي القعدة، وكانت من سادات النساء، روي لها سبعة أحاديث في «الصحيحين» وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثا، وتوفيت في «سرف» وهو الموضع الذي كان فيه زواجها بالنبيّ صلى الله عليه وسلم قرب مكة، ودفنت به، وذلك سنة (51) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 238- 245) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 342) . [3] هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ببلاد الحبشة مهاجرة، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وسيقت إليه من هناك، مسندها خمسة وستون حديثا اتفق البخاري ومسلم على حديثين، وتفرد مسلم بحديثين. توفيت في أيام أخيها معاوية سنة (44) هـ، وقيل سنة (42) رضي الله عنها وأرضاها. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 218- 223) ، و «زاد المعاد» لابن القيم (1/ 109) . [4] وقد أرسلها إليه المقوقس ملك مصر والإسكندرية مع حاطب بن أبي بلتعة حين قدم إليه برسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم. انظر «إعلام السائلين» لابن طولون ص (77- 81) بتحقيقي. [5] واسمه عبد الرحمن بن صخر الدّوسيّ، وهو سيد الحفاظ الأثبات. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 578- 632) .

السنة الثامنة

السنة الثامنة فيها غزوة مؤتة [1] ، واستشهد بها الأمراء الثلاثة: زيد بن حارثة، الذي نوّه القرآن بقدره، وذكره، وجعله النبيّ صلى الله عليه وسلم [هو] [2] وابنه [3] كفؤا للعربيات والقرشيات. ثانيهم جعفر بن أبي طالب الطيّار، واستشهد وله إحدى وأربعون سنة، ومناقبه عديدة، قال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أشبهت خلقي وخلقي» [4] ، وناهيك بها فضيلة. ثالثهم عبد الله بن رواحة الخزرجيّ، أحد النقباء، الصادق في طلب الشهادة، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

_ [1] وذلك في شهر جمادى الأولى منها. انظر خبرها في «زاد المعاد» (3/ 381- 386) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (86، 87) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (2/ 234- 238) وغير ذلك من المصادر. [2] لفظة «هو» سقطت من الأصل، وأثبتناها من «المطبوع» . [3] هو أسامة بن زيد حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبّه. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 496- 507) . [4] وهو قطعة من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما رواه البخاري رقم (2699) في الصلح: باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان، فلان بن فلان، وإن لم ينسبه إلى قبيلة أو نسبة، و (4251) في المغازي: باب عمرة القضاء، وليس الحديث عند مسلم، وقد وهم من نسبه إليه.

وفتح الله فيها على يد خالد بن الوليد، وهي أول مشاهده في الإسلام. وفي رمضان منها فتح مكة. وغزوة حنين في شوال. ثم حصار الطائف، ونصب النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم المنجنيق، ثم رحل عنها عن غير فتح، وأسلم أهلها في العام القابل. وفيها غزوة ذات السّلاسل. وفيها غلا السّعر فقالوا: يا رسول الله سعّر لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو المسعّر، والقابض الباسط» [1] . وفيها ولد إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهب [2] النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي رافع [3] لمّا بشّره بولادته عبدا، وتنازعت الأنصار في رضاعه، فدفعه صلى الله عليه وسلم إلى أبي سيف [4] ، وزوجته أمّ سيف [5] . وتوفيت ابنته زينب، وهي أكبر أولاده صلى الله عليه وسلم.

_ [1] هو قطعة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه رواه الترمذي رقم (1314) في البيوع: باب ما جاء في التسعير، وأبو داود رقم (3451) في الإجازة: باب التسعير، وابن ماجة رقم (2200) في التجارات: باب من كره أن يسعر، وإسناده صحيح. وانظر «جامع الأصول» لابن الأثير (1/ 595) بتحقيقي. [2] حرف الواو الأول سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع. [3] اختلف في اسمه، فقيل: أسلم، وقيل إبراهيم، وقيل: هرمز، وقيل: ثابت. وقيل: غير ذلك، وقال ابن عبد البر: أشهر ما قيل في اسمه أسلم. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 16) . وانظر خبر هبة النبيّ صلى الله عليه وسلم له عبدا في «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (1/ 106) في ترجمة إبراهيم بن النبيّ صلى الله عليه وسلم. [4] هو أبو سيف القين، وهو الحداد، كان من الأنصار انظر «الإصابة» لابن حجر (11/ 185، 186) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 161) . [5] انظر خبرها في «الإصابة» (13/ 232) ، و «أسد الغابة» (7/ 349) .

السنة [1] التاسعة

السنة [1] التاسعة فيها غزوة تبوك في رجب [2] . وحجّ أبو بكر رضي الله عنه بالنّاس. ومات النّجاشيّ [3] في رجب. وتوفيت أمّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعبد الله بن أبي بن سلول [4] رأس المنافقين، وكان موته في ذي القعدة، وهو القائل: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ، فلما رجعوا من غزوة تبوك منعه ابنه عبد الله، المفلح، الصالح من دخول المدينة حتى يأذن له النبيّ صلى الله عليه وسلم.

_ [1] لفظة «السنة» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] انظر خبر هذه الغزوة والتعليق عليها في «زاد المعاد» لابن القيم (3/ 526- 528) . [3] النجاشي: هو لقب من ملك الحبشة في ذلك العهد، واسم المعني هنا أصحمة بن أبجر، وأصحمة يعني بالعربية «عطية» وهو الذي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية الضمري، فأسلم وصدق. وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما بلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم موته نعاه، وخرج بالصحابة إلى المصلى فصف بهم، وكبر أربعا. وقد وهم من قال بأن النجاشي الذي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم غير النجاشي الذي صلى عليه، لأن كتب التاريخ والسّنّة لم تذكر لنا سوى نجاشي واحد، وإلا لكانت ألمحت إلى الآخر دون شك. انظر «عمدة الأحكام» للمقدسي ص (117) بتحقيقي. [4] وهو الذي نزل فيه قول الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ، إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ 9: 84 (التوبة: 84) . وانظر «تفسير ابن كثير» (2/ 378- 380) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 65) .

وفيها قتل عروة الثقفيّ، قتله قومه أن دعاهم إلى الإسلام، وكان من دهاة العرب. وتوفي سهيل بن بيضاء الفهريّ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة. وقتل ملك الفرس، وملّكوا بوران [1]- بضم الباء الموحدة وبالراء- وإليها الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» [2] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بورب» وهو خطأ، والتصحيح من «فتح الباري» لابن حجر (8/ 128) وهي بوران بنت شيرويه بن كسرى بن برويز. [2] هو قطعة من حديث رواه البخاري رقم (4425) في المغازي: باب كتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، و (7099) في الفتن: باب رقم (18) ، والترمذي رقم (2262) في الفتن: باب رقم (75) ، والنسائي (8/ 227) في القضاة: باب النهي عن استعمال النساء في الحكم، وأحمد في «المسند» (5/ 38 و 43 و 47 و 51) .

السنة [1] العاشرة

السنة [1] العاشرة فيها حجة الوداع [2] ، ولم يحج صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سواها [3] ، ولم ينضبط عدد حجّاته قبلها، لكن كان نفلا، إذ فرض الحج كان في السنة السادسة كما تقدم [4] . وفيها توفي إبراهيم بن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو ابن سنة ونصف، وكسفت الشمس يوم مات [5] . ذكر بعض الشافعية أن كسوفها يوم مات إبراهيم يردّ على أهل الفلك، لأنه مات في غير يوم الثامن والعشرين، والتاسع والعشرين، وهم يقولون لا تنكسف إلا فيهما. قال اليافعي [6] : وهذا يحتاج إلى نقل صحيح، فإن العادة المستقرة المستمرة كسوفها في اليومين المذكورين.

_ [1] لفظة «السنة» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] سميت حجة الوداع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فيها خطبا كثيرة ودع المسلمين بها، ومات بعدها بقليل، ولم يحج بعد ما فرض الحج سواها. [3] وهو الصواب. [4] انظر التعليق على حوادث السنة السادسة ص (124) . [5] قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلوا وتصدقوا» . انظر نص الحديث وتخريجه في «عمدة الأحكام» للمقدسي بتحقيقي ص (111) . [6] هو عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي، عفيف الدين، مؤرخ باحث، متصوف، من شافعية

وفيها أسلم جرير [1] ، وظهر الأسود العنسيّ [2] ، وكان له شيطان يخبره بالمغيّبات فضلّ به كثير من النّاس، وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر، ولكن استطارت فتنته استطارة النار، وتطابقت عليه اليمن والسواحل، كجاد عثر [3] ، والشّرجة [4] ، والحردة [5] ، وغلافقة [6] ، وعدن، وامتد إلى الطائف، وبلغ جيشه سبعمائة فارس، وكان عكّ [7] بتهامة اليمن معترضين عليه، وقد كانوا أول مرتدّ [8] بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجمّعوا على غير [9] رئيس بالأعلاب [10] وأوقع [11] بهم الطاهر بن أبي هالة [12] ، ومعه

_ اليمن، نسبته إلى يافع من حمير، من كتبه «مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث الزمان» وقد نقل المؤلف عنه (1/ 51- 52) بتصرف. انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 72) . [1] هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 530- 537) . [2] انظر «إعلام السائلين» لابن طولون ص (110- 111) بتحقيقي. [3] كذا الأصل، والمطبوع، وفي «تاريخ الطبري» (3/ 230) : «حاز عثر» ولعل الصواب «حازّة عثر» والله أعلم. انظر «معجم البلدان» (2/ 205) و (4/ 85) لأن «حازّة» أقرب بلدة إلى «عثر» ولعلها من أعمالها. [4] في الأصل والمطبوع: «الشريحة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (3/ 230) . وانظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 334) ، و «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (1/ 203) . [5] قال ياقوت: حردة: بالفتح: بلد باليمن له ذكر في حديث العنسي، وكان أهله ممن سارع إلى تصديق العنسي. «معجم البلدان» (2/ 240) . [6] غلافقة: بلد على ساحل بحر اليمن مقابل زبيد. انظر «معجم البلدان» (4/ 208) . [7] عك: اسم قبيلة تنسب إلى عك بن عدثان بالثاء المثلثة ابن عبد الله بن الأزد، وليس ابن عدنان أخا معد. انظر «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (3/ 324) . [8] في المطبوع: «وقد كانوا أول مرشد» وهو تحريف، وفي المصادر التي بين أيدينا أن ذلك وقع في السنة الحادية عشرة من الهجرة. انظر على سبيل المثال: «تاريخ الطبري» (3/ 227- 230) و (3/ 320- 322) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (2/ 374، 375) . [9] في الأصل، والمطبوع: «غمير» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (3/ 320) . [10] في الأصل، والمطبوع: «الأغلاب» وهو خطأ، والأعلاب: أرض لعك بين مكة والساحل، لها ذكر في حديث الردة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 222) . [11] في الأصل: «ووقع» وما أثبتناه من المطبوع. [12] قال الطبري: وقال في ذلك الطاهر بن أبي هالة رضي الله عنه: «وو الله لولا الله لا شيء غيره ... لما فضّ بالأجراع جمع العثاعث

مسروق العكّي وبدّدهم، وسمّاهم أبو بكر رضي الله عنه الأخابث [1] . وكثرت الوفود فيها، وقيل: في التاسعة، وكانت غزواته صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين، وقيل: سبعا وعشرين، وسراياه ستا وخمسين، وقيل: غير ذلك، والله أعلم.

_ فلم تر عيني مثل يوم رأيته ... بجنب صحار في جموع الأخابث قتلناهم ما بين قنّة خامر ... إلى القيعة الحمراء ذات النبائث وفئنا بأموال الأخابث عنوة ... جهارا ولم نحفل بتلك الهثاهث» «تاريخ الطبري» (3/ 321) ، وانظر «الإصابة» لابن حجر (5/ 218) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 73) . [1] في المطبوع: «الأخابت» وهو تصحيف.

الحادية عشرة

الحادية عشرة فيها توفي النّبيّ صلى الله عليه وسلم في وسط نهار الإثنين، في ربيع الأول، وما قيل: إنه توفي في الثاني عشر فيه إشكال، لأنه صلى الله عليه وسلم كانت وقفته في الجمعة في السنة العاشرة إجماعا، ولا يتصور مع ذلك وقوع الإثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول من السنة التي بعدها، فتأمل. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين، فأقام بمكة ثلاث عشرة [1] ، وقيل: عشرا، وقيل: خمس عشرة، وأقام بالمدينة عشرا بالإجماع، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح، وولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل في شعب بني هاشم، وتوفي جده عبد المطّلب وهو ابن ثمان على قول وشهد بناء قريش الكعبة، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على قول. وفي «الصحيح» أنه كان ينقل معهم الحجارة وهو صغير، وكانوا يجعلون أزرهم على عواتقهم تقيهم الحجارة ففعل مثلهم، فسقط مغشيا عليه [2] .

_ [1] في المطبوع: «ثلاثة عشر» . [2] رواه البخاري رقم (364) في الصلاة: باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها، و (1582) في الحج: باب فضل مكة وبنيانها، و (3829) في مناقب الأنصار: باب بنيان الكعبة، ومسلم رقم (340) (76) و (77) في الحيض: باب الاعتناء بحفظ العورة، وأحمد في «المسند» (3/ 310 و 333) . ولفظ الحديث في البخاري: حدّثنا مطر بن الفضل قال: حدّثنا روح قال: حدّثنا زكريّاء بن إسحاق، حدّثنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يحدّث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمّه:

فإن حمل على أنّ قريشا بنت الكعبة مرتين، أو في أمر غير بناء الكعبة فلا إشكال، وإلا فأحد النقلين ساقط. وتزوج خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي بنت أربعين على الصحيح فيهما، ورجّح كثيرون أنها ابنة ثمان وعشرين وفرضت الصلاة بمكة ليلة الإسراء بعد النّبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر [1] . وفرض الصوم بعد الهجرة. وفرضت الزكاة قبل الصوم، وقيل: بعده. وهو صلى الله عليه وسلم محمّد بن عبد الله، بن عبد المطّلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصيّ، بن كلاب، بن مرّة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النّضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، ابن مضر، بن نزار، بن معدّ، بن عدنان. هذا المتفق عليه. وجدّه هاشم هو الذي سنّ لقريش الرّحلتين للتجارة، ومات بغزّة [2] من أرض الشام، البلدة التي ولد فيها الشافعيّ رحمه الله. وفي السنة الحادية عشرة [3] أيضا من الهجرة، توفّيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبيها [صلى الله عليه وسلم] بستة أشهر، تزوجها عليّ رضي الله عنه وهي بنت خمس عشرة سنة، وخمسة أشهر ونصف، وعمره إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، ولم يتزوّج عليها حتى ماتت، كأمّها لم يتزوج عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى ماتت، وغسل فاطمة أسماء بنت عميس، وعليّ، ودفنها ليلا.

_ يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة. قال: فحله، فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه، فما رئي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم. [1] انظر تفصيل ذلك في «جامع الأصول» لابن الأثير (5/ 183، 184) . [2] انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 202) ، و «الروض المعطار» ص (428) . [3] في الأصل: «الحادية عشر» وأثبتنا ما في المطبوع.

وفيها ماتت أمّ أيمن [1] حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمّه بعد أمّه، ومنزلتها من النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنزلة زوجها وبنتها لا توصف ولا تكيّف [2] ، وخرجت مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء، فكادت تموت من العطش، فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة، سمعت حسّا على رأسها، فرفعته، فإذا دلو برشاء [3] أبيض معلّق فشربت منه حتى رويت، وما عطشت بقية عمرها. وفيها مات عكّاشة الأسديّ [4] أحد السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وفيها قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة ممن منع الزكاة، وكان مالك من دهاة العرب، وكان عرض على خالد الصلاة دون الزكاة، فقال خالد: لا نقبل [5] واحدة دون الأخرى، فقال مالك: كذلك كان يقول صاحبك [6] ، قال خالد: وما نراه لك صاحبا، والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تجادلا في الكلام، فقال خالد: إني قاتلك، قال: أو كذلك أمر صاحبك، قال خالد: وهذه ثانية بعد تلك، والله لأقتلنك، فكلمه عبد الله بن عمر، وأبو قتادة [7] في استبقائه فأبى، فقال له مالك: فابعثني إلى

_ [1] واسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان. انظر «الإصابة» لابن حجر (13/ 177) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 223) ، و «زاد المعاد» لابن القيم (1/ 83) . [2] في الأصل: «لا يوصف ولا يكيف» وما أثبتناه من المطبوع. [3] الرشاء: الحبل. انظر «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (4/ 336) . [4] هو عكاشة بن محصن الأسدي، أبو محصن، السعيد الشهيد، حليف قريش، من السابقين الأولين البدريين، وقع ذكره في «الصحيحين» في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب كما ذكر المؤلف. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (1/ 307) ، و «جامع الأصول» لابن الأثير (9/ 190، 191) . [5] في المطبوع: «لا تقبل» وهو تصحيف. [6] يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم. [7] هو الحارث بن ربعي رضي الله عنه، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: اسمه «النعمان» وقيل: «عمرو» .

أبي بكر فيكون هو الذي يحكم في، فقال خالد: يا ضرار [1] قم فاضرب عنقه، فقام فضرب عنقه واشترى زوجه [2] من الفيء، وتزوّجها، فأنكر عليه عمر، والصحابة، وسأل عمر أبا بكر قتل خالد بمالك أو حدّه في زواج زوجته، فقال أبو بكر: إنه تأوّل فأخطأ، فسأله عزله، فقال: ما كنت لأشيم [3] سيفا سلّه الله عليهم [4] أبدا. ولمتمّم بن نويرة [5] في أخيه مراث كثيرة مشهورة من أعجبها قوله: لقد لامني عند القبور على البكا ... صحابي لتذرف الدّموع السّوافك فقالوا: أتبكي كلّ قبر رأيته؟ ... لغير ثوى بين اللّوى والدكادك [6] فقلت لهم: إنّ الشّجا يبعث الشّجا ... دعوني فهذا كلّه قبر مالك [7] ولحافظ دمشق ابن ناصر الدّين [8] قصيدة سمّاها «بواعث الفكرة في

_ [1] هو ضرار بن الأزور الأسدي، أبو الأزور، ويقال: أبو بلال، أحد الأبطال في الجاهلية والإسلام، وكان شاعرا مطبوعا، له صحبة، مات سنة (11) هـ. انظر «الإصابة» لابن حجر (5/ 188- 190) و «الأعلام» للزركلي (3/ 215) . وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» : إن ضرار بن الأزور قتل مالك بن نويرة بأمر خالد ابن الوليد، وقال: فوافق أنه قتل، ولم يكن قتله من أجل المرأة، كما ظن. [2] في الأصل: «زوجته» . وأثبتنا ما في المطبوع. [3] قال الفيروزآبادي: شام سيفه يشيمه: أغمده. «القاموس المحيط» (4/ 139) . [4] أي على المشركين. [5] انظر «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (1/ 201) بتحقيق الأستاذين عبد العزيز رباح، وأحمد يوسف الدقاق، طبع دار المأمون للتراث بدمشق، و «الأعلام» للزركلي (5/ 74) . [6] البيت في «الكامل» للمبرد (1/ 152) : وقالوا أتبكي كل قبر رأيته ... لميت ثوى بين اللوى فالدكادك [7] البيت في «الكامل» للمبرد: فقلت لهم إن الأسى يبعث البكا ... ذروني فهذا كله قبر مالك [8] تقدم التعريف به في الصفحة (72- 73) .

حوادث الهجرة» أحببت أن أثبتها هنا لما فيها من الفوائد وهي: سنوا هجرة المختار فيها حوادث ... فخذ نثرها من كلّ عام واحكم مصلّى قبا في أول ثمّ مسجدا ... بني وبيوتا والصّلاة فأتمم وخلف أذان جمعة مات أسعد ... براء وعبد الله أسلم فاسلم وثان صيام فطرة أمّ كعبة ... وغزوة ودّان بواط المغنّم عشير وبدر عرس عائش [1] مثله ال ... بتول وموت لابن مظعون أكرم سويق سليم قينقاع ومسور ... ومروان والنّعمان سرّوا بمقدم كذا ابن زبير مثل موت رقيّة ... أبو بنت هند أنمار كانت بمعلم غزا أحدا في ثالث قتل حمزة ... وذا أمر والخمر ردّت فحرّم وحمراء مع بدر أخيرا بناؤه ... بزينب ذات البرّ كسبا لمعدم كذا حفصة مع أمّ كلثوم زوّجت ... أتى حسن قبل الحسين المقدّم وفي رابع تزويج هند معونة ... نضير وقصر والتيمّم فافهم مريسيع إفك والرّقاع وموعد ... ورجم وموت امّ المساكين عظّم وصلّى لخوف ثم في الخمس خندق ... قريظة سعد مات دومة قدّم ضمام أتى إسلام عمرو وخالد ... وعثمان الداري التزلزل فاعلم وفي سادس لحيان ذو قرد به ... حديبية استسقى ابن خولة أعظم مقوقس أهدى والظّهار وخاتم ... لشيرويه الطّاعون حجّ لمسلم وخيبر في سبع صفيّة رملة ... زواجهما ذو الحبس آبوا بأنعم قدوم أبي هرّ هدانا عطية ... قضا عمرة تزويج ميمونة أتمم وثامن عام مؤتة الفتح أسلموا ... ومولد إبراهيم نجل المعظّم

_ [1] في الأصل: «عائشة» .

حنين غلاء طائف نصب منبر ... وبنت رسول الله زينب سلّم بتسع تبوك والوفود وجزية ... وحج أبي [1] بكر وموت أمّ كلثم ومات ابن بيضا والنجاشي وعروة ... قتيل ثقيف والسّلوليّ فافهم لعان وإيلاء وبوران ملّكت ... لقتل فتى شيرويه بتظلّم وفي العاشر ابراهيم مات ومولد ... لنجل أبي بكر محمد أعظم جرير اهتدى ضلّت بأسود عنسة ... كسوف بخلف حجة التّمّ أعجم وسبع وعشرون المغازي ومثلها ... سراياه مع عشرين أرّخ لمقدم أصبنا لإحدى عشرة بنبيّنا ... فيا عظمه رزءا لدى كلّ مسلم بها بايعوا الصّدّيق ردّة وابكين ... لفاطمة مع أمّ أيمن واختم انتهى ما أورده ابن ناصر الدّين، وما ذكره في منظومته تقدّم غالبه، وبقيته مفهوم سوى قصّة الظّهار أحببت إيرادها لما فيها من الفوائد فأقول: قال العلّامة الشّيخ علي الحلبي في «سيرته» : وقبل خيبر، وقيل: بعد خيبر، نزلت آية الظّهار قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ في زَوْجِها 58: 1 [المجادلة: 1] ، وسبب ذلك أنّ أوس بن الصّامت، لا عبادة بن الصّامت، كما قيل، أي وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، وفي لفظ: كان به لمم [2] ، أي نوع من الجنون، وكان فاقد البصر، قال لزوجته خولة بنت ثعلبة [3] ، وفي لفظ بنت خويلد، وكانت بنت عمه [4] ، وقد راجعته في شيء فغضب فقال لها: أنت

_ [1] في المطبوع: «أبو» . [2] في الأصل: «يلم» وما أثبتناه من المطبوع. [3] وهو الصواب. وقال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (12/ 231) : خولة بنت مالك بن ثعلبة. [4] في المطبوع: «بنت عمره» وهو خطأ.

عليّ كظهر أمّي، وكان ذلك في زمن الجاهلية طلاقا، أي كالطلاق في تحريم النساء، ثم راودها عن نفسها، فقالت: كلا لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت، حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: إنه لما قال لها: أنت عليّ كظهر أمّي أسقط في يده، وقال: ما أراك إلا قد حرمت عليّ، انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه، فدخلت عليه وهو يمشط رأسه، أي عنده ماشطة، وهي عائشة تمشط رأسه. وفي لفظ: كان الظّهار أشدّ الطّلاق، وأحرم الحرام، إذا ظاهر الرجل من امرأته لم يرجع أبدا، فأخبرته، فقال لها: «ما أمرنا بشيء من أمرك ما أراك إلا قد حرمت عليه» ، فقالت: يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق، وإنه أبو ولدي، وأحبّ النّاس إليّ، فقال: «حرمت عليه» ، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي وتركي بغير أحد، وقد كبر سنّي، ودقّ عظميّ. وفي لفظ أنها قالت: اللهم إني أشكو إليك شدّة وحدتي، وما شقّ عليّ من فراقه، وما نزل بي وبصبيتي. قالت عائشة رضي الله عنها: فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقّة عليها. وفي لفظ قالت: يا رسول إن زوجي أوس بن الصامت تزوّجني وأنا ذات مال وأهل، فلما أكل مالي، وذهب شبابي، ونفضت بطني، وتفرّق أهلي، ظاهر مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أراك إلا قد حرمت عليه» ، فبكت وصاحت، وقالت: أشكو إلى الله فقري، ووحدتي، وصبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، وصارت

ترفع رأسها إلى السماء، فبينما فرغ صلى الله عليه وسلم من شق رأسه، وأخذ في الآخر، أنزل الله عليه الآية، فسرّي عنه، وهو يبتسم، فقال لها: «مريه فليحرّر رقبة» ، فقالت: والله ما له خادم غيري، قال: «فمريه فليصم شهرين متتابعين» ، فقالت: والله إنه لشيخ كبير، إنه إن لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره، أي لو كان مبصرا، فلا ينافي ما تقدّم أنه كان فاقد البصر، قال: «فليطعم ستين مسكينا» ، فقالت: والله ما لنا اليوم وقية، قال: «مريه فلينطلق إلى فلان- يعني شخصا من الأنصار- أخبرني أن عنده شطر وسق من تمر، يريد أن يتصدّق به، فليأخذه منه» . وفي رواية: «مريه فليأت أمّ المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصّدق به على ستين مسكينا وليراجعك» ، ثم أتته فقصّت عليه القصّة فانطلق ففعل. أي وفي لفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنا سأعينه بعرق [1] من تمر» فبكت، وقالت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق [1] آخر، قال: «قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدّقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا» . وفي رواية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أعلم إلا قد حرمت عليه» ، قالت لها عائشة: وراءك، فتنحّت، فلما نزل عليه الوحي وسرّي عنه قال: «يا عائشة أين المرأة؟» ، قالت: ها هي هذه، قال: «ادعيها» [2] ،

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بفرق» بالفاء. والعرق: زبيل منسوج من نسائج الخوص، وكل شيء مضفور فهو عرق بفتح الراء فيهما. «النهاية» لابن الأثير (3/ 219) . [2] في الأصل، والمطبوع: «ادعها» وهو خطأ.

فدعتها، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اذهبي فجيئي بزوجك» فذهبت فجاءت به وأدخلته على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هو ضرير البصر، فقير، سيّء الخلق، فقال له: «أتجد رقبة؟» ، قال: لا، وفي لفظ قال: ما لي بهذا من قدرة، قال: «أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» ، قال: والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرة والمرتين والثلاثة يغشى [1] عليّ، وفي لفظ إني إذا لم آكل في اليوم مرتين كلّ بصري، أي لو كان موجودا قال: «فتستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟» ، قال: لا، إلا أن تعينني بها، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكفّر عنه. وفي رواية: أنه أعطاه مكتلا يأخذ خمسة عشر صاعا فقال: «أطعمه ستين مسكينا» . قال بعضهم: وكانوا يرون أن عند أوس مثلها حتى يكون لكلّ مسكين نصف صاع، وفيه أنه خلاف الروايات من أنه لا يملك شيئا، فقال: على أفقر مني، فو الله الذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اذهب به إلى أهلك» . وهذا أول ظهار وقع في الإسلام [2] .

_ [1] في المطبوع: «يغثى» وهو تحريف. [2] وقد أورد قصة خولة بنت ثعلبة مع زوجها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (12/ 231، 232) و «فتح الباري» (9/ 433، 434) وناقشها فيه، فارجع إلى كلامه في المصدرين المشار إليهما. وانظر أيضا «سنن أبي داود» الحديث (2214) في الطلاق: باب في الظهار، و «سنن النسائي» (6/ 167، 168) ، و «سنن ابن ماجة» الحديث رقم (2063) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (7/ 91، 92) في ترجمة خولة، و «تفسير ابن كثير» (4/ 319- 321) ، و «زاد المسير» لابن الجوزي (8/ 180- 186) ، و «التنبيه والإعلام» للسهيلي «مخطوط» الورقة (60) .

ومرّ عمر رضي الله عنه بخولة هذه في أيام خلافته، فقالت: قف يا عمر، فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها، وأطالت الوقوف، وأغلظت القول، أي قالت له: هيها يا عمر، عهدتك وأنت تسمّى عميرا، وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان [1] بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سمّيت عمر، ثمّ لم تذهب الأيام حتى سمّيت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال لها الجارود [2] : قد أكثرت أيّتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها. وفي رواية فقال له قائل: حبست النّاس لأجل هذه العجوز، قال: ويحك وتدري من هذه؟ قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها. انتهى. قلت: ومما يناسب المقام ذكر ابن صيّاد، فإن أخباره وقعت ولا بد بعد الهجرة، ولكني لم أقف على تاريخها، وسأثبته إن عثرت عليه، فلنورد ما ورد

_ [1] أي الإماء والعبيد. قال ابن منظور: قال أبو بكر: قولهم: فلانة قينة معناه في كلام العرب الصانعة، والقين: الصانع. قال خباب بن الأرت: كنت قينا في الجاهلية، أي صانعا، والقينة هي الأمة، صانعة كانت أو غير صانعة، قال أبو عمرو: كل عبد عند العرب قين، والأمة قينة، قال: وبعض الناس يظن القينة المغنية خاصة، قال: وليس هو كذلك. «لسان العرب» «قين» (5/ 3799) . [2] هو الجارود بن المعلّى، ويقال: ابن عمرو بن المعلى، وقيل: الجارود بن العلاء، وقيل: غير ذلك، ولقب الجارود لأنه غزا بكر بن وائل فاستأصلهم، قال الشاعر: فدسناهم بالخيل من كل جانب ... كما جرد الجارود بكر بن وائل وكان سيد عبد القيس، وقدم سنة عشر في وفد عبد القيس الأخير وسر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسلامه وقربه وأدناه. انظر «الإصابة» لابن حجر (2/ 50، 52) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (1/ 311، 312) .

الفصل الأول

فيه مختصرا وليكن لفظ «مشكاة المصابيح» فإنه من أجمع ما رأيت فيه، قال فيه: باب ابن الصياد. الفصل الأول عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الصبيان في أطم [1] بني مغالة [2] ، وقد قارب ابن صيّاد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: «أتشهد أني رسول الله؟» فنظر إليه فقال: أشهد أنك رسول الأميّين، ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ فرصّه [3] النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: «آمنت بالله وبرسله» ثم قال لابن صيّاد: «ما ترى؟» [4] ، قال: يأتيني صادق وكاذب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلّط عليك الأمر» [ثم] [5] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني خبّأت لك خبيئا» وخبّأ له: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ 44: 10 [الدخان: 10] ، فقال هو

_ [1] الأطم: حصن مبني بحجارة، وقيل: هو كل بيت مربع مسطح، وهو البناء المرتفع أيضا. انظر «لسان العرب» لابن منظور «أطم» (1/ 93) . [2] بنو مغالة: اسم قبيلة تنسب لمالك بن النجار. انظر «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (347) . [3] أي ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض، وفي بعض نسخ البخاري ومسلم: فرفضه، وبالصاد أصوب. (ع) . [4] في المطبوع: «ماذا ترى» ، والذي في الأصل الذي بين أيدينا موافق لما في «مشكاة المصابيح» بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. (3/ 41) . [5] لفظة: «ثم» ليست في الأصل، و «المشكاة» وقد أثبتناها من المطبوع.

الدّخّ [1] ، فقال [صلى الله عليه وسلم] : «اخسأ فلن تعدو قدرك» [2] قال عمر: يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يكن هو لا تسلّط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله» . قال ابن عمر: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيّ بن كعب الأنصاريّ يؤمّان النخل التي فيها ابن صيّاد، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتّقي بجذوع النخل وهو يختل [3] أن يسمع [4] من ابن صيّاد شيئا قبل أن يراه، وابن صيّاد مضطجع على فراشه في قطيفة [5] ، له فيها زمزمة [6] ، فرأت أمّ ابن صيّاد النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يتّقي بجذوع النخل، فقالت: أي صاف- وهو اسمه- هذا محمد، فتناهى [7] ابن صيّاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركته بيّن» . قال عبد الله بن عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدّجال فقال: «إني أنذركموه وما من نبي إلّا وقد أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبيّ لقومه: تعلمون أنّه أعور وإن الله ليس بأعور» متفق عليه [8] .

_ [1] الدّخّ: الدّخان. انظر «لسان العرب» لابن منظور «دخخ» (2/ 1339) . [2] انظر «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (2/ 809) . [3] من الختل، وهو طلب الشيء بجيلة، أي يخدع ابن صيّاد. [4] أي ليسمع. [5] قال ابن منظور: القطيفة: دثار مخمل، وقيل: كساء له خمل، والجمع القطائف وقطف، مثل صحيفة وصحف، كأنها جمع قطيف وصحيف. «لسان العرب» (5/ 3681) ، وانظر «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (3/ 192) . [6] الزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم. [7] أي انتهى عما كان فيه من الزمزمة وسكت. [8] رواه البخاري رقم (3337) في الأنبياء، باب قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ 11: 25 [هود: 25]

وعن أبي سعيد الخدريّ [1] قال: لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر- يعني ابن صيّاد- في بعض طرق المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشهد أنّي رسول الله؟» ، فقال هو: أتشهد أنّي رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ماذا ترى؟» قال: أرى عرشا على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟» ، قال: أرى صادقين وكاذبا، أو كاذبين وصادقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لبس [2] عليه فدعوه» رواه مسلم [3] . وعنه [4] أن ابن صيّاد سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال: «درمكة بيضاء مسك خالص» رواه مسلم [5] . وعن نافع [6] قال: لقي ابن عمر ابن صيّاد في بعض طرق المدينة، فقال له قولا أغضبه، فانتفخ حتّى ملأ السّكّة [7] ، فدخل ابن عمر على

_ و (7127) في الفتن: باب ذكر الدجال، ومسلم رقم (2930) في الفتن: باب ذكر ابن صيّاد، و (2933) باب ذكر الدجال وصفته وما معه، وأبو داود رقم (4316) في الملاحم: باب خروج الدجال، والترمذي رقم (2235) في الفتن: باب ما جاء في علامة الدجال، وأحمد في «المسند» (2/ 135 و 149) و (3/ 103 و 173 و 276 و 290) . [1] هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري رضي الله عنه. [2] في المطبوع: «ليس عليه» وهو تصحيف. [3] رواه مسلم رقم (2925) في الفتن: باب ذكر ابن صيّاد. [4] أي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. [5] رواه مسلم رقم (2928) (93) في الفتن: باب ذكر ابن صيّاد. [6] هو نافع مولى ابن عمر، الإمام المفتي الثّبت، عالم المدينة. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 95- 101) ، و «الأعلام» للزركلي (8/ 5، 6) . [7] السكة: الطريق.

حفصة وقد بلغها، فقالت له: رحمك! الله ما أردت من ابن صيّاد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما يخرج من غضبة يغضبها؟» ، رواه مسلم [1] . وعن أبي سعيد الخدري قال: صحبت ابن صيّاد إلى مكّة، فقال لي: أما قد لقيت [2] من النّاس يزعمون أنّي الدّجّال، ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّه لا يولد له» ، وقد ولد لي، أليس قد قال: «هو كافر» وأنا مسلم، أو ليس قد قال: «لا يدخل المدينة ولا مكة؟» وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة، ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو [الآن] [3] ، وأعرف أباه وأمّه، قال: فلبسني، قال [4] : قلت [له] [5] : تبا لك سائر اليوم، قال: وقيل له: أيسرّك أنّك ذاك الرّجل؟ [6] ، قال: فقال: لو عرض عليّ ما كرهت. رواه مسلم [7] . وعن ابن عمر قال: لقيته وقد نفرت [8] عينه فقلت: متى فعلت عينك

_ [1] رواه مسلم رقم (2932) في الفتن: باب ذكر ابن صيّاد. [2] في الأصل، والمطبوع، و «مشكاة المصابيح» للتبريزي (3/ 43) : «ما لقيت» ، وما أثبتناه من «صحيح مسلم» . [3] لفظة «الآن» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، و «مشكاة المصابيح» ، وأثبتناها من «صحيح مسلم» . [4] القائل: أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. [5] لفظة «له» سقطت من الأصل، والمطبوع، وأثبتناها من «مشكاة المصابيح» الذي نقل عنه المؤلف، ومن «صحيح مسلم» أيضا. [6] أي الدجال. [7] زواه مسلم رقم (2927) (89) و (90) و (91) في الفتن: باب ذكر ابن صياد، والترمذي رقم (2246) في الفتن: باب ما جاء في ذكر ابن صيّاد. [8] في المطبوع: «نقرت» وهو تصحيف.

الفصل الثاني

ما أرى؟ قال: لا أدري، قلت: لا تدري وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها في عصاك [هذه] [1] ، قال: فنخر [2] كأشدّ نخير حمار سمعت. رواه مسلم [3] . وعن محمّد بن المنكدر [4] قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أنّ ابن الصيّاد الدّجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبيّ صلى الله عليه وسلم، متفق عليه [5] . الفصل الثاني عن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشكّ أنّ المسيح الدّجال [6] ابن صيّاد. رواه أبو داود، والبيهقي في كتاب «البعث والنشور» [7] . وعن جابر قال: فقدنا ابن صيّاد يوم الحرّة [8] رواه أبو داود [9] .

_ [1] لفظة «هذه» سقطت من الأصل، والمطبوع، و «مشكاة المصابيح» ، وأثبتناها من «صحيح مسلم» . [2] النخير: صوت الأنف. [3] رواه مسلم رقم (2932) (99) في الفتن: باب ذكر ابن صياد. [4] في المطبوع: «محمد بن المكندر» وهو تحريف. [5] رواه البخاري رقم (7355) في الاعتصام: باب من رأى ترك النكير من النبيّ صلى الله عليه وسلم حجة، ومسلم رقم (2929) في الفتن: باب ذكر ابن صيّاد، ورواه أيضا أبو داود رقم (4331) في الملاحم: باب في خبر ابن صائد. [6] سمي الدجال مسيحا لأن عينه ممسوحة كأنها عنبة طافية. [7] رواه أبو داود رقم (4330) في الملاحم، باب في خبر ابن صائد. [8] انظر كلام المؤلف عن هذه الوقعة الأليمة في حوادث سنة (63) من كتابنا هذا. [9] رواه أبو داود رقم (4332) في الملاحم: باب في خبر ابن صائد، وإسناده صحيح.

وعن أبي بكرة [1] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمكث أبوا الدّجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد، ثم يولد [لهما] [2] غلام أعور أضرس [3] وأقلّه منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: «أبوه طوّال، ضرب اللحم، كان أنفه منقار، وأمّه امرأة فرضاخيّة [4] طويلة اليدين» ، فقال أبو بكرة: فسمعنا بمولد في اليهود بالمدينة [5] ، فذهبت أنا والزّبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما، فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاما، لا يولد لنا ولد، ثمّ ولد لنا غلام أعور أضرس، وأقلّه منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه، قال: فخرجنا من عندهما، فإذا هو منجدل [6] في الشّمس في قطيفة وله همهمة، فكشف عن رأسه، فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم، تنام عيناي ولا ينام قلبي. رواه الترمذي [7] . وعن جابر، أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه،

_ [1] هو نفيع بن الحارث بن كلدة، وقيل: إن اسمه نفيع بن مسروح، تدلى في حصار الطائف ببكرة، وفر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأسلم على يده، وأعلمه أنه عبد، فأعتقه، رضي الله تعالى عنه وأرضاه. [2] لفظة: «لهما» سقطت من الأصل، والمطبوع، وقد أثبتناها من «مشكاة المصابيح» (3/ 44) . [3] أي عظيم الضرس. [4] أي ضخمة عظيمة. [5] لفظة: «المدينة» سقطت من «مشكاة المصابيح» للتبريزي، فتستدرك فيه. [6] أي ملقى على وجه الأرض. [7] رواه الترمذي رقم (2248) في الفتن: باب ما جاء في ذكر ابن صائد، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف كما قال الحافظ في «التقريب» .

طالعة نابه، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الدّجّال، فوجده تحت قطيفة يهمهم [1] ، فآذنته أمّه فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم، فخرج من القطيفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبيّن» . فذكر مثل معنى حديث ابن عمر، فقال عمر ابن الخطاب: ائذن لي يا رسول الله فأقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يكن هو فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى بن مريم، وإلّا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد» ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقا أنه [2] هو الدّجال، رواه في «شرح السنة» [3] . انتهى ما ذكره في «مشكاة المصابيح» بلفظه. وقال أبو عبد الله الذهبي في كتابه «تجريد الصحابة» ما لفظه: عبد الله ابن صيّاد، أورده ابن شاهين وقال: هو ابن صائد، وكان أبوه يهوديا فولد له عبد الله أعور مختونا، وهو الذي قيل إنه الدّجّال، ثمّ أسلم، فهو تابعيّ له رؤية [4] . قال أبو سعيد الخدري: صحبني ابن صيّاد إلى مكّة فقال: لقد هممت

_ [1] في المطبوع: «يهمم» وهو خطأ. [2] في المطبوع: «أن يكون» ، وما في الأصل الذي بين أيدينا موافق لما في «مشكاة المصابيح» . [3] «مشكاة المصابيح» للتبريزي (3/ 45) ، وكتاب «شرح السنة» الذي أحال عليه صاحب «المشكاة» هو للإمام البغوي، وقد حققه زميلي الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وطبعه المكتب الإسلامي بدمشق، ولكن الجزء الذي فيه الحديث ليس بين أيدينا. وقد روى الحديث أيضا البخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وانظر: «جامع الأصول» لابن الأثير (10/ 364- 368) بتحقيقي. [4] في المطبوع: «له رواية» ، وفي الأصل: «له رؤيا» بالألف، وكلاهما محرف، وما أثبتناه من «تجريد أسماء الصحابة» للذهبي (1/ 319) .

أن آخذ حبلا فأوثقه [1] إلى شجرة ثم أختنق مما يقول النّاس في، وذكر الحديث، وهو في مسلم [2] . انتهى ما قاله الذهبي [3] [4] .

_ [1] في «صحيح مسلم» : «فأعلّقه» . [2] رواه مسلم رقم (2927) (91) في الفتن: باب ذكر ابن صيّاد. وانظر لفظ الحديث فيه. [3] «تجريد الصحابة» للذهبي (1/ 319) . [4] قال ابن الأثير في «جامع الأصول» (10/ 362- 364) بتحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: قال الخطابي: قد اختلف الناس في أمر ابن صيّاد اختلافا شديدا، وأشكل أمره، حتى قيل فيه كل قول، فيقال: كيف بقّى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدّعي النبوة كاذبا، وتركه بالمدينة في داره يجاوره؟ وما معنى ذلك؟ وما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان؟ وقوله بعد ذلك: «اخسأ، فلن تعدو قدرك؟» قال: والذي عندي، أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنته صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفاءهم، وذلك: أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتابا صالحهم فيه على أن لا يهاجروا، وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم- أو دخيلا في جملتهم- وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وما يدّعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب، فامتحنه النبيّ صلى الله عليه وسلم ليبرز أمره ويختبر شأنه، فلما كلمه علم أنه مبطل، وأنه من جملة السحرة أو الكهنة، أو ممن يأتيه رئي الجن، أو يتعاهده الشيطان، فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع قوله: «الدخ» زجره، فقال: «اخسأ فلن تعدو قدرك» يريد أن ذلك شيء اطلع عليه الشيطان، فألقاه إليه وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبيل الوحي السماوي إذا لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم على الغيب، ولا درجة الأولياء الذين يلهمون الغيب فيصيبون بنور قلوبهم، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها، ويخطئ في البعض، وذلك معنى قوله: يأتيني صادق وكاذب، فقال له صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قد خلط عليك» والجملة من أمره: أنه كان فتنة امتحن الله به عباده المؤمنين: لِيَهْلِكَ من هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى من حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ 8: 42 [الأنفال: 42] كما امتحن الله قوم موسى بالعجل، فافتتن به قوم وهلكوا، ونجا من هداه الله وعصمه، وقد اختلفت الروايات في كفره، وفيما كان من شأنه بعد كبره، فروي أنه تاب عن ذلك القول، ثم إنه مات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه، كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم: اشهدوا، وروي غير ذلك، وأنه فقد يوم الحرة فلم يجدوه، والله أعلم. وانظر «فتح الباري» لابن حجر (13/ 325- 329) .

السنة الثانية عشرة [1]

السنة الثانية عشرة [1] فيها غزوة اليمامة، وقتل مسيلمة الكذّاب، وفتحت اليمامة صلحا على يد خالد بن الوليد بعد أن استشهد من الصحابة رضي الله عنهم نحو أربعمائة وخمسين، وقيل: ستمائة، وجملة القتلى من المسلمين ألف رجل ومائتا رجل، وكان رأي أهل الردة على منع الزكاة دون غيرها، فأجمع رأي أبي بكر على قتالهم، وأبى سائر الصحابة، واحتجّوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصّموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على الله تعالى» ، فقال أبو بكر: الزّكاة حقّ المال، وقال: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزّكاة [2] .

_ [1] في الأصل: «السنة الثانية عشر» . [2] رواه البخاري رقم (7284) و (7285) في الاعتصام: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (6924) في استتابة المرتدين: باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة، و (1400) في الزكاة: باب وجوب الزكاة، ومسلم رقم (20) في الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى، وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام، وأبو داود رقم (1556) في الزكاة: في فاتحته، والترمذي رقم (2606) في الإيمان: باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، والنسائي (5/ 14، 15) في الزكاة: باب مانع الزكاة.

قال الشيخ أبو إسحاق الشّيرازي [1] : فانظر كيف منع من التعلّق بعموم الخبر من وجهين: أحدهما: أنه بيّن أن الزكاة حقّ المال فلم يدخل مانعها في الخبر. والثاني: أنه خصّ الخبر في الزكاة، كما خصّ في الصّلاة، فخصّ مرة بالخبر، وأخرى بالنّظر، وهذا غاية ما ينتهي إليه المجتهد المحقّق، والعالم المدقّق. وفي ذي الحجة منها توفي صهر النبيّ صلى الله عليه وسلم- زوج ابنته زينب- أبو العاص بن الربيع العبشمي [2] ابن أخت خديجة، هالة بنت خويلد، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يثني عليه، ولما أسلم لم يجدّد له النبيّ صلى الله عليه وسلم النكاح على بنته، بل أبقاهما على نكاحهما.

_ [1] هو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي، أبو إسحاق، الإمام المحقق المدقق ذو الفنون من العلوم المتكاثرات، والتصانيف النافعة المستجدات، الزاهد، العابد، الورع المعرض عن الدنيا، المقبل بقلبه على الآخرة، صاحب «المهذب» في الفقه، المتوفى سنة (472) هـ. انظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 172- 174) . [2] هو لقيط بن الربيع، وقيل اسم أبيه ربيعة، أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر، قال المسور ابن مخرمة: أثنى النبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي العاص في مصاهرته خيرا وقال: «حدثني فصدتني، ووعدني، فوفى لي» وكان قد وعد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى مكة بعد وقعة بدر، فيبعث إليه بزينب ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها، وكان من تجار قريش وأبنائهم. «سير أعلام النبلاء» للذهبي (1/ 330- 334) .

السنة الثالثة عشرة

السنة الثالثة عشرة فيها وقعة أجنادين [1] بقرب الرّملة، واستشهد فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم كان النصر والحمد لله. وفيها بعث أبو بكر رضي الله عنه أمراءه إلى الشام، منهم أبو عبيدة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وبعث خالدا إلى العراق، فافتتح الأبلّة [2] ، وأغار على السواد [3] ، وحاصر عين التمر [4] ،

_ [1] انظر خبر هذه الوقعة في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (119، 120) ، والمصادر التي أحال عليها محققه الدكتور أكرم ضياء العمري. [2] الأبلّة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصّرت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد نسب إلى الأبّلة جماعة من رواة العلم، منهم شيبان بن فرّوخ الأبلّي. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 77، 78) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (8 و 9) . [3] السّواد: يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار، لأنه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 272- 275) . [4] عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له: شفاثا، منها يجلب القسب (التمر اليابس) والتمر إلى سائر البلاد، وهو بها كثير جدا، وهي على طرف البرية، وهي قديمة افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر رضي الله عنه على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 176 و 177) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (423) .

وأرى الفرس ذلّا وهوانا، ثم سار من العراق إلى الشّام في بريّة ورمال لا يهتدى طريقها، ولحق بأمراء الشام، فكان له الأثر العظيم. وفي جمادى الآخرة منها توفي الخليفة أبو بكر الصّدّيق عبد الله بن عثمان رضي الله عنه عن ثلاث وستين سنة، ومناقبه كثيرة لا تنكر [1] مشهورة، وفيه يقول أبو محجن الثقفيّ [2] : وسمّيت صدّيقا وكلّ مهاجر ... سواك يسمّى باسمه غير منكر وبالغار إذ سمّيت بالغار صاحبا ... وكنت رفيقا للنبيّ المطهّر سبقت إلى الإسلام والله شاهد ... وكنت جليسا بالعريش المشهّر ومناقبه وسوابقه في الإسلام لا تنحصر، وكان رئيسا في الجاهلية، وكان إليه الدّيات، ومعرفة الأنساب، وتأويل الرؤيا، وأسلم على يده جماعة، وأعتق أعبدا افتداهم من أيدي المشركين يعذّبونهم، منهم بلال، وعامر بن فهيرة، ونص صلى الله عليه وسلم أن سبقه لغيره بواقر وقر في صدره [3] ، وجاء أنه كان إذا تنفّس يشم منه رائحة كبد مشوية، وبينه وبين مرة بن كعب

_ [1] لفظة: «لا تنكر» سقطت من المطبوع. [2] اختلف في اسمه، فقيل عبد الله بن حبيب، وقيل: عمرو بن حبيب، وقيل: مالك بن حبيب، وقيل: اسمه كنيته، وهو من الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وهو شاعر فارس شجاع معدود في أولي البأس والنجدة مات سنة (30) هـ. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 276- 278) ، و «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني (19/ 1- 41) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 7- 12) ، و «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (251- 253) ، و «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (1/ 143، 144) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 76) . [3] في الأصل: «بواقد وقد في صدره» ، وهو تحريف. وقوله: نص صلى الله عليه وسلم أن سبقه لغيره بواقر وقر في صدره، قال فيه الحافظ العراقي: لم أجده مرفوعا، وهو من كلام بكر بن عبد الله المزني.

ستة آباء كالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمه سلمى أم الخير [1] بنت صخر بن عامر، تيمية أيضا، ولد بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياما، وعاش بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدد ما سبقه النبيّ صلى الله عليه وسلم بالولادة، واستخلف عمر فلم يختلف عليه اثنان، والإجماع منعقد على صحة خلافته، ودلائلها أشهر من أن تذكر، لعن الله باغضيه. قال محب الدين أبو جعفر محمد الطبري في كتابه «الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم» [2] : وعن أبي ذر [3] رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال: «يا عائشة ألا أبشّرك؟» قالت: بلى يا رسول الله، قال: «أبوك في الجنّة، ورفيقه إبراهيم الخليل عليه السّلام، وعمر في الجنّة ورفيقه نوح عليه السّلام، وعثمان في الجنّة ورفيقه أنا، وعليّ في الجنّة ورفيقه يحيى بن زكريّا [عليه السّلام] ، وطلحة في الجنّة ورفيقه داود عليه السّلام، والزّبير في الجنّة ورفيقه إسماعيل عليه السّلام، وسعد بن أبي وقّاص في الجنّة ورفيقه سليمان بن داود عليه السّلام، وسعيد في الجنّة ورفيقه موسى بن عمران عليه السّلام، وعبد الرّحمن بن عوف في الجنّة ورفيقه عيسى عليه السّلام، وأبو عبيدة بن الجرّاح في الجنّة ورفيقه إدريس عليه السّلام» . ثم قال: «يا عائشة أنا سيّد المرسلين وأبوك أفضل الصّدّيقين، وأنت أمّ المؤمنين» . أخرجه الملاء في «سيرته» [4] ، انتهى.

_ [1] في المطبوع: «أم الخيرا» وهو تحريف. [2] «الرياض النضرة في مناقب العشرة» (1/ 41) . [3] هو جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه. [4] «الرياض النضرة» (1/ 41) .

وقال اللّقاني [1] في «شرح الجوهرة» : أفضل الصّحابة أهل الحديبية، وأفضل أهل الحديبية أهل أحد، وأفضل أهل أحد أهل بدر، وأفضل أهل بدر العشرة، وأفضل العشرة الخلفاء الأربعة، وأفضل الأربعة أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنهم أجمعين. انتهى. وقال المحب الطبري في «الرياض» أيضا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحسن القول في أصحابي فقد برئ من النّفاق، ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفا لسّنتي ومأواه النار وبئس المصير» أخرجه أبو سعد في «شرف النبّوة» [2] . وعن عبد الرحيم بن زيد العمّي قال: أخبرني أبي قال: أدركت أربعين شيخا من التابعين كلهم حدّثونا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبّ جميع أصحابي وتولّاهم واستغفر لهم جعله الله تعالى يوم القيامة معهم في الجنّة» ، خرجه ابن عرفة العبدي [3] . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحبّ أصحابي وأزواجي وأهل بيتيّ ولم يطعن في أحد منهم، وخرج من الدّنيا على محبّتهم كان معي في درجتي يوم القيامة» ، أخرجه الملاء في «سيرته» [4] .

_ [1] هو عبد السلام بن إبراهيم بن إبراهيم اللقاني المصري، شيخ المالكية في وقته بالقاهرة المتوفى سنة (1078) هـ. وكتابه الذي نقل عنه المؤلف ابن العماد هو «شرح جوهرة التوحيد» . انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 355) . [2] «الرياض النضرة» (1/ 26، 27) . [3] «الرياض النضرة» (1/ 27) . [4] «الرياض النضرة» (1/ 27) .

وعن الأعمش قال: خرجت في ليلة مقمرة أريد المسجد فإذا أنا بشيء عارضني، فاقشعرّ منه جسدي، فقلت [1] : أمن الجن أم من الإنس؟ فقال: من الجن، فقلت: مؤمن أم كافر؟ فقال: بل مؤمن، فقلت: هل فيكم من هذه الأهواء والبدع شيء؟ قال: نعم، ثم قال: وقع بيني وبين عفريت من الجنّ اختلاف في أبي بكر وعمر، فقال العفريت: إنهما ظلما عليا واعتديا عليه، فقلت: بمن ترتضي حكما؟ فقال: بإبليس، فأتيناه فقصصنا عليه القصة، فضحك ثم قال: هؤلاء من شيعتي وأنصاري وأهل مودّتي، ثم قال: ألا أحدّثكم بحديث؟ قلنا: بلى، قال: أعلمكم أني عبدت الله تعالى في السماء [2] الدّنيا ألف عام فسمّيت فيها العابد، وعبدت الله في الثانية ألف عام فسميت فيها الزّاهد، وعبدت الله في الثالثة ألف عام فسميت فيها الرّاغب، ثم رفعت إلى الرابعة فرأيت فيها سبعين ألف صف من الملائكة يستغفرون لمحبي أبي بكر وعمر، ثم رفعت إلى الخامسة فرأيت فيها سبعين ألف ملك يلعنون مبغضي أبي بكر وعمر. انتهى. وفي «الصحيحين» أنه ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلّا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا، وصارت أكثر ما هي قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت، فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها [3] .

_ [1] في المطبوع: «وقلت» . [2] في الأصل: «في سماء الدنيا» ، وأثبتنا ما في المطبوع. [3] رواه البخاري رقم (602) في مواقيت الصلاة: باب السمر مع الضيق والأهل، و (3581) في المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، و (6140) في الأدب: باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيق، و (6141) باب قول الضيف لصاحبه والله لا آكل حتى تأكل، ومسلم رقم (2057) في الأشربة: باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، وقد أورده المؤلف مختصرا.

ومات يوم وفاة أبي بكر أميره على مكّة عتّاب بن أسيد الأموي، وكان من مسلمة الفتح، وأمّره النبيّ صلى الله عليه وسلّم على مكّة حين خرج إلى حنين والطّائف، ولم يزل عليها حتّى توفّي النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولما أن جاء الخبر بموت النبيّ صلى الله عليه وسلم اختفى وخاف على نفسه، فقام سهيل بن عمرو وخطب خطبة بليغة ثبّت الله بها قلوب النّاس، فصحّ في سهيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «عسى أن يقوم مقاما يحمد فيه» [1] .

_ [1] قلت: وفي «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 480) : «فعسى أن يقوم مقاما تحمده عليه» .

سنة أربعة عشرة

سنة أربعة عشرة فيها فتحت دمشق صلحا من أبي عبيدة، وعنوة من خالد، ثم أمضيت صلحا بعد مراجعة عمر، وعزل عمر خالدا بأبي عبيدة، فقال خالد: والله لو ولّي عمر على امرأة لسمعت وأطاعت [1] ، وكان قد رأى تلك الأيام أن قلنسوته سقطت، ففسرت بعزله. وكان عمر قد أنفذه [2] إلى العراق لشجاعته وإقدامه، ثم عزله لتعزيره بالمسلمين، مع أن عمر أشار على أبي بكر أن ينفذه لقتال أهل الردّة، وكان في صلح أبي عبيدة لأهل دمشق أنّ لهم ما حملت إبلهم، وأن لا يتبعوا إلى انقضاء ثلاثة أيام، فتبعهم خالد بعد الثلاث، فأدركهم بمرج الديباج [3] ، فوضع فيهم السيف، وقتل أميرهم، وسبى بنت ملكهم [4] ، فروجع عمر

_ [1] في المطبوع: «وأطعت» وهو خطأ. [2] في المطبوع: «أنفده» وهو تصحيف. [3] قال ياقوت: مرج الديباج، واد عجيب المنظر نزه بين الجبال، بينه وبين المصّيصة عشرة أميال. «معجم البلدان» (5/ 101) . قلت: والمصيصة، مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس. وانظر: «معجم البلدان» (5/ 145) . [4] في المطبوع: «مليكهم» .

فيها، وقد أرسل أبوها بمال عظيم في فدائها، فأمر عمر بإطلاقها بغير مال ليريهم أنه لا رغبة ولا رهبة له فيهم. وفيها وقعة جسر أبي عبيد [1] على مرحلتين من الكوفة، واستشهد من المسلمين بها نحو ثمانمائة، منهم أبو عبيدة بن مسعود [2] ، والد المختار الكذاب، وكان من أجلة الصحابة [3] رضي الله عنهم. وفيها مصّر عتبة بن غزوان البصرة، وأمر ببناء مسجدها الأعظم. وفتحت بعلبكّ، وحمص صلحا، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى القسطنطينية. وفيها توفّي أبو قحافة والد أبي بكر الصّدّيق، واسمه عثمان، وكان أسلم يوم الفتح، ومات عن أربع وتسعين سنة رضي الله عنه وعن ولده وذرّيّته.

_ [1] في المطبوع: «جسر أبي عبيدة» وهو خطأ. وإنما نسب الجسر إلى أبي عبيد بن مسعود الثقفي رضي الله عنه لأنه أمر بنصب الجسر على الفرات ليعبر جيش المسلمين لقتال الفرس، فقطعوا الجسر خلفه، وقتل، وقتل أصحابه. «الإصابة» لابن حجر (11/ 249) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (124، 125) ، و «أسد الغابة» (6/ 205) ، و «تاريخ الطبري» (3/ 441، 442) ، و «معجم البلدان» (2/ 140) ، و «الروض المعطار» ص (178- 180) . قال ابن الأثير في «أسد الغابة» : وتعرف وقعة أبي عبيد أيضا، بيوم قسّ الناطف، ويوم المروحة. [2] وهو الذي تكلمنا عنه في التعليق السابق. [3] في المطبوع: «من جلة الصحابة» .

سنة خمس عشرة

سنة خمس عشرة فيها وقعة اليرموك، وكان المسلمون ثلاثين ألفا، والروم أزيد من مائة ألف، الخمسة والستة في سلسلة لئلا يفروا، فداستهم الخيل، وقيل: كان المسلمون خمسين ألفا، والروم ألف ألف، والرماة فيهم مائة ألف، ومعهم جبلة بن الأيهم الغسّاني في ستين ألفا من متنصّرة العرب، فقدمهم الروم، فانتقى لهم خالد ستين رجلا من أشراف العرب فقاتلوهم يوما كاملا، ثم نصر الله المسلمين وهرب جبلة، ولم ينج منهم إلا القليل، ثم التقى المسلمون مع الروم مرة بعد أخرى حتى أبادوهم بالقتل وهربت بقيتهم تحت الليل. واستشهد في اليرموك جماعة من فضلاء المسلمين منهم عكرمة بن أبي جهل، وكان قد حسن إسلامه بحيث إنه لا يقدر يثبت بصره في المصحف من كثرة الدمع، وعيّاش بن أبي ربيعة المخزومي، وعبد الرّحمن ابن العوام، أخو الزّبير، وعامر بن أبي وقّاص أخو سعد، وأما عتبة بن أبي وقّاص فلم يكن مسلما، وهو الذي كسر رباعية النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وظهرت بها نجدة جماعة منهم الزّبير، والفضل بن العباس، وخالد بن الوليد، وعبد الرّحمن بن أبي بكر في آخرين رضي الله عنهم. وفي شوال منها وقعة القادسية، وقيل: كانت في ستة عشرة، وكان أمير

المسلمين سعد بن أبي وقّاص، ورأس المجوس رستم ومعه الجالينوس، وذو الحاجب، وكان المسلمون سبعة آلاف، والمجوس ستون ألفا، ومعهم سبعون فيلا، فحصرهم المسلمون في المدائن [1] ، وقتلوا رؤساءهم الثلاثة وخلقا. واستشهد بها عمرو [2] بن أم مكتوم الأعمى المذكور في قوله تعالى: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى 80: 2 [عبس: 2] ، وأبو زيد الأنصاري. وافتتحت الأردنّ عنوة، إلا طبريّة صلحا. وتوفي سعد بن عبادة سيد الخزرج بحوران، جعل [3] يبول في جحر فخرّ ميّتا، وسمع يومئذ صائح من الجن في داره بالمدينة يقول: نحن [4] قتلنا سيّد الخز ... رج سعد بن عبادة رميناه بسهمين [5] ... فلم نخط فؤاده [6]

_ [1] المدائن: مدينة على سبعة فراسخ من بغداد على حافتي دجلة. كانت دار مملكة الأكاسرة، افتتحها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. عن «الروض المعطار» للحميري ص (556، 559) ، وانظر: «معجم البلدان» لياقوت (5/ 74، 75) . [2] قال الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (1/ 360) : مختلف في اسمه، فأهل المدينة يقولون: عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة القرشيّ العامري، وأما أهل العراق، فسموه عمرا. [3] في المطبوع: «قعد» . [4] لفظة: «نحن» ليست في «الاستيعاب» لابن عبد البر، و «أسد الغابة» لابن الأثير، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي. [5] في الأصل، والمطبوع: «بسهم» والتصحيح من «أسد الغابة» ، و «طبقات ابن سعد» ، و «سير أعلام النبلاء» . [6] البيت الأول في «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (4/ 158) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 358) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (1/ 277) . والبيت الثاني موافق لما في «الاستيعاب» ، وفي «أسد الغابة» ، و «طبقات ابن سعد» ، و «سير أعلام النبلاء» : «رميناه بسهمين» وهو ما أثبتناه.

سنة ست عشرة

سنة ست عشرة افتتحت حلب، وأنطاكية صلحا. واختطّ مصر [1] سعد بن أبي وقّاص، أي علم موضع البناء. وحاصر المسلمون بيت المقدس مدّة، فقالوا للمسلمين: لا تتبعوا أنفسكم فلن يفتحها إلا رجل له علامة عندنا، فإن كان إمامكم [2] بتلك العلامة سلّمناها من غير قتال، فلما وصل الخبر إلى عمر بذلك، ركب راحلته ومعه غلام له يعاقبه الركوب، وتزوّد شعيرا وتمرا وزيتا، ولبس مرقّعة، فلما قرب تلقّاه المسلمون وسألوه تغيير تلك الهيئة، ففعل قليلا، ثم قال: أقيلوني، فرجع إلى هيئته الأولى، فلما رآه الكفّار كبّروا وفتحوها وقالوا: هو هذا. وفيها ماتت مارية القبطيّة أمّ إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ [1] قلت: المصر المقصود بكلام المؤلف مدينة الكوفة. انظر «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 105) ، و «معجم البلدان» لياقوت (4/ 491) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (501، 502) . [2] في المطبوع: «أمامكم» وهو تحريف.

سنة سبع عشرة

سنة سبع عشرة فيها استسقى عمر بالعباس رضي الله عنهما فسقوا، ثم خرج عمر إلى الشام فرجع [1] لما سمع بالطاعون بعد اختلاف بين الصحابة في الرجوع والقدوم على ما هو مقرر [2] .

_ [1] في المطبوع: «ورجع» . [2] وذلك «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد- أبو عبيدة وأصحابه- فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبر أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقيّة الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة ابن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ - وكان عمر يكره خلافه- نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كانت لك إبل، فهبطت واديا له عدوتان: إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف- وكان متغيّبا في بعض حاجاته- فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرض: فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها: فلا تخرجوا فرارا منه» قال: فحمد الله عمر بن الخطاب، ثم انصرف، وانظر: «جامع الأصول» لابن الأثير (7/ 577، 578) ، و «الموطأ» للإمام مالك (2/ 894- 896) .

وفي سقياهم بالعباس يقول العباس بن عتبة بن أبي لهب: بعميّ سقى الله الحجاز وأهله ... عشيّة يستسقي بشيبته عمر توجّه بالعبّاس في الجدب راغبا ... إليه فما إن رام [1] حتى أتى المطر ومنّا رسول الله فينا تراثه ... فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر [2] وفيها زاد عمر في المسجد النّبويّ. وافتتح أبو موسى الأشعري [3] الأهواز [4] . وفيها كانت وقعة جلولاء [5] ، وقتل من المشركين مقتلة عظيمة، وبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف، وقيل: ثمانين ألف ألف. وتزوج عمر أمّ كلثوم بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهم.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «فما إن زال» وما أثبتناه من «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر (عبادة ابن أوفى- عبادة بن ثوب) ص (187) ، و «الكامل» لابن الأثير (2/ 558) . [2] في الأصل، والمطبوع: «فهل أحد هذي المفاخر مفتخر» وما أثبتناه من «تاريخ دمينة دمشق» لابن عساكر، و «الكامل» لابن الأثير. والأبيات في «تاريخ مدينة دمشق» منسوبة للعباس بن عتبة بن أبي لهب كما في كتابنا، وأما في «الكامل فقد نسبها ابن الأثير للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب. [3] هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضّار بن حرب الأشعري رضي الله عنه. [4] الأهواز إقليم يعرف أيضا بخوزستان، وهو إقليم واسع كبير، ولعل أبا موسى رضي الله عنه لم يفتح الإقليم بكامله، وإنما فتح قاعدة الإقليم سوق الأهواز. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 384- 287) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (61، 62) . [5] في «تاريخ الطبري» (4/ 24) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (2/ 519) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (7/ 69) ، و «معجم البلدان» لياقوت (2/ 156) أنها جرت في سنة (16) . وفي «تاريخ خليفة بن خياط» ص (136) أنها جرت في سنة (17) .

سنة ثماني عشرة

سنة ثماني عشرة فيها طاعون عمواس [1] بناحية الأردنّ، سمّي بها لأنه منها ابتدأ، لم يسمع بطاعون مثله في الإسلام. واستشهد بها أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، وأمير [2] الأمراء بالشام، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. واستشهد فيه [3] الفضل [4] ، وكان من أشجع الناس قلبا، وأحسنهم

_ [1] قال الزبيدي في «تاج العروس» «عموس» (16/ 286) : عمواس: هكذا قيده غير واحد، وهو بسكون الميم، وأورده الجوهري في «عمس» وقال: طاعون عمواس أول طاعون كان في الإسلام بالشام، ولم يزد على ذلك، وفي «العباب» عمواس: كورة من فلسطين، وأصحاب الحديث يحركون الميم، وإليه ينسب الطاعون، ويضاف فيقال: طاعون عمواس، وكان هذا الطاعون في خلافة عمر رضي الله عنه، سنة ثماني عشرة، ومات فيه جماعة من الصحابة، ذكرتهم في كتابي «در السحابة في وفيات الصحابة» قال: وقرأت في «الروض» للسهيلي عن أبي إسحاق أن معاذ بن جبل رضي الله عنه مات في طاعون عمواس، قال: هكذا مقيد في النسخة بسكون الميم، وقال البكري في كتاب «المعجم» : من أسماء البقاع «عمواس» محركة، وهي قرية بالشام، عرف الطاعون بها، لأنه منها بدأ، وقيل: إنما سمي طاعون عمواس لأنه عمّ وآس، أي جعل بعض الناس أسوة بعض. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 157) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (415) ، و «لسان العرب» «عمس» (4/ 3106) . [2] في الأصل: و «أمين الأمراء بالشام» ، وما أثبتناه من المطبوع. [3] أي في الطاعون، وفي المطبوع: «واستشهد فيها» . [4] هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم النبيّ صلى الله عليه

وجها، وأسخاهم يدا، وله في الجود مآثر يضيق عنها هذا المختصر. وفيه أيضا [1] استشهد سلطان العلماء، وأعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ورد أن العلماء تأتي تحت رايته يوم القيامة [2] ، وقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني أحبّك يا معاذ» [3] ، وكان من فضلاء الصّحابة وفقهائهم، وهو الذي بنى مسجد الجند باليمن، وقيل: بني بعده، ومات عن ست، أو ثمان وثلاثين سنة [4] . وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم قسم اليمن على خمسة رجال، خالد ابن سعيد بن العاص على صنعاء، والمهاجر بن أميّة على كندة [5] ، وزياد بن

_ وسلم، كان أكبر الإخوة، وبه كان يكنى أبوه، وكان يكنى أبا العباس، وأبا عبد الله، ويقال: كنيته أبو محمد، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحنينا، وثبت معه يومئذ، وشهد حجّة الوداع، وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف المؤرخون حول سنة وفاته ووقتها، ورجح الحافظ ابن حجر خبر وفاته في طاعون عمواس كما ذكر المؤلف رحمه الله. انظر «الإصابة» (8/ 102) . [1] أي في طاعون عمواس. [2] عند الطبراني في «المعجم الكبير» وأبي نعيم في «حلية الأولياء» عن محمد بن كعب مرسلا، وغيرهما، أن معاذ بن جبل يكون أمام العلماء يوم القيامة برتوة، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في «تاريخه» ، وأورده ابن عساكر من طرق، عن محمد بن الخطاب، وهو حديث صحيح بطرقه. والرتوة: رمية سهم، وقيل: درجة، وقيل: خطوة. [3] رواه أبو داود رقم (1522) في الصلاة: باب في الاستغفار، والنسائي (3/ 53) في السهو: باب الدعاء بعد الذكر، وإسناده صحيح، والحديث بتمامه، «يا معاذ، والله إني لأحبك» ، فقال: «أوصيك يا معاذ، لا تدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» . [4] وهذا ما عليه معظم الجمهور من العلماء. [5] قال ياقوت: كندة: بالكسر، مخلاف كندة باليمن اسم قبيلة: «معجم البلدان» (4/ 482) ، وقال الفيروزآبادي: وكندة بالكسر ويقال: كنديّ لقب ثور بن عفير أبو حي من اليمن، لأنه كند أباه النعمة ولحق بأخواله. «القاموس المحيط» (1/ 346) .

لبيد على حضرموت، ومعاذ بن جبل على الجند [1] ، وأبو موسى على زبيد [2] وعدن والساحل وغيرها [3] . وفيها، وقيل: في التي بعدها، مات يزيد بن أبي سفيان بن حرب أفضل إخوته، أسلم عام الفتح، وشهد حنينا، وأعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم مائة ناقة وأربعين أوقية فضة، واستعمله أبو بكر على الشام، وعمر بعده، ثم استخلف بعده عمر أخاه معاوية، وأقره عثمان إلى أن استقرت له الخلافة ومات [4] خليفة حقا رضي الله عنه. وأبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري، وقصّته في صلح الحديبية مشهورة في «الصحيح» [5] . وسهيل بن عمرو والد أبي جندل، وكان من سادات قريش وخطبائهم، ومن حلمه وصحة إسلامه أنه قدم المدينة في شيوخ من قريش فيهم أبو سفيان، فاستأذنوا على عمر فأبطأ عليهم، واستأذن بعدهم فقراء من المسلمين فأذن لهم، فقال أبو سفيان: عجبا، يؤذن للمساكين والموالي، وكبار

_ [1] قال الحميري: جند: مدينة باليمن كبيرة حصينة كثيرة الخيرات، بها قوم من خولان، وبها مسجد جامع بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين نزلها. «الروض المعطار» ص (175، 176) . [2] قال ياقوت: زبيد: بفتح أوله، وكسر ثانيه، ثم ياء مثناة من تحت: اسم واد به مدينة يقال لها الحصيب، ثم غلب عليها اسم الوادي فلا تعرف إلا به، وهي مدينة مشهورة باليمن أحدثت في أيام المأمون. «معجم البلدان» (3/ 131) . [3] انظر «معجم ما استعجم» للبكري (2/ 702) . [4] في المطبوع: «حتى مات خليفة» . [5] رواها البخاري رقم (2700) في الصلح: باب الصلح مع المشركين، وانظر «جامع الأصول» لابن الأثير (8/ 286- 301) ، و «إعلام السائلين» لابن طولون ص (141، 142) .

قريش واقفين، فقال سهيل: اغضبوا على أنفسكم، فإن الله دعا هؤلاء فأسرعوا، ودعاكم فأبطأتم، والله إن الذي سبقوكم إليه من الخير خير من هذا الذي تنافسون فيه من هذا الباب، ولا أرى أحدا منكم يلحق بهم إلا أن يخرج إلى الجهاد، لعل الله يرزقه الشهادة، فخرج سريعا إلى الشام، وكان يتردد في مكة إلى بعض الموالي يقرئه القرآن، فعيّره بعض قريش، فقال سهيل: هذا والله الكبر الذي حال بيننا وبين الخير، ولما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا يوم الحديبية، قال: «قد سهل لكم من أمركم» [1] أي تفاؤلا باسمه. وفيها شرحبيل بن حسنة الكندي نسب إلى أمه، وأبوه عبد الله بن مطاع هاجر إلى الحبشة، واستعمله عمر على بعض الشام، مات في طاعون عمواس. والحارث بن هشام بن المغيرة أخو أبي جهل بن هشام مات أيضا في الطاعون المذكور. وفيها افتتحت حرّان [2] ، والموصل، والسّوس [3] ، وتستر [4] .

_ [1] هو قطعة من حديث طويل رواه البخاري رقم (731) و (2732) في الشروط: باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، وأحمد في «المسند» (4/ 330) واللفظ للبخاري. [2] هي حرّان جزيرة أقور. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (58) الذي حققته بإشراف والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وهو من منشورات دار ابن كثير. [3] السوس من كور الأهواز، وهي معربة، واسمها بالفارسية «شوش» . انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 280، 281) . [4] تستر مدينة بالأهواز، وهي معربة، واسمها بالفارسية «شوشتر» . انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (104 و 105) ، وراجع بشأن فتحها «البداية والنهاية» لابن كثير (7/ 83- 86) .

سنة تسع عشرة

سنة تسع عشرة افتتحت تكريت [1] ، وقيساريّة [2] . وتوفي أبو المنذر أبي بن كعب الخزرجي سيد القراء، كان من علماء الصحابة، ومناقبه أكثر من أن تحصر، وقيل: توفي سنة اثنتين وعشرين [3] .

_ [1] تكريت بلدة بين بغداد والموصل. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 38) . [2] قيسارية بلد على ساحل بحر الشام تعدّ في أعمال فلسطين، بينها وبين طبرية ثلاثة أيام. وقيسارية أيضا مدينة كبيرة في بلاد الروم. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 421) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (486) ، وانظر خبر فتحها في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (141) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 26) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 102) . [3] قلت: وفيها أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (142) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 27) . وفيها حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالناس. انظر «تاريخ الطبري» (4/ 103) ، و «الكامل» لابن الأثير (2/ 563) ، و «البداية» لابن كثير (7/ 96) . وفيها مات خبّاب مولى عتبة بن غزوان، وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر «تاريخ الإسلام» (2/ 29) ، و «سير أعلام النبلاء» (2/ 324) للذهبي، و «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 117) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (7/ 96) .

سنة عشرين

سنة عشرين فيها فتح عمرو بن العاص بعض ديار مصر [1] . وتوفي بلال بن رباح الحبشي، وأمه حمامة [2] ، مولى أبي بكر، ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان صادق الإسلام، وعذّب في ذات الله أشدّ العذاب، وكانت امرأته عند موته تقول: واحرباه، فيقول: بل وا طرباه، غدا نلقى الأحبّة محمدا وصحبه، وكان موته بداريّا من أرض الشام، وقيل: بدمشق، ودفن عند الباب الصغير، وعمره ثلاث وستون سنة [3] . وفيها توفيت أمّ المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية، التي زوجها الله رسوله [4] ، أسرع أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم لحوقا به، وأطولهنّ يدا بالصدقة، وهي التي

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 29) ، و «الكامل» لابن الأثير (2/ 564) ، و «البداية» لابن كثير (7/ 97) . [2] في المطبوع: «وأمه وحمامه» وهو خطأ. [3] انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 31، 32) ، و «سير أعلام النبلاء» (1/ 347- 360) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (4/ 288- 291) بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، طبع مؤسسة الرسالة. [4] وذلك لما نزل قول الله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله. وَتُخْفِي في نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ. فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها 33: 37 (الأحزاب: 37) ، وانظر «زاد المسير» لابن الجوزي (6/ 384/ 391) ، و «تفسير ابن كثير» (3/ 490- 492) .

كانت تسامي عائشة في الحظوة والمنزلة عند النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفيها مات أبو الهيثم [1] بن التّيّهان الأنصاري الذي استضافه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأكرمه بذلك، فقال: «ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني» [2] . وأسيد بن حضير الأنصاري الأشهلي، أحد النّقباء الذي شاهد السكينة عيانا، وكان إذا مشى سبقه نور عظيم. روى البخاريّ، أن عبّاد بن بشر [3] ، وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السّوط، فلما افترقا افترق الضوء معهما [4] . وعياض بن غنم الفهري نائب أبي عبيدة على الشام. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، اسمه المغيرة، وهو الذي كان أخذ يوم حنين بلجام بغلة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وثبت يومئذ معه، وهو أخو نوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث.

_ [1] واسمه مالك. انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 38) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 83) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 323) . قلت: وفي سنة وفاته خلاف بين المؤرخين. [2] هو قطعة من حديث طويل رواه مسلم رقم (2038) في الأشربة: باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه. [3] في الأصل، والمطبوع: «عباد بن بشير» وهو خطأ، والتصحيح من «صحيح البخاري» و «مسند أحمد» و «كتب الرجال» . [4] رواه البخاري رقم (3805) في مناقب الأنصار: باب منقبة أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، وأحمد في «المسند» (3/ 138 و 190 و 273) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وانظر «فتح الباري» لابن حجر (7/ 125) .

وسعيد بن عامر الجمحي [1] . وهرقل ملك الروم، وقيل: إنه أسلم في الباطن [2] .

_ [1] في المطبوع: «سعد بن عامر الجمحي» وهو خطأ. [2] وذلك أنه لما وصلته رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم مع دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه، دعا أبا سفيان، وجماعة من قريش كانوا معه، فحاوره حوارا طويلا، سأله فيه عن جوانب مختلفة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقواله، وأفعاله، وأذن بعدها لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبيّ؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان قال: ردوهم عليّ. وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له، ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل، وانظر نص رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وخبر حوار هرقل مع أبي سفيان في «إعلام السائلين» لابن طولون ص (64- 76) بتحقيقي، طبع مؤسسة الرسالة.

سنة إحدى وعشرين

سنة إحدى وعشرين افتتحت مصر. وتوفّي سيف الله خالد بن الوليد المخزوميّ عن ستين سنة على فراشه بعد ارتكابه عظيم الأخطار في طلب الشهادة، وفتحه الفتوحات العظيمة، ونكايته في أعداء الله تعالى، وفيه عبرة لكل جبان، وحاصر [حصنا] [1] فقالوا: لا نسلم حتى تشرب السّمّ، فشربه ولم يضرّه [2] . وفيها وقعة نهاوند [3] دامت المصافّ ثلاثة أيام، ثم نزل النّصر.

_ [1] لفظة «حصنا» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] ذكر هذا الخبر الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (1/ 376) من حديث أبي السفر قال: نزل خالد بن الوليد الحيرة على أم بني المرازبة فقالوا: احذر السم لا تسق الأعاجم، فقال: أتوني به، فأتي فاقتحمه وقال: بسم الله، فلم يضره، وذكره الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» رقم (4043) ونسبه إلى أبي يعلى، وذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 53) وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، وهو مرسل، ورجالهما ثقات، إلا أن أبا السفر لم يسمع من خالد. وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (3/ 73) في ترجمة خالد رضي الله عنه فقال: روى ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عن خثيمة قال: أتى خالد بن الوليد رجل معه زق خمر فقال: اللهم اجعله عسلا فصار عسلا. (ع) . [3] قال ياقوت: نهاوند بفتح النون الأولى، وتكسر، والواو مفتوحة، ونون ساكنة، ودال مهملة، هي مدينة عظيمة في قبلة همذان، بينهما ثلاثة أيام، وسميت نهاوند لأنهم وجدوها كما هي. «معجم البلدان» (5/ 313) وانظر خبر فتحها فيه.

واستشهد أمير المؤمنين النّعمان بن مقرّن المزنيّ [1] ، وكان من سادة الصحابة، فنعاه عمر للناس يوم أصيب على المنبر، وأخذ حذيفة بن اليمان الراية من بعده، ففتح الله عليه. واستشهد بها طليحة بن خويلد الأسديّ، وكان قد ارتدّ وادّعى النّبوة، وكانت دعوته النبوة بجبل سمرقند من نجد، ثم حسن إسلامه، وكان يعدّ بألف فارس. وفيها ولّى عمر عمّار بن ياسر إمامة الصلاة بالكوفة، لما اشتكى أهلها سعد بن أبي وقّاص، وولّى عبد الله بن مسعود بيت المال. وتوفّي العلاء بن الحضرميّ، كان عامل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان يقول في دعائه: يا عليم، يا حليم، يا عليّ، يا عظيم، فيستجاب له، دعا الله بأنهم يسقون ويتوضّؤون لما عدموا الماء، ولا يبقى الماء [2] بعدهم فأجيب، ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور عليه، فمرّ هو والعسكر بخيولهم، ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات، فلم يجدوه في اللّحد.

_ [1] يعني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. [2] لفظة «الماء» سقطت من المطبوع.

سنة اثنتين وعشرين

سنة اثنتين وعشرين فيها افتتحت أذربيجان [1] على يد المغيرة بن شعبة، ومدينة نهاوند صلحا، والدّينور مع همذان عنوة على يد حذيفة، وطرابلس المغرب [2] على يد عمرو بن العاص. وافتتحت جرجان. وتوفي أبيّ بن كعب على خلاف تقدّم، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن، وأمر الله نبيّه أن يقرأ عليه سورة لَمْ يَكُنِ 98: 1 [البينة: 1] ، وسماه له، وناهيك بها، وقال له: «ليهنك العلم [3] يا أبا المنذر» [4] .

_ [1] هي بلدة شهيرة تقع في إيران الآن. وانظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (114) . [2] وهي اليوم عاصمة ليبيا وتعرف بطرابلس الغرب. [3] أي ليكن العلم هنيئا لك. [4] هو قطعة من حديث رواه مسلم رقم (810) في صلاة المسافرين: باب فضل سورة الكهف، وآية الكرسي، وأبو داود رقم (1460) في الصلاة: باب ما جاء في آية الكرسي، وأحمد في «المسند» (5/ 142) .

سنة ثلاث وعشرين

سنة ثلاث وعشرين فيها توفي أبو حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب القرشي العدوي شهيدا، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة في ليال بقين من ذي الحجة بعد مرجعه من الحج، وكان آدم شديد الأدمة طوالا صلبا [1] في دين الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ومناقبه أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، وفي الأحاديث الصحاح من موافقة التنزيل له، وتزكية النبيّ صلى الله عليه وسلم له في وجهه، وعزّ الإسلام بإسلامه، واتسعت دائرة الإسلام في خلافته، وبركاته، ومناقبه، وكراماته عديدة، ولما طعنه أبو لؤلؤة في صلاة الصبح جعل الأمر شورى بين من بقي من العشرة، وأخرج نفسه وبنيه من ذلك، فأفضى الأمر بعد التشاور إلى عثمان، وقد ثبت في «الصحيحين» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد كان في الأمم قبلكم محدّثون [2] ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» [3] .

_ [1] في المطبوع: «صليبا» . [2] قال ابن الأثير: أراد بقوله [صلى الله عليه وسلم] «محدّثون» أقواما يصيبون إذا ظنوا وحدسوا فكأنهم قد حدّثوه بما قالوا، وقد جاء في الحديث تفسيره: «أنهم ملهمون» والملهم: الذي يلقى في نفسه الشيء، فيخبر به حدسا وظنا وفراسة، وهو نوع يختصّ الله به من يشاء من عباده الذين اصطفى، مثل عمر رضي الله عنه. «جامع الأصول» (8/ 610) . [3] رواه البخاري رقم (3689) في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه، ومسلم رقم (2398) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه. وانظر «جامع الأصول» لابن الأثير (8/ 609، 610) بتحقيقي.

وفي الترمذي وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» [1] . وفي الترمذي أيضا: «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر» [2] . وفي حديث آخر: «إن الله ضرب [3] الحقّ على لسان عمر وقلبه» [4] . وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما كنا [5] نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. ثبت هذا عنه من رواية الشعبي [6] .

_ [1] ذكره المحب الطبري في «الرياض النضرة» (2/ 24) في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: خرجه القلعي، وذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 320) ، والشوكاني في «الفوائد المجموعة» ص (336) . [2] رواه الترمذي رقم (3686) في المناقب: باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال. ورواه أيضا أحمد في «المسند» ، وابن حبان في «صحيحه» ، والطبراني في «الأوسط» ، والحاكم في «المستدرك» (3/ 85) وصححه، ووافقه الذهبي. [3] وفي بعض الروايات: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» . [4] رواه الترمذي رقم (3682) في المناقب: باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 53 و 95) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 401) ، وابن حبان في «صحيحه» رقم (2184) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (5/ 165 و 177) ، وأبو داود رقم (2962) في الخراج والإمارة: باب في تدوين العطاء، وابن ماجة رقم (108) في المقدمة، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. ورواه أحمد في «المسند» (5/ 145) من حديث غضيف بن الحارث رضي الله عنه، وهو حديث صحيح. [5] لفظة «كنا» ليست في المطبوع، ولا في «مسند أحمد» الذي بين أيدينا، وهي في «مشكاة المصابيح» . [6] رواه أحمد في «المسند» (1/ 106) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» ، وهو حديث حسن.

وقال ابن عمر: وما كان عمر يقول لشيء إني لأراه كذا إلا كان كما يقول. وعن قيس بن طلق: كنّا نتحدّث أن عمر ينطق على لسان ملك، وكان عمر يقول: اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون، فإنه تنجلي لهم أمور صادقة. وهذه الأمور التي أخبر أنها تنجلي للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله لهم. فقد ثبت أن لأولياء الله مخاطبات، ومكاشفات [1] ولا شك أن أفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد أبي بكر عمر رضي الله عنه، واستشهد وله ثلاث وستون سنة [2] ، وقيل: خمس وستون، ومدة خلافته عشر سنين، وسبعة أشهر، وخمس ليال، وقيل: غير ذلك، ودفن مع صاحبيه بإذن عائشة رضي الله عنها. وفي آخر خلافته توفيت أمّ المؤمنين سودة بنت زمعة القرشيّة العامريّة [3] ، تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة، وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وكانت قبله تحت السّكران [4] ابن عمها أخي سهيل بن عمرو، وكانت طويلة جسيمة، ووهبت نوبتها من القسم لعائشة رجاء أن تموت في عصمة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتم لها ذلك.

_ [1] الأولى أن يقال: ثبت أن للأولياء فراسات وإلهامات من الله عز وجل كعمر رضي الله عنه وغيره. [2] وهو الصواب. [3] كذا في «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 66) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 267) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 324) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (7/ 158) . [4] في الأصل: «السكراب» وهو تصحيف، والسكران، هو السكران بن عمرو بن عبد شمس.

والصحيح أنها توفيت سنة خمس وخمسين في خلافة معاوية، والله أعلم [1] . وفيها مات قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسي، الذي رد النبيّ صلى الله عليه وسلم عينه يوم أحد حين سقطت، وكانت أحسن عينيه. وسببه أن رماة المشركين كانوا يقصدونه صلى الله عليه وسلم بالرمي، وكان أصحابه يقف الواحد منهم بعد الواحد في وجهه صلى الله عليه وسلم يتلقى عنه الرمي يفدّيه بنفسه، حتى قتل عشرة، وكان قتادة الحادي عشر، فلما استتم أمر الوقعة وقد سالت عينه، قال له: إن لي زوجة وأنا ضنين بها، محبّ لها، وإنها تقذرني إذا رأتني على هذه الحال، وأنا ما فعلت ما فعلت إلا لأنال الشهادة، أو كلاما هذا معناه، فردها صلى الله عليه وسلم، فكانت أضوأ عينيه وأحسنهما، وفي ذلك يقول ابنه: وقد وفد على بعض خلفاء الأمويين فقال له: من أنت؟ فقال: أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه ... فردّت بكفّ المصطفى أحسن الرّدّ

_ [1] قلت: قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 67) ، و «سير أعلام النبلاء» (2/ 267) : وماتت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين، وقال الواقدي: وهذا الثبت عندنا، وقال ابن حجر في «الإصابة» (12/ 324) ، ويقال: ماتت سنة أربع وخمسين، ورجحه الواقدي.

سنة أربع وعشرين

سنة أربع وعشرين في أولها بويع ذو النّورين عثمان بن عفّان الأموي بالخلافة بإجماع من المسلمين، وكيفيتها مقرّرة في «صحيح البخاري» [1] وغيره، وهو من أهل السوابق والقدم في الإسلام، هاجر الهجرتين، وصلى إلى القبلتين، وتزوج الابنتين، وجهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأقتابها، وأحلاسها، وألف دينار، وغير ذلك، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» [2] . وتلاوته للقرآن في الصلاة، [وصدقاته] [3] ، وعبادته، وحياؤه، وحب النبيّ صلى الله عليه وسلم له أمر معلوم. وفيها توفي سراقة بن مالك بن جعشم [4] المدني، المذكور في حديث الهجرة [5] ،

_ [1] انظر «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» للحافظ ابن حجر (7/ 59- 69) . [2] هو قطعة من حديث رواه الترمذي رقم (3701) في المناقب: باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأحمد في «المسند» (5/ 63) وإسناده حسن. [3] لفظة «وصدقاته» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [4] في المطبوع: «جعثم» وهو خطأ. [5] قال ابن هشام في «السيرة» (1/ 489، 490) : قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم. قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا، فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مرّوا عليّ آنفا، إني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت إليه- يعني: أن اسكت-، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم سكت. قال: ثم مكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها، ثم

وكان نازلا بقديد [1] ، وهو منزل أمّ معبد، المذكورة أيضا في حديث الهجرة، ولكليهما جرى معجزات من معجزات النّبوّة، منها ما ذكره في «ربيع الأبرار» [2] عن هند بنت الجون: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيمة خالتها أمّ معبد، فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومجّ في

_ انطلقت، فلبست لأمتي، ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره «لا يضره» قال: وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المئة ناقة. قال: فركبت على أثره، فبينما فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره «لا يضره» قال: فأبيت إلا أن أتبعه. قال: فركبت في أثره، فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا؟. قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره «لا يضره» ، قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره، فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار. قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني، وأنه ظاهر. قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم: انظروني أكلمكم، فو الله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: «قل له: وما تبتغي منا؟» قال: فقال ذلك أبو بكر، قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك. قال: «أكتب له يا أبا بكر» . فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة، أو في خزفة، ثم ألقاه إليّ، فأخذته فجعلته في كنانتي، ثم رجعت. وقال السهيلي في «الروض الأنف» (2/ 233) : وذكر غير ابن إسحاق، أن أبا جهل لامه حين رجع بلا شيء، فقال- وكان شاعرا-: أبا حكم والله لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه علمت ولم تشكك بأنّ محمّدا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه عليك بكفّ القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوما ستبدو معالمه بأمر يودّ الناس فيه بأسرهم ... بأنّ جميع الناس طرّا يسالمه قلت: وقد أورد البيتين الأولين من هذه الأبيات الحافظ ابن حجر في ترجمته لسراقة رضي الله عنه في «الإصابة» (4/ 127) . وانظر خبر سراقة في «فتح الباري» (7/ 240- 248) . [1] قديد: موضع قرب مكة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 313) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (454) . [2] قلت: واسمه الكامل «ربيع الأبرار ونصوص الأخبار» وهو لأبي القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري، أحد أئمة العلم، واللغة، والآداب، المتوفى عام (538 هـ) ، وكتابه المشار إليه لم يطبع منه سوى الجزء الأول كما ذكر العلامة الزركلي. انظر «كشف الظنون» لحاجي خليفة (1/ 832) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 178) .

عوسجة [1] إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي كأعظم دوحة [2] ، وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس [3] ورائحة العنبر، وطعم الشّهد، ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا برئ، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا ودرّ لبنها، فكنّا نسمّيها المباركة، وكان من البوادي [4] من يستشفي بها ويتزود منها، حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، واصفرّ ورقها ففزعنا، فما راعنا إلا نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها، وذهبت نضارتها، فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فما أثمرت بعد ذلك اليوم، فكنّا ننتفع بورقها، ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط، وقد ذبل ورقها، فبينا نحن فزعين مهمومين إذ أتانا خبر مقتل الحسين، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت. والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص انتهى [5] .

_ [1] العوسجة: الشوك. [2] الدوحة: الشجرة العظيمة. [3] الورس: نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغمرة للوجه. «لسان العرب» ، «ورس» (6/ 4812) . [4] في الأصل: «وكان من البواد» بدون الياء، وما أثبتناه من المطبوع. [5] قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (13/ 292) : وذكر عمر بن شبة في «كتاب مكة» من طريق عبد العزيز بن عمران أنها أتت أم معبد بنت الأشعر، وذكر لها قصة مع سراقة بن جعشم. أقول: وعبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، الأعرج، يعرف بابن أبي ثابت، متروك احترقت كتبه، فحدّث من حفظه فاشتد غلطه، وكان عارفا بالأنساب، ولم يكن من أصحاب الحديث، وليس حديثه بشيء، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا، وقال عمر بن شبة في أخبار المدينة: كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه، فكان يحدث من حفظه. انظر «تقريب التهذيب» (1/ 511) ، و «تهذيب التهذيب» (6/ 351) (ع) .

سنة خمس وعشرين

سنة خمس وعشرين فيها انتقض أهل الرّيّ، فغزاهم أبو موسى الأشعريّ، وانتقض أهل الإسكندرية، فغزاهم عمرو بن العاص، فقتل، وسبى. واستعمل فيها عثمان على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وجهز سليمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفا إلى برذعة [1] فقتل، وسبى [2] .

_ [1] برذعة: بلد في أقصى أذربيجان، قال حمزة: برذعة، معرب برده دار، ومعناه بالفارسية موضع السبي، وذلك أن بعض ملوك الفرس سبى سبيا من وراء أرمينية، وأنزلهم هناك، وقال هلال بن المحسن: برذعة قصبة أذربيجان، وذكر ابن الفقيه أن برذعة هي مدينة أرّان، وهي آخر حدود أذربيجان. «معجم البلدان» (1/ 379) . [2] قلت: وفيها انتقض أهل الإسكندرية، فغزاهم عمرو بن العاص، وهو أمير على مصر، فقتل وسبى، فرد عثمان رضي الله عنه السبي إلى ذمتهم. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (158) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 77) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 81) . وفيها حج بالناس عثمان بن عفان رضي الله عنه. انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 78) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 250) . وفيها سيّر عمرو بن العاص عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أطراف إفريقية غازيا بأمر عثمان، وكان عبد الله من جند مصر، فلما سار إليها أمده عمرو بالجنود، فغنم هو وجنده، فلما عاد عبد الله كتب إلى عثمان يستأذنه في غزو إفريقية، فأذن له في ذلك. انظر «الكامل» لابن الأثير (3/ 86) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 78) .

سنة ست وعشرين

سنة ست وعشرين فيها فتحت سابور [1] على يد عثمان بن أبي العاص، فصالحهم على ثلاثة آلاف درهم. قيل: وفيها زاد عثمان رضي الله عنه في المسجد [2] [3] .

_ [1] سابور: بلدة بين خوزستان، وأصبهان. «معجم البلدان» لياقوت (3/ 167) ، وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (299) . [2] قال الطبري في «تاريخه» (4/ 251) : قال الواقدي: فيها زاد عثمان في المسجد الحرام، ووسعه، وابتاع من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم، ووضع الأثمان في بيت المال، فصيحوا بعثمان، فأمر بهم بالحبس، وقال: أتدرون ما جرأكم عليّ! ما جرأكم عليّ إلا حلمي، قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيّحوا، ثم كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد، فأخرجوا. وانظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 78) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (159) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 87) . [3] قلت: وفيها عزل عثمان رضي الله عنه سعدا عن الكوفة، لأنه كان تحت دين فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله، واستعمل الوليد بن عقبة، وقد كان الوليد عاملا لعمر على بعض الجزيرة، وكان فيه رفق برعيته. «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 78) ، وانظر «تاريخ الطبري» (4/ 251) . وفيها حج بالناس أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. «تاريخ الطبري» (4/ 251) .

سنة سبع وعشرين

سنة سبع وعشرين فيها ركب معاوية البحر [1] ، لغزو قبرس [2] . وعزل عمرو بن العاص بعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وسبب العزل أنه غزا الإسكندرية ظانا نقض العهد، فقتل، وسبى، ولم يصح عند عثمان نقضهم للعهد، فأمر برد السبي، وعزله، فاعتزل عمرو في ناحية فلسطين، وكان ذلك بدء المخالفة. وغزا عبد الله بن سعد إقليم إفريقية [3] ، وافتتحها، وأصاب الراجل ألف دينار، والفارس ثلاثة آلاف، وقتل ملكهم جرجير [4] . وتوفيت أمّ حرام بنت ملحان بقبرس في هذه الغزاة، وكانت مع زوجها عبادة بن الصامت.

_ [1] في المطبوع: «فيها ركب معاوية في البحر» . [2] قلت: وهي الجزيرة المعروفة الآن باسم «قبرص» . [3] قال ياقوت: حدّ إفريقية من طرابلس الغرب من جهة برقة والإسكندرية إلى بجاية، وقيل: إلى مليانة. «معجم البلدان» (1/ 228) ، وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (47) . قلت: ومعظمها الآن في أراضي ليبيا. [4] في الأصل، والمطبوع: «جرير» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ خليفة بن خياط» ص (159) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 79) ، و «دول الإسلام» للذهبي (1/ 21) .

سنة ثمان وعشرين

سنة ثمان وعشرين فيها انتقض أهل أذربيجان [1] ، فغزاهم الوليد بن عقبة ثم صالحوه [2] . وقيل: فيها غزوة قبرس [3] [4] .

_ [1] قال الحميري: أذربيجان: هي كورة تلي الجبل من بلاد العراق، وهي مفتوحة الألف ... ينسب إلى أذربيجان أبو عبد الله الحسن بن جابر الأزدي صاحب كتاب «اللامع في أصول الفقه» وأهل أذربيجان مشهورون بالانكباب على العلم، والاشتغال به، وفيهم يقول الحافظ السّلفي: ديار أذربيجان في الشرق عندنا ... كأندلس في الغرب في النحو والأدب فلست ترى في الدهر شخصا مقصّرا ... من أهلها إلا وقد جدّ في الطلب [2] انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (160) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 81) . [3] قال ابن كثير في «البداية» (7/ 153) : وكان فتحها على يدي معاوية بن أبي سفيان، ركب إليها في جيش كثيف من المسلمين، ومعه عبادة بن الصامت، وزوجته أمّ حرام بنت ملحان ... وذلك بأمر عثمان بن عفان رضي الله عنه له في ذلك، بعد سؤاله إياه، وقد كان سأل في ذلك عمر بن الخطاب فأبى أن يمكنه من حمل المسلمين على هذا الخلق العظيم الذي لو اضطرب لهلكوا عن آخرهم، فلما كان عثمان لحّ معاوية عليه في ذلك فأذن له، فركب في المراكب، فانتهى إليها، ووافاه عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليها من الجانب الآخر، فالتقيا على أهلها، فقتلوا خلقا كثيرا، وسبوا سبايا كثيرة، وغنموا مالا جزيلا جيدا، ولما جيء بالأسارى جعل أبو الدرداء يبكي، فقال له جبير بن نفير: أتبكي وهذا يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك! إن هذه كانت أمة قاهرة لهم ملك، فلما ضيعوا أمر الله صيرهم إلى ما ترى، سلط عليهم السبي، وإذا سلط على قوم السبي فليس لله فيه حاجة، وقال: ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره. [4] قلت: وفي هذه السنة تزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه بنت الفرامصة الكلبية، وكانت

سنة تسع وعشرين

سنة تسع وعشرين فيها افتتح عبد الله بن عامر بن كريز مدينة إصطخر [1] عنوة بعد قتال عظيم. وعزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وعثمان بن أبي العاص عن فارس، وجمعهما [2] لعبد الله بن عامر، وهو ابن خال عثمان، وأمّره، وهو ابن أربع وعشرين سنة، فافتتح فارس، وخراسان [3] جميعا في سنة ثلاثين، وروي أنه لما ولد أتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم فتفل في فيه فبلعه، فقال له النبيّ

_ نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها. انظر «البداية» لابن كثير (7/ 153) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 81) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 263) . وفيها بنى عثمان بن عفان رضي الله عنه داره بالمدينة، وحج بالناس. انظر «تاريخ الطبري» (4/ 263) ، و «البداية» لابن كثير (7/ 153) . [1] إصطخر: بلدة تقع الآن في الجنوب الغربي لإيران. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 211) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (43 و 44) . [2] في الأصل: «وجمعها» وما أثبتناه من المطبوع. [3] خراسان: بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان، وغزنة، وسجستان، وكرمان، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على أمهات البلاد، منها نيسابور، وهراة، ومرو. وانظر تتمة خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 350) .

صلى الله عليه وسلم: «إنّك لمسقى» [1] فكان لا يعالج أرضا إلّا ظهر له ماؤها، وهو الذي عمل الساقيات [2] بعرفة، وشق نهر البصرة، وكان من الأجواد، وهو مجهول الوفاة.

_ [1] وفي «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 288) : «إنه لمسقى» . [2] في المطبوع: «السقايات» .

سنة ثلاثين

سنة ثلاثين فيها توفّي حاطب بن أبي بلتعة صاحب القصّة في غزوة الفتح، نزل فيه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ 60: 1 [الممتحنة: 1] الآية، وهو الرسول إلى المقوقس، ولما قال له المقوقس: إن كان رسولا فما له لم يدع على قومه حين كذّبوه وأخرجوه، قال له حاطب: فعيسى بن مريم أخذه قومه ليقتلوه ويصلبوه، فما له لم يدع عليهم، فقال له: أحسنت، أنت حكيم [جاء] [1] من عند حكيم، فأهدى للنبيّ صلى الله عليه وسلم مارية [2] ، وبعث معها طرفا وهدايا جميلة [3] . وفيها افتتح عبد الله بن عامر [4] سجستان [5] ، مع فارس، وخراسان،

_ [1] زيادة من المطبوع. [2] هي مارية القبطية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم، وهي التي أهداها المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية ومصر سنة (7 هـ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هي وأخت لها تدعى (سيرين) وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أختها (سيرين) إلى حسان بن ثابت الشاعر، توفيت مارية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة (16 هـ) . [3] أرسل له الجاريتين، مارية وسيرين، وكسوة، وبغلة ليركبها تسمى دلدل، وغير ذلك، فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه لا يرد الهدية. [4] هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة القرشي العبشمي، أبو عبد الرحمن، أمير فاتح، ولد بمكة، وولي البصرة في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، فوجه جيشا إلى سجستان فافتتحها صلحا، وافتتح عامة فارس وخراسان وكابل، ثم أقام بعد ذلك بالمدينة إلى أن مات، وكان شجاعا سخيا وصولا لقومه، رحيما، محبا للعمران، وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة، وأجرى إليها الماء، توفي رحمه الله سنة (58 هـ) . [5] سجستان، بكسر أوله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق وآخر نون: ناحية كبيرة

وهرب كسرى. واعتمر عبد الله بن عامر. واستخلف الأحنف بن قيس على خراسان، فاجتمعوا جمعا لم يسمع بمثلهم، فهزمهم الأحنف، وكثرت الفتوحات [1] في هذا العام، والخراج، فاتخذ عثمان الخزائن، وكان يأمر للرجل بمائة ألف.

_ وولاية واسعة في أطراف خراسان، بينها وبين هراة ثمانون فرسخا، وهي جنوبي هراة، بها نخيل، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، فيها رمال، خرج منها علماء أجلاء، وهي الآن في بلاد إيران. ينسب إليها جماعة من العلماء، منهم الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب «السنن» ، والنسبة إليها أيضا السّجزي، وفي البصرة قرية يقال لها: سجستان، أو سجستانة، وليست من سجستان خراسان. انظر معجم البلدان: (3/ 189- 192) ، و «الأنساب» للسمعاني (7/ 43- 48) بإشراف والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط. [1] في المطبوع: «الفتوح» .

سنة إحدى وثلاثين

سنة إحدى وثلاثين فيها توفّي أبو سفيان بن حرب، والد معاوية رضي الله عنهما، وهو أموي، وقيل: توفي سنة ثلاث وثلاثين [1] . وفي «صحيح مسلم» أنه قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهنّ [2] قال: «نعم» فسأله تزويج أم حبيبة ابنته، وأن يجعل معاوية كاتبه، وأن يؤمّره [3] فيقاتل الكفّار كما قاتل المسلمين، قال ابن عباس [4] : لولا أنه طلب ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطه، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: نعم [5] .

_ [1] وقيل: سنة أربع وثلاثين، والله أعلم. [2] في المطبوع: «أعطينهن» وهو خطأ. [3] في المطبوع: «وأن يأمره» وهو خطأ. [4] في «صحيح مسلم» قال أبو زميل، بدلا من قال ابن عباس. [5] رواه مسلم في «صحيحه» رقم (2501) في فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه، ولفظ بتمامه: قال ابن عباس: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، ثلاث أعطنيهنّ قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها، قال: «نعم» قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: «نعم» قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: «نعم» قال أبو زميل (وهو الراوي عن ابن عباس) : ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: «نعم» .

وتزوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة قد كان تقرّر قبل ذلك وهو [1] مشرك، وكان الوليّ غيره، وإنما قال له: نعم تطييبا لقلبه، أو أنّ مرادك قد حصل، وإن لم يكن حقيقة عقد، وذهبت عينا أبي سفيان في الجهاد، إحداهما يوم الطائف، والثانية يوم اليرموك، وكان يومئذ تحت راية ولده يزيد، ومات وهو ابن ثمان وثمانين سنة، أو تسعين سنة، وصلى عليه معاوية، وقيل: عثمان، ودفن بالبقيع. وفيها مات الحكم بن أبي العاص [2] عمّ عثمان رضي الله عنه، ووالد مروان، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد طرده إلى الطائف، وبقي طريدا إلى زمن عثمان، فردّه إلى المدينة، واعتذر بأنّه قد كان شفع فيه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فوعده بردّه، وهو مؤتمن على ما قال، وهو أحد الأسباب التي نقموا بها على عثمان رضي الله عنه.

_ قال النووي: وهذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه الإشكال أن أبا سفيان، إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور لا خلاف فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل، تزوجها سنة ست، وقيل: سنة سبع، واختلفوا أين تزوجها، فقيل بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، وقال الجمهور بأرض الحبشة. [1] أي أبو سفيان. [2] هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي عم عثمان بن عفان، ووالد مروان بن الحكم، أسلم يوم الفتح، وسكن المدينة، ثم نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ثم أعيد إلى المدينة في خلافة عثمان، ومات بها، سنة اثنتين وثلاثين كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «الإصابة» (2/ 271) ، قال الحافظ: ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه، ولم يثبت ذلك.

سنة اثنتين وثلاثين

سنة اثنتين وثلاثين فيها توفي العبّاس بن عبد المطلب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء العباسيين، حسن بلاؤه يوم حنين [1] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويبجّله [2] ، وكذلك الخلفاء الراشدون [3] من بعده، وكان صيّتا ينادي غلمانه من سلع [4] وهم بالغابة فيسمعونه، وذلك على ثمانية أميال، وكان موته أول رمضان عن ست وثمانين سنة، وصلّى عليه عثمان رضي الله عنه. وفيها عبد الرحمن بن عوف الزهريّ أحد العشرة من السابقين الأوّلين، تصدّق مرة بأربعين ألفا، وبقافلة جاءت من الشام كما هي، وفضائله كثيرة، وهو من المقطوع لهم بالجنة، وما يذكر أنه يدخل الجنة حبوا لغناه فلا أصل

_ [1] العباس بن عبد المطلب أبو الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم، حضر بقية العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم، وشهد بدرا مع المشركين مكرها، فأسر، فافتدى نفسه، وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب، ورجع إلى مكة، فيقال: إنه أسلم وكتم قومه ذلك، وصار يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل، وشهد فتح مكة، وثبت يوم حنين، وكان العباس من أعظم الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه، ويأخذون برأيه، مات بالمدينة المنورة سنة (32 هـ) رضي الله عنه كما ذكر المؤلف رحمه الله. (ع) . [2] في المطبوع: «ويجله» . [3] في الأصل: «وكذلك الخلفاء الراشدين» وهو خطأ. [4] قال البكري: سلع جبل متصل بالمدينة. «معجم ما استعجم» (3/ 747) .

له، ويا ليت شعري إذا كان هذا يدخلها حبوا ويتأخّر دخوله لأجل غناه، فمن يدخلها سابقا مستقيما. وفي خلافة عثمان رضي الله عنه قتل عبيد [1] الله بن معمر التيمي عن أربعين سنة برستاق [2] من رساتيق إصطخر [2] ، وكان أحد الأجواد، اشترى جارية تسمى الكاملة بعشرين ألف دينار، وكانت لفتى قد أدّبها أحسن الأدب، فأملق، فباعها وهو مغرم بها، فأنشدت أبياتا فيها: عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر فرقّ لها عبيد الله وردّها عليه وثمنها. وفيها توفي عبد الله بن مسعود الهذليّ، وهو أحد القرّاء الأربعة، ومن أهل السوابق في الإسلام، ومن علماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هاجر الهجرتين، وصلّى إلى القبلتين، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة [3] ، وسبب إسلامه أنه مرّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يرعى غنما بمكة لعقبة بن أبي معيط، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم [منها] [4] شاة حائلا وحلبها، فشرب، وسقى أبا بكر، فقال له ابن مسعود: علّمني من هذا القول، فمسح رأسه وقال: «إنك غليّم [5] معلّم» [6] .

_ [1] في الأصل: «عبد الله بن معمر التيمي» وهو خطأ، وما أثبتناه من المطبوع، وهو مذكور في «تاريخ خليفة» ص (162) ، و «دول الإسلام» للذهبي (1/ 21) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 265) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 198) فيمن قتل سنة (29 هـ) ، وكان من القادة الشجعان الأشداء، ومن أجواد قريش. [2] الرّستاق، فارسي معرب، وهو السواد، والجمع رساتيق. وإصطخر: بلدة بفارس. انظر «معجم البلدان» (1/ 211) . [3] وقد أشار إلى شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له- رضي الله عنه- بالجنة، ابن الأثير في «أسد الغابة» (3/ 386) ، والنووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 288) . [4] لفظة «منها» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [5] في الأصل والمطبوع: «عليم معلم» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (1/ 465) . [6] رواه أحمد في «المسند» (1/ 379 و 462) وإسناده حسن.

ومن كلامه رضي الله عنه: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحبّ القرآن فهو يحبّ الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله. وقال رضي الله عنه: الذّكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل، والغناء [1] ينبت النّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. مات عن نيف وستين سنة، ودفن بالبقيع. وفيها أبو الدرداء [2] الخزرجيّ الزاهد الحكيم، أسلم بعد بدر، وولي قضاء دمشق لمعاوية في خلافة عثمان، وقالت له زوجته: ما عندنا نفقة، فقال لها: إن بين أيدينا عقبة لا يجوزها إلا المخفّون. وفيها أبو ذرّ جندب بن جنادة الغفاريّ، صادق الإسلام واللسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر» [3] .

_ [1] في المطبوع: «والغنى» وهو خطأ. [2] قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (7/ 182، 183) : أبو الدرداء مشهور بكنيته، وباسمه جميعا، واختلف في اسمه، فقيل: هو، وعويمر لقب، حكاه عمرو بن علي الفلاس عن بعض ولده، وبه جزم الأصمعي في رواية الكديمي عنه، واختلف في اسم أبيه، فقيل: عامر، أو مالك، أو ثعلبة، أو عبد الله، أو زيد، وأبوه ابن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي. وجزم ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» ص (50) بأن اسمه عويمر بن عامر بن زيد الأنصاري، وقال: مات سنة اثنتين وثلاثين، وقبره بباب الصغير بدمشق مشهور يزار قد زرته غير مرة. وانظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 228) . [3] رواه الترمذي رقم (3801) في المناقب: باب مناقب أبي ذر رضي الله عنه، وابن ماجة رقم (156) في المقدمة: باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحمد في «المسند» (2/ 163 و 175 و 223) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وهو كما قال. ورواه أحمد في «المسند» (5/ 197) و (6/ 442) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

وقصة إسلامه في «الصحيح» مشهورة [1] . وفيها عبد الله بن زيد [2] بن عبد ربه الأنصاري، الذي أري الأذان [3] ، وكان بدريا.

_ [1] رواها البخاري رقم (3522) في المناقب: باب قصة إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، و (3861) في مناقب الأنصار: باب إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، ومسلم رقم (2474) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه. [2] في الأصل، والمطبوع: «زيد بن عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال التي بين يديّ. [3] وقد روى قصة رؤيته- رضي الله عنه- للأذان أحمد في «المسند» (4/ 43) ، وأبو داود في «سننه» رقم (499) في الصلاة: باب كيف الأذان، وابن ماجة رقم (708) في الأذان: باب الترجيح في الأذان، وابن حبان في «صحيحه» رقم (287) «موارد» ، وإليك ما جاء في «المسند» للإمام أحمد حول هذه القصة، قال رضي الله عنه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له كاره لموافقته النصارى، طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت له: يا عبد الله: أتبيع الناقوس، قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال: فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخرت غير بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه لرؤيا حق إن شاء الله» ثم أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيّب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.

سنة ثلاث وثلاثين

سنة ثلاث وثلاثين فيها توفي المقداد بن الأسود في أرضه بالجرف [1] ، وحمل إلى المدينة، وشهد بدرا، وقوله يومئذ مشهور مذكور، وشجاعته معلومة، وبالاتفاق أنه كان يوم بدر فارسا، واختلف في الزّبير، ومرثد الغنوي [2] . وفيها غزا عبد الله بن سعد [3] بن أبي سرح الحبشة [4] [5] .

_ [1] الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. «معجم البلدان» لياقوت (2/ 128) . [2] في المطبوع: «مرتد الغنوي» وهو تصحيف. [3] في المطبوع: «عبد الله بن سعيد» وهو خطأ. [4] قال خليفة بن خياط في «تاريخه» ص (168) : فأصيبت عين معاوية بن حديج. يعني في غزوة الحبشة. وانظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 116) . [5] قلت: وفيها جمع قارن جمعا كثيرا بباذغيس، وهراة، فأقبل في أربعين ألفا، فخلى قيس بن الهيثم البلاد، فقام بأمر الناس عبد الله بن خازم السلمي، فلقي قارن في أربعة آلاف، فقتل قارن وهزم أصحابه وأصابوا سبايا كثيرة. «تاريخ خليفة بن خياط» ص (167) ، وانظر «تاريخ الإسلام» (2/ 115، 116) . وفيها مات العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (168) . وفيها مات المقداد بن الأسود ومات عامر بن ربيعة حين نشم الناس في أمر عثمان رضي الله عنه. أي طعنوا فيه ونالوا منه. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (168) .

سنة أربع وثلاثين

سنة أربع وثلاثين فيها أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص، ورضوا بأبي موسى الأشعري، وكتبوا فيه إلى عثمان، فأقرّه عليهم، ثم ردّ عليهم سعيدا، فخرجوا إليه ومنعوه من الدخول، وهو اليوم المذكور في «صحيح مسلم» المسمّى بيوم الجرعة [1] [2] .

_ [1] انظر الحديث رقم (2893) في الفتن: باب في الفتنة التي تموج كموج البحر. وقال ياقوت: الجرعة: بالتحريك، وقيده الصدفي بسكون الراء، وهو موضع قرب الكوفة المكان الذي فيه سهولة ورمل ... وإليه يضاف يوم الجرعة المذكور في كتاب «مسلم» وهو يوم خرج فيه أهل الكوفة إلى سعيد بن العاص وقت قدم عليهم واليا من قبل عثمان رضي الله عنه، فردوه وولوا أبا موسى ثم سألوا عثمان حتى أقره عليهم. «معجم البلدان» (2/ 128) ، وانظر «مجمع الزوائد» للهيثمي (7/ 233) . [2] قلت: وفيها مات إياس بن البكير. ويقال ابن أبي البكير، الليثي، حليف بني عدي، كان من المهاجرين، شهد بدرا هو وإخوته خالد، وعاقل، وعامر، ولم يشهد بدرا إخوة أربعة سواهم، وقد شهد إياس فتح مصر رضي الله تعالى عنه. انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 117) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (1/ 181) ، و «الإصابة» لابن حجر (1/ 143) . وفيها مات أبو عبس عبد الرحمن بن جبر، ممن شهد بدرا، وكان اسمه معبد، فسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكان ممن شهد بدرا رضي الله عنه وأرضاه. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (25) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 202) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 339) . وفيها مات مسطح بن أثاثة، أبو عبادة، وكان ممن شهد بدرا، توفي بالمدينة. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (12) ، و «تاريخ الطبري» (4/ 339) .

سنة خمس وثلاثين

سنة خمس وثلاثين فيها مات أبو طلحة [1] الأنصاري النقيب عن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان، شهد بدرا وما بعدها، وهو من أهل السوابق في الإسلام، وهو المتصدق بأحب أمواله إليه بيرحى. قال في «القاموس» : وبيرحى كفيعلى موضع بالمدينة [2] . وفيها مات النقيب الآخر عبادة بن الصامت، شهد بدرا وما بعدها، ووجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلّما، فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها، وقيل: بالرملة، ودفن ببيت المقدس [3] .

_ [1] هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عمرو بن مالك بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو طلحة، مشهور بكنيته، من فضلاء الصحابة، زوج أم سليم، أم أنس بن مالك، وفي «الصحيحين» عن أنس رضي الله عنه لما نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ 3: 92 قال أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برّها وذخرها، فقأ النبيّ صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ ذاك مال رابح» . واختلف في وفاته، فقال الواقدي، وتبعه ابن نمير، ويحيى بن بكير، وغير واحد فقالوا: مات سنة (34 هـ) ، وقال غيرهم غير ذلك، والله أعلم. (ع) . [2] قال الفيروزآبادي في «القاموس» (1/ 223) : وبيرحى كفيعلى: أرض بالمدينة، ويصحّفها المحدّثون: بئرحاء. [3] قال الحافظ في «الإصابة» (5/ 324) : روى ابن سعد أنه مات بالرملة سنة (34 هـ) ، قال:

وفيها توفي عالم الكتاب، به وبالآثار، كعب الأحبار [1] ، أسلم في زمن أبي بكر، وروى عن عمر رضي الله عنه. وفيها توفي عامر بن أبي ربيعة. وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي [2] ولّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجند ومخاليفها من بلاد اليمن. وفي آخرها حاصر المصريون أمير المؤمنين عثمان نحو شهرين وعشرين يوما، ثم اقتحم عليه أراذل من أوباش القبائل فقتلوه، والصحيح أنه لم يتعين قاتله، وكانوا أربعة آلاف، واشتهر عنه أنه قال لأرقائه: من أغمد سيفه فهو حرّ، فأغمدوها إلا واحدا قاتل حتى قتل، وكانوا مائة عبد، وقيل: أربعمائة، وإن عليّا رضي الله عنه أرسل إليه ابنه الحسن، وقال له: إن شئت أتيتك للنصر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «إن قاتلتهم نصرت عليهم، وإن لم تقاتلهم، أفطرت عندنا الليلة» [3] وأنا أحب أن أفطر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه عبد الله بن سلام لينصره، فقال له: اخرج إليهم، فإنك خارج [4] خير

_ ومنهم من قال: مات ببيت المقدس، وأورد ابن عساكر في ترجمته أخبارا له مع معاوية تدل على أنه عاش بعد ولاية معاوية الخلافة، وبذلك جزم الهيثم بن عدي. [1] هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأجلد، ويقال له: كعب الحبر، كان من أهل اليمن، أسلم في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان على دين اليهود فأسلم، وقدم المدينة، ثم خرج إلى الشام فسكن حمص، وكان يحدث عن قصص بني إسرائيل، ولذلك كان موضع النقد عند بعض العلماء، توفي بحمص سنة (32 هـ) ، وقيل: (34 هـ) في خلافة عثمان رضي الله عنه وقد جاوز المائة. [2] عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي أبو عبد الرحمن المكي، له حجته، كان اسمه بحيرا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وولاه الجند ومخالفيها من بلاد اليمن، فلم يزل عليها حتى قتل عمر، وأقرّه عثمان، فجاء لينصره، فوقع عن راحلته فمات قرب مكة رضي الله عنه. (ع) . [3] ذكره المحب الطبري في «الرياض النضرة» (3/ 86) ونسبه لأبي الخير الحاكمي القزويني، ولفظه عنده: «إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا» . [4] في الأصل: «خارجا» وأثبتنا ما في المطبوع.

لي من داخل، فخرج فقال لهم: أيّها النّاس، إن لله سيفا مغمودا عليكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيّكم، فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فتطردوا جيرانكم، ويسلّ سيف الله المغمد، فلا يغمد إلى يوم القيامة، فقالوا: اقتلوا اليهوديّ [1] . ولا شك أن الدّماء المهراقة عقب قتله، والملاحم بين عليّ ومعاوية عقوبة من الله بقتل عثمان، وانفتح باب الشر من يومئذ. وقد صحّت الأحاديث بأنّ له الجنة على بلوى تصيبه [2] ، وأنه [3] شهيد سعيد [4] ، وأنه قتلوه يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة، والمصحف بين يديه، فتنضّح الدم على قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 [البقرة: 137] وعمره يومئذ بضع وثمانون أو تسعون سنة، ومدة خلافته اثنتا عشرة سنة وأيام، ودفن بالبقيع بموضع يعرف ب حشّ كوكب [5] ، وكان قد اشتراه ووقفه، زاده في

_ [1] قطعة من حديث رواه الترمذي رقم (3256) ، و (3803) وهو حديث ضعيف. [2] منها ما رواه البخاري رقم (3695) في فضائل الصحابة: باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشيّ رضي الله عنه، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» فإذا عثمان بن عفان. وما رواه البخاري رقم (7097) في الفتن: باب الفتنة التي تموج كموج البحر، وأحمد في «المسند (4/ 407) من حديث أبي موسى الأشعري أيضا. [3] لفظة «أنه» هذه ليست في المطبوع. [4] منها ما رواه البخاري رقم (3699) في فضائل الصحابة: باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه، وأبو داود رقم (4651) في السنة: باب في الخلفاء، والترمذي رقم (3697) في المناقب: باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأحمد في «المسند» (3/ 112) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف، فقال: «اسكن أحد- أظنه ضربه برجله- فليس عليك إلا نبيّ، وصديق، وشهيدان» . [5] قال ياقوت: حش كوكب: بفتح أوله، وتشديد ثانيه، وبضم أوله أيضا، والحشّ في اللغة

البقيع، وكان إذا مرّ به، يقول: يدفن فيك رجل صالح. وقوله: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: «تفطر عندنا» معناه: أول شيء تستعمله على الرّيق يكون عندنا، لا أنه فطر صائم، إذ لم يكن يومئذ صائما، فإنّ يوم قتله كان ثاني أيام التشريق، ولا يجوز صومه. وفيه إشارة إلى قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3: 169 [آل عمران: 169] وبشارة له بصدق الشهادة. وفيه يقول حسّان [1] : ضحّوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا إلى قوله: لتسمعنّ وشيكا في ديارهم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا [2]

_ البستان، وبه سمي المخرج حشا لأنهم كانوا إذا أرادوا الحاجة خرجوا إلى البساتين، وكوكب الذي أضيف إليه اسم رجل من الأنصار، وهو عند بقيع الغرقد، اشتراه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وزاده في البقيع، ولما قتل ... دفن في جنبه. «معجم البلدان» (2/ 262) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (501) . [1] هو حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي البخاري المدني، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه، عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام، قال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبيّ صلى الله عليه وسلم في النبوة، وشاعر اليمانيين في الإسلام، مات سنة (54 هـ) ، وقيل غير ذلك عن «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 512- 523) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 175، 176) . [2] البيتان في ديوانه (1/ 96) طبع دار صادر في بيروت، بتحقيق الدكتور وليد عرفات، والثاني منهما لفظه فيه. «لتسمعنّ وشيكا في دياركم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا»

وله أيضا: قتلتم وليّ الله في جوف بيته ... وجئتم بأمر جائر غير مهتدي فلا طهرت أيمان قوم تعاونوا ... على قتل عثمان الرّشيد المسدّد [1]

_ [1] البيتان في ديوانه (1/ 320) ولفظهما فيه: «قتلتم وليّ الله في جوف داره ... وجئتم بأمر جائر غير مهتد» «فلا ظفرت أيمان قوم تظاهرت ... على قتل عثمان الرشيد المسدّد»

سنة ست وثلاثين

سنة ست وثلاثين فيها وقعة الجمل، وتلخيصها، أنه لما قتل عثمان صبرا توجّع المسلمون وأسقط [1] في أيدي جماعة، وعنوا بكيفية المخرج من تقصيرهم فيه، فسار طلحة، والزّبير، وعائشة نحو البصرة، وكانت عائشة قد لقيها الخبر، وهي مقبلة من عمرتها، فرجعت إلى مكة، وطلبوا من عبد الله بن عمر أن يسير معهم فأبى، وقال مروان لطلحة، والزّبير: على أيّكما أسلّم بالإمارة، وأنادي بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزّبير: على أبي، وقال محمد بن طلحة: على أبي، فكرهت عائشة قوله، وأمرت ابن أختها عبد الله بن الزّبير فصلّى بالناس، ولما علم عليّ كرّم الله وجهه بمخرجهم، اعترضهم من المدينة ليردّهم إلى الطاعة، وينهاهم عن شقّ عصا المسلمين، ففاتوه، فمضى لوجهه، وأرسل ابنه الحسن وعمارا يستنفران أهل المدينة، وأهل الكوفة فخطب عمّار وقال في خطبته: إني لأعلم أنها زوجة نبيّكم في الدّنيا والآخرة، ولكنّ الله ابتلاكم ليعلم أتطيعونه، أم تطيعونها، ولما قدمت عائشة، وطلحة، والزّبير، البصرة، استعانوا بأهلها وبيت مالها، ووصل عليّ خلفهم، واجتمع عليه أهل البصرة والكوفة، فحاول صلحهم واجتماع الكلمة، وسعى

_ [1] في المطبوع: «وسقط» وهو خطأ.

السّاعون بذلك، فثار الأشرار بالتحريش، ورموا بينهم بالنار حتى اشتعلت الحرب، وكان ما كان، وبلغت القتلى يومئذ ثلاثة وثلاثين ألفا، وقيل: سبعة عشر، وقتل عشرة من أصحاب الجمل، ومن عسكر عليّ رضي الله عنه نحو ألف، وقطع على خطام [1] جمل عائشة سبعون يدا من بني ضبّة [2] ، وهي في هودجها، ثم أمر عليّ بعقره، وكان رايتهم، فحمي الشرّ، وظهر عليّ، وانتصر، وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس، إلى صلاة العصر، لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة، ولما ظهر عليّ جاء إلى عائشة، فقال: غفر الله لك، قالت: ولك، ما أردت إلّا الإصلاح، ثم أنزلها في دار البصرة، وأكرمها واحترمها، وجهّزها إلى المدينة في عشرين أو أربعين امرأة من ذوات الشرف، وجهّز معها أخاها محمدا، وشيّعها هو وأولاده، وودّعها رضي الله عنهم. وقتل يومئذ طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي، قيل: رماه مروان بن الحكم لحقد كان في قلبه عليه، وكان هو وهو في جيش واحد. وولده محمد بن طلحة السّجاد، وكان له ألف نخلة يسجد تحتها في كل يوم، ومرّ به عليّ صريعا، فنزل، ونفض التراب عن وجهه، وقال: هذا قتله برّه بأبيه، وتمنى الموت قبل ذلك.

_ [1] الخطام: كل حبل يعلّق في حلق البعير، ثم يعقد على أنفه، كان من جلد، أو صوف، أو ليف، أو قنب، وما جعلت لشفار بعيرك من حبل فهو خطام، وجمعه خطم. «لسان العرب» «خطم» (2/ 1203) . [2] بنو ضبة: ثلاث قبائل، الأولى في مضر، وتنسب إلى ضبة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر. والثانية في قريش، وتنسب إلى ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النّضر. والثالثة في هذيل، وتنسب إلى ضبة بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. انظر «مختلف القبائل ومؤتلفها» لابن حبيب ص (31) ، و «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (176- 177) و (203- 206) .

وقتل يومئذ الزّبير بن العوّام القرشيّ الأسديّ، أحد العشرة، قتله ابن جرموز [1] غدرا بوادي السّباع [2] ، وقد فارق الحرب، وودّعها حين ذكّره عليّ قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لتقاتلنّه وأنت ظالم له» [3] . ولما جاء ابن جرموز إلى عليّ ليبشره بذلك بشّره بالنار. وروى ابن عبد البرّ عن عليّ كرّم الله وجهه أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا، وعثمان، وطلحة، والزّبير، من أهل هذه الآية وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ من غِلٍّ 7: 43 [الأعراف: 43] ، ولا ينكر ذلك إلا جاهل بفضلهم، وسابقتهم عند الله، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يكون لأصحابي من بعدي هنات يغفرها الله بسابقتهم معي، يعمل بها قوم من بعدهم يكبّهم الله في النار على وجوههم» [4] . وكان الزّبير بن العوام رضي الله عنه شجاعا، مقداما، مقطوعا له

_ [1] هو عمرو بن جرموز. رجل من بني تميم ويقال له: عمير أيضا، ويقال غير ذلك. انظر «تاريخ الطبري» (4/ 510) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 244) ، و «الإصابة» لابن حجر (4/ 9) . [2] قال ياقوت: وادي السباع الذي قتل فيه الزّبير بن العوام رضي الله عنه: بين البصرة ومكة، بينه وبين البصرة خمسة أميال، كذا ذكره أبو عبيدة. «معجم البلدان» (5/ 343) . وقال الحميري: وادي السباع بالبصرة على طريق المدينة. وانظر تتمة كلامه ص (603 و 604) . [3] ذكره أبو عمر بن عبد البر في «الاستيعاب» (3/ 316) على هامش «الإصابة» . وانظر «الرياض النضرة» في مناقب العشرة للمحب الطبري (4/ 60 و 61) . [4] لم أره بهذا اللفظ فيما بين يديّ من المصادر، والذي عند مسلم رقم (1852) ، وأبو داود رقم (4762) ، وأحمد في «المسند» (4/ 341) من حديث عرفجة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف، كائنا من كان» ، وانظر «مختصر شعب الإيمان» للقزويني ص (103- 104) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.

بالجنة، من أيسر الصحابة رضي الله عنه وعنهم، ولو قيل: إنه أيسرهم لما بعد، يؤيد ذلك ما رواه البخاري في «صحيحه» في باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا، من كتاب الجهاد، أن عبد الله بن الزّبير رضي الله عنهما حسب دين أبيه فكان ألفي ألف ومائتي ألف، وأنه أوصى بالثلث بعد الدّين، وأنه قضى دينه وأخرج ثلث الباقي بعد الدين، وقسم ميراثه، فأصاب كل زوجة من زوجاته الأربع ألف ألف ومائتا ألف، ثم قال البخاري بعد ذلك: فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انتهى [1] . وقال ابن الهائم [2] رحمه الله: بل الصواب أن جميع ماله بحسب ما [3] فرض تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف انتهى. وصرح ابن بطّال [4] والقاضي عياض [5] وغيرهما، بأن ما قاله البخاري غلط في الحساب، وأن الصواب كما قال ابن الهائم، وأجاب الحافظ شرف الدين الدّمياطي [6] رحمه الله، بأن قول البخاري رحمه الله محمول على أن

_ [1] هو جزء من حديث طويل رواه البخاري في «صحيحه» رقم (3129) (6/ 227 و 228) في الجهاد، باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا، وجملة: «فجمع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف» سقطت من نسخة «فتح الباري» طبع المكتبة السلفية بمصر، وهي موجودة في بقية نسخ البخاري. وانظر ما قاله الحافظ ابن حجز في «الفتح» (6/ 232- 235) حول هذا العدد. [2] هو محمد بن أحمد بن محمد بن عماد ابن الهائم، أبو الفتح، محب الدين، مصري الأصل، مقدسي الإقامة والوفاة، اشتغل بالفقه والحديث، وخرّج لنفسه ولغيره، مات سنة (792 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 329) . [3] في المطبوع: «حسبما» . [4] هو علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال، أبو الحسن، عالم بالحديث من أهل قرطبة، له «شرح البخاري» مات سنة (449 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 285) . [5] هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي السبتي، أبو الفضل، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، كان من أعلم الناس بكلام العرب، وأنسابهم، وأيامهم، خلف مصنفات عديدة منها «مشارق الأنوار» و «الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع» مات سنة (544 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 99) . [6] هو عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، أبو محمد، شرف الدين، حافظ للحديث، من أكابر

جملة المال حين الموت كانت ذلك دون الزائد في أربع سنين إلى حين القسمة. انتهى. ومناقب الزّبير ومآثره يضيق عنها هذا المختصر ولو [1] لم يكن له إلا مصاهرته للصّدّيق- فإنه كان زوج ابنته أسماء ذات النطاقين [2] ، ورزق منها عبد الله، وهو أول مولود ولد بالمدينة للمهاجرين، وبه كنى النبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة على الصحيح- لكفى. وقتل يومئذ زيد بن صوحان من خواص عليّ من الصلحاء الأتقياء. وتوفي في تلك السنة حذيفة بن اليمان العبسي صاحب السر المكنون في تمييز المنافقين، ولذلك كان عمر لا يصلي على ميت حتى يصلي عليه حذيفة، يخشى أن يكون من المنافقين، وسمّي ابن اليمان لأن جده حالف بني عبد الأشهل وهم من اليمن. وفيها سلمان الفارسي المشهور بالفضل والصحبة، الذي قال في حقه المصطفى صلى الله عليه وسلم: «سلمان منّا أهل البيت» [3] . وقصته مشهورة في طلب الدّين، وقوله تداولني بضعة عشر ربا حتى اتصلت بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. وروي من وجوه أنه اشترى نفسه من مواليه يهود بكذا وكذا وقية، وعلى

_ الشافعية، قال الذهبي: كان مليح الهيأة، حسن الخلق، بساما، فصيحا، لغويا، مقرئا، جيد العبارة، كبير النفس، صحيح الكتب، مفيدا جدا في المذاكرة، وقال المزي: ما رأيت أحفظ منه، من كتبه «معجم» ضمنه أسماء شيوخه وهم نحو ألف وثلاثمائة، في أربع مجلدات. مات سنة (705 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 169) . [1] سقط حرف الواو الأول من الأصل في لفظة «ولو» وأثبته من المطبوع. [2] في المطبوع: «الناطقين» وهو تحريف. [3] رواه الطبراني في «الكبير» ، والحاكم في «المستدرك» (3/ 598) من حديث عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة المزني رضي الله عنه، وإسناده ضعيف.

أن يغرس لهم كذا وكذا وديّة [1] من النّخل، ويعمل عليها حتى تدرك، فغرسها صلى الله عليه وسلم كلها بيده المباركة إلا واحدة غرسها عمر، فأطعم كلّ النّخل من عامه إلا تلك الواحدة فقلعها [2] صلى الله عليه وسلم ثم غرسها فأطعمت، وكان سلمان الفارسي، وأبو الدرداء يأكلان من صحفة [3] ، فسبّحت الصّحفة، أو سبّح ما فيها. وفيها أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهو من السابقين الأولين.

_ [1] قال ابن منظور: الوديّ على فعيل: فسيل النّخل وصغاره، واحدتها وديّة، وقيل: تجمع الوديّة. ودايا. «لسان العرب» «ودي» (6/ 4804) . [2] في الأصل: «فقلها» ، وفي المطبوع: «فقطعها» وكلاهما تحريف، والصواب ما أثبتناه. [3] الصحفة كالقصعة، والجمع صحاف. «مختار الصحاح» ص (357) .

سنة سبع وثلاثين

سنة سبع وثلاثين فيها وقعة صفين [وهي] [1] صحراء ذات كدى وأكمات، وتلخيص خبرها، أن معاوية رضي الله عنه لما بلغه فراغ عليّ كرم الله وجهه من قصة العراق والجمل ومسيره [2] إلى الشام، خرج من دمشق حتى ورد صفين في نصف المحرم، فسبق إلى سهولة المنزل، وقرب من الفرات، فلما ورد عليهم علي رجعهم [3] إلى الطاعة والدخول تحت البيعة، فلم يفعلوا، ثم حرّج عليهم لمنعهم إياه من الماء، فلم يقبلوا، فقاتلهم حتى نحاهم عنها ونزلها، وبنى مسجدا هناك على تلّ ليصلي فيه جماعة، وأقاما بصفين سبعة أشهر، وقيل: تسعة، وقيل: ثلاثة، وكان بينهم قبل القتال نحو من سبعين زحفا في ثلاثة أيام من أيام البيض [4] ، وقتل من الفريقين ثلاثة وسبعون ألفا، وآخر أمرهم ليلة الهرير [5] ، وهو الصوت شبه النياح، فنيت نبالهم، واندقت

_ [1] لفظة «وهي» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] في المطبوع: «وسيره» . [3] في المطبوع: «يرجعهم» . [4] الأيام البيض هي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر وفق التقويم الهجري، وسميت بالأيام البيض لأن القمر يكتمل فيها ويكون بدرا. [5] ليلة الهرير، كأمير، من ليالي صفّين، قتل فيها ما يقرب من سبعين ألف قتيل، كما قال الزبيدي في «تاج العروس» «هرر» ، والله أعلم. (ع) .

رماحهم، وانقصفت سيوفهم، ومشى بعضهم إلى بعض وتضاربوا [1] بما بقي من السيوف وعمد الحديد، فلا تسمع إلا غمغمة، وهمهمة القوم، والحديد في الهام، فلما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة، ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب، ثم تكادموا بالأفواه، وكسفت الشمس من الغبار، وسقطت الألوية والرايات، واقتتلوا من بعد صلاة الصبح إلى نصف الليل، وذلك في شهر ربيع الأول، قاله الإمام أحمد في «تاريخه» ، وقال غيره: في ربيع الآخر، وقيل: في صفر، وكان عدد أصحاب عليّ مائة وعشرين، أو ثلاثين ألفا، وأهل الشام مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفا، وكان في جانب عليّ جماعة من البدريّين وأهل بيعة الرّضوان، ورايات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإجماع منعقد على إمامته وبغي [2] الطائفة الأخرى، ولا يجوز تكفيرهم كسائر البغاة، واستدل أهل السّنّة والجماعة على ترجيح جانب عليّ بدلائل، أظهرها وأثبتها قوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: «تقتلك الفئة الباغية» وهو حديث ثابت [3] . ولما بلغ معاوية ذلك قال: إنما قتله من أخرجه، فقال عليّ: إذا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة لأنه أخرجه، وهو إلزام لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها، وكان شبهة [4] معاوية ومن معه، الطلب بدم عثمان، وكان الواجب عليهم شرعا

_ [1] في المطبوع: «وتقاربوا» وهو خطأ. [2] في الأصل: «ونفي» وما أثبتناه من المطبوع. [3] ذكره بهذا اللفظ من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 295) وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني بنحوه، ورواه البزار باختصار وسنده حسن. ورواه أحمد في «المسند» (3/ 91) ، والبخاري رقم (447) في الصلاة، باب التعاون في بناء المسجد ورقم (2812) في الجهاد، باب مسح الغبار عن الأمن في سبيل الله من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» . ورواه مسلم رقم (2916) (73) من حديث أم سلمة رضي الله عنها بلفظ: «تقتل عمارا الفئة الباغية» . [4] في الأصل: «شبه» وأثبتنا ما في المطبوع.

الدخول في البيعة، ثم الطلب من وجوهه الشرعية وولي الدم في الحقيقة أولاد عثمان، مع أن قتلة عثمان لم يتعيّنوا، وكان ممن توقّف عن القتال سعد ابن أبي وقّاص، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وآخرون. وممن قتل مع علي عمار بن ياسر ميزان العدل في تلك الحروب، وهو الذي ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه، وقتل وقد نيف على [1] السبعين. وقتل معه أيضا ذو الشهادتين، خزيمة بن ثابت [2] ، وكان متوقّفا، فلما قتل عمار تبين له الحق، وجرّد سيفه، وقاتل حتى قتل. وأبو ليلى [3] والد عبد الرحمن الفقيه. ومن غير الصحابة عبيد الله بن عمر بن الخطاب، قاتل الهرمزان صاحب تستر [4] ، حين طعن أبوه عمر اتّهمه، لأن أبا لؤلؤة كان له به تعلّق، وكان على خيل معاوية.

_ [1] في الأصل: «عن» وهو تحريف، وأثبتنا ما المطبوع وهو الصواب. [2] هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي ثم الخطمي أبو عمارة من السابقين الأولين شهد بدرا وما بعدها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، ولم يقاتل حتى قتل عمار بن ياسر. (ع) . [3] مختلف في اسمه عند أصحاب كتب الرجال، ولكن جزم ابن حبان صاحب «مشاهير علماء الأمصار» ص (48) بأن اسمه يسار، من الأنصار من بني عمرو بن عوف، وقال ابن حجر في «الإصابة» (11/ 324، 325) : روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عنه ولده عبد الرحمن وحده، ووقع عند الدولابي أنه روى عنه أيضا عامر بن لدين قاضي دمشق، وليس كما قال، فإن شيخ عامر هو أبو ليلى الأشعري، وحديثه في «السنن» . وانظر «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 269) . [4] تستر: مدينة بالأهواز، فتحها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 29) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (140) ، و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (101- 105) طبع دار ابن كثير.

وقتل أيضا حامل راية عليّ هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص المعروف بالمرقال، ويقال: إنه من الصحابة. وصاحب رجّالة عليّ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. وأبو حسان قيس بن المكشوح [1] المرادي، أحد الأبطال، وأحد من أعان على قتل الأسود العنسي. قيل: ووجد في قتلى أصحاب عليّ سيد التابعين أويس بن عامر [المرادي] [2] القرني ذو المناقب الشهيرة، من أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم عمر وعليا إذا لقياه أن يطلبا منه الدعاء، وهو سيد زهاد زمنه، كان يلتقط ما على المزابل، فإذا نبحه كلب قال له: كل مما يليك، وآكل مما يليني، إن تجاوزت الصراط فأنا خير منك، وإلا فأنت خير مني. وقتل أيضا صاحب رجّالة معاوية قاضي حمص حابس الطّائي [3] . وقتل أيضا أحد أمرائه ذو الكلاع الحميري، وهو الذي خطب النّاس وحرّضهم على القتال. وقتل معه أيضا أحد الأبطال كريب بن الصّباح الحميري [4] قتل جماعة مبارزة ثم برز له عليّ فقتله. وذكر أن عليا واجه معاوية في بعض [تلك] [5] الزحوف فقال له: ابرز إليّ، فإذا قتل أحدنا صاحبه استراح الناس، فقال له عمرو بن العاص: أنصفك

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «قيس بن المكسوح» وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال. [2] لفظة «المرادي» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [3] في الأصل: «حابس الطامي» وهو تحريف. [4] في الأصل، والمطبوع: «الذيب بن الصباح الحميري» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 172) ، و «الإصابة» لابن حجر (8/ 330) . [5] لفظة «تلك» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.

الرجل، فقال له معاوية: أظنك طمعت فيها- يعني الخلافة- لأنك تعلم أنه قاتل من بارزه، ولما أيقن أهل الشام بالهزيمة أشار عليهم عمرو بن العاص برفع المصاحف على الرماح والدعاء إلى حكم الله، فأجاب عليّ إلى التحكيم، فأنكر عليه بعض جيشه واختلفوا، وخرجت عليه [1] الخوارج وقالوا: لا حكم إلا لله، وكفّروا عليا ومعاوية، وكان أمر الحكمين في رمضان، وذلك أنه اجتمع من جانب عليّ أبو موسى ومن معه من الوجوه، ومن جانب معاوية عمرو بن العاص ومن معه بدومة الجندل [2] ، فخلا عمرو بأبي موسى بعد الاتفاق عليهما، وقال له: نخلع عليا ومعاوية، ثم يختار المسلمون من يقع الاتفاق عليه، وكانت الإشارة إلى عبد الله بن عمر، فلما خرجا إلى النّاس قال عمرو لأبي موسى: قم فتكلم أولا، لأنك أفضل وأكثر سابقة، فتكلم أبو موسى بخلعهما، ثم قام عمرو فقال: إن أبا موسى قد خلع عليا كما سمعتم، وقد وافقته على خلعه، ووليت معاوية، وقيل: اتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه فخلع أبو موسى وأثبت الآخر، ثم سار أهل الشام وقد بنوا على هذا الظاهر، ورجع أهل العراق عارفين أن الذي فعله عمرو خديعة لا يعبأ بها [3] .

_ [1] في المطبوع: «وخرجت عليهم» . [2] دومة الجندل: على سبع مراحل من دمشق، بينها وبين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبنيّ بالجندل. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 487) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (245) . قلت: قال ياقوت: وقد ذهب بعض الرواة إلى أن التحكيم بين عليّ ومعاوية كان بدومة الجندل، وأكثر الرواة على أنه بأذرح، وقد أكثر الشعراء في ذكر أذرح وأن التحكيم كان بها. وقال ياقوت أيضا: وبأذرح إلى الجرباء كان أمر الحكمين بين عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وقيل: بدومة الجندل، والصحيح أذرح والجرباء. «معجم البلدان» (1/ 130) . وانظر «تاريخ الطبري» (5/ 57- 63) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (191، 192) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 329- 334) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (245- 247) . [3] في الأصل: «لا يعبأ به» وأثبتنا ما في المطبوع.

وصح عن أبي وائل، عن أبي ميسرة أنه قال: رأيت قبابا في رياض، فقيل: هذه لعمار بن ياسر وأصحابه، فقلت: كيف؟ وقد قتل بعضهم بعضا، فقال: إنهم وجدوا الله واسع المغفرة. وفي هذه السنة توفي خبّاب بن الأرتّ التميمي، أحد السّابقين البدريّين، وصلّى عليه عليّ بالكوفة، سأله عمر يوما عما لقي من المشركين فقال: لقد أوقدت نار وسحبت عليها، فما أطفأها إلا ودك [1] ظهري، ثم أراه ظهره فقال عمر: ما رأيت كاليوم.

_ [1] الودك: دسم اللّحم. «مختار الصحاح» ص (715) .

سنة ثمان وثلاثين

سنة ثمان وثلاثين في شعبان منها قتلت الخوارج عبد الله بن خبّاب، فأرسل إليهم عليّ ابن عباس، فناظرهم بالتحكيم في إتلاف المحرم الصيد، والتحكيم بين الزوجين، وبغير ذلك كما يأتي قريبا مفصلا، فرجع بعضهم وأصر الأكثر، فسار إليهم عليّ، فكانت وقعة النهروان، وقيل: إنها في العام القابل. وفي شوال منها توفي صهيب بن سنان الروميّ، أحد السّبّاق الأربعة، وكان فيه دعابة، يقال: إنه كان بأحد عينيه رمد، وكان يأكل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم رطبا، فأمعن، فقال له [صلى الله عليه وسلم] ما معناه: «إنه يضر الرّمد» فقال: آكل بالعين السليمة، وفضائله عديدة، وتوفي بالمدينة رضي الله عنه، وفيه يقول عمر: نعم الرّجل صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه. معناه لو لم يكن فيه خوف الله لمنعته قوة دينه من معصية الله فكيف وهو خائف. وفيها توفي سهل بن حنيف الأوسي في الكوفة، شهد بدرا وما بعدها، واستخلفه عليّ على المدينة حين خرج إلى العراق، وولاه فارس، وشهد معه صفّين، وتكلم بكلام عجيب مروي في «البخاري» [1] .

_ [1] انظر الحديث رقم (6934) في استتابة المرتدين: باب من ترك قتال الخوارج للتألف، ولئلا ينفر الناس عنه.

وفيها قتل محمد بن أبي بكر الصّدّيق، وكان عليّ ولّاه على مصر، وكان عليّ قد تزوّج بأمه أسماء بنت عميس، ولما استقرّ في مصر، جهّز معاوية جيشا وأمّر عليهم معاوية بن حديج [1] الكندي، والتقيا [2] فانهزم عسكر محمد، واختفى هو في بيت امرأة، فدلّت عليه، فقتل وأحرق، وقيل: قتله عمرو بن العاص، أو عمرو بن عثمان. وفيها مات الأشتر النّخعي، وكان من الشجعان، بعثه عليّ إلى مصر فسمّ في شربة عسل.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «معاوية بن خديج» وهو تصحيف. [2] في المطبوع: «فالتقيا» .

سنة تسع وثلاثين

سنة تسع وثلاثين فيها، وقيل: في سنة إحدى وخمسين [1] توفيت أمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية بسرف [2] بين مكة ومرّ، وهو الموضع الذي بنى [بها] [3] النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه، وذلك سنة تسع، وكان الذي خطبها للنبيّ صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب، وجعلت أمرها إلى العباس، وكان زوج أختها. وفيها تنازع أصحاب عليّ وأصحاب معاوية في إقامة الحج، فأصلح بينهم أبو سعيد الخدري، على أن يقيم الموسم شيبة [4] بن عثمان الحجبيّ [5] .

_ [1] وهو ما رجحه الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 325) ، وخليفة بن خياط في «تاريخه» ص (218) ، والنووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 355، 356) ، وابن حجر في «الإصابة» (13/ 140) . [2] قال البكري: سرف: بفتح أوله، وكسر ثانيه، بعده فاء: على ستة أميال من مكة من طريق مرّ، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، واثنا عشر، وليس بجامع اليوم، وهناك أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة مرجعه من مكة، حين قضى نسكه، وهناك ماتت ميمونة لأنها اعتلّت بمكة، فقالت: أخرجوني من مكة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بها، فحملوها حتى أتوا بها سرفا إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، في موضع القبة، فماتت هناك سنة ثمان وثلاثين، وهناك عند قبرها سقاية. «معجم ما استعجم» (3/ 735، 736) . وانظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 212) و (5/ 104) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (312) . [3] لفظة «بها» سقطت من الأصل، واستدركناها من المطبوع، والمصادر التي بين أيدينا. [4] في «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 187) «شيبان بن عثمان» وهو تحريف فيستدرك فيه. [5] قلت: وفيها كانت وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة، قاتلهم علي رضي الله عنه فكسرهم،

سنة أربعين

سنة أربعين فيها توفي خوّات بن جبير الأنصاري البدري، أحد الشّجعان [1] . وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، نزل بدرا ساكنا ولم يشهدها على الصحيح [2] ، وشهد العقبة. وأبو أسيد الساعدي [3] بدريّ مشهور، وقيل: إنه بقي إلى سنة ستين.

_ وقتل رؤوسهم وسجد شاكرا لله تعالى لما أتي بالمخدج إليه مقتولا، وكان رؤوس الخوارج زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السبائي، وكان على رجّالتهم حرقوص بن زهير. انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 186) . [1] قال ابن الأثير في «أسد الغابة» (2/ 148) : وكان أحد فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرا هو وأخوه عبد الله بن جبير في قول بعضهم، وقال موسى بن عقبة: خرج خوّات بن جبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فلما بلغ الصّفراء أصاب ساقه حجر فرجع، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه. وانظر «الإصابة» لابن حجر (3/ 158) . [2] وهو الصواب. (ع) . [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو سهل الساعدي» ، وهو خطأ من النساخ، والله أعلم، والصواب «أبو أسيد الساعدي» كما ذكره المؤلف فيمن مات سنة ستين، وذلك أن أبا سهل الساعدي مجهول كما قال الذهبي في «التجريد» (2/ 148) ، وأما أبو أسيد مالك بن ربيعة فهو الوحيد الذي شهد بدرا من بني ساعدة كما ذكر الواقدي في «المغازي» (1/ 168) ، وهو المشهور بالبدري من بني ساعدة، وقد اختلف المؤرخون وأصحاب كتب التراجم في سنة

ومعيقيب بن أبي فاطمة الدّوسي من مهاجرة الحبشة، قيل: وشهد بدرا. والأشعث بن قيس الكندي بالكوفة في ذي القعدة، وكان شريفا مطاعا جوادا شجاعا، وله صحبة، ارتدّ زمن الرّدّة، ثم أسلم وتزوج أخت أبي بكر بالمدينة، فأمر غلمانه أن يذبحوا ما وجدوه من البهائم في شوارع المدينة ففعلوا، فصاح النّاس عليهم، فقال: أيها النّاس، قد تزوّجت عندكم، ولو كنت في بلادي لأولمت وليمة مثلي، فاقبلوا ما حضر من هذه البهائم، وكل من تلف له شيء فليأتني [1] لثمنه، وكان هاجر في أول الإسلام من اليمن في ثمانين رجلا، منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي، ثم ارتدّا زمن الرّدّة، وأسلما، وحسن إسلامهما، وحمدت مواقفهما. وفيها استشهد أمير المؤمنين سامي المناقب أبو الحسنين عليّ بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه، ضربه عبد الرّحمن بن ملجم الخارجي في يافوخه [2] ، فبقي يوما، ثم مات [3]- وقتل ابن ملجم وأحرق- وكان ذلك

_ وفاته، فقال خليفة بن خياط في «تاريخه» ص (166) : مات سنة ثلاثين، وأيده الواقدي كما ذكر ابن الأثير في «أسد الغابة» (5/ 24) ، ورجح الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 266) ، وابن حجر في «الإصابة» (9/ 49) وفاته سنة ستين، قال الحافظ ابن حجر: وقيل: مات سنة أربعين. وهو آخر من مات من البدريين. وانظر «المعارف» لابن قتيبة ص (272) و «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (11/ 121- 124) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 261) . [1] في الأصل: «فليأتي» وأثبتنا ما في المطبوع. [2] اليافوخ: ملتقى عظم مقدّم الرّأس ومؤخّره. «لسان العرب» «يفخ» (6/ 4963) . [3] قلت: قال الطبري في «تاريخه» (5/ 147- 148) ، وابن كثير في «البداية» (7/ 328- 239) : فلما حضرته الوفاة أوصى، فكانت وصيّته: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على

صبيحة يوم الجمعة وهو خارج إلى الصلاة سابع عشر رمضان، وله ثلاث وستون سنة، وقيل: ثمان وخمسون، وصلى عليه ابنه الحسن، ودفن بالكوفة في قصر الإمارة عند المسجد الجامع، وغيّب قبره. وخلافته أربع سنين، وأشهر، وأيام. قيل: والسبب في قتل عليّ كرّم الله وجهه، أن ابن ملجم خطب امرأة من الخوارج على قتل عليّ ومعاوية وعمرو بن العاص [1] ، فانتدب لذلك ابن

_ الدين كله ولو كره المشركون. ثم إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربّكم ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «إن صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام» انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن الله عليكم الحسان، الله الله في الأيتام، فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيّكم صلى الله عليه وسلم، ما زال يوصي به حتى ظننا أنه سيورّثه. الله الله في القرآن، فلا يسبقنّكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم فلا تخلّوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم يناظر، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمّة نبيّكم، فلا يظلمن بين أظهركم، والله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة لا تخافّن في الله لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم. وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولى الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتوصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم. أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله» . ثم لم ينطق إلا «بلا إله إلا الله» حتى قبض رضي الله عنه، وغسله ابناه الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات. [1] انظر «تاريخ الطبري» (5/ 143- 145) ، و «الكامل» للمبرد» (2/ 146) .

ملجم، والحجّاج بن عبد الله الصّريميّ [1] ، وزاذويه [2] العنبري [3] ، فكان من أمر ابن ملجم ما كان، وضرب الحجّاج معاوية في الصلاة بدمشق فجرح أليته [4] قيل: إنه قطع منه عرق النّسل، فلم يحبل معاوية بعدها، وأما صاحب عمرو فقدم مصر لذلك فوجد عمرا قد أصابه وجع في تلك الغداة المعينة، واستخلف على الصلاة خارجة بن حذافة الذي كان يعدل [5] ألف فارس، فقتله يظنه عمرا ثم قبض فأدخل على عمرو فقال [له] [6] : أردت عمرا وأراد الله خارجة، فصارت مثلا. وإلى فداء عمرو بخارجة أشار عبد المجيد بن عبدون [7] الأندلسي في «بسامته» بقوله: وليتها إذ فدت عمرا بخارجة ... فدت عليّا بمن شاءت من البشر

_ [1] في الأصل والمطبوع: «والحجاج بن عبد الله الضمري» وهو خطأ، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (3/ 388) ، و «الكامل» للمبرد (2/ 146) . قلت: ويعرف الحجاج بن عبد الله الصريمي بالبرك أيضا، وهو أول من عارض في التحكيم لما سمع بذكر الحكمين بين عليّ ومعاوية، فقال: لا حكم إلا الله، وخرج على الفريقين. وانظر «الأعلام» للزركلي (2/ 168) . [2] في الأصل، والمطبوع: «دادويه» وهو تحريف، والتصحيح من «الكامل» للمبرد (2/ 146) ، وزاذويه هو مولى لبني عمرو بن تميم. [3] في الأصل: «العنزي» وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو موافق لما في المطبوع. وانظر «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (207) . [4] في الأصل: «ألييه» وهو تحريف. [5] كذا في الأصل، والمطبوع، وفي «الإصابة» لابن حجر (3/ 47) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 293) «يعدّ بألف فارس» . [6] لفظة «له» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [7] في الأصل، والمطبوع: «عبد الحميد بن عبدويه» وهو خطأ، والتصحيح من «الأعلام» للزركلي (4/ 149) ، ومن الجدير بالذكر أن قصيدته «البسامة» طبعت في أوروبة ثم أعيد طبعها في مصر، وقد نظمها ابن عبدون المتوفى سنة (529 هـ) في رثاء بني الأفطس، وشرحها ابن بدرون وغيره، وترجمت إلى الفرنسية والإسبانية. ويعود الفضل في وقوفي على هذا التحريف الذي لحق باسم ابن عبدون في الكتاب إلى الأستاذ الدكتور رضوان الداية، جزاه الله تعالى خيرا.

وكان علي رضي الله عنه ربعة إلى القصر، أدعج العينين، حسن الوجه، آدم، ضخم البطن، عريض المنكبين، لهما مشاش [1] كالسبع، أصلع ليس له شعر إلا من خلفه، عظيم اللحية، وهو أول من أسلم عند كثيرين بعد خديجة، وعلى كل حال لم يشرك بالله بالغا، شهد المشاهدة كلّها، وحمدت مواقفه، وكان اللواء معه في أكثرها، وفضّل على خالد بن الوليد في الشّجاعة، لأن شجاعة خالد فارسا، وعليّ فارسا وراجلا، ومناقبه لا تعدّ، من أكبرها تزويج البتول، ومؤاخاة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ، ودخوله في المباهلة والكساء، وحمله في أكثر الحروب اللواء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» [2] ، وغير ذلك مما يطول ذكره ويعزّ حصره، وقد نقل اليافعي [3] الخلاف بين أهل السّنّة في المفاضلة بينه وبين عثمان، واختار هو تفضيله على عثمان، وأشار إلى ذلك في قصيدة جملتها خمسة وثلاثون بيتا منها: والظّاهر الآن عندي ما أقول به ... والله أعلم ما في باطن الحال من بعد تفضيلنا الشيخين معتقدي ... تفضيله قبل ذي النّورين من تال انتهى. والصحيح تفضيل عثمان كما هو معلوم، ولما استقر الخوارج في حروراء [4]

_ [1] في الأصل: «مساس» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع، والمشاش رؤوس العظام مثل الركبتين، والمرفقين، والمنكبين. «لسان العرب» «مشش» (6/ 4208) وانظر تتمة كلامه فيه. [2] رواه البخاري رقم (3706) في فضائل علي رضي الله عنه، ورقم (4416) في المغازي، باب غزوة تبوك ومسلم رقم (2404) (31) و (32) في فضائل علي رضي الله عنه، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. [3] انظر «مرآة الجنان» (1/ 144) وقد حصل فيه بعض التحريف في البيت الثاني الذي اختاره ابن العماد. [4] قال ياقوت: حروراء: بفتحتين، وسكون الواو، وراء أخرى، وألف ممدودة ... هي قرية بظاهر الكوفة، وقيل: موضع على ميلين منها نزل به الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فنسبوا إليها. وانظر تتمة كلامه في «معجم البلدان» (2/ 245) .

بعد النّهروان [1] وكانوا ستة آلاف مقاتل، وقيل: ثمانية آلاف، أتاهم عليّ وخطبهم، ووعظهم، فرجعوا معه إلى الكوفة، وأشاعوا أن عليا تاب من التحكيم، فأتاه الأشعث بن قيس فقال له: إن النّاس قائلون: إنك رأيت الحكومة ضلالا، وتبت منها، فقام في النّاس فخطبهم [2] وقال: من زعم أن الحكومة ضلال فقد كذب، فثارت الخوارج وخرجوا من المسجد، فقيل له: إنهم خارجون عليك، فقال: ما أقاتلهم حتى يقاتلوني، وسيفعلون، فبعث إليهم ابن عبّاس رضي الله عنهما يناظرهم، فاحتج عليهم ابن عباس بالتحكيم في إتلاف المحرم الصيد، والتحكيم بين الزوجين، وبأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمسك عن قتال الهدنة يوم الحديبية، فصدّقوه في ذلك كلّه، وقالوا له: إن عليا محا نفسه من الخلافة بالتحكيم، فقال لهم ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم محا اسم الرسالة يوم الحديبية فلم يزلها ذلك عنه، فرجع منهم ألفان، وبقي أربعة أو ستة آلاف أصرّوا، وبايعوا عبد الله بن وهب الراسبي، فخرج بهم إلى النّهروان [3] فسار إليهم عليّ، وأوقع بهم، وقتل منهم ألفين وثمانمائة. منهم ذو الثّديّة [4] علامة الفرقة المارقة، ثم كلمهم أيضا، فأصرّوا وقالوا: إن عدت إلى جهاد العدوّ سرنا بين يديك، وإن بقيت على التحكيم قاتلناك، ثم قال لهم: أيّكم قاتل عبد الله بن خبّاب، فقالوا: كلّنا قتله، وكانوا

_ [1] النهروان: كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدّها الأعلى متصل ببغداد، وفيها عدة بلاد متوسطة، منها: إسكاف، وجرجرايا، والصافية، ودير قنى، وغير ذلك، وكان بها وقعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 324- 327) . [2] لفظة «فخطبهم» سقطت من المطبوع. [3] تقدم التعريف بها قبل قليل. [4] لا يعرف اسمه، والظاهر أنه لقب بهذا اللقب لأن إحدى ثدييه كانت مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل الذي على ذنب اليربوع. انظر خبره في «الإصابة» لابن حجر (3/ 212- 213) .

قبل لقوا مسلما ونصرانيا، فأعفوا النصراني وقالوا: احفظوا وصية نبيكم فيه، وقتلوا المسلم، ثم لقوا عبد الله بن خبّاب الصحابي وفي عنقه المصحف، فقالوا: إن المصحف يأمرنا بقتلك، فوعظهم، وذكّرهم، وحدّثهم، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلوا، وقالوا له: ما تقول في أبي بكر وعمر، فأثنى عليهما، فقالوا: ما تقول في عليّ قبل التحكيم، وعثمان قبل الحدث، فأثنى عليهما خيرا، قالوا: فما تقول في التحكيم والحكومة، قال: أقول: إن عليا أعلم منكم، وأشدّ توقّيا على دينه، فقالوا: إنك لست تتبع الهدى، فربطوه إلى جانب النهر وذبحوه، فاندفق دمه على الماء يجري مستقيما. وروي أن رجلا قال لعليّ: ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية، وخلافتك أنت وعثمان متكدّرة؟ فقال: إن أبا بكر وعمر، كنت أنا وعثمان من أعوانهما، وكنت أنت وأمثالك من أعواني وأعوان عثمان. وقال له رجل من اليهود: ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيّف وعشرون سنة حتى ضرب بعضكم بعضا بالسيف، فقال رضي الله عنه: فأنتم ما جفّت أقدامكم من البحر حتى قلتم: يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ 7: 138 [الأعراف: 138] . ومما رثي به عليّ كرم الله وجهه: ألا قل للخوارج أجمعينا ... فلا قرّت عيون الشّامتينا أفي [1] شهر الصّيام فجعتمونا ... بخير النّاس طرّا أجمعينا [2] قتلتم خير من ركب المطايا ... وذلّلها ومن ركب السّفينا ومن لبس النّعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا

_ [1] سقطت الألف من لفظة «أفي» من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] في الأصل والمطبوع: «ابتعينا» وهو تحريف، والتصويب من «تاريخ الطبري» (5/ 150) وقد نسب الأبيات إلى أبي الأسود الدؤلي.

وكلّ مناقب الخيرات فيه ... وحبّ رسول ربّ العالمينا وبعد وفاة عليّ بويع لابنه الحسن رضي الله عنهما، فتممت بأيامه «خلافة النبوة ثلاثون سنة» وظهر تصديق الخبر النبوي [1] .

_ [1] رواه أحمد في «المسند» (5/ 220) ، وأبو داود في «سننه» رقم (4646) في السنة، باب في الخلفاء، والترمذي رقم (2226) في الفتن، باب في الخلافة، من حديث سفينة رضي الله عنه، وهو حديث حسن. ولفظه عند أبي داود بتمامه عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك، أو ملكه من يشاء» .

سنة إحدى وأربعين

سنة إحدى وأربعين في ربيع الأول منها سار أمير المؤمنين الحسن بن عليّ بجيوشه نحو الشّام، وعلى مقدمته قيس بن سعد بن عبادة، وسار معاوية بجيوشه فالتقوا بناحية [1] الأنبار [2] ، فوفّق الله الحسن، فحقن [3] دماء المسلمين، وترك الأمر لمعاوية كما هو مقرّر في «صحيح البخاري» [4] . وظهر حينئذ صدق الحديث النبوي فيه حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» [5] . ولما تم الصلح بشروطه برز الحسن بين الصّفّين وقال: إني قد اخترت

_ [1] في المطبوع: «في ناحية» . [2] الأنبار: في العراق، بينها وبين بغداد ثلاثة عشر فرسخا، وهي مدينة صغيرة متحضرة لها سوق، وفيها قلعة وفواكه كثيرة، وهي على رأس نهر عيسى. «الروض المعطار» للحميري ص (36) . [3] في المطبوع: «في حقن» . [4] رواه البخاري رقم (2704) في الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين» وقوله جلّ ذكره: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما 49: 9. [5] رواه البخاري رقم (3746) في مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وفي الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين» وفي الأنبياء باب علامات النبوة في الإسلام، وفي العتق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي: «إن ابني هذا لسيد» من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية، فإن كان لي فقد تركته لله، وإن كان له فما ينبغي لي أن أنازعه، ثم قرأ: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ 21: 111 [الأنبياء: 111] ، وكبّر النّاس فرحا، واختلطوا من ساعتهم، وسمّيت سنة الجماعة، وتمت الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، ولله الحمد. وفيها توفيت أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها، وقيل: في سنة خمس وأربعين، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم طلقها مرّة، فبكى عمر، واشتد عليه، فنزل جبريل وقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر رحمة لعمر [1] . وفي رواية: فإنها صوّامة قوّامة، وإنها زوجتك في الجنة [2] . وفيها مات صفوان بن أميّة بن خلف القرشي الجمحي، وكان من أشراف قريش، ومسلمة الفتح، وكان هرب يومئذ إلى جدّة [3] ، فاستؤمن له فرجع وطلب من النبيّ صلى الله عليه وسلم خيار شهرين فقال له: «لك أربعة» وشهد حنينا فأكثر له صلى الله عليه وسلم من غنائمها، فقال: أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي، وحسن إسلامه، وقدم المدينة فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح» [4]

_ [1] ذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (12/ 198) من طريق موسى بن عليّ بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر، فنزل عليه جبريل، فقال: «إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر» والذي في «سنن أبي داود» رقم (2283) ، و «النسائي» (6/ 213) ، و «ابن ماجة» رقم (2016) في الطلاق، عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، وهو صحيح بهذا اللفظ. [2] رواه ابن سعد في «الطبقات» (8/ 84) من حديث قيس بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقها ثم ارتجعها وذلك أن جبريل قال له: «ارجع حفصة فإنها طوقة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة» وهو حديث مرسل. وانظر «مجمع الزوائد» للهيثمي (9/ 244) . [3] هي مدينة كبيرة على ساحل البحر الأحمر، تبعد عن مكة قرابة (30) ميلا. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 114 و 115) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (157) . [4] رواه البخاري في الجهاد، باب لا هجرة بعد الفتح، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي

فرجع إلى مكة، وكان من الأغنياء، قيل: ملك قنطارا من الذهب، [و] شهد اليرموك أميرا. وفيها لبيد بن ربيعة الشّاعر العامري، الذي صدّقه النبيّ صلى الله عليه وسلم [1] ، وحسن إسلامه، وقيل: مات في خلافة عثمان بالكوفة عن مائة وخمسين سنة.

_ المغازي ومسلم رقم (1353) و (1864) من حديث عبد الله بن عباس، وعائشة رضي الله عنهما. [1] قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» في ترجمة لبيد (9/ 7) : وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أصدق كلمة قالها الشاعر، كلمة لبيد» وهو قوله: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» وانظر ص (116) من هذا المجلد.

سنة اثنتين وأربعين

سنة اثنتين وأربعين فيها افتتح عبد الرّحمن بن سمرة سجستان [1] ، أو بعضها، وافتتحت السّند [2] . وفيها توفي عثمان الحجبي. وفيها سار راشد بن عمرو [3] ، فشنّ [4] الغارات، وأوغل في بلاد السند [5] .

_ [1] قال ياقوت: سجستان: ولاية واسعة، بينها وبين هراة عشرة أيام، وهي جنوبي هراة. «معجم البلدان» (3/ 190- 192) ، وانظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (103) طبع دار ابن كثير. قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 209) : وكان معه في تلك الغزوة من الشباب، الحسن البصري، والمهلب بن أبي صفرة، وقطري بن الفجاءة. [2] قال ياقوت: السند: بلاد بين بلاد الهند، وكرمان، وسجستان، قالوا: السند، والهند كانا أخوين من ولد بوقير ابن يقطن بن حام بن نوح، يقال للواحد من أهلها سندي. «معجم البلدان» (3/ 267) . وانظر تعليقنا على «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (110- 111) . [3] في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (205) «راشد بن عمرو الجديدي» ، وعنده ص (211) أنه قتل في الهند سنة خمسين. [4] في المطبوع: «وشن» ، وما في الأصل الذي بين أيدينا موافق لما عند الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 209) . [5] قلت: وفيها غزا المسلمون اللّان، وهي بلاد واسعة في طرف أرمينية، قرب باب الأبواب مجاورون للخرز. انظر «تاريخ الطبري» (5/ 172) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (3/ 420) ، و «معجم البلدان» لياقوت (5/ 8) .

سنة ثلاث وأربعين

سنة ثلاث وأربعين فيها افتتح عقبة بن نافع كورا [1] من بلاد السّودان. وسبى بسر بن أرطاة [2] بأرض الروم. وفي ليلة عيد الفطر توفي أبو عبد الله عمرو بن العاص القرشي السّهمي بمصر أميرا لمعاوية، كان من الدهاة المجرّبين، أسلم في هدنة الحديبية، وهاجر وولي إمرة جيش ذات السلاسل، وكان من أجلاء قريش، وذوي الحزم

_ وفيها غزا المسلمون الروم أيضا، فهزموهم هزيمة منكرة، وقتلوا جماعة من بطارقتهم. انظر «تاريخ الطبري» (5/ 172) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 420) ، و «البداية» لابن كثير (8/ 24) . وفيها مات الأسود بن سريع التّميميّ السّعديّ المنقريّ، أبو عبد الله رضي الله عنه. انظر «تهذيب الكمال» للمزي، والتعليق عليه لمحققه الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف (3/ 222) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 209) . [1] جمع «كورة» وهي القرية. انظر «اللسان العرب» «كور» (5/ 3954) . وانظر الخبر في «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 210) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (207) ، وهو فاتح إفريقية. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 532- 534) . [2] في الأصل: «بشر بن أرطاة» ، وفي المطبوع: «بشر بن أرطاة» وكلاهما محرف، والصحيح ما أثبتناه. وقال الحافظ ابن حجر: هو بسر بن أرطاة، أو ابن أبي أرطاة. وقال ابن حبّان: من قال ابن أبي أرطاة فقد وهم. وانظر «الإصابة» (1/ 243) .

والرأي، وحديث وفاته وتثبّته عند النزع، مذكور في «صحيح مسلم» [1] ، وفيه عبرة، وقال آخر أمره: اللهم إنك أمرتنا فعصينا، ونهيت فارتكبنا، فلا أنا بريء فأعتذر، ولا قويّ فأنتصر، ولكن لا إله إلا أنت، ثم فاضت روحه رحمه الله تعالى ورضي عنه. وفيها توفي عبد الله [بن] [2] سلام الإسرائيلي حليف الأنصار، من سبط يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام، وقصة إسلامه مشهورة في «الصحاح» [3] ، وشهد له النبيّ صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهو المراد عند بعض المفسرين

_ [1] رواه مسلم في «صحيحه» رقم (121) في الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج من حديث ابن شحاتة المهري، قال: قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياق الموت، فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله، إني قد كنت على أطباق (أي أحوال) من ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه قال: فقبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو؟ قال: قلت: أريد أن أشترط؟ قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلّ في عيني، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولّينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنامت فلا تصحبني فائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التراب شنّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي. وفي هذا الحديث عبرة كما ذكر المؤلف رحمه الله. [2] لفظة: «ابن» سقطت من الأصل، واستدركناها من المطبوع، ومن كتب الرجال. [3] رواها البخاري رقم (3329) في الأنبياء، باب خلق آدم وذريته وهي بتمام سياقتها. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام

بقوله تعالى: وَمن عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ 13: 43 [الرعد: 43] ، وقوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ من بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ 46: 10 [الأحقاف: 10] . وفي صفر منها محمد بن مسلمة الأنصاري البدري، وكان ممن اعتزل الفتنة، واتخذ سيفا من خشب، ولزم المدينة حتى مات.

_ يأكله أهل الجنة، ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خبّرني بهنّ جبريل آنفا» قال: فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وأما الشبه في الولد، فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها» قال: أشهد أنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (3/ 108) .

سنة أربع وأربعين

سنة أربع وأربعين في ذي الحجة منها، توفي أبو موسى الأشعري، اليمني، المقرئ، الأمير، نسب إلى الأشعر أخي حمير بن سبأ، وكان من أهل السابقة والسبق في الإسلام، هاجر من بلده زبيد [1] في نحو اثنين وخمسين رجلا، ورجع، فركب البحر، فألقتهم الريح إلى النّجاشي [2] بالحبشة، فوقف مع جعفر وأصحابه حتى قدم معهم في سفينته، وجعفر وأصحابه في سفينة أخرى، وأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفينتهم ولمن جاء معهم، ولم يسهم لمن غاب غيرهم، واستعمله النبيّ صلى الله عليه وسلم على عدن، واستعمله عمر على الكوفة، والبصرة، وفتحت على يده عدة أمصار، وقال علي فيه: صبغ بالعلم صبغة. وفيها افتتح عبد الرّحمن بن سمرة كابل [3] . وغزا المهلّب بن أبي صفرة أرض الهند، وهزم العدو.

_ [1] قال ياقوت: زبيد: اسم واد به مدينة يقال لها: الحصيب، ثم غلب عليها اسم الوادي فلا تعرف إلا به، وهي مدينة مشهورة باليمن أحدثت في أيام المأمون. «معجم البلدان» (3/ 131) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (284، 285) . [2] تقدم التعريف به ص (128) . من هذا المجلد. [3] هي عاصمة أفغانستان المعاصرة سلّمها الله تعالى. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (4/ 426) .

وفيها توفيت أمّ المؤمنين أمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية، هاجرت [إلى] [1] الحبشة مع زوجها عبيد الله [2] بن جحش، فتنصّر هناك ومات، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميّة الضّمري وكيلا في زواجها [3] ، فلما بشّرت بذلك نثرت سوارين كانا في يدها، وأصدقها النجاشيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، أو أربعة آلاف درهم [4] ، وحضر عقدها جعفر وأصحابه.

_ [1] لفظة «إلى» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] في الأصل والمطبوع: «عبد الله بن جحش» ، وهو خطأ، لأن زوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الذي تنصّر، هو عبيد الله بن جحش، تنصر بالحبشة ومات بها نصرانيا، وأما عبد الله بن جحش، فإنه هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا وقتل يوم أحد رضي الله عنه، ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم في قبر واحد. [3] قلت: وهو الذي حمل إلى النجاشي أيضا رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم. انظر «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» لابن طولون، بتحقيقي ص (47- 54) ، وفي الأصل: «عمرو بن أمية الضميري» وهو تحريف. [4] في الأصل: «وأربعة آلاف درهم» ، والصواب ما في المطبوع.

سنة خمس وأربعين

سنة خمس وأربعين فيها غزا معاوية بن حديج [1] إفريقية. وتوفي فيها، وقيل: سنة إحدى وخمسين أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ الفرضيّ [2] الكاتب، عن ست وخمسين سنة، قتل أبوه يوم بعاث [3] ، وهو ابن ست، وهاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن إحدى عشرة، واجتمع له شرف العلم والصحبة، وأول مشاهده الخندق، وكان عمر

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «معاوية بن خديج» وهو تصحيف. [2] في الأصل: «القرشي» وهو خطأ، والصواب ما في المطبوع. قال السمعاني في «الأنساب» (9/ 272) : الفرضي: هذه النسبة إلى الفريضة، والفرض، والفرائض، وهو علم المقدرات، ويقال في النسبة إليه: فرضي، وفارض، وفرائضي. [3] في الأصل، والمطبوع: «بغاث» بالغين. وهو تصحيف. قال البكري: بعاث: بضم أوله، وبالثاء المثلثة: موضع على ليلتين من المدينة، وفيه كانت الوقيعة، واليوم المنسوب إليه بين الأوس والخزرج. «معجم ما استعجم» (1/ 259، 260) ، وانظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 451، 452) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (109) ، و «جامع الأصول» لابن الأثير (9/ 170) . وروى البخاري (3777) في مناقب الأنصار: باب مناقب الأنصار، و (3846) باب القسامة في الجاهلية، و (3930) باب مقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم المدينة من حديث عائشة رضي الله عنها قال: كان يوم بعاث يوما قدّمه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملأهم، وقتلت سرواتهم وجرحوا، فقدمه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم الإسلام.

وعثمان يستخلفانه على المدينة، وكان ابن عبّاس يأتيه إلى بيته للعلم ويقول: العلم يؤتى ولا يأتي، وكان إذا ركب أخذ بركابه، ويقول ابن عبّاس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء، فيأخذ زيد كفّه ويقبّلها، ويقول: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم. وفيها عاصم بن عديّ سيد بني العجلان، وكان قد ردّه النبيّ صلى الله عليه وسلم من بدر في شغل، وضرب له بسهمه. وقتل أخوه معن يوم اليمامة.

سنة ست وأربعين

سنة ست وأربعين فيها ولي الرّبيع بن زياد الحارثيّ سجستان، فزحف كابل شاه في جمع من الترك وغيرهم، فالتقوا على بست [1] ، فهزمهم [2] . وفيها توفّي عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد مسموما على ما قيل، وكان أحد الأجواد، وكان بيده لواء معاوية يوم صفّين، وكان أخوه مهاجر مع عليّ رضي الله عنه، وقيل: إن معاوية خطب النّاس حين كبر وأسنّ، واستشارهم فيمن يستخلف، وكان مراده أن يشيروا بيزيد، فأشاروا بعبد الرّحمن بن خالد، وغزا عبد الرّحمن الرّوم غير مرّة [3] .

_ [1] قال ياقوت: بست: بالضم مدينة بين سجستان، وغزنين، وهراة، وأظنّها من أعمال كابل. وقال السمعاني: بلدة من بلاد كابل بين هراة وغزنة، وهي بلدة حسنة كثيرة الخضر، والأنهار، والبساتين. قلت: وهي الآن في إيران. وقد أنجبت هذه البلدة عددا كبيرا من العلماء في القرون الهجرية الأولى. انظر «معجم البلدان» (1/ 414- 419) ، و «الأنساب» (2/ 208- 210) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (113) . [2] انظر هذا الخبر في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (208) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 211) . [3] قلت: وفي هذه السنة حج بالناس عتبة بن أبي سفيان. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (208) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 228) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 454) .

سنة سبع وأربعين

سنة سبع وأربعين فيها غزا رويفع بن ثابت الأنصاريّ أمير طرابلس إفريقية، فدخلها ثم انصرف. وفيها حجّ بالنّاس عنبسة بن أبي سفيان. وفيها جمعت التّرك فالتقاهم [1] عبد الله بن سوّار العبديّ ببلاد القيقان [2] ، فاستشهد عبد الله، وعامّة جنده، وغلبت التّرك على القيقان [3] .

_ [1] في المطبوع: «فالتقى بهم» . [2] في الأصل، والمطبوع: «بلاد القيفان» وهو تصحيف. قال ياقوت: وقيقان: بلاد قرب طبرستان. انظر «معجم البلدان» (4/ 423) . وانظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (208) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 211) ، و «دول الإسلام» للذهبي (1/ 35) . قلت: والقيقان الآن في بلاد إيران. [3] قلت: وفيها شتّى مالك بن هبيرة في أرض الروم، وشتّى أبو عبد الرّحمن القيني في أنطاكية. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (208) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 229) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 211) . وفيها ولي على العراق زياد بن أبيه، فوجه على أرض الهند سنان بن سلمة الهذلي عوض ابن سوار الذي استشهد. عن «دول الإسلام» للذهبي (1/ 35) .

سنة ثمان وأربعين

سنة ثمان وأربعين فيها توجّه سنان بن سلمة بن المحبّق الهذلي [1] واليا على الهند عوض عبد الله بن سوّار. وقتل بسجستان عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، وكان مولده بالحبشة [2] . والحارث بن قيس الجعفيّ [3] ، صاحب ابن مسعود [4] .

_ [1] في الأصل: «ابن الحنف المندلي» وهو خطأ، والتصحيح من المطبوع، والمصادر التي بين أيدينا. [2] انظر «الإصابة» لابن حجر (6/ 188) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 360) ، ففيهما ترجمة موسعة ومفيدة له رضي الله عنه. [3] قلت: وذكره الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 215) فيمن مات سنة خمسين. وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 74، 76) . [4] قلت: وفيها حج بالناس مروان بن الحكم. انظر «تاريخ الطبري» (5/ 231) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 457) . وفيها كان مشتى أبي عبد الرحمن القيني أنطاكية، وصائفة عبد الله بن قيس الغزاري، وغزوة مالك بن هبيرة السّكوني البحر، وغزوة عقبة بن عامر الجهني بأهل مصر البحر، وبأهل المدينة، وعلى أهل المدينة المنذر بن الزهير، وعلى جميعهم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. انظر «تاريخ الطبري» (5/ 231) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 456) . وفيها وجّه زياد بن أبيه غالب بن فضالة الليثي على خراسان، وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر «تاريخ الطبري» (5/ 231) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 457) .

سنة تسع وأربعين

سنة تسع وأربعين في ربيع الأول منها توفّي سيّد شباب أهل الجنة، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم [وريحانته، أبو محمد] [1] الحسن بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، والأكثر [2] على أنه توفي سنة خمسين بالمدينة عن سبع وأربعين سنة، ومناقبه كثيرة. روي أنه حج خمسا وعشرين حجة ماشيا، والنجائب [3] بين يديه، وخرج عن ماله ثلاث مرات، وشاطره مرّتين، وأعطى إنسانا يسأله خمسين ألف درهم، وخمسمائة دينار، وأعطى حمّال ذلك طّيلسانه [4] ، وقال: يكون كراؤه من عندي، ومرّ بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه، فنزل عن فرسه،

_ وفيها مات خزيمة الأسدي، كما ذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 215) ولم أقف على اسمه عند غيره فيما بين يديّ من كتب التاريخ والتراجم. [1] قوله: «وريحانته أبو محمد» سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع. [2] تحرفت هذه اللفظة في الأصل إلى «وأكثر» . [3] في الأصل والمطبوع: «والجنائب بين يديه» وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. والنجائب، جمع نجيبة. وهي الناقة، يقال: ناقة نجيب ونجيبة، والمعنى حج ماشيا والنوق بين يديه. [4] قال ابن منظور: الطّيلسان: ضرب من الأكسية ... وحكي عن الأصمعي أنه قال: الطيلسان ليس بعربي، قال: وأصله فارسيّ، إنما هو تالسان فأعرب. «لسان العرب» «طلس» (4/ 2689) .

وأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله، فأطعمهم، وكساهم، وقال: البدء لهم، لأنهم لم يجدوا إلا ما أطعموني، ونحن نجد أكثر منه، وبلغه أن أبا ذرّ قال: الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والسّقم أحبّ إليّ من الصّحة، فقال: يرحم الله أبا ذر أنا أقول: من اتكل على حسن اختيار الله، لم يحبّ غير ما اختاره [1] .

_ [1] قلت: وفيها قتل زياد بن أبيه بالبصرة الخطيم الباهلي الخارجي أحد بني وائل واسمه زياد بن مالك. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (209) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 211) . وفيها حج بالناس سعيد بن العاص. انظر «تاريخ خليفة» ص (209) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 212) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 233) .

سنة خمسين

سنة خمسين فيها توفي عبد الرّحمن بن سمرة العبشميّ من مسلمة الفتح، قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تسأل الإمارة» [1] الحديث، افتتح سجستان، وكابل أميرا لعبد الله بن عامر. وفيها توفي كعب بن مالك الأنصاريّ السّلمي مؤاخي طلحة بن عبيد الله، وهو أحد الثلاثة الذين خلّفوا وتاب الله عليهم، وأحد شعراء النبيّ صلى الله عليه وسلم المجيبين عنه عدّوه، وشهد المشاهد غير تبوك، ذهب بصره في آخر عمره وهو القائل:

_ [1] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (6622) في الإيمان والنذور: باب قول الله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ في أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ من أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 5: 89 [المائدة: 89] ، و (6722) في كفارات الأيمان: باب الكفارة قبل الحنث وبعده، و (7146) في الأحكام: باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها، (7147) باب من سأل الإمارة وكل إليها، ومسلم رقم (1652) في الأيمان: باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، وأبو داود رقم (2929) في الخراج والإمارة: باب ما جاء في طلب الإمارة، والترمذي رقم (1529) في النذور والأيمان: باب ما جاء فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، وأحمد في «المسند» (5/ 63) .

جاءت سخينة [كي] [1] تغالب ربّها ... فليغلبنّ مغالب الغلّاب [2] فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا» [3] . وفيها مات المغيرة بن شعبة الثقفيّ، أسلم عام الخندق، وولي العراق لعمر، وغيره، وكان من رجال الدّهر حزما، وعزما، ورأيا، ودهاء، يقال: إنه أحصن ثلاثمائة امرأة، وقيل ألف امرأة، ولّاه عمر البصرة ثم الكوفة. وفيها توفّيت أمّ المؤمنين صفيّة بنت حيي بن أخطب الإسرائيليّة، الهارونيّة، وكانت جميلة فاضلة، كفاها فضلا ونبلا زواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأوتيت أجرها مرّتين، جاءت جاريتها عمر فقالت: إن صفيّة تحبّ السّبت، وتصل اليهود، فبعث إليها عمر يسألها عن ذلك، فقالت: أمّا السّبت فلم أحبّه، وقد أبدلني الله يوم الجمعة، وأمّا اليهود، فإنّ لي فيهم رحما، وقالت للجارية: ما حملك على هذا؟ قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرّة لوجه الله تعالى [4] . وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية، وقيل: في سنة إحدى وخمسين [5] .

_ [1] لفظة «كي» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] البيت في «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 261) ، وجاء في حاشيتها، سخنية: لقب قريش في الجاهلية، وذكروا أن قصيا كان إذا ذبح ذبيحة أو نحر نحيرة بمكة أتى بعجزها فصنع منه خزيرة- وهو لحم يطبخ ببر- فيطعمه الناس، فسميت قريش بها سخينة. وقيل: إن العرب كانوا إذا أسنتوا أكلوا العلهز، وهو الوبر والدم، وتأكل قريش الخريزة، فنفست عليهم ذلك، فلقبوهم سخينة. [3] انظر «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 261) . [4] جملة: «لوجه الله تعالى» سقط من المطبوع. [5] لفظة «وخمسين» سقطت من المطبوع.

سنة إحدى وخمسين

سنة إحدى وخمسين وفيها توفّي سعيد بن زيد القرشيّ العدويّ، أحد العشرة، المجاب الدّعوة، دعا على أروى [1] لما كذّبت عليه فقال: اللهمّ إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واقتلها في أرضها [2] ، فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت، لم يشهد بدرا هو ولا عثمان ابن عفّان، ولا طلحة بن عبيد الله، فأمّا عثمان فاحتبس على مرض زوجته رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّا سعيد وطلحة، فبعثهما النبيّ صلى الله عليه وسلم يتجسّسان الأخبار في طريق الشام، وضرب لهما النبيّ صلى الله عليه وسلم سهمهما من الغنيمة. وفيها، وقيل: في التي تليها توفّي أبو أيوب الأنصاريّ خالد بن زيد بالقسطنطينية [3] وهم محاصرون لها، وقبره تحت سورها يستسقى به،

_ [1] هي أروى بنت أنيس. [2] في «الإصابة» لابن حجر (4/ 189) ، فقال: اللهم إنها قد زعمت أنها ظلمت، فإن كانت كاذبة فأعم بصرها، وألقها في بئرها، وأظهر حقي نورا بين المسلمين إني لم أظلمها، قال (القائل: أبو نعيم) : فبينما هم على ذلك إذ سال العقيق سيلا لم يسل مثله قط، فكشف عن الحدّ الذي كانا يختلفان فيه، فإذا سعيد بن زيد في ذلك قد كان صادقا، ثم لم تلبث إلا يسيرا حتى عميت، فبينما هي تطوف في أرضها تلك سقطت في بئرها. [3] وهي المعروفة في أيامنا باستانبول.

ويتبرّك [1] وكان عقبيّا [2] كثير المناقب، وموضع بيته الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرسة تعرف بالشهابيّة [3] . وفيه موضع يقال له: المبرك، يعنون مبرك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم [4] . وفيها قتل حجر بن عديّ وأصحابه بمرج عذراء [5] من أرض الشام، قيل: قتلوا بأمر معاوية، ولذا قال عليّ كرّم الله وجهه: حجر بن عديّ وأصحابه كأصحاب الأخدود وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 85: 8 [البروج: 8] ، فإن صحّ هذا عن عليّ فيكون من باب الإخبار بالغيب، لأنه توفي قبل كما تقدّم [6] ، وكان لحجر صحبة ووفادة [7] وجهاد وعبادة. وفيها على الأصح توفّي جرير بن عبد الله البجليّ بقرقيسا [8] .

_ [1] لا ينبغي أن يستسقى بالقبر ولا أن يتبرك به، وقد استسق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، أي بدعائه وهو على قيد الحياة. (ع) . [2] في الأصل: «عتيا» وهو خطأ، والصواب ما في المطبوع. والمعنى أنه كان من أهل بيعة العقبة. [3] ولا أثر لهذه المدرسة الآن، وقد بني في مكانها في هذا العصر المتأخر دائرة لوزارة الأوقاف. [4] ولا يوجد أثر لموضع مبرك الناقة اليوم فيه. [5] قال ياقوت: عذراء قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان معروفة، وإليها ينسب مرج، وإذا انحدرت من ثنية العقاب وأشرفت على الغوطة فتأملت على يسارك رأيتها أول قرية تلي الجبل، وبها منارة، وبها قتل حجر بن عدي الكندي، وبها قبره، وقيل: إنه هو الذي فتحها. انظر «معجم البلدان» (4/ 91) و (5/ 101) . [6] بل لا يصح ذلك، لأن عليا رضي الله عنه لا يعلم الغيب، بل ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم الغيب، إلا بإخبار الوحي من السماء، ولا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ع) . [7] في الأصل: «ووقارة» وما أثبتناه من المطبوع. يقال: وفد فلان على الأمير، أي ورد رسولا، فهو وافد، والاسم الوفادة. [8] يقال لها: قرقيساء بياء واحدة، وقرقيسياء، بياءين، معرب من كركيسياء، وهو مأخوذ من كركيس، وهو اسم لإرسال الخيل، المسمى بالعربية الحلبة، وهي كورة من كور ديار ربيعة، بين الجزيرة والشام. انظر «معجم البلدان» (4/ 228، و 229) .

وفيها توفّيت أمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلاليّة، وقد تقدّمت ترجمتها في سنة تسع وثلاثين.

_ وجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، أسلم أواخر السنة التاسعة من الهجرة، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وكان رضي الله جميلا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عنه: يوسف هذه الأمة، وقدّمه عمر رضي الله عنه في حروب العراق على جميع بجيلة، وكان لهم أمر عظيم في فتح القادسية، ثم سكن جرير الكوفة، واعتزل الفتنة، وسكن قرقيسيا حتى مات سنة (51 هـ) رضي الله عنه. (ع) .

سنة اثنتين وخمسين

سنة اثنتين وخمسين فيها توفّي عمران بن حصين الخزاعيّ، كثير المناقب، ومن أهل السّوابق، بعثه عمر يفقّه أهل البصرة، وتولّى قضاءها، وكان الحسن البصريّ يحلف بالله، ما قدمها خير لهم من عمران بن حصين، وهو الرّاوي لحديث وصف المتوكّلين الذين لا يرقون [1] ، ولا يسترقون، ولا يتطيّرون، وكان يسمع تسليم الملائكة عليه حتى اكتوى بالنّار، فلم يسمعهم عاما، ثمّ أكرمه الله بردّ ذلك، أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر، واستقضاه عبد الله بن عامر على البصرة، ثم استعفاه، فأعفاه. وفيها توفي كعب بن عجرة الأنصاريّ الحديبيّ [2] ، وكان من فضلاء الصحابة.

_ [1] أقول: جاءت هذه الرواية في «صحيح مسلم» رقم (220) بلفظ: «لا يرقون» كما ذكر المؤلف، وقد أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر أنها غلط من راويها، واعتل بأن الراقي يحسن إلى الذي يرقيه، فكيف يكون ذلك مطلوب الترك، وانظر «فتح الباري» للحافظ ابن حجر (11/ 408) . (ع) . [2] الحديبي، نسبة إلى عمرة الحديبية، فإنه شهدها، ونزلت في قصته الفدية كما في «الصحيحين» من طرق، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو محرم والقمل يتناثر على وجهه، فقال له: «احلق رأسك، وأطعم فرقا بين ستة مساكين» . ويقال له كما هو المشهور «كعب بن عجرة البلوي» نسبة إلى بلي بن عمرو بن قضاعة. (ع) .

ومعاوية بن حديج [1] الكنديّ التّجيبيّ الأمير، له صحبة ورواية. وأبو بكرة نفيع بن الحارث، وقيل: ابن مسروح، تدلّى من حصن الطّائف ببكرة للإسلام، فلذا كنّي بأبي بكرة. وفيها، وقيل: في سنة إحدى أو أربع وخمسين، توفي سيّد بجيلة جرير ابن عبد الله البجليّ الأمير، قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم في وجهي، أسلم سنة عشر، وسكن الكوفة، وبجيلة أمّ القبيلة، وقيل: هو أنمار أحد أجدادهم، وفيهم يقول الشّاعر: لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيلة [2] قال عمر رضي الله عنه: ما مدح من سبّ قومه، ووجد عمر مرة من بعض جلسائه رائحة، فقال: عزمت على صاحب هذه الرّيح إلا قام فتوضأ، فقال جرير: اعزم علينا كلّنا فلنقم، فعزم عليهم، ثم قال: يا جرير ما زلت شريفا في الجاهلية والإسلام، وسأله عمر عن النّاس، فقال: هم كسهام الجعبة، منها القائم الرائش، والنّصل الطّائش.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «معاوية بن خديج» بالخاء، وهو تصحيف. [2] البيت في «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (2/ 142) .

سنة ثلاث وخمسين

سنة ثلاث وخمسين فيها توفّي عبد الرّحمن بن أبي بكر الصّدّيق، وكان من الزّهّاد، والشّجعان [1] ، قتل يوم اليمامة سبعة، شهد مع قريش بدرا وأحدا مشركا، وأسلم في هدنة الحديبية، وله المشاهد الجميلة في نصر الإسلام، ولما دعاه معاوية إلى البيعة ليزيد امتنع، فبعث إليه بمائة ألف درهم فردّها وقال: لا أبيع ديني بدنياي، وقصّته معهم مشهورة في «البخاريّ» ، وذلك أنّه قام حين دعي للبيعة، فقال مروان [2] : هذا الّذي نزل فيه وَالَّذِي قال لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي 46: 17 [الأحقاف: 17] الآية، وذلك من كيد [3] مروان، وإنما أورده البخاريّ مرسلا لبيان أثر عائشة الذي ردّت به على مروان، ولما بلغ عائشة خبر موته بمكّة ارتحلت حتى وقفت على قبره وقالت: وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدّهر حتى قيل لن يتصدّعا [4]

_ [1] في المطبوع: «وكان من الزهاد الشجعان» . [2] يعني مروان بن الحكم. [3] في الأصل: «من كيس» وهو تحريف، وما أثبتناه من المطبوع. [4] في الأصل، والمطبوع: «لن نتصدعا» والتصحيح من «الإصابة» لابن حجر، و «الكامل» للمبرد، و «مختار الأغاني» لابن منظور.

فلمّا تفرّقنا كأني ومالكا ... لطول [1] اجتماع لم نبت ليلة معا [2] وفيها توفّي زياد بن أبيه [3] المستلحق، وكان يضرب بدهائه المثل، ولّاه معاوية العراقين. وفيها، أو في التي قبلها، توفي عمرو بن حزم الأنصاريّ الخزرجيّ، ولي نجران [4] وله سبع عشرة سنة. وفيها فيروز الديلميّ قاتل الأسود العنسيّ، له صحبة ورواية. وفضالة [5] بن عبيد الأنصاريّ قاضي دمشق لمعاوية، وخليفته عليها.

_ [1] في الأصل، والمطبوع «بطول» ، والتصحيح من «مختار الأغاني» ، و «الكامل» ، و «الإصابة» . [2] البيتان في «مختار الأغاني» لابن منظور (10/ 250) ، و «الكامل» للمبرد (2/ 354) ، و «الإصابة» لابن حجر (9/ 83) ، وهما لمتمم بن نويرة من قصيدة طويلة في رثاء أخيه مالك بن نويرة. ورواية البيت الثاني منهما عند الحافظ ابن حجر في «الإصابة» : «فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا» [3] في المطبوع: «زياد بن أمه» . [4] قال البكري: نجران: بفتح أوله، وإسكان ثانيه: مدينة بالحجاز من شقّ اليمن معروفة، سميت بنجران بن زيدان بن يشجب بن يعرب، وهو أول من نزلها، وأطيب البلاد: نجران من الحجاز، وصنعاء من اليمن، ودمشق من الشام، والرّيّ من خراسان. «معجم ما استعجم» (4/ 1298، 1299) . قلت: وفي «معجم ما استعجم» للبكري، و «الروض المعطار» للحميري أيضا ص (573) : «نجران بن زيد» وهو خطأ، وفي «معجم البلدان» لياقوت (5/ 266) : «نجران بن زيدان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان» وهو الصواب، وهو موافق لما في «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (329، 330) ، و «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (2/ 144) . [5] سقطت «الواو» من لفظة «وفضالة» في الأصل، وأثبتناها من المطبوع.

سنة أربع وخمسين

سنة أربع وخمسين توفي فيها أسامة بن زيد الهاشميّ الكلبي حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبّه قدّمه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمّره على فضلاء الصّحابة، وجلّة المهاجرين والأنصار، على حداثة سنّه. وثوبان [1] بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجبير [2] بن مطعم النّوفلي، وكان من سادات قريش وحلمائها، وقيل: توفي سنة ثمان وخمسين. وحسّان بن ثابت الأنصاريّ الشّاعر عن مائة وعشرين سنة مناصفة في الجاهليّة والإسلام قيل: وكذلك أبوه وجدّه، وكان لسانه يصل إلى جبهته، ومن قوله مخاطبا لأبي سفيان بن الحارث [3] :

_ [1] سقطت «الواو» الأولى من الأصل، واستدركناها من المطبوع. [2] سقطت «الواو» من الأصل، واستدركناها من المطبوع. [3] هو المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي القرشي، أبو سفيان، أحد الأبطال الشعراء في الجاهلية والإسلام، وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، كان يألفه في صباهما، ولما أظهر النبيّ صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإسلام عاداه أبو سفيان، وهجاه، وهجا أصحابه، واستمر على ذلك إلى أن قوي المسلمون وتداول الناس خبر تحرك النبيّ صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فخرج من مكة ونزل بالأبواء- وكانت خيل المسلمين قد بلغتها قاصدة مكة- ثم تنكّر وقصد رسول الله

أتهجوه ولست له بكفؤ ... فشرّكما لخيركما الفداء [1] قيل: وهذا أنصف [2] بيت قالته العرب. وفيها على خلاف حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشيّ الأسديّ ابن أخي [3] خديجة [4] ، الشّريف الجواد، أعتق في الجاهليّة مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، وفعل مثل ذلك في الإسلام، وأهدى مائة بدنة وألف شاة، وأعتق بعرفة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضّة منقوش فيها «عتقاء الله عن حكيم بن حزام» وباع دار النّدوة بمائة ألف وتصدّق بها، فقيل له:

_ صلى الله عليه وسلم، فلما رآه أعرض عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتحول أبو سفيان إلى الجهة التي حول إليها بصره، فأعرض، فأسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم معرض عنه، وشهد معه فتح مكة ثم وقعة حنين وأبلى بلاء حسنا، فرضي عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم كان من أخصائه، فكان يقال له بعد ذلك: «أسد الله» و «أسد الرسول» له شعر كثير في الجاهلية هجاء بالإسلام، وفي الإسلام هجاء بالمشركين، مات بالمدينة المنورة سنة (20 هـ) ، وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (1/ 202- 205) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 144- 147) ، و «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (22) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 276) . [1] كذا في الأصل، والمطبوع: و «ديوان حسان بن ثابت» الذي بين أيدينا، وفي «شرح أبيات المغني» للبغدادي (2/ 19) : «أتهجوه ولست له بكفء ... فشرّكما لخيركما الفداء» والبيت في ديوانه ص (18) من قصيدة طويلة ألقاها يوم فتح مكة. [2] في الأصل: «وهذا نصف بيت قالته العرب» وهو خطأ، والتصحيح من المطبوع. [3] في الأصل: «ابن أبي خديجة» وهو خطأ، وما أثبتناه من المطبوع، وهو الصواب. [4] هي أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية- زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم- تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، ولها أربعون سنة، وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة، ولدت بمكة، ونشأت في بيت شرف ويسار، ولم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت، ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاها إلى الإسلام، فكانت أول من أسلم من الرجال والنساء، وأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم منها، إلا إبراهيم، وهي التي آزرته على النبوة، وجاهدت معه، وواسته بنفسها ومالها، وأرسل الله عزّ وجل إليها السلام مع جبريل عليه السلام، وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين رضي الله عنها وأرضاها. انظر «زاد المعاد» لابن القيم (1/ 105) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 302) .

بعت مكرمة قريش، فقال: ذهبت المكارم. ولدته أمّه بالكعبة [1] وعاش ستّين سنة في الجاهليّة، وستّين سنة في الإسلام، ودفن في داره بالمدينة، وهو من مسلمة الفتح. وفيها أبو قتادة [2] الأنصاريّ السّلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد أحدا وما بعدها. ومخرمة بن نوفل الزّهريّ والد المسور، وكان من المؤلّفة قلوبهم. وفيها غزا عبيد الله بن زياد فقطع نهر جيحون إلى بخارى، وافتتح بعض البلاد، وكان أوّل عربي عدا النّهر. وفيها على ما رجّحه الواقديّ [3] أمّ المؤمنين سودة بنت زمعة، وتقدّم أنها ماتت في خلافة عمر، وهو الأصحّ. وفيها توفي سعيد بن يربوع المخزوميّ من مسلمة الفتح، عاش مائة وعشرين سنة. وفيها عبد الله بن أنيس الجهنيّ حليف الأنصار، وكان أحد من شهد العقبة.

_ [1] في المطبوع: «في الكعبة» . [2] واسمه الحارث بن ربعي. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 449) ، و «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (14) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 250) ، و «الإصابة» لابن حجر (11/ 302) ، و «الأنساب» للسمعاني (7/ 114) بإشراف والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط. [3] هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقديّ، المدينيّ القاضي، أبو عبد الله، صاحب التصانيف، و «المغازي» . قال فيه الذهبي: أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه، وقال الحافظ ابن حجر: متروك مع سعة علمه، وقال السمعاني: تكلموا فيه. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (9/ 454) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 194) و «اللباب في تهذيب الأنساب» لابن الأثير (3/ 350) .

سنة خمس وخمسين

سنة خمس وخمسين فيها توفي أبو إسحاق سعد [1] بن أبي وقّاص القرشيّ الزّهريّ، أحد العشرة، ومقدّم جيوش الإسلام في فتح العراق، وأوّل من رمى بسهم في سبيل الله، مجاب الدّعوة، وفداه النبيّ صلى الله عليه وسلم بأبويه، وما دعا قطّ إلا استجيب له، ومناقبه جمّة. وأبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاريّ السّلميّ، [وهو الذي] [2] أسر العبّاس يوم بدر [3] . والأرقم بن [أبي] الأرقم المخزوميّ، أحد السّابقين [4] ، وقيل: توفي سنة ثلاث وخمسين [5] .

_ [1] في الأصل: «سعيد» وهو خطأ. [2] ما بين حاصرتين زيادة من «دول الإسلام» للذهبي (1/ 41) . [3] في «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 264) : «وأبو اليسر، وكعب بن عمرو السلمي» وهو خطأ، فإن كعب بن عمرو مكنى بأبيّ اليسر، فيستدرك فيه. [4] وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختفي في داره بمكة. (ع) . [5] قلت: وفيها عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن غيلان عن البصرة، وولاها عبيد الله بن زياد، فلم يزل واليا حتى مات، فأقره يزيد. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (223) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 300) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 501) ، وفيه سبب عزل عبد الله بن عمرو. وفيها أقام الحج مروان بن الحكم. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (223) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 300) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 502) .

سنة ست وخمسين

سنة ست وخمسين فيها استعمل معاوية سعيد بن عثمان بن عفّان على خراسان [1] ، فغزا سمرقند، فالتقى هو والصّغد [2] فكسرهم، ثمّ صالحوه، وكان معه من الأمراء المهلّب، واستشهد معه يومئذ قثم بن العبّاس بن عبد المطّلب وكان يشبّه بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو آخر من طلع من لحد النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفيها أمّ المؤمنين جويرية [3] بنت الحارث المصطلقيّة [4] ، وصلى عليها مروان [5] [6] .

_ [1] قوله: «على خراسان» سقط من المطبوع. [2] في المطبوع: «الصفد» وهو تحريف. والصّغد: هم سكان «صغد» وهو موضع بسمرقند، متنزه ذو أنهار وبساتين، وهو أحد متنزهات الدّنيا، قيل: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق، وصغد سمرقند، ونهر الأبلّة، وشعب بوان. انظر «تاج العروس» للزبيدي «سغد» (8/ 206) ، و «صغد» (8/ 287) ، و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 409) . وراجع «تاريخ الطبري» (5/ 304- 307) . [3] وكان اسمها «برّة» فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة. انظر «الأسماء واللغات» للنووي (2/ 336) . [4] وقيل: توفيت سنة خمسين. [5] يعني مروان بن الحكم، وكان يومئذ والي المدينة. انظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 336) . [6] قلت: وفيها استشهد بأرض الروم عبد الله بن قرط الأزدي الثّمالي، وكان اسمه في الجاهلية

سنة سبع وخمسين

سنة سبع وخمسين فيها عزل سعيد بن عثمان عن خراسان، وأضيفت إلى العراقين لعبيد الله بن زياد. وتوفّي عبد الله بن السّعديّ العامريّ، له صحبة. وفيها، وقيل في سنة ثمان وخمسين في رمضان: توفّيت أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر [الصّدّيقة بنت] [1] الصّدّيق من أخصّ مناقبها ما علم من حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وشاع من تخصيصها عنده، ونزول القرآن في عذرها وبراءتها والتّنويه بقدرها، ووفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها [2] ، وفي

_ شيطانا فسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم «عبد الله» . انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 364، 365) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 264) ، و «الإصابة» لابن حجر (6/ 192، 193) . وفيها ولد عمرو بن دينار الجمحي. انظر «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 27) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 77) . [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع. [2] وفي رواية للبخاري، وأحمد، والنسائي: مات بين حاقنتي وذاقنتي. انظر «عمدة الأحكام» للمقدسي ص (40) بتحقيقي. قال ابن الأثير: السّحر: الرّئة، أي أنه مات وهو مستند إلى صدرها وما يحاذى سحرها منه، وقيل: السحر: ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن. «النهاية» (2/ 346) . والنحر: موضع القلادة من الصّدر. قاله في «مختار الصحاح» ص (649) .

نوبتها [1] ، وريقها في فمه الشّريف، لأنّه كان يؤثرها [2] أن تندّي له السّواك بريقها، ونزول الوحي في بيتها، وهو [3] في لحافها، ولم يتزوّج بكرا سواها، وما حمل عنها من الفقه لم يحمل عن أحد سواها، تزوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة وهي ابنة ست، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة، وتوفّيت عن خمس وستين سنة، ونقل عنها علم كثير حتى ورد «خذوا نصف دينكم عن الحميراء» [4] . وفي رواية: «ثلثي دينكم» [4] . وكانت من أكثر الصّحابة حفظا وفتيا، قال في «إعلام الموقعين» [5] : والذين حفظت عنهم الفتوى من الصّحابة مائة ونيّف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أمّ المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر. قال أبو محمد بن حزم [6] : ويمكن أن يجمع من فتوى كلّ واحد منهم

_ [1] في المطبوع: «وفي نوبته» . [2] في المطبوع: «يأمرها» وهو صواب أيضا. [3] أي النبيّ صلى الله عليه وسلم. [4] قال الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص (198) : حديث: «حذوا شطر دينكم عن الحميراء» قال شيخنا- يعني الحافظ ابن حجر- في تخريج «ابن الحاجب» من إملائه: لا أعرف له إسنادا، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث، إلا في «النهاية» لابن الأثير، ذكره في مادة (ح م ر) [1/ 438] ولم يذكر من خرجه، قال: ورأيته أيضا في «كتاب الفردوس» لكن بغير لفظه، وذكره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بغير إسناد أيضا، ولفظه: «خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء» ، وبيض له صاحب «مسند الفردوس» فلم يخرج له إسنادا، وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه. [5] في الأصل، والمطبوع: «معالم الموقعين» وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. [6] هو علي بن أحمد بن حزم الظاهري الأندلسي، أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، وأحد

سفر ضخم [1] . قال: وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون [2] فتيا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في عشرين كتابا. وأبو بكر المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث. قال أبو محمد [3] : والمتوسّطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصّدّيق، وأمّ سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزّبير، وأبو موسى الأشعريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسيّ، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل، فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جدا. ويضاف إليهم: طلحة، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصّامت، ومعاوية بن أبي سفيان. والباقون منهم مقلّون في الفتيا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان، والزيادة اليسيرة [على ذلك] [4] يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم

_ أئمة الإسلام، كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم: «بحزمية» وكانت له، ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها، وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين، فقيها، حافظا، يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، بعيدا عن المصانعة، صنف مصنفات كثيرة منها «المحلى» ، و «جمهرة أنساب العرب» ، و «المفاضلة بين الصحابة» مات سنة (456 هـ) . انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (52) بتحقيقي، و «الأعلام» للزركلي (5/ 95) . [1] أي كتاب ضخم. [2] أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد العباسي، أمير من علماء بني العباس بالحديث، كان ثقة مأمونا، ولد بمكة، وانتقل إلى مصر، فحدّث فيها، وتوفي بها رحمه الله سنة (342 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (7/ 117) . [3] يعني ابن حزم الأندلسي. [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركناه من «إعلام الموقعين» لابن القيم.

جزء صغير فقط، بعد التقصّي والبحث [1] . انتهى ملخصا ما ذكره ابن القيم [2] . وكان من الآخذين عن عائشة الذين لا يكادون يتجاوزون قولها المتفقّهين بها: القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها، وعروة بن الزّبير ابن أختها أسماء، قال مسروق: لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض. وقال عروة بن الزّبير: ما جالست أحدا قطّ أعلم بقضاء ولا بحديث بالجاهلية، ولا أروى للشعر، ولا أعلم بفريضة ولا طبّ من عائشة رضي الله عنها. وفيها توفّي أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدّوسيّ، قاله هشام المديني، وقيل: سنة ثمان وخمسين، قاله أبو معشر، ويحيى بن بكير، وجماعة، وقيل: سنة تسع وخمسين، كان كثير العبادة والذّكر، حسن الأخلاق، ولي إمرة المدينة، وكان حافظ الصحابة، وأكثرهم رواية. قال الحافظ الذهبيّ: المكثرون من رواية الحديث من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. أبو هريرة [3] مروياته خمسة آلاف، وثلاثمائة وأربعة وسبعون.

_ [1] يحسن بالباحث الرجوع إلى تتمة كلام ابن القيم في «إعلام الموقعين» للاطلاع على بقية أسماء الصحابة المقلين من الفتوى ص (1/ 12- 14) . [2] هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، صاحب الذهن الوقاد، والمؤلفات الكثيرة المتنوعة، المتوفى سنة (751 هـ) . انظر ترجمته ومصادرها في صدر كتابه «زاد المعاد» الذي حققته بالاشتراك مع زميلي الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، ونشرته مؤسسة الرسالة في بيروت، ومكتبة المنار الإسلامية في الكويت (ع) . [3] اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه على أقوال، أشهرها عبد الرحمن بن صخر الدّوسي كما ذكر المؤلف.

ابن عمر: ألفان وستمائة وثلاثون. أنس: ألفان ومائتان وستة وسبعون. عائشة: ألفان ومائتان وعشرة [1] . ابن عباس: ألف وستّمائة وسبعون. جابر: ألف وخمسمائة وأربعون. أبو سعيد [2] : ألف ومائة وسبعون. عليّ: خمسمائة وستة وثمانون. عمر: خمسمائة وسبعة وثلاثون. عبد الله بن مسعود: ثمانمائة وثمانية وأربعون. عبد الله بن عمرو [3] : سبعمائة. أمّ سلمة: ثلاثمائة وثمانية وسبعون. أبو موسى [4] : ثلاثمائة وستون. البراء بن عازب: ثلاثمائة وخمسة. أبو ذرّ [5] : مائتان وأحد وثمانون. سعد [6] : مائتان وأحد وسبعون.

_ [1] في المطبوع: «ومائتان وعشر» . [2] هو أبو سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، توفي بالمدينة سنة (74 هـ) . (ع) . [3] في المطبوع: «عبد الله بن عمر» وهو خطأ. [4] هو أبو موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، من بني الأشعر. (ع) . [5] هو أبو ذر الغفاري، واسمه جندب بن جنادة، من الزهاد، رضي الله عنه، توفي بالربذة من قرى المدينة المنورة سنة (32 هـ) ، انظر ص (196) من هذا المجلد. (ع) . [6] هو سعد بن أبي وقاص، وأبو وقاص، مالك، بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهدي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أبو إسحاق، فاتح العراق، أول من رمى بسهم في سبيل الله، توفي

أبو أمامة [1] : مائتان وخمسون. سهل بن سعد [2] : مائة وثمانية وثمانون. عبادة [3] : مائة وأحد وثمانون. عمران [4] : مائة وثمانون. معاذ [5] : مائة وسبعة وخمسون. أبو أيوب [6] : مائة وخمسة وخمسون. عثمان [7] : مائة وأربعة وستون [8] .

_ رضي الله عنه بقصره في العقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها سنة (55 هـ) . انظر ص (257) (ع) . [1] هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي، سكن الشام، فتوفي في حمص سنة (86 هـ) رضي الله عنه، انظر ص (351) . (ع) . [2] هو سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، من مشاهير الصحابة من أهل المدينة، عاش نحو مائة سنة وهو آخر من توفي بالمدينة المنورة سنة (91 هـ) . [3] هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد، شهد العقبة وبدرا والمشاهر، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر فتح مصر، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين، توفي بالرملة أو ببيت المقدس سنة (35 هـ) . (ع) . [4] هو عمران بن حصين أبو نجيد الخزاعي، من علماء الصحابة أسلم عام خيبر سنة (7 هـ) ، وأرسله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى البصرة ليفقههم وتوفي بها رضي الله عنه سنة (52 هـ) . (ع) . [5] هو معاذ بن جبل الأنصاري أبو عبد الرحمن، كان من أعلم الناس بالحلال والحرام، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك إلى اليمن، وعاد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم كان مع أبي عبيدة بن الجراح في غزو الشام، توفي بالطاعون في أرض فلسطين، ودفن في أرض الغور سنة (18 هـ) . (ع) . [6] هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة أبو أيوب الأنصاري من بني النجار، شهد العقبة وبدرا وأحدا والمشاهد كلها، وكان شجاعا صابرا تقيا محبا للتفرد الجهاد، توفي غازيا في القسطنطينية سنة (52 هـ) رضي الله عنه. (ع) . [7] هو عثمان بن عفان ذو النورين أمير المؤمنين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيه رقية وأم كلثوم، قتل رضي الله عنه سنة (35 هـ) . (ع) . [8] والذي في «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي، أن له (146) حديثا.

جابر بن سلمة: مثله. أبو بكر الصّدّيق: مائة واثنان وثلاثون. أسامة [1] : مائة واثنان وثمانون. ثوبان [2] : مائة واثنان وسبعون. سمرة بن جندب: مائة واثنان وثلاثون. النعمان بن بشير: مائة واثنان وأربعون. أبو مسعود [3] : مائة واثنان. جرير [4] : مائة. ابن أبي أوفى [5] : خمسة وتسعون. انتهى. ولبعضهم في المكثرين من رواية الحديث: سبع من الصّحب فوق الألف قد نقلوا ... من الحديث عن المختار خير مضر

_ [1] هو أسامة بن زيد بن حارثة، حب رسول الله وإن حبه، أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاب، ولما توفي رسول الله رحل إلى وادي القرى فسكنه، ثم انتقل إلى دمشق فسكن المزة، ثم عاد إلى المدينة فأقام إلى أن مات بالجرف سنة (54 هـ) رضي الله عنه. (ع) . [2] هو ثوبان بن بجدد، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل السراة، موضع بين مكة واليمن، أصابه سباء فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر إلى أن مات، ثم تحول إلى الرملة، ثم حمص، ومات بها سنة (54 هـ) رضي الله عنه. (ع) . [3] هو أبو مسعود البدري، واسمه (عقبة بن عمرو) مشهور بكنيته، وسكن بدرا، وشهد العقبة وأحدا ونزل الكوفة، وتوفي بها رضي الله عنه سنة (40 هـ) . (ع) . [4] هو جرير بن عبد الله البجلي الأحمسي الكوفي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة في شهر رمضان فبايعه وأسلم، وكان جميل الصورة، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيه: يوسف هذه الأمة، نزل الكوفة ثم تحول إلى قرقيسيا، وتوفي بها رضي الله عنه سنة (51 هـ) . (ع) . [5] هو عبد الله بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي، شهد بيعة الرضوان، وخيبر وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يزل بالمدينة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى الكوفة، وهو آخر من بقي من الصحابة بالكوفة، توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة (86 هـ) . (ع) .

أبو هريرة سعد جابر أنس ... صدّيقة وابن عبّاس كذا ابن عمر وكان في أبي هريرة دعابة، وكان يخطب ويقول: طرّقوا لأميركم قيل: وكان يصلي خلف عليّ، ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال، ويقول: الصلاة خلف عليّ أتمّ، وسماط معاوية أدسم، وترك القتال أسلم، واستعمله عمر على البحرين، وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل، أسلم عام خيبر سنة سبع، وصدّقه الشيطان ونصحه، فقد ثبت في «الصحيح» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة لمّا وكّله النبيّ بحفظ زكاة الفطر، فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة، وهو يمسكه فيتوب فيطلقه، فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟» فيقول: زعم أنه لا يعود، فيقول: «إنه سيعود» فلما كان في المرة الثالثة، قال له: دعني حتى [1] أعلّمك ما ينفعك، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2: 255 [البقرة: 255] إلى آخرها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «صدقك وهو كذوب» . وأخبره أنه شيطان [2] . وفيه دليل على أن الإنسيّ أقوى وأشدّ بأسا من الجنيّ كما اختاره الفخر الرازيّ.

_ [1] لفظة «حتى» سقطت من المطبوع. [2] رواه البخاري تعليقا (4/ 487) في الوكالة، باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز، قال الحافظ في الفتح: وقد وصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم. وانظر «جامع الأصول» لابن الأثير (8/ 477) والتعليق عليه بتحقيقي، وانظر فوائد الحديث في «فتح الباري» لابن حجر (4/ 489) .

سنة ثمان وخمسين

سنة ثمان وخمسين فيها توفي جبير بن مطعم على خلاف في ذلك. وشدّاد بن أوس الأنصاريّ نزيل بيت المقدس. وعقبة بن عامر الجهنيّ الصحابيّ أمير معاوية على مصر، وكان فقيها فصيحا مفوّها. وعبيد الله بن العباس [1] بن عبد المطلب، له صحبة ورواية، ولي اليمن لعليّ فسار إليه بسر [2] بن أرطاة فذبح ولديه [3] ، وكان أحد الأجواد [4] أشاع بعض الناس أنه يدعو الناس للغداء، ولا علم له، فامتلأت

_ [1] هو عبيد الله بن العباس، أخو عبد الله بن العباس، كان أصغر سنا من أخيه عبد الله بسنة، وكان سخيا جوادا، وكان تاجرا، مات بالمدينة رضي الله عنه سنة (87 هـ) كما قال الحافظ في «التقريب» وقال في «التهذيب» قال أبو خليفة مات سنة (58 هـ) . (ع) . [2] في المطبوع: «بشر» وهو تصحيف. وهو بسر بن أرطاة، ويقال: ابن أبي أرطاة، واسم أبي أرطاة، عمير بن عويمر بن عمران القرشي العامري، نزيل الشام مختلف في صحبه. [3] أي ذبح بسر بن أرطاة ولدي عبيد الله بن العباس، وهما: عبد الرحمن وقثم، وحكى المسعودي في «مروج الذهب» : أن عليا دعا على بسر أن يذهب عقله لما بلغه قتله ابني عبيد الله بن العباس وأنه خرف ومات في أيام الوليد بن عبد الملك سنة (86 هـ) . [4] أي عبيد الله بن العباس رضي الله عنه.

رحبة بيته، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: إنك دعوتهم، فقال: لا يخرجنّ منهم أحد وغدّاهم جميعا، ثم نادى مناديه: أن يحضروا كلّ يوم [1] .

_ [1] قلت: وفيها مات يزيد بن شجرة بن أبي شجرة الرّهاوي، من أصحاب معاوية، مختلف في صحبته. انظر «الإصابة» لابن حجر (10/ 352، 353) ، و «الأعلام» للزركلي (8/ 184) . وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. انظر «تاريخ خليفة بن حياط» ص (225) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 265) .

سنة تسع وخمسين

سنة تسع وخمسين فيها توفي أبو محذورة الجمحيّ [1] المؤذّن، له صحبة ورواية، وكان من أندى النّاس صوتا وأحسنهم نغمة. وفيها، وقيل: في التي تليها، شيبة بن عثمان الحجبيّ [2] العبدريّ [3] سادن الكعبة. وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة والد عمرو الأشدق، والذي أقيمت عربية القرآن على لسانه، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليّ الكوفة لعثمان، وافتتح طبرستان [4] ، وكان ممدّحا، كريما، عاقلا،

_ [1] هو أوس بن معير الجمحي، ويقال: سمرة بن معير، قال ابن حزم: ويظن أهل الحديث أن اسم أبي محذورة سمرة، وليس كذلك، وإنما سمرة أخ لأبي محذورة. انظر «الإصابة» لابن حجر (12/ 12) ، و «زاد المعاد» لابن القيم (1/ 124) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 117) ، و «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (162، 163) . قلت: وقد تحرف اسم «أوس بن معير» في «زاد المعاد» إلى «أوس بن مغيرة» ، واسم «سمرة» في «سير أعلام النبلاء» إلى «سمير» . [2] قال السمعاني: الحجبي: بفتح الحاء المهملة، والجيم وكسر الباء المنقوطة، هذه النسبة إلى حجابة البيت المعظم. «الأنساب» (4/ 64) . [3] في الأصل: «العبدي» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع، وهو الصواب، لأن شيبة رضي الله عنه من بني عبد الدار. [4] طبرستان: إقليم واسع كبير في بلاد إيران، خرج من من لا يحصى كثرة من أهل العلم،

حليما، اعتزل الجمل، وصفّين، ومولده قبل بدر. وأبو عبد الرّحمن عبد الله بن عامر بن كريز العبشميّ [1] ، أمير عثمان على العراق، له رواية، وهو الذي افتتح خراسان، وأصبهان، وحلوان [2] ، وكرمان [3] ، وأطراف فارس [4] كلها.

_ والأدب، والفقه، وهذا الإقليم يضم بلدانا واسعة، والنسبة إلى هذا الإقليم «الطّبري» . انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 13- 16) ، و «الأنساب» للسمعاني (8/ 204) . [1] في الأصل، والمطبوع: «العبسي» وهو خطأ، والتصحيح من «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 288) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 18) ، و «الإصابة» لابن حجر (7/ 204) . وانظر «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (74) . [2] قال ياقوت: حلوان: بليدة بقوهستان نيسابور، وهي آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان. «معجم البلدان» (2/ 294) . [3] بلدة تقع في إيران الآن، انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (101- 103) . [4] فارس: ولاية واسعة، وإقليم فسيح، أول حدودها من جهة العراق أرجان، ومن جهة كرمان السيرجان، ومن جهة ساحل بحر الهند سيراف، ومن جهة السند مكران. وهي جزء من إيران الآن. انظر «معجم البلدان» (4/ 226- 228) .

سنة ستين

سنة ستين فيها توفي معاوية بن أبي سفيان بدمشق في رجب وله ثمان وسبعون سنة، ولي الشّام لعمر، وعثمان عشرين سنة، وتملكها بعد عليّ عشرين [أخرى] إلّا شهرا، وسار بالرعية سيرة جميلة، وكان من دهاة العرب وحلمائها، يضرب به المثل، وهو أحد كتبة الوحي، وهو الميزان في حب الصحابة، ومفتاح الصحابة، سئل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أيهما [1] أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز، فقال: لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز [2] رضي الله تعالى عنه، وأماتنا على محبته. وفيها توفي سمرة بن جندب الفزاري، في أولها، نزيل البصرة. وبلال بن الحارث المزنيّ.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أيما» ، وما أثبتناه يقتضيه السياق. [2] قلت: إن صح هذا من كلام الإمام أحمد رحمه الله، فإن فيه انتقاصا من قدر الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز الذي عدّ عند الكثيرين من أئمة المسلمين في مقام الخلفاء الراشدين، والذي له من المكارم ما لا يعد ولا يحصى، ومن أهم تلك المكارم أنه منع الكثير من البدع التي كانت سائدة في عصور من سبقه من خلفاء بني أمية في الشام، ولو لم يكن له من المكارم سوى الأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف لكفاه فخرا، فكيف وقد كان عهده عهد أمان واطمئنان ورخاء للمسلمين قاطبة، رحمه الله برحمته الواسعة، وجمعنا به يوم القيامة في الجنة تحت لواء سيد المرسلين.

وعبد الله بن مغفّل المزنيّ، نزيل البصرة، من أهل بيعة الرضوان. وفيها، أو في التي قبلها، أبو حميد السّاعديّ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وفيها عزل الوليد بن عتبة عن المدينة، واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق، فقدمها في رمضان، فدخل عليه أهل المدينة، وكان عظيم الكبر، واستعمل على شرطته عمرو [1] بن الزّبير لما كان بينه وبين أخيه عبد الله [من البغضاء، فأرسل إلى نفر من أهل المدينة، فضربهم ضربا شديدا لهواهم في أخيه عبد الله] [2] منهم أخوه المنذر بن الزّبير، ثم جهز عمرو بن سعيد عمرو [3] بن الزّبير في جيش نحو ألفي رجل إلى أخيه عبد الله بن الزّبير، فنزل بالأبطح [4] ، وأرسل إلى أخيه برّ يمين يزيد [5] وكان حلف ألّا يقبل بيعته إلا أن يؤتى به في جامعة، ويقال: حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فإنك في بلد حرام، فأرسل إليه [6] أخوه عبد الله من فرّق جماعته وأصحابه، فدخل دار ابن علقمة [7] ، فأتاه أخوه

_ [1] في المطبوع: «عمر» وهو خطأ. وانظر خبر «عمرو بن الزبير» في «الكامل» لابن الأثير (4/ 18) . [2] زيادة من المطبوع، و «تاريخ الطبري» (5/ 344) . [3] في المطبوع: «عمر» وهو خطأ. [4] الأبطح: كل مسيل فيه دقاق الحصى فهو أبطح، وقال ابن دريد: الأبطح، والبطحاء: الرمل المنبسط على وجه الأرض، وقال أبو زيد: الأبطح أثر المسيل ضيقا كان أو واسعا، والأبطح يضاف إلى مكة، وإلى منى، لأن المسافة بينه وبينها واحدة، وربما كان إلى منى أقرب، وهو المحصّب. «معجم البلدان» لياقوت (1/ 74) . [5] وهكذا أيضا عبارة «الكامل» لابن الأثير (4/ 19) ، وفي «تاريخ الطبري» (5/ 344) : «برّ يمين الخليفة، واجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى، لا يضرب الناس بعضهم بعضا، واتق الله فإنك في بلد حرام» . [6] في الأصل: «إلى» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع. [7] في «تاريخ الطبري» : «دار علقمة» .

عبيدة فأجاره، ثم أتى عبد الله فقال له: قد أجرت عمرا، فقال: أتجير [1] من حقوق الناس! هذا ما لا يصح، أو ما أمرتك أن لا تجير هذا الفاجر الفاسق المستحلّ لحرمات الله، ثم أقاد عمرا بكل من ضربه إلّا المنذر، وابنه، فإنهما أبيا أن يستقيدا، ومات تحت السّياط.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «تجير» ، وما أثبتناه من «تاريخ الطبري» ، و «الكامل» لابن الأثير.

سنة إحدى وستين

سنة إحدى وستين استشهد فيها في يوم عاشوراء أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته بكربلاء [1] عن ست وخمسين سنة، ومن أسباب ذلك أنه كان قد أبى من البيعة ليزيد حين بايع له أبوه النّاس [2] ، رابع أربعة عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزّبير، وعبد الرّحمن بن أبي بكر، فلما مات معاوية جاءت كتب أهل العراق إلى الحسين يسألونه القدوم عليهم، فسار بجميع أهله حتى بلغ كربلاء موضعا بقرب الكوفة، فعرض له عبيد الله [3] بن زياد، فقتلوه، وقتلوا معه ولديه عليّا الأكبر، وعبد الله، وإخوته جعفرا، ومحمّدا، وعتيقا، والعبّاس الأكبر، وابن أخيه قاسم بن الحسن، وأولاد عمه محمّدا، وعونا ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، وابنيه عبد الله، وعبد الرّحمن. ومختصر ذلك أن يزيد لما بويع له بعد موت أبيه، وكان أبوه بايع له الناس، فأرسل يزيد إلى عامله بالمدينة الوليد بن عتبة يأخذ له البيعة، فأرسل إلى الحسين، وعبد الله بن الزّبير، فأتياه ليلا وقالا له: مثلنا لا يبايع سرا بل على رؤوس الأشهاد، ثم

_ [1] كربلاء: موضع قرب الكوفة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 445) . [2] أي حين أخذ له أبوه معاوية بن أبي سفيان البيعة من الناس قهرا. [3] في الأصل: «عبد الله» وهو خطأ.

رجعا، وخرجا من ليلتهما في بقية من رجب، فقدم الحسين مكّة، وأقام بها، وخرج منها يوم التروية إلى الكوفة فبعث عبيد الله [1] بن زياد لحربه عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وقيل: أرسل عبد الله [2] ابن الحارث التميميّ، أن جعجع بالحسين، أي احبسه [3] . والجعجاع المكان الضيق [3] . ثم أمر معمر بن سعيد في أربعة آلاف، ثم صار عبيد الله بن زياد يزيد في العسكر إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفا، وأميرهم عمر بن سعد ابن أبي وقّاص، واتفقوا على قتله يوم عاشوراء، قيل: يوم الجمعة، وقيل: السبت، وقيل: الأحد، بموضع يقال له: الطّفّ [4] ، وقتل معه اثنان وثمانون رجلا فيهم الحارث بن يزيد التّميميّ، لأنه تاب آخرا، حين رأى منعهم له من الماء، وتضييقهم عليه، قيل: ووجد بالحسين رضي الله عنه ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة، وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلا. وقال الحسن البصريّ: أصيب مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته، ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبيه، وجاء بعض الفجرة برأسه إلى ابن زياد وهو يقول: أوقر ركابي فضّة وذهبا ... إني [5] قتلت الملك المحجّبا قتلت خير النّاس أمّا وأبا ... [وخيرهم إذ ينسبون نسبا] [6]

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ. [2] في المطبوع: «عبيد الله» . [3] في المطبوع: «أحبه» وهو خطأ، وانظر «لسان العرب» «جعع» (1/ 636) . [4] الطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية ... وهي أرض بادية قريبة من الريف، فيها عدة عيون ماء جارية. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 36) . [5] في «تاريخ الطبري» : «أنا» . [6] البيتان في «تاريخ الطبري» (5/ 454) منسوبان إلى سنان بن أنس، وما بين حاصرتين زيادة منه.

فغضب لذلك، وقال: إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته؟ والله لألحقنك به، وضرب عنقه، وقيل: إن يزيد هو الذي قتل القائل. ولما تم قتله [1] حمل رأسه، وحرم بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه، ومن أمر به، أو رضيه. قيل: قال لهم عند ذلك بعض الحاضرين: ويلكم إن لم تكونوا أتقياء في دينكم، فكونوا أحرارا في دنياكم [2] . والصحيح أن الرأس المكرّم دفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة، وذلك أن يزيد بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق، فكفّنه ودفنه [3] . والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليّ لمخالفيه لأنه الإمام الحق،

_ [1] أي قتل الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه. [2] أقول: لا شك أن قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وأهل بيته في كربلاء كان كارثة عظيمة يتفطر لها قلب كل مسلم ويحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا، ولكن لا يجوز ما يفعله بعض الناس في يوم عاشوراء من ضرب لأنفسهم، وبكاء وصراخ، واتخاذ ذلك اليوم مأتما، لأنه قتل فيه الحسين رضي الله عنه، وقد كان أبوه أفضل منه وقد قتل يوم الجمعة (17) رمضان وهو خارج إلى صلاة الفجر، ولم يتخذوا يوم قتله مأتما. وعثمان بن عفان رضي الله عنه قتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من ذي الحجة ولم يتخذوا يوم قتله مأتما، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر، ولم يتخذوا ذلك اليوم مأتما، ولم يتخذوا يوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مأتما، كما لم يتخذوا يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة مأتما، كما لا يجوز ما يفعله بعض الناس في يوم عاشوراء، من الاختضاب والاغتسال والاكتحال والتطيب، وزيادة المأكولات، فإن ذلك من البدع التي ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه، وإن كان بعض الناس يستشهدون بحديث «من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته» فإن أسانيده كلها ضعيفة، ولم يثبت في يوم عاشوراء إلا فضيلة صيامه، وذلك لأن الله تعالى نجى فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وجنده وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه (ع) . [3] قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/ 204) : وأما رأس الحسين رضي الله عنه،

ونقل الاتفاق أيضا على تحسين خروج الحسين على يزيد، وخروج ابن الزّبير، وأهل الحرمين على بني أمية، وخروج ابن الأشعث [1] ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجّاج. ثم [إن] الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد، والحجّاج، ومنهم من جوّز الخروج على كل ظالم، وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة: قتل عثمان، وقتل الحسين، ويوم الحرّة، وقتل ابن الزّبير، ولعلماء السلف في يزيد وقتلة الحسين خلاف في اللعن والتوقّف. قال ابن الصّلاح [2] : والنّاس في يزيد ثلاث فرق، فرقة تحبّه وتتولّاه، وفرقة تسبّه وتلعنه، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولّاه ولا تلعنه، قال: وهذه الفرقة هي المصيبة، ومذهبها هو اللائق لمن يعرف سير الماضين، ويعلم قواعد الشريعة الظاهرة. انتهى كلامه. ولا أظن الفرقة الأولى توجد اليوم، وعلى الجملة، فما نقل عن قتلة الحسين والمتحاملين عليه يدل على الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم،

_ فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية، ومن الناس من أنكر ذلك، وعندي أن الأول أشهر، والله أعلم. ثم اختلفوا في المكان الذي دفن فيه الرأس، فروى محمد بن سعد أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة، فدفنه عند أمه بالبقيع (ع) . [1] هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، مات سنة (84 هـ) . انظر الصفحة (347) من هذا المجلد، و «الأعلام» للزركلي (3/ 323- 324) . [2] هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشّهرزوري، أبو عمرو، المعروف بابن الصّلاح، لأن أباه عرف بلقبه «صلاح الدين» ، كان إماما، حافظا، قدم دمشق وولي دار الحديث الأشرفية فيها، وتخرج به عدد كبير من طلبة العلم، وكان من علماء الدين الأعلام، وأحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه، مشاركا في عدة فنون، متبحرا في الأصول، والفروع، يضرب به المثل، سلفيا زاهدا حسن الاعتقاد، وافر الجلالة، صنف عددا من الكتب منها «علوم الحديث» ومات سنة (643 هـ) . انظر «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (500) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 207، 208) . وسوف يترجمه المؤلف.

وتهاونهم بمنصب النّبوّة، وما أعظم ذلك، فسبحان من حفظ الشريعة حينئذ وشيّد أركانها حتى انقضت دولتهم، وعلى فعل الأمويين وأمرائهم بأهل البيت حمل قوله صلى الله عليه وسلم: «هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش» [1] . قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت، ومثل فعل يزيد فعل بسر بن أرطاة [2] العامري أمير معاوية في أهل البيت من القتل والتشريد، حتى خدّ لهم الأخاديد، وكانت له أخبار شنيعة في عليّ وقتل ولدي عبيد الله [3] بن عبّاس وهما صغيران على يدي أمّهما، ففقدت عقلها، وهامت على وجهها، فدعا عليه عليّ أن يطيل الله عمره، ويذهب عقله، فكان كذلك، خرف في آخر عمره، ولم تصح له صحبة، وقال الدّارقطني [4] : كانت [له] [5] صحبة ولم تكن له استقامة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال التّفتازاني [6] في «شرح العقائد النسفية» : اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، قال: والحق إن رضى [7] يزيد بقتل

_ [1] رواه أحمد في «المسند» (2/ 520) ولفظه فيه: «هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش» ، ورواه بنحوه البخاري رقم (3605) في المناقب و (7058) في الفتن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [2] في الأصل، والمطبوع: «بشر بن أرطاة» ، وهو خطأ، والتصحيح من كتب التراجم التي بين أيدينا. [3] في الأصل: «عبد الله» وهو خطأ. [4] هو علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني، أبو الحسن، إمام عصره في الحديث، وأول من صنف القراءات وعقد لها أبوابا، وصنف مصنفات مختلفة منها: «السنن» وعليه تدور شهرته، مات سنة (385 هـ) . انظر «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (393، 394) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 314) . [5] لفظة «له» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [6] هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، سعد الدين، من أئمة العربية، والبيان، والمنطق، من كتبه «تهذيب المنطق» ، و «المطول» ، و «المختصر» اختصر به شرح تلخيص المفتاح، و «مقاصد الطالبين» مات سنة (793 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (7/ 219) . [7] في المطبوع: «رضا» وهو خطأ.

الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحادا، قال: فنحن [لا] [1] نتوقف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه [2] . وقال الحافظ ابن عساكر نسب إلى يزيد قصيدة منها: ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل لعبت هاشم بالملك بلا ... ملك جاء ولا وحي نزل [3] فإن صحت عنه، فهو كافر بلا ريب. انتهى بمعناه. وقال الذّهبيّ فيه: كان ناصبيا، فظّا، غليظا، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرّة، فمقته النّاس، ولم يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين، وذكر من خرج عليه، وقال فيه في «الميزان» [4] إنه مقدوح في عدالته ليس بأهل أن يروى عنه. وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين يزيد، فضربه عمر عشرين سوطا. واستفتي الكيا الهرّاسي [5] فيه فذكر فصلا واسعا من مخازيه حتى نفدت الورقة، ثم قال: ولو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي مخازي هذا الرجل.

_ [1] لفظة «لا» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] قلت: لا يجوز لعن المسلم وتكفيره وإن كان فاسقا وعاصيا. [3] البيت الأول من قصيدة لعبد الله بن الزّبعري ذكرها ابن هشام في «السيرة» (2/ 137) ، وأورد البيت مفردا ابن عبد ربه في «العقد الفريد» (5/ 344) ، وانظر «المؤتلف والمختلف» للآمدي ص (132) طبعة الدكتور ف. كرنكو، و «الأعلام» للزركلي (4/ 87) . [4] انظر «ميزان الاعتدال» للحافظ الذهبي (4/ 440) . [5] هو علي بن محمد بن علي الطبري، أبو الحسن، الملقب بعماد الدّين، والمعروف

وأشار الغزالي [1] إلى التوقّف في شأنه، والتنزّه عن لعنه، مع تقبيح فعله. وذكر ابن عبد البرّ [2] ، والذّهبيّ وغيرهما مخازي مروان بأنه أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة، وقتل النّعمان بن بشير أول مولود من الأنصار في الإسلام، وخرج على ابن الزّبير بعد أن بايعه على الطاعة، وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل، وإلى هؤلاء المذكورين، والوليد بن عقبة، والحكم بن أبي العاص، ونحوهم، الإشارة بما ورد في حديث المحشر وفيه: «فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» [3] ولا يرد على ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة، وأن المراد به الغالب وعدم الاعتداد بالنادر، والذين ساءت أحوالهم ولابسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة، وقال اليافعي [4] : وأما حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممن استحلّ

_ ب الكيا الهراسي، فقيه شافعي، ومفسر، مات سنة (504 هـ) . والكيا بالعجمية: الكبير القدر المقدم بين الناس. انظر «إعجام الأعلام» ص (174) ، و «الأعلام» (4/ 329) . [1] هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام، الإمام المشهور. [2] هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، أبو عمرو، من كبار حفاظ الحديث، يقال له: حافظ المغرب، له مصنفات كثيرة متنوعة، منها «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» وغيره من الكتب النافعة، مات سنة (463 هـ) . انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (15/ 498) ، و «الأعلام» للزركلي (9/ 316) وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس. [3] رواه البخاري في صحيحه رقم (6526) في الرقاق، باب الحشر، وفي فرض الخمس، باب قوله تعالى: وَاتَّخَذَ الله إِبْراهِيمَ خَلِيلًا 4: 125 من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) .. إلى قوله (الحكيم) » قال: «فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم» . [4] تقدم التعريف به في الصفحة (65- 66) .

ذلك، فهو كافر، وإن لم يستحلّ فهو فاسق [1] فاجر [2] ، والله أعلم. وفيها توفي حمزة بن عمرو الأسلميّ، وله صحبة ورواية. وأمّ المؤمنين هند المعروفة بأمّ سلمة، وقيل: توفيت سنة تسع وخمسين، وهي آخر أمهات المؤمنين موتا، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنتين من الهجرة، وحين خطبها اعتذرت بكبر السّنّ والأولاد وكونها غيورا [3] فذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كبير أيضا وذو أولاد، وأما الغيرة، فأدعو الله عز وجل أن يذهبها عنك، فكان أزوّاج النبيّ صلى الله عليه وسلم يتحاكمن إليها، لعلمهنّ ببراءتها من الغيرة، وهي صاحبة المشورة المباركة يوم الحديبية، ورأت جبريل عليه السلام في صورة دحيّة الكلبيّ.

_ [1] في المطبوع: «وإن لم يستحل ففاسق» . [2] «مرآة الجنان» (1/ 168) ، والمؤلف ينقل عنه بتصرف. [3] في الأصل: «غيرور» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع.

سنة اثنتين وستين

سنة اثنتين وستين فيها توفي بريدة بن الحصيب الصحابيّ الأسلميّ، وقبره بمرو [1] ، وقد أسلم قبل بدر. وعلقمة بن قيس النّخعيّ الكوفي الفقيه، صاحب ابن مسعود، وكان يشبّه به، واستفتاه غير واحد من الصحابة. وأبو مسلم الخولانيّ [2] اليمني من سادات التابعين صاحب كرامات، أجّج له الأسود العنسيّ [3] ، نارا عظيمة وألقاه فيها فلم تضره، فنفاه لئلا

_ [1] هي مرو الشاهجان، وهي مرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها، نص عليه الحاكم أبو عبد الله في «تاريخ نيسابور» مع كونه ألف كتابه في فضائل نيسابور إلا أنه لم يقدر على دفع فضل هده المدينة، والنسبة إليها مروزي على غير قياس. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 112- 116) ، و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (83) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير. [2] هو عبد الله بن ثوب الخولاني، تابعي، فقيه عابد زاهد، نعته الذهبي بريحانة الشام، أصله من اليمن، أدرك الجاهلية، وأسلم قبل وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يره، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وهاجر إلى الشام، مات بدمشق سنة (62 هـ) ، وقبره بداريّا، وكان يقال: أبو مسلم حكيم هذه الأمة. انظر «تاريخ داريا» للخولاني ص (59- 62) بتحقيق العالم الفاضل الأستاذ سعيد الأفغاني، وفيه وفاته سنة (44 هـ) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 75، 76) . [3] هو عيهلة بن كعب بن عوف العنسي، متنبئ مشعوذ من أهل اليمن، كان بطاشا جبارا، أسلم لما أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان أول مرتد في الإسلام. قتل سنة (11 هـ) . انظر «إعلام السائلين» لابن طولون صفحة (110- 111) بتحقيقي، و «الأعلام» للزركلي (5/ 111) .

يرتاب النّاس فيه، فوفد على أبي بكر مسلما، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله، واستبطئت سريّة، فبينما هو يصلي ورمحه مركوز، جاء طائر ووقع عليه وخاطبه مشيرا له أن السرية سالمة غانمة، تقدم يوم كذا وكذا، وكان كذلك. وفيها توفي عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلّب الهاشميّ نزيل دمشق، له صحبة ورواية. وأمير مصر مسلمة بن مخلّد الأنصاري، له صحبة ورواية أيضا. وفيها غزا سلم بن زياد [1] خوارزم، فصالحوه ثم عبر إلى سمرقند، فصالحوه أيضا.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أسلم من أحور» وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 353) : «سلم ابن أحور» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تاريخ خليفة بن خياط» ص (235) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 471) وفيه أن غزو خوارزم، وسمرقند كان سنة (61 هـ) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (4/ 95) ، و «سلم بن أحور» الذي ذكره الذهبي صوابه «سلم بن أحوز» ولكنه مذكور عند الطبري في حوادث سنة (128) . وانظر ترجمة سلم بن زياد في «الأعلام» للزركلي (3/ 110) .

سنة ثلاث وستين

سنة ثلاث وستين كانت وقعة الحرّة، وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلّة دينه، فجهّز لهم مسلم [1] بن عقبة، فخرجوا له بظاهر المدينة بحرّة واقم [2] فقتل من أولاد المهاجرين والأنصار ثلاثمائة وستة أنفس. ومن الصحابة معقل بن سنان الأشجعيّ، وعبد الله بن حنظلة الغسيل [3] الأنصاري، وعبد الله بن زيد بن

_ [1] في المطبوع: «مسلمة» وهو خطأ. وهو مسلم بن عقبة بن رباح المري، أبو عقبة. [2] حرة واقم: إحدى حرّتي المدينة، وهي الشرقية، سميت برجل من العماليق اسمه واقم، وكان قد نزلها في الدهر الأول، وقيل: واقم اسم أطم من آطام المدينة إليه تضاف الحرة، وهو من قولهم: وقمت الرجل عن حاجته إذا رددته، فأنا واقم. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 249) . [3] هو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب، أبو عبد الرحمن، قتل يوم الحرة، وكان أمير الأنصار يومئذ، وأبوه حنظلة المعروف بغسيل الملائكة، قتل حنظلة يوم أحد شهيدا، وسمي غسيل الملائكة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبكم لتغسله الملائكة» يعني حنظلة، فسألوا أهله: ما شأنه؟ فسئلت صاحبته فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لذلك غسلته الملائكة» وكفى بهذا شرفا ومنزلة عند الله تعالى. ولما كان حنظلة يقاتل يوم أحد التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فاستعلى عليه حنظلة وكاد يقتله، فأتاه شداد بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي، فأعانه على حنظلة، فخلص أبا سفيان، وقتل حنظلة، وقال أبو سفيان: ولو شئت نجتني كميت طمّرة ... ولم أحمل النعماء لابن شعوب وقيل: بل قتله أبو سفيان بن حرب، وقال: حنظلة بحنظلة، يعني بحنظلة الأول هذا غسيل الملائكة، وبحنظلة الثاني ابنه حنظلة، قتل يوم بدر كافرا. عن «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 66) ، وانظر «الإصابة» لابن حجر (2/ 299) .

عاصم المازني الذي حكى وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم [1] ، ومحمّد بن ثابت بن قيس بن شمّاس، ومحمّد بن عمرو بن حزم، ومحمّد بن أبي جهم [2] بن حذيفة، ومحمد بن أبيّ بن كعب، ومعاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري، الذي أقامه عمر يصلي التراويح بالنّاس، وواسع بن حبّان الأنصاري، ويعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التميمي، وكثير بن أفلح أحد كتّاب المصاحف التي أرسلها عثمان، وأبوه أفلح [بن كثير] [3] مولى أبي أيوب، وذلك لثلاث بقين من ذي الحجة، وهجر المسجد النبوي فلم يصلّ فيه جماعة أياما، ولم

_ [1] روى حديث الوضوء البخاري رقم (185) في الوضوء: باب مسح الرأس كله، لقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ 5: 6 [المائدة: 6] ، و (186) بأن غسل الرجلين إلى الكعبين، و (191) باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة، و (192) باب مسح الرأس مرّة، و (197) باب الغسل والوضوء في المحصب والقدح والخشب والحجارة، و (199) باب الوضوء من الثّور، ومسلم رقم (235) في الطهارة: باب وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومالك في «الموطأ» (1/ 18) في الطهارة: باب العمل في الوضوء، وأبو داود رقم (118) و (119) و (120) في الطهارة: باب صفة وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم، والترمذي رقم (35) في الطهارة: باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديدا، و (47) باب فيمن توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا، والنسائي (1/ 71 و 72) في الطهارة: باب حد الغسل، وباب صفة مسح الرأس، وباب عدد مسح الرأس، وأحمد في «المسند» (4/ 38) . ولفظه عند البخاري حدثنا وهيب عن عمرو عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم: فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور فتمضمض، واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين. [2] في الأصل، والمطبوع: «محمد بن أبي جهيم» وهو خطأ، والتصحيح من «أسد الغابة» لابن الأثير (5/ 84) ، و «الإصابة» لابن حجر (9/ 310) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي 2/ 357) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (243) . [3] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل، والمطبوع، وأثبتناه من «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (74) . وقال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (1/ 368) : وكنيته أبو عبد الرحمن. وقيل: أبو بكر، وقيل: غير ذلك.

تمتد حياة يزيد بعد ذلك، ولا أميره مسلم بن عقبة، وفي ذلك يقول شاعر الأنصار: فإن يقتلونا [1] يوم حرّة واقم ... فنحن على الإسلام أوّل من قتل ونحن تركناكم ببدر أذلّة ... وأبنا بأسياف لنا منكم نفل [2] وفيها توفي مسروق الأجدع [3] الهمداني، الفقيه العابد، صاحب ابن مسعود، وكان يصلي حتى تورم قدماه، وحج فما نام إلا ساجدا، وعن الشّعبي قال: ما رأيت أطلب للعلم منه، كان أعلم بالفتوى من شريح.

_ [1] في «معجم البلدان» : «تقتلونا» . [2] البيتان في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 249) ، ونسبهما إلى محمد بن بحرة الساعدي. وأورد عقبهما بيتا آخر هو: فإن ينجو منكم عائذ البيت سالما ... فما نالنا منكم وإن شفنا جلل وعائذ البيت: عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه. [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو مسروق الأجذع» وهو خطأ، فإن مسروقا كان يكنى بأبي عائشة. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (5/ 156) ، و «الإصابة» لابن حجر (10/ 25) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 242) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (251) . قلت: وفي «اللباب» لابن الأثير (3/ 391) : «أبو عامر مسروق بن الأجدع» وهو خطأ، فإن كنيته «أبو عائشة» كما أجمع أصحاب كتب التاريخ والسير، فيستدرك فيه. وإنما سمي مسروقا لأنه سرق وهو صغير ثم وجد. كما ذكر ابن الأثير في «اللباب» .

سنة أربع وستين

سنة أربع وستين في أولها هلك مسلم بن عقبة بهرشى بين مكة والمدينة جبل قريب من الجحفة [1] متجهزا لحرب ابن الزّبير، بعد ما استباح المدينة، وفعل القبائح ابتلاه الله بالماء الأصفر في بطنه، ومن العجب أنه شهد الحرّة وهو مريض في محفة كأنه مجاهد. ومات يزيد بعده بنيّف وسبعين يوما، توفي بالذبحة وذات الجنب، في نصف ربيع الأول بحمص وله ثمان وثلاثون سنة، وصلى عليه ابنه معاوية، وقيل: ابنه خالد، وكان شديد الأدمة، كثير الشعر، ضخما، عظيم الهامة، في وجهه أثر الجدريّ، وكنيته أبو خالد، قيل: قال له أبوه معاوية رضي الله عنه: بايعت لك النّاس، ومهّدت لك الأمر، ولم يتخلّف عن بيعتك إلا أربعة: الحسين، وعبد الله بن عمر، وابن الزّبير، وعبد الرّحمن ابن أبي بكر، فاستوص بالحسين خيرا لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لحمه ودمه، وأما عبد الله بن عمر فقد وقّرته العبادة، فليس له في الملك حاجة، وأما عبد الرّحمن فمغرم بالنساء، فأذعنه بالمال، وأما الذي يثب عليك وثب الأسد، فكذا وكذا، وذكر كلاما معناه التحريض على قتاله، وكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية

_ [1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 397) .

أشهر واثني عشر يوما، وعهد بالأمر إلى ابنه معاوية، فبقي في الأمر شهرين أو أقل ومات، وكان يذكر فيه الخير، ومات وله إحدى وعشرون سنة، وأبى أن يستخلف، وقال: لم أصب حلاوتها فلا أتحمّل مرارتها، ولما كان من أمر الحسين ما كان، بقي ابن الزّبير بمكّة عائذا بالبيت، فجهّز لحربه يزيد الحصين بن نمير السّكوني، فرمى الحصين الكعبة بالمنجنيق، حتى تضعضع بناؤها ووهى، وقتل بحجر المنجنيق المسور بن مخرمة النّوفلي، له صحبة ورواية، واحترق قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل، وجاء نعي يزيد، فترجّل الحصين، وبايع أهل الحرمين ابن الزّبير، ثم أهل العراق واليمن، حتى كادت تجتمع الأمة عليه، وغلب على دمشق الضّحّاك الفهري، مختلف في صحبته، وكان دعا إلى ابن الزّبير ثم تركه، ودعا إلى نفسه، فانحاز عنه مروان في بني أميّة إلى أرض حوران [1] ووافاهم عبيد الله بن زياد من الكوفة مطرودا من أهلها، وتضعضع أمر بني أمية حتى كاد يندرس، فنهض مروان لطلب الملك، فالتقى هو والضّحّاك بعد قصص تطول، فقتل الضّحّاك في نحو ثلاثة آلاف من أصحابه. ثم سار أمير حمص يومئذ النّعمان بن بشير [2] الأنصاري الصحابي لينصر الضّحّاك، فقتله أصحاب مروان. وفيها: توفي بالطاعون الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب، وكان جوادا حليما، عين للخلافة بعد يزيد، ولي إمرة المدينة غير مرة. وفيها توفي ربيعة الجرشي فقيه النّاس زمن معاوية [3] .

_ [1] قال ياقوت: حوران كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار، وما زالت منازل العرب، وذكرها في أشعارهم كثير، وقصبتها بصرى. «معجم البلدان» (2/ 317) . [2] في المطبوع: «النعمان بن بشيرا» وهو تحريف. [3] انظر ترجمته في «الإصابة» لابن حجر (3/ 268، 260) .

وفيها نقض أمير المؤمنين عبد الله بن الزّبير الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم على ما حدّثته خالته عائشة رضي الله عنها، وأدخل الحجر في البيت، وكان قد تشقّق أيضا من المنجنيق واحترق سقفه .

سنة خمس وستين

سنة خمس وستين فيها توجّه مروان إلى مصر فملكها، واستعمل عليها ابنه عبد العزيز، ومهّد قواعدها، ثم عاد إلى دمشق، ومات في رمضان، وعهد بالأمر إلى ابنه عبد الملك، وكان مروان فقيها، وكان كاتب السرّ لابن عمّه عثمان رضي الله عنه، وكان قصيرا [1] كبير الرأس واللحية، دقيق الرّقبة، أوقص [2] أحمر الوجه واللحية، يلقّب خيط باطل [3] عاش ثلاثا وستين سنة. وفيها ولي خراسان المهلّب بن أبي صفرة لابن الزّبير، وحارب الأزارقة [4] وأباد منهم ألوفا.

_ [1] هذا يخالف ما جاء في المراجع التي بين أيدينا، فإنهم ذكروا أنه كان طويلا. قال الزبيدي في «تاج العروس» «خيط» : و «خيط باطل» لقب مروان بن الحكم، لقّب به لطوله، قال: وقال الجوهري: لأنه كان طويلا مضطربا. [2] أي مائل العنق، قصيرها. [3] قال الثعالبي في «ثمار القلوب في المضاف والمنسوب» ص (76) :: وكان مروان بن الحكم يقال له: «خيط باطل» لأنه كان طويلا. ولما بويع مروان بالخلافة بالشام قال أخوه عبد الرحمن بن الحكم- وكان ماجنا حسن الشعر، لا يرى رأي مروان-: فو الله ما أدري وإنّي لسائل ... حليلة مضروب القفا: كيف تصنع؟ لحا الله قوما أمّروا خيط باطل ... على النّاس يعطي ما يشاء ويمنع وقيل: إنما قال عبد الرحمن هذا حين استعمل معاوية مروان على المدينة. عن «أسد الغابة» لابن الأثير (5/ 145) وحاشية المحققين له. [4] الأزارقة: من الخوارج، نسبوا إلى نافع بن الأزرق. (ع) .

وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي الصحابي، والمسيّب بن نجبة الفزاري صاحب علي في أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين، ويسمى جيش التوّابين، وجيش السراة، وكان مروان قد جهز ستين ألفا مع عبيد الله بن زياد ليأخذوا العراق، والتقوا بالجزيرة فانكسر سليمان وأصحابه، وقتل هو والمسيّب وطائفة، وكان لسليمان صحبة ورواية. وفيها مات على الصحيح عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ولم يكن بينه وبين أبيه في الولادة إلّا إحدى عشرة سنة [1] وكان من فضلاء الصحابة وعبّادهم المكثرين في الرواية، وأسلم قبل أبيه، وكان يلوم أباه على القيام في الفتن، وحلف بالله أنه لم يرم في حرب صفّين برمح ولا سهم، وإنما حضرها لعزم أبيه عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أطع أباك» [2] . وفيها توفي الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور صاحب عليّ وابن مسعود، وكان متّهما بالكذب، وحديثه في «السنن» الأربعة [3] .

_ [1] وفي بعض المصادر «ثنتي عشرة سنة» انظر على سبيل المثال «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 349) ، و «الإصابة» لابن حجر (6/ 178) . [2] رواه أحمد في «المسند» (2/ 164 و 207) من حديث حنظلة بن خويلد العنبري قال: بينما أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار بن ياسر رضي الله عنه، يقول كل واحد منهما أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية» قال معاوية: مالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه» فأنا معكم ولست أقاتل. وإسناده حسن. [3] انظر خبره في «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 841) ، و «المجروحين» لابن حبان (1/ 222، 223) .

سنة ست وستين

سنة ست وستين فيها توفي جابر بن سمرة السّوائي الصحابي، وقيل: توفي سنة أربع وستين، وكان أبوه [1] صحابيا أيضا. وزيد بن أرقم الأنصاري، وقيل: في سنة ثمان، وكان غزا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة. وفيها قويت شوكة الخوارج، واستولى نجدة الحروريّ الخارجي على اليمامة، والبحرين.

_ [1] هو سمرة بن جنادة السوائي، أبو جابر. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 453) .

سنة سبع وستين

سنة سبع وستين فيها قتل عمر [1] بن سعد بن أبي وقاص، وعبيد الله بن زياد، وحصين بن نمير السّكوني، الذي حاصر ابن الزّبير وانصرف عنه، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وكثيرون من دعاة الشر، واصطلم عسكرهم، وكانوا أربعين ألفا، وذلك أنه جهز المختار بن أبي عبيد الكذّاب جيشا قدر ثمانية آلاف مع إبراهيم بن الأشتر النخعيّ، فكانت وقعة الخازر [2] بأرض الموصل، وقيل: كانت في السنة التي بعدها، وكانت ملحمة عظيمة انتقم الله فيها من أهل الجرم، ونصبت رؤوسهم حيث نصب رأس الحسين. وروي أن حيّة كانت تدخل في منخري [3] عبيد الله بن زياد وتدور على رأسه، وفعلت ذلك والناس ينظرون، ثم بعث به المختار إلى المدينة في نحو سبعين ألف رأس وشاهدهم نساء أهل البيت الكرام، وبقي الوقوف بين يدي الملك العلام. وفيها، وقيل: في التي قبلها توفي عديّ بن حاتم الطائي وله مائة

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عمرو» وهو خطأ. والتصحيح من «تاريخ خليفة» ص 263 و «تقريب التهذيب» (2/ 56) و «الأعلام» (5/ 47) . [2] في الأصل، والمطبوع: «وقعة الحارث» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 375) و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (263) و «البداية والنهاية» لابن كثير (8/ 283) و «معجم البلدان» (2/ 337) . قلت: وعند خليفة بن خياط، وياقوت إن هذه الوقعة كانت سنة (66 هـ) . [3] في المطبوع: «منخر» .

وعشرون سنة، أسلم سنة سبع وأكرمه النبيّ صلى الله عليه وسلم وألقى له وسادة وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» [1] . وفيها ثارت الفتنة بين ابن الزّبير، والمختار بن أبي عبيد الثقفي كان متلوّنا كذّابا يدعو مرة إلى محمّد بن الحنفيّة، ومرّة لابن الزّبير، حتى ادعى آخرا أن جبريل يأتيه بالوحي من السماء، فلما تحقّق ابن الزّبير سوء حاله، بعث أخاه المصعب لحربه، فقدم المصعب البصرة وتأهّب منها، واجتمع إليه جيش الكوفة، فسار بهم جميعا وعلى مقدّمته عبّاد بن الحصين، وعلى ميمنته المهلّب بن أبي صفرة، وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، فجهز المختار لحربهم أحمر بن شميط، وكيسان [2] فهزمهم مصعب، وقتل أحمر، وكيسان، وقتل من جيش مصعب محمّد بن الأشعث الكندي ابن أخت أبي بكر الصّدّيق، وعبيد الله بن عليّ بن أبي طالب، وقتل من جند المختار عمر الأكبر بن عليّ بن أبي طالب، ثم سار جيش مصعب فدخلوا الكوفة، وحصروا المختار بقصر الإمارة أياما إلى أن قتله الله في رمضان وصفت العراق لمصعب.

_ [1] ذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» من رواية العسكري عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة فجلس على الأرض وقال: أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا، وأسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» وسنده ضعيف، ورواه ابن ماجة في «سننه» مقتصرا على حديث «إذا أتاكم كريم فأكرموه» رقم (3712) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف. وله شاهد عند الطبراني في الأوسط من حديث جرير بن عبد الله البجلي بمعناه، وسنده ضعيف أيضا، وله عدة روايات ضعيفة، ولأبي داود في «المراسيل» وسنده صحيح من حديث طارق عن الشعبي رفعه مرسلا «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» وروي متصلا وليس بشيء قال السخاوي: وفي الباب عن جابر وابن عباس ومعاذ وأبي قتادة وأبي هريرة وآخرين، قال: وبهذه الطرق يقوى الحديث وإن كانت مفرداتها كما أشرنا إليها ضعيفة. وانظر «المقاصد الحسنة» ص (33 و 34) . [2] ويعرف أيضا بأبي عمرة، وكان مولى لعرينة. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 96) .

سنة ثمان وستين

سنة ثمان وستين فيها توفي عبد الله بن عبّاس الهاشمي حبر الأمة بالطّائف عن إحدى وسبعين سنة، كان يقال له: البحر، والحبر، وترجمان القرآن، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في دعائه له: «اللهمّ فقهه في الدّين وعلمه التأويل» [1] وذهب بصره آخرا فقال: إن يذهب الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكيّ وذهني غير ذي وكل ... وفي فمي صارم كالسّيف مشهور [2] ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وكان جميلا نبيلا مجلسه مشحونا بالطلبة

_ [1] رواه أحمد في «المسند» (1/ 266 و 314 و 328 و 355) وابن سعد في «الطبقات» (2/ 365) والطبراني في «الكبير» رقم (10587) والحاكم (3/ 534) وصححه ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. قال الحافظ ابن حجر، اشتهرت هذه اللفظة حتى نسبها بعضهم للصحيحين، ولم يصب. ا. هـ. أقول: نعم أصل الحديث في البخاري والترمذي عن ابن عباس قال: ضمني النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: «اللهمّ علمه الحكمة» وفي رواية عند البخاري عن ابن عباس «اللهمّ علمه الكتاب» وفي مسلم «اللهمّ فقهه» عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وفي رواية للبخاري عن ابن عباس «اللهمّ فقهه في الدين» رقم (143) في الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء. [2] البيتان في «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 294) و «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (6/ 269) ولفظهما فيهما: إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور

في أنواع العلوم، قال بعضهم: حج معاوية وابن عبّاس وكان [1] لمعاوية موكب بالولاية، ولابن عباس موكب بالرواية والدراية. قال ابن عبّاس: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهمّ علمه الحكمة» [2] . وقال أيضا: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ناصيتي وقال: «اللهمّ علمه الحكمة وتأويل الكتاب» [3] . وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أجلد رأيا ولا أثقب نظرا حين ينظر من ابن عبّاس، وإن كان عمر بن الخطّاب ليقول [4] له: قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولأمثالها. وقال عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عبّاس، أكثر فقها وأعظم، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كلهم في واد واسع. وقال مغيرة: قيل لابن عباس: أنى أصبت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول [5] . وقال مجاهد: كان ابن عبّاس يسمى البحر من كثرة علمه [6] .

_ [1] في المطبوع: «فكان» . [2] رواه البخاري رقم (75) في العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم علمه الكتاب» والمراد به القرآن وفي رواية «اللهمّ علمه الحكمة» ، والمراد بالحكمة السنة، قال الحافظ في «الفتح» : وفي رواية للنسائي والترمذي من طريق عطاء عن ابن عباس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتى الحكمة مرتين. [3] رواه ابن سعد في «الطبقات» (2/ 365) وإسناده ضعيف، ولكن تشهد له الأحاديث التي قبله. [4] في المطبوع: «وكان عمر بن الخطاب يقول له» . [5] قلت: جاء في «الإصابة» لابن حجر (6/ 134) قوله: قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري قال: قال المهاجرون لعمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول. وساق الذهبي هذه الرواية بلفظ قريب في «سير أعلام النبلاء» (3/ 345) موقوفة على معمر. [6] انظر «أنساب الأشراف» للبلاذري (3/ 33) ، و «المستدرك على الصحيحين» للحاكم

وقال طاووس [1] : أدركت نحوا من خمسين [2] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ابن عبّاس شيئا فخالفوه لم يزل بهم حتى يقرّرهم. وقال ابن أبي نجيح: كان أصحاب ابن عبّاس يقولون: ابن عبّاس أعلم من عمر، ومن عليّ، ومن عبد الله [3] ويعدّون ناسا، فيثب عليهم الناس فيقولون: لا تعجلوا علينا، إنه لم يكن أحد من هؤلاء إلّا وعنده من العلم ما ليس عند صاحبه، وكان ابن عبّاس قد جمعه كلّه. وقال الأعمش: كان ابن عبّاس إذا رأيته قلت: أجمل الناس، فإذا تكلم قلت: أفصح الناس، فإذا حدّث قلت: أعلم النّاس [4] . وفيها عزل ابن الزّبير أخاه مصعبا عن العراق وولاها ابنه حمزة. وتوفي أبو شريح [5] الخزاعي الكعبي، ويقال له أيضا: العدوي، وكان قد أسلم قبل فتح مكة. وأبو واقد الليثيّ [6] ، وكان ممن شهد الفتح وعاش بضعا وسبعين سنة.

_ (3/ 535) ، و «حلية الأولياء» لأبي نعيم (1/ 316) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 350) . [1] في المطبوع: «طاوس» . [2] قلت: في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 351) عن طاووس أيضا قوله: أدركت خمس مائة من الصحابة ... ، وفي «الإصابة» لابن حجر (6/ 137) عن طاووس قوله: أدركت خمسين، أو سبعين من الصحابة ... نقلا عن البغوي. [3] يعني عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. [4] الخبر في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 351) منسوب إلى مسروق، وفي حاشيته نسب إلى البلاذري في «أنساب الأشراف» (3/ 30) من كلام مسروق أيضا. [5] واسمه خويلد بن عمرو، وقيل غير ذلك. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 164) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 243) ، و «الإصابة» لابن حجر (11/ 192) . [6] قيل اسمه الحارث بن مالك، وقيل غير ذلك. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (25) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 325) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 88) .

سنة تسع وستين

سنة تسع وستين فيها كان طاعون الجارف [1] بالبصرة، قال المدائني [2] : حدثني من أدرك الجارف قال: كان ثلاثة أيام فمات في كل يوم نحو من سبعين ألفا، ومات لأنس بن مالك نحو سبعين ابنا، ومات فيه عشرون ألف عروس، وأصبح النّاس في اليوم الرابع ولم يبق إلّا اليسير من الناس، وصعد ابن عامر [3] المنبر يوم الجمعة فلم يجتمع معه إلّا سبعة رجال وامرأة، فقال: ما ما فعلت الوجوه؟ فقالت المرأة: تحت التراب أيها الأمير. وفيه مات قاضي البصرة أبو الأسود الدّؤلي [4] الذي أسس النحو

_ [1] قال ابن منظور: «والطاعون الجارف الذي نزل بالبصرة كان ذريعا فسمي جارفا، جرف الناس كجرف السّيل. «لسان العرب» «جرف» (1/ 602) . [2] هو علي بن محمد بن عبد الله المدائني، العلّامة الحافظ الصادق الأخباري، المصدق فيما ينقله، قال ابن تغري بردي: تاريخه أحسن التواريخ وعنه أخذ الناس تواريخهم. مات سنة (225 هـ) . انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 400- 402) و «الأعلام» للزركلي (4/ 323) ، وسوف ترد ترجمته في الجزء الثالث من كتابنا هذا. [3] كذا في الأصل، والمطبوع، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 383) ، وفي «دول الإسلام» للذهبي (1/ 52) : «فلما كان يوم الجمعة بقي الجامع يصفر لم يحضر للصلاة سوى سبعة رجال وامرأة، فقال الخطيب ما فعلت تلك الوجوه؟ فقالت المرأة: تحت التراب» وهو الصواب، وأما ذكر «ابن عامر» في الخبر في كتابنا هنا، وفي «تاريخ الإسلام» فأظن أنه مقحم على النص، والله تعالى أعلم. [4] هو ظالم بن عمرو على الأشهر، ولد في أيام النبوة، وحدّث عن عمر، وعلي، وأبيّ بن

بإشارة عليّ إليه. وفيها قتل نجدة الخارجي الحروري، قتله أصحابه واختلفوا عليه، وقيل: ظفر به أصحاب ابن الزّبير. وفيها مات قبيصة بن جابر الأسدي [1] ، وكان فصيحا [2] مفوّها، روى عبد الملك بن عمير عنه قال: قال لي عمر: إني أراك شابا فصيح اللسان فسيح الصدر. وفيها أعاد ابن الزّبير أخاه مصعبا وعزل ابنه حمزة، وقصد هو وعبد

_ كعب، وأبي ذر، وعبد الله بن مسعود، والزّبير بن العوام، وطائفة، وحدث عنه ابنه، ويحيى بن يعمر، وابن بريدة، وعمر مولى غفرة، وآخرون، وقرأ القرآن على عثمان، وعلي، قال محمد بن سلّام الجمحي: أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف. وحرف الرفع والنصب والجر والجزم، فأخذ ذلك عنه يحيى بن يعمر، وقال أبو عبيدة: أخذ أبو الأسود عن عليّ العربية، وقال المبرد: حدثنا المازنيّ قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو أن بنت أبي الأسود قالت له: ما أشد الحرّ! فقال: الحصباء بالرمضاء، قالت: إنما تعجب من شدته، فقال: أوقد لحن الناس؟ فأخبر ذلك عليا رضي الله عنه، فأعطاه أصولا بنى منها، وعمل بعده عليها، وهو أول من نقط المصاحف، وأخذ عنه النحو عنبسة الفيل، وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذه عنه عيسى بن عمر، وأخذه عنه الخليل بن أحمد، وأخذه عنه سيبويه، وأخذه عنه سعيد الأخفش. وقال الجاحظ: أبو الأسود مقدّم في طبقات الناس، كان معدودا في الفقهاء، والشعراء، والمحدّثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدّهاة، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصّلع الأشراف. له شعر جيد أشهره أبيات يقول فيها: «لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم» انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 1- 86) و «شرح أبيات المغني» للبغدادي (4/ 229، 230) ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 236) و (6/ 112، 113) . [1] في الأصل، والمطبوع: «قبيصة بن خالد الأسدي» وهو تحريف، والتصحيح من المصادر التي بين يدي، وهو تابعي كبير. [2] في المطبوع: «نصيحا» وهو خطأ.

الملك بن مروان كل منهما الآخر، ثم فصل بينهما الشتاء، فوثب على دمشق في غيبة عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، وأراد الخلافة، فجاء عبد الملك وجرى بينهما قتال وحصار، ثم نزل إليه بالأمان. وفيها كان بين الأزارقة، وبين المهلّب [1] حرب شديد، ودام القتال أشهرا [2] بسولاف [3] .

_ [1] هو المهلب بن أبي صفرة. انظر ترجمته في الصفحة (334) من هذا المجلد. [2] في الأصل: «أشهر» ، وفي المطبوع: «شهرا» . [3] قال ياقوت: سولاف قرية في غربي دجيل من أرض خوزستان قرب مناذر الكبرى. انظر «معجم البلدان» (3/ 285) .

سنة سبعين

سنة سبعين فيها غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق، بعد أن أمّنه، وحلف له، وجعله وليّ عهده من بعده، فذبحه صبرا [1] . وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطّاب العدويّ، وولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جدّ عمر بن عبد العزيز من قبل أمه، وقيل: كانت وفاته لستين سنة. وفيها مات مالك بن يخامر [2] السّكسكي صاحب معاذ، وكان قد أدرك الجاهلية. وفيها كان الوباء بمصر. وفيها قال ابن جرير: ثارت الروم وقووا على المسلمين لاختلاف كلمتهم، فصالح عبد الملك ملك الروم على أن يؤدّي [إليه في] [3] كلّ جمعة ألف مثقال [4] ، وهو أول وهن دخل على المسلمين والإسلام.

_ [1] انظر «الكامل» لابن الأثير (4/ 297- 301) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 449، 450) ، و «دول الإسلام» للذهبي (1/ 52، 53) . [2] قال ابن الأثير: ويقال: مالك بن أخامر. «أسد الغابة» (5/ 56) وانظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 98) . قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» يقال: له صحبة. وقال العجلي: شامي تابعي ثقة. وقال أبو نعيم: ذكره بعضهم في الصحابة، ولا يثبت. [3] ما بين حاصرتين زيادة من «تاريخ الطبري» . [4] قلت: الذي في «تاريخ الطبري» (6/ 150) : «ففي هذه السنة ثارت الروم، واستجاشوا على

سنة إحدى وسبعين

سنة إحدى وسبعين فيها توفي عبد الله بن أبي حدرد الأسلميّ ممن بايع تحت الشجرة، وله روايات في غير الكتب الستة [1] . [2] .

_ من بالشام من ذلك من المسلمين، فصالح عبد الملك ملك الروم، على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفا على المسلمين. [1] قلت: وله أحاديث في «مسند أحمد» . انظر (3/ 423) و (6/ 11) وفي غيره، له ولأبيه صحبة، وأول مشاهده الحديبية، ثم خيبر، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليس له أحاديث في الكتب الستة. وقد أخرج أحمد (3/ 423) عن إبراهيم بن إسحاق عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الله بن محمد بن أبي يحيى عن أبيه عن ابن أبي حدرد الأسلمي أنه كان اليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه، فقال: يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها، فقال: «أعطه حقه» قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها. قال: «أعطه حقه» قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك تبعتنا إلى خيبر، فأرجو أن تغنما شيئا، فأرجع فأقضه، قال: «أعطه حقه» قال: وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثا لم يراجع، فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو متزر ببردة فنزع العمامة عن رأسه، فاتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر مني هذه البردة، فباعها منه بأربعة الدراهم، فمرت عجوز، فقالت: مالك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرها: فقالت: ها دونك هذا يبرد عليها طرحته عليه. وقد ساق هذا الحديث ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن أبي حدرد في «تاريخ دمشق» (عبد الله بن جابر عبد الله بن زيد) ص (117 و 118) ، وابن الأثير في «أسد الغابة» (3/ 211) ، وابن حجر في «الإصابة» (6/ 54) وقد فات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ذكره في فهرسه ل «مسند أحمد» (3/ 423) في أحاديث عبد الله بن أبي حدود، فيستدرك فيه، حيث لم يذكر عبد الله بن أبي حدرد إلّا في (6/ 11) . [2] قلت: وفيها قتل بخراسان أميرها عبد الله بن خازم رضي الله عنه. انظر «أسد الغابة» لابن

سنة اثنتين وسبعين

سنة اثنتين وسبعين فيها توفي أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاريّ الحارثيّ نزيل الكوفة، كان من أقران ابن عمر، استصغر يوم بدر [1] . ومعبد بن خالد الجهنيّ صاحب لواء جهينة يوم الفتح، له حديث واحد عن أبي بكر [2] رضي الله عنهما. وفيها على الصحيح توفي أبو بحر المعروف بالأحنف [3] بن قيس

_ الأثير (3/ 220، 221) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 107) . وفيها قتل مصعب بن الزّبير رحمه الله. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 159- 167) ، و «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (67) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 323- 328) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 248، 249) ، ولما انتهى إلى عبد الله بن الزّبير قتل مصعب، قام في الناس فخطبهم خطبة مؤثرة ساقها بتمامها الطبري في «تاريخه» (6/ 166) ويحسن بالقارئ الرجوع إليه للاطّلاع عليها. [1] له رواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وخمسة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على اثنين وعشرين منها، وانفرد البخاري بخمسة عشر، ومسلم بستة. (ع) . [2] وذكر ابن الأثير في «أسد الغابة» (5/ 217) ، وابن حجر في «الإصابة» (9/ 242) أن له رواية أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقد أسلم قديما، وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة يوم الفتح، يكنى أبا زرعة. وهو غير معبد الذي تكلم في القدر. [3] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 87) : اسمه الضحاك، وقيل: صخر، وشهر بالأحنف لحنف رجليه، وهو العوج والميل. وانظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (87) .

التّميمي السّعدي، كان من سادات التّابعين، يضرب بحلمه المثل، فعن الحسن [1] قال: ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف أدرك عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأسلم قومه بإشارته، ولم يفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد على عمر، وله رواية عن عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم، قال له معاوية: ما أذكر صفّين إلّا وكانت في قلبي حرارة، فقال الأحنف: إنّ القلوب التي أبغضناكم بها لفي صدورنا، وإنّ السيوف التي قاتلناكم بها لفي أغمادها، ثم خرج، فقالت أخت معاوية: [من] [2] هذا؟ قال: [هذا] الذي غضب له ألف فارس من تميم لا يدرون فيما غضب، ولما بايع [3] معاوية لولده يزيد حسّن له بعض الحاضرين ذلك فقال له معاوية: فما تقول أنت يا أبا بحر؟ فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت، فقال معاوية: جزاك الله من الطاعة خيرا، وأمر له بألوف، فلما خرجا قال له ذلك الرجل: إني لأعلم ذمّ يزيد، ولكنّهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال نستخرجها بما سمعت، فقال الأحنف: إنّ ذا الوجهين خليق أن لا يكون له وجه عند الله [4] . ونقل الإمام الطّرطوشي [5] أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن الأحنف ابن قيس، وعن صفاته، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن شئت أخبرتك عنه بواحدة، وإن شئت أخبرتك عنه بثنتين، وإن شئت أخبرتك عنه بثلاث،

_ [1] أي الحسن البصري رحمه الله. [2] لفظة «من» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [3] في المطبوع: «ولما بلغ» وهو خطأ. [4] الخبر في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 92) بنحوه مختصرا، وليس فيه ذكر بيعة يزيد. [5] هو محمد بن الوليد الفهري الطّرطوشي، أبو بكر، أحد الأئمة الكبار المتوفى سنة (520 هـ) . انظر ترجمته في حوادث سنة (520) من كتابنا هذا، و «معجم البلدان» لياقوت (4/ 30، 31) .

فقال: أخبرني عنه باثنتين، فقال: كان الأحنف يفعل الخير ويحبّه، ويتوقّى الشرّ ويبغضه، قال: فأخبرني عنه بثلاث، قال: كان لا يحسد أحدا، ولا يبغي على أحد، ولا يمنع أحدا حقّه، قال: فأخبرني عنه بواحدة، قال: كان من أعظم النّاس سلطانا في قيامه على نفسه. وفيها على الصحيح عبيدة [1] السّلماني المرادي الكوفي الفقيه المفتي، أسلم في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتفقّه بعليّ وابن مسعود، قال الشعبيّ: كان يوازي شريحا في القضاء. وفيها وقعة دير الجاثليق [2] بالعراق، وكانت وقعة هائلة بين مصعب وعبد الملك، وذلك أن عبد الملك أفسد جيش مصعب بالأطماع، ولما استظهر عبد الملك، أرسل إلى مصعب بالأمان فأبى، وقال: [إن] [3] مثلي لا ينصرف [عن مثل هذا الموقف] [4] إلّا غالبا أو مغلوبا، فأثخنوه بالرّمي، ثم شدّ عليه زائدة بن قدامة الثقفي [5] فطعنه وقال: يا لثارات المختار [6] وانصرف إلى عبد الملك.

_ [1] هو عبيدة بن عمرو، ويقال: عبيدة بن قيس. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (99) وفيه وفاته سنة (64) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 40- 44) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 199) . [2] قال ياقوت: دير الجاثليق: دير قديم البناء، رحب الفناء، من طسوج، مسكن قرب بغداد في غربي دجلة في عرض حربى، وهو في رأس الحدّ بين السواد وأرض تكريت ... وقال الشابستي: دير الجاثليق عند باب الحديد قرب دير الثعالب في وسط العمارة بغربي بغداد. «معجم البلدان» (2/ 503) . [3] زيادة من «تاريخ الإسلام» (3/ 109) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 159) . [4] زيادة من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 109) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 159) . [5] في الأصل، والمطبوع: «زياد بن عمرو بن حيسة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 109) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 159) و «الكامل» لابن الأثير (4/ 328) ، و «الأعلام» (3/ 40) . [6] أي المختار بن أبي عبيد الثقفي ابن عم «زائدة» الذي قتل على يد مصعب بن الزّبير سنة

وقتل مع مصعب ولداه عيسى، وعروة، وإبراهيم بن الأشتر النّخعيّ سيّد النّخع وفارسها، ومسلم بن عمرو الباهليّ. واستولى عبد الملك على العراق وولّاها أخاه بشرا، وفيه يقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق وبعث الأمراء إلى الأمصار، وبعث الحجّاج إلى مكة لحرب ابن الزّبير فقتله، واستوى الأمر لعبد الملك من غير معارض [1] .

_ (67 هـ) . انظر «دول الإسلام» للذهبي (1/ 51) ، و «الأعلام» للزركلي (7/ 192) . [1] قلت: الأصح أن يقال: من غير منازع، لأن المعارضين لحكم الأمويين كانوا كثرة في معظم الأمصار الإسلامية في تلك الفترة، إلّا أنه لم يكن أمامهم سوى الرضوخ أمام منطق القوة الذي ساد في أيام خلافة عبد الملك ومن سبقه من خلفاء الدولة الأموية.

سنة ثلاث وسبعين

سنة ثلاث وسبعين فيها توفي عوف بن مالك الأشجعيّ الحبيب الأمين، وكان ممن شهد فتح مكة [1] . وأبو سعيد بن المعلّى [2] الأنصاريّ له صحبة ورواية. وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي عمّ محمّد بن المنكدر، له رواية عن عمر. وفيها نازل الحجّاج ابن الزّبير فحاصره، ونصب المنجنيق على أبي قبيس [3] ، ودام القتال أشهرا، وتفرّق عن عبد الله أصحابه، فأخبر أمّه بذلك

_ [1] للتوسع في دراسة سيرته رضي الله عنه راجع «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 312، 313) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 40، 41) و «الإصابة» لابن حجر (7/ 179) . [2] هو الحارث بن نفيع بن المعلى وهو أصح ما قيل فيه. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 142) ، و «الإصابة» لابن حجر (11/ 165) . توفي سنة (73 هـ) وقيل: (74 هـ) . وليس له في البخاري سوى حديث واحد في فضل سورة الفاتحة، وظن بعضهم أنه أبو سعيد الخدري، منهم الإمام الغزالي أبو حامد، والفخر الرازي والبيضاوي، وهو وهم منهم لأن الحديث لأبي سعيد بن المعلّى، وهو الحارث بن نفيع بن المعلى. [3] قال ياقوت: أبو قبيس: بلفظ التصغير كأنه تصغير قبس النار: وهو اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة وبينهما، أبو قبيس من شرقيها، وقعيقعان من غربيها، قيل: سمي باسم رجل من مذحج كان يكنى أبا قبيس، لأنه أول من بنى فيه قبة. وانظر تتمة كلامه في «معجم البلدان» (1/ 80، 81) .

واستشارها، فقالت: يا بنيّ إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت، وإن كان لله فلا تسلّم نفسك، فقاتلهم، ولم يزل يهزمهم عند كلّ باب حتى أصابته رمية في رأسه، فنكس رأسه وهو يقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدّما فلما سقط، قالت جارية له: وا أمير المؤمنين، فعرفوه، ولم يكونوا عرفوه من لباس الحديد، فشدّوا عليه من كلّ جانب، وقتلوه قريبا من باب المسجد من ناحية الصّفا، وذلك في جمادى الأولى [1] وطافوا برأسه في مصر [2] وغيرها. قال النواوي في «شرح مسلم» [3] مذهب أهل الحقّ أنّ ابن الزّبير كان مظلوما و [أن] الحجّاج ورفقته خارجون عليه. ودخل الحجّاج على أمّه بعد قتله فقال: كيف رأيتني صنعت بابنك؟ فقالت: أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، أنّ في ثقيف مبيرا وكذّابا، فأمّا الكذّاب فرأيناه- يعني المختار- وأما المبير فلا إخالك [4] إلا إيّاه [5] . والمبير المهلك. قتل وله [6] اثنتان وسبعون سنة، وكانت ولايته تنيف على ثمان سنين،

_ [1] وذلك يوم الثلاثاء في السابع عشر منه، كما ذكر النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 367) . [2] في «الكامل» لابن الأثير، و «تاريخ الإسلام» للذهبي، أن رأس عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه أرسل إلى الشام. [3] «صحيح مسلم بشرح النووي» (16/ 99) . [4] في المطبوع: «أخالك» ، وهو تحريف. [5] الحديث في «صحيح مسلم» رقم (2545) في فضائل الصحابة: باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها. [6] أي لعبد الله بن الزّبير رضي الله عنه.

وكان ابن الزّبير صوّاما، قوّاما مستغرق الساعات في الطّاعات، بطلا شجاعا، ومناقبه شهيرة كثيرة، رضي الله تعالى عنه. وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أميّة بن خلف الجمحيّ رئيس مكة، وابن رئيسها، ولد في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولما حجّ معاوية قدّم له ابن صفوان ألفي شاة. وقتل معه أيضا عبد الله بن مطيع بن الأسود العدويّ، الذي ولي الكوفة لابن الزّبير قبل غلبة المختار. وقتل معه عبد الرّحمن بن عثمان بن عبد الله التيميّ، ممن أسلم يوم الحديبية. وتوفّيت أمّ عبد الله بن الزّبير بعد مصاب ابنها بيسير، وهي أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق، وهي في عشر المائة، وهي من المهاجرات الأول، ومن أهل السّوابق في الإسلام، وهي ذات النّطاقين [1] ، رضي الله عنها. وفيها استوثق الأمر لعبد الملك بن مروان بمقتل ابن الزّبير، وولي الحجّاج أمر الحجاز، ونقض بناء ابن الزّبير الكعبة [2] وأعادها إلى بنائها في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمشاورة عبد الملك بن مروان. وسبب هدم ابن الزّبير الكعبة، أنها كانت قد تهدّمت وتشعّثت من حجر المنجنيق الذي كان يرمي به الحصين بن نمير وأصحابه، وحدّثته خالته عائشة أنّ قريشا قصّرت بهم النفقة- يعني الحلال التي كانوا جمعوها لبنائها-

_ [1] سميت ذات النطاقين، لأنها هيأت للرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة سفرة، فاحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين، فشدت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقا لها. [2] في المطبوع: «للكعبة» .

فاقتصروا عن قواعد إبراهيم ستة أذرع أو سبعة، وهي الحجر، ولما عزم ابن الزّبير على ذلك فرقت الناس، وخرج بعضهم هاربا إلى الطائف، وإلى عرفات، ومنى وطلع ابن الزّبير بنفسه واتّخذ معه عبدا حبشيا دقيق السّاقين رجاء أن يكون ذا السّويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة [1] ، وأما الحجّاج فلم يهدمها إلّا أنفة أن يبقى هذا الشّرف والمكرمة لابن الزّبير، واختلفوا كم بنيت مرّات، فقيل: سبعا، وقيل: خمسا، ومنشأ الخلاف أنّها هل بنيت قبل بناء إبراهيم، أو هو أول من بناها؟.

_ [1] قلت: وذلك أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «يخرّب الكعبة ذو السّويقتين من الحبشة» رواه البخاري رقم (1596) في الحج: باب هدم الكعبة، ومسلم رقم (2909) في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، ورواه النسائي (5/ 216) في الحج: باب بناء الكعبة. وقال ابن الأثير في «جامع الأصول» (9/ 302) : ذو السويقتين: الساق: ساق الإنسان، وهي مؤنثة، وتصغيرها: سويقة بالتاء، على قياس تصغير أمثالها، وتثنيتها: سويقتان، بإثبات التاء في التثنية، لأن تثنيتها مصغرة، وإنما صغرها لأنه أراد ضعفها ودقتها، لأن عامة الحبشة في أسواقهم دقّة وحموشة.

سنة أربع وسبعين

سنة أربع وسبعين فيها توفي السّيّد الجليل الفقيه العابد الزّاهد أبو عبد الرّحمن عبد الله بن عمر بن الخطّاب العدويّ، وكان قد عيّن للخلافة يوم التّحكيم، مع وجود عليّ والكبار رضي الله عنهم. وقال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ عبد الله رجل صالح» [1] . وقال: «نعمّ الرّجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل» فكان بعدها لا يرقد من الليل إلّا قليلا [2] ، وكان من زهّاد الصحابة وأكثرهم اتّباعا للسّنن،

_ [1] رواه البخاري في التعبير: باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام، ومسلم رقم (2478) في فضائل الصحابة، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق، وليس مكان أريد من الجنة، إلّا طارت إليه، قال: فقصصته على حفصة، فقصته حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخاك رجل صالح» أو «إن عبد الله رجل صالح» . [2] رواه البخاري في التهجد: باب فضل قيام الليل، ومسلم رقم (2479) في فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأي رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكنت غلاما شابا عزبا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وأذاقها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فلقيهما ملك فقال لي: لم ترع (أي لا روع عليك) فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» فكان بعد لا ينام من الليل إلّا قليلا.

وأعزفهم [1] عن الفتن، وتمّ له ذلك إلى أن مات. قيل: اعتمر قريبا من ألف عمرة. قال مالك: بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة، أفتى في ستين منها، ولما مات أمرهم أن يدفنوه ليلا ولا يعلموا الحجّاج لئلا يصلّي عليه، ودفن في ذات أذاخر [2] يعني فوق القرية التي يقال: لها العابدة، وبعضهم يزعم أنها في الجبل الذي فوق البستان على يمين الخارج من مكّة إلى المحصّب [3] . وتوفي بعده في تلك السنة أبو سعيد الخدريّ سعد بن مالك الأنصاريّ، وكان من أعيان الصحابة وفقهائهم، شهد الخندق، وبيعة الرّضوان، وغيرهما. وفيها توفي بالمدينة سلمة الأكوع الأسلميّ، وكان ممن بايع النبيّ صلى الله عليه وسلم على الموت يوم الحديبية، وكان بطلا شجاعا راميا، يسبق الفرس عدوا [4] ، وله سوابق ومشاهد محمودة. وفيها توفّي بالكوفة أبو جحيفة [5] السّوائيّ، ويقال له: وهب الخير، له

_ [1] في المطبوع: «أعرفهم» وهو خطأ. [2] قال الزبيدي: ثنيّة أذاخر بالفتح: قرب مكة بينها وبين المدينة، وكأنها مسماة بجمع الإذخر. «تاج العروس» «ذخر» (11/ 364) . وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 128) ، و «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (2/ 35) . [3] قال الزبيدي: المحصّب اسم الشّعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكّة ومنى، يقام فيه ساعة من الليل، ثم يخرج إلى مكّة، سمي به للحصباء الذي فيه، وكان موضعا نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن سنّه للناس، فمن شاء حصّب، ومن شاء لم يحصّب. وانظر تتمة كلامه في «تاج العروس» «حصب» (2/ 284، 285) . [4] في الأصل، والمطبوع: «شدا» وهو خطأ، والتصحيح من «دول الإسلام» للذهبي (1/ 54) . [5] واسمه وهب بن عبد الله السّوائي. انظر «أسد الغابة» (6/ 48) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 202) ، و «سير أعلام النبلاء» (3/ 202) ، وقال النووي: ويقال: وهب بن وهب.

صحبة ورواية، وكان صاحب شرطة عليّ رضي الله عنه، وكان يقوم تحت منبره يوم الجمعة، وقيل: تأخر إلى بعد الثمانين [1] . وفيها توفّي محمّد بن حاطب بن الحارث الجمحيّ، له صحبة ورواية، وهو أوّل من سمّي في الإسلام محمّدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورافع بن خديج الأنصاريّ الصحابيّ، أصابه سهم يوم أحد فبقي النّصل إلى أن مات في جسمه. وأوس بن ضمعج الكوفيّ العابد. وخرشة بن الحرّ [2] ، وقد ربّي يتيما في حجر عمر، ونزل الكوفة. وعاصم بن ضمرة [3] السّلولي. ومالك بن أبي عامر الأصبحيّ، جدّ الإمام مالك، له رواية عن عمر وعثمان. وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذليّ بالمدينة له رواية ورؤية [4] ، وكان كثير الحديث والفتوى. وعبد الله بن عمير الليثيّ.

_ [1] وفي «أسد الغابة» و «تهذيب الأسماء واللغات» توفي سنة (72 هـ) . قال الذهبي: والأصح موته في سنة أربع وسبعين. وهو ما جزم به ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» ص (46) . [2] في الأصل، والمطبوع: «خرسة بن الحرة» وهو خطأ. والتصحيح من «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (106) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 127) ، و «الإصابة» لابن حجر (3/ 88) ، و «الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (3/ 192) . [3] في المطبوع: «عاصم بن حمزة» وهو خطأ. [4] في المطبوع: «له رؤية ورواية» .

سنة خمس وسبعين

سنة خمس وسبعين فيها حجّ عبد الملك بن مروان، وخطب على منبر رسول الله [1] صلى الله عليه وسلم، وعزل الحجّاج عن الحجاز وأمّره على العراقين. وفيها توفّي العرباض بن سارية السّلمي أحد أصحاب الصّفّة بالشّام [2] . وأبو ثعلبة الخشنيّ [3] بالشام، وقد شهد فتح خيبر. وعمرو بن ميمون الأوديّ، قدم مع معاذ من اليمن، فنزل الكوفة، وكان صالحا قانتا، قيل: حجّ مائة حجّة وعمرة [4] ، وكان إذا رؤي ذكر الله. والأسود بن يزيد النّخعيّ [5] الكوفيّ الفقيه العابد، كان يصلّي في اليوم والليلة سبعمائة ركعة، واستسقى به معاوية فسقوا.

_ [1] في المطبوع: «منبر النبيّ» . [2] وكنيته أبو نجيح، وكان شيخا كبيرا من الصحابة رضي الله عنهم، ثم نزل حمص، وحديثه في السنن الأربعة (ع) . [3] وهو صحابي مشهور معروف بكنيته، واختلف في اسمه اختلافا كثيرا، سكن الشام، وقيل: حمص، قبض وهو ساجد في صلاة الليل، رضي الله عنه. [4] وقيل غير ذلك. انظر «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 275) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 160) . [5] قلت: وفي «تاريخ خليفة بن خياط» ص (275) أنه مات سنة ست وسبعين، وقيل: أربع وسبعين.

وبشر بن مروان الأمويّ أمير العراقين بعد مصعب. وسليم بن عتر [1] التجيبيّ قاضي مصر وناسكها، وقد حضر خطبة عمر بالجابية [2] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «سليم بن عنزة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 131) . و «الإصابة» لابن حجر العسقلاني (5/ 13) . وكنيته أبو سلمة، وهو من خيرة التابعين رحمه الله. [2] قال ياقوت: قرية من أعمال دمشق ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران، إذا وقف الإنسان في الصنمين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا، وبالقرب منها تل يسمى تل الجابية، وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع، ويقال لها: جابية الجولان أيضا. «معجم البلدان» (2/ 91) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (153) .

سنة ست وسبعين

سنة ست وسبعين فيها وجّه الحجّاج زائدة بن قدامة الثقفيّ ابن عمّ المختار لحرب شبيب بن قيس الخارجيّ الشيبانّي، فاستظهر شبيب وقتل زائدة، وهزم العساكر مرات واستفحل أمر شبيب. [1] .

_ [1] قلت: وفيها أمر الخليفة عبد الملك بن مروان بنقش الدنانير والدراهم. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 256) ، و «البيان المغرب» لابن عذارى (1/ 34) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 416) . وفيها ولّى عبد الملك المدينة أبان بن عثمان بن عفان. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 256) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 418) . وفيها أقام الحج أبان بن عثمان بن عفان. انظر «تاريخ الطبري» (6/ 256) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 218) . وفيها مات حبة بن جوين العرنيّ. انظر «الكامل» لابن الأثير (4/ 418) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 121) .

سنة سبع وسبعين

سنة سبع وسبعين فيها بعث الحجّاج لحرب شبيب عتّاب بن ورقاء الرياحي [1] بالباء الموحدة فلقي شبيبا [2] بسواد الكوفة، فقتل شبيب أيضا عتّابا، وهزم جيشه، ثم جهّز الحجّاج له الحارث بن معاوية الثقفيّ فقتل الحارث أيضا، فوجّه الحجّاج له أبا الورد البصريّ فقتله أيضا، فوجّه له طهمان عثمان، فقتله أيضا، ففرق الحجّاج وسار بنفسه، فاقتتلوا شديدا أشد القتال، وتكاثروا على شبيب فانهزم. وقتلت غزالة امرأة شبيب، وكانت قد قاتلت في تلك الحروب قتالا عجز عنه كمّل الرّجال، وكانت بحيث يضرب بشجاعتها المثل، وكانت نذرت أني تأتي مسجد كوفة فتصلّي فيه ركعتين بسورة البقرة، وآل عمران، فخرجت إليه في سبعين رجلا ووفت نذرها، فقال الناس: وفت الغزالة نذرها ... يا ربّ لا تغفر لها وقال الشاعر في الحجّاج بن يوسف: أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عتاب بن ورقاء الرباحي» وهو تصحيف. والتصحيح من «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم الأندلسي ص (227) ونسبه للرياحي، و «الأعلام» (4/ 200) . [2] في المطبوع: «فلقي شبيب» .

هلّا كررت على غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر ونجا شبيب بنفسه في فوارس من أصحابه إلى الأهواز. وبها محمّد بن موسى بن طلحة التيميّ، فخرج لقتاله، فبارزه، فقتله شبيب، وسار إلى كرمان [1] فتقوّى، ثم رجع إلى الأهواز، فبعث إليه الحجّاج سفيان بن الأبرد الكلبيّ، وحبيب بن عبد الرّحمن، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، ثم ذهب شبيب وعبر على جسر نهر دجيل [2] فقطع به فغرق، وقيل: بل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل فألقاه في الماء، فقال بعض أصحابه: أغرقا يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذلك تقدير العزيز العليم، فألقاه دجيل ميتا على ساحله، فحمل على البريد إلى الحجّاج، فأمر بشقّ بطنه، واستخرج قلبه، فإذا هو كالحجر، إذا ضرب به الأرض نبا عنها، فشقّ، فإذا قلب صغير كالكرة الصغيرة، فشقّ أيضا، فوجد في داخله علقة دم، وكانت شجاعته خارجة أكثر ما يكون في مائة نفس فيهزمون الألوف. وفيها غزا عبد الملك الرّوم بنفسه، وافتتح مدينة هرقلة [3] وافتتحت أيضا في خلافة العباسيّين [4] ولعلّها عادت إليهم.

_ [1] إقليم في إيران. قال ياقوت: قال محمد بن أحمد البنا البشاري: كرمان: إقليم يشاكل فارس في أوصاف ويشابه البصرة في أسباب، ويقارب خراسان في أنواع: لأنه قد تخم البحر، واجتمع فيه البرد والحر، والجوز والنخل، وكثرت فيه التمور والأرطاب، والأشجار والثمار، ومن مدنه المشهورة: جيرفت، وموقان، وخبيص، وبم، والسيرجان، ومزماسير، وبردسير. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 454- 456) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (491، 492) و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (101) بتحقيقنا، طبع دار ابن كثير. [2] قال ابن منظور: دجيل: نهر صغير متشعّب من دجلة. «لسان العرب» «دجل» (2/ 1330) . [3] في الأصل، والمطبوع: «مدينة هرقل» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 125) ، و «دول الإسلام» للذهبي (1/ 56) . [4] وذلك على يدي الخليفة هارون الرشيد. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 398) .

وفيها توفّي أبو تميم الجيشانيّ [1] وكان قرأ القرآن على معاذ، وكان من عبّاد أهل مصر وعلمائهم.

_ [1] هو عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم، من أئمة التابعين، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حدّث عن عمر، وعلي، وأبي ذر، ومعاذ بن جبل، انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 73، 74) .

سنة ثمان وسبعين

سنة ثمان وسبعين فيها وثب الرّوم على ملكهم، فنزعوه من الملك، وقطعوا أنفه، ونفوه إلى بعض الجزائر. وفيها جرت حروب وملاحم بإفريقيّة، وولي فيها موسى بن نصير إمرة المغرب كلّه، وولي خراسان المهلّب بن أبي صفرة. وفيها توفي جابر بن عبد الله بن عمرو [1] بن حرام الأنصاريّ السّلميّ، وهو آخر من مات من أهل العقبة [2] عن أربع وتسعين سنة، وهو من أهل بيعة الرّضوان وأهل السّوابق والسّبق في الإسلام، وكان كثير العلم، وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام مناقبه عديدة. وفيها على الأصح زيد بن خالد [الجهنيّ] [3] من مشاهير الصحابة، مات بالكوفة وله خمس وثمانون سنة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (7/ 114) بإشراف والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، و «أسد الغابة» لابن الأثير (1/ 307) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 189) . [2] أي بيعة العقبة الثانية. انظر «السيرة» لابن هشام (1/ 438- 444) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 189) . [3] زيادة من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 126) ، و «دول الإسلام» للذهبي أيضا (1/ 56) .

وعبد الرّحمن بن غنم الأشعريّ بالشام [1] وكان من رووس التابعين، بعثه عمر يفقّه الناس. قال أبو مسهر [2] هو رأس التابعين. وفيها، وقيل: في سنة ثمانين أبو أميّة شريح بن الحارث الكنديّ، ولي قضاء الكوفة لعمر فمن بعده خمسا وسبعين سنة، ولم يتعطّل فيها إلّا ثلاث سنين، امتنع فيها من القضاء، وعاش على ما قال ابن قتيبة [3] مائة وعشرين سنة، واستعفى عن القضاء قبل موته بعام فأعفاه الحجّاج، وكان فقيها نبيها شاعرا، صاحب مزاح، وكان له دربة في القضاء بالغة، وهو أحد السّادات الطّلس، وهم أربعة: عبد الله بن الزّبير، وقيس بن سعد بن عبادة، والأحنف بن قيس، وشريح. والأطلس الذي لا شعر بوجهه [4] . وحكي أن عليا دخل على شريح مع خصم له ذمّيّ، فقام له شريح، فقال له عليّ كرم الله وجهه: هذا أوّل جورك، فقال: لو كان خصمك مسلما لما قمت، ويقال: إنه قضى على عليّ، وذلك أنه ادّعى على الذّمّيّ درعا سقطت منه، فقال للذّمّيّ: ما تقول؟ فقال: مالي وبيدي، فقال لعليّ كرم الله وجهه، ألك بيّنة أنّها سقطت منك؟ قال: نعم. فأحضر كلّا من الحسن وعبده قنبر [5] فقال: قبلت شهادة قنبر، ورددت شهادة الحسن، فقال عليّ ثكلتك

_ [1] في «دول الإسلام» للذهبي: «بفلسطين» . [2] هو عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى، أبو مسهر الغساني، من حفاظ الحديث، وكنية جده أبو قدامة. كان شيخ الشام، وعالمها بالحديث والمغازي، وأيام الناس، وأنساب الشاميين، توفي سنة (218 هـ) . وسترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا فراجعها فيه. [3] انظر «المعارف» ص (433) . [4] ويقال له: الكوسج والأثط. (ع) . [5] انظر تاج العروس» للزبيدي «قنبر» (13/ 477) .

أمّك [1] أما بلغك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» [2] فقال: اللهمّ نعم، غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده، فقال لليهوديّ خذها فليس عندي غيرها [3] فقال اليهوديّ: لكنّي أشهد أنّها لك، وأنّ دينكم هو الحقّ، قاضي المسلمين يحكم على أمير المؤمنين ويرضى، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله، فدفع عليّ الدّرع له فرحا بإسلامه. وضرب شريح امرأة له تميمية ثم ندم فقال: رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلّت يميني يوم [4] أضرب زينبا فزينب بدر والنساء كواكب ... إذا طلعت لم تبق [منهنّ] [5] كوكبا وذكر أن زيادا كتب إلى معاوية: ضبطت لك العراق بشمالي، ويميني فارغة لطاعتك فولّني الحجاز، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر، وكان مقيما بمكة، فقال: اللهمّ اشغل يمين زياد، فأصابه الطّاعون، أو الأكلة [6] في يمينه، فجمع الأطبّاء، فأشاروا بقطعها، فاستشار شريحا فقال: أكره لك، إن كانت لك مدة تعيش بلا يمين، وإن كان قد دنا أجلك أن تلقى ربّك مقطوع

_ [1] قال ابن الأثير: ثكلتك أمك: أي قعدتك، والثكل فقد الولد، وامرأة ثاكل وثكلى. ورجل ثاكل وثكلان، كأنه دعا عليه بالموت لسوء فعله ... أو أراد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءا، ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم تربت يداك، وقاتلك الله. «النهاية» «ثكل» (1/ 217) . [2] رواه أحمد في المسند (3/ 3) والترمذي رقم (3778) في المناقب، باب مناقب الحسن والحسن رضي الله عنهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كمال. [3] في المطبوع: «غيرهما» . [4] في المطبوع: «حين» . وما في الأصل موافق لما في كتاب «أخبار القضاة» لوكيع (2/ 205) . [5] لفظة «منهن» ليست في الأصل، وقد أثبتناها من المطبوع. [6] قال ابن منظور: الأكلة: داء يقع في العضو فيأتكل منه. «لسان العرب» «أكل» (1/ 102) .

اليد، فإذا قال لك: لم قطعتها؟ قلت: بغضا للقائك، وفرارا من قضائك، ومات زياد من يومه، فلام النّاس شريحا حيث نصح له لبغضهم لزياد، فقال: استشارني، والمستشار مؤتمن، وإلّا لوددت أنه قطع يده يوما، ورجله يوما، وسائر جسده يوما يوما. وتقدّم إلى شريح رجلان في شيء، فأقرّ أحدهما بما ادّعى عليه، ولم يعلم، فقضى عليه شريح، فقال: أتقضي عليّ بغير بينة؟ فقال: قد شهد عليك ثقة، قال: ومن ذلك؟ قال: ابن أخت خالتك، وقال له آخر: أين أنت أصلحك الله، قال بينك وبين الحائط، قال: إني رجل من أهل الشام، قال: مكان سحيق، قال: وتزوجت امرأة، قال: بالرّفاء والبنين [1] قال: وولدت غلاما، قال: ليهنك الفارس قال: وشرطت لها دارا، قال: الشّرط أملك، قال: اقض بيننا، قال: قد فعلت، قال: بم؟ قال: حدّث امرأة حديثين، فإن أبت فأربع. وقال في «الإشراف على مناقب الأشراف [2] : في ذكر المخضرمين، وذكر شريحا منهم.

_ [1] قال الزبيدي: إذا قال له: بالرّفاء والبنين، أي بالالتئام والاتفاق، والبركة والنّماء وجمع الشّمل وحسن الاجتماع، قال ابن السكيت: وإن شئت كان معناه السّكون والهدوء والطّمأنينة، فيكون أصله غير الهمز. «تاج العروس» «رفأ» (1/ 248) . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال: بالرّفاء والبنين، لأنها تهنئة الجاهلية. روى الإمام أحمد في «المسند» (2/ 381) ، وأبو داود في «سننه» رقم (2130) ، والترمذي رقم (1091) في «سننه» وابن ماجة في «سننه» رقم (1905) والدارمي (2/ 134) والحاكم في «المستدرك» (2/ 183) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفّأ الإنسان، أي: إذا تزوج، قال: «بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير» ، وهو حديث صحيح. [2] قلت: لعله «الإشراف على مذاهب الأشراف» وهو لشيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة المتوفى سنة (319 هـ) . انظر

قال الفضل بن دكين: بلغ شريحا مائة وثمان سنين، وتوفي سنة ست وسبعين، وقال غيره من أهل العلم: سنة ثمان وسبعين، وكان ثقة، ولي قضاء المصرين الكوفة، والبصرة، ومات بالكوفة رحمه الله انتهى [1] . وفيها قتل بسجستان أبو المقدام شريح بن هانئ المذحجيّ، صاحب عليّ وله مائة وعشرون سنة.

_ «كشف الظنون» لحاجي خليفة (1/ 103) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (14/ 490) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 294) . [1] انظر ترجمته وأخباره المطولة في «أخبار القضاة» لوكيع (2/ 198- 402) .

سنة تسع وسبعين

سنة تسع وسبعين فيها، وقيل: في التي قبلها، قتل رأس الخوارج قطريّ بن فجاءة [1] التميميّ، عثر به فرسه فقتل، وأتي الحجّاج برأسه، وكان الحجّاج قد جهّز إليه جيشا بعد جيش وهو يهزمهم، وممن قاتله سوادة، أو سورة بن أبجر [2] الدّارميّ، وكان مجرّبا في الحروب ومن قوله [3] يخاطب نفسه: أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال ويحك لا تراعي [4] فإنّك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستاع سبيل الموت غاية كلّ حيّ ... وداعيه لأهل الأرض داعي وقال ابن قتيبة: هو من كنانة، من بني حرقوص بن مازن بن مالك بن

_ [1] قال ابن حزم: والفجاءة لقب لأبيه، لأنه غاب إلى اليمن، ثم أتى قومه فجأة، واسمه جعونة بن يزيد بن زياد بن خنثر بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك. «جمهرة أنساب العرب» ص (212) . [2] في الأصل، والمطبوع، و «وفيات الأعيان» «سودة بن أبجر» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (411) ، و «جمهرة الأنساب» ص (229) ، و «تاريخ خليفة» ص (276) . [3] أي من قول قطري بن الفجاءة. [4] في «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (4/ 251) : «لن تراعي» . والأبيات في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 151- 152) وانظر تخريجها فيه.

عمرو بن تميم، وكان يكنى أبا نعامة، وخرج زمن مصعب بن الزّبير، فبقي عشرين سنة يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة، فوجّه إليه الحجّاج جيشا بعد جيش، وكان آخرهم سفيان بن الأبرد الكلبي فقتله، وكان المتولّي لذلك سودة [بن أبجر] [1] بن الحارث الدارمي، ولا عقب لقطريّ. انتهى [2] . وفيها توفيّ عبيد الله بن أبي بكرة [3] ، وكان قد بعثه الحجّاج أميرا على سجستان في العام الماضي، وكان جوادا ممدّحا يعتق في كلّ يوم عيد مائة عبد. وفيها مات عبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي. وفيها أصاب أهل الشام طاعون كادوا يفنون من شدّته، قاله ابن جرير [4] .

_ [1] زيادة من المطبوع. وفيه: «سودة بن أبجز» ، وهو خطأ. [2] انظر «المعارف» ص (411) ، وقول المؤلف «هو من كنانة» ليس عند ابن قتيبة في الطبعة التي بين يدي، وإنما هي «كابيه» في إحدى نسخ الكتاب كما ذكر محققه. [3] في الأصل والمطبوع: عبد الله بن أبي بكر، وهو خطأ، والتصحيح من «البداية والنهاية» لابن كثير (9/ 31) و «الأعلام» للزركلي (4/ 191) وهو ابن الصحابي أبي بكرة نفيع بن الحارث، وكان ينفق المال الكثير، ويزوج من أراد الزواج بماله. [4] انظر «تاريخ الطبري» (6/ 322) .

سنة ثمانين

سنة ثمانين فيها بعث الحجّاج على سجستان عبد الرّحمن بن محمّد بن الأشعث الكنديّ، فلما استقرّ بها خلع الحجّاج، وخرج، وكان [1] بينهما حروب يطول شرحها. وفيها مات عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشميّ، وهو آخر من رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وكان مولده بالحبشة، ويقال: لم يكن في المسلمين أجود منه، وله فيه [2] أخبار طويلة، وفي «الصحيح» أنّ ابن الزّبير قال له: أتذكر إذ تلقّينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا، وأنت، وابن عبّاس؟ قال: نعم، فحملنا وتركك، وهذا من الأجوبة المسكتة، لكن الذي في «صحيح مسلم» عن عبد الله بن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن جعفر لابن الزّبير: أتذكر إذ تلقّينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا، وأنت، وابن عبّاس، فحملنا وتركك [3] ، فلينظر ذلك. وقال الإمام النووي في «شرح مسلم» : وقد توهم القاضي أن القائل: فحملنا وتركك، هو ابن الزّبير وجعله غلطا في رواية مسلم، وليس كما قال،

_ [1] في المطبوع: «وكانت» . [2] أي في الجود. [3] رواه مسلم رقم (2427) في فضائل الصحابة: باب فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما.

بل صوابه ما ذكرناه أن القائل: فحملنا وتركك هو ابن جعفر: انتهى [1] . وقيل: إن أجواد المسلمين عشرة، منهم: عبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن عبّاس، وطلحة الطّلحات الخزاعيّ [2] . وفيها مات أبو إدريس الخولانيّ عائذ الله بن عبد الله، فقيه أهل الشّام وقاضيهم، سمع من أبي الدّرداء وطبقته، وقال ابن عبد البرّ [3] : سماع أبي إدريس عندنا عن معاذ صحيح [4] . وفيها مات أسلم مولى عمر رضي الله عنه، اشتراه عمر في حياة أبي بكر رضي الله عنه، وهو من سبي عين التّمر [5] وكان فقيها نبيلا. وفيها صلب عبد الملك معبد الجهنيّ في القدّر، وقيل: بل عذّبه الحجّاج بأنواع العذاب، وقتله. وتوفّي ملك عرب الشّام حسّان بن النّعمان بن المنذر الغسّانيّ غازيا بالروم [6] .

_ [1] انظر «شرح صحيح مسلم» للنووي (15/ 196- 197) . وقوله: وقد توهم القاضي. يعني القاضي عياض. [2] هو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، أحد الأجواد المقدّمين، كان أجود أهل البصرة في زمانه. (ع) . [3] انظر «الاستيعاب» على هامش «الإصابة» (11/ 114) . [4] وانظر ترجمته في «تاريخ داريا» للخولاني ص (63- 69) بتحقيق العالم المحقق الأستاذ سعيد الأفغاني، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 272) ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 237) . [5] قال ياقوت: عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شفاثا، منها يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد ... وهي قديمة افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد سنة (12) للهجرة. «معجم البلدان» (4/ 176) . وفي المطبوع: «عين النمر» وهو تصحيف. [6] قلت: في «الأعلام» للزركلي (2/ 177) أنه مات بعد سنة (86) . والذي في «تاريخ

وفيها، وقيل: في التي [1] قبلها جنادة بن أبي أميّة الأزديّ بالشّام، له ولأبيه صحبة، وحديثه في «الصحيحين» عن الصحابة، وقد ولي غزو البحر لمعاوية [2] . وفيها على الأصح أبو عبد الرّحمن جبير بن نفير الحضرميّ، نزيل حمص، وكان من جلّة التّابعين، روى عن أبي بكر، وعمر. وفيها توفي عبد الرّحمن بن عبد القاري، أتى به أبوه النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وروى عن جماعة منهم عمر، وهو مدنيّ.

_ الإسلام» للذهبي (3/ 128) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي أيضا (4/ 140 و 294) توفّي سنة ثمانين كما في كتابنا. [1] قوله: «في التي» سقط من المطبوع. [2] قلت: عدّه الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 62) من كبراء التابعين وقال: حدّث عن معاذ بن جبل، وعمر، وأبي الدّرداء، وعبادة بن الصامت، وبسر بن أبي أرطأة ... وقال: ولأبيه أبي أميّة صحبة ما، واسمه كبير بموحدة، ولي جنادة غزو البحر لمعاوية، وشهد فتح مصر، وقد أدرك الجاهلية والإسلام، وقد قال إبراهيم بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين وسئل أجنادة بن أبي أمية الذي روى عنه مجاهد، له صحبة؟ قال: نعم. قلت: أهو الذي يروي عن عبادة بن الصامت؟ قال: هو هو. وأما ابن سعد، والعجلي، وطائفة، فقالوا: تابعيّ شامي، وهو الصواب. و [إن] صح له حديث، فيكون مرسلا. قال ابن يونس: توفي سنة ثمانين. وقال المدائني: توفي سنة خمس وسبعين. وكذا قال ابن معين، وقال الهيثم بن عدي: توفي سنة سبع وسبعين، وقيل غير ذلك، والله أعلم. وقال ابن عبد البر: كان من صغار الصحابة، وقد سمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وروى أيضا عن أصحابه عنه صلى الله عليه وسلم «الاستيعاب» على هامش «الإصابة» (2/ 164) . وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (1/ 134) : جنادة بن أبي أمية الأزدي، أبو عبد الله الشامي، يقال: اسم أبيه كثير، مختلف في صحبته، فقال العجلي: تابعي ثقة. والحق أنهما اثنان، صحابي، وتابعي، متفقان في الاسم وكنية الأب ... ورواية جنادة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم في «سنن الترمذي» ورواية جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، في الكتب الستة.

وفيها مات أليون عظيم الروم. وفيها حاصر المهلّب بن أبي صفرة كشّ [1] ونسف [2] .

_ [1] قال ياقوت: كشّ: بالفتح ثم التشديد: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان. «معجم البلدان» (4/ 462) . [2] قال ياقوت: نسف مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند. «معجم البلدان» (5/ 285) .

سنة إحدى وثمانين

سنة إحدى وثمانين فيها قام مع ابن الأشعث عامّة أهل البصرة من العلماء والعبّاد، فاجتمع له جيش عظيم ولقوا الحجّاج يوم الأضحى، فانكشف عسكر الحجّاج، وانهزم هو، وتمت بينهما عدّة وقعات، حتى قيل: كان بينهما أربع وثمانون وقعة في مائة يوم، ثلاث وثمانون على الحجّاج، والآخرة له. وفيها، وقيل: في التي بعدها توفي أبو القاسم محمّد بن علي بن أبي طالب الهاشميّ بن الحنفيّة [1] عن سبعين سنة إلّا سنة، وكان جمع له بين الاسم والكنية ترخيصا من النّبيّ صلى الله عليه وسلم له، قال لعلي: «سيولد لك غلام بعدي، وقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا يحلّ لأحد من أمتي بعده» [2] وللعلماء في هذا تنازع. وكان ابن الحنفيّة نهاية في العلم، غاية في العبادة، وتوقّف عن حمل

_ [1] نسب إلى أمه خولة بنت جعفر الحنفيّة، وهي من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصّدّيق. انظر «سير أعلام النبلاء» (4/ 110) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 88) . [2] لم أره بهذا اللفظ. وإنما رواه أحمد في المسند (1/ 95) والبخاري في «الأدب المفرد» رقم (843) باب اسم النبي وكنيته، وأبو داود رقم (4967) في الأدب، باب الرخصة في الجمع بين الاسم والكنية، والترمذي رقم (2846) في الأدب، باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي وكنيته، والحاكم في «المستدرك» (4/ 278) ولفظه: عن محمد بن الحنفية قال: قال علي رضي الله عنه: يا رسول الله أرأيت أن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم. قال: «نعم» قال علي رضي فكانت هذه رخصة لي، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

راية أبيه يوم الجمل، وقال: هذه مصيبة عمياء، فقال له أبوه: ثكلتك أمّك، أتكون عمياء وأبوك قائدها، وروي نحو هذا في يوم صفّين عنه. وقيل له: كيف كان أبوك يقحمك المهالك دون أخويك، فقال: كانا عينيه، وكنت يده، فكان يتّقي عن عينيه بيده، وكان شديد القوّة، قيل: استطال أبوه درعا فقطعه من الموضع الذي علّم له. قيل: إن ملك الرّوم وجّه إلى معاوية رجلين أحدهما جسيم طويل، والآخر قوي، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أمّا الطويل فعندنا كفؤه، وهو قيس بن سعد بن عبادة، ورأيك في الآخر، فقال معاوية: هاهنا رجلان، محمّد بن الحنفيّة، وعبد الله بن الزّبير، ومحمد هو أقرب إلينا على كلّ حال، فلما حضروا نزع قيس سراويله ورماها إلى العلج [1] فبلغت ثّندوته [2] فأطرق العلج مغلوبا، وقيل: لاموا قيسا على خلع سراويله في المجلس، فقال: أردت لكي ما يعلم القوم أنّها ... سراويل قيس والوفود شهود وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عاديّ نمته ثمود [3] وقال محمّد بن الحنفيّة: قولوا للعلج: إن شاء جلس وأقمته كرها بيد، أو يقعدني، وإن شاء، فليكن هو القائم، وأنا القاعد، فاختار الرّوميّ الجلوس، فأقامه محمّد، وعجز هو عن إقعاده، ثم اختار أن يقعد، فعجز

_ [1] قال الزبيدي: العلج: الرجل من كفار العجم، والقوي الضخم. «تاج العروس» «علج» (6/ 108) ، وانظر «لسان العرب» لابن منظور «علج (4/ 306) . [2] قال ابن منظور: الثندوة: لحم الثّدي، وقيل: قال ابن السّكّيت: هي الثندوة للحم الّذي حول الثدي غير مهموز، ومن همزها ضم أولها، فقال: ثندوة، ومن لم يهمز فتحه، وقال غيره: الثّندوة للرجل، والثدي للمرأة. «لسان العرب» «ثند» (1/ 510) . [3] البيتان في «المعارف» لابن قتيبة ص (593) مع بعض الاختلاف في ألفاظهما.

الرّوميّ عن إقامته، فانصرفا [1] مغلوبين، وعند الكيسانيّة [2] أن ابن الحنفيّة لم يمت، وأنه المهديّ الذي يخرج في آخر الزمان [3] ، وفي ذلك يقول كثّير عزّة: ألا إنّ الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء عليّ والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء فسبط سبط إيمان وبرّ ... وسبط غيّبته كربلاء وسبط لا يذوق الموت حتى ... تعود [4] الخيل يقدمها [5] اللّواء نراه مخيّما بجبال رضوى ... مقيما [6] عنده عسل وماء [7] ولما اتّسق الأمر لابن الزّبير دعا محمّدا وابن عبّاس إلى بيعته فقالا: حتى يجتمع النّاس على بيعتك، ثم أراد ابن عبّاس بعد تمهّل أن يبايعه، فأبى ابن الزّبير، فردّ عليه ابن عبّاس قولا شديدا، يتضمّن التنويه بعبد الملك، والغضّ منه، وذلك مذكور في «صحيح البخاري» [8] . وفيها سويد بن غفلة الجعفيّ بالكوفة، وقدم المدينة وقد دفنوا

_ [1] أي الروميان. [2] الكيسانيّة: طائفة مشهورة من الرافضة، منسوبة للمختار بن أبي عبيد الثقفي. انظر «تاج العروس» للزبيدي «كيس» (16/ 464) ، و «لسان العرب» «كيس» (5/ 3967) . [3] وذلك فيما ذهب إليه طائفة من الشيعة أنه حي يرزق وأنه ينتظر خروجه في آخر الزمان، كما تنتظر طائفة أخرى منهم الحسن بن محمد العسكري الذي يخرج في زعمهم من سرداب سامرا، وليس على ذلك دليل صحيح (ع) . [4] في المطبوع: «تقول» وهو خطأ. [5] في الأصل: «يقوم» وهو خطأ. [6] في المطبوع: «مقيم» . [7] الأبيات في ديوانه ص (521) بتحقيق الدكتور إحسان عباس، طبع دار الثقافة ببيروت. [8] الذي في «البداية والنهاية» لابن كثير (8/ 239) : وبعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله بن عمر، ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس ليبايعوا، فأبوا عليه.

النبيّ صلى الله عليه وسلم ومولده عام الفيل كما قيل، وكان فقيها إماما عالما [1] قانعا كبير القدر. وفيها حجّت أمّ الدّرداء الصغرى [2] الوصابية [3] الحميريّة، وكان لها نصيب وافر من العلم والعمل، ولها حرمة زائدة بالشّام، وقد خطبها معاوية بعد أبي الدّرداء، فامتنعت [4] . وقتل مع ابن الأشعث ليلة دجيل [5] أبو عبيدة [6] بن عبد الله بن مسعود الهذلي، روى عن طائفة، ولم يدرك السماع من والده. وقتل معه ليلتئذ عبد الله بن شدّاد بن الهاد الليثيّ ابن خالة خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكان فقيها كثير الحديث، لقي كبار الصحابة، وأدرك معاذ بن جبل رضي الله عنه.

_ [1] في المطبوع: «عابدا» . [2] في الأصل، والمطبوع: «أم الدرداء الكبرى» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر (تراجم النساء) ص (418) بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي، و «أسد الغابة» لابن الأثير (7/ 327) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 277) ، و «الإصابة» لابن حجر (12/ 241) ، واسمها هجيمة، وقيل: جهيمة. وأما أم الدّدراء الكبرى فاسمها خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي. [3] في المطبوع «صابية» وهو خطأ. وفي بعض المراجع التي بين يدي «الأوصابية» ووصّاب بطن من حمير. انظر «تاج العروس» للزبيدي «وصب» (4/ 345) . [4] جاء في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 278) عن أم الدرداء، أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبويّ في الدّنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة، قال: فلا تنكحين بعدي. فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان، فقال: عليك بالصيام. [5] نهر صغير يتفرع من دجلة. [6] ويقال: إن اسمه «عامر» انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 313) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 448) .

سنة اثنتين وثمانين

سنة اثنتين وثمانين فيها استعرت الحرب بين الحجّاج وابن الأشعث، وبلغ جيش ابن الأشعث ثلاثة وثلاثين ألف فارس، ومائة وعشرين ألف راجل، قاموا معه على الحجّاج لله تعالى. وفيها توفي أبو عمر زاذان مولى كندة، وقد شهد خطبة عمر بالجابية، وكان من علماء الكوفة. وفيها توفي المهلّب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان، صاحب الحروب والفتوح، أمير عبد الملك بن مروان على خراسان. قال أبو إسحاق السّبيعي [1] : لم أر أميرا أيمن نقيبة، ولا أشجع لقاء، ولا أبعد مما يكره، ولا أقرب مما يحبّ من المهلّب، ومولده عام الفتح، ولأبيه صحبة. وأبو صفرة هو ظالم بن سراق من أزد العتيك، أزد دبا، ودبا بين

_ [1] هو عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد، وقيل: عمرو بن عبد الله بن علي الهمداني السّبيعي. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 392) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 171) . وسترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا.

عمان، والبصرة [1] ، وقال عبد الله بن الزّبير: هو سيّد العراق، وخلّف أولادا نجباء [2] كراما، قيل: بلغ عددهم ثلاثمائة ولد. وحمى البصرة من الشّراة [3] بعد جلاء أهلها عنها، إلّا من كانت به قوة، فهي تسمى بصرة المهلّب. قال ابن قتيبة: ولم يكن يعاب إلّا بالكذب، وقيل: فيه راج بالكذب [4] وكان ولي خراسان، فعمل عليها خمس سنين، ومات بمرو الرّوذ [5] من نواحي هراة، بينها وبين بلخ، واستخلف ابنه يزيد بن المهلّب، ويزيد ابن ثلاثين سنة، فعزله عبد الملك بن مروان برأي الحجّاج ومشورته، وولّى قتيبة بن مسلم. انتهى [6] . وفيها توفي أبو مريم زرّ بن حبيش الأسديّ القارئ بالكوفة، وله مائة وعشرون سنة، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية [7] . وفيها قتل الحجّاج كميل بن زياد النخعي صاحب عليّ رضي الله عنه،

_ [1] قال ياقوت: دبا، بفتح أوله والقصر، والدّبا: الجراد قبل أن يطير، قال الأصمعي: سوق من أسواق العرب بعمان. قال الواقدي: قدم وفد الأزد من دبا مقرين بالإسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر «معجم البلدان» (2/ 435) . [2] في المطبوع: «نجبا» . وكلاهما صواب. [3] في المطبوع: «الشراه» وهو خطأ. والشّراة: الخوارج، سموا بذلك لأنهم غصبوا ولجّوا. وانظر «لسان العرب» لابن منظور «شري» (4/ 2253) و «المعارف» ص (399) . [4] في المطبوع: «راج الكذب» ، وفي «المعارف» ص (399) : «راح يكذب» وهو خطأ، فيستدرك. [5] في المطبوع: «بمرو الروز» وهو تحريف. ومرو الروذ مدينة قريبة من مرو الشاهجان، بينهما خمسة أيام، وهي على نهر عظيم، فلهذا سميت بذلك، وهي صغيرة بالنسبة إلى مرو الأخرى، والنسبة إليها «المرو الرّوذي» ويقال: «المرّوذي» أيضا. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 112) ، و «اللباب» لابن الأثير (3/ 198) . [6] انظر «المعارف» ص (399- 400) والمؤلف ينقل عنه بتصرف. [7] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 166- 170) .

وكان شريفا، مطاعا شيعيّا، متعبّدا [1] . وفيها قتل أبو الشعثاء سليم بن أسود المحاربيّ الكوفي بظاهر البصرة. وقتل محمّد بن سعد بن أبي وقّاص لقيامه مع ابن الأشعث. وفيها توفي جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر العذريّ المتيّم صاحب بثينة [2] وكان هويها في الصّغر، فلما كبر خطبها، فصدّ عنها، فتيّم بها، وكان منزلها وادي القرى، وهي عذريّة أيضا، وتكنّى أمّ عبد الملك، ولما أكثر الشّعر فيها قيل له: لو قرأت القرآن كان خيرا لك، فقال حدّثني أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الشعر لحكمة» [3] . وكان كثّير عزّة [4] راوية جميل، وجميل راوية هدبة [5] وهدبة راوية

_ [1] انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 234) . [2] هي بثينة بنت حبا بن ثعلبة العذرية، ولم تعش بعد جميل طويلا، وماتت في سنة (82) أيضا. انظر «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر «تراجم النساء» ص (63- 69) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 43) . [3] رواه البخاري (10/ 445 و 446) في الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز، وأبو داود رقم (5010) في الأدب، باب ما جاء في الشعر، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، ورواه الترمذي رقم (2847) في الأدب، باب ما جاء إن الشعر حكمة من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو حديث صحيح، ورواه أيضا الترمذي رقم (2848) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والحكمة معناها: إن من الشعر كلاما يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما. [4] هو كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي، أبو صخر، شاعر متيم مشهور من أهل المدينة، أكثر إقامته بمصر، كان شاعر أهل الحجاز أخباره مع عزة بنت جميل العمرية كثيرة، وكان عفيفا في حبه، توفي بالمدينة سنة (105 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 219) . [5] هو هدبة بن خشرم، ينتهي نسبه إلى قضاعة، وهدبة شاعر فصيح متقدم من بادية الحجاز، وكان شاعرا راوية لشعر الحطيئة، وكان جميل راوية شعره- كما ذكر ابن العماد- وهو أول من قتل قصاصا بالمدينة المنورة في زمن واليها سعيد بن العاص، وذلك لقتله زيادة بن زيد

الحطيئة [1] والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى المزني [2] ، وابنه كعب [3] وكان آخر أمر جميل أن وفد على عبد العزيز بن مروان بمصر، فأحسن جائزته، ووعده في أمر بثينة، وسأله المقام عنده، فأقام قليلا، ومات هناك. قال عبّاس بن سهل: دخلت عليه وهو يجود بنفسه، فقال يا عبّاس: ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قطّ، ولم يزن، ولم يقتل النّفس، ولم يسرق، يشهد أن لا إله إلّا الله، قلت: أظنه قد نجا من النار، وأرجو له الجنة، فمن هو؟ قال: أنا، قلت: تشبّبت ببثينة منذ عشرين سنة، وأنت سالم منها؟ قال:

_ العذري. انظر «الأغاني» للأصفهاني (21/ 254- 274) ، و «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (434- 438) ، و «معجم الشعراء» للمرزباني ص (460، 461) ، و «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (2/ 233- 234) ، وفيه أن الذي قتله هدبة هو زيادة بن بدر، و «الأعلام» للزركلي (8/ 78) . [1] هو جرول بن أوس بن مالك العبسي، أبو مليكة، يلقب بالحطيئة شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، كان هجاء عنيفا، لم يكد يسلم من لسانه أحد، وهجا أمه وأباه ونفسه، وأكثر من هجاء الزبرقان بن بدر، فشكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسجنه عمر بالمدينة، فاستعطفه بأبيات، فأخرجه ونهاه عن هجاء الناس، فقال: إذا تموت عيالي جوعا!. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 118) . [2] هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني من مضر. قال الزركلي: حكيم الشعراء في الجاهلية، وفي أئمة الأدب من يفضله على شعراء العرب كافة، قال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعرا، وخاله شاعرا، وأخته سلمى شاعرة، وأخته الخنساء شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة، فكانت قصائده تسمى «الحوليات» مات سنة (13 ق. هـ.) «الأعلام» (3/ 52) وانظر مصادر ترجمته فيه. [3] هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني، أبو المضرّب، شاعر عالي الطبقة، كان ممن اشتهر في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام هجا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأقام يشبب بنساء المسلمين، فهدر النبيّ صلى الله عليه وسلم دمه، فجاءه «كعب» مستأمنا، وقد أسلم، وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليومّ متبولّ فعفا عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم وخلع عليه بردته، وهو من أعرق الناس في الشعر: أبوه زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير، وابنه عقبة، وحفيده العوام، كلهم شعراء. مات سنة (26 هـ) . انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (5/ 226) .

لا تنالني شفاعة محمّد [صلى الله عليه وسلم] وإني في آخر يوم من الدّنيا، وأول يوم من الآخرة، إن كنت وضعت يدي عليها لريبة، ثم مات. وكان أوصى رجلا أن يأتي حيّ بثينة فيعلو شرفا [1] ويصيح بهذين البيتين: صرخ النّعيّ وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثوى بغير قفول قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلا دون كلّ خليل [2] قال: فخرجت كأنها بدر في دّجنّة [3] تتثنّى في مرطها [4] فقالت: يا هذا إن كنت صادقا فلقد قتلتني، وإن كنت كاذبا فلقد فضحتني، فقلت: والله إني صادق، وأخرجت حلّته فلما رأتها صاحت وصكّت وجهها [5] وغشي عليها ساعة [6] ، واجتمع نساء الحيّ يبكين معها ومن قوله فيها: وخبّرتماني أنّ تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصّيف ألقى المراسيّا فهذي شهور الصّيف عنّا قد انقضت ... فما للنّوى يرمي بليلى المراميا [7]

_ [1] الشّرف: العلو، والمكان العالي «مختار الصحاح» للرازي ص (335) . [2] البيتان في «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني (8/ 153) : «صدع النّعيّ وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك دون كلّ خليل» وبين البيتين بيت آخر هو: «ولقد أجرّ الذّيل في وادي القرى ... نشوان بين مزارع ونخيل» [3] الدّجنّة: من الغيم المطبق تطبيقا: الرّيّان المظلم الذي ليس فيه مطر. «مختار الصحاح» للرازي ص (199) . [4] المرط: واحد المرط، وهي أكسية من صوف أو خزّ كان يؤتزر بها. «مختار الصحاح» للرازي ص (622) . [5] أي ضربته. [6] قال أبو الفرج الأصفهاني في «الأغاني» (8/ 154) : ثم قامت وهي تقول: «وإنّ سلوي عن جميل لساعة ... من الدّهر ما حانت ولا حان حينها سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها» [7] البيتان في «وفيات الأعيان» (1/ 367) بهذا اللفظ، وهما في «ديوانه» ص (224) جمع

في قصيدة، وغلط بعضهم، فجعلها لمجنون بني عامر [1] ، وليس كذلك، فإن تيماء [2] ، من منازل بني عذرة، والله أعلم.

_ وتحقيق الدكتور حسين نصّار، وفي روايتهما فيه خلاف يحسن بالقارئ الوقوف عليه. وكانت لفظة «الصيف» في البيت الثاني قد تحرفت إلى «الرّوم» في الأصل والمطبوع، وصححت من «الوفيات» . [1] هو قيس بن الملوح بن مزاحم العامري: شاعر غزل من المتيمين، من أهل نجد، لم يكن مجنونا، وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد، مات سنة (68 هـ) . انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (5/ 208) . [2] قال الحميري: تيماء: من أمهات القرى، على سبع ليال من المدينة، ويخرج من تيماء إلى الشام على حوران، والبثينة، وحسمى، وبين تيماء وأول الشام ثلاثة أيام، وبتيماء مياه ونخل، ومنه تمتار البادية، وبه تجارات قلائل. «الروض المعطار» ص (146، 147) وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 329) .

سنة ثلاث وثمانين

سنة ثلاث وثمانين فيها في قول: الفلّاس [1]- وهو الصحيح- وقعة دير الجماجم بين الحجّاج وابن الأشعث [وكان شعارهم] [2] : يا ثارات الصلاة، لأن الحجّاج كان يميت الصلاة حتى يخرج وقتها. فقتل مع ابن الأشعث أبو البختري الطائي مولاهم، واسمه سعيد بن فيروز [3] ، وكان من كبار فقهاء الكوفة، روى عن ابن عبّاس وطبقته. وغرق مع ابن الأشعث بدجيل عبد الرّحمن بن أبي ليلى الأنصاري، الفقيه الكوفيّ المقرئ، قال ابن سيرين: رأيت أصحابه يعظّمونه كالأمير، أخذ عن عثمان، وعليّ، ورأى عمر يمسح على الخفّين.

_ [1] هو عمرو بن علي بن بحر الفلاس، أبو حفص، باحث من أهل البصرة، سكن بغداد، ومات بسر من رأى، كان من حفاظ الحديث الثقات، وفي أصحاب الحديث من يفضله على ابن المديني، له «المسند» و «العلل» و «التاريخ» وهو الذي نقل عنه المؤلف- ابن العماد- توفّي سنة (249 هـ) . «الأعلام» للزركلي (5/ 82) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 11) و «تهذيب التهذيب» (8/ 80) وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/ 470) ، وسترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا. [2] قوله: «وكان شعارهم» سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع. [3] سعيد بن فيروز وهو ابن أبي عمران أبو البختري الطائي الكوفي، من الفقهاء والعلماء ومن أفاضل أهل الكوفة، توفي سنة (83 هـ) كما ذكر المؤلف. (ع) .

وفيها توفي أبو الجوزاء الرّبعي البصري، واسمه أوس بن عبد الله، روى عن عائشة، وجماعة. وفيها توفي قاضي مصر عبد الرّحمن بن حجيرة الخولاني، روى عن أبي ذر وغيره، وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه [1] في السنة ألف دينار فلا يدّخرها.

_ [1] أي يوصل إليه رزقا، وإلّا فالرازق هو الله تعالى، والأولى أن يقال: كان يعطيه في السنة ألف دينار فلا يدخرها.

سنة أربع وثمانين

سنة أربع وثمانين فيها افتح موسى بن نصير أوربّة من المغرب، وبلغ عدد السبي خمسين ألفا. وفيها قتل الحجاج أيوب بن القريّة، وهي جدّته، لكن قال في «القاموس» : القرّيّة: كجرّيّة الحوصلّة، ولقب جماعة بنت جشم أمّ أيوب بن يزيد الفصيح، المعروف الهلالي. انتهى [1] . وكان أمّيّا فصيحا، وارتفع شأنه بالفصاحة والخطابة، قدم على الحجّاج فأعجبه، وأوفده على عبد الملك، ولما قام ابن الأشعث، بعثه الحجّاج إليه، فقال له ابن الأشعث: لتقومنّ خطيبا بخلع عبد الملك، وتسبّ الحجّاج، أو لأضربنّ عنقك، فقال: [أيها الأمير] [2] ، إنما أنا رسول، قال: هو ما أقول لك، ففعل ذلك [3] ، وأقام عنده، فلما هزم ابن الأشعث، كتب الحجّاج، إلى عمّاله أن لا يجدوا أحدا من أصحاب ابن الأشعث إلّا أرسلوه إليه أسيرا.

_ [1] «القاموس المحيط» «قر» (2/ 120) ولفظة «الهلالي» لم ترد فيه، وانظر «تاج العروس» (13/ 403) . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (1/ 252) الذي نقل عنه المؤلف رحمه الله. [3] أي فخلع أيوب بن القرية عبد الملك، وسب الحجاج، كما أمره ابن الأشعث، وهو ما ذكره ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» .

فكان فيمن أرسلوا ابن القرّيّة، فسأله الحجّاج عن البلدان والقبائل، فقال: أهل العراق أعلم النّاس بحق وباطل. وأهل الحجاز أسرع النّاس إلى فتنة، وأعجزهم فيها. وأهل الشّام أطوع النّاس لخلفائهم. وأهل مصر عبيد من غلب [1] . وأهل البحرين نبط استعربوا. وأهل عمان عرب استنبطوا. وأهل الموصل أشجع الفرسان [وأقتل للأقران] [2] . وأهل اليمن أهل سمع وطاعة، ولزوم للجماعة [3] . وأهل اليمامة أهل جفاء واختلاف [أهواء، وأصبر عند اللقاء. وأهل فارس، أهل بأس شديد، وشر عتيد] [4] وزيف [5] كثير، وقرى يسير. وأما القبائل فقال: قريش أعظمها [6] أحلاما وأكرمها مقاما. وبنو عامر بن صعصعة أطولها رماحا، وأكرمها صباحا. [وبنو سليم أعظمها مجالس، وأكرمها محابس] [7] . وثقيف أكرمها جدودا، وأكثرها وفودا.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عبيد من خلب» ، وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي «عبيد من طلب» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» لابن خلكان. [2] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] في الأصل، والمطبوع: «أهل أهواء، وصبر عند اللقاء» . والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل، والمطبوع: «وريف» وهو تصحيف. [6] في المطبوع: «أعظم» . [7] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .

وبنو زبيد [1] ألزمها للرايات، وأدركها للثارات. وقضاعة أعظمها أخطارا، وأكرمها نجارا [2] وأبدعها آثارا [3] . والأنصار أثبتها مقاما، وأحسنها إسلاما، وأكرمها أياما. وتميم أظهرها جلدا وأكثرها [4] عددا. وبكر بن وائل أثبتها صفوفا، وأحدّها سيوفا. وعبد القيس أسبقها إلى الغايات، وأصبرها تحت الرايات. وبنو أسد أهل تجلّد [5] وجلد، وعسر ونكد. ولخم ملوك، وفيهم نوك، أي حمق. [وجذام يوقدون الحرب ويسعرونها، ويلقحونها ثم يمرونها. وبنو الحارث رعاة للقديم وحماة عن الحريم] [6] . وعك ليوث جاهدة، في قلوب فاسدة. [وتغلب يصدقون إذا لقوا ضربا، ويسعرون للأعداء حربا] [7] . وغسّان أكرم العرب أحسابا، وأثبتها أنسابا. [قال:] [8] وأمنع العرب في الجاهلية أن تضام قريش [كانوا أهل رهوة لا يستطاع ارتقاؤها، وهضبة لا يرام انتزاؤها] [9] في بلدة حمى الله ذمارها [10] ، ومنع جارها.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «وبنو زيد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] قال ابن منظور: النّجر والنّجار والنّجار: الأصل والحسب. «لسان العرب» «نجر» (6/ 4350) . [3] في المطبوع: «وأبعدها أثارا» وهو خطأ. [4] في «وفيات الأعيان» : «وأثراها» ، وهما بمعنى. [5] في «وفيات الأعيان» «أهل عدد وجلد» . [6] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [7] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [8] زيادة من «وفيات الأعيان» . [9] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [10] في الأصل، والمطبوع: «دارها» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» ، والذّمار: الأنساب. انظر «لسان العرب» «ذمر» (3/ 91515) .

وسأله عن مآثر العرب [في الجاهلية] [1] فقال: كانت العرب تقول: حمير أرباب الملك، وكندة لباب [2] الملوك، ومذحج أهل الطّعان، وهمدان أحلاس الخيل [3] ، والأزد آساد [4] النّاس. وسأله عن الأراضي فقال: الهند بحرها [5] در، وجبلها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر، وأهلها طغام [كقطع الحمام] [6] . وخراسان ماؤها جامد وعدوها [7] جاحد. وعمان بلد سديد، وصيدها عتيد [8] . والبحرين كناسة بين المصرين [9] . واليمن أصل العرب، وأهل البيوتات [10] والحسب. ومكّة رجالها علماء جفاة، ونساؤها كساة عراة. والمدينة رسخ العلم فيها وظهر منها. والبصرة شتاؤها جليد، وحرها شديد، وماؤها ملح، وحربها صلح. والكوفة ارتفعت عن حر البحر، وسفلت عن برد الشام، وطاب ليلها، وكثر خيرها.

_ [1] قوله: «في الجاهلية» زيادة من «وفيات الأعيان» . [2] في الأصل، والمطبوع: «ألباب» ، وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» . واللّب: القلب، والألباب العقول. [3] أي لا يبرحون ظهورها، ولا يملون ركوبها. انظر «لسان العرب» «حلس» (2/ 961) . [4] في المطبوع: «أساس» . والمثبت من «وفيات الأعيان» . [5] في المطبوع: «الهند بحردر» . [6] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . والطّغام: أوغاد الناس. [7] في المطبوع: «وغذاؤها جاحد» . [8] في المطبوع: «وصيدها عبد» . [9] في الأصل، والمطبوع: «كناسة بين المصراعين» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [10] في الأصل، والمطبوع: «وأهل البيوت» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .

وواسط جنة بين حماة وكنّة. قال: وما حماتها [1] وكنّتها؟ قال: البصرة والكوفة تحسدانها [وما ضرّها] [2] ، ودجلة والفرات يتجاذبان بإفاضة الخير عليها. والشام عروس بين نسوة جلوس. وسأله عن الآفات فقال: آفة الحلم الغضب. وآفة العقل العجب. وآفة العلم النّسيان. وآفة السّخاء المنّ [عند البلاء] [3] . وآفة الكرام مجاورة اللئام. وآفة الشجاعة البغي. وآفة العبادة الفترة. وآفة الذهن [4] حديث النفس. وآفة الحديث الكذب. وآفة المال سوء التدبير. وآفة الكامل من الرّجال العدم. قال فما آفة الحجّاج بن يوسف؟ قال: لا آفة لمن كرم حسبه، وطاب نسبه، وزكا فرعه، فقال: أظهرت نفاقا، ثم قال: اضربوا عنقه، فلما رآه قتيلا ندم [5] .

_ [1] في المطبوع: «وما حملتها» وهو خطأ. [2] لفظة «وما ضرّها» زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وآفة الزهد» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» . [5] انظر ترجمة أيوب بن القرية، وحواره مع الحجاج في «وفيات الأعيان» (1/ 250- 254) وهو الذي نقل عنه المؤلف كما أسلفت، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 197 و 346) ، والمصادر التي ذكرت في حاشيته، و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/ 131- 136) ،

وفيها ظفر أصحاب الحجّاج بابن الأشعث فقتلوه بسجستان، وطيف برأسه في البلدان، واسم ابن الأشعث عبد الرّحمن بن محمّد. وفيها توفي عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشميّ، وكان حنّكه النبيّ صلى الله عليه وسلم بريقه عند ولادته، ومات بعمان هاربا من الحجّاج، وهو ابن أخت معاوية. وعتبة بن النّدّر [1] السّلمي بالشام، له صحبة وحديثان [2] . وعمران بن حطّان السّدوسيّ البصري، أحد رؤوس الخوارج وشاعرهم البليغ. وروح الجذامي [3] ، وهو روح بن زنباع، سيد جذام [4] وأمير فلسطين، كان ذا عقل، ورأي، وكان معظّما عند عبد الملك، لا يكاد يفارقه، وهو عنده بمنزلة وزير، وكان صاحب علم ودين.

_ «الأعلام» للزركلي (2/ 37) . [1] في الأصل، والمطبوع: «عتبة بن المنذر» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 234) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي أيضا (3/ 417) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 5) و «الإصابة» لابن حجر. (6/ 381) . [2] قال ابن حجر في «الإصابة» : له حديث عند ابن ماجة وغيره. قلت: وحديثه عند ابن ماجة رقمه (2444) . [3] في الأصل، والمطبوع: «الحرامي» وهو خطأ، والتصحيح من «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (420) ، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 265) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 248) ، وغير ذلك من المصادر والمراجع التي بين أيدينا. [4] في الأصل، والمطبوع: «سيد حرام» وهو خطأ.

سنة خمس وثمانين

سنة خمس وثمانين فيها غزا محمّد بن مروان بن الحكم إرمينية، فأقام سنة، وأمر ببناء أردبيل، وبرذعة. وفيها كانت وقعة بين المسلمين والروم بطوانة [1] أصيب فيها المسلمون، واستشهد نحو الألف. وفيها توفي عبد العزيز بن مروان أبو عمر [2] ، ولي مصر عشرين سنة، وكان ولي العهد بعد عبد الملك، عقد لهما أبوهما كذلك، فلما مات عقد عبد الملك من بعده لولده، وبعث إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له النّاس، فامتنع سعيد بن المسيّب، وصمّم، فضربه هشام ستين سوطا [3] وطيف به، وروى عبد العزيز، عن أبي هريرة، وغيره.

_ [1] قال الحميري: الطوانة: مدينة ببلاد الروم على فم الدرب مما يلي طرسوس. «الروض المعطار» ص (400) ، وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (3/ 897) ، و «معجم البلدان» لياقوت (4/ 45) . [2] يعني: أبو عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل رحمه الله، وكنيته: أبو الأصبغ، أمير مصر، وأخو الخليفة عبد الملك بن مروان. انظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر (6/ 356) «والتقريب» (1/ 512) . [3] في الأصل: «صوطا» وهو خطأ، والمثبت من المطبوع.

وتوفي واثلة بن الأسقع الليثي، أحد فقراء الصّفّة [1] ، وله ثمان وتسعون سنة، وكان شجاعا، ممدحا، فاضلا، شهد غزوة تبوك. وعمرو بن حريث المخزومي، له صحبة ورواية، ومولده قبل الهجرة [2] . وعمرو بن سلمة الجرميّ البصري، الذي صلّى بقومه في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم في صغره [3] ويقال: له صحبة. وأسير [4] بن جابر بالعراق، وله أربع وثمانون سنة. وعمرو بن سلمة الهمداني، سمع عليا وابن مسعود، ولم يخرّجوا له في الكتب الستة شيئا، وهو مقلّ. وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزيّ، حليف آل عمر بن الخطّاب، روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديثا ليس بمتصل خرجه أبو داود [5] ، وله رواية عن الصحابة رضي الله عنهم. وفيها مات خالد بن يزيد بن معاوية الأمويّ، كان له معرفة بالطّب،

_ [1] قال ابن منظور: أهل الصّفّة هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه. «لسان العرب» «صفف» (4/ 2463) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» ، للذهبي (3/ 417- 419) . [3] في المطبوع: «في صفره» وهو تحريف. [4] ويقال: يسير. انظر «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 374) . [5] رقم (4991) في الأدب، باب في التشديد في الكذب، وفي سنده جهالة، عن عبد الله بن عامر أنه قال: دعتني أمى يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أردت أن تعطيه؟» قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة» . وله حديث آخر في «موطأ مالك» في ترك الوضوء مما مسته النار (1/ 27) .

والكيمياء، وفنون من العلم، وله رسائل حسنة أخذ الصّنعة عن راهب روميّ [1] ، ومن قوله في زوجته رملة بنت الزّبير: تجول خلاخيل النّساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا [2] أحبّ بني العوّام من أجل حبّها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا جرى بينه وبين عبد الملك شيء، فقال له عبد الملك: ما أنت في العير ولا في النّفير، فقال خالد: ويحك من العير والنّفير غيري، وجدّي أبو سفيان صاحب العير، وجدّي عتبة صاحب النّفير، ولكن لو قلت: غنيمات الطائف يرحم الله عثمان لصدقت، وأشار بذلك إلى جدّه الحكم، نفاه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فردّه عثمان رضي الله عنه.

_ [1] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 383) : وهذا لم يصح. [2] القلب: السوار من الفضة. انظر «تاج العروس» «قلب» (4/ 71) .

سنة ست وثمانين

سنة ست وثمانين فيها ولي قتيبة بن مسلم الباهليّ خراسان، وافتتح بلاد صاغان [1] من التّرك صلحا. وافتتح مسلمة بن عبد الملك حصنين من بلاد الرّوم. وفيها توفي أبو أمامة الباهليّ الصحابيّ رضي الله عنه، واسمه صديّ بن عجلان نزيل حمص، وقد قال: كنت يوم حجّة الوداع ابن ثلاثين سنة، فيكون عمره مائة وست سنين. وفيها، وقيل: سنة ثمان توفي عبد الله بن أبي أوفى الأسلميّ، وهو آخر الصحابة موتا بالكوفة، وآخر من مات من أهل بيعة الرّضوان رضي الله عنهم بنصّ القرآن [2] ولا يدخل أحد منهم النّار بنصّ السّنّة [3] .

_ [1] قال ياقوت: صاغان: قرية بمرو، وقد تسمى جاغان كوه. «معجم البلدان» (3/ 389) . [2] قلت: وذلك لقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ 48: 18 [الفتح: 18] . [3] لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار- إن شاء- من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها» قالت حفصة: بلى يا رسول الله، فانتهرها، فقالت حفصة وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 19: 71 [مريم: 19] . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قد قال الله عزّ وجلّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا 19: 72» . رواه مسلم رقم (2496) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة أه بيعة الرضوان رضي الله عنهم (ع) .

وفيها على الصحيح توفي عبد الله بن الحارث بن جزء الزّبيديّ، آخر الصحابة موتا بمصر. وقبيصة بن ذؤيب الخزاعيّ المدني الفقيه بدمشق، روى عن أبي بكر، وعمر، قال مكحول: ما رأيت أعلم منه، وقال الزّهريّ: كان من علماء الأمّة. وفي شوال توفي عبد الملك بن مروان الخليفة، أبو الوليد، وله ستون سنة، ولايته المجمع عليها بعد ابن الزّبير ثلاث عشرة سنة وأشهرا [1] وكان أبيض، طويلا كبير العينين، مشرف الأنف، رقيق الوجه، ليس بالبادن، عدّه أبو الزّناد [2] في الفقه في طبقة ابن المسيّب، وقال نافع [3] : لقد رأيت أهل المدينة وما بها شاب أشدّ تشميرا، ولا أفقه، ولا أنسك، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك، وولي بعده ابنه الوليد، ومن المشهور أنّ عبد الملك رأى كأنّه بال في زوايا المسجد الأربع، أو في المحراب أربع مرات، فوجّه إلى سعيد بن المسيّب من يسأله فقال: من ولده لصلبه أربعة تلي، فكان كما قال: ولي الوليد، وسليمان، وهشام، ويزيد.

_ [1] في المطبوع: «وأشهر» . [2] في الأصل، والمطبوع: «أبو زياد» وهو خطأ. والتصحيح من «فوات الوفيات» لابن شاكر (2/ 402) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 248) . وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، إمام حافظ، فقيه، مات سنة (131 هـ) . انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 445- 451) ، وسوف ترد ترجمته مفصلة في المجلد الثاني من كتابنا هذا فراجعها هناك. [3] هو نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، الإمام المفتي الثّبت، عالم المدينة المنورة في عصره، المتوفى سنة (117 هـ) . انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 95- 101) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا.

سنة سبع وثمانين

سنة سبع وثمانين فيها استعمل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، إلى أن عزله سنة ثلاث وتسعين بأبي بكر بن حزم [1] . وفيها ابتدئ ببناء جامع دمشق، ودام العمل في بنائه وزخرفته بالجدّ والاجتهاد أكثر من عشرين سنة، وكان فيه اثنا عشر ألف صانع، وهو أحد عجائب الدّنيا لتركيبه على الفلك. وفيها كانت ملحمة هائلة بناحية بخارى بين قتيبة [2] والكفّار، ونصر الله الإسلام. وفيها فتحت سردانية [3] من المغرب.

_ [1] هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي من سادات التابعين، قال ابن حبان: اسمه كنيته، مات سنة (120 هـ) . انظر «مشاهير علماء الأمصار» ص (76) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 313- 315) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا. [2] أي قتيبة بن مسلم. [3] قال ياقوت: سردانية جزيرة في بحر المغرب كبيرة، ليس هناك بعد الأندلس، وصقلية، وإقريطش أكبر منها. وقال الحميري: وفي سنة سبع وثمانين أغزى موسى بن نصير عبد الله ابنه إلى سردانية، فافتح، وأصاب سبيا وغنائم. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 209) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (314، 315) .

وفيها توفي بحمص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن عبيد السّلمي، وله أربع وتسعون سنة. والمقدام بن معد يكرب الزّبيدي الكنديّ الصحابيّ، وهو ابن إحدى وتسعين [1] سنة، ومات بحمص أيضا.

_ [1] في الأصل: «وتسعون» وهو خطأ، وأثبتنا ما في المطبوع.

سنة ثمان وثمانين

سنة ثمان وثمانين فيها زحفت التّرك، وأهل فرغانة [1] والصّغد [2] وعليهم ابن أخت ملك الصين في مائتي ألف فارس [3] فالتقاهم مسلمة، وقيل: قتيبة بن مسلم [4] فكسرهم وهزمهم، ولله الحمد. وافتتح مسلمة جرثومة وطوانة [5] . وفيها توفي عبد الله بن بسر المازنيّ بحمص، وهو آخر من مات من

_ [1] قال ياقوت: فرغانة مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان ... بينها وبين سمرقند خمسون فرسخا. «معجم البلدان» (4/ 253) ، وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (440) . قلت: وتقع الآن في جنوب غرب الاتحاد السوفييتي. [2] قال ياقوت: الصغد: كورة عجيبة قصبتها سمرقند، وقيل: هما صغدان، صغد سمرقند، وصغد بخارى، وقيل: جنان الدّنيا أربع: غوطة دمشق، وصغد سمرقند، ونهر الأبلة، وشعب بوّان. «معجم البلدان» (3/ 409، 410) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (362) . [3] لفظة «فارس» سقطت من المطبوع. [4] وهو الصواب. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (301) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 436) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 237) . و «البداية والنهاية» لابن كثير (9/ 75) ، وفيه قال ابن كثير أن ابن أخت ملك الصين كان ملكا على الترك، وأن اسمه كوربغانون. [5] جرثومة: ماء لبني أسد بن القنان وترمس، وطوانة: بلد بثغور المصيصة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 199 و 4/ 45) .

الصحابة بحمص، بل في الشام، وأطلق الذهبيّ أنه آخر الصحابة موتا [1] ، وكلامه ينتقض بسهل بن سعد في سنة إحدى وتسعين، وأنس بن مالك في سنة ثلاث وتسعين على الأصح، وأبي الطّفيل [2] فإنّ المشهور أنه آخر الصحابة موتا، وموته في سنة مائة، لكن قيل: إن ابن بسر مات سنة تسع وتسعين [3] فعلى هذا يتجه أن يقال: هو آخرهم موتا.

_ [1] بل الذي قاله في «تاريخ الإسلام» (3/ 262) ، و «سير أعلام النبلاء» (3/ 432) ، أنه آخر من مات من الصحابة بالشام ينقل ذلك عن الواقدي. [2] واسمه عامر بن واثلة بن الأسقع الكناني الليثي، المتوفى سنة (100 هـ) . انظر ترجمته في ص (403) من هذا المجلد. [3] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (3/ 433) : قال عبد الصمد بن سعيد الحافظ: توفي سنة ست وتسعين، وكذلك قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (1/ 282) : ولكن الصواب أنه مات سنة (88) وهو ابن أربع وتسعين سنة، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة.

سنة تسع وثمانين

سنة تسع وثمانين فيها جهّز موسى بن نصير ولده عبد الله، فافتتح جزيرتي ميورقة [1] ومنورقة [2] وجهّز ولده الآخر مروان فغزا السّوس [3] الأقصى، وبلغ السبيّ أربعين ألفا. وغزا مسلمة عموريّة [4] فالتقى الرّوم وهزمهم. وفيها توفي على الصحيح عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري المدني، مسح النبيّ صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له، فوعى ذلك، سمع من ابن عمر [5] .

_ [1] قال ياقوت: ميورقة جزيرة في شرقي الأندلس، كانت قاعدة ملك مجاهد العامري، وينسب إلى ميورقة جماعة من أهل العلم. انظر «معجم البلدان» (5/ 246) . وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (567) . [2] قال ياقوت: منورقة جزيرة عامرة في شرقي الأندلس قرب ميورقة. «معجم البلدان» (5/ 216) . [3] قال ياقوت: السّوس بلدة بخوزستان، وهي معربة من الشوش، انظر «معجم البلدان» (3/ 280) . [4] قال ياقوت: عمورية بلد في بلاد الروم. «معجم البلدان» (4/ 158) . [5] قلت: وفيها ولي خالد بن عبد الله القسري مكة. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (302) ، و «تاريخ الطبري» (6/ 440) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 536) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 239) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (9/ 76) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 297) .

سنة تسعين

سنة تسعين فيها غزا قتيبة وردان خذاه [1] الغزوة الثانية، فاستصرخ عليه بالتّرك، فالتقاهم قتيبة وكسرهم. وفيها غزا مسلمة سورية [2] ، وافتتح الحصون الخمسة. وفيها غدر ملك الطالقان [3] ، واستعان بترك طرحان [4] على قتيبة، ثم ظفر قتيبة بن مسلم بأهل الطالقان، فقتل منهم صبرا [5] مقتلة لم يسمع بمثلها، وصلب منهم سماطين [6] كل سماط [مسيرة] [7] أربعة فراسخ في نظام واحد [8] .

_ [1] وهو ملك بخارى. انظر «الكامل» لابن الأثير (4/ 542) ، و «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي (1/ 216) . [2] قال ياقوت: سورية موضع بالشام بين خناصرة، وسلمية، وفي كتاب «الفتوح» : لما نصر الله المسلمين ... صعد قيصر على نشز، وأشرف على أرض الروم وقال: سلام عليك يا سورية، سلام مودع لا يرجو أن يرجع إليك أبدا. «معجم البلدان» (3/ 280) . [3] قال ياقوت: الطالقان بلدتان إحداهما بخراسان بين مرو والروذ وبلخ، بينها وبين مرو الروذ ثلاث مراحل، وقال الإصطخري: أكبر مدينة بطخارستان طالقان، وهي مدينة في مستوى من الأرض، وبينها وبين الجبل غلوة سهم. انظر «معجم البلدان» (4/ 6، 7) . [4] قال ياقوت: طرحان موضع بينه وبين الضميرة التي بأرض الجبل قنطرة عجيبة ضعف قنطرة حلوان. «معجم البلدان» (4/ 27) . [5] قال ابن منظور: كلّ من حبسته لقتل أو يمين، فهو قتل صبر. وانظر «لسان العرب» «صبر» (4/ 2391) . [6] أي صفّين، وكل صفّ من الرجال سماط. [7] لفظة «مسيرة» التي بين حاصرتين زيادة من «دول الإسلام» للذهبي (1/ 63) . [8] قال الذهبي في «دول الإسلام» : وسبب ذلك أن ملكها غدر، ونكث، وأعان الترك.

وفيها وليّ إمرة مصر قرّة بن شريك، وكان جباران ظالما [1] . وتوفي أبو ظبيان حصيب، أو حصين [2] بن جندب الجنبيّ [3] الكوفيّ، والد قابوس [4] . وفيها على الأصح خالد بن يزيد بن معاوية، وتقدّم ذكره [5] . وعبد الرّحمن بن المسور بن مخرمة الزّهريّ المدنيّ الفقيه. ومفتي مصر أبو الخير يزيد بن عبد الله اليزني، تفقّه بعقبة بن عامر.

_ [1] وكان يشبه بالحجّاج. [2] وهو الصواب. [3] في الأصل، والمطبوع: «الجهني» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (3/ 313) ، قال: الجنبي: بفتح الجيم وسكون النون، وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة، هذه النسبة إلى جنب، قبيلة من اليمن، ينتسب إليها جماعة من حملة العلم. [4] وفي «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (106) : «مات سنة تسع وتسعين» وفي «الأنساب» للسمعاني: «مات سنة ست وتسعين» . [5] انظر ص (349- 350) من هذا المجلد.

سنة إحدى وتسعين

سنة إحدى وتسعين فيها عزل الوليد عمّه محمّدا عن الجزيرة، وأذربيجان، وإرمينية، وولّى عليها أخاه مسلمة، فغزا مسلمة في هذا العام إلى أن بلغ الباب الحديد [1] وافتتح حصونا ومدائن. وافتتح فيها قتيبة عدّة مدائن بما وراء النهر، وأوطأ الكفّار ذلّا وخوفا، وحمل إليه طرخون القطيعة [2] . وفيها، وقيل: في سنة ثمان وثمانين توفي السّائب بن يزيد الكندي ابن أخت نمر [3] ، قال: حجّ بي أبي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، وأنا ابن سبع

_ [1] كذا في الأصل، والمطبوع: «الباب الحديد» ، وفي «دول الإسلام» للذهبي (1/ 63) : فغزا مسلمة، وافتتح مدائن وحصونا عند دربند، ودان له من وراء باب الأبواب، ودربند هو باب الأبواب كما في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 303) ، ولعله هو الباب الحديد. [2] الخبر في «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 323 و 344) : «وفيها فتح قتيبة أمير خراسان شومان، وكس، ونسف، وامتنع عليه أهل فرياب، فأحرقها، وجهز أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى السّغد، إلى طرخان ملك تلك الديار، فجرت له حروب ومواقف، وصالحه عبد الرحمن، وأعطاه طرخون أموالا، وتقهقر إلى أخيه إلى بخارى، فانصرفوا حتى قدموا مرو، فقالت السّغد لطرخون: إنك قد رضيت بالذل، وأديت الجزية، وأنت شيخ كبير، فلا حاجة لنا فيك، ثم عزلوه وولّوا عليهم غوزك، فقتل طرخون نفسه، ثم إنهم عصوا ونقضوا العهد. [3] في المطبوع: «ابن أخت النمر» .

سنين [1] ، ورأيت خاتم النّبوة بين كتفيه [2] . وفيها مات أبو العبّاس سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، وقد قارب المائة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة [3] .

_ [1] رواه الترمذي رقم (925) في الحج: باب ما جاء في حج الصّبي، وأحمد في «المسند» (3/ 449) ، وأخرجه البخاري مختصرا رقم (1858) في جزاء الصيد: باب حج الصبيان، ولفظه عنده «حجّ بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين» . وانظر «الإصابة» لابن حجر (4/ 117) . [2] انظر «أسد الغابة» (2/ 321) و «الإصابة» (4/ 117) . [3] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 422- 424) .

سنة اثنتين وتسعين

سنة اثنتين وتسعين فيها افتتح إقليم الأندلس على يد طارق [1] مولى موسى بن نصير، وتمم موسى فتحه في سنة ثلاث. وفيها توفي مالك [2] بن أوس بن الحدثان النّصري [3] المدني، وكان أدرك الجاهلية [4] ورأى أبا [5] بكر. وفيها قتل الحجّاج إبراهيم بن يزيد التيميّ الكوفيّ، العابد المشهور، ولم يبلغ أربعين سنة، روى عن عمرو بن ميمون الأوديّ، وجماعة. وطويس [6] المغنّي [7] مولى أروى بنت كريز أمّ عثمان بن عفّان، وكان

_ [1] أي طارق بن زياد الفاتح المشهور. [2] في المطبوع: «ملك» . [3] في الأصل، والمطبوع: «النضري» وهو خطأ، والتصحيح من «اللباب» لابن الأثير (3/ 311) ، ومن كتب الرجال. [4] انظر «الإصابة» لابن حجر (9/ 35 و 36) . [5] في الأصل: «أبي» وهو خطأ، والمثبت من المطبوع. [6] قال أبو الفرج الأصفهاني: طويس لقب غلب عليه، واسمه عيسى بن عبد الله، وكنيته أبو عبد المنعم، وغيرها المخنثون فجعلوها أبا عبد النعيم. «الأغاني» (3/ 27) ، وانظر «الأعلام» للزركلي (5/ 105) . [7] قال الذهبي: كان ممن يضرب به المثل في الحذق بالغناء. «تاريخ الإسلام» (4/ 16) ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (4/ 364) .

اسمه طاووسا فلما تخنّث سمّي طويسا [1] وكان مجوّدا في المغني، وإياه عنى الشاعر في مدح معبد [2] تغنّى طويس والسّريجيّ [3] بعده ... وما قصبات السبق إلّا لمعبد [4] وضرب المثل بشؤمه [5] ، وقيل: لأنه ولد يوم مات النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفطم يوم مات الصّدّيق، وختن [6] يوم قتل عمر، وقيل: بلغ الحلم في ذلك اليوم [7] وتزوج يوم قتل عثمان، وقيل: ولد له ولد يوم قتل عليّ، وقيل يوم مات الحسن بن عليّ رضي الله عنهم، وهذا من عجائب الاتفاقات. وكان مفرطا في طوله، مضطربا في خلقه، أحول العين، انتقل [8] عن المدينة إلى السّويداء على مرحلتين منها في طريق الشام، وتوفي هناك.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (3/ 506) والتعليق عليه. [2] هو معبد بن وهب المغنّي، أبو عبّاد المدني، نابغة الغناء في العصر الأموي، نشأ في المدينة يرعى الغنم، وربما اشتغل في التجارة، ولما ظهر نبوغه في الغناء أقبل عليه كبراء المدينة، ثم رحل إلى الشام فاتصل بأمرائها، وارتفع شأنه، وكان أديبا فصيحا، مات سنة (126 هـ) . «الأعلام» للزركلي (7/ 264) . [3] في الأصل، والمطبوع: «الشريحي» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (3/ 506) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (4/ 16) . والسّريجي هذا هو عبيد الله بن سريج، مولى بني نوفل ابن عبد مناف، أبو يحيى، من أشهر المغنين وأصحاب هذه الصناعة في صدر الإسلام، كان يغني مرتجلا فيأتي باللحن المبتكر، وهو من أهل مكة، وأول من ضرب على العود بالغناء العربي، مات سنة (98 هـ) . «الأعلام» للزركلي (4/ 194) . [4] البيت في «وفيات الأعيان» (3/ 506) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (4/ 16) . [5] قال العسكري في «الأوائل» (2/ 161) : وطويس أول مشؤوم في الإسلام. وقال ابن خلّكان في «الوفيات» (3/ 506) : وهو الذي يضرب به المثل في الشؤم، فيقال: أشأم من طويس. وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 364) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (4/ 16) . [6] وهو ما ذكره صاحب «الأغاني» ، وابن خلّكان في «وفيات الأعيان» ، والزركلي في «الأعلام» . [7] وهو ما ذكره العسكري في «الأوائل» ، وابن خلّكان في «وفيات الأعيان» ولم يجزم به، والذهبي في «تاريخ الإسلام» و «سير أعلام النبلاء» . [8] تحرفت لفظة «انتقل» في الأصل إلى لفظة «إلى» وأثبتنا ما جاء في المطبوع، وهو الصواب.

سنة ثلاث وتسعين

سنة ثلاث وتسعين فيها افتتح قتيبة بن مسلم عدّة فتوح، وهزم التّرك، ونازل سمرقند في جيش عظيم، ونصب المجانيق [1] عليها، فجاءت نجدة التّرك، فأكمن لهم كمينا، فالتقوا في نصف الليل، فاقتتلوا قتالا عظيما، ولم يفلت من الترك إلّا اليسير، وافتتحها صلحا، وبنى بها الجامع والمنبر، وقيل: صالحهم على مائة ألف رأس [2] وعلى بيوت النار وعلى حلية [3] الأصنام، فسلبت [4] ثم وضعت الأصنام بين يديه، فكانت كالقصر العظيم، فأحرقها، ثم جمعوا ما بقي منها من مسامير الذّهب والفضة، فكانت خمسين ألف مثقال، واستعمل على البلد ابنه عبد الله [5] ، ورد إلى مرو [6] .

_ [1] جمع منجنيق. [2] في الأصل، والمطبوع: «مائة ألف فارس» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 327) ، وهو موافق لما في «تاريخ الطبري» (6/ 473) ، و «الكامل» لابن الأثير (4/ 571) . [3] قال ابن منظور: الحلية: الصّفة والصّورة. «لسان العرب» «حلا» (2/ 985) . [4] أي قشرت. قال ابن منظور: سلب القصبة والشجرة: قشرها. وعليه فإن قتيبة اشترط أن تقشر صور الأصنام الخشبية، وأن تحرق تلك الأصنام فيما بعد، وهو ما ذكره المؤلف في تتمة الخبر. انظر «لسان العرب» «سلب» (3/ 2058) . [5] وقال له: لا تدعنّ مشركا يدخل من باب المدينة إلّا ويده مختومة، ومن وجدت معه حديدة أو سكينا فاقتله، ولا تدعن أحدا منهم يبيت فيها. «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 327) . [6] في «تاريخ الإسلام» للذهبي: «وانصرف قتيبة إلى مرو» .

وفيها كانت الفتوح بأرض المغرب، والأندلس، وبأرض الروم، وبأرض الهند، ولم يفتح المسلمون منذ خلافة عثمان مثل هذه [1] الفتوح التي جرت بعد التسعين شرقا وغربا، فلله الحمد والمنّة. وفيها توفي من سادات الصحابة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاريّ النّجاريّ، وقيل: توفي سنة تسعين، أو إحدى أو اثنتين وتسعين، قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة وله عشر سنين، فخدمه، ودعا له بكثرة المال والولد والبركة فيهما، وفيما أوتي، فدفن لصلبه إلى مقدم الحجّاج البصرة مائة وعشرين، وكان نخله يثمر في العام مرتين [2] . وبلال بن أبي الدّرداء، روى عن أبيه، ووليّ إمرة دمشق [3] . وأبو الشّعثاء جابر بن زيد، الذي قال فيه ابن عبّاس: لو أنّ أهل البصرة نزلوا على [4] قول أبي الشّعثاء لأوسعهم علما عمّا في كتاب الله عزّ وجلّ. وأبو الخطّاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشيّ المخزوميّ، الشاعر المشهور، قيل: لم يكن في قريش أشعر منه، وهو كثير المجون والتغزّل بالثّريّا ابنة علي بن عبد الله بن الحارث بن أميّة بن عبد شمس الأموية، التي جدّتها قتيلة بالتصغير ابنة النّضر بن الحارث المنشدة في قتل [5]

_ [1] في الأصل: «هذا» وهو خطأ، والمثبت من المطبوع. [2] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 395- 406) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 339- 344) . و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/ 64- 76) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 24- 25) . [3] انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 345، 346) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 285) . [4] في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 482) : «نزلوا عند» وهو أصوب. [5] في المطبوع: «في قتيل» .

أبيها يوم بدر الأبيات [1] وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته» [2] . واستدلّ بهذا القول الصحيح أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام. وكانت الثّريّا موصوفة بارعة الجمال، وتزوّجها سهيل بن عبد الرّحمن بن عوف، ونقلها إلى مصر، وفيهما يقول عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة: أيّها المنكح الثّريّا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان

_ [1] وهي: يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة ... من صبح خامسة وأنت موفّق أبلغ بها ميتا بأنّ تحيّة ... ما إن تزال بها النّجائب تخفق مني إليه وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تحنق هل يسمعنّ النّضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميّت لا ينطق أمحمّد ولأنت ضنء كريمة ... في قومها والفحل مخل معرق ما كان ضرّك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلينفقن ... بأعزّ ما يغلو به ما ينفق فالنّضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقّهم إن كان عتق يعتق ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشفّق صبرا يقاد إلى المنيّة متعبا ... رسف المقيّد وهو عان موثق قلت: قال ابن إسحاق في «السيرة» طبعة السقا، والأبياري، والشلبي: قتيلة بنت الحارث أخت النضر، وفي «الإصابة» لابن حجر (13/ 95) ، و «شرح أبيات المغني» للبغدادي (5/ 54) قتيلة بنت النّضر. [2] قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» بعد أن سرد الأبيات: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بكى حتى اخضلّت لحيته، وقال: «لو بلغني شعرها قبل أن أقتله ما قتلته» - وهو ما ذكره المؤلف ابن العماد-، وأضاف: قال أبو عمر: هذا لفظ عبد الله بن إدريس، وفي رواية الزّبير بن بكار: فرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دمعت عيناه، وقال لأبي بكر: يا أبا بكر، لو سمعت شعرها لم أقتل أباها، وقال الزّبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز هذه الأبيات، ويقول: إنها مصنوعة. قلت (القائل ابن حجر) : ولم أر التصريح بإسلامها، لكن إن كانت عاشت إلى الفتح فهي من جملة الصحابيات، ورأيت في آخر كتاب «البيان» للجاحظ أن اسمها ليلى، وذكر أنها جذبت رداء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطوف.

هي شاميّة إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يماني [1] وهو القائل: إنّ من أكبر الكبائر عندي ... قتل بيضاء خودة عطبول كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جرّ الذّيول [2] ولد عمر هذا في ليلة قتل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وذلك ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين، وكان الحسن البصري يقول فيها: أيّ حق رفع؟ وأيّ باطل وضع؟ يعني مقتل عمر [3] ووضع عمر [4] وكان جدّه أبو ربيعة يلقّب بذي الرمحين، وأبوه عبد الله [أخو أبي جهل بن هشام لأمه، توفي في سفينة غرقا، وعمره سبعون سنة أو ثمانون. وفيها على الصحيح] [5] وقيل: سنة تسعين توفي أبو العالية رفيع بن مهران الرّياحي [6] مولاهم البصري المقرئ المفسّر، دخل على أبي بكر، وقرأ القرآن على أبيّ، وكان ابن عبّاس يرفعه على السرير وقريش أسفل. وقال أبو بكر بن أبي داود [7] : ليس بعد الصحابة أحد أعلم، بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير.

_ [1] البيتان في «الأغاني» للأصفهاني (1/ 122 و 234) ، و «شرح أبيات المغني» للبغدادي (1/ 43) و (5/ 54) . [2) ] [3] يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. [4] يعني عمر بن أبي ربيعة. [5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع. [6] في الأصل، والمطبوع: «الرباحي» وهو تصحيف، والتصحيح من «دول الإسلام» (1/ 64) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 207) . [7] هو عبد الله بن داود سليمان بن الأشعث (صاحب السنن) ، أبو بكر، حافظ، محدّث، مات سنة (316 هـ) . انظر ترجمته في المجلد الرابع من كتابنا هذا.

قال ابن قتيبة: حجّ أبو العالية ستين حجّة [1] . وقال الأصمعي [2] : كان أبو العالية، ومكحول جميلين،- يعني مكحول الأزدي- وكان مزّاحا. قال مسلم بن إبراهيم: سألت أبا العالية عن قتل الذّرّ [3] فجمع منهن شيئا كثيرا وقال: مساكين ما أكيسهن، ثم قتلهن وضحك [4] .

_ [1] «المعارف» ص (454) وبقية خبره فيه فراجعه. [2] هو عبد الملك بن قرب الباهلي البصري الأصمعي، أبو سعيد، اللغوي، الأخباري، المتوفى سنة (216 هـ) . وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا، فراجعها. [3] قال ابن منظور: الذّرّ: صغار النمل، واحدته ذرّة، قال ثعلب: إن مائة منها وزن حبّة من شعير، فكأنها جزء من مائة. «لسان العرب» «ذرر» (3/ 1494) . [4] قلت: إن صح أن أبا العالية قتل مجموعة كبيرة من النمل من غير سبب، فقد ارتكب إثما، فإن الله عزّ وجلّ حرم قتل النمل من غير سبب كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث الصحيحة، فقد روى البخاري رقم (3019) في الجهاد: باب رقم (153) ، ومسلم رقم (2241) في السلام: باب النهي عن قتل النمل، وأبو داود رقم (2526) في الأدب: باب في قتل الذر، وأحمد في «المسند» (2/ 402، 403) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن نملة قرصت نبيا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟» . وروى البخاري رقم (3319) في بدء الخلق: باب ... خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، ومسلم رقم (2241) و (149) و (150) في السلام: باب النهي عن قتل النمل، وأبو داود رقم (5265) في الأدب: باب في قتل الذر، وأحمد في «المسند» (2/ 313 و 449) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل نبيّ من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة» . قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 358) : قوله [تعالى] : فهلا نملة واحدة: يجوز فيه النصب على تقدير عامل محذوف تقديره: فهلا أحرقت نملة واحدة، وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها جناية؟. وروى الإمام أحمد في «المسند» (1/ 332 و 347) ، وأبو داود رقم (2567) في الأدب: باب في قتل الذر، والدارمي (2/ 89) في الأضاحي: باب النهي عن قتل الضفدع، والنحلة، وابن ماجة رقم (3224) في الصيد: باب ما ينهي عن قتله من حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحل،

وفيها توفي السيد الجليل زرارة بن أوفى العامريّ أبو حاجب، قاضي البصرة، قرئ في صلاة الصبح فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ 74: 8- 9 [المدثر: 8- 9] فخرّ ميتا [1] . وفيها عبد الرّحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني، ولد في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى عن الصحابة، وولى قضاء المدينة، وعن الأعرج [2] قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه.

_ والهدهد، والصرد. وهو حديث صحيح. قلت: وإن أبا العالية رحمه الله كان من أعلم أهل زمانه بالقرآن والسّنة، الأمر الذي يجعلني أشك بعدم صحة هذا الخبر عنه رحمه الله. [1] انظر «أخبار القضاة» لوكيع (1/ 294) . [2] هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، أبو داود، صاحب أبي هريرة، المتوفى سنة (117 هـ) . وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا فراجعها هناك.

سنة أربع وتسعين

سنة أربع وتسعين فيها غزا قتيبة بن مسلم فرغانة [1] فافتتحها بعد قتال عظيم، وبعث جيشا فافتتحوا الشّاش [2] . وفيها افتتح مسلمة سدرة [3] من أرض الروم. وتوفي الإمام السّيّد الجليل أبو محمّد سعيد بن المسيّب المخزوميّ المدنيّ، أحد أعلام الدّنيا، [و] سيّد التابعين. قال ابن عمر: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لسرّه. وقال مكحول، وقتادة، والزّهري، وغيرهم: ما رأينا أعلم من ابن المسيّب.

_ [1] فرغانة: مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر، متاخمة لبلاد تركستان: انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 253) . قلت: وهي الآن في جنوب غرب الاتحاد السوفييتي. [2] الشاش: بلدة بما وراء النهر. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 308) ، و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (94) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير. قلت: وهي الآن في الاتحاد السوفييتي، وتعرف بطشقند. [3] كذا في الأصل، والمطبوع: «سدرة» ، وفي «تاريخ خليفة بن خياط» ص (306) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 327) : «سندرة» ، ولم أقف على اسم «سدرة» و «سندرة» في المراجع التي تتحدث عن البلدان، وجاء في «الكامل» لابن الأثير (5/ 228) : أن سندرة فتحت سنة (120) على يد سليمان بن هشام بن عبد الملك. قلت: ولعلها فتحت مرتين، الأولى على يد قتيبة بن مسلم، والثانية على يد سليمان بن هشام بن عبد الملك، والله تعالى أعلم.

قال عليّ بن المديني: لا أعلم في التّابعين أوسع علما منه، وهو عندي أجلّ التابعين. وقال أحمد العجليّ: كان لا يأخذ العطاء، وله أربعمائة دينار يتّجر بها في الزّيت. وقال مسعر [1] : عن سعد ابن إبراهيم قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر مني، سمع من الصحابة، وجلّ روايته عن أبي هريرة، وكان تزوّج ابنته. قال قتادة: ما جمعت علم الحسن [2] إلى علم أحد إلّا وجدت له عليه فضلا، غير أنّه كان إذا أشكل عليه شيء، كتب إلى ابن المسيّب، يسأله. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزّبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي، فقيه مكّة عطاء، وفقيه اليمن طاووس، وفقيه اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه البصرة الحسن البصريّ، وفقيه الكوفة إبراهيم النّخعيّ، وفقيه الشّام مكحول، وفقيه خراسان عطاء الخراسانيّ، إلّا المدينة، فإن الله تعالى حرسها بقرشيّ فقيه غير مدافع سعيد بن المسيّب، وهو من فقهاء المدينة، جمع بين الحديث، والتفسير، والفقه، والورع، والعبادة. وعنه [3] قال: حججت أربعين حجّة، وما فاتني التكبيرة الأولى [4] منذ

_ [1] هو مسعر بن كدام الهلالي، الكوفي، أبو سلمة. وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا، فراجعها فيه. [2] يعني الحسن البصري رحمه الله. [3] أي عن ابن المسيب رحمه الله. [4] يعني خلف الإمام في الصلاة.

خمسين سنة، وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة. وعطّل المسجد النّبويّ أيام الحرّة [1] ولم يبق فيه غيره، وكان لا يعرف أوقات الصلاة إلّا بهمهمة يسمعها داخل الحجرة المقدّسة، وخطب ابنته بعض ملوك بني أمية، فزوّجها فقيرا من الطّلبة، وسيّرها إلى بيته، ثم زارها بعد ذلك ووصلها بشيء من عنده، وكانت ابنة أبي هريرة تحته، وكان جابر بن الأسود على المدينة دعاه إلى بيعة ابن الزّبير فأبى، فضربه ستين سوطا، وضرب أيضا هشام بن إسماعيل ستين سوطا، وطاف به [2] في المدينة في تبّان [3] من شعر، وذلك أنه دعاه إلى البيعة لسليمان، والوليد بالعهد فلم يفعل. وكان مولده لسنتين مضتا من خلافة عمر، ووفاته بالمدينة. وولد لسعيد محمّد، وكان نسّابة، فنفى قوما من المخزومين، فرفع ذلك إلى الوالي، فجلده الحدّ. وكان لسعيد غيره من الولد، وبرد مولاه، قال له: يا برد، إياك أن تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عبّاس. وقال: كل حديث حدثكموه برد ليس مع غيره مما تنكرونه فهو كذب. وبالجملة فمناقبه ومآثره تفوت الحصر، وقد صنّف فيها. وفيها أيضا توفي أحد فقهاء المدينة السبعة [4] أبو محمّد عروة ابن

_ [1] تقدم كلام المؤلف عن هذه الوقعة الأليمة في ص () من هذا المجلد فراجعها. [2] لفظة «به» سقطت من المطبوع. [3] قال ابن منظور: التّبان، بالضم، والتشديد: سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط، يكون للملاحين. «لسان العرب» «تبن» (1/ 420) . [4] قال الإمام النووي: فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزّبير، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وفي السابع ثلاثة أقوال، فقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 172) .

الزّبير بن العوّام الأسديّ المدنيّ، الفقيه، الحافظ، جمع العلم، والسيادة، والعبادة. ولد في سنة تسع وعشرين، وحفظ عن والده، وكان يصوم الدّهر [1] ومات صائما، واشتهر أنه قطعت رجله وهو في الصلاة لأكلة [2] وقعت فيها، ولم يتحرّك حتى لم يشعر الوليد بن عبد الملك بذلك وهو عنده، حتى كويت، فوجد رائحة الكيّ. قال الزّهريّ: رأيته بحرا لا تكدّره الدّلاء. ودخل على عبد الملك بعد قتل أخيه [3] وسأله سيف الزّبير، فأخرجوا له السيوف، فأخذ منها سيفا مفلّلا فعرفه، وبئره أعذب بئر في المدينة اليوم [4] . توفي في قرية له دون الفرع بضم الفاء وتسكين الراء من ناحية الرّبذة على أربع ليال من المدينة، ذات نخل ومياه. وهو شقيق عبد الله، أمهما أسماء بنت أبي بكر، بخلاف مصعب، فإنّ أمّه أخرى، وكان عبد الملك بن مروان يقول: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى عروة بن الزّبير، وسبب ذلك أنهم اجتمعوا في المسجد الحرام وتمنّوا، وكان أمنية [5] عروة الزّهد في الدّنيا، والفوز بالجنة، فلما نال كلّ امرئ منهم أمنيته، كان في ذلك دليل على نيل أمنية عروة.

_ [1] انظر «عمدة الأحكام» للمقدسي ص (139- 140) بتحقيقي، فإن صيام الدهر نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبّ الصيام إلى الله تعالى صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وليس وراء ذلك صيام. [2] قال ابن منظور: الأكلة، مقصورة: داء يقع في العضو فيأتكل منه. «لسان العرب» «أكل» (1/ 102) . [3] يعني عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه. [4] ويسمى بئر عروة، وهي بطرف حرة الوبرة الغربي بالنسبة للمدينة، عن يمين الطريق لمن يسافر إلى مكة. [5] في المطبوع: «منية» وهو خطأ.

وقد نظم بعض الفضلاء فقهاء المدينة السبع فقال: ألا كلّ من لا يقتدي بأئمّة ... فقسمته ضيزى عن الحقّ خارجة فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة [1] وفيها مات أيضا أحد الفقهاء السبعة، أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميّ، الملقّب براهب قريش لعبادته وفضله، استصغر يوم الجمل فردّ هو وعروة، وكان مكفوفا وأبوه الحارث من الصحابة، وهو أخو أبي جهل لأمه. وهذه السّنة تسمّى سنة الفقهاء، لأنها مات فيها جماعة منهم، وإنما قيل: الفقهاء السبعة، لأنهم كانوا بالمدينة في عصر واحد ينشر عنهم العلم والفتوى [2] وكان في عصرهم جماعة من فقهاء التابعين مثل: سالم بن عبد الله بن عمر، وغيره، فلم يكن لهم مثل مالهم. وفيها زين العابدين عليّ بن الحسين الهاشميّ، وولد سنة ثمان وثلاثين بالكوفة، أو سنة سبع، سمّي زين العابدين لفرط عبادته، وكان ورده في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات. وكان يوم استشهد والده مريضا فلم يتعرّضوا له. وكان عبد الملك يحترمه ويجلّه، وأمّه سلّامة [3] ، وقيل: غزالة بنت يزدجرد ملك فارس [4] سبيت [5] ثالثة ثلاث من بناته في خلافة عمر، أمر عمر

_ [1] في الأصل، والمطبوع: « ... سعيد سليمان أبو بكر خارجة» . [2] في المطبوع: «الفتيا» . [3] في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 386) : «سلّامة سلافة بنت ملك الفرس يزدجرد، وقيل: غزالة» . [4] مات سنة (31 هـ) . الموافقة لسنة (651) ميلادية. انظر «التوفيقات الإلهامية» للواء محمد مختار باشا المصري ص (16) ، و «المنجد في الأعلام» ص (749) . [5] في المطبوع: «سميت» . وهو خطأ.

ببيعهنّ، فأشار عليّ، بتقويمهن، ويأخذهنّ من اختارهنّ، فأخذهنّ عليّ فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، وأخرى لولده الحسين، وأخرى لمحمّد بن أبي بكر الصّدّيق فولدن [1] سالما، وزين العابدين، والقاسم بن محمّد، فهم بنو خالة، وكان أهل المدينة يكرهون السراري حتى نشأ فيهم هؤلاء الثلاثة، وفاقوا فقهاء المدينة ورعا، فرغبت النّاس في السّراري. ومن برّ زين العابدين لأمه، أنّه كان لا يأكل معها في صحفة [2] ويقول: أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه. ومن قوله: إن لله عبّادا عبدوه رهبة، فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة، فتلك عبادة التّجار، وآخرين عبدوه شكرا، فتلك عبادة الأحرار، وتكلم فيه رجل وافترى عليه، فقال له: إن كنت كما قلت فأستغفر الله، وإن لم أكن كما قلت، فالله يغفر لك، فقبّل رأسه وقال: جعلت فداك، لست كما قلت، فاغفر، قال: غفر الله لك، فقال له الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته [3] . وقصّته مع هشام والفرزدق، ومدح الفرزدق له مشهورة نذكر شيئا منها عند ذكر الفرزدق إن شاء الله تعالى [4] . قال الزّهري: ما رأيت أحدا أفقه من زين العابدين، لكنّه قليل الحديث. وقال أبو حازم الأعرج: ما رأيت هاشميّا أفضل منه. وعن سعيد بن المسيّب قال: ما رأيت أورع منه.

_ [1] في المطبوع: «فولدت» . [2] الصحفة: القصعة. انظر «مختار الصحاح» للرازي ص (357) . [3] في المطبوع: «رسالاته» ، يعني أنه من أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم. [4] سترد القصة التي أشار إليها المؤلف رحمه الله في المجلد الثاني.

وقال مالك: بلغني أن عليّ بن الحسين كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات. وكان يسمّى زين العابدين لعبادته. وفيها، وقيل: سنة أربع ومائة، أبو سلمة [1] بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ المدنيّ، أحد الأئمة الكبار، قال الزّهري: أربعة وجدتهم بحورا: عروة، وابن المسيّب، وأبو سلمة، وعبيد الله. وفيها تميم بن طرفة الطّائي الكوفي، ثقة له عدة أحاديث [2] .

_ [1] قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمه كنيته. انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (64) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 287) ، و «تهذيب التهذيب» (12/ 115) . [2] انظر «تهذيب الكمال» للمزّي (4/ 331) بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، طبع مؤسسة الرسالة. وقال الذهبي في «الكاشف» (1/ 114) طبع دار الكتب العلمية في بيروت: مات سنة (94) . وكتب المعلق عليه: «أي ومائة. (194) !!! وهو خطأ، وما في متن «الكاشف» هو الصواب.

سنة خمس وتسعين

سنة خمس وتسعين فيها أراح الله العباد والبلاد بموت الحجّاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفيّ الطائفيّ، في ليلة مباركة على الأمّة، ليلة سبع وعشرين من رمضان، وله ثلاث، وقيل: أربع أو خمس وخمسون سنة، أو دونها، وكان شجاعا مقداما [مهيبا] [1] مفوّها، فصيحا، سفّاكا، ولي الحجاز سنين [2] ثم العراق، وخراسان عشرين سنة، وأقره الوليد على عمله بعد أبيه، وقيل لابن سيرين [3] : رأيت حمامة بيضاء حسنة على سرادقات المسجد، فجاء صقر فاختطفها، فقال ابن سيرين إن صدقت رؤياك تزوّج الحجّاج ابنة جعفر الطّيّار، فلما تزوّجها قيل لابن سيرين: من أين أخذت ذلك، فقال: الحمامة امرأة، وبياضها حسنها، والسّرادقات شرفها، فلم أر بالمدينة أنقى حسنا ولا أشرف من ابنة جعفر، والصّقر سلطان غشوم، فلم أر أغشم من الحجّاج. وقال ابن قتيبة في «المعارف» : يكنى الحجّاج أبا محمّد، وكان

_ [1] لفظة: «مهيبا» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع. [2] في الأصل: «سنتين» وأثبتنا ما في المطبوع وهو الصواب، لأن الحجاج ولي الحجاز ثلاث سنين. [3] هو محمد بن سيرين، أبو بكر، إمام المعبرين، المتوفى سنة (110 هـ) . وسوف ترد ترجمته مفصلة في المجلد الثاني.

أخفش [1] دقيق الصوت، وأول ولاية وليها تبالة [2] فلما رآها احتقرها وانصرف، فقيل في المثل: «أحقر من تبالة على الحجّاج» [3] وولي شرطة أبان بن مروان في بعض ولايات أبان، فلما خرج ابن الزّبير، وقوتل زمانا، قال الحجّاج لعبد الملك: إني رأيت في المنام [4] كأني أسلخ عبد الله بن الزّبير، فوجّهني إليه، فوجّهه في ألف رجل، وأمره أن ينزل الطائف حتى يأتيه أمره [5] ففعل، ثم كتب إليه بقتاله، وأمدّه، فحاصره حتى قتله، ثم أخرجه فصلبه، وذلك في سنة ثلاث وسبعين، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، فكان يصلّي بالموسم كلّ سنة، ثم ولّاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فوليها عشرين سنة، وأصلحها، وذلّل أهلها، وحدثني أبو اليمان [6] عن حريز [7] بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن ميسرة، عن أبي عذبة الحضرمي قال:

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أخفض» وهو تحريف، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (396) بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر. قال ابن منظور في «لسان العرب» «خفش» (2/ 1210) : الخفش: ضعف في البصر وضيق في العين، وقيل: صغر في العين خلقة، هو فساد في جفن العين واحمرار تضيق له العيون من غير وجع ولا قرح، خفش خفشا، فهو خفش وأخفش. [2] قال البكري: تبالة: بفتح أوله وباللام، على وزن فعالة: بقرب الطائف، على طريق اليمن من مكة، وهي لبني مازن ... وهي التي يضرب بها المثل، فيقال: أهون من تبالة على الحجاج» . وانظر تتمة كلامه في «معجم ما استعجم» (1/ 301) . [3] كذا في الأصل، والمطبوع: «أحقر من تبالة على الحجّاج» ، والذي في «المعارف» لابن قتيبة- الذي ينقل عنه المؤلف- و «معجم ما استعجم» للبكري، و «لسان العرب» لابن منظور «تبل» : «أهون من تبالة على الحجّاج» . [4] في «المعارف» لابن قتيبة: «رأيت في منامي» . [5] في «المعارف» لابن قتيبة: «حتى يأتيه رأيه» . [6] هو الحكم بن نافع البهراني الحمصي، محدّث راوية من شيوخ البخاري، وابن حنبل، توفي سنة (122 هـ) . وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا. [7] في الأصل، والمطبوع: «جرير بن عثمان» ، وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة، و «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 412) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (2/ 441) .

قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رابع أربعة من أهل الشام، ونحن حجّاج، فبينا [1] نحن عنده إذ أتاه خبر من العراق بأنهم قد حصبوا إمامهم فخرج إلى الصلاة، ثم قال: من ها هنا من أهل الشام؟ فقمت أنا وأصحابي. فقال: يا أهل الشام تجهّزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرّخ، ثم قال: اللهم قد لبّسوا عليّ، فلبّس عليهم، اللهمّ عجّل لهم بالغلام الثّقفيّ، الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم انتهى [2] . وأمّ الحجّاج الفارعة بنت همام [3] بن عروة بن مسعود الثقفي، ولدت الحجّاج مشوّها لا دبر له، فنقب عن دبره، وأبى أن يقبل ثديّ أمه أو غيرها [4] [فأعياهم أمره] [5] فيقال: إن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث بن كلدة، وكان تزوج الفارعة قبل أبي الحجّاج، وكان حكيم العرب فقال لهم: ألعقوه دم جدي [6] يومين، واليوم الثالث ألعقوه دم تيس أسود ثم دم ثعبان [7] سالخ أسود، واطلوا به وجهه، وأخبرهم أنه يقبل الثدي في اليوم الرابع، فلذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء، ويخبر أنه أكبر لذّاته. وله مقحمات عظائم وأخبار مهولة وكان معلّما.

_ [1] في الأصل: «فبينما» وما أثبتناه موافق لما في «المعارف» لابن قتيبة الذي نقل عنه المؤلف. [2] «المعارف» لابن قتيبة ص (396- 397) . [3] في «العقد الفريد» لابن عبد ربه (5/ 276) بعناية الدكتور عبد المجيد الترحيني، طبع دار الكتب العلمية: «الفارعة بنت هبّار» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وغيرها» ، وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» لابن خلكان الذي نقل عنه المؤلف. [5] الزيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلّكان. [6] في «وفيات الأعيان» لابن خلكان: «اذبحوا جديا أسود وأولغوه دمه، فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك، فإذا كان اليوم الثالث فاذبحوا له تيسا أسود وأولغوه دمه» . [7] لفظة «ثعبان» سقطت من «وفيات الأعيان» فتستدرك فيه. وانظر «لسان العرب» «سلخ» (2062) .

قال ابن قتيبة: كان يعلّم [الصبيان] [1] بالطائف واسمه كليب، وأبوه أيضا يوسف كان معلّما [2] . وقال مالك [3] بن الرّيب [4] في الحجّاج: فماذا عسى الحجّاج يبلغ جهده ... إذا نحن جاوزنا حفير [5] زياد فلولا بنو مروان كان ابن يوسف ... كما كان عبدا من عبيد إياد زمان هو العبد المقرّ بذلّه ... يراوح غلمان القرى ويغادي وقال آخر: أينسى كليب زمان الهزال ... وتعليمه سورة الكوثر رغيف له فلكه ما يرى ... وآخر كالقمر الأزهر يريد أن خبز المعلّمين مختلف. ولما حضرته الوفاة قال للمنجّم: هل ترى ملكا يموت؟ قال: بلى، ولست به، أرى ملكا يموت يسمى كليبا، قال: أنا والله كليب كانت أمي سمّتني. انتهى. وتمثّل حينئذ بقول عبيد بن سفيان العكليّ: يا ربّ قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنّني من ساكني النّار

_ [1] لفظة: «الصبيان» ليست في الأصل، والمطبوع، وإنما أثبتناها من «العقد الفريد» لابن عبد ربه. [2] لم أر هذا النقل عند ابن قتيبة في «المعارف» في النسخة التي بين يدي، وإنما هو في «العقد الفريد» لابن عبد ربه (5/ 275) ، وقد نسبه لابن قتيبة. [3] في المطبوع: «ملك» . [4] في الأصل: «مالك بن أبي يزيد» ، وفي المطبوع: «ملك بن أبي يزيد» ، وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العقد الفريد» لابن عبد ربه (5/ 275) ، و «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (221) بتحقيق الدكتور مفيد قميحة، ومراجعة الأستاذ نعيم زرزور، طبع دار الكتب العلمية، و «شرح أبيات المغني» للبغدادي (5/ 14) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 261) . [5] كذا في الأصل، والمطبوع: و «العقد الفريد» ، وفي «الشعر والشعراء» لابن قتيبة: «قناة» .

أيحلفون على عمياء ويحهم ... ما علمهم بعظيم العفو غفّار [1] وكان موته بالأكلة [2] في بطنه، سوّغه الطبيب لحما في خيط فخرج مملوءا دودا وسلط عليه أيضا [3] البرد، فكان يوقد النّار تحته وتأجّج حتى تحرق ثيابه [4] وهو لا يحسّ بها، فشكا [ما يجده] [5] إلى الحسن البصريّ فقال [له] [6] ألم أكن نهيتك أن تتعرّض للصالحين [فلججت، فقال له: يا حسن، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرج عني، ولكني أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي، فبكى الحسن بكاء شديدا، وأقام الحجّاج على هذه الحال بهذه العلة خمسة عشر يوما] [7] فلما أخبر الحسن بموته سجد شكرا، وقال: اللهمّ كما أمته أمت [8] سنّته [9] . وكان [10] قد رأى أن عينيه قلعتا: وكان تحته هند بنت المهلّب، وهند بنت أسماء بن خارجة فطلّقهما [11] ليتأوّل رؤياه بهما، فمات ابنه محمّد، وجاءه نعي أخيه محمّد من اليمن، فقال: هذا والله تأويل رؤياي محمّد

_ [1] البيتان في «وفيات الأعيان» ، و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (6/ 231) مع بعض الاختلاف في ألفاظهما. [2] سبق أن أشرنا إلى أن الأكلة داء يقع في العضو فيأتكل منه. انظر ص (373) . [3] في المطبوع: «وسلط أيضا عليه» . [4] في «وفيات الأعيان» : «حتى تحرق جلده» . [5] لفظة «ما يجده» التي بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلكان، الذي ينقل عنه المؤلف. [6] زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلكان. [7] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلّكان. [8] في المطبوع: «فأمت» . [9] في «وفيات الأعيان» لابن خلكان: «اللهمّ إنك قد أمته فأمت سنته» . [10] يعني الحجّاج. [11] في الأصل: «فطلقها» وما أثبتناه من المطبوع.

ومحمّد في يوم واحد، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، 2: 156 ثم قال من: يقول شعرا فيسلّيني [به؟] [1] فقال: الفرزدق: إن الرّزيّة لا رزيّة بعدها ... فقد [ان] [2] مثل محمّد ومحمّد ملكان قد خلت المنابر منهما ... أخذ الحمام عليهما بالمرصد [3] قيل: قتل مائة ألف وعشرين ألفا، ووجد في سجونه بعد موته ثلاثة وثلاثون ألفا لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب، ويقال: إن زياد ابن أبيه أراد [أن] يتشبّه بعمر في ضبطه وسياسته، فتجاوز الحدّ ولم يصب، وأراد الحجّاج أن يتشبّه بزياد فدمّر وأهلك [4] . وفي شعبان من السنة المذكورة قتل الحجّاج- قاتله الله- سعيد بن جبير الوالبيّ مولاهم الكوفيّ المقرئ، المفسّر، الفقيه، المحدّث، أحد الأعلام، وله نحو من خمسين سنة، أكثر روايته عن ابن عبّاس، وحدّث في حياته بإذنه، وكان لا يكتب الفتاوى مع ابن عبّاس، فلما عمي ابن عبّاس كتب، وروي أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت الحرام، وكان يؤمّ النّاس في شهر رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، وليلة بقراءة زيد بن ثابت، وأخرى بقراءة غيرهما، وهكذا أبدا، وقيل: كان أعلم التّابعين بالطّلاق سعيد بن جبير، وبالحجّ عطاء [5] ، وبالحلال والحرام طاووس [6] وبالتفسير

_ [1] زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلكان. [2] زيادة من المطبوع، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان. [3] البيتان في [4] قال الذهبي في آخر ترجمته للحجّاج في «تاريخ الإسلام» (3/ 355) : وعندي مجلد في أخبار الحجاج فيه عجائب، لكن لا أعرف صحتها. [5] يعني عطاء بن أبي رباح، الإمام، الفقيه، الواعظ، الحجة، المتوفى سنة (114) ، وسترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا. [6] يعني طاووس بن كيسان اليماني الجندي الخولاني، أحد الأئمة الأعلام في عصره،

مجاهد [1] ، وأجمعهم لذلك سعيد بن جبير، وقتله الحجّاج وما على وجه الأرض أحد إلّا وهو مفتقر إلى علمه. وقال الحسن [2] يوم قتله: اللهمّ أعن على فاسق ثقيف، والله لو أنّ أهل الأرض اشتركوا في قتله لأكبّهم [3] الله في النار. وقال أبو اليقظان [4] : هو- أي سعيد- مولى لبني والبة من بني أسد، ويكنى أبا [5] عبد الله، وكان أسود، وكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود، ثم كتب لأبي بردة وهو على القضاء وبيت المال، وكان سعيد مع عبد الرّحمن بن محمّد بن الأشعث بن قيس، لما خرج على عبد الملك بن مروان، فلما قتل عبد الرّحمن وانهزم أصحابه من دير الجماجم [6] هرب فلحق بمكّة، وكان واليها يومئذ خالد بن

_ المتوفى سنة (106) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا. وانظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (48) بتحقيقنا، طبع دار ابن كثير. [1] يعني مجاهد بن جبر، شيخ القرّاء، والمفسرين في عصره، المتوفى سنة (103 هـ) . انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (17) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثاني من كتابنا هذا. [2] يعني الحسن البصري، إمام أهل البصرة، وخير أهل زمانه، المتوفى سنة (110 هـ) . وسترد ترجمته مفصلة في المجلد الثاني من كتابنا هذا. [3] في المطبوع: «لكبهم» . [4] هو عامر بن حفص، عالم بالأنساب، يلقب بسحيم، توفي سنة (190 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 250) . [5] في الأصل: «أبو» وأثبتنا ما في المطبوع وهو الصواب. [6] قال ياقوت: دير الجماجم بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البر للسالك إلى البصرة، قال أبو عبيدة: الجمجمة القدح من الخشب، وبذلك سمي دير الجماجم، لأنه كان يعمل فيه الأقداح من الخشب. والجمجمة أيضا: البئر تحفر في سبخة، فيجوز أن يكون الموضع سمي بذلك، قال ابن الكلبي: إنما سمي دير الجماجم لأن بني تميم وذبيان لما واقعت بني عامر وانتصرت بنو عامر وكثر القتلى في بني تميم بنوا بجماجمهم هذا الدير شكرا على ظفرهم، وهذا عندي بعيد من الصواب، وهو مقول على ابن الكلبي وليس يصح عنه، فإنه كان أهدى إلى الصواب من غيره في هذا الباب، لأن وقعة بني عامر وبني تميم وذبيان كانت بشعب جبلة وهو بأرض نجد وليس بالكوفة، ولعل الصواب ما حكاه البلاذري عن ابن

عبد الله القسري، فأخذه وبعث به إلى الحجّاج مع إسماعيل بن أوسط البجلّي، فقال له الحجّاج: يا شقيّ بن كسير أما قدمت الكوفة وليس يؤمّ بها إلّا عربي فجعلتك إماما؟ فقال: بلى، قال: أما ولّيتك القضاء، فضجّ أهل الكوفة وقالوا: لا يصلح للقضاء إلّا عربيّ، فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري، وأمرته أن لا يقطع أمرا دونك؟ قال: بلى، قال أما جعلتك من سمّاري وكلهم رؤوس [1] العرب؟ قال: بلى، قال: أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرّقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها؟ قال: بلى، قال: فما أخرجك عليّ؟ قال: بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث، فغضب الحجّاج ثم قال: أما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك في عنقك من قبل؟ والله لأقتلنّك؟. وقال أبو بكر الهذليّ [2] : لما دخل سعيد بن جبير على الحجّاج قام بين يديه، فقال له: أعوذ منك بما استعاذت به مريم بنت عمران حيث قالت: [إِنِّي] أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا 19: 18 [مريم: 18] ، فقال له الحجّاج: ما اسمك قال: سعيد بن جبير، قال: شقيّ بن كسير، قال: أمّي أعلم باسمي، قال: شقيت وشقيت أمّك، قال: الغيب يعلمه غيرك، قال: لأوردنّك حياض الموت، قال: أصابت إذا أمّي، قال: فما تقول في محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: نبيّ ختم الله تعالى به الرّسل وصدّق به الوحي، وأنقذ به من الهلكة إمام هدي ونبيّ رحمة، قال: فما تقول في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل، إنما استحفظت أمر ديني، قال: فأيّهم

_ الكلبي أن بلادا الرماح، وبعضهم يقول بلال الرماح، وهو أثبت، ابن محرز الإيادي قتل قوما من الفرس ونصب رؤوسهم عند الدير فسمي دير الجماجم. «معجم البلدان» (2/ 504) ، وانظر «معجم ما استعجم» (2/ 573، 574) م. [1] في المطبوع: «رؤس» . [2] هو سلميّ بن عبد الله بن سلمي. انظر «جمهرة الأنساب» لابن حزم ص (198) .

أحبّ إليك؟ قال: أحسنهم خلقا وأرضاهم لخالقه، وأشدّهم فرقا [1] قال: فما تقول في عليّ وعثمان، أفي الجنة هما أو في النار؟ قال: لو دخلتهما فرأيت أهلهما إذا لأخبرتك، فما سؤالك عن أمر غيّب عنك؟ قال: فما تقول في عبد الملك بن مروان؟ قال: مالك تسألني عن امرئ أنت واحدة من ذنوبه؟ قال: فمالك لم تضحك قطّ؟ قال: لم أر ما يضحكني [2] ، كيف يضحك من خلق من تراب وإلى التراب يعود؟ قال: فإني أضحك من اللهو [3] قال ليست القلوب سواء، قال: فهل رأيت من اللهو [4] شيئا، ودعا بالنّاي والعود، فلما نفخ بالنّاي بكى، قال: ما يبكيك؟ قال: ذكّرني يوم ينفخ في الصّور، فأمّا هذا العود فمن نبات الأرض، وعسى أن يكون قد قطع من غير حقّه، وأمّا هذه المغاش والأوتار [5] فإنها سيبعثها الله معك يوم القيامة، قال: إني قاتلك، قال: إن الله عزّ وجلّ قد وقّت لي وقتا أنا بالغه، فإن يكن أجلي قد حضر فهو أمر قد فرغ منه، ولا محيص ساعة، وإن تكن العافية، فالله تعالى أولى بها، قال: اذهبوا به فاقتلوه، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له [وأن محمدا عبده ورسوله] [6] استحفظكها يا حجّاج حتى ألقاك يوم القيامة، فلما تولّوا به ليقتلوه ضحك، قال له الحجّاج: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلم الله جلّ وعلا عليك [7] ثم استقبل القبلة فقال:

_ [1] قال ابن منظور: الفرق بالتحريك: الخوف، وفرق منه بالكسر فرقا جزع. «لسان العرب» «فرق» (5/ 3400) . [2] في المطبوع: «لم أر ما يضحك» . [3] في الأصل: «الهوا» وأثبتنا ما في المطبوع لأنه يتفق مع ما جاء في سياق النص. [4] في الأصل: «الهوا» وما أثبتناه من المطبوع لأنه يتفق مع ما جاء في سياق النص. [5] في «سير أعلام النبلاء» (4/ 331) : «وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة» ، وفي حاشية «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 373) : «وأما الأوتار فمن الشاء تبعث معك يوم القيامة» . وأما العبارة التي في كتابنا فلا أرى لها وجها، ولعلها محرفة فيه، والله أعلم. [6] ما بين حاصرتين زيادة من «سير أعلام النبلاء» للذهبي، وحاشية «وفيات الأعيان» . [7] في الأصل، والمطبوع: «وحلم الله جل وعلا عنك» ، وما أثبته من حاشية «وفيات الأعيان» ،

وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا من الْمُشْرِكِينَ 6: 79 [الأنعام: 79] قال: اقتلوه عن القبلة، قال: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ الله واسِعٌ عَلِيمٌ 2: 115 [البقرة: 115] قال: اضربوا به الأرض، قال: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى 20: 55 [طه: 55] قال: اضربوا عنقه، قال: اللهمّ لا تحل له دمي ولا تمهله من بعدي [1] فلما قتله لم يزل دمه يجري حتى علا وفاض حتى دخل تحت سرير الحجّاج، فلما رأى ذلك هاله وأفزعه، فبعث إلى صادق [2] المتطبّب فسأله عن ذلك، قال: لأنك قتلته ولم يهله، ففاض دمه ولم يجمد في جسده، ولم يخلق الله عزّ وجلّ شيئا أكثر دما من الإنسان، فلم يزل به ذلك الفزع حتى منع النّوم، وجعل يقول: مالي ولك يا سعيد بن جبير، وكان في جملة مرضه كلما نام رآه آخذا بمجامع ثوبه يقول: يا عدوّ الله فيم قتلتني، فيستيقظ مذعورا ويقول: مالي ولابن جبير، وقتل ابن جبير، وله تسع وأربعون سنة، وقبره بواسط يتبرك به [3] . وفيها توفي مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير العامريّ البصريّ، الفقيه العابد المجاب الدّعوة، روى عن عليّ، وعمّار [4] . وحميد بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ، سمع من خاله عثمان [5]

_ وما جاء في هذه الحاشية ما هو إلّا نص لابن خلكان في «وفيات الأعيان» سقط من النسخة الخطية التي اعتمدها الدكتور إحسان عباس في تحقيقه للكتاب، وهو موجود في نسخ أخرى من الكتاب، والدليل على ذلك أن ابن العماد ينقل عنه في كتابنا هنا. [1] في حاشية «وفيات الأعيان» ، و «سير أعلام النبلاء» : «اللهمّ لا تسلطه على أحد يقتله بعدي» . [2] في المطبوع: «صادوق» . [3] قلت: التبرك بالقبور من الأمور التي نهى عنها شرعنا الحنيف، ولكن صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» . [4] يعني عمار بن ياسر رضي الله عنه. [5] يعني أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وهو صغير، وكان عالما فاضلا مشهورا. والإمام الجليل، فقيه العراق بالاتفاق أبو عمران إبراهيم بن يزيد النّخعيّ، أخذ عن مسروق، والأسود، وعلقمة، ورأى عائشة وهو صغير، والنّخع من مذحج، وقد عدّه ابن قتيبة في «المعارف» من الشيعة [1] ، وقال عنه: وكان مزّاحا، قيل له: إن سعيد بن جبير يقول: كذا، قال: قل له يسلك وادي النّوكى [2] ، وقيل لسعيد: إنه يقول كذا، قال قل له: يقعد في ماء بارد، ومات وهو ابن ستّ وأربعين سنة، وقال ابن عون: كنت في جنازة إبراهيم، فما كان فيها إلّا سبعة أنفس، وصلّى عليه عبد الرّحمن بن الأسود بن يزيد، وهو ابن خاله. انتهى ملخصا [3] . وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ.

_ [1] انظر «المعارف» لابن قتيبة ص (624) . [2] في الأصل، والمطبوع: «وادي الترك» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (463) . والنوكى جمع أنوك، وهو الأحمق. انظر «لسان العرب» لابن منظور «نوك» (6/ 4582) . [3] «المعارف» ص (463، 464) .

سنة ست وتسعين

سنة ست وتسعين فيها توفي عبد الله بن بسر المازنيّ بحمص، كذا ورّخه عبد الصّمد بن سعيد، وقد مرّ. وفيها قلع الله تعالى قرّة بن شريك القيسي أمير مصر، وكان عسوفا ظالما، قيل: كان إذا انصرف الصّنّاع من بناء جامع مصر دخله فدعا بالخمر والملاهي، ويقول: لنا الليل ولهم النّهار. قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: الوليد بالشّام، وقرّة بمصر، والحجّاج بالعراق، وعثمان بن حيّان بالحجاز، امتلأت الأرض والله جورا. وفيها في جمادى الآخرة توفي الخليفة أبو العبّاس الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة، وكان ذميما سائل الأنف يتبختر في مشيه وأدبه ناقص حتى قيل: [إنه] [1] قرأ في الخطبة يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ 69: 27 [الحاقة: 27] بضم تاء ليت، ودخل عليه أعرابي فقال: من ختنك؟ قال: المزين فقالوا [2] : إنما يريد أمير المؤمنين من ختنك؟ قال: نعم، فلان. لكنه كان مع جوره كثير التّلاوة للقرآن، يختم في ثلاث، وفي رمضان سبع

_ [1] لفظة: «إنه» سقطت من الأصل، واستدركناها من المطبوع. [2] في المطبوع: «فقال» .

عشرة ختمة، وطاب حاله في دنياه، ورزق سعادة عظيمة مع جانب من الدّين، فبنى جامع دمشق، وافتتح الهند، والتّرك، والأندلس، وتصدّق كثيرا، وروي أنه قال: لولا ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أحدا يفعله. وفي أواخرها قتل قتيبة بن مسلم بخراسان، وقد وليها عشرين سنة، قال خليفة: خلع سليمان بن عبد الملك فقتلوه [1] . وكان بطلا شجاعا هزم الكفّار غير مرّة وافتتح عدّة مدائن.

_ [1] انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (318) ، والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

سنة سبع وتسعين

سنة سبع وتسعين فيها توفي سعيد بن مرجانة صاحب أبي هريرة رضي الله عنه. وقاضي المدينة طلحة بن عبد الله بن عوف الزّهريّ أحد الطّلحات الموصوفين بالجود، روى عن عثمان، وغيره. وفيها، أو في سنة ثمان توفي قيس بن أبي حازم الأحمسيّ البجليّ الكوفيّ وقد جاوز المائة، سمع أبا بكر، وطائفة من البدريّين، وكان أحد علماء المدينة [1] . وفيها، أو في سنة ست محمود بن لبيد الأنصاريّ الأشهليّ. قال البخاريّ: له صحبة [2] . وذكره مسلم وغيره في التّابعين، وله عدّة أحاديث، قال بعض المحدّثين حكمها الإرسال [3] . وفيها حجّ بالناس خليفتهم سليمان بن عبد الملك بن مروان، فتوفي معه بوادي القرى [4] أبو عبد الرّحمن موسى بن نصير الأعرج، الأمير الذي

_ [1] على هامش الأصل: «الكوفة» . [2] قلت: ذكر البخاري حديثا له في «تاريخه» (7/ 402) ولم يصرح بصحبته فراجعه. [3] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 485) ، و «الإصابة» لابن حجر (9/ 139) . [4] قال ياقوت: وادي القرى: واد بين الشام والمدينة، وهو بين تيماء وخيبر فيه قرى كثيرة وبها سمي وادي القرى. قال أبو المنذر: سمي وادي القرى لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة، وكانت من أعمال البلاد، وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة إلّا أنها في وقتنا هذا كلها

افتتح الأندلس وأكثر المغرب، ولم يهزم له جيش قطّ، وكان من رجال العالم حزما، ورأيا، وهمّة، ونبلا وشجاعة، وإقداما، وكان والده نصير على جيوش معاوية، وكان الوليد بن عبد الملك أرسل إلى عمّه وعامله على مصر عبد الله بن مروان: أن أرسل موسى بن نصير إلى إفريقية ففعل، فقدمها معه جماعة من الجند وخرج عليه [1] خارجة من البربر، فوجّه إليهم ولده عبد الله [2] ، فسبى منهم ما لم يسمع بمثله، بلغ الخمس ستين ألف رأس، وفي بعضها مائة وستين ألفا، ووقع قحط شديد، فخرج بالناس مستسقيا بشروط الاستسقاء، وخطب النّاس فقال له قائل: ألا تدعو لأمير المؤمنين الوليد؟ فقال: هذا مقام لا يذكر فيه غير الله، فسقوا، وانتهت، فتوجّه إلى السّوس [3] الأدنى ونزل بقية البربر بالطّاعة، وولّى عليهم واليا، وولّى على طنجة وأعمالها مولاه طارق ابن زياد البربريّ، ومهّد البلاد، ولم يبق منازع من البربر ولا من الرّوم، وترك خلقا كثيرا من العرب يعلّمون النّاس القرآن وفرائض الإسلام، ولما تقرّرت القواعد كتب إلى طارق بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس، فركب البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، وصعد على جبل يعرف اليوم بجبل طارق، ورأى النبيّ صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يبشّرونه بالفتح وهم يمشون على الماء، وأمره النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالعهد والرّفق

_ خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد. وانظر تتمة كلامه في «معجم البلدان» (4/ 338) ، و (5/ 345) . [1] في المطبوع: «عليها» ، وهو تحريف. [2] في «الروض المعطار» للحميري ص (330) : أن الذي افتتحها هو عقبة بن نافع. [3] قال الحميري: السوس في أقصى بلاد المغرب، وهي مدينة جليلة حاضرة جامعة لكل خير وفضل، وأهلها أخلاط، وهي بلاد السكر، ويصنع بها منه كل شيء كثير، ويتجهز منه إلى الآفاق، ويصل فاضله إلى أقصى خراسان، ويصنع بها من الخز العتيق كل جليلة، وبها فواكه كثيرة. «الروض المعطار» ص (329) ، وانظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 280، 281) .

بالمسلمين [1] فجاءه ملك طليطلة في سبعين ألفا ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع، فأمر طارق جيش المسلمين بالثبات، والصّبر، والصّدق، والعدوّ أمامهم، وكان النّصر للمسلمين، وافتتحوا إلى ساحل البحر المحيط ولله الحمد.

_ [1] قلت: إن صح هذا النقل الذي لم يذكر المؤلف قائله فيكون طارق بن زياد رحمه الله رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة في المنام، وإلّا فإن هذا لم يكن لمن هو أفضل من طارق بن زياد تدينا وأثرا من القادة المسلمين الذين تقدموا عليه أو لحقوا به!!.

سنة ثمان وتسعين

سنة ثمان وتسعين فيها غزا المسلمون قسطنطينية [1] وعليهم مسلمة بن عبد الملك [2] . وافتتح يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة جرجان [3] . وفيها توفي أبو عمرو الشيبانيّ الكوفيّ، واسمه سعد بن إياس عن مائة وعشرين سنة، وكان يقرئ النّاس بمسجد الكوفة، وروى عن عليّ، وابن مسعود. وفيها أبو هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة [4] الهاشميّ المدنيّ، وهو الذي أوصى إلى محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس، وصرف الشيعة إليه، ودفع إليه كتبا، وأسرّ إليه [5] أشياء. وفيها، أو في التي بعدها توفي أبو عبد عبد الرّحمن الأسود بن يزيد النخعيّ الكوفيّ، الفقيه العابد، أدرك عمر، وسمع من عائشة.

_ [1] وهي المعروفة في أيامنا ب «إستانبول» ، والتي كانت عاصمة للدولة العثمانية، آخر الدول الإسلامية الكبرى. [2] انظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (3/ 330، 331) ، فقد أورد الخبر بتوسع. [3] جرجان: مدينة في إقليم خراسان من بلاد فارس. وهي الآن في إيران. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (69) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير. [4] في المطبوع: «عبد الله بن محمد بن الحنيفة» وهو خطأ. [5] في الأصل، والمطبوع: «وأسر إليها» وهو خطأ. وما أثبتناه يقتضيه سياق النص، وهو موافق لما عند الزركلي في «الأعلام» (4/ 116) .

وفيها على الصحيح توفي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذليّ الضرير، أحد الفقهاء السبعة، ومؤدّب عمر بن عبد العزيز، قال ابن الجوزيّ في كتاب «ذمّ الهوى» [1] قدمت امرأة من هذيل المدينة فخطبها الناس وكادت تذهب بعقول أكثرهم لفرط جمالها، فقال فيها عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أحبّك حبّا لو علمت ببعضه ... لجدت ولم يصعب عليك شديد أحبّك حبّا لا يحبّك مثله ... قريب ولا في العاشقين بعيد وحبّك [2] يا أمّ الصبيّ مدلّهي ... شهيدي أبو بكر فذاك شهيد ويعلم وجدي قاسم بن محمّد ... وعروة ما ألقى بكم وسعيد ويعلم ما عندي سليمان علمه ... وخارجة يبدي بنا ويعيد متى تسألي عمّا أقول فتخبري ... فلله عندي طارف وتليد فقال سعيد بن المسيّب: فقد أمنت أن تسألنا، ولو سألتنا ما طمعت أن نشهد لك [3] بزور. وهؤلاء الذين استشهد بهم، وهو معهم فقهاء المدينة السبعة: أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق، وعروة بن الزّبير، وسعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود صاحب الترجمة. وفيها كريب مولى ابن عبّاس، وكان كثير العلم كنزا له، كبير السنّ والقدر.

_ [1] ص (166- 167) . تحقيق الأستاذ مصطفى عبد الواحد، ومراجعة الشيخ محمد الغزالي، طبع دار الكتب الحديثة بمصر. [2] في الأصل، والمطبوع: «وحبيك» وهو خطأ، والتصحيح من «ذم الهوى» لابن الجوزي. [3] لفظة «لك» لم ترد عند ابن الجوزي في «ذم الهوى» .

قال موسى بن عقبة: وضع كريب عندنا عدل بعير من كتب ابن عبّاس. وفيها الفقيهة الفاضلة عمرة بنت عبد الرّحمن الأنصاريّة، نشأت في حجر عائشة، فأكثرت الرواية عنها، وهي العدل الضابطة لما يؤخذ عنها .

سنة تسع وتسعين

سنة تسع وتسعين فيها على خلاف توفي أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤليّ. قال ابن قتيبة [1] : هو ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان بن كنانة، وأمّه من بني عبد الدّار بن قصيّ، وكان عاقلا، حازما بخيلا، وهو أول من وضع العربيّة، وكان شاعرا مجيدا، وشهد صفّين مع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وولي البصرة لابن عبّاس، وفلج بالبصرة ومات بها، وقد أسنّ، فولد عطاء، وأبا حرب، وكان عطاء ويحيى [بن] [2] يعمر العدواني بعجا [3] العربية بعد أبي الأسود، ولا عقب لعطاء، وأمّا [أبو] [4] حرب بن أبي الأسود فكان عاقلا شاعرا، وولّاه الحجّاج جوخى [5] فلم يزل عليها حتى مات الحجّاج.

_ [1] «المعارف» ص (434، 435) . [2] لفظة «ابن» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع، و «المعارف» لابن قتيبة. [3] في الأصل، والمطبوع: «بعجبا» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة. ومعنى بعجا: أي شقا العربية، وأذلاها بعد أبي الأسود الدؤلي. (ع) . [4] لفظة: «أبو» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركناها من «المعارف» لابن قتيبة. [5] قال البكري: جوخى بفتح أوله، وإسكان ثانيه، وبالخاء المعجمة، على وزن فعلى: بلد بالعراق، وهو ما سقي من نهر جوخى. قال محمد بن سهل: ولم يكن بالعراق عند الفرس كورة تعدل كورة جوخى، كان خراجها ثمانين ألف ألف. «معجم ما استعجم» ، للبكري (1/ 403) ، وانظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 179) .

وقد روي الحديث عن أبي حرب [وله عقب بالبصرة، وعدد] [1] وهو القائل لولده: لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد منكم، ولو شاء أن يوسّع على النّاس كلّهم، حتى لا يكون محتاج، لفعل، [ولا تجهدوا أنفسكم في التوسعة فتهلكوا هزالا] [2] . وسمع رجلا يقول: من يعشّي الجائع؟ فعشّاه، ثم ذهب السائل ليخرج، فقال: هيهات! على أن لا تؤذي المسلمين الليلة، ووضع رجله في الأدهم [3] انتهى. وقال ابن الأهدل [4] : هو ظالم بن عمرو الدّيلي، ويقال: الدؤلي نسبة إلى الدّيل من كنانة، وفتح بعضهم في النسبة لئلا تتوالى الكسرات، كما قالوا في النسبة إلى النّمر: نمري، وهي قاعدة مطوقة، وكان من خواصّ عليّ، وشهد معه صفّين، وكان من كمل الرّجال، وهو أول من وضع النحو، حكى ولده أبو حرب قال: أول ما وضع والدي باب التعجّب، وقيل له: من أين لك النحو، قال: تلقّنت حدوده من عليّ رضي الله عنه. انتهى. وباع له دارا [5] بالبصرة، فقيل له: بعت دارك، فقال: بل بعت جاري، وكان جار سوء. ودخل على بعض الولاة وعليه جبّة رثّة، فقال: يا أبا الأسود أما تملّ هذه الجبّة؟. فقال: رب مملوك لا يستطاع فراقه، فأمر له بمائة ثوب فقال:

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «المعارف» لابن قتيبة. [2] ما بين حاصرتين زيادة من «المعارف» لابن قتيبة. [3] قال ابن منظور: الدّهمة السواد. والأدهم الأسود، يكون في الخيل والإبل وغيرهما، فرش أدهم وبعير أدهم. «لسان العرب» «دهم» (2/ 1443) . [4] هو حسين بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني العلوي الهاشمي، بدر الدين، أبو محمد، مفتي الديار اليمنية، وأحد علمائها المتفننين، صاحب كتاب «تحفة الزمن في تاريخ سادات اليمن» ، المتوفى سنة (855 هـ) . «الأعلام» (2/ 240) . [5] في المطبوع: «وباع دارا له» .

كساني ولم أستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر وإنّ أحقّ النّاس إن كنت شاكرا ... بشكرك من يعطيك والعرض وافر ومن شعره أيضا: وما طلب المعيشة بالتّمنّي ... ولكن ألق دلوك في الدّلاء تجيء بمثلها طورا وطورا ... تجيء بحمأة وقليل ماء وكان موسرا مبخّلا [1] ، وعوتب في البخل فقال: لو أطعنا الفقراء في مالنا أصبحنا مثلهم. وروي أنه عشّى سائلا لجوجا [2] وقيده، فقيل له في ذلك، فقال: لئلا يؤذي المسلمين الليلة. وقيل له: عند الموت: أبشر بالمغفرة، فقال: وأين الحياء مما كانت منه المغفرة، وتوفي عن خمس وثمانين سنة. وفيها توفي محمود بن الرّبيع الأنصاريّ الخزرجيّ المدنيّ، الذي عقل مجّة مجهّا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من بئر في دارهم وله أربع سنين. وفيها نافع بن جبير بن مطعم النّوفليّ المدنيّ، وكان هو وأخوه محمد من علماء قريش وأشرافهم، توفي قريبا من أخيه محمّد بن جبير. وفيها توفي عبد الله بن محيريز الجمحيّ المكيّ نزيل بيت المقدس، وكان عابد الشام في زمانه. قال رجاء بن حيوة: إن تفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر، فإنّا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز، وإن كنت لأعدّ بقاءه أمانا لأهل الأرض. وفي عاشر صفر مات الخليفة أبو أيّوب سليمان بن عبد الملك الأمويّ

_ [1] في المطبوع: «مبجّلا» وهو تصحيف. [2] في المطبوع: «لحوحا» .

وله خمس وأربعون سنة، وكانت خلافته أقلّ من ثلاث سنين، وكان فصيحا فهما محبّا للعدل والغزو، ذا همّة عالية، جهّز الجيوش لحصار القسطنطينية، وقرّب ابن عمّه عمر بن عبد العزيز، وجعله وزيره ومشيره، وعهد إليه بالخلافة، وكان أبيض مليح الوجه، يضرب شعره منكبيه، وله محاسن. قيل: قال له حكيم: عندي لك أن تأكل ولا تشبع، وتنكح ولا تفتر، ويسودّ شعرك ولا يبيضّ، فقال: كلّهنّ يرغب عنهن العاقل، فمع الأكل كثرة دخول المراحيض، وشمّ الروائح المنتنة، وفي كثرة النّكاح الشّغل بالنّساء، وتسويد الشعر تسويد نور الله تعالى. [1] وقال في «مروج الذهب» [2] : لما أفضى الأمر إلى سليمان صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسوله [صلى الله عليه وسلم] ثم قال: الحمد لله الذي ما شاء صنع، وما شاء أعطى، وما شاء منع، ومن شاء رفع، ومن شاء وضع، أيّها الناس الدّنيا دار غرور وباطل، وزينة وتقلّب بأهلها، تضحك [3] باكيها، وتبكي ضاحكها، وتخيف آمنها، وتؤمّن خائفها، وتثري فقيرها، وتفقر مثريها، عباد الله: اتّخذوا كتاب الله إماما، وارضوا به حكما، واجعلوه لكم هاديا دليلا، فإنه ناسخ ما قبله، ولا ينسخه ما بعده، واعلموا عباد الله أنه ينفي عنكم كيد الشيطان ومطامعه، كما يجلو ضوء الصّبح إذا أسفر إدبار الليل إذا عسعس، ثم نزل، وأذن للناس عليه، وأقرّ عمّال من كان قبله على أعمالهم، وأقرّ خالد بن عبد الله [القسريّ] [4] على مكّة. وكان سليمان صاحب أكل كثير يجوز المقدار، كان شبعه في كلّ يوم

_ [1] (5/ 398- 414) من الطبعة الأوروبية المنشورة في تسع مجلدات في باريس بفرنسا. [2] في «مروج الذهب» للمسعودي: «وما شاء رفع، وما شاء وضع» . [3] في الأصل، والمطبوع: «فتضحك» ، وما أثبتناه من «مروج الذهب» للمسعودي. [4] لفظة «القسري» زيادة من «مروج الذهب» للمسعودي.

من الطّعام مائة رطل عراقيّ [1] وكان ربما أتاه الطّبّاخون بالسّفافيد [2] التي فيها الدّجاج المشوية وعليه جبّة [3] الوشي المثقلة [4] فلنهمه وحرصه على الطّعام يدخل يده في كمّه حتى يقبض على الدجاجة وهي حارّة فيفصلها. وحدّث المنقري [5] عن العتبي [6] عن إسحاق بن إبراهيم [7] بن الصّبّاح بن مروان، وكان مولى لبني أميّة من أرض البلقاء من أعمال دمشق، وكان حافظا لأخبار بني أميّة قال: لبس سليمان يوما في جمعة من ولايته لباسا تشهّر به وتعطّر، ودعا بتخت فيه عمائم، وبيده مرآة، فلم يزل يعتمّ [8] بواحدة بعد أخرى، حتى رضي منها واحدة، فأرخى من سدولها، وأخذ بيده مخصرة [9] وعلا منبره ناظرا في عطفيه [10] ، وجمع حشمه. و [خطب] [11]

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بالعراقي» ، وما أثبتناه من «مروج الذهب» للمسعودي. [2] السفافيد، مفردها سفود على وزن تنّور، وهي حديدة يشوى بها اللحم، وتسفيد اللحم: نظمه فيها للاشتواء. (ع) . [3] في الأصل، والمطبوع: «الجبة» وما أثبتناه من «مروج الذهب» للمسعودي. [4] في الأصل: «المشغلة» وهو خطأ، وما أثبتناه من المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» للمسعودي. [5] هو موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي، أبو سلمة، حافظ للحديث، ثقة، من أهل البصرة، المتوفى سنة (223 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (7/ 320) م، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا. [6] هو محمد بن عبيد الله بن عمرو العتبي، أبو عبد الرحمن، أديب كثير الأخبار، حسن الشعر، من أهل البصرة، قال ابن قتيبة: الأغلب عليه الأخبار، وأكثر أخباره عن بني أمية، توفي سنة (228 هـ) . وهو غير العتبي المؤرّخ المتوفى سنة (427 هـ) . انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 258، 259) ، وسوف ترد ترجمته مفصلة في المجلد الثالث من كتابنا هذا. [7] في المطبوع: «عن إسحاق بن إبراهيم» وهو تحريف. [8] في الأصل: «يقيم» وهو خطأ، وما أثبتناه من المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» للمسعودي. [9] مخصرة، كمكنسة: ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه. وما يأخذه الملك إذا خاطب، والخطيب إذا خطب. (ع) . [10] أي ناظرا في رداءيه كبرا، لأن العطاف ككتاب والمعطف، كمنبر: الرداء، والسيف. (ع) . [11] لفظة «خطب» زيادة من «مروج الذهب» للمسعودي.

خطبته التي أرادها، التي يريد يخطب بها الناس، فأعجبته نفسه، فقال: أنا الملك الشابّ السّيّد [1] الحجاب [2] الكريم الوهّاب، فتمثّلت له جارية [من جواريه] [3] وكان يتحظّاها، فقال لها: كيف ترين أمير المؤمنين، قالت: أراه منى النفس، وقرّة العين، لولا ما قال الشاعر، قال: وما قال [الشاعر؟] [4] قالت قال: أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان ليس أنّا يريبنا منك شيء ... علم الله غير أنّك فان فدمعت عيناه، وخرج على النّاس باكيا، فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بالجارية فقال لها: ما دعاك إلى ما قلت لأمير المؤمنين؟ فقالت: والله ما رأيت أمير المؤمنين اليوم ولا دخلت عليه، فأكبر ذلك ودعا بقيّمة [5] جواريه فصدّقتها [6] في قولها، فراع ذلك سليمان، ولم ينتفع بنفسه، ولم يمكث بعد ذلك إلّا مدّة حتى توفي. وكان يقول: قد أكلنا الطّيّب، ولبسنا اللّيّن، وركبنا الفاره، ولم يبق [7] لي لذّة إلّا صديق أطرح معه فيما بيني وبينه مؤونة [8] التّحفّظ.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أنا الملك الكريم الحجاب الكريم» وما أثبتناه من «مروج الذهب» للمسعودي. [2] الحجاب: ما حال بين شيئين، وما طال وأشرف من الجبل، وما احتجب به. [3] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» للمسعودي. [4] لفظة «الشاعر» زيادة من «مروج الذهب» للمسعودي. [5] في الأصل: «بقية» وهو تحريف، وما أثبتناه من المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» للمسعودي. [6] في الأصل: «فصدقنها» وهو تصحيف، وما أثبتناه من المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» للمسعودي. [7] في المطبوع: «ولم تبق» وما جاء في الأصل موافق لما في «مروج الذهب» للمسعودي. [8] في «مروج الذهب» للمسعودي: «مؤنة» .

ووقف سليمان على قبر ولده أيّوب، وبه كان يكنى، فقال: اللهمّ إني أرجوك له، وأخافك عليه، فحقّق رجائي، وآمن خوفي [1] . وبالجملة فإنّه كان من أحسن بني أميّة حالا، ولو لم يكن له إلّا [2] ما عمر في مسجد دمشق، وعهده بالخلافة لعمر بن عبد العزيز لكفى، فرحمه الله تعالى وتجاوز عنه.

_ [1] انتهى نقل المؤلف عن «مروج الذهب» للمسعودي. [2] في المطبوع: «ولو لم يكن له لا ما عمر» .

سنة مائة

سنة مائة فيها توفي أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاريّ الدّوسيّ المدنيّ، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر، وجماعة، وكان من علماء المدينة. وفيها، وقيل: في سنة عشر ومائة توفي أبو الطّفيل عامر بن واثلة بن الأسقع الكنانيّ الليثيّ بمكة، وهو آخر من مات ممن رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الدّنيا، روي أنّه ولد عام أحد، وأدرك من النبيّ صلى الله عليه وسلم ثمان سنين، وكان عاقلا، حاضر الجواب، يفضّل عليّا، ويثني على الشّيخين، ويترحّم على عثمان، والعجب أنّ ابن قتيبة عدّه من غالية الشيعة [1] ، وممن يؤمن بالرّجعة. وكان يقول الشعر، ومن قوله: أتدعونني [2] شيخا وقد عشت حقبة ... وهنّ من الأزواج نحوي فوارع [3] وما شاب رأسي عن سنيّ [4] تتابعت ... عليّ ولكن شيّبتني الوقائع [5]

_ [1] «المعارف» لابن قتيبة ص (341) . [2] في «المعارف» : «أيدعونني» ، وهي كذلك في «أسد الغابة» لابن الأثير. [3] في «المعارف» لابن قتيبة: «نزائع» ، وقال محققه: وفي نسخ أخرى: «نوازع» ، وهي كذلك في «أسد الغابة» . [4] في «المعارف» لابن قتيبة: «عن سنين» ، وهي كذلك في «أسد الغابة» . [5] البيتان في «المعارف» لابن قتيبة ص (342) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 180) .

وقوله: وبقيت سهما في الكنانة واحدا ... سيرمى به أو يكسر السّهم كاسره [1] وفيها بسر بن سعيد المدنيّ الزّاهد العابد المجاب الدّعوة، روى عن عثمان، وزيد بن ثابت وله ولاء لبني الحضرميّ. وفيها، وقيل: قبلها أو بعدها بعام سالم بن أبي الجعد الكوفيّ، من مشاهير المحدّثين [2] . وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاريّ المدنيّ المفتيّ، أحد الفقهاء السّبعة، تفقّه على والده. وفيها أبو عثمان النّهديّ عبد الرّحمن بن ملّ [3] بالبصرة، وهو أحد المخضرمين، أسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأدّى الزّكاة إلى عمّاله صلى الله عليه وسلم ولم يره، وحجّ في الجاهلية، وعاش مائة وثلاثين سنة، وصحب سلمان اثنتي عشرة سنة. وشهر بن حوشب الأشعري الشامي، كان كثير الرواية، حسن الحديث، وقرأ القرآن على ابن عبّاس، وكان عالما كبيرا. وفيا حنش بن عبد الله الصّنعاني- صنعاء دمشق [4]- كان مع عليّ بالكوفة [5] ، ثم ولي عشور إفريقية، وروى عن جماعة.

_ [1] البيت في «المعارف» لابن قتيبة ص (341) . [2] انظر «المعارف» لابن قتيبة، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 279) . [3] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 175) : وقيل: ابن قلي. [4] قال ياقوت: صنعاء قرية على باب دمشق دون المزّة مقابل مسجد خاتون، خربت، وهي اليوم مزرعة وبساتين ... وقد نسب إليها جماعة من المحدّثين. «معجم البلدان» (3/ 429) . [5] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 493) : وهم ابن يونس، وابن عساكر في أنه صاحب علي، لأن ذاك خنش بن ربيعة، أو ابن المعتمر الكناني الكوفي، يروي عنه الحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وأهل الكوفة، وفيه لين، مات قبل التسعين.

ومسلم بن يسار البصريّ، روى عن أبي عمر وغيره، وكان من عبّاد البصرة وفقهائها. قال ابن عون [1] كان لا يفضل عليه أحد في زمانه. وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلا عابدا ورعا [2] . وعيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشيّ التيميّ، أحد أشراف قريش وعقلائها وعلمائها، روى عن أبيه وجماعة.

_ [1] في المطبوع: «ابن عوف» وهو تحريف. [2] «الطبقات الكبرى» (7/ 188) .

تم بعون الله تعالى وتوفيقه المجلد الأول من كتاب «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي، وكان الفراغ من تحقيقه في السادس والعشرين من شهر رجب لعام (1405 هـ) والحمد لله على ما أنعم ووفق. ونسأله تعالى أن يعيننا على تحقيق المجلدات المتبقية من الكتاب، وأن ينفع بعملنا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، إنه خير مسؤول. محمود الأرناؤوط

المجلد الثاني

[المجلد الثاني] سنة إحدى ومائة في رجب منها توفي الخليفة العادل، أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الرّاشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز [1] بن مروان الأمويّ بدير سمعان من أرض المعرّة [2]

_ [1] في المطبوع: «عمر بن العزيز» وهو خطأ. [2] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/ 144) : روى خليفة بن خيّاط وغيره، أن عمر بن عبد العزيز مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة بدير سمعان من أرض حمص. قال: وإنما هو من أرض المعرّة، ولكن المعرّة كانت من أعمال حمص هي وحماة. قلت: وذكر ابن قتيبة في «المعارف» ص (363) ، والسّيوطي في «تاريخ الخلفاء» ص (246) بأنه توفي في دير سمعان من أرض حمص. وفي ذلك تأييد لما ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ، وتقوية لما ذهب إليه المؤلف ابن العماد رحمه الله. واضطرب الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» والزبيدي في «تاج العروس» (دير) في تحديد مكان وفاته، فجزما بأنه مات بدير سمعان من أرض دمشق وبه دفن، ثم ذكرا في مادة (سمع) بأنه دفن في دير سمعان من أرض حمص. وجزم ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 517) ، والحميري في «الروض المعطار» ص (251) بأنه دفن في دير سمعان بنواحي دمشق. قال ياقوت: وروي أن صاحب الدير دخل على عمر بن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه بفاكهة أهداها له، فأعطاه ثمنها، فأبى الدّيراني أخذه، فلم يزل به حتى قبض ثمنها، ثم قال: يا ديراني إني بلغني أن هذا الموضع ملككم، فقال: نعم، فقال: إني أحب أن تبيعني منه موضع قبر سنة، فإذا حال الحول فانتفع به. فبكى الدّيرانيّ، وباعه، فدفن فيه. وقال كثيّر: سقى ربّنا من دير سمعان حفرة ... بها عمر الخيرات رهنا دفينها

وله أربعون سنة [1] وخلافته سنتان وستة أشهر وأيام كخلافة الصّدّيق، وكان أبيض جميلا نحيف الجسم، حسن اللحية، بجبهته أثر حافر فرس شجّه وهو صغير، فلذا كان يقال: أشجّ بني أميّة، يذكر أن في «التوراة» أشجّ بني أميّة تقتله خشية الله، حفظ القرآن في صغره، وبعثه أبوه من مصر إلى المدينة فتفقه بها حتى بلغ رتبة [2] الاجتهاد. جده لأمه عاصم بن عمر بن الخطّاب، وذلك أن عمر خرج طائفا ذات ليلة فسمع امرأة تقول لبنيّة لها: اخلطي الماء في اللبن، فقالت البنية: أما سمعت منادي عمر بالأمس ينهى عنه؟ فقالت: إنّ عمر لا يدري عنك، فقالت البنية: والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سرّا، فأعجب عمر عقلها، فزوجها ابنه عاصما، فهي جدة عمر بن عبد العزيز. قال السيد الجليل رجاء بن حيوة [3] : استشارني سليمان بن عبد الملك فيمن يعهد إليه بالخلافة، فأشرت بعمر، فقال: فكيف ببني عبد الملك؟! فقلت: اكتب العهد واختمه وبايع لمن فيه، ففعل، فلما مات كتمنا موته، ثم قلت: بايعوا لأمير المؤمنين ثانيا على السمع والطاعة لمن في الكتاب، ففعلوا، فقلت: أعظم الله أجركم في أمير المؤمنين، ثم أخرجت الكتاب

_ صوابح من مزن ثقالا غواديا ... دوالح دهما ماخضات دجونها وقال الشريف الرضي: يا بن عبد العزيز لو بكت العي ... ن فتى من أميّة لبكيتك أنت أنقذتنا من السّبّ والشت ... م فلو أمكن الجزا لجزيتك دير سمعان لا عدتك العوادي ... خير ميت من آل مروان ميتك وانظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (196) . [1] قلت: وفي «المعارف» أنه كان ابن تسع وثلاثين سنة. وفي «سير أعلام النبلاء» ، و «تاريخ الخلفاء» أنه كان ابن تسع وثلاثين سنة ونصف السنة. [2] في المطبوع: «مرتبة» . [3] في الأصل: «رجاء بن حياة» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر ترجمته في ص (64) من هذا المجلد.

فوجموا [1] ولم يقولوا شيئا، ثم خرجوا في جنازته ركبانا، وخرج عمر يمشي، فلما رجعوا [2] أرسل عمر إلى نسائه من أرادت منكن الدّنيا فلتلحق بأهلها، فإن عمر قد جاءه شغل شاغل، فسمعت النوائح في بيته يومئذ. وقال أيضا: قوّمت ثياب عمر وهو يخطب باثني عشر درهما، وكانت حلته قبل ذلك بألف درهم لا يرضاها، وقال: إن لي نفسا ذوّاقة توّاقة، كلما ذاقت شيئا تاقت [إلى] [3] ما فوقه، فلما ذاقت الخلافة- ولم يكن شيء في الدّنيا فوقها- تاقت إلى ما عند الله في الآخرة، وذلك لا ينال إلّا بترك الدّنيا. ومن كلامه- رضي الله عنه-: ينبغي في القاضي خمس خصال: العلم بما يتعلق به، والحلم عند الخصومة، والزّهد عند الطمع، والاحتمال للأئمة، والمشاورة لذوي العلم. وعاتب مسلمة بن عبد الملك أخته فاطمة زوجة عمر في ترك غسل ثيابه في مرضه [4] فقالت: إنه لا ثوب له غيره. وكان مع عدله وفضله حليما رقيق الطبع. ومن ألطف ما حكي عنه ما ذكره في «مروج الذهب» [5] قال: كان رجل من [أهل] العراق أتى المدينة [6] في طلب جارية وصفت له قارئة [7] قوّالة،

_ [1] أي: سكتوا على غيظ. انظر «لسان العرب» (وجم) . [2] تحرفت في الأصل إلى «رجوا» ، وأثبت ما في المطبوع. [3] لفظه «إلى» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. وتاقت أي: اشتاقت. [4] في المطبوع: «في مرض» وهو تحريف. [5] «مروج الذهب» (3/ 197- 199) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، والمؤلف ينقل عنه بتصرف. [6] في الأصل، والمطبوع: «كان رجل من المدينة أتى العراق» وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» ولفظة «أهل» التي بين حاصرتين زيادة منه. [7] تحرفت في «مروج الذهب» إلى «قارثة» فتصحح فيه.

فسأل عنها، فوجدها عند قاضي البلد، فأتاه، ثم سأله أن يعرضها عليه، فقال: يا عبد الله لقد أبعدت الشّقّة [1] في طلب هذه الجارية، فما رغبتك فيها؟ لما رأى من شدة إعجابه [بها] [2] قال: إنها تغنّي فتجيد، فقال القاضي: ما علمت بهذا، فألح عليه في عرضها، فعرضت [3] بحضرة مولاها القاضي، فقال لها الفتى: هات، فتغنّت [4] : إلى خالد حتّى أنخن [5] بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمّل ففرح القاضي بجاريته وسرّ بها [6] ، وغشيه من الطرب أمر عظيم حتّى أقعدها على فخذه وقال: هات بأبي أنت وأمي شيئا، فتغنّت [7] : أروح إلى القصّاص كلّ عشيّة ... أرجّي ثواب الله في عدد الخطا فزاد الطرب على القاضي، ولم يدر ما يصنع، فأخذ نعله فعلّقها في أذنه وجثا على ركبتيه، وجعل يأخذ بإحدى أذنيه [8] والنعل معلّق فيها ويقول: أهدوني [إلى البيت الحرام] [9] فإني بدنة، فلما أمسكت قال للفتى: يا حبيبي، انصرف، فقد كنا فيها راغبين قبل أن نعلم أنها تقول، ونحن الآن فيها أرغب، فانصرف الفتى، وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال:

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أجدت الشقة» وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» . والشّقّة: بعد مسير إلى الأرض البعيدة، والشّقّة أيضا السفر الطويل. انظر «لسان العرب» (شقق) . [2] لفظة «بها» سقطت من الأصل والمطبوع، واستدركتها من «مروج الذهب» . [3] في الأصل، والمطبوع: «فعرضها» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [4] في «مروج الذهب» : «فغنت» . [5] في الأصل، والمطبوع: «حتى أنخنا» والتصويب من «مروج الذهب» . [6] في «مروج الذهب» : «وسرّ بغنائها» . [7] في «مروج الذهب» : «فغنت» . [8] في «مروج الذهب» : «وجعل يأخذ بطرف أذنه» . [9] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» .

قاتله الله، لقد استرقّه الطّرب، وأمر بصرفه عن عمله [1] ، فلما صرف قال: نساؤه طوالق، لو سمعها عمر لقال: اركبوني فإني مطية، فبلغ ذلك عمر، فأشخصه، وأشخص الجارية، فلما دخلا على عمر، قال له: أعد ما قلت، قال: نعم، فأعاده، ثم قال للجارية: قولي، فتغنّت [2] : كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف اللّيالي والجدود العواثر [3] فما فرغت [من هذا الشعر] [4] حتّى طرب عمر طربا بيّنا [5] ، وأقبل يستعيدها ثلاثا، وقد بلّت دموعه لحيته، ثم أقبل على القاضي فقال: لقد قاربت في يمينك، ارجع إلى عملك راشدا. انتهى. وبالجملة فمناقبه عديدة قد أفردت بالتصنيف. ومما رثاه به جرير: لو كنت أملك والأقدار غالبة ... تأتي رواحا وتبيانا [6] وتبتكر رددت عن عمر الخيرات مصرعه ... بدير سمعان لكن يغلب القدر [7] وفيها، أو في سنة مائة، توفي ربعيّ بن حراش أحد علماء الكوفة وعبّادها،

_ [1] في «مروج الذهب» : «وأمر بصرفه من عمله» . [2] في «مروج الذهب» : «فغنت» . [3] في «مروج الذهب» : «والجدود العوائر» . [4] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» . [5] في الأصل، والمطبوع: «حتى اضطرب عمر اضطرابا مبينا» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [6] في الأصل، والمطبوع: «وتبييتا» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» ، و «البداية والنهاية» . [7] لم أجدهما في «ديوانه» المطبوع في دار المعارف بمصر بتحقيق الدكتور نعمان محمد أمين طه، وقد أوردهما الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/ 147) ، والعامري في «غربال الزمان» ص (94) ونسباهما لجرير. وأوردهما الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (9/ 212) مع أربعة أبيات، أخرى ونسبهما لمحارب بن دثار.

قيل: إنه لم يكذب قطّ، وشهد خطبة [عمر] [1] بالجابية [2] وحلف لا يضحك حتّى يعلم أفي الجنّة هو أم في النّار. وفيها مقسم [3] مولى ابن عبّاس، ولم يكن مولاه، بل مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأضيف إلى ابن عبّاس لملازمته إياه. ومحمّد بن مروان بن الحكم، الأمير، ولد الخليفة مروان، وكان بطلا شجاعا شديد البأس، له عدة مصافّات [4] مع الرّوم، وكان متولي الجزيرة [5] وغيرها. وفيها، وقيل: في سنة خمس وتسعين، الحسن بن محمّد بن الحنفيّة الهاشميّ العلويّ [6] . روي أنه صنف كتابا في الإرجاء ثم ندم عليه، وكان من عقلاء قومه وعلمائهم. وفيها استعمل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على إمرة العراقين، وأمره بمحاربة يزيد بن المهلّب- وكان قد خرج عليهم- فحاربه حتّى قتل في السنة الآتية.

_ [1] لفظة «عمر» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفّر في شمالي حوران، إذا وقف الإنسان في [بلدة] الصنمين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا، وهي جابية الملوك، وباب الجابية بدمشق منسوب إليها. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 355) ، و «معجم البلدان» لياقوت (2/ 91) . [3] قال الحافظ ابن حجر: هو مقسم بن بجرة، بضم الموحدة وسكون الجيم، ويقال نجدة بفتح النون وبدال، أبو القاسم. «تقريب التهذيب» (2/ 273) بتصرف. [4] أي: عدة مقابلات. انظر «لسان العرب» «صفف» . [5] يعني جزيرة أقور التي بين دجلة والفرات والمقسمة الآن بين أراضي سورية والعراق وتركيا. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (57) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير. [6] نسبة إلى جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال الذهبيّ في «العبر» [1] : وممن توفي بعد المائة: إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدنيّ، له عن أبي هريرة. وإبراهيم بن عبد الله [بن معبد] [2] بن عبّاس الهاشميّ المدنيّ. له عن ابن عبّاس، وميمونة [3] . وعبد الله بن شقيق العقيليّ البصريّ، سمع من عمر، والكبار. والقطاميّ الشاعر المشهور [4] . ومعاذة العدويّة [5] الفقيهة العابدة بالبصرة. وعراك بن مالك المدنيّ. ومورّق، العجليّ. وبشير بن يسار، المدنيّ الفقيه.

_ [1] «العبر في خبر من عبر» (1/ 122) بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد، طبع وزارة الإعلام في الكويت. [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، و «العبر» . [3] هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية المتوفاة سنة (51) هـ: انظر خبرها في المجلد الأول من كتابنا هذا ص (219) و (248) . [4] اختلف في اسمه فقيل: عمرو بن شييم، وقيل: عمير بن شييم، القطامي، واختلف في سنة وفاته أيضا. انظر «طبقات فحول الشعراء» (2/ 534) ، و «الأعلام» (5/ 88- 89) . [5] هي معاذة بنت عبد الله العدوية البصرية، أمّ الصّهباء. روت عن علي بن أبي طالب، وعائشة، وهشام بن عامر. وحدّث عنها أبو قلابة الجرمي، ويزيد الرّشك، وعاصم الأحول، وعمر بن ذر، وإسحاق بن سويد، وأيوب السّختياني، وآخرون. وحديثها محتج به في الصّحاح، وقد ساق الحافظ عبد الغني المقدسي أحد الأحاديث التي روتها عن السيدة عائشة مما أخرجه الشيخان وغيرهما في كتابه «عمدة الأحكام» ص (53- 54) بتحقيقي. وقد ذكرت بعض المصادر والمراجع التي بين يديّ أنها ماتت سنة (83) هـ خلافا لما ذكره المؤلف ابن العماد رحمه الله، منها «سير أعلام النبلاء» (4/ 508- 509) ، و «الأعلام» (7/ 259) .

وأبو السّوّار العدويّ [1] البصريّ، صاحب عمران بن حصين. وعبد الرّحمن بن كعب بن مالك الأنصاري. وابن أخيه عبد الرّحمن بن عبد الله. وحفصة بنت سيرين، الفقيهة العابدة. وعائشة بنت طلحة التيميّة، التي أصدقها مصعب بن الزّبير مائة ألف دينار. وعبد الرحمن بن أبي بكرة، أوّل من ولد بالبصرة. ومعبد بن كعب بن مالك. وذو الرّمّة الشاعر المشهور. انتهى. قلت: وذو الرّمّة أحد فحول الشعراء، واسمه غيلان، [2] وأحد العشّاق

_ [1] قلت: جزم ابن معين في «معرفة الرجال» (2/ 98) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق، والبخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 194) ، وابن حبّان في «مشاهير علماء الأمصار» ص (96) بأن اسمه حسّان بن حريث، وفي «العبر» : «صاحب عمران بن حنين» وهو خطأ. وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (2/ 432) : قيل اسمه حسان بن حريث، وقيل: حريث بن حسان، وقيل: حريف، آخره فاء، وقيل: منقذ، وقيل: حجير بن الربيع. وذكر الذهبي في «الكاشف» (3/ 303) بأنه روى عن علي بن أبي طالب، وعمران بن حصين رضي الله عنهما. وذكره بكنيته ولم يذكر اسمه. [2] قال الزركلي: هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر، أبو الحارث، ذو الرّمّة، شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو عمرو بن العلاء، فتح الشعر بامرئ القيس، وختم بذي الرّمّة. وكان شديد القصر، دميما، يضرب لونه إلى السواد، أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال، يذهب في ذلك مذهب الجاهليين. وكان مقيما بالبادية، يحضر إلى اليمامة والبصرة كثيرا. وامتاز بإجادة التشبيه. قال جرير: لو خرس ذو الرّمّة بعد قصيدته: «ما بال عينك منها الماء ينسكب» لكان أشعر الناس. مات سنة (117) هـ. «الأعلام» (5/ 124) ، وانظر «شرح أبيات المغني» للبغدادي (1/ 233) . قلت: وقد طبع ديوانه أربع مرات أفضلها وأجودها التي صدرت بتحقيق الدكتور عبد القدوس أبو صالح.

المشهورين من العرب، وصاحبته ميّة ابنة مقاتل بن طلبة [1] بن قيس بن عاصم المنقري التميميّ، [وقيس بن عاصم هو] [2] الذي قال فيه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- حين وفد عليه: «هذا سيّد أهل الوبر» [3] وهو أول من وأد البنات غيرة وأنفة. وسبب فتنته بها، أنه لحظها وهي خارجة من خبائها [4] ، فخرّق إداوته [5] ثم دنا يستطعم حديثها، فقال إني مسافر [6] وقد تخرّقت إداوتي [7] فأصلحيها لي، فقالت: والله إني لخرقاء [8]- والخرقاء التي لا تحسن العمل لكرامتها على أهلها [9]- فشبّب بالخرقاء أيضا، وهي ميّة [10] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «مقاتل بن طليب» وهو تحريف، والتصحيح من «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/ 11) مصدر المؤلف. [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «وفيات الأعيان» لابن خلكان. [3] قلت: قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (8/ 197) : قال ابن سعد: كان- قيس بن عاصم- قد حرّم الخمر في الجاهلية، ثم وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفد بني تميم، فأسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هذا سيّد أهل الوبر» ، وكان سيدا جوادا، ثم ساق بسند حسن إلى الحسن، عن قيس بن عاصم قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلما دنوت منه قال: «هذا سيّد أهل الوبر» فذكر الحديث. وذكر الحديث أيضا ابن عبد البر في «الاستيعاب» على هامش «الإصابة» (9/ 180) ، وابن الأثير في «أسد الغابة» (4/ 432) كلاهما في ترجمة قيس بن عاصم رضي الله عنه. [4] أي من بنائها. وفي «ديوان ذي الرّمّة» و «وفيات الأعيان» : وهي خارجة من خباء» . [5] في الأصل، والمطبوع: «فخرق ثيابه أو دلوه» وهو خطأ، والتصحيح من «ديوان ذي الرّمّة» (1/ 370) ، و «وفيات الأعيان» . قال الزبيدي في «تاج العروس» : الإداوة- بالكسر- المطهرة، وهي إناء صغير من جلد يتخذ للماء. [6] في «ديوان ذي الرّمّة» ، و «وفيات الأعيان» : «إني رجل على ظهر سفر» . [7] في الأصل والمطبوع: «أرداني» . [8] في الأصل، والمطبوع: «إني خرقاء» وأثبت ما في «ديوان ذي الرّمة» ، و «وفيات الأعيان» . [9] في «وفيات الأعيان» : «والخرقاء التي لا تعمل شغلا لكرامتها على أهلها» ، وعبارة كتابنا موافقة لعبارة «ديوان ذي الرّمة» . [10] قال الدكتور عبد القدوس أبو صالح في تعليقه على «ديوان ذي الرّمّة» (1/ 369) : اختلف في

ويروى [1] أن ذا الرّمّة لم ير ميّة قطّ إلّا في برقع، فأحبّ أن ينظر إلى وجهها فقال: جزى الله البراقع من ثياب ... عن الفتيان شرّا ما بقينا بوارين الملاح فلا نراها ... ويخفين القباح فيزدهينا [2] فنزعت البرقع عن وجهها فقال: على وجه ميّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثّياب العرّ [3] لو كان باديا [4]

_ خرقاء أهو لقب لميّة، أم هو اسم لغيرها؟ .. وقد نقل في «الخزانة» (1/ 52) عن ثعلب قوله: وكان ذو الرّمّة يسمي ميّة خرقاء لقولها: إني خرقاء. وذهب ابن قتيبة في «الشعر والشعراء» ص (509) إلى قوله: وكان يشبب أيضا بخرقاء. وهي من بني البكاء بن عامر بن صعصعة. وقد ورد هذا النسب في «جمهرة الأنساب» ص (64) ، و «صفة جزيرة العرب» للهمداني ص (334) ، و «معاهد التنصيص» (2/ 262) ، و «شواهد المغني» للسيوطي (150) ، و «الخزانة» (4/ 495) ، و «الصحاح» ، و «اللسان» ، و «القاموس» (خرق) ، أما صاحب الأغاني (16/ 116- 120) فهو يذكر حينا أن خرقاء لقب لمية، ويذكر حينا آخر أنه لقب أو اسم لامرأة من بني عامر، وينقل أن ميّة أغضبت ذا الرّمّة فتغزل بخرقاء، يريد أن يغيظها بذلك، فقال فيها قصيدتين أو ثلاثا، ثم لم يلبث أن مات. وقد عمدت إلى استعراض «الديوان» كله، فرأيت ذا الرّمّة ذكر خرقاء وحدها في قصيدتين فقط، وذكرها مع ميّة في سبع قصائد، ويكاد الناظر في هذه القصائد المشتركة بينهما يجزم بأن خرقاء غير ميّة، ولا سيما أن الشاعر ما يلبث بعد ذكره ميّة في مطلع القصيدة (5) أن يتغزل بحسان ربيعة عامر وهم قوم خرقاء كما تقدم. بل إن أبا الفرج يعدد الأسباب التي قيلت في سبب عدوله إلى خرقاء «الأغاني» (16/ 119) . وهكذا لا نجد بدا من ترجيح ما ذهب إليه الأصمعي هنا، ولا سيما أن أبا نصر يذكر بعد قليل نسب خرقاء، وينقل خبرا عن لقاء محمد بن الحجّاج الأسدي بها، كما ينقل ابن قتيبة لقاء المفضل الضبي بها. ثم إن أبا الفرج يذكر أخبارا كثيرة عن خرقاء ويورد شعرا للقحيف العقيلي يتغزل فيه بها، وانظر «الأغاني» (20/ 140) . [1] في الأصل، والمطبوع: «يروى» وقد أثبت الواو من «وفيات الأعيان» . [2] البيان في ملحق «ديوانه» (3/ 1917) . [3] في المطبوع، و «وفيات الأعيان» : «العار» ، وفي ملحق «الديوان» : «الخزي» ، والعرّ: الجرب. انظر «لسان العرب» (عرر) . [4] البيت في ملحق «ديوانه» (3/ 1921) .

فنزعت ثيابها وقامت عريانة فقال: ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا [1] فيا ضيعة [2] الشّعر الذي لجّ فانقضى ... بميّ ولم أملك ضلال فؤاديا فقالت [له] [3] : أتحب أن تذوق طعمه؟ فقال: إي والله، فقالت: تذوّق الموت قبل أن تذوقه. ومن شعره السائر [فيها] [4] قوله: إذا هبّت الأرواح من نحو جانب ... به أهل ميّ هاج شوقي هبوبها [5] هوى تذرف العينان منه وإنّما ... هوى كلّ نفس حيث [6] حلّ حبيبها [7] وكان ذو الرّمّة يشبّب بخرقاء أيضا، ومن قوله فيها: تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللّثام [8] قيل: كانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة. ولما حضرته الوفاة قال: أنا ابن نصف الهرم، أنا ابن أربعين سنة، وأنشد: يا قابض الرّوح من نفس إذا احتضرت ... وغافر الذّنب زحزحني عن النّار [9]

_ [1] البيت في ملحق «الديوان» (3/ 1921) . [2] في الأصل، والمطبوع: «فوا ضيعة» وأثبت لفظ ملحق «الديوان» (3/ 1923) . [3] لفظة «له» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «وفيات الأعيان» . [4] لفظة «فيها» التي بين حاصرتين لم ترد في الأصل، والمطبوع، وأثبتها من «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل، والمطبوع: «هاج قلبي هبوبها» والتصحيح من «ديوانه» . [6] في الأصل، والمطبوع: «أين» وأثبت ما جاء في «ديوانه» . [7] البيتان في «ديوانه» (2/ 694- 695) . [8] البيت في ملحق «ديوانه» (3/ 1913) . [9] لم أجد البيت في «ديوانه» وهو في «الشعر والشعراء» (1/ 525) و «وفيات الأعيان» (4/ 16) مع بعض الخلاف اليسير.

وإنما قيل له: ذو الرّمّة بقوله في الوتد: أشعث باقي رمّة التقليد [1] والرّمّة: بضم الراء: الحبل البالي، وبكسرها: الحبل البالي. وممن توفي بعد المائة على ما قاله في «العبر» [2] . أبو الأشعث الصنعانيّ الشّاميّ. وزياد الأعجم الشاعر [المشهور] [3] . وسعيد بن أبي هند، والد عبد الله [4] . وأبو سلّام ممطور الحبشيّ الأسود. وأبو بكر [5] بن أبي موسى الأشعريّ القاضي. انتهى.

_ [1] في الأصل: «التقليل» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وهذا صدر بيت في «ديوانه» (1/ 358) عجزه: نعم فأنت اليوم كالعمود [2] (1/ 123) . [3] زيادة من «العبر» . [4] هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري مولاهم المدني، أبو بكر. قال ابن حبّان: كان يهم في الشيء بعد الشيء. مات سنة (147) . انظر «مشاهير علماء الأمصار» ص (137) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 10) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (5/ 239) . [5] قال الحافظ ابن حجر: يقال: اسمه عمرو، ويقال: عامر. روى عن أبيه، والبراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وابن عبّاس، والأسود بن هلال. وروى عنه أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، وأبو عمران الجوني، وبدر بن عثمان، وعبد الله بن أبي السفر، والأجلح بن عبد الله الكندي، وأبو إسحاق السبيعي، ويونس بن أبي إسحاق، وغيرهم. قال الآجري: قلت لأبي داود: سمع أبو بكر من أبيه؟ قال: أراه قد سمع، وأبو بكر أرضى عندهم من أبي بردة، وكان يذهب مذهب أهل الشام. جاءه أبو غادية الجهني قاتل عمار، فأجلسه إلى جانبه، وقال: مرحبا بأخي، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان أكبر من أبي بردة، وقال: مات في ولاية خالد بن عبد الله، وذكر ابن حبّان في «الثقات» قلت: اسمه كنيته، وقال: مات في ولاية

سنة اثنتين ومائة

سنة اثنتين ومائة كان أمير البصرة يزيد بن المهلّب، المتقدم آنفا، فلما تولّى عمر بن عبد العزيز عزل يزيد بن المهلّب وسجنه، فلما توفي عمر أخرجه خواصّه من السّجن، فوثب على البصرة وهرب منه عاملها عديّ بن أرطاة الفزاريّ، ونصب يزيد رايات سود، وتسمى بالقحطانيّ، وقال: أدعو إلى سيرة عمر بن الخطّاب، فوجه إليه يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة، فحاربه، وقتله في صفر في المعركة، وقيل: بل حبسه الحجّاج وعذّبه، وهو الذي جزم به الإسنويّ [1] في «طبقاته» . وكان يزيد بن المهلّب كريما ممدّحا، وكان المهالبة في دولة الأمويين

_ خالد، ومن زعم أن اسمه عامر فقد وهم، عامر اسم أبي بردة. وقال عبد الله بن أحمد في «العلل» : قلت لأبي: فأبو بكر بن أبي موسى سمع من أبيه؟ قال: لا، وقال أبو بكر بن عيّاش: سمعت أبا إسحاق يقول: أبو بكر بن أبي موسى أفضل من أخيه أبي بردة. وقال العجلي: كوفي ثقة. وقال أبو سعيد: اسمه كنيته، وكان قليل الحديث يستضعف، ومات في ولاية خالد، وكان أكبر من أخيه أبي بردة، وقال خليفة: مات سنة ست ومائة. «تهذيب التهذيب» (12/ 40- 41) . [1] هو جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم القرشي الأموي الإسنوي المصري الشافعي. الإمام العلّامة، وكتابه هو «طبقات الشافعية» توفي سنة (772) هـ. وسوف ترد ترجمته مفصلة في المجلد الثامن من كتابنا هذا إن شاء الله، فراجعها هناك.

كالبرامكة في دولة العباسيين، في الكرم، وكان كثير الغزو والفتوح. وفيها يزيد بن أبي مسلم الثقفيّ مولاهم، مولى الحجّاج، وكاتبه، وخليفته على العراق بعد موته، وأقره الوليد. قال الوليد في حقه: مثلي ومثل الحجّاج ويزيد، كرجل ضاع له درهم فلقي دينارا. فضّل يزيد لعقله وبلاغته. واستحضره سليمان بعد موت الوليد فرآه دميما، كبير البطن، فقال: لعن الله من أشركك في أمانته. فقال: يا أمير المؤمنين! رأيتني والأمور مدبرة عني، ولو رأيتني وهي مقبلة إليّ لعظّمتني، فقال: قاتله الله ما أسدّ قوله وأغضب لسانه، ثم قال له سليمان: أترى صاحبك- يعني الحجّاج- يهوي في النّار أم قد استقرّ في قعرها، فقال: عن يمين الوليد، ويسار عبد الملك، فاجعله حيث أحببت. وروي: يحشر بين أبيك وأخيك، فقال سليمان: قاتله الله ما أوفاه لصاحبه، إذا اصطنعت الرّجال فليصنع مثل هذا. وهمّ سليمان باستكتابه، فقال له عمر بن عبد العزيز: لا تحيي ذكر الحجّاج. فقال: إني كشفت عنه فلم أجد له خيانة في دينار ولا في درهم. فقال عمر: إبليس لم يخن فيهما، وهذا قد أهلك الخلق، فتركه سليمان. وفيها توفي الضّحّاك بن مزاحم الهلاليّ بخراسان. وثقه الإمام أحمد وغيره. ذكر أنه كان فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبي، وكان يركب حمارا يدور عليهم إذا عيي.

سنة ثلاث ومائة

سنة ثلاث ومائة فيها توفي عطاء بن يسار المدنيّ الفقيه، مولى ميمونة أمّ المؤمنين، ثقة إمام، كان يقصّ [1] بالمدينة. روى عن كبار الصحابة. قاله الذهبيّ [2] . وقال ابن قتيبة [3] : كان عطاء قاصّا [4] ويرى القدر، ويكنى أبا محمد، ومات سنة ثلاث ومائة، وهو ابن أربع وثمانين سنة. انتهى. وفيها الإمام أبو الحجّاج مجاهد بن جبر، الإمام الحبر المكّيّ، عن نيّف وثمانين سنة. قال خصيف [5] : كان أعلمهم بالتفسير. وقال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة [6] .

_ [1] في المطبوع: «كان يقضي» وهو خطأ. [2] «العبر في أخبار من عبر» (1/ 125) . [3] «المعارف» ص (459) . [4] في الأصل، والمطبوع: «قاضيا» وهو تحريف، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة. [5] هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري الحرّاني. انظر ترجمته والتعليق عليها في ص (183- 184) من هذا المجلد. [6] قلت: وقد ساق هذا الخبر الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 450) وقال أيضا: وروى ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عرضت القرآن ثلاث عرضات على ابن عبّاس، أقفه عند كلّ آية، أسأله فيم نزلت، وكيف كانت.

وقال [له] [1] ابن عمر: وددت أنّ نافعا يحفظ حفظك. وقال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدا أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلّا عطاء وطاووسا ومجاهدا [2] . وقال الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا تراه مغموما، فقيل له في ذلك، فقال: أخذ عبد الله- يعني ابن عمر [3]- بيدي، ثم قال: أخذ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بيدي وقال لي: «يا عبد الله! كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» [4] . ومات مجاهد بمكّة وهو ساجد. وفسر ابن قتيبة [5] النّيّف بثلاث [6] ، فقال: مات [وهو] [7] ابن ثلاث وثمانين سنة. وفيها مصعب بن سعد بن أبي وقّاص الزّهريّ المدنيّ، كان فاضلا كثير الحديث.

_ [1] لفظة «له» سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع. [2] لفظة «ومجاهدا» ليست عند الذهبي في «العبر» الذي ينقل عنه المؤلف رحمه الله. [3] في الأصل والمطبوع: «ابن عباس» وهو خطأ، صوابه: «ابن عمر» (ع) . [4] رواه البخاري رقم (6416) في الرقاق: باب قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» . والترمذي رقم (2333) في الزهد: باب ما جاء في قصر الأمل، وابن ماجة رقم (4114) في الزهد: باب مثل الدّنيا، وأحمد في «المسند» (2/ 24 و 41) وعندهم في آخره «وعدّ نفسك من أهل القبور» . وعند البخاري والترمذي في آخر الحديث: وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء. وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. [5] في «المعارف» الذي ينقل عنه المؤلف. [6] قال في «مختار الصحاح» : النّيّف، بوزن الهيّن: الزيادة، يخفف ويشدّد، يقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيّف حتى يبلغ العقد الثاني. انظر ص (687) . [7] لفظة «وهو» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع، و «المعارف» .

روى عن عليّ والكبّار. وفيها موسى بن طلحة بن عبيد الله التيميّ بالكوفة. روى عن عثمان ووالده. وقال أبو حاتم [1] : هو أفضل إخوته بعد محمد، وكان يسمّى المهدي. وفيها مقرئ الكوفة يحيى بن وثّاب الكوفيّ، مولى لبني كاهل من بني أسد بن خزيمة، توفي بالكوفة. أخذ [عن] [2] ابن عبّاس، وطائفة. ويزيد بن الأصمّ العامريّ، ابن خالة ابن عبّاس، نزل الرّقّة [3] . وروى عن خالته ميمونة، وطائفة.

_ [1] في «الجرح والتعديل» (8/ 148) . [2] لفظة «عن» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع. [3] الرقة: مدينة مشهورة على الطرف الغربي لنهر الفرات في أرض سورية، أنجبت فيما مضى عددا كبيرا من العلماء. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (58- 59) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.

سنة أربع ومائة

سنة أربع ومائة فيها وقعة بهرزان [1] دون الباب بفرسخين، التقى المسلمون وعليهم الجرّاح الحكميّ [2] ، هم وابن خاقان [3] فهزموه [4] بعد قتال عظيم، وقتل خلق من الكفار. وفيها توفي خالد بن معدان الكلاعيّ الحمصيّ، الفقيه العابد. قيل: كان يسبّح كل يوم أربعين ألف تسبيحة [5] .

_ [1] في الأصل، و «العبر» للذهبي (1/ 126) : «بهرازان» ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما عند ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 514) وفيه قال: بهرزان: بليدة بينها وبين شهرستان فرسخان من جهة نيسابور، رأيتها في صفر سنة (617) وهي عامرة ذات خير واسع، وعليها سور حصين، وبها سوق حافل. قلت: وبهرزان تقع الآن في أراضي إيران. [2] هو الجراح بن عبد الله الحكمي، أبو عقبة. استشهد غازيا بمرج أردبيل، قتله الخزر، ورثاه كثير من الشعراء. قال الزرقي: كان الجراح يد الله على خراسان كلها، وقال الواقدي: كان البلاء بمقتل الجراح على المسلمين عظيما، فبكوا عليه في كل جند. انظر «تاريخ خليفة» ص (329) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 115) . [3] في «العبر» للذهبي: «هم والخاقان» وما جاء في «تاريخ خليفة» ص (329) موافق لما في كتابنا. [4] في الأصل، والمطبوع: «فهزموهم» والتصحيح من «العبر» للذهبي، وانظر «تاريخ خليفة» . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 540) .

سمعه صفوان [1] يقول: لقيت سبعين من الصّحابة. وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت ألزم للعلم منه. وقال الثّوريّ: ما أقدّم عليه أحدا. وفيها، وقيل: قبل [2] المائة، عامر بن سعد [3] بن أبي وقّاص الزّهريّ، أحد الإخوة التسعة، كان ثقة كثير الحديث. وفيها، وقيل: في سنة سبع أبو قلابة الجرميّ، عبد الله بن زيد، البصري الإمام. طلب للقضاء فهرب ونزل الشّام، فنزل بداريّا، وكان رأسا في العلم والعمل. سمع من سمرة [4] وجماعة. ومناظرته مع علماء عصره في القسامة [5] بحضرة عمر بن عبد العزيز مشهورة في «الصحيح» [6] .

_ [1] هو صفوان بن عمرو السّكسكي محدّث حمص، المتوفى سنة (155) هـ. انظر ترجمته في ص (252) من هذا المجلد. [2] في المطبوع: «وقيل في المائة» وهو خطأ، وما جاء في الأصل الذي بين يدي موافق لما عند الذهبي في «العبر» (1/ 127) . [3] في الأصل: «عامر بن سعيد» وهو تحريف وأثبت ما في المطبوع. [4] هو سمرة بن جندب الفزاري، المتوفى في أول سنة ستين، رضي الله عنه وأرضاه. وقد تقدم خبره باختصار في المجلد الأول من كتابنا هذا ص (270) فراجعه. [5] قال ابن الأثير: القسامة بالفتح: اليمين، كالقسم، وحقيقتها أن يقسم من أولياء الدّم خمسون نفرا على استحقاقهم دم صاحبهم، إذا وجدوه قتيلا بين قوم ولم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين يمينا، ولا يكون فيهم صبي، ولا امرأة، ولا مجنون، ولا عبد، أو يقسم بها المتّهمون على نفي القتل عنهم، فإن حلف المدّعون استحقّوا الدية، وإن حلف المتّهمون لم تلزمهم الدية. «النهاية» (4/ 62) . [6] قلت: وذلك في حديث طويل فيه الكثير من الفوائد والآداب، رواه البخاري رقم (6899) في الدّيات: باب القسامة، ومسلم رقم (1669) في القسامة، ويحسن بالقارئ الرجوع إليه.

وفيها، وقيل: في التي قبلها، وقيل: في سنة ست أو سبع، توفي أبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعريّ. قضى في الكوفة بعد شريح [1] ، وله مكارم ومآثر مشهورة. وولي القضاء في البصرة بعده ابنه بلال، وكان ممدّحا. وفيه يقول ذو الرّمّة: رأيت [2] النّاس ينتجعون غيثا [3] ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا [4] يعني بصيدح ناقته. وأبو موسى وبنوه كلهم ولي القضاء. وفيها، وقيل: قبلها، وقيل: بعدها، توفي فجأة [5] الإمام الحبر العلّامة، أبو عمرو عامر بن شراحيل بن معبد الشّعبيّ، وهو من حمير، وعداده في همدان، ونسب إلى جبل باليمن، نزله حسّان بن عمرو الحميريّ هو وولده ودفن فيه، [وهو ذو شعبين] [6] فمن كان منهم بالكوفة قيل لهم: شعبيون. ومن كان منهم بمصر والمغرب قيل لهم: الأشعبون، والأشعوب [7] ، ومن كان منهم بالشّام قيل لهم: شعبانيّون. ومن كان منهم باليمن قيل لهم: آل ذي شعبين. وكان نحيفا ضئيلا. وقيل له: مالنا نراك ضئيلا؟ قال: إني

_ [1] هو أبو أميّة شريح بن الحارث الكنديّ القاضي. انظر ترجمته في المجلد الأول من هذا الكتاب ص (320- 323) . [2] في «ديوان ذي الرّمّة» : «سمعت» ، ولكن لفظة «رأيت» وردت في إحدى النسخ كما ذكر محقق «الديوان» . [3] في الأصل: «عيشا» وهو تحريف وأثبت ما في المطبوع. [4] البيت في «ديوانه» (3/ 1535) . [5] في المطبوع: «فجاءة» . [6] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلكان (3/ 15) . [7] انظر «المعارف» لابن قتيبة ص (450) .

زوحمت في الرّحم، وكان ولد هو وأخ له في بطن واحد. وقيل لأبي إسحاق: أنت أكبر أم الشّعبي؟ فقال: هو أكبر مني بسنتين. وحدثنا [1] الرّياشي [2] عن الأصمعي: أن أمّ الشّعبي كانت من سبي جلولاء، قال: وهي قرية بناحية فارس [3] . وكان مولده لست سنين مضت من خلافة عثمان، وكان كاتب عبد الله بن مطيع العدوي، وكاتب عبد الله بن يزيد الخطمي عامل [4] ابن الزّبير على الكوفة، وكان مزّاحا. حدّثني [5] أبو مرزوق، عن زاجر بن الصّلت الطّاحيّ [6] عن سعيد بن عثمان، قال: قال الشعبي لخياط مرّ به: عندنا حب مكسور تخيطه؟ فقال له: نعم، إن كان عندك خيط من ريح. وحدثني [7] بهذا الإسناد، أن رجلا دخل عليه ومعه في البيت امرأة، فقال: أيكما الشّعبيّ، فقال: هذه. قاله ابن قتيبة [8] .

_ [1] القائل ابن قتيبة. [2] هو أبو الفضل العبّاس بن الفرج الرّياشي النحوي اللغوي، كان من أهل السّنة، قتل في المسجد الجامع بالبصرة في أيام صاحب الزنج، انظر «الأنساب» للسمعاني (6/ 200- 201) . [3] قلت: جلولاء بلدة تقع اليوم في شرق الأراضي العراقية. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 156) . [4] في المطبوع: «عامر بن الزبير» وهو خطأ. [5] القائل ابن قتيبة في كتابه «المعارف» . [6] في الأصل، والمطبوع: «جابر بن الصلت الطائي» وهو خطأ، وفي «المعارف» لابن قتيبة ص (450) ط د. ثروة عكاشة: «زاجر بن الصلت الطلحي» وهو تحريف، وقد جاءت العبارة على الصواب في «المعارف» ط الصاوي وانظر «الأنساب» للسمعاني (8/ 170) بتحقيق الأستاذ محمد عوّامة. [7] القائل ابن قتيبة. [8] في «المعارف» ص (450) .

ومات وله بضع وثمانون سنة. وشعب، بطن من همدان. مرّ به ابن عمر وهو يحدّث بالمغازي، فقال: شهدتها، وهو أعلم بها مني. وعنه [1] قال: بعثني عبد الملك إلى ملك الرّوم، فأقمت عنده أياما، فلما أردت الانصراف قال لي: من [أهل] [2] بيت الملك أنت؟ قلت: بل رجل من العرب، فدفع إليّ رقعة وقال: أدّها إلى صاحبك، فلما قرأها عبد الملك قال لي: تدري ما فيها؟ قلت، لا، قال: فإن فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيره؟ فقلت: والله لو علمت ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك، فقال عبد الملك: بل حسدني عليك، فأغراني بقتلك، فبلغ ذلك ملك الرّوم، فقال: ما أردت إلّا ذلك [3] . وقال له أبو بكر الهذلي: تحب الشعر؟ فقال: إنما يحبه فحول الرّجال ويكرهه مؤنّثوهم. وقال: ما أودعت قلبي شيئا فخانني قطّ. وقال: إنما الفقيه من تورّع عن محارم الله، والعالم من خاف الله تعالى. وقال: اتقوا القاصر من العلماء والجاهل من المتعبّدين. وقال: أدركت خمسمائة من الصّحابة أو أكثر. ودخل الشّعبيّ مع زياد على هند بنت النّعمان في ديرها، فإذا هي وأختها جالستان عليهما ثياب سود، قال الشّعبيّ: فما أنسى جمالها، وقد كان

_ [1] أي عن الشعبي. [2] زيادة من «وفيات الأعيان» (3/ 13) . [3] في المطبوع: «ما أردت إلّا ذاك» ، وفي «وفيات الأعيان» : «ما أردت إلّا ما قال» .

كلّمها للمغيرة بن شعبة في الزّواج، فقالت: أردت أن يقال: تزوج هند بنت النّعمان بن المنذر، إن ذلك غير كائن، فقال لها زياد: حدثيني عن ملككم وما كنتم فيه؟ قالت: أجمل، أم أفنّن؟ [1] . قال: أجملي، قالت: أصبحنا وكل من رأيت عبدا لنا، وأمسينا وعدونا ممن يرحمنا. قال ابن المديني [2] : ابن عبّاس في زمانه، والشّعبيّ في زمانه، وسفيان الثّوري في زمانه [3] . وقال الشعبيّ: ما كتبت سوداء في بيضاء إلّا حفظتها.

_ [1] قال ابن منظور: الرجل يفنّن الكلام أي يشتقّ في فنّ بعد فن والتّفنّن فعلك. «لسان العرب» (فنن) . [2] في الأصل: «ابن المدني» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. وهو علي بن عبد الله بن جعفر المديني، توفي سنة (234) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا فراجعها هناك. [3] انظر: «العبر» (1/ 127) .

سنة خمس ومائة

سنة خمس ومائة فيها التقى في رمضان منها الجرّاح الحكميّ، وخاقان ملك التّرك، ودام الحرب أياما، ثم نصر الله دينه، وهزم الترك شرّ هزيمة. وكان المصّافّ بناحية إرمينية. وفيها غزا الرّوم عثمان بن حيّان المرّي [1] الذي ولي المدينة للوليد بن عبد الملك. وكان ظالما يقول الشعر على المنبر في خطبته، وقد روى له مسلم. وفيها توفي في شعبان منها الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان، وجدّه لأمّه يزيد بن معاوية، عاش أربعا وثلاثين سنة. وولي أربع سنين وشهرا، وكان أبيض جسيما متلفا للمال، أعطى حلّاقا حلق له رأسه أربعة آلاف درهم. ووقع مثل ذلك ليزيد بن المهلّب، أو لعله اشتبه على بعض المؤرخين اسمهما. قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: لما استخلف قال: سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز، فأتوه بأربعين شيخا شهدوا له أنّ الخلفاء لا حساب

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «الكاشف» للذهبي (2/ 217) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 8) : «المزني» بضم الميم بعدها زاي. وهو خطأ. وفي «العبر» للذهبي (1/ 128) ، و «الخلاصة» للخزرجي ومعظم المراجع التي بين يدي: «المري» وهو الصواب.

عليهم ولا عذاب. فأقبل على الظلم وإتلاف المال والشراب، والانهماك على سماع الغناء، والخلوة بالقينات [1] . وكان ممن استولى على عقله جارية يقال لها حبابة [2] ، وكانت تغنّيه، فلما كثر ذلك منه عزله أخوه مسلمة، وقال له: إنما مات عمر أمس، وكان من عدله ما قد علمت، فينبغي أن تظهر للنّاس العدل [3] ، وترفض هذا اللهو، فقد اقتدى بك عمّالك [4] في سائر أفعالك وسيرتك، فارتدع عما كان عليه، وأظهر الإقلاع والندم، وأقام على ذلك [مدّة] [5] مديدة، فغلظ ذلك على حبابة، فبعث إلى الأحوص الشّاعر [6] ومعبد المغنّي [7] وقالت: انظرا ما أنتما

_ [1] في المطبوع: «بالقيات» وهو خطأ. والقينات: جمع قينة، وهي الأمة المغنية، وقيل: القينة: الأمة، مغنّية كانت أو غير مغنية. والقين: العبد، والجمع قيان. انظر «لسان العرب» (قين) . [2] انظر ترجمتها ومصادرها في «أعلام النساء» لكحالة (1/ 232- 235) . [3] في الأصل: «فينبغي أن تظهر للناس من العدل» وعبارة المطبوع التي أثبتها تتفق مع عبارة «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 207) الذي ينقل عنه المؤلف. [4] في الأصل، والمطبوع: «فقد اقتدي بأعمالك» وما أثبته من «مروج الذهب» . [5] لفظة «مدة» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع، و «مروج الذهب» . [6] هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري، من بني ضبيعة: شاعر هجاء، صافي الديباجة، من طبقة جميل بن معمر، ونصيب، كان معاصرا لجرير، والفرزدق، وهو من سكان المدينة وفد على الوليد بن عبد الملك في الشام، فأكرمه ثم بلغه عنه ما ساءه من سيرته، فردّه إلى المدينة، وأمر بجلده، فجلد، ونفي إلى «دهلك» - وهي جزيرة بين اليمن والحبشة، كان بنو أمية ينفون إليها من يسخطون عليه- فبقي فيها إلى ما بعد وفاة عمر بن عبد العزيز. وأطلقه يزيد بن عبد الملك. فقدم الشام، فمات فيها. وكان حمّاد الرّاوية يقدمه في النسيب على شعراء زمنه. ولقب بالأحوص لضيق في مؤخر عينيه. مات سنة (105) هـ. عن «الأعلام» للزركلي (4/ 116) . وللتوسع انظر ترجمته في «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (5/ 19- 20) طبع دار المأمون للتراث بدمشق، وفيه «الأحوص بن محمد بن عبد الله» ، وانظر «الأغاني» (4/ 224) ط دار الكتب. [7] هو معبد بن وهب، أبو عبّاد، المدني، نابغة الغناء العربي في العصر الأموي. كان مولى لبني مخزوم، نشأ في المدينة يرعى الغنم لمواليه، وربما اشتغل في التجارة. ولما ظهر

صانعان، فقال الأحوص في أبيات له: ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا إذا كنت ممنوعا [1] عن اللهو والصّبا ... فكن حجرا من يابس الصّخر جلمدا [2] فما العيش [3] إلّا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا [4] وغنّاه معبد، فأخذته حبابة عنه، فلما دخل عليها يزيد قالت: يا أمير المؤمنين [اسمع منّي] [5] صوتا واحدا ثم افعل ما بدا لك [6] وغنّته، فلما فرغت منه، جعل يردّد قولها: فما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا وعاد بعد ذلك إلى لهوه وقصفه [7] ورفض ما كان عزم عليه. وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني ابن سلام قال: ذكر يزيد قول الشّاعر: صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان عسى الأيام أن يرجع ... ن قوما كالّذي كانوا

_ نبوغه في الغناء، أقبل عليه كبراء المدينة. ثم رحل إلى الشام، فاتصل بأمرائها، وارتفع شأنه. وكان أديبا فصيحا. وعاش طويلا إلى أن انقطع صوته. ومات في سنة (126) هـ. انظر «الأعلام» (7/ 264) . [1] في «الشعر والشعراء» ، و «طبقات فحول الشعراء» : «إذا كنت عزهاة عن اللهو والصّبا» . قال ابن منظور في «لسان العرب» (عزه) : ورجل عزهاة وعزهاءة ... عازف عن اللهو والنساء، لا يطرب للهو ويبعد عنه. [2] قال ابن منظور: الجلمد والجلمود: الصّخر، وفي «المحكم» الصخرة، وقيل: الجلمد والجلمود أصغر من الجندل. قدر ما يرمى بالقذّاف. «لسان العرب» (جلمد) . [3] في «الشعر والشعراء» : «وما العيش» ، وما في كتابنا موافق لما عند ابن سلّام في «الطبقات» . [4] الأبيات في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (331) ط ليدن، و «طبقات فحول الشعراء» (2/ 664) بتحقيق المحقق الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر حفظه الله. [5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، فاضطرب النص، وقد استدركت السقط من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 207) الذي ينقل عنه المؤلف رحمه الله. [6] في الأصل، والمطبوع: «وافعل ما بدا لك» ، وما أثبته من «مروج الذهب» . [7] القصف: اللهو واللّعب. انظر «مختار الصحاح» ص (538) .

فلما صرّح الشّرّ ... فأضحى [1] وهو عريان مشينا مشية اللّيث ... غدا واللّيث غضبان بضرب فيه توهين ... وتخضيع وإقران وطعن كفم الزّقّ ... وهي والزّقّ ملآن وفي الشّرّ نجاة حي ... ن لا ينجيك إحسان وهو شعر قديم يقال: إنه للفند الزّمّاني [2] في حرب البسوس [3] فقال لحبابة: غنّيني به بحياتي، فقالت: يا أمير المؤمنين، هذا شعر لا أعرف أحدا يغنّي به إلّا الأحول المكّي [4] فقال: نعم قد كنت سمعت ابن عائشة [5] يعمل فيه ويترك، قالت: إنما أخذه عن فلان ابن أبي لهب، وكان حسن الأداء، فوجه يزيد إلى صاحب مكّة: إذا أتاك كتابي هذا، فادفع إليّ فلان ابن أبي لهب ألف دينار لنفقة طريقه على ما شاء من دواب البريد، ففعل، فلما قدم عليه،

_ [1] في «مروج الذهب» : «فأمسى» والأبيات فيه (3/ 208) . [2] هو شهل بن شيبان بن ربيعة بن زمان الحنفي، وشهل بالشين، وليس في العرب شهل بالمعجمة إلّا هو. انظر «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (8/ 19- 20) . [3] البسوس: امرأة من العرب هاجت بسببها الحرب أربعين سنة بين العرب، فضرب بها المثل في الشّؤم، فقالوا: أشأم من البسوس، وبها سميت حرب البسوس. «مختار الصحاح» ص (52) . وانظر «الأعلام» للزركلي (3/ 51) . [4] لعله يعلى بن مسلم بن أبي قيس اليشكري الأزدي. الأحول، شاعر أموي، اشتهر بقصيدة قالها في مكة أولها: ألا ليت حاجاتي اللواتي حبسنني ... لدى نافع قضين منذ زمان واختلف الرّواة في خبره. انظر «الأعلام» للزركلي- طيب الله ثراه- (8/ 204- 205) . [5] هو محمد بن عائشة، أبو جعفر، موسيقار من المقدمين في صناعة الغناء، ووضع الألحان في العصر الأموي، يرتجل ذلك ارتجالا. وهو من أهل المدينة، ينسب إلى أمه. وكانت مولاة لأحد بني كندة، ويضرب المثل في ابتدائه بالغناء، حتى قيل للابتداء الحسن كائنا ما كان، من قراءة قرآن، أو إنشاء شعر، أو غناء: كأنه ابتداء ابن عائشة. مات سنة (100) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 179) .

قال: غنّني بشعر الفند الزّمّاني، فغنّاه، فأجاد، وأحسن، وأطرب، فقال: أعده، فأعاده، فأجاد، وأطرب يزيد، فقال له: عمّن أخذت هذا الغناء؟ قال: أخذته عن أبي، وأخذه أبي عن أبيه، قال: لو لم ترث إلّا هذا الصّوت لكان أبو لهب- رضي الله عنه! - ورّثكم خيرا كثيرا [1] ، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أبا لهب مات كافرا مؤذيا لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال: قد أعلم ما تقول، ولكني داخلني عليه رقة إذ كان يجيد الغناء، ووصله، وكساه، ورده إلى بلده مكرّما. وبالجملة فأخباره من هذا القبيل كثيرة [2] فلنحبس عنان القلم عن ذلك سامحه الله تعالى. وفيها، أو في التي قبلها أو بعدها، مات عكرمة مولى ابن عبّاس، أحد فقهاء مكّة، من التابعين الأعلام، أصله من البربر. وهب لابن عبّاس، فاجتهد في تعليمه، ورحل إلى مصر وخراسان، واليمن، وأصبهان، والمغرب، وغيرها، وكانت الأمراء تكرمه، وأذن له مولاه بالفتوى. وقيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال [3] : عكرمة. ولما مات مولاه باعه ابنه عليّ من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: بعت علم أبيك بأربعة آلاف [دينار!] [4] ، فاستقاله فأقاله ثم أعتقه. قيل: مات هو وكثيّر عزّة في يوم واحد وصلّي عليهما جميعا، فقيل: مات أفقه النّاس وأشعر النّاس. قال ابن قتيبة [5] : كان عكرمة يكنى أبا عبد الله.

_ [1] أقول: بل ورّثهم شرا كثيرا. (ع) . [2] في الأصل «كثير» ، وأثبت ما في المطبوع. [3] في الأصل: «قال» وأثبت ما في المطبوع. [4] زيادة من «وفيات الأعيان» الذي ينقل المؤلف عنه. [5] في «المعارف» ص (455- 457) .

وروى جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على عليّ بن عبد الله بن عبّاس، وعكرمة موثوق على باب كنيف [1] ، فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي. وقال ابن الخلّال: سمعت يزيد بن هارون يقول: قدم عكرمة البصرة، فأتاه أيّوب، وسليمان التيمي، ويونس، فبينما هو يحدثهم، إذ سمع صوت غناء، فقال عكرمة: اسكتوا، فسمع [2] ثم قال:- قاتله الله- لقد أجاد، أو قال: ما أجود ما غنى، فأما سليمان، ويونس فلم يعودا إليه، وعاد [إليه] [3] أيوب. قال يزيد: وقد أحسن أيوب. ثم قال ابن قتيبة: وكان عكرمة يرى رأي الخوارج. وطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. ومات سنة خمس ومائة، وقد بلغ ثمانين سنة. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: احتج أحمد، ويحيى، والبخاريّ، والجمهور بما روى، وأعرض عنه مالك لمذهبه، وما كان يرى. قال طاووس: لو ترك من حديثه واتّقى الله لشدّت إليه الرّحال. انتهى. وفيها على الأصح أبو رجاء العطارديّ بالبصرة عن مائة وعشرين سنة، وكان أسلم في حياة النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وأخذ عن عمر، وطائفة.

_ [1] قال ابن منظور: كنف الدار يكنفها كنفا: اتخذ لها كنيفا. والكنيف: الخلاء، وكله راجع إلى السّتر، وأهل العراق يسمون ما أشرعوا من أعالي دورهم كنيفا، واشتقاق اسم الكنيف كأنه كنف في أستر النواحي. «لسان العرب» (كنف) . [2] في «المعارف» : «فنسمع» . [3] لفظة «إليه» سقطت من الأصل، والمطبوع، وأثبتها من «المعارف» لابن قتيبة.

قال ابن قتيبة [1] : اسمه عمران بن تيم [2] ، ويقال: عطارد بن برد [3] . ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة، وهو من ولد عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ويقال: إنه مولى لهم. وقال أبو رجاء: لما بلغني أنّ النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- أخذ في القتل هربنا فأصبنا شلو أرنب دفينا، فاستثرناه وقعدنا [4] عليه، وألقينا من بقول الأرض، فلا أنسى تلك الأكلة. حدّثني [5] أبو حاتم، عن الأصمعيّ قال: حدّثنا رزين [6] العطارديّ قال: أتت أبا رجاء امرأة في جوف الليل، فقالت: يا أبا رجاء، إن لطارق الليل حقا، وإن [7] بني فلان خرجوا إلى سفوان [8] وتركوا شيئا من متاعهم، فانتعل [9] وأخذ الكتب فأداها [10] وصلّى بنا الفجر، وهي مسيرة ليلة للإبل. انتهى.

_ [1] في «المعارف» ص (427) . [2] في الأصل، والمطبوع: «عمران بن تميم» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة، و «اللباب» لابن الأثير (2/ 346) ، واسمه في معظم المراجع الأخرى التي بين يدي: «عمران بن ملحان» . [3] في «المعارف» ط د. عكاشة: «عطارد بن برذا» ، وفي ط. الصاوي ص (189) : «عطارد بن برز» . [4] في «المعارف» ط د. عكاشة: «وفصدنا» ، وفي ط. الصاوي: «وقصرنا» . [5] القائل ابن قتيبة في «المعارف» ص (428) . [6] كذا في الأصل: «رزين» ، وفي «المعارف» ط الصاوي ص (189) : «ذريك» ، وفي «المعارف» ط د. ثروة عكاشة: «أبو الأشهب» وقال محققه: في الحاشية: وفي نسخ أخرى: «زريك» . [7] سقطت ألف «إن» في الأصل، والمطبوع، واستدركتها مع الواو من «المعارف» لابن قتيبة. [8] سفوان: واد من ناحية بدر. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (2/ 740) ، و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 225) . [9] في الأصل، والمطبوع: «فانتقل» والتصحيح من «المعارف» . [10] في الأصل، والمطبوع: «فأواها» والتصحيح من «المعارف» بطبعتيه.

وعدّه ابن ناصر الدّين وغيره من المخضرمين، وقال: عاش مائة وعشرين سنة. وفيها الأخوان عبيد الله، وعبد الله، ابنا عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وكان عبد الله وصيّ أبيه، وروايتهما قليلة. والمسيّب بن رافع الكوفي، سمع البراء، وجماعة. وعمارة بن خزيمة بن ثابت. روى عن أبيه ذي الشّهادتين [1] وجماعة يسيرة، وهو مدنيّ. وسليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، روى عن أبيه، وعائشة، وغيرهما. وأبان بن عثمان بن عفّان الأمويّ الفقيه، روى عن أبيه. قال ابن سعد [2] : كان به صمم [شديد] [3] ووضح كثير، وأصابه الفالج قبل موته بسنة. قال ابن قتيبة [4] : أبان بن عثمان شهد الجمل مع عائشة، وكان الثاني من المنهزمين، وكانت أمه بنت جندب [5] بن عمرو بن حممة الدّوسي، وكانت حمقاء. تجعل الخنفساء في فمها وتقول: حاجيتك ما في فمي؟ وهي أمّ عمرو بن عثمان أيضا.

_ [1] هو خزيمة بن ثابت الأنصاري، مات في زمن عثمان. انظر «الإصابة» لابن حجر (5/ 95) . [2] في «الطبقات» (5/ 152- 153) . [3] زيادة من «طبقات ابن سعد» ، وانظر «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 18) ط مؤسسة الرسالة. [4] في «المعارف» ص (201) . [5] في الأصل، والمطبوع: «حنيدب» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة، و «أسد الغابة» لابن الأثير (1/ 361) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 16) ط مؤسسة الرسالة، و «تهذيب التهذيب» (1/ 97) .

وكان أبان أبرص، أحول، يلقب: بقيعا [1] . وكانت عنده أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر، خلف عليها بعد الحجّاج. وعقبه كثير، منهم: عبد الرّحمن بن أبان [و] كان [عابدا] مجتهدا [2] يحمل عنه الحديث. انتهى. وفيها توفي أبو صخر كثيّر بن عبد الرّحمن صاحب عزّة، وإنما صغّر لشدة قصره، وكان يحمق، وهو من غلاة الشيعة الموقنين بالرّجعة [3] وكان بمصر، وعزّة بالمدينة، فسافر ليجتمع بها، فلقيها في الطريق متوجهة إلى مصر، وجرى بينهما كلام طويل، ثم تمت في سفرها إلى مصر، وتأخر كثيّر بعدها مدّة ثم عاد إلى مصر، فجاء والنّاس منصرفون من جنازتها. وروي أن عزّة دخلت على أمّ البنين ابنة عبد العزيز أخت عمر بن عبد العزيز، وزوجة الوليد بن عبد الملك، فقالت لها: رأيت قول كثيّر: قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه [4] ... وعزّة ممطول معنّى غريمها [5] [فقالت] : ما هذا الدّين؟ قالت [6] : وعدته قبلة فتحرّجت [7] منها، فقالت

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بقنعة» ، وهو تحريف، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (201) ط د. ثروة عكاشة، وهو كذلك في «المعارف» ص (86) ط الصّاوي. [2] ما بين حاصرتين زيادة من «المعارف» ط د. ثروة عكاشة، وط الصاوي، ولفظة «مجتهدا» سقطت من «المعارف» ط د. ثروة عكاشة، فتستدرك فيه. [3] أي رجعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الدّنيا، وذلك باطل لا حجة له في الشريعة الإسلامية. وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 152- 153) والتعليق عليه للأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى. [4] رواية البيت في «تاريخ دمشق» لابن عسكر (تراجم النساء) ص (481) : «قضى كل ذي دين علمت غريمه» . [5] البيت في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (9/ 25) ط دار الكتب، و «وفيات الأعيان» (4/ 109) . [6] في الأصل، والمطبوع: «فقالت» ، وأثبت ما في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/ 108) الذي ينقل المؤلف رحمه الله عنه. [7] في «وفيات الأعيان» : «فحرجت» وما في كتابنا موافق لما في «تاريخ دمشق» لابن عساكر.

أمّ البنين: أنجزيها وعليّ إثمها، فقيل: إنّ أمّ البنين أعتقت عن ذلك رقابا [1] . ويقال: إنه لما سمحت له بالقبلة، قبّلها في فمها، وقذف من فمه إلى فمها بلؤلؤة ثمينة [2] ، وكان لكثيّر غلام عطار بالمدينة، فباع من عزّة ونسوة معها نسيئة، ثم علم أنها عزّة فأبرأها، فعلم كثيّر، فأعتقه ووهبه العطر الذي عنده. وحكي أن عبد الملك حين أراد الخروج لقتال مصعب بن الزّبير، عرضت له زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فلم يقبل منها، فبكت وبكى حشمها، فقال عبد الملك: قاتل الله كثيّرا كأنه رأى موقفنا هذا بقوله: إذا ما أراد الغزو لم يثن عزمه ... حصان عليها نظم درّ يزينها [3] نهته فلمّا لم تر النّهي [4] عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها [5] والقطين: الخدم [6] . وذكر أن كثيّرا كان يهوى كل حسن، إما لشبهة بعزّة، أو استقلالا، ولهذا يقال: فلان كثيّريّ المحبّة، أي يحب كلّ من يعرض له لا يتقيد بمحبوب معين، بخلاف العامري.

_ [1] في «تاريخ دمشق» : «سبعين رقبة» ، وفي «وفيات الأعيان» : «أربعين رقبة» . [2] قوله: «ويقال: إنه لما سمحت له بالقبلة، قبلها في فمها، وقذف من فمه إلى فمها بلؤلؤة ثمينة» لم يرد في «وفيات الأعيان» بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس، ولعلّ ابن العماد نقل هذا الكلام من نسخة أخرى من «وفيات الأعيان» لم يقف عليها الدكتور عبّاس، أو أنه نقله من مصدر آخر. [3] رواية البيت في «الأغاني» : إذا ما أراد الغرو لم تثن همّه ... حصان عليها عقد درّ يزينها [4] في الأصل، والمطبوع: «لم ير النهي» وهو تحريف والتصحيح من «الأغاني» و «وفيات الأعيان» . [5] البيتان في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (9/ 21) ، و «وفيات الأعيان» (4/ 108) . [6] قال ابن منظور: القطين: الخدم والأتباع والحشم، وفي «التهذيب» : الحشم الأحرار. والقطين المماليك. والقطين: الإماء. «لسان العرب» (قطن) .

ذكر أن عزّة تبدّلت في غير زيّها وتعرّضت لكثيّر، فراودها غير عالم بها، فقالت: اذهب إلى محبوبتك عزّة، فقال: ومن عزّة حتى تقاس بك؟ فسفرت عن وجهها وشتمته، فأطرق حياء ولم يذكرها إلى سنة، ثم بعد السنة أنشد تائيته الطنّانة التي سارت بها الرّكبان، التي مطلعها: هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت [1] .

_ [1] البيت في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (9/ 30) .

سنة ست ومائة

سنة ست ومائة فيها استعمل هشام بن عبد الملك على العراق، خالد بن عبد الله القسريّ، فدخلها، وقبض على واليها عمر بن هبيرة [1] الفزاريّ، فنقب له غلمانه السّجن، وهرب إلى الشّام، فاستجار بمسلمة بن عبد الملك، ثم مات على القرب [2] . وفيها غزا المسلمون فرغانة [3] والتقوا التّرك، فقتل في الوقعة ابن خاقان، وانهزموا ولله الحمد. وفيها غزا الجرّاح الحكميّ وأوغل [4] في بلاد الخزر، فصالحوه وأعطوه الجزية. وحج بالنّاس خليفتهم هشام.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عمرو بن هبيرة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 130) الذي ينقل عنه المؤلف رحمه الله. [2] في «العبر» للذهبي: «ثم مات قريبا من ذلك» . وجزم الزركلي في «الأعلام» (5/ 68) بأنه مات سنة (110) هـ. [3] فرغانة: بلدة تقع اليوم في الجنوب الغربي للاتحاد السوفييتي. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 253- 254) . [4] في «العبر» : «ووغل» .

وفيها توفي سالم بن عبد الله [بن عمر] [1] العدويّ المدنيّ الفقيه الزّاهد العابد القدوة، وكان شديد الأزمة، خشن [2] العيش، يلبس الصوف ويخدم نفسه. وقال مالك: لم يكن أحد [3] في زمانه أشبه بمن مضى من الصّالحين منه. قال أحمد: أصحّ الأسانيد: الزّهري، عن سالم، عن أبيه. وقيل: مالك عن نافع، عن ابن عمر [والشّافعيّ عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر] [4] وهي سلسلة الذّهب. دخل سليمان بن عبد الملك الكعبة فرأى سالما واقفا، فقال له: سلني حوائجك؟ فقال: لا والله لا سألت في بيت الله غير الله. وكان أبوه يقبّله ويقول: ألا تعجبون من شيخ يقبّل شيخا. وقال: يلومونني في سالم وألومهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم [5] وفيها الإمام طاووس بن كيسان اليمانيّ الجنديّ الخولانيّ، أحد الأعلام علما وعملا.

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي. [2] في الأصل: «حسن» وهو تحريف. [3] لفظة «أحد» لم ترد في «العبر» للذهبي. [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [5] البيت في «طبقات ابن سعد» (5/ 196) ، و «العقد الفريد» (2/ 273) ط دار الكتب العلمية في بيروت، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 460) ، و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (9/ 191) ط دار الفكر بدمشق.

أخذ عن عائشة وطائفة. قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا قط مثل طاووس. ولما ولي عمر بن عبد العزيز، كتب إليه طاووس: إن أردت أن يكون عملك كله خيرا فاستعمل أهل الخير، فقال عمر: كفى بها موعظة. توفي حاجا بمكّة قبل يوم التّروية [1] بيوم، وصلّى عليه هشام بن عبد الملك، وأراد الخروج عليه فلم يقدر لكثرة النّاس، ووضع عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب السرير على كاهله وسقطت قلنسوته، ومزّق رداؤه من خلفه للزحام. قيل: إنه ولي صنعاء، والجند [2] ووليه بعده ابنه عبد الله. قيل: سئل طاووس عن مسألة، فقال: أخاف إن تكلمت، وأخاف إن سكت، وأخاف أن آخذ بين الكلام والسكوت. وكان أعلم التابعين بالحلال والحرام. وفيها أبو مجلز لاحق بن حميد البصريّ، أحد علماء البصرة، لقي [3] كبار الصّحابة كأبي موسى، وابن عبّاس، وكان ينزل خراسان وعقبه بها، وكان عمر بن عبد العزيز بعث إليه فأشخصه ليسأله عنها. وقال قرّة بن خالد: كان أبو مجلز عاملا على بيت المال وعلى ضرب السّكّة [4] .

_ [1] قال الحافظ ابن حجر: يوم التروية: أي يوم الثامن من ذي الحجة، وسمي التروية، لأنهم كانوا يروون إبلهم ويتروون من الماء، لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون. «فتح الباري» (3/ 507) . [2] بلدة في اليمن بينها وبين صنعاء ثمانية وخمسون فرسخا، وقد نسب إليها كثير من أهل العلم. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 169- 170) . [3] في الأصل، والمطبوع: «لحق» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 131) . [4] قال ابن منظور: السّكّة: الدّينار والدرهم المضروبين، سمي كل واحد منهما سكّة لأنه طبع

قال هشام بن حسّان: كان قليل الكلام، فإذا تكلم كان من الرّجال. وفيها مات عبد الملك [1] قاضي الكوفة بعد الشّعبيّ. رأى عليا، وروى عن جابر. وعنه قال: كنت عند عبد الملك بقصر الكوفة فجيء برأس مصعب بن الزّبير، فارتعت لذلك، فقال: مالك؟ فقلت: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين، كنت بهذا القصر مع عبيد الله بن زياد، فرأيت رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بين يديه، ثم رأيت رأس عبيد الله بين يدي المختار [2] في هذا المكان، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب في هذا المكان، ثم هذا رأس مصعب، فأمر عبد الملك بهدم ذلك الطّاق [3] .

_ بالحديدة المعلمة له. «لسان العرب» (سكك) . [1] هو عبد الملك بن جابر بن عتيك الأنصاري المدني. انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 851) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق. [2] يعني المختار بن أبي عبيد الثّقفي. انظر المجلد الأول من كتابنا هذا ص (293) . [3] الطاق: عقد البناء حيث كان. انظر «لسان العرب» (طوق) .

سنة سبع ومائة

سنة سبع ومائة فيها عزل هشام الجرّاح بن عبد الله الحكمي عن أذربيجان، وإرمينية، وولّى أخاه مسلمة، فغزا، وافتتح في رمضان قيساريّة عنوة. وفيها توفي سليمان بن يسار [المدنيّ] [1] أخو عطاء. وهم عدة إخوة، وكان يكنى أبا أيّوب. مات عن ثلاثة وسبعين سنة. وكان أحد فقهاء المدينة [2] السبعة. أخذ عن عائشة، وطائفة. قال الحسن بن محمّد بن الحنفيّة: سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيّب، وكان ابن المسيّب يقول: اذهبوا إليه فإنه أعلم من بقي اليوم. وفيها عطاء بن يزيد اللّيثيّ [المدنيّ] [3] يكنى أبا محمّد، وهو من كنانة أنفسهم، وهو صاحب تميم الدّاريّ. روى عنه الزّهريّ، وتوفي وهو ابن اثنتين وثمانين سنة [4] .

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 131) . [2] لفظة «المدينة» لم ترد في «العبر» للذهبي. [3] زيادة من «العبر» للذهبي. [4] المؤلف ينقل خبر عطاء عن «المعارف» لابن قتيبة ص (443) ، و «العبر» للذهبي (1/ 132) بتصرف.

وفيها، وقيل: في سنة ثمان، أو إحدى، أو اثنتين ومائة مات أيضا أحد الفقهاء السبعة القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق التيميّ المدنيّ الإمام، نشأ في حجر عمته عائشة، فأكثر عنها. قال يحيى بن سعيد: ما أدركنا أحدا نفضّله بالمدينة على القاسم بن محمد. وعن أبي الزّناد قال: ما رأيت فقيها أعلم منه. وقال ابن عيينة: كان القاسم أفضل أهل زمانه. وعن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان أمر الخلافة إليّ لما عدلت عن القاسم، أي وذلك لأن سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بالخلافة وليزيد [1] من بعده. وجاءه رجل فقال: أنت أعلم أم سالم [2] ؟ فقال: ذاك مبارك سالم. قال ابن إسحاق: كره أن يقول: هو أعلم فيكذب، وأن يقول: أنا أعلم فيزكّي نفسه.

_ [1] يعني يزيد بن عبد الملك. [2] يعني سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب.

سنة ثمان ومائة

سنة ثمان ومائة فيها غزا أسد بن عبد الله القسريّ أمير خراسان، فالتقاه الغور [1] في جمع عظيم فهزمهم. وفيها زحف ابن خاقان إلى أذربيجان وحاصر مدينة ورثان [2] ونصب عليها المجانيق. فساق إليه المسلمون فهزموه، وقتلوا من جيشه خلقا. ولكن استشهد أميرهم الحارث بن عمرو. وفيها توفي أبو عبد الله بكر بن عبد الله المزنيّ البصريّ الفقيه. روى عن المغيرة بن شعبة، وجماعة. وقيل: توفي سنة ست.

_ [1] الغور: نسبة إلى غور، وهي ولاية واسعة باردة موحشة بين هراة وغزنة، وتقع اليوم في أراضي أفغانستان. انظر «معجم البلدان» (4/ 218) ، و «تاريخ خليفة» ص (338) . قلت: وقد تصحفت «الغور» إلى «الغوز» في «العبر» للذهبي (1/ 133) . وقال محققه الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في حاشية الصفحة: في ب «الغور» خطأ. قلت: والصواب ما جاء في النسخة ب لا ما أثبته في المتن!. [2] في الأصل، والمطبوع: «وريان» ، وفي «العبر» للذهبي: «ديان» وكلاهما خطأ. والتصحيح من «تاريخ خليفة» ص (338) ، و «معجم البلدان» (5/ 370) وفيه قال ياقوت: ورثان: بلد هو آخر أذربيجان، بينه وبين وادي الرّس فرسخان، وبين ورثان وبيلقان سبعة فراسخ ... وقال ابن الكلبي: ورثان هي أذربيجان. قلت: وأذربيجان هي اليوم في الشمال الغربي لإيران قرب بحر قزوين. وانظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (114) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.

وفيها، وقيل: سنة تسع، أبو نضرة العبدي، واسمه المنذر بن مالك، أحد شيوخ البصرة أدرك عليّا، وطلحة، والكبار. وفيها، يزيد بن عبد الله بن الشّخّير البصري، أخو مطرّف، جليل القدر، ثقة مشهور، لقي عمران بن حصين، وجماعة. وعاش نحوا من تسعين سنة. وقيل: بقي إلى سنة إحدى عشرة، وكان موصوفا بالعلم والصّلاح والورع. وفيها، وقيل: في سنة عشرة، محمد بن كعب القرظيّ الكوفيّ المولد والمنشأ، ثم المدنيّ. روى عن كبار الصّحابة. وبعضهم يقول: ولد في حياة النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وكان كبير القدر ثقة [1] . موصوفا بالعلم والصّلاح والوّرع. قاله الذّهبيّ [2] .

_ [1] لفظة «ثقة» لم ترد في «العبر» للذهبي، ولعل المؤلف رحمه الله أضافها من مصدر آخر. انظر على سبيل المثال: «تاريخ الإسلام» للذهبي (4/ 199) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 203) . [2] في «العبر» (1/ 134) .

سنة تسع ومائة

سنة تسع ومائة فيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام، فافتتح حصن القطاسين [1] . وفيها توفي أبو نجيح يسار المكيّ، مولى ثقيف، ووالد عبد الله بن أبي نجيح. روى عن أبي سعيد، وجماعة. قال أحمد بن حنبل: كان من خيار عباد الله. وأبو حرب بن أبي الأسود الدّؤليّ [2] البصريّ. روى عن عبد الله بن عمرو [3] ، وجماعة.

_ [1] كذا في الأصل، والمطبوع: «القطاسين» ، وفي «تاريخ خليفة بن خياط» ص (339) : «الغطاسين» ، وفي «تاريخ الطبري» (7/ 46) ، و «الكامل» لابن الأثير (5/ 145) أن هذا الحصن يقال له: «طيبة» . [2] ويقال: «الدّيلي» . انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1576) ، مصورة دار المأمون للتراث، و «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (632) بتحقيق الأستاذ محمد عوّامة. [3] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي: «روى عن عبد الله بن عمر» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (3/ 1597) مصورة دار المأمون للتراث.

سنة عشر ومائة

سنة عشر ومائة فيها افتتح معاوية ولد هشام قلعتين من أرض الرّوم. وفيها كانت وقعة الطّين، التقى مسلمة وطاغية الخزر بقرب باب الأبواب، فاقتتلوا أياما كثيرة، ثم كان النصر ولله الحمد والمنة، وذلك في جمادى الآخرة. وفيها كانت وقعة بالمغرب أسر فيها بطريق المشركين. وفيها توفي إبراهيم بن محمّد بن طلحة بن عبيد الله التيميّ، وكان يسمّى أسد قريش. روى عن عائشة، وجماعة، وولي خراج الكوفة لابن الزّبير. والحسن بن أبي الحسن [1] البصريّ، أبو سعيد، إمام أهل البصرة وخير أهل زمانه. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وسمع خطبة عثمان، وشهد يوم الدّار [2] أبوه مولى زيد بن ثابت، وأمّه مولاة أمّ سلمة، وكان ربما أعطته أمّ

_ [1] في المطبوع: «الحسن بن أبي حسن» . [2] وهو اليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به يوم الدين تحت لواء سيد المرسلين بفضله وكرمه إنه خير مسؤول. وانظر الروايات التي ذكرها الطبري حول حادثة قتله رضي الله عنه في «تاريخه» 4/ 365- 396) .

سلمة ثديها في صغره تعلّله به [1] حتّى تجيء أمه، فيدرّ عليه. فيروون أن علمه، وفصاحته، وورعه من بركة ذلك. وكان جميلا فصيحا. قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح من الحسن، والحجّاج. قيل: ولا أشعر من رؤبة، والعجّاج. وقال ابن سعد في «طبقاته» [2] : كان جامعا، عالما، رفيعا، فقيها، حجة [3] مأمونا، عابدا، ناسكا كثير العلم [4] فصيحا، جميلا، وسيما. انتهى. ولما ولي ابن هبيرة [5] العراق وخراسان نيابة عن يزيد بن عبد الملك، استدعى الحسن، وابن سيرين، والشّعبيّ، وذلك في سنة ثلاث ومائة، فقال لهم: إنّ الخليفة كتب إليّ بأمر فأقلده ما تقلد من ذلك الأمر. فقال ابن سيرين والشّعبيّ قولا فيه بعض تقيّة. فقال: ما تقول يا حسن؟ قال: يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد، ولا تخف يزيدا في الله، فإن الله يمنعك من يزيد، ولا يمنعك يزيد من الله، ويوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك [6] إلى ضيق قبرك، ثم لا ينجيك إلّا عملك. يا ابن هبيرة إياك أن تعصي الله [7] فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرا لدين الله تعالى وعباده، فلا تتركن [8] دين الله وعباده لهذا السلطان، فإنه «لا طاعة لمخلوق في معصيّة الخالق» [9] فأضعف جائزة الحسن عليهما. فقالا له:

_ [1] علّله بالشيء تعليلا: أي لهّاه به. انظر «مختار الصحاح» ص (451) . [2] (7/ 157) . [3] في «طبقات ابن سعد» : «فقيها ثقة» . [4] في «طبقات ابن سعد» : «كبير العلم» . [5] هو يزيد بن عمرو بن هبيرة الفزاري. انظر خبره في ص (148) من هذا المجلد. [6] في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 258) : «من سعة قصر» . [7] سقط لفظ الجلالة من «مرآة الجنان» فيستدرك فيه. [8] في «مرآة الجنان» : «فلا تركبن» . [9] ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (2/ 365- 366) وقال: رواه أحمد والحاكم عن

قشقشنا [له] فقشقش لنا، والقشقشة: الرّديء من العطية [1] . وكتب إليه عمر بن عبد العزيز يقول له: إني قد ابتليت بهذا الأمر، فانظروا لي أعوانا يعينونني [2] عليه. فكتب إليه الحسن: أما أبناء الدّنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك [3] فاستعن بالله والسلام. وله مع الحجّاج وقعات هائلة، وسلمه الله من شره، وربما حضر مجلسه فلم [4] يقم، بل يوسع له ويجلس إلى جنبه، ولا يغير كلامه الذي هو فيه. وقال أبو بكر الهذليّ: قال لي السّفّاح: بأي شيء بلغ حسنكم ما بلغ؟ فقلت: جمع القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ثم لم يخرج من سورة إلى غيرها حتّى يعرف تأويلها، وفيما أنزلت، ولم، يقلب درهما في تجارة، ولا ولي سلطانا، ولا أمر بشيء حتّى فعله، ولا نهى عن شيء حتّى ودعه، فقال بهذا بلغ الشيخ ما بلغ. وكان جلّ كلامه حكم ومواعظ، بقوة عبارة وفصاحة.

_ عمران بن حصين رضي الله عنه. ورواه أبو داود، والنسائي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» ورواه أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ «لا طاعة لمن لم يطع الله» وهو حديث صحيح. وانظر «صحيح مسلم» رقم (1840) (39) و (40) . [1] كذا في الأصل، والمطبوع: «قشقشنا فقشقش لنا، والقشقشة الرديء من العطية» ، ولم أر لهذا الكلام معنى في كتب اللغة. وفي «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 258) - وهو مصدر كلام المؤلف-: «سفسفنا له، فسفسف لنا. والسفساف: الرديء من العطية. قال ابن منظور في «لسان العرب» (سفف) : السفساف: الرّديء من كل شيء، والأمر الحقير، وكل عمل دون الإحكام سفساف. [2] في الأصل، والمطبوع: «يعينوني» وما أثبته من «مرآة الجنان» . [3] في المطبوع: «فلا يريدونه» وهو خطأ. [4] في الأصل: «فلا» وأثبت ما في المطبوع.

وقال ابن قتيبة في «المعارف» [1] : كان الحسن من أجمل أهل البصرة، حتّى سقط عن دابته، فحدث بأنفه ما حدث. وحدّثني عبد الرّحمن، عن الأصمعي، عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أعرض زندا من الحسن، وكان عرضه شبرا، وكان تكلم في شيء [2] من القدر ثم رجع عنه. وكان عطاء بن يسار قاصّا [3] ويرى القدر وكان لسانه يلحن [4] ، وكان يأتي الحسن هو ومعبد الجهني، فيسألانه، ويقولان: يا أبا سعيد، إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين، ويأخذون أموالهم، ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى. فقال: كذب أعداء الله. فتعلق عليه بمثل هذا وأشباهه. وكان يشبّه برؤبة بن العجّاج في فصاحة لهجته، وعربيته. ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما. وكان الحسن كاتب الرّبيع بن زياد الحارثي بخراسان. وقيل ليونس بن عبيد: أتعرف أحدا يعمل بعمل الحسن؟ فقال: والله ما أعرف [5] أحدا يقول بقوله، فكيف يعمل بعمله. ثم وصفه فقال: كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس

_ [1] ص (441) . [2] في الأصل: «بشيء» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «المعارف» . [3] في الأصل، والمطبوع: «قاضيا» وهو تحريف، والتصحيح من «المعارف» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وكأن لسانه سحر» وهو تحريف، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (441) . [5] في «المعارف» : «لا أعرف» .

فكأنه أسير [1] أمر بضرب عنقه، وإذا ذكرت النّار فكأنها لم تخلق إلّا له. انتهى ملخصا. وقال رجل قبل موته لابن سيرين: رأيت طائرا أخذ حصاة من المسجد، فقال: إن صدقت رؤياك مات الحسن، فمات بعد [2] ذلك. ولما شيّع النّاس جنازته لم تقم صلاة العصر في الجامع، ولم يكن ذلك منذ قام الإسلام، رحمه الله تعالى ورضي عنه. وفي شوال يوم الجمعة منها توفي شيخ البصرة، إمام المعبّرين محمد بن سيرين، أبو بكر، بعد موت الحسن بمائة يوم. قالوا: كان سيرين أبو محمّد عبدا لأنس بن مالك، فكاتبه على عشرين ألفا، وأدى المكاتبة، وكان من سبي ميسان [3] وكان المغيرة افتتحها. ويقال: من سبي عين التّمر، وكانت أمه صفيّة مولاة لأبي بكر الصّدّيق [- رضي الله عنه-] [4] طيّبها ثلاث من أزواج النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- ودعون لها، وحضر إملاكها [5] ثمانية عشر بدريّا، فيهم أبيّ بن كعب، يدعو، وهم يؤمّنون.

_ [1] لفظة «أسير» سقطت من «المعارف» في طبعتي د. ثروة عكاشة، والصّاوي، فتستدرك فيهما. [2] في المطبوع: «بعيد» . [3] في الأصل، والمطبوع: «بيسان» وهو خطأ، والتصحيح «المعارف» لابن قتيبة ص (442) - وهو المصدر الذي ينقل عنه المؤلف- ومن «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/ 181) . قال ياقوت: ميسان: اسم كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط، قصبتها ميسان «معجم البلدان» (5/ 242) . قلت: وتقع ميسان الآن في الجنوب الشرقي للعراق. [4] زيادة من «المعارف» لابن قتيبة، و «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل، والمطبوع: «ملاكها» ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان.

وكان سيرين يكنى: أبا عمرة. وولد له ثلاث وعشرون ولدا، من أمهات أولاد شتى. وكان محمّد بزّازا [1] وحبس بدين [كان] [2] عليه، وكان أصمّ، وولد له ثلاثون ولدا من امرأة واحدة، كان تزوجها عربية، ولم يبق منهم غير عبد الله بن محمّد، وولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، قال ذلك أنس بن سيرين، قال: وولدت أنا لسنة بقيت من خلافته. ومات محمد عن سبع وسبعين سنة، وقضى عنه ابنه عبد الله ثلاثين ألف درهم. وكان محمد بن سيرين كاتب أنس بن مالك بفارس. قال الأصمعيّ: كان [3] الحسن سيدا سمحا، وإذا حدثك الأصمّ- يعني ابن سيرين- فاشدد يديك به. وقتادة حاطب ليل. وكان ابن سيرين إذا دخل منزلا لم يره أحد إلّا ذكر اسم الله لصلاحه، وكان يقول: ما أهون الورع، فقيل: وكيف هو هيّن؟ فقال: إذا رابك شيء فدعه. وقال: رأيت يوسف النّبيّ- على نبينا وعليه الصلاة والسلام- في النوم، فقلت له: علّمني تعبير الرّؤيا. قال: افتح فاك، ففتحته، فتفل فيه، فأصبحت، فإذا أنا أعبر الرّؤيا.

_ قال في «مختار الصحاح» ص (633) : الإملاك: التّزويج، وقد أملكنا فلانا فلانة أي زوجناه إيّاها. [1] قال ابن منظور: البّزّاز: بائع البزّ- وهي الثياب- وحرفته البزازة. «لسان العرب» (بزز) . [2] لفظة «كان» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المعارف لابن قتيبة، و «وفيات الأعيان» (4/ 182) . [3] لفظة «كان» لم ترد في «المعارف» لابن قتيبة في طبعتي د. ثروة عكاشة، والصّاوي.

قال ابن قتيبة: وكان ابن سيرين غاية في العلم، نهاية في العبادة، روى عن كثير من الصحابة، وروى عنه الجمّ الغفير من التابعين، وأريد على القضاء فهرب إلى الشّام، ثم أتى المدينة [1] . قال ابن عون: لم أر مثله. وقال هشام بن حسّان [2] : حدثني أصدق من رأيت من البشر محمد بن سيرين. وقال ابن عون: لم أر مثل ابن سيرين. وله في التعبير عجائب. قال له رجل: رأيت على ساق رجل شعرا كثيرا، فقال: يركبه دين ويموت في السّجن، فقال الرجل: أنت هو، فاسترجع، ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم، قضاها عنه ولده أو بعض إخوانه، وقوّم ماله بستمائة ألف درهم. وقالت له امرأة: رأيت كأن القمر دخل في الثّريا، فنادى مناد من خلفي قضي على ابن سيرين، فاصفرّ لونه، وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت له عمته: مالك؟ قال: زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام، فدفن في اليوم السابع. وقال له رجل: رأيت طائرا سمينا ما أعرفه، تدلّى من السماء فوقع على شجرة، وجعل يلتقط الزّهر، ثم طار، فتغيّر وجه ابن سيرين، وقال: هذا موت العلماء.

_ [1] في «العبر» (1/ 135) : «ففرّ إلى الشام، وإلى اليمامة» . [2] في «العبر» : «هشام بن حبان» وهو خطأ، فيصحّ فيه.

وفيها توفيت فاطمة بنت الحسين الشهيد- رضي الله عنه- التي أصدقها الدّيباج عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان ألف ألف درهم [1] ، وتزوج أختها سكينة مصعب بن الزّبير، هي وعائشة بنت طلحة. وفيها مات مسلم البطين [2] صاحب سعيد بن جبير بالكوفة. [وسليم بن عامر الكلاعي الحمصي. قال الذّهبي في «العبر» : وقد أدرك النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وروى عن أبي الدرداء ونحوه] [3] . انتهى. وفيها عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أخو الفقيه عبيد الله، إمام، زاهد، قانت، واعظ، كثير العلم، لقي ابن عبّاس، والكبار. وفيها توفي الشاعران المشهوران، شاعرا العصر، جرير [4] والفرزدق. قال ابن خلّكان [5] : أجمعوا على أنه ليس في شعراء الإسلام مثلهما والأخطل.

_ [1] في «مرآة الجنان» لليافعي: «مائة ألف درهم» . [2] هو مسلم بن عمران، ويقال: ابن أبي عمران الكوفي، أبو عبد الله، الملقب بالبطين، ثقة. انظر «تهذيب التهذيب» (10/ 134) ، و «تقريب التهذيب» (2/ 246) . [3] ما بين حاصرتين لم يرد في «العبر» المطبوع بتحقيق الدكتور صلاح الدّين المنجد. [4] هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي التميميّ البصريّ، أشعر أهل عصره، ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم- وكان هجاء مرا- فلم يثبت أمامه غير الفرزدق، والأخطل، وكان عنيفا، وهو من أغزل الناس شعرا، وقد جمعت «نقائضه مع الفرزدق» وطبعت في ثلاثة أجزاء، وأخباره مع الشعراء وغيرهم كثيرة جدا، وكان يكنى بأبي حزرة. انظر «سير أعلام النبلاء» (4/ 590- 591) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 119) . [5] «وفيات الأعيان» (1/ 321) ونص العبارة فيه: «وأجمعت العلماء على أنّه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير، والفرزدق، والأخطل» ، وقد ساق الذهبي هذا الخبر في «سير أعلام النبلاء» (4/ 591) ونسبه لبشار الأعمى.

وكان بينهما مهاجاة وتفاخر، وفضّل جرير ببيوته الأربعة: الفخر، والمدح، والهجاء، والتشبيب، فالفخر قوله في قومه [1] : إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت النّاس كلّهم غضابا [2] والمدح قوله: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح [3] والهجاء قوله: فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا [4] والتشبيب قوله: يصرعنّ ذا اللّبّ حتّى لا حراك به [5] ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا [6] وقال اليافعيّ [7] : وقد رجّح كثير من المتأخرين أو أكثرهم [8] ثلاثة متأخرين: أبا تمّام، والبحتري، والمتنبّي، واختلفوا في ترجيح أيهم، ورجّح [9] الفقيه حسين المؤرخ [10] قول شمس الدّين بن خلّكان [11] ، وذلك

_ [1] في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/ 321) : «قوله في قوله» . [2] البيت في شرح «ديوانه» للصاوي ص (78) ط دار الأندلس ببيروت. [3] البيت في شرح «ديوانه» للصاوي ص (98) . [4] البيت في شرح «ديوانه» للصاوي ص (75) . [5] في شرح «ديوانه» للصاوي: «حتى لا صراع به» . [6] البيت في شرح «ديوانه» للصاوي ص (595) . [7] في «مرآة الجنان» (1/ 262) ، والمؤلف ينقل كلامه باختصار وتصرف. [8] في «مرآة الجنان» : «بل أكثرهم» . [9] في الأصل: «ومرجح» وأثبت ما في المطبوع. [10] لم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المراجع. [11] في الأصل، والمطبوع: «شرف الدين بن خلكان» ، والتصحيح من كتب الرجال التي بين يدي، وانظر كلام ابن خلكان في «وفيات الأعيان (1/ 121) .

لأن الأولين سبقوا إلى ابتكار المعاني الجزيلة بالألفاظ البليغة، وأحسن حالات المتأخرين أن يفهموا أغراضهم وينسجوا على منوالهم، وتبقى لهم فضيلة السبق. ويقال لجرير: ابن الخطفاء، ولعلها أمه، وأما أبوه فعطيّة، وهو تميميّ، ومن أحسن قوله قصيدته في عبد الملك التي أولها: أتصحو أم فؤادك غير صاح ... عشيّة همّ صحبك بالرّواح [1] يقال: إنه لما أنشد عبد الملك هذا المطلع، قال له: بل فؤادك يا ابن الفاعلة، وعده بعضهم من الورطات في حسن الابتداء. ومن القصيدة المذكورة: سأشكر إن رددت عليّ ريشي ... وأنبتّ القوادم من جناحي ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح [2] وقال عبد الملك: من مدحنا فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت، ووهبه مائة ناقة، فسأله الرعاء، فوهبه ثمانية أعبد، ورأى صحاف ذهب بين يديه، فقال: يا أمير المؤمنين والمحلب [3] وأشار إليها، فنحاها إليه بالقضيب، وقال: خذها لا نفعتك. وكان عمر بن عبد العزيز لا يأذن لأحد من الشعراء غيره. ولما مات الفرزدق بكى جرير وقال: إني لأعلم أني قليل البقاء بعده،

_ [1] البيت في شرح «ديوانه» للصاوي ص (96) . وروايته فيه: «أتصحو بل فؤادك غير صاح ... » . [2] البيتان في شرح «ديوانه» للصاوي ص (78) . [3] المحلب: الإناء. انظر «مختار الصحاح» ص (149) .

ولقد كان نجمنا واحدا، وكلّ منا مشغول، بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلّا ويتبعه صاحبه، وبقي حزينا. وقال: أطفأ موت الفرزدق جمرتي، وأسال عبرتي، وقرب منيّتي، فعاش بعده أربعين يوما، وقيل: ثمانين، وقد قارب المائة. وأما الفرزدق فهو أبو فراس [1] همّام بن غالب التميميّ المجاشعيّ من سراة قومه، وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس، تبارى أبوه غالب هو وسحيم بن وثيل الرّياحي، نحر مائة ناقة ثنتين ثنتين، ثم ثلاثا ثلاثا، وفي اليوم الرابع نحر غالب مائة، ولم يكن عند سحيم هذا القدر، فعجز، ولما انتهت، وانقضت المجاعة، وزال الضّر، قال بنو رياح لسحيم: جررت علينا عار الدّهر! لو نحرت مثله أعطيناك مكان كل ناقة ناقتين، فنحر ثلاثمائة، وقال للناس: شأنكم والأكل، فنهى عليّ- كرم الله وجهه- عن أكلها، فألقيت على كناسة [2] الكوفة، وفي ذلك يقول جرير في هجو الفرزدق: تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى هلّا الكميّ المقنّعا [3] يقول: هلا افتخرتم بالشجاعة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 265) : «أبو الأخطل» وهو خطأ، وفي باقي المصادر التي بين يدي: «أبو فراس» وهو ما أثبته. انظر «وفيات الأعيان» (6/ 86) ، و «سير أعلام النبلاء» (4/ 590) ، و «الفرزدق» دراسة للأستاذ الدكتور شاكر الفحام- حفظه الله- ص (116) ط دار الفكر بدمشق، وكلام المؤلف رحمه الله عن الحوار بين الشامي والفرزدق في الصفحة التالية. [2] في الأصل: «نحاسة» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 265) الذي ينقل عنه المؤلف. والكناسة: القمامة. انظر «مختار الصحاح» ص (581) . [3] حصل بعض التحريف في البيت في الأصل، والمطبوع، وقد أثبت ما جاء في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 266) ، وهو موافق للفظ البيت في «شرح ديوان جرير» ص (338) .

وهدم الوليد بن عبد الملك بيعة النصارى، فكتب إليه الأخرم ملك الرّوم: إن من قبلك أقرّها، فإن أصابوا فقد أخطأت، وإن أصبت فقد أخطئوا، فقال له الفرزدق: اكتب إليه وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ في الْحَرْثِ 21: 78 إلى قوله تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً 21: 79 [الأنبياء: 79- 78] . واجتمع الحسن البصريّ والفرزدق في جنازة نوّار [1] امرأة الفرزدق، فقال له الفرزدق: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد، يقولون: اجتمع خير النّاس وشر الناس، فقال الحسن: لست بخيرهم، ولست بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلّا الله منذ ستين سنة، فقال الحسن: نعم والله العدّة. وعن أبي عمرو بن العلاء قال: شهدت الفرزدق وهو يجود بنفسه، فما رأيت أحسن ثقة بالله منه، وترجى له الزلفى والفائدة وعظيم العائدة بحميته في أهل بيت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ومدحه لزين العابدين علي بن الحسين، وإعرابه عن الرّغبة والرّهبة، وذلك أن زين العابدين لما أراد استلام الحجر في زحمة النّاس انفرجوا عنه هيبة ومحبة، ولم تنفرج لهشام بن عبد الملك، فقال شاميّ: من هذا؟ فقال هشام: لا أعرفه، خاف أن ترغب عنه أهل الشّام، فقال الفرزدق: أنا أعرفه، فقال الشّاميّ: من هو يا أبا فراس؟ فقال: هذا سليل حسين وابن فاطمة ... بنت الرّسول [من] انجابت به الظلم [2] هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم

_ [1] هي النّوار بنت أعين، وقيل: بنت عبد الله المجاشعيّة. انظر «أعلام النساء» لكحالة (5/ 193- 195) طبع مؤسسة الرسالة. [2] لم يرد لهذا البيت ذكر في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 266) مصدر المؤلف، ولا في «ديوان الفرزدق» المطبوع بعناية الصّاوي.

إذا رأته قريش قال قائلها [1] ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلم يسمو إلى ذروة العزّ التي عجزت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم [2] بكفّه خيزران ريحه عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم يبين نور الضّحى من بدر غرّته ... كالشّمس ينجاب من إشراقها القتم [3] مشتقّة من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشّيم الله شرّفه قدرا وعظّمه ... جرى بذاك له في لوحه القلم هو ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم كلتا يديه غياث عمّ نفعهما ... تستوكفان ولا يعروهما عدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... يزينه اثنان حسن الخلق والشّيم حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا ... حلو الشّمائل تحلو عنده النعم لا يخلف الوعد ميمون نقيبته ... رحب الفناء أريب حين يعتزم عمّ البريّة بالإحسان فانقشعت ... عنه الغياية [4] والإملاق والعدم من معشر حبّهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «قائلهم» ، والتصحيح من «ديوان الفرزدق» ، و «مرآة الجنان» . [2] رواية البيت في «ديوان الفرزدق» (2/ 848) : يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم عليه حين يستلم ورواية البيت في كتابنا موافقة لروايته عند اليافعي في «مرآة الجنان» . [3] رواية البيت في المطبوع: يبين نور الضّحى من فوق غرّته ... كالشّمس ينجاب من إشراقها القتم ورواية البيت في الأصل موافقة لروايته عند اليافعي في «مرآة الجنان» . [4] قال ابن منظور: الغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه. «لسان العرب» (غيا) .

إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم لا يقبض العدم بسطا من أكفّهم ... سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا [1] مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم ... في كلّ برّ ومختوم به الكلم يأبى لهم أن يحلّ الذّمّ ساحتهم ... خيم كرام وأيد بالندى ديم من يعرف الله يعرف أوّليّة ذا ... والدّين من بيت هذا ناله الأمم ما قال لا قطّ إلّا في تشهّده ... لولا التّشهّد كانت لاءه نعم [2] فلما سمع هشام ذلك أنف، وحبس عطاء الفرزدق أو حبسه هو، فأنفذ له زين العابدين اثني عشر ألف درهم، فردها، وقال: مدحته لله لا للعطاء، فقال زين العابدين: إنّا أهل بيت [3] إذا وهبنا شيئا لا نستعيده، فقبلها الفرزدق. وهذه القصيدة الموعود بها في ترجمة زين العابدين- رضي الله عنه-[4] . قال في «العبر» [5] : وفي حدود [سنة] عشر ومائة، مات محمد بن عمرو ابن عطاء العامريّ المدنيّ أحد الأشراف، وكانوا يتحدثون أنه يصلح للخلافة لهمته وسؤدده. انتهى.

_ [1] هذا البيت لم يرد عند اليافعي في «مرآة الجنان» وفي بعض المصادر: «لا ينقص العسر» . [2] الأبيات في «غربان الزمان» للعامري ص (106- 107) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 266- 267) ، والأبيات الثاني، والثالث، والسادس في «ديوان الفرزدق» (2/ 848- 849) بشرح الصّاوي. والقصيدة كاملة في «شرح ديوان الفرزدق» للمستشرق جيمس د. سايمز ص (205- 207) . [3] المطبوع، و «مرآة الجنان» : «إنا أهل البيت» . [4] انظر المجلد الأول ص (374- 376) . [5] لم يرد هذا النقل في «العبر» المطبوع بتحقيق الدكتور صلاح الدّين المنجد في الكويت.

سنة إحدى عشرة ومائة

سنة إحدى عشرة ومائة فيها عزل مسلمة عن أذربيجان، وأعيد الجرّاح الحكميّ، فافتتح مدينة البيضاء [1] التي للخزر، فجمع ابن خاقان جمعا عظيما، وساق، فنازل أردبيل. وفيها توفي عطيّة بن سعد العوفي الكوفيّ. روى عن أبي هريرة، وطائفة. ضربه الحجّاج أربعمائة سوط على أن يشتم عليا [رضي الله عنه] ، فلم يفعل، وهو ضعيف الحديث، قاله الذّهبيّ [2] . وفيها القاسم بن مخيمرة الهمدانيّ الكوفيّ، نزيل الشّام. روى عن أبي سعيد، وعلقمة، وكان عالما، نبيلا، زاهدا، رفيعا.

_ [1] البيضاء مدينة مشهورة بفارس ... وكان اسمها في أيام الفرس درإسفيد، فعرّبت بالمعنى، وقيل: كان اسمها نسايك. وسميت البيضاء لأن قلعتها بيضاء يرى بياضها من بعيد، وهي بالكبر تضاهي إصطخر، وكانت معسكرا للمسلمين يقصدونها في فتح إصطخر، وبناؤهم من طين، وينسب إليها جماعة من أهل العلم والفضل. انظر «معجم البلدان» (1/ 529) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (120- 121) . [2] في «العبر» (1/ 137) . وانظر «المغني في الضعفاء» للذهبي أيضا (2/ 436) بتحقيق الدكتور نور الدين عتر، ط دار المعارف بحلب.

سنة اثنتي عشرة ومائة

سنة اثنتي عشرة ومائة فيها سار مسلمة في شدّة البرد والثّلج حتّى جاوز الباب من بلاد التّرك، وافتتح مدائن وحصونا. وافتتح معاوية بن هشام خرشنة من ناحية ملطية [1] . وفيها زحف الجرّاح الحكميّ من برذعة [2] إلى ابن خاقان [3] وهو محاصر أردبيل [4] ، فالتقى الجمعان، فاشتد وكسر المسلمون، وقتل الجرّاح الحكميّ- رحمه الله- وغلبت الخزر- لعنهم الله- على أذربيجان، وبلغت خيولهم إلى الموصل، وكان بأسا شديدا على الإسلام. قال الواقديّ: وكان بأسا شديد البلاء عظيما [5] على المسلمين بمقتل

_ [1] خرشنة وملطية كانتا من بلاد الرّوم، وهما الآن في الجنوب الشرقي لتركيا. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 359) و (5/ 192) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (218) و (545) . [2] برذعة: تقع الآن في الشمال الغربي من إيران على مقربة من بحر قزوين. انظر «معجم البلدان» (1/ 379) ، و «المختار من أحسن التقاسيم» للمقدسي ص (255) إعداد الأستاذ غازي طليمات. [3] هو مارتيك بن خاقان. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (338) . [4] أردبيل: تقع الآن في الشمال الغربي لإيران. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 145) ، و «المختار من أحسن التقاسيم» ص (256) . [5] قوله: «بأسا شديد» لم يرد في المطبوع.

الجرّاح، وبكوا عليه. روى أبو مسهر [1] عن رجل، أن الجرّاح قال: تركت الذنوب أربعين سنة، ثم أدركني الورع، وكان من قراء أهل الشام. وقال غيره: ولي خراج خراسان لعمر بن عبد العزيز، وكان إذا مرّ بجامع دمشق يميل رأسه عن القناديل لطوله. وفيها غزا الأشرس السّلميّ فرغانة، فأحاطت به التّرك. وفيها أخذت الخزر أردبيل بالسيف، فبعث هشام إلى أذربيجان سعيد بن عمرو الجرشي، فالتقى الخزر، فهزمهم واستنقذ سبيا كثيرا وغنائم، ولطف الله تعالى. وفيها [توفي] [2] أبو المقدام رجاء بن حيوة [3] الكنديّ الشاميّ الفقيه، روى عن معاوية وطبقته، وكان شريفا نبيلا كامل السؤدد. قال مطر الورّاق: ما رأيت شاميا أفقه منه. وقال مكحول: هو سيّد أهل الشّام في أنفسهم. وقال مسلمة الأمير في كندة: رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسيّ، وعديّ بن عديّ، إن الله لينزل بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء. بلغ يوما عبد الملك قول من بعض النّاس، فهمّ أن يعاقب صاحبه، فقال له رجاء: يا أمير المؤمنين، قد فعل الله بك ما تحب حيث أمكنك منه، فافعل ما يحبه الله من العفو، فعفا عنه وأحسن إليه.

_ [1] هو عبد الأعلى بن مسهر، عالم الشام في عصره، مات سنة (218) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. [2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 138) . [3] في الأصل: «حياة» وهو خطأ.

وفيها القاسم بن عبد الرّحمن الدمشقيّ الفقيه الفاضل، أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار. وطلحة بن مصرّف الياميّ [1] الهمدانيّ الكوفيّ، كان يسمى سيّد القراء. قال أبو معشر: ما ترك بعده مثله، ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها، ذهب ليقرأ على الأعمش رفيقه، لينزل رتبته في أعينهم، ويأبى الله إلّا رفعته. سمع عبد الله بن أبي أوفى، وصغار الصّحابة، ومات كهلا، ورحمه الله تعالى.

_ [1] نسبة إلى يام بن أصبى بن رافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان، بطن من همدان، ينسب إليه كثير من أهل العلم. انظر «اللباب» لابن الأثير (3/ 406) .

سنة ثلاث عشرة ومائة

سنة ثلاث عشرة ومائة فيها التقى المسلمون والتّرك بظاهر سمرقند، فاستشهد الأمير الخطير سورة بن أبحر [1] الدّارميّ عامل سمرقند وعامة أصحابه. ثم التقاهم الجنيد المريّ فهزمهم. وفيها أعيد مسلمة إلى ولاية أذربيجان وإرمينية، فالتقى خاقان، فاقتتلوا قتالا عظيما وتحاجروا، ثم التقوا بعدها فانهزم خاقان. وفيها غزا المسلمون وهم ثمانية آلاف، وعليهم مالك بن شبيب الباهليّ، فوغل بهم في أرض الرّوم، فحشدوا لهم والتقوا، فانكسر المسلمون وقتل أميرهم مالك بن شبيب، وقتل معه جماعة كثيرة، منهم عبد الوهّاب بن بخت مولى بني مروان، وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام. روى عن ابن عمر، وأنس، ووثقه أبو زرعة، وكان معه في القتلى أبو يحيى عبد الله الأنطاكي أحد الشجعان الذين يضرب بهم المثل، وله مواقف مشهودة، وكان طليعة جيش مسلمة، وله أخبار في الجملة، لكن كذبوا عليه، وحمّلوه من الخرافات والكذب ما لا يحدّ ولا يوصف. وفيها توفي فقيه الشّام أبو عبد الله مكحول مولى بني هذيل، أرسل عن

_ [1] ويقال له: سورة بن الحر أيضا.

طائفة من الصّحابة، وسمع من واثلة بن الأسقع، وأنس، وأبي أمامة الباهلي وخلق. قال ابن إسحاق: سمعته يقول: طفت الأرض في طلب العلم. وقال أبو حاتم [1] : ما أعلم [بالشّام] [2] أفقه من مكحول. ولم يكن في زمنه أبصر بالفتيا منه، ولا يفتي حتّى يقول: لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، ويقول: هذا رأيي والرّأي يخطئ ويصيب. وقال سعيد بن عبد العزيز: أعطوا مكحولا مرّة عشرة آلاف دينار، فكان يعطي الرّجل خمسين دينارا. وقال الزّهريّ: العلماء ثلاثة، فذكر منهم مكحولا. وقال ابن قتيبة [3] : قال الواقديّ: هو من كابل [4] ، مولى لامرأة من هذيل. وقال ابن عائشة: كان مكحول مولى لامرأة من قيس، وكان سنديّا لا يفصح. قال نوح بن سفيان: سأله بعض الأمراء عن القدر فقال: أساهر أنا؟ [- يريد: ساحرا-] [5] ؟ وكان يقول بالقدر. انتهى كلام ابن قتيبة. وقال ابن ناصر الدّين في «شرح بديعية البيان» [6] : هو ابن أبي مسلم

_ [1] في «الجرح التعديل» (8/ 407) . [2] زيادة من «الجرح والتعديل» . [3] في «المعارف» ص (453) . [4] وهي عاصمة أفغانستان المعاصرة سلمها الله. [5] زيادة من «المعارف» لابن قتيبة. [6] لعل الصواب «بديعة البيان عن موت الأقران» كما في «لحظ الألحان بذيل طبقات الحفاظ» لابن فهد ص (284) و (321) وكما ستذكر في مواطن أخرى من الكتاب.

ابن شاذل بن سفد بن شروان الكابليّ الهذليّ مولاهم، الدّمشقي، أبو عبد الله. وقيل: كنيته أبو أيوب، كان فقيه أهل دمشق، وأحد أوعية العلم والآثار. روى عن أبي أمامة، وواثلة، وأنس، وخلق من الأخيار. وروى تدليسا عن أبيّ، وعبادة بن الصّامت، وعائشة، والكبار. قال سعيد بن عبد العزيز: كان مكحول أفقه من الزّهريّ، وكان بريئا من القدر. انتهى كلام ابن ناصر الدّين. وقال الذّهبيّ في «المغني» [1] : وثقه جماعة. وقال ابن سعد: ضعفه جماعة [2] . انتهى. وفيها توفي معاوية بن قرّة المزنيّ [3] البصريّ عن ثمانين سنة، وكان يقول: لقيت ثلاثين صحابيا [4] . ويوسف بن ماهك المكيّ. روى عن عائشة وجماعة، وقد لقيه ابن جريج وغيره.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (2/ 675) . [2] انظر «طبقات ابن سعد» (7/ 454) وقد ساق الذهبي رحمه الله كلام ابن سعد فيه بالمعنى، ولم ينقل المؤلف ابن العماد كلام ابن سعد من «الطبقات» وإنما عول في النقل على «المغني» للذهبي. [3] تحرفت في «العبر» للذهبي (1/ 141) إلى «المدني» فتصحح فيه. [4] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/ 154) : روى أبو طلحة شدّاد بن سعيد الراسبي، عن معاوية- يعني ابن قرّة- قال: أدركت ثلاثين من الصحابة، ليس فيهم إلّا من طعن أو طعن، أو ضرب أو ضرب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

سنة أربع عشرة ومائة

سنة أربع عشرة ومائة فيها عزل مسلمة عن أذربيجان، والجزيرة [1] ووليها مروان الحمار [2] فسار مروان حتّى جاوز نهر الزمّ [3] فأغار وقتل وسبى خلقا من الصقالبة. وفي رمضان على الأصح، وقيل: في سنة خمس عشرة [4] توفي فقيه الحجاز أبو محمّد عطاء بن أبي رباح أسلم، من مولدي الجند [5] وأمه سوداء تسمى بركة، وكان صبيا نشأ بمكّة وتعلم الكتاب بها، وهو مولى لبني فهر، وكان على ما قال ابن قتيبة [6] أسود [أعور] [7] أفطس، أشل، أعرج، ثم عمي بعد ذلك، ومات وله ثمان وثمانون سنة.

_ [1] يعني جزيرة أقور التي بين دجلة والفرات. [2] هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، المعروف ب الجعدي وبالحمار، آخر ملوك بني أمية في الشام. انظر خبره في ص (79) من هذا المجلد و «الأعلام» للزركلي (7/ 208) . [3] في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (345) : «نهر الرمّ» وهو تصحيف، وفي «العبر» للذهبي (1/ 141) : «نهر الرّوم» وهو تحريف، والزمّ: بليدة على طريق جيحون من ترمذ وآمل، نسب إليها نفر من أهل العلم. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 151) . [4] وهو قول ابن قتيبة في «المعارف» ص (444) . [5] بلدة تقع الآن في الجنوب الغربي للاتحاد السوفيتي، وأهلها مسلمون يتبعون مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله، خرج منها فيما مضى عدد كبير من العلماء انظر «معجم البلدان» الياقوت (2/ 168) ، و «الأنساب» (3/ 319- 320) . [6] في «المعارف» ص (444) . [7] لفظة «أعور» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المعارف» لابن قتيبة.

وقال في «العبر» [1] : كان من مولّدي الجند، أسود مفلفل الشعر. سمع عائشة، وأبا هريرة، وابن عبّاس. قال أبو حنيفة: ما رأيت أفضل منه. وقال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة. وكان من أحسن النّاس صلاة. وقال الأوزاعي: مات عطاء يوم مات وهو [2] أرضى أهل الأرض عند النّاس. وقال إسماعيل بن أميّة: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا تكلّم يخيل إلينا أنه يؤيّد. وقال غيره: كان لا يفتر عن [3] الذكر. انتهى كلامه في «العبر» . انفرد بالفتوى بمكّة هو ومجاهد، وكان بنو أميّة يصيحون بالموسم [4] لا يفتي أحد غيره، وما روي عنه أنه كان يرى إباحة وطء الإماء بإذن أهلهن، وكان يبعث بهن إلى أضيافه، فقد قال القاضي شرف الدّين بن خلّكان [5] : اعتقادي أن هذا لا يصح عنه، فإنه لو رأى الحلّ، فإن الغيرة والمروءة تمنعه عن ذلك. قال اليافعيّ [6] : ينبغي أن يحمل [7] بعثهن لسماع القول منهن نحو ما نقل عن بعض المشايخ الصوفية أنه كان يأمر جواريه يسمعن أصحابه، وفيه

_ [1] (1/ 141- 142) . [2] في الأصل، والمطبوع: «وكان» وأثبت ما جاء في «العبر» للذهبي (1/ 142) . [3] في الأصل، والمطبوع: «من» وأثبت ما جاء في «العبر» للذهبي. [4] في المطبوع: «في الموسم» . [5] في «وفيات الأعيان» (3/ 262) والمؤلف ينقل كلامه بالمعنى. [6] في «مرآة الجنان» (1/ 271) ، ط مؤسسة الرسالة، والمؤلف ينقل كلامه بالمعنى. [7] تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «أن يحل» فتصحح فيه.

أيضا ما فيه، فإن صحّ فيحمل على ما إذا لم تحصل فتنة بحضورهن وسماعهن، إذا قلنا: إن صوت المرأة ليس بعورة، والله أعلم. وفيها، وقيل: سنة ثمان أو تسع عشرة، توفي أبو محمّد علي بن عبد الله بن عبّاس جدّ السّفّاح، والمنصور، وكان سيدا شريفا، أصغر أولاد أبيه، وأجمل قرشيّ على وجه الأرض وأوسمه، وأكثره صلاة، ولذلك دعي بالسّجّاد، وكان له خمسمائة أصل زيتون يصلي تحت كلّ ركعتين فالمجموع ألف ركعة. روي أن عليّا جاء ابن عبّاس يهنّئه به يوم ولد وقال له: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ما سميته؟ قال: أو يجوز أن أسميه حتّى تسميه، ثم حنّكه ودعا له وقال: خدّامك الخلائق والأملاك، سمّيته عليا، وكنيته أبا الحسن. وقيل: إنه ولد يوم قتل عليّ، وهذا يناقض ما تقدم. ولما كان زمن معاوية [1] قال: ليس لك اسمه وكنيته، قد كنيته أبا محمّد فجرت عليه، وضربه الوليد بن عبد الملك مرتين، مرّة في تزوجه لمطلقة عبد الملك لبابة بنت عبد الله بن جعفر، وسبب طلاق عبد الملك لها، أنه عضّ على تفاحة، وكان الخديم رمى بها إليها فاستقذرتها. والثانية في قوله: إن الأمر سيكون في ولدي، فطافوا به على بعير في أسوأ حال، وهو يقول: والله ليكونن فيهم. ودخل على هشام بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخليفتان السّفّاح، والمنصور، فأوسع له على سريره وبرّه بثلاثين ألف دينار، وأوصاه عليّ بابني ابنه حين انفصل. وكان إذا قدم مكّة اشتغلت به قريش وأهل مكّة إجلالا له، وكان طوالا

_ [1] في «تاريخ الإسلام» (4/ 283) و «سير أعلام النبلاء» (5/ 284) : «في زمن عبد الملك بن مروان» .

جميلا، قيل: كان طوله إلى منكب أبيه عبد الله، وعبد الله إلى منكب أبيه العبّاس، والعبّاس إلى منكب أبيه عبد المطّلب. ونفاه الوليد إلى الحميمة بليدة بالبلقاء [1] فولد له بها نيّف وعشرون ولدا ذكرا، ولم يزل ولده بها إلى أن زالت دولة بني أميّة، وتوفي عن ثمانين سنة بأرض البلقاء، رحمه الله تعالى. وفيها توفي السيد أبو جعفر محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ولد سنة ست وخمسين من الهجرة، وروى عن أبي سعيد الخدري، وجابر، وعدّة. وكان من فقهاء المدينة. وقيل له الباقر لأنه بقر العلم، أي شقّه، وعرف أصله وخفيّه وتوسّع فيه. وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية [2] . قال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علما عنده. وله كلام نافع في الحكم والمواعظ، [منه] [3] : أهل التقوى أيسر أهل الدّنيا مؤونة وأكثرهم معونة، إن نسيت ذكّروك، وإن ذكرت أعانوك، قوّالين بحق الله، قوّامين بأمر الله. ومنه: انزل الدّنيا كمنزل نزلته وارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك

_ [1] قلت: قال ياقوت: الحميمة بلفظ التصغير الحمّة ... بلد من أرض الشراة من أعمال عمّان في أطراف الشام. «معجم البلدان» (2/ 307) ، وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 469) . [2] انظر الكلام عن هذه الفرقة في «الفرق بين الفرق» ص (53) ، و «مقالات الإسلاميين» (1/ 98) ، و «الملل والنحل» (1/ 162) . [3] لفظة «منه» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

فاستيقظت وليس معك منه شيء. مات- رضي الله عنه- عن ست وخمسين سنة، ودفن بالبقيع مع أبيه وعمّ أبيه الحسن، والعبّاس، رضي الله عنهم. وفيها، وقيل: في سنة سبع عشرة، علي بن رباح اللّخميّ المصريّ وهو في عشر المائة، حمل عن عدة من الصحابة، وولي غزو إفريقية لعبد العزيز بن مروان، فكان من علماء زمانه. وفيها توفي أبو عبد الله وهب بن منبّه الصنعانيّ، من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن. قال: قرأت من كتب الله اثنين وتسعين كتابا. مات بصنعاء. روى عن ابن عبّاس. قيل: وأبي هريرة، وغيره من الصّحابة، وولي القضاء لعمر بن عبد العزيز، وكان شديد الاعتناء بكتب الأولين وأخبار الأمم وقصصهم، بحيث كان يشبّه بكعب الأحبار في زمانه. وله مصنف في ذكر ملوك حمير مفيد [1] ، وله إخوة أجلّهم همّام. روى عن الصّحابة، وهو أكبر من وهب، وهم من أبناء الفرس الذين سيّرهم كسرى أنو شروان كما تقدم آنفا، وكان سيّرهم مع أبي مرّة سيف بن ذي يزن الحميري، وكانوا ثمانمائة، مقدمهم وهرز، غرق منهم في البحر مائتان وسلم ستمائة، قاله ابن إسحاق [2] . وقال ابن قتيبة [3] : كانوا سبعة آلاف وخمسمائة. ورجحه أبو القاسم

_ [1] في المطبوع: «صغير» . [2] انظر «السيرة النبوية» بتهذيب ابن هشام (1/ 63- 64) . [3] في «المعارف» ص (638) .

السّهيليّ [1] ، إذ يبعد مقاومة الحبشة لستمائة، وفي القصة أن سيفا والفرس استظهروا على الحبشة فقتلوهم وملكوا سيفا، فأقام أربع سنين، وقتله خدمه من الحبشة، ولم يملك أهل اليمن بعده ملك، غير أن أهل كل ناحية ملّكوا رجلا من حمير حتّى جاء الإسلام. ويقال: إنها بقيت في أيدي الفرس إلى أن بعث النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وباليمن عاملان منهم، أحدهما فيروز الأسود الدّيلميّ، والآخر زاذويه، فأسلما وهما اللذان دخلا على الأسود العنسي مع قيس بن المكشوح [2] لما ادّعى الأسود النّبوّة، فقتلوه، وأولاد الفرس باليمن يدعون الأبناء، منهم طاووس، وعمرو بن دينار، وغيرهما [3] . وورد أن كسرى أبرويز لما مزّق كتاب النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم-[أرسل إلى عامله على صنعاء باذان، وهو الرابع بعد وهرز يأمره أن يسير إلى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم] [4] فكتب إليه النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- يخبره أن الله وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا، فانتظر ذلك، فكان كما قال [- صلّى الله عليه وسلّم-] فأسلم باذان وأهل اليمن [5] . هذا وقد قال الذّهبيّ في «المغني» [6] : وهب بن منبه ثقة، مشهور قصاص، خيّر [7] ، ضعفه أبو حفص الفلّاس وحده. انتهى.

_ [1] في «الروض الأنف» (1/ 83) بتحقيق الأستاذ طه عبد الرؤوف سعد. [2] في الأصل، والمطبوع: «قيس بن المكسوح» وهو تصحيف، وهو قيس بن هبيرة بن هلال البجلي الملقب ب المكشوح. انظر المجلد الأول من كتابنا هذا ص (214) . و «الأعلام» للزركلي (5/ 209) . [3] في الأصل، والمطبوع: «وغيرهم» وما أثبته يقتضيه السياق. [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [5] انظر «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» لابن طولون ص (64- 66) بتحقيقي (الطبعة الثانية) طبع مؤسسة الرسالة. [6] «المغني في الضعفاء (2/ 727) بتحقيق الدكتور نور الدين عتر. [7] في «المغني في الضعفاء» : «حبر» .

سنة خمس عشرة ومائة

سنة خمس عشرة ومائة فيها، وقيل: في التي قبلها، مات الحكم بن عتيبة مصغرا، أبو محمّد الكنديّ الكوفيّ، ثقة ثبت فقيه، إلّا أنه ربما دلّس. والحكم بن عتيبة [1] بن النّهاس، آخره مهملة، العجليّ الكوفيّ قاضي الكوفة، لا أعرف له رواية، وهو عصريّ الذي قبله، وقيل: إنه هو، قاله ابن حجر العسقلاني [2] . الكوفي مولى كندة الفقيه النبيه. لكن قال الذهبيّ في «المغني» [3] : هو مجهول. وقال في «العبر» [4] : هو أبو محمّد، أخذ عن أبي جحيفة السّوائي [5] وغيره، وتفقه على إبراهيم النّخعي. قال المغيرة: كان الحكم إذا قدم المدينة أخلوا له سارية النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- يصلي إليها.

_ [1] في «أخبار القضاة» لوكيع (2/ 265) وما قبلها، وما بعدها: «الحكم بن عيينة» وهو خطأ، فيصحح فيه. [2] في «تقريب التهذيب» (1/ 192) . وانظر «تهذيب التهذيب» (2/ 434- 435) . [3] «المغني في الضعفاء (1/ 184) . [4] (1/ 143) ، ولكن الذهبي يقصد بكلامه في «العبر» الأول وليس هذا، لأنه ذكر بأنه أخذ عن أبي جحيفة، فتنبه. [5] في الأصل: «السوي» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع.

وقال الأوزاعيّ: قال لي عبدة بن أبي لبابة: هل لقيت الحكم؟ قلت: لا، قال: فالقه فما بين لابتيها أفقه منه. انتهى. والضّحّاك بن فيروز الدّيلميّ الأبناويّ [1] ، صحب ابن الزّبير، وعمل له على بعض اليمن. وقاضي مرو أبو سهل عبد الله بن بريدة الأسلميّ عن مائة سنة. روى عن أبي موسى، وعائشة، وطائفة. وأبو يحيى عمير [2] بن سعيد النخعي، وقد قارب المائة أو جاوزها، وحديثه عن عليّ في «الصحيحين» [3] وهو أكبر شيخ لمسعر. وفيها توفي الجنيد بن عبد الرّحمن المرّيّ الدّمشقي الأمير، ولي خراسان، والسّند [4] وكان أجود الأجواد، قاله في «العبر» [5] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «الأنباري» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (2/ 616) مصورة دار المأمون للتراث، و «تهذيب التهذيب» (4/ 448) . [2] في الأصل: «عمرو» ، وفي المطبوع: «عمر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «جامع الأصول» لابن الأثير (3/ 592) ، و «العبر» للذهبي (1/ 143) . [3] رواه البخاري رقم (6778) في الحدود: باب الضرب بالجريد والنعال، ومسلم رقم (1707) في الحدود: باب حد الخمر. ورواه أيضا أبو داود رقم (4486) في الحدود: باب إذا تتابع في شرب الخمر، وابن ماجة رقم (2569) في الحدود: باب حد السكران، ولفظه عند البخاري: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما كنت لأقيم حدّا على أحد فيموت، فأجد في نفسي، إلّا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يسنّه. [4] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (110- 111) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير. [5] (1/ 144) .

سنة ست عشرة ومائة

سنة ست عشرة ومائة فيها توفي عديّ بن ثابت الأنصاري. قال في «المغني» [1] : هو [تابعي] [2] كوفي، شيعيّ، جلد، ثقة مع ذلك، وكان قاصّ [3] الشيعة وإمام مسجدهم. قال المسعوديّ: ما أدركنا أحدا أقول بقول الشيعة من عديّ بن ثابت. وقال ابن معين: شيعيّ مفرط. وقال الدّارقطنيّ: رافضيّ غال. انتهى [4] . وفيها توفي عمرو بن مرّة المراديّ الكوفيّ الضرير، سمع ابن أبي أوفى وجماعة، وكان حجّة، حافظا. قال مسعر: ما أدركت أحدا أفضل منه. ومحارب بن دثار السّدوسيّ [5] قاضي الكوفة. قال الحسن بن زياد اللؤلؤي: حدثنا أبو حنيفة قال: كنا عند محارب بن دثار، فتقدم إليه رجلان، فادعى أحدهما على الآخر مالا فجحده

_ [1] (2/ 431) . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «المغني في الضعفاء» للذهبي. [3] في الأصل، والمطبوع: «قاضي» وهو خطأ والتصحيح من «المغني في الضعفاء» . [4] انتهى نقل المؤلف عن «المغني في الضعفاء» . [5] في الأصل: «الدسوسي» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب.

المدّعى عليه، فسأله البينة، فجاء رجل فشهد عليه، فقال المشهود عليه: لا والله الذي لا إله إلّا هو ما شهد عليّ بحق، وما علمته إلّا رجلا صالحا غير هذه الزّلّة، فإنه فعل هذا لحقد كان في قلبه عليّ، وكان محارب متكئا فاستوى جالسا ثم قال: يا ذا الرّجل سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «ليأتين على النّاس يوم تشيب فيه الولدان، وتضع الحوامل ما في بطونها، وتضرب الطير بأذنابها، وتضع ما في بطونها من شدة ذلك اليوم، ولا ذنب عليها، وإن شاهد الزّور لا تقار [1] قدماه على الأرض حتّى يقذف به في النّار» [2] فإن كنت شهدت بحق فاتق الله وأقم على شهادتك، وإن شهدت بباطل فاتق الله وغطّ رأسك واخرج من ذلك الباب، فغطى الرّجل رأسه وخرج من ذلك الباب. وقال في «المغني» [3] : ثقة، ثبت، مشهور. قال ابن سعد [4] : لا يحتجون به. انتهى. سمع ابن عمر وجابرا وطائفة [5] وهو من بني سدوس بن شيبان، ويكنى أبا مطرّف. ولي قضاء الكوفة لخالد بن عبد الله القسريّ، وتوفي في ولاية خالد بالكوفة.

_ [1] في «مجمع الزوائد» : «لا يفارق» . (ع) . [2] ذكره بنحوه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 200) وقال: قلت: روى ابن ماجة بعضه، ورواه الطبراني في «الأوسط» وفيه من لا أعرفه. وهو عند ابن ماجة مختصرا رقم (2373) في الأحكام: باب شهادة الزور، وإسناده ضعيف. [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 542) . [4] «الطبقات» (6/ 307) . [5] في الأصل: «سمع ابن عمر، وجابرا، وعطاء، وطائفة» وهو خطأ، فإن عطاء بن السائب رحمه الله هو ممن أخذ عن محارب، ولم يأخذ محارب عنه. انظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/ 50) .

سنة سبع عشرة ومائة

سنة سبع عشرة ومائة فيها جاشت [1] التّرك بخراسان، وانضم إليهم الحارث بن أبي شريح [2] الخارجي، فاقتتلوا، وجاوزوا نهر جيحون، وأغاروا على مرو الرّوذ [3] فسار إليهم أسد بن عبد الله القسري، فالتقوا، ونصر الله حزبه، وقتلهم المسلمون قتلا ذريعا. وفيها افتتح مروان الحمار ثلاثة حصون، وأسر الملك تومان شاه، وبعث به إلى هشام، فمنّ عليه وأعاده إلى ملكه. وفيها توفي أبو الحباب سعيد بن يسار المدنيّ مولى ميمونة. روى عن أبي هريرة وجماعة.

_ [1] في الأصل: «جاست» ، وفي المطبوع: «حلت» وكلاهما خطأ. والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 144) . قال ابن منظور: جاشت القدر: إذا بدأت تغلي ولم تغل بعد ... ويشهد بصحة هذا قول النابغة الجعدي: تجيش علينا قدرهم فنديمها ... ونفثؤها عنّا إذا حميها غلى أي نسكّن قدرهم- وهي كناية عن الحرب إذا بدأت تغلي- «لسان العرب» (جيش) . [2] في المطبوع: «الحارث بن أبي سريج» وهو خطأ. [3] بلدة تقع في شرق إيران الآن، خرج منها عدد كبير من العلماء. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 112) ، و «اللباب» لابن الأثير (3/ 198) .

وفيها توفي بالاسكندرية عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج المدنيّ صاحب أبي هريرة. وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشيّ التيميّ المدنيّ عن سنّ عالية، وقد ولي القضاء لابن الزّبير، ويكنى أبا بكر، وأبا محمّد. روى عن جده، وابن عبّاس، وابن عمر في آخرين. كان إمام الحرم، وشيخه، ومؤذنه الأمين، وقاضي مكّة والطائف زمن ابن الزّبير. وفيها فقيه دمشق عبد الله بن أبي زكريا الخزاعيّ. كان عمر بن عبد العزيز يجلسه معه على السرير. قال أبو مسهر: كان سيّد أهل المسجد. قيل: بم سادهم؟ قال: بحسن الخلق. قال في «العبر» [1] : أرسل عن أبي الدّرداء، وعبادة، وهو ثقة قليل الحديث. انتهى. وفيها، وقيل: في سنة ثمان عشرة، الحافظ أبو الخطّاب قتادة بن دعامة السّدوسيّ، عالم أهل البصرة. روى معمر عنه. قال [2] : أقمت عند سعيد بن المسيّب ثمانية أيام، فقال لي في اليوم التاسع [3] : ارتحل يا أعمى عني [4] فقد أنزقتني [5] .

_ [1] (1/ 145) . [2] القائل قتادة. [3] في المطبوع، و «العبر» : «في اليوم الثالث» وهو خطأ. [4] لفظة «عني» لم ترد في «العبر» المطبوع. [5] في «العبر» : «أترفتني» وهو تحريف، فتصحيح فيه. وانظر «الأنساب» (7/ 58) .

وقال قتادة: ما قلت لمحدّث قطّ أعد عليّ. قال ابن ناصر الدّين: مات بواسط في الطاعون، وهو أبو الخطّاب الضرير الأكمه، مفسر الكتاب، [كان] آية في الحفظ، إماما في النسب، رأسا في العربية واللغة وأيام العرب. انتهى. قال في «العبر» [1] : قال قتادة: ما قلت لمحدّث قطّ أعده عليّ، وما سمعت شيئا إلّا وعاه قلبي. وقال فيه شيخه ابن سيرين: قتادة أحفظ النّاس. وقال معمر: سمعت قتادة يقول: ما في القرآن آية إلّا و [قد] [2] سمعت فيها شيئا. انتهى. وفيها موسى بن وردان المصريّ القاضي. روى عن أبي هريرة وسعد، وطائفة. وعاش نيفا وثمانين سنة. قال أبو حاتم [3] : ليس به بأس، وكان آخر أصحابه ضمام [4] بن إسماعيل. وفيها مات قاضي الجزيرة [5] ميمون بن مهران الرّقّيّ [6] أبو أيوب الفقيه. كان من العلماء العاملين. روى عن عائشة، وأبي هريرة، وطائفة. وفيها مات فقيه المدينة أبو عبد الله نافع الدّيلمي مولى عبد الله بن عمر.

_ [1] (1/ 146) . [2] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 146) . [3] في «الجرح والتعديل» (8/ 166) . [4] في الأصل: «صمام» وأثبت ما في المطبوع. وهو الصواب. [5] يعني جزيرة أقور التي بين دجلة والفرات، وتقع الآن بين سورية والعراق وتركيا. [6] نسبة إلى الرّقة. انظر «الأمصار ذوات الآثار» ص (58) .

كان من جلّة التابعين. بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر يعلمهم السنن. قال في «العبر» [1] : وقد روى نافع أيضا عن عائشة، وأبي هريرة. وفيها توفيت عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص بالمدينة، وقد رأت شيئا من أمهات المؤمنين، وعاشت أربعا وثمانين سنة، قاله في «العبر» [2] . وسكينة بنت الشهيد الحسين بن عليّ بالمدينة، واسمها أميمة، وقيل: أمينة، وسكينة لقب [3] وأمها الرّباب ابنة امرئ القيس بن عدي، تزوجها مصعب بن الزّبير، ثم عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، ثم زيد بن عمرو بن عثمان بن عفّان، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها، وجمالها وحسن خلقها مشهور. لها نوادر، منها أنها لما سمعت مرثية عروة بن أذينة [4]- وكان من أعيان العلماء الصلحاء- في أخيه بكر وقوله فيها: على بكر أخي ولّى حميدا ... وأيّ العيش يصفو بعد بكر [5] قالت سكينة: ومن بكر! أهو ذاك الأسود الذي كان يمر بنا؟ قيل: نعم، قالت: لقد طاب بعده كل عيش حتّى الخبز والزيت. توفيت سكينة بالمدينة، والعامة تزعم أنها بمكّة في طريق العمرة.

_ [1] (1/ 147) . [2] (1/ 147) . [3] انظر «تاريخ دمشق» لابن عساكر (تراجم النساء) ص (155- 171) . [4] انظر ترجمته في «الأغاني» (18/ 322- 335) ، و «الشعر والشعراء» ص (367- 368) طبعة ليدن. [5] لفظ البيت في الأصل والمطبوع: على بكر أخي فارقت بكرا ... وأي العيش يصلح بعد بكر وأثبت اللفظ الذي في «الأغاني» (18/ 334) .

سنة ثماني عشرة ومائة

سنة ثماني عشرة ومائة فيها مات عمرو بن شعيب بن محمّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السّهميّ، أبو إبراهيم. روى عن زينب ربيبة النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- فهو تابعيّ، وثقه يحيى بن معين، وابن راهويه، وهو حسن الحديث. قاله في «العبر» [1] . وقال في «المغني» [2] : هو مختلف فيه، وحديثه حسن، وفوق الحسن. قال يحيى القطّان: إذا روى عنه ثقة فهو حجّة. وقال أحمد: ربما احتججنا بحديثه. وقال البخاريّ: رأيت أحمد، وإسحاق، وأبا عبيد [3] وعامة أصحابنا يحتجون به، فمن النّاس بعدهم؟ قلت [4] : ومع هذا القول لم يحتجّ به البخاريّ في «صحيحه» .

_ [1] (1/ 148) . [2] (2/ 484) . [3] في الأصل: «وأبا عبيد الله» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] القائل الحافظ الذهبي في «المغني في الضعفاء» .

وقال أيوب السّختيانيّ: كنت إذا أتيت عمرو بن شعيب غطيت رأسي حياء من النّاس. وقال ابن معين: ليس بذاك، وهو ثقة في نفسه، إنما بلي بكتاب أبيه عن جده. وقال أبو زرعة: إنما أنكروا عليه أنه روى صحيفة كانت عنده. وقال أحمد: ربما وحش القلب منه، وله مناكير، وثقه إسحاق، وصالح جزرة [1] . وقال الأوزاعيّ: ما رأيت قرشيا أكمل منه. قال إسحاق: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، كأيّوب عن نافع عن ابن عمر. وقال أحمد أيضا: إنما تليت حديثه ليعتبر، أما ليكون حجّة فلا. وعن أبي داود، وقيل له: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجّة؟ فقال: لا، ولا نصف حجّة. وقال ابن المديني، عن القطّان: حديثه واه. وقال ابن عدي: ثقة في نفسه. انتهى ما قاله الذّهبيّ في «المغني» [2] . وقال شمس الدّين بن القيم في كتابه «إعلام الموقعين» : وقد احتج الأئمة الأربعة، والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،

_ [1] هو صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب بن حسّان بن المنذر بن أبي الأشرس، واسم أبي الأشرس: عمار، مولى لبني خزيمة الأسدي البغدادي، أبو علي، الملقب جزرة. مات سنة (293) هـ. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (91) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير. [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 484- 485) .

ولا نعرف في أئمة الفتوى إلّا من احتاج إليها واحتج بها، وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه والفتوى، كأبي حاتم البستي، وابن حزم، وغيرهما. انتهى ما قاله ابن القيم. وفيها عبادة بن نسيّ الكنديّ قاضي طبريّة، كان شريفا جليل القدر، موصوفا بالصّلاة. روى عن شدّاد بن أوس، وجماعة. وفيها، في المحرم، قاضي الشّام أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبيّ الدّمشقيّ، وله سبع وتسعون سنة. قرأ القرآن العظيم على المغيرة بن أبي شهاب، عن قراءته على عثمان نفسه نصف القرآن. وورد أيضا أنه قرأ على أبي الدّرداء. وحدّث عن فضالة بن عبيد [1] ، والنعمان بن بشير. وولي قضاء دمشق، رحمه الله تعالى. وفيها عبد الرّحمن بن جبير بن نفير الحضرميّ الحمصيّ. وهو مكثر عن أبيه وغيره. قال في «العبر» [2] : ولا أعلمه روى عن الصحابة. وقد رأى جماعة منهم. انتهى. وعبد الرّحمن بن سابط [3] الجمحيّ المكيّ الفقيه. روى عن عائشة وجماعة.

_ [1] في المطبوع: «فضالة بن عبيدة» وهو خطأ. وانظر «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 363) . [2] (1/ 149) . [3] قال الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب» (1/ 48) : ويقال: ابن عبد الله بن سابط، وهو الصحيح، ويقال: ابن عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي المكي.

وفيها معبد بن خالد الجدليّ الكوفيّ القّاض. روى عن جابر بن سمرة، وجماعة. وأبو عشّانة المعافريّ [1] [حيّ] [2] بن يومن بمصر. روى عن عقبة بن عامر، وجماعة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «المغافري» وهو تصحيف. والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 149) . وانظر «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1627) مصورة دار المأمون للتراث. [2] لفظة «حي» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي.

سنة تسع عشرة ومائة

سنة تسع عشرة ومائة فيها غزا مروان غزوة السانحة [1] فدخل من باب اللّان، فلم يزل يسير حتّى طلع من باب الخزر، ومرّ ببلنجر [2] وسمرقند، وانتهى إلى مدينة خاقان التّرك، فانهزم خاقان. وفيها توفي إياس بن سلمة بن الأكوع المدني. روى عن أبيه. وفيها، وقيل: في سنة اثنتين وعشرين، حبيب بن أبي ثابت الكوفيّ، فقيه الكوفة ومفتيها مع حمّاد بن أبي سليمان. وقال في «العبر» [3] : بل هو أجلّ من حمّاد وأكبر، فإنه روى عن ابن عبّاس، وابن عمر، وخلق من التابعين. وفيها سليمان بن أبي موسى الأشدق. فقيه دمشق ومفتيها. مولى بني أميّة. روى عن أبي أمامة، وسلمة، وطائفة. قال سعيد بن عبد العزيز: كان أعلم أهل الشّام بعد مكحول.

_ [1] في الأصل: «السامحة» وهو تحريف، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 150) مصدر المؤلف في نقله. وفي «تاريخ خليفة» ص (349) ، و «دول الإسلام» للذهبي ص (71) طبع مؤسسة الأعلمي ببيروت: «السائحة» . [2] انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 489- 490) . [3] (1/ 150) .

وقال ابن لهيعة: ما لقيت مثله. و [فيها] [1] قيس بن سعد المكي، صاحب عطاء، وكان مفتي أهل مكّة في وقته. وفيها الأمير أبو شاكر معاوية ابن الخليفة هشام بن عبد الملك، وكان أنبل أولاد أبيه، جوادا ممدّحا. ولي الغزو مرّات. وهو أحد أمراء الأندلس. وإسماعيل بن حمّاد بن أبي سلمة.

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 151) .

سنة عشرين ومائة

سنة عشرين ومائة فيها، وقيل: سنة ثمان عشرة، توفي أنس بن سيرين أخو محمّد بن سيرين، وله خمس وثمانون سنة. روى عن ابن عبّاس وجماعة. وفيها فقيه الكوفة أبو إسماعيل حمّاد بن أبي سليمان الأشعري مولاهم صاحب إبراهيم النّخعي. روى عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب، وطائفة. وكان جوادا، سريّا، محتشما، يفطّر كل ليلة من رمضان خمسمائة إنسان. وقال شعبة: كان صدوق اللسان. وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري شيخ محمّد بن إسحاق، وكان أخباريا، علّامة بالمغازي، يروي عن جابر، وغيره. وفيها توفي قارئ مكّة أبو معبد عبد الله بن كثير الكنانيّ، مولاهم، الفارسيّ الأصل، الدّاريّ، العطّار. قرأ على عبد الله بن السائب المخزومي، وعلى مجاهد. وحدّث عن ابن الزّبير، وغيره. وفضله وعلمه وشهرته تغني عن

الإطناب في أوصافه [1] . وفيها توفي سيّد أهل الجزيرة عديّ بن عدي بن عميرة الكنديّ الأمير. كان فقيها ناسكا كبير الشأن، ولأبيه صحبة. وفيها توفي علقمة بن مرثد الحضرميّ الكوفيّ. قال في «العبر» [2] : كان ثبتا [3] في الحديث. روى عن طارق بن شهاب، ولطارق صحبة ما. وقيس بن مسلم الجدليّ الكوفيّ صاحب طارق. ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى السماء منذ زمان تعظيما لله تعالى. ومحمّد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ المدنيّ الفقيه الثبت. روى عن أسامة، وأبي سعيد، وطائفة، وجده من المهاجرين. وواصل الأحدب. يروى عن أبي وائل، وطبقته. وأبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ. قاضي المدينة، وأميرها عن نيّف وثمانين سنة. ويقال: إنه كان أعلم أهل المدينة بالقضاء، وله خبرة بالسّير [4] . قاله في «العبر» [5] .

_ [1] انظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 86- 88) طبع مؤسسة الرسالة. [2] (1/ 152) . [3] في الأصل، والمطبوع: «تقيا» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [4] في الأصل، والمطبوع: «بالسيرة» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [5] «العبر» (1/ 152) .

سنة إحدى وعشرين ومائة

سنة إحدى وعشرين ومائة فيها غزا مروان، فأتى قلعة بيت [1] السّرير [2] . فقتل وسبى، ثم دخل حصن غومشك [3] وفيها سرير ملكهم، فهرب منه الملك، ثم إن مروان صالحهم في العام على ألف رأس، ومائة ألف مدي [4] . ثم إنه سار حتّى دخل مدينة أرز [5] فصالحوه وصالحه تومان شاه على بلاده، ثم سار حتّى نازل حمرين [6] وحاصرها شهرين، ثم صالحهم وافتتح مسدار [7] صلحا. وتهيأ

_ [1] في الأصل: «بنت» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. انظر «العبر» للذهبي (1/ 153) . [2] قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» للذهبي (1/ 153) : وتسمى سرير الذهب أيضا، مملكة واسعة بين اللّان وباب الأبواب، ومكانها اليوم في جنوب الاتحاد السوقييتي. [3] في الأصل والمطبوع: «عومشك» ، وفي «العبر» ، و «دول الإسلام» : «غومشك» - وهو ما أثبته- وفي «تاريخ خليفة» ص (351) : «غومسك» ، وفي «الكامل» لابن الأثير (5/ 240) : «غوميك» . [4] في المطبوع: «ومائة ألف هدي» وهو تحريف. والمدي مكيال لأهل الشام ومصر. انظر «لسان العرب» (مدي) . [5] في الأصل، والمطبوع: «أزر» وهو تصحيف، والتصويب من «العبر» للذهبي. قال ياقوت: أرز: بليدة من أول جبال طبرستان من ناحية الديلم. انظر «معجم البلدان» (1/ 149) . قلت: وهي الآن في أراضي إيران على مقربة من بحر قزوين. [6] كذا في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي: «حمرين» ، وفي «تاريخ خليفة» ص (352) : «خمرين» ، وفي «دول الإسلام» للذهبي ص (72) : «جمرين» ولم أقف على ذكر لها في كتب البلدان التي بين يدي. [7] كذا في الأصل، و «تاريخ خليفة» ، و «دول الإسلام» للذهبي: «مسدار» ، وفي المطبوع،

لمروان في هذه السنة من الفتوحات أمر عظيم، ووقع في قلوب التّرك والخزر منه رعب شديد. وفيها، قتل الإمام الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين، رضي الله عنهم، بالكوفة، وكان قد بايعه خلق كثير، وحارب متولي العراق يومئذ لهشام بن عبد الملك، يوسف بن عمر الثقفي، فقتله يوسف وصلبه، ويوسف هذا هو ابن عمر، أبوه عمّ الحجّاج بن يوسف. ولما خرج زيد يدعو إلى طاعته جاءته طائفة وقالوا: تبرّأ من أبي بكر وعمر حتّى نبايعك، فقال: بل أتبرأ ممن تبرأ منهما. فقالوا: إذا نرفضك، فسموا رافضة من يومئذ. وسميت شيعته زيدية. وكان من أمر زيد- رضي الله عنه- أن هشاما لما عرف كماله واستجماعه لخلال الفضل، كتب إلى عامله على الكوفة يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي يأمره أن يوجه زيدا إلى الحجاز، ففعل، فلما بلغ زيد العذيب [1] لحقته الشيعة وأخبروه أنّ النّاس مجمعة عليه، ولم يزالوا به حتّى رجع، فأقام بالكوفة سنة يبايع النّاس مختفيا، وبالبصرة نحو شهر، وكان ممن بايعه منصور بن المعتمر، ومحمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وهلال بن خبّاب بن الأرتّ، قاضي المدائن، وابن شبرمة، ومسعر بن كدام، وغيرهم، وأرسل إليه أبو حنيفة بثلاثين ألف درهم، وحثّ النّاس على نصره، وكان مريضا، وكان قد أخذ عنه كثيرا، وحضر معه من أهله محمّد بن عبد الله النفس الزّكية، وعبد الله بن علي بن الحسين، وكان ظهوره ليلة الأربعاء من دار معاوية بن إسحاق الأنصاري لسبع بقين من المحرم، سنة إحدى، أو اثنتين وعشرين ومائة، وقتل يوم الجمعة لثلاثة أيام من ظهوره، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، واستخرج بعد دفنه وصلب بالكناسة- تربة بالكوفة- أربع

_ و «العبر» للذهبي: «مسدارة» ولم أقف على ذكر لها في كتب البلدان التي بين يدي. [1] قال البكري: العذيب: واد بظاهر الكوفة. «معجم ما استعجم» (2/ 927) .

سنين، ونسجت العنكبوت على عورته، ثم أنزل وأحرق، وذرّ رماده، رضي الله عنه. روى عن أبيه وجماعة. وروى عنه شعبة، ويأتي طرف من خبره في ترجمة هشام قريبا [1] . وفيها قتل أحد الشجعان والأبطال أبو محمّد [2] البطّال، وله حروب ومواقف، ولكن كذبوا عليه، فأفرطوا، ووضعوه له سيرة كبيرة، تقرأ كل وقت، يزيد فيها من لا يستحيي من الكذب. وفيها توفي قاضي دمشق نمير بن أوس الأشعريّ، أحد شيوخ الأوزاعي. وأبو عبد الله محمّد بن يحيى بن حبّان الأنصاريّ المدنيّ، وقد لقي ابن عمر، ورافع بن خديج، وطائفة، وكانت له حلقة للفتوى. وفيها، أو في التي بعدها، سلمة بن كهيل الكوفي. روى عن جندب البجلي وطائفة، وكان من أثبات الشّيعة وعلمائهم. حمل عنه شعبة والثوريّ. ومسلمة بن عبد الملك بن مروان الأمويّ الأمير، ويلقب بالجرادة الصّفراء، وكان موصوفا بالشجاعة، والإقدام، والرأي، والدّهاء. ولي إرمينية، وأذربيجان غير مرّة، وإمرة العراقين، وسار في مائة وعشرين ألفا، فغزا القسطنطينيّة في خلافة سليمان أخيه. وروى عن عمر بن عبد العزيز.

_ [1] انظر ص (102- 106) . [2] واسمه عبد الله. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (5/ 268- 269) .

سنة اثنتين وعشرين ومائة

سنة اثنتين وعشرين ومائة فيها كانت بالمغرب حروب مزعجة وملاحم، وخرجت طائفة كثيرة، وبايعوا عبد الواحد الهواريّ، والتفت [1] عليه أمم من البربر [2] ثم نصر عليهم المسلمون، وقتلوا خلقا كثيرا. وفيها توفي قاضي البصرة أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرّة المزنيّ الليثيّ، [أحد من] [3] يضرب بذكائه وفطنته المثل. روى عن أنس وجماعة [4] ووثقه ابن معين، ولا رواية له في الكتب الستة. كان صاحب فراسة. قال الحريريّ: فإذا ألمعيتي ألمعيّة ابن عبّاس، وفراستي فراسة إياس. وقال أبو تمّام: إقدام عمرو في شجاعة حاتم [5] ... في حلم أحنف في ذكاء إياس [6]

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 155) : «والتف» وهو أصوب. [2] في الأصل، والمطبوع: «السرير» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [3] زيادة من «العبر» للذهبي. [4] انظر «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 407- 408) ، طبع مؤسسة الرسالة. [5] في الأصل، والمطبوع: «في شجاعة عنتر» وهو خطأ، والتصحيح من «ديوانه» بشرح الخطيب التبريزي. [6] البيت في «ديوانه» بشرح الخطيب التبريزي (2/ 249) طبع دار المعارف بمصر.

قيل لأبيه معاوية: كيف ابنك لك؟ قال: كفاني أمر دنياي، وفرّغني لآخرتي. وعنه قال: رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين معا، فلم أسبقه ولم يسبقني، وعاش أبي ستا وتسعين سنة، وها أنا فيها، فلما كان آخر لياليه قال: الليلة استكملت عمري، ونام فأصبح ميتا، رحمه الله تعالى. وفيها بكير بن عبد الله بن الأشجّ، المدنيّ الفقيه نزيل مصر، وأحد شيوخ اللّيث بن سعد، وهو من صغار التابعين. وزبيد بن الحارث الياميّ [1] . روى عن إبراهيم النخعيّ وخلق من كبار التابعين. وسيّار أبو الحكم [2] صاحب الشّعبيّ، وهو واسطيّ حجّة مشهور. ويزيد بن عبد الله بن قسيط الليثيّ المدنيّ، عن سنّ عالية، لقي أبا هريرة. وفيها أبو هاشم الرّمّانيّ [3] الواسطيّ، واسمه يحيى [4] كان يسكن قصر الرّمّان [5] بواسط. روى عن أبي العالية وجماعة.

_ [1] ويقال: «الأيامي» كما في «تهذيب التهذيب» (3/ 310) . وفي «العبر» للذهبي (1/ 155) : «زيد بن الحارث اليامي» ، وهو خطأ. وانظر «سير أعلام النبلاء» (5/ 296) . [2] هو سيّار بن وردان الواسطي العنزي. انظر «سير أعلام النبلاء» (5/ 391- 392) . [3] في الأصل: «الزماني» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [4] هو يحيى بن دينار الرماني. انظر «الأنساب» للسمعاني (6/ 160) . [5] في الأصل: «الزمان» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.

سنة ثلاث وعشرين ومائة

سنة ثلاث وعشرين ومائة فيها قتل بالمغرب كلثوم بن عياض القشيريّ في عدّة من أمرائه، واستبيح عسكره وتمزّقوا [1] هزمهم أبو يوسف الأزدي [2] رأس الصفريّة، وكان كلثوم قد ولي دمشق لهشام، ثم ولاه غزو الخوارج بالمغرب، واتبعت الصفريّة من انكسر من المسلمين، فثبت لهم بلج القشيريّ [3] ابن عمّ كلثوم، فكان النصر ولله الحمد. وقتل في المعركة أبو يوسف الأزديّ [4] . وفيها حجّ بالنّاس يزيد ابن الخليفة هشام، ومعه الزّهريّ، فأخذ عنه إذ ذاك مالك، وابن عيينة، وأهل الحجاز. وفيها توفي ثابت البنانيّ، وهو ثابت بن أسلم، وبنانة من قريش، وهم رهط بني سعد بن [لؤي] [5] وكانت بنانة أمهم، فنسبوا إليها، وكان من أنفسهم، ويكنى أبا محمّد، وكان من سادة التابعين علما، وفضلا، وعبادة،

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 156) : «ومزّقوا» . [2] في «العبر» للذهبي: «الأزري» وهو تحريف. [3] في الأصل، والمطبوع: «بلخ» وهو تصحيف، والتصحيح من المصادر التي بين يدي. [4] في «العبر» للذهبي: «الأزري» وانظر «تاريخ الإسلام» للذهبي (5/ 28) . [5] لفظة «لؤي» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

ونبلا، وكان من خواص أنس، وروى عن غيره من الصحابة. وربيعة بن يزيد الدّمشقيّ القصير، شيخ دمشق بعد مكحول، استشهد بإفريقية، وقد لقي جبير بن نفير وطائفة. قال فرج بن فضالة [1] : كان مفضّلا على مكحول. وقال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحسن سمتا في العبادة منه ومن مكحول. وسماك بن حرب الذّهليّ الكوفيّ، أحد الكبار. قال: أدركت ثمانين من الصحابة، وذهب بصري، فدعوت الله تعالى، فرده عليّ. قال أحمد العجلي: كان عالما بالشّعر وأيام النّاس، فصيحا. وفيها أبو يونس مولى أبي هريرة، وقد شاخ، واسمه سليم [2] بن جبير، نزل مصر، وأدركه اللّيث. روى عن مولاه عن أبي هريرة، ووثقه النسائيّ. وفيها سيّد القراء، وعالم البصرة وعابدها، محمد بن واسع الأزدي، أخذ عن أنس، ومطرّف بن الشّخّير، وطائفة وهو مقلّ. روى خمسة عشر حديثا، ومناقبه مشهورة. قال بعضهم [3] : كنت إذا وجدت فترة أو قسوة، نظرت في وجهه فيذهب ذلك جميعه عني. أو قال: شهرا. وقال له مالك بن دينار- وقد نبهه على بعض دقائق الورع-: ما أحوجني إلى معلّم مثلك.

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 157) : «نوح بن فضالة» وهو خطأ. والتصحيح من كتب الرجال التي بين يدي. [2] في «العبر» للذهبي (1/ 157) : «سليمان» ، وهو تحريف، فيصحح فيه. [3] في «سير أعلام النبلاء» (6/ 120) : «وقال: جعفر بن سليمان» .

وفيها قارئ مكّة بعد ابن كثير، محمّد بن عبد الرّحمن بن محيصن. ومنهم من يسميه عمر. قال في «العبر» [1] : وأظنهما أخوين. وله رواية شاذة في كتاب «المبهج» [2] وغيره. وقد روى عن صفيّة بنت شيبة وغيرها. انتهى.

_ [1] (1/ 157) . [2] واسمه الكامل: «المبهج في القراآت الثمان، وقراءة الأعمش، وابن محيصن، واختيار خلف واليزيدي» ، وهو للشيخ أبي محمد عبد الله بن علي بن أحمد المعروف بسبط الخياط البغدادي، المتوفى سنة (541) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1582) .

سنة أربع وعشرين ومائة

سنة أربع وعشرين ومائة فيها تمت وقعة عظيمة [1] كبيرة بالمغرب مع الصفريّة، ورأسهم ميسرة الحقير. وذاق المسلمون منهم مشاقّا وبلاء شديدا. وفيها مات محمّد بن عبد الرّحمن بن أسعد [2] بن زرارة الأنصاري، أحد الثقات، وقد ولي إمرة المدينة لعمر بن عبد العزيز، وأدركه ابن عيينة. والقاسم بن أبي بزّة المكي. روى عن أبي الطّفيل وجماعة يسيرة. وفي رمضان منها توفي الإمام أبو بكر محمّد بن [مسلم ابن] عبيد الله بن عبد الله بن شهاب [3] الزّهري المدني، أحد الفقهاء السبعة [4] وأحد الأعلام المشهورين، عن أربع وسبعين سنة. سمع من سهل بن سعد، وأنس بن مالك، وخلق.

_ [1] لفظة «عظيمة» لم ترد في المطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 158) ، ولعلها زيادة من ناسخ المخطوطة التي اعتمدتها في تحقيق الكتاب. [2] في «العبر» للذهبي: «سعد» وهو خطأ فيصحّح فيه. [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب» ، وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 158) . وانظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (66) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 326) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 286) . [4] قلت: قوله: «أحد الفقهاء السبعة» غير صحيح، فهو لم يكن من الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، ولكنه مدني أيضا، وأحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام، ولعله اشتبه عليه ب (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) فهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة. قال اليافعي: وكان- يعني الزهري- قد حفظ علم الفقهاء والسبعة.

قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث. وقال عمر بن عبد العزيز: لم يبق أعلم بسّنة ماضية من الزّهري. وكذا قال مكحول. وقال اللّيث: قال ابن شهاب: ما استودعت قلبي علما فنسيته. قال اللّيث: فكان يكثر شرب العسل، ولا يأكل شيئا من التفاح الحامض. وقال: من أحب حفظ الحديث فليأكل الزّبيب. وقال أيوب: ما رأيت أعلم من الزّهريّ. قال في «العبر» [1] : قلت: وكان معظّما، وافر الحرمة عند هشام بن عبد الملك، أعطاه مرّة سبعة آلاف دينار. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت الدّينار والدّرهم عند أحد أهون منهما عند الزّهريّ، كأنها بمنزلة البعر. انتهى. ورأى عشرة من الصحابة- رضي الله عنهم- وكان إذا أقبل على كتبه لم يلتفت إلى شيء. فقالت له امرأته [2] [يوما] : والله إن هذه الكتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر. وقال ابن تيميّة: حفظ الزّهريّ الإسلام نحوا من سبعين سنة. وقال ابن قتيبة [3] : وكان أبو جده عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدرا، وكان أحد النّفر الذين تعاقدوا يوم أحد، لئن رأوا رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-

_ [1] (1/ 159) . [2] في الأصل: «زوجته» ، وأثبت ما جاء في المطبوع لأنه يوافق لفظ «مرآة الجنان» لليافعي أحد مصادر المؤلف. [3] «المعارف» ص (472) .

ليقتلنه، أو ليقتلنّ دونه، وهم عبد الله بن شهاب، وأبي بن خلف، وابن قمئة [1] ، وعتبة بن أبي وقّاص. وكان يزيد بن عبد الملك استقضى الزّهري، ولما مات دفن بماله [2] على قارعة الطريق ليمرّ مارّ فيدعو له، والموضع الذي دفن فيه آخر أعمال [3] الحجّاز، وأول عمل فلسطين، وبه ضيعته [4] . وأخوه الزّهريّ عبد الله بن مسلم، كان أسنّ [5] من الزّهري، ويكنى أبا محمّد، وقد لقي ابن عمر وروى عنه وعن غيره، ومات قبل الزّهريّ. انتهى ملخصا.

_ [1] ويقال: «ابن قميئة» أيضا. وهو عبد الله بن قمئة الليثي. انظر «السيرة النبوية» (2/ 718) تحقيق السقا، والأبياري، والشلبي. [2] في الأصل، والمطبوع: «بمالة» وهو تصحيف، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (472) . [3] في «المعارف» : «آخر عمل» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وبه ضيعة» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» . [5] في الأصل: «أسبق» ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «المعارف» .

سنة خمس وعشرين ومائة

سنة خمس وعشرين ومائة فيها توفي أبو سعد [1] سعيد بن أبي سعيد المقبريّ [2] المحدّث المكثر عن أبي هريرة. وروى عن سعد بن أبي وقّاص. قال ابن سعد: ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين. قال الذهبيّ في «العبر» [3] : قلت: ما سمع منه ثقة في اختلاطه. انتهى. وفيها مات- في ربيع الآخر- الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي، وكانت خلافته عشرين سنة، إلّا أشهرا [4] وكانت داره عند الخوّاصين بدمشق، فعمل منها السلطان نور الدّين مدرسة، وكان ذا رأي وحزم وحلم، وجمع للمال [5] عاش أربعا وخمسين سنة، وكان أبيض سمينا، أحول سديدا، حسن الكلام، شكس الأخلاق، شديد الجمع للمال، قليل البذل. وكان حازما متيقظا لا يغيب عنه شيء من أمر ملكه. قال المسعودي [6] : كان هشام أحول فظا غليظا يجمع الأموال، ويعمر

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 159) : «أبو سعيد» وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال. [2] في الأصل: «القبري» وهو تحريف من الناسخ. وأثبت ما في المطبوع. [3] (1/ 160) ، وقد نقل المؤلف رحمه الله الترجمة كلها عنه. [4] في الأصل، والمطبوع: «إلّا شهرا» وأثبت ما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. [5] في «العبر» : «وجمع المال» وهو تحريف، فيصحح فيه. [6] في «مروج الذهب» (3/ 217) .

الأرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحلبة، فاجتمع له فيها من خيله وخيل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس، وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من الخيل، واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب ولأمتها، واصطنع الرّجال وقوّى الثّغور [1] واتخذ القنيّ والبرك بمكّة، وغير ذلك من الآثار [2] التي أتى عليها داود بن علي في صدر الدّولة العبّاسية. وفي أيامه عمل الخزّ [3] فسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه، ومنعوا ما في أيديهم فقلّ الإفضال، وانقطع الرّفد، ولم ير زمان أصعب من زمانه. وكان زيد بن عليّ يدخل على هشام، فدخل عليه يوما بالرّصافة [4] فلما مثل بين يديه، لم ير موضعا يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه. فقال له: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله. فقال له هشام: أسكت لا أم لك، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة، وأنت ابن أمة، فقال: يا أمير المؤمنين إن لك جوابا، إن أحببت أجبتك به، وإن أحببت أمسكت عنك، قال: لا بل أجب. قال: إن الأمهات لا يقعدن بالرّجال عن الغايات، وقد كانت أمّ إسماعيل أمة لأمّ إسحاق- صلى الله عليهما وسلم- فلم يمنعه ذلك أن ابتعثه الله نبيا [5] ، وجعله للعرب أبا، وأخرج من صلبه خير البشر محمدا- صلّى الله عليه وسلّم- أفتقول لي كذا وأنا ابن فاطمة، وابن عليّ؟ وقام وهو يقول:

_ [1] جمع ثغر، وهو موضع المخافة من فروج البلدان. انظر «مختار الصحاح» ص (84) . [2] في الأصل، والمطبوع: «والآبار» وهو تصحيف، والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 217) . [3] في الأصل، والمطبوع: «الحزر» ، والتصحيح من «مروج الذهب» . والخزّ: من الثياب. انظر «مختار الصحاح» ص (174) . [4] قال ياقوت: الرصافة: غربي الرّقة، بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام، وكان يسكنها في الصيف. «معجم البلدان» (3/ 47) . [5] في الأصل، والمطبوع: «فلم يمنعه ذلك إلى أن ابتعثه الله نبيا» بزيادة «إلى» وليس لوجودها مبرر، ولعلها من زيادات النساخ، وقد أبقيت العبارة كما جاءت في «مروج الذهب» .

شرّده الخوف وأزرى به ... كذاك من يكره حرّ الجلاد منخرق الخفّين يشكو الجوى [1] ... تنكثه [2] أطراف مرو حداد قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد إن يحدث الله له دولة ... يترك آثار العدا كالرّماد وعرض هشام يوم الجند بحمص، فمرّ به رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور، فقال له هشام: ما حملك على أن تربط [3] فرسا نفورا؟ فقال الحمصيّ لا والرّحمن الرّحيم يا أمير المؤمنين، ما هو بنفور، وإنما أبصر حولك فظن أنه عين غزوان [4] البيطار فنفر، فقال له هشام: تنحّ، فعليك وعلى فرسك لعنة الله، وكان غزوان [4] نصرانيا ببلاد حمص، كأنه هشام في حوله وكشفته. وبينما هشام ذات يوم جالسا [خاليا] [5] وعنده الأبرش الكلبيّ، إذ طلعت وصيفة لهشام عليها حلّة، فقال للأبرش: مازحها، فقال لها الأبرش: هبي لي حلّتك، فقالت: لأنت أطمع من أشعب، فقال [لها] هشام: ومن أشعب؟ فقالت: كان مضحكا بالمدينة، وحدثته [6] ببعض أحاديثه، فضحك هشام وقال: اكتبوا إلى إبراهيم بن هشام- وكان عامله على المدينة- في حمله إلينا، فلما ختم الكتاب، أطرق هشام طويلا. ثم قال: يا أبرش، هشام يكتب إلى بلد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ليحمل إليه [منه] مضحك؟ لاها الله، ثم تمثل:

_ [1] في الأصل: «الوحي» وهو تحريف، وفي المطبوع: «الوجا» وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» . [2] في الأصل، والمطبوع: «ينكبه» والتصحيح من «مروج الذهب» . [3] في الأصل، والمطبوع: «ترتبط» وما أثبته من «مروج الذهب» . [4] في الأصل والمطبوع: «عرون» وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب» . [5] زيادة من «مروج الذهب» . [6] في الأصل، والمطبوع: «قال: مضحكة بالمدينة، وحدثه» وهو تحريف غير المعنى في سياق الكلام، والتصحيح من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 221) .

إذا أنت طاوعت الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال وأوقف الكتاب. ودخل هشام بستانا له ومعه ندماؤه، فطافوا به وفيه من كل الثمار، فجعلوا يأكلون ويقولون: بارك الله لأمير المؤمنين، فقال: وكيف يبارك لي فيه وأنتم تأكلون؟!، ثم قال: ادع قيّمه، فدعا به، فقال له: اقلع شجره واغرس فيه زيتونا حتّى لا يأكل أحد منه شيئا. وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الأمر، فقال له: يا هشام أتؤمّل الخلافة وأنت جبان بخيل! قال: أي والله العليم الحليم [1] . وذكر الهيثم بن عديّ، والمدائني وغيرهما، أن السّوّاس من بني أميّة ثلاثة: معاوية، وعبد الملك، وبهشام ختمت أبواب السياسة وحسن السّير [2] وأن المنصور كان في أكثر أموره، وتدبيره، وسياسته، متبعا لهشام في أفعاله، لكثرة ما يستحسنه من أخبار هشام وسيره. انتهى ملخصا. ومن نوادره ما روي أنه تمادى في الصيد فوقع على غلام، فأمره ببعض الأمر، فأبى الغلام، وأغلظ له في القول، وقال له: لا قرّب الله دارك، ولا حيّا مزارك، في قصة طويلة، فيها أنه أمر بقتله وقرّب له نطع الدّم، فأنشأ الغلام يقول: نبّئت أنّ الباز علّق مرّة ... عصفور برّ ساقه المقدور فتكلّم العصفور في أظفاره ... والباز منهمك عليه يطير ما في ما يغني لبطنك شبعة ... ولئن أكلت فإنّني لحقير

_ [1] في «مروج الذهب» (1/ 223) : «فقال: والله إني عليم حليم» . [2] في «مروج الذهب» : «وحسن السيرة» .

فتعجّب الباز المدلّ بنفسه ... عجبا وأفلت ذلك العصفور [1] فضحك هشام، وقال: يا غلام احش فاه درّا وجوهرا. وفيها توفي أشعث بن أبي الشّعثاء [2] المحاربيّ [3] الكوفي. وآدم بن عليّ الشيبانيّ الكوفي الذي روى عن ابن عمر. وأبو [بشر] جعفر بن أبي وحشيّة، وإياس [4] ، صاحب سعيد بن جبير. وقد روى عن عبّاد بن شرحبيل الصحابي. وأبو عبد الله محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس الهاشمي، والد المنصور، والسّفّاح، وله ستون سنة، وكان جميلا، وسيما، مهيبا، نبيلا، وكان دعاة العباسيين يكاتبونه ويلقّبونه بالإمام. وسبب انتقال الأمر إلى العباسيين [5] ، أن الشيعة كانت تقصد إمامة محمّد بن الحنفيّة بعد أخيه الحسين، ونقلوها بعده إلى ولده أبي هاشم، فلما حضرت أبا هاشم الوفاة ولا عقب له، أوصى إلى محمّد بن علي المذكور،

_ [1] الأبيات في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 288) ط: مؤسسة الرسالة، وقد نقل المؤلف الخبر الأخير عنه بتصرف. [2] في الأصل، والمطبوع: «أشعث بن أبي الشّعث» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 160) ، وانظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبان ص (164) . [3] في «العبر» : «الحارثي» وهو تحريف. [4] يعني يعرف ب ابن أبي وحشية، وابن إياس أيضا. انظر «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 192 و 204) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق. قلت: وقد فصل الأستاذ حسام الدّين القدسي ناشر الطبعة السابقة بين ذكر «ابن أبي وحشية» و «إياس» فبدى سياق النص في المطبوع وكأن المؤلف يتكلم عن رجلين!!، ولفظة «بشر» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 160) . ومن «تهذيب الكمال» . [5] في المطبوع: «للعباسيين» .

ودفع إليه كتبه، وصرف الشيعة إليه، ولما حضرته الوفاة، أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام، فلما حبسه مروان بن محمّد آخر ملوك الأمويين، وعرف أنه مقتول، أوصى إلى السّفّاح- وهو أول خلفاء العباسيين- وشرح القصة يطول، وسنورد تمامه في ترجمة السّفّاح [1] إن شاء الله تعالى. وفيها، وقيل: في سنة أربع، زيد بن أبي أنيسة الجزريّ الرّهاويّ الحافظ، أحد علماء الجزيرة [2] ، وله أربعون سنة. روى عن جماعة من التابعين. قال الذّهبيّ في «المغني» [3] : هو ثقة، نبيل. قال أحمد: في حديثه بعض النكارة [4] . وفيها، أو بعدها، زياد بن علاقة الثّعلبيّ الكوفي. روى عن طائفة. وكان معمّرا، أدرك ابن مسعود، وسمع من جرير بن عبد الله. وفيها صالح مولى التوءمة المدنيّ، وقد هرم، وخرّف. لقي أبا هريرة وجماعة.

_ [1] انظر ص (161- 182) من هذا المجلد. [2] يعني جزيرة أقور التي تقع الآن بين سورية والعراق وتركيا. [3] (1/ 245) . [4] في الأصل، والمطبوع: «النكرة» ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» للذهبي.

سنة ست وعشرين ومائة

سنة ست وعشرين ومائة فيها في جمادى الآخرة مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بحصن البحراء [1] بقرب تدمر. وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر. وكان من أجمل النّاس، وأقواهم وأجودهم نظما، ولكنه كان فاسقا متهتكا، زعم أخوه سليمان أنه راوده عن نفسه. فقاموا عليه لذلك مع ابن عمه يزيد بن الوليد الملقّب بالنّاقص، لكونه نقص الجند أعطياتهم. وبويع يزيد النّاقص، فمات في العشر من ذي الحجّة من السنة عن ست وثلاثين سنة. وبويع بعده أخوه إبراهيم بن الوليد، وكان في يزيد زهد وعدل، وخير، لكنه قدريّ. قال الشّافعيّ: ولي يزيد بن الوليد، فدعا النّاس إلى القدر وحملهم عليه، وسيأتي الكلام عليه بقية قريبا إن شاء تعالى. قاله في «العبر» [2] . وقال المسعوديّ في «مروج الذهب» [3] : ظهر في أيام الوليد بن يزيد،

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «البخراء» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 161) . [2] (1/ 162) . [3] (3/ 225) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

يحيى بن زيد بن علي [بن الحسين بن علي] [1] بن أبي طالب بالجوزجان من بلاد خراسان، منكرا للظلم وما عمّ النّاس من الجور، فسيّر إليه نصر بن سيّار، سلم [2] بن أحوز المازني، فقتل يحيى في المعركة بسهم أصابه في صدغه بقرية يقال لها: أرعونة، ودفن هنالك، وقبره مشهور [مزور] [3] إلى هذه الغاية، وليحيى وقائع كثيرة، ولما قتل، ولىّ أصحابه يومئذ، واحتزّوا رأسه، فحمل إلى الوليد، وصلب جسده بالجوزجان، فلم يزل مصلوبا إلى أن خرج أبو مسلم صاحب الدّولة [العبّاسية] [4] فقتل سلم [5] بن أحوز، وأنزل جثة يحيى، فصلى عليها ودفنت هنالك، وأظهر أهل خراسان النّياحة على يحيى بن زيد سبعة أيام في سائر عمائرها [6] في حال أمنهم على أنفسهم من سلطان بني أميّة، ولم يولد في تلك السنة مولود بخراسان إلّا وسمّي يحيى أو زيد، لما داخل [7] أهل خراسان من الجزع والحزن عليه [8] . وكان ظهور يحيى في آخر سنة خمس وعشرين، وقيل: في [أول] [9] سنة ست وعشرين ومائة، وكان يحيى يوم قتل يكثر من التمثل بقول الخنساء: نهين النّفوس وهون النّفو ... س يوم الكريهة أوفى لها [10]

_ [1] زيادة من «مروج الذهب» (3/ 225) . [2] في الأصل، والمطبوع: «سالم» ، وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب» والمصادر التي بين يدي. [3] زيادة من «مروج الذهب» . [4] زيادة من «مروج الذهب» . [5] في الأصل، والمطبوع: «سالم» ، والتصحيح من «مروج الذهب» والمصادر التي بين يدي. [6] في «مروج الذهب» : «في سائر أعمالها» . [7] في الأصل: «دخل» وأثبت ما في المطبوع. [8] في الأصل، والمطبوع: «عليهما» ، والتصحيح من «مروج الذهب» . [9] لفظة «أول» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «مروج الذهب» . [10] البيت في «ديوانها» ص (126) طبع مكتبة الأندلس ببيروت وروايته فيه:

وكان الوليد بن يزيد صاحب شراب ولهو وطرب وسماع للغناء، وهو أول من حمل المغنّين إليه من البلدان، وجالس الملهين، وأظهر الشّرب والملاهي والعزف. وفي أيامه كان ابن سريج المغنّي، ومعبد، والغريض [1] وابن عائشة، وابن محرز، وطويس، ودحمان، المغنّين، وغلبت شهوة الغناء في أيامه على الخاص والعام، واتخذ القيان، وكان متهتكا، ماجنا، خليعا، وطرب الوليد لليلتين خلتا من ملكه وأرق فأنشأ يقول: طال ليلي وبتّ أسقى السّلافه ... وأتاني نعيّ من بالرّصافه فأتاني [2] ببردة وقضيب ... وأتاني بخاتم الخلافة [3] ومن مجونه قوله عند وفاة هشام، وقد أتاه البشير بذلك، وسلّم عليه بالخلافة. إني سمعت خليلي ... نحو الرّصافة رنّه أقبلت أسحب ذيلي ... أقول ما حالهنّه إذا بنات هشام ... يندبن والدهنّه يدعون ويلا وعولا ... والويل حلّ بهنّه أنا المخنّث حقّا ... إن لم أنيكهنّه [4]

_ نهين النفوس وهون النفوس ... يوم الكريهة أبقى لها [1] في المطبوع: «والقريض» وهو تحريف. وهو عبد الملك، مولى العبلات، من مولدي البربر، من أشهر المغنين في صدر الإسلام، ومن أحذقهم في صناعة الغناء. سكن مكة، وغنى سكينة بنت الحسين، وكان يضرب بالعود، وينقر بالدف، ويوقع بالقضيب، كنيته أبو يزيد أو أبو مروان، ولقب ب «الغريض» لجماله ونضارة وجهه، مات سنة (95) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 156) . [2] في «مروج الذهب» : «وأتاني» . [3] في المطبوع، و «مروج الذهب» : «وأتاني بخاتم للخلافة» . [4] في المطبوع، و «مروج الذهب» : «أنيكنّهنّه» .

ومن مليح قوله في الشّراب: وصفراء في الكأس كالزّعفران ... سباها لنا التّجر من عسقلان تريك القذاة وعرض الإناء ... وستر لها دون مسّ البنان لها حبب كلّما صفّقت ... تراها كلمعة برق يماني ومن مجونه أيضا على شرابه قوله لساقيه: اسقني يا يزيد بالقرقارة [1] ... قد طربنا وحنّت الزّمّارة [2] اسقني اسقني فإنّ ذنوبي ... قد أحاطت فما لها كفّاره والوليد يدعى خليع بني مروان، وقرأ ذات يوم وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ [3] عَنِيدٍ من وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى من ماءٍ صَدِيدٍ 14: 15- 16 [إبراهيم: 15- 16] ، فدعا بالمصحف فنصبه غرضا [4] [للنشّاب] [5] وأقبل يرميه وهو يقول: أتوعد كلّ جبّار عنيد ... فها أنا ذاك جبّار عنيد إذا ما جئت ربّك يوم حشر ... فقل يا ربّ خرّقني الوليد [6] وذكر محمّد بن يزيد المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- ومن ذلك الشعر: تلعّب بالخلافة هاشميّ ... بلا وحي أتاه ولا كتاب فقل لله يمنعني طعامي ... وقل لله يمنعني شرابي

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بالطرجهارة» وهو تحريف، والتصحيح من «مروج الذهب» . [2] في الأصل، والمطبوع: «المزمارة» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [3] في الأصل، والمطبوع: «وخاب كل خيار» وهو تحريف شنيع. [4] الغرض: الهدف الذي يرمى فيه. «مختار الصحاح» ص (472) . [5] زيادة من «مروج الذهب» (3/ 226) . [6] أعوذ بالله من هذا الكلام صحت نسبته إليه أو لم تصح، فإنه مما لا يتلفظ به إلّا من حبط عمله، وأيقن بأن جهنم لا محال مستودعه ومقره. والبيتان في «مروج الذهب» .

فلم يمهل بعد قوله هذا إلّا أياما حتّى قتل. انتهى ما ذكره في «المروج» ملخصا. وأمّ الوليد بنت أخي الحجّاج بن يوسف الثّقفيّة، ويكنى أبا العبّاس. وقصمه الله وهو ابن سبع وثلاثين سنة. وقيل: اثنتان وأربعون سنة، ودفن بدمشق بين باب الجابية وباب الصغير. وفيها توفي جبلة بن سحيم الكوفي. روى عن ابن عمر، ومعاوية. وفي المحرم هلك خالد بن عبد الله القسريّ الدّمشقيّ الأمير تحت العذاب، وله ستون سنة، وكان جوادا ممدّحا، خطيبا، مفوّها، خطب بواسط يوم أضحى، وكان ممن حضره الجعد بن درهم، فقال خالد في خطبته: الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلا، وموسى كليما، فقال الجعد- وهو بجانب المنبر- لم يتخذ الله إبراهيم خليلا، ولا موسى كليما، ولكن من وراء وراء، فلما أكمل خالد خطبته قال: يا أيها النّاس ضحّوا قبل الله ضحاياكم، فإني مضحّ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا موسى كليما. في كلام طويل. ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر. فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية. والجعد هذا من أوّل من نفى الصّفات، وعنه انتشرت مقالة الجهميّة، إذ ممن حذا حذوه في ذلك الجهم بن صفوان، عاملهما الله تعالى بعدله. قال الذّهبيّ في «المغني» [1] : الجعد بن درهم ضالّ مضلّ، زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا، تعالى الله عمّا يقول الجعد علوا كبيرا. انتهى.

_ [1] (1/ 131) .

وقال فيه [1] أيضا: خالد بن عبد الله القسري، عن أبيه، عن جده، صدوق، لكنه ناصبيّ جلد. انتهى. وقال ابن معين عن خالد هذا: كان رجل سوء يقع في علي- رضي الله عنه- ولي العراق لهشام. انتهى. وقال ابن الأهدل في «تاريخه» عن خالد: كان أمير العراق لهشام، وكان أحد الأجواد، كتب إليه هشام: بلغني أن رجلا قال لك: إن الله كريم، وأنت كريم جواد، وأنت جواد، حتّى عدّ عشر خصال، والله لئن لم تخرج من هذا لأستحلنّ دمك، فكتب إليه خالد: إنما قال لي: إن الله كريم يحب الكريم، فأنا أحبك لحب الله إياك. ولكن أشد من هذا مقام ابن شقيّ [2] البجلي بحضرة أمير المؤمنين قائلا: خليفتك أحبّ إليك أم رسولك، فقال: بل خليفتي، فقال: أنت خليفة الله ومحمد ورسوله، والله لقتل رجل من بجيلة أهون من كفر أمير المؤمنين. فكتب هشام إلى عامله على اليمن يوسف ابن عم الحجّاج يقول: اشفني من ابن النصرانية، فسار يوسف من حينه، واستعمل ولده الصّلت مكانه، ووصل العراق في سبعة عشر يوما، فوقع على خالد بالحيرة منزل النّعمان بن المنذر على فرسخ من الكوفة، فعذّبه أشد تعذيب، وجعل عليه كل يوم مالا معلوما، إن لم يؤدّه ضاعف عذابه، ومدحه أبو الشغب [3] العبسي في السجن بقوله: لعمري لقد عمّرتم السّجن خالدا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل

_ [1] يعني في «المغني في الضعفاء» (1/ 203) . [2] في الأصل، والمطبوع: «ابن سعي» وهو تحريف، والتصحيح من «مرآة الجنان لليافعي (1/ 290) . وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (5/ 278) . [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو الشعث» ، والتصحيح من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 291) .

ألا إنّ خير النّاس حيّا وميّتا ... أسير ثقيف عندهم في السّلاسل لقد كان نهّاضا لكلّ ملمّة ... ويعطي اللهى غمرا [1] كثير النّوافل وقد كان يبني [2] المكرمات لقومه ... ويعطي العطا في كلّ حقّ وباطل [3] فأنفذ إليه عطاء ذلك اليوم، فاعتذر عن قبولها، فأقسم عليه ليأخذنها. وكان خالد فيما قيل، من ذرّيّة شقّ الكاهن، وشقّ ابن خالة سطيح، وكانا من أعاجيب الزّمان، كان سطيح جسدا ملقى بلا جوارح، ووجهه في صدره، ولم يكن له رأس ولا عنق، وكان لا يقدر يجلس إلّا إذا غضب، فإنه ينتفخ فيجلس، قيل: وكان يطوى مثل الأديم، وينقل من مكان إلى مكان. وكان شقّ نصف إنسان له يد ورجل، وولدا في يوم واحد، وهو اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة [4] الحميرية زوجة عمرو بن مزيقياء بن عامر بن ماء السماء، وحين ولدا تفلت في أفواههما، وماتت من ساعتها ودفنت بالجحفة. انتهى ما أورده ابن الأهدل. وفيها توفي درّاج بن سمعان أبو السّمح المصري القّاص، مولى عبد الله بن عمرو بن العاص. قال السّيّوطيّ في «حسن المحاضرة» [5] : يقال: اسمه عبد الرّحمن، ودرّاج لقب.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «فضلا» والتصحيح من «مرآة الجنان» . [2] في الأصل، والمطبوع: «يقني» وهو خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» . [3] الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 230) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 291) . [4] هي طريفة بنت الخير الحميرية. كاهنة يمانية، من الفصيحات البليغات. كانت زوجة للملك عمرو بن مزيقياء بن ماء السماء الأزدي الكهلاني، قيل: إنها تنبأت له بانهيار «السد» فاستعد هو وقومه للهجرة. انظر «الأعلام» (3/ 226) . [5] (1/ 266) طبع دار إحياء الكتب العربية في القاهرة بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله تعالى.

روى عن عبد الله بن الحارث بن جزء. وعنه اللّيث [1] . انتهى. وفيها، وقيل: سنة ثمان، سعيد بن مسروق والد سفيان، الثّوريّ. وعمرو بن دينار، أبو محمّد، الجحميّ مولاهم اليمنيّ الصنعانيّ الأبناويّ [2] بمكّة، عن ثمانين سنة. قال عبد الله بن أبي نجيح: ما رأيت أحدا قطّ أفقه منه. وقال شعبة: ما رأيت في الحديث أثبت منه. قال في «العبر» [3] : سمع ابن عبّاس، وجابرا، وطائفة. انتهى. وقال طاووس لابنه: إذا قدمت مكّة فجالس عمرو بن دينار، فإن أذنيه قمع العلم. والقمع بكسر القاف وفتح الميم: إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل، يصب فيه الدّهن إلى قارورة أو نحوها. وقال ابن قتيبة [4] : هو مولى ابن باذان من فرس اليمن. انتهى. وفيها توفي عبد الرّحمن بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق التيميّ المدنيّ الفقيه، كان إماما، ورعا، كثير العلم. وفيها على الصحيح سليمان بن حبيب المحاربي، قاضي دمشق. روى عن معاوية وجماعة. قال أبو داود: ولي قضاء دمشق أربعين سنة.

_ [1] في المطبوع: «الليثي» وهو خطأ. [2] في الأصل، والمطبوع: «الإيناوي» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، فقد كان من «الأبناء» لذا نسبه المؤلف إليهم. [3] (1/ 163) . [4] انظر «المعارف» ص (468) .

وعبد الله بن هبيرة السّبئيّ [1] المصريّ وله ست وثمانون سنة. وعبيد الله بن أبي يزيد المكي، صاحب ابن عبّاس. ويحيى بن جابر الطائيّ، قاضي حمص. قال ابن الأهدل: وفي ذي الحجّة منها مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك وقد بلغ من السن أربعين سنة، وولايته خمسة أشهر، وله عقب كثير، وفي جدّاته من أمه كسراويتين وقيصرية، وفي ذلك يقول مفتخرا: أنا ابن كسرى وأنا ابن خاقان ... وقيصر جدّي وجدّي مروان ومن خطبته يوم قتل الوليد: أيّها النّاس والله ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا حرصا على الدّنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، إني لظلوم لها، ولكني خرجت غضبا [2] لله ولدينه، لمّا ظهر الجبار العنيد، المستحل لكل حرمة، الراكب لكل بدعة، الكافر بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب وكفؤي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني، حتّى أراح الله منه العباد، وطهّر منه البلاد، بحوله وقوته، لا بحولي ولا قوتي. انتهى.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «السباري» وهو تحريف، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (7/ 23) . [2] في الأصل: «غصبا» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع.

سنة سبع وعشرين ومائة

سنة سبع وعشرين ومائة لما بلغ مروان بن محمّد بن مروان وفاة يزيد النّاقص، سار من إرمينية في جيوشه [1] يطلب الأمر لنفسه، فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشرا، ومسرورا في جيش كبير، فهزم جيشهما، وأسرهما، ثم حاربه سليمان بن هشام بن عبد الملك، فانهزم أيضا، فخرج إبراهيم للقائه، وكان مروان نزل بمرج دمشق، وبذل إبراهيم الأموال والخزائن، فخذله أصحابه، فخلع نفسه، وبايع هو والنّاس مروان. وفي هذه الفتنة قتل يوسف بن عمر الثقفيّ في السّجن بدمشق، وكان سجنه يزيد بن الوليد مع الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد اللّذين يقال لهما: الجملان، فلما ولي إبراهيم بن الوليد، وغلبه مروان، خافت جماعة إبراهيم أن يدخل مروان دمشق فيخرجهما مع يوسف، فندبوا لقتلهم يزيد بن خالد بن عبد الله القسريّ، فقتلهم، وأدرك الثأر بأبيه، فجعل في رجلي يوسف حبلا وجرّره الولدان في الشوارع، ففعل يزيد بن خالد مثل ذلك في ذلك الموضع، نعوذ بالله من سخطه. وقتل أيضا عبد العزيز بن الحجّاج بن عبد الملك.

_ [1] في الأصل: «في جيوش» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 164) .

وفيها توفي عبد الله بن دينار، مولى ابن عمر بالمدينة. قال ابن ناصر الدّين: كان ثبتا، ثقة، متقنا. والسيد الكبير الولي الشهير أبو يحيى مالك بن دينار البصريّ الزّاهد المشهور، كان مولى لبني أسامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك، وكان يكتب المصاحف بالأجرة، أقام أربعين سنة لا يأكل من ثمار البصرة، ولا يأكل إلّا من عمل يده، ووقع حريق بها فخرج متّزرا بباريّة [1] ، وبيده مصحف، وقال: فاز المخفّون. وقيل له: ألا تستسقي لنا؟ فقال: أنتم تنتظرون الغيث، وأنا أنتظر الحجارة. وقال له رجل: إن امرأتي حبلى منذ أربع سنين، وأصبحت اليوم في كرب عظيم، فادع الله لها، فقال: اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب، فجاء الرّجل على رقبته غلام، وقد استوت أسنانه وما قطع سراره. وفيها توفي عمير بن هانئ العنسيّ- بالنون- الدّارانيّ [2] . روى عن معاوية في «الصحيحين» وعن أبي هريرة في «السنن» . قال له عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر: أراك لا تفتر عن الذّكر، فكم تسبّح كل يوم؟ قال: مائة ألف تسبيحة، إلّا أن تخطئ الأصابع. قلت: هذا صريح منه بأنه كان يعدّ التسبيح بأصابعه، ولكن أورد أبو بكر بن داود في «التحفة» أنّ أبا الدّرداء كان يسبّح كل يوم مائة ألف تسبيحة أيضا، ثم قال ما معناه: وهذا دليل أنه كان يستعمل السّبحة، إذ يبعد ويتعذّر أن يضبط مثل هذا العدد بغيرها، وجعله من جملة الأدلة على السّبحة، بعد

_ [1] أي بحصيرة منسوجة. (ع) . [2] نسبة إلى داريا، وهي من القرى الكبيرة في غرب دمشق. انظر «معجم البلدان» (2/ 431- 432) .

أن ذكر أيضا أن أبا هريرة كان يسبّح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة. وسلسل إليه حديثا بالسبحة [1] ، والله أعلم. وفيها قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ المدني. قال شعبة: كان يصوم الدّهر، ويختم كل يوم [2] . وعبد الكريم بن مالك الجزريّ الحرّانيّ [3] الحافظ كهلا. قال في «المغني» [4] : ثقة مشهور توقّف فيه ابن حبّان. وفيها وهب بن كيسان المدنيّ المؤدّب عن سنّ عالية. وفيها، أو في سنة تسع، إسماعيل السّديّ الكوفيّ المفسر المشهور [5] . وفيها، وقيل: سنة ثمان، توفي أبو إسحاق عمرو [6] بن عبد الله السّبيعي الكوفي شيخ الكوفة وعالمها، له نحو المائة. رأى عليا، وغزا الرّوم زمن معاوية.

_ [1] أقول: ليس ذلك دليلا على صحة الحديث المسلسل بالسبحة، كما أنه ليس دليلا على السبحة نفسها، والأولى التسبيح بالأصابع، لأنهن مستنطقات. (ع) . [2] أقول: ليس معنى ذلك أن هذا هو السنة، بل الأفضل أن يصوم يوما ويفطر يوما، وأن لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. (ع) . [3] نسبة إلى حرّان الجزيرة. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (58) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير. [4] (2/ 402) . [5] انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 62) بإشراف والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى. [6] في الأصل: «عمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 36) .

قال في «المعارف» [1] : وهو من بطن من همدان يقال لهم: السّبيع قال شريك: ولد أبو إسحاق السّبيعي في سلطان عثمان لثلاث سنين بقين منه، ومات سنة سبع وعشرين ومائة وله خمس وتسعون سنة. حدثنا [2] عبد الرّحمن، عن عمه، عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال: رفعني أبي حتّى رأيت علي بن أبي طالب يخطب [على المنبر] [3] أبيض الرأس واللحية. انتهى. وقال عنه ابن ناصر الدّين: كان أحد أئمة الإسلام والحفاظ المكثرين. وروى عن زيد بن أرقم. انتهى.

_ [1] ص (451- 452) . [2] في «المعارف» لابن قتيبة: «حدثني» . [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «المعارف» .

سنة ثمان وعشرين ومائة

سنة ثمان وعشرين ومائة فيها ظهر الضّحّاك بن قيس الخارجيّ، وقتل متولي البصرة، والموصل، واستولى عليها، وكثرت جموعه، وأغار على البلاد، وخافه مروان، فسار إليه بنفسه، فالتقى الجيشان بنصيبين [1] وكان أشار على الضّحّاك أمراؤه أن يتقهقر، فقال: مالي في دنياكم من حاجة، وقد جعلت لله عليّ إن رأيت هذا [2] الطاغية أن أحمل عليه حتّى يحكم الله بيننا، وعليّ دين سبعة دراهم، معي منها ثلاثة دراهم، فثارت الحرب إلى آخر النهار، وانهزم مروان وملك مخيّمه، وثبت أمير الميمنة في نحو ثلاث آلاف، فأحاطوا بذلك الخارجي، فقتلوه في نحو ستة آلاف من الفريقين، وقام بأمر الخوارج شيبان، فتحيّز بهم، وخندق [3] ، وخندقوا على أنفسهم، وجاء مروان فنازلهم، وقاتلهم عشرة أشهر، كل يوم يكسرونه، وكانت فتنة هائلة تشبه فتنة ابن الأشعث مع الحجّاج، ثم رحل شيبان نحو شهرزور [4] ثم إلى كرمان، ثم كرّ إلى البحرين، فقتل هناك.

_ [1] بلدة تقع الآن في أقصى الجنوب الشرقي من أرض تركيا على مقربة من القامشلي. قال ياقوت: وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة، على جادة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان ... وينسب إلى نصيبين جماعة من العلماء، والأعيان. انظر «معجم البلدان» (5/ 288- 289) . [2] في الأصل: «هذه» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [3] لفظة: «وخندق» لم ترد في «العبر» للذهبي (1/ 166) . [4] مدينة تقع الآن في إيران. قال ياقوت: وهي كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان،

وفيها خروج بسطام بن اللّيث بأذربيجان، ثم قدم نصيبين في نيّف وأربعين رجلا، فنهض لحربه عسكر الموصل، فبيّتهم، وأصاب منهم ثم عاث [1] بنصيبين، ثم قتل. وفيها ولي العراقين يزيد بن عمر [2] بن هبيرة. وعزل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وقبض عليه ابن هبيرة من واسط، وبعث به إلى مروان مع ابن له، فلم يزالا في حبسه حتّى ماتا. وفيها توفي بكر بن سوادة الجذاميّ [3] المصريّ، مفتي مصر، وقد روى عن عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد. وجابر بن يزيد الجعفي، من كبار المحدّثين بالكوفة. روى عن أبي الطّفيل، ومجاهد. وثقه وكيع وغيره، وضعفه آخرون. وأبو قبيل المعافريّ [4] المصريّ حييّ [5] بن هانئ سمع عقبة، وعبيد الله بن عمرو. وعاصم بن أبي النّجود الكوفيّ الأسديّ مولاهم، أحد القراء السبعة [6]

_ أحدثها زور بن الضحاك، ومعنى شهر بالفارسية المدينة. انظر «معجم البلدان» (3/ 375- 376) . [1] في الأصل: «ثم غاث» وهو تصحيف. [2] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 167) : «يزيد بن عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال التي بين يدي. [3] في الأصل: «الحزامي» وهو تحريف، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب. [4] في الأصل: «المغافري» وهو تصحيف، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب. [5] في الأصل، والمطبوع: «حسن» وهو خطأ، والتصحيح «العبر» للذهبي (1/ 167) . [6] قلت: وبقية القراء السبعة هم: الإمام علي بن حمزة الكسائي الأسدي، المتوفى سنة (189) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (407- 408) من هذا المجلد.

كان حجّة في القرآن [1] صدوقا في الحديث، قرأ على أبي عبد الرّحمن السّلمي وغيره. وأبو عمران الجوني البصري، عبد الملك بن حبيب عن سنّ عالية. سمع جندب بن عبد الله وجماعة. وفيها على الأصح أبو حصين الأسديّ، عثمان بن عاصم سيّد بني أسد بالكوفة، كان ثبتا، خيّرا، فاضلا، عثمانيّا، لقي جابر بن سمرة وطائفة. وأبو الزّبير المكيّ، محمّد بن مسلم، أحد العقلاء والعلماء، لقي عائشة والكبار. قال ابن ناصر الدّين: نقم عليه التدليس، ومع ذلك فهو إمام حافظ، واسع العلم، رئيس. انتهى. وأبو جمرة [2] الضّبعيّ، نصر بن عمران، صاحب ابن عبّاس.

_ والإمام نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي، المتوفى سنة (169) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (312- 313) من هذا المجلد. والإمام عبد الله بن كثير الكناني الداري المكّي، المتوفى سنة (120) هـ. وقد تقدمت ترجمته في ص (89- 90) من هذا المجلد. والإمام عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي، المتوفى سنة (118) هـ. وقد تقدمت ترجمته في ص (85) من هذا المجلد. والإمام حمزة بن حبيب الزيات، المتوفى سنة (156) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (255) من هذا المجلد. والإمام زبّان بن العلاء بن عمار التيمي المازني أبو عمرو، المتوفى سنة (154) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (248- 251) من هذا المجلد. [1] في المطبوع: «كان حجّة في القراءات» . [2] في «العبر» : «أبو حمزة» وهو تصحيف، وقد فات محققه الدكتور صلاح الدّين المنجد تصحيحه علما بأنه رجع إلى كتاب «اللباب في تهذيب الأنساب» (2/ 260) لضبط نسبته ومع ذلك فاته صواب الاسم عند ابن الأثير!.

وفيها فقيه مصر وشيخها ومفتيها، أبو رجاء، يزيد بن أبي حبيب الأزدي مولاهم، لقي عبد الله بن الحارث بن جزء وطائفة. قال اللّيث: هو عالمنا وسيدنا. وفيها أبو التيّاح البصريّ، صاحب أنس، واسمه يزيد بن حميد. قال أبو إياس: ما بالبصرة أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله من أبي التيّاح. وقال أحمد: هو ثبت ثقة. وفيها يحيى بن يعمر النحويّ البصريّ، لقي ابن عمر، وابن عبّاس، وغيرهما، وأخذ النحو عن أبي الأسود [الدّؤلي] وكان يفضّل أهل البيت من غير تنقّص لغيرهم [1] . قال له: الحجّاج: تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-! لتخرجن من ذلك أو لألقينّ الأكثر منك شعرا، فقال: قال الله تعالى: وَمن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ 6: 84 الآية وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى 6: 85 الآية [الأنعام: 84] . وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد- صلّى الله عليه وسلّم- فقال له الحجّاج: ما أراك إلّا قد خرجت والله لقد قرأتها وما علمت بها قطّ. ثم قال له الحجّاج: أين ولدت؟ قال بالبصرة. قال: وأين نشأت؟ قال: بخراسان. قال فمن أين هذه العربية؟ قال: رزق. ثم كتب الحجّاج إلى قتيبة بن مسلم: أن اجعل يحيى بن يعمر على قضائك [2] .

_ [1] في الأصل: «بغيرهم» وأثبت ما في المطبوع. [2] المؤلف ينقل عن «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 297) بتصرف، وما بين حاصرتين استدركته منه.

سنة تسع وعشرين ومائة

سنة تسع وعشرين ومائة في رمضان منها كان ظهور أبي مسلم الخراساني صاحب الدّعوة بمرو. وفيها توفي عالم المغرب وعابدها خالد بن أبي عمران التّجيبيّ التونسيّ، قاضي إفريقية. روى عن عروة وطبقته. وسالم المدني أبو النضر، وحديثه عن عبد الله بن أبي أوفى إجازة [1] في «الصحيحين» . وفيها، وقيل: في سنة إحدى وثلاثين، عليّ بن زيد بن جدعان القرشيّ التيميّ البصريّ الضرير، كان أحد أوعية العلم. قال في «العبر» [2] : كان أحد علماء الشيعة، وكان كثير الرّواية، ليس بالقويّ. انتهى. وفيها على الصحيح يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل، وقيل: اسم أبيه يسار، وقيل: نشيط، وقيل: دينار، الطّائي مولاهم، كان أحد العلماء الأعلام الأثبات.

_ [1] أقول: أي كتابة، وهو حديث: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية» وهو عند البخاري في الجهاد رقم (2965) ، ومسلم رقم (1742) من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه. (ع) . [2] (1/ 169) .

قال: أيوب السختياني: ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير. وقال في «العبر» [1] : هو أحد الأعلام في الحديث، له حديث في «صحيح مسلم» عن أبي أمامة، وآخر في «سنن النسائي» عن أنس، فيقال: لم يلقهما، والله أعلم [2] . انتهى. وفيها قارئ المدينة الزّاهد العابد أبو جعفر يزيد بن القعقاع، عن بضع وثمانين سنة. أخذ عن أبي هريرة، وابن عبّاس، وقرأ عليه نافع، وإلياس [3] وله ذكر في «سنن أبي داود» ، وكان من أفضل أهل زمانه، رؤي بعد موته على ظهر الكعبة وهو يخبر أنه من الشهداء الكرام.

_ [1] (1/ 169) . [2] انظر «تحرفة الأشراف» (1/ 122 و 290- 291) بتحقيق الشيخ عبد الصمد شرف الدين، فقد ذكر المزي فيه أحاديث أخرى من روايته. [3] لم أقف على ذكر له فيمن قرأ على أبي جعفر في المصادر التي بين يدي.

سنة ثلاثين ومائة

سنة ثلاثين ومائة فيها كانت فتنة الإباضية، وهم المنسوبون إلى عبد الله بن إباض [1] قالوا: مخالفونا من أهل القبلة كفار، ومرتكب الكبيرة موحّد غير مؤمن، بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وكفّروا عليا وأكثر الصحابة، وكان داعيتهم في هذه الفتنة عبد الله بن يحيى الجنديّ الكنديّ الحضرميّ، طالب الحق، وكانت لهم وقعة بقديد [2] مع عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقتل عبد العزيز، ومن معه من أهل المدينة، فكانوا سبعمائة، أكثرهم من قريش، منهم مخرمة بن سليمان الوالبي، روى عن عبد الله بن جعفر وجماعة، وبعدها سارت الخوارج إلى وادي القرى، ولقيهم عبد الملك السّعدي، فقتلهم، ولحق رئيسهم إلى مكّة فقتله أيضا، ثم سار إلى تبالة وراء مكّة بست مراحل، فقتل داعيتهم الكندي. وفيها توفي بالبصرة شعيب بن الحبحاب صاحب أنس. وأبو الحويرث [3] عبد الرّحمن بن معاوية الأنصاريّ المدنيّ.

_ [1] في المطبوع: «عبد الله بن أباض» وانظر «الأعلام» للزركلي (4/ 61- 62) فقد استوفى رحمه الله ترجمته فيه وهي نافعة. [2] قرية قرب مكة. انظر «معجم ما استعجم» للكبري (2/ 1054- 1055) ، و «معجم البلدان» (4/ 313- 314) . [3] في الأصل: «أبو الحريرث» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.

وعبد العزيز بن رفيع المكيّ ثم الكوفي عن نيّف وتسعين سنة. روى عن ابن عبّاس وجماعة. وشيبة بن نصاح بن سرجس [1] بن يعقوب، مولى أمّ سلمة، ولا يعلم أحد روى عن نصاح إلّا ابنه شيبة، وكان شيبة إمام أهل المدينة في القراءات في دهره، قرأ على أبي هريرة، وابن عبّاس. وقال: قالون [2] : كان نافع أكثر اتّباعا لشيبة من أبي جعفر [3] . وعبد العزيز بن صهيب البصريّ الأعمى. وكعب بن علقمة التنوخيّ المصريّ. روى عن أبي تميم الجيشاني وطائفة. وفيها، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، السيد الجليل، كبير الذّكر، محمد بن المنكدر التيميّ المدني. قال ابن ناصر الدّين: هو محمّد بن عبد الله بن الهدير بن عبد العزّى [4] بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرّة أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر القرشيّ التيميّ أخو أبي بكر، وعمر [5] . سمع أبا هريرة، وابن عبّاس، وجابرا، وأنسا، وابن المسيّب، وعدة أخر، وهو من أضراب

_ [1] في الأصل: «ابن سرخش» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [2] هو عيسى بن ميناء بن وردان بن عيسى الزّرقيّ، مات سنة (220) هـ. انظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 155- 156) طبع مؤسسة الرسالة، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. [3] في الأصل، والمطبوع: «كان نافع أكثر اتباعا لشيبة بن جعفر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 170) . وانظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 80) . [4] في الأصل: «ابن معبد» ، وفي المطبوع: «ابن معبد القرشي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1276) مصورة دار المأمون للتراث و «تهذيب التهذيب» (9/ 473) . [5] يعني أخو أبي بكر بن المنكدر، وعمر بن المنكدر.

عطاء بن أبي رباح، لكن تأخرت وفاته عن تلك الطبقة. انتهى. قيل له: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمنين. وقيل له: أيّ الدّنيا أحبّ إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان. وكان يحج وعليه دين. فقيل له: أتحج وعليك دين؟ فقال: هو أقضى للدّين. وكان إذا حجّ خرج بنسائه وصبيانه كلّهم، فقيل له في ذلك، فقال: أعرضهم على الله. قال مالك: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة آتي ابن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأبغض نفسي أياما، وكان من أزهد النّاس وأعبدهم، وكان له أخوان فقيهان عابدان، أبو بكر ابن المنكدر، وعمر بن المنكدر. وسمع محمد عائشة، وأبا هريرة، وكان بيته مأوى الصالحين ومجتمع العابدين. وفيها توفي أبو وجزة [1] السعديّ المدنيّ يزيد بن عبيد، الذي روى عن عمير بن أبي سلمة. ويزيد الرّشك [2] بالبصرة. روى عن مطرّف بن الشّخّير، وجماعة. وفيها توفي يزيد بن رومان المدني. روى عن عروة، وجماعة، وقيل: إنه قرأ على ابن عبّاس، وهو من شيوخ نافع في القراءة.

_ [1] في الأصل: «وجرة» وهو تصحيف، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب. [2] قال ابن منظور: الرّشك: اسم رجل كان عالما بالحساب، وفي «التهذيب» : اسم رجل كان يقال له: يزيد الرّشك، وكان أحسب أهل زمانه، وكان الحسن البصريّ إذا سئل عن حساب فريضة قال: علينا بيان السّهام، وعلى يزيد الرّشك الحساب، قال الأزهريّ: ما أدري الرّشك عربيا، وأراه لقبا، قال: ولا أصل له في العربية علمته. «لسان العرب» (رشك) .

وقاضي دمشق يزيد بن عبد الرّحمن بن أبي مليك الهمدانيّ الفقيه. أخذ عن واثلة بن الأسقع، وجماعة [1]

_ [1] قلت: وفيها قتل شيبان بن سلمة الحروري. انظر «تاريخ الطبري» (7/ 385- 386) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (5/ 382- 383) ، وانظر ص (121) من هذا المجلد.

سنة إحدى وثلاثين ومائة

سنة إحدى وثلاثين ومائة فيها استولى أبو مسلم صاحب الدعوة على ممالك خراسان، وهزم الجيوش، وأقبلت سعادة [1] بني العبّاس، وولّت الدّنيا عن بني أميّة، وكان ابتداء دعوته بمرو، وذلك أن أبا مسلم واسمه عبد الرّحمن بن مسلم قام بالدعوة الهاشمية، وابتداء أمره أن أباه مسلما رأى أنه خرج من إحليله [2] نار وارتفعت في السماء، ووقعت في ناحية المشرق، فقصها على مولاه عيسى بن معقل العجلي، فقال له: يولد لك غلام يكون له شأن، فمات أبوه، ووضعته أمه، ونشأ عند عيسى بن معقل، ثم حبس عيسى وأخوه إدريس جدّ أبي دلف العجلي [3] الذي يمدح في بقايا عليهم من الخراج، فكان أبو مسلم يختلف إليهما، فوافق عندهم يوما جماعة من نقباء الإمام محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس يدعون إلى بيعته سرا، فمال إليهم أبو مسلم، وسار معهم حتّى قدموا على الإمام محمّد بن عليّ بمكّة، فشكر فعلهم، وأشار إلى

_ [1] في الأصل: «سجادة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [2] قال ابن منظور: الإحليل: مخرج البول من الإنسان ... والإحليل يقع على ذكر الرجل، وفرج المرأة. «لسان العرب» (حلل) . [3] أبو دلف: هو القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن سيّار بن شيخ بن سيّار بن عبد العزّى بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجم. قاله ابن حزم في «جمهرة أنساب العرب» ص (313) وسوف ترد ترجمته في أول المجلد الثالث إن شاء الله تعالى.

أبي مسلم [1] وقال له: أنت ممن يتحرك في دولتنا، ومات الإمام عقب [2] ذلك، وقد أوصى إلى ابنه إبراهيم، فقدمت الدّعاة على إبراهيم ومعهم أبو مسلم وهو غلام حزوّر [3] فسلّموا أبا مسلم إليه، فكان يخدمه حضرا وسفرا، ثم أرسله إلى خراسان فشهر الدّعوة وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة، وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم غير معين، ثم أظهر الدّعوة إلى إبراهيم [4] بن محمّد، وكان إبراهيم بحرّان فقبض عليه مروان وجعل رأسه بجراب نورة [5] وشدّ عليه، فمات غما، وهرب أخوه عبد الله السّفّاح، فتوارى بالكوفة حتّى أتته جيوش أبي مسلم من خراسان بعد وقعاته العظيمة بأمراء الأمويين، فبايعوه وسموه المهدي الوارث للإمامة. وكان أبو مسلم معظّما يلقاه أبو ليلى القاضي فيقبّل يده، فنهي أبو ليلى، فقال: قبّل أبو عبيدة يد عمر، فقيل: شبّهته بعمر، قال: تشبّهوني بأبي عبيدة. ومن جوده أنّه حجّ في ركبه، فأقسم أن لا يوقد غير ناره، وقام بمؤونتهم حتّى قدم مكّة، ووقف بمكّة خمسمائة وصيف يسقون النّاس في المسعى. وآخر أمره أنه لما ولي أبو جعفر المنصور بعد أخيه السّفّاح، صدرت من أبي مسلم قضايا غيّرت قلبه عليه، ومن ذلك أنه كتب إليه كتابا فبدأ بنفسه، وخطب إليه عمته آسية، وقد كان في ابتداء دولة المنصور قام عليه

_ [1] في المطبوع: «وأشار لأبي مسلم» . [2] في الأصل: «عقيب» وأثبت ما في المطبوع. [3] قال ابن منظور: الحزوّر: الغلام الذي قد شبّ وقوي ... والجمع حزاور وحزاورة. «لسان العرب» (حزر) . [4] في المطبوع: «ثم أظهر الدعوة لإبراهيم» . [5] الجراب: الوعاء، والنّورة الحجر الذي يحرق ويسوى منه الكلس. انظر «لسان العرب» (جرب) و (نور) .

ابن أخيه ابن السّفّاح عبد الله، فجهّز إليه أبو جعفر أبا مسلم فهزمه وقبض خزانته وما معه، فكتب إليه أبو جعفر المنصور: احتفظ بما في يديك ولا تضيّعه، فشق ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور، ثم إن المنصور استعطفه ومناه وحفظها له، وقال: لمسلم بن قتيبة الباهليّ: ما ترى في أبي مسلم؟ فقال: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا 21: 22 [الأنبياء: 22] . فقال: حسبك لأذن واعية. قيل: وقد كان قيل لأبي مسلم، أو رؤي له في الملاحم أنه يميت دولة ويحيي دولة، ويقتل بأرض الرّوم، وكان المنصور برومية، التي بناها الإسكندر ذو القرنين بمدائن كسرى [1] لما طاف الأرض، ولم يجد المنصور برومية منزلا سوى المدائن، فنزلها وبنى فيها رومية، وقدم أبو مسلم من حجّه على المنصور برومية، ولم يخطر بباله أنها مقتله، بل ذهب ذهنه إلى بلاد الرّوم، فدسّ المنصور جماعة خلف سريره وقال لهم: إذا دخل وعاتبته وضربت يدا على يد فأظهروا له واضربوا عنقه، ففعلوا، وأنشد حين رآه طريحا: زعمت أنّ الكيل لا ينقضي [2] ... فاستوف بالكيل أبا مجرم اشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمرّ في الحلق من العلقم واختلف في نسب أبي مسلم، فقيل: من العرب، وقيل: من العجم، وقيل: من الأكراد، وفي ذلك يقول أبو دلامة [3] : أبا مجرم ما غيّر الله نعمة ... على عبده حتّى يغيّرها العبد

_ [1] قلت: وهي اليوم في العراق. انظر «الروض المعطار» للحميري ص (276- 277) . [2] في «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (3/ 154) : «زعمت أنّ الدّين لا يقتضى» . [3] هو زند بن الجون الأسدي، المتوفى سنة (161) هـ. انظر ترجمته في ص (273- 274) من هذا المجلد.

أفي دولة المنصور حاولت غدرة ... ألا إنّ أهل الغدر آباؤك الكرد أبا مسلم خوّفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوّفتني الأسد الورد وكان يدعي هو أنه ابن سليط بن علي بن عبد الله بن عبّاس. وقال الكتبيّ في «غرر الخصائص» : قتل أبو مسلم ستمائة ألف. انتهى. وكان قتل المنصور له في سنة سبع وثلاثين ومائة. وفي سنة إحدى وثلاثين مات الزّاهد المشهور فرقد السّبخيّ البصريّ. حدّث عن أنس وجماعة، وفيه ضعف. قال الذهبيّ في «المغني» [1] : فرقد السّبخي أبو يعقوب. [قال البخاريّ: في حديثه مناكير. وقال يحيى القطّان: ما تعجبني الرّواية عنه عن سعيد بن جبير] [2] . وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد: ليس بالقوي. انتهى. ومنصور بن زاذان البصري، زاهد البصرة وشيخها. روى عن أنس، وجماعة، وكان يصلي من بكرة إلى العصر، ثم يسبّح إلى المغرب. وفيها قتل أبو مسلم الخراسانيّ إبراهيم بن ميمون الصائغ ظلما. روى عن عطاء ونافع. وفيها توفي بالبصرة إسحاق بن سويد التميمي. روى عن ابن عمر، وجماعة. وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الدّمشقيّ، مؤدّب أولاد عبد الملك بن مروان، وكان زاهدا، عابدا، روى عن أنس، وطائفة.

_ [1] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 509- 510) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «المغني» المطبوع بتحقيق الدكتور نور الدّين عتر، فيستدرك فيه.

وفيها فقيه أهل البصرة أيوب السّختياني، أحد الأعلام، كان من صغار التابعين. قال شعبة: كان سيّد الفقهاء. وقال ابن عيينة: لم ألق مثله. وقال حمّاد بن زيد: كان أفضل من جالسته وأشدّه اتباعا للسّنّة. وقال ابن المديني: له نحو ثمانمائة حديث. وقال ابن ناصر الدّين: هو أيوب بن أبي تميمة كيسان أبو بكر السّختيانيّ البصريّ، كان سيّد العلماء وعلم الحفّاظ، ثبتا في الأيقاظ [1] . انتهى. وفيها الزّبير بن عديّ، قاضي الرّيّ. يروي عن أنس وجماعة. وسميّ مولى أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث المخزوميّ المدنيّ، لقي كبار التابعين. وفيها أبو الزّناد عبد الله بن ذكوان، مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة، وكانت رملة تحت عثمان بن عفّان، وكان أبو الزّناد يكنى أبا عبد الرّحمن، فغلب عليه أبو الزّناد. وعن الأصمعيّ عن أبي الزّناد أنه قال: أصلنا من همدان، وكان عمر ابن عبد العزيز ولّاه خراج العراق مع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب، ومات أبو الزّناد فجأة في مغتسله في شهر رمضان وهو ابن ست وستين سنة. وكان فقيها أحد علماء المدينة، لقي عبد الله بن جعفر، وأنسا.

_ [1] في الأصل: «في الإيقاظ» وأثبت ما في المطبوع.

قال اللّيث: رأيت أبا الزّناد وخلفه ثلاثمائة تابع، من طالب علم، وفقه، وشعر، وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة [1] . قال أبو حنيفة: كان أبو الزّناد أفقه من ربيعة. وفيها عبد الله بن أبي نجيح المكّيّ المفسّر صاحب مجاهد. كان مولى لبني مخزوم، ويكنى أبا يسار. وكان يقول بالقدر. قال الذّهبيّ في «المغني» [2] : عبد الله بن أبي نجيح المكّيّ المفسّر ثقة. قال القطّان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد، بل كله عن القاسم بن أبي بزّة، وقد كره الجوزجانيّ فيمن رمي بالقدر، هو، وزكريّا بن إسحاق، وعبد الحميد بن جعفر، وإبراهيم بن نافع، وابن إسحاق، وعمر بن أبي زائدة، وشبل بن عبّاد، وابن أبي ذئب، وسيف بن سليمان. انتهى. وفيها محمّد بن جحادة الكوفيّ. يروي عن أنس، وطائفة. توفي في رمضان. وهمّام بن منبّه اليماني صاحب أبي هريرة. وكان من أبناء المائة. قال أحمد: كان يغزو، فجالس أبا هريرة. وكان يشتري الكتب لأخيه وهب. وفيها واصل بن عطاء المعتزليّ المتكلّم، كان ألثغ يبدل الراء غينا، وكان يخلص كلامه بحيث لا تسمع منه الرّاء، حتّى يظن خواص جلسائه أنه غير ألثغ، حتّى يقال: إنه دفعت إليه رقعة مضمونها: أمر أمير الأمراء الكرام أن

_ [1] يعني ربيعة بن فروخ التيمي المدني، أبو عثمان، المعروف بربيعة الرأي. انظر ص (159) من هذا المجلد. [2] (1/ 360) .

يحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منه الصّادر والوارد، فقرأ على الفور: حكم حاكم الحكام الفخام أن ينبش جب على جادة الممشى، فيسقى منه الصّادي والغادي، فغيّر كل لفظ برديفه، وهذا من عجيب الاقتدار. وقد أشارت الشعراء إلى عدم [1] تكلمه بالرّاء، من ذلك قول بعضهم: نعم تجنّب، لا، يوم العطاء كما ... تجنّب ابن عطاء لفظة الرّاء ولما قالت الخوارج بتكفير أهل الكبائر، وقالت أهل السّنّة بفسقهم، قال واصل بن عطاء: لا مؤمنون ولا كفار، فطرده الحسن عن مجلسه، وصار له شيعة. قال السيد الشريف في «التعريفات» : الواصليّة: أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء، قالوا بنفي القدرة عن الله تعالى وتقدس، وبإسناد القدرة إلى العباد. انتهى.

_ [1] تحرفت في الأصل إلى «بعدم» وأثبت ما في المطبوع.

سنة اثنتين وثلاثين ومائة

سنة اثنتين وثلاثين ومائة فيها ابتداء دولة العباسيين، وبويع أبو العبّاس السّفّاح عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس بالكوفة، وجهّز عمه عبد الله بن علي لمحاربة مروان ابن محمّد الجعدي، فزحف مروان إليه في مائة ألف، إلى أن نزل بالزّاب [1] دون الموصل، فالتقوا في جمادى الآخرة، فانكسر مروان، واستولى عبد الله بن علي على الجزيرة، وطلب الشام، وهرب مروان إلى مصر، فأتبعهم [2] أيضا، فأدركهم بفلسطين، فأوقع بهم بضعا وثمانين رجلا، ثم عبر مروان النيل طالبا الحبشة، فلحقه صالح بن علي عمّ السّفّاح، فأدركه بقرية من قرى الفيّوم من أرض مصر يقال لها بوصير [3] فوافاه صائما وقد قدّم له الفطور، فسمع الصائح، فخرج وسيفه مصلت، فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجّاج بن حكيم: متقلّدين صفائحا هنديّة ... يتركن من ضربوا كأن لم يولد

_ [1] نهر يسمى الزّاب الأعلى، وهو بين الموصل وإربل. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 123- 124) . [2] في المطبوع: «فأنبعهم» وهو تصحيف. [3] في الأصل: «بوصيري» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب، انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 509) .

وإذا دعوتهم [1] ليوم كريهة ... وافوك بين مكبّر وموحّد فقصدته الخيول من كل جانب، وقتلوه، وكان أهله وبناته في كنيسة هناك، فأقبل خادمه بالسيف مصلتا يريد الدخول عليهم، فأخذ وسئل عن مراده، فقال: إن مروان أمرني إذا تيقّنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته، فأرادوا قتله، فقال: إن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قالوا: فدلنا على ذلك إن كنت صادقا، فخرج بهم إلى رمل هناك، فكشفوه فإذا فيه القضيب، والبرد، والقعب [2] والمصحف [3] فأخذوه، وكان الذي تولى قتله عامر بن إسماعيل الخراساني، وهو صاحب مقدمة صالح، ولما قتله دخل بيته، وركب سريره، ودعا بعشائه، وجعل رأس مروان في حجر ابنته، وأقبل يوبّخها، فقالت له: يا عامر، إن دهرا أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتّى تعشيت عشاءه، لقد أبلغ في موعظتك، وعمل في إيقاظك وتنبيهك إن عقلت وفكرت، ثم قالت: وا أبتاه، وا أمير المؤمنيناه، فأخذ عامرا الرّعب من كلامها، وبلغ ذلك أبا العبّاس السّفّاح، فكتب إلى عامر يوبّخه ويقول: أما في أدب الله ما يخرجك عن عشاء مروان والجلوس على مهاده. وقتل مروان وله تسع وخمسون سنة، وقيل: سبع وستون، وإمارته خمس سنين وتسعة أشهر وأيام. وقتل معه أخ لعمر بن عبد العزيز، كان أحد الفرسان، وكان مروان بطلا، شجاعا، ظالما، أبيض، ضخم الهامة، ربعة، أشهل العين، كثّ اللحية، أسرع إليه الشيب، ذكره المنصور مرّة فقال: لله درّه ما كان أحزمه، وأسوسه، وأعفّه عن الفيء. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] في الأصل: «وإذ دعوتهم» . [2] القعب: القدح الضخم. انظر «لسان العرب» (قعب) . [3] في «مروج الذهب» (3/ 262) : «فإذا البرد، والقضيب، ومحصر» . [4] لم أجد هذا النقل في «العبر» المطبوع.

وسار أولاد مروان وشيعتهم على شاطئ النيل إلى أن دخلوا أرض النّوبة، فأخرجهم ملكها، ثم ساروا حتّى توسطوا أرض البجاء [1] ميممين [2] ناصع [3] من ساحل بحر القلزم [4] ولهم حروب مع من مرّوا به. وهلك عبيد الله بن مروان في غده قتلا وعطشا، وخرج أخوه عبد الله فيمن بقي إلى ساحل المندب [5] بناصع وأرض البجاء [6] وقطعوا البحر إلى جدّة، فظفر به وأودع السّجن إلى أيام الرّشيد وهلك. وروي أن عبد الله هذا حدّث أبا جعفر المنصور بما جرى له مع ملك النّوبة، وملخص القصة على ما ذكره صاحب «العقد الفريد» [7] : ذكر سليمان بن جعفر قال: كنت واقفا على رأس المنصور ليلة وعنده جماعة فتذاكروا [8] زوال ملك بني أميّة، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين في حبسك عبد الله بن مروان بن محمّد، وقد كانت له قصة عجيبة مع ملك النّوبة، فابعث إليه فاسأله عنها، فقال المنصور: يا مسيّب عليّ به، فأخرج وهو مقيّد بقيد ثقيل، وغلّ ثقيل، فمثل بين يديه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له المنصور: يا عبد الله، إن ردّ السّلام أمن ولم تسمح لك نفسي بذلك بعد، ولكن اقعد، فجاؤوه بوسادة فقعد عليها، فقال

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أرض البجة» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» لياقوت (4/ 388) وفيه قال: والبجّاء قوم سود أشد سوادا من الحبشة. [2] في الأصل: «متيممين» وأثبت ما في المطبوع. [3] قال ياقوت: ناصع من بلاد الحبشة. «معجم البلدان» (5/ 251) . [4] قلت: ويعرف الآن بالبحر الأحمر. [5] في الأصل، والمطبوع: «ساحل المعدن» وهو خطأ، والتصحيح من «العقد الفريد» لابن عبد ربه (5/ 215) طبع دار الكتب العلمية. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 209) . [6] في الأصل، والمطبوع: «أرض البجة» والتصحيح من «معجم البلدان» لياقوت (4/ 388) . [7] «العقد الفريد» (5/ 217- 218) طبع دار الكتب العلمية. [8] في الأصل: «فتذكروا» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

له: بلغني أنه كانت لك قصة عجيبة مع ملك النّوبة فما هي؟ قال: يا أمير المؤمنين والذي أكرمك بالخلافة ما أقدر على النّفس من ثقل الحديد، ولقد صدئ قيدي من رشاش البول، وأصب عليه الماء في أوقات الصلوات، فقال المنصور: يا مسيّب أطلق عنه حديده، فلما أطلقه قال: يا أمير المؤمنين لما قصد عبد الله بن علي عمّ أمير المؤمنين إلينا، كنت أنا المطلوب أكثر من الجماعة كلّهم، لأني كنت ولي عهد أبي من بعده، فدخلت إلى خزانة لنا فاستخرجت منها عشرة آلاف دينار، ثم دعوت عشرة من الغلمان، وحمّلت كل واحد على دابة ودفعت إليه ألف دينار، وأوقرت خمسة أبغل ما نحتاجه، وشددت على وسطي جوهرا له قيمة مع شيء من الذّهب، وخرجت هاربا إلى بلد النّوبة، فسرت فيها ثلاثا، فوقعت على مدينة خراب، فأمرت الغلمان فكسحوا [1] منها ما كان قذرا، ثم فرشوا بعض تلك الفرش، ودعوت غلاما لي كنت أثق به وبعقله، فقلت: انطلق إلى الملك وأقرئه عني السّلام، وخذ لي الأمان، وابتع لي ميرة [2] قال: فمضى وأبطأ عني حتّى سؤت ظنا، ثم أقبل ومعه رجل آخر، فلما دخل قعد بين يديّ وقال لي: الملك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: من أنت؟ وما جاء بك إلى بلادي؟ أمحارب لي؟ أم راغب إليّ؟ أم مستجير بي؟ فقلت: ترد على الملك السّلام وتقول له: أمّا محارب لك فمعاذ الله، وأما راغب في دينك فما كنت لأبغي بديني بدلا، وأما مستجير بك فلعمري. قال: فذهب ثم رجع إليّ وقال: الملك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: أنا صائر إليك غدا، فلا تحدثن في نفسك حدثا، ولا تتخذ شيئا من ميرة فإنها تأتيك وما تحتاج إليه، فأقبلت الميرة، فأمرت غلماني يفرشون تلك الفرش، وأمرت بفرش نصب له ولي مثله، وأقبلت من

_ [1] قال ابن منظور: الكسح: الكنس، كسح البيت والبئر يكسحه كسحا: كنسه، والمكسحة: المكنسة. «لسان العرب» (كسح) . [2] الميرة: الطعام. انظر «مختار الصحاح» ص (640) .

غد أرقب مجيئه، فبينا أنا كذلك إذ أقبل غلماني وقالوا: إن الملك قد أقبل، فقمت بين شرفتين من شرف القصر أنظر إليه، فإذا رجل قد لبس بردتين، اتّزر بواحدة [1] وارتدى بالأخرى، حاف راجل، وإذا عشرة معهم الحراب، ثلاثة يقدمونه، وسبعة خلفه، وإذا الرّجل لا يعبأ به، فاستصغرت أمره، وهان عليّ لما رأيته في تلك الحال، فلما قرب من الدّار إذا أنا بسواد عظيم، فقلت: ما هذا؟ قيل: الخيل، وإذا بها تزيد على عشرة آلاف عنان، فكانت موافاة الخيل إلى الدّار وقت دخوله، فدخل إليّ وقال لترجمانه: أين الرّجل؟ فلما نظر إليّ وثبت إليه، فأعظم ذلك، وأخذ بيدي فقبّلها ووضعها على صدره، وجعل يدفع البساط برجله، فظننت أن ذلك شيئا يجهلونه أن يطأوا على مثله، حتّى انتهى الفرش، فقلت لترجمانه: سبحان الله لم لا يقعد على الموضع الذي وطئ له؟ فقال: قل له: إني ملك وحقّ على كل ملك أن يكون متواضعا لعظمة الله سبحانه إذ رفعه، ثم أقبل ينكت [2] بإصبعه في الأرض طويلا، ثم رفع رأسه فقال لي: كيف سلبت نعمتكم وزال عنكم هذا الملك وأخذ منكم وأنتم أقرب إلى نبيكم من النّاس جميعا؟ فقلت: جاء من هو أقرب قرابة إلى نبينا- صلّى الله عليه وسلّم- فسلبنا، وطردنا، وقاتلنا، فخرجت إليك مستجيرا بالله ثم بك. قال: فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرّم عليكم في كتابكم؟ فقلت: فعل ذلك عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا في ملكنا بغير رأينا. قال: فلم كنتم تركبون على دوابكم بمراكب الذّهب، والفضة، والدّيباج، وقد حرّم عليكم ذلك؟ قلت: عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا مملكتنا ففعلوا.

_ [1] في المطبوع: «اتزر بإحداهما» . [2] في المطبوع: «ينكث» وهو تصحيف. قال ابن منظور: النكت: أن تنكت بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها. «لسان العرب» (نكت) .

قال: فلم كنتم أنتم إذا خرجتم إلى صيدكم تقحّمتم على القرى وكلّفتم أهلها ما لا طاقة لهم به بالضرب الموجع، ثم لا يقنعكم ذلك حتّى تمشوا في زروعهم فتفسدوها في طلب درّاج [1] قيمته نصف درهم، أو عصفور قيمته لا شيء، والفساد محرّم عليكم في دينكم؟ فقلت: عبيد وأتباع. قال: لا، ولكنكم استحللتم ما حرّم الله وفعلتم ما نهاكم عنه، وأحببتم الظلم وكرهتم العدل، فسلبكم الله- عزّ وجل- العزّ وألبسكم الذّلّ، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد، وإني أتخوّف عليكم أن تنزل النقمة بك إذ كنت من الظلمة فتشملني معك، فإنّ النقمة إذا نزلت عمّت، والبلية إذا حلّت شملت، فاخرج عني بعد ثلاثة أيام من أرضي، فإني إن وجدتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك وقتلت جميع من معك، ثم وثب وخرج، فأقمت ثلاثا وخرجت إلى مصر، فأخذني وإليك وبعث بي إليك، وها أنا الآن بين يديك والموت أحبّ إليّ من الحياة. فهمّ المنصور بإطلاقه، فقال له إسماعيل بن عليّ: في عنقي بيعة له، قال: فماذا ترى؟ قال: يترك في دار من دورنا ونجري عليه ما يليق به، ففعل ذلك به. انتهى. قال ابن الأهدل: وهرب عبد الرّحمن بن معاوية بن هاشم بن عبد الملك وكثيرون من بني أميّة إلى المغرب، واستولى على بلاد الأندلس ومخاليفها [2] وورثها بنوه بطنا بعد بطن، واستأمن سليمان بن هشام وابناه في نحو ثمانين رجلا من بني أميّة، فأمّنهم السّفّاح حتّى قدم عليه السديف بن

_ [1] الدّرّاج، والدّرّاجة: ضرب من الطير ذكرا كان أو أنثى. انظر «مختار الصحاح» ص (202) . [2] في الأصل: «ومخالفيها» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب. قال ابن منظور: المخلاف: الكورة يقدم عليها الإنسان، وهو عند أهل اليمن واحد المخاليف، وهي كورها، ولكل مخلاف منها اسم يعرف به، وهي كالرّستاق، قال ابن بري: المخاليف لأهل اليمن كالأجناد لأهل الشام، والكور لأهل العراق، والرّساتيق لأهل الجبال، والطّساسيج لأهل الأهواز. «لسان العرب» (خلف) .

ميمون [1] مولى زين العابدين، فأنشده: ظهر الحقّ واستبان مضيّا ... إذ رأينا الخليفة المهديّا إلى قوله: قد أتتك الوفود من عبد شمس ... مستكينين قد أجادوا المطيّا فاردد العذر وامض بالسّيف حتّى ... لا تدع فوق ظهرها أمويّا وأنشده أيضا: علام وفيم تترك عبد شمس ... لها في كلّ راعية ثغاء [2] أمير المؤمنين أبح دماهم ... فإن تفعل فعادتك المضاء وأنشده أيضا: أصبح الملك ثابت الأساس ... بالبهاليل [3] من بني العبّاس إلى قوله: فلهم أظهر المودّة منهم ... وبهم منكم كحدّ المواسي

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «الشديف بن ميمون» وهو تصحيف، والتصحيح من «الأغاني» (6/ 135) ، و «الشعر والشعراء» ص (479) ط ليدن. قال أبو الفرج: هو سديف بن ميمون مولى خزاعة، وكان سبب ادعائه ولاء بني هاشم أنه تزوج مولاة أبي لهب، فادعى ولاءهم، ودخل في جملة مواليهم على الأيام. وقيل: بل أبوه هو كان المتزوج مولاة اللهبيّين، فولدت منه سديفا، فلما يفع، وقال الشعر، وعرف بالبيان وحسن العارضة، ادعى الولاء في موالي أبيه، فغلبوا عليه. وسديف شاعر، مقل من شعراء الحجاز، ومن مخضرمي الدولتين، وكان شديد التعصب لبني هاشم، مظهرا ذلك في أيام بني أميّة. وانظر تتمة كلامه فيه. [2] الثغاء: صوت الشاة والمعز وما شاكلهما. انظر «مختار الصحاح» ص (84) . [3] في الأصل: «بالتهاليل» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

فلما سمع السّفّاح ذلك أمر بقتل جميعهم، وأجاز السديف [1] بألف دينار، ثم قال المنصور: كأني بك يا سديف [1] قد قدمت المدينة فقلت لعبد الله بن الحسن: يا ابن رسول الله، إنما نداهن بني العبّاس لأجل عطاياهم، نقوّم بها أودنا، وأقسم بالله لئن فعلت لأقتلنك، ففعل السديف [1] ذلك، وانتهى خبره إليه، فلما تمكن منه ضربه حتّى مات. انتهى ما قاله ابن الأهدل. وقال في «العبر» [2] : لما استولى عبد الله بن عليّ على الجزيرة وطلب الشام، فهرب مروان إلى مصر وخذل وانقضت أيّامه. نزل عبد الله على دمشق فحاصرها وبها ابن عمّ مروان الوليد بن معاوية بن مروان، فأخذت بالسيف. وقتل بها من الأمويين عدّة آلاف. منهم أميرها الوليد، وسليمان بن هشام بن عبد الملك، وسليمان بن يزيد بن عبد الملك، وزرعة بن إبراهيم. قال في «المغني» [3] : زرعة بن إبراهيم، عن عطاء. قال أبو حاتم الرّازي: ليس بالقوي. انتهى. وفيها- أي سنة اثنتين وثلاثين ومائة- توفي عبد الله بن طاووس بن كيسان اليمانيّ النحويّ. روى عن أبيه وغيره. قال معمر: كان من أعلم النّاس بالعربيّة وأحسنهم خلقا، وما رأيت ابن فقيه مثله. ودخل مع مالك على المنصور فقال: حدّثني عن أبيك. قال: حدّثني

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «الشديف» وهو تصحيف، والتصحيح من «الأغاني» (16/ 135) و «الشعر والشعراء» ص (479) . [2] (1/ 174- 175) والمؤلف ينقل عنه بتصرف. [3] (1/ 238) .

أبي أن أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه، فأمسك المنصور. قال مالك: فضممت ثيابي خوفا أن يصيبني دمه. ثم قال له: ناولني الدواة، فلم يفعل، فقال: لم لا تناولني؟ فقال: أخاف أن تكتب بها معصية. قال: قوما عني. قال: ذلك ما كنا نبغي. قال مالك: فما زلت أعرف فضله. وفيها بالمدينة [1] إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريّ الفقيه. كان مالك لا يقدّم عليه أحدا لنبله عنده. وإبراهيم بن ميسرة الطائفيّ صاحب أنس. قال ابن عيينة: أخبرنا إبراهيم بن ميسرة، من لم تر عيناك والله مثله. وفيها قتل خالد بن سلمة بن العاص المخزوميّ الكوفيّ. وكان قد هرب إلى واسط مع يزيد بن عمر بن هبيرة، فقتله بنو العبّاس. وفيها توفي سالم الأفطس الحرّانيّ الفقيه مولى بني أميّة. روى عن سعيد بن جبير، وجماعة. قتله عبد الله بن عليّ. قال في «المغني» [2] سالم الأفطس، هو ابن عجلان، تابعيّ مشهور، وثّقه بعضهم، وخرّج له البخاريّ. قال الفسويّ: مرجئ معاند. وقال ابن حبّان: يتفرد بالمعضلات. انتهى. وممن قتل في هذه السنة عمر بن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهري.

_ [1] لفظة «بالمدينة» سقطت من المطبوع. [2] يعني «المغني في الضعفاء» (1/ 251) .

وفيها توفي أبو عبد الله صفوان بن سليم المدنيّ الفقيه القدوة. روى عن ابن عمر، وجابر، وعدّة. قال أحمد بن حنبل: ثقة من خيار عباد الله، يستنزل بذكره القطر. وفيها عبد الله بن عثمان بن خثيم [1] المكيّ. روى عن أبي الطّفيل وعدّة. قال في «المغني» [2] : وثقه ابن معين مرّة، ومرّة قال: ليس بالقويّ [3] . انتهى. وفيها أبو عتّاب منصور بن المعتمر السّلميّ الكوفيّ الحافظ، أحد الأعلام، أخذ عن أبي وائل وكبار التابعين. وقال: ما كتبت حديثا قطّ. وكان أحفظ أهل الكوفة، صام أربعين سنة وقامها، وعمي من البكاء، وأكره على القضاء- أي قضاء الكوفة- وقضى شهرين، وتوفي بالمدينة. قال في «العبر» [4] : يقال فيه يسير تشيّع. انتهى. وفيها قتل بجامع دمشق، في أخذها، يونس بن ميسرة [5] بن حلبس المقرئ الأعمى وله مائة وعشرون سنة. روى عن معاوية والكبار، وكان موصوفا بالفضل والزّهد، كبير القدر.

_ [1] في المطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 176) : «عبد الله بن عثمان خيثم» وهو خطأ. [2] (1/ 346- 347) . [3] في الأصل، والمطبوع: «ومرة قال: لا أعرفه» وهو خطأ، فإنه قال ذلك في «عبد الله ابن عثمان بن سعد» والتصحيح من «المغني» (1/ 347) . [4] (1/ 177) . [5] في الأصل، والمطبوع: «يوسف بن ميسرة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 177) .

وقتل بنهر أبي فطرس [1] من الأردن، الأمير محمّد بن عبد الملك بن مروان الأموي، وله رواية عن أبيه. وفي ذي القعدة قتل الأمير أبو خالد يزيد بن عمر [2] بن هبيرة الفزاريّ، أمير العراقين لمروان، وله خمس وأربعون سنة، وهو آخر من جمع له العراقان، وكان شهما، طويلا، شجاعا، خطيبا، مفوّها، جوادا، مفرط الأكل، ولما تواقع هو وبنو العبّاس هرب إلى واسط، فحاصروه بها وثبت معه معن بن زائدة الشّيباني، وكان أبو جعفر المنصور أخو السّفّاح يعيّره فيقول: ابن هبيرة يخندق على نفسه كالنساء، فأرسل إليه ابن هبيرة أن ابرز إليّ، فقال المنصور: خنزير قال لأسد: ابرز إليّ، فقال الأسد: ما أنت بكفء لي. قال الخنزير: لأعرّفنّ السباع أنك جبنت. فقال الأسد: احتمال ذلك أيسر من تلطّخ براثني بدمك. ثم أمّنه المنصور وغدر به. وقال: لا يعزّ ملك وأنت فيه. وكان رزق ابن هبيرة في كل سنة ستمائة ألف. وكان يأكل في يومه خمس أكلات عظام، وقتل وهو ساجد. وفيها كانت وقعة المسناة، فقتل الأمير قحطبة بن شبيب الطائي المروزيّ، أحد دعاة بني العبّاس، وتأمّر على الجيش في الحال ولده. وفيها قتل سليمان بن كثير الخزاعيّ المروزيّ الأمير، أحد نقباء بني العبّاس، قتله أبو مسلم الخراسانيّ. وفي ذي الحجّة قتل بمصر عبيد الله بن أبي جعفر الليثيّ مولاهم

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بنهر أبي قطرس» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 177) . وقال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (2/ 246) : فطرس بالضم رجل، ومنه نهر فطرس، ويقال: أبي فطرس، قرب الرّملة، مخرجه من جبل قرب نابلس. [2] في الأصل: «يزيد بن عمرو» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

المصريّ الفقيه، أحد العلماء والزّهّاد. ولد سنة ستين. قال محمد بن سعد: كان ثقة بقيّة في زمانه [1] . قال ابن ناصر الدّين: من حكم كلامه: إذا حدّث المرء فأعجبه الحديث فليمسك وإذا كان ساكتا [2] فأعجبه السكوت فليتحدث. انتهى.

_ [1] في الأصل: «فقيه في زمانه» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 178) مصدر المؤلف في نقله، و «الطبقات الكبرى» لابن سعد (7/ 514) مصدر الحافظ الذهبي في «العبر» ، و «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 875) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق. [2] في المطبوع: «وإن كان ساكتا» .

سنة ثلاث وثلاثين ومائة

سنة ثلاث وثلاثين ومائة فيها نازل طاغية الرّوم أليون بن قسطنطين ملطية [1] وألح [2] عليهم بالقتال حتّى سلّموها بالأمان، فهدم المدينة والجامع، ووجّه مع المسلمين عسكرا حتّى يبلّغوهم مأمنهم [3] . وفيها بعث أبو مسلم الخراساني مرارا الضبّي [4] ، فقتل الوزير أبا سلمة [5] الخلّال حفص بن سليمان السّبيعيّ مولاهم الكوفي وزير آل محمّد، وفيه قيل: هذا البيت. إنّ الوزير وزير آل محمّد ... أودى فمن يشناك [6] كان وزيرا

_ [1] ملطية: مدينة تقع الآن في الجنوب الأوسط لتركيا المعاصرة، خرج منها عدد من الرّواة، منهم: محمد بن علي بن أحمد بن أبي فروة الملطي أبو الحسين المقرئ المتوفى سنة (404 هـ) ، وسليمان بن أحمد بن يحيى بن سليمان بن أبي صلابة الملطي أبو أيوب الحافظ. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 192- 193) . [2] في الأصل: «وألج» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] تحرفت في الأصل إلى «بأبنهم» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] هو مرار بن أنس الضبي، كما في «البداية والنهاية» لابن كثير (10/ 54) . [5] في الأصل والمطبوع: «أبا مسلم» وهو خطأ، والتصويب من «البداية» (10/ 54) و «الأعلام» (2/ 263) (ع) . [6] في الأصل والمطبوع: «سناك» وأثبت ما في «العبر» (1/ 179) .

وفيها توفي أيّوب بن موسى بن الأشدق عمرو بن سعيد [1] الأمويّ المكيّ الفقيه. روى عن عطاء ومكحول. قال في «المغني» [2] : عن بعض التابعين مجهول [3] . انتهى. وقد خرّج له أبو داود. ومات بمكّة الأمير داود بن علي بن عبد الله بن عبّاس. وكان فصيحا مفوّها، ولي إمرة المدينة. وروى [عن] [4] جماعة أحاديث، قاله في «العبر» [5] . وفيها، وقيل: في سنة خمس سعيد بن أبي هلال اللّيثيّ مولاهم المصريّ. يروي عن التابعين. وعمّار الدّهنيّ-[نسبة إلى] دهن بن معاوية من بجيلة- أبو معاوية الكوفيّ. روى عن أبي الطّفيل، وعدّة. وعيّاش بن عبّاس [6] القتبانيّ المصريّ. روى عن التابعين. ومغيرة بن مقسم الضبّيّ، مولاهم الكوفيّ الفقيه الأعمى أحد الأئمة. روى عن أبي وائل وطبقته.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عمر بن سعيد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 179) . [2] (1/ 98) . [3] أقول: بل هو ثقة، وروى له أصحاب الكتب الستة. انظر «تقريب التهذيب» للحافظ ابن حجر (1/ 91) (ع) . [4] لفظة «عن» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي. [5] (1/ 179) . [6] في الأصل: «عيّاش بن عيّاش» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

قال شعبة: كان أحفظ من حمّاد بن أبي سليمان. وقال مغيرة: ما وقع في مسامعي شيء فنسيته. وقال أحمد بن حنبل: كان ذكيا، حافظا، صاحب سنّة. وفيها، أو في التي قبلها، توفي سيّد أهل دمشق يحيى بن يحيى بن قيس الغسّانيّ، ولي قضاء الموصل لعمر بن عبد العزيز، وأخذ عن أبي إدريس الخولاني وغيره، وكان ثقة، إماما، ولا رواية له في الكتب الستة [1] .

_ [1] قلت: كذا في الأصل، والمطبوع: و «العبر» للذهبي (1/ 180) . ولكن ذكر الحافظ الذهبي في «الكاشف» (3/ 238) أنه في عداد من أخرج له أبو داود، وكذلك الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/ 299) .

سنة أربع وثلاثين ومائة

سنة أربع وثلاثين ومائة فيها تحول الخليفة السّفّاح عن الكوفة فنزل [1] الأنبار. وفيها توفي بالبصرة أبو هارون العبديّ [2] صاحب أبي سعيد الخدريّ، أحد الضعفاء. قال حمّاد بن زيد: هو كذّاب [3] . والفقيه يزيد بن يزيد بن جابر الأزديّ الدّمشقيّ. روى عن مكحول وطائفة. قال أبو داود: أجازه الوليد مرّة بخمسين ألف دينار. وذكر للقضاء فإذا هو أكبر من القضاء. قاله في «العبر» [4] . وعن ابن عيينة قال: لا أعلم مكحولا خلّف بالشام مثل يزيد بن يزيد الإمام. وقال في «المغني» [5] : يزيد بن يزيد بن جابر، صدوق مشهور، لينه ابن قانع. انتهى.

_ [1] في المطبوع: «ونزل» . [2] هو عمارة بن جوين العبدي، تابعي ضعيف. قاله الذهبي في «المغني» (2/ 460) . [3] وهو كلام الذهبي في «المغني» . [4] (1/ 181) . [5] (2/ 754) .

وفيها توجه من العراق موسى بن كعب إلى حرب [1] منصور بن جمهور الكلبيّ الدّمشقيّ حتّى أتى السّند [2] فالتقى منصورا في اثنى عشر ألفا، فهزم منصور ومات في البريّة عطشا، وكان قدريّا.

_ [1] في الأصل: «حروب» ، وما أثبته من المطبوع وهو الصواب. [2] السند: مدينة تقع الآن في باكستان المعاصرة، وقد نسب إليها فيما مضى عدد كبير من العلماء. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 267) ، و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (110- 111) .

سنة خمس وثلاثين ومائة

سنة خمس وثلاثين ومائة فيها توفي أبو العلاء [برد] [1] بن سنان الدّمشقيّ نزيل [2] البصرة. روى عن واثلة فمن بعده. قال في «المغني» [3] : هو شامي لا يعرف. انتهى. وداود بن الحصين المدنيّ مولى بني أميّة. روى عن عكرمة، وجماعة. قال في «المغني» [4] : داود بن الحصين أبو سليمان المدنيّ، عن عكرمة، صدوق يغرب، ووثقه غير واحد، كابن معين. وقال ابن المديني: ما روى عن عكرمة فمنكر. وقال أبو حاتم الرّازيّ: لولا أنّ مالكا روى عنه لنزل حديثه. وقال سفيان بن عيينة: كنا نتّقي حديثه. وقال أبو زرعة: ليّن [5] .

_ [1] لفظة «برد» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] في المطبوع «نزل» . [3] قلت: بل إن الذي قاله الحافظ الذهبي في «المغني» (1/ 101) : تابعي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه ابن المديني، وقال أبو داود السجستاني: كان يرى القدر. [4] (1/ 217) . [5] في المطبوع: «لئن» وهو تحريف.

قلت [1] : ورمي أيضا بالقدر [2] . انتهى. وفيها على الأصح أبو عقيل زهرة بن معبد التيميّ بالاسكندريّة عن سنّ عالية. قال الدّارميّ: زعموا أنه كان من الأبدال [3] . روى عن ابن عمر، وابن الزّبير [4] . وفيها على الأصح عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ المدنيّ، شيخ مالك والسّفيانين. روى عن أنس، وجماعة. وكان كثير العلم. وفيها عطاء الخراسانيّ نزيل بيت المقدس، وهو كثير الإرسال عن الصّحابة. وإنما سمع من [5] ابن بريدة، والتابعين. وولد سنة خمسين، وكان يقول: أوثق عمل [6] في نفسي نشر العلم. وقال ابن جابر: كنا نغزو معه، فكان [7] يحيي الليل صلاة إلّا نومة السّحر، وكان يعظنا، ويحثّنا على التهجّد. وفيها رابعة بنت إسماعيل البصريّة العدويّة، شهيرة الفضل، وقيل:

_ [1] القائل الحافظ الذهبي في «المغني» . [2] في الأصل، والمطبوع: «رمي بالقدر» وأثبت ما في «المغني» . [3] قال ابن الأثير الأبدال: هم الأولياء، والعبّاد، الواحد بدل، كحمل وأحمال، وبدل كجمل، سمّوا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبدل بآخر. «النهاية» (1/ 107) . [4] انظر «معرفة الرجال» لابن معين (1/ 292) و (2/ 101 و 173 و 222) و «العبر» للذهبي (1/ 182) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (3/ 341- 342) . [5] في المطبوع: «وإنما سمع عن» انظر «العبر» للذهبي (1/ 182) . [6] في الأصل، والمطبوع: «أوثق علمي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي» (1/ 182) . [7] في «العبر» : «وكان» .

توفيت سنة خمس وثمانين ومائة ولا يصح اجتماع السّريّ [1] بها، فإنه عاش حتّى نيّف على [2] الخمسين ومائتين. وروي أن سفيان الثّوري قال بحضرتها: وا حزناه. قالت: لا تكذب، وقل: وا قلّة حزناه. وسمعته يقول: اللهم إني أسألك رضاك، فقالت: تسأل رضا من لست عنه براض. ورآها بعض إخوانها في المنام، فقالت: هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمّرة [3] بمناديل من نور. وقبرها على رأس جبل يسمى الطّور بظاهر بيت المقدس. وقيل: ذلك قبر رابعة أخرى غير العدويّة. وقيل لها في منام: ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب [4] ؟ قالت: سبقتنا إلى الدرجات العلا. قيل: ولم ذلك؟ قالت: لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدّنيا وأمست [5] .

_ [1] هو السري بن المغلس السّقطي. المتوفى سنة (253) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا إن شاء الله. [2] في الأصل: «حتى نيف عن» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] في «مرآة الجنان» : «الخمر» . [4] انظر ترجمتها في «صفة الصفوة» لابن الجوزي (4/ 34- 35) . [5] قلت: والمؤلف نقل خبر رابعة عن «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 285- 288) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 305- 306) بتصرف.

سنة ست وثلاثين ومائة

سنة ست وثلاثين ومائة فيها توفي أشعث بن سوّار الكنديّ الأفرق النّجار بالكوفة، لقي الشّعبيّ وغيره [1] . قال في «المغني» [2] : أشعث بن سوّار الكوفيّ الأفرق التوابيتيّ النجّار، مولى ثقيف. روى عن الشّعبيّ وغيره، وهو من الضعفاء الذين روى لهم مسلم متابعة، ضعفه أحمد، وابن معين، والدّارقطنيّ. وقد وثقه بعضهم. وقال الثّوريّ: هو أثبت من مجالد. انتهى. وجعفر بن ربيعة الكنديّ المصريّ، له عن أبي سلمة، والأعرج، وطائفة. وحصين بن عبد الرّحمن السّلميّ الكوفيّ الحافظ، عن ثلاث وتسعين سنة، لقي جابر بن سمرة، والكبار. قال في «المغني» [3] : حصين بن عبد الرّحمن الحارثي الكوفي، مقلّ، ما علمت أن [4] أحدا وهاه. انتهى.

_ [1] في الأصل: «ونحوه» وأثبت ما في المطبوع. [2] (1/ 91) . [3] (1/ 177) . [4] لفظة «أن» لم ترد في «المغني» .

وربيعة بن أبي عبد الرّحمن فرّوخ الفقيه، أبو عثمان المدنيّ، عالم المدينة، ويقال له: ربيعة الرّأي. قيل له ذلك، لأنه كان يتقوى بالرأي. سمع أنسا وابن المسيّب. وكانت له حلقة للفتوى، وأخذ عنه مالك، وغيره، وأدرك جماعة من الصحابة. مات بالهاشميّة [1] مدينة بناها السّفّاح بالأنبار، ويوم مات قال مالك: ذهبت حلاوة الفقه. وكان أقدمه السّفّاح للقضاء، وكان يكثر الكلام، ويقول: الساكت بين النائم والأخرس. وتكلم يوما وعنده أعرابيّ فقال: ما العيّ [2] فقال: الذي. أنت فيه منذ اليوم. وهو من الثقات كما قال ابن ناصر الدّين. وفيها زيد بن أسلم العدويّ مولاهم الفقيه العابد، لقي ابن عمر، وجماعة، وكانت له حلقة للفتوى والعلم بالمدينة. قال أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا في حلقة زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا. ونقل البخاريّ: أنّ زين العابدين بن عليّ بن الحسين كان يجلس إلى زيد بن أسلم. وقال ابن ناصر الدّين: زيد بن أسلم القرشيّ العدويّ العمريّ مولاهم المدنيّ أبو عبد الله، وقيل: أبو أسامة الإمام الفقيه العلّامة. روى عن ابن

_ [1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 389) . [2] في الأصل: «ما العلى» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

عمر، وسلمة بن الأكوع، وأنس، وأضرابهم، وله تفسير للقرآن [1] يرويه عنه ابنه عبد الرّحمن. انتهى. وفيها العلاء بن الحارث الحضرميّ الفقيه الشاميّ صاحب مكحول. روى عن عبد الله بن بسر، وطائفة. وكان مفتيا جليلا. قاله في «العبر» [2] . وقال في «المغني» [3] : العلاء بن الحارث الدّمشقيّ الفقيه صاحب مكحول. قال أبو داود: ثقة تغيّر عقله. وقال البخاريّ: منكر الحديث. وقيل: كان يرى القدر. انتهى. وفيها عطاء بن السائب بن مالك الثقفيّ الكوفيّ الصالح. روى عن عبد الله بن أبي أوفى، وطائفة. قال أحمد بن حنبل: هو ثقة رجل صالح، كان يختم كلّ ليلة، من سمع منه قديما كان صحيحا. قاله في «العبر» [4] . قال في «المغني» [5] : عطاء بن السائب، تابعي مشهور، حسن الحديث. ساء حفظه بآخرة.

_ [1] في المطبوع: «وله تفسير القرآن» . [2] (1/ 184) . [3] (2/ 439) . [4] (1/ 184) . [5] (2/ 434) .

قال أبو حاتم: سمع منه حمّاد بن زيد قبل أن يتغير. وقال أحمد: ثقة رجل صالح. وقال أيضا: من سمع منه قديما فهو صحيح. وقال غيره: ليس بالقويّ. وقال ابن معين: لا يحتج بحديثه. انتهى. وفيها يحيى بن إسحاق الحضرميّ، سمع أنسا وجماعة. قال ابن سعد: له أحاديث. وكان صاحب قرآن وعربيّة. انتهى [1] . وفي ذي الحجّة مات السّفّاح أبو العبّاس عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس الهاشميّ بالأنبار، عن اثنتين وثلاثين سنة. وهو أول خلفاء بني العبّاس، وكان طويلا أبيض [2] جميلا حسن اللّحية، مات بالجدريّ. وكانت دولته دون الخمس سنين. وفي أيامه تفرّقت الكلمة، وخرج عن طاعته الناحية الغربيّة [3] إلى بلاد السّودان وإقليم الأندلس، وتغلب على هذه الممالك خوارج [وجماعة] [4] . وأمه ريطة من بني الحارث بن كعب من كهلان [5] ، وكان بنو أميّة قد منعوهم من زواج الحارثيات لأنهم قيل لهم: يزول ملكهم على يد ابن الحارثية، فلما كان زمن عمر بن عبد العزيز، استأذنه والد السّفّاح، فقال له:

_ [1] «العبر» (1/ 184) . [2] في الأصل، والمطبوع: «أسن» وما أثبته من «العبر» للذهبي (1/ 185) مصدر المؤلف. [3] يقصد الجهة الغربية من بغداد عاصمة دولة العباسيين آنذاك. [4] لفظة «وجماعة» زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 185) . [5] في المطبوع: «بني الحارث بن كعب بن كهلان» .

تزوج من شئت، وبويع له وهو ابن أربع وعشرين، أو ثمان وعشرين، وكان بينه وبين أبيه في السن أربع عشرة سنة، وسمّي السّفّاح لأنه سفح دماء بني أميّة، وكان يحتمل من عبد الله بن الحسين المثنى مواجهته له بما يكره، ويعطيه العطاء الجزيل، وقال له أخوه المنصور يوما في عبد الله بن الحسين وابنه محمّد: إن هؤلاء شنئونا [1] فآنسهم بالإحسان، فإن استوحشوا، فالشر يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمدا يسرح [2] في أعنّة العقوق، فقال له السّفّاح: من شدّد نفّر، ومن لان تألّف، والتغافل من سجايا الكرام. ودخل على السّفّاح أبو نخيلة [3] فسلم عليه، وانتسب له، وقال: عبدك يا أمير المؤمنين وشاعرك، أفتأذن لي في إنشادك؟ فقال له: ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بن مروان؟:

_ [1] قال ابن منظور: الشّناءة مثل الشّناعة: البغض. انظر «لسان العرب» (شنأ) . [2] في المطبوع: «يمرح» . [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو نحيلة» وهو تصحيف. قال أبو الفرج الأصفهاني: أبو نخيلة اسمه لا كنيته، ويكنى أبو الجنيد، ذكر الأصمعي ذلك، وأبو عمرو الشيباني، وابن حبيب، لا يعرف له اسم غيره، وله كنيتان: أبو الجنيد، وأبو العرماس، وهو ابن حزن بن زائدة بن لقيط ابن هرم بن يثربي، وقيل: ابن أثربي بن ظالم بن مجاشر بن حمان بن عبد العزى بن كعب بن لؤي بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وكان عاقا بأبيه، فنفاه أبوه عن نفسه، فخرج إلى الشام وأقام هناك إلى أن مات أبوه، ثم عاد وبقي مشكوكا في نسبه، مطعونا عليه، وكان الأغلب عليه الرجز، وله قصيد ليس بالكبير. ولما خرج إلى الشام اتصل بمسلمة بن عبد الملك، فاصطنعه، وأحسن إليه، وأوصله إلى الخلفاء واحدا بعد واحد، واستماحهم له، فأغنوه، وكان بعد ذلك قليل الوفاء لهم. انقطع إلى بني هاشم، ولقب نفسه شاعر بني هاشم، فمدح الخلفاء من بني العبّاس، وهجا بني أمية فأكثر. وكان طامعا، فحمله ذلك على أن قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها بخلع عيسى بن موسى، وبعقد العهد لابنه محمد المهدي، فوصله المنصور بألفي درهم، وأمره أن ينشدها بحضرة عيسى بن موسى، ففعل، فطلبه عيسى فهرب منه، وبعث في طلبه مولى له، فأدركه في طريق خراسان، فذبحه وسلخ جلده. «الأغاني» (20/ 390) ، وانظر «الأعلام» للزركلي (8/ 15) .

أمسلم إني يا بن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض شكرتك إنّ الشّكر حبل من التّقى [1] ... وما كلّ من أوليته نعمة يقضي [2] وأحييت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض [3] قال: فأنا يا أمير المؤمنين الذي أقول: لما رأينا [4] استمسكت يداكا ... كنّا أناسا نرهب الأملاكا ونركب الأعجاز والأوراكا ... من كلّ شيء ما خلا الإشراكا فكلّ ما قد قلت في سواكا ... زور وقد كفّر هذا ذاكا إنا انتظرنا قبلها أباكا ... ثمّ انتظرنا بعدها أخاكا [5] ثمّ انتظرنا لها إياكا [6] ... فكنت أنت للرّجاء ذاكا [7] فرضي عنه ووصله وأجازه.

_ [1] في الأصل: «حبل من الفيء» ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» مصدر المؤلف، و «الأغاني» ، و «طبقات الشعراء» لابن المعتز. [2] في الأصل: «وما كل من أوليته نعمة يغضي» وأثبت ما في المطبوع وهو مواقف لما في «مروج الذهب» و «الأغاني» ، و «طبقات الشعراء» لابن المعتز. [3] الأبيات في «مروج الذهب» (3/ 287) ، و «الأغاني» (20/ 392) . و «طبقات الشعراء» لابن المعتز ص (64) ورواية الأبيات عنده: أمسلم إني يا بن خير خليفة ... ويا فارس الدّنيا ويا جبل الأرض شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته نعمة يقضي وأنبهت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض وما بين البيتين الثاني والثالث عنده بيت آخر هو: وألقيت لما جئت بابك زائرا ... رواقا مديدا سامق الطول والعرض [4] في الأصل: «لما رأيت» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» . [5] في الأصل، والمطبوع: «ثم انتظرنا بعدها لقاكا» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [6] كذا في الأصل، والمطبوع، و «مروج الذهب» : «ثم انتظرناك لها إياكا» ولعل الصواب: «ثم انتظرنا لها إياكا» . [7] الأبيات في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 278) .

وكان أبو العبّاس إذا حضر طعامه أبسط النّاس وجها [1] ، فكان إبراهيم بن مخرمة الكنديّ إذا أراد أن يسأله حاجة أخّرها إلى أن يحضر طعامه، ثم يسأله، فقال له يوما: يا إبراهيم، ما دعاك إلى أن تشغلني عن طعامي بحوائجك؟ قال: يدعوني إلى ذلك التماس النّجح لمن [2] أسال له، فقال له أبو العبّاس: إنك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة. وكان إذا تعادى رجلان من أصحاب السّفّاح وبطانته لم يسمع من أحدهما في الآخر شيئا ولم يقبله وإن كان القائل عنده عدلا في شهادته، وإذا اصطلح الرّجلان لم يقبل شهادة واحد منهما لصاحبه ولا عليه، ويقول: إن الضغينة القديمة تولّد العداوة المحضة، وتحمل على إظهار المسالمة وتحتها الأفعى التي إذا استمكنت [3] لم تبق. وكان في أول أيامه يظهر لندمائه، ثم احتجب عنهم، وذلك لسنة خلت من ملكه، وكان قعوده من وراء الستارة، وإذا غنّاه أحد صوتا يطرب من وراء الستارة ويصيح بالمطرب له من المغنّين: أحسنت والله، أعد هذا الصوت [4] . وكان لا ينصرف عنه أحد من ندمائه ولا مطربيه إلّا بصلة من مال أو كسوة، ويقول: لا يكون سرورنا معجّلا، ومكافأة من سرّنا وأطربنا مؤجّلا، وقد سبقه إلى هذا الفعل بهرام جور من ملوك الفرس. وقد حضر أبو بكر الهذلي ذات يوم والسّفّاح مقبل عليه يحدّثه بحديث

_ [1] في «مروج الذهب» : «أبسط ما يكون وجها» . [2] في «مروج الذهب» : «لما» . [3] في «مروج الذهب» : «إذا تمكنت» . [4] في الأصل والمطبوع: «وأعد هذا الصوت» وأثبت ما في «مروج الذهب» (3/ 279) .

لأنوشروان [1] في بعض حروبه بالمشرق مع بعض الملوك، فعصفت ريح شديدة، فأذرت ترابا وقطعا من الآجرّ من أعلى السطح إلى المجلس، فجزع من حضر المجلس لوقوعها [2] وارتاع لها، والهذليّ شاخص نحو أبي العبّاس لم يتغير كما تغير غيره، فقال له السّفّاح: لله أنت يا أبا بكر، لم أر كاليوم، أما راعك ما راعنا، ولا أحسست بما ورد علينا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وإنما للمرء قلب واحد، فلما غمره السرور بفائدة [3] أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال. وإن الله- عزّ وجلّ- إذا أفرد [4] بكرامة أحد وأحب أن يبقي [5] له ذكرها جعل تلك الكرامة على لسان نبيه أو خليفته، وهذه كرامة خصصت بها فمال إليها ذهني، وشغل بها قلبي [6] فلو انقلبت [7] الخضراء على الغبراء ما أحسست بها ولا وجمت [8] لها إلّا بما يلزمني في نفسي [9] لأمير المؤمنين أعزّه الله. فقال السّفّاح: لئن بقيت لك لأرفعنّ منك ضبعا [10] لا تطيف به السّباع ولا تنحطّ عليه العقبان [11] .

_ [1] في «مروج الذهب» : «لأنوشروين» . [2] في المطبوع: «لوقعها» ، وفي «مروج الذهب» (3/ 279) : «لوقوع ذلك» . [3] في الأصل، والمطبوع: «بالسرور لفائدة» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [4] في الأصل، والمطبوع: «إذا انفرد» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [5] في الأصل، والمطبوع: «وأحب أن يفضي» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [6] في «مروج الذهب» : «وشغل بها فكري» . [7] في الأصل: «فلو تقلبت» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» . [8] في الأصل، «ولا ححت» وفي المطبوع: «ولا جمعت» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 280) . [9] في «مروج الذهب» : «من نفسي» . [10] في «مروج الذهب» : «لأرفعن منك وضيعا» . والضبع: العضد. انظر «مختار الصحاح» ص (376) . [11] في «مروج الذهب» : «وتنحطّ عليه العقاب» .

ومما ذكر من أخباره واستفاض من أسماره [1] ما ذكره البهلول بن العبّاس، عن الهيثم بن عدي الطّهماني، عن يزيد الرّقاشي، قال: كان السّفّاح تعجبه [2] مسامرة الرّجال، وإني سمرت عنده ذات ليلة، فقال: يا يزيد، أخبرني بأظرف حديث سمعته، قلت: يا أمير المؤمنين، وإن كان في بني هاشم؟ قال: ذلك أعجب إليّ، قلت: يا أمير المؤمنين، نزل رجل من تنوخ بحيّ من بني عامر بن صعصعة، فجعل لا يحطّ شيئا من متاعه إلّا تمثل بهذا البيت: لعمرك ما تبلى سرابيل عامر [3] ... من اللّؤم ما دامت عليها جلودها [4] فخرجت إليه جارية [من الحي] [5] فحادثته وآنسته، وساءلته حتّى أنس بها، ثم قالت: ممن أنت متّعت بك. فقال: رجل من [بني] تميم [6] . قالت: أتعرف الذي يقول: تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلّت ولو أنّ برغوثا على ظهر قملة ... يكرّ على جمعي [7] تميم لولّت [ذبحنا فسمّينا فتمّ ذبيحنا ... وما ذبحت يوما تميم فسمّت]

_ [1] في المطبوع: «واستفاض من آثاره» . [2] في «مروج الذهب» (3/ 285) : «يعجبه» . [3] في «مروج الذهب» : «سرائر عامر» . والسرابيل: جمع سربال، وهو القميص. انظر «مختار الصحاح» ص (293) . [4] البيت في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 285) . [5] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» . [6] لفظة «بني» زيادة من «مروج الذهب» . [7] في الأصل، والمطبوع: «صيفي» ، وأثبت ما في «مروج الذهب» (3/ 286) .

أرى اللّيل يجلوه النّهار ولا أرى ... عظام المخازي عن تميم تجلّت [1] فقال: لا والله ما أنا من تميم. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من عجل [2] . قالت: أتعرف الذي يقول: أرى النّاس يعطون الجزيل وإنّما ... عطاء بني عجل ثلاث وأربع إذا مات عجليّ بأرض فإنّما ... يشقّ له منها ذراع وإصبع فقال: لا والله ما أنا من عجل [3] . قالت: فممن [4] أنت؟ قال: رجل من بني يشكر. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا يشكريّ مسّ ثوبك ثوبه ... فلا تذكرنّ الله حتّى تطهّرا قال: لا والله ما أنا من يشكر. قالت: فممن [5] أنت؟ قال: رجل من عبد القيس.

_ [1] في الأبيات تقديم وتأخير في الأصل، والمطبوع، وقد أعدت ترتيبها على النحو الذي في «مروج الذهب» والبيت الذي بين حاصرتين استدركته منه.. [2] في الأصل: «عجيل» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» . [3] في الأصل: «عجيل» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» . [4] في الأصل: «قالت فمن» ، وأثبت ما في المطبوع. [5] في الأصل: «قالت فمن» وأثبت ما في المطبوع.

قالت: أتعرف الذي يقول: رأيت عبد القيس لاقت ذلّا ... إذا أصابوا بصلا وخلّا ومالحا معتّقا قد صلّا ... باتوا يسلّون الفساء [1] سلّا سلّ النّبيط القصب المبتلّا قال: لا والله ما أنا من عبد القيس. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من باهلة. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا ازدحم الكرام على المعالي ... تنحّى الباهليّ عن الزّحام ولو كان الخليفة باهليّا ... لقصّر عن مناوأة الكرام وعرض الباهليّ ولو توقّى ... عليه مثل منديل الطعام قال: لا والله وما أنا من باهلة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بني فزارة. قالت: أتعرف الذي يقول: لا تأمننّ فزاريّا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار لا تأمننّ فزاريّا على حمر ... بعد الذي ابتلّ [2] أير العير في النّار قال: لا والله ما أنا من فزارة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من ثقيف.

_ [1] في «مروج الذهب» : «يسلون النساء» . [2] في «مروج الذهب» : «امتلّ» .

قالت: أتعرف الذي يقول: أضلّ الناسبون أبا ثقيف ... فما لهم أب إلّا الضّلال فإن نسبت أو انتسبت ثقيف ... إلى أحد فذاك هو المحال خنازير الحشوش فقتّلوها ... فإنّ دماءها لكم حلال قال: لا والله ما أنا من ثقيف. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بني عبس. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا عبسيّة ولدت غلاما ... فبشّرها بلؤم مستفاد قال: لا والله ما أنا من عبس. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من ثعلبة. قالت: أتعرف الذي يقول: فثعلبة بن قيس شرّ قوم ... والأمهم وأغدرهم بجار قال: لا والله ما أنا من ثعلبة. قالت: ممن أنت؟. قال: أنا رجل من غنيّ. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا غنويّة ولدت غلاما ... فبشّرها بخيّاط مجيد قال: لا والله ما أنا من غنيّ.

قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بني مرّة. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا مرّيّة خضبت يداها ... فزوّجها ولا تأمن زناها قال: لا والله ما أنا من بني مرّة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بني ضبّة. قالت: أتعرف الذي يقول: لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللّؤم أزرق قال: لا والله ما أنا من بني ضبّة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بجيلة. قالت: أتعرف الذي يقول: سألنا عن بجيلة أين حلّت ... لنخبر أين قرّ بها القرار؟ فما تدري بجيلة حين تدعى ... أقحطان أبوها أم نزار؟ فقد وقعت بجيلة بين بين ... وقد خلعت كما خلع العذار قال: لا والله ما أنا من بجيلة. قالت: فممن أنت ويحك؟! قال: أنا رجل من الأزد.

قالت: أتعرف الذي يقول: إذا أزديّة ولدت غلاما ... فبشّرها بملّاح مجيد [1] قال: لا والله ما أنا من الأزد. قالت: فممن أنت ويلك؟! أما تستحي؟! قل الحقّ. قال: رجل من خزاعة. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا افتخرت خزاعة في قديم ... وجدنا فخرها شرب الخمور وباعت كعبة الرّحمن جهرا ... بزق بئس مفتخر الفجور قال: لا والله ما أنا من خزاعة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من سليم. قالت: أتعرف الذي يقول: فما لسليم شتّت الله أمرها ... تنيك [2] بأيديها وتعيا أيورها قال: لا والله ما أنا من سليم. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من لقيط. قال: أتعرف الذي يقول:

_ [1] في الأصل: «فبشر بحباط محيد» ، وفي المطبوع: «فبشرها بحباط محيد» وكلاهما خطأ. والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 287) . [2] في الأصل، والمطبوع: «تنيل» ، والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 288) .

لعمرك ما البحار ولا الفيافي ... بأوسع من فقاح [1] بني لقيط لقيط شرّ من ركب المطايا ... وأنذل من يدبّ على البسيط ألا لعن الإله بني لقيط ... بقايا نسبة [2] من قوم لوط قال: لا والله ما أنا من لقيط. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من كندة. قالت: أتعرف [3] الذي يقول: إذا ما افتخر الكنديّ ... ذو البهجة والطّرّة فبالنّسج وبالخفّ ... وبالسّدل [4] وبالحفرة فدع كندة للنّسج ... فأعلى فخرها عرّة قال: لا والله ما أنا من كندة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من خثعم. قالت: أتعرف [5] الذي يقول: وخثعم لو صفرت لها صفيرا ... لطارت في البلاد مع الجراد قال: لا والله ما أنا من خثعم.

_ [1] فقاح، جمع فقحة، وهي حلقة الدبر. (ع) . [2] في المطبوع «مروج الذهب» (3/ 288) : «بقايا سبية» . [3] في الأصل، والمطبوع: «فتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وبالتيرك» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [5] في الأصل، والمطبوع: «فتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من طيّء. قالت أتعرف [1] الذي يقول: وما طيّء إلّا نبيط تجمّعت ... فقالت طيانا [2] كلمة فاستمرّت ولو أنّ حرقوصا يمدّ جناحه ... على جبلي طيّ إذا لاستظلّت قال: لا والله ما أنا من طيّء. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من مزينة. قالت: أتعرف الذي يقول: وهل مزينة إلّا من قبيلة ... لا يرتجى كرم منها ولا دين قال: لا والله ما أنا من مزينة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من النّخع. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا النّخع اللّئام غدوا جميعا ... تأذّى النّاس من وفر الزّحام [3] وما تسمو [4] إلى مجد كريم ... وما هم في الصميم من الكرام

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «فتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [2] في الأصل، والمطبوع: «فقالت طيايا» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [3] في الأصل، والمطبوع: «من ذخر اللئام» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وما يسموا» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

قال: لا والله ما أنا من النّخع. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من أود. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا نزلت بأود في ديارهم ... فاعلم بأنّك منهم ليس بالنّاجي لا تركننّ إلى كهل ولا حدث ... فليس في القوم إلّا كلّ عفّاج قال: لا والله ما أنا من أود. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من لخم. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا ما انتمى قوم لفخر قديمهم ... تباعد فخر الجود عن لخم اجمعا [1] قال: لا والله ما أنا من لخم. قالت: فممن أنت ويلك؟!! أما تستحي من كثرة الكذب؟. قال: أنا رجل من تنوخ، وهو الحقّ. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا تنوخ قطعت منهلا ... في طلب الغارات والثّار آبت بخزي من إله السّما ... وشهرة في الأهل والجار قال: لا والله ما أنا من تنوخ.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «جمعا» وأثبت ما في «مروج الذهب» وهو الصواب.

قالت: فممن أنت ثكلتك أمّك؟! [1] . قال: أنا رجل من حمير. قالت: أتعرف الذي يقول: نبّئت حمير تهجوني فقلت لهم ... ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا لأنّ حمير قوم لا نصاب لهم ... كالعود بالقاع لا ماء [2] ولا ورق لا يكثرون وإن طالت حياتهم ... ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا قال: لا والله ما أنا من حمير. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من يحابر [3] . قالت: أتعرف الذي يقول: ولو صرّ صرّار بأرض يحابر ... لماتوا وأضحوا في التّراب رميما قال: لا والله ما أنا من يحابر. قالت: فممن أنت؟

_ [1] قال ابن الأثير إنه- صلّى الله عليه وسلّم- قال لبعض أصحابه: «ثكلتك أمك» أي فقدتك. والثّكل: فقد الولد. وامرأة ثاكل وثكلى. ورجل ثاكل وثكلان، كأنه دعا عليه بالموت لسوء فعله أو قوله. والموت يعمّ كلّ أحد، فإذن الدعاء عليه كلا دعاء، أو أراد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءا، ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم: تربت يداك، وقاتلك الله. «النهاية» (1/ 217) . [2] تحرفت لفظة «لا ماء» في الأصل إلى «لا يمر» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] في الأصل: «بجاير» وفي المطبوع: «بحائر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 290) . قلت: وهذه القبيلة تنسب إلى يحابر بن مالك بن أدد بن زيد. انظر «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (406) .

قال: رجل من قشير. قالت: أتعرف الذي يقول: بني قشير قتلت [1] سيّدكم ... فاليوم لا فدية ولا قود قال: لا والله ما أنا من قشير. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بني أميّة. قالت: أتعرف [2] الذي يقول: وهى بأميّة بنيانها ... وهان على الله فقدانها وكانت أميّة فيما مضى ... جريء على الله سلطانها فلا آل حرب أطاعوا الرّسول ... ولم يتّق الله مروانها قال: لا والله ما أنا من بني أميّة. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بني هاشم. قالت: أتعرف الذي يقول: بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم ... فقد صار هذا التّمر صاعا بدرهم فإن قلتم رهط النّبيّ محمّد ... فإنّ النّصارى رهط عيسى بن مريم قال: لا والله ما أنا من بني هاشم. قالت: فممن أنت؟

_ [1] في الأصل: «قتلتم» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» . [2] في الأصل، والمطبوع: «أفتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

قال: رجل من همدان. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا [1] همدان دارت يوم حرب ... رحاها فوق هامات الرّجال رأيتهم يحثّون المطايا ... سراعا هاربين من القتال قال: لا والله ما أنا من همدان. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من قضاعة. قالت: أتعرف الذي يقول: لا يفخرنّ قضاعيّ بأسرته ... فليس من يمن محضا [2] ولا مضر مذبذبين فلا قحطان والدهم ... ولا نزار فخلّوهم إلى سقر قال: لا والله ما أنا من قضاعة [3] . قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من شيبان. قالت: أتعرف الذي يقول: شيبان قوم لهم عديد ... وكلّهم [4] مقرف لئيم ما فيهم ماجد [5] حسيب ... ولا نجيب ولا كريم

_ [1] في الأصل: «إذ» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» (3/ 291) . [2] في الأصل، والمطبوع: «محضن» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [3] في الأصل، والمطبوع: «ما أنا قضاعيا» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [4] في «مروج الذهب» : «فكلهم» . [5] في الأصل والمطبوع: «من ماجد» والتصحيح من «مروج الذهب» .

قال: لا والله ما أنا من شيبان. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من بني نمير. قالت: أتعرف الذي يقول: فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا ولو وضعت فقاح بني نمير ... على خبث الحديد إذا لذابا قال: لا والله ما أنا من نمير. قالت: فممن أنت؟ قال: أنا رجل من تغلب. قالت: أتعرف الذي يقول: لا تطلبنّ خؤولة في تغلب ... فالزّنج أكرم منهم أخوالا والتّغلبيّ إذا تنحنح للقرى ... حكّ [1] استه وتمثّل الأمثالا قال: لا والله ما أنا من تغلب. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من مجاشع. قالت: أتعرف الذي يقول: تبكي المغيبة [2] من بنات مجاشع ... ولها إذا سمعت نهيق حمار قال: لا والله ما أنا من مجاشع.

_ [1] في الأصل: «حطّ» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» . [2] في الأصل والمطبوع: «المعنة» ، وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» والمغيبة: التي غاب عنها زوجها.

قالت: فممن أنت؟ قال: أنا رجل من كلب. قالت: أتعرف الذي يقول: فلا تقربن كلبا ولا باب دارها ... فما يطمع السّاري يرى ضوء نارها قال: لا والله ما أنا من كلب. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من تيم. قالت: أتعرف الذي يقول: تيميّة مثل أنف الفيل مقبلها [1] ... تهدي الرّدى ببنان غير مخدوم قال: لا والله ما أنا من تيم. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من تيم. قالت: أتعرف الذي يقول: تمنّيني [2] سويق الكرم جرم ... وما جرم وما ذاك السّويق فما شربوه لمّا كان حلا ... ولا غالي بها إذ قام سوق [3] فلمّا أنزل التّحريم فيها ... إذا الجرميّ منها لا يفيق

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «غبلها» وأثبت ما في «مروج الذهب» (3/ 292) . [2] في الأصل: «تمنتي» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» . [3] في «مروج الذهب» : «ولا غالوا به في يوم سوق» .

قال: لا والله ما أنا من جرم. قالت: فممن أنت؟ قال رجل من سليم. قالت: أتعرف الذي يقول: إذا ما سليم جئتها لغدائها ... رجعت كما قد جئت عريان [1] جائعا قال: لا والله ما أنا من سليم. قالت: فممن أنت؟ قال: رجل من الموالي. قالت: أتعرف الذي يقول: ألا من أراد اللّؤم والفحش والخنا ... فعند الموالي الجيد والطّرفان [قال: لا والله ما أنا من الموالي. قالت: فممن أنت؟] [2] قال: أخطأت نسبي وربّ الكعبة، أنا رجل من الخوز. قالت: أتعرف الذي يقول: لا بارك الله ربّي فيكم أبدا ... يا معشر الخوز إنّ الخوز في النّار قال: لا والله ما أنا من الخوز.

_ [1] في «مروج الذهب» : «غرثان» ، والغرثان: العطشان. انظر «مختار الصحاح» ص (471) . [2] ما بين حاصرتين لم يرد في المطبوع، و «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 293) .

قالت: ممن [1] أنت؟ قال: من أولاد حام. قالت: أتعرف الذي يقول: ولا تنكحن أولاد حام فإنّهم ... مشاويه خلق الله حاشا ابن أكوع قال: لا والله ما أنا من ولد حام، ولكني من ولد الشيطان الرّجيم. قالت: فلعنك الله [2] ولعن أباك معك، أتعرف الذي يقول: ألا يا عباد الله هذا عدوّكم ... عدوّ نبيّ الله إبليس ينهق فقال لها: هذا مقام العائذ بك. قالت: قم فارحل خاسئا مذموما، وإذا نزلت بقوم فلا تنشد فيهم شعرا حتّى تعرف من هم، ولا تتعرّض للمباحثة عن مساوئ النّاس، فلكل قوم إساءة وإحسان إلّا رسل ربّ العالمين [3] ومن اختاره الله من عباده وعصمه من عدوه، وأنت كما قال جرير للفرزدق: وكنت إذا حللت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا [4] فقال لها: والله لا أنشدت بيت شعر أبدا. فقال السّفّاح: لئن كنت عملت هذا الخبر، ونظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار، فلقد أحسنت، وأنت سيّد الكذّابين، وإن كان الخبر صدقا وكنت فيما ذكرت محقّا، فإنّ هذه الجارية لمن أحضر النّاس جوابا، وأبصرهم بمثالب النّاس.

_ [1] في «مروج الذهب» : «فمن» . [2] لفظ الجلالة سقط من المطبوع. [3] في «مروج الذهب» : «إلّا رسول رب العالمين» . [4] لم أجد البيت في «ديوانه» المطبوع في دار بيروت.

قال المسعوديّ [1] : وللسّفّاح أخبار غير هذه، وأسمار حسان، أتينا على مبسوطها في كتابينا «أخبار الزّمان» و «الأوسط» . انتهى.

_ [1] في «مروج الذهب» (3/ 293) .

سنة سبع وثلاثين ومائة

سنة سبع وثلاثين ومائة في أوّلها بلغ عبد الله بن عليّ موت ابن أخيه السّفّاح، فدعا بالشّام إلى نفسه، وعسكر بدابق، وزعم أنّ السّفّاح جعله ولي عهده من بعده، وأقام شهودا بذلك، فجهّز المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني، فالتقى الجمعان في نصيبين في جمادى الآخرة، فاشتد القتال، ثم انهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه، وحاز أبو مسلم خزانته [1] وكانت شيئا عظيما، لأنه استولى على جميع نعمة بني أميّة، فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يدك [2] فصعب ذلك على أبي مسلم، وأزمع [3] على خلع المنصور، ثم سار نحو خراسان، فأرسل إليه المنصور يستعطفه ويمنّيه، وما زال به حتّى وقع في براثنه، فأقدم على قتله، فقتله في شعبان كما تقدم [4] . وفيها، وقيل: في غيرها، توفي خصيف بن عبد الرّحمن الجزريّ الحرّانيّ [5] روى عن مجاهد، وسعيد بن جبير.

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 185) : «خزائنه» . [2] في المطبوع: «احتفظ بما في يده» . [3] أزمع على الأمر: ثبّت عليه عزمه. انظر «مختار الصحاح» ص (274) . [4] انظر ص (131- 134) من هذا المجلد. [5] انظر «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 372- 373) مصورة دار المأمون للتراث.

قال في «المغني» [1] : خصيف بن عبد الرّحمن الجزري مكثر [2] عن التابعين، ضعفه أحمد وغيره. انتهى. وفيها، أو في التي تليها، توفي منصور بن عبد الرّحمن العبدريّ [3] الحجبيّ المكيّ، ولد صفيّة بنت شيبة. قال ابن عيينة: كان يبكي عند كل صلاة، فكانوا يرون أنه يذكر الموت. ويزيد بن أبي زياد الكوفيّ عن نحو تسعين سنة. روى عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشميّ وطائفة، وهو حسن الحديث [4] . روى له مسلم مقرونا بآخر. قاله في «العبر» [5] . وقال في «المغني» [6] : يزيد بن أبي زياد الكوفي، مشهور، سيء الحفظ. قال ابن حبّان: صدوق إلّا أنه كبر وساء حفظه، فكان يتلقن. وقال يحيى [7] : ليس بالقويّ.

_ [1] (1/ 209) . [2] في المطبوع: «يكثر» وما في الأصل موافق لما عند الذهبي في «المغني» . [3] في الأصل: «العبد» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] كذا قال المؤلف: وهو حسن الحديث. وقال الحافظ الذهبي في «العبر» (1/ 187) : لين الحديث. وقال الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب» (2/ 365) : ضعيف، كبر فتغير، صار يتلقن، وكان شيعيا. وللتوسع راجع «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1533- 1534) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق. [5] (1/ 187) . [6] (2/ 749) . [7] يعني ابن معين.

وقال أيضا: لا يحتج بحديثه. وقال ابن المبارك: ارم به. انتهى. وفيها قتل أحد الأشراف بدمشق، وهو عثمان بن سراقة الأزدي. وكان قد توثّب عند موت السّفّاح وسبّ بني العبّاس على منبر دمشق، وبايع لهشام بن يزيد بن خالد بن معاوية الأموي، فبغتهم مجيء صالح عمّ السّفّاح، فلم يقووا لحربه، واختفى هشام، وضرب عنق ابن سراقة.

سنة ثمان وثلاثين ومائة

سنة ثمان وثلاثين ومائة فيها جاء طاغية الرّوم قسطنطين بن أليون في مائة ألف، ونزل بدابق، بكسر الباء- وهو المذكور في «صحيح مسلم» - فلقيه صالح بن علي عمّ المنصور، والسّفّاح فهزمهم ولله الحمد. وفيها توفي زيد بن واقد الدّمشقيّ. روى عن جبير بن نفير، وكثير بن مرّة، وخلق. قال في «المغني» [1] [2] : زيد بن واقد، عن حميد، وثقه أبو حاتم، وسمع منه بالرّيّ. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. انتهى. وفيها أبو شبل العلاء بن عبد الرّحمن بن يعقوب المدنيّ، مولى الحرقة [3] روى عن أبيه، وأنس، وطائفة. قال أبو حاتم: ما أنكر من حديثه شيئا.

_ [1] في «العبر» : «فلم يقو» . [2] (1/ 248) . [3] قال السمعاني: وهي قبيلة من همدان، هكذا قال أبو حاتم بن حبان، وكنت سمعت بعض الحفاظ يقول: الحرقات بطن من جهينة، وهو الصحيح. «الأنساب» (4/ 113- 114) .

وسليمان بن فيروز [1] أبو إسحاق الشّيبانيّ مولاهم الكوفيّ. قال ابن ناصر الدّين: كان من الحفاظ الثقات والأئمة الأثبات. انتهى. وليث بن أبي سليم الكوفيّ [2] . قال في «المغني» [3] : قال أحمد: مضطرب الحديث، ولكن حدّث عنه النّاس. وقال ابن معين [والنسائيّ] : ضعيف. وقال ابن حبّان: اختلط في آخر عمره. وقال [ابن معين] أيضا: لا بأس به. انتهى.

_ [1] ويقال له: سليمان بن أبي سليمان، أبو إسحاق الشيباني. (ع) . [2] في «المغني» : «الليثي» . [3] (2/ 536) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

سنة تسع وثلاثين ومائة

سنة تسع وثلاثين ومائة فيها سار [1] عسكر المسلمين فنزلوا ملطية وهي خراب، فزرعوا أرضها، وطبخوا كلسا لبنائها، ورجعوا، فبعث طاغية الرّوم من حرق الزرع. وفيها توفي خالد بن يزيد المصريّ [2] الفقيه كهلا. يروي عن عطاء، والزّهري، وطبقتهما. وعنه اللّيث، ويكنى أبا عبد الرّحيم [3] . وفيها يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد اللّيثيّ المدنيّ الفقيه. يروي عن شرحبيل بن سعد وطبقته من التابعين. ويونس بن عبيد شيخ البصرة. رأى أنسا، وأخذ عن الحسن وطبقته. قال سعيد بن عامر الضّبعيّ: ما رأيت رجلا قطّ أفضل منه. وأهل البصرة على ذاك. وقال أبو حاتم: هو أكبر من سليمان التيميّ ولا يبلغ سليمان منزلته.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «نزل» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 188) وهو مصدر المؤلف في كلامه. [2] قلت: وقال الحافظ ابن حجر: هو خالد بن يزيد الجمحي، ويقال: السكسكي. انظر «تقريب التهذيب» (1/ 220) . [3] في الأصل: «ويكنى أبا عبد الرحمن» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

وقال يونس: ما كتبت شيئا قطّ- يعني لذكائه وحفظه-. وقال ابن ناصر الدّين: رأى أنسا، وسمع الحسن، وابن سيرين وغيرهما، وكان إماما علما، وحافظا مقدّما، ومتقنا محرّرا. انتهى. وصالح بن كيسان المؤدّب، ذكره ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» [1] فقال: ثمّ أبو حازم المديني ... كصالح المؤدب الأمين وقال في «شرحها» [2] : هو صالح بن كيسان المدنيّ العالم مؤدّب بني عمر بن عبد العزيز، جاوز المائة سنة. انتهى. وقد رأيت كيف وصفه بالأمين، وكفى بها منقبة.

_ [1] واسمها الكامل «بديعة البيان عن موت الأعيان» ، وهي مخطوطة لم تنشر بعد، وقد تكلم عنها الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي في مقدمته لكتاب «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدين، طبع مؤسسة الرسالة. [2] واسم هذا «الشرح» «التبيان لبديعة البيان» وهو مخطوط أيضا، وقد تكلم عنه الأستاذ العرقسوسي أيضا في مقدمته ل «توضيح المشتبه» .

سنة أربعين ومائة

سنة أربعين ومائة فيها نزل جبريل بن يحيى الأمير من جهة صالح بن علي مرابطا بالمصّيصة، فأقام بها سنة حتّى بناها وحصّنها. وفيها توفي فقيه واسط أبو العلاء أيوب بن أبي مسكين القصّاب كهلا، أخذ عن قتادة وجماعة. خرّج له أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ. قال في «المغني» [1] : أيوب بن مسكين [2] أبو العلاء الواسطي القصّاب [صدوق] . قال أبو حاتم: لا يحتج به. انتهى. وداود بن أبي هند البصريّ الفقيه، وكان حافظا، مبينا، نبيلا. روى عن سعيد بن المسيّب، وأبي العالية، واسم أبيه أبو هند دينار بن عذافر، وقيل: طهمان القشيريّ مولاهم. قال ابن ناصر الدّين: كان داود مفتي أهل البصرة وأحد القانتين، رأسا في العمل والعلم، قدوة في الدّين. انتهى.

_ [1] (1/ 98) ولفظة «صدوق» مستدركة منه. [2] ويقال له: «ابن أبي مسكين» كما في «التقريب» و «التهذيب» و «ميزان الاعتدال» (ع) .

وفيها أبو حازم سلمة بن دينار المدنيّ الأعرج، عالم المدينة وزاهدها [1] وواعظها. سمع سهل بن سعد وطائفة. وكان أشقر فارسيا، وأمّه روميّة، وولاؤه لبني مخزوم. قال ابن خزيمة: ثقة لم يكن في زمانه مثله، له حكم ومواعظ. وأبو يزيد سهيل بن أبي صالح السمّان المدنيّ. روى عن أبيه وطبقته، وكان كثير الحديث، ثقة، مشهورا، أخذ عنه مالك والكبار. وعمارة بن غزيّة المازنيّ المدنيّ. يروي عن الشّعبي وطبقته. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. وعمرو بن قيس السّكونيّ الكنديّ الحمصيّ. ولهمائة سنة تامة. روى عن عبد الله بن عمر والكبار، وذكر إسماعيل بن عيّاش أنه أدرك سبعين صحابيا. وقال غيره: كان عمرو بن قيس أميرا من دولة عبد الملك بن مروان، وكان سيّد أهل حمص وشريفهم، ولي غزو الرّوم لعمر بن عبد العزيز.

_ [1] في المطبوع: «وزاهداها» وهو خطأ.

سنة إحدى وأربعين مائة

سنة إحدى وأربعين مائة قال المدائنيّ: فيها ظهرت الرّيونديّة [1] ، وهم قوم خراسانيون على رأي أبي مسلم صاحب الدّعوة، يقولون بتناسخ الأرواح، وأنّ ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبريل، فأتوا قصر المنصور وطافوا فيه، فقبض على مائتين من كبارهم، فغضب الباقون وحفّوا بنعش وحملوا هيئة جنازة، ثم مروا بالسّجن فشدّوا على النّاس، وفتحوا السّجن وأخرجوا أصحابهم، وقصدوا المنصور في ستمائة مقاتل، فأغلق البلد، وحاربهم العسكر مع معن بن زائدة، ثم وضعوا فيهم السيف، وأصيب يومئذ الأمير عثمان بن نهيك، فاستعمل المنصور مكانه على الحرس [2] أخاه عيسى، وكان ذلك بالهاشميّة. حدّث أبو بكر الهذليّ قال: اطلع المنصور، فقال رجل إلى جانبي: هذا ربّ العزّة الذي يطعمنا ويرزقنا!. وفيها افتتح المسلمون طبرستان بعد حروب طويلة. وأقام الحجّ صالح بن علي أمير الشّام. وفيها توفي موسى بن عقبة المدنيّ صاحب المغازي. روى عن أمّ خالد

_ [1] نسبة إلى ريوند، كورة من نواحي نيسابور. انظر «الأنساب» (6/ 212) . [2] في «العبر» للذهبي (1/ 191) : «على الحراس» .

بنت خالد [1] المخزومية ولها صحبة، وعن عروة وطبقته. قال الواقديّ: كان موسى فقيها يفتي. قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» : موسى فتى عقبة الأديب ... إسناده محرّر قريب أي إلى النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- بمعنى عالي السند. وقال في «شرحها» : موسى بن عقبة بن ربيعة بن أبي عيّاش الأسديّ مولاهم المدنيّ أبو محمّد مولى آل الزّبير بن العوّام. روى عن صحابيّة، وعدة من التابعين، وكان متقنا فقيها، حافظا، نبيها، صنف المغازي فأجاد، ووصلت إلينا ولله الحمد بالإسناد. انتهى. وفيها موسى بن كعب التيميّ المروزيّ أحد النقباء الاثني عشر، نقباء بني العبّاس، ولي إمرة مصر سبعة أشهر ومات. وأبان بن تغلب. قال في «العبر» [2] : الكوفيّ القارئ المشهور، وكان من ثقات الشّيعة. يروي عن الحكم وطائفة. انتهى. وقال في «المغني» [3] : أبان بن تغلب ثقة معروف. قال ابن عدي وغيره: غال في التشيّع.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أم خلد بنت خلد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. وهي أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشية الأموية، وهي مشهورة بكنيتها. وليست أم خالد بنت خالد المخزومية، كما ذكر المؤلف. انظر «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1678) مصوّرة دار المأمون وا «الإصابة» لابن حجر (12/ 130) . [2] (1/ 192) . [3] (1/ 6) .

[وقال الجوزجانيّ: زائغ مذموم المذهب، وثقه [1] أحمد، وابن معين، وأبو حاتم] [2] . انتهى. وقد خرّج له مسلم والأربعة.

_ [1] في المطبوع: «ووثقه» . [2] ما بين حاصرتين لم يرد في «المغني» المطبوع بتحقيق الدكتور نور الدّين عتر. والجوزجاني: هو إبراهيم بن يعقوب، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث.

سنة اثنتين وأربعين ومائة

سنة اثنتين وأربعين ومائة فيها عزل عن مصر محمّد بن الأشعث، ووليها حميد بن قحطبة. وولي الجزيرة، والثغور عبّاس أخو المنصور. وفيها توفي خالد الحذّاء بن مهران البصريّ الحافظ. يروي عن كبار التابعين، وقد رأى أنسا، وكان يجلس في الحذّائين فنسب إليهم، ولقّب الحذّاء لجلوسه بينهم. قال في «المغني» [1] : هو ثقة جبل، والعجب من أبي حاتم يقول: لا يحتج به. انتهى [2] . وقال ابن ناصر الدّين: كان أحد الثقات الأثبات. والأمير سليمان ابن عمّ المنصور، وكان جوادا، ممدّحا، وبلغت عطاياه في الموسم [3] خمسة آلاف درهم، وولي إمرة البصرة، وعاش ستين سنة. وفيها عاصم بن سليمان الأحول، أحد حفّاظ البصرة. روى عن عبد الله بن سرجس، وأنس، وطائفة.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 206) . [2] وانظر «تقريب التهذيب» (1/ 219) . [3] في «العبر» : «في المواسم» .

قال في «المغني» [1] : تابعيّ، ثقة. قال القطّان: ليس بالحافظ. وقال الحاكم: ليس بالحافظ عندهم. انتهى. وفيها، أو في التي بعدها، عمرو بن عبيد البصريّ العابد، الزّاهد، المعتزليّ، القدريّ، صاحب الحسن ثم خالفه واعتزل حلقته، فلذا قيل: المعتزلي [2] . قال في «العبر» : [قال الحسن: رأيته في النوم يسجد للشمس] [3] . وقال ابن الأهدل: لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن وطرده، تحول إليه عمرو فسمّوا معتزلة. توفي بمرّان- بتشديد الراء- على طريق مكّة وهو راجع منها ورثاه الخليفة المنصور، ومدحه أيضا في حياته، والناس مختلفون فيه. انتهى. وقال في «المغني» [4] : عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة، سمع الحسن. كذّبه أيوب، ويونس، وتركه ابن أبي شيبة [5] . انتهى. وكانت له جرأة، فإنه قال عن ابن عمر: هو حشوي، فانظر هذه الجرأة والافتراء، عامله الله بعدله. وفيها محمّد بن أبي إسماعيل الكوفيّ. روى عن أنس وجماعة. وقال شريك: رأيت أولاد أبي إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد وعاشوا.

_ [1] (1/ 321) . [2] في الأصل، والمطبوع: «المعتزلة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 193) . [3] ما بين حاصرتين لم يرد في «العبر» المطبوع بتحقيق الدكتور صلاح الدّين المنجد (1/ 193) . [4] (2/ 486) . [5] في «المغني» : «وتركه النسائيّ» .

وأبو هانئ حميد بن هانئ الخولانيّ المصريّ. روى عن علي بن رباح [وعدة] [1] وأدركه ابن وهب. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] لفظة «وعدة» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي. [2] (1/ 193) .

سنة ثلاث وأربعين ومائة

سنة ثلاث وأربعين ومائة فيها ثارت الدّيلم [وبدّعوا] [1] وقتلوا خلائق من المسلمين، فانتدب النّاس لغزوهم. وفيها سار الأمير محمّد بن الأشعث إلى المغرب، فالتقى الإباضيّة [2] وقتل زعيمهم أبو الخطّاب في المصافّ [3] . وفيها توفي حجّاج بن أبي عثمان الصّوّاف، أحد حفّاظ البصرة. روى عن الحسن وغيره. وحميد الطّويل، واسم أبي حميد تيرويه [4] أحد الثقات التابعين البصريين، كان قائما يصلي فسقط ميتا. سمع أنسا وطائفة، وكنيته أبو

_ [1] لفظة «وبدّعوا» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. [2] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 194) : «الأباضية» بفتح الهمزة وهو خطأ. قال ابن منظور: الإباضية: قوم من الحرورية لهم هوى ينسبون إلى إباض: وقيل: الإباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن إباض التميمي. «لسان العرب» (أبض) . [3] قال ابن الأثير: المصاف جمع مصف، وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصّفوف. «النهاية» (3/ 38) . [4] قال الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (7/ 355) طبع مؤسسة الرسالة: واسم أبي حميد: تير، ويقال: تيرويه، ويقال: زاذويه، ويقال: داور، ويقال: طرخان، ويقال: مهران، ويقال: عبد الرّحمن، ويقال: مخلد، ويقال: غير ذلك، وهو خال حمّاد بن سلمة.

عبيدة [1] ومات وله سبع وتسعون سنة، ومكث أربعين سنة يصوم يوما، ويفطر يوما، ويصلي الفجر بوضوء العشاء. قاله ابن الأهدل. قال ابن ناصر الدّين: هو حميد بن أبي حميد الطّويل، البصريّ، أبو عبيدة، واسم أبيه تيرويه على الأشهر، وهو خال حمّاد بن سلمة. كان إماما، حافظا، متقنا عمدة، وكان من ثقات الرّواة، ولم يدع لثابت البنانيّ علما إلّا حفظه منه ووعاه. انتهى. وفي ذي القعدة سليمان بن طرخان التّيميّ القيسيّ مولاهم، أبو المعتمر، الحافظ الإمام، أحد مشايخ الإسلام. روى عن أنس، والحسن، وغيرهما، وكان عابدا، صوّاما، قانتا لله، قواما. قال في «العبر» [2] : قال شعبة: كان إذا حدّث عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- تغيّر لونه، وما رأيت أصدق [3] منه. وقال معتمر: مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما، ويفطر يوما، ويصلي الفجر بوضوء العشاء، وعاش سبعا وتسعين سنة. انتهى لفظ «العبر» [4] . وفيها على الأصح ليث بن أبي سليم. يروي عن مجاهد وطبقته، وكان أحد الفقهاء. قال الفضيل بن عياض: كان أعلم أهل زمانه بالمناسك.

_ [1] في الأصل: «أبو حبيدة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] (1/ 194) . [3] في الأصل، والمطبوع: «أحذق» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي، وانظر «سير أعلام النبلاء» (6/ 196) . [4] (1/ 194) .

وقال الدّارقطنيّ: كان صاحب سنّة، إنما أنكروا عليه جمعه بين عطاء وطاووس، ومجاهد، وقد تقدم ذكره في سنة ثمان وثلاثين [ومائة] [1] . وفيها مطرّف بن طريف الكوفيّ الزّاهد. روى عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى وجماعة. وفيها يحيى بن سعيد الأنصاريّ المدنيّ الفقيه، أبو سعيد، أحد الأعلام، ولي قضاء المنصور، ومات بالهاشميّة قبل أن تبنى بغداد [2] روى عن أنس، وخلق. قال أيوب السّختيانيّ: ما تركت بالمدينة أفقه منه، وكان يحيى القطّان يفضّله ويقدّمه على الزّهري. وقال الثّوري: كان من الحفّاظ. وقال ابن المديني: له نحو ثلاثمائة حديث.

_ [1] زيادة مني، وانظر ص (187) من هذا المجلد. [2] في «العبر» للذهبي (1/ 195) : «قبل أن يبنى بغداد» .

سنة أربع وأربعين ومائة

سنة أربع وأربعين ومائة فيها سار جيش العراق، والجزيرة لغزو الدّيلم، وعلى النّاس محمّد بن السّفّاح. وحج بالنّاس المنصور، وأهمّه شأن محمّد بن عبد الله بن حسن، وأخيه إبراهيم لتخلّفهما عن الحضور عنده، فوضع عليهما العيون [1] وبذل الأموال، وبالغ في تطلّبهما لأنه عرف مرامهما، وقبض على أبيهما فسجنه في بضعة عشر من أهل البيت وماتوا في سجنه. قيل: طرحهم في بيت وطيّن عليهم حتّى ماتوا. ولما بلغ محمّدا وفاة أبيه ثار بالمدينة، وسجن متولّيها، وتتبّع أصحابه، وخطب النّاس، وبايعوه طوعا وكرها، واستعمل على مكّة، واليمن، والشّام عمّالا لم يتمكّنوا، وأحبّه النّاس حبّا عظيما، وكان فيه من الكمال وخصال الفضل، ويشبه النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- في الخلق والخلق، واسمه واسم أبيه، حتّى قيل: إن خاتمه بين كتفيه، وكان أهل المدينة يعدون فيه من الكمال ما لو جاز أن يبعث الله نبيا بعد محمّد- صلّى الله عليه وسلّم- لكان هو. وتكاتب هو والمنصور مكاتبات عظيمة، ولكليهما قول فصل جزل، والحق والتحقيق في جانب محمّد.

_ [1] أي الجواسيس. قال ابن منظور: قال ابن سيدة: العين الذي يبعث ليتجسس الخبر، ويسمى ذا العينين، ويقال تسمية العرب ذا العينين وذا العوينتين، كله بمعنى واحد «لسان العرب» (عين) .

وقد كان المنصور، والسّفّاح في خلافة الأمويين من الدّعاة إلى محمّد بن عبد الله هذا، ولما أعيا المنصور أمره، جهز إليه ابن عمه عيسى بن موسى بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وقال: لا أبالي أيّهما قتل صاحبه، لأن عيسى ولي العهد بعد المنصور، على ما رتّبه لهم السّفّاح، فسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب إلى الأشراف يستميلهم، فمال كثير منهم، وتحصّن محمّد بالمدينة، وأعمق خنادقها، وزحف عليه عيسى، وناداه بالأمان، وناشده الله، ومحمّد لا يرعوي لذلك، ولما ظهر له وتخاذل أصحابه، واغتسل وتحنّط، وقاتلهم بنفسه قتالا شديدا ومعه ثمانون رجلا، وقتل بيده اثني عشر رجلا ثم قتل، واستشهد لثنتي عشرة ليلة من رمضان سنة خمس وأربعين، وله اثنتان وخمسون سنة، وقبره بالبقيع مشهور مزور، وبعث برأسه إلى المنصور، وكانت مدة قيامه شهرين واثني عشر يوما. وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة في هذه السنة أيضا. وقد كان سار إليها من الحجاز، فدخلها سرّا في عشرة أنفس، فدعا إلى نفسه سرا، وجرت له أمور، وتهاون متولّي البصرة في أمر إبراهيم حتّى اتّسع الخرق، وخرج أول ليلة من رمضان، ونزل إليه متولّي الكوفة بالأمان، ووجد إبراهيم في بيت المال ستمائة ألف، ففرقها في أصحابه، ولما بلغ المنصور خروجه، تحوّل إلى الكوفة ليأمن غائلة أهلها، وألزم النّاس لبس السواد، وجعل يقتل ويحبس من اتّهمه، وبعث إبراهيم عاملا إلى الأهواز، وآخر إلى فارس وسائر البلدان، فأتاه مقتل أخيه بالمدينة قبل عيد الفطر بثلاث، فعيّد منكسرا، وجهز المنصور لحربه خمسة آلاف، فكان بينهما وقعات قتل فيها خلق عظيم، ولم يبرح المنصور حتّى قدم عيسى من المدينة فوجّهه إلى إبراهيم، وجعل المنصور لا يقرّ له قرار، ولا يأوي إلى فراش خمسين ليلة، كل ليلة يأتيه فتق من ناحية، وعنده مائة ألف بالكوفة، ولو هجم عليه إبراهيم بالكوفة لأوقع به، ولكنه قال:

أخاف أن يستباح الصغير والكبير. فقيل له: إذا كان هذا فلم خرجت عليه؟ فالتقى الجمعان على يومين من الكوفة، فظهر جيش إبراهيم، وتهيّأ له الفتح، لولا حملة من عيسى بن موسى، وظاهره ابنا سليمان بن علي، فكسروا جيش إبراهيم، وجاءه سهم فوقع في حلقة [1] فأنزلوه وهو يقول: وَكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً 33: 38 [الأحزاب: 38] . وبعثوا برأسه إلى المنصور، وقتل وسنّه ثمان وأربعون سنة [2] وهرب أهل البصرة بحرا وبرّا. وكان خرج مع إبراهيم كثير من القرّاء، والعلماء، منهم: هشيم، وأبو خالد الأحمر [3] وعيسى بن يونس، وعبّاد بن العوّام، ويزيد بن هارون، وأبو حنيفة، وكان يجاهر في أمره، ويحثّ النّاس على الخروج معه، كما كان مالك يحثّ النّاس على الخروج مع أخيه محمّد. وقال أبو إسحاق الفزاريّ لأبي حنيفة: ما اتّقيت الله حيث حثثت أخي على الخروج مع إبراهيم فقتل، فقال: إنه كما لو قتل يوم بدر.

_ [1] قال ابن الأثير: الحلقة السلاح عاما، وقيل: هي الدّروع. «النهاية» (1/ 427) . [2] لفظة «سنة» سقطت من المطبوع. [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو خلد الأحمر» . وهو سليمان بن حيّان الأزديّ الكوفيّ. حدّث عن: حميد الطويل، وسليمان التيمي، وهشام بن عروة، وليث بن أبي سليم، وأبي مالك الأشجعي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعدة. وحدّث عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشجّ، ويوسف بن موسى، وهنّاد، والحسن بن حمّاد سجّادة، والحسن بن حمّاد الضبي، والحسن بن حمّاد المرادي، وخلق. قال العجليّ: ثقة، يؤاجر نفسه من التجار. وقال أبو حاتم: صدوق، ووثقه جماعة. وقال ابن معين: صدوق وليس بحجة، وتابعه على هذا ابن عدي. وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: هو ثقة، وليس بثبت. قلت (القائل الحافظ الذهبي) : كان موصوفا بالخير، والدّين، وله هفوة، وهي خروجه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وحديثه محتجّ به في سائر الأصول. توفي سنة تسع وثمانين ومائة. عن «سير أعلام النبلاء» (9/ 19- 21) طبع مؤسسة الرسالة.

وقال شعبة: والله لهي عندي بدر الصغرى. وقال ابن قتيبة في «المعارف» [1] : فأما الحسن بن الحسن بن علي فولد عبد الله، والحسن، وإبراهيم، وجعفرا، وداود، ومحمّدا. وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن [2] يكنى أبا محمّد، وكان خيّرا، فاضلا، ورؤي يوما يمسح على خفّيه، فقيل له: تمسح؟ فقال: نعم، قد مسح عمر بن الخطّاب، ومن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق. وكان مع أبي العبّاس- أي السفاح- وكان له مكرما، وبه آنسا. وأخرج يوما سفطا [3] فيه جوهر، فقاسمه إياه، وأراه بناء قد بناه، وقال له: كيف ترى هذا؟ فقال متمثّلا: ألم تر حوشبا أمسى يبنّي ... قصورا نفعها لبني بقيله يؤمّل أن يعمّر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كلّ ليله فقال له: أتتمثل [4] بهذا وقد رأيت صنيعي بك؟ فقال: والله ما أردت بها سوءا، ولكنها أبيات حضرت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان مني! فقال: قد فعلت. ثم ردّه إلى المدينة. فلمّا ولي أبو جعفر ألحّ في طلب ابنيه محمّد وإبراهيم ابني عبد الله فتغيّبا [5] بالبادية، فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبو هما عبد الله وإخوته حسن، وداود، وإبراهيم، وأن يشدّوا وثاقا ويبعث بهم إليه، فوافوه في طريق مكّة

_ [1] ص (212- 213) والمؤلف ينقل عنه مع بعض التصرف. [2] في الأصل، والمطبوع: «عبد الله بن حسن بن حسن» وأثبت ما في «المعارف» لابن قتيبة. [3] قال الفيروزآبادي: السفط كالجوالق، أو كالقفة. «القاموس المحيط» (2/ 378) . [4] في «المعارف» : «أتمثل» . [5] في الأصل، والمطبوع: «وتغيبا» وأثبت ما في «المعارف» لابن قتيبة.

بالرّبذة، مكتّفين، فسأله عبد الله أن يأذن له عليه، فأبى أبو جعفر، فلم يره [1] حتّى فارق الدّنيا، ومات في الحبس وماتوا، وخرج ابناه محمّد وإبراهيم على أبي جعفر، وغلبا على المدينة، ومكّة، والبصرة، فبعث إليهما موسى بن عيسى، فقتل محمّدا بالمدينة، وقتل إبراهيم ب باخمرا على ستة عشر فرسخا من الكوفة. وإدريس بن عبد الله بن حسن، أخوهما هو الذي سار إلى الأندلس، والبربر، وغلب عليهما. انتهى. وفيها- أي في سنة أربع وأربعين- توفي أبو مسعود سعيد بن إياس الجريريّ البصريّ محدّث البصرة. روى عن أبي الطّفيل وعدّة، وكان إماما، حافظا، ثبتا، إلّا أنه ساء حفظه وتغير قبل موته. وفقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضّبيّ القاضي. روى عن أنس والتابعين. قال أحمد العجليّ: كان عفيفا، صارما، عاقلا، يشبه النّساك، شاعرا، جوادا. وعقيل بن خالد [2] الأيليّ مولى بني أميّة، وصاحب الزّهري، لقي عكرمة [3] وطائفة، وكان حافظا، ثبتا، حجّة.

_ [1] في الأصل: «فلم يرده» ، وفي المطبوع: «فلم يروه» وأثبت ما في «المعارف» . [2] في الأصل، والمطبوع: «عقيل بن خالد» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 197) . [3] يعني عكرمة البربري مولى عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه.

وفي ذي الحجّة مجالد بن سعيد الهمدانيّ [1] الكوفيّ، صاحب الشّعبي، ليّنوا حديثه [2] وقد خرّج له مسلم مقرونا بآخر.

_ [1] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف. [2] في «العبر» (1/ 197) : «كتبوا حديثه» ولعله تحريف من الناسخ. انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 542) ، و «تقريب التهذيب» (2/ 229) .

سنة خمس وأربعين ومائة

سنة خمس وأربعين ومائة فيها خرجت التّرك، والخزر بباب الأبواب، وقتلوا واستباحوا بعض إرمينية. وفيها أمر المنصور، فأسّست بغداد، وابتدئ بإنشائها، ورسم هيئتها وكيفيّتها أوّلا بالرّماد، وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي، وتحول إليها المنصور في سنة ست وأربعين قبل تمامها، وبغداد الآن أكثرها من الجانب الشرقي. وفيها توفي الأجلح الكنديّ من مشاهير محدّثي الكوفة. روى عن الشّعبيّ وطبقته. قال في «المغني» [1] : أجلح بن عبد الله أبو جحيفة الكنديّ، عن الشّعبيّ، شيعيّ لا بأس بحديثه، وليّنه بعضهم. قال ابن أبي شيبة: ضعيف [2] . انتهى. وفيها، وقيل: في سنة ست، إسماعيل بن أبي خالد البجليّ، مولاهم

_ [1] (1/ 32) . [2] في «المغني» : «وقال الجوزجانيّ: الأجلح مفتر» .

الكوفيّ. الحافظ، أحد الأعلام. سمع أبا جحيفة، وابن أبي أوفى، وخلقا، وكان صالحا، ثبتا حجّة. وعمرو بن ميمون بن مهران الجزريّ الفقيه، أخذ عن أبيه ومكحول، وكان يقول: لو علمت أنه بقي عليّ حرف [1] من السّنّة باليمن لأتيتها. وحبيب بن الشهيد البصري. روى عن الحسن وأقرانه، وأرسل [2] عن أنس وجماعة، وكان ثبتا، كثير الحديث. وعبد الملك بن أبي سليمان العرزميّ الكوفيّ الحافظ، أحد المحدّثين الكبار، وكان شعبة مع جلالته يتعجّب من حفظ عبد الملك. روى عن أنس فمن بعده. وكان يقال له: ميزان الكوفة، كما ذكره ابن القيم، وهو ثقة ثبت. وعمر [3] بن عبد الله مولى غفرة عن سنّ عالية. روى عن أنس والكبار. قال أحمد: أكثر أحاديثه مراسيل، وليس به بأس. وقال ابن معين: ضعيف. ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقّاص اللّيثيّ المدنيّ. روى عن أبي سلمة وطائفة، وكان حسن الحديث، كثير العلم، مشهورا، أخرج له البخاريّ مقرونا بآخر.

_ [1] في الأصل: «حزب» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي وهو الصواب. [2] قال ابن الأثير: المرسل من الحديث: هو أن يروي الرجل حديثا عمن لم يعاصره، وله بين المحدّثين أنواع واصطلاح في تسمية أنواعه. وانظر تتمة كلامه في «جامع الأصول» (1/ 115- 119) فهو مفيد إن شاء الله. [3] في الأصل، والمطبوع: «وعمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (1/ 204) وكتب الرجال.

ويحيى بن الحارث الذّماريّ مقرئ دمشق وإمام جامعها. قرأ على ابن عامر، وروى عن واثلة بن الأسقع وخلق، وورد أنه قرأ القرآن [أيضا] [1] على واثلة بن الأسقع، وعليه دارت قراءة الشّاميين. ويحيى بن سعيد التّيميّ [2]- تيم الرّباب- الكوفيّ، وكان ثقة، إماما، صاحب سنّة. روى عن الشّعبيّ ونحوه.

_ [1] لفظة «أيضا» زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 205) . [2] في الأصل: «التميمي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وهو يحيى بن سعيد ابن حيّان أبو حيّان التيمي الكوفي العابد، من تيم الرباب كما في «تهذيب التهذيب» (11/ 214) .

سنة ست وأربعين ومائة

سنة ست وأربعين ومائة في صفر تحوّل المنصور، فنزل بغداد قبل استتمام بنائها، وكان لا يدخلها أحد أبدا راكبا، حتّى أنّ عمه عيسى بن علي شكا إليه المشي، فلم يأذن له. وفيها توفي أشعث بن عبد الملك الحمرانيّ، منسوب إلى حمران [1] ، مولى عثمان. روى عن ابن سيرين وغيره، وكان ثبتا، ثقة، حافظا. أما أشعث بن سوّار، فكوفيّ فيه ضعف. وكذا أشعث الحدّانيّ الرّاوي عن أنس ليس بالقوي. وفيها عوف الأعرابيّ البصريّ، وكان صدوقا، شيعيا، كثير الحديث. روى عن أبي العالية وطائفة. قال في «المغني» [2] : ثقة، مشهور. قال بندار [3] : قدريّ، رافضيّ، يعني يتشيع. انتهى.

_ [1] في الأصل والمطبوع: الحمراني مولى حمران، وما أثبته من «تهذيب الكمال» (3/ 277) طبع مؤسسة الرسالة. [2] (2/ 495) . [3] هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري أبو بكر، وبندار، لقب له.

وفيها محمد بن السّائب أبو النّضر الكلبيّ الكوفيّ، صاحب التفسير، والأخبار، والأنساب، أجمعوا على تركه، وقد اتّهم بالكذب والرّفض. وقال ابن عدي: ليس لأحد أطول من تفسيره. عنه [1] قال: سميت العرب شعوبا لأنهم تفرّقوا من ولد إسماعيل- عليه السلام- ومن ولد قحطان تشعّبوا، والعرب كلهم بنو إسماعيل إلا أربع قبائل، السلف، والأوزاع، وحضرموت، وثقيف، وأول من تكلم بالعربية يعرب بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل، وكل نبي ذكر في القرآن فهو من ولد إبراهيم غير إدريس، ونوح، ولوط، وهود، وصالح- وكأنه لم يستثن آدم لأنه أبو الكلّ- قال: ولم يكن في العرب نبي إلا هود، وصالح، وإسماعيل، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم. وروى ابن عبّاس أن أصحاب سفينة نوح كانوا ثمانين رجلا، فلما كثروا ملكهم نمرود بن كنعان بن حام بن نوح، فلما كفروا بلبل الله ألسنتهم وتفرقوا اثنتين وسبعين لسانا، وفهّم الله العربية عمليق، وأمم [2] وطسم ابني لاوذ بن سام [3] وعادا وعبيلا بني عوص بن سام بن نوح. انتهى كلام ابن الكلبي. وانظر ما في كلامه، فإنه ذكر [أنّ] أول من تكلم بالعربية يعرب من ذريّة إسماعيل، ثم ذكر أنّ الله فهّمها عمليقا ومن ذكر بعده من ذريّة نوح، وكلاهما مخالف لما جاء، أنّ إسماعيل تعلم العربية من جرهم لما نشأ بينهم، حتّى قيل: إنّ إبراهيم لما كان يبني البيت يقول لإسماعيل: هات

_ [1] يعني عن ابن الكلبي، وهو غير ابن الكلبي صاحب «جمهرة النسب» المنشور بدمشق بعناية الأستاذ محمود فردوس العظم. [2] في الأصل: «اسم» وأثبت ما في المطبوع. [3] في الأصل، والمطبوع: «لوذ بن سام» وهو خطأ، والتصحيح من «القاموس المحيط» (1/ 372) .

هيك، والهيك بالسريانية الحجر، فيقول له إسماعيل: خذ الحجر، فهذا يتكلم بالسريانية، وهذا بالعربية. وقيل: لما نزل أصحاب نوح من السفينة، خلق الله في قلوبهم لغات مختلفة، فتكلم كل منهم بلغة. وفيها توفي هشام بن عروة بن الزّبير الفقيه، أحد حفّاظ الحديث. قال مسح ابن عمر برأسي ودعا لي. وقال وهيب: قدم علينا هشام بن عروة، فكان مثل الحسن وابن سيرين. وحدّث عن أبيه، وعمّه، وكان ثبتا، متقنا، توفي ببغداد، وصلى عليه المنصور، ودفن بمقبرة الخيزران. قيل: إنه ولد هو وعمر بن عبد العزيز، والزّهريّ، وقتادة، والأعمش ليالي قتل الحسين بن علي في المحرم سنة إحدى وستين. وفيها، أو في التي تليها، يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع ومولاه بالمدينة.

سنة سبع وأربعين ومائة

سنة سبع وأربعين ومائة فيها بدهت [1] الكفرة التّرك بناحية إرمينية، وقتلوا أمما، ودخلوا تفليس [2] فالتقاهم المسلمون، فلم ينصروا، وهزم أميرهم جبريل بن يحيى، وقتل مقدمهم الآخر حرب الرّيوندي، الذي تنسب إليه الحربيّة ببغداد. وفيها ألحّ المنصور وتحيّل بكل ممكن على ابن عمه وليّ العهد عيسى بن موسى، بالرغبة، حتّى خلع نفسه كرها، وقيل: بل عوّضه عشرة آلاف ألف درهم، وعلى أن يكون أيضا وليّ عهده بعد المهديّ بن المنصور. وفيها توفي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي. حدّث عن مجاهد وجماعة. وكان عالما، فقيها، نبيلا. قال في «المغني» [3] : وثّقه جماعة، وضعّفه أبو مسهر. انتهى.

_ [1] في الأصل: «بدعت» وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. ومعنى: بدهت، فجأت، وبادت: فاجأت. (ع) . [2] في الأصل: «بقليس» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال ياقوت: تفليس: بلد بإرمينية الأولى، وبعض يقول: بأرّان، وهي قصبة ناحية جرزان قرب باب الأبواب، وهي مدينة قديمة أزلية ... وهي مدينة لا إسلام وراءها، يجري في وسطها نهر يقال له: الكرّ، يصبّ في البحر ... وافتتحها المسلمون في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه. انظر «معجم البلدان» (2/ 35- 37) . [3] (2/ 398) .

وخرّج له ابن عدي. وفيها انهدم الحبس على الأمير عبد الله بن علي، الذي هزم مروان وافتتح دمشق، وكان من رجال الدّهر حزما، ورأيا، ودهاء، وشجاعة، وهو عمّ المنصور، سجنه المنصور سرّا، وقيل: إنه قتله سرّا، وهدم الحبس قصدا. وفيها الإمام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدويّ العمريّ المدنيّ، وكان أوثق إخوته وأفضلهم، وأكثرهم علما، وصلاحا، وعبادة. روى عن القاسم، وسالم، ونافع. وفيها هشام بن حسّان الأزديّ القردوسيّ [1] الحافظ، محدّث البصرة، وصاحب الحسن، وابن سيرين. قال ابن عيينة: كان أعلم النّاس بحديث الحسن. وقيل: كان عنده ألف حديث. وقال في «المغني» [2] : هشام بن حسّان، ثقة مشهور. روى شعيب بن حرب عن شعبة قال: كان خشبيّا [3] ولم يكن يحفظ. قلت [4] : وذكره العقيليّ في كتابه، فروى بإسناده عن ابن المديني،

_ [1] في الأصل: «الفردوسي» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قلت: قال السمعاني في «الأنساب» (10/ 92- 93) : كان ينزل درب القراديس بالبصرة، فنسب إليه. [2] (2/ 709- 710) . [3] قال ابن الأثير: الخشبية: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد. ويقال لضرب من الشيعة: الخشبية، قيل: لأنهم حفظوا خشبة زيد بن علي حين صلب، والوجه الأول، لأن صلب زيد كان بعد ابن عمر بكثير. «النهاية» (2/ 33) . [4] القائل هو الحافظ الذهبي في «العبر» .

قال: كان أصحابنا يثبّتون هشام بن حسّان، وكان يحيى يضعّف حديثه [عن عطاء] [1] وكان النّاس يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب. وقال عرعرة بن البرند [2] ذكرت [3] لجرير بن حازم هشام بن حسّان، فقال: ما رأيته عند الحسن قطّ. قلت [4] : وأنكر عليه حديثه عن محمد بن عبيدة: ينقض الوضوء أذى المسلم [5] . انتهى.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي. [2] في الأصل: «اليزيد» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 18) . [3] في الأصل، والمطبوع: «ذكر» وأثبت ما في «العبر» للذهبي. [4] القائل الحافظ الذهبي في «العبر» . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (6/ 359) .

سنة ثمان وأربعين ومائة

سنة ثمان وأربعين ومائة فيها توجّه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر إرمينية. وفيها توفي الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد الله جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الهاشميّ العلويّ، وأمّه فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، فهو علويّ الأب، بكريّ الأمّ. روى عن أبيه وجدّه القاسم وطبقتهما، وكان سيّد بني هاشم في زمنه. عاش ثمانيا وستين سنة وأشهرا. وولد سنة ثمانين بالمدينة، ودفن بالبقيع في قبة أبيه، وجدّه، وعمّ جدّه الحسن، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان [1] الصوفيّ كتابا في ألف ورقة يتضمن رسائله، وهي خمسمائة، وهو عند الإمامية من الاثني عشر بزعمهم. قيل: إنه سأل أبا حنيفة عن محرم كسر رباعية ظبي، فقال: لا أعرف جوابها، فقال: أما تعلم أن الظّبي لا يكون له رباعية. وقال في «المغني» [2] : جعفر بن محمّد بن علي ثقة، لم يخرّج له

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «جابر بن جباب» وهو خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» للعامري ص (137) . والشيعة تقول: إن جابر بن حيان، صاحب جعفر الصادق، والأرجح أنه كان صاحب جعفر بن يحيى البرمكي. انظر «الأعلام» (2/ 103 و 104) . [2] (1/ 134) .

البخاريّ، وقد وثّقه ابن معين، وابن عديّ، وأما القطّان فقال: مجالد أحبّ إليّ منه. انتهى. وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمّد سليمان بن مهران الأسديّ الكاهليّ مولاهم الأعمش. روى عن ابن أبي أوفى، وأبي وائل والكبار. وكان محدّث الكوفة وعالمها. قال ابن المديني: للأعمش نحو ألف وثلاثمائة حديث. وقال ابن عيينة: كان أقرأهم لكتاب الله، وأعلمهم بالفرائض، وأحفظهم للحديث. وقال يحيى القطّان: هو علّامة الإسلام. وقال [1] وكيع: بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى. وقال الخريبيّ [2] : ما خلّف أعبد منه. وما يرويه عنه مالك فهو إرسال، لأنه لم يسمع منه، وكان فيه مزاح، خرج إلى الطلبة يوما وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إليّ منكم ما خرجت. وطلبه رجل ليصلح بينه وبين زوجته، فقال الرجل لزوجته: لا تنظري إلى عموشة عينيه، وخموشة ساقيه، فإنه إمام. قالت: ما لديوان الرسائل أريده. فقال: ما أردت إلّا أن تعرّفها عيوبي. وقال له حائك: ما تقول في شهادة الحائك؟ فقال: تقبل مع عدلين. وذكر عنده حديث «من نام عن قيام اللّيل بال الشيطان في أذنه» [3] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «قال» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 209) . [2] في الأصل: «الحرّيتي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] رواه البخاري رقم (1144) في التهجّد: باب إذا نام ولم يصلّ بال الشيطان في أذنه، ومسلم رقم (774) في صلاة المسافرين، باب ما روي فيمن نام الليل حتى أصبح، والنسائي في قيام الليل (3/ 204) ، وابن ماجة، رقم (1330) في الإقامة، وأحمد في «المسند»

فقال: ما عمشت عيني إلا من بول الشّيطان. وكتب إليه هشام بن عبد الملك، أن اكتب لي فضائل عثمان، ومساوئ عليّ، فأخذ كتابه ولقّمه شاة عنده، وقال لرسوله: هذا جوابك، فألحّ عليه الرّسول في جواب، وتحمّل عليه بإخوانه، وقال: إن لم آت بالجواب قتلني، فكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد: فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعليّ مساوئ أهل الأرض ما ضرّتك، فعليك بخويصة نفسك، والسلام. وقال في «المغني» [1] : الأعمش ثقة، جبل، ولكنه يدلّس. قال وهب بن زمعة: سمعت ابن المبارك يقول: إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش، وأبو إسحاق. انتهى. قلت: والتّدليس ليس كله قادحا، ولنذكر تعريفه وما يقدح منه وما لا يقدح، لأن ذلك لا يخلو من [2] فائدة. فأقول: التدليس له معنيان، لغويّ، واصطلاحيّ، فاللغويّ كتمان العيب في مبيع أو غيره، ويقال: دالسه: خادعه، كأنه من الدلس وهو الظلمة، لأنه إذا غطى عليه الأمر أظلمه عليه، وأما في الاصطلاح، أي اصطلاح المحدّثين والأصوليين، فهو قسمان، قسم مضرّ يمنع القبول، وهو تدليس المتن عمدا، وهو محرّم، وفاعله مجروح، ويسمى المدرج أيضا، مثاله أن يدخل الرّاوي للحديث شيئا من كلامه فيه،

_ (1/ 375 و 427) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 260 و 427) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [1] (1/ 283) . [2] في المطبوع: «عن» .

أولا، أو آخرا، أو وسطا، على وجه يوهم أنه من جملة الحديث الذي رواه، ويسمى تدليس المتون، وفاعله عمدا مرتكب محرّما، مجروح عند العلماء لما فيه من الغش. أما لو اتفق ذلك من غير قصد من صحابي أو غيره، فلا يكون ذلك محرّما، ومن ذلك كثير أفرده الخطيب البغدادي بالتصنيف. ومن أمثلته حديث ابن مسعود في التشهّد، قال في آخره: وإذا قلت: هذا فإن شئت أن تقوم. فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد [1] ، [وهو] [2] من كلامه لا من الحديث المرفوع، لما قاله البيهقيّ، والخطيب، والنوويّ، وغيرهم. والقسم الثاني غير مضرّ لكنه مكروه مطلقا عند الحنابلة، وله صور. إحداها: أن يسمّي شيخه في روايته باسم له غير مشهور، من كنية، أو لقب، أو اسم، أو نحوه، كقول أبي بكر بن مجاهد المقرئ الإمام: حدّثنا عبد الله بن أبي أوفى، يريد به عبد الله بن أبي داود السّجستاني، وهو كثير جدا، ويسمى هذا تدليس الشيوخ. وأما تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمّن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه، موهما سماعه منه، قائلا: قال فلان ونحوه، وربما لم يسقط شيخه ويسقط غيره، ومثّله بعضهم بما في «الترمذي» عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها- مرفوعا «لا نذر في معصية، وكفّارته كفّارة يمين» [3] ثم قال: هذا حديث لا يصحّ، لأن الزّهري لم يسمعه من أبي

_ [1] انظر «جلاء الأفهام» لابن القيم ص (336- 337) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت. [2] لفظة «وهو» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. وانظر «فتح المغيث» للسخاوي (1/ 244) في بحث المدرج. [3] رواه أحمد في «المسند» (6/ 247) وأبو داود رقم (3290) و (3292) في الأيمان والنذور، باب رقم (23) ، والترمذي رقم (1524) و (1525) في النذور: باب لا نذر في معصية،

سلمة، ثم ذكر أن بينهما سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، وأن هذا وجه الحديث. قال ابن الصلاح: هذا القسم مكروه جدا، ذمّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدّهم ذمّا له. وقال مرّة: التّدليس أخو الكذب. ومرّة: لأن أزني أحبّ إليّ من أن أدلّس، وهذا إفراط منه، محمول على المبالغة في الزجر عنه. الصورة الثانية: أن يسمي شيخه باسم شيخ آخر لا يمكن أن يكون رواه عنه، كما يقول تلامذة الحافظ أبي عبد الله الذّهبي: حدّثنا أبو عبد الله الحافظ تشبيها بقول البيهقيّ فيما يرويه عن شيخه أبي عبد الله الحاكم: حدّثنا أبو عبد الله الحافظ، وهذا لا يقدح لظهور المقصود. والصورة الثالثة: أن يأتي في التحديث بلفظ يوهم أمرا لا قدح في إيهامه ذلك، كقوله: حدّثنا وراء النّهر، موهما نهر جيحون، وهو نهر عيسى ببغداد، والحيرة ونحوها، كمصر، فلا حرج في ذلك، قاله الآمدي، لأن ذلك من باب الإغراب، وإن كان فيه إيهام الرّحلة إلا أنه صدق في نفسه. ومن فعله بصورة الثلاثة متأوّلا قبل عند أحمد وأصحابه والأكثر من الفقهاء والمحدّثين، ولم يفسق، لأنه صدر من الأعيان المقتدى بهم، حتّى قيل: لم يسلم منه إلا شعبة، والقطّان، ولكن من عرف به عن الضعفاء لم تقبل روايته حتّى يبيّن سماعه عند المحدّثين وغيرهم. والإسناد المعنعن بلا تدليس بأيّ لفظ كان [1] متصل عند أحمد،

_ والنسائي (7/ 26 و 27) ، وابن ماجة رقم (2125) من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه أحمد (4/ 443) والنسائي (7/ 27 و 28) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو حديث صحيح لطرقه وشواهده. [1] جاء في هامش المطبوع: أي «بعن» أو «قال» أو نحوهما، كما هو فوق الكلمة بخط دقيق في الأصل، يعني في الأصل الذي اعتمد عليه القدسي- رحمه الله- في طبعته.

والأكثر من المحدّثين وغيرهم، عملا بالظاهر، والأصل عدم التّدليس. حكاه ابن عبد البرّ في «التمهيد» إجماعا، والله سبحانه وتعالى أعلم. وفيها، أو في التي قبلها- وهو الصحيح- رؤبة بن العجّاج البصريّ التميميّ [1] السّعديّ، كان هو وأخوه من المدوّنين في الرجز ليس فيه شعر، مع أن الرجز شعر على الصحيح. وكان عارفا باللغة وحشيّها وغريبها. والرّوبة خميرة [2] اللّبن، وهي أيضا قطعة من الليل، والحاجة. والرؤبة بالهمز: القطعة من الخشب يشعّب بها الإناء، والجميع بضم الراء وسكون الواو، إلا اسم هذا الرجل، والقطعة من الخشب، فإنهما بالهمز. وفيها شبل بن عبّاد قارئ أهل مكّة، وتلميذ ابن كثير، حدّث عن أبي الطّفيل وطائفة. وعمرو بن الحارث المصريّ الفقيه. حدّث عن ابن أبي مليكة وطبقته. قال أبو حاتم الرّازي: كان أحفظ الناس في زمانه. وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه، ولم يكن له نظير في الحفظ. ومحمّد بن الوليد الزّبيديّ الحمصيّ القاضي، عالم أهل حمص. أخذ عن مكحول، وعمرو بن شعيب، وخلق. وقال: أقمت مع الزّهري عشر سنين بالرّصافة [3] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «المصريّ التيمي» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب التهذيب» (3/ 290) . [2] في الأصل، والمطبوع: «جريرة» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (6/ 162) . [3] يعني رصافة الشام، التي تعرف برصافة هشام بن عبد الملك. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 47- 48) . قلت: وهي الآن في سورية على مقربة من تدمر من جهة الشمال.

وقال الزّهري عنه: قد احتوى هذا على ما بين جنبيّ من العلم. وقال محمّد بن سعد: كان أعلم الشاميين بالفتوى والحديث [1] . والعوّام بن حوشب شيخ واسط. روى عن إبراهيم النخعي وجماعة. قال يزيد بن هارون: كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. وفيها [2] في رمضان قاضي الكوفة ومفتيها، أبو عبد الرّحمن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى الأنصاريّ الفقيه، لم يدرك أباه، وسمع الشّعبيّ وطبقته. قال أحمد بن يونس: كان أفقه أهل الدّنيا، وكان صاحب قرآن وسنّة. قرأ عليه حمزة الزّيّات، وكان صدوقا جائز الحديث. قاله في «العبر» [3] ومات وهو على القضاء. وفيها محمّد بن عجلان المدنيّ. روى عن أبيه، وأنس، وطائفة، وكان عابدا، ناسكا، صادقا، له حلقة بمسجد النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- للفتوى. روى له مسلم مقرونا بآخر، وكان مولى لقريش.

_ [1] انظر «العبر» للذهبي (1/ 210) . [2] لفظة «فيها» لم ترد في المطبوع. [3] (1/ 211) .

سنة تسع وأربعين ومائة

سنة تسع وأربعين ومائة فيها غزا النّاس بلاد الرّوم وعليهم العبّاس بن محمّد، فمات في الغزاة أكثر أمرائه [1] . وفيها توفي بالكوفة زكريّا بن أبي زائدة الهمدانيّ [2] القاضي، والد يحيى. روى عن الشّعبي وغيره. قال في «المغني» [3] : صدوق، مشهور. قال أبو زرعة: صويلح. وقال أبو حاتم: ليّن الحديث يدلّس. وثّقه أبو داود، وقال: يدلّس. انتهى. وفيها عيسى بن عمر النّحويّ. قال ابن قتيبة [4] : كان صاحب تقعير في كلامه، واستعمال للغريب فيه وفي قراءته.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «فمات أكبر أمرائه محمد بن الأشعث الذي كان ولي إمرة مصر» . [2] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف. [3] (1/ 239) . [4] في «المعارف» ص (540) .

وضربه يوسف بن عمر بن هبيرة في سبب وهو يقول: والله إن كانت إلّا أثيابا في أسفاط [1] قبضها عشّاروك. انتهى. وقال ابن الأهدل: عيسى بن عمر النّحويّ الثّقفيّ البصريّ مولى خالد بن الوليد، نزل في ثقيف، فنسب إليهم، وكان صاحب غريب في لفظه ونحوه، وحكي أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه النّاس، فقال: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنّة [2] افرنقعوا عني. معناه: ما لكم تجمّعتم عليّ كتجمّعكم على مجنون، افترقوا عنّي، فقالوا: إن شيطانه هنديّ، وهو شيخ سيبويه [وله «كتاب الجامع» في النحو، وهو المنسوب إلى سيبويه، وله أيضا «الإكمال» وصنّف نيفا وسبعين كتابا في النحو، ولم يبق منها سوى «الجامع» ، و «الإكمال» لأنها كانت احترقت إلّا هذين، وكان سيبويه] [3] رحل إليه، وعاد ومعه «الجامع» فسأله الخليل عن عيسى، فأخبره بأخباره، وأراه «الجامع» فقال الخليل: ذهب النّحو جميعا كلّه [4] ... غير ما أحدث عيسى بن عمر ذاك إكمال وهذا جامع ... وهما للنّاس شمس وقمر وهو شيخ سيبويه، والخليل، وأبي عمرو ابن العلاء.

_ [1] في «المعارف» ، و «وفيات الأعيان» (3/ 488) : «في أسيفاط» . [2] قال ابن منظور: الجنّة الجنون ... وفي التنزيل العزيز: أَمْ به جِنَّةٌ 34: 8 [سبأ: 8] والاسم المصدر على صورة واحدة، ويقال: به جنّة وجنون ومجنّة. «لسان العرب» (جنن) . [3] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [4] في الأصل: «ذهب النحو كله جميعا» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 328) أصل «مختصر» ابن الأهدل الذي نقل عنه المؤلف رحمه الله. قال العلّامة الأستاذ خير الدّين الزركلي- رحمه الله- في ترجمة ابن الأهدل في «الأعلام» (2/ 240) : و [كتابه] «مختصر تاريخ اليافعي» رأيته في خزانة الشيخ محمد سرور الصبان بجدّة غير كامل.

وعيسى هذا هو الذي هذّب النّحو ورتّبه. انتهى ملخصا مزيدا فيه. وفيها توفي كهمس بن الحسن البصريّ، روى عن أبي الطّفيل وجماعة. والمثنّى بن الصّبّاح اليمانيّ [1] بمكّة. روى عن مجاهد، وعمرو بن شعيب، وجماعة، وكان من أعبد النّاس، وفي حديثه ضعف.

_ [1] في الأصل: «اليافعي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 212) وهو الصواب.

سنة خمسين ومائة

سنة خمسين ومائة فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير أستاذسيس [1] حتّى اجتمع له فيما قيل: ثلاثمائة ألف مقاتل، ما بين فارس وراجل، وسائرهم من أهل هراة، وسجستان، واستولى على أكثر خراسان، وعظم الخطب، فنهض لحربه الأخثم [2] المروروذي، فقتل الأخثم واستبيح عسكره، فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم بالمرّة، فالتقى الجمعان، وصبر الفريقان، وقتل خلق [كثير] [3] حتّى قيل: إنه قتل في هذه الوقعة سبعون ألفا، وانهزم أستاذسيس في طائفة إلى جبل، وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية، سقناها استطرادا، ثم أمر حازم بالأسرى فضرب أعناقهم كلهم وكانوا أربعة عشر ألفا ثم حاصر أستاذسيس مدة، ثم نزل على حكمهم، فقيد هو وأولاده، وأطلق أصحابه، وكانوا ثلاثين ألفا. وفيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الرّوميّ ثم المكيّ، مولى بني أميّة عن أكثر من سبعين سنة. أخذ عن عطاء وطبقته، وهو أول من صنّف الكتب بالحجاز، كما أن سعيد بن أبي عروبة أول من صنّف بالعراق.

_ [1] في الأصل: «إسناديس» ، وفي المطبوع هنا وفي سياق الخبر: «إسناذسيس» وما أثبتناه من «العبر» للذهبي (1/ 213) مصدر المؤلف، وفي «دول الإسلام» للذهبي: «إسنادسيس» . [2] في «دول الإسلام» للذهبي: «الأجثم» . [3] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 212) .

قال أحمد: كان من أوعية العلم. قال في «العبر» [1] : ولم يطلب العلم إلّا في الكهولة، ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة، فإنه قال: كنت أتتبّع [2] الأشعار العربيّة والأنساب، حتّى قيل لي: لو لزمت عطاء، فلزمته ثمانية عشر عاما. قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج. وقال عبد الرّزّاق: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج. وقال خالد بن نزار الأيلي: رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه [3] فوجدته قد مات رحمه الله تعالى. انتهى كلامه في «العبر» . وقال ابن الأهدل: هو أول من صنّف الكتب في الإسلام، كان باليمن مع معن بن زائدة، قال: فحضر وقت الحجّ وخطر بباله قول عمر بن أبي ربيعة: بالله قولي له من غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها ... فما أخذت بترك [4] الحجّ من ثمن [5] قال: فدخلت على معن، فأخبرته أني عزمت على الحجّ، قال: لم تذكره من قبل، فأخبرته بما بعثني، فجهّزني وانطلقت. انتهى.

_ [1] (1/ 213) وكلام المؤلف المتقدم عنه من «العبر» أيضا. [2] في «العبر» للذهبي: «اتبع» . [3] لفظة «لألقاه» سقطت من «العبر» للذهبي (1/ 214) فتستدرك فيه. [4] في الأصل، والمطبوع: «فما أجدت لترك الحج» وما أثبته من «ديوان عمر بن أبي ربيعة» . [5] البيتان في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» ص (217) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وقال في «المعارف» [1] : ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وجريج كان عبدا لأمّ حبيب بنت جبير، وكانت تحت عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسد، فنسب إلى ولائه، وولد سنة ثمانين عام الجحاف. والجحاف: سيل كان بمكّة. حدّثني [2] أبو حاتم، عن الأصمعيّ، عن أبي هلال قال: كان ابن جريج أحمر الخضاب. روى الواقديّ قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد [3] قال: شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة، فقال يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها إلى فلان [4] هي حديثك؟ قال: نعم. قال الواقديّ: فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول: حدّثنا هشام بن عروة ما لا أحصي. قال [5] : وسألته عن قراءة الحديث عن المحدّث. قال: ومثلك يسأل عن هذا؟ إنما اختلف النّاس في الصحيفة يأخذها ويقول: أحدّث بما فيها، ولم يقرأها، وأما إذا قرأها فهو والسماع سواء. انتهى كلام «المعارف» . قلت: وهذا مذهب مالك وجماعة، وأما عند الحنابلة فالسماع أعلى رتبة، ويشهد لمذهبهم العقل والذّوق، والله أعلم. وفيها مات أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزديّ مولاهم الخراسانيّ

_ [1] ص (488) . [2] القائل ابن قتيبة في «المعارف» . [3] في الأصل، والمطبوع: «عبد الرحمن بن أبي زياد» ، وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (488) وكتب الرجال. [4] في «المعارف» : «التي أعطيتها فلانا» . [5] القائل الواقدي.

المفسّر. [عدّوه من المشبّهة كما ذكره الشيخ عبد القادر في «الغنية» ] [1] . وقال في «المغني» [2] : مقاتل بن سليمان البلخي [المفسّر] [3] ، هالك، كذّبه وكيع والنسائي. انتهى. وقال ابن الأهدل: كان نبيلا، واتهم في الرّواية. قال مرّة: سلوني عمّا دون العرش، فقيل له: من حلق رأس آدم لمّا حجّ. وقال له آخر: الذّرّة [4] أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها، فلم يدر ما يقول، وقال: ليس هذا من علمكم، لكن بليت به لعجبي بنفسي. وسأله المنصور: لم خلق الله الذّباب، فقال: ليذلّ به الجبابرة. وقال الشّافعيّ: النّاس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الفقه، وعلى الكسائي في النحو، وعلى ابن إسحاق في المغازي. وفيها توفي الإمام أبو حنيفة النّعمان بن ثابت الكوفيّ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، ومولده سنة ثمانين، رأى أنسا وغيره، ونظم بعضهم من لقي من الصحابة فقال: لقي الإمام أبو حنيفة ستّة ... من صحب طه المصطفى المختار أنسا وعبد الله نجل أنيسهم ... وسميّه ابن الحارث الكرّار وزد ابن أوفى وابن واثلة الرّضي ... واضمم إليهم معقل بن يسار

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع. و «الغنية» و «الغنية لطالب طريق الحق» وهو مطبوع متداول. [2] (2/ 675) . [3] لفظة «المفسر» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المغني» للذهبي. [4] قال ابن منظور: الذّر: صغار النمل، واحدته ذرّة، قال ثعلب: إن مائة منها وزن حبة من شعير، فكأنها جزء من مائة، وقيل: الذّرّة ليس لها وزن. «لسان العرب» (ذرر) .

ولكن لم تثبت له رواية عن أحد منهم، وإنما روى عن عطاء بن أبي رباح وطبقته، وتفقّه على حمّاد بن سليمان، وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه، والعبادة، والورع، والسّخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخزّ [1] وعنده صنّاع وأجراء رحمه الله تعالى. قال الشّافعيّ: النّاس في الفقه عيال على أبي حنيفة. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة. وروى بشر بن الوليد، عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال: والله لا يتحدّث عنّي بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة، ودعاء، وتضرّعا. وقد روي أن المنصور سقاه السّمّ فمات شهيدا- رحمه الله- سمّه لقيامه مع إبراهيم [2] . قاله في «العبر» [3] . وذكر الحافظ العامري في تأليفه «الرياض المستطابة» [4] وكذلك ملخّصه صالح بن صلاح العلائي، ومن خطّه نقلت، أن الإمام أبا حنيفة رأى عبد الله بن الحارث بن جزء الصحابي، وسمع منه قوله- صلّى الله عليه وسلّم-: «من تفقّه في دين الله كفاه الله همّه ورزقه من حيث لا يحتسب» [5] . انتهى.

_ [1] قال في «مختار الصحاح» ص (174) : الخزّ واحد الخزوز من الثياب. [2] هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أحد الأمراء الشجعان، خرج بالبصرة على المنصور، وتحول إلى الكوفة، وممن آزره أبو حنيفة، قتله حميد بن قحطبة سنة (145) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (1/ 48) . (ع) . [3] (1/ 214- 215) . [4] ص (149) من منسوختنا، وقد قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الأستاذ الفاضل رياض عبد الحميد مراد. وسوف نقدمه للطبع قريبا إن شاء الله تعالى. [5] ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (3/ 32) وكذلك هو في «تاريخ نيسابور» للحاكم وقد ذكره الذهبي في «الميزان» (1/ 141) وفي سنده أحمد بن محمد بن الصلت الحمّاني، وهو كذاب وضاع. قال الذهبي: قلت: هذا كذب، وعبد الله بن الحارث بن جزر الصحابي

وقال ابن الأهدل: نقله المنصور عن الكوفة إلى بغداد ليولّيه القضاء فأبى، فحلف عليه ليفعلنّ، فحلف أن لا يفعل، وقال أمير المؤمنين أقدر مني على الكفّارة، فأمر به إلى الحبس. وقيل: إنه ضربه. وقيل: سقاه سمّا لقيامه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن [1] فمات شهيدا. وقيل: إنه أقام في القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات. وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء في الكوفة أيام مروان الجعديّ فأبى، وضربه مائة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة، وأصرّ على الامتناع، فخلّى سبيله. وكان الإمام أحمد، إذا ذكر ذلك ترحّم عليه. انتهى. وقد قال في «الأشباه والنظائر» [2] : لما جلس أبو يوسف- رحمه الله- للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة، أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل: الأولى: قصّار جحد الثوب وجاء به مقصورا، هل [3] يستحق الأجر أم لا؟ فأجاب أبو يوسف: يستحق الأجر. فقال له الرّجل: أخطأت، فقال: لا يستحق، فقال: أخطأت، ثم قال له الرّجل: إن كانت القصارة قبل الجحود استحقّ، وإلا فلا. الثانية: هل الدخول في الصّلاة بالفرض أم بالسّنّة؟ فقال: بالفرض،

_ توفي بمصر ولأبي حنيفة ست سنين، وكذلك قال الحافظ ابن حجر في «اللسان» (1/ 270) . [1] تقدم التعريف به في الصفحة السابقة التعليق رقم (2) . [2] «الأشباه والنظائر» لابن نجيم ص (512- 513) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد مطيع الحافظ، طبع دار الفكر بدمشق. وما بين حاصرتين في القصة استدركته منه. [3] في الأصل، والمطبوع: «أهل» وأثبت لفظ «الأشباه والنظائر» .

فقال: أخطأت، فقال بالسّنّة، فقال: أخطأت، فتحيّر أبو يوسف، فقال الرّجل: بهما، لأن التكبير فرض، ورفع اليدين سنّة. الثالثة: طير سقط في قدر على النّار، فيه لحم ومرق، هل يؤكلان، أم لا؟ فقال أبو يوسف: يؤكلان، فخطّأه، فقال: لا يؤكلان، فخطّأه، ثم قال: إن كان اللحم مطبوخا قبل سقوط الطير يغسل ثلاثا ويؤكل، وترمى المرقة، وإلا يرمى الكلّ. الرابعة: مسلم له زوجة ذميّة ماتت وهي حامل منه، تدفن في أيّ المقابر؟ فقال: في مقابر المسلمين، فخطّأه، فقال أبو يوسف: في مقابر أهل الذّمّة، فخطّأه، فتحيّر [أبو يوسف] فقال [الرّجل: تدفن] في مقابر اليهود- أي لأنهم يوجهون قبورهم إلى القبلة- ولكن يحوّل وجهها عن القبلة حتّى يكون وجه الولد إلى القبلة، لأن الولد في البطن يكون وجهه إلى ظهر أمه. الخامسة: أمّ ولد لرجل، تزوجت بغير إذن مولاها، [فمات المولى] ، هل تجب العدّة من المولى؟ فقال: تجب، فخطّأه، [ثم قال: لا تجب، فخطّأه] ، ثم قال الرّجل: إن كان الزّوج دخل بها لا تجب، وإلا وجبت. فعلم أبو يوسف تقصيره، فعاد إلى أبي حنيفة، فقال تزبّبت [1] قبل أن تحصرم، كذا في إجارات الفيض. انتهى كلام «الأشباه» والله أعلم، وبه التوفيق. وفيها، أو في التي قبلها- وهو الصحيح- الحجّاج بن أرطاة. قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» : ثمّ أبو أرطأة الحجّاج ... مدلّس قد طمس الحجاج

_ [1] في المطبوع: «تزبيت» وهو تصحيف.

أي العظم المستدير حول العين، ويقال: بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب [1] . قال في «المغني» [2] : حجّاج بن أرطاة النخعيّ الكوفيّ، من كبار الفقهاء، تركه ابن مهدي، والقطّان، وقال أحمد، لا يحتجّ به. وقال ابن عديّ: ربما أخطأ ولم يتعمّد، وقد وثّق. وقال ابن معين. أيضا: صدوق يدلس. خرّج له مسلم مقرونا بغيره انتهى. وقد خرج له الأربعة [3] ، وابن حبّان. وفيها عمر بن محمّد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمريّ بعسقلان. روى عن سالم بن عبد الله وطائفة، ولم يعقّب، وكان من السادة العبّاد. قال الثوريّ: لم يكن في آل عمر أفضل منه. وقال أبو عاصم النّبيل: كان من أفضل أهل زمانه. وعثمان بن الأسود المكيّ: روى عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس.

_ [1] انظر «لسان العرب» (حجج) . [2] (1/ 149) . [3] يعني أصحاب «السنن» أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.

سنة إحدى وخمسين ومائة

سنة إحدى وخمسين ومائة فيها قدم المهديّ من الرّيّ إلى بغداد ليراها، فأمر أبوه ببناء الرّصافة [1] للمهدي في الجانب الشرقي مقابلة [بغداد] [2] وجعل له حاشية وحشم [3] وآلة في زيّ الخلافة [4] . وجدّد البيعة بالخلافة للمهديّ من بعده، ومن بعد المهديّ لعيسى بن موسى [5] . وفي رجب توفي الإمام عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم. روى عن أبي وائل والكبار. قال هشام بن حسّان: لم تر عيناي مثل ابن عون. وقال قرّة: كنّا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساناه [6] ابن عون. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: ما كان بالعراق أعلم بالسّنّة من ابن عون. وقال أبو إسحاق: هو ثقة في كل شيء.

_ [1] قلت: وتعرف برصافة بغداد. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 46) . [2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 215) . [3] في الأصل، والمطبوع: «وحشمة» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [4] في «دول الإسلام» للذهبي (1/ 104) : «وخيلا في زي الخلفاء» . [5] في المطبوع: «لعلي بن موسى» وهو خطأ. [6] في الأصل، والمطبوع: «فأنساه» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 216) .

وفيها محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبيّ مولاهم المدنيّ صاحب «السيرة» رأى أنسا وسمع الكثير من المقبريّ [1] ، والأعرج، وهذه الطبقة، وكان بحرا من بحور العلم، ذكيّا، حافظا، طلّابة للعلم، أخباريا، نسّابة، علّامة. قال شعبة: هو أمير المؤمنين في الحديث. وقال [2] ابن معين: هو ثقة وليس بحجّة. وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن الأهدل: لا تجهل أمانته، ووثّقه الأكثرون في الحديث، ولم يخرّج له البخاريّ شيئا، وخرّج له مسلم حديثا واحدا، من أجل طعن مالك فيه، وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه أنه قال: هاتوا حديث مالك فأنا طبيب بعلله. ومن كتب ابن إسحاق أخذ عبد الملك بن هشام، وكلّ من تكلم في السّير فعليه اعتماده، توفي ببغداد ودفن في مقبرة الخيزران أمّ الرّشيد، نسبت المقبرة إليها لأنها أقدم من دفن فيها، وهي بالجانب الشرقي. انتهى. وقال بعض المحدّثين: ابن إسحاق ثقة ما لم يعنعن فيخشى منه التّدليس. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: كان بحرا من بحور العلم، صدوقا، مختلفا فيه جرحا وتوثيقا. انتهى.

_ [1] في الأصل: «من المقر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف وهو الصواب. [2] في المطبوع: «قال» . [3] (1/ 216) .

وفيها حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرّحمن بن صفوان بن أميّة الجمحيّ المكيّ، روى عن مجاهد وطبقته. والوليد بن كثير المدنيّ بالكوفة. روى عن بشير بن يسار وطائفة، وكان عارفا بالمغازي والسّير، ولكنه إباضيّ. قاله في «العبر» [1] . والإباضية: هم المنسوبون إلى عبد الله بن إباض. قالوا: مخالفونا من أهل القبلة كفّار، ومرتكب الكبيرة موحّد غير مؤمن، بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وكفّروا عليّا وأكثر الصحابة. قال الذّهبيّ في «المغني» [2] : الوليد بن كثير المخزوميّ ثقة، وحديثه [3] في الكتب الستة. سمع سعيد بن أبي هند، والكبار. قال أبو داود: ثقة إلّا أنه إباضي. وقال ابن سعد: ليس بذاك. انتهى. وفيها سيف بن سليمان المكيّ. روى عن مجاهد وغيره. قال في «المغني» [4] : ثقة إلا أنه رمي بالقدر. انتهى. وفيها، أو في التي تليها، صالح [5] بن عليّ الأمير، عمّ المنصور، وأمير الشّام، وهو الذي أمر ببناء أذنة [6] التي في يد صاحب سيس، وقد هزم الرّوم

_ [1] (1/ 217) . [2] (2/ 724) . [3] في الأصل، والمطبوع: «حديثه» وأثبت ما في «المغني» . [4] (1/ 291) . [5] في الأصل: «صبح» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 217) . [6] في الأصل: «أدنه» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قلت: وتعرف في أيامنا ب «أضنه» ، وهي الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 132- 133) .

يوم [مرج] [1] دابق، وكانوا مائة ألف. وفيها قتلت الخوارج غيلة معن بن زائدة الشّيبانيّ الأمير بسجستان، وكان قد وليها عام أوّل، وكان أحد الأبطال والأجواد. وكان مع بني أميّة متنقّلا في ولاياتهم، مواليا لابن هبيرة، وقاتل معه المنصور، فلما قتل ابن هبيرة خاف معن فاختفى، فلما كان يوم الهاشميّة- وهو يوم مشهود- ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور، وكانت وقعتهم بالهاشميّة التي بناها السّفّاح بقرب الكوفة، وكان معن متواريا بالقرب منهم، فخرج متنكّرا وقاتل قتالا شديدا أبان فيه عن نجدته وفرّقهم، فلما أفرج عن المنصور قال له: من أنت؟ فكشف اللثام وقال: أنا طلبتك [2] يا أمير المؤمنين، فأمّنه وأكرمه، وصار من خواصه، وقال له: أنت الذي أعطيت مروان بن أبي حفص مائة ألف درهم على قوله: معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا على شرف بنو شيبان [3] فقال: إنما أعطيته على قوله: ما زلت [4] يوم الهاشميّة معلنا [5] ... بالسّيف دون خليفة الرّحمن فمنعت حوزته وكنت وقاية [6] ... من وقع كلّ مهنّد وسنان

_ [1] زيادة من «دول الإسلام» للذهبي ص (93) طبع مؤسسة الأعلمي ببيروت. [2] في الأصل، والمطبوع: «أنا طليبك» وأثبت ما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 335) مصدر المؤلف، وهو موافق لما في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 299) . [3] البيت في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (10/ 86) نشرة مؤسسة جمال في بيروت. [4] في المطبوع: «ما زالت» وهو خطأ. [5] في الأصل، والمطبوع: «معلما» وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 299) و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 335) . [6] كذا في الأصل، والمطبوع، و «مرآة الجنان» ، وفي «مروج الذهب» و «الأغاني» (10/ 86) ، و «وفيات الأعيان» (5/ 247) : «وقاءه» .

فقال: أحسنت [يا معن] [1] . ودخل عليه أعرابيّ وهو جالس على سريره فأنشده: أتذكر [2] إذ قميصك جلد كبش [3] ... وإذ نعلاك من جلد البعير وفي يمناك عكّاز طويل ... تهش به [4] الكلاب عن الهرير [5] قال: نعم أعرف ذلك ولا أنساه. فقال: فسبحان الّذي أعطاك ملكا ... وعلّمك الجلوس على السّرير قال: [ذلك] [6] بحمد الله لا بحمدك. قال: فأقسم لا أحيّيك ابن معن ... مدى عمري بتسليم الأمير قال: إذا والله لا أبالي. فقال: فمر لي [7] يا ابن زائدة بمال ... فإنّي قد عزمت على المسير [8] قال لغلامه: أعطه ألف درهم.

_ [1] زيادة «مروج الذهب» ، و «مرآة الجنان» . [2] في «مرآة الجنان» : «أتعرف» . [3] وفي بعض الروايات: «أتذكر إذ لحافك جلد شاة» . (ع) . [4] في الأصل: «تهشّ بها» وأثبت ما في المطبوع. [5] لم يرد هذا البيت في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 336) . [6] زيادة من «مرآة الجنان» . [7] في الأصل: «قم لي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مرآة الجنان» . [8] رواية البيت في «مرآة الجنان» : فمر لي يا بن زائدة بمال ... وزاد إذ عزمت على المسير

فقال: قليل ما أمرت به وإنّي ... لأطمع منك بالشّيء الكثير قال: يا غلام زده ألف درهم. فقال: ملكت الجود والإنصاف [1] جمعا ... فبذل يديك كالبحر الغزير فقال يا غلام، ضاعف له الحساب [2] فأضعف له. ورأى راكبا محثّا ناقته، فقال لحاجبه: لا تحجب هذا، فلما مثل بين يديه أنشد: أصلحك الله قلّ ما بيدي ... فما أطيق العيال إذ كثروا ألحّ دهر ألقى بكلكله [3] ... فأرسلوني إليك وانتظروا [4] فأخذته أريحيّة، وقال: والله لأعجلنّ أوبتك إليهم، فأعطاه مائة ناقة، وألف دينار وهو لا يعرفه. ولما طلب المنصور سفيان الثّوريّ، فرّ سفيان إلى اليمن، فكان يقرأ على النّاس أحاديث الضّيافة ليضيفوه، ويكتفي عن سؤالهم، فاتّهم بسرقة، ورفع إلى معن بن زائدة، فتعرفه حتّى عرفه، فقال: اذهب حيث شئت، فلو كنت تحت قدمي ما أخرجتك. ولما عظم صيته اندسّ له جماعة من الخوارج في ضيعة له بسجستان، فقتلوه وهو يحتجم، فتبعهم ابن أخيه فقتلهم جميعهم، ورثاه الشعراء

_ [1] في «مرآة الجنان» : «والإفضال» . [2] في «مرآة الجنان» «ضاعف له الحسنات» . [3] في الأصل، والمطبوع: «ألحم دهر عليّ كلكله» . والتصحيح من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 337) . [4] البيتان في «تاريخ بغداد» (13/ 236) .

ومن أحسن ذلك قول مروان بن أبي حفصة في قصيدته التي أولها: مضى لسبيله معن وأبقى ... مكارم لن تبيد ولن تنالا [1] واستنشده إيّاها جعفر البرمكي، فأنشده فبكى، وأجازه بستمائة دينار. وروي أنه دخل على المهدي بن المنصور، فمدحه، فقال له: ألست القائل؟: وقلنا أين [2] ترحل بعد معن ... فقد ذهب النّوال ولا نوالا وأمر بإخراجه، ثم وفد عليه في العام المقبل. وكانت الشعراء إنما تدخل على الخلفاء في كل عام مرّة، ثم مدحه بقصيدته التي يقول فيها: طرقتك [3] زائرة [4] فأعجب بها، وهي مائة بيت، أعطاه مائة ألف درهم، وهي أول إجازة بمائة ألف أعطيها شاعر في خلافة العباسيين.

_ [1] القصيدة في «تاريخ بغداد» (13/ 241- 244) في (54) بيتا، وهي في (42) بيتا في «وفيات الأعيان» (5/ 249- 251) . [2] زيادة من «العبر» (1/ 218) . [3] في الأصل: «طوقتك» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] قلت: ومطلعها في «الأغاني» (10/ 87) : طرقتك زائرة فحيّ خيالها ... بيضاء تخلط بالجمال دلالها قادت فؤادك فاستقاد ومثلها ... قاد القلوب إلى الصّبا فأمالها

سنة اثنتين وخمسين ومائة

سنة اثنتين وخمسين ومائة فيها توفي إبراهيم بن أبي عبلة، أحد الأشراف والعلماء بدمشق، عن سنّ عالية. روى عن أبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وخلق كثير. وفيها عبّاد بن منصور النّاجي. روى عن عكرمة وجماعة. وولي قضاء البصرة تلك الأيام لإبراهيم بن عبد الله بن حسن الحسني، وليس بالقوي في الحديث. وأبو حرّة واصل بن عبد الرّحمن البصريّ. روى عن الحسن وطبقته. قال شعبة: هو أصدق النّاس. وقال أبو داود الطّيالسي: كان يختم [في] كلّ ليلتين. وفيها، وقيل: بعدها، يونس بن يزيد الأيليّ صاحب الزّهريّ وأوثق أصحابه، وقد روى عن القاسم، وسالم، وجماعة. وتوفي بالصعيد. قال ابن ناصر الدّين: بعدهما فتى يزيد يونس ... ذاك الإمام المكثر المدرّس وقال في «شرحها» [1] : يونس بن يزيد بن أبي النّجاد، حجّة، ثقة. انتهى ملخصا.

_ [1] يعني «شرح بديعة البيان» .

سنة ثلاث وخمسين ومائة

سنة ثلاث وخمسين ومائة فيها غلبت الخوارج الإباضيّة [1] على إفريقية، وهزموا عسكرها، وقتلوا متولّيها عمر بن حفص الأزدي، وكان رأسهم ثلاثة: أبو حاتم الإباضي، وأبو عاد [2] ، وأبو قرّة الصّفري. وكان أبو قرّة في أربعين ألفا من الصّفرية قد بايعوه بالخلافة، وكان أبو حاتم وصاحبه في ثمانين ألف فارس وأمم لا يحصون من الرّجالة. وفيها ألزم المنصور النّاس بلبس القلانس المفرطة الطول، وتسمّى بالدّنّيّة لشبهها بالدّنّ، وكانت تعمل من كاغد ونحوه على قصب، ويعمل عليها السواد، [وفيها] [3] شبه من الشربوش. وفيها توفي أبو زيد أسامة بن زيد اللّيثيّ مولاهم المدنيّ. روى عن سعيد بن المسيّب فمن بعده، وخرّج له مسلم، والأربعة، وابن حبّان. قال في «المغني» [4] : صدوق [يهم] [5] ، اختلف قول يحيى القطّان فيه.

_ [1] في المطبوع: «الأباضية» . [2] في «العبر» للذهبي (1/ 218) : «وأبو محمد» وهو خطأ. [3] لفظة «وفيها» التي بين الحاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» . [4] (1/ 66) . [5] زيادة من «المغني» .

وقال أحمد: ليس بشيء. وقال ابن أبي شيبة: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: ليس به بأس. انتهى. وأبو خالد ثور بن يزيد الكلاعيّ الحافظ محدّث حمص. روى عن خالد بن معدان وطبقته. قال يحيى القطّان: ما رأيت شابا أوثق منه. وكفى بها شهادة. وقال أحمد: كان يرى القدر، ولذلك نفاه أهل حمص. وخرّج له البخاريّ، والأربعة. قال في «المغني» [1] : ثقة من مشاهير القدرية. انتهى. والفقيه أبو محمّد الحسن بن عمارة الكوفيّ، قاضي بغداد. روى عن ابن أبي مليكة، والحكم، وطبقتهما، وهو واه باتفاقهم. والضّحّاك بن عثمان الحزاميّ المدنيّ. روى عن نافع وجماعة، وخرّج له مسلم، والأربعة. قال في «المغني» [2] : قال يعقوب بن شيبة: صدوق، في حديثه ضعف، ليّنه القطّان. انتهى. وعبد الحميد بن جعفر الأنصاريّ المدنيّ. روى عن المقبري وجماعة. وخرّج له مسلم، والأربعة. قال في «المغني» [3] : صدوق، ضعفه القطّان، وفيه قدرية. انتهى.

_ [1] (1/ 124) . [2] (1/ 312) . [3] (1/ 368) .

وفيها فطر بن خليفة أبو بكر الكوفيّ الحنّاط [1] . روى عن أبي الطّفيل، وأبي وائل، وخلق، وهو مكثر، حسن الحديث. روى البخاريّ له مقرونا. ومحلّ بن محرز الضّبّيّ الكوفيّ. قال في «المغني» [2] : عن أبي وائل، صدوق، لم يخرّجوا له في الكتب الستة شيئا. قال يحيى القطّان: وسط لم يكن بذاك. ووثّقه غير واحد. وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به. وممّن وثّقه أحمد [بن حنبل] [3] ، وله في «الأدب» للبخاري. انتهى. وفي رمضان معمر بن راشد الأزديّ مولاهم البصريّ الحافظ أبو عروة، صاحب الزّهري، كهلا، رأى جنازة الحسن [4] وأقدم شيوخه موتا قتادة. قال أحمد: ليس نضمّ [5] معمرا إلى أحد إلا وجدته فوقه. وقال غيره: كان معمر خيّرا. وهو أوّل من ارتحل في طلب الحديث إلى اليمن، فلقي بها همّام بن منبّه صاحب أبي هريرة. وله «الجامع» المشهور في السّير، أقدم من «الموطأ» . وقال في «المغني» [6] : ثقة، إمام، له أوهام احتملت له.

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «المغني» (2/ 515) : «الخياط» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 220) مصدر المؤلف، وانظر «الأنساب» للسمعاني (4/ 240) . [2] (2/ 544) . [3] زيادة من «المغني» للذهبي. [4] قوله: «رأى جنازة الحسن» تحرّف في «العبر» للذهبي إلى «روى عن أبي جبارة الحسن» فيصحّح فيه. [5] في «العبر» : «ليس يضم» ، وفي «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/ 244) : «ما نضم أحدا إلى معمر إلا وجدت معمرا يتقدمه في الطلب» . [6] (2/ 671) .

قال أبو حاتم: صالح الحديث، وما حدّث به بالبصرة ففيه أغاليط. وقد قال أحمد بن حنبل: ليس نضمّ [1] معمرا إلى أحد إلّا وجدته فوقه. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: معمر بن راشد بن أبي راشد، أبي عمرو الأزدي، مولاهم البصري عالم اليمن، ثقة، حجّة، ورع. انتهى. وفيها موسى بن عبيدة الرّبذيّ بالمدينة. روى عن نافع وطبقته، وكان صالحا ضعيفا باتفاق. قاله في «العبر» [2] . وفيها على الأصح، وقيل: في التي بعدها، هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصريّ الدستوائيّ، ويقال: صاحب الدّستوائي، لأنه كان يتّجر [3] في الثياب المجلوبة من دستوا، وهي من الأهواز، سماه أبو داود أمير المؤمنين. وقال شعبة: ما من النّاس أحد يقول [4] : إنه طلب الحديث لله إلّا هشام الدّستوائي، وهو أعلم بحديث قتادة منّي. وقال شاذّ بن فيّاض: بكى هشام حتّى فسدت عينه [5] . قاله في «العبر» [6] . وقال ابن قتيبة [7] : هو هشام بن أبي عبد الله، سنبر، مولى لبني

_ [1] في «المغني في الضعفاء» : «ليس تضم» . [2] (1/ 221) . [3] في الأصل: «لا يتجر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] في «العبر» : «أقول» . [5] في «العبر» : «عيناه» . [6] (1/ 221) . [7] في «المعارف» ص (512) .

سدوس، يرمى بالقدر. انتهى. وهشام بن الغاز الجرشيّ الدّمشقيّ متولي بيت المال للمنصور. روى عن مكحول وطبقته. وكان من ثقات الشّاميّين وعلمائهم. وفيها وهيب بن الورد الوليّ الشهير صاحب المواعظ والحقائق [1] روى عن حميد بن قيس الأعرج وجماعة. كان لا يأكل ممّا في الحجاز تورعا عمّا اصطفاه الولاة لأنفسهم ومواشيهم.

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 222) : «والرقائق» وهو أصوب.

سنة أربع وخمسين ومائة

سنة أربع وخمسين ومائة فيها أهمّ المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب، فسار إلى الشّام، وزار بيت المقدس، وجهّز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس، وعقد له على المغرب، فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف ألف، فافتتح يزيد إفريقية، وهزم الخوارج، وقتل كبارهم. واستعمل المنصور على قضاء دمشق يحيى بن حمزة، فبقي قاضيا ثلاثين سنة. وفيها توفي فقيه الجزيرة وعالمها جعفر بن برقان الجزريّ، صاحب ميمون بن مهران. روى له البخاريّ في «التاريخ» ومسلم، والأربعة. قال في «المغني» [1] : جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران. قال أحمد: يخطئ في حديث الزّهري. وقال ابن خزيمة: لا يحتجّ به. وقد وثّقه أحمد في رواية، وابن معين، والفسويّ، وابن سعد. انتهى. وفيها وزير المنصور أبو أيوب سليمان بن مخلد، وقيل: ابن داود الموريانيّ نسبة إلى موريان من قرى الأهواز، همّ المنصور أن يوقع به لتهم لحقته، وكان كلما دخل همّ بذلك، ثم يترك إذا رآه، فقيل: كان معه دهن فيه

_ [1] (1/ 131) .

سحر، فشاع في العامّة دهن أبي أيوب، ثم أوقع به بعد وعذبه حتّى مات. وفيها توفي أشعب الطّامع، ويعرف بابن أمّ حميدة [1] . روى عن عكرمة، وسالم، وله نوادر وملح في الطّمع والتّطفّل [2] أشهر من أن تذكر. وفيها عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر الدّمشقيّ محدّث دمشق. روى عن أبي الأشعث الصّنعاني. قال في «المغني» [3] : من ثقات الدّماشقة، أثنى عليه جماعة، والعجب [4] من البخاريّ كيف أورده في الضعفاء، وما ذكر ما يدل على لينه؟ بل قال: قال الوليد: كان عنده كتاب سمعه وكتاب لم يسمعه. انتهى. وقد روى عن خلق من التابعين. وفيها قرّة بن خالد السّدوسيّ البصريّ صاحب الحسن، وابن سيرين. قال يحيى القطّان: كان من أثبت شيوخنا. والحكم بن أبان العدنيّ. روى عن طاووس وجماعة. وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد معمر [5] . قال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنّة، كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه، يذكر الله حتّى يصبح. وفيها مقرئ البصرة الإمام أبو عمرو بن العلاء بن عمّار التميميّ المازنيّ البصريّ، أحد السبعة، وله أربع وثمانون سنة. قرأ على أبي العالية

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» (1/ 222) : «ويعرف بابن أم حميد» وهو خطأ، والتّصحيح من «ميزان الاعتدال» (1/ 258) ، و «لسان الميزان» (1/ 450) . [2] في الأصل، والمطبوع: «والتطفيل» والتصحيح من «العبر» للذهبي. [3] (2/ 389) . [4] في الأصل: «وتعجبوا» ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «المغني» . [5] في المطبوع: «بعد يعقوب» وهو خطأ.

الرّياحي وجماعة. وروى عن أنس، وإياس. قال أبو عمرو: كنت رأسا والحسن حيّ. ونظرت في العلم قبل أن أختن. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم النّاس بالقرآن، والعربية، والشعر، وأيام العرب. قال: وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثمّ تنسّك فأحرقها. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن الأهدل: فاحترقت كتبه، فلما رجع إلى علمه الأول، لم يكن عنده إلّا ما حفظه، وهو في النحو في الطبقة الرّابعة من علي. قال الأصمعيّ: سألته عن ألف مسألة، فأجابني فيها بألف حجّة. وفيه يقول الفرزدق مفتخرا: ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار [2] وكنيته اسمه على الصحيح [3] وكان إذا دخل رمضان لم ينشد بيتا حتّى ينقضي. ودخل يوما على سليمان بن علي عمّ السّفّاح، فسأله عن شيء فصدّقه، فلم يعجبه فخرج أبو عمرو وهو يقول: أنفت من الذّلّ عند الملوك ... وإن أكرموني وإن قرّبوا إذا ما صدقتهم خفتهم ... ويرضون منّي بأن أكذب

_ [1] (1/ 223) . [2] البيت في «ديوانه» (1/ 382) وروايته فيه: ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... حتى لقيت أبا عمرو بن عمار [3] قال الذهبي: اسمه زبّان على الأصح، وقيل: العريان، وقيل: يحيى، وقيل: محبوب، وقيل: جنيد، وقيل: عيينة، وقيل: عثمان، وقيل: عيّاد. انظر «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 100) طبع مؤسسة الرسالة.

قال اليافعيّ [1] رحمه الله: ورفعه للباء من أكذب لموافقة القافية، مع دخول أن الناصبة للفعل المضارع، دليل لجواز الإقواء [2] المعروف. انتهى. وقال أبو عمرو- رحمه الله-: أول العلم الصمت، ثم حسن السؤال، ثم حسن اللفظ، ثم نشره عند أهله. وقال: احتمال الحاجة [3] خير من طلبها من غير أهلها. وقال: ما تسابّ اثنان إلّا غلب ألأمهما [4] . وقال: إذا تمكن الإخاء قبح الثّناء. و [قال] [5] : ما ضاق مجلس بمتحابّين، وما اتّسعت الدّنيا لمتباغضين. وسمع أعرابيا كان مختفيا من الحجّاج يقول: ربما تجزع النّفوس لأمر ... وله فرجة كحّل العقال [6] فقال له أبو عمرو: وما الأمر؟ قال مات الحجّاج، قال: فلم أدر بأيّهما كنت أفرح [7] بموت الحجّاج، أم بقوله: فرجة، يعني بفتح الفاء. قال الأصمعيّ: هي بالفتح من الفرج، وبالضم من فرجة الحائط ونحوه.

_ [1] «مرآة الجنان» (1/ 345) بتصرّف. [2] في الأصل: «الإقراء» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب، والإقواء: اختلاف إعراب القوافي. انظر «تاج العروس» (10/ 307) . [3] في «مرآة الجنان» (1/ 346) : «فوت الحاجة» . [4] في «مرآة الجنان» : «إلا غلب ألا فهما» وهو خطأ فتصحح فيه. [5] زيادة من «مرآة الجنان» . [6] لفظ البيت في «مرآة الجنان» : ربما تجزع النفوس من الأمر ... ما له فرجة كحل العقال [7] في «مرآة الجنان» : «لم أدر بأيّهما أنا أفرح» .

وولد أبو عمرو بمكّة، ومات بالكوفة، رحمه الله تعالى. انتهى. وفيها خندق المنصور على الكوفة، والبصرة، وضرب عليها سورا. قاله ابن الجوزي في «الشذور» [1] .

_ [1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى سنة (597) هـ، وهو مخطوط لم يطبع بعد.

سنة خمس وخمسين ومائة

سنة خمس وخمسين ومائة فيها افتتح يزيد بن حاتم إفريقية واستعادها من الخوارج، وقتل كبارهم، أبا حاتم، وأبا عاد، وطائفة، ومهّد قواعدها. وفيها، أو في سنة ثمان، توفي محدّث حمص صفوان بن عمرو السّكسكيّ. أدرك أبا أمامة، وروى عن عبد الله بن بسر، وجبير بن نفير، والكبار. وفيها مسعر بن كدام الحافظ أبو سلمة الهلاليّ الكوفيّ الأحول، أحد الأعيان يسمى المصحف من إتقانه، ويدعى الميزان لنقده وتحرير لسانه. قاله ابن ناصر الدّين. وقال في «العبر» [1] : أخذ عن الحكم، وقتادة، وخلق، وكان عنده نحو ألف حديث. قال يحيى القطّان: ما رأيت أثبت منه. وقال شعبة: كنّا نسمّي مسعرا المصحف [2] . وقال أبو نعيم: مسعر أثبت من سفيان وشعبة. انتهى.

_ [1] (1/ 224) . [2] تحرّفت في «العبر» (1/ 224) إلى «المصنّف» .

وفيها عثمان بن أبي العاتكة الدّمشقيّ القاصّ [1] . روى عن عمير بن هانئ العنسيّ وجماعة. وفيها- وقال ابن ناصر الدّين: سنة أربع- جعفر بن برقان الرّقّيّ أبو عبد الله الكلابيّ مولاهم. ذكر النسائيّ وغيره أنه ليس به بأس، وهو معدود في حفّاظ الرّجال، وكان أميّا لا يدري الكتابة فيما يقال. انتهى. وقد تقدّم الكلام عليه قريبا في سنة أربع [2] . وفيها حمّاد الرّاوية ابن أبي ليلى [3] الدّيلميّ الكوفيّ مولى لابن زيد الخيل [4] الطائيّ الصحابيّ. كان حمّاد من أعلم النّاس بمآثر العرب وأشعارها، وهو الذي جمع السّبع الطّوال. قال له الوليد بن يزيد الأموي: لم سمّيت الرّواية؟. قال: لأني أروي لكلّ شاعر سمعت به أو لم أسمع، وأميّز بين قديمها وحديثها. قال له: كم تحفظ من الشعر؟ قال: كثير، لكني أنشد على كل حرف مائة قصيدة كبيرة سوى المقطّعات من شعر الجاهلية دون الإسلام، فامتحنه في ذلك، فوجده كما قال، فأمر له بمائة ألف [درهم] [5] ووهبه هشام [6] مائة ألف درهم.

_ [1] في «العبر» : «القاضي» . [2] انظر ص (247) . [3] كذا في «لسان الميزان» (2/ 352) حماد بن أبي ليلى، وفي «الأعلام» للزركلي (2/ 271) حماد بن سابور، أول من لقب بالرّواية. [4] سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: زيد الخير، وفي مرآة الجنان لليافعي (1/ 347) «زيد الخليل» وهو خطأ. [5] زيادة من «مرآة الجنان» لليافعي. [6] يعني هشام بن عبد الملك، ولكن الذي ذكره اليافعي في «مرآة الجنان» أن هشام بن عبد الملك أعطاه خمسمئة دينار وجملا مهريا. وانظر تتمة قصته فيه (1/ 348- 349) .

سنة ست وخمسين ومائة

سنة ست وخمسين ومائة فيها توفي سعيد بن أبي عروبة الإمام أبو النّضر العدويّ شيخ البصرة وعالمها، وأول من دوّن العلم بها، وكان قد تغيّر حفظه قبل موته بعشر سنين. روى عن أبي رجاء العطارديّ، وابن سيرين، والكبار، وخرّج له ابن عديّ. قال في «المغني» [1] : وثّقه ابن معين، وأحمد، وهو ثقة إمام، تغيّر حفظه. قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط [2] ثقة. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: قيل: إنه كان يقول بالقدر سرّا. انتهى. وعدّه ابن قتيبة في القدرية. وعبد الله بن شوذب البلخيّ ثم البصريّ نزيل بيت المقدس. روى عن الحسن وطبقته، وكان كثير العلم، جليل القدر. قال كثير بن الوليد: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة، وعاش سبعين سنة. وفيها شيخ إفريقية وقاضيها [3] وأول من ولد بها من المسلمين

_ [1] (1/ 264) . [2] في الأصل: «يخلط» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «المغني» للذهبي. [3] في المطبوع: «وقاصيها» وهو تصحيف.

عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم الشعبانيّ الإفريقيّ الزّاهد الواعظ. روى عن أبي عبد الرّحمن الحبلي وطبقته، وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام حسن، وليس بقوي في الحديث. وعمر بن ذرّ الهمدانيّ [1] الكوفيّ الواعظ البليغ. روى عن أبيه. ثقة لكنه رأس في الإرجاء. انتهى. وفيها علي بن أبي حملة الدّمشقيّ المعمّر. أدرك معاوية، وروى عن أبي إدريس الخولاني، والكبار، وقد وثّقه أحمد وغيره. وفيها، وقيل: سنة ثمان، قارئ الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيب التيميّ، مولى تيم الله بن ربيعة، الكوفي الزّيّات الزّاهد، أحد السّبعة، قرأ على التابعين وتصدّر للإقراء، فقرأ عليه جلّ أهل الكوفة. وحدّث عن الحكم بن عتيبة [2] وطبقته، وكان رأسا في القرآن والفرائض. قدوة في الورع. قال حمزة: القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وسبعون ألف حرف ومائتان وخمسون، ورأى الحق سبحانه في المنام وضمّخه بالغالية، وسمع منه، وهو منام مشهور.

_ [1] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف. [2] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 226) : «الحكم بن عيينة» وهو خطأ، والتصحيح من «تقريب التهذيب» ص (175) بتحقيق الأستاذ محمد عوّامة.

سنة سبع وخمسين ومائة

سنة سبع وخمسين ومائة فيها على ما في «الشذور» [1] بنى المنصور قصره الذي على شاطئ دجلة، ويدعى الخلد، وحوّل الأسواق من المدينة إلى باب الكرخ وباب الشعير، [والمحوّل، ووسّع طرق المدينة وأرباضها، وعقد الجسر بباب الشعير] [2] . انتهى. وفيها توفي الحسين بن واقد المروزي، قاضي مرو. روى عن عبد الله بن بريدة وطبقته. وروى له العقيليّ، وابن حبّان. قال الذّهبيّ في «المغني» [3] : [الحسين بن] [4] واقد المروزيّ عن أبي بريدة، صدوق، استنكر أحمد بعض حديثه. انتهى. وفي صفر إمام الشّاميين أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو الأوزاعيّ الفقيه. روى عن القاسم بن مخيمرة، وعطاء، وخلق كثير من التابعين، وكان رأسا في العلم والعمل، جمّ المناقب، ومع علمه كان بارعا في الكتابة والترسّل.

_ [1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» . [2] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [3] (1/ 176) . [4] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «المغني» للذهبي.

قال الهقل بن زياد: أجاب الأوزاعيّ عن سبعين ألف مسألة. وقال إسماعيل بن عيّاش [1] : سمعت النّاس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعيّ اليوم عالم الأمة. وقال عبد الله الخريبيّ [2] : كان الأوزاعيّ أفضل أهل زمانه. وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعيّ. وقال أبو مسهر: كان الأوزاعيّ يحيي الليل صلاة، وقرآنا، وبكاء، ومات في الحمام، أغلقت عليه زوجته باب الحمّام ونسيته فمات [3] . ورثاه بعضهم فقال: جاد الحيا بالشّام كلّ عشيّة ... قبرا تضمّن لحده الأوزاعي قبرا تضمنّ طود كلّ [4] شريعة ... سقيا له من عالم نفّاع عرضت له الدّنيا فأقلع معرضا [5] ... عنها بزهد أيّما إقلاع [6] وجاء رجل إلى بعض المعبرين فقال: رأيت البارحة كأن ريحانة رفعت إلى السماء من ناحية المغرب حتّى توارت في السماء، فقال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعيّ، فوجدوه قد مات تلك الليلة. ولما حجّ لقيه سفيان الثوري بذي طوى [7] فأخذ بخطام بعيره ومشى وهو يقول: طرّقوا للشيخ.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «إسماعيل بن عباس» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 227) . [2] في الأصل: «الخرّيتي» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] في «تهذيب التهذيب» لابن حجر (6/ 240) وقال ابن حبّان: وكان السبب في موته أنه كان مرابطا ببيروت، فدخل الحمام، فزلق فسقط وغشي عليه ولم يعلم به حتى مات. [4] لفظة «كلّ» لم ترد في «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» : «فأعرض مقلعا» . [6] الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (3/ 127) . و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 351) . [7] ذو طوى: واد في مكة المكرمة، وهو اليوم يعرف ب بئر طوى بجرول بين القبة وريع أبي

قال ابن ناصر الدّين: الأوزاعيّ هو عبد الرّحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعيّ الدّمشقيّ، الثقة، المأمون، ولد ببعلبك سنة ثمان وثمانين، وكان عالم الأمة، منفردا بالسيادة مع اجتهاد في إحياء الليل، أجاب في سبعين ألف مسألة للقصّاد. دخل حمّاما في بيته نهارا، وأدخلت معه زوجته في كانون فحما ونارا، ثمّ أغلقت عليه غير متعمّدة، فهاج الفحم بالنّار فمات من ذلك. والأوزاع قرية بدمشق، اتصل بها العمران، وهي المحلّة التي تسمى الآن بالعقيبة. انتهى. وقال في «المعارف» [1] : حدّثنا البجليّ أنّ اسمه عبد الرّحمن بن عمرو من الأوزاع، وهم بطن من همدان. وقال الواقديّ: كان يسكن بيروت، ومكتبة باليمامة، فلذلك سمع من يحيى بن أبي كثير، ومات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. انتهى كلام «المعارف» [2] . وقال النووي في «شرح المهذب» [3] في باب الحيض: وأما الأوزاعيّ فهو أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو من كبار تابعي التابعين وأئمتهم البارعين. كان إمام أهل الشّام في زمنه. أفتى في سبعين ألف مسألة، وقيل: ثمانين

_ لهب، وهو المكان الذي بات فيه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ليلة فتح مكة. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (2/ 896) ، و «معالم مكة التاريخية والأثرية» للأستاذ عاتق بن غيث البلادي ص (168- 169) . [1] ص (496- 497) . [2] في الأصل، والمطبوع: «انتهى كلام العبر» وهو سبق قلم من المؤلف لأنه ينقل عن «المعارف» كما أشار إلى ذلك قبل قليل، وليس لهذا النقل ذكر في «العبر» لذا اقتضى التصحيح. [3] (2/ 391) ويعرف ب «المجموع» أيضا، والمؤلف ينقل عن كتاب الحيض منه.

ألفا. توفي في خلوة [1] في حمام بيروت مستقبل القبلة، متوسّدا يمينه، سنة سبع وخمسين ومائة. قيل: هو منسوب إلى الأوزاع قرية كانت خارج [2] باب الفراديس من دمشق، وقيل: قبيلة من اليمن، وقيل: غير ذلك. انتهى. وفي «تهذيب» [3] النووي: وعن [4] عبد الرّحمن بن مهدي قال: الأئمة في الحديث أربعة: الأوزاعيّ، ومالك، وسفيان الثوريّ، وحمّاد بن زيد. انتهى. وقال أبو حاتم [5] : الأوزاعيّ إمام متّبع لما سمع. وذكر أبو إسحاق الشيرازي في «الطبقات» [6] : أن الأوزاعيّ سئل عن الفقه- يعني استفتي- وله ثلاث عشرة سنة. انتهى. وفيها محمّد بن عبد الله ابن أخي الزّهريّ المدنيّ. روى عن عمّه وأبيه. وفيها مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزّبير بن العوّام بالمدينة. روى عن أبيه وطائفة، وضعّفه ابن معين. وفيها يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السّبيعيّ. روى عن جدّه، وعن الشّعبيّ. قال ابن عيينة: لم يكن في ولد إسحاق أحفظ منه

_ [1] في «شرح المهذب» : «في خلوته» . [2] في «شرح المهذب» : «بخارج» . [3] «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 300) . [4] في المطبوع: «عن» . [5] «الجرح والتعديل» (1/ 186) وفيه: «الأوزاعيّ فقيه متّبع لما سمع» . [6] ص (76) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس، طبع دار الرائد العربي ببيروت.

سنة ثمان وخمسين ومائة

سنة ثمان وخمسين ومائة فيها صادر المنصور خالد بن برمك، وأخذ منه ثلاثة آلاف درهم، ثم رضي عنه وأمّره على الموصل. وفيها توفي أفلح بن حميد الأنصاريّ المدنيّ. روى عن القاسم، وأبي بكر بن حزم. وفيها حيوة بن شريح أبو زرعة. قال السّيوطي في «حسن المحاضرة» [1] : ابن شريح بن صفوان التّجيبيّ أبو زرعة المصريّ، الفقيه، الزّاهد، العابد، أحد العبّاد والعلماء السادة. عن يزيد بن أبي حبيب. وعنه اللّيث. سئل عنه أبو حاتم فقال: هو أحبّ إليّ من اللّيث بن سعد، ومن المفضّل [2] بن فضالة. وقال ابن المبارك: ما وصف لي أحد ورأيته إلّا كانت رؤيته دون صفته، إلّا حيوة بن شريح، فإن رؤيته كانت أكبر من صفته. عرض عليه قضاء مصر فأبى. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: الإمام القدوة. كان كبير الشّأن، مجاب الدّعوة. انتهى.

_ [1] (1/ 300) . [2] في الأصل، والمطبوع: «الفضل» والتصحيح من «حسن المحاضرة» .

وقال في «العبر» [1] : صحب يزيد بن أبي حبيب. وروى عن يونس مولى أبي هريرة وطبقته، وكان مجاب الدّعوة. انتهى. وفيها زفر. قال في «المعارف» [2] : زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر، ويكنّى أبا الهذيل، وكان قد سمع الحديث وغلب عليه الرّأي، ومات بالبصرة، وكان أبوه الهذيل على أصبهان. انتهى. وقال في «العبر» [3] : زفر بن الهذيل العنبريّ الفقيه صاحب أبي حنيفة، وله ثمان وأربعون سنة [4] وكان ثقة في الحديث، موصوفا بالعبادة، نزل البصرة وتفقّهوا عليه. وفيها عبيد الله بن أبي زياد الرّصافيّ الشاميّ صاحب الزّهريّ، وثّقه الدّارقطنيّ لصحة كتابه. وما روى عنه إلّا حفيده حجّاج بن أبي منيع. وفيها عبد الله بن عيّاش الهمدانيّ [5] الكوفيّ صاحب الشّعبيّ، ويعرف بالمنتوف [6] . وعوانة بن الحكم البصريّ الأخباريّ. وفيها كما قال ابن الجوزي في «الشذور» : نزل المنصور قصره المسمى بالخلد على دجلة، ثم حجّ وتوفي ببئر ميمون، وكانت مدّة خلافته إحدى

_ [1] (1/ 229) . [2] في الأصل، والمطبوع: «قال في «العبر» » وهو سبق قلم من المؤلف- رحمه الله- فإنه نقل عن «المعارف» لابن قتيبة ص (496) . [3] (1/ 229) . [4] يعني وقت وفاته رحمه الله. [5] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف. [6] في الأصل: «المنشوف» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

وعشرين سنة، وأحد عشر شهرا، وأربعة عشر يوما، وهو محرم وأخذت البيعة للمهديّ. انتهى. قال في «العبر» [1] : توجّه المنصور للحجّ، فأدركه أجله يوم سادس ذي الحجّة عند بئر ميمون بظاهر مكّة محرما، فأقام الموسم الأمير إبراهيم بن يحيى بن محمّد صبيّ أمرد، وهو ابن أخي المنصور، واستخلف المهديّ، وتوفي وله ثلاث وستون سنة، وكانت أميه بربريّة، وكان طويلا، مهيبا أسمر، خفيف اللحية، رحب الجبهة، كأنّ عينيه لسانان ناطقان، تقبله النّفوس، وكان يخالطه [2] أبّهة الملك بزيّ أولي النسك، ذا حزم، وعزم، ودهاء، ورأي، وشجاعة، وعقل، وفيه جبروت وظلم. انتهى. وقال ابن الأهدل: كان لا يبالي أن يحرس ملكه بهلاك من كان. وكان قد روى العلم، وعرف الحلال والحرام، وساس هو وبنوه ملكهم سياسة الملوك، ووليّ بعده المهديّ، وكان المنصور استأذن أخاه السّفّاح في الحجّ، فجاءه نعي السّفّاح في بعض الطريق، فسار مسرعا حتّى دخل دار الخلافة، وظفر بالأموال، وتقررت قواعده، ولما أراد إنشاء مدينة السّلام- بعد أن مكث سنة يتردد- فقال له راهب: كأن هناك ما تريد؟ قال: أريد أن أبني ها هنا [3] مدينة. قال الرّاهب: إن صاحبها يقال له: مقلاص. فقال المنصور: أنا والله كنت أدعى بذلك في الكتّاب. ثم قال له منجّمه: أحكم الآن بالبناء فإنه يتم بناؤها ولا يكون لها في الدّنيا نظير. قال: ثم ماذا قال: ثم تخرب بعد موتك خرابا ليس بالصحراء ولكن دون العمران، فوضع المنصور أول لبنة بيده وقال: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها من يَشاءُ من عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 7: 128 [الأعراف: 128] .

_ [1] (1/ 230) والمؤلف ينقل عنه بتصرّف. [2] في «العبر» : «يخالط» . [3] في الأصل: «هنا» وأثبت ما في المطبوع.

ولما تمّ بناؤها وانتقل إلى قصره، وقف يتأمل باب القصر، فإذا عليه مكتوب: ادخل القصر لا تخاف زوالا ... بعد ستّين من سنيّك ترحل [1] فوقف مليّا، وتغرغرت عيناه، ثم قال: لعبة لغافل، وفسحة لجاهل، وكان وقوفه أنه حسب ما بقي من عمره من المولد إلى تمام ستين. انتهى. قال المدائنيّ [2] : خرجت مع المنصور في حجّته التي مات فيها، فسألني عن سنّي، فقلت: ثلاث وستون، فقال، وأنا فيها، وهي دقّاقة الأعناق، فنزلنا منزلا، فوجد مكتوبا على الحائط: أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا شكّ نازل أبا جعفر هل كاهن أو منجّم ... يردّ قضاء الله أم أنت جاهل فجعل يراه وينظر إليه ولا نرى نحن شيئا. وذكر النووي في «تهذيبه» [3] واقعة جرت له مع سفيان الثّوريّ، وذلك أنه أرسل لقتل سفيان قبل دخوله مكّة، فجاء سفيان إلى الفضيل، وسفيان بن عيينة، فضرع لهما، وجلس بينهما، فقالا: اتق الله ولا تشمت بنا الأعداء [4] ،

_ [1] البيت في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 356) وروايته فيه: ادخل القصر لا تخاف زوالا ... بعد ستّين من سنيك رحيل [2] قال الزركليّ: هو علي بن محمد بن عبد الله المدائني، أبو الحسن، راوية مؤرّخ، كثير التصانيف، من أهل البصرة. سكن المدائن، ثم انتقل إلى بغداد، فلم يزل بها إلى أن توفي سنة (225) هـ. أورد ابن النديم أسماء نيّف ومائتي كتاب من مصنفاته في المغازي، والسيرة النبوية، وأخبار النساء، وتاريخ الخلفاء، وتاريخ الوقائع، والفتوح، والجاهليين، والشعراء، والبلدان. قال ابن تغري بردي: وتاريخه أحسن التواريخ وعنه أخذ الناس تواريخهم. بقي من كتبه «المردفات من قريش» مطبوع، و «التعازي» خطّي. انظر «الأعلام» (4/ 323) وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث إن شاء الله. [3] (1/ 223) وقد نقل المؤلف القصة عنه بتصرّف واختصار فراجعها فيه فهي مفيدة. [4] في الأصل، والمطبوع: «الأعبد» وما أثبته من «تهذيب الأسماء واللغات» .

فقام سفيان إلى البيت وأخذ برتاجه [1] وقال: برئت منه إن دخلها أبو جعفر، فلم يدخلها إلّا ميتا. انتهى. وفيها أيضا مات طاغية الرّوم قسطنطين بن أليون إلى اللعنة.

_ [1] قال ابن منظور: الرّتاج والرّتاج: الباب العظيم، وقيل: هو الباب المغلق ... وقيل: الرّتاج الباب المغلق وعليه باب صغير، «لسان العرب» (رتج) .

سنة تسع وخمسين ومائة

سنة تسع وخمسين ومائة فيها ألحّ المهديّ على وليّ العهد عيسى بن موسى بكل ممكن، وبالرّغبة والرّهبة في خلع نفسه ليولّي العهد لولده موسى الهادي، فأجاب خوفا على نفسه، فأعطاه المهديّ عشرة آلاف درهم وإقطاعات. وفيها بنى المهديّ مسجد الرّصافة، وأعتق الخيزران وتزوّجها. وفيها توفي الإمام أبو الحارث محمّد بن عبد الرّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشيّ العامريّ المدنيّ الفقيه، ومولده سنة ثمان. روى عن عكرمة، ونافع، وخلق. قال أحمد بن حنبل: كان يشبّه بسعيد بن المسيّب، وما خلّف مثله. كان أفضل من مالك، إلّا أنّ مالكا أشدّ تنقية للرّجال. وقال الواقديّ: كان ابن أبي ذئب يصلّي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، فلو قيل له: إن القيامة تقوم غدا ما كان فيه مزيد من الاجتهاد. وقال أخوه: إنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، ثم سرده، وكان شديد الحال، يتعشّى بالخبز والزّيت، وكان من رجال العالم صرامة وقولا بالحقّ. وكان يحفظ حديثه، لم يكن له كتاب. وقال أحمد: دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر- يعني المنصور- فلم

يهله [1] أن قال له: الظلم ببابك فاش، وأبو جعفر أبو جعفر. حيّاه يوما المنصور فلم يقم له، فقيل له: لا تقوم لأمير المؤمنين؟ فقال: إنما يقوم النّاس لربّ العالمين. وفيها عبد العزيز بن أبي روّاد [بمكّة] [2] روى عن عكرمة، وسالم وطائفة، وخرّج له الأربعة. قال في «المغني» [3] : عبد العزيز بن أبي روّاد [ميمون] [4] ، صالح الحديث، ضعّفه ابن الجنيد. وقال ابن حبّان: روى عن نافع، عن ابن عمر نسخة موضوعة. انتهى. وقال في «العبر» [5] : توفي بمكّة. روى عن عكرمة، وسالم، وطائفة. قال ابن المبارك: كان من أعبد النّاس. وقال غيره: كان مرجئا. انتهى. وقال ابن الأهدل: رأت امرأة بمكّة الحور العين حول الكعبة كهيئة العرس، فقالت: ما هذا؟ فقيل: زواج عبد العزيز، فانتبهت فإذا هو مات. وفيها عكرمة بن عمّار اليماميّ [6] روى عن طاووس وجماعة، وخرّج له الأربعة، ومسلم.

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 231) : «فلم يؤهله» وهو خطأ، وفي «تهذيب التهذيب» لابن حجر (9/ 306) : «فلم يهبه» : أي فلم يخف منه. [2] لفظة «مكة» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] (2/ 397) . [4] زيادة من «المغني» . [5] (1/ 232) . [6] في الأصل: «اليماني» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال ابن الأثير: اليمامي: هذه النسبة إلى اليمامة، وهي مدينة بالبادية من بلاد العوالي

قال عاصم بن علي: كان مستجاب الدّعوة، وآخر من روى عنه يزيد بن عبد الله اليمامي شيخ ابن ماجة. قال في «المغني» [1] : صدوق مشهور. قال القطّان: أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة. وقال أحمد: ضعيف الحديث. ووثّقه ابن معين وغيره. وقال الحاكم: أكثر مسلم الاستشهاد به. وقال البخاريّ: لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه. انتهى كلام «المغني» . وعمّار بن رزيق الضّبيّ الكوفيّ. روى عن منصور، والأعمش، وكان كبير القدر، عالما خيّرا. قال أبو أحمد الزّبيريّ [2] : لبعضهم: لو كنت اختلفت إلى عمّار لكفاك أهل الدّنيا. وفيها عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب المدنيّ، ولقبه رباح. روى عن أبيه، وعن سعيد بن المسيّب، وهو أكبر شيخ للقعنبيّ. وفي أولها مالك بن مغول البجليّ الكوفيّ. روى عن الشّعبيّ وطبقته، وكان كثير الحديث ثقة حجّة.

_ أكثر أهلها بنو حنيفة، وبها تنبأ مسيلمة الكذاب. انظر «اللباب في تهذيب الأنساب» (3/ 417) . [1] (2/ 438) . [2] في الأصل، والمطبوع: «الزيتوني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (1/ 232) وقد ذكر المؤلف نسبته على الصواب في ترجمته التي سترد في أول المجلد الثالث إن شاء الله تعالى.

قال ابن عيينة: قال له رجل: اتق الله، فوضع خدّه بالأرض. وفيها يونس بن أبي إسحاق السّبيعيّ عن سنّ عالية. روى عن أنس وكبار التابعين، وكان صدوقا كثير الحديث. قال عبد الرّحمن بن مهدي، وغيره: لم يكن به بأس. وفيها أمير خراسان حميد بن قحطبة بن شبيب الطّائيّ، وقد ولي أيضا الجزيرة ومصر.

سنة ستين ومائة

سنة ستين ومائة حجّ المهديّ بالنّاس، ونزع كسوة الكعبة كلّها حتّى جرّدها، ثم طلا البيت بالخلوق [1] وقسم في سفره ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه، ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار، ومن اليمن مائة ألف، فقسم ذلك كله، وفرّق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب. ووسّع في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قاله ابن الجوزي في «شذور العقود» . وفيها افتتح المسلمون وعليهم عبد الملك المسمعيّ مدينة كبيرة بالهند، وحمل محمّد بن سليمان الأمير الثلج حتّى وافى به مكّة للمهديّ وهذا شيء لم يتهيأ لأحد. وتوفي في غزوة الهند- في الرّجعة بالبحر- الرّبيع بن صبيح البصري صاحب الحسن، وقد قال فيه شعبة: هو عندي من سادات المسلمين. وقال أحمد لا بأس به. وفيها لثلاث بقين من جمادى الآخرة، توفي أبو بسطام شعبة بن الحجّاج بن الوّرد العتكيّ الأزديّ، مولاهم الواسطيّ، شيخ البصرة، وأمير

_ [1] في المطبوع: «بالخلوف» وهو تصحيف. قال ابن الأثير: الخلوق.. طيب معروف مركب يتخذ من الزّعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصّفرة. «انظر النهاية» (2/ 71) .

المؤمنين في الحديث. روى عن معاوية بن قرّة، وعمرو بن مرّة، وخلق من التابعين. قال الشّافعيّ: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال أبو زيد الهرويّ: رأيت شعبة يصلّي حتّى ترم قدماه. وكان موصوفا بالعلم والزّهد، والقناعة، والرّحمة، والخير، وكان رأسا في العربية والشعر. وقال أبو عبد الرّحمن النسائيّ: أمناء الله على علم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ثلاثة: شعبة بن الحجّاج، ويحيى بن سعيد القطّان، ومالك بن أنس. وفيها توفي المسعوديّ عبد الرّحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفيّ. روى عن الحكم بن عتيبة [1] ، وعمرو بن مرّة، وخلق. وخرّج له الأربعة. قال أبو حاتم: كان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود. وتغيّر قبل موته بسنة أو سنتين. وقال ابن حبّان: كان صدوقا إلّا أنه اختلط في آخر عمره. وقال آخر: كان حسن الحديث.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ابن عتبة» ، وفي «العبر» للذهبي (1/ 235) : «ابن عيينة» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 798) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق.

سنة إحدى وستين ومائة

سنة إحدى وستين ومائة فيها أمر المهديّ ببناء القصور بطريق مكّة، واتخاذ المصانع، وتجديد الأميال، وحفر الرّكايا [1] ، وزاد في جامع البصرة، وأمر بنزع المقاصير، وتقصير المنابر، وتصييرها إلى المقدار الذي [كان] عليه منبر رسول الله- صلّى الله عليه وآله سلّم- اليوم ففعل ذلك. قاله في «الشذور» . وفيها كان ظهور عطاء المقنّع السّاحر الملعون، الذي ادّعى الرّبوبية بناحية مرو، واستغوى خلائق لا يحصون. قال ابن خلّكان في «تاريخه» [2] : عطاء المقنّع الخراسانيّ لا أعرف اسم أبيه. وكان مبدأ أمره قصّارا من أهل مرو [3] وكان يعرف شيئا من السّحر والنّيْرجات، فادّعى الرّبوبية من طريق المناسخة، وقال لأشياعه والذين اتبعوه: إن الله تعالى تحوّل إلى صورة آدم- عليه السلام- فلذلك قال للملائكة: اسجدوا له، فسجدوا له إلا إبليس، فاستحقّ بذلك السخط، ثم تحوّل من صورة آدم إلى صورة نوح، ثم إلى صورة واحد فواحد من الأنبياء- عليهم السّلام- والحكماء حتّى حصل في صورة أبي مسلم الخراساني، ثم زعم أنه انتقل منه إليه، فقبل قوم دعواه، وعبدوه، وقاتلوا دونه، مع ما عاينوا

_ [1] يعني الآبار. انظر «لسان العرب» (ركا) . [2] يعني «وفيات الأعيان» (3/ 263- 265) . [3] قوله: «وكان مبدأ أمره قصارا من أهل مرو» لم يرد في «وفيات الأعيان» .

من عظيم ادّعائه وقبح صورته، لأنه كان مشوّه الخلق، أعور [ألكن، قصيرا، وكان لا يسفر عن وجهه بل اتخذ وجها من ذهب فتقنّع به، فلذلك قيل له: المقنّع] [1] وإنما غلب على عقولهم بالتمويهات التي أظهرها لهم بالسّحر والنيرجات، وكان في جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع فيراه النّاس من مسيرة [2] شهرين من موضعه، ثم يغيب، فعظم اعتقادهم فيه، وقد ذكر أبو العلاء المعري هذا القمر في قوله: أفق إنّما البدر المقنّع رأسه ... ضلال وغيّ مثل بدر المقنّع [3] وإليه أشار ابن سناء الملك [4] بقوله: إليك فلا بدر [5] المقنّع طالعا ... بأسحر من ألحاظ بدري المعمّم ولما اشتهر أمر ابن المقفع وانتشر ذكره، ثار عليه النّاس، وقصدوه في قلعته التي كان قد اعتصم بها، وحصروه، فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهنّ سمّا فمتن [منه] [6] ثم تناول شربة من ذلك السّم فمات، ودخل المسلمون قلعته فقتلوا من فيها من أشياعه وأتباعه، وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة، لعنه الله تعالى، ونعوذ بالله من الخذلان. انتهى ملخصا. وقال ابن الأهدل بعد كلام طويل: كان لا يسفر عن وجهه لقبح صورته، ولذلك قيل له: المقنّع، ثم اتخذ وجها من ذهب فتقنّع به، وعبده خلق كثير وقاتلوا دونه، وانتدب لحربه سعيد الحرشي [7] ولما أحسّ بالغلبة

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «من مسافة» . [3] البيت في «سقط الزند» لأبي العلاء المعرّي ص (165) . [4] هو أبو القاسم هبة الله بن جعفر بن سناء الملك السعدي، المتوفى سنة (608) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد السابع من طبعتنا هذه إن شاء الله. [5] في «وفيات الأعيان» : «فما بدر» . [6] لفظه «منه» زيادة من «وفيات الأعيان» . [7] في الأصل، والمطبوع: «الجرشي» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ الطبري»

استعمل سمّا وسقى نساءه، ثم شربه فماتوا كلهم. انتهى ملخصا أيضا. وفيها توفي أبو دلامة زند- بالنون- بن الجون صاحب النوادر، أنشد المهديّ لما ورد عليه بغداد: إني حلفت [1] لئن رأيتك سالما ... بقرى العراق وأنت ذا وفر [2] لتصلّينّ على النّبيّ محمّد ... ولتملأنّ دراهما حجري [3] فقال المهديّ: أما الأولى فنعم، فقال: جعلت فداك لا تفرّق بينهما، فملأ له حجره دراهم. واستدعى طبيبا لعلاج وجع فداواه على شيء معلوم، فلما برأ قال له أبو دلامة: والله ما عندنا شيء ولكن ادع المقدار على يهودي وأشهد لك أنّا وولدي، فمضى الطبيب إلى القاضي محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وقيل: عبد الله بن شبرمة، فادّعى الطبيب وأنكر اليهودي، فجاء بأبي دلامة وابنه، وخاف أبو دلامة أن يطالبه القاضي بالتزكية، فأنشد في الدهليز بحيث يسمعه القاضي: إن النّاس غطّوني تغطّيت عنهم ... وإن بحثوا عنّي ففيهم مباحث وإن نبشوا بئري نبشت بئارهم ... ليعلم قوم كيف تلك البثابث [4]

_ (7/ 135) . قال ابن الأثير في «اللباب» (1/ 357) : الحرشي: هذه النسبة إلى بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ونزلوا البصرة ومنها تفرقوا. [1] كذا في الأصل، والمطبوع، و «مرآة الجنان» (1/ 358) : «إني حلفت» وفي «الأغاني» : «إني نذرت» . [2] في «مرآة الجنان» و «الأغاني» : «وأنت ذو فر» . [3] البيتان في «الأغاني» (10/ 253) و «مرآة الجنان» (1/ 158) . [4] البيتان في «مرآة الجنان» (1/ 359) وفيه: «البثائث» . وروايتهما في «لسان العرب» (نبث) : إن الناس غطوني تغطيت عنهم ... وإن بحثوني كان فيهم مباحث

فقال له القاضي: كلامك مسموع وشهادتك مقبولة، ثم غرم القاضي المبلغ من عنده. ونوادره كثيرة جدا، وهو مطعون فيه، وليست له رواية. وفي شعبان منها، توفي الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثّوري الفقيه، سيّد أهل زمانه علما وعملا، وله ستّ وستون سنة. روى عن عمرو بن مرّة، وسماك بن حرب، وخلق كثير. قال ابن المبارك: كتبت عن ألف شيخ ومائة شيخ [1] ما فيهم أفضل من سفيان. وقال شعبة، ويحيى بن معين، وغيرهما: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال أحمد بن حنبل: لا يتقدم على سفيان في قلبي أحد. وقال يحيى القطّان: ما رأيت أحفظ من الثّوريّ، وهو فوق مالك في كل شيء. وقال سفيان: ما استودعت قلبي شيئا قطّ فخانني. وقال ورقاء [2] : لم ير الثّوريّ مثل نفسه.

_ وإن نبثوا بئري نبثت بئارهم ... فسوف ترى ماذا ترد النبائث [1] في «العبر» للذهبي (1/ 236) : «كتبت عن ألف ومائة» . [2] هو ورقاء بن عمر اليشكري، أبو بشر، أصله من خوارزم، كان يسكن المدائن مدّة، وبغداد زمنا، ومات بالمدائن على تيقظ فيه وإتقان. وكان صدوقا صالحا. انظر ترجمته في «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبّان ص (175) ، و «تهذيب الكمال» (3/ 1460- 1461) مصوّرة دار المأمون للتراث، و «الكاشف» للذهبي (3/ 206) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (11/ 113- 115) ، وسوف ترد ترجمته في صفحة (276) .

وكان سفيان كثير الحطّ على المنصور لظلمه، فهمّ به وأراد قتله، فما أمهله الله، وأثنى عليه أئمة عصره بما يطول ذكره، وكان أقسم بربّ البيت أنّ المنصور لا يدخلها- أي الكعبة- وفي رواية قال: برئت منها- يعني الكعبة- إن دخلها منصور، ودخل على المهديّ فسلّم عليه تسليم العامة، فأقبل عليه المهديّ بوجه طلق، وقال: تفر هاهنا وهاهنا، أتظن أن لو أردناك بسوء لم نقدر عليك؟ فما عسى أن نحكم الآن فيك؟ فقال سفيان: إن تحكم الآن في يحكم فيك ملك، قادر، عادل، يفرّق بين الحق والباطل، فقال له الرّبيع مولاه: ألهذا الجاهل أن يستقبلك بهذا؟ ائذن لي في ضرب عنقه، فقال المهديّ: ويلك اسكت، وهل يريد هذا وأمثاله إلّا أن نقتلهم فنشقى بسعادتهم؟ اكتبوا عهده على قضاء الكوفة، على أن لا يعترض عليه فيها حكم، فخرج فرمى بالكتاب في دجلة وهرب، فطلب فلم يقدر عليه، وتولى قضاءها عنه شريك بن عبد الله النّخعيّ، فقال فيه الشّاعر: تحرّز سفيان ففرّ [1] بدينه ... وأمسى شريك مرصدا للدّراهم ومات سفيان بالبصرة متواريا، وكان صاحب مذهب. قال ابن رجب: وجد في آخر القرن الرابع سفيانيون. ومناقبه تحتمل مجلدات، ورآه بعضهم بعد موته فسأله عن حاله فقال: نظرت إلى ربّي عيانا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يا بن سعيد لقد كنت قوّاما إذا أظلم الدّجى ... بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أيّ قصد أردته ... وزرني فإني منك [2] غير بعيد [3]

_ [1] في «مرآة الجنان» (1/ 363) : «وفرّ» . [2] في «مرآة الجنان» : «عنك» . [3] الأبيات في «مرآة الجنان» (1/ 363) .

وفيها، في أولها، توفي أبو الصّلت زائدة بن قدامة الثّقفيّ الكوفيّ الحافظ. روى عن زياد بن علاقة وطبقته. وقال أبو حاتم: ثقة صاحب سنّة. وقال الطّيالسي: كان لا يحضر صاحب بدعة. وحرب بن شدّاد اليشكريّ البصريّ. روى عن شهر بن حوشب، والحسن، ويحيى بن أبي كثير. قال في «المغني» [1] : حرب بن شدّاد، عن ابن أبي كثير، ثقة، كان يحيى القطّان لا يحدّث عنه. وقال يحيى بن معين، صالح. انتهى. وقد خرّج له الشيخان، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم. وفيها سعيد بن أبي أيوب المصريّ، وقد نيف على الستين. روى عن زهرة بن معبد [2] وجماعة. وفيها ورقاء بن عمر اليشكريّ الكوفيّ بالمدائن. روى عن عبيد الله [3] بن أبي يزيد، ومنصور وطبقتهما. قال في «المغني» [4] : ثقة ثبت. قال القطّان: لا يساوي شيئا. انتهى. قال أبو داود الطّيالسي: قال لي شعبة: عليك بورقاء فإنك لن تلقى مثله حتّى ترجع. وقال أحمد: كان ثقة صاحب سنّة. وفيها هشام بن سعد.

_ [1] (1/ 153) . [2] في «العبر» (1/ 237) : «عن أبي زهرة» وهو خطأ فيصحّح فيه. [3] في الأصل: «عن عبد الله» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] (2/ 719) .

قال في «المغني» [1] : هشام بن سعد مولى بني مخزوم. صدوق مشهور، ضعّفه النّسائيّ وغيره، وكان يحيى القطّان لا يحدّث عنه. وقال أحمد: ليس هو محكم للحديث. وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. وقال ابن معين: ليس بذاك القوي. قال الحاكم: روى له مسلم في الشواهد. انتهى. وفيها داود بن قيس المدنيّ الفرّاء الدّبّاغ. روى عن المقبريّ، وطبقته. وأبو جعفر الرّازيّ عيسى بن ماهان. روى عن عطاء بن أبي رباح، والرّبيع بن أنس الخراساني، وكان زميل المهديّ إلى مكّة. وفيها- قال ابن الأهدل: أو في سنة أربع وتسعين- إمام النّحو عمرو بن عثمان المعروف ب سيبويه الحارثي مولاهم، أخذ النحو عن عيسى بن عمر، واللغة عن أبي الخطّاب الأخفش الأكبر وغيره. قيل: ولم يقرأ عليه كتابه قطّ، وإنما قرئ بعد موته على الأخفش. قال ابن سلّام: سألت سيبويه عن قوله تعالى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ 10: 98 [يونس: 98] بأيّ شيء نصب قوم؟ قال: إذا كانت إلّا بمعنى لكن نصب. قيل: وكان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، ولم يصنّف فيه مثل كتابه. وكان الخليل إذا جاءه سيبويه يقول: مرحبا بزائر لا يملّ. وتناظر هو والكسائيّ في مجلس الأمين، فظهر سيبويه بالصواب، وظهر الكسائيّ بتركيب الحجّة والتعصّب. انتهى كلام ابن الأهدل.

_ [1] (2/ 710) .

وقال الشّمنّيّ في «حاشيته» على «المغني» : أما سيبويه، فعمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر [1] طلب الآثار والفقه، ثم صحب الخليل، وبرع في النحو، وهو مولى لبني الحارث بن كعب، ويكنى أيضا أبا الحسن، وتفسير سيبويه بالفارسية: رائحة التفاح. قال إبراهيم الحربي: سمي بذلك لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان. قال المبرّد: كان سيبويه، وحمّاد بن سلمة: أعلم بالنحو من النّضر بن شميل، والأخفش. وقال ابن عائشة: كنّا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شابا جميلا نظيفا قد تعلّق من كل علم بسبب مع حداثة سنّه. وقال أبو بكر العبديّ النحويّ: لما ناظر سيبويه الكسائيّ ولم يظهر، سأل من يرغب من الملوك في النحو؟ فقيل له: طلحة بن طاهر، فشخص إليه إلى خراسان فمات في الطريق. ذكر بعضهم أنه مات سنة ثمانين ومائة وهو الصحيح، كذا قال الذّهبيّ، ويقال: سنة أربع وتسعين ومائة. انتهى كلام الشّمنّي. وما قاله هو الصواب. وانظر تناقض ابن الأهدل، كيف ذكر موته سنة إحدى وستين، وذكر أن ما جريته مع الكسائيّ في مجلس الأمين، وما أبعد هذا التناقض، فلعله لم يتأمل. وأما صاحب «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» فقد ذكر ذلك وذكر أن المناظرة كانت عند يحيى بن خالد البرمكي، فلنورد عبارته بحروفها وإن كان فيها طول، لما فيها من الفوائد، فنقول: قال ابن هشام في «المغني» [2] : مسألة:

_ [1] في الأصل: «ابن بشر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] ص (122- 123) ، طبع دار الفكر ببيروت، بتحقيق العالم الفاضل الدكتور مازن المبارك والأستاذ الفاضل علي حمد الله.

قالت العرب: قد كنت أظنّ أن العقرب أشدّ لسعة من الزّنبور، فإذا هو هي، وقالوا أيضا: فإذا هو إياها، وهذا هو الوجه الذي أنكره سيبويه لمّا سأله الكسائيّ، وكان من خبرهما أنّ سيبويه قدم على البرامكة، فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما، فجعل لذلك يوما، فلما حضر سيبويه تقدّم إليه الفرّاء، والأحمر [1] فسأله الأحمر [1] عن مسألة فأجاب فيها، فقال له: أخطأت، ثم سأله ثانية وثالثة، وهو يجيبه، ويقول له: أخطأت، فقال [له سيبويه] [2] : هذا سوء أدب، فأقبل عليه الفرّاء، فقال [له] [3] : إن في هذا الرجل حدّة وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال: هؤلاء أبون ومررت بأبين؟ كيف تقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت، فأجابه، فقال: أعد النظر، فقال: لست أكلّمكما حتّى يحضر صاحبكما، فحضر الكسائيّ، فقال له [الكسائيّ] [4] : تسألني أو أسألك؟ فقال له سيبويه: سل أنت؟ فسأله عن هذا المثال، فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب، وسأله عن أمثال ذلك نحو: خرجت فإذا عبد الله القائم، أو القائم، فقال [له] [5] : كلّ ذلك بالرفع، فقال له الكسائيّ: العرب ترفع كلّ ذلك وتنصبه [6] فقال يحيى: قد اختلفتما، وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟ فقال له الكسائيّ: هذه العرب

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «وخلف» وهو خطأ تبع فيه المؤلف ابن هشام والتصحيح من حاشية التحقيق في «مغني اللبيب» ، وقد جاء في «الحاشية» أيضا «الأحمر» هو علي بن المبارك الكوفي تلميذ الكسائي المتوفى سنة (194) هـ، وإنما تضمنت القصة ذكر لقبه فقط، فظن ابن هشام، وصاحب «الإنصاف» ص (703) قبله أنه «خلف الأحمر» البصري المتوفى سنة (180) هـ، والقصة في «مجالس العلماء» ص (8) . [2] ما بين الحاصرتين زيادة من «مغني اللبيب» . [3] زيادة من «مغني اللبيب» . [4] زيادة من «مغني اللبيب» . [5] زيادة من «مغني اللبيب» . [6] في «مغني اللبيب» : «وتنصب» .

ببابك، قد سمع منهم أهل البلدين، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى، وجعفر [1] : أنصفت، فأحضروا، فوافقوا الكسائيّ، فاستكان سيبويه، فأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم، فخرج إلى فارس، فأقام بها حتّى مات، ولم يعد إلى البصرة، فيقال: إن العرب [قد] [2] أرشوا [3] على ذلك، أو إنهم علموا منزلة الكسائيّ عند الرّشيد، ويقال: [إنهم] [4] إنما قالوا القول قول الكسائيّ، ولم ينطقوا بالنصب، وإنّ سيبويه قال ليحيى: مرهم أن ينطقوا بذلك، فإنّ ألسنتهم لا تطوع به، ولقد أحسن الإمام الأديب أبو الحسن [حازم] [5] بن محمّد الأنصاري [القرطاجنيّ] [6] إذ قال في منظومته في النحو حاكيا هذه الواقعة والمسألة: والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا ... إذا عنت فجأة الأمر الذي دهما وربّما نصبوا بالحال بعد إذا ... وربّما [7] رفعوا من بعدها ربما فإنّ توالى ضميران اكتسى بهما ... وجه الحقيقة من إشكاله غمما لذاك أعيت على الأفهام مسألة ... أهدت إلى سيبويه الحتف والغمما قد كانت العقرب العوجاء أحسبها ... قدما أشدّ من الزّنبور وقع حما وفي الجواب عليها هل إذا هو هي ... أو هل إذا هو إيّاها قد اختصما وخطّأ ابن زياد وابن حمزة في ... ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما

_ [1] في المطبوع: «جعفر، ويحيى» وما جاء في الأصل موافق لما في «مغني اللبيب» . [2] زيادة من «مغني اللبيب» . [3] في مغني «اللبيب» : (رشوا) . [4] زيادة من «مغني اللبيب» . [5] لفظة «حازم» زيادة من «مغني اللبيب» . [6] لفظة «القرطاجني» زيادة من «مغني اللبيب» . [7] في الأصل، والمطبوع: «وبعد ما» وقد أثبت ما في «مغني اللبيب» .

وغاظ عمرا عليّ في حكومته ... يا ليته لم يكن في أمره [1] حكما كغيظ عمرو عليّا في حكومته ... يا ليته لم يكن في أمره حكما وفجّع ابن زياد كلّ منتحب [2] ... من أهله إذ غدا منه يفيض دما كفجعة ابن زياد كلّ منتحب [2] ... من أهله إذ غدا منه يفيض دما فظلّ بالكرب مكظوما وقد كربت ... بالكرب أنفاسه أن يبلغ الكظما قضت عليه بغير الحقّ طائفة ... حتّى قضى هدرا ما بينهم هدما من كلّ أجور حكما من سدوم قضى ... عمرو بن عثمان مما قد قضى سدما حسّاده في الورى عمّت فكلّهم ... تلفيه منتقدا للقول منتقما فما النّهى ذمما فيهم معارفها ... ولا المعارف في أهل النّهى ذمما فأصبحت بعده الأنفاس كامنة ... في كلّ صدر كأن قد كظّ أو كظما [3] وأصبحت بعده الأنفاس باكية ... في كلّ طرس [4] كدمع سحّ وانسجما وليّس يخلو امرؤ من حاسد أضم ... لولا التّنافس في الدّنيا لما أضما والغبن في العلم أشجى محنة علمت ... وأبرح النّاس شجوا عالم هضما انتهى كلام ابن هشام. وقال شارحه الشّمنّي: ويقال: إن هذه الواقعة كانت سبب علّة سيبويه التي مات بها. انتهى. حتّى إن النّاس لا تعرف غيره، وربما تشير إليه أبيات حازم المتقدّمة، والله أعلم.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أمرها» ، وأثبت ما في «مغني اللبيب» . [2] في «مغني اللبيب» : «منتخب» . [3] هذا البيت والأبيات الخمسة التي سبقته لم ترد في «مغني اللبيب» الذي بين يدي. [4] الطرس: الصحيفة، ويقال: هي التي محيت ثم كتبت. قاله في «مختار الصحاح» ص (390) .

سنة اثنتين وستين ومائة

سنة اثنتين وستين ومائة فيها أمر المهديّ أن يجرى على المجذومين وأهل السجون في سائر الآفاق. وفيها احتفل لغزو الرّوم، وسار لحربهم الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفا سوى المطوّعة [1] فأغار، وحرق، وسبى، ولم يلق بأسا. وفيها ظهرت المحمّرة [2] ، ورأسهم عبد القهّار، واستولوا على جرجان وقتلوا خلائق، فقصده عمر بن العلاء من طبرستان، فقتل عبد القهّار وخلق من أصحابه. وفيها توفي السيّد الجليل، والزّاهد النّبيل، أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم البلخيّ الزّاهد بالشّام. روى عن منصور، ومالك بن دينار، وطائفة. قال في «العبر» [3] : وثّقه النّسائيّ، وغيره. وكان أحد السّادات. انتهى.

_ [1] المطوّعة: هم الذين كانوا يتطوّعون بالجهاد. انظر «مختار الصحاح» ص (400) . [2] قال الزبيدي في «تاج العروس» (حمر) : والمحمّرة، على صيغة اسم الفاعل مشدّدة: فرقة من الخرّمية، وهم يخالفون المبيّضة والمسوّدة، واحدهم محمّر. وفي «التهذيب» ويقال للذين يحمّرون راياتهم خلاف زيّ المسوّدة من بني هاشم: المحمّرة، كما للحروريّة المبيّضة، لأن راياتهم في الحروب كانت بيضاء. [3] (1/ 238) .

قلت: في كلام «العبر» ما يشعر بأن هناك من لم يوثّقه، ولهذا تعجب اليافعيّ [1] من نقل الذّهبي لتوثيقه عن واحد وغيره، مع ظهور فضله، وكراماته، واجتهاده عند الخاص والعام، حتّى يقال: إنه بلغ رتبة الاجتهاد، فقيل: له [لم] [2] لم تتكلّم في العلوم وتنفع النّاس، فقال: «كلّما هممت بشيء من ذلك يمنعني أمور، منها: إذا قال الله تعالى يوم القيامة: وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ 36: 59 [يس: 59] مع من أكون- في كلام يطول- وكان أول انقطاعه إلى الله تعالى بعد أن كان أحد الملوك، أنه سمع هاتفا من قربوس سرجه [3] . وروي أنه قعد تحت رمانة ومعه محمّد بن المبارك الصّوري، فصليا تحتها، فخاطبته الرّمّانة بأن يأكل منها شيئا، فأخذ رمّانتين، فأكل واحدة، وناول صاحبه الأخرى، وكانت قصيرة حامضة، فعادت حلوة عالية، تثمر في كل عام مرتين، وسميت رمّانة العابدين. ومناقبه وكراماته لا تحصى، ومن شعره رحمه الله تعالى: تركت الخلق طرّا في رضاكا ... وأيتمت العيال لكي أراكا فلو قطّعتني في الحبّ إربا ... لما حنّ الفؤاد إلى سواكا [4] والله أعلم [5] .

_ [1] انظر كلامه في «مرآة الجنان» (1/ 364- 365) فهو مفيد. [2] لفظة «لم» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] قال ابن منظور: القربوس: حنو السّرج. وحنو السّرج: كل عود معوج من عيدانه. انظر «لسان العرب» (قربس) و (حنا) . [4] البيتان في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 365) . [5] للتوسع في دراسة سيرة هذا الإمام الكبير راجع ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (7/ 387- 396) تحقيق صديقي الفاضل الأستاذ علي أبو زيد، بإشراف الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبع مؤسسة الرسالة.

وفيها، وقيل: سنة ستين، داود بن نصير الطّائيّ، الكوفيّ الزّاهد، وكان أحد من برع في الفقه، ثم اعتزل. روى عن عبد الملك بن عمير وجماعة، وكان عديم النظير، زهدا وصلاحا. قاله في «العبر» [1] . ومن كلامه- رحمه الله تعالى-: صم عن الدّنيا واجعل فطرك الموت، وفرّ من النّاس فرارك من الأسد. وفيها قاضي العراق أبو بكر [2] بن عبد الله بن محمّد بن أبي سبرة القرشيّ العامريّ المدنيّ، أخذ عن زيد بن أسلم وجماعة، وهو متروك الحديث. ولي القضاء بعده القاضي أبو يوسف. وفيها أبو المنذر زهير بن محمّد التميميّ المروزيّ الخراسانيّ، نزل الشّام ثم الحجاز، وحدّث عن عمرو بن شعيب وطائفة. وخرّج له العقيلي. قال في «المغني» [3] : زهير بن محمّد التميميّ المروزيّ. عن ابن المنكدر، ثقة له غرائب، ضعّفه ابن معين. وقال البخاريّ: روى أهل الشّام عنه مناكير. انتهى. وفيها، أو قبلها، يزيد بن إبراهيم التّستريّ ثم البصريّ. روى عن الحسن، وعطاء، والكبار، وكان عفّان يثني عليه ويرفع أمره. قال في «المغني» [4] : يزيد بن إبراهيم التّستريّ، عن ابن سيرين، ثقة. قال ابن معين: في قتادة ليس بذاك. انتهى.

_ [1] (1/ 238) . [2] قال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (12/ 27) : قيل: اسمه عبد الله. قال أبو أحمد- يعني ابن البريدي-، وأبو حاتم: اسمه محمد، وقيل: إن محمدا أخ له، وقد ينسب إلى جده. [3] (1/ 241- 242) . [4] (2/ 747) .

وفيها شبيب بن شيبة المنقري البصري، كان فصيحا، بليغا، أخباريّا. روى عن الحسن، وابن سيرين، وخرّج له الترمذيّ. قال في «المغني» [1] : ضعّفوه في الحديث. انتهى. وأبو سفيان حرب بن سريج [2] المنقريّ البصريّ البزّار. روى عن ابن أبي مليكة، وجماعة. قال ابن عديّ: أرجو أنه لا بأس به [3] . وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدنيّ القاصّ، عن سنّ عالية. رأى أبا سعيد الخدري. وروى عن السائب بن يزيد وجماعة. قال ابن سعد: كان من أهل الفضل والنّسك، يعظ ويذكّر. قال في «العبر» [4] : وآخر من روى عنه كامل بن طلحة. وفيها حريز بن عثمان بن جبر بن أسعد الرّحبيّ المشرقيّ الحمصيّ. قال ابن ناصر الدّين: هو أحد الحفّاظ المشهورين، وهو معدود في صغار التابعين، وهو من الأثبات، لكنه لسبيل النصب سالك. وذكر أبو اليمان أنه كان ينال من رجل ثم ترك ذلك: انتهى. وقال الذهبيّ في «المغني» [5] : هو تابعيّ صغير ثبت، لكنه ناصبيّ. انتهى [6] .

_ [1] (1/ 295) . [2] في «العبر» للذهبي (1/ 239) : «حرب بن شريح» وهو تصحيف فيصحّح فيه. [3] انظر ترجمته ومصادرها في «تهذيب الكمال» للمزّي (5/ 522- 524) بتحقيق الأستاذ الدكتور بشّار عوّاد معروف، طبع مؤسسة الرسالة. [4] (1/ 239) . [5] (1/ 154) . [6] انظر ترجمته ومصادرها في «تهذيب الكمال» للمزّي (5/ 568- 581) ، وفيه قال المزيّ:

سنة ثلاث وستين ومائة

سنة ثلاث وستين ومائة فيها قتل المهديّ جماعة من الزّنادقة، وصرف همّته إلى تتبّعهم، وأتى بكتب من كتبهم، فقطعت بحضرته بحلب. وفيها توفي إبراهيم بن طهمان الخراسانيّ بنيسابور. روى عن عمرو بن دينار وطبقته. قال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث، [حسن الرّواية، كثير السّماع] [1] ما كان بخراسان أكثر حديثا منه. قال في «المغني» [2] : ثقة، مشهور، ضعّفه محمّد بن عبد الله بن عمّار. قال أحمد: كان مرجئا [3] . انتهى. وأرطاة بن المنذر الألهانيّ الحمصيّ. سمع سعيد بن المسيّب والكبار، وكان ثقة، حافظا، زاهدا، معمّرا.

_ مات سنة ثلاث وستين ومائة، وكذا أرّخه الذهبيّ في «العبر» (1/ 241) . [1] ما بين حاصرتين زيادة من «تهذيب الكمال» للمزّي (1/ 111) طبع مؤسسة الرسالة. [2] (1/ 17) . [3] الذي في «المغني في الضعفاء» للذهبي: «وقال الجوزجاني: فاضل يرمى بالإرجاء» . وانظر «أحوال الرجال» للجوزجاني ص (209) طبع مؤسسة الرسالة.

قال أبو اليمان: كنت أشبّه أحمد بن حنبل بأرطاة بن المنذر. وبكير بن معروف الدّامغانيّ المفسّر قاضي نيسابور بدمشق. روى عن أبي الزّبير المكّي وجماعة. قال النّسائيّ: ليس به بأس. وفيها عيسى بن علي، عمّ المنصور. روى عن أبيه. وقال ابن معين: ليس به بأس. وشعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصيّ، مولى بني أميّة، وصاحب الزّهري. قال أحمد بن حنبل: رأيت كتبه، وقد ضبطها وقيّدها. قال: وهو عندنا فوق يونس، وعقيل. وقال عليّ بن عيّاش [1] : كان عندنا من كبار النّاس، وكان من صنف آخر في العبادة. وفيها موسى بن علي بن رباح اللّخميّ المصريّ. [روى] [2] عن أبيه وطائفة، ووليّ إمرة ديار مصر للمنصور ستة أعوام. وهمّام بن يحيى العوذيّ مولاهم البصريّ. روى عن الحسن، وعطاء، وطائفة، وكان أحد أركان الحديث ببلده. قال أحمد: هو ثبت في كلّ مشايخه. وفيها يحيى بن أيّوب الغافقيّ المصريّ. روى عن بكير بن الأشج، وجماعة، وكان لا يحتجّ به.

_ [1] في الأصل: «علي بن عبّاس» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [2] لفظة «روى» لم ترد في الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 242) .

وقال النّسائيّ: ليس بالقوي. وقال الدّارقطنيّ: في بعض حديثه اضطراب، وقد ذكره ابن عديّ في «كامله» [1] وقال: هو عندي صدوق. ومن غرائبه: حدّثنا ابن جريج عن أبي الزّبير، عن جابر. قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا لتخيّروا [2] به المجالس، فمن فعل ذلك فالنّار النّار» [3] . وهو معروف بيحيى بن أيّوب. انتهى كلام «المغني» [4] . وفيها، أو في حدودها، أبو غسّان محمّد بن مطرّف المدنيّ. روى عن محمّد بن المنكدر وطبقته.

_ [1] (7/ 2673) . [2] في المطبوع: «لتجبروا» ، وفي «الكامل» لابن عدي: «لتحيروا» وكلاهما خطأ. [3] هو في «الكامل» (7/ 2672) ورواه أيضا ابن ماجة رقم (254) في المقدمة، وابن حبّان في «صحيحه» رقم (90) «موارد» والحاكم في «المستدرك» (1/ 86) وصححه ووافقه الذهبي عن جابر رضي الله عنه، وهو حديث صحيح بشواهده. [4] (2/ 731) .

سنة أربع وستين ومائة

سنة أربع وستين ومائة فيها أقبل ميخائيل البطريق، وطازاد [1] الأرمني- لعنهما الله- في تسعين ألف، ففشل [2] عبد الكريم، ومنع المسلمين من الملتقى، وردفهم المهديّ بضرب عنقه وسجنه. قاله في «العبر» [3] . وفيها توفي أبو [محمّد] إسحاق [4] بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التّيميّ المدنيّ شيخ آل طلحة، عن سنّ عالية. روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعن عمّيه: موسى، وعيسى. وآخر من روى عنه بشر بن الوليد الكنديّ، وهو متروك الحديث. قاله في «العبر» [5] . وأبو معاوية شيبان النّحويّ [الكوفيّ] [6] . نزل بغداد، وروى عن الحسن، وطائفة بعده، وكان كثير الحديث، عارفا بالنحو، صاحب حروف وقراءات، ثقة، حجّة. قاله في «العبر» [7] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «وطاراد» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [2] في الأصل: «ففسل» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] (1/ 243) . [4] في الأصل، والمطبوع: «أبو إسحاق» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 489) طبع مؤسسة الرسالة. [5] (1/ 243) . [6] لفظة «الكوفي» زيادة من «العبر» للذهبي. [7] (1/ 243) .

وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدنيّ الفقيه. روى عن الزّهريّ وطبقته. وكان إماما، مفتيا، صاحب حلقة. قال ابن ناصر الدّين: كان من العلماء الربّانيّين والفقهاء المنصفين. انتهى. قال ابن خلّكان [1] : قال ابن الماجشون: عرج بروح أبي، فوضعناه على سريره للغسل، [وقلنا للنّاس: نروح به] [2] فدخل غاسل، يغسله، فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه، فأقبل إلينا وقال: أرى عرقا يتحرك ولا أرى أن أعجل عليه، فما غسلناه، واعتللنا على النّاس بالأمر الذي رأيناه، وفي الغد جاءنا النّاس وغدا الغاسل عليه، فرأى العرق على حاله، فاعتذرنا إلى النّاس، فمكث ثلاثا على حاله، ثم إنه استوى جالسا، فقال: ائتوني بسويق، فأتي به فشربه، فقلنا [له] [3] : خبّرنا بما رأيت، قال: [نعم] [4] عرج بروحي، فصعد بي الملك حتّى أتى سماء الدّنيا، فاستفتح، ففتح له، ثم هكذا في السماوات حتّى انتهى [بي] [5] إلى السماء السابعة، فقيل له: من معك؟ قال: الماجشون، فقيل له: لم يؤذن له بعد، بقي من عمره كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهرا، وكذا وكذا يوما، وكذا وكذا ساعة. ثم هبط، فرأيت النّبيّ- صلى الله عليه وسلّم- وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك [الذي معي] [6] : من هذا؟ فقال: عمر بن عبد العزيز،

_ [1] في «وفيات الأعيان» (6/ 376- 377) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف. [2] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] زيادة من «وفيات الأعيان» . [4] زيادة من «وفيات الأعيان» . [5] زيادة من «وفيات الأعيان» . [6] زيادة من «وفيات الأعيان» .

قلت: إنه لقريب [1] المقعد من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: إنه عمل بالحق في زمن الجور، وإنهما- أي أبا بكر، وعمر- عملا بالحق في زمن الحق. انتهى. وعدّ الذّهبيّ في كتابه «العلو» الماجشون عبد العزيز هذا ممّن قال بالجهة، وأقام الدليل والتعليل على ذلك فراجعه. وفيها مبارك بن فضالة البصريّ، مولى قريش. قال ابن ناصر الدّين: المبارك بن فضالة بن أبي أميّة، كان كثير التدليس، فتكلّم فيه. وذكر أبو زرعة، وغيره أن المبارك إذا قال: حدّثنا فهو ثقة مقبول. انتهى. وقال في «العبر» [2] : روى عن الحسن، وبكر المزنيّ وطائفة. وكان من كبار المحدّثين والنّسّاك. وكان يحيى القطّان يحسن الثناء عليه. وقال أبو داود: مدلّس. فإذا قال: حدثنا [3] فهو ثبت. وقال مبارك: جالست الحسن ثلاث عشرة سنة. وقال أحمد: ما رواه عن الحسن يحتجّ به. انتهى. وخرّج له الترمذيّ، وأبو داود، والعقيليّ. وفيها، أو في التي تليها، عبد الله بن العلاء بن زبر [4] الرّبعي الدّمشقي. يروي عن القاسم، ومكحول، وكان من أشراف البلد. عمّر تسعين سنة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «إنه قريب» وأثبت ما في «وفيات الأعيان» . [2] (1/ 244) . [3] في «العبر» : «حديثا» وهو تحريف فيصحّح فيه. [4] في الأصل، والمطبوع: «ابن زيد» وهو تحريف، والتصحيح في «العبر» للذهبي (1/ 244) .

سنة خمس وستين ومائة

سنة خمس وستين ومائة فيها غزا المسلمون غزوة مشهورة وعليهم هارون الرّشيد وهو صبيّ أمرد، وفي خدمته الرّبيع الحاجب، فافتتحوا ماجدة [1] من الرّوم، والتقوا الرّوم، وهزموهم، ثم ساروا حتّى وصلوا خليج قسطنطينيّة، وقتلوا وسبوا، وصالحتهم ملكة الرّوم على مال جليل، فقيل: إنه قتل من الرّوم في هذه الغزوة المباركة خمسون ألفا، وغنم المسلمون ما لا يحصى، حتّى بيع الفرس بدرهم، والبغل الجيّد بعشرة دراهم. وفيها توفي سليمان بن المغيرة البصريّ. عالم أهل البصرة في وقته. روى عن ابن سيرين، وثابت. قال شعبة: هو سيّد أهل البصرة. وقال الخريبيّ: ما رأيت بصريّا أفضل منه. وقال أحمد: ثبت ثبت. وعبد الرّحمن بن ثوبان الدّمشقيّ الزّاهد عن تسعين سنة. روى عن خالد بن معدان وطبقته.

_ [1] كذا في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 245) مصدر المؤلف، و «تاريخ الطبري» (8/ 152) ، ولم أقف على ذكر لها في كتب البلدان التي بين يدي.

قال أحمد بن حنبل: كان عابد أهل الشّام، وذكر من فضله. وقال أبو داود: كان مجاب الدّعوة، وكانت فيه سلامة، وما به بأس. وقال أبو حاتم: ثقة. ومعروف بن مشكان، قارئ أهل مكّة، وأحد أصحاب ابن كثير. وقد سمع من عطاء وغيره. وفيها وهيب بن خالد أبو بكر البصريّ الحافظ. روى عن منصور وطائفة كثيرة. قال عبد الرّحمن بن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث والرّجال. وقال أبو حاتم: يقال: لم يكن بعد شعبة [1] أعلم بالرّجال منه. وفيها خالد بن برمك، وزير السّفّاح، وجدّ جعفر البرمكيّ، عن خمس وسبعين سنة، وكان يتّهم بالمجوسيّة. قاله في «العبر» [2] . وفي آخر يوم منها أبو الأشهب العطارديّ جعفر بن حيّان بالبصرة. روى عن أبي رجاء [3] العطارديّ، والكبار، وعاش خمسا وتسعين سنة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «شيبة» والتصحيح من «العبر» للذهبي. [2] (1/ 246) . [3] في الأصل، والمطبوع: «عن أبي رجب» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 46) . قال ابن الأثير في «اللباب» (2/ 346) واسم أبي رجاء عمران بن ملحان.

سنة ست وستين ومائة

سنة ست وستين ومائة وفيها قبض المهديّ على وزيره يعقوب بن داود لكونه أعطاه هاشميا من ولد فاطمة [- رضي الله عنها-] [1] ليقتله، فاصطنعه، وهرّبه، فظفر به الأعوان، وكان يعقوب شيعيّا يميل إلى الزّيديّة ويقرّبهم. وفيها استقضى المهديّ أبا يوسف، وأخذ البيعة لهارون بعد موسى، وسمّاه الرّشيد. قاله ابن الجوزي في «الشذور» . وفيها توفي أبو معاوية صدقة بن عبد الله السّمين من كبار محدّثي دمشق. روى عن القاسم أبي عبد الرّحمن [2] وطائفة. وخرّج له الترمذيّ، والنّسائيّ، والعقيليّ. قال في «المغني» [3] : ضعّفه أحمد، والبخاريّ وغيرهما. انتهى. وفيها معقل بن عبيد الله الجزريّ، من كبار علماء الجزيرة [4] . روى

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 247) وقد تحرّفت لفظة «عنها» فيه إلى «عنه» فتصحّح. [2] هو القاسم بن عبد الرحمن الشامي، أبو عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة رضي الله عنه. (ع) . [3] (1/ 307) . [4] يعني جزيرة أقور التي بين دجلة والفرات.

عن عطاء بن أبي رباح، وميمون بن مهران، والكبار. قال في «المغني» [1] : صدوق مشهور ضعّفه ابن معين وحده. انتهى. وفيها أبو بكر النّهشليّ الكوفيّ، وفي اسمه أقوال [2] . قال في «المغني» [3] : أبو بكر النّهشليّ الكوفيّ، صدوق، تكلم فيه ابن حبّان. اسمه عبد الله على الصحيح، وقد وثّقه أحمد، وابن معين، والعجليّ. انتهى. قال في «العبر» [4] : روى عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري وجماعة، وآخر أصحابه موتا جبارة بن المغلّس. انتهى.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (2/ 669) . [2] انظرها في «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 1589) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق. [3] (2/ 773) . [4] (1/ 247) .

سنة سبع وستين ومائة

سنة سبع وستين ومائة فيها جدّ المهديّ في طلب الزّنادقة في الآفاق، وأكثر الفحص عنهم، وقتل طائفة. وفيها أمر بالزيادة في المسجد الحرام، وغرّم عليها [1] أموالا عظيمة، وأدخلت فيه دور كثيرة [2] . وفيها كان الوباء العظيم بالعراق. وفيها توفي حمّاد بن سلمة بن دينار البصريّ الحافظ في آخر السّنة. سمع قتادة، وأبا جمرة [3] الضّبعي، وطبقتهما، وكان سيّد أهل وقته. قال وهيب بن خالد: حمّاد بن سلمة سيّدنا وأعلمنا. وقال ابن المديني: كان عند يحيى بن ضريس [4] عن حمّاد بن سلمة عشرة آلاف حديث. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: لو قيل لحمّاد بن سلمة: إنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «وغرم عليه» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 248) . [2] في «العبر» : «دور كبيرة» . [3] في الأصل: «وأبا حمزة» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [4] في الأصل: «حريش» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.

وقال شهاب البلخيّ: كان حمّاد بن سلمة يعدّ من الأبدال [1] . وقال غيره: كان فصيحا، مفوّها، إماما في العربية، صاحب سنّة. له تصانيف في الحديث، وكان بطاينيا، فروى سوّار بن عبد الله، عن أبيه قال: كنت آتي حمّاد بن سلمة في سوقه، فإذا ربح في ثوب [2] حبّة، أو حبّتين، شدّ جونته [3] وقام. وقال موسى بن إسماعيل: لو قلت: إني ما رأيت حمّاد بن سلمة ضاحكا لصدقت. كان يحدّث، أو يسبّح، أو يقرأ، أو يصلّي، قد قسم النهار على ذلك [4] . قلت: وهو أحد الحمّادين وأجلّهما، صاحبي المذهبين، أحدهما هذا، والثاني حمّاد بن زيد بن درهم، وتأخر موته عن هذا، وسنتكلم عليه- إن شاء الله تعالى-. قال صاحب «الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية» في آخرها [5] : فائدة، الحمّادان: حمّاد بن زيد بن درهم، وحمّاد بن سلمة بن دينار، ولقد ألطف عبد الله بن معاوية [الجهميّ] حيث قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة بن دينار، وحمّاد بن زيد بن درهم، وفضل ابن سلمة على ابن زيد كفضل الدّينار على الدّرهم. انتهى والله أعلم.

_ [1] قال ابن الأثير: الأبدال: هم الأولياء، والعبّاد، الواحد بدل كحمل وأحمال، وبدل كجمل، سمّوا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبدل بآخر. انظر «النهاية في غريب الحديث والأثر» (1/ 107) . [2] قوله: «في ثوب» سقط من «العبر» للذهبي (1/ 248) فيستدرك فيه. [3] في الأصل، والمطبوع: «شد جيوبه» وهو خطأ، وفي «العبر» للذهبي: «جونته» . وفي «سير أعلام النبلاء» (7/ 448) أيضا «جونته» وهو ما أثبته، والجونة: سليلة مستديرة مغشاة بالجلد، يحفظ العطار فيها الطيب. يعني: اكتفى بذلك. وانظر «لسان العرب» (جون) . [4] في «العبر» : «على ذاك» . [5] هي للإمام محيي الدين عبد القادر بن أبي الوفاء محمد القرشي المصري الحنفي المتوفى سنة (775) هـ. والمؤلف ينقل عن الجزء الثاني منها ص (425) طبع حيد أباد الدكن.

وفيها الحسن بن صالح بن حيّ الهمدانيّ، فقيه الكوفة وعابدها. روى عن سماك بن حرب وطبقته. وقال أبو نعيم: ما رأيت أفضل منه. وقال أبو حاتم: ثقة، حافظ، متقن. وقال ابن معين: يكتب رأي الحسن بن صالح. يكتب رأي الأوزاعي، هؤلاء ثقات. وقال وكيع: الحسن بن صالح يشبّه بسعيد [1] بن جبير، كان هو وأخوه علي وأمهما قد جزّءوا [2] الليل ثلاثة أجزاء. فماتت، فقسّما الليل سهمين [3] فمات عليّ، فقام الحسن الليل كلّه. قال في «العبر» [4] : قلت: مات عليّ [5] سنة أربع وخمسين وهما توأم [6] أخرج لهما مسلم. انتهى. وقال في «المعارف» [7] : يكنّى الحسن أبا عبد الله، وكان يتشيع، وزوّج عيسى بن زيد بن علي ابنته، واستخفى معه في مكان واحد حتّى مات عيسى بن زيد، وكان طلبهما المهديّ فلم يقدر عليهما. ومات الحسن بعد عيسى بستة أشهر. انتهى.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «يشبه سعيد» . [2] في «العبر» : «جزءا» . [3] في «العبر» : «فقسما الليل بينهما» . [4] (1/ 249) . [5] لفظة «علي» لم ترد في «العبر» . [6] كذا في الأصل، والمطبوع، و «العبر» . والصواب أن يقال: «توأمان» . وانظر «مختار الصحاح» ص (74) . [7] ص (509) .

وفيها الرّبيع بن مسلم الجمحيّ مولاهم البصريّ، وكان من بقايا أصحاب الحسن. ومفضّل بن مهلهل السعديّ الكوفيّ صاحب منصور. قال أحمد العجليّ: كان ثقة صاحب سنّة وفضل وفقه. لما مات الثّوريّ، جاء أصحابه إلى مفضّل فقالوا: تجلس لنا مكانه. قال: ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه. وفيها فقيه الشّام بعد الأوزاعيّ أبو محمّد سعيد بن عبد العزيز التّنوخيّ، عن نحو ثمانين سنة. أخذ عن مكحول، وربيعة القصير، ونافع مولى ابن عمر، وخلق، وكان صالحا، قانتا، خاشعا. قال: ما قمت إلى صلاة إلّا مثلت لي جهنم. وقال الحاكم: هو لأهل الشّام كمالك لأهل المدينة. وفيها أبو روح سلّام بن مسكين البصريّ. روى عن الحسن والكبار. وقال أبو سلمة التّبوذكيّ: كان من أعبد أهل زمانه. وأبو شريح عبد الرّحمن بن شريح المعافريّ بالاسكندرية. روى عن أبي قبيل وطبقته، وكان ذا عبادة وفضل وجلالة. قال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [1] : ذكره ابن حبّان في الثقات. انتهى. وأبو عقيل يحيى بن المتوكل المدنيّ ببغداد. روى عن بهيّة [2] وابن

_ [1] قلت: ذكر السيوطي أبا شريح عبد الرحمن بن شريح في «حسن المحاضرة» (1/ 281 و 300) ولم يرد في المطبوع منه قوله: «ذكره ابن حبّان في «الثقات» الذي ذكره المؤلف رحمه الله. [2] في «العبر» : «عن بقية» وهو خطأ فيصحّح فيه. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 1156) مصوّرة دار المأمون للتراث.

المنكدر، وليس بالقوي عندهم. قاله في «العبر» [1] . وعبد العزيز بن مسلم بالبصرة. روى عن مطر الورّاق، وطائفة، وكان عابدا قدوة. روى عن يحيى السّيلحيني، وقال: كان من الأبدال. والقاسم بن الفضل الحدّانيّ بالبصرة. روى عن ابن سيرين والكبار، وكان كثير الحديث. قال ابن مهدي: هو من مشايخنا الثقات. وقد خرّج له مسلم والأربعة. قال في «المغني» [2] : القاسم بن الفضل الحدّاني. عن أبي نضرة وغيره. صدوق. وثّقه ابن معين [3] وأورده العقيليّ في «الضعفاء» فما تكلم فيه بما يضعفه قطّ. انتهى. وأبو هلال محمّد بن سليم الرّاسبيّ بالبصرة. روى عن الحسن والكبار. وثّقه أبو داود وغيره، وهو حسن الحديث. قاله في «العبر» [4] . ومحمّد بن طلحة بن مصرّف الياميّ الكوفيّ أحد المكثرين الثقات. يروى عن أبيه وطبقته. وفيها أبو حمزة محمّد بن ميمون المروزيّ السّكّريّ. ارتحل وأخذ عن زياد بن علاقة ونحوه، وكان شيخ بلده في الحديث، والفضل، والعبادة. قال ابن ناصر الدّين: هو شيخ خراسان. كان ثقة ثبتا، كريما يقري الضيف ويبالغ في إكرامه، ولقّب بالسّكّريّ لحلاوة كلامه. انتهى. وفيها أبو بكر الهذليّ البصريّ الأخباريّ أحد الضعفاء، واسمه سلمى.

_ [1] (1/ 251) . [2] (2/ 520) . [3] في «المغني» : «وثّقه ابن مهدي» . [4] (1/ 251) .

روى عن الشّعبيّ، ومعاذة العدويّة، والقدماء. وفيها قتل في الزّندقة بشّار بن برد البصريّ الأعمى، شاعر العصر. قال ابن الأهدل: بشّار بن برد العقيليّ مولاهم الشّاعر المشهور، كان أكمه، جاحظ العينين، فصيحا، مفوّها، وكان يمدح المهديّ فرمي عنده بالزّندقة، فضربه حتّى مات، وقد نيّف على السبعين. قيل: كان يفضّل النار على الطين، ويصوّب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم، وينسب إليه هذا البيت. الأرض مظلمة والنّار مشرقة ... والنّار معبودة مذ كانت النّار [1] قيل: وفتّشت كتبه فلم يوجد فيها شيء مما رمي به. وقيل: إنه هجا صالح بن داود أخا يعقوب الوزير فقال: هم حملوا فوق المنابر صالحا ... أخاك فضجّت [2] من أخيك المنابر [3] فقال يعقوب للمهديّ: إن بشّارا هجاك بقوله: خليفة يزني بعمّاته ... يلعب بالدّبّوق [4] والصّولجان [5] أبدلنا الله به غيره ... ودسّ موسى في حر الخيزران [6]

_ [1] البيت في «الأغاني» (3/ 145) ، و «وفيات الأعيان» (1/ 273) . [2] في الأصل، والمطبوع: «فصمت» وهو خطأ، والتصحيح من «الأغاني» و «تاريخ الطبري» و «وفيات الأعيان» . [3] البيت في «الأغاني» (3/ 244) و «تاريخ الطبري» (8/ 181) و «وفيات الأعيان» (1/ 273) . [4] في الأصل، والمطبوع: «بالدفّ» وهو خطأ، والتصحيح من «الأغاني» و «تاريخ الطبري» و «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل، والمطبوع: «وبالصولجان» وأثبت لفظ «الأغاني» و «تاريخ الطبري» و «وفيات الأعيان» . [6] البيتان في «الأغاني» (3/ 243) و «تاريخ الطبري» (8/ 181) و «وفيات الأعيان» (1/ 273) .

والخيزران امرأة المهديّ، وإليها تنسب دار الخيزران بمكّة، فقتله المهديّ. انتهى. وقال ابن قاضي شهبة: زنادقة الدّنيا أربع: بشّار بن برد، وابن الرّاوندي [1] ، وأبو حيّان التّوحيدي، وأبو العلاء المعرّي. انتهى.

_ [1] سترد ترجمته في أول المجلد الرابع من طبعتنا هذه إن شاء الله.

سنة ثمان وستين ومائة

سنة ثمان وستين ومائة فيها غزا المسلمون الرّوم لنقضهم الهدنة. وفيها سار سعيد الجرشيّ في سبعين ألفا إلى طبرستان. وفيها مات السيّد الأمير أبو محمد الحسن بن زيد بن السيّد الحسن بن علي بن أبي طالب، شيخ بني هاشم في زمانه، وأمير المدينة للمنصور، ووالد السيّدة نفيسة. وخافه المنصور فحبسه، ثمّ أخرجه المهديّ وقرّبه، ولم يزل معه حتّى مات معه بطريق مكّة عن خمس وثمانين سنة. روى عن أبيه. وخرّج له النّسائيّ. قال في «المغني» [1] : ضعّفه ابن معين، وقوّاه غيره. انتهى. وفيها أبو الحجّاج خارجة بن مصعب السّرخسيّ من كبار المحدّثين بخراسان. رحل، وأخذ عن زيد بن أسلم وطبقته، وهو صدوق كثير الغلط، لا يحتجّ به. قاله في «العبر» [2] . وسعيد بن بشير البصريّ ثم الدّمشقيّ المحدّث المشهور، أكثر عن قتادة وطبقته. قال أبو مسهر: لم يكن في بلدنا أحفظ منه.

_ [1] (1/ 159) . [2] (1/ 252- 253) .

وقال أبو حاتم: محلّه الصّدق. وضعفه غيره. قال البخاريّ: يتكلمون في حفظه. وقيس بن الرّبيع أبو محمّد الأسديّ الكوفيّ، أحد علماء الحديث مع ضعفه، على أنّ ابن عديّ قال فيه: عامّة رواياته مستقيمة، والقول فيه ما قال شعبة، وأنه لا بأس به. وقال عفّان: ثقة. وقال أبو الوليد: حضر شريك القاضي جنازة قيس بن الرّبيع فقال: ما ترك بعده مثله. روى عن محارب بن دثار [1] وطبقته. وفيها الأمير عيسى بن موسى بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس العبّاسيّ وليّ عهد السّفّاح بعد أخيه المنصور، وقد ذكرنا أن المهديّ خلعه، وقد توفي أبوه شابا سنة ثمان ومائة. وفليح بن سليمان المدنيّ مولى الخطّاب. روى عن نافع وطبقته، واحتجّ به الشيخان، وكان ثقة مشهورا [2] كثير العلم، ليّنه ابن معين. وفيها مندل بن عليّ العنزيّ الكوفيّ. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته وكان صدوقا مكثرا، في حديثه لين. ونافع بن يزيد المصريّ. عن جعفر بن ربيعة وطبقته، وكان أحد الثقات.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «محارب بن زياد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 253) وهو مصدر المؤلف في الترجمة. [2] في «العبر» (1/ 254) «مشهودا» .

سنة تسع وستين ومائة

سنة تسع وستين ومائة فيها عزم المهديّ على أن يقدّم هارون في العهد، ويؤخّر موسى الهادي، فطلبه وهو بجرجان ففهمها ولم يقدم. فهمّ بالمسير [1] إلى جرجان لذلك. وفيها لثمان بقين من المحرّم ساق المهديّ- واسمه محمّد أبو عبد الله بن أبي جعفر عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس العبّاسي- خلف صيد، فدخل الوحش خربة، فدخل الكلاب خلفه، وتبعهم المهديّ، فدق ظهره في باب الخربة لشدّة سوقه، فتلف لساعته. وقيل: بل أكل طعاما سمّته جارية لضرّتها، فلما وضع يده فيه ما جسرت أن تقول: هيّأته لضرّتي. فيقال: كان إنجاصا، فأكل واحدة، وصاح من جوفه، ومات من الغد عن ثلاث وأربعين سنة. كانت خلافته عشر سنين وشهرا. وكان جوادا، ممدّحا، محبّبا إلى النّاس، وصولا لأقاربه، حسن الأخلاق، حليما، قصّاما [2] للزنادقة، وكان طويلا أبيض مليحا.

_ [1] لفظة «المسير» تحرّفت في «العبر» إلى «المصير» فتصحّح فيه. [2] في الأصل، والمطبوع: «قضابا» ، وفي «العبر» للذهبي (1/ 255) : «قصابا» وكلاهما خطأ،

يقال: إن المنصور خلّف في الخزائن مائة ألف ألف وستين ألف ألف درهم، ففرّقها المهديّ ولم يل الخلافة أحد أكرم منه، ولا أبخل من أبيه. ويقال: إنه أعطى شاعرا مرّة خمسين ألف دينار. ويقال: إنه استضاف أعرابيا وقد انفرد عن جيشه في طلب صيد حتّى جهد وعطش، فسقاه لبنا مشوبا، فكتب له بخمسمائة ألف، فأيسر ذلك الأعرابيّ وكثرت مواشيه، وبقي مرصدا للحاج، وسمي مضيف أمير المؤمنين. وقال في «مروج الذهب» [1] : حدّث الفضل بن الرّبيع قال: خرج المهديّ يوما متنزّها ومعه [2] عمرو بن ربيع مولاه، وكان شاعرا، فانقطع عن المعسكر، والنّاس في الصيد، وأصاب المهديّ جوع شديد، فقال لعمرو: ويحك ارتد إنسانا نجد عنده ما نأكل، قال: فما زال عمرو يطوف إلى أن وجد صاحب مبقلة وإلى جانبها كوخ له، فصعد إليه، فقال له عمرو: أما عندك شيء يؤكل؟ قال: نعم، رقاق من [خبز] [3] شعير ورثيئة [4] وهذا البقل، والكراث [5] فقال له المهديّ: إن كان عندك زيت فقد أكملت، قال: نعم، عندي فضلة منه، فقدّم إليهما ذلك، فأكلا أكلا كثيرا، وجعل المهدي يستطيب أكله ويمعن فيه، حتّى لم يكن فيه فضل، فقال لعمرو: قل شيئا

_ والتصحيح من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 371) . [1] (3/ 320- 321) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف. [2] في الأصل: «وعنده» ، وأثبت ما في المطبوع. [3] زيادة من «مروج الذهب» . [4] في الأصل، والمطبوع: «ورثيت» ، وفي «مروج الذهب» : «ورثيثة» ، والتصحيح من «لسان العرب» (رثأ) . قال ابن منظور: الرّثيئة: اللبن الحامض يحلب عليه فيخثر. ويعود الفضل في وقوفي على وجه الصواب في هذه اللفظة إلى العالم الفاضل الدكتور مازن المبارك حفظه الله ذخرا لطلبة العلم في هذه الديار. [5] في الأصل: «والكراس» بالسين وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.

تصف فيه ما نحن فيه، فقال عمرو: إنّ من يطعم الرّثيئة [1] بالزّي ... ت وخبز الشّعير بالكرّاث لحقيق بصفعة أو بثنتي ... ن لسوء الصّنيع أو بثلاث [2] فقال له المهديّ: بئس والله ما قلت، ولكن أحسن من ذلك أن تقول: لحقيق ببدرة [3] أو بثنتي ... ن لحسن الصّنيع أو بثلاث ووافى المعسكر، ولحقته الخزائن، والخدم، والمواكب، فأمر لصاحب المبقلة [4] بثلاث بدر دراهم. وعار [5] فرس المهديّ مرّة أخرى، وقد خرج للصيد فدفع [6] إلى خباء [7] أعرابي وهو جائع، فقال: يا أعرابيّ هل عندك من قرى فإني ضيفك، وأنا جائع، فقال: أراك طريرا سمينا [8] ، جسيما، عميما، فإن احتملت الموجود قرّبنا لك ما يحضر [9] قال: هات ما عندك، فأخرج له خبز ملّة [10] فأكلها، وقال: طيبة، هات ما عندك، فأخرج له [11] لبنا فسقاه، فقال طيب،

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «الرثيث» ، والتصحيح من «لسان العرب» (رثأ) . [2] البيتان في «مروج الذهب» (2/ 320) . [3] قال في «مختار الصحاح» ص (43) : البدرة: عشرة آلاف درهم. [4] في الأصل: «البقلة» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [5] في الأصل، والمطبوع: «وغار» وهو تصحيف، والتصحيح من «مروج الذهب» . قال في «مختار الصحاح» ص (464) : عار الفرس انفلت وذهب هاهنا وهاهنا من مرحه. [6] في الأصل، والمطبوع: «فوقع» وما أثبته من «مروج الذهب» (2/ 321) . قال ابن منظور: دفع إلى المكان ودفع، كلاهما: انتهى، ويقال: هذا طريق يدفع إلى مكان كذا، أي ينتهي إليه «لسان العرب» (دفع) . [7] قال ابن منظور: الخباء من الأبنية. انظر «لسان العرب» (خبأ) . [8] لفظة «سمينا» لم ترد في «مروج الذهب» الذي بين يدي. [9] في «مروج الذهب» : «ما يحضرنا» . [10] قال ابن منظور: الملّة: الرماد الحار والجمر. يقال: أكلنا خبز ملّة، ولا يقال: أكلنا ملّة. «لسان العرب» (ملل) . المعنى: فأخرج له خبزا مشويا في الملّة. [11] في «مروج الذهب» : «فأخرج إليه» .

هات ما عندك، فأخرج له فضلة نبيذ في زكرة [1] فشرب الأعرابيّ وسقاه، فلما شرب قال له المهديّ: أتدري [2] من أنا؟ قال: لا والله. قال: أنا من خدم الخاصّة، قال: بارك الله لك [3] في موضعك وحيّاك [4] من كنت، ثم شرب الأعرابيّ قدحا وسقاه، فلما شرب قال [له] [5] : يا أعرابيّ أتدري من أنا؟ قال: نعم ذكرت لي [6] أنك من خدم الخاصة. قال: لست كذلك. قال فمن [7] أنت؟ قال: أنا أحد قوّاد المهديّ. قال: رحبت دارك وطاب مزارك، ثم شرب الأعرابيّ قدحا وسقاه، فلما شرب الثالث قال: يا أعرابيّ، أتدري من أنا؟ قال: نعم زعمت أنك أحد قوّاد المهديّ. قال: فلست كذلك، أنا أمير المؤمنين بنفسه، فأخذ الأعرابيّ زكرته [8] فوكأها [9] فقال له المهديّ: اسقنا. قال: لا والله لا تشرب [10] منها جرعة فما فوقها، قال: ولم؟ قال: سقيتك واحدا، فزعمت أنك من خدم الخاصة، فاحتملناها لك، ثم سقيناك آخر [11] فزعمت أنك من قوّاد المهديّ، فاحتملناها لك، ثم سقيناك الثالث [12] فزعمت أنك أمير المؤمنين، ولا والله ما آمن أن أسقيك الرابع [13] فتقول

_ [1] الزكرة: زقيق للشراب، وفي «مروج الذهب» «ركوة» . (ع) . [2] في الأصل، والمطبوع: «تدري» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [3] لفظة «لك» لم ترد في «مروج الذهب» . [4] في «مروج الذهب» : «حباك» وهو تصحيف. [5] زيادة من «مروج الذهب» . [6] لفظة «لي» لم ترد في «مروج الذهب» . [7] في الأصل، والمطبوع: «فممّن» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [8] في «مروج الذهب» : «ركوته» . [9] قال في «مختار الصحاح» ص (735) : الوكاء ما يشدّ به رأس القربة. [10] في الأصل، والمطبوع: «لا شربت» وما أثبته من «مروج الذهب» . [11] في الأصل، والمطبوع: «أخرى» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [12] في الأصل، والمطبوع: «ثم سقيناك أخرى» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [13] في الأصل، والمطبوع: «الرابعة» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

إنك [1] رسول الله، فضحك المهديّ، وأحاطت به الخيل، ونزل إليه [2] أبناء الملوك والأشراف، فطار قلب الأعرابيّ، ولم يكن همّه إلا النجاة [بنفسه] [3] فجعل يشتد في عدوه، فردّ إليه [4] فقال له المهديّ [5] : لا بأس عليك، وأمر له بصلة جزيلة من مال، وكسوة، فقال له: أشهد أنك الآن صادق ولو ادّعيت الرابعة والخامسة، وضمّه في خواصّه، وأجرى له رزقا. انتهى كلام المسعودي. وأول من هنّأه، وعزّاه، وأجازه، أبو دلامة حيث يقول: عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى [6] وأخرى تذرف تبكي وتضحك تارة ويسوؤها ... ما أنكرت ويسرّها ما تعرف فيسوؤها موت الخليفة محرما ... ويسرّها أن قام هذا الأرأف هلك الخليفة يال أمّة أحمد ... وأتاكم من بعده من يخلف [7] وقال عليّ بن يقطين: كنّا مع المهديّ بما سبذان [8] فقال لي يوما:

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أنا» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [2] في الأصل، والمطبوع: «ونزل به» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [3] زيادة من «مروج الذهب» . [4] قوله «فرد إليه» لم يرد في «مروج الذهب» . [5] زيادة من «مروج الذهب» . [6] في الأصل، والمطبوع: «بأمانها جذلا» وأثبت ما في «تاريخ بغداد» . [7] الأبيات في «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (5/ 392) من قطعة شعرية من ستة أبيات. [8] في الأصل: «بما سندان» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال القزويني في «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (260) : ما سبذان مدينة مشهورة بقرب السيروان، كثيرة الشجرة، كثيرة الحمامات والكباريت والزاجات والبوارق والأملاح. بها عين عجيبة، من شرب منها قذف أخلاطا كثيرة، لكنه يضرّ بأعصاب الرأس، وإن احتقن بمائها أسهل إسهالا عظيما. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 41) .

أصبحت جائعا فأتني [1] بأرغفة ولحم بارد [مطبوخ بالخلّ] [2] ففعلت، ثم دخل البهو فنام، ثم نمنا نحن [في الدّار] [3] في الرّواق، فانتبهنا لبكائه، فبادرنا إليه مسرعين، فقال: أما رأيتم [4] ما رأيت؟ قلنا: ما رأينا شيئا. قال: وقف على [الباب] [5] رجل لو أنه في ألف رجل ما خفي عليّ صوته ولا صورته فقال: كأنّي بهذا القصر قد باد آهله ... وأوحش منه ربعه ومنازله وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله فلم يبق إلّا ذكره وحديثه ... تنادي عليه معولات حلائله قال عليّ: فما أتت على المهديّ بعد رؤياه هذه إلّا عشرة أيام حتّى توفي رحمه الله [6] . وفيها لما مات المهديّ، أرسلوا بالخاتم، والقضيب، إلى الهاديّ، فأسرع إلى البريد ودخل بغداد وبالغ [7] في طلب الزنادقة، وقتل منهم عدّة. وفيها خرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن الحسن بن علي [8] بن أبي طالب الحسنيّ [9] بالمدينة وبايعه [10] عدد كثير، وحارب العسكر

_ [1] في «تاريخ الطبري» : «فأتي» . [2] زيادة من «تاريخ الطبري» . [3] زيادة من «تاريخ الطبري» . [4] في الأصل، والمطبوع: «ما رأيتم» وأثبت ما في «تاريخ الطبري» . [5] زيادة من «تاريخ الطبري» . [6] القصة في «تاريخ الطبري» (8/ 171) بسياق مقارب. [7] في «العبر» (1/ 55) : «وبلغ» وهو تحريف فيصحّح فيه. [8] في المطبوع: «الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي» . وانظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (445) . [9] في «العبر» (1/ 256) : «الحسيني» . [10] في «العبر» : «وتابعه» .

الذي [1] بالمدينة، وقتل مقدّمهم خالد البربري [2] ثم تأهّب وخرج في جمع إلى مكّة، فالتفّ عليه خلق كثير، فأقبل ركب العراق معهم جماعة من أمراء بني العبّاس في عدّة وخيل، فالتقوا بفخّ [3] فقتل الحسين في مائة من أصحابه. وقتل الحسن بن محمّد بن عبد الله بن حسن الذي خرج أبوه زمان المنصور. وهرب إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب، فقام معه أهل طنجة، وهو جدّ الشرفاء الإدريسيّين. ثم تحيّل الرّشيد وبعث من سمّ إدريس، فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس، وتملّك مدّة. وفيها توفي أبو السّليل عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفيّ، وله عن أبيه نسخة، وكان عريف قومه بني سدوس. قال في «المغني» [4] : عبيد الله بن إياد بن لقيط، ثقة. قيل: إن بعض روايته صحيحة [5] . قاله ابن قانع. وفيها- كما قال ابن ناصر الدّين- نافع بن عمر الجمحيّ القرشيّ المكيّ. كان محدّث مكّة، حافظا، ثبتا. قال عبد الرّحمن بن مهدي: كان من أثبت النّاس. قال في «المغني» [6] : نافع بن عمر الجمحيّ، حجّة.

_ [1] في «العبر» : «العساكر التي» . [2] في الأصل، والمطبوع: «البربذي» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» للذهبي مصدر المؤلف، وانظر «تاريخ الطبري» (8/ 192- 204) . [3] قال ياقوت: فخ واد بمكة. وانظر تتمة كلامه في «معجم البلدان» (4/ 237- 238) . [4] «المغني في الضعفاء» (2/ 414) . [5] تحرّفت لفظة «صحيحة» في «المغني» إلى «صحيفة» فتصحّح فيه. [6] (2/ 693) .

قال أحمد: ثقة ثبت. وقال ابن سعد: ثقة فيه شيء. انتهى [1] . ومحمد بن مطرّف المدنيّ، ثقة عمدة. ومعاوية بن سلّام بن أبي سلّام- ممطور الحبشيّ الشّاميّ الدّمشقيّ- كان ثقة متقنا. وجرير بن حازم الأزديّ البصريّ، أحد فصحاء البصرة ومحدّثيها، عمّر دهرا، واختلط بآخرة، فحجبه ابنه وهب، فلم يرو شيئا في اختلاطه. روى عن الحسن والكبار، وحضر جنازة أبي الطّفيل بمكّة. وقيل: توفي جرير هذا سنة سبعين. جزم به في «العبر» [2] . وفيها أبو سعيد المؤدّب ببغداد، واسمه محمّد [بن مسلم] [3] وهو جزريّ. روى عن عبد الكريم الجزريّ، وحمّاد بن أبي سليمان، [وجماعة] [3] وهو مؤدّب موسى الهادي. وفيها نافع بن أبي نعيم [4] أبو عبد الرّحمن، وقيل: أبو رويم اللّيثيّ، مولاهم، قارئ أهل المدينة، وأحد السّبعة. قال موسى بن طارق: سمعته يقول: قرأت على سبعين من التابعين. وقال اللّيث: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وإمام النّاس في القراءة

_ [1] قلت: وقال الذهبيّ في «العبر» (1/ 257) : وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أثبت الناس. [2] (1/ 258) . [3] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 256) وهو مصدر المؤلف في كلامه. [4] في «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 107) طبع مؤسسة الرسالة: «نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ... وقيل: يكني أبا الحسن، وقيل: أبا عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، وقيل أبو نعيم، وأشهرها أبو رويم.

نافع بن أبي نعيم. وقال مالك: نافع إمام النّاس في القراءة. قال في «المغني» [1] : وثّقه ابن معين [2] وقال أحمد: كانت تؤخذ عنه القراءة [3] وليس بشيء في الحديث. انتهى. وكان إذا قرأ يشمّ من فيه ريح المسك، ولذا قال في «الشاطبية» : فأما الكريم السرّ في الطيب نافع وفيها ثابت بن يزيد الأحول البصريّ، له عن هلال بن خبّاب [4] وجماعة، وكان من ثقات الشيوخ.

_ [1] (2/ 693) . [2] في «المغني» المطبوع: «وثّقه أحمد» . [3] في «المغني» : «كان يؤخذ عنه القرآن» . [4] في «العبر» للذهبي (1/ 257) : «ابن حباب» وهو تصحيف فيصحح فيه.

سنة سبعين ومائة

سنة سبعين ومائة في أحد ربيعيها [1] توفي الخليفة أبو محمّد موسى الهادي بن المهديّ، وكان طويلا، أبيض، جسيما، مات من قرحة أصابته، وقيل: قتلته أمّه الخيزران لمّا همّ بقتل أخيه الرّشيد، فعمدت لما وعك إلى أن غمّته [2] وعاش بضعا وعشرين سنة، فالله يسامحه، فلقد كان جبّارا ظالم النفس. قاله في «العبر» [3] . وقال في «مروج الذّهب» [4] : كان موسى قاسي القلب، شرس الأخلاق، صعب المرام، كثير الأدب، محبّا له، وكان شديدا، شجاعا بطلان، جوادا، سمحا [5] . حدّث يوسف بن إبراهيم، الكاتب صاحب إبراهيم بن المهدي، عن إبراهيم، أنه كان واقفا بين يديه وهو على حمار له ببستانه المعروف [6] ببغداد، إذ قيل له: قد ظفر برجل من الخوارج، فأمر بإدخاله

_ [1] في الأصل: «في أحد ربيعها» ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [2] أي غطّته. انظر «مختار الصحاح» ص (482) . [3] (1/ 258) . [4] (3/ 335- 346) والمؤلف ينقل عنه بتصرف. [5] في «مروج الذهب» : «سخيا» . [6] في الأصل، والمطبوع: «المعروفة» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

إليه، فلما قرّب الخارجيّ إليه، أخذ الخارجيّ السيف من بعض الحرس، وأقبل يريد موسى، فتنحّت وكلّ من كان معي، وإنه [1] لواقف على حماره ما يتحلحل، فلما أن قرب منه [الخارجيّ] [2] صاح موسى: اضربا عنقه، وليس وراءه أحد منّا، فأوهمه، فالتفت الخارجيّ [لينظر] [3] وجمع موسى نفسه ثم طفر عليه [4] فصرعه، وأخذ السيف من يده فضرب به عنقه. قال [5] . فكان خوفنا منه أكثر من الخارجي، فو الله ما أنكر علينا تنحّينا، ولا عذلنا [على ذلك] [6] ولم يركب حمارا بعد ذلك اليوم، ولا فارقه سيف [7] . انتهى. وحدّث عبد الله بن الضّحّاك عن الهيثم بن عدي، قال: وهب المهديّ لموسى الهادي سيف عمرو بن معدي كرب الصّمصامة، فدعا به موسى بعد ما ولي الخلافة، فوضعه بين يديه، ودعا بمكتل [8] دنانير، وقال لحاجبه: ائذن للشعراء، فلما دخلوا، أمرهم أن يقولوا في السيف، فبدأهم ابن يامين البصري فقال:

_ [1] يعني موسى الهادي. [2] زيادة من «مروج الذهب» . [3] زيادة من «مروج الذهب» . [4] في «مروج الذهب» : «ظهر عليه» . قال ابن منظور: الطّفر: وثبه في ارتفاع، كما يطفر الإنسان حائطا، أي يثبه ... وقد طفر يطفر طفرا: وثب في ارتفاع. «لسان العرب» (طفر) . [5] القائل إبراهيم بن المهدي. [6] زيادة من «مروج الذهب» . [7] في «مروج الذهب» : «ولا فارقه سيفه» . [8] قال ابن منظور: المكتل والمكتلة: الزّبيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب إلى الجرين، وقيل: المكتل شبه الزّبيل يسع خمسة عشر صاعا. «لسان العرب» (كتل) .

حاز صمصامة الزّبيديّ عمرو ... من جميع الأنام موسى الأمين سيف عمرو وكان فيما سمعنا ... خير ما أغمدت عليه الجفون أوقدت فوقه الصّواعق نارا ... ثمّ شابت به الذّعاف المنون وإذا ما شهرته تبهر الشّم ... - س ضياء فلم تكد تستبين وكأنّ الفرند [1] والجوهر الجا ... ري في صفحتيه ماء معين ما يبالي إذا الضّريبة حانت ... أشمال سطت به أم يمين [2] فقال [له] الهادي: لك السيف والمكتل، فخذهما، ففرّق المكتل على الشعراء، وقال: دخلتم معي وحرمتم من أجلي، وفي السيف عوض، ثم بعث إليه الهادي، فاشترى منه السيف بخمسين ألفا. انتهى. وكان عيسى بن دأب من أهل الحجاز، وكان أكثر أهل عصره أدبا، وعلما، ومعرفة بأخبار النّاس وأيامهم، وكان الهادي كلفا به، يقول له: يا عيسى ما استطلت [3] بك يوما ولا ليلة ولا غبت عنّي إلّا ظننت أني لا أرى غيرك [4] . وذكر [5] عيسى هذا أنه رفع إلى الهادي، أن رجلا من أرض المنصورة [6]

_ [1] الفرند: السيف. انظر «مختار الصحاح» ص (501) . [2] الأبيات في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 345- 346) ، و «زهر الآداب» للقيروني (2/ 781) ، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان (6/ 109) . [3] في الأصل، والمطبوع: «ما استطاعت» ، والتصحيح من «مروج الذهب» . [4] في الأصل، والمطبوع: «غيرى» والتصحيح من «مروج الذهب» . [5] في الأصل، والمطبوع: «فذكر» وما أثبته من «مروج الذهب» . [6] في الأصل: «المنصور» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 211) : المنصورة: مفعولة من النصر في عدة مواضع، فيها المنصورة بأرض السند وهي قصبتها، مدينة كبيرة كثيرة الخيرات ذات جامع كبير. وانظر تتمة كلامه هناك.

من بلاد السّند من أشرافهم وأهل الرياسة منهم من آل المهلّب بن أبي صفرة ربى غلاما سنديا، أو هنديا، أن الغلام هوي مولاته، فراودها عن نفسها، فأجابته، فدخل السيد فأصابه معها، فجبّ ذكر الغلام وخصاه، ثم عالجه إلى أن برأ فأقام مدّة، وكان لمولاه ابنان أحدهما طفل والآخر يافع، فغاب الرجل عن منزله، وعاود وقد أخذ السّنديّ الصبيين وصعد بهما إلى أعالي سور الدّار، إذ دخل مولاه، فرفع رأسه فإذا هو بابنيه مع الغلام على اسور، فقال: يا فلان عرّضت ابنيّ للهلاك، فقال: دع ذا عنك، والله إن لم تجبّ نفسك بحضرتي لأرمينّ بهما، فقال له: الله الله في وفي ابنيّ، قال: دع ذا عنك، فو الله ما هي إلا نفسي، وإني لأسمح بها من شربة ماء، وأهوى ليرمي بهما، فأسرع مولاه فأخذ مدية وجبّ نفسه، فلما رأى الغلام أنه قد فعل، رمى بالصبيين فتقطّعا، وقال: ذلك الذي فعلت، فعلت بفعلك بي، وقتلي هذين زيادة، فأمر الهادي بالكتاب إلى صاحب السّند بقتل الغلام، وتعذيبه بأفظع ما يكون من العذاب، وأمر بإخراج كل سنديّ في مملكته، فرخص السّنديّ في أيامه حتّى كانوا يتداولون بالثمن اليسير. وقال ابن دأب: قال لي الهادي: هلمّ بنا إلى ذكر فضائل البصرة، والكوفة وما زادت به كل واحدة منهما على الأخرى. قال: قلت: ذكر عن عبد الملك بن عمير أنه قال: قدم علينا الأحنف بن قيس الكوفة مع مصعب بن الزّبير، فما رأيت شيخا [قبيحا] [1] إلّا وقد رأيت في وجه الأحنف منه شبها [2] كان صعل الرأس، أعصف [3] الأذن، باخق

_ [1] لفظة «قبيحا» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] في الأصل، والمطبوع: «شيئا» وأثبت ما في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 340) . [3] في المطبوع: «أغصف» وهو تصحيف.

العين، ناتئ الوجه، مائل الشّدّق، متراكب الأسنان، [ضعيف العارضين أحنف الرّجل] [1] ولكنه كان إذا تكلم جلّى عن نفسه، فجعل يفاخرنا ذات يوم بالبصرة، ونفاخره بالكوفة، فقلنا: الكوفة أغذى، وأمرأ، وأفسح، وأثيب، فقال له رجل: والله ما أشبه الكوفة إلا بشبابة صبيحة [2] الوجه، كريمة الحسب، لا مال لها، فإذا ذكرت حاجتها كفّ النّاس عنها، وما أشبّه البصرة إلّا بعجوز ذات عوارض موسرة، فإذا ذكرت ذكر يسارها وذكرت عوارضها فكفّ عنها طالبها، فقال الأحنف: أما البصرة فإنّ أسفلها قصب، وأوسطها خشب، وأعلاها رطب، نحن أكثر ساجا، وعاجا، وديباجا، ونحن أكثر قيدا [3] ونقدا، والله ما آتي البصرة إلّا طائعا ولا أخرج منها إلّا كارها. قال: فقام إليه شابّ من بكر بن وائل فقال: يا أبا بحر، بم [4] بلغت في النّاس ما بلغت؟ فو الله ما أنت بأجملهم، ولا بأشرفهم، ولا بأشجعهم، قال: يا ابن أخي، بخلاف ما أنت فيه، قال: وما ذاك؟ قال بتركي ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا [ينبغي أن] [5] يعنيك. انتهى. وحدّث عدة [من الأخباريين] [6] من ذوي المعرفة بأخبار الدولة، أن موسى قال لهارون أخيه: كأني بك تحدّث نفسك بتمام الرّؤيا، وتؤمّل ما أنت منه [7] بعيد، ومن دون ذلك خرط القتاد [8] فقال هارون: يا أمير المؤمنين

_ [1] زيادة من «مروج الذهب» . [2] في الأصل: «بإنسانة صبيحة» ، وفي المطبوع: «بإنسانية قبيحة» ، وأثبت ما في «مروج الذهب» . [3] في «مروج الذهب» : «قندا» . [4] في الأصل، والمطبوع: «بما» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [5] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» . [6] زيادة من «مروج الذهب» . [7] في «مروج الذهب» : «ما أنت عنه» . [8] في «مروج الذهب» : «خرط القناد» وهو تصحيف. وانظر «لسان العرب» (قتد) .

من تكبّر وضع، ومن تواضع رفع، ومن ظلم خذل، وإن وصل الأمر إليّ وصلت من قطعت، وبررت من حرمت، وصيّرت أولادك أعلى من أولادي، وزوّجتهم بناتي، وقضيت بذلك حقّ الإمام المهديّ، فانجلى عن موسى الغضب، وبان السّرور في وجهه، وقال: ذلك الظن بك يا أبا جعفر، أدن منّي، فقام هارون فقبّل يده، ثم ذهب ليعود إلى مجلسه، فقال له موسى: والشيخ الجليل، والملك النبيل، لا جلست إلّا معي في صدر المجلس، ثم قال يا خزائني! احمل إليه [1] الساعة ألف ألف دينار، فإذا فتح الخراج فاحمل إليه نصفه [2] فلما أراد هارون الرّشيد الانصراف، قدّمت دابته إلى البساط. قال عمرو الرّوميّ: فسألت الرّشيد عن الرؤيا، فقال: قال المهديّ: رأيت في منامي كأني دفعت إلى موسى قضيبا، وإلى هارون قضيبا، فأما قضيب موسى فأورق أعلاه قليلا، وأما قضيب هارون فأورق من أوله إلى آخره، فقصّ الرؤيا على الحكيم [3] ابن إسحاق الصّيمريّ [4] فكان يعبرها، فقال له: يملكان جميعا، فأما موسى فتقلّ أيامه، وأما هارون فيبلغ آخر ما عاش خليفة، وتكون أيامه أحسن الأيام، ودهره أحسن الدهور. وقال عمرو الرّوميّ: فلما أفضت الخلافة إلى هارون زوّج ابنته حمدونة من جعفر بن موسى، وفاطمة من إسماعيل بن موسى، ووفى له بكل ما وعده. وفيها بويع الرّشيد، ومن الاتفاق العجيب أنّ الرّشيد سلّم عليه بالخلافة

_ [1] في «مروج الذهب» : «يا خزّاني! احمل إلى أخي» . [2] في الأصل والمطبوع: «نصفها» وأثبت ما في «مروج الذهب» . [3] في الأصل، والمطبوع: «الحكم» والتصحيح من «مروج الذهب» . [4] لم أقف على ذكر له فيما بين يدي من كتب الرجال.

عمّه سليمان بن المنصور، وعمّ أبيه المهدي- وهو العبّاس بن محمد- وعمّ جدّه المنصور- وهو عبد الصمد بن علي- ذكره ابن الجوزي في «الشذور» . وفيها توفي الرّبيع بن يونس أبو الفضل حاجب المنصور، والمهدي، وله مع المنصور أمور، منها أن المنصور قال له يوما: سلني حاجتك، قال: أن تحبّ ابني. قال: [ويحك!] [1] إن المحبة تقع بأسباب، وقال: قد أمكنك الله من إيقاع [2] سببها، قال: كيف؟ قال: تفضل عليه فيحبك. قال: والله قد أحببته [وقد حبّبته إليّ] [3] قبل إيقاع السبب، ولكن كيف اخترت له المحبّة دون كل شيء؟ قال: لتكون ذنوبه عندك كذنوب الصبيان، وشفاعته كشفاعة العريان، وأشار إلى قول الفرزدق [4] : ليس الشّفيع الّذي يأتيك متّزرا ... مثل الشّفيع الّذي يأتيك عريانا [5] وقال له [المنصور] يوما: [ويحك] [6] يا ربيع! ما أطيب الحياة [7] لولا الموت، فقال ما طيّبها إلّا الموت [8] ، يعني بموت من قبلك وصلت إليك الخلافة.

_ [1] زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 294) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 374) . [2] في الأصل، والمطبوع: «من أنواع» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، و «مرآة الجنان» . [3] زيادة من «مرآة الجنان» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وأشار إلى قول الورد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، و «مرآة الجنان» . [5] البيت في «ديوانه» (2/ 873) بعناية الصاوي، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 294) و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 374) وقد ساق كلاهما قصة البيت فليرجع إليهما من شاء وفي «ديوانه» : «مؤتزرا» بدل «متزرا» . [6] زيادة من «وفيات الأعيان» (2/ 295) ، و «مرآة الجنان» (1/ 375) . [7] في «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» : «ما أطيب الدّنيا» . [8] في «وفيات الأعيان» ، و «مرآة الجنان» : «ما طابت إلا بالموت» .

وفيها يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب بن أبي صفرة الأزديّ، وكان أرسله المنصور لحرب الخوارج، واستمر واليا على إفريقية خمس عشرة سنة، وكان من الممدّحين الأجواد. وكذلك أخوه روح بن حاتم، وكان روح متواليا على السّند، وتولى لخمسة من الخلفاء: السّفّاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، والرّشيد، ولم يتفق مثل هذا إلّا لأبي موسى الأشعري، عمل للنّبيّ- صلى الله عليه وسلّم- والخلفاء الأربعة بعده. وكان يتعجب النّاس من بعد ما بين ابني حاتم يزيد، وروح، فاتفق أنّ الرّشيد عزل روحا عن السّند، فلحق بأخيه بإفريقية فدفنا في قبر واحد بإفريقية. وفي يزيد بن حاتم يقول الشاعر: وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري وإذا تخيّل من سحابك لامع ... صدقت مخيلته لدى المستمطر وإذا الفوارس عدّدت أبطالها ... عدوّك في أبطالهم بالخنصر ووفد عليه أشعب صاحب النوادر في الطمع، فمدحه ببيتين، فأجزل عطيته. وفيها مات إمام اللغة، والعروض، والنحو، الخليل بن أحمد الفراهيديّ الأزديّ [1] وقيل: سنة خمس وسبعين ومائة، وهو الذي استنبط علم العروض، وحصر أقسامه في خمس دوائر، واستخرج منها خمسة عشر بحرا، وزاد فيها الأخفش بحرا سمّاه الخبب. قيل: إن الخليل دعا بمكّة أن يرزقه الله علما لم يسبق إليه، وهو في

_ [1] انظر الخبر بطوله في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 377- 381) .

اختراعه بديهة كاختراع أرسطاطاليس [1] علم المنطق، ومن تأسيس بناء «كتاب العين» الذي يحصر لغة أمة من الأمم، وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد فقال: صف خلق خود كمثل الشّمس إذ بزغت ... يحظى الضّجيع بها نجلاء معطار وقال تلميذه النّضر بن شميل: جاءه رجل من أصحاب يونس يسأله عن مسألة، فأطرق الخليل يفكّر، وأطال حتّى انصرف الرّجل فعاتبناه، فقال: ما كنتم قائلين فيها؟ قلنا: كذا وكذا. قال: فإن قال: كذا وكذا. قلنا: نقول: كذا وكذا. فلم يزل يغوص حتّى انقطعنا وجلسنا نفكّر، فقال: إن المجيب يفكّر قبل الجواب، وقبيح أن يفكّر بعده. وقال: ما أجيب بجواب حتّى أعرف ما عليّ فيه من الاعتراضات والمؤاخذات. وكان مع ذلك صالحا قانعا. قال النضر: أقام في خصّ [2] بالبصرة لا يقدر على فلس، وعلمه قد انتشر، وكسب به أصحابه الأموال. قال: وسمعته يقول: إني لأغلق عليّ بابي مما يجاوزه همّي. وقيل للخليل- وقد اجتمع مع ابن المقفّع-: كيف رأيته؟ فقال: علمه أكثر من عقله. وقيل لابن المقفّع: كيف رأيت الخليل؟ قال: عقله أكثر من علمه.

_ [1] كذا في الأصل، والمطبوع، و «مرآة الجنان» : «أرسطاطاليس» ، وفي «الفهرست» لابن النديم ص (307) طبعة طهران: «أرسطاليس» ، وفي «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» ص (21) : «أرسطوطاليس» ، وفي «المنجد في الأعلام» ص (34) : «أرسطو، أو أرسطاطاليس» ، وفيه أنه مات سنة (322) ق. م. ومن أراد المزيد من المعلومات عنه فليرجع إلى المراجع التي ذكرتها. [2] في الأصل: «حصن» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. والخص: البيت من القصب. انظر «مختار الصحاح» ص (177) .

وقرأ عليه رجل في العروض فلم يفهم، فقال له الخليل: قطّع هذا البيت: إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع قال الخليل: فشرع الرجل في تقطيعه على مبلغ علمه، ثم قام فلم يرجع إليّ، فعجبت من فطنته لما قصدته في [هذا] [1] البيت مع بعد فهمه. ويقال: إن أباه أول من سمّي أحمد بعد النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وكان شاعرا مفلقا مطبوعا، ومن شعره: وما هي إلّا ليلة ثمّ يومها [2] ... وحول إلى حول وشهر إلى شهر مطايا يقرّبن الجديد إلى البلى ... ويدنين أشلاء الكرام إلى القبر ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما يحوي الشّحيح من الوفر وكان من الزّهد في طبقة لا تدرك، حتّى قيل: إن بعض الملوك طلبه ليؤدّب له أولاده، فأتاه الرّسول وبين يديه كسر يابسة يأكلها، فقال له: قل لمرسلك ما دام يلقى مثل هذه لا حاجة به إليك، ولم يأت الملك. وسأله الأخفش: لم سمّيت بحر الطويل طويلا؟ قال: لأنه تمّت أجزاؤه. والبسيط؟ لأنه انبسط على حدّ الطويل. والمديد؟ لتمدّد سباعيه حول خماسيه. والكامل؟ لكمال أجزائه السباعية ليس فيه غيرها. والوافر؟ لوفور أجزائه، لأن فيه ثلاثين حركة لا تجتمع في غيره. والرجز؟ لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء. والرمل؟ لأنه يشبه رمل الحصير يضمّ بعضه إلى بعض. والهزج؟ لأنه يتصرف شبه هزج الصوت. والسريع؟ لسرعته على اللسان. والمنسرح؟ لانسراحه وسهولته. والخفيف؟ لأنه أخفّ السباعيات. والمقتضب؟ لأنه القتضب

_ [1] زيادة من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 380) . [2] في «مرآة الجنان» : «بعد نومها» .

من الشعر لقلّته. والمضارع؟ لأنه ضارع المقتضب. والمجتثّ؟ لأنه اجتثّ- أي قطع- من طول دائرته. والمتقارب؟ لتقارب أجزائه، وأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا. انتهى. قيل: لما دخل الخليل البصرة لمناظرة أبي عمرو بن العلاء، جلس إليه ولم يتكلم بشيء، فسئل عن ذلك، فقال: هو رئيس منذ خمسين سنة، فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد. وقال الواحديّ في «تفسيره» : الإجماع منعقد على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل. قاله ابن الأهدل. وقال في «العبر» [1] : الخليل بن أحمد الأزديّ البصريّ أبو عبد الرّحمن صاحب العربية والعروض، روى عن أيوب السّختيانيّ وطائفة، وكان إماما كبير القدر، خيّرا متواضعا، فيه زهد وتعفّف [2] ، صنّف «كتاب العين» في اللغة. انتهى. وفيها مجنون ليلى قيس بن الملوّح بن مزاحم، اشتهر بعشق ليلي في الدّنيا، وهو أحد بني كعب بن عامر بن صعصعة، وقد أنكر قوم وجوده قائلين: هو كالعنقاء، وهذا غلط، فإنّ اشتهار عشقه لليلى أشهر من أن يخفى، وأثبته علماء السّير، وأما ليلى فإنها بنت مهدي، وقيل: بنت ورد من بني ربيعة، كانت من أجمل النساء شكلا وأدبا. وابتداء أمرهما أنهما كانا صغيرين يرعيان أغنما لقومهما، فعلق كل منهما بصاحبه، ولم يزالا على ذلك حتّى كبرا واشتهر أمرهما، فحجبت ليلى عنه، فزال عقله، وقال: تعلّقت ليلى وهي ذات ذؤابة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم

_ [1] «العبر في خبر من عبر» (1/ 268) . [2] في المطبوع: «وتعطف» وهو خطأ.

صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم [1] ثم كان يأتي الحيّ على غفلة من أهله، فلما كثر ذلك، خرج أبو ليلى ومعه نفر من قومه إلى مروان بن الحكم فشكوا إليه ما أصابهم من قيس بن الملوّح، وسألوه الكتاب إلى عامله يمنعه من كلام ليلى، وإن وجده أهلى ليلى عندها يكون دمه هدرا، فلما بلغ قيسا ذلك قال: ألا حجبت ليلى وآلى أميرها ... عليّ يمينا جاهدا لا أزورها وواعدني [2] فيها رجال أبوهم ... أبي وأبوها خشّنت [3] لي صدورها على غير شيء [4] غير أنّي أحبّها ... وأنّ فؤادي عند ليلى أسيرها [5] فلما يئس منها، ذهب عقله بالكلية، ولعب بالتراب والحصى، وضنيت ليلى أيضا من فراقه، ثم تزوجت ليلى، فصار المجنون يدور في الفلوات عريانا ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، ثم وجد بعد حين ملقى بين الأحجار ميتا، فاحتملوه إلى الحيّ، وغسلوه، ودفنوه، وبكوا عليه، وكان أبو ليلى أشدّ القوم جزعا وبكاء، وقال: ما علمت أن الأمر يبلغ إلى هذا، ولكني كنت امرأة عربيا أخاف العار، ولو علمت أن الأمر يفضي إلى هذا ما أخرجتها عن يده، ويقال: إنها أيضا ضنيت عليه وماتت أسفا، ودفنت قريبا منه، وأمرهما أشهر من أن يذكر، والله أعلم. وفيها توفي عبد الله بن جعفر المخرميّ [6] المدنيّ. روى عن عمّة أبيه أمّ بكر بنت المسور بن مخرمة، وجماعة من التابعين، وخرّج له مسلم،

_ [1] البيتان في «الأغاني» (2/ 11) . [2] في «الأغاني» : «وأوعدني» . [3] في الأصل، والمطبوع: «وأبوهم حشيت» وأثبت ما في «الأغاني» . [4] في «الأغاني» : «على غير جرم» . [5] في «الأغاني» : «وأن فؤادي رهنها وأسيرها» ، والأبيات فيه (2/ 68) . [6] في «العبر» للذهبي (1/ 258) : «المخزومي» وهو خطأ فيصحّح فيه.

والأربعة، وكان قصيرا ذميما. قال الواقديّ: كان عالما بالمغازي، والفتوى. وقال الذّهبيّ في «المغني» [1] : عبد الله بن جعفر المخروميّ المدنيّ، ثقة، وهاه ابن حبّان فقط. انتهى. وفيها محمّد بن مهاجر الحمصيّ. روى عن نافع وطبقته، وآخر من حدّث عنه أبو توبة [2] الحلبيّ. وأبو معشر السّنديّ- واسمه نجيح بن عبد الرّحمن المدنيّ- صاحب المغازي، والأخبار. مشهور عن أصحاب أبي هريرة، ليس بالعمدة. قال ابن معين: كان أميّا يتّقى من حديثه المسند. وقال صاحب «العبر» [3] : روى عن محمد بن كعب القرظيّ والكبار، واستصحبه المهديّ معه لما حجّ إلى بغداد. وقال: يكون بحضرتنا ويفقّه من حولنا، ووصله [4] بألف دينار، وكان أبيض، أزرق، سمينا. وقيل له: السّنديّ من قبيل اللقب بالضد. انتهى. وفيها الوزير أبو عبد الله معاوية بن عبيد الله بن يسار الأشعريّ، مولاهم، كاتب المهدي ووزيره. وكان من خيار الوزراء، صاحب علم، وفضل، ورواية [5] وعبادة [6] وصدقات. روى عن منصور بن المعتمر.

_ [1] (1/ 334) . [2] في الأصل، والمطبوع: «أبو ثوبة» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 258) . قلت: وأبو توبة هو الربيع بن نافع الحلبي. انظر «تهذيب التهذيب» (3/ 251) ، و «تقريب التهذيب» (1/ 246) . [3] (1/ 258) . [4] في المطبوع، و «العبر» : «وصله» . [5] قوله: «وفضل ورواية» لم يرد في «العبر» للذهبي. [6] لفظة «وعبادة» تحرّفت في «العبر» إلى «وعبارة» فتصحّح فيه.

وفيها، أو في حدودها، محمّد بن جعفر بن أبي كثير المدنيّ مولى الأنصار [1] . أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته. وكان ثقة كثير العلم. وأسباط بن نصر الهمدانيّ [2] الكوفيّ المفسّر، صاحب إسماعيل السّدّيّ، والله أعلم. قال في «المغني» [3] : وثّقه ابن معين، وضعفه أبو نعيم. [و] قال النّسائيّ: ليس بالقويّ، توقف فيه أحمد. انتهى. وقد خرّج له البخاريّ في «التاريخ» ومسلم، والأربعة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «مولى الأنصاري» وأثبت ما في «العبر» للذهبي. [2] في الأصل، والمطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [3] (1/ 66) .

سنة إحدى وسبعين ومائة

سنة إحدى وسبعين ومائة فيها أمر الرّشيد بإخراج الطالبيّين إلى مدينة الرّسول- صلى الله عليه وسلّم- وخرجت الخيزران إلى مكّة في رمضان فأقامت بها إلى وقت الحج، وحجّت. قاله ابن الجوزي في «الشذور» . وفيها، على الأصحّ، توفي حبّان بن علي العنزي، أخو مندل، وكان من فقهاء الكوفة وهو ضعيف. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. وأبو المنذر سلّام بن سلّام بن سليمان [1] المزنيّ البصريّ ثم الكوفيّ النحويّ المقرئ، أخذ عن عاصم بن أبي النّجود، وأبي عمرو، وحدّث عن ثابت البنانيّ وغيره، وهو شيخ يعقوب الحضرمي. وفيها أبو عبد الرّحمن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمريّ المدنيّ أخو عبيد الله بن عمر. روى عن نافع وجماعة، وكان محدّثا صالحا. قال أحمد: لا بأس به. قال ابن الأهدل: كان آية في العلم، غاية في العبادة، واجه الرّشيد بالإنكار والموعظة الغليظة في المسعى، فقال: يا هارون، قال: لبّيك يا عمّ.

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» : «سلام بن سليم» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (6/ 390) ، و «تقريب التهذيب» ص (261) .

قال: انظر، هل تحصيهم؟ يعني الحجيج- قال: ومن يحصيهم؟ قال: اعلم أن كلّا منهم يسأل عن نفسه، وأنت تسأل عن كلّهم. ثم قال: والله إن الرّجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر، فكيف من يسرف في أموال المسلمين. انتهى. وفيها أبو شهاب [1] الحنّاط عبد ربّه بن نافع الكوفيّ. روى عن عاصم الأحول وطبقته، وتوفي كهلا، وقيل: توفي في التي بعدها. قال في «المغني» [2] : صدوق، وليس بذاك الحافظ. انتهى. وخرّج له الشيخان. وفيها، أو نحوها، مات الأمير يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب بن أبي صفرة المهلّبيّ البصريّ، أحد الشجعان المذكورين، ولي إمرة المغرب [3] مدة طويلة، وولي إمرة مصر قبل ذلك سبع سنين. وعبد الرّحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل المدنيّ. رأى سهل بن سعد، وروى عن عكرمة، والكبار، وكان كثير الحديث، ثقة جليلا.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أبو الشهاب» وما أثبته من «العبر» و «المغني» للذهبي، و «تقريب التهذيب» ص (648) . [2] (1/ 370) . [3] في المطبوع: «الغرب» وهو خطأ.

سنة اثنتين وسبعين ومائة

سنة اثنتين وسبعين ومائة فيها توفّيت الخيزران [1] زوجة المهديّ، وأمّ الهادي، والرّشيد، ولم تلد امرأة خليفتين غير ثلاثة: ولّادة بنت العبّاس العبسيّة، تزوجها عبد الملك بن مروان، فولدت له الوليد، وسليمان، فوليا الخلافة. والثانية: شافهر بنت فيروز بن يزدجرد، تزوجها الوليد بن عبد الملك فولدت له يزيد، وإبراهيم، فوليا الخلافة. والثالثة: الخيزران، اشتراها المهدي ثم أعتقها فولدت له الهادي، والرّشيد، ووليا الخلافة. ويلحق بهؤلاء خاتون جارية ملكشاه، فإنها ولدت محمدا، وسنجرا، وكلاهما ولي السلطنة، وكان كبير القدر، قاله في «الشذور» . ولما ماتت الخيزران خرج خلف جنازتها ولدها الرشيد وعليه جبة وطيلسان أزرق، قد شدّ به وسطه، وهو آخذ بقائمة السرير حافيا يمشي في الطين، حتّى أتى مقابر قريش، فغسل رجليه، وصلى عليها، ونزل قبرها.

_ [1] انظر ترجمتها ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 328) ، و «أعلام النساء» لكحالة (1/ 395- 401) .

وفيها توفي الإمام أبو محمّد سليمان بن بلال المدنيّ مولى [آل] [1] أبي بكر الصّدّيق. روى عن عبد الله بن دينار وطبقته. قال ابن سعد: كان بربريّا، حسن الهيئة، عاقلا، [و] كان يفتي بالمدينة [2] ، وولي خراج المدينة. وكان من الثقات الأثبات. وفيها أمير دمشق الفضل بن صالح بن عليّ العبّاسي ابن عمّ المنصور، وهو الذي أنشأ القبّة الغربية التي بجامع دمشق وتعرف بقبة المال. وفي جمادى الأولى مات صاحب الأندلس الأمير أبو المطرّف عبد الرّحمن بن معاوية بن الخليفة هشام بن عبد الملك الأمويّ الدمشقيّ المعروف بالداخل، فرّ إلى المغرب عند زوال دولتهم، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف الفهري متولّي الأندلس وهزمه، وملك قرطبة في يوم الأضحى سنة ثمان وثلاثين ومائة، وامتدت أيامه، وكان عالما حسن السيرة، عاش اثنتين وستين سنة. وولي بعده ابنه هشام، وبقيت الأندلس لعقبه إلى حدود الأربعمائة. وفيها، أوفي في سنة ست وسبعين، صالح المرّي الزّاهد، واعظ البصرة. روى عن الحسن وجماعة، وحديثه ضعيف. قال عفّان: كان شديد الخوف من الله، إذا قصّ كأنّه ثكلى. وخرّج له الترمذي. قال في «المغني» [3] : صالح بن بشير [3] المرّي الزّاهد، عن الحسن، تركه أبو داود، والنّسائي، وضعفه غيرهما. انتهى.

_ [1] لفظة «آل» زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 261) مصدر المؤلف. وانظر «طبقات ابن سعد» (5/ 420) ، و «سير أعلام النبلاء» (7/ 425- 427) . [2] في «طبقات ابن سعد» : «كان يفتي بالبلد» ، والواو التي بين حاصرتين زيادة منه. [3] (1/ 302) ، وفي الأصل، والمطبوع: «صالح بن بشر» وهو خطأ، وما أثبته من «المغني» .

ومهدي بن ميمون المعولي مولاهم البصريّ، الناقد، الثقة. روى عن أبي رجاء العطاردي، وابن سيرين، والكبار. والوليد بن أبي ثور- وهو ابن عبد الله- الهمدانيّ الكوفيّ. [روى] [1] عن زياد بن علاقة وجماعة، وهو ضعيف. وفي حدودها معاوية بن سلّام بن بأي سلّام [2] ، ممطور الأسود الحبشيّ، ثم الشّاميّ. روى عن أبيه، والزّهري، وجماعة. قال يحيى بن معين: أعدّه محدّث أهل الشّام، والله أعلم.

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 262) . [2] في الأصل، والمطبوع: «معاوية بن سلام بن الأسود بن سلام» وهو خطأ، والتصحيح من «الجرح والتعديل» (8/ 383) ، و «تهذيب الكمال» (3/ 1344) مصورة دار المأمون للتراث. وعلى هذا فيكون معطور الأسود الحبشي أبو سلام، جد معاوية.

سنة ثلاث وسبعين ومائة

سنة ثلاث وسبعين ومائة فيها، وقيل: سنة أربع، توفي إسماعيل بن زكريا الخلقانيّ الكوفيّ ببغداد. روى عن العلاء بن عبد الرّحمن وطبقته، وعاش خمسا وستين سنة. قال في «المغني» [1] : صدوق، شيعيّ. قال الميمونيّ: قلت لأحمد بن حنبل: كيف هو؟ قال: أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث، ولكنه ليس ينشرح الصدر له. قال الميمونيّ: وسمعت ابن معين يضعفه. وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: حديثه مقارب. وعن ابن معين أيضا: هو ثقة. قال العقيليّ: حدّثنا [محمّد بن أحمد، حدّثنا] إبراهيم بن الجنيد، حدّثنا أحمد بن الوليد بن أبان، حدّثني جدّي حسين بن حسن، حدّثني خالي إبراهيم، سمعت إسماعيل الخلقاني يقول: الذي نادى من جانب الطور عبده [2] عليّ بن أبي طالب.

_ [1] (1/ 81) . [2] في الأصل، والمطبوع: «عنده» وهو تصحيف، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» مصدر المؤلف، وما بين حاصرتين استدركته منه.

قال: وسمعته يقول: هو الأول والآخر، [والظاهر والباطن] [1] : علي بن أبي طالب [2] . قلت: هذا لم يثبت عن الخلقانيّ، وإن صحّ عنه فهو زنديق عدوّ الله. انتهى ما قاله الذهبيّ في «المغني» . وفيها أمير البصرة وفارس [3] ، محمّد بن سليمان بن علي ابن عمّ المنصور، وله إحدى وخمسون سنة، وكان الرّشيد يبالغ في تعظيمه وإكرامه، ولما مات احتوى الرّشيد على خزائنه وكانت خمسين ألف ألف درهم [4] . وفي رجب، الإمام الكبير أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفيّ الكوفيّ، نزيل الجزيرة ومحدّثها وحافظها. روى عن سماك بن حرب وطبقته، وكان أحد الحفّاظ الأعلام، حتّى بالغ فيه شعيب بن حرب وقال: كان أحفظ من عشرين [مثل] [5] شعبة. وفيها أبو سعيد سلّام بن أبي مطيع البصريّ. روى عن أبي عمران الجوني، وطائفة. قال أحمد بن حنبل: ثقة صاحب سنّة. وقال ابن حبّان: لا يجوز أن يحتجّ بما انفرد به. وقال ابن عديّ: لا بأس به، وليس بمستقيم الحديث في قتادة خاصة،

_ [1] زيادة من «ميزان الاعتدال» للذهبي (1/ 229) . [2] قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» : هذا السند مظلم، ولم يصح عن الخلقاني هذا الكلام، فإن هذا من كلام زنديق. [3] أي: هو أمير البصرة وأمير فارس. انظر «الأعلام» (6/ 148) . [4] في «تاريخ الطبري» (8/ 237) : «وأصابوا له ستين ألف ألف» وفي «البداية والنهاية» آلاف ألف دينار، ومن الدراهم ستة آلاف ألف» . [5] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 263) .

وله غرائب، ويعدّ من خطباء أهل البصرة [وعقلائهم] [1] . وقال الحاكم: منسوب إلى الغفلة، وإلى سوء الحفظ. انتهى. وقد خرّج له الشيخان وغيرهما. وفيها نوح الجامع، وهو أبو عصمة نوح بن أبي مريم، الفقيه، قاضي مرو، ولقّب بالجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، والحديث عن حجّاج بن أرطاة، والمغازي عن ابن إسحاق، والتفسير عن مقاتل، وهو متروك الحديث. قاله في «العبر» [2] . وعبد الرّحمن بن أبي الموالي المدنيّ مولى آل عليّ رضي الله عنه. روى عن أبي جعفر الباقر وطائفة، وضربه المنصور أربعمائة سوط على أن يدلّه على محمد بن عبد الله بن حسن، فلم يدلّه، وكان من شيعته. قاله في «العبر» [3] . قال في «المغني» [4] : عبد الرّحمن بن أبي الموالي. ثقة مشهور [5] خرج مع ابن حسن. قال أحمد: حديثه في الاستخارة منكر. قلت: خرّجه البخاريّ، وقد قال ابن عدي: رواه غير واحد [من الصحابة] [6] كما رواه ابن أبيّ الموالي. انتهى. وجويرية بن أسماء بن عبيد الضّبعيّ، البصريّ، روى عن نافع، والزّهري، وكان ثقة كثير الحديث.

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 264) . [2] (1/ 264) . [3] (1/ 264) . [4] (2/ 387- 388) . [5] في المطبوع: «مشهور ثقة» وما في الأصل موافق لما في «المغني في الضعفاء» . [6] ما بين حاصرتين زيادة من «المغني في الضعفاء» .

سنة أربع وسبعين ومائة

سنة أربع وسبعين ومائة فيها حجّ الرّشيد، فبدأ بالمدينة فقسم فيها مالا عظيما، ووقع الوباء بمكة فأبطأ في دخولها، ثم دخلها فقضى طوافه وسعيه، ولم ينزل مكّة. قال في «الشذور» . وفيها توفي في جمادى الآخرة الإمام أبو عبد الرّحمن عبد الله بن لهيعة الحضرميّ قاضي مصر الحافظ. روى عن الأعرج وعطاء بن أبي رباح، وخلق كثير. قال أحمد بن صالح المصري: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلابة للعلم. وقال زيد بن الحباب: سمعت سفيان الثوري يقول: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع. وقال أحمد بن حنبل: من كان بمصر مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه، وضبطه، وإتقانه. وقال ابن معين: ليس بذاك القويّ. انتهى. وخرّج له الترمذيّ، وأبو داود، وغيرهما. قال في «المغني» [1] : قال بعض النّاس: ما روى عنه مثل ابن وهب،

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 352) .

وابن المبارك، فهو أجود وأقوى. انتهى. وقال السّيوطيّ في «الحسن المحاضرة» [1] : ابن لهيعة، عبد الله بن عقبة بن لهيعة الحضرميّ المصريّ أبو عبد الرّحمن الفقيه، قاضي مصر ومسندها. عن عطاء، وعمرو بن دينار، والأعرج، وخلق. وعنه الثّوريّ، والأوزاعيّ، وشعبة، وماتوا قبله، وابن المبارك، وخلق. وثّقه أحمد وغيره، وضعّفه يحيى القطّان وغيره. انتهى. وفيها بكر بن مضر المصريّ عن نيّف وسبعين سنة. قال ابن ناصر الدّين: كان إماما حجّة من أفضل أهل زمانه، طويل الحزن، خازنا للسانه. انتهى. روى عن أبي قبيل المعافري وطائفة، وأكثر عنه قتيبة. وكنيته أبو عبد الملك. وفيها عبد الرّحمن بن أبي الزّناد المدنيّ ببغداد، وكان فقيها، مفتيا. قال ابن معين: هو أثبت النّاس في هشام بن عروة. قال في «العبر» [2] : قلت: وروى الكثير عن أبيه وطبقته، وفيه ضعف يسير. انتهى. وفيها يعقوب بن عبد الله الأشعريّ القمّيّ. رحل وحمل عن زيد بن أسلم، وأكثر عن جعفر بن أبي المغيرة القمّي. قال في «المغني» [3] : صالح الحديث، محدّث أهل قمّ، يروي عن

_ [1] (1/ 301) . [2] (1/ 265) . [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 758) .

جعفر بن أبي المغيرة، وليث. قال النّسائيّ: ليس به بأس. وقال الدّارقطنيّ: ليس بالقويّ. انتهى. وفيها الأمير روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب المهلّبيّ، أخو يزيد، أحد القوّاد الكبار، ولي إمرة الكوفة وغيرها.

سنة خمس وسبعين ومائة

سنة خمس وسبعين ومائة فيها عقد الرّشيد للأمين، وهو ابن خمس سنين. وفيها هاجت العصبيّة [والأهواء] [1] بين القيسيّة واليمنية بالشّام، ورأس القيسية [يومئذ] [2] أبو الهيذام المرّي، وقتل بينهما بشر كثير، واتصلت فتنتهما إلى زمننا هذا. وفيها توفي شيخ الدّيار المصرية وعالمها أبو الحارث اللّيث بن سعد الفهميّ، مولاهم، الفقيه، وأصله فارسيّ أصبهاني. قال في «حسن المحاضرة» [3] : اللّيث بن سعد بن عبد الرّحمن الفهميّ أبو الحارث المصريّ، أحد الأعلام ولد بقرقشندة [4] ؟ سنة أربع وستين. وروى عن الزّهري، وعطاء، ونافع، وخلق. وعنه ابن شعيب، وابن المبارك، وآخرون. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، صحيحه. وكان قد اشتغل

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 266) . [2] زيادة من «العبر» للذهبي. [3] (1/ 301) . [4] كذا في الأصل، والمطبوع، و «معجم البلدان» (4/ 327) ، و «سير أعلام النبلاء» (8/ 123) ، و «البداية والنهاية» (10/ 166) : «قرقشندة» ، وفي «حسن المحاضرة» (1/ 301) ، و «وفيات الأعيان» (4/ 129) : «قلقشندة» .

بالفتوى في زمانه بمصر، وكان سريّا [1] من الرّجال، نبيلا سخيّا، له ضيافته. وقال يحيى بن بكير: ما رأيت أحدا أكمل من اللّيث، كان فقيه النفس، عربيّ اللسان، يحسن القراءة [2] والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة. وقال الشّافعيّ: كان اللّيث أفقه من مالك، إلّا أنه ضيّعه أصحابه. قال ابن كثير [3] : وقد حكى بعضهم أنه ولي القضاء بمصر وهو غريب. وقال الذهبيّ في «العبر» [4] : كان نائب مصر وقاضيها من تحت أوامر اللّيث، وإذا رابه من أحد [5] شيء كاتب فيه فيعزل، وقد أراد المنصور أن يلي إمرة مصر فامتنع. مات يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة خمس وسبعين ومائة. انتهى ما قاله السيوطي في «حسن المحاضرة» . وقال ابن الأهدل: أراده المنصور لولاية مصر فأبى، وتولى قضاءها. وروي أن الإمام مالكا أهدى له صينية رطبا، فأعادها مملوءة ذهبا. وكان يتخذ لأصحابه الفالوذج، وكان يدخله في سنته ثمانون ألف دينار وما وجبت عليه زكاة، وكان لا يتغدّى كل يوم حتّى يطعم ثلاثمائة وستين مسكينا. انتهى. ولعله أراد «يصبح على كلّ سلامي من أحدكم صدقة» الحديث [6] .

_ [1] يعني شريفا. انظر «النهاية» لابن الأثير (2/ 363) . [2] كذا في الأصل: «يحسن القراءة» ، وفي المطبوع، و «حسن المحاضرة» : «يحسن القرآن» . [3] «البداية والنهاية» (10/ 166) . [4] «العبر في خبر من عبر» (1/ 267) . [5] كذا في الأصل، والمطبوع، و «حسن المحاضرة» : «وإذا رابه من أحد» ، وفي «العبر» للذهبي: «وإذا رابه من أحدهم» . [6] رواه البخاري رقم (2707) في الصلح: باب فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم، و (2891) في الجهاد: باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر، و (2989) باب من أخذ

وقال في «العبر» [1] : كان أتبع للأثر من مالك. وقال يحيى بن بكير: اللّيث أفقه من مالك، لكن الحظوة لمالك. انتهى. وفيها أبو عبد الله حزم بن أبي حزم القطعيّ أخو سهيل. روى عن الحسن وجماعة. قال أبو حاتم: هو من ثقات من تبقّى [2] من أصحاب الحسن. وفيها داود بن عبد الرّحمن العطّار المكيّ. روى عن عمرو بن دينار وجماعة. قال الشافعيّ: ما رأيت أورع منه.

_ بالرّكاب ونحوه. ومسلم رقم (1009) في الزكاة: باب أن بيان اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، وأحمد في «المسند» (2/ 316) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولفظه عند مسلم «كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس. تعدل بين الإثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة» . وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في «جامع العلوم والحكم» ص (226- 227) : هذا الحديث خرّجاه- يعني البخاري ومسلم- من رواية همّام بن منبّه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وخرّجه البزّار من رواية أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيّ- صلى الله عليه وسلم- قال: للإنسان ثلاثمائة وستون عظما، أو ستة وثلاثون سلامي، عليه في كل يوم صدقة» قالوا: فمن لم يجد؟ قال: «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر» قالوا: فمن لم يستطع؟ قال: «يرفع عظما عن الطريق» قالوا: فمن لم يستطع؟ قال: «فليعن ضعيفا» قالوا: فمن لم يستطع؟ قال: «فليدع الناس من شرّه» . قال: وخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس يرفع الحديث إلى النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- قال: «على كل سلامي أو على كل عضو من بني آدم في كل يوم صدقة، ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى» . [1] «العبر في خبر من عبر» (1/ 267) . [2] في «العبر» : «من بقي» .

وفيها قاضي الكوفة أبو عبد الله القاسم بن معن بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود الهذليّ المسعوديّ. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. قال أحمد: كان ثقة صاحب نحو، وشعر. وقال أبو حاتم: كان أروى النّاس للحديث والشعر، وأعلمهم بالعربية والفقه. وقال ابن ناصر الدّين في شرحه ل «بديعة البيان» له: كان إماما، علّامة، ثقة، قاضي الكوفة، لم يأخذ على القضاء رزقا مدة ولايته، وكان من أروى النّاس للآثار، (وأعلمهم بالفقه والعربية والأشعار. انتهى.

سنة ست وسبعين ومائة

سنة ست وسبعين ومائة فيها افتتح المسلمون مدينة دبسة من أرض الرّوم بعد حرب طويل [1] . وفيها اشتد البلاء والقتل بين القيسية والميمنية بالشّام، واستمرت بينهم إحن وأحقاد، ودماء، يهيجون لأجلها في كل وقت وإلى اليوم. وفيها توفي قاضي بغداد للرشيد أبو عبد الله سعيد بن عبد الرّحمن الجمحيّ [2] المدنيّ. روى عن عبد الرّحمن بن القاسم وطبقته. وكان من أولي العلم والصلاح، وخرّج له مسلم، وأبو داود، والنّسائي، وغيرهم. قال في «المغني» [3] : ثقة ليّنه الفسويّ. انتهى. وفيها، وقيل: في التي تليها، عبد الواحد بن زياد العبديّ مولاهم البصريّ. روى عن كليب بن وائل وطائفة كبيرة [4] . قال في «المغني» [5] : عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وغيره، صدوق يغرب.

_ [1] انظر «تاريخ الطبري» (8/ 320) . [2] في المطبوع: «الججمي» وهو خطأ. [3] «المغني في الضعفاء» (1/ 263) . [4] في الأصل، والمطبوع: «وطائفة كثيرة» وأثبت ما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. [5] (2/ 411) .

قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو داود الطيالسي: عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلها. وليّنه القطّان. انتهى. وفيها أبو عوانة الوضّاح مولى يزيد بن عطاء اليشكريّ [الواسطيّ] [1] البزّاز الحافظ، أحد الأعلام. قال ابن ناصر الدّين: أبو عوانة الواسطي البزّار، كان أحد الحفّاظ الثقات الأعيان. قال يحيى القطّان: أبو عوانة من كتابه أحب إليّ من شعبة من حفظه. انتهى. رأى الحسن، وروى عن قتادة وخلق. وقال يحيى القطّان: ما أشبه حديثه بحديث سفيان، وشعبة. وقال عفّان: هو عندنا أصحّ حديثا من شعبة. وقال غيره: هو من سبي جرجان. قاله في «العبر» [2] . وفيها حمّاد بن أبي حنيفة الإمام، وكان من أهل الخير، والصلاح، والفقه، في مذهب أبيه. قال في «المغني» [3] : عن أبيه، ضعّفه ابن عدي. انتهى. وكان ابنه إسماعيل بن حمّاد قاضي البصرة فعزل [عنها بالقاضي] [4]

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 269) . [2] (1/ 269) . [3] «المغني في الضعفاء» (1/ 188) . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 384) .

يحيى بن أكثم، ولما خرج منها إسماعيل مسافرا شيّعه يحيى. قال إسماعيل: كان لنا جار طحّان رافضي له بغلان، فسمّى أحدهما أبا بكر، والآخر عمر، فرمحه [1] أحدهما فقتله، فقال جدّي أبو حنيفة: انظروا الذي رمحه فلا تجدونه إلّا الذي سمّاه عمر، فوجدوه كذلك.

_ [1] قال ابن منظور: رمح الفرس والبغل والحمار وكل ذي حافر يرمح رمحا: ضرب برجله، وقيل: ضرب برجليه جميعا. انظر «لسان العرب» (رمح) .

سنة سبع وسبعين ومائة

سنة سبع وسبعين ومائة فيها توفي عبد الواحد بن زيد البصريّ الزّاهد، الذي قيل: إنه صلّى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة. ومن مواعظه قوله: ألا تستحيون من طول ما لا تستحيون. روى عن الحسن وجماعة، وهو متروك الحديث. قاله في «العبر» [1] . وفيها شريك بن عبد الله النّخعيّ الكوفيّ القاضي، أبو عبد الله، أحد الأعلام، عن نيّف وثمانين سنة. روى عن سلمة بن كهيل، والكبار. سمع منه إسحاق الأزرق تسعة آلاف حديث. قال ابن المبارك: هو أعلم بحديث بلده من سفيان الثّوري. وقال النّسائيّ: ليس به بأس. وقال غيره: فقيه إمام، لكنه يغلط. قال ابن ناصر الدّين: استشهد له البخاريّ، ووثّقه ابن معين، وأخرج له سملم متابعة. انتهى.

_ [1] (1/ 270) .

وفيها محمد بن مسلم الطائفيّ المكيّ. روى عن عمرو بن دينار وجماعة. قال ابن مهدي: كتبه صحاح. وموسى بن أعين [الجزري، أبو سعيد] [1] الحرّاني، رحل إلي العراق، وأخذ عن عبد الله بن محمّد بن عقيل وطبقته، فأكثر. وأبو خالد [2] يزيد بن عطاء اليشكريّ الواسطيّ. روى عن علقمة بن مرثد وطبقته، وليس بالقويّ. قاله في «العبر» [3] . وقد مرّ مولاه أبو عوانة [4] . وفيها، أو في حدودها، عبد العزيز بن المختار البصريّ الدبّاغ. حدّث عن ثابت البنانيّ وجماعة.

_ [1] زيادة من «تهذيب التهذيب» . [2] في الأصل، والمطبوع: «أبو خلد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [3] (1/ 271) . [4] انظر صفحة (344) من هذا المجلد.

سنة ثمان وسبعين ومائة

سنة ثمان وسبعين ومائة فيها فوّض الرّشيد أموره كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك. قاله [1] في «الشذور» . وفيها توفي جعفر بن سليمان الضّبعيّ بالبصرة. روى عن أبي عمران الجوني وطائفة. وكان أحد علماء البصرة. وفيه تشيّع. أخذ ذلك عنه عبد الرّزّاق باليمن. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن ناصر الدّين: هو أبو سليمان، كان من ثقات الشيعة والزهّاد، ولم يكن قويا، ومع كثرة علومه قيل: كان أميّا. انتهى. وفيها عبثر بن القاسم أبو زبيد الكوفي. روى عن حصين بن عبد الرّحمن وجماعة. ذكره أبو داود فقال: ثقة، ثقة. وعبد الله بن جعفر بن نجيح السعديّ، مولاهم، المدينيّ، نزيل البصرة، ووالد علي بن [3] المديني. روى عن عبد الله بن دينار وطبقته، وهو ضعيف الحديث.

_ [1] يعني ابن الجوزي. وسبق أن ذكرت بأن كتابه الذي أشار إليه لا يزال في عداد المخطوطات التي لا نعرف مكان وجودها. [2] (1/ 271) . [3] لفظة «ابن» سقطت من «العبر» للذهبي (1/ 272) فتستدرك فيه.

سنة تسع وسبعين ومائة

سنة تسع وسبعين ومائة فيها كانت فتنة الوليد بن طريف الشّاريّ الخارجيّ، وأحد الشّراة وهم الخوارج، سمّوا بذلك لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنّة حين فارقنا الأئمة الجبابرة، وكان الوليد، أحد الشجعان، وندب الرّشيد لحربه يزيد بن زائدة، ابن أخي معن بن زائدة الشيباني، ومكث يزيد مدة يماكره ويخادعه، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فقالوا للرشيد: إنه مداهن، فأرسل إليه يتوعّده، فناجزه يزيد فظفر به، وكان الوليد ينشد في المصاف: أنا الوليد بن طريف الشّاري ... قسورة [1] لا يصطلى بناري [2] ولما انهزم تبعه يزيد بنفسه حتّى أدركه على مسافة بعيدة فقتله واحتزّ رأسه، ولما قتل لبست أخته الفارعة عدّة حربها وحملت [على جيش يزيد] [3] فضرب يزيد بالرمح فرسها [4] وقال: اغربي، غرّب الله عينك [5] فقد فضحت

_ [1] القسورة: الأسد. قاله في «مختار الصحاح» ص (534) . [2] في الأصل والمطبوع: «بنار» والبيت في «مرآة الجنان» (1/ 385) . [3] زيادة من «مرآة الجنان» (1/ 385) . [4] في الأصل، والمطبوع: «قرنيها» وأثبت ما في «مرآة الجنان» . [5] في المطبوع: «غرب الله عنك» ، وفي «مرآة الجنان» : «غرب الله عليك» .

العشيرة، فانصرفت ولها في أخيها مراث كثيرة شهيرة [1] . وفيها اعتمر الرّشيد في رمضان ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج، ثم حجّ بالنّاس، فمشى من مكّة إلى منى، ثم إلى عرفات، وشهد المشاهد والمشاعر ماشيا. وفيها توفي إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس الحميريّ الأصبحيّ شهير الفضل، كان طوالا، جسيما، عظيم [2] الهامة، أبيض الرأس واللحية، أشقر، أزرق العين، يلبس الثياب العربية البيض، وإذا اعتمّ جعلها [تحت] [3] ذقنه، ويسدل طرفها بين كتفيه. روي أنه قال: ما أفتيت حتّى شهد لي سبعون أنّي أهل لذلك. وقلّ رجل كنت أتعلّم منه ومات حتّى يستفتين. قال اليافعيّ [4] : أخبر بنعمة الله [تعالى عليه] [5] . وكان مالك عظيم المحبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مبالغا في تعظيم حديثه، حتّى كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنّه، ويقول: لا أركب في بلد فيها جسد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- مدفون. قال الشّافعيّ: قال لي محمد بن الحسن: أيّما [6] أعلم صاحبنا أو صاحبكم؟ يعني أبا حنيفة ومالكا- رحمهما الله تعالى- قلت: على الإنصاف؟

_ [1] قلت: وقد ساق اليافعي إحدى مراثيها في أخيها ومطلعها: أيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنّك لم تحزن على ابن طريف [2] في المطبوع: «عظيما» وهو خطأ. [3] لفظة «تحت» سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 273) . [4] في «مرآة الجنان» (1/ 387) . [5] زيادة من «مرآة الجنان» . [6] في الأصل، والمطبوع: «أي» وأثبت ما في «مرآة الجنان» .

قال: نعم. قلت: أنشدك الله من أعلم بالقرآن؟ قال: صاحبكم. قلت: فمن أعلم بالسّنّة؟ قال: صاحبكم. قلت: فمن أعلم بأقاويل الصحابة؟ قال: صاحبكم. قلت: فما بقي إلّا القياس، وهو لا يكون إلّا على هذه الأشياء، وكان مالك [يأتي المسجد، و] [1] يشهد الصلوات الخمس والجمعة، ويصلي على الجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، وأكثر جلوسه في المسجد، ثم ترك ذلك فكان يصلي وينصرف، وترك حضور الجنائز، ثم ترك الكلّ، وسعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وقيل له: إنه لا يرى خلافتكم، فضربه سبعين سوطا، ومدّت [2] يده حتّى انخلعت [كتفه] [3] فلم يزل بعد ذلك في [علوّ، و] [4] رفعة، كأنما كانت [5] السياط حليّا حلّي به. ولما ورد المنصور المدينة، أراد أن يقيده منه، فقال: والله ما ارتفع سوط منها عن بدني إلّا وقد جعلته في حلّ لقرابته من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وقيل: ضرب لفتوى لم توافق أغراضهم. وقيل: إنه حمل إلى بغداد وقال له واليها: ما تقول في نكاح المتعة؟ فقال: هو حرام، فقيل له: ما تقول في قول عبد الله بن عبّاس فيها؟ فقال: كلام غيره فيها أوفق لكتاب الله تعالى، وأصرّ على القول بتحريمها، فطيف به على ثور مشوّها، فكان يرفع القذر عن وجهه ويقول: يا أهل بغداد من لم يعرفني فليعرفني، أنا مالك بن أنس، فعل بي ما ترون لأقول بجواز نكاح المتعة ولا أقول به، ثم بعد ذلك لم يزده الله تعالى إلّا رفعة، وكان ذلك كالتميمة له، فجزاه الله تعالى عن نفسه والأمة خيرا.

_ [1] زيادة من «مرآة الجنان» (1/ 389) وهو المصدر الذي نقل عنه المؤلف بتصرّف. [2] أي جذبت. انظر «لسان العرب» (مدد) . [3] زيادة من «مرآة الجنان» . [4] زيادة من «مرآة الجنان» . [5] في الأصل، والمطبوع: «كان» ، وأثبت ما في «مرآة الجنان» .

وحدّث عتيق بن يعقوب الزّبيديّ قال: قدم هارون الرّشيد المدينة، وكان قد بلغه أن مالك بن أنس عنده «الموطأ» يقرؤه على النّاس، فوجّه إليه البرمكيّ فقال: أقرئه السلام وقل له: يحمل إليّ الكتاب ويقرؤه عليّ، فأتاه البرمكيّ فقال: أقرئه السلام، وقل له: إن العلم يؤتى ولا يأتي، فأتاه البرمكيّ فأخبره، وكان عنده أبو يوسف القاضي، فقال: يا أمير المؤمنين، يبلغ أهل العراق أنك وجّهت إلى مالك في أمر فخالفك، اعزم عليه، فبينما هو كذلك، إذ دخل مالك، فسلّم وجلس، فقال له الرّشيد: يا ابن أبي عامر أبعث إليك وتخالفني؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني الزّهري، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ 4: 95 [النساء: 95] وابن أمّ مكتوم عند النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله انى رجل ضرير، وقد انزل الله عليك فى فضل الجهاد ما قد علمت، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ادرى» وقلمي رطب ما جف، ثم وقع فخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فخذي، ثم أغمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم جلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا زيد اكتب غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ 4: 95 [النساء: 95] . ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل والملائكة- عليهم السلام- من مسيرة خمسين ألف عام، ألا ينبغي لي أن أعزّه وأجلّه، وإن الله تعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعملك، فلا تكن أنت أول من يضيع عزّ العلم فيضيع الله عزّك، فقام الرّشيد يمشي مع مالك إلى منزله ليسمع منه «الموطأ» فأجلسه معه على المنصّة، فلما أراد أن يقرأه على مالك، قال [1] : تقرؤه عليّ. قال: ما قرأته على أحد منذ زمان. قال: فيخرج النّاس عنّي حتّى أقرأه أنا عليك، فقال: إن العلم إذا منع من العامّة لأجل الخاصّة لم

_ [1] في المطبوع: «قال لي» .

ينفع الله تعالى به الخاصّة. فأمر معن بن عيسى القزّاز ليقرأه عليه، فلما بدأ ليقرأه قال مالك لهارون: يا أمير المؤمنين! أدركت أهل العلم ببلدنا وإنهم ليحبّون التواضع للعلم، فنزل هارون عن المنصّة، وجلس بين يديه وسمعه، رحمهما الله تعالى. وقال أبو عبد الله الحميديّ الأندلسيّ: أنشدني والدي أبو طاهر إبراهيم: إذا قيل من نجم الحديث وأهله ... أشار أولو الألباب يعنون مالكا إليه تناهى علم دين محمّد ... فوطّأ فيه للرّواة المسالكا ونظّم بالتصنيف أشتات نشره ... وأوضح ما قد كان لولاه حالكا وأحيا دروس العلم شرقا ومغربا ... تقدّم في تلك المسالك سالكا وقد جاء في الآثار من ذاك شاهد ... على أنّه في العلم خصّ بذالكا فمن كان ذا طعن على علم مالك ... ولم يقتبس من نوره كان هالكا يشير بقوله، وقد جاء في الآثار إلخ إلى حديث «تضرب الإبل أكبادها إلى عالم المدينة لا ترى أعلم منه» [1] . وقال الشّافعيّ- رضي الله تعالى عنه-: إذا ذكر العلماء فمالك النجم. وقال معن القزّاز وجماعة: حملت بمالك أمّه ثلاث سنين. وقيل: إنه بكى في مرض موته وقال: والله لوددت أني ضربت في كل مسألة أفتيت بها، وليتني لم أفت بالرّأي. وتوفي بالمدينة، ودفن بالبقيع عن أربع وثمانين سنة، وقيل: تسعين،

_ [1] رواه أحمد في «المسند» (2/ 299) ، والترمذي في «سننه» رقم (2682) في العلم، باب ما جاء في عالم المدينة، والحاكم في «المستدرك» (1/ 91) ، وحسنة الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وهو من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة. وابن جريج، وأبو الزبير مدلّسان، وقد روياه بالعنعنة.

ولما مات قال ابن عيينة: ما ترك على وجه الأرض مثله. وفيها توفي خالد بن عبد الله الواسطيّ الطّحّان الحافظ، وله سبعون سنة. روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته. قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل منه. وقال أحمد: كان ثقة صالحا، بلغني أنه اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث مرات. وأبو الأحوص سلّام بن سليم الكوفي. روى عن زياد بن علاقة وطبقته، وكان أحد الحفّاظ الأثبات. قال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنّة واتّباع، وآخر من روى عنه هنّاد. وفي رمضان إمام أهل البصرة حمّاد بن زيد بن درهم الأزديّ مولاهم البصريّ الضرير، أبو إسماعيل. كان من أهل الورع والدّين. قال ابن مهدي: لم أر قطّ أعلم بالسّنّة منه، وهو أحد الحمّادين صاحبي المذهبين المشهورين. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: أئمة النّاس أربعة: الثّوريّ بالكوفة، ومالك بالحجاز، وحمّاد بن زيد بالبصرة، والأوزاعيّ بالشّام. وقال يحيى بن يحيى التميميّ: ما رأيت شيخا أفضل من حمّاد بن زيد. وقال أحمد العجلي: حمّاد بن زيد ثقة، كان حديثه أربعة آلاف حديث يحفظها، ولم يكن له كتاب. وقال ابن معين: ليس أحد أثبت من حمّاد بن زيد. وفيها الهقل بن زياد الدّمشقيّ كاتب الأوزاعيّ. قال ابن معين: ما كان بالشّام أوثق منه.

وقال مروان الطّاطري: كان أعلم النّاس بالأوزاعيّ وبمجلسه وفتياه. وقال ابن ناصر الدّين: هو الهقل بن زياد بن عبيد [1] السّكسكيّ مولاهم الدّمشقيّ اسمه محمد فلقب [2] بهقل، كان إماما مفتيا من الثقات. انتهى [3] .

_ [1] ويقال: زياد بن عبيد الله. (ع) . [2] في الأصل: «فقلب» وهو سبق قلم من الناسخ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 98) .

سنة ثمانين ومائة

سنة ثمانين ومائة فيها هاج الهوى والعصبيّة بالشّام بين اليمانية والنّزاريّة، وتفاقم [1] الأمر، واشتدّ الخطب. وفيها كانت الزّلزلة العظمى بمصر [2] التي سقط منها رأس منارة الاسكندرية. وفيها نزل الرّشيد الرّقّة واتخذها وطنا. وفيها توفي إسماعيل بن جعفر مولاهم [الأنصاريّ] [3] المدنيّ، قارئ المدينة بعد نافع، ومحدّثها بعد مالك. روى عن عبد الله بن دينار، والعلاء بن عبد الرّحمن، وطائفة. قال ابن ناصر الدّين: كان إماما، مقرئا، أمينا، عالما، ثقة، مأمونا. انتهى. وفيها عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة [4] العنبريّ مولاهم التّنّوريّ

_ [1] في الأصل: «وتعاظم» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 275) مصدر المؤلف. [2] لفظة «مصر» لم ترد في «العبر» للذهبي. [3] زيادة من «العبر» للذهبي. [4] في المطبوع: «أبو عبدة» وهو خطأ.

البصريّ، كان على بدعة فيه. أجمع على الاحتجاج به الشيخان وباقي أئمة الأثر، قاله ابن ناصر الدّين. وفيها بشر بن منصور السّليميّ الأزديّ البصريّ الزّاهد. روى عن أيوب وطبقته. قال ابن المديني: ما رأيت أحدا أخوف لله منه. وكان يصلّي كل يوم خمسمائة ركعة. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: ما رأيت أحدا أقدّمه عليه في الورع والرّقّة. وفيها حفص بن سليمان الغاصريّ الكوفيّ قاضي الكوفة وتلميذ عاصم. وقد حدّث عن علقمة [1] بن مرثد وجماعة، وعاش تسعين سنة، وهو متروك الحديث، حجّة في القراءة. قاله في «العبر» [2] . وفيها صدقة بن خالد الدّمشقيّ، قرأ على يحيى الذّماري. وروى عن التابعين، وكان من ثقات الشاميين. وفيها أبو وهب عبيد الله بن عمرو [3] الرّقّي الفقيه، محدّث الجزيرة ومفتيها. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. قال محمد بن سعد: كان ثقة، لم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره [4] . وفضيل بن سليمان النّميري بالبصرة. روى عن أبي حازم الأعرج وصغار التابعين.

_ [1] تحرّف في «العبر» إلى «علقة» فيصحّح فيه. [2] (1/ 276) . [3] في الأصل والمطبوع: «عبيد الله بن عمر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» وغيره. [4] قاله الذهبي في «العبر» (1/ 276- 277) .

قال في «المغني» [1] : عن منصور بن صفيّة، فيه لين. قال أبو حاتم وغيره: ليس بالقويّ. وقال أبو زرعة: ليّن. وقال عبّاس [2] ، عن ابن معين: ليس بثقة. انتهى. وفيها مبارك بن سعيد، أخو سفيان الثّوري أبو عبد الرّحمن الكوفيّ الضرير ببغداد. روى عن عاصم بن أبي النّجو وطائفة، وهو ثقة. وفيها فقيه مكّة أبو خالد مسلم بن خالد الزّنجيّ، وله ثمانون سنة. روى عن ابن أبي مليكة، والزّهري، وطائفة. وقال أحمد بن محمد الأوزرقي: كان فقيها عابدا، يصوم الدّهر، وضعّفه أبو داود وغيره، ولقّب بالزّنجيّ في صغره، وكان أشقر، وعليه تفقّه الشّافعيّ. وفيها أبو المحيّاة [3] يحيى بن يعلى التيميّ الثقة الكوفيّ. روى عن سلمة بن كهيل وطائفة، وعمّر وأسنّ. وفيها أمير الأندلس أبو الوليد هشام بن الدّاخل عبد الرّحمن بن معاوية الأمويّ المروانيّ، وله سبع وثلاثون سنة. وولي الأمر ثمانية أعوام، وكان متواضعا، حسن السّيرة، كثير الصدقات، وقام بعده ابنه الحكم.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (2/ 515) . [2] في الأصل، والمطبوع: «عيّاش» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» (2/ 515) ، وهو عبّاس الدوري. انظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر (8/ 292) . [3] في الأصل: «أبو الحياة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع.

سنة إحدى وثمانين ومائة

سنة إحدى وثمانين ومائة فيها أحدث الرّشيد في صدور كتبه الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلّم. وفيها غزا الرّشيد، وافتتح حصن الصّفصاف من أرض الرّوم بالسيف.. وسار عبد الملك بن صالح بن علي العبّاسي حتّى بلغ أنقرة [1] وافتتح حصنا. وفيها توفي الإمام محدّث الشّام ومفتي أهل حمص، أبو عتبة، إسماعيل بن عيّاش العنسيّ، عن بضع وسبعين سنة. روى عن شرحبيل بن مسلم، ومحمّد بن زياد الألهاني، وخلق من التابعين بالشّام والحرمين. قال ابن معين: هو ثقة في الشّاميين. وقال يزيد بن هارون: ما لقيت شاميّا ولا عراقيّا أحفظ منه، وما أدري ما الثوري. وقال ابن عدي: يحتجّ به في حديث الشّاميين خاصة. وقال أبو اليمان: كان إسماعيل جارنا، فكان يحيي الليل. قال داود بن عمرو: ما حدّثنا إسماعيل إلّا من حفظه، [و] كان يحفظ نحوا من عشرين ألف حديث.

_ [1] وهي عاصمة دولة تركيا المعاصرة.

وقيل: توفي سنة اثنتين وثمانين، ومناقبه كثيرة. وفيها أبو المليح الرّقّيّ عن نيّف وتسعين سنة. واسمه الحسن بن عمر. روى عن ميمون بن مهران، والزّهريّ، والكبار، ووثّقه أحمد، وغيره. وفيها حفص بن ميسرة الصّنعانيّ بعسقلان. روى عن زيد بن أسلم، وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث. و [فيها] المعمّر أبو أحمد خلف بن خليفة الكوفيّ ببغداد، وقد جاوز المائة بعام. رأى عمرو بن حريث الصّحابي [1] وروى عن محارب بن دثار، وجماعة. قال أبو حاتم: صدوق. قلت: هو أقدم شيخ للحسن بن عرفة. قاله في «العبر» [2] . وفيها الأمير حسن بن قحطبة بن شبيب الطائيّ، وله أربع وثمانون سنة، وكان من كبار قوّاد المنصور. وفيها، وقيل: سنة ثمانين، أبو معاوية عبّاد بن عبّاد بن المهلّب البصريّ، أحد المحدّثين والأشراف. روى عن أبي جمرة [3] الضّبعي صاحب ابن عبّاس [4] وغيره. قال في «المغني» [5] : عبّاد المهلّبيّ، ثقة، مشهور، وقد قال أبو حاتم: لا يحتجّ به.

_ [1] تحرّفت لفظة «الصحابي» في «العبر» إلى «الصابي» فتصحّح فيه. [2] (1/ 280) . [3] واسمه نصر بن عمران. [4] في المطبوع: «صاحب ابن عيّاش» وهو خطأ. [5] «المغني في الضعفاء» (1/ 326) .

وذكره ابن سعد في «الطبقات» [1] فقال: لم يكن بالقويّ. انتهى. وفي رمضان، توفي الإمام العلم أبو عبد الرّحمن عبد الله بن المبارك الحنظليّ، مولاهم المروزيّ، الفقيه، الحافظ، الزّاهد، ذو المناقب، وله ثلاث وستون سنة. سمع هشام بن عروة، وحميد الطّويل، وهذه الطبقة، وصنّف التصانيف الكثيرة، وحديثه نحو من عشرين ألف حديث. قال أحمد بن حنبل: لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه. وقال شعبة: ما قدم علينا مثله. وقال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين. وعن شعيب بن حرب قال: ما لقي ابن المبارك مثل نفسه. وكانت له تجارة واسعة، [و] كان ينفق على الفقراء في السنة مائة ألف درهم. قال ابن ناصر الدّين: الإمام العلّامة الحافظ شيخ الإسلام وأحد أئمة الأعلام [2] ، ذو التصانيف النافعة والرحلة الواسعة. حدّث عنه ابن معين، وابن منيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والشعر، وفصاحة العرب، مع قيام الليل والعبادة. قال الفضيل بن عياض: وربّ هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك. انتهى. وقال ابن الأهدل: تفقّه بسفيان الثّوري، ومالك بن أنس، وروى عنه

_ [1] (7/ 290) . [2] في المطبوع: «وأحد أئمة الأنام» .

«الموطأ» وكان كثير الانقطاع في الخلوات، شديد الورع، وكذلك أبوه مبارك. روي أنه نظر بستانا لمولاه، فطلب منه رمّانة حامضة، فجاءه بالرّمّانة حلوة، فقال له: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: لأنك لم تأذن لي فيه، فوجده كذلك، وعظم قدره عند مولاه، حتّى كان له بنت خطبت كثيرا، فقال له: يا مبارك من ترى نزوّج هذه البنت؟ فقال: الجاهلية كانوا يزوّجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمّة للدّين، فأعجبه عقله، وقال لأمها: ما لها زوج غيره، فتزوجها، فجاءت بعبد الله، وكان واحد وقته، وفيه يقول القائل: إذا سار عبد الله من مرو ليلة ... فقد سار منها نورها وجمالها إذا ذكر الأحبار في كلّ بلدة ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها وقد صنّف في مناقبه. وعدّ بعضهم ما جمع من خصال الخير فوجدها خمسا وعشرين فضيلة، وكان يحجّ عاما، ويغزو عاما، فإذا حجّ قبض نفقة إخوانه، وكتب على كل نفقة اسم صاحبها، وينفق عليهم ذهابا وإيابا من أنفس النفقة، ويشتري لهم الهدايا من مكّة والمدينة، فإذا رجعوا اتخذ سماطا عليه من جفان الفالوذج نحو خمس وعشرين فضلا عن غيره، فيطعم إخوانه، ومن شاء الله، ثم يكسوهم جديدا، ويردّ إلى كلّ منهم نفقته، وذلك أنه كانت له تجارة واسعة. قال سفيان الثّوري: وددت عمري كله بثلاثة أيام من أيام ابن المبارك. قيل: مات بهيت- بالكسر- بلد بالعراق [1] منصرفا من غزوة، وقيل:

_ [1] في الجنوب الأوسط منه الآن، وهي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار، ذات نخل كثير وخيرات واسعة، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 420- 421) .

مات في برية سائحا مختارا للعزلة، وكان كثيرا ما يتمثّل بهذين البيتين: وإذا صاحبت فاصحب صاحبا ... ذا حياء وعفاف وكرم قائلا للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم انتهى. وقال في «العبر» [1] : كان أستاذه تاجرا، فتعلّم منه، وكان أبوه تركيّا، وأمّه خوارزميّة. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثّوري. قلت [2] : كان رأسا في العلم، رأسا في الذكاء، رأسا في الشجاعة والجهاد، رأسا في الكرم. وقبره بهيت ظاهر يزار، رحمه الله تعالى. انتهى. وفيها أبو الحسن عليّ بن هاشم بن البريد الكوفيّ الخزّاز. يروي عن الأعمش وأقرانه. وخرّج له مسلم والأربعة. وكان شيعيّا جلدا. قال في «المغني» [3] : قال ابن حبّان: روى المناكير عن المشاهير. انتهى. وفيها قاضي مصر أبو معاوية المفضّل بن فضالة القتبانيّ الفقيه. روى عن يزيد بن أبي حبيب، وطائفة كثيرة. وكان زاهدا، ورعا، قانتا، مجاب الدّعوة، عاش أربعا وسبعين سنة.

_ [1] (1/ 281) . [2] القائل الذهبي في «العبر» . [3] (2/ 456) .

قال في «المغني» [1] : ثقة حجة. قال ابن سعد: منكر الحديث. انتهى. وفيها بالاسكندرية، يعقوب بن عبد الرّحمن القارئ المدنيّ. روى عن زيد بن أسلم وطبقته فأكثر.

_ [1] (2/ 674) .

سنة اثنتين وثمانين ومائة

سنة اثنتين وثمانين ومائة فيها سملت [1] الرّوم عيني طاغيتهم قسطنطين، وملّكوا عليهم أمّه. وفيها توفي عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم العدويّ العمريّ مولاهم المدنيّ. روى عن أبيه وجماعة، وهو ضعيف كثير الحديث. وفيها عبيد الله بن عبد الرّحمن الأشجعيّ الكوفيّ الحافظ. سمع من هشام بن عروة وجماعة، وقال: سمعت من سفيان الثّوري ثلاثين ألف حديث. وقال ابن معين: ما بالكوفة أعلم بالثّوريّ من عبيد الله الأشجعيّ. وفيها عمّار بن محمّد الثّوريّ الكوفيّ، ابن أخت سفيان الثّوريّ. روى عن منصور، والأعمش، وعدّة. قال ابن عرفة: كان لا يضحك، وكنّا لا نشكّ أنه من الأبدال. انتهى. وخرّج له مسلم والنسائي وغيرهما.

_ [1] قال في «مختار الصحاح» ص (314) : سمل العين: فقؤها بحديدة محماة.

قال في «المغني» [1] قال ابن حبّان: استحق الترك. انتهى. وفيها أبو سفيان المعمريّ محمّد بن حميد البصريّ، نزيل بغداد، وكان محدّثا مشهورا، رحل إلى معمر فلقّب بالمعمريّ. وفيها الوليد بن [محمّد] الموقّريّ البلقاويّ، والموقّر حصن [2] بالبلقاء. وهو من ضعفاء أصحاب الزّهريّ. وفيها على الأصح، عالم أهل الكوفة يحيى بن زكريا بن أبي زائدة [3] الكوفيّ الحافظ. روى عن أبيه وعاصم الأحول وطبقتهما، وعاش ثلاثا وستين سنة. قال ابن المدنيي: انتهى العلم في زمانه إليه. ما كان بالكوفة بعد الثّوريّ أثبت منه. وقال غيره: ولي قضاء المدائن [4] ، وكان من أصحاب أبي حنيفة، وكان ثبتا متقنا. وفيها الحافظ الثّبت [5] المتقن، أبو معاوية يزيد بن زريع العيشيّ، وقيل: التّيميّ البصريّ محدّث أهل البصرة. ثقة ماهر. روى عن أيوب السّختياني وطبقته. وقال أحمد بن حنبل: كان ريحانة البصرة، ما أتقنه وما أحفظه. وقال يحيى القطّان: ما كان هنا أحد أثبت منه.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (2/ 459) . [2] في «العبر» للذهبي (1/ 283) : «حصين» . وفي «معجم البلدان» (5/ 226) : موضع بنواحي البلقاء من نواحي دمشق. [3] في «العبر» للذهبي (1/ 283) : «أبو زكريا يحيى بن أبي زائدة» وهو خطأ فيصحّح فيه. وانظر «دول الإسلام» للذهبي ص (105) ، و «الأعلام» للزركلي (8/ 145) . [4] في «العبر» : «ولي قضاء المدينة» وهو خطأ فيصحّح فيه. [5] في الأصل: «الثابت» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.

وقال نصر بن علي الجهضميّ: رأيت يزيد بن زريع في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: دخلت الجنة. قلت: بماذا؟ قال: بكثرة الصّلاة. وفي شهر ربيع الآخر القاضي أبو يوسف، واسمه يعقوب بن إبراهيم الكوفي قاضي القضاة، وهو أوّل من دعي بذلك. تفقّه على الإمام أبي حنيفة، وسمع من عطاء بن السّائب وطبقته. قال يحيى بن معين: كان القاضي أبو يوسف يحبّ أصحاب الحديث ويميل إليهم. وقال محمد بن سماعة: كان أبو يوسف يصلّي بعد ما ولي القضاء كل يوم مائتي ركعة. وقال يحيى بن يحيى النّيسابوري: سمعت أبا يوسف يقول عند وفاته: كلّ ما أفتيت به فقد رجعت عنه، إلّا ما وافق السّنّة. وكان مع سعة علمه، أحد الأجواد الأسخياء. قال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال أحمد بن حنبل: صدوق. قال جميع ذلك في «العبر» [1] . وقال ابن الأهدل: تفقّه على أبي حنيفة، وخالفه في مواضع، وروى عنه محمّد بن الحسن الشيباني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأكثر العلماء على تفضيله وتعظيمه. ولي القضاء للمهديّ وابنيه، وذكر المؤرّخون أنّ له استحسانات يخالف فيها. وروي أنه قال عند وفاته: كلّ ما أفتيت به فقد رجعت عنه، إلّا ما وافق الكتاب والسّنّة. وقال: اللهمّ إنك تعلم أنّي لم أجر

_ [1] (1/ 284- 285) .

في حكم حكمت [فيه] [1] بين اثنين من عبادك متعمّدا، ولقد اجتهدت في الحكم فيما يوافق سنّة نبيّك- صلى الله عليه وسلّم- وكلّ ما أشكل عليّ فقد جعلت أبا حنيفة بيني وبينك، وكان عندي والله ممّن يعرف أمرك ولا يخرج عن الحق وهو يعلمه. وروي أن زبيدة ابنة جعفر [2] امرأة الرّشيد أرسلت إليه بمال وعنده جلساؤه، فقال بعضهم: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من أهديت له هديّة فجلساؤه شركاؤه فيها» [3] فقال أبو يوسف: ذلك حين كانت الهدايا من الأقط والتمر. وقال بعضهم: كان أبو يوسف يحفظ التفسير، والمغازي، وأيام العرب. وكان أقل علومه الفقه، ولم يكن في أصحاب أبي حنيفة مثله. وهو أوّل من نشر علم أبي حنيفة. وسأله الأعمش عن مسألة فأجابه. فقال: من أين؟ قال من حديثك الذي حدّثتنيه أنت. فقال: يا يعقوب إني لأعرف الحديث قبل أن يجتمع أبواك، وما عرفت تأويله إلّا الآن. وتناظر هو وزفر بن الهذيل عند أبي حنيفة، فأطالا، فقال أبو حنيفة

_ [1] لفظة «فيه» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] انظر ترجمتها ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (3/ 42) . [3] ذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 148) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ «من أهدي له هدية، وعنده قوم فهم شركاؤه فيها» وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه مندل بن علي وهو ضعيف، وقد وثق. قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» : مندل بن علي العنزي أبو علي الكوفي، ويقال: اسمه عمرو، ومندل لقب. ضعيف. وذكره أيضا الحافظ الهيثمي في «المجمع» (4/ 148) من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما بلفظ «من أتته هدية وعنده قوم جلوس، فهم شركاؤه فيها» وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن سعيد العطار، وهو ضعيف. وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» وزاد نسبته للعقيلي في «الضعفاء» وأبي نعيم في «الحلية» ، والبيهقي في «السنن» .

لزفر: لا تطمع في رياسة بلد فيها مثل هذا. وكان يقول: العلم لا يعطيك بعضه حتّى تعطيه كلّك. وعاش قريبا من سبعين سنة. انتهى ما قاله ابن الأهدل. وقال ابن ناصر الدّين: قال أحمد بن حنبل: أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف القاضي، فكتبت عنه، وكان أبو يوسف أميل إلينا من أبي حنيفة، ومحمد. وقال الفلّاس: أبو يوسف صدوق كثير الغلط. انتهى. وقال ابن قتيبة في «المعارف» [1] : هو يعقوب بن إبراهيم [بن حبيب] [2] بن سعد بن حبتة من بجيلة، وكان سعد بن حبتة استصغر يوم أحد. ونزل الكوفة، ومات بها، وصلّى عليه زيد بن أرقم، وكبّر عليه خمسا. وكان أبو يوسف يروي عن الأعمش، وهشام بن عروة، وغيرهما. وكان صاحب حديث، حافظا، ثم لزم أبا حنيفة، فغلب عليه الرأي. وولي قضاء بغداد، فلم يزل بها إلى أن مات، وابنه يوسف ولي القضاء أيضا بالجانب الغربي في حياة أبيه، وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومائة. انتهى كلام ابن قتيبة. وقال ابن خلّكان [3] : هو أول من غيّر لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمان، وكان ملبوس النّاس قبل ذلك شيئا واحدا لا يتميز أحد على أحد بلباسه. انتهى. وقال غير واحد: كان يحفظ في المجلس الواحد خمسين حديثا بأسانيدها.

_ [1] ص (499) . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «المعارف» . [3] في «وفيات الأعيان» (6/ 379) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

قال ابن الفرات في «تاريخه» [1] : روى علي بن حرملة عن أبي يوسف- رحمه الله- قال: كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقلّ رثّ المنزل، فجاء أبي يوما وأنا عند أبي حنيفة، فانصرفت معه، فقال: يا بني أنت محتاج إلي المعاش، وأبو حنيفة مستغن، فقصرت عن طلب العلم وآثرت طاعة أبي، فتفقّدني أبو حنيفة وسأل عنّي، فلما أتيته بعد تأخيري عنه قال: ما خلّفك؟ قلت: الشغل بالمعاش، وطاعة والدي، فلما أردت الانصراف أومأ إليّ فجلست، فلما قام النّاس دفع إليّ صرّة وقال: استعن بهذه والزم الحلقة، وإذا فقدت هذه فأعلمني، فإذا فيها مائة درهم، فلزمت الحلقة، فكان يتعاهدني بشيء بعد شيء، وما أعلمته بنفاد شيء حتّى استغنيت، وتموّلت، فلزمت مجلسه حتّى بلغت حاجتي، وفتح الله لي ببركته وحسن نيّته، فأنتج من العلم المال، فأحسن الله مكافأته وغفر له. وقال ابن عبد البرّ: كان أبو يوسف القاضي فقيها، عالما، حافظا، ذكر أنه كان يعرف بالحديث، وأنه كان يحضر التحديث فيحفظ خمسين حديثا وستين حديثا ثم يقوم فيمليها على النّاس. وكان كثير الحديث، وكان جالس محمد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، ثم جالس أبا حنيفة- رضي الله عنهما- وكان الغالب عليه مذهبه، وربما كان يخالفه أحيانا في المسألة بعد المسألة. وكان يقول في دبر كلّ صلاة: اللهمّ اغفر لي ولأبي حنيفة. ثم قال ابن عبد البرّ: ولا أعلم قاضيا كان إليه تولية القضاء في الآفاق من المشرق إلى المغرب إلّا أبا يوسف في زمانه، وهو أول من لقّب بقاضي القضاة.

_ [1] واسمه «الطريق الواضح المسلوك إلى معرفة تراجم الخلفاء والملوك» وصاحبه هو محمد بن عبد الرحيم بن علي بن محمّد الحنفي، والمعروف بابن الفرات. مات سنة (807) هـ. وكتابه ليس بين أيدينا. انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 200) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد التاسع من طبعتنا هذه إن شاء الله تعالى.

وقال محمد بن جعفر: أبو يوسف مشهور الأمر، ظاهر الفضل، وهو أفقه أهل عصره، ولم يتقدم عليه أحد في زمانه. وكان بالنهاية في العلم، والحلم، والرياسة، والقدر، والجلالة. وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل ونشرها، وبثّ علم أبي حنيفة في أقطار الأرض. وقال الصّيمريّ: بلغني أن الرّشيد- رحمه الله- مشى أمام جنازة أبي يوسف- رحمه الله- وصلّى عليه بنفسه، ودفنه في مقبرة أهله في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب أمّ جعفر زبيدة. وقال الرّشيد حين دفن أبو يوسف: ينبغي لأهل الإسلام أن يعزّي بعضهم بعضا بأبي يوسف. قيل: رأى معروف الكرخيّ ليلة وفاة أبي يوسف كأنه دخل الجنة فرأى قصرا قد فرشت مجالسه وأرخيت ستوره، وقام ولدانه. قال معروف: فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل: لأبي يوسف القاضي. فقلت: سبحان الله، وبم استحقّ هذا من الله تعالى؟ قالوا: بتعليمه الناس العلم وصبره على أذاهم. قيل: مرض أبو يوسف- رحمه الله- في حياة أبي حنيفة- رضي الله عنه- مرضا شديدا فقيل له: توفي، فقال: لا، فقيل: من أين علمت هذا؟ قال: لأنه خدم العلم ولم يجن ثمرته، لا يموت حتّى يجني ثمرته. فاجتنى ثمرته بأن ولي القضاء، وتوفي وله سبعمائة ركاب ذهب، فصدق أبو حنيفة- رضي الله عنه- في الفراسة. انتهى ما ذكره ابن الفرات. وفيها، وقيل: قبلها أو بعدها، توفي يونس بن حبيب النحويّ، أحد الموالي المنجبين، أخذ الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وغيره. وهو في الطبقة الخامسة من الأدب بعد علي- كرّم الله وجهه- اختلف إليه أبو عبيد

أربعين سنة، وأبو زيد عشر سنين، وخلف الأحمر عشرين سنة. وله عدّة تصانيف. وكان يقول: فرقه الأحباب سقم الألباب، وينشد: شيئا [1] لو بكت الدّماء عليهما ... عيناي حتّى تؤذنا [2] بذهاب لم يبلغا المعشار من حقّيهما ... شرخ الشباب وفرقة الأحباب ومات يونس وله مائة سنة وسنتان. وفيها، وقيل: في التي قبلها، مروان بن أبي حفصة [3] الشاعر اليماميّ. روي أنه لما مدح الرّشيد بقصيدته السبعين التي يقول فيها: إليك قصرنا [4] النّصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله ولا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا ... لديك ولكن أهنأ البرّ عاجله [5] أعطاه سبعين ألف درهم. قبل أن يتمّها. ومن أجود شعره قوله في معن بن زائدة قصيدته اللّاميّة، وفضّل بها على شعراء أرضه [6] وأعطاه ثلاثمائة ألف درهم. ومدح ولد [7] مروان شراحيل ابن معن بقوله: يا أكرم النّاس من عجم ومن عرب ... ويا ذوي الفضل والإحسان والحسب [8] أعطى أبوك أبي مالا فعاش به ... فأعطني مثل ما أعطى أبوك أبي

_ [1] في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 400) : «اثنتان» . [2] في الأصل والمطبوع: «حتى يؤذنا» وما أثبته من «مرآة الجنان» . [3] انظر ترجمته ومصادرها في «الأغاني» (10/ 71- 95) ، «وفيات الأعيان» (5/ 189- 193) و «الأعلام» للزركلي (7/ 208) . [4] في «وفيات الأعيان» : «قسمنا» . [5] البيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 189- 190) . [6] في «وفيات الأعيان» : «وفضل بها على شعراء زمانه» . [7] في الأصل، والمطبوع: «ولده» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [8] رواية البيت في «وفيات الأعيان» : أيا شراحيل بن معن بن زائدة ... يا أكرم الناس من عجم ومن عرب

ما حلّ قطّ أبي أرضا أبوك بها [1] ... إلّا وأعطاه قنطارا من الذّهب [2] فأعطاه قنطارا [من الذهب] [3] والقنطار ألف أوقيّة ومائتا أوقيّة، وقيل: غير ذلك. ومثل هذه الحكاية ما روي أنه لما حبس عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- الحطيئة في هجوه للناس كتب إليه: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فارحم عليك سلام الله يا عمر أنت الّذي قام فيهم بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النّهى البشر ما آثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم قد كانت الأثر [4] فأطلقه وشرط عليه أن يكفّ لسانه. فقال له: إذ منعتني التكسّب بلساني فاكتب لي إلى علقمة بن علاثة [5] العامري. فامتنع عمر. فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما عليكم في ذلك؟ فاكتب له، فإنه ليس من عمّالك، وقد تشفّع بك إليه. فكتب [له بما أراد] [6] ، ورحل إليه، فصادف النّاس منصرفين من جنازته وولده واقف على قبره، فأنشد الحطيئة: لعمري لنعم المرء من آل جعفر ... بحوران أمسى علّقته الحبائل فإن تحي لا أملل [7] حياتي وإن تمت ... فما في حياتي بعد موتك طائل

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ما حلّ أرضا أبي ثاو وأبوك بها» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [2] الأبيات في «وفيات الأعيان» (5/ 191) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [4] الأبيات في «ديوانه» بشرح ابن السكيت، والسكري، والسجستاني، تحقيق الأستاذ نعمان أمين طه، طبع مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر مع شيء من الخلاف في البيتين الأخيرين. [5] في الأصل والمطبوع: «علقمة بن وقاص بن علاقة» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 192) وكتب الرجال التي بين يدي. [6] زيادة من «وفيات الأعيان» . [7] في الأصل، والمطبوع: «لا أملك» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلّا ليال قلائل [1] فقال له ابنه: كم ظننت أنه كان يعطيك؟ قال: مائة ناقة يتبعها مائة [من أولادها] [2] فأعطاه إياها.

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (5/ 192) . [2] زيادة من «وفيات الأعيان» .

سنة ثلاث وثمانين ومائة

سنة ثلاث وثمانين ومائة فيها كان خروج الخزر- لعنهم الله- ومن قصصهم [1] أن ستيت ابنة ملك التّرك خاقان خطبها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي. وحملت إليه في عام أوّل. فماتت في الطريق ببرذعة. فردّ من كان معها في خدمتها من العساكر، وأخبروا خاقان أنها قتلت غيلة. فاشتدّ غضبه، وتجهز للشرّ. وخرج بجيوشه من الباب الحديد، وأوقع بأهل الإسلام، وبالذّمة. وقتل وسبى، وبدع، وبلغ السبي مائة ألف، وعظمت المصيبة على المسلمين، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فانزعج هارون الرّشيد، واهتزّ [2] لذلك، وجهّز البعوث، فاجتمع المسلمون وطردوا العدو عن إرمينية، ثم سدّوا الباب الذي خرجوا منه. قاله في «العبر» [3] . وفيها توفي الإمام أبو معاوية هشيم بن بشير السّلميّ الواسطيّ محدّث بغداد. روى عن الزّهريّ وطبقته. قال يعقوب الدّورقيّ: كان عند هشيم عشرون ألف حديث. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: هو أحفظ للحديث من الثّوريّ.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «ومن قصتهم» . [2] في «العبر» للذهبي: «واهتم» . [3] (1/ 285- 286) .

وقال يحيى القطّان: هو أحفظ من رأيت بعد سفيان، وشعبة. وقال ابن أبي الدّنيا: حدّثني من سمع عمرو بن عون يقول: مكث هشيم يصلّي الفجر بوضوء العشاء عشر سنين قبل موته. وقال أحمد: كان كثير التسبيح. وقال ابن ناصر الدّين في شرح «بديعة البيان» له: هشيم بن بشير بن أبي خازم [1] قاسم بن دينار السّلميّ أبو معاوية الواسطيّ نزيل بغداد. كان من الحفّاظ الثقات المتقنين، لكنه معدود في المدلّسين، ومع ذلك فقد أجمعوا على صدقه، وأمانته، وثقته، وعدالته، وإمامته [2] . قال وهب بن جرير: قلنا لشعبة: نكتب عن هشيم؟ قال: نعم. ولو حدّثكم عن ابن عمر فصدّقوه. انتهى. وفيها الواعظ ابن السّمّاك أبو العبّاس محمد بن صبيح الكوفيّ الزّاهد. مولى بني عجل. روى عن الأعمش وجماعة. وكان كبير القدر. دخل على الرّشيد فوعظه وخوّفه. ومن كلامه: من جرّعته الدّنيا حلاوتها لميله إليها، جرّعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها. روي أن الرّشيد استفتاه في يمين حلفها أنه من أهل الجنّة، فقال له: هل قدرت على معصية فتركتها من مخافة الله- عزّ وجلّ-؟ قال: نعم. قال: قال الله- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا من خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى 79: 40- 41 [النازعات: 40- 41] فيمينك بارّة.

_ [1] في الأصل: «ابن أبي حازم» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] في المطبوع: «وأمانته» .

قال اليافعيّ [1] : وإنما المراد بالآية استمرار الخوف إلى الموت. وقال الفقيه حسين: استدلال ابن السّمّاك صحيح، لأن الظّاهر أن كل مسلم يدخلها، وإنما الإشكال لو قال: يدخلها دون مجازاة، وغاية ما فيه الشك والحنث لا يقع به، والله أعلم. انتهى. قلت: وما قاله الفقيه حسين جار على القواعد الفقهية لعدم تحقّق أنه من غير أهلها، والله أعلم. وقال في «المغني» [2] : محمّد بن صبيح بن السّمّاك الواعظ. سمع الأعمش. قال ابن نمير: صدوق ليس حديثه بشيء. انتهى [3] . وفيها السيد الجليل أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق ووالد عليّ بن موسى الرضا. ولد سنة ثمان وعشرين ومائة. روى عن أبيه. قال أبو حاتم: ثقة إمام من أئمة المسلمين. وقال غيره: كان صالحا، عابدا، جوادا، حليما، كبير القدر. بلغه عن رجل الأذى له، فبعث [إليه] بألف دينار. وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين على اعتقاد الإمامية. سكن المدينة، فأقدمه المهديّ بغداد وحبسه. فرأى المهديّ في نومه عليّا- كرّم الله وجهه- وهو يقول له: يا محمد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22 [محمد: 22] فأطلقه على أن لا يخرج عليه ولا على أحد من بنيه. وأعطاه ثلاثة آلاف وردّه إلى المدينة. ثم حبسه هارون الرّشيد في دولته، ومات في حبسه. وقيل: إن هارون قال: رأيت حسينا في النوم قد أتى بالحربة وقال:

_ [1] في «مرآة الجنان» (1/ 404) والمؤلف ينقل عنه بتصرّف واختصار. [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 593) . [3] قلت: لفظة «انتهى» لم ترد في المطبوع.

إن خلّيت عن موسى هذه الليلة، وإلا نحرتك بها، فخلاه وأعطاه ثلاثين ألف درهم. وقال موسى [1] : رأيت النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وقال لي: «يا موسى حبست ظلما فقل هذه الكلمات، لا تبيت هذه الليلة في الحبس: يا سامع كلّ صوت، يا سائق الفوت، يا كاسي العظام لحما ومنشزها [2] بعد الموت، أسألك بأسمائك الحسنى، وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطّلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا [ولا يحصى عددا] [3] فرّج عنّي» [4] . وأخباره كثيرة شهيرة رضي الله عنه. وفيها شيخ أصبهان وعالمها، أبو المنذر النّعمان بن عبد السّلام التيميّ- تيم الله بن ثعلبة- وكان فقيها، إماما، زاهدا، عابدا، صاحب تصانيف. أخذ عن الثّوريّ، وأبي حنيفة، وطائفة. وفيها الفقيه أبو عبد الرّحمن يحيى بن حمزة الحضرميّ البتلهيّ [5] قاضي دمشق ومحدّثها. وله ثمانون سنة.

_ [1] أي موسى الكاظم. [2] أي ومركب بعضها على بعض (ع) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «مرآة الجنان» (1/ 406) . [4] أقول: المنامات لا يؤخذ منها حكم شرعي، والله أعلم بحقيقة هذه الرؤيا، وسندها وصحتها، ولكن هذا الدعاء ليس فيه مخالفة شرعية، وإنما لا يسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ع) . [5] في الأصل: «البتلي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. والبتلهي، نسبة إلى «بيت لهيا» وهي قرية في شرق غوطة دمشق وقد أصبحت الآن ضمن حدود دمشق يقوم في موقعها مستشفى الزهراوي. انظر «غوطة دمشق» للأستاذ محمد كرد علي ص (118) و (164) طبع دار الفكر بدمشق.

قال دحيم: هو ثقة عالم. روى عن عروة بن رويم وأقرانه من التابعين، وولّي القضاء نحو ثلاثين سنة. قال في «المغني» [1] : يحيى بن حمزة قاضي دمشق صدوق. وقال عبّاس [2] ، عن ابن معين: كان يرمى بالقدر. وقال ابن معين: صدقة أحبّ إليّ منه. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن سعد: صالح الحديث. انتهى.

_ [1] (2/ 733) . [2] هو الإمام الحافظ الثقة أبو الفضل، عبّاس بن محمد بن حاتم بن واقد الدّوريّ البغداديّ، المتوفى سنة (271) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث إن شاء الله تعالى.

سنة أربع وثمانين ومائة

سنة أربع وثمانين ومائة وفيها توفي الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الزّهريّ العوفيّ المدنيّ قاضي المدينة ومحدّثها وله خمس وسبعون سنة. وقيل: توفي في العام الماضي. سمع أباه، والزّهريّ، وجماعة. قال الحافظ عبد الغني [1] في كتابه «الكمال في أسماء الرّجال» : روى عنه شعبة، وابن مهدي، وأبو داود الطّيالسي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. قال أحمد، ويحيى، وأبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قال: كان وكيع كفّ عن حديث إبراهيم بن سعد ثم حدّث عنه بعد. قلت: لم؟ قال: لا أدري، إبراهيم ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وربما أخطأ في الحديث. وقدم بغداد فنزلها هو وعياله وولده، وولي بها بيت المال لهارون. وقال ابن عديّ: هو من ثقات المسلمين. حدّث عنه حمّاد من الأئمة ولم يتخلّف أحد من الكبار عنه بالكوفة، والبصرة، وبغداد.

_ [1] يعني الإمام الحافظ الكبير عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى عام (600) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (21/ 443- 471) ، وسوف ترد ترجمته في آخر المجلد السادس من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

وقال أبو بكر الخطيب: حدّث عنه يزيد بن عبد الله بن الهادي، والحسين بن سيّار الحرّانيّ وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة. روى له الجماعة. انتهى كلام «الكمال» ملخصا. وفيها الفقيه إبراهيم بن [محمد بن أبي] [1] يحيى الأسلميّ مولاهم المدنيّ. روى عن الزّهريّ، وابن المنكدر، وطبقتهما. يروي عنه الشّافعيّ فيقول: أخبرني من لا أتّهم، وقال: كان قدريا. وقال أحمد بن حنبل: كان معتزليا، قدريا، جهميا، كل بلاء فيه، لا يكتب حديثه. وقال البخاريّ: جهمي تركه النّاس. وقال ابن عديّ: لم أر له حديثا منكرا، إلّا عن شيوخ يحتملون، وله كتاب «الموطأ» أضعاف «موطأ مالك» . قاله في «العبر» [2] . وفيها الزاهد العمريّ بالمدينة، واسمه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله [3] بن عمر بن الخطّاب. روى عن أبيه، وكان إماما، فاضلا، رأسا في الزهد، والورع، ووثّقه النّسائيّ. وفيها فقيه أهل المدينة أبو تمّام عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار. أخذ عن أبيه، وزيد بن أسلم، وطائفة. قال أحمد بن حنبل: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه. وقال ابن سعد: ولد سنة سبع ومائة. ومات ساجدا رحمه الله. انتهى [4] .

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي. [2] (1/ 288- 289) . [3] «ابن عبد الله» الثانية سقطت من «العبر» للذهبي المطبوع (1/ 289) فتستدرك فيه. [4] يعني انتهى نقل المؤلف عن «العبر» للذهبي.

وقد احتجّ به أصحاب الصحاح. وفيها عليّ بن غراب الكوفيّ القاضي. روى عن هشام بن عروة، وطبقته. وخرّج له العقيليّ، والنّسائيّ. قال في «المغني» [1] : وثّقه الدارقطنيّ، وقبله ابن معين. وقال أبو داود: تركوا حديثه. وقال السعديّ: ساقط. وقال ابن حبّان: حدّث بالموضوعات، وكان غاليا في التشيّع. انتهى. وفيها مروان بن شجاع الجزريّ ببغداد. روى عن خصيف، وعبد الكريم بن مالك. قال في «المغني» [2] : وثق. وقال أحمد: لا بأس به. وقال ابن حبّان: يروي المقلوبات عن الثقات. انتهى. وفيها، أو في التي مضت، نوح بن قيس الحدّانيّ، الطّاحيّ، البصريّ. روى عن محمّد بن واسع، وطبقته.

_ [1] (2/ 453) . [2] (2/ 651) .

سنة خمس وثمانين ومائة

سنة خمس وثمانين ومائة فيها، وقيل: في التي تليها، توفي الإمام الغازي القدوة أبو إسحاق الفزاريّ إبراهيم بن محمّد بن الحارث الكوفيّ نزيل ثغر المصّيصة. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. ومن جلالته روى عنه الأوزاعيّ حديثا. فقيل: من حدّثك بهذا؟ قال: حدّثني الصّادق المصدوق أبو إسحاق الفزاريّ. وقال الفضيل بن عياض: ربما اشتقت إلى المصّيصة ما بي فضل الرّباط، بل لأرى أبا إسحاق الفزاري. وقال غيره: كان إماما، قانتا، مجاهدا، مرابطا، آمرا بالمعروف، إذا رأى بالثغر مبتدعا أخرجه. قال ابن ناصر الدّين: إبراهيم بن محمّد بن الحارث بن أسماء الكوفيّ الفزاريّ أبو إسحاق الحجّة الإمام شيخ الإسلام، ثقة متقن. وقال أبو داود الطّيالسيّ: مات أبو إسحاق الفزاريّ وما على وجه الأرض أفضل منه. انتهى. وفيها الأمير عبد الصّمد شيخ آل عبّاس [1] وبقية عمومة المنصور. روى عن أبيه، عن جدّه ابن عبّاس. وليّ إمرة البصرة، ودمشق. وكان فيه عجائب:

_ [1] هو عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس. (ع) .

منها أنه ولد سنة أربع ومائة، وولد أخوه محمد أبو السّفّاح المنصور سنة ستين ومائة، فبينهما ست وخمسون سنة. ومنها أن يزيد حجّ بالنّاس سنة خمس ومائة، وحجّ عبد الصّمد بالنّاس سنة خمسين ومائة، وهما في النسب إلى عبد مناف سواء. ومنها أنه أدرك السّفّاح، والمنصور وهما ابنا أخيه، ثم أدرك المهديّ، وهو عمّ أبيه، ثم أدرك الهادي، وهو عمّ جدّه، ثم أدرك الرّشيد، ومات في أيامه. وقال يوما للرّشيد: هذا مجلس فيه أمير المؤمنين، وعمّه، وعمّ عمّه، وعمّ عمّ عمّه، وذلك أن سليمان بن جعفر عمّ الرّشيد، والعبّاس عمّ سليمان، وعبد الصّمد عمّ العبّاس. ومنها أنه ولد وقد نبتت أسنانه، ومات بها ولم تتغير، وكانت أسنانه قطعة واحدة من أسفل. ومنها أنه طارت ريشتان فلصقت بعينيه، فذهب بصره. وفيها يزيد بن مرثد الغنويّ، ابن أخي معن بن زائدة والي إرمينية، وأذربيجان، وأحد الفتيان الشجعان. وقد سبق [1] أن الرّشيد لما أهمّه شأن الوليد بن طريف الشيبانيّ الخارجيّ. جهّزه فقتله. وروي أنه سلّحه يومئذ سيف النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- ذا الفقار. وقال: خذه فإنّك ستنصر به. وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاريّ: أذكرت سيف رسول الله سنّته ... وسيف أوّل من صلّى ومن صاما يعني عليّا- رضي الله عنه- إذ كان هو الضرّاب به. وكان سبب وصول

_ [1] انظر ص (349) من هذا المجلد.

ذي الفقار إلى العبّاسيين، أن محمّد بن عبد الله النفس الزّكيّة [1] دفعه إلى تاجر كان عليه أربعمائة دينار، واشتراه منه جعفر بن سليمان. قال الأصمعيّ: رأيته وفيه ثمان عشرة فقارة، وهي الثقوب والدّحل. انتهى. وقد قيل: إنه كان ينفرق أحيانا مع علي- رضي الله عنه- حتّى يقال: إنه قتل به عمرا وحيّيا في ضربة، ويشير إلى ذلك قول شرف الدّين عمر بن الفارض رحمه الله تعالى. ذو الفقار اللّحظ منها أبدا ... والحشا منّي عمرو وحييّ وفيها ضمام بن إسماعيل المصريّ بالاسكندرية. روى عن أبي قبيل المعافريّ. قال أبو حاتم: كان صدوقا متعبّدا ولم يخرّجوا له شيئا في الكتب الستة، وهو من مشاهير المحدّثين. وقال في «المغني» [2] : ليّنه بعض الحفّاظ. انتهى. وفيها عمر [3] بن عبيد الطّنافسيّ الكوفيّ. روى عن زياد بن علاقة، والكبار. ووثّقه أحمد، وابن معين. وفيها على الأصح المعافى بن عمران أبو مسعود الأزديّ، عالم أهل الموصل وزاهدهم. رحل، وطاف، وسمع من ابن جريج وطبقته. ذكره سفيان الثّوري فقال: هو ياقوتة العلماء.

_ [1] هو محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني يلقب (النفس الزكية) . (ع) . [2] (1/ 313) . [3] في الأصل: «عمرو» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع.

وقال محمّد بن عبد الله بن عمّار الحافظ: لم ألق أفضل منه. وقال ابن سعد: كان ثقة، فاضلا، صاحب سنّة. وكان ابن المبارك- وهو أسنّ منه- يقول: حدّثني ذلك الرّجل الصالح. وفيها يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المدنيّ [1] ابن عم عبد العزيز بن الماجشون. روى عن الزّهريّ، وابن المنكدر، وكان كثير العلم. وفيها أمير دمشق للرّشيد محمد بن إبراهيم الإمام [ابن محمّد] [2] بن علي بن عبد الله [3] بن عبّاس العبّاسيّ.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «المزني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 292) وكتب الرجال. [2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 292) و «البداية والنهاية» لابن كثير (10/ 186) . [3] في الأصل، والمطبوع: «ابن علي بن علي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «البداية والنهاية» .

سنة ست وثمانين ومائة

سنة ست وثمانين ومائة فيها حجّ الرّشيد ومعه ابناه، فأعطى أهل مكّة والمدينة ما مبلغه ألف ألف دينار وخمسون ألف دينار، وكتب كتاب لولديه، وأشهد عليهما بما فيه من وفاء كل أحد منهما لصاحبه. قاله في «الشذور» [1] . وفيها سار عليّ بن عيسى بن ماهان في الجيوش من مرو، فالتقى هو وأبو الخصيب [2] بنسإ [3] فظفر بأبي الخصيب، واستقامت خراسان للرّشيد. وفيها توفي حاتم بن إسماعيل المدنيّ. روى عن هشام بن عروة وطبقته. وكان ثقة كثير الحديث. وقيل: مات في التي تليها. وحسّان بن إبراهيم الكرمانيّ قاضي كرمان. روى عن عاصم الأحول وجماعة. قال في «المغني» [4] : حسّان بن إبراهيم الكرمانيّ، ثقة. قال النّسائيّ: ليس بالقويّ. وقال أبو زرعة: لا بأس به. انتهى.

_ [1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» لابن الجوزي. [2] أبو الخصيب: هو وهيب بن عبد الله النسائي. (ع) . [3] مدينة من مدن خراسان من أرض إيران. انظر خبرها في «معجم البلدان» (5/ 281- 282) . [4] (1/ 156) .

وقد خرّج له الشيخان، وأبو داود. وفيها خالد بن الحارث أبو عثمان البصريّ الحافظ. روى عن أيّوب وخلق. قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبّت بالبصرة. قال ابن ناصر الدّين: خالد بن الحارث بن سليمان بن عبيد بن سفيان الهجيميّ البصريّ- وبنو الهجيم من بني العنبر من تميم- كان من الحفّاظ الثقات المأمونين. انتهى. وفيها سفيان بن حبيب البصريّ البزّاز. روى عن عاصم الأحول، وطائفة. قال أبو حاتم: ثقة، أعلم النّاس بحديث سعيد بن أبي عروبة. وفيها، أو في التي تليها، عبّاد بن العوّام الواسطيّ ببغداد. روى عن أبي مالك الأشجعيّ وطبقته. وكان صاحب حديث وإتقان. وعيسى غنجار [1] أبو أحمد البخاريّ، محدّث ما وراء النهر. رحل، وحمل عن سفيان الثّوريّ. وطبقته. قال الحاكم: هو إمام عصره، طلب العلم على كبر السن، وطوّف. يروي عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين، وحديثه عن الثقات مستقيم. وفيها فقيه المدينة أبو هاشم المغيرة بن عبد الرّحمن المخزوميّ وله اثنتان وستون سنة. روى عن هشام بن عروة وطبقته. قال الزّبير بن بكّار: عرض عليه الرّشيد قضاء المدينة فامتنع، فأعفاه.

_ [1] قال الزبيديّ في «تاج العروس» (غنجر) : وإنما لقب ب غنجار لحمرة وجنتيه. قلت (القائل الزبيدي) : كأنّه معرب: عنجه آر. وانظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر (8/ 232) .

ووصله بألفي دينار، وكان فقيه المدينة بعد مالك. قال في «المغني» [1] : وثّقه غير واحد، وضعّفه أبو داود. انتهى. وفيها عبد الواحد بن زياد العبديّ، مولاهم، البصريّ، أبو بشر، ويقال: أبو عبيدة. وثّقه أحمد وغيره، واحتجّ به الشيخان في «الصحيح» لكنهما لم يخرّجا عنه شيئا مما أنكر عليه، كالأحاديث التي وصلها عن الأعمش وكانت مرسلة لديه. وبشر بن المفضّل بن لاحق الرّقاشيّ مولاهم البصريّ، أبو إسماعيل. حدّث عنه إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، وأشباههم. إليه المنتهى في التثبّت في البصرة. كان ثقة مشهورا. وكان يصلّي كل يوم أربعمائة ركعة، ويصوم يوما، ويفطر يوما.

_ [1] (2/ 673) .

سنة سبع وثمانين ومائة

سنة سبع وثمانين ومائة فيها- على ما قاله في «العبر» [1]- خلعت الرّوم من الملك الست ريني [2] وهلكت بعد أشهر، وأقاموا عليهم نقفور [3] والرّوم تزعم أن نقفور من ولد جفنة الغساني الذي تنصر، وكان نقفور قبل الملك يلي الديوان، فكتب نقفور هذا الكتاب: من نقفور ملك الرّوم، إلى هارون ملك العرب. أما بعد: فإن الملكة كانت قبلي أقامتك مقام الرّخّ [4] وأقامت نفسها مقام البيذق [5] فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهنّ، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك، وإلّا فالسيف بيننا. فلما قرأ الرّشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرّق جلساؤه خوفا من بادرة تقع منه. ثم كتب بيده على ظهر الكتاب: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الرّوم. قرأت كتابك يا ابن

_ [1] (1/ 294) . [2] في الأصل، والمطبوع: «ريتي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 294) . قال الطبري في تاريخه (8/ 269) : وهي أم قسطنطين بن أليون ملك الرّوم وتلقب أغسطه. [3] تصحف في الأصل في هذا الموضع وفي سياق القصة كلها إلى «تقفور» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي، والمصادر التي بين يدي. [4] قال ابن منظور: الرّخّ من أدوات الشطرنج والجمع رخاخ. [وقال] اللّيث: الرّخّ معرب من كلام العجم من أدوات لعبة لهم. «لسان العرب» (رخخ) . [5] الأصل: «البيدق» وانظر «مرآة الجنان» (1/ 412) .

الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه. ثم ركب من يومه وأسرع حتّى نزل مدينة هرقلة، وأوطأ الرّوم ذلّا وبلاء، فقتل، وسبى، وذلّ نقفور وطلب الموادعة على خراج يحمله، فأجابه. فلما ردّ الرّشيد إلى الرّقّة. نقض نقفور، فلم يجسر أحد أن يبلّغ الرّشيد حتّى عملت الشعراء أبياتا يلوّحون بذلك. فقال: أوقد فعلها؟ فكرّ راجعا في مشقّة الشتاء حتّى أناخ بفنائه ونال مراده. وفي ذلك يقول أبو العتاهية: ألا نادت هرقلة بالخراب [1] ... من الملك الموفّق للصّواب غدا هارون يرعد بالمنايا ... ويبرق بالمذكّرة الصّعاب [2] ورايات يحلّ النّصر فيها ... تمرّ كأنّها قطع السّحاب وفيها غضب الرّشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحيى البرمكيّ الوزير أحد الأجواد الفصحاء البلغاء، وكان قد تفقّه على القاضي أبي يوسف، فلأجل ذلك كانت توقيعاته على منهج الفقه. وكتب إلى بعض العمال. أما بعد: فقد كثر شاكوك وقلّ شاكوك، فإما اعتدلت، وإما عزلت. وقال يهودي للرّشيد: إنك تموت هذه السنة. فاغتمّ وشكا إلى جعفر. فقال جعفر لليهوديّ: كم عمرك أنت؟ قال: كذا وكذا مدة طويلة. فقال للرّشيد: اقتله حتّى تعلم أنه كذب. فقتله وذهب ما عنده. وكان جعفر يتحكّم في مملكة الرّشيد بما أراد من غير مشاورة فينفّذها الرّشيد.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بالحراب» وهو تصحيف. [2] كذا في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 296) : «الصعاب» ، وفي «مرآة الجنان» (1/ 413) : «العضاب» ، وفي كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» للأستاذ الدكتور شكري فيصل رحمه الله تعالى، ص (492) ، و «تاريخ الطبري» (8/ 310) : «القضاب» .

وأوّل من ولي الوزارة منهم خالد بن برمك للسّفّاح. وسبب قتله أمور انضمّ بعضها إلى بعض، منها: أنه زوج الرّشيد جعفرا العبّاسة لغرض الاجتماع والمحرمية، وشرط عليه ألّا يجتمع بها، فقدر الاجتماع لحصول رغبة من العبّاسة. حكى الشيخ شهاب الدّين بن أبي حجلة [1] في «ديوان الصبابة» أن العبّاسة كتبت إلى جعفر قبل مواقعته إيّاها: عزمت على قلبي بأن يكتم الهوى ... فصاح ونادى إنني غير فاعل فإن لم تصلني بحت بالسّرّ عنوة ... وإن عنّفتني في هواك عواذلي وإن كان موت لا أموت بغصّتي ... وأقررت قبل الموت أنّك قاتلي [2] فواقعها، وحملت منه، وولدت سرّا. فأرسلت الولد إلى مكّة. ثم اتصل خبره بالرّشيد. ومنها أنّ الرّشيد سلّم لجعفر يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنّى، وكان قد خرج عليه، وأمره بحبسه عنده، فرقّ له جعفر لقرابته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واتّصاله به، فأطلقه، فلما بلغ الرّشيد إطلاقه أضمرها له. وقال: قتلني الله على البدعة إن لم أقتله. ومنها أنه رفعت إليه رقعة لم يعرف صاحبها مكتوب فيها: قل لأمين الله في أرضه ... ومن إليه الحلّ والعقد هذا ابن يحيى قد غدا مالكا ... مثلك ما بينكما حدّ

_ [1] هو أحمد بن يحيى بن أبي بكر التلمساني، أبو العباس شهاب الدين، ابن أبي حجلة، عالم بالأدب، شاعر من أهل تلمسان، سكن دمشق، مات سنة (776) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (1/ 268- 269) وقد طبع «ديوانه» في مصر على هامش كتاب «تزيين الأسواق» لداود الأنطاكي المعروف بالأكمه، وسوف ترد ترجمته مفصلة في المجلد الثامن من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. [2] الأبيات في «ديوان الصبابة» على هامش كتاب «تزيين الأسواق» ص (84) .

أمرك مردود إلى أمره ... وأمره ليس له ردّ [وقد بنى الدّار التي ما بنى ال ... - فرس لها مثلا ولا الهند الدّرّ والياقوت حصباؤها ... وتربها العنبر والنّدّ] [1] ونحن نخشى أنّه وارث ... ملكك إن غيّبك اللّحد ولن يباهي العبد أربابه ... إلّا إذا ما بطر العبد ومع ذلك فقد كان الرّشيد رأى إقبال النّاس على البرامكة وكثرة أتباعهم وأشياعهم، مع الإدلال العظيم منهم، ومع الإغراء من أعدائهم، كالفضل بن الرّبيع وغيره، ومع ذلك فكان الرّشيد إذا ذكرت مساوئهم عنده يقول: أقلّوا ملاما لا أبا لأبيكم ... عن القوم أو سدّوا المكان الّذي سدّوا ولما أذن الله سبحانه ببلائهم، ظهرت منامات وعلامات لهم ولغيرهم، وإشارات تطول. منها أن يحيى بن خالد حجّ فتعلّق بأستار الكعبة، وقال: اللهمّ إن كان رضاك في أن تسلبني نعمك [2] فاسلبني، وإن كان رضاك في أن تسلبني أهلي وولدي فاسلبني، إلّا الفضل. ثم رجع وقال: اللهمّ إنه قبيح بمثلي أن يستثني عليك. اللهمّ والفضل. ومنها ما حكى سهل بن هارون قال: كنت أكتب بين يدي يحيى بن خالد البرمكيّ، فأخذته سنة، فقال: طرقني النوم. فقلت: ضيف كريم إن قرّبته روّحك وإن منعته عذّبك. قال: فنام فواق ناقة، وانتبه مذعورا. فقال: ذهب والله ملكنا، رأيت منشدا أنشدني: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلكان (1/ 335) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 419) . [2] في «تاريخ الطبري» (8/ 292) : «نعمتك» والمؤلف ينقل القصة عنه بتصرّف.

فأجبته: بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف اللّيالي والجدود العواثر [1] فقتل جعفر بن يحيى بن خالد بعد أيام. ومنها أن جعفر وقف على كنيسة بالحيرة فيها حجر مكتوب لا تفهم كتابته. فقال: هاتوا من يترجمه، وقد جعلت ما فيه فألا لما أخافه من الرّشيد، فإذا فيه: إنّ بني المنذر عام انقضوا ... بحيث شاد البيعة الرّاهب أضحوا ولا يرجوهم راغب ... يوما ولا يرهبهم راهب تنفح بالمسك ذفاريهم ... والعنبر الورد له قاطب فأصبحوا أكلا لدود الثّرى ... وانقطع المطلوب والطّالب [2] فحزن جعفر. ومنها أنّ الرّشيد لما نزل بالأنبار وفي صحبته جعفر، وكانت ليلة السبت لانسلاخ المحرّم، وقيل: أول ليلة من صفر من هذه السنة مضى جعفر إلى منزله فأتاه أبو زكّار [3] الأعمى الكلوذاني فاستحضره وجواريه خلف الستارة يضربن، وأبو زكّار [3] يغنّيه: فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي وكلّ ذخيرة لا بدّ يوما ... وإن بقيت تصير إلى نفاد

_ [1] البيتان في «وفيات الأعيان» (1/ 337) ، و «مرآة الجنان» (1/ 420) ، ولفظة «فأجبته» التي بينهما لم ترد فيهما. [2] الأبيات في «وفيات الأعيان» (1/ 339) . [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو ركاب الأعمى الطنبوري» وأثبت ما في «تاريخ الطبري» (8/ 295) . وكذا هو في المصادر والمراجع الأخرى التي بين يدي «أبو زكار» ولكن لم يرد ذكر للفظتي «الكلوذاني» أو «الطنبوري» في أيّ منها.

ولو فوديت من حدث اللّيالي ... فديتك بالطّريف وبالتّلاد [1] فتطيّر جعفر ودخل عليه الرّسول الذي يريد قتله في تلك الحال، وعلى تلك الهيئة. وذكر الطبريّ في «تاريخه الكبير» [2] في حوادث سنة سبع وثمانين وماية أن الرّشيد دعا ياسرا [3] غلامه وقال: امض فأتني برأس جعفر، فأتى ياسر منزل جعفر ودخل عليه هجما بلا إذن وأبو زكّار [4] يغنّيه، فقال له جعفر: يا ياسر سررتني بإقبالك وسؤتني بدخولك بلا إذن، فقال ياسر: الأمر أكبر من ذلك، أمير المؤمنين أمرني بكذا، فقال: دعني لأدخل فأوصي. قال: لا سبيل إلى ذلك. قال: فأسير معك لمنزل أمير المؤمنين بحيث يسمع كلامي. قال: لك ذلك، ومضيا إلى منزل أمير المؤمنين، ودخل ياسر عليه وعرّفه الخبر. فقال: يا ماصّ بظر أمّه، والله لئن راجعتني فيه لأقتلنّك قبله. فرجع ياسر، فأخذ رأس جعفر ودخل به إلى الرّشيد فوضعه بين يديه، فنظر إليه وبكى، ثم قال: يا ياسر جئني بفلان وفلان، فلما أتاه بهما، قال لهما: اضربا عنق ياسر، فإني لا أقدر أن أرى قاتل جعفر، ففعلا. انتهى. وقيل غير ذلك في كيفية قتله ومن قتله. ثم أمر الرّشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وولده

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (1/ 338) ، و «مرآة الجنان» (1/ 421) . والبيت الأول في «تاريخ الطبري» (8/ 295) ، والبيتان الأول والثاني في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (6/ 177- 178) . [2] (8/ 295) والمؤلف ينقل منه بتصرّف واختصار، وكأني به قد خلط في نقله بين عبارة الطبري في «تاريخه» وعبارة اليافعي في «مرآة الجنان» (1/ 421) . [3] كذا في الأصل، والمطبوع، و «وفيات الأعيان» (1/ 338) ، و «مرآة الجنان» : «دعايا سرّا» ، وفي «تاريخ الطبري» : «أرسل مسرورا الخادم» . [4] في الأصل، والمطبوع: «أبو ركاب» انظر الصفحة السابقة.

الفضل وبقية أولاده، ومن كان منه بسبيل، فحبسوا، واستمر يحيى والفضل في السجن إلى أن ماتا، ولهما قصائد طنّانة تستعطف الرّشيد عليهم لم ينتج منها شيء. ثم فرّق الرّشيد الكتب من ليلته في جميع البلدان والأعمال في قبض أموالهم وأخذ وكلائهم، ولما أصبح بعث بجثّة جعفر بن يحيى مع جماعة منهم مسرور الخادم وأمرهم بقطعها وصلبها، فقطعت قطعتين، فصلبت قطعة على الجسر الأعلى، وقطعة على الجسر الأسفل، ونصب رأس جعفر على الجسر الأوسط، وأمر الرّشيد بالنداء في جميع البرامكة أن لا أمان لمن آوى أحدا منهم، ومنع النّاس من التقرّب إلى جعفر. فرأى أبا قابوس الرّقاشيّ قائما تحت جذعة يزمزم بشعر يرثيه، فقال له: ما كنت قائلا تحت جذع جعفر؟ قال: أو ينجيني منك الصدق؟ قال: نعم، قال: ترحّمت عليه وقلت: أمين الله هب فضل بن يحيى ... لنفسك أيّها الملك الهمام وما طلبي إليك العفو عنه ... وقد قعد الوشاة به وقاموا أرى سبب الرّضا فيه قويّا ... على الله الزّيادة والتّمام نذرت عليّ فيه صيام عام ... فإن وجب الرّضا وجب الصّيام وهذا جعفر بالجسر تمحو ... محاسن وجهه ريح قتام أقول له وقمت لديه نصبا ... إلى أن كاد يفضحني القيام أما والله لولا قول واش ... وعين للخليفة لا تنام لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للنّاس بالرّكن استلام فما أبصرت مثلك يا بن يحيى ... حسام فلّه السيف الحسام على اللّذّات في الدّنيا جميعا ... لدولة آل برمك السّلام فلما سمع هارون الرّشيد ذلك أطرق مليّا واستعبر، ثم قال رجل: أولى جميلا، فقال: جميلا، يا غلام ناد بأمان أبي قابوس، ولا يعارض، ولا

يحجب عنّا بعد في مهمّ من مهمّاته. ثم استصفى الرّشيد أموال البرامكة وأخذ ضياعهم، وأموالهم، ومتاعهم، فوجد لهم مما حباهم به اثني عشر ألف ألف. ووجد من سائر أموالهم ثلاثين ألف ألف وستمائة ألف وستة وسبعين ألفا، وأما غير الأموال من الضّياع، والغلّات، والأواني فشيء لا يوصف [1] أقلّه، ولا يعرف أيسره، فضلا عن جميعه، إلّا من أحصى الأعمال وعرف منتهى الآجال. وما ذكرنا قطرة من بحر من أخبارهم، والله أعلم. ولما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر، حوّل وجهه إلى القبلة وقال: اللهمّ إنه كان قد كفاني مؤونة الدّنيا فاكفه مؤونة الآخرة. وفيها توفي محمّد بن عبد الرّحمن الطّفاويّ البصريّ. سمع أيوب السّختياني وجماعة. قال في «المغني» [2] : محمّد بن عبد الرّحمن الطّفاويّ، من شيوخ أحمد، وثقوه. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. انتهى. ورباح بن زيد الصنعانيّ صاحب معمر. قال أحمد، كان خيارا. ما أرى في زمانه [من] [3] كان خيرا منه. انقطع في بيته. وعبد الرّحيم بن سليمان الرّازيّ نزيل الكوفة. كان ثقة صاحب حديث. له تصانيف. روى عن عاصم الأحول وخلق. وعبد السّلام بن حرب الملائيّ الكوفيّ الحافظ. وله ست وتسعون

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «لا يصف» . [2] (2/ 604) . [3] لفظة «من» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 296) .

سنة. روى عن أيوب السّختياني وطبقته. قال في «المغني» [1] : صدوق، قال ابن سعد: فيه ضعف. انتهى. وخرّج له العقيليّ. وقال ابن ناصر الدّين: عبد السّلام بن حرب البصريّ ثم الكوفيّ أبو بكر الملائيّ كان مسندا، ثقة، معمّرا، في حديثه لين. انتهى. وعبد العزيز بن عبد الصّمد البصريّ الحافظ. روى عن أبي عمران الجوني والكبار. وكان يكنّى أبا عبد الصّمد. قال ابن ناصر الدّين: كان حافظا من الثقات والمشايخ الأثبات. انتهى. وفيها أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد الدّراورديّ المدنيّ. روى عن صفوان بن سليم وخلق. وكان فقيها صاحب حديث. قال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح [2] . وفيها عليّ بن نصر بن علي الجهضميّ والد نصر بن علي. روى عن هشام الدّستوائي وأقرانه. وأبو الخطّاب محمّد بن سواء السدوسيّ البصريّ المكفوف الحافظ. سمع من حسين المعلّم، وأكثر عن أبي عروبة. وفيها الإمام أبو محمّد معتمر بن سليمان بن طرخان التيميّ الحافظ، أحد شيوخ البصرة وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبيه، ومنصور، وخلق لا يحصون. قال قرّة بن خالد: ما معتمر عندنا بدون أبيه.

_ [1] (2/ 393) . [2] هو فليح بن سليمان المدني. تقدمت ترجمته في ص (304) من هذا المجلد.

وقال غيره: كان عابدا، صالحا، حجّة، ثقة. وفيها معاذ بن مسلم الكوفيّ النحويّ شيخ الكسائي، عن نحو مائة سنة، وهو الذي سارت فيه هذه الكلمة: إنّ معاذ بن مسلم رجل ... ليس لميقات علمه [1] أمد [2] الأبيات [3] . قال في «المغني» [4] : معاذ بن مسلم عن شرحبيل بن السّمط، مجهول. انتهى. وفي محرّم هذه السنة توفي شيخ الحجاز الإمام أبو علي الفضيل بن عياض التميميّ المروزيّ الزّاهد المشهور أحد العلماء الأعلام. قال فيه ابن المبارك: ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض. وكان قد قدم الكوفة شابّا فحمل عن منصور وطبقته. قال شريك القاضي: فضيل حجّة لأهل زمانه. وقال ابن ناصر الدّين: الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر أبو علي التميميّ اليربوعيّ المروزيّ إمام الحرم، شيخ الإسلام، قدوة الأعلام. حدّث عنه الشّافعيّ، ويحيى القطّان، وغيرهما. وكان إماما: ربّانيا، كبير الشأن، ثقة، نبيلا، عابدا، زاهدا، جليلا. انتهى.

_ [1] في «وفيات الأعيان» و «العبر» : «عمره» . [2] البيت في «وفيات الأعيان» (5/ 218) ، و «العبر» للذهبي» (1/ 298) . [3] قلت: أما تتمة الأبيات وصدرها فلها روايات مختلفة، والله أعلم. قارن على سبيل المثال بين لفظ الأبيات في كلّ من «إنباه الرواة» للقفطي (3/ 290- 291) ، و «وفيات الأعيان» . [4] (2/ 664) .

قال الذهبيّ في «القسطاس في الذّبّ عن الثّقات» : فضيل بن عياض ثقة بلا نزاع، سيّد. قال أحمد بن أبي خيثمة: سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث أزرى على عثمان بن عفّان رضي الله عنه. وحدّثنا عبد الصّمد بن يزيد الصّانع قال: ذكر عند الفضيل- وأنا أسمع- أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: اتّبعوا فقد كفيتم، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم. قلت: لا يقبل قول قطبة، ومن هو قطبة حتّى يسمع قوله واجتهاده، فالفضيل روى ما سمع، ولم يقصد غضّا ولا إزراء على أمير المؤمنين عثمان- رضي الله عنه- ففعل ما يسوغ، أفبمثل هذا يقول: تركت حديثه فهو كما قيل: «رمتني بدائها وانسلّت» [1] . وقطبة، فقد قال البخاريّ: فيه نظر، وضعّفه النّسائيّ وغيره. وأما فضيل فإتقانه وثقته لا حاجة بنا لذكر أقوال من أثنى عليه، فإنه رأس في العلم والعلم رحمه الله تعالى. انتهى كلام «القسطاس» . وقال ابن الأهدل: أبو علي الفضيل بن عياض، قال ابن المبارك: ما على ظهر الأرض أفضل منه. وقال شريك: هو حجة لأهل زمانه. وقال له الرّشيد: ما أزهدك! قال: أنت أزهد منّي، لأني زهدت في الدّنيا الفانية، وأنت زهدت في الآخرة الباقية.

_ [1] مثل ساقه البكري في «فصل المقال» ص (92) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس، والدكتور عبد المجيد عابدين، طبع مؤسسة الرسالة، ودار الأمانة، وتكلم فيه عن قصته فراجعه فهو مفيد.

وقال له: يا حسن الوجه، أنت الذي أمر هذه الأمّة والعباد في يدك [1] وفي عنقك، لقد تقلّدت أمرا عظيما، فبكى الرّشيد وأعطى كل واحد من الحاضرين من العلماء والعباد بدرة- وهي عشرة آلاف درهم- فكلّ قبلها إلّا الفضيل، فقال له سفيان بن عيينة: أخطأت، ألا صرفتها في أبواب البرّ. فقال: يا أبا محمد، أنت فقيه البلد [والمنظور إليه] [2] وتغلط [مثل] [2] هذا الغلط، لو طابت لأولئك طابت لي. وقال: إذا أحبّ الله عبدا أكثر غمّه، وإذا أبغض وسّع عليه دنياه. وقال: لو عرضت عليّ الدّنيا بحذافيرها لا أحاسب عليها، لكنت أتقذّرها كالجيفة. وقال: لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلّا للإمام، لأنه إذا صلح [الإمام] [3] أمن العباد والبلاد. وكان ولده من كبار الصالحين. ولد الفضيل- رضي الله عنه- بسمرقند، وقدم الكوفة شابّا، وسمع من منصور وطبقته، ثم جاور بمكّة إلى أن مات، وقبره بالأبطح مشهور مزور. انتهى كلام ابن الأهدل. وفيها على ما قاله ابن الأهدل أيضا، توفي يعقوب بن داود السّلميّ. كان كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن المثنّى لما خرج على المنصور، وكان عنده صنوف من العلم، فظفر به المنصور، فحبسه في المطبق [4] وأطلقه المهديّ، وكان من خواصّه، إلى أن ظهر له منه تعلّق ببعض

_ [1] كذا في الأصل، و «مرآة الجنان» : «في يدك» ، وفي المطبوع: «بيدك» . [2] زيادة من «مرآة الجنان» (1/ 424) . [3] زيادة من «مرآة الجنان» (1/ 423) . [4] المطبق: سجن من سجون بني العباس. انظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (6/ 72) .

العلويين، فردّه إلى المطبق، وبقي فيه إلى جانب من دولة الرّشيد، فرأى قائلا يقول: حنا على يوسف ربّ فأخرجه ... من قعر جبّ [1] وبيت حوله غمم قال: فمكثت بعده حولا آخر، ثم رأيت قائلا يقول: عسى فرج يأتي به الله إنّه ... له كلّ يوم في خليقته أمر قال: فمكثت بعده حولا آخر، ثم رأيت قائلا يقول: عسى الهمّ [2] الّذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفكّ عان ... ويأتي أهله النّائي الغريب فأخرجت صبيحة ذلك اليوم. فلما رأيت الضوء ذهب بصري، فجيء بي إلى الرّشيد، فأحسن إليّ، وردّ عليّ مالي. ثم إن الرّشيد خيّره بين المقام عنده وبين الذّهاب، فاختار الذهاب إلى مكّة، فجاور بها حتّى مات رحمه الله تعالى. وفيها إبراهيم بن ماهان الموصليّ التميميّ، مولاهم، المعروف بالنّديم، صاحب الغناء، ومخترع الألحان فيه، وأول خليفة سمعه المهديّ. حكي أن الرّشيد هوي جارية فغاضبته مرّة، فأنف [3] منها، فهجرها، فقال في ذلك العبّاس بن الأحنف بسؤال جعفر البرمكي: راجع أحبّتك الّذين هجرتهم ... إنّ المتيّم قلّما يتجنّب إنّ التّجنّب إن تطاول منكما ... دبّ السّلوّ له فعزّ المطلب [4]

_ [1] في «مرآة الجنان» (1/ 426) : «من قعر بئر» . [2] في «مرآة الجنان» : «عسى الكرب» . [3] في الأصل، والمطبوع: «وأنف» وما أثبته من «غربال الزمان» ص (175) . [4] البيتان في «الأغاني» (5/ 241) مصوّرة مؤسسة جمال للطباعة والنشر ببيروت، و «مرآة

وأمر جعفر إبراهيم الموصلي أن يغنّي الرّشيد، ففعل، فبادر وترضّاها، فسألت الجارية عن السبب، فأخبرت، فحملت لكلّ منهما مالا جزيلا. وكانت وفاة إبراهيم بالقولنج [1] ، وله مصنفات كثيرة في الفقه، وغريب الحديث، والنّوادر، والشعر، وغير ذلك، والله تعالى أعلم.

_ الجنان» (1/ 427) وقد ذكر محققه الدكتور عبد الله الجبوري في حاشيته بأنهما في «ديوانه» ص (28) . [1] في الأصل، والمطبوع: «بالقلولنج» وهو خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» .

سنة ثمان وثمانين ومائة

سنة ثمان وثمانين ومائة فيها غزا المسلمون الرّوم وعليهم إبراهيم بن جبريل، من درب الصّفصاف [1] ، والتقوا، فجرح الملك نقفور ثلاث جراحات، وانهزم، وقتل من جيشه أربعون [2] ألفا، وأخذ منهم أربعة آلاف دابة [3] . وحجّ الرّشيد بالنّاس في هذه السنة. وفيها عرّس المأمون بأمّ عيسى بنت عمّه موسى الهادي. وفيها توفي محدّث الرّيّ الحافظ أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضّبّيّ، وله ثمان وسبعون سنة. روى عن منصور وطبقته من الكوفيين، ورحل إليه النّاس لثقته وسعة علمه [4] . ورشدين بن سعد المهريّ. محدّث مصر، لكنه ضعيف. وفيه دين وصلاح. روى عن زبّان [5] بن فائد، وحميد بن هانئ، وخلق كثير.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «درب الصفاف» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 299) ، وانظر «تاريخ الطبري» (8/ 313) . [2] في الأصل: «أربعين» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [3] نقل المؤلف هذا الخبر عن «تاريخ الطبري» بتصرف. [4] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (64- 65) بتحقيقي طبع دار ابن كثير. [5] في الأصل، والمطبوع: «زياد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 229) وكتب الرّجال التي بين يدي.

قال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [1] : هو أبو الحجّاج المصريّ. عن [2] عقيل، ويونس بن يزيد. وعنه قتيبة، وأبو كريب. وهاه ابن معين وغيره. وقال ابن يونس: كان رجلا صالحا لا يشك [3] في صلاحه وفضله، فأدركته غفلة الصالحين، فخلّط [4] في الحديث. انتهى. وعبدة بن سليمان الكلابيّ الكوفيّ. روى عن عاصم الأحول وطبقته. قال أحمد: ثقة وزيادة، مع صلاح وشدّة فقر، وكنيته أبو محمد. وفيها، وقيل: سنة تسعين، عتّاب بن بشير الحرّانيّ. صاحب خصيف، وكان صاحب حديث. قال في «المغني» [5] عتّاب بن بشير الجزري. عن خصيف. قال بعضهم: أحاديثه عن خصيف منكرة. وقال ابن معين: ثقة. انتهى. وقد خرّج له البخاريّ، وأبو داود، والنّسائي. وفيها عقبة بن خالد السّكوني [6] . روى عن هشام بن عروة وطبقته. وفيها- أو سنة تسعين- محمّد بن يزيد الواسطيّ. روى عن إسماعيل ابن خالد وجماعة. وعمر بن أيّوب الموصليّ المحدّث الزّاهد. رحل وسمع من جعفر بن برقان. قال ابن معين: ثقة مأمون.

_ [1] (1/ 283) . [2] في الأصل. والمطبوع: «من» وأثبت ما في «حسن المحاضرة» . [3] في «حسن المحاضرة» : «لا شك» . [4] في «حسن المحاضرة» : «مخلط» . [5] (2/ 422) . [6] كنيته أبو مسعود. انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 102) .

وقال ابن عمّار: ما رأيته يذكر الدّنيا. وفيها مقرئ الكوفة سليم بن عيسى الحنفيّ، مولاهم، صاحب حمزة. تصدّر لإقراء النّاس مدّة. وعليه دارت [1] قراءة حمزة. وروى عن الثّوريّ. قال العقيليّ: مجهول. وفيها، على الصحيح، الإمام أبو عمرو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السّبيعيّ. رأى جدّه وسمع من إسماعيل بن أبي خالد وخلق من طبقته. وروى عنه من الكبار حمّاد بن سلمة، وهو أكبر منه. ذكر لابن المديني فقال: بخ بخ، ثقة مأمون. وقال أحمد بن داود الحدّاني: سمعت عيسى بن يونس يقول: لم يكن في أسناني [2] أبصر بالنحو مني، فدخلتني منه نخوة فتركته. وقال أحمد بن حنبل: الذي كنّا نخبر أن عيسى كان يغزو سنة ويحجّ سنة، فقدم بغداد في شيء من أمر الحصون فأمر له بمال فلم يقبله [3] . وفيها يحيى بن عبد الملك بن أبي عنيّة الكوفيّ. روى عن العلاء بن المسيّب وجماعة، وكان من عبّاد المحدّثين. قال أحمد العجلي: قالوا له: دواء عينيك ترك البكاء، قال: فما جبرهما إذا.

_ [1] في الأصل: «دارة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [2] قال ابن منظور: فلان سنّ فلان، إذا كان مثله في السّنّ. «لسان العرب» (سنن) . [3] في الأصل، والمطبوع: «فلم يقبل» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 301) وهو مصدر المؤلف في نقله.

سنة تسع وثمانين ومائة

سنة تسع وثمانين ومائة فيها كان الفداء الذي لم يسمع بمثله حتّى لم يبق بأيدي الرّوم مسلم إلّا فودي به. وفيها توهّم الرّشيد في علي بن عيسى بن ماهان أمير خراسان الخروج، فسار حتّى نزل بالرّيّ، فبادر إليه علي بأموال، وجواهر، وتحف، تتجاوز الوصف، فأعجب الرّشيد وردّه على عمله. وفيها توفي في صحبة الرّشيد شيخ القراءات والنحو الإمام أبو الحسن عليّ بن حمزة الأسديّ الكوفيّ الكسائيّ، أحد السبعة، قرأ على حمزة، وأدّب الرّشيد وولده الأمين، وهو من تلامذة الخليل. قال الشّافعيّ: من أراد أن يتبحّر في النحو فهو عيال على الكسائيّ. وعنه قال: من تبحّر في النحو اهتدى إلى جميع العلوم. وقال: لا أسأل عن مسألة في الفقه إلّا أجبت عنها من قواعد النحو، فقال له محمد بن الحسن: ما تقول فيمن سها في سجود السهو، يسجد؟ قال: لا، لأن المصغّر لا يصغّر. وله مع اليزيدي وسيبويه مناظرات كثيرة. توفي بالرّيّ صحبة هارون. وفي ذلك اليوم مات محمد بن الحسن الحنفيّ، فقال الرّشيد: دفنت

العربية والفقه بالرّيّ اليوم. ومع تبحّر الكسائيّ في النحو والعربية لم يكن له معرفة بالشعر. وقيل له: الكسائيّ لأنه أحرم في كساء، وقيل: لأنه جاء إلى حمزة ضائفا بكساء، فقال حمزة: من يقرأ؟ فقيل: صاحب الكساء، فبقي عليه اللقب. وأما محمّد بن الحسن المذكور، فكان فصيحا بليغا. قال الشّافعيّ: لو قلت: إن القرآن نزل بلغة محمّد بن الحسن لفصاحته لقلت. وصنّف «الجامع الكبير» ، و «الجامع الصغير» ، وكان منشؤه بالكوفة، وتفقّه بأبي حنيفة، ثم بأبي يوسف. قال الشّافعيّ: ما رأيت سمينا ذكيا إلّا محمّد بن الحسن. قال في «العبر» [1] : قاضي القضاة وفقيه العصر أبو عبد الله محمّد بن الحسن الشّيبانيّ مولاهم، الكوفيّ المنشأ، ولد بواسط، وعاش سبعا وخمسين سنة. وسمع أبا حنيفة، ومالك بن مغول وطائفة، وكان من أذكياء العالم. قال أبو عبيد: ما رأيت أعلم بكتاب الله منه. وقال الشّافعيّ: لو أشاء أن أقول نزل [2] القرآن بلغة محمّد بن الحسن لقلت، لفصاحته. وقد حملت عنه وقر بختيّ. وقال محمد: خلّف أبي ثلاثين ألف درهم، فأنفقت نصفها على النحو والشعر، وأنفقت الباقي على الفقه [3] .

_ [1] (1/ 302- 303) . [2] في «العبر» : «تنزل» . [3] في «العبر» (1/ 303) : «فأنفقت نصفها على النحو بالري» .

قال الخطيب: وولي القضاء بعد محمّد بن الحسن عليّ بن حرملة التيميّ صاحب أبي حنيفة. انتهى كلام «العبر» . وقال ابن الفرات: محمد بن الحسن بن فرقد الشّيبانيّ الإمام الربّانيّ صاحب أبي حنيفة- رضي الله عنه- أصله دمشقي من أهل قرية حرستا. قدم أبوه العراق، فولد محمّد براسك [1] سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وقيل: سنة إحدى، وقيل: سنة خمس وثلاثين، ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث، وسمع سماعا كثيرا، وجالس أبا حنيفة. وسمع منه، ونظر في الرأي، وغلب عليه، وعرف به، وكان من أجمل النّاس وأحسنهم. قال أبو حنيفة لوالده حين حمله إليه: احلق شعر ولدك وألبسه الخلقان [2] من الثياب لا يفتتن به من رآه. قال محمد: فحلق والدي شعري، وألبسني الخلقان، فزدت عند الخلق جمالا. وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: أول ما رأيت محمدا وقد اجتمع النّاس عليه، فنظرت إليه فكان من أحسن النّاس وجها، ثم نظرت إلى جبينه فكأنه عاج، ثم نظرت إلى لباسه فكان من أحسن النّاس لباسا، ثم سألته عن مسألة فيها خلاف فقوّى مذهبه ومرّ فيها كالسهم. وكان الشّافعيّ- رضي الله عنه- يثني على محمد بن الحسن ويفضّله، وقد تواتر عنه بألفاظ مختلفة قال: ما رأيت أحدا سأل عن مسألة فيها نظر إلّا رأيت الكراهية في وجهه، إلّا محمد بن الحسن.

_ [1] قال ياقوت: رأسك: مدينة من أشهر مدن مكران، ولها رستاق يقال له: الخروج، وهي حروم حارة. «معجم البلدان» (3/ 15) . قلت: ومكران تقع الآن في الجنوب الأوسط من إيران على مقربة من ساحل خليج عمان. [2] قال في «مختار الصحاح» ص (187) : ثوب خلق، أي بال.

وقال: ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمّد بن الحسن، ولا أفصح منه. وقال: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام، والعلل، والناسخ والمنسوخ من محمد بن الحسن. وقال: لو أنصف الناس لعلموا أنهم لم يروا مثل محمد بن الحسن. ما جالست فقيها قطّ أفقه ولا أفتق لسانه بالفقه منه، إنه كان يحسن من الفقه وأسبابه أشياء تعجز عنها الأكابر. وقيل للشافعيّ: قد رأيت مالكا وسمعت منه، ورافقت محمّد بن الحسن، فأيّهما كان أفقه؟ فقال: محمد بن الحسن أفقه نفسا منه. وقال أبو عبيد: قدمت على محمد بن الحسن فرأيت الشّافعيّ عنده، فسأله عن شيء فأجابه، فاستحسن الجواب، فكتبه، فرآه محمّد، فوهب له دراهم وقال له: الزم إن كنت تشتهي العلم، فسمعت الشّافعيّ- رضي الله عنه [1]- يقول: لقد كتبت عن محمّد وقر بعير ذكر، لأنه يحمل الكثير، ولولاه ما انفتق لي من العلم ما انفتق. وكان محمد قاضيا للرّشيد بالرّقّة، وكان كثير البرّ بالإمام الشّافعي- رضي الله عنه- في قضاء ديونه والإنفاق عليه من ماله، وإعارة الكتب، حتّى يقال: إنه دفع له حمل بعير كتبا. وقد ذكر بعض الشافعية أن محمد بن الحسن وشى بالإمام الشّافعيّ- رضي الله عنه- في قضاء ديونه والإنفاق عليه من ماله، وإعارة الكتب، حتّى يقال: إنه دفع له حمل بعير كتبا. وقد ذكر بعض الشافعية أن محمد بن الحسن وشى بالإمام الشّافعيّ- رضي الله عنه- إلى الخليفة بأنه يدّعي أنه يصلح للخلافة، وكذا أبو يوسف- رحمهما الله- وهذا بهتان وافتراء عليهما، والعجب منهم كيف نسبوا هذا إليهما مع علمهم بأن هذا لا يليق بالعلماء ولا يقبله عقل عاقل؟. انتهى

_ [1] في المطبوع: «رحمه الله تعالى» .

ما ذكره ابن الفرات ملخصا. قلت: ويصدّق مقال ابن الفرات ما ذكره حافظ المغرب الثقة الحجّة الثبت ابن عبد البرّ المالكيّ في ترجمة الشافعي- رضي الله عنه- قال: حمل الشّافعيّ من الحجاز مع قوم من العلوية تسعة وهو العاشر إلى بغداد، وكان الرّشيد بالرّقّة، فحملوا من بغداد إلى الرّقّة، وأدخلوا عليه ومعه قاضيه محمّد بن الحسن الشيباني، وكان صديقا للشافعيّ، وأحد الذين جالسوه في العلم وأخذوا عنه، فلما بلغه أن الشّافعيّ في القوم الذين أخذوا من قريش واتهموا بالطعن على هارون الرّشيد اغتمّ لذلك غمّا شديدا، وراعى وقت دخولهم على الرّشيد، فلما دخلوا عليه سألهم وأمر بضرب أعناقهم، فضربت أعناقهم، إلى أن بقي حدث علوي من أهل المدينة- قال الشّافعيّ: وأنا- فقال للعلويّ: أنت الخارج علينا والزاعم أنّي لا أصلح للخلافة؟ فقال: أعوذ بالله أن أدعي ذلك وأقوله، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويّ: إن كان لا بدّ من قتلي فأنظرني إلى أن أكتب إلى أمّي فهي عجوز لم تعلم خبري، فأمر بقتله فقتل. ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه، فقال لي مثل ما قال للفتى، فقلت: يا أمير المؤمنين لست بطالبيّ ولا علويّ، وإنما أدخلت في القوم بغيا، وإنما أنا رجل من بني عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي، ولي مع ذلك حظ من العلم، والفقه، والقاضي يعرف ذلك، أنا محمد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع بن السائب بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف، فقال لي: أنت محمّد بن إدريس؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال لي: ما ذكرك لي محمّد بن الحسن، ثم عطف على محمد بن الحسن فقال: يا محمد ما يقول هذا؟ هو كما يقوله؟ قال: بلى، وله محل من العلم كبير، وليس الذي رفع عنه من شأنه. قال: فخذه إليك حتّى أنظر في أمره، فأخذني محمّد- رحمه الله- وكان سبب خلاصي لما أراد الله عزّ وجلّ،

هذا لفظ ابن عبد البرّ بعينه. فيجب على كل شافعي إلى يوم القيامة أن يعرف هذا لمحمّد بن الحسن ويدعو له بالمغفرة. وقال ابن خلّكان [1] : قال الرّبيع بن سليمان: كتب الشّافعيّ- رحمه الله- إلى محمّد بن الحسن- رحمه الله- وقد طلب منه كتبا له ليستنسخها [2] فتأخّرت عنه: قل لمن لم تر ع ... ين من رآه مثله ومن كأنّ من رآ ... هـ قد رأى من قبله العلم ينهى أهله ... أن يمنعوه أهله لعلّه يبذله ... لأهله لعلّه ويسمى محمد ابن أبي حنيفة، وهو ابن خالة الفرّاء صاحب النحو واللغة. انتهى ملخصا. وفيها توفي أبو محمّد عبد الأعلى بن عبد الأعلى السّاميّ [3] البصريّ القرشيّ. أحد علماء الحديث. سمع من حميد الطّويل وطبقته. قال ابن ناصر الدّين: صدوق من الأثبات، لكنه رمي بالقدر. وتكلم فيه بندار، وليّنه ابن سعد في «الطبقات» . انتهى. وقال في «المغني» [4] : صدوق. قال ابن سعد: لم يكن بالقوي. قلت [5] : ورمي بالقدر. انتهى.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (4/ 184- 185) والأبيات فيه. [2] في «وفيات الأعيان» : «لينسخها» . [3] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 303) : «الشامي» بالشين وهو خطأ. والتصحيح من «المغني في الضعفاء» (1/ 364) ، و «تقريب التهذيب» (1/ 465) وغير ذلك من كتب الرجال. [4] (1/ 364) . [5] القائل الحافظ الذهبي في «المغني» .

وفيها أبو خالد الأحمر سليمان بن حيّان الكوفيّ، أحد الكبار. روى عن أبي مالك الأشجعي وخلق من طبقته. قال ابن ناصر الدّين: هو سليمان بن حيّان أبو خالد الأزديّ الجعفريّ الكوفيّ. قال ابن معين، وابن عدي عنه: صدوق ليس بحجة، ووثّقه غيرهما. انتهى. وفيها قاضي الموصل عليّ بن مسهر أبو الحسن الكوفيّ الفقيه. روى عن أبي مالك الأشجعي وأقرانه. قال أحمد: هو أثبت من أبي معاوية في الحديث. وقال أحمد العجلي: ثقة جامع للفقه والحديث. وحكّام بن سلم [1] الرّازيّ. يروى عن حميد الطّويل، وطبقته. وفيها، وقيل: قبلها بعام، يحيى بن اليمان العجليّ الكوفيّ الحافظ. روى عن هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وطائفة. ذكره أبو بكر بن عيّاش فقال: ذاك [2] راهب. وعن وكيع قال: ما كان أحد من أصحابنا أحفظ منه. كان يحفظ في المجلس خمسمائة حديث، ثم نسي. وقال ابن المديني: صدوق تغيّر من الفالج. وقال ابن ناصر الدّين: يحيى بن اليمان العجليّ الكوفيّ أبو زكريّا، قرأ القرآن على حمزة الزّيّات. وحدّث عن جماعة. كان صدوقا من حفّاظ هذا

_ [1] في الأصل: «حكام بن أسلم» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (7/ 83) طبع مؤسسة الرسالة. [2] في الأصل: «ذلك» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 304) .

الشأن [1] ، فلج فتغيّر حفظه فغلط فيما يرويه، ومن ثم تكلّم من تكلّم فيه. انتهى. وفيها، أو في حدودها، محمّد بن مروان السّدّيّ الصغير [2] الكوفيّ المفسّر، صاحب الكلبيّ، وهو متروك الحديث.

_ [1] يعني علم الحديث النبوي الشريف. [2] في «العبر» للذهبي (1/ 304) : «السدوسي» وهو خطأ فيصحح فيه. وانظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 63) .

سنة تسعين ومائة

سنة تسعين ومائة فيها استعدّ الرّشيد وأمعن في بلاد الرّوم، فدخلها في مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا، سوى المجاهدين تطوّعا. وبثّ جيوشه في نواحيها، وفتح هرقلة. ولما افتتحها خرّبها، وسبى أهلها، وكان مقامه عليها شهرا. وسارت فرقة فافتتحت حصن الصقالبة، وفرقة افتتحت حصن الصّفصاف وملقونية [1] . وركب حميد بن معيوف في البحر، فغزا قبرس [2] وسبى وأحرق، وبلغ السبي من قبرس ستة عشر ألفا، وكان فيهم أسقفّ قبرس، فنودي عليه، فبلغ ألفي دينار، وبعث نقفور الجزية على رأسه، وامرأته، وخواصّه. فكان ذلك خمسين ألف دينار. وبعث إلى الرّشيد يخضع له ويلتمس منه أن لا يخرب حصونا سمّاها، فاشترط عليه الرّشيد أن لا يعمر [3] هرقلة، وأن يحمل في العام ثلاثمائة ألف دينار. وكتب إليه نقفور: أما بعد، فلي إليك حاجة أن تهب لي [4] لابني

_ [1] في الأصل: «فلفونيه» ، وفي المطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 304) : «مقدونية» وكلاهما خطأ، والتصحيح من جدول الخطأ والصواب الذي أعدّه القدسي- رحمه الله- للجزء الأول من طبعته من هذا الكتاب. قال ياقوت: ملقونية: بلد من بلاد الروم قريب من قونية، تفسيره مقطع الرحى، لأن من جبلها يقطع رحى تلك البلاد. «معجم البلدان» (5/ 194) . قلت: وقونية تقع الآن في الجنوب الأوسط من تركية. [2] في المطبوع: «قبرص» وهو ما تعرف به الجزيرة الآن. [3] في المطبوع: «ألا يعمر» . [4] في الأصل: «أن هب لي» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي.

جارية من سبي هرقلة كنت خطبتها له، فأسعفني بها، فأحضر الرّشيد الجارية، فزيّنت، وأرسل معها سرادقا وتحفا، فأعطى نقفور الرّسول خمسين ألفا وثلاثمائة ثوب وبراذين [وبزاة] [1] . ذكره في «العبر» [2] . وفيها- كما قال ابن الجوزي في «الشذور» [3]- أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون، وكان مجوسيا. وفيها توفي الفقيه أسد بن عمرو البجليّ الكوفيّ صاحب أبي حنيفة وقاضي بغداد. قال في «المغني» [4] : أسد بن عمرو أبو المنذر، عن ربيعة الرّأي، ليّنه [5] البخاريّ. وقال يحيى: كذوب. وقال أحمد: صدوق. وقال ابن عدي: لم أر له شيئا منكرا. انتهى. وفيها قارئ مكّة في زمنه، إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزوميّ، مولاهم المعروف بالقسط، وله تسعون سنة. وهو آخر أصحاب ابن كثير وفاة. قرأ عليه الشّافعيّ وجماعة. وفيها أبو عبيدة الحدّاد البصريّ نزيل بغداد، واسمه عبد الواحد بن واصل. روى عن عوف الأعرابي وعدّة، وكان حافظا متقنا.

_ [1] زيادة من «العبر» . [2] (1/ 305) . [3] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» . [4] (1/ 76) . [5] في «المغني» : «ضعّفه» .

وعبيدة بن حميد الكوفيّ الحذّاء الحافظ وله بضع وثمانون سنة. روى عن الأسود بن قيس، ومنصور، والكبار، وكان صاحب قرآن، وحديث، ونحو. أدّب الأمين بعد الكسائيّ. وكان من الأثبات. وعمر بن علي المقدّميّ أبو جعفر البصريّ. وكان حافظا مدلّسا. كان يقول: حدّثنا، أو يقول: سمعت، ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة، وينوي القطع. قال ابن ناصر الدّين: عمر بن علي بن عطاء المقدّميّ من الثقات، لكنه شديد التدليس. انتهى. وفيها عطاء بن مسلم الخفّاف. كوفيّ صاحب حديث، ليس بالقوي. نزل حلب. وروى عن محمّد بن سوقة وطبقته. وفيها حميد بن عبد الرّحمن الرّؤاسيّ الكوفيّ. روى عن الأعمش وطبقته. قال أبو بكر بن أبي شيبة: قلّ من رأيت مثله. قال في «المغني» [1] : عن الضّحّاك لا يعرف. انتهى. وفيها يحيى بن خالد بن برمك البرمكيّ، توفي في سجن الرّشيد وله سبعون سنة. قال ابن الأهدل: وبرمك من مجوس بلخ، ولا يعلم إسلامه، وكان خالد قد ولي وزارة السّفّاح. قال المسعوديّ [2] : ولم يبلغه أحد من بنيه، لا يحيى في شرفه وبعد همّته، ولا موسى في شجاعته ونجدته.

_ [1] (1/ 195) . [2] في «مروج الذهب» (3/ 277) والمؤلف ينقل عنه باختصار وتصرّف.

وكان المهديّ قد جعل الرّشيد في حجر يحيى، فعلّمه الأدب. وكان يدعوه أبا، فلما ولي دفع إليه خاتمه، وقلّده أمره، وفي ذلك يقول الموصليّ [1] : ألم تر أنّ الشّمس كانت سقيمة ... فلمّا ولي هارون أشرق نورها أمين أمين الله هارون ذو النّدى ... فهارون وإليها وهذا وزيرها ومن كلام يحيى: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهديّة، والكتاب، والرّسول. وكان يقول لبنيه: اكتبوا أحسن [2] ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدّثوا بأحسن ما تحفظون. وفي بنيه يقول الشاعر: أولاد يحيى أربع ... كأربع الطّبائع فهم إذا اختبرتهم ... طبائع الصّنائع [3] وفيه يقول العتّابيّ: سألت النّدى والجود حرّان أنتما ... فقالا كلانا عبد يحيى بن خالد فقلت شراء ذلك الملك قال لا ... ولكن إرثا والدا بعد والد [4] وكان يقول: إذا أقبلت فأنفق فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت فأنفق فإنها لا تبقى. وقال: يدل على حلم الرّجل سوء أدب غلمانه.

_ [1] قال ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (6/ 221) : أظنه إبراهيم النديم، أو ابنه إسحاق، وفي «الكامل» لابن الأثير (6/ 108) : «إبراهيم الموصلي» والأبيات فيه برواية أصوب. [2] لفظة «أحسن» سقطت من «مرآة الجنان» فتستدرك فيه. [3] البيتان في «وفيات الأعيان» (6/ 221) ، و «مرآة الجنان» (1/ 433) وهما برواية أخرى في «مروج الذهب» (3/ 277) . [4] البيتان في «مرآة الجنان» (1/ 435) مع بعض الخلاف، ولم ينسبهما لأحد.

وحكي أنه كتب أبياتا قبل موته يخاطب الرّشيد: سينقطع التّلذذ عن أناس ... أداموه وتنقطع الهموم ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غدا عند الإله من الظّلوم ألا يا بائعا دينا بدنيا ... غرورا لا يدوم لها نعيم تخلّ من الذّنوب فأنت منها ... على أن لست ذا سقم سقيم تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبّه للمنيّة يا نؤوم تروم الخلد في دار التّفاني ... وكم قد رام قبلك ما تروم إلى ديّان يوم الدّين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم ولم يزل يحيى بن خالد وابنه الفضل في الرافقة- وهي الرّقّة القديمة المجاورة للرّقّة الجديدة، وهي البلد المشهورة الآن على شاطئ الفرات، ويقال: لهما الرّقّتان تغليبا كالعمرين- في حبس الرّشيد إلى أن مات يحيى في الثالث من المحرم سنة تسعين وهو ابن سبعين سنة، وصلّى عليه ابنه الفضل بن يحيى ودفن في شاطئ الفرات في ربض هرثمة، ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه: قد تقدم الخصم والمدّعي عليه في الأثر، والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بيّنة، ولما قرأ الرّشيد الرقعة بكى يومه كله، واستمر أياما يتبيّن الأسى في وجهه، ونام يحيى فمات فجأة، فقال الرّشيد: اليوم مات عاقل النّاس. وقال يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يقول: لم يكن ليحيى بن خالد ولولده أحد في الكفاية، والبلاغة، والجود، والشجاعة. انتهى.

سنة إحدى وتسعين ومائة

سنة إحدى وتسعين ومائة فيها أمر الرّشيد بتغيير هيئة أهل الذّمة. وفيها توفي سلمة بن الأبرش قاضي الرّيّ، وراوي المغازي عن ابن إسحاق، وهو مختلف في الاحتجاج به، ولكنه في ابن إسحاق ثقة. وفيها الإمام أبو عبد الله بن عبد الرّحمن بن القاسم العتقيّ، مولاهم، المصريّ الفقيه، صاحب مالك وله ستون سنة، وقد أنفق أموالا كثيرة في طلب العلم، ولزم مالكا مدّة، وسأله عن دقائق الفقه. قال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [1] : عبد الرّحمن بن القاسم بن خالد العتقيّ المصريّ أبو عبد الله، الفقيه، راوية المسائل عن مالك. روى عن ابن [2] عيينة وغيره. وعنه أصبغ، وسحنون، وآخرون. قال ابن حبّان: كان حبرا، فاضلا، تفقّه على مذهب مالك، وفرّع على أصوله. ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، ومات في صفر سنة إحدى وتسعين ومائة. وكان زاهدا، صبورا، مجانبا للسّلطان. انتهى. وفيها الفضل بن موسى السّينانيّ شيخ مرو ومحدّثها- وسينان من قرى

_ [1] (1/ 303) . [2] لفظة «ابن» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع، وقد تحرّفت في «حسن المحاضرة» إلى «أبي» فتصحح فيه.

مرو [1]-. ارتحل وكتب الكثير، وحدّث عن هشام بن عروة وطبقته. قال أبو نعيم الكوفيّ: هو أثبت من ابن المبارك. وقال وكيع: أعرفه ثقة صاحب سنّة. وقال ابن ناصر الدّين: كان ثقة، متقنا، من كبار أهل مرو، صاحب سنّة [2] . وفيها محمد بن سلمة الحرّانيّ الفقيه. محدّث حرّان [3] ومفتيها. روى عن هشام بن حسّان وطبقته. قال ابن سعد: كان ثقة فاضلا له رواية وفتوى [4] . ومخلد [5] بن الحسين الأزديّ المهلّبيّ البصريّ، نزيل المصّيصة. وكان من عقلاء زمانه وصلحائهم. ومعمر بن سليمان الرّقّيّ. روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته. وكان من أجلّاء المحدّثين. ذكره الإمام أحمد فذكر من فضله وهيبته. وقال أبو عبيد: كان من خير من رأيت.

_ [1] انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 300) . [2] انظر ترجمته في «الأنساب» سمعاني (7/ 230) . [3] يعني حرّان جزيرة أقور التي بين سورية والعراق وتركيا. [4] قاله الذهبي في «العبر» (1/ 308) . [5] في الأصل، والمطبوع: «مجالد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 308) وانظر «تهذيب التهذيب» (10/ 72) .

سنة اثنتين وتسعين ومائة

سنة اثنتين وتسعين ومائة فيها أول ظهور الخرّميّة [1] ثاروا بجبال أذربيجان [2] ، فغزاهم حازم بن خزيمة، أو عبد الله بن مالك، فسبى ذراريهم وبيعوا ببغداد [3] . وفيها هدم حائط جامع المنصور وأعيد بناؤه، وزيد في توسعته. وفيها توفي الإمام الكبير أبو محمد عبد الله بن إدريس الأوديّ [4] الكوفيّ الحافظ العابد. روى عن حصين بن عبد الرّحمن وطبقته. وقد روى عن مالك مع قدمه وجلالته.

_ [1] في الأصل: «الحرامية» ، وفي المطبوع: «الخرامية» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 308) و «البداية والنهاية» لابن كثير (10/ 207) . قال السمعاني في «الأنساب» (5/ 96) : هذه النسبة إلى طائفة من الباطنية يقال لهم الخرّمدينية، يعني يدينون بما يريدون ويشتهون، وإنما لقبوا بذلك لإباحتهم المحرمات من الخمر وسائر اللذات، ونكاح ذوات المحارم، وفعل ما يتلذذون به، فلما شابهوا في هذه الإباحة المزدكية من المجوس الذين خرجوا في أيام قباذ وأباحوا النساء كلهنّ وأباحوا سائر المحرمات إلى أن قتلهم أنوشروان بن قباذ، قيل لهم بهذه المشابهة: خرمدينية، كما قيل للمزدكية: خرمدينية. [2] في الأصل: «باروا بجبال أذربيجان» ، وفي المطبوع: «بأروا بجبال أذربيجان» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 436) . [3] راجع نص الخبر في «تاريخ الطبري» (8/ 339) ، و «العبر» و «دول الإسلام» للذهبي و «البداية والنهاية» لابن كثير (10/ 207) . [4] في «العبر» للذهبي (1/ 308) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 436) : «الأزديّ» وهو خطأ فيصحح فيهما.

قال أحمد بن حنبل: كان عبد الله بن إدريس نسيج وحده. وقال ابن عرفة: ما رأيت بالكوفة أفضل منه. وقال أبو حاتم: هو إمام من أئمة المسلمين، حجّة. وقال غيره: لم يكن بالكوفة أعبد لله [1] منه. عاش اثنتين وسبعين سنة. وقال ابن ناصر الدّين: نسيج وحده علما، وعملا، وعبادة، وورعا، وكان إذا لحن أحد في كلامه لم يحدّثه. انتهى. وفيها عليّ بن ظبيان العبسيّ الكوفيّ القاضي، أبو الحسن. ولي قضاء الجانب الشرقيّ ببغداد، ثم ولي قضاء القضاة. وروى عن أبي حنيفة، وإسماعيل بن أبي خالد. وكان محمود الأحكام، ديّنا، متواضعا، ضعيف الحديث. وفيها الفضل بن يحيى [2] بن خالد البرمكيّ أخو جعفر البرمكي. مات في السجن، وقد ولي أعمالا جليلة، وكان أندى كفّا من جعفر مع كبر، وتيه [3] ، له أخبار في السخاء المفرط، حتّى إنه وصل مرة بعض أشراف العرب بخمسين ألف دينار. قاله في «العبر» [4] . وقال ابن الأهدل: قال محمد بن يزيد الدمشقيّ: ولد للفضل ولد، فقام الشعراء يوم سابعه يهنئونه، فنثر عليهم الدنانير مطيّبة بالمسك، وأخذوا وأخذت معهم، ولما خرجوا وخرجت، استدعاني فقال: أحبّ أن تسمعني

_ [1] لفظ الجلالة لم يرد في «العبر» للذهبي. [2] في المطبوع: «الفضل بني يحيى» وهو خطأ. [3] في الأصل: «مع كبروته» وما أثبته من المطبوع و «العبر» للذهبي. [4] (1/ 309) .

في المولود [1] ، شيئا، فاستعفيته، فقال: لا بدّ ولو بيتا واحدا، فقلت: ونفرح بالمولود من آل برمك ... ولا سيّما إن كان من ولد الفضل ويعرف فيه اليمن [2] عند ولاده ... ببذل النّدى والجود والمجد والفضل [3] فأمر لي بعشرة آلاف درهم، فلما نكبوا اتصل بي الولد المولود في أسوأ حال، فقلت له: كلّ ما ترى من المال من أجلك فخذه، فلا وارث لي، وأنا أعيش في فضلك حتّى أموت، فبكى وأبى، فعزمت عليه في البعض، فأبى وكان آخر عهدي به. وكان الفضل كثير البرّ بأبيه حتّى في السّجن، وكان في السجن ينشد قول أبي العتاهية: إلى الله فيما نالنا نرفع الشّكوى ... ففي يده كشف المضرّة والبلوى خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها ... فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا إذا جاءنا السجّان يوما لحاجة ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدّنيا [4] ولما بلغ الرّشيد خبر موته قال: أمري قريب من أمره، فكان كذلك. انتهى ما قاله ابن الأهدل. وقال ابن خلّكان [5] : كان الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي من أكثرهم كرما، مع كرم البرامكة وسعة جودهم، وكان أكرم من أخيه

_ [1] في الأصل: «في المولد» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [2] في «مرآة الجنان» : «ويعرف فيه الخير» . [3] حصل تقديم وتأخير وبعض التصحيف في البيتين في الأصل والمطبوع، وأثبت ما جاء في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 440 و 441) وهو مصدر ابن الأهدل الذي نقل عنه المؤلف رحمه الله. [4] الأبيات في «مرآة الجنان» (1/ 447) وتخريجها فيه فراجعه، وفي البيت الثاني عنده بعض الخلاف. [5] في «وفيات الأعيان» (4/ 27- 29) .

جعفر، [وكان جعفر] [1] أبلغ في الرسائل والكتابة منه، وكان هارون الرّشيد قد ولّاه الوزارة قبل جعفر، وأراد أن ينقلها إلى جعفر، فقال لأبيهما يحيى: يا أبت- وكان يدعوه: يا أبت- إني أريد أن أريد أن أجعل الخاتم الذي لأخي الفضل لجعفر وكان يدعو الفضل: يا أخي، فإنهما متقاربان في المولد، وكانت أمّ الفضل قد أرضعت الرّشيد، واسمها زبيدة من مولّدات المدينة، والخيزران أمّ الرّشيد أرضعت الفضل، فكانا أخوين من الرّضاع، وفي ذلك قال مروان بن أبي حفصة يمدح الفضل: كفى لك فضلا أنّ أفضل حرّة ... غذتك بثدي والخليفة واحد لقد زنت يحيى في المشاهد كلّها ... كما زان يحيى خالدا في المشاهد [2] وقال الرّشيد ليحيى: قد احتشمت من الكتاب إليه في ذلك فاكفنيه، فكتب والده إليه: قد أمر أمير المؤمنين بتحويل الخاتم من يمينك إلى شمالك، فكتب إليه الفضل: قد سمعت ما قاله [3] أمير المؤمنين في أخي وأطعت، وما انتقلت عنّي نعمة صارت إليه، ولا غربت عني رتبة طلعت عليه، فقال جعفر: لله أخي ما أنفس نفسه، وأبين دلائل الفضل عليه، وأقوى منّة العقل فيه، وأوسع في البلاغة ذرعه. وكان الرّشيد قد جعل محمدا في حجر الفضل بن يحيى، والمأمون في حجر جعفر، فاختصّ كل واحد منهما بمن في حجره، ثم إن الرشيد قلّد الفضل عمل [4] خراسان، فتوجّه إليها وأقام بها مدة، فوصل كتاب صاحب البريد بخراسان إلى الرّشيد ويحيى جالس بين يديه، ومضمون الكتاب أن

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، و «وفيات الأعيان» . [2] البيتان في «وفيات الأعيان» (4/ 27) . [3] في «وفيات الأعيان» : «مقالة» . [4] في «وفيات الأعيان» : «بعمل» .

الفضل بن يحيى متشاغل بالصيد وإدمان اللّذات عن النظر في أمر الرعيّة، فلما قرأه الرّشيد رمى به إلى يحيى، وقال له: اقرأ هذا الكتاب واكتب إليه بما يردعه عن هذا، فكتب يحيى على ظهر كتاب صاحب البريد: حفظك الله يا بني وأمتع بك، قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللّذات عن النظر في أمر [1] الرعية ما أنكره، فعاود ما هو أزين بك، فإنه من عاد إلى ما يزينه وترك ما يشينه لم يعرفه أهل بلده إلّا به [2] والسّلام، وكتب في أسفله هذه الأبيات: انصب نهارا في طلاب العلا ... واصبر على فقد لقاء الحبيب حتّى إذا اللّيل أتى مقبلا ... واستترت فيه عيون الرقيب فكابد اللّيل بما تشتهي ... فإنما اللّيل نهار الأريب كم من فتى تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمر عجيب غطّى عليه اللّيل أستاره ... فبات في لهو وعيش خصيب ولذّة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كلّ عدوّ رقيب [3] والرّشيد ينظر إلى ما يكتب، فلما فرغ قال: قد [4] أبلغت يا أبت، ولما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق المسجد [نهارا] [5] إلى أن انصرف من عمله. ومن مناقبه أنه لما ولي [6] خراسان، دخل إلى بلخ وهي [7] وطنهم،

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «أمور» . [2] في «وفيات الأعيان» : «إلى ما يزينه أو يشينه لم يعرفه أهل دهره إلا به» . [3] الأبيات في «وفيات الأعيان» (4/ 28) . [4] لفظة «قد» لم ترد في «وفيات الأعيان» . [5] زيادة من «وفيات الأعيان» . [6] في «وفيات الأعيان» : «لما تولى» . [7] في «وفيات الأعيان» : «وهو» .

وبها النوبهار، وهو بيت النّار التي كانت المجوس تعبدها، وكان جدّهم برمك خادم ذلك البيت، فأراد الفضل هدم ذلك البيت، فلم يقدر لإحكام بنائه، فهدم منه ناحية وبنى فيها مسجدا. انتهى ملخصا. وفيها مفتي الأندلس وخطيب قرطبة، صعصعة بن سلّام الدمشقيّ. أخذ عن الأوزاعيّ، ومالك، والكبار. وأخذ عنه عبد الملك بن حبيب وجماعة.

سنة ثلاث وتسعين ومائة

سنة ثلاث وتسعين ومائة فيها سار الرّشيد إلى خراسان ليمهّد قواعدها، وكان قد بعث في العام الماضي هرثمة بن أعين فقبض له على الأمير عليّ بن عيسى بن ماهان بحيلة وخديعة، واستصفى أمواله وخزائنه، فبعث بها، فوافت الرّشيد وهو بجرجان، على ألف وخمسمائة جمل [1] ثم سار إلى طوس في صفر وهو عليل، وكان رافع بن اللّيث قد استولى على ما وراء النهر وعصى، فالتقى جيشه وعليهم أخوه وهرثمة [2] فهزمهم وقتل أخو رافع، وملك هرثمة بخارى. وفي ذي القعدة، توفي الإمام العلم أبو بشر إسماعيل بن عليّة الأسديّ، مولاهم، البصريّ، واسم أبيه إبراهيم بن مقسم، وعليّة أمّه. سمع أيوب وطبقته. قال يزيد بن هارون [3] : دخلت البصرة وما بها أحد يفضل في الحديث على ابن عليّة. وقال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة.

_ [1] تصحفت في الأصل، والمطبوع إلى «حمل» والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 310) . [2] في الأصل، والمطبوع: «وعليهم أخوهم وهرثمة» ، وأثبت لفظ «العبر» للذهبي وهو مصدر المؤلف في نقله. [3] تحرّف في «العبر» للذهبي (1/ 310) إلى «فهد بن هارون» .

وقال ابن معين: كان ثقة، ورعا، تقيا. وقال شعبة: ابن عليّة سيّد المحدّثين. وقال ابن ناصر الدّين: كان ثبتا، متقنا، لم يحفظ عنه خطأ فيما يرويه، وشهرته بأمه عليّة دون أبيه. انتهى. وبعده بأيام توفي محمد بن جعفر غندر الحافظ، أبو عبد الله، البصريّ، صاحب شعبة. وقد روى عن حسين المعلّم وطائفة. وقال: لزمت شعبة عشرين سنة. قال ابن معين: كان من أصحّ النّاس كتابا. وقال غيره: مكث غندر خمسين سنة يصوم يوما ويفطر يوما. وقال ابن ناصر الدّين: روى عنه أحمد، وابن المديني، وغيرهما. كان أصحّ النّاس كتابا في زمانه، وكان فيه بعض تغفل مع إتقانه. انتهى. وفيها مخلد بن يزيد [1] الحرّانيّ محدّث رحّال. روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وطبقته. وفيها في ذي الحجة أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاريّ الكوفيّ الحافظ نزيل دمشق، وابن عمّ أبي إسحاق [الفزاريّ] [2] . روى عن حميد الطّويل وطبقته. قال أحمد: ثبت حافظ. وقال ابن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «مجالد بن يزيد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 311) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/ 77) . [2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 311) .

وقال ابن ناصر الدّين: كان ثقة حجة. وقال في «المغني» [1] : ثقة حجة. لكنه يكتب عمّن دبّ ودرج، فينظر في شيوخه. وفيها الإمام أبو بكر بن عيّاش الأسديّ مولاهم، الكوفيّ الحنّاط [2] شيخ الكوفة في القراءة [والحديث] [3] وله بضع وتسعون سنة. كان أجلّ أصحاب عاصم. قطع الإقراء [من] [4] قبل موته بتسع عشرة سنة. وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السّنّة من أبي بكر بن عيّاش. وقال غيره: كان لا يفتر من التلاوة، قرأ اثنتي عشرة [5] ألف ختمة. وقيل أربعين ألف ختمة [6] . وفيها العبّاس بن الأحنف أحد الشعراء المجيدين، ولا سيما في الغزل، ومن شعره: إذا هي لم تأتيك إلّا بشافع ... فلا خير في ودّ يكون بشافع

_ [1] «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 652) . [2] تحرّفت في «العبر» للذهبي إلى «الخياط» فتصحح فيه. قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (8/ 436) : وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة، فإن أبا هاشم الرفاعي، وحسين بن عبد الأول سألاه عن اسمه، فقال: شعبة. وسأله يحيى بن آدم وغيره عن اسمه، فقال: اسمي كنيتي. وأما النسائيّ فقال: اسمه محمد. وقيل: اسمه مطرف. وقيل: رؤبة. وقيل: عتيق. وقيل: سالم، وقيل: أحمد، وعنترة، وقاسم، وحسين، وعطاء، وحمّاد، وعبد الله. [3] زيادة من «العبر» للذهبي، وهو مصدر المؤلف في نقله. [4] زيادة من «العبر» للذهبي. [5] في الأصل: «اثنتي عشر» . [6] في «العبر» للذهبي: «وقيل: أربعة وعشرين ألف ختمة» .

فأقسم ما تركي عتابك عن قلى ... ولكن لعلمي أنّه غير نافع وإني وإن لم ألزم الصّبر طائعا ... فلا بدّ منه مكرها غير طائع [1] وفي ثالث جمادى الآخرة توفي هارون الرّشيد أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور بن عبد الله العبّاسي بطوس. روى عن أبيه، وجدّه، ومبارك بن فضالة، وحجّ مرّات في خلافته، وغزا عدة غزوات، حتّى قيل فيه: فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثّغور [2] وكان شهما، شجاعا، حازما، جوادا، ممدّحا، فيه دين وسنّة مع انهماكه على اللّذات، والقيان، وكان أبيض، طويلا، سمينا، مليحا، قد وخطه الشّيب. وورد أنه كان يصلّي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات. ويتصدّق كل يوم من بيت ماله بألف درهم. وكان يخضع للكبار ويتأدب معهم. وعظه الفضيل، وابن السمّاك، وغيرهما. وله مشاركة في الفقه، والعلم، والأدب. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن الفرات: كان الرّشيد يتواضع لأهل العلم والدّين، ويكثر من محاضرة العلماء والصالحين. قال عليّ بن المديني: سمعت أبا معاوية الضّرير يقول: أكلت مع الرّشيد طعاما يوما من الأيام، فصبّ على يديّ رجل لا أعرفه، فقال هارون: يا أبا معاوية! تدري من يصبّ على يديك؟ قلت: لا. قال: أنا. قلت: أنت أمير المؤمنين! قال: نعم إجلالا للعلم.

_ [1] لم أجد الأبيات في «ديوانه» طبع دار صادر، وهي في «مرآة الجنان» (1/ 447) مع بعض الخلاف. [2] (1/ 312) .

ودخل عليه منصور بن عمّار، فأدناه، وقرّبه. فقال له منصور: لتواضعك في شرفك أحبّ إلينا من شرفك. فقال له: يا أبا السّريّ عظني وأوجز، فقال: من عفّ في جماله، وواسى [1] من ماله، وعدل في سلطانه، كتبه الله من الأبرار. وكان طيّب النفس فكها، يحبّ المزح [2] ويميل إلى أهل العفّة، ويكره المراء في الدّين. قال عليّ بن صالح: كان مع الرّشيد ابن أبي مريم المديني، وكان مضحاكا، محداثا، فكها، وكان الرّشيد لا يصبر عن محادثته، وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز، ولطائف المجان، فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا في قصره، وخلطه ببطانته وغلمانه، فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر، فكشف اللحاف عن ظهره، ثم قال له: كيف أصبحت؟ فقال: يا هذا ما أصبحت بعد، مر إلى عملك. قال: ويلك قم إلى الصّلاة، فقال: هذا وقت صلاة أبي الجارود [3] وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي، فمضى وتركه نائما، وقام الرّشيد إلى الصّلاة، وأخذ يقرأ في الصلاة الصبح وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 [يس: 22] وأرتج عليه [4] فقال له ابن أبي مريم: لا أدري والله لم لا تعبده. فما تمالك الرّشيد أن ضحك في صلاته، ثم التفت إليه كالمغضب. وقال: يا هذا ما صنعت؟ قطعت عليّ الصّلاة.

_ [1] في الأصل: «وأوسي» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع. [2] في المطبوع: «المزاح» . [3] هو زياد بن المنذر الهمذاني، أبو الجارود، رأس «الجارودية» من الزيدية. من أهل الكوفة. كان من غلاة الشيعة. افترق أصحابه فرقا، وفيهم من كفّر الصحابة بتركهم بيعة عليّ رضي الله عنه بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم. له كتب، منها «التفسير» رواية عن أبي جعفر الباقر. وكان يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على إمامة عليّ بالوصف لا بالتسمية. مات سنة (150) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 55) . [4] أي لم يقدر على القراءة، كأنه أطبق عليه كما يرتج الباب. انظر «مختار الصحاح» ص (232) «رتج» . (ع) .

قال: والله ما فعلت، إنما سمعت منك كلاما غمّني حين سمعته، فضحك الرّشيد. وقال: إيّاك والقرآن والدّين، ولك ما شئت بعدهما. وكان للرّشيد فطنة وذكاء. قال الأصمعيّ: تأخرت عن الرّشيد ثم جئته، فقال: كيف كنت يا أصمعي؟ قلت: بتّ والله بليلة النابغة، فقال: أنا والله هو: فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع فعجبت من ذكائه وفطنته لمّا قصدته. ودخل الأصمعيّ على الرّشيد ومعه بنيّة له، فقال له الرّشيد: قبّلها، فسكت الأصمعيّ، فقال: قبّل ويلك، فقال الأصمعيّ في نفسه: إن فعلت قتلني، ثم قام فوضع كمّه على رأسها، ثم قبّل. فقال: والله لو أخطأت هذا لضربت عنقك. وكان الرّشيد- رحمه الله- يحبّ الحديث وأهله، وسمع الحديث من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الزّهري، وأكثر حديثه عن آبائه. وروى عنه القاضي أبو يوسف، والإمام الشّافعي رضي الله عنهما. ذكر ذلك ابن الجوزي. ومما رواه الرّشيد عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- «عقّوا عن أولادكم فإنها نجاة لهم من كلّ آفة» [1] . وكان كثير البكاء من خشية الله تعالى، سريع الدمعة عند الذكر، محبّا للمواعظ.

_ [1] لم أره بهذا اللفظ، والمحفوظ ما رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 301- 302) : «عقوا عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قال يحيى بن أيوب العابد: سمعت منصور بن عمّار يقول: ما رأيت أغزر دمعا عند الذّكر من ثلاثة: فضيل بن عياض، وأبي عبد الرّحمن الزّاهد، وهارون الرّشيد. ودخل الإمام الشّافعيّ- رضي الله عنه- على الرّشيد فقال له: عظني، فقال: على شرط رفع الحشمة، وترك الهيبة، وقبول النصيحة. قال: نعم. قال: اعلم أن من أطال عنان الأمل في الغرّة طوى عنان الحذر في المهلة. ومن لم يعوّل على طريق النجاة خسر يوم القيامة إذا امتدت إليه [1] يد الندامة. فبكى هارون ووصله بمال جزيل. ودخل ابن السّمّاك على الرّشيد، فاستسقى الرّشيد ماء، فقال له ابن السّمّاك: بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال: بملكي. قال: لو منعت خروجها بكم كنت تشتريه؟ قال: بملكي. فقال: إن ملكا قيمته شربة ماء لجدير أن لا ينافس فيه. وكان للرّشيد شعر حسن منه: ملك الثّلاث الغانيات عناني ... وحللن من قلبي بكلّ مكان ما لي تطاوعني البريّة كلّها ... وأطيعهنّ وهنّ في عصياني ما ذاك إلّا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعزّ من سلطاني وكان نقش خاتم الرّشيد، العظمة والقدرة لله. انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا. وقال ابن قتيبة في «المعارف» [2] : وأفضت الخلافة إلى هارون الرّشيد سنة سبعين ومائة. وبويع له في اليوم الذي توفي فيه موسى ببغداد. وولد له

_ [1] لفظة «إليه» سقطت من المطبوع. [2] ص (381- 383) بتحقيق الدكتور ثروة عكاشة، طبع دار المعارف بمصر، والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

ابنه عبد الله المأمون ليلة أفضت الخلافة إليه في صبيحتها. وأمه الخيزران وكانت تنزل الخلد ببغداد في الجانب الغربيّ. وكان يحيى بن خالد وزيره، وابناه الفضل، وجعفر، ينزلون في رحبة الخلد، ثم ابتنى جعفر قصره بالدّور، ولم ينزله حتّى قتل. وحجّ هارون بالنّاس ستّ حجج، آخرها سنة ستّ وثمانين ومائة. وحجّ معه في هذه السنة ابناه ووليّا عهده: محمد الأمين، وعبد الله المأمون. وكتب لكل واحد منهما على صاحبه كتابا، وعلّقه في الكعبة. فلما انصرف، نزل الأنبار. ثم حجّ بالناس سنة ثمان وثمانين [ومائة] [1] . وقتل جعفر بن يحيى بالعمر [2] موضع بقرب الأنبار سنة تسع وثمانين ومائة [3] آخر يوم من المحرم، وبعث بجثته إلى بغداد. ولم يزل يحيى بن خالد، وابنه الفضل محبوسين حتّى ماتا بالرّقّة. وخرج الوليد بن طريف الشّاري في خلافته، وهزم غير مرة عسكره [4] ، فوجّه إليه يزيد بن مزيد، فظفر به فقتله. وخرج بعده خراشة [5] الشّاري أيضا. وقتل هارون أنس بن أبي شيخ، وهو ابن أخي خالد الحذّاء [6]

_ [1] زيادة من «المعارف» . [2] في الأصل: «بالقم» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع وهو موافق لما في «المعارف» . [3] كذا في الأصل، والمطبوع: «سنة تسع وثمانين ومائة» ، وفي «المعارف» ط. د. ثروة عكاشة ص (382) ، وط. الصاوي ص (167) : «سنة سبع وثمانين ومائة» . [4] في «المعارف» بطبعتيه: «وهزم غير مرة عسكر» . [5] في الأصل، والمطبوع، و «المعارف» ط. الصاوي: «حراشة» وهو تصحيف، والتصحيح من «المعارف» ط. د. عكاشة. [6] في الأصل، والمطبوع: «وهو ابن أبي خالد الحذاء» وما أثبته من «المعارف» بطبعتيه.

المحدّث. وكان أنس صديقا لجعفر بن يحيى، وصلبه بالرّقّة، وكان يرمى بالزندقة. وكذلك البرامكة [كانوا] [1] يرمون بالزّندقة، إلّا من عصم الله منهم، ولذلك قال الأصمعيّ فيهم: إذا ذكر الشّرك في مجلس ... أضاءت قلوب [2] بني برمك وإن تليت عندهم آية ... أتوا بالأحاديث عن مزدك وغزا هارون سنة تسعين ومائة الرّوم، فافتتح هرقلة، وظفر ببنت بطريقها، فاستخلصها لنفسه، فلما انصرف ظهر رافع بن ليث بن نصر بن سيّار بطخارستان مباينا لعلي بن عيسى، فوجّه إليه هرثمة لمحاربته وإشخاص علي بن عيسى إليه، فلما قدم عليه أمر بحبسه واستصفى [3] أمواله، وأموال ولده. وتوجّه هارون سنة اثنتين وتسعين ومائة ومعه المأمون نحو خراسان حتّى قدم طوس فمرض بها ومات، وقبره [4] هناك. وكانت وفاته ليلة السبت، لثلاث خلون من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وتسعين ومائة، وقد بلغ من السن سبعا وأربعين سنة. وكانت ولايته ثلاثا وعشرين سنة، وشهرين، وسبعة عشر يوما. ومن ولد هارون: محمد، أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر، والمأمون، واسمه عبد الله، وأمه تسمى مراجل. والمؤتمن واسمه القاسم، وصالح، وأبو عيسى، وأبو إسحاق المعتصم [وأبو يعقوب] [5] ، وحمدونة، وغيرهم. انتهى ما قاله ابن قتيبة.

_ [1] زيادة من «المعارف» لابن قتيبة ط. د. عكاشة. [2] في الأصل، والمطبوع: «أثارت قلوب» وأثبت ما في «المعارف» . [3] في «المعارف» : «واستصفاء» . [4] في «المعارف» : «فقبره» . [5] زيادة من «المعارف» لابن قتيبة.

وقال ابن الأهدل: وفي إمرة الرّشيد وأخيه الهادي قام يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنّى وبثّ دعاته في الأرض، وبايعه كثيرون من أهل الحرمين، واليمن، ومصر، والعراقين. وبايعه من العلماء محمد بن إدريس الشّافعي، وعبد ربّه بن علقمة، وسليمان بن جرير، وبشر بن المعتمر، والحسن بن صالح، وغيرهم. وكان هذا في زمن الهادي، فلما فتّش عنه الرّشيد وأخذ عليه بالرصد والطلب، وأمعن في ذلك، فلحق يحيى بخاقان ملك التّرك، وأقام عنده سنتين وستة أشهر والكتب ترد عليه من هارون، وعماله يسألونه تسليم يحيى، فأبى وقال: لا أرى في ديني الغدر، وهو رجل من ولد نبيّكم، شيخ عالم. وقيل: إنه أسلم على يديه سرّا، ثم رحل يحيى من عنده إلى طبرستان، ثم إلى الدّيلم، فأنفذ هارون في طلبه الفضل بن يحيى البرمكي في ثمانين ألف رجل، وكاتبه ملك الدّيلم من الرّيّ، وبذلوا له الأموال حتّى انخدع، ولما فهم يحيى فشله قبل أمان الرّشيد بالأيمان المغلّظة، وكتب له بذلك نسختين، ونسخة عنده، ونسخة عند يحيى البرمكي، فلما قدم عليه أظهر برّه وكرامته. وأعطاه مالا جزيلا، ثم خرج إلى المدينة بإذنه، وقيل: بإذن الفضل دونه، وفرّق المال بالمدينة على قرابته، وقضى دين الحسين بن علي، وحجّ ولم يزل آمنا حتّى وشى به عبد الله بن مصعب الزّبيريّ، فاستدعاه الرّشيد وأخبره بقول الزّبيريّ، فقال يحيى: إن هذا قد كان بايع أخي محمدا ومدحه بقوله: قوموا بأمركم ننهض بنصرتنا ... إنّ الخلافة فيكم يا بني الحسن واليوم يكذب عليّ ويسعى بي إليك، فصدّقه هارون وعذره، ومات ابن مصعب في اليوم الثالث. قيل: وسبب نقض أمان يحيى أنه قال له الرشيد في مناظرات عددها ويحيى في كلّها يقيم له الحجّة على نفسه اتقاء لشرّه، حتّى قال له: من

أقرب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منّا؟ فاستعفاه فلم يعفه، وكرّر ذلك مرارا، فلم يعفه، فقال له يحيى بعد لجاج عظيم: لو بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أكان له أن يتزوج فيكم؟ فقال الرّشيد: نعم، قال: فنحن له أن يتزوج فينا؟ قال: لا. قال: فهذه حسب، فأنف الرّشيد وغضب، وطلب الفقهاء، فاستفتاهم في نقض أمان يحيى، فأحجم بعضهم، وتكلم بعضهم بموجب العلم أنه لا سبيل إلى نقضه، وقال بعضهم: هذا رجل شقّ عصا المسلمين، وسفك الدماء، لا أمان له، فأمر الرّشيد بحبسه، وضيّق عليه حتّى مات محبوسا. وقيل: إنه شدّ إلى جدار، وسمر على يديه ورجليه، وسدّ عليه المنافذ حتّى مات، وقيل: إنه وقع رقعة [1] ودفعها إلى يحيى بن خالد وحرّج عليه بوقوفه بين يدي الله إلّا كتمها إلى موته، ثم يدفعها إلى هارون، فدفعها بعد موته إلى هارون، فإذا فيها: بسم الله الرّحمن الرّحيم، يا هارون المستعدى [عليه] [2] ، قد تقدم والخصم بالأثر، والقاضي لا يحتاج إلى بيّنة. وأما إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنّى فإنه لما انفلت من وقعة فخّ لحق بالمغرب ومعه ابن أخيه محمد بن سليمان الذي قتل بفخّ، فتمكن بها ودعا ونشر دعوته، وأجابوه، واستعمل ابن أخيه على أدنى المغرب من تاهرت إلى فاس، وبقي بها وولده يتوارثونها، وانتشر ملكهم، واستقروا. يقال: إن إدريس أدرك بالسمّ إلى هناك، وأوصى إلى ابنه إدريس بن إدريس، فقام بالأمر إحدى وعشرين سنة، وأوصى إلى ابنه إدريس المثلث، وكان أحد العلماء. قال صاحب كتاب «روضة الأخبار» : وهم على ذلك إلى هذه الغاية،

_ [1] في المطبوع: «وقع في رقعة» . [2] لفظة «عليه» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.

يتوارثون المغرب، والبربر. ويقال: إن عبد المؤمن القائم اليوم بأرض المغرب ينسب إلى بني الحسن بن علي، ظهر على الأندلس سنة أربعين وخمسمائة، وفيه يقول الشاعر من قصيدة طويلة: ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل ... مثل الخليفة عبد القائم بن علي وقد ملكوا المغرب كلهم والأندلس إلى يومنا هذا، وهي سنة سبع وعشرين وستمائة. انتهى ما قاله ابن الأهدل. وفيها، وقيل: بعدها فقيه الأندلس زياد بن عبد الرّحمن اللّخميّ شبطون، صاحب مالك، وعليه تفقّه يحيى بن يحيى قبل أن يرحل إلى مالك، وكان زياد ناسكا، ورعا، أريد على القضاء فهرب. وفيها قتل نقفور ملك الرّوم في حرب برجان [1] وكانت مملكته تسعة أعوام، وملك بعده ابنه شهرين وهلك، فملك زوج أخته ميخائيل بن جرجس لعنهم الله تعالى.

_ [1] قال الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر في خبر من عبر» للذهبي (1/ 313) : كذا كان يسمى ملك البلغار، فإن الحرب التي قتل فيها نقفور كانت مع البلغار.

سنة أربع وتسعين ومائة

سنة أربع وتسعين ومائة فيها وثبت [1] الرّوم على ملكهم ميخائيل، فهرب وترهّب، وقام بعده ليون القائد. وفيها مبدأ الفتنة بين الأمين والمأمون. وكان الرّشيد أبوهما قد عهد [2] بالعهد للأمين، ثم [من] [3] بعده للمأمون. وكان المأمون على إمرة خراسان، فشرع الأمين في العمل على خلع أخيه ليقدّم ولده ابن خمس سنين، وأخذ يبذل [4] الأموال للقوّاد ليقوموا معه في ذلك. ونصحه أولو الرّأي فلم يرعو [5] حتّى آل الأمر إلى أن قتل. وفي آخرها توفي الإمام أبو عمر حفص بن غياث بن طلق النّخعيّ قاضي الكوفة، وقاضي بغداد. روى عن الأعمش وطبقته، وعاش خمسا وسبعين سنة. قال يحيى القطّان: حفص أوثق أصحاب الأعمش.

_ [1] في «العبر» : «وثب» . [2] في «العبر» : «عقد» . [3] زيادة من «العبر» . [4] في «العبر» : «يهدي» . [5] في الأصل: «يرعوي» وأثبت ما في المطبوع.

وقال سجّادة [1] : كان يقال: ختم القضاء بحفص بن غياث. وقال ابن معين: جميع ما حدّث به حفص بالكوفة، وبغداد فمن حفظه. وقال حفص: والله ما وليت القضاء حتّى حملت لي الميتة. وقال ابن ناصر الدّين: كان حفص ثقة متقنا، تكلّم في بعض حفظه. وفيها سويد بن عبد العزيز الدّمشقيّ قاضي بعلبك، قرأ القرآن على يحيى الذّماري. روى عن أبي الزّبير المكّي، وعاش بضعا وثمانين سنة وضعفوه. وعبد الوهّاب بن عبد المجيد الثقفيّ محدّث البصرة. روى عن أيوب السّختياني، ومالك بن دينار، وطبقتهما. وقال الفلّاس: كانت غلّته في السنة أربعين ألفا ينفقها كلّها على أصحاب الحديث. وقال أبو إسحاق النظّام المتكلّم: وذكر عبد الوهّاب، هو والله أحلى من أمن بعد خوف، وبرء بعد سقم، وخصب بعد جدب، وغنى بعد فقر، ومن طاعة المحبوب وفرج المكروب. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثبت متقن. ومحمد بن [أبي] [2] عدي البصريّ المحدّث. روى عن حميد وطبقته، وكان أحد الثقات الكبار، ويقال له: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي [3] .

_ [1] هو الحسن بن حمّاد بن كسيب الحضرمي، أبو علي، البغدادي، يلقب سجادة. انظر «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 165) . [2] لفظة «أبي» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 315) . [3] انظر «تهذيب التهذيب» لابن حجر (9/ 12) .

قال ابن ناصر الدّين: مشهور بالحفظ والثقة. ومحمد بن حرب الخولانيّ الأبرش الحمصيّ، قاضي دمشق. روى عن الزّبيدي فأكثر، وعن محمد بن زياد الألهاني، وكان حافظا مكثرا. ويحيى بن سعيد بن أبان الأمويّ الكوفيّ الحافظ، ولقبه جمل [1] روى عن الأعمش وخلق، وحمل المغازي عن ابن إسحاق، واعتنى بها وزاد فيها أشياء. وقال ابن ناصر الدّين: يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن الأحيحة أبو أيوب القرشيّ الأمويّ الكوفيّ، كان ثبتا، حافظا، نبيلا، كان يلقب جملا [2] عنده عن الأعمش غرائب، ووهم من جعله أحد الأخوة، عمر الأشدق، وعبد الله، وعنبسة، إنما ذلك أخو أبان جدّ يحيى المذكور، وكان من التابعين. انتهى. وفيها استشهد في غزوة أبو علي شقيق البلخيّ الزّاهد، شيخ خراسان. سافر مرّة وفي صحبته ثلاثمائة مريد. وهو شيخ حاتم الأصم [3] . وفيها قاسم بن يزيد الجرمي الموصلي عالم الموصل وزاهدها ومحدّثها المشهور وعابدها. وفيها سلم بن سالم [3] البلخيّ الزّاهد. روى عن ابن جريج وجماعة، وكان صوّاما، قوّاما، عجبا في الأمر بالمعروف. وقال أبو مقاتل السّمرقنديّ: سلم [4] في زماننا كعمر بن الخطّاب في زمانه.

_ [1] في الأصل: «جميل» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [2] في الأصل: «جميل» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [3] تأخر ورود هذه الفقرة في المطبوع إلى عقب الخبر عن قاسم بن يزيد الجرمي. [4] في الأصل، والمطبوع: «سالم بن سالم» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. وانظر «المغني في الضعفاء» للذهبي أيضا (1/ 273) .

قال في «العبر» [1] : قلت: هو وشقيق ضعيفان في الحديث. انتهى. وفيها عمر بن هارون البلخيّ. روى عن جعفر الصّادق وطبقته، وكان كثير الحديث، بصيرا بالقراءات، تركوه. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] (1/ 316) . [2] (1/ 316) .

سنة خمس وتسعين ومائة

سنة خمس وتسعين ومائة لما تيقّن المأمون أن الأمين خلعه تسمّى بإمام المؤمنين، وكوتب بذلك، وجهّز الأمين عليّ بن عيسى بن ماهان في جيش عظيم أنفق عليهم أموالا لا تحصى، وأخذ عليّ معه [1] قيد فضّة ليقيّد به المأمون بزعمه. فبلغ إلى الرّيّ، وأقبل طاهر بن الحسين الخزاعيّ في نحو أربعة آلاف، فأشرف على جيش ابن ماهان وهم يلبسون السلاح، وقد امتلأت الصحراء بهم [2] بياضا وصفرة في العدد المذهّبة. فقال طاهر: هذا ما لا قبل لنا به، ولكن اجعلوها خارجية، واقصدوا القلب [3] ، ثم قبل ذلك ذكّروا ابن ماهان الأيمان التي في عنقه للمأمون، فلم يلتفت، وبرز فارس من جند ابن ماهان فحمل عليه طاهر بن الحسين فقتله، وشدّ داود سياه [4] على علي بن عيسى بن ماهان فطعنه وصرعه، وهو لا يعرفه، ثم ذبحه بالسيف، فانهزم جيشه، فحمل

_ [1] في الأصل: «معه عليّ» ، وأثبت ما في المطبوع. [2] في «العبر» : «بهم الصحراء» . [3] في الأصل: «اقصدوا الكلب» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 316) . [4] في الأصل: «داود شياه» ، وفي المطبوع، و «العبر» للذهبي «داود شباه» . والتصحيح من «تاريخ الطبري» (8/ 393) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (6/ 244 و 457) .

رأسه [1] على رمح، وأعتق طاهر مماليكه شكرا لله، وشرع أمر الأمين في سفال، وملكه في زوال. قيل: إنه لما بلغه قتل ابن ماهان وهزيمة جيشه كان يتصيّد سمكا، فقال لليزيديّ [2] : ويلك دعني كوثر [قد] [3] صاد سمكتين وأنا ما صدت شيئا بعد، وندم في الباطن على خلع أخيه، وطمع فيه أمراؤه، ولقد فرّق عليهم أموالا لا تحصى حتّى فرّغ الخزائن وما نفعوه، وجهّز جيشا فالتقاهم طاهر أيضا بهمذان [4] فقتل في المصافّ خلق كثير من الفريقين، وانتصر طاهر بعد وقعتين أو ثلاث. وقتل مقدّم جيش الأمين عبد الرّحمن الأساوي أحد الفرسان المذكورين بعد أن قتل جماعة، وزحف طاهر حتّى نزل بحلوان [5] . وفيها ظهر بدمشق أبو العميطر السفيانيّ، فبايعوه بالخلافة، واسمه علي بن عبد الله بن خالد بن الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فطرد عاملها الأمير سليمان بن المنصور، فسيّر إليه الأمين عسكرا لحربه، فنزلوا الرّقّة ولم يقدموا عليه. قاله في «العبر» [6] . وفيها توفي إسحاق بن يوسف الأزرق محدّث واسط. روى عن

_ [1] في «العبر» للذهبي «وحمل رأسه» . [2] في «العبر» : «للبريدي» . [3] لفظة «قد» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «العبر» للذهبي. [4] في «العبر» : «بهمدان» وهو خطأ، فهمدان قبيلة من قبائل العرب، وهمذان بلد من بلدان فارس. انظر «اللباب في تهذيب الأنساب» لابن الأثير (3/ 391) ، و «معجم البلدان» (5/ 410) . [5] قال ياقوت: حلوان: بليدة بقوهستان نيسابور، وهي آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان. انظر «معجم البلدان» (2/ 294) . [6] (1/ 317- 318) .

الأعمش وطبقته، وكان حافظا، عابدا، يقال: إنه بقي عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء. قال ابن ناصر الدّين: إسحاق بن يوسف بن مرداس القرشيّ الواسطيّ أبو محمّد، حدّث عنه خلق، منهم: أحمد، وابن معين. كان من الحفّاظ النّقّاد، والصلحاء العبّاد. انتهى. وفيها بشر بن السّريّ البصريّ الأفوه نزيل مكّة. كان فصيحا بالمواعظ مفوّها ذا صلاح. وقال أحمد: كان متقنا للحديث عجبا. روى عن مسعر، والثّوري، وطبقتهما. قال في «المغني» [1] : بشر بن السّريّ أبو عمرو الأفوه، وثّقه ابن معين وغيره، وأما الحميديّ أبو بكر فقال: كان جهميا لا يحلّ أن يكتب عنه. وقال ابن عديّ: يقع في حديثه منكر، وهو في نفسه لا بأس به. قلت [2] : رجع عن التجهّم. انتهى. وفيها أبو معاوية الضّرير محمد بن معاوية الكوفيّ الحافظ، ولد سنة ثلاث عشرة ومائة، ولزم الأعمش عشر سنين. قال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية: أمّا أنت فقد ربطت رأس كيسك. وكان شعبة إذا توقّف في حديث الأعمش راجع أبا معاوية وسأله عنه. وقال ابن ناصر الدّين: أبو معاوية محمد بن خازم الضّرير التّيميّ السعديّ، كان حافظا، ثبتا، محدّث الكوفة، وكان من الثقات وربما دلّس،

_ [1] يعني «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 105) . [2] القائل الحافظ الذهبي في «المغني» .

وكان يرى الإرجاء، فيقال: إن وكيعا لم يحضر جنازته لذلك. انتهى. وفيها عبد الرّحمن بن محمّد المحاربيّ الحافظ. روى عن عبد الملك بن عمير وخلق. قال وكيع: ما كان أحفظه للطّوال. توفي بالكوفة. وفيها، أو في التي مضت، عثّام بن علي الكوفيّ. روى عن هشام بن عروة [1] ، والأعمش. وفيها، أو في الماضية، محمد بن فضيل بن غزوان الضّبيّ، مولاهم، الكوفيّ، الحافظ. روى عن حصين بن عبد الرّحمن، وطبقته. قال في «المغني» [2] : ثقة، مشهور، لكنه شيعي. قال ابن سعد: بعضهم لا يحتجّ به. انتهى. وفيها محدّث الشّام أبو العبّاس الوليد بن مسلم الدّمشقيّ، وله ثلاث وسبعون سنة. توفي بذي المروة راجعا من الحج في المحرم. روى عن يحيى الذّماري، ويزيد ابن أبي مريم، وخلائق. وصنّف التصانيف. قال ابن جوصاء: لم نزل نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد صلح أن يلي القضاء، وهي سبعون كتابا. وقال أبو مسهر: كان مدلّسا ربما دلّس عن الكذّابين. وقال ابن ناصر الدّين: الوليد بن مسلم الدّمشقيّ أبو العبّاس الأمويّ، مولاهم، كان إماما، حافظا، عالم الدّمشقيين، لكنه فيما ذكره أبو مسهر وغيره

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عروة بن هشام» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 319) وانظر «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 905) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق. [2] (2/ 625) .

كان مدلّسا وربما دلّس عن الكذّابين، وهو واسع العلم، صدوق من الأثبات. انتهى. وفيها يحيى بن سليم الطائفيّ الحذّاء بمكّة، وكان ثقة صاحب حديث. روى عن عبد الله بن عثمان بن خثيم [1] وطبقته. قال الخليل [2] في «الإرشاد» : أخطأ يحيى في أحاديث، ثم ذكر حديث ابن عمران، أن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- قال: «من مرّ بحائط فليأكل منه ولا يتخذ خبنة [3] » [4] . قال الخليل: لم يسنده عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- والباقون عن ابن عمر، عن عمر.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عبد الله بن عثمان بن خيثم» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 320) ، وانظر «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 432) . [2] هو خليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني، أبو يعلى الخليلي، المتوفى سنة (446) واسم كتابه الذي أشار إليه المؤلف «الإرشاد في معرفة المحدّثين» أو «الإرشاد في علماء البلاد» وهو مخطوط لم يطبع بعد. وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. [3] قال ابن الأثير: الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب، أي لا يأخذ منه في ثوبه. «النهاية» (2/ 9) . [4] رواه الترمذي رقم (1287) في البيوع: باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمارّ بها. أقول: وفي سنده يحيى بن سليم الطائفي، وهو صدوق سيء الحفظ، ولذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من هذا الوجه إلا من حديث يحيى بن سليم، قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمر، وعبّاد بن شرحبيل، ورافع بن عمرو، وعمير مولى آبي اللحم، وأبي هريرة. أقول: وله شاهد عند الترمذي رقم (1289) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدّه، وإسناده حسن. قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» : قال البيهقي: لم يصحّ، يعني حديث ابن عمر، وجاء من أوجه أخر غير قوية. قال الحافظ ابن حجر: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجّوا في كثير من الأحكام بما هو دونها. قال الترمذي: وقد رخص فيه بعض أهل العلم لابن السبيل في أكل الثمار، وكرهه بعضهم إلا بالثمن، وانظر «تحفة الأحوذي» (4/ 510) ، ولفظه عند الترمذي: «من دخل حائطا ... الحديث» .

وقال في «المغني» [1] : يحيى بن سليم الطائفي، مشهور، وثّقه ابن معين، وقال النّسائيّ: ليس بالقويّ. وقال أحمد: رأيته يخلط في الأحاديث فتركته. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: روى عنه الشّافعيّ، وكان يعدّه [2] من الأبدال، وفي بعض أحاديثه مقال. انتهى.

_ [1] (2/ 737) . [2] في الأصل: «وكان يعدوه» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع.

سنة ست وتسعين ومائة

سنة ست وتسعين ومائة فيها توثّب الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان ببغداد، فخلع الأمين في رجب وحبسه، ودعا إلى بيعة المأمون، فلم يلبث [1] [أن وثب] [2] الجند عليه، فقتلوه وأخرجوا الأمين، وجرت أمور طويلة، وفتنة كبيرة. وفيها توفي قاضي البصرة أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبريّ في ربيع الآخر، روى عن حميد الطويل وطبقته، وكان أحد الحفّاظ. قال يحيى القطّان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز، أثبت من معاذ ابن معاذ. وقال أحمد: كان ثبتا، وما رأيت أعقل منه. وفيها قاضي شيراز ومحدّثها، سعد بن الصّلت الكوفيّ. روى عن الأعمش وطبقته، وكان حافظا. قال سفيان: ما فعل سعد بن الصلت؟ قالوا: ولي القضاء قال: ذره [3] واقعد [4] في الحشّ.

_ [1] في «العبر» : «فلم ينشب» . [2] زيادة من «العبر» (1/ 320) . [3] أي دعه واتركه. [4] في الأصل والمطبوع: «وقع» وما أثبته من «العبر» وهو الصواب.

قال في «العبر» : قلت: آخر من روى عنه سبطه إسحاق بن إبراهيم شاذان [1] . انتهى. وفيها أبو نواس الحسن بن هانئ الحكميّ الأديب، شاعر العراق. قال ابن عيينة: هو أشعر النّاس. وقال الجاحظ: ما رأيت أعلم باللغة منه. قال ابن الأهدل: كان أبوه من جند مروان الصغير الأموي، فتزوج امرأة بالأهواز، فولدت أبا نواس، فلما ترعرع أصحبته أبا أسامة الشاعر، فنشأ على يديه، وقدم به بغداد فبرع في الشعر، وعداده في الطبقة الأولى من المولّدين، وشعره عشرة أنواع، وقد اعتنى بشعره جماعة فجمعوه، ولهذا يوجد «ديوانه» مختلفا، وكان المأمون يقول: لو وصفت الدّنيا نفسها ما بلغت قول أبي نواس: ألا كلّ حيّ [2] هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدو في ثياب صديق [3] وكني بأبي نواس، لذؤابتين كانتا على عاتقه تنوسان، وأثنى عليه ابن عيينة وعلماء عصره بالفصاحة والبلاغة. وقال أبو حاتم: لو كتبت بيتيه هذين بالذّهب لما كثر وهما: ولو أني استزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 320) : «ابن شاذان» وهو خطأ، ف «شاذان» لقب له كما ذكر الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» (1/ 347) . [2] في «مرآة الجنان» : «ألا كل شيء» . [3] لم أجد البيتين في «ديوانه» طبع دار صادر، وهما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 454) طبع مؤسسة الرسالة.

ولو عرضت على الموتى حياتي ... بعيش مثل عيشي لم يريدوا [1] وله نوادر حسان رائقة، واقترح عليه الرّشيد مرّات أن ينظم له [على] [2] قضايا خفيّة يعرفها في داره ونسائه فيأتي على البديهة بما لو حضرها وعاينها لم يزد على ذلك. انتهى كلام ابن الأهدل. ومن لطيف شعره قوله بديها، وهو من ألطف بديهة وأبدعها: ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس مساحب من جرّ الزّقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابس ولم أدر [3] من هم؟ غير ما شهدت به ... بشرقيّ ساباط الدّيار البسابس حبست بها صحبي فجدّدت عهدهم ... وإني على أمثال تلك لحابس أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم الترحّل خامس تدار علينا الرّاح في عسجديّة ... حبتها بأنواع [4] التّصاوير فارس قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدّريها بالقسيّ الفوارس فللخمر ما زرّت [5] عليه جيوبها ... وللرّاح [6] ما دارت عليه القلانس [7] وقد اختلف في معنى قوله «أقمنا بها يوما ويوما إلخ» فقال ابن هشام: ثمانية أيام. وقال الدّمامينيّ في «شرح المغني» : سبعة، لأن يوم الترحل ليس من

_ [1] لم أجد البيتين في «ديوانه» طبع دار صادر، وهما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 454) . [2] لفظة «على» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] في الأصل، والمطبوع: «ولم أدر منهم غير من شهدت به» وأثبت ما في «ديوانه» . [4] في «ديوانه» : «بألوان» . [5] في الأصل، والمطبوع: «وللماء ما ذرت» وأثبت ما في «ديوانه» . [6] في «ديوانه» : «وللماء» . [7] الأبيات في «ديوانه» ص (361) طبع دار صادر في بيروت.

أيام الإقامة، فليتأمل. وقال ابن الفرات: أبو نواس الحسن بن هانئ البصريّ مولى الحكم بن سعد العشيرة- سمي سعد العشيرة لأنه لم يمت حتّى ركب معه من ولده وولد ولده مائة رجل- وتوفي وعمره اثنتان وخمسون سنة، والحسن أحد المطبوعين، وكان كثير المجون. قيل: عاتب أبو العتاهية الحسن على مجونه، فقال الحسن: والنّفس لا تقلع عن غيّها ... ما لم يكن منها لها زاجر [1] فقال أبو العتاهية: وددت أنّ هذا البيت بشعري كلّه، ورأى رجل الحسن في النوم فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني بأبيات قلتها، وهي: يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلّا محسن ... فبمن يلوذ ويستجير المجرم أدعوك ربّ كما أمرت تضرّعا ... ولئن رددت يدي فمن ذا يرحم ما لي إليك وسيلة إلّا الرّجا ... وجميل ظنّي [2] ثمّ إني مسلم [3] انتهى. وقال الحصري في كتابه «قطب السرور» : قال ابن نوبخت: توفي أبو نواس في منزلي، فسمعته يوم مات يترنّم بشيء، فسألته عنه، فأنشدني: باح لساني بمضمر السّرّ ... وذاك أني أقول بالدّهر

_ [1] لم أجد البيت في «ديوانه» طبع دار صادر ولا في المراجع الأخرى التي بين يدي. [2] في «ديوانه» : «وجميل عفوك» . [3] الأبيات في «ديوانه» ص (587) طبع دار صادر.

وليس بعد الممات منقلب ... وإنّما الموت بيضة العمر [1] والتفت إلى من حوله فقال: لا تشربوا الخمر صرفا، فإني شربتها صرفا فأحرقت كبدي ثم طفئ. انتهى، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156

_ [1] لم أجد البيتين في «ديوانه» الذي بين يدي.

سنة سبع وتسعين ومائة

سنة سبع وتسعين ومائة فيها حوصر الأمين ببغداد، وأحاط به أمراء المأمون، وهم طاهر بن الحسين [1] ، وهرثمة بن أعين، وزهير بن المسيّب في جيوشهم. وقاتلت مع الأمين الرعيّة وقاموا معه قياما لا مزيد عليه. ودام الحصار سنة، واشتد البلاء وعظم الخطب. وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمّد عبد الله بن وهب الفهريّ، مولاهم، المقرئ أحد الأعلام في شعبان، ومولده سنة خمس وعشرين ومائة، وطلب العلم بعد الأربعين ومائة بعام أو عامين. وروى عن ابن جريج، وعمرو بن الحارث، وخلق، وتفقّه بمالك، واللّيث. قال أبو سعيد بن يونس: جمع ابن وهب بين الفقه، والرّواية، والعبادة، وله تصانيف كثيرة. وقال أحمد بن صالح المصريّ: حدّث ابن وهب بمائة ألف حديث، ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه. وقال ابن خداش: قرئ على ابن وهب كتابه في أهوال القيامة، فخرّ مغشيّا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتّى مات بعد أيام.

_ [1] في الأصل: «طاهر بن الحسن» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

وقال يونس بن عبد الأعلى: كانوا أرادوه على القضاء فتغيّب. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن الأهدل: صحب مالكا عشرين سنة، وصنّف «الموطأ» الكبير والصغير. وحدّث بمائة ألف حديث. وكان مالك يكتب إليه في المسائل، ولم يكن يفعل هذا لغيره، وقال: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه. وكتب إليه الخليفة في قضاء مصر، فاختبأ ولزم بيته، فاطّلع عليه بعضهم يوما فقال له: يا ابن وهب ألا تخرج فتقضي بين النّاس بكتاب الله وسنّة رسوله؟ فقال: أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين. وقرئ عليه كتاب الأهوال من جامعه فغشي عليه، فحمل إلى داره فمات لحينه رحمه الله تعالى. انتهى. وفيها محدّث الشّام الإمام أبو يحمد [2] بقيّة بن الوليد الكلاعيّ الحمصيّ الحافظ، ومولده سنة عشر ومائة. روى عن محمد بن زياد الألهاني، وبحير بن سعد [3] والكبار، وأخذ عمّن دبّ ودرج. وتفقّه بالأوزاعيّ. وكان مشهورا بالتدليس، كالوليد بن مسلم. وقال ابن معين: إذا روى عن ثقة فهو حجّة. وقال بقية: قال لي شعبة: إني لأسمع منك أحاديث لو لم أسمعها لطرت. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] (1/ 322- 323) . [2] في الأصل: «أبو محمد» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] في «العبر» للذهبي: «بجير بن سعد» وهو خطأ فيصحّح فيه. [4] (1/ 323) .

وقال ابن ناصر الدّين: بقية بن الوليد بن صائد الحميريّ الكلاعيّ الحمصيّ أبو يحمد [1] محدّث الشّام، كان إماما، مكثرا، ويدلّس عن المتروكين، لكن إذا قال: حدّثنا، أو أخبرنا، فهو مقبول. انتهى. وفيها شعيب بن حرب المدائنيّ الزّاهد، أحد علماء الحديث. روى عن مالك بن مغول وطبقته. قال الطّيب بن إسماعيل: دخلنا عليه وقد بنى له كوخا، وعنده خبز يابس [يبلّه] يأكله [2] ، وهو جلد وعظم. قال أحمد بن حنبل: حمل على نفسه في الورع. وفيها شيخ الإقراء بالدّيار المصرية أبو سعيد عثمان بن سعيد القيروانيّ ثم المصريّ. ورش، صاحب نافع، وله سبع وثمانون سنة. قال السّيوطيّ في «حسن المحاضرة» [3] : ورش، وهو [4] عثمان بن سعيد أبو سعيد المصريّ، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو القاسم، أصله قبطيّ، مولى آل الزّبير بن العوّام. ولد سنة [خمس] عشرة [5] ومائة، وأخذ القراءة عن نافع، وهو الذي لقّبه بورش لشدّة بياضه، وقيل: لقبه بالورشان، ثم خفّف. انتهت إليه رياسة الإقراء بالدّيار المصرية في زمانه، وكان ماهرا في العربية. انتهى. وفيها محمّد بن فليح بن سليمان المدنيّ. روى عن هشام بن عروة وطبقته.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أبو محمد» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (4/ 192) طبع مؤسسة الرسالة. [2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 323) . [3] (1/ 485) . [4] لفظة «وهو» لم ترد في «حسن المحاضرة» وإنما هي زيادة من المؤلف رحمه الله. [5] في الأصل، والمطبوع: «عشر ومائة» والتصحيح من «حسن المحاضرة» .

قال في «المغني» [1] : ثقة. قال: أبو حاتم: ليس بذاك القويّ. انتهى. وفيها قاضي صنعاء وعالمها هشام بن يوسف الصنعانيّ، أخذ عن معمر، وابن جريج، وجماعة. قال ابن معين: هو أثبت من عبد الرّزّاق في ابن جريج. وقال ابن ناصر الدّين: كان ثقة، برز وفاق على أقرانه. وفيها الإمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجرّاح الرّؤاسي في المحرم، راجعا من الحجّ بفيد [2] وله سبع وستون سنة. روى عن الأعمش وأقرانه. قال ابن معين: كان وكيع في زمانه كالأوزاعيّ في زمانه. وقال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع. وقال القعنبيّ: كنّا عند حمّاد بن زيد، فخرج وكيع، فقالوا: هذا راوية سفيان. قال: إن شئتم أرجح من سفيان. وقال يحيى بن أكثم: صحبت وكيعا، فكان يصوم الدّهر ويختم القرآن كل ليلة. وقال أحمد: ما رأت عينيّ مثل وكيع قطّ. وقال ابن معين: ما رأيت أحفظ [3] من وكيع. كان يحفظ حديثه، ويقوم الليل، ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة. قال: وكان يحيى القطّان يفتي بقوله أيضا.

_ [1] يعني «المغني في الضعفاء» (2/ 625) . [2] في الأصل: «بغند» وهو خطأ، وأثبت ما في «المطبوع» وهو موافق لما في «العبر» للذهبي. وانظر «معجم البلدان» (4/ 282) . [3] في «العبر» : «أفضل» .

وقال ابن ناصر الدّين: وكيع بن الجرّاح بن مليح بن عدي بن فرس الرّؤاسيّ الكوفيّ أبو سفيان محدّث العراق، ثقة، متقن، ورع. قال أحمد بن حنبل: ما رأيت رجلا قطّ مثل وكيع في العلم، والحفظ، والإسناد، والأموات، مع خشوع وورع. انتهى.

سنة ثمان وتسعين ومائة

سنة ثمان وتسعين ومائة في المحرم ظفر طاهر بن الحسين- بعد أمور يطول شرحها- بالأمين، فقتله. ونصب رأسه على رمح، وكان مليحا، أبيض، جميل الوجه، طويل القامة، عاش سبعا وعشرين سنة. واستخلف ثلاث سنين وأياما. وخلع في رجب سنة ست وتسعين، وحارب سنة ونصفا، وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور، وكان مبذّرا للأموال، قليل الرّأي، كثير اللّعب، لا يصلح للخلافة سامحه الله ورحمه. قاله في «العبر» [1] . وكتبت زبيدة إلى المأمون تحرّضه على قتل طاهر بن الحسين قاتل ابنها الأمين، فلم يلتفت إليها، فكتبت إليه ثانية بقول أبي العتاهية: ألا إنّ ريب الدّهر يدني ويبعد ... ويؤنس بالألّاف طورا ويفقد أصابت لريب الدّهر منّي يدي يدي ... فسلّمت للأقدار والله أحمد فقلت لريب الدّهر إن ذهبت يد ... فقد بقيت والحمد لله لي يد إذا بقي المأمون لي فالرّشيد لي ... ولي جعفر لم يفقدا ومحمّد [2] تعني بجعفر أباها، وبمحمد ابنها الأمين.

_ [1] (1/ 325) . [2] الأبيات في تكلمة «ديوانه» ص (518- 519) من كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» للدكتور شكري فيصل رحمه الله.

وقال ابن قتيبة في «المعارف» [1] : بويع محمد الأمين [2] بن هارون بطوس، وولي [أمر] [3] البيعة صالح بن هارون، وقدم عليه بها رجاء الخادم للنّصف من جمادى الآخرة، فخطب النّاس. وبويع ببغداد، وأخرج من الحبس من كان أبوه حبسه، فأخرج عبد الملك بن صالح، والحسن بن علي بن عاصم، وسالم بن سالم [البجلي] [4] ، والهيثم بن عدي. ومات إسماعيل بن عليّة، وكان على مظالم محمد في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة. فولي مظالمه محمّد بن عبد الله الأنصاريّ- من ولد أنس بن مالك- والقضاء ببغداد. وبعث إلى وكيع بن الجرّاح فأقدمه بغداد على أن يسند إليه أمورا من أموره، فأبى وكيع أن يدخل في شيء، وتوجه وكيع إلى مكّة فمات في طريق مكّة. واتخذ الفضل بن الرّبيع وزيرا، وجعل إسماعيل بن صبيح كاتبه، وجعل العبّاس بن الفضل بن الرّبيع حاجبه، فأغرى الفضل بينه وبين المأمون، فنصّب محمد ابنه موسى بن محمد لولاية العهد بعده، وأخذ البيعة له، ولقّبه الناطق [بالحق] [5] ، سنة أربع وتسعين ومائة. وجعله في حجر علي بن عيسى، وأمر عليّا بالتوجّه إلى خراسان [لحرب المأمون] [6] سنة

_ [1] ص (384- 386) والمؤلف ينقل عنه بتصرّف. [2] في «المعارف» : «الأمين محمد» . [3] لفظة «أمر» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «المعارف» . [4] زيادة من «المعارف» ص (384) . [5] لفظة «بالحق» سقط من الأصل، واستدركتها من المطبوع، و «المعارف» . [6] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، وفي «المعارف» : «لمحاربة المأمون» .

خمس وتسعين ومائة. فوجّه المأمون هرثمة من مرو [و] على مقدّمته [1] طاهر بن الحسين، فالتقى عليّ بن عيسى، وطاهر بالرّيّ، فاقتتلوا، فقتل عليّ بن عيسى وجماعة من ولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة، وظفر طاهر بجميع ما كان معه من الأموال والعدّة، والكراع، فوجّه محمد بن عبد الرّحمن بن جبلة الأنباري، فالتقى هو وطاهر بهمذان، فقتله طاهر، ودخل همذان، واجتمع طاهر وهرثمة، فأخذ طاهر على الأهواز، وأخذ هرثمة على الجادّة طريق حلوان، ووجّه الفضل بن زهير بن المسيّب على طريق كرمان، فأخذ كرمان، ثم دخل البصرة، ولما أتى طاهر الأهواز وجد عليها واليا من المهالبة لمحمد فقتله، واستولى على الأهواز، ثم سار إلى واسط، وسار هرثمة إلى حلوان، ووثب الحسين بن علي بن عيسى ببغداد في جماعة، فدخل على محمد وهو في الخلد، فأخذه وحبسه في برج من أبراج مدينة أبي جعفر، فتقوّضت عساكر محمّد من جميع الوجوه، وتغيّب الفضل بن الرّبيع يومئذ فلم ير له أثر حتّى دخل المأمون بغداد، ووجّه الحسين بن علي إلى هرثمة وطاهر يحثّهما على [الدخول إلى] [2] بغداد، ووثب أسد الحربيّ وجماعة فاستخرجوا محمّدا وولده، واعتذروا [إليه] [3] ، وأخذوا الحسين بن علي فأتوه به، فعفا عنه بعد أن اعترف بذنبه وتاب منه، وأقرّ أنه مخدوع مغرور، فأطلقه، فلما خرج من عنده وعبر الجسر نادى: يا مأمون! يا منصور! وتوجّه نحو هرثمة، وتوجهوا في طلبه فأدركوه بقرب نهر تيرى [4] ، فقتلوه وأتوا محمدا برأسه، وصار هرثمة إلى [النهروان، ثم زحف

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «على مقدمه» وأثبت ما في «المعارف» . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «المعارف» ص (385) . [3] سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «المعارف» . [4] في الأصل، والمطبوع: «نهروين» وفي «المعارف» : «نهر تير» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» (5/ 319) ، و «تاج العروس» (تير) . وعند ياقوت «تيرى» بلد من نواحي

إلى] [1] نهر تيرى [2] ، ونزل طاهر باب الأنبار، وصار زهير بن المسيّب بكلواذى، ولم يزالوا في محاربة. وكان طاهر كاتب القاسم بن هارون المؤتمن، وكان نازلا في قصر جعفر بن يحيى بالدّور، وسأله أن يخرج، ففعل، وسلم إليه القصر، ولم يزل الأمر على محمد مختلّا حتّى لجأ إلى مدينة أبي جعفر، وبعث إلى هرثمة إني أخرج إليك هذه [3] الليلة، فلما خرج محمد صار في أيدي أصحاب طاهر، فأتوا به طاهرا فقتله من ليلته، فلما أصبح نصب رأسه على الباب الحديد. ثم أنزله [4] وبعث به إلى خراسان مع ابن عمه محمد بن الحسن بن مصعب، ودفنت جثّته في بستان مؤنسة. انتهى ما قاله ابن قتيبة. وقال ابن الفرات ما ملخصه: لما صار محمد الأمين بمدينة أبي جعفر علم قوّاده أنه ليس معهم عدّة الحصار، فأتوه وقالوا: لا بقاء لنا وقد بقي من خيار خيلك سبعة آلاف فرس، فاختر لها سبعة آلاف رجل تخرج إلى الجزيرة فتفرض الفروض، فعزم على ذلك، فبلغ الخبر طاهر، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر، ومحمد بن عيسى، والسّدي بن شاهك: لئن لم تردّوه عن هذا الرّأي لاقتنصنّ ضياعكم، ولأسعينّ في هلاككم، فدخلوا على محمّد وقالوا: إن خرجت أخذوك أسيرا وتقرّبوا بك، فرجع إلى قبول الأمان والخروج إلى هرثمة، فقالوا له: الخروج إلى طاهر خير، فقال: أنا أكره ذلك لأني رأيت في المنام كأني على حائط رقيق وطاهر يحفره حتّى هدمه، وهرثمة مولانا، وبمنزلة الوالد، وأنا أثق به.

_ الأهواز، ونهرها حفره أردشير الأصغر بن بابك. [1] زيادة من «المعارف» . [2] في الأصل، والمطبوع: «نهروين» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» . [3] لفظة «هذه» لم ترد في المطبوع، و «المعارف» . [4] في الأصل، والمطبوع: «ثم أنزل» وأثبت ما في «المعارف» ص (386) .

قال إبراهيم بن المهديّ: بعث إليّ محمد الأمين ليلة وقد خرج إلى قصر لينفرج مما كان فيه، وشرب وسقاني، ودعا جارية اسمها ضعف لتغنّيه، فتطيّر إبراهيم من اسمها فغنّته: كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر ذنبا منك ضرّج بالدّم فتطيّر محمّد وقال: غنّي غير هذا، فغنّت: ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتّى تفانوا وريب الدّهر عدّاء فغضب وقال: غنّي غير هذا. فغنّت: «أما وربّ السكون والحركات» الأبيات. فقال: قومي لا بارك الله عليك. فقامت وعثرت بقدح من بلّور كان يسمّيه رباح فكسرته، فقال: يا إبراهيم أما ترى ما كان؟ ما أظن أمري إلا قد اقترب. قال: بل أعزّ ملكك وكبت [1] عدوّك، فسمعا صارخا من دجلة يقول: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فقال: يا إبراهيم أما تسمع؟ فقال: ما أسمع شيئا وقد كان سمعه، فقتل بعد ليلتين، ومنع طاهر محمدا الأمين ومن معه الماء والدقيق، فهمّ محمد بالخروج إلى هرثمة، فلما بلغ طاهر اشتد عليه وقال: أنا فعلت ما فعلت به ويكون الفتح لهرثمة، وأتى معاقدوه إلى طاهر إلى أن يدفع له الخاتم، والقضيب، والبردة، ويخرج محمد إلى هرثمة، فرضي بذلك، فلما علم الهرش الخبر، تقرّب إلى طاهر، وقال: مكر بك، وقال: إن الخاتم، والبرد، والقضيب، يحمل مع محمد الأمين إلى هرثمة، فاغتاظ وكمّن حول القصر الرّجال، فلما خرج محمد وصار في الحراقة مع هرثمة، خرج طاهر وأصحابه فرموها بالحجارة وغرّقوها، فسبح الأمين وخرج إلى بستان موسى

_ [1] في الأصل: «وبكت» . قال في «مختار الصحاح» ص (560) : كبت الله العدو أي صرفه وأذلّه.

وأخرج رجل من الملّاحين هرثمة- وكان به نقرس- فلما خرج محمد الأمين أخذه إبراهيم بن جعفر البلخي، ومحمد بن حميد- وهو ابن أخي شكلة أمّ إبراهيم بن المهدي- وألقى عليه إزارا من أزر الجند، وحمل إلى دار إبراهيم بن جعفر بباب الكوفة، وكان أحمد بن سلام صاحب المظالم ممّن غرق مع هرثمة، فأخذ، فكان مع محمد الأمين في دار إبراهيم بن جعفر، فقال له الأمين: ادن منّي وضمّني إليك، فإني أجد وحشة شديدة، ففعل، وكان على كتفيه خرقة، فنزع أحمد ثوبه، وقال: البسه، فقال: دعني، فهذا لي من الله خير كثير في هذا الموضع، ثم دخل إليه حمرويه غلام قريش مولى طاهر في جماعة، فأخذ محمد وسادة وضربه بها، وأخذ السيف من يده، فصاح بأصحابه فقتلوه. ونصب طاهر رأسه، ثم بعث رأسه إلى المأمون، والرداء والقضيب. قال الموصلي: كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون عن لسان طاهر بقتل [محمد] [1] الأمين. أما بعد: فإنّ المخلوع قسيم أمير المؤمنين في النسب واللّحمة، قد فرّق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصم الدّين، وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين. قال الله- عزّ وجلّ- في ابن نوح- على نبيّنا وعليه السلام-: إِنَّهُ لَيْسَ من أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ 11: 46 [هود: 46] ولا طاعة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة إذا كانت في جنب الله، ثم أنشد طاهر بعد قتل الأمين: ملكت النّاس قسرا واقتدارا ... وقتّلت الجبابرة الكبارا ووجّهت الخلافة نحو مرو ... إلى المأمون تبتدر ابتدارا

_ [1] لفظة «محمد» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع.

وسوف أدين قيس الشّام ضربا ... يطيّر من رؤوسهم الشّرارا [1] قيل: أتي محمد الأمين بأسد فأطلقه، فقصد محمدا فاستتر منه بمرفقه ثم يده، فضربه في أصل أذنه، فخرّ الأسد ميتا، وزالت كل قصبة في يده من موضعها، وكان الأمين- رحمه الله- سبطا، أنزع، صغير العينين، جميلا، طويلا، بعيد ما بين المنكبين، ويكنّى أبا موسى، وقيل: أبا عبد الله. انتهى وفيها توفي في أول رجب شيخ الحجاز، وأحد الأعلام، أبو محمد سفيان بن عيينة الهلاليّ، مولاهم، الكوفيّ، الحافظ، نزيل مكّة، وله إحدى وتسعون سنة. سمع زياد بن علاقة، والزّهري، والكبار. قال الشّافعيّ: لولا مالك، وابن عيينة لذهب علم الحجاز. وقال ابن وهب: لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير من ابن عيينة. وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث [و] لم يكن له كتب. وقال بهز بن أسد [2] : ما رأيت مثل ابن عيينة. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من ابن عيينة. وقال ابن ناصر بالدّين: هو الإمام العلم محدّث الحرم. روى عنه الأعمش، وابن جريج، وشعبة، وهم من شيوخه، والشّافعيّ، وابن المبارك، وأحمد، وخلق. قال أحمد: ما رأيت أعلم بالسنن منه. وحجّ سفيان سبعين حجّة.

_ [1] البيتان الأول والثاني في «تاريخ الطبري» (8/ 499) . [2] في «العبر» (1/ 326) : «فهر بن أسد» وهو خطأ فيصحّح فيه. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (4/ 257) طبع مؤسسة الرسالة.

وقال الشّافعيّ: ما رأيت أحدا [فيه] [1] من الفتيا ما فيه، ولا أكفّ عن الفتيا منه. وفي جمادى الآخرة أبو سعيد عبد الرّحمن بن مهدي البصريّ اللؤلؤيّ الحافظ، أحد أركان الحديث بالعراق، وله ثلاث وستون سنة. روى عن هشام الدّستوائي وخلق. وأوّل طلبه سنة نيّف وخمسين ومائة. فكتب عن صغار التابعين كأيمن [2] بن نابل [3] وغيره. وقال أحمد بن حنبل: هو أفقه من يحيى القطّان، وأثبت من وكيع. وقال ابن المديني: كان عبد الرّحمن بن مهدي أعلم النّاس. لو حلّفت [لحلفت] [4] بين الرّكن والمقام أني لم أر أعلم منه [5] . قلت [6] : وكان أيضا رأسا في العبادة رحمه الله تعالى. قاله في «العبر» [7] . وهو أحد الموالي المنجبين من البصريين. وقال ابن ناصر الدّين: عبد الرحمن بن مهدي بن حسّان الأزديّ، مولاهم، وقيل: العنبريّ، البصريّ، اللؤلؤيّ، أبو سعيد، الحافظ المشهور،

_ [1] لفظة «فيه» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] في الأصل، والمطبوع: «أيمن» وأثبت ما في «العبر» للذهبي. [3] تحرّفت «نابل» إلى «نائل» في «العبر» فتصحّح فيه. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 477) طبع مؤسسة الرسالة. [4] لفظة: «لحلفلت» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 327) . [5] في الأصل، والمطبوع: «أني لم أر مثله أعلم منه» وأثبت لفظ «العبر» للذهبي مصدر المؤلف في نقله. [6] القائل الحافظ الذهبي في «العبر» . [7] (1/ 326- 327) .

والإمام المنشور، كان فقيها، مفتيا، عظيم الشأن، وهو فيما ذكره أحمد أفقه من يحيى القطّان، وأثبت من وكيع في الأبواب. انتهى. وفيها الإمام أبو يحيى بن معن بن عيسى المدنيّ القزّاز، صاحب مالك. روى عن موسى بن علي بن رباح وطائفة. وكان ثبتا، ثقة، حجّة، صاحب حديث. قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، وأوثقهم. وفي صفر الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصريّ الحافظ، أحد الأعلام، وله ثمان وسبعون سنة. روى عن عطاء بن السّائب، وحميد، وخلق. قال أحمد بن حنبل: ما رأيت بعينيّ مثله. وقال ابن معين: قال لي عبد الرّحمن بن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى القطّان. وقال بندار: اختلفت إليه عشرين سنة فما أظن [1] أنه عصى الله قطّ. وقال ابن معين: أقام يحيى القطّان عشرين سنة يختم كلّ ليلة، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة. وقال ابن ناصر الدّين: يحيى بن سعيد بن فروخ التيميّ، مولاهم، البصريّ أبو سعيد القطّان الأحول، سيّد الحفّاظ في زمانه، والمنتهى إليه في هذا الشأن [2] بين أقرانه. انتهى. وفيها أبو عبد الرّحمن مسكين بن بكير الحرّانيّ. روى عن جعفر بن برقان وطبقته، وكان مكثرا، ثقة.

_ [1] في «العبر» : «فما أظنه» . [2] يعني علوم الحديث النبوي الشريف.

وفيها انتدب محمّد بن صالح بن بيهس [1] الكلابيّ أمير عرب الشّام لحرب السفيانيّ [2] ولمن قام معه من الأمويّة، وأخذ منهم دمشق. وهرب أبو العميطر السفيانيّ في إزار إلى المزّة، وجرت بين أهل المزّة وداريّا، وبين ابن بيهس [3] حروب ظهر فيها عليهم، فاستولى على دمشق، وأقام الدّعوة للمأمون. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «بهيش» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [2] في الأصل، والمطبوع: «السيناني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [3] في الأصل، والمطبوع: «ابن بهيش» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [4] (1/ 328) .

سنة تسع وتسعين ومائة

سنة تسع وتسعين ومائة فيها فتنة ابن طباطبا العلويّ. وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن [1] بن علي بن أبي طالب، ظهر بالكوفة، وقام بأمره أبو السرايا، السّريّ بن منصور الشيبانيّ، وشرع النّاس إلى ابن طباطبا، وغلب على الكوفة، وكثر جيشه، فسار لحربه زهير بن المسيّب في عشرة آلاف، فالتقوا، فهزم زهير واستبيح عسكره. وذلك في سلخ جمادى الآخرة، فلما كان من الغد أصبح ابن طباطبا ميتا. فقيل: إنّ أبا السرايا سمّه لكونه لم ينصفه في الغنيمة. وأقام بعده في الحال محمد بن محمد بن يزيد بن علي الحسني [2] شابّ أمرد. ثم جهّز الحسن بن سهل جيشا عليهم عبدوس المزّوذيّ، فالتقوا فقتل عبدوس، وأسر عمّه [3] وقتل خلق من جيشه، وقوي العلويّون. ثم استولى أبو السرايا على واسط، فسار لحربه هرثمة بن أعين، فالتقوا، فقتل خلق من أصحاب أبي السرايا، وتقهقر إلى الكوفة. ثم التقوا ثانيا. وعظمت الفتنة.

_ [1] «ابن الحسن» الثانية سقطت من «العبر» للذهبي فتستدرك فيه. وانظر «الأعلام» (9/ 293) . [2] في «العبر» : «الحسيني» . [3] في «العبر» : «وأسر عمير» وانظر «تاريخ الطبري» (8/ 580) .

وفيها توفي إسحاق بن سليمان الرّازيّ الكوفيّ الأصل. روى عن ابن أبي ذئب وطبقته. وكان عابدا [1] خاشعا، يقال: إنه من الأبدال. وحفص بن عبد الرّحمن البلخيّ ثم النيسابوريّ، أبو عمر، قاضي نيسابور. روى عن عاصم الأحول، وأبي حنيفة، وطائفة. وكان ابن المبارك يزوره ويقول: هذا اجتمع فيه الفقه والوقار، والورع. وقال في «المغني» [2] : صدوق. قال أبو حاتم: مضطرب الحديث. انتهى. وفيها أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخيّ الفقيه، صاحب أبي حنيفة، وصاحب «كتاب الفقه الأكبر» وله أربع وثمانون سنة. ولي قضاء بلخ، وحدّث عن ابن عوف وجماعة. قال أبو داود: كان جهميّا، تركوا حديثه. وبلغنا أنّ أبا مطيع كان من كبار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. وفيها شعيب بن اللّيث بن سعد المصريّ الفقيه. وفيها عبد الله بن نمير الخارفي أبو هاشم الكوفيّ، أحد أصحاب الحديث المشهورين. روى عن هشام بن عروة وطبقته. وعاش بضعا وثمانين سنة. ووثّقه ابن معين وغيره. والخارفي: نسبة إلى خارف بطن من همدان، نزلوا الكوفة. وعمرو بن محمّد العنقزيّ الكوفيّ. والعنقز: هو المرزنجوش. روى عن ابن جريج وطبقته، وكان صاحب حديث.

_ [1] في المطبوع: «عابد» وهو خطأ. [2] يعني «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 180) .

ومحمد بن شعيب بن شابور [1] الدّمشقيّ ببيروت. روى عن عروة بن رويم وطبقته، وكان من علماء المحدّثين وعقلائهم [2] المشهورين. وفيها يونس بن بكير أبو بكر الشيبانيّ الكوفيّ الحافظ. صاحب المغازي. روى عن الأعمش وخلق. قال ابن معين: صدوق. وقال ابن ناصر الدّين: كان صدوقا شيعيا من مورطي الأعيان. وقال ابن معين: ثقة إلا أنه مرجئ يتبع الشيطان، وليّنه غير واحد. وروى له مسلم متابعة، والبخاريّ في الشواهد. انتهى. قال في «المغني» [3] : صدوق، مشهور، شيعي. روى له مسلم أحاديث في الشواهد لا الأصول. قال ابن معين: ثقة إلا أنه مرجئ يتبع الشيطان. وقال أبو حاتم محلّه الصدق. وقال أبو زرعة: أما في الحديث فلا أعلمه مما ينكر عليه. وقال أبو داود: ليس بحجة عندي. سمع هو والبكائي من ابن إسحاق بالرّيّ. وقال النّسائيّ: ليس بالقوي. انتهى. وفيها، وقيل: في التي تليها، سيّار بن حاتم العنزيّ البصريّ، صاحب القصص والرقائق، ورواية جعفر بن سليمان الضّبعيّ. وقد خرّج له الترمذيّ

_ [1] في «العبر» : «ابن سابور» وهو تصحيف فيصحّح فيه. [2] في «العبر» : «وعقلاء» . [3] (2/ 765) .

والنّسائيّ وغيرهما، ووثّقه ابن حبّان. قال في «المغنّي» [1] : صالح الحديث، فيه خفّة، ولم يضعف. انتهى.

_ [1] (1/ 291) .

سنة مائتين

سنة مائتين فيها أحصي ولد العبّاس، فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى. قاله ابن الجوزي في «الشذور» [1] . وفي أوّلها هرب أبو السرايا والعلويّون من الكوفة إلى القادسيّة، وضعف سلطانهم، فدخل هرثمة الكوفة وآمن أهلها. ثم ظفر أصحاب المأمون بأبي السرايا ومحمّد بن محمد العلويّ. فأمر الحسن بن سهل بقتل أبي السرايا، وبعث بمحمد إلى المأمون، وخرج بالبصرة وبالحجاز آخرون فلم تقم لهم قائمة بعد فتن وحروب. وفيها طلب المأمون هرثمة بن أعين، فشتمه، وضربه، وحبسه، وكان الفضل بن سهل الوزير يبغضه، فقتله في الحبس سرّا. وفيها قتلت الرّوم عظيمهم إليون، وكانت أيامه سبع سنين ونصفا. وأعادوا الملك إلى ميخائيل الذي ترهب. وفيها توفي أسباط بن محمد أبو محمد الكوفيّ، وكان ثقة صاحب حديث. روى عن الأعمش وطبقته. قال في «المغني» [2] : أسباط بن محمد القرشيّ، ثقة، مشهور.

_ [1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» وهو مخطوط كما أشرت إلى ذلك من قبل. [2] (1/ 66) .

قال ابن سعد: ثقة فيه بعض الضعف. انتهى. وفيها أبو ضمرة أنس بن عياض الليثيّ المدنيّ، وله ستّ وتسعون سنة. روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته، وكان مكثرا صدوقا. قال ابن ناصر الدّين: أنس بن عياض اللّيثيّ المدنيّ، أبو حمزة، محدّث المدينة، كان من الثقات المتقنين. انتهى. وسلم بن قتيبة بالبصرة. روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته، وأصله خراساني. وفيها عبد الملك بن الصباح المسمعيّ الصنعانيّ البصريّ. روى عن ثور بن يزيد، وابن عون. وفيها عمر بن عبد الواحد السّلميّ الدّمشقيّ. ولد سنة ثمان عشرة ومائة. وقرأ القرآن [1] على يحيى الذّماري. وحدّث عن جماعة، وكان من ثقات الشاميين [2] . وفيها قتادة بن الفضل الرّهاويّ. رحل وسمع من الأعمش وعدّة. وفيها أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الدّيليّ [3] ، مولاهم، المدني، الحافظ. روى عن سلمة بن وردان، وكان كثير الحديث. قال في «المغني» [4] : محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ثقة، مشهور. وقال ابن سعد: وحده ليس بحجة. انتهى.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «القراءات» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 333) . [2] في الأصل، والمطبوع: «من الثقات الشاميين» وأثبت ما في «العبر» للذهبي وهو أصوب. [3] في الأصل: «الديلمي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] (2/ 556) .

وفيها أبو عبد الله أميّة بن خالد أخو هدبة. روى عن شعبة والثّوريّ. وفيها صفوان بن عيسى القسّام بالبصرة يروي عن يزيد بن عبيد وطبقته. وفيها محمّد بن الحسن الأسديّ الكوفيّ ابن التّلّ. روى عن فطر بن خليفة وطبقته. قال في «المغني» [1] : محمد بن الحسن الأسديّ. عن الأعمش. وعنه داود بن عمرو. قال ابن معين ليس بشيء. انتهى. وفي صفر محمد بن حمير السّليحيّ، محدّث حمص. روى عن محمد بن زياد الألهاني وطائفة. وثّقه ابن معين ودحيم. وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به. وقال يعقوب الفسويّ: ليس بالقويّ. وقال الدّارقطنيّ: خرّجه بعض شيوخنا، ولا بأس به. وفيها أبو إسماعيل مبشر بن إسماعيل الحلبيّ. روى عن جعفر بن بريان وطبقته. وكان صاحب حديث وإتقان. قال في «المغني» [2] : مبشر بن إسماعيل الحلبيّ [3] ، ثقة مشهور، تكلّم فيه بلا حجة. انتهى. ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدّستوائيّ. روى عن أبيه، وابن عون، وطائفة، وكان صاحب حديث، له أوهام يسيرة.

_ [1] (2/ 567) ونص كلامه فيه مختلف فراجعه. [2] (2/ 540) . [3] في الأصل، والمطبوع: «الحارثي» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني» وكتب الرجال.

قال في «المغني» [1] : معاذ بن هشام الدّستوائيّ، صدوق. وقال ابن معين: صدوق ليس بحجة. وقال ابن عدي: أرجو أنه صدوق. وقال غيره: له غرائب وإفرادات. انتهى. وفيها المغيرة بن سلمة المخزوميّ بالبصرة. قال ابن المديني: ما رأيت قرشيّا أفضل منه، ولا أشدّ تواضعا. أخبرني بعض جيرانه أنه كان يصلي طول الليل. وروى عن القاسم بن الفضل الحدّاني وطبقته. وفيها القاضي أبو البختري وهب بن وهب القرشيّ المدنيّ ببغداد. وكان جوّادا محتشما، حتّى قيل: إنه كان إذا بذل ظهر عليه السرور، بحيث إنه يظن أنه هو المبذول له. روى عن هشام بن عروة وطائفة واتّهم بالكذب. قال ابن قتيبة [2] : أبو البختري، هو: وهب بن وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي. قدم بغداد، فولّاه هارون القضاء بعسكر المهديّ، ثم عزله، فولّاه مدينة الرّسول- صلى الله عليه وسلم- بعد بكّار بن عبد الله، وجعل إليه حربها مع القضاء. ثم عزل، فقدم بغداد، فتوفي بها سنة مائتين. وكان ضعيفا في الحديث. انتهى. وقال في «المغني» [3] : كذّبه أحمد وغيره. انتهى.

_ [1] (2/ 665) . [2] في «المعارف» ص (516) طبع دار المعارف بمصر. [3] يعني «المغني في الضعفاء» (2/ 727) .

وهو الذي وضع حديث المسابقة بذي الجناح. وفيها القدوة الزّاهد معروف الكرخيّ أبو محفوظ، صاحب الأحوال والكرامات. كان من موالي علي بن موسى الرضا. كان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدّبهم، فقال له: إن الله ثالث ثلاثة، فقال: بل هو الله أحد، فضربه، فهرب وأسلم على يد علي بن موسى الرضا، ورجع إلى أبويه، فأسلما، واشتهرت بركاته وإجابة دعوته، وأهل بغداد يستسقون بقبره ويسمّونه ترياقا مجربا. قال مرّة لتلميذه السّري السّقطيّ: إذا كانت لك إلى الله حاجة فاقسم عليه بي. وكان من المحدّثين، ومن كلامه علامة مقت الله للعبد أن يراه مشتغلا بما لا يعنيه من أمره نفسه. وقال: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق.

تمّ المجلد الثاني من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» لابن العماد، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات. وكان الفراغ من تحقيقة بعون الله تعالى وتوفيقه في غرّة شهر شوّال من عام (1406) هـ. محمود الأرناؤوط

المجلد الثالث

[المجلد الثالث] سنة إحدى ومائتين فيها عمد [1] المأمون إلى عليّ بن موسى العلوي، فعهد إليه بالخلافة [من بعده] [2] ولقبه بالرّضا، وأمر الدولة بترك السّواد ولبس الخضرة، وأرسل إلى العراق بهذا، فعظم هذا على بني العبّاس الذين ببغداد، ثم خرجوا عليه وأقاموا منصور بن المهديّ، ولقبوه بالمرتضى، فضعف عن الأمر وقال: إنما أنا خليفة المأمون، فتركوه وعدلوا إلى أخيه إبراهيم بن المهديّ الأسود، فبايعوه بالخلافة، ولقّبوه بالمبارك، وخلعوا المأمون، وجرت بالعراق حروب شديدة، وأمور عجيبة [3] . وفيها أول ظهور بابك الخرّميّ [4] الكافر، فعاث، وأفسد، وكان يقول بتناسخ الأرواح. وفيها توفي أبو أسامة حمّاد بن أسامة الكوفيّ الحافظ، مولى بني هاشم، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن الأعمش، والكبار. قال أحمد: ما [كان] أثبته [5] ، لا يكاد يخطئ.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «عهد» . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبى (1/ 335) . [3] في «العبر» للذهبي: «وأمور مزعجة» . [4] في الأصل: «الحرميّ» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [5] في الأصل، والمطبوع: «ما أثبته» وأثبت لفظ «العبر» للذهبي (1/ 336) مصدر المؤلف وهو

وقال ابن ناصر الدّين: ثقة، كيس. وفيها حمّاد بن مسعدة بالبصرة. روى عن هشام بن عروة وعدّة، وكان ثقة صاحب حديث. وفيها حرميّ بن عمارة بن أبي حفصة [1] البصريّ. روى عن قرّة بن خالد، وشعبة. وفيها سعد بن إبراهيم بن سعد الزّهريّ العوفيّ. قاضي واسط. سمع أباه، وابن أبي ذئب. وفيها عليّ بن عاصم أبو الحسن الواسطيّ. محدّث واسط، وله بضع وتسعون سنة. روى عن حصين بن عبد الرّحمن، وعطاء بن السّائب، والكبار. وكان يحضر مجلسه ثلاثون ألفا. قال وكيع: أدركت النّاس والحلقة لعلي بن عاصم بواسط. وضعّفه غير واحدٍ لسوء حفظه. وكان إماما، ورعا، صالحا، جليل القدر. وفيها قتل المسيّب بن زهير أكبر قوّاد المأمون، وضعف أمر الحسن ابن سهل بالعراق، وهزم جيشه مرّات، ثم ترجح أمره. وحاصل القصة، أن أهل بغداد أصابهم بلاء عظيم في هذه السنوات، حتّى كادت تتداعى بالخراب، وجلا خلق من أهلها عنها للنهب [2] والسبيّ، والغلاء، وخراب الدّور.

_ موافق لما عند المزي في «تهذيب الكمال» (7/ 222) طبع مؤسسة الرسالة. [1] في الأصل، والمطبوع: «جرير بن عمارة بن أبي حفصة» وهو خطأ. والتصحيح من «العبر» للذهبي مصدر المؤلف في نقله. وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (5/ 556) طبع مؤسسة الرسالة. [2] في «العبر» للذهبي (1/ 337) : «بالنهب» .

قال ابن الأهدل: ولما عجز بنو العبّاس وتكرر عفو المأمون عنهم، وجّهوا إليه زينب بنت سليمان بن علي، عمة جده المنصور، فقالت: يا أمير المؤمنين! إنك على برّ أهلك العلويين والأمر فينا، أقدر منك على برّهم والأمر فيهم، فلا تطمعنّ أحدا فينا. فقال: يا عمة، والله ما كلّمني أحد في هذا المعنى بأوقع من كلامك هذا، ولا يكون إلا ما تحبون، ولبس السواد، وترك الخضرة. انتهى. وكان ميل المأمون للعلويين اصطناعا ومكافأة لفعل عليّ- كرم الله وجهه- لما ولي الإمامة لبني هاشم خصوصا بني العبّاس. وفيها توفي يحيى بن عيسى النهشليّ [1] الكوفيّ الفاخوريّ بالرّملة. روى عن الأعمش وجماعة، وهو حسن الحديث.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «العسلي» وهو خطأ. والتصحيح من «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1514) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق.

سنة اثنتين ومائتين

سنة اثنتين ومائتين فيها خلع أهل بغداد المأمون لكونه أخرج الخلافة من بني العبّاس، وبايعوا إبراهيم بن المهدي. وتزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل، وزوّج ابنته أمّ حبيب عليّ ابن موسى الرّضا. وزوّج ابنته أمّ الفضل محمد بن علي بن موسى. قاله ابن الجوزي في «الشذور» [1] . وفيها على الصحيح توفي ضمرة بن ربيعة [2] في رمضان بفلسطين. روى عن الأوزاعيّ وطبقته. وكان من العلماء المكثرين. قال ابن ناصر الدّين: حمزة بن ربيعة الدّمشقيّ القرنيّ، مولاهم، كان ثقة مأمونا. انتهى. وفيها أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس [3] المدنيّ، أخو إسماعيل.

_ [1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» وهو مخطوط. وانظر: «مروج الذهب» للمسعودي (4/ 28) . [2] في الأصل، والمطبوع: «حمزة بن ربيعة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 337) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 620 و 807) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق. [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي، وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 468) و (2/ 396) .

روى عن ابن أبي ذئب، وسليمان بن بلال، وطائفة. قال في «المغني» [1] : ثقة، أخطأ الأزديّ حيث قال: كان يضع الحديث. انتهى. وقد خرّج له الشيخان. وفيها أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرّحمن الحمّانيّ الكوفيّ. روى عن الأعمش وجماعة. قال أبو داود: وكان داعية إلى الإرجاء. وقال النّسائيّ: ليس بالقويّ. وفيها أبو حفص عمر بن شبيب [2] المسلي [3] الكوفيّ. روى عن عبد الملك بن عمير والكبار. قال النّسائيّ: ليس بالقويّ. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وضعفه الدارقطنيّ. وفيها يحيى بن المبارك اليزيديّ المقرئ النحويّ اللغويّ. صاحب التصانيف الأدبية، وتلميذ أبي عمرو بن العلاء. وله أربع وسبعون سنة. وهو بصري. نزل بغداد. قال ابن الأهدل: عرف باليزيديّ لصحبته يزيد بن منصور خال المهديّ، وتأديب بنيه. أخذ عن الخليل وغيره، وله كتاب «النوادر في اللغة» وغيره.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 368) . [2] في «العبر» للذهبي (1/ 338) : «عمرو بن شبيب» وهو خطأ، فيصحح فيه. [3] في الأصل: «المسكي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر: «تقريب التهذيب» (2/ 57) .

ولما قدم مكّة أقبل على العبادة، وحدّث بها عن أبي عمرو بن العلاء. وروى عنه ابنه محمد، وأبو عمرو الدّوريّ. وأبو شعيب السّوسيّ، وغيرهم. وخالف أبا عمرو في حروف يسيرة، وكان يجلس هو والكسائيّ في مجلس واحد، ويقرئان النّاس. وتنازعا مرّة في مجلس المأمون قبل أن يلي الخلافة في بيت شعر، فظهر اليزيديّ وضرب بقلنسوته الأرض، وقال: أنا أبو محمد. فقال المأمون: والله لخطأ الكسائي مع حسن أدبه أحسن من صوابك مع سوء أدبك. فقال: إن حلاوة الظّفر أذهبت عني حسن التحفّظ. وكان الكسائيّ يؤدّب الأمين ويأخذ عليه حرف حمزة، وهو يؤدّب المأمون ويأخذ عليه حرف أبي عمرو. انتهى. وفيها الفضل بن سهل ذو الرّياستين، وزير المأمون، قتله بعض أعدائه في حمام بسرخس، فانزعج المأمون وتأسّف عليه، وقتل به جماعة، وكان من مسلمة المجوس. وقال ابن الأهدل [1] : الفضل بن سهل وزير المأمون السرخسيّ، وسرخس- بالخاء المعجمة- مدينة بخراسان، وكان يلقّب بذي الرياستين، وكان محتدا في علم النجوم، كثير الإصابة فيه، من ذلك أن المأمون لما أرسل طاهرا لحرب الأمين، وكان طاهر ذا يمينين، أخبره أنه يظفر بالأمين ويلقّب بذي اليمينين، وكان كذلك، واختار لطاهر وقتا عقد له فيه اللواء. وقال:

_ [1] هو حسين بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني العلوي الهاشمي بدر الدين أبو محمد، المعروف بابن الأهدل، والأهدل أحد جدوده، كان مفتي الديار اليمنية في عصره، توفي سنة (855) هـ، والمؤلف ينقل عن كتابه «مختصر تاريخ اليافعي» ، وهو من المخطوطات المحفوظة في خزانة الشيخ محمد سرور الصبان بجدة في المملكة العربية السعودية كما ذكر العلّامة الزركلي في «الأعلام» (2/ 240) . قلت: ولكنه على الرغم من تسمية كتابه ب «مختصر تاريخ اليافعي» - يعني «مرآة الجنان» - إلا أنه يضيف إليه بعض الأخبار التي لم ترد في كتاب اليافعي.

عقدته لك خمسا وستين لا يحل. فكان كذلك. ووجد في تركته أخبار عن نفسه، أنه يعيش ثماني وأربعين سنة ثم يقتل بين الماء والنار. فعاش هذه المدة [1] . ثم دسّ عليه خال المأمون غالب، فدخل عليه الحمام بسرخس ومعه جماعة، فقتلوه في السنة المذكورة. وقيل: في التي تليها، وله ثمان وأربعون سنة وأشهر. وقد مدحه الشعراء فأكثروا. من ذلك قول مسلم بن الوليد [2] الأنصاري من قصيدة له: أقمت خلافة وأزلت أخرى ... جليل ما أقمت وما أزلتا انتهى.

_ [1] أقول: هذه مبالغة، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى. (ع) . [2] في الأصل والمطبوع: «سالم بن الوليد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (4/ 43) و «مرآة الجنان» (1/ 470) طبع مؤسسة الرسالة، وانظر البيت فيهما.

سنة ثلاث ومائتين

سنة ثلاث ومائتين فيها استوثقت الممالك للمأمون، وقدم بغداد في رمضان من خراسان واتخذها سكنا. وفيها في [ذي] الحجّة حدث بخراسان زلازل أقامت سبعين يوما، وهلك بها خلق كثير وبلاد كثيرة. وفيها غلبت السوداء على عقل الحسن بن سهل حتّى شدّ في الحديد. وفيها توفي أزهر بن سعد السّمّان، أبو بكر البصريّ. روى عن سليمان التّيميّ وطبقته، وعاش أربعا وتسعين سنة. قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة من فضلاء الأئمة وعلماء الأمة. وقال ابن الأهدل: كان يصحب المنصور قبل خلافته، فجاء يسلّم عليه بالخلافة ويهنّئه، فحجبه، فترصد يوم جلوسه العام، فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئت مهنئا للأمير، فأعطاه ألفا وقال: لا تعد فقد قضيت التهنئة، فجاءه من قابل، فسأله، فقال: سمعت بمضرك فجئت عائدا، فأمر له بألف، وقال: قولوا له: لا تعد فقد قضيت وظيفة العيادة وأنا قليل المرض. ثم جاء من قابل، فسأله فقال: سمعت منك دعاء فأردت أتحفظه، فقال: إنه غير مستجاب لأني دعوت به أن لا تعود فعدت. انتهى.

وفي ذي القعدة الإمام حسين بن علي الجعفيّ، مولاهم، الكوفيّ، المقرئ الحافظ. روى عن الأعمش وجماعة. قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أفصل منه، ومن سعيد بن عامر [1] الضّبعي. وقال يحيى بن يحيى النيسابوري: إن بقي أحد من الأبدال فحسين [2] الجعفي، وكان مع تقدّمه في العلم رأسا في الزهد والعبادة. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة، وكان يقال له: راهب الكوفة. وفيها الحسين بن الوليد النيسابوري [الفقيه] [3] . رحل وأخذ عن مالك بن مغول وطبقته. وقرأ القرآن على الكسائي. وكان كثير الغزو والجهاد والكرم. وفيها خزيمة بن خازم [4] الخراسانيّ الأمير، أحد القوّاد الكبار العباسيّة. وداود بن يحيى بن يمان العجليّ، ثقة. وزيد بن الحباب أبو الحسين الكوفيّ. سمع مالك بن مغول وخلقا كثيرا [5] وكان حافظا صاحب حديث، واسع الرحلة، صابرا على الفقر والفاقة. وفيها عثمان بن عبد الرّحمن الحرّانيّ الطرائفيّ، وكان يتتبّع [6] طرائف الحديث، فقيل له: الطرائفيّ. روى عن هشام بن حسّان وطبقته، وهو صدوق.

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 339) : «سعد بن عامر» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] في الأصل: «فحسن» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [3] زيادة من «العبر» للذهبي. [4] في «العبر» : «خزيمة بن حازم» وهو تصحيف فيصحح فيه. [5] في «العبر» : «وخلقا كبيرا» . [6] في الأصل والمطبوع: «يتبّع» ، وفي «العبر» : «وكان يبيع» ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (2/ 914) مصورة دار المأمون للتراث.

وعليّ بن موسى الرّضا، الإمام أبو الحسن الحسينيّ بطوس، وله خمسون سنة، وله مشهد كبير بطوس يزار. روى عن أبيه موسى الكاظم، عن جده جعفر بن محمد الصّادق. وهو أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية. ولد بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين ومائة، ومات بطوس، وصلى عليه المأمون ودفنه بجنب أبيه الرّشيد. وكان موته بالحمى، وقيل: بالسم، وكان المأمون أرسله إلى أخيه زيد بن موسى، وقد قام بالبصرة ليرده عن ذلك، فقال علي: يا زيد ما تريد بهذا؟ فعلت بالمسلمين الأذى وتزعم أنك من ولد فاطمة، والله لأشدّ النّاس عليك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يعطي به. ولما بلغ كلامه المأمون بكى. وقال في «المغني» [1] : عليّ بن موسى بن جعفر الرّضا، عن آبائه. قال ابن طاهر: يأتي عن آبائه بعجائب. قلت [2] : الشأن في صحة الإسناد إليه، فإنه كذب عليه وعلى جده. انتهى. وفيها أبو داود الحفريّ عمر بن سعد بالكوفة. روى عن مالك بن مغول ومسعر. وكان من عبّاد المحدّثين. قال أبو حمدون المقرئ: لما دفنّاه تركنا بابه مفتوحا، ما خلّف شيئا. وقال ابن المديني: ما رأيت بالكوفة أعبد منه. وقال وكيع: إن كان يدفع [البلاء] [3] بأحد في زماننا فبأبي داود الحفري.

_ [1] «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 682) . [2] القائل الذهبي في «المغني في الضعفاء» . [3] لفظة: «البلاء» سقطت من الأصل، والمطبوع واستدركتها من «العبر» (1/ 340) .

وفيها عمر بن عبد الله بن رزين السلميّ النيسابوريّ. رحل وسمع محمد بن إسحاق وطبقته. قال سهل بن عمّار: لم يكن بخراسان أنبل منه. وفيها أبو حفص عمر بن يونس اليمامي [1] . روى عن عكرمة بن عمّار وجماعة، وكان ثقة مكثرا. وفيها محمد بن بكر البرسانيّ بالبصرة. روى عن ابن جريج [وطبقته] [2] . وكان أحد الثقات الأدباء الظرفاء. ومحمد بن بشر العبديّ الكوفيّ الحافظ. روى عن الأعمش وطبقته. قال أبو داود: هو أحفظ من كان بالكوفة في وقته. وقال ابن ناصر الدّين: محمد بن بشر العبديّ الكوفيّ أبو عبد الله ثقة، أحفظ من كان بالكوفة. انتهى. ومحمد بن عبد الله أبو أحمد الزّبيريّ الأسديّ مولاهم الكوفيّ. روى عن يونس بن إسحاق وطبقته. وقال أبو حاتم: كان ثقة حافظا عابدا مجتهدا، له أوهام. وأبو جعفر محمّد بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين، الحسينيّ المدنيّ، الملقب بالدّيباج. روى عن أبيه، وكان قد خرج بمكّة سنة مائتين ثم عجز وخلع نفسه، وأرسل إلى المأمون فمات بجرجان، ونزل المأمون في لحده. وكان عاقلا شجاعا يصوم يوما ويفطر يوما. يقال: إنه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم [واحد] [3] فمات فجأة.

_ [1] في الأصل: «اليماني» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 341) . [3] زيادة من «العبر» (1/ 342) .

وفيها مصعب بن المقدام الكوفيّ. روى عن ابن جريج وجماعة. وفيها النّضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازنيّ- مازن ابن مالك بن عمرو بن تيم بن مر- أبو الحسن البصريّ نزيل مرو وعالمها. كان إماما حافظا جليل الشأن، وهو أول من أظهر السّنّة بمرو وجميع بلاد خراسان. روى عن حميد وهشام بن عروة وطبقته [1] [والكبار] [2] وكان رأسا في الحديث، رأسا في اللغة والنحو، ثقة، صاحب سنة. قال ابن الأهدل: ضاقت معيشته بالبصرة فرحل إلى خراسان فشيّعه من البصرة نحو من ثلاثمائة عالم، فقال لهم: لو وجدت كل يوم كيلجة [3] باقلاء ما فارقتكم، فلم يكن فيهم من تكفّل له بذلك، وأقام بمرو، واجتمع له هناك مال. سمع النّضر من هشام بن عروة وغيره من أئمة التّابعين. وسمع عليه ابن معين، وابن المديني، وغيرهم. وروى المأمون يوما عن هشيم بسنده المتصل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا تزوّج المرأة لدينها وجمالها، فيها سداد من عوز» [4] بفتح السين، فرده النّضر وقال: هو بكسر السين، فقال له المأمون: تلحّنني! فأقصر، فقال: إنما لحن هشيم، وكان لحّانة، لأن السداد بالفتح: القصد في الدّنيا والسبيل، وبالكسر: البلغة، وكل ما سددت به شيئا فهو سداد يعني بكسر السين، ومنه قول العرجي [5] :

_ [1] لفظة: «وطبقته» سقطت من المطبوع. [2] لفظة: «والكبار» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] قال ابن منظور: [قال] ابن الأعرابي: الكيلجة: مكيال، والجمع كيالج وكيالجة أيضا، والهاء للعجمة. «لسان العرب» (كلج) . [4] ذكر ابن خلكان قصة الحديث في «وفيات الأعيان» (5/ 398- 399) نقلا عن «درة الغواص في أوهام الخواص» للحريري، فراجعه. [5] هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ الأمويّ العثمانيّ أبو عمر، المعروف ب «العرجي» وإنما قيل له العرجي،

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر [1] فأمر له بجائزة جزيلة. والعرجيّ المذكور، منسوب إلى العرج منزلة بين مكّة والمدينة، شاعر مشهور أموي. حبسه محمد بن هشام المخزومي أمير مكّة وخال عبد الملك لما شبّب بأمه، فأقام في الحبس سبع سنين ومات فيه عن ثمانين سنة وبعد البيت المذكور: وصبر عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها بنحري [2] انتهى. وفيها الوليد بن القاسم الهمدانيّ [3] الكوفي. روى عن الأعمش وطبقته وكان ثقة. وفيها الوليد بن مزيد العذريّ البيروتيّ صاحب الأوزاعيّ [4] .

_ لأنه كان يسكن عرج الطائف، على ما ذكره الزّبير بن بكار، وكان شاعر غزل، مطبوع، ينحو نحو عمر بن أبي ربيعة. وكان مشغوفا باللهو والصيد. وكان من الأدباء الظرفاء الأسخياء، ومن الفرسان المعدودين. مات سنة (120) هـ. انظر خبره في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (365- 366) ط. ليدن، و «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (1/ 383- 417) ، و «العقد الثمين» للفاسي (5/ 219- 222) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 109) ، وكلام المؤلف عنه الذي سيرد بعد قليل. [1] البيت في «ديوانه» ص (34) طبع بغداد، و «الأغاني» (1/ 413 و 414) ، و «الشعر والشعراء» ص (365) ، و «وفيات الأعيان» (5/ 399) ، و «العقد الثمين» (5/ 220) . [2] البيت في «ديوانه» ص (34) ، و «الأغاني» (1/ 413) ، و «العقد الثمين» (5/ 220) ورواية البيت في كتابنا موافقة لروايته في «الأغاني» ، وأما رواية البيت في «ديوانه» فهي: وخلّوني بمعترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها لنحري ورواية البيت في «العقد الثمين» : وخلّوني بمعترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها بصدري [3] في الأصل، والمطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف، والتصويب من «العبر» للذهبي (1/ 342) ، وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1472) مصورة دار المأمون للتراث. [4] انظر ترجمته مفصلة في «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1474) مصوّرة دار المأمون للتراث.

وفيها الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفيّ المقرئ الحافظ الفقيه، أخذ القراءة عن أبي بكر بن عيّاش. وسمع من يونس بن أبي إسحاق، ونصر بن خليفة، وهذه الطبقة. وصنف التصانيف. قال أبو أسامة: كان بعد الثوري في زمانه يحيى بن آدم. وقال أبو داود: يحيى بن آدم واحد النّاس. وذكره ابن المديني فقال: رحمه الله، أيّ علم كان عنده!. وقال ابن ناصر الدّين: يحيى بن آدم بن سليمان القرشيّ مولاهم الكوفيّ الأحول، أبو زكريا. روى عنه أحمد، وإسحاق، وغيرهما. وكان إماما علّامة من المصنّفين، حافظا ثقة فقيها من المتقنين. انتهى .

سنة أربع ومائتين

سنة أربع ومائتين فيها أعاد المأمون لبس السواد. وفيها في سلخ رجب توفي فقيه العصر والإمام الكبير والجليل الخطير، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشّافعيّ المطلبيّ بمصر، وله أربع وخمسون سنة. أخذ عن [1] مالك، ومسلم بن خالد الزّنجي، وطبقتهما. وكان مولده بغزّة. ونقل إلى مكّة وله سنتان. قال المزنيّ: ما رأيت أحسن وجها من الشّافعيّ، إذا قبض على لحيته لا تفضل عن قبضته. وقال الزّعفرانيّ: كان خفيف العارضين يخضب بالحناء. وكان حاذقا بالرّمي يصيب تسعة من العشرة. وقال الشّافعيّ: استعملت اللّبان سنة للحفظ [2] فأعقبني صبّ الدّم سنة. قال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة لوسعهم [عقله] [3] .

_ [1] في الأصل: «أخذ من» وأثبت ما في المطبوع. [2] في المطبوع: «الحفظ» ، واللّبان: نبات، وانظر الخبر والتعليق عليه في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 15) تحقيق الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي، بإشراف الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وفي «العبر» (1/ 344) . [3] زيادة من «سير أعلام النبلاء» .

وقال إسحاق بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل بمكّة فقال: تعال حتّى أريك [رجلا] [1] لم تر عيناك مثله. قال: فأقامني على الشّافعيّ. وقال أبو ثور الفقيه: ما رأيت مثل الشّافعيّ، ولا رأى مثل نفسه. وقال الشّافعيّ: سمّيت ببغداد ناصر الحديث. وقال أبو داود: ما أعلم للشافعيّ حديثا خطأ. وقال الشّافعيّ: ما شيء أبغض إليّ من الكلام وأهله [2] . قاله في «العبر» [3] . وقال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [4] : الإمام الشافعيّ أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد [5] بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب [6] بن عبد مناف، جدّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والسائب جده صحابي أسلم يوم بدر، وكذا ابنه شافع، لقي النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وهو مترعرع. ولد الشافعيّ سنة خمسين ومائة بغزّة، أو بعسقلان، أو اليمن، أو منى، أقوال، ونشأ بمكة، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، و «الموطأ» وهو ابن عشر، وتفقه على مسلم بن خالد الزّنجي مفتي مكّة وأذن له في الإفتاء وعمره خمس عشرة سنة، ثم لازم مالكا بالمدينة، وقدم بغداد سنة خمس وتسعين فاجتمع عليه علماؤها وأخذوا عنه، وأقام بها حولين، وصنّف بها كتابه القديم، ثم عاد

_ [1] سقطت لفظة: «رجلا» من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] في «العبر» : «ما شيء أبغض إليّ من الرأي وأهله» . [3] (1/ 344) . [4] (1/ 303- 304) . [5] في «حسن المحاضرة» : «ابن عبيد الله» وهو خطأ. وانظر: «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 44) . [6] في «حسن المحاضرة» : «ابن عبد المطلب» وهو خطأ.

إلى مكة، ثم خرج إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها شهرا، ثم خرج إلى مصر [1] وصنف بها كتبه الجديدة ك «الأم» و «الأمالي الكبرى» و «الإملاء الصغير» و «مختصر البويطي» و «مختصر المزني» و «مختصر الرّبيع» و «الرسالة» و «السنن» . قال ابن زولاق [2] : صنف الشّافعيّ نحوا من مائتي جزء ولم يزل بها ناشرا للعلم، ملازما للاشتغال [3] [بجامع عمرو] [4] إلى أن أصابته ضربة شديدة فمرض بسببها أياما، ثم مات يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين. قال ابن عبد الحكم: لما حملت أم الشّافعيّ به رأت كأنّ المشتري خرج من فرجها حتّى انقضّ بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية [5] فتأوله [6] أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخصّ علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان. وقال الإمام أحمد: إن الله تعالى يقيّض للنّاس في كل رأس مائة سنة من يعلّمهم السنن، وينفي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشّافعيّ.

_ [1] قوله: «وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكة، ثم خرج إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها شهرا ثم خرج إلى مصر» ، لم يرد في «حسن المحاضرة» . [2] هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن، من ولد سليمان بن زولاق، الليثي بالولاء، أبو محمد، مؤرخ مصري، زار دمشق سنة (330) هـ. وولي المظالم في أيام الفاطميين بمصر، وكان يظهر التشيّع لهم. من كتبه: «خطط مصر» و «أخبار قضاة مصر» و «رسالة الموازنة بين مصر وبغداد في العلم والعلماء والخيرات» و «مختصر تاريخ مصر» . مات سنة (387) هـ. عن «الأعلام» للزركلي (2/ 178) . [3] في «حسن المحاضرة» : «للإشغال» . [4] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «حسن المحاضرة» . [5] في الأصل، والمطبوع: «شطية» وهو تصحيف، والتصحيح من «حسن المحاضرة» . [6] في «حسن المحاضرة» : «فتأول» .

وقال الرّبيع [1] : كان الشّافعيّ يفتي وله خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات. وقال أبو ثور: كتب عبد الرّحمن بن مهدي إلى الشّافعي أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع مقبول الأخبار [2] فيه، وحجة الإجماع، وبيان النّاسخ والمنسوخ من القرآن والسّنّة، فوضع له كتاب «الرسالة» . قال الإسنوي [3] : الشّافعي أول من صنف في أصول الفقه بالإجماع [4] وأوّل من قرر ناسخ الحديث من منسوخه، وأول من صنف في أبواب كثيرة [من] [5] الفقه معروفة. انتهى كلام السيوطي. وكان يقول: وددت أن لو أخذ عني هذا العلم من غير أن ينسب إليّ منه شيء. وقال: ما ناظرت أحدا إلا وددت أن يظهر الله الحق على يديه. وكان يقول لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله أنت أعلم بالحديث مني، فإذا صحّ الحديث فأعلمني حتّى أذهب إليه شاميا كان أو كوفيا أو بصريا. وكان- رضي الله عنه- مع جلالة قدره شاعرا مفلقا مطبوعا، فمن شعره الرائق الفائق قوله: وما هي إلّا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همّهنّ اجتذابها

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «قال ابن الربيع» والتصحيح من «حسن المحاضرة» وهو الربيع بن سليمان المرادي. [2] في «حسن المحاضرة» : «ويجمع قبول الأخيار» . [3] في المطبوع: «الأسنوي» ، وهو خطأ. [4] في الأصل، والمطبوع: «بإجماع» وما أثبته من «حسن المحاضرة» . [5] لفظة: «من» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها [1] وقوله: ما حكّ جلدك مثل ظفرك ... فتولّ أنت جميع أمرك وإذا بليت بحاجة [2] ... فاقصد لمعترف بقدرك [3] وقوله معارضا لابن الأزرق وهو الغاية في المتانة: إنّ الذي رزق اليسار ولم ينل [4] ... أجرا ولا حمدا لغير موفّق الجدّ يدني كلّ أمر شاسع ... والجدّ يفتح كلّ باب مغلق [5] فإذا سمعت بأنّ مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدّق وإذا سمعت بأنّ محروما [6] أتى ... ماء ليشربه فغاص فحقّق لو أنّ [7] بالحيل الغنى لوجدتني ... بنجوم أرجاء [8] السّماء تعلّقي لكنّ من رزق الحجا حرم الغنى ... ضدّان مفترقان أيّ تفرّق وأحقّ خلق الله بالهمّ امرؤ ... ذو همّة يبلى برزق ضيّق ومن الدّليل على القضاء وحكمه [9] ... بؤس اللّبيب وطيب عيش الأحمق [10]

_ [1] البيتان في «ديوانه» ص (25) ، تحقيق الأستاذ إسماعيل اليوسف، طبع دار الخير. [2] في «ديوانه» : «فإذا قصدت لحاجة» . [3] البيتان في «ديوانه» ص (70) . [4] في «ديوانه» : «فلم ينل» . [5] البيتان في «ديوانه» ص (67) . [6] في الأصل، والمطبوع: «مجذوذا» والتصحيح من «ديوانه» . [7] في «ديوانه» : «لو كان» . [8] في «ديوانه» : «بنجوم أقطار» . [9] في الأصل، والمطبوع: «وكونه» وأثبت لفظ «ديوانه» . [10] الأبيات في «ديوانه» ص (66- 67) .

وله: من نال منّي أو علقت بذمّته ... أبرأته لله شاكر منّته أرى معوّق مؤمن يوم الجزا ... أو أن أسوء محمّدا في أمّته [1] وقال: إذا المرء أفشى سرّه لصديقه ... ودلّ عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الذي يستودع [2] السرّ أضيق [3] [ومما ينسب إليه: عليّ ثياب لو تباع جميعها ... بفلس لكان الفلس منهنّ أكثرا وفيهنّ نفس لو تقاس بمثلها ... نفوس الورى كانت أعزّ وأكبرا] [4] وفيها قاضي ديار مصر، إسحاق بن الفرات أبو نعيم التّجيبيّ، صاحب مالك. قال الشّافعيّ: ما رأيت بمصر أعلم باختلاف النّاس من إسحاق بن الفرات، رحمه الله. وقد روى إسحاق- رحمه الله- أيضا عن حميد بن هانئ، واللّيث بن سعد، وغيرهما. وفي ثامن عشر شعبان أشهب بن عبد العزيز، أبو عمرو العامريّ،

_ [1] لم أجد البيتين في «ديوانه» الذي بين يدي. [2] في الأصل، والمطبوع: «فصدر الذي أودعته» وأثبت لفظ ديوانه. [3] البيتان في «ديوانه» ص (67) مع شيء من الخلاف في ألفاظهما. [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدركته من المطبوع. والبيتان في «ديوانه» ص (46- 47) ورواية البيت الثاني فيه: فيهن نفس لو تقاس ببعضها ... نفوس الورى كانت أجلّ وأكبرا

صاحب مالك، وله أربع وستون سنة. وكان ذا مال وحشمة وجلالة. قال الشّافعيّ: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه. وكان محمد بن عبد الله بن [عبد] [1] الحكم صاحب أشهب يفضّل أشهب على ابن القاسم. قال ابن عبد الحكم: سمعت أشهب يدعو على الشّافعيّ بالموت، فبلغ ذلك الشّافعيّ فقال: تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك طريق [2] لست فيها بأوحد فقل للّذي يبغي خلاف الذي مضى ... تزوّد لأخرى مثلها فكأن قد [3] ومكث أشهب بعد الشّافعيّ شهرا. قال ابن عبد الحكم: وكان قد اشترى من تركة الشّافعيّ عبدا، فاشتريت ذلك العبد من تركة أشهب. وفيها أبو علي الحسن بن زياد اللؤلؤيّ الكوفيّ، قاضي الكوفة وصاحب أبي حنيفة، وكان يقول: كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث. قال في «العبر» [4] : ولم يخرّجوا له في الكتب الستة لضعفه، وكان رأسا في الفقه. انتهى. وفيها الإمام أبو داود الطّيالسيّ، واسمه سليمان بن داود البصريّ الحافظ صاحب «المسند» ، كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث.

_ [1] لفظة: «عبد» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] في «ديوانه» : «فتلك سبيل» . [3] البيت الأول في «ديوانه» ص (39) ، والبيتان في «سير أعلام النبلاء» (10/ 72) ، وانظر تخريجهما فيه. [4] (1/ 345) .

قال الفلّاس: ما رأيت أحفظ منه. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: هو أصدق النّاس. قال في «العبر» [1] : قلت: كتب [2] عن ألف شيخ، منهم ابن عون [3] وطبقته. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: الحافظ الكبير، من الحفاظ المكثرين، قيل: غلط في أحاديث رواها من لفظه، وأتي في ذلك من قبل اتكاله على حفظه. قال عمر بن شبّة [4] : كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث. انتهى. وقيل: إنه أكل حبّ البلاذر [5] لأجل الحفظ والفهم، فأحدث له جذاما وبرصا. وفيها شجاع بن الوليد الكوفيّ، أبو بدر. قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة ورعا عابدا متقنا. انتهى. وقال في «العبر» [6] : كان من صلحاء المحدّثين وعلمائهم. روى عن الأعمش والكبار. قال سفيان الثّوري: ليس بالكوفة أعبد من شجاع بن الوليد. انتهى. وفيها أبو بكر الحنفيّ عبد الكبير بن عبد المجيد أخو أبي علي

_ [1] (1/ 346) . [2] تحرفت لفظة: «كتب» في «العبر» إلى «كتبت» . [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو عون» والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 346) ، وانظر: «تهذيب الكمال» (1/ 534) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق. [4] في الأصل، والمطبوع: «ابن شيبة» والتصحيح من «تهذيب الكمال» (1/ 535) . [5] في الأصل، والمطبوع: «البلادر» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاج العروس» (بلذر) وفيه البلاذر: حب الفهم. [6] (1/ 346) .

الحنفي، بصريّ مشهور. صاحب حديث. روى عن خثيم بن عراك، وجماعة. وفيها أبو نصر عبد الوهّاب بن عطاء الخفّاف. بصري. صاحب حديث وإتقان. سمع من حميد، وخالد الحذّاء، وطائفة. قال ابن ناصر الدّين: عبد الوهّاب بن عطاء العجليّ الخفّاف أبو نصر، أحد علماء البصرة والحفاظ المهرة. جاء توثيقه عن الدّارقطنيّ وابن معين، وتكلم فيه البخاريّ وغيره بأنه ليس بالقويّ، ففيه لين. انتهى. وفيها هشام بن محمّد بن السّائب الكلبيّ الأخباريّ النسّابة صاحب كتاب «الجمهرة» في النسب [1] ومصنفاته تزيد على مائة وخمسين تصنيفا في التاريخ، والأخبار، وكان حافظا علامة إلّا أنه متروك الحديث، فيه رفض. روى عن أبيه، وعن مجالد بن سعيد، وغيرهما. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] طبع المجلد الأول منه في وزارة الإعلام في الكويت بتحقيق الأستاذ عبد الستار أحمد فراج، رحمه الله، وصدر كاملا عن دار اليقظة بدمشق بعناية الأستاذ محمود فردوس العظم. [2] (1/ 346- 347) .

سنة خمس ومائتين

سنة خمس ومائتين فيها توفي إسحاق بن منصور السّكونيّ الكوفيّ. روى عن إسرائيل وطبقته. وفيها أبو عبد الله بسر بن بكر الدّمشقيّ ثم التّنّيسيّ، محدّث تنّيس [1] . حدّث عن الأوزاعيّ وجماعة. وفي جمادى الأولى أبو محمد روح بن عبادة القيسيّ البصريّ الحافظ. روى عن ابن عون وابن جريج. وصنف في السنن والتفسير وغير ذلك، وعمّر دهرا. قال ابن ناصر الدّين: روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان القيسيّ البصريّ أبو محمّد. ثقة، مكثر، مفسر. انتهى. وفيها الزّاهد القدوة أبو سليمان الدّارانيّ العنسيّ أحد الأبدال. كان عديم النظير زهدا وصلاحا، وله كلام رفيع في التصوف والمواعظ.

_ [1] قال المقريزي: تنيس بكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وكسر النون المشددة وياء آخر الحروف، وسين مهملة: بلدة من بلاد مصر في وسط الماء وهي كورة الخليج، سميت بتنيس ابن حام بن نوح، ويقال: بناها قليمون من ولد أتريب بن قبطم أحد ملوك القبط في القديم. وانظر تتمة كلامه عنها في «الخطط المقريزية» (1/ 176- 182) ، وراجع خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 51- 54) .

من كلامه: من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره. ومن صدق في ترك شهوة، ذهب الله بها من قلبه، والله أكرم من أن يعذب قلبا ترك شهوة له. وأفضل الأعمال خلاف هوى النفس. وله كرامات وخوارق. ونسبته إلى داريّا قرية بغوطة دمشق [1] أو داران [2] ، قيل: وهذا الصحيح. والعنسيّ نسبة إلى عنس بن مالك رجل من مذحج. وفيها، أو في التي قبلها- وبه جزم ابن ناصر الدّين- أبو عامر العقديّ عبد الملك بن عمرو البصريّ أحد الثقات المكثرين. روى عن هشام الدستوائي وأقرانه. قال ابن ناصر الدّين: كان إماما أمينا ثقة مأمونا. وفيها محمد بن عبيد الطّنافسيّ الأحدب الكوفيّ الحافظ. سمع هشام بن عروة والكبار. قال ابن سعد: كان ثقة صاحب سنّة. وقال ابن ناصر الدّين: هو وأخواه يعلى وعمر من الموثقين. انتهى. وفيها قارئ أهل البصرة يعقوب بن إسحاق الحضرميّ مولاهم المقرئ النحويّ أحد الأعلام. قرأ على أبي المنذر سلّام الطّويل. وسمع من شعبة وأقرانه. تصدر للإقراء والتحديث، وحمل عنه خلق كثير. وله في القراءة رواية مشهورة ثامنة على قراءة السبعة، رواها عنه روح بن عبد المؤمن وغيره. واقتدى به البصريون، وأكثرهم على مذهبه بعد أبي عمرو بن العلاء.

_ [1] قلت: لقد كانت هذه القرية من أجمل قرى غوطة دمشق الغريبة، ثم تحولت خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى مدينة صغيرة على أثر تشييد العدد الكبير من العمارات فوق أراضيها الخصبة المنتجة من قبل أهلها وتجار دمشق، دون الأخذ بعين الاعتبار ما لفقدان الأراضي الزراعية من أثر سيىء على مناخ دمشق، ولقد طالت هذه الآفة معظم قرى غوطتي دمشق الشرقية والغربية في الآونة الأخيرة، حتى كادت تقضي على الغوطتين معا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وانظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 431- 432) . [2] وذكر ذلك أيضا الزبيدي في «تاج العروس» (دار) وعزاه لسيبويه.

وقد حافظ البغويّ في «تفسيره» على رواية قراءته وقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع، وذكر سندهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو حاتم السجستانيّ: كان يعقوب الحضرمي أعلم من أدركنا في الحروف والاختلاف في القرآن العظيم وتعليله ومذاهبه ومذاهب النحويين فيه، وكتابه «الجامع» جمع فيه بين عامة الاختلاف ووجوه القراءات ونسب كل حرف إلى من قرأ به .

سنة ست ومائتين

سنة ست ومائتين فيها استعمل المأمون على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعيّ فوليها مدة، وهو الذي كان يمتحن النّاس بخلق القرآن في أيام المأمون، والمعتصم، والواثق. وفيها كان المدّ الذي غرق منه السواد وذهبت الغلّات. وفيها نكث بابك الخرّميّ عيسى بن محمد بن أبي خالد. وفيها استعمل المأمون على محاربة [1] نصر بن شبث [2] [عبد الله بن طاهر] [3] وولاه الديار المصرية. وفيها- في رجب- توفي أبو حذيفة إسحاق بن بشر البخاريّ صاحب «المبتدأ» روى عن إسماعيل بن أبي خالد، وابن جريج، والكبار، فأكثر وأغرب، وأتى بالطّامّات، فتركوه [4] .

_ [1] في الأصل: «على تجارة» ، وفي المطبوع: «على تجارته» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 348) ، وانظر: «تاريخ الطبري» (8/ 581) . [2] في الأصل، والمطبوع: «نصر بن شيث» وهو تصحيف، وفي «العبر» : «نصر بن شبيب» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (6/ 388) . [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي، وانظر: «تاريخ الطبري» . [4] في «العبر» (1/ 349) : «فاتهموه وتركوه» .

وفيها- في ربيع الأول- حجّاج بن محمّد المصّيصيّ الأعور، صاحب ابن جريج، وأحد الحفاظ، الثقات، المتقنين، المكثرين، الضابطين. قال أحمد: ما كان أصحّ حديثه وأضبطه، وأشدّ تعاهده للحروف. وشبابة بن سوّار المدائنيّ الحافظ. روى عن ابن أبي ذئب وطبقته، وكان ثقة مرجئا. وفي رمضان عبد الله بن نافع المدنيّ الصائغ الفقيه، صاحب مالك. روى عن زيد بن أسلم وطائفة. قال أحمد بن صالح: كان أعلم النّاس برأي مالك وحديثه. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي مالك، ومفتي [أهل] المدينة. وخرّج له مسلم، والأربعة. قال في «المغني» [1] : عبد الله بن نافع الصائغ، عن مالك، وثق. وقال البخاريّ: في حفظه شيء. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بذاك في الحديث. انتهى. وفيها محاضر بن المورّع الكوفيّ. روى عن عاصم الأحول وطبقته. وهو صدوق. وقد خرّج له مسلم، وأبو داود، والنسائيّ. قال في «المغني» [2] : عن الأعمش وغيره. قال أبو زرعة: صدوق. وقال أبو حاتم: ليس بالقويّ. وقال أحمد: كان مغفّلا جدّا، لم يكن من أصحاب الحديث. انتهى.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 360) . [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 542) .

وفيها قطرب النحويّ صاحب سيبويه، وهو الذي سماه قطربا، لأنه كان يبكّر في المجيء إليه. فقال: ما أنت إلّا قطرب ليل- وهي دويبة لا تزال تدب ولا تهتدي- فغلب عليه، وكنية قطرب أبو علي، واسمه محمد بن المستنير البصريّ اللغويّ. كان من أئمة عصره. صنف «معاني القرآن» و «كتاب الاشتقاق» و «كتاب القوافي» و «كتاب النوادر» و «كتاب الأزمنة» و «كتاب الأصول» و «كتاب الصفات» و «كتاب العلل في النحو» و «كتاب الأضداد» و «كتاب خلق الإنسان» و «كتاب خلق الفرس» و «كتاب غريب الحديث» و «كتاب الهمز» و «كتاب فعل وأفعل» و «كتاب الرد على الملحدين» في متشابه القرآن، وغير ذلك. وهو أول من وضع المثلث في اللغة. وتبعه البطليوسي، والخطيب، وكان يعلّم أولاد أبي دلف العجلي. وفيها مؤمّل بن إسماعيل في رمضان بمكّة، وكان من ثقات البصريين. روى عن شعبة والثّوري. وفيها أبو العبّاس وهب بن جرير بن حازم الأزديّ البصريّ الحافظ. أكثر عن أبيه وابن عون، وعدة. وفيها الإمام الربّاني [1] يزيد بن هارون أبو خالد الواسطيّ الحافظ. روى عن عاصم الأحول والكبار. قال علي بن المديني: ما رأيت رجلا قطّ أحفظ من يزيد بن هارون. يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر. وقال يحيى بن يحيى التميميّ: هو أحفظ من وكيع. وقال أحمد بن سنان القطّان: كان هو وهشيم معروفان [2] بطول صلاة الليل والنهار.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الزيّاتي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 350) . [2] في الأصل: «معروفا» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع.

وقال يحيى بن أبي طالب: سمعت من يزيد ببغداد، وكان يقال: إن في مجلسه سبعين ألفا. وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا إماما ثقة مأمونا مناقبه جمّة خطيرة. قال [علي بن] شعيب [1] : سمعت يزيد يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث ولا فخر، وأحفظ للشاميين عشرين ألفا لا أسأل عنها. انتهى.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «قال شعيب» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (14/ 339) ، و «سير أعلام النبلاء» (9/ 359) . وهو علي بن شعيب بن عدي السّمسار، البغدادي، المتوفى سنة (253) . انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 970) مصورة دار المأمون للتراث، و «تقريب التهذيب» ص (402) بتحقيق الأستاذ محمد عوّامة.

سنة سبع ومائتين

سنة سبع ومائتين فيها توفي طاهر بن الحسين فجأة على فراشه وحمّ ليلة. وكان تلك الأيام قد قطع دعوة المأمون وعزم على الخروج عليه، فأتى الخبر إلى المأمون بأنه خلعه، فما أمسى حتّى جاءه الخبر بموته. وقام بعده ابنه طلحة، فأقره المأمون على خراسان، فوليها سبع سنين. وبعده ولي أخوه عبد الله. قال ابن الأهدل: طاهر بن الحسين الخزاعيّ، وقيل: مولاهم، الملقّب، ذا اليمينين، كان جوادا شجاعا ممدّحا، وهو الذي قتل الأمين. وكان المأمون قد أخدمه غلاما رباه وأمره إن رأى منه ما يريبه سمّه. فلما تمكن طاهر من خراسان قطع خطبة المأمون- أي وخطب لنفسه- فأصبح يوم السبت ميتا. واستخلف المأمون ولده طلحة بن طاهر، وقيل: جعله نائبا لأخيه عبد الله بن طاهر، وسيأتي ذكر ولده عبد الله سنة ثلاثين، وولد ولده سنة ثلاثمائة. انتهى. وفيها أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزوميّ العمريّ الكوفيّ عن نيف وتسعين سنة. سمع من الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، والكبار. قال أبو حاتم: صدوق. وعبد الصّمد بن عبد الوارث بن سعيد التميميّ التّنّوريّ أبو سهل.

روى عن أبيه وهشام الدّستوائيّ، وشعبة. وكان ثقة صاحب حديث. قال ابن ناصر الدّين: كان محدّث البصرة وأحد الثقات. انتهى. وفيها عمر بن حبيب العدويّ البصريّ في أول السنة. روى عن حميد الطّويل، ويونس بن عبيد، وجماعة. وولي قضاء الشرقية للمأمون. قال ابن عدي: هو مع ضعفه حسن الحديث. وقال في «المغني» [1] : عمر بن حبيب العدويّ القاضي. عن هشام بن عروة. كذّبه ابن معين. وقال النسائيّ: ضعيف. وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. انتهى. وفيها قراد أبو نوح عبد الرّحمن بن غزوان [2] الخزاعيّ. توفي ببغداد، وحدّث عن عوف، وشعبة، وطائفة. قال أحمد بن حنبل: كان عاقلا من الرّجال. وقال ابن المديني: ثقة. وقال ابن معين: ليس به بأس. وكثير بن هشام الكلابي الرّقّيّ. راوية جعفر بن برقان، توفي ببغداد في شعبان. وفيها محمد بن عبد الله بن كناسة الأسديّ النحويّ الأخباريّ الكوفيّ. سمع هشام بن عروة والأعمش، ومات في شوال على الصحيح. قال في «المغني» [3] : محمد بن كناسة الأسدي. عن الأعمش. وثقة ابن معين وغيره.

_ [1] «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 464) . [2] في الأصل: «قرار أبو نوح بن غزوان عبد الرحمن بن غزوان» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 352) ، و «لسان الميزان» لابن حجر (4/ 471) . [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 596) .

وقال أبو حاتم: لا يحتج به. انتهى. والواقديّ قاضي بغداد أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلميّ المدنيّ، العلّامة، أحد أوعية العلم. روى عن ثور بن يزيد، وابن جريج وطبقتهما. وكان يقول: حفظي أكثر من كتبي. وقد تحول مرّة فكانت كتبه مائة وعشرين حملا. ضعفه الجماعة كلّهم. قال ابن ناصر الدّين: أجمع الأئمة على ترك حديثه حاشا ابن ماجة، لكنه لم يجسر أن يسمّيه حين أخرج حديثه في اللباس يوم الجمعة [1] ، وحسبك ضعفا بمن لا يجسر أن يسميه ابن ماجة. انتهى. وقال الذهبيّ في كتابه «المغني في الضعفاء» [2] : محمد بن عمر بن واقد الأسلميّ مولاهم الواقديّ صاحب التصانيف مجمع على تركه. وقال ابن عدي: يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه. وقال النسائيّ: كان يضع الحديث. وقال ابن ماجة: حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا شيخ [لنا] [3] ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر [4] فذكر حديثا في لباس الجمعة وحسبك بمن لا يجسر ابن ماجة أن يسميه. قلت: وقد كذّبه أحمد، والله أعلم. وقال ابن الأهدل: الإمام الواقديّ أبو عبد الله محمد بن [عمر بن] واقد الأسلمي قاضي بغداد. كان يقول: حفظي أكثر من كتبي. وكانت كتبه مائة

_ [1] هو في «سنن ابن ماجة» رقم (1095) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة. [2] (2/ 619) . [3] لفظة «لنا» زيادة من «سنن ابن ماجة» . [4] في الأصل، والمطبوع: «عبد الحميد بن صفوان» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» ، و «تهذيب الكمال» (3/ 1249) .

وعشرين حملا. وضعفه أهل الحديث، ووثقوا كاتبه محمد بن سعد. من تصانيفه «كتاب الردّة» ذكر فيه المرتدين وما جرى بسببهم. وكان المأمون يكرمه ويراعيه. روي عنه قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنّا كنفس واحدة، فشكوت إليه عسرة، فوجّه إليّ كيسا مختوما فيه ألف درهم، فما استقر في يدي حتّى جاءني كتاب صديقي الآخر يشكو مثل ذلك، فوجهته إليه كما هو، وخرجت إلى المسجد، فبتّ فيه حياء من زوجتي، ثم إن صديقي الهاشمي شكا إلى صديقي الآخر فأخرجه إليه بحاله، فجاءني به حين عرفه، وقال: أصدقني كيف خرج منك، فعرّفته الحكاية، فتواجهنا وتواسيناه بيننا، وعزلنا للمرأة مائة درهم، ونمي الخبر إلى المأمون، فوجه إلى كل منا ألف دينار وللمرأة ألفا، وقد ذكر هذه الحكاية الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» [1] . انتهى كلام ابن الأهدل. وفيها بشر بن عمر [2] الزّهرانيّ. كان ثقة متقنا ذا علم وحديث. وكنيته أبو محمد. وفيها أبو كامل مظفر بن مدرك الخراسانيّ ثم البغداديّ. كان ثقة مأمونا. أخذ عنه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وآخرون. وفيها أبو النّضر [3] هاشم بن القاسم الخراسانيّ. قيصر. نزل بغداد، وكان حافظا قوّالا بالحق. سمع شعبة، وابن أبي ذئب، وطبقتهما. ووثّقه جماعة.

_ [1] (3/ 4- 5) . قلت: ولكن سياق القصة فيه يختلف عمّا في كتابنا قليلا. [2] في «العبر» للذهبي (1/ 351) : «يزيد بن عمر» وهو خطأ فيصحح فيه. [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو نضر» ، وما أثبته من «العبر» للذهبي (1/ 353) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 481) .

قال ابن ناصر الدّين: هو ثقة ماجد، شيخ لأحمد بن حنبل. انتهى. وفيها الهيثم بن عدي أبو عبد الرّحمن الطائيّ الكوفيّ الأخباريّ المؤرّخ. روى عن مجالد، وابن إسحاق وجماعة، وهو متروك الحديث. وقال أبو داود السجستاني: كذّاب. وفيها الفرّاء يحيى بن زياد الكوفيّ النحويّ. نزل بغداد وحدّث في مصنفاته عن قيس بن الرّبيع، وأبي الأحوص، وهو أجلّ أصحاب الكسائيّ. كان رأسا في النحو واللغة. قال ابن الأهدل في «تاريخه» : الإمام البارع يحيى بن زياد الفراء [1] . كوفي، أجلّ أصحاب الكسائيّ، هو والأحمر. قيل: لولاه لما كانت عربية، لأنه هذّبها وضبطها. وقال ثمامة بن أشرس المعتزليّ: ذاكرت الفرّاء فوجدته في النحو نسيج وحده. وفي اللغة بحرا. وفي الفقه عارفا باختلاف القوم. وفي الطب خبيرا. وبأيام العرب وأشعارها حاذقا. ولحن يوما بحضرة الرّشيد فرد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين إن طباع الأعراب والحضر اللّحن، فإذا تحفّظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطبع لحنت. صنف الفرّاء للمأمون «كتاب الحدود» في النحو، و «كتاب المعاني» واجتمع لإملائه خلق كثير، منهم ثمانون قاضيا. وعمل كتابا على جميع القرآن في نحو ألف ورقة لم يعمل مثله، وكل تصنيفه حفظا لم يأخذ بيده نسخة إلّا كتاب ملازم، وكتاب نافع. وعجب له تعظيم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه.

_ [1] في المطبوع: «الفرائي» .

قال الفرّاء: أموت وفي نفسي من حتّى شيء لأنها تجلب الحركات الثلاث. ولم يعمل الفراء ولا باعها، وإنما كان يفري الكلام. وقطعت يد والده في مقتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما. وكان يؤدّب ابني المأمون، فطلب نعليه يوما فابتدر أيهما [1] يسبق إلى تقديمهما له، فقال له المأمون: ما أعزّ من يتبادر إلى تقديم نعليه وليّا عهد المسلمين. فقال: ما كنت أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها وشريفة حرصا عليها. وقد أمسك ابن عبّاس بركابي الحسن والحسين وقد خرجا من عنده، فقال المأمون: لو منعتهما لأوجعتك لوما، فلا يحسن ترفّع الرجل عن ثلاثة: والده، وسلطانه، ومعلّمه. وأعطاهما عشرين ألف دينار، وأعطاه عشرة آلاف. وروي أن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة سأل الفرّاء- وهو ابن خالته- عمّن سها في سجود السهو؟ فقال: لا شيء عليه، لأن المصغر لا يصغر. وروي مثلها عن الكسائيّ. انتهى كلام ابن الأهدل.

_ [1] في المطبوع: «إليهما» .

سنة ثمان ومائتين

سنة ثمان ومائتين فيها جاء سيل بمكّة حتّى بلغ الماء الحجر والباب، وهدم أكثر من ألف دار، ومات نحو من ألف إنسان. وفيها سار الحسن بن الحسين بن مصعب الخزاعيّ إلى كرمان فخرج بها. فسار لحربه أحمد بن أبي خالد فظفر به، وأتى به [إلى] [1] المأمون فعفا عنه. وفيها توفي الأسود بن عامر شاذان [2] أبو عبد الرّحمن ببغداد. روى عن هشام بن حسّان، وشعبة، وجماعة. قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة حافظا. وسعيد بن عامر الضّبعيّ أبو محمد البصريّ أحد الأعلام في العلم والعمل. روى عن يونس بن عبيد، وسعيد بن أبي عروبة، وطائفة. قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أفضل منه. وقال ابن ناصر الدّين: وأخذ عنه أحمد بن حنبل وغيره.

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 354) . [2] في الأصل: «سادان» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

وقال يحيى القطّان: هو شيخ المصر [1] منذ أربعين سنة. انتهى [2] . وتوفي في شوال. وعبد الله بن بكر السّهميّ [3] الباهليّ أبو وهب البصريّ. روى عن حميد الطّويل، وبهز بن حكيم. وطائفة. وكان ثقة مشهورا. توفي في المحرم ببغداد. والفضل بن الرّبيع بن يونس الأمير، حاجب الرّشيد وابن حاجب المنصور، وهو الذي قام بأعباء خلافة الأمين، ثم اختفى مدة بعد قتل الأمين. توفي في ذي القعدة. قال ابن الأهدل: هو وزير الرّشيد بدلا عن البرامكة. وقد كان بينه وبينهم إحن [4] وشحناء. دخل يوما على يحيى بن خالد وابنه جعفر يوقّع بين يديه، فعرض عليه الفضل عشر رقاع للنّاس، فلم يوقّع له في واحدة منهن، فجمع رقاعه وقال: ارجعن خائبات، وخرج وهو يقول: عسى وعسى يثني الزّمان عنانه ... بتصريف حال والزّمان عثور فتقضى لبانات وتشفى حسائف [5] ... ويحدث [6] من بعد الأمور أمور [7] والحسائف: الضغائن.

_ [1] يعني شيخ البصرة. [2] يعني انتهى نقل المؤلف عن ابن ناصر الدّين. [3] في المطبوع: «عبد الله بن السهمي» ، وفي «العبر» (1/ 354) : «عبد الله بن أبي بكر» وكلاهما خطأ. وانظر: «الأنساب» للسمعاني (7/ 200) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 404) . [4] أي أحقاد. انظر: «مختار الصحاح» للرازي ص (8) . [5] في «البداية والنهاية» : «وتشفى حزائر» . [6] في «البداية والنهاية» : «وتحدث» . [7] البيتان في «البداية والنهاية» لابن كثير (10/ 263) .

فقال له يحيى: عزمت عليك يا أبا العبّاس إلا رجعت، فرجع، فوقّع له فيها كلها. ولم يمتد أمرهم بعدها. وكانت نكبتهم على يديه. انتهى. وفيها توفيت السيدة نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسنيّة، صاحبة المشهد بمصر. ولي أبوها إمرة المدينة للمنصور، ثم حبسه دهرا. ودخلت هي مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصّادق. وتوفيت في شهر رمضان. قال ابن الأهدل: وقيل: قدمت مصر مع ابنها، وكانت من الصالحات. سمع عليها الشّافعيّ، وحملت جنازته يوم مات فصلت عليه. ولما ماتت همّ زوجها إسحاق بحملها إلى المدينة فأبى أهل مصر فدفنت بين القاهرة ومصر. يقال: إن الدعاء مستجاب [1] عند قبرها. قال الذّهبيّ: ولم يبلغنا شيء من مناقبها، وللجهّال فيها اعتقاد لا يجوز، وقد يبلغ بهم إلى الشرك بالله، فإنهم يسجدون للقبر ويطلبون منه المغفرة. وكان أخوها القاسم بن حسن زاهدا عابدا. قلت: وسلسلتها في النسب وسماع الشّافعيّ منها وعليها، وحمله ميتا إلى بيتها، أعظم منقبة، فلم يكن ذلك إلا عن قبول وإقبال وصيت وإجلال، نفع الله بها ومبلغها. انتهى ما قاله ابن الأهدل. وفيها القاسم بن الحكم العرنيّ [2] الكوفيّ، قاضي همذان [3] . روى

_ [1] في المطبوع: «يستجاب» . [2] في «المغني في الضعفاء» : «العريني» وهو خطأ فيصحح فيه. [3] في الأصل، والمطبوع: «همدان» وهو تصحيف، وما أثبته هو الصواب، لأن «همذان» إقليم في إيران، و «همدان» قبيلة من قبائل العرب.

عن زكريّا ابن أبي زائدة [1] وأبي حنيفة، وجماعة. وقد كان أراد الإمام أحمد أن يرحل إليه. وخرّج له الترمذيّ. قال في «المغني» [2] : وثقه النسائيّ. وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به. انتهى. وقريش بن أنس البصريّ. روى عن حميد، وابن عون، وجماعة. قال النسائيّ: ثقة، إلا أنه تغير. ومات في رمضان. ومحمّد بن مصعب القرقسانيّ [3] . روى عن الأوزاعي، وإسرائيل، وضعفه النسائيّ وغيره. وهارون بن عليّ المنجّم الفاضل البغدادي. صنف «تاريخ المولّدين» جمع مائة وأحد وستين شاعرا، افتتحه بذكر بشّار بن برد، وختمه بمحمد بن عبد الملك بن صالح، واختار من شعرهم الزّبد دون الزّبد، وصنف غير ذلك [4] . ويحيى بن حسّان التّنّيسي، أبو زكريا. روى عن معاوية بن سلّام، وحمّاد بن سلمة وطائفة. وكان إماما حجة من جلّة المصريين. توفي في رجب.

_ [1] في المطبوع: «زكريا بن يحيى بن أبي زائدة» وهو خطأ، وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 430) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق، و «العبر» للذهبي (1/ 355) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 261) . [2] «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 518) . [3] نسبة إلى قرقيسيا بلدة من بلدان جزيرة أقور التي بين نهري دجلة والفرات. انظر: «الأنساب» للسمعاني (10/ 105) ، و «معجم البلدان» لياقوت (4/ 328- 329) . [4] الذي في «سير أعلام النبلاء» (13/ 404) أنه توفي سنة (288 هـ) وهو كذلك في «الأعلام» للزركلي (8/ 61) بينما ذكره المؤلف هنا فيمن توفي سنة (208) هـ. (ع) .

ويحيى بن بكير العبدي، قاضي كرمان. حدّث عن شعبة وأبي جعفر الرّازي، والكبار. وثقه ابن معين وغيره. قال ابن ناصر الدّين: واسم أبيه قيس بن أبي أسيد بالتصغير. وكان ثقة أخطأ في إسناد واحد مع كثرة حفظه. انتهى. ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزّهريّ العوفيّ المدنيّ نزيل بغداد. سمع أباه، وعاصم بن محمد العمري، واللّيث بن سعد. وكان إماما ثقة ورعا كبير القدر. ويونس بن محمد البغداديّ المؤدّب الحافظ. روى عن شيبان [1] ، وفليح بن سليمان، وطائفة، وتوفي في صفر. قال ابن ناصر الدّين: يونس بن محمد بن مسلم المؤدّب [2] كان ثقة. انتهى.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «سفيان» وهو خطأ. والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1571) ، و «العبر» للذهبي (1/ 356) . وهو شيبان بن عبد الرحمن النحوي. [2] في الأصل، والمطبوع: «المكتب» .

سنة تسع ومائتين

سنة تسع ومائتين فيها طال القتال بين عبد الله بن طاهر، ونصر بن شبث [1] العقيلي، إلى أن حصره في قلعة ونال منه. فطلب نصر الأمان، فكتب له المأمون أمانا وبعثه إليه، فنزل وهدم الحصن. وفيها توفي الحسن بن الأشيب أبو عليّ البغدادي قاضي طبرستان بعد قضاء الموصل. روى عن شعبة وحريز بن عثمان وطائفة. وكان ثقة مشهورا. وحفص بن عبد الله السّلميّ أبو عمرو النيسابوريّ، قاضي نيسابور. سمع مسعرا، ويونس بن أبي إسحاق. وأكثر عن إبراهيم بن طهمان. ومكث عشرين سنة يقضي بالآثار. وكان صدوقا. وأبو علي الحنفيّ عبيد الله بن عبد المجيد [2] البصريّ. روى عن قرّة بن خالد، ومالك بن مغول، وطائفة.

_ [1] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «شبيب» . [2] في الأصل، والمطبوع: «عبد الحميد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 357) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 536) .

وعثمان بن عمر بن فارس العبديّ البصريّ، الرّجل الصالح. روى عن ابن عون، وهشام بن حسّان [1] ، ويونس بن يزيد، وطائفة. توفي في ربيع الأول بالبصرة. ويعلى بن عبيد الطنافسيّ، أبو يوسف الكوفيّ. روى عن الأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والكبار. فعن أحمد بن يونس قال: ما رأيت أفضل منه، [وكان يريد بعمله الله تعالى] [2] .

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 357) : «هشام بن حبّان» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 358) .

سنة عشر ومائتين

سنة عشر ومائتين فيها على ما قاله ابن الجوزي في «الشذور» [1] عرّس المأمون على بوران، ففرش له يوم البناء حصير من ذهب، ونثر عليه ألف حبة من الجوهر، وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة رطل. ونثر على القواد رقاع بأسماء ضياع. فمن وقعت بيده رقعة أشهد له الحسن بالضيعة. وكان الحسن بن سهل يجري في مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين ألف ملاح، فلما أراد المأمون الإصعاد أمر له بألف ألف دينار، وأقطعه مدينة الصلح. وقال ابن الأهدل: وفي سنة عشر ومائتين، تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل [2] بواسط، وكان عرسا لم يسمع بمثله في الدّنيا، نثر فيه على الهاشميين، والقواد، والوجوه، بنادق مسك فيها رقاع متضمنة لضياع، وجوار، ودواب، ومن وقع في حجره بندقة ملك ما فيها. وأقام أبوها الجيش كله بضعة عشر يوما، فكتب له المأمون بخراج فارس والأهواز سنة، ودخل عليها في الليلة الثالثة من وصوله، فلما قعد عندها نثرت جدّتها ألف درّة، فقال لها: سلي حوائجك. فقالت: الرضى عن إبراهيم بن المهدي [3] ففعل، ولما أصبح جلس للنّاس، فقال له أحمد بن يوسف الكاتب: باليمن

_ [1] يعني: «شذور العقود في تاريخ العهود» . [2] في الأصل: «الحسن بن صالح» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر: «الأعلام» للزركلي (2/ 77) . [3] في الأصل: «إبراهيم المهدي» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

والبركة، وشدة الحركة، والظفر في المعركة. فقال يعرّض بحيضها: فارس ماض بحربته ... صادق بالطّعن في الظّلم رام أن يدمي فريسته ... فاتّقته من دم بدم [1] انتهى ما قاله ابن الأهدل. وفيها توفي أبو عمرو الشّيبانيّ، إسحاق بن مرار الكوفيّ اللغويّ صاحب التصانيف، وله تسعون سنة. وكان ثقة علّامة خيّرا فاضلا. والحسن بن محمد بن أعين الحرّانيّ أبو علي مولى بني أميّة. روى عن فليح بن سليمان، وزهير بن معاوية، وطائفة. وفيها علي بن جعفر الصّادق بن محمد بن علي بن الحسين العلويّ الحسينيّ. روى عن أبيه، وأخيه موسى، وسفيان الثوريّ، وكان من جلّة السادة الأشراف. ومحمد بن صالح بن بيهس الكلابيّ، أمير عرب الشّام وسيّد قيس، وفارسها، وشاعرها، والمقاوم لأبي العميطر السفياني والمحارب له، حتّى شتّت جموعه، فولاه المأمون دمشق، وكانت له آثار حسنة. وفيها مروان بن محمد الطّاطريّ [2] أبو بكر الدّمشقيّ، صاحب سعيد ابن عبد العزيز. كان إماما ثقة متقنا صالحا خاشعا من جلّة الشاميين. قال الطبرانيّ: كل من يبيع ثياب الكرابيس بدمشق يسمى الطّاطري. انتهى.

_ [1] البيتان في «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 48) برواية أخرى فيها بعض التحريف. [2] انظر: «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (25) طبع دار ابن كثير.

وفيها، أو في التي قبلها- كما جزم به ابن الجوزي، وابن ناصر الدّين- أبو عبيدة معمر بن المثنّى التيميّ البصريّ اللغويّ العلّامة الأخباريّ صاحب التصانيف. روى عن هشام بن عروة، وأبي عمرو بن العلاء. وكان أحد أوعية العلم. قال ابن ناصر الدّين: حكى عنه البخاريّ في تفسير القرآن لبعض لغاته، وكان حافظا للعلوم، إماما في مصنفاته. قال الدارقطنيّ: لا بأس به، إلّا أنه يتّهم بشيء من رأي الخوارج. انتهى. وقال ابن الأهدل: وفي سنة تسع ومائتين توفي معمر بن المثنّى التيمي- تيم قريش- مولاهم. كان مع استجماعه لعلوم جمة مقدوحا فيه بأنه يرى رأي الخوارج ويدخله في نسبه وغير ذلك. وكانت تصانيفه نحو مائتي مصنف. قرأ عليه الرّشيد شيئا منها. قال أبو نواس: الأصمعي بلبل في قفص، وأبو عبيدة أديم طوي على علم، وخلف الأحمر جمع علوم النّاس وفهمها. وإنما قال ذلك، لأن الأصمعيّ كان حسن العبارة، وكان معمر سيء العبارة. وحضر أبو عبيدة ضيافة لموسى بن عبد الرّحمن الهلالي فوقع على ثوبه المرق، فأقبل موسى يعتذر إليه، فقال: لا عليك فإن مرقكم لا يؤذي. أي ما فيه دسم. وله «كتاب المجاز» . وسبب تصنيفه أنه سئل عن قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 37: 65 [الصافات: 65] . قيل له: إن الوعد والإيعاد لا يكون إلّا بما عرف، وهذا لم يعرف. فقال: خوطب العرب بقدر كلامهم، كقول امرئ القيس:

أيقتلني [1] والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال [2] والغول لم يروها قطّ، ولكنها مما يهولهم. وله مع الأصمعيّ مناظرات. وممن أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلّام. انتهى كلام ابن الأهدل، والله أعلم.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أتقبلني» ، وأثبت لفظ «الديوان» . [2] البيت في «ديوان امرئ القيس» ص (33) بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، طبع دار المعارف بمصر.

سنة إحدى عشرة ومائتين

سنة إحدى عشرة ومائتين وفيها أمر المأمون فنودي: برئت الذّمة ممن ذكر معاوية بخير، وأن أفضل الخلق بعد النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- عليّ رضي الله عنه [1] . وفيها توفي [2] أبو الجوّاب أحوص بن جوّاب الكوفيّ. روى عن يونس بن أبي إسحاق، وسفيان الثوري، وجماعة. وخرّج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم. قال في «المغني» [3] : أحوص بن جوّاب صدوق. وقال ابن معين: ليس بذاك القوي. وقال أبو حاتم: صدوق. انتهى. وأبو العتاهية إسماعيل بن القاسم العنزيّ الكوفيّ الشّاعر المشهور مولى عنزة. مولده بعين التّمر بليدة بالحجاز بقرب [4] المدينة، وأكثر النّاس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة. وكان يقول بالوعيد وتحريم المكاسب، ويتشيّع على مذهب الزيدية. وكان محيّرا وهو من مقدّمي المولّدين، ومن

_ [1] قلت: هذا كلام لا يجوز إطلاقه على هذا النحو بأيّ حال. [2] لفظة: «توفي» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] «المغني في الضعفاء» (1/ 63) . [4] في المطبوع: «قرب» .

طبقة بشّار بن برد، وأبي نواس. أعطاه المهديّ مرّة سبعين ألفا وخلع عليه. ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي، حبس ليدل عليه فأبى، فضربت عنقه. وقيل لأبي العتاهية: إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله. فقاله فأطلقوه. ويقال: إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه، دعا [1] أحدهم بماء يشربه فقال: عذب الماء فطابا ثم قال: أجيزوا، فتردّدوا ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته وقرب مأخذه، حتّى طلع أبو العتاهية، فقالوا: هذا، قال: وفيم أنتم؟ قالوا: قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه. قال: وما الذي قال؟ قالوا: عذب الماء فطابا فقال أبو العتاهية: حبّذا الماء شرابا ومن رائق شعره قوله في عتبة جارية الخيزران- وكان يهواها ويشبّب بها- وهو [2] : بالله يا حلوة العينين زوريني ... قبل الممات وإلّا فاستزيريني هذان أمران فاختاري أحبّهما ... إليك أو لا فداعي الموت يدعوني إن شئت موتا [3] فأنت الدّهر مالكة ... روحي وإن شئت أن أحيا فأحيني [4]

_ [1] لفظة: «دعا» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] في الأصل: «وهي» وأثبت ما في المطبوع. [3] في الأصل، والمطبوع: «إن شئت مت» ، وأثبت ما في كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» . [4] في الأصل، والمطبوع: «فتحييني» ، وأثبت ما في كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» .

يا عتب ما أنت إلّا بدعة خلقت ... من غير طين وخلق النّاس من طين إنّي لأعجب من حبّ يقرّبني ... ممّن يباعدني منه ويقصيني [1] أمّا الكثير فلا أرجوه منك ولو ... أطمعتني في قليل كان يكفيني [2] وقوله في تشبيه البنفسج: ولاز ورديّة تزهو بزرقتها ... بين الرّياض على حمر اليواقيت كأنّها ورقاق القضب تحملها ... أوائل النّار في أطراف كبريت [3] قال الشريف العباسي في «شرح الشواهد» : كان أبو العتاهية في أول أمره يتخنّث ويحمل زاملة المخنّثين، ثم كان يبيع الفخار، ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدّم. ويقال: أطبع الناس بالشعر بشار، والسيد الحميري، وأبو العتاهية. وحدّث خليل بن أسد النّوشجاني [4] : قال: أتى [5] أبو العتاهية إلى منزلنا فقال: زعم الناس أني زنديق، والله ما ديني إلا التوحيد، فقلنا: فقل شيئا نتحدث به عنك، فقال: ألا إنّنا كلّنا بائد ... وأيّ بني آدم خالد وبدؤهم كان من ربّهم ... وكلّ إلى ربّه [6] عائد

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ويعصيني» ، والتصحيح من كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» . [2] الأبيات في كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» للدكتور شكري فيصل- رحمه الله- ص (652- 653) وبين البيتين السادس والسابع بيتان هما: لو كان ينصفني مما كلفت به ... إذا رضيت وكان النّصف يرضيني يا أهل ودّي إنّي قد لطفت بكم ... في الحبّ جهدي ولكن لا تبالوني [3] البيتان في كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» ص (510- 511) . [4] في الأصل: «النبرشجاني» ، وفي المطبوع: «الفرشجاني» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «الأغاني» (4/ 35) . [5] في المطبوع: «أتانا» ، وفي «الأغاني» : «جاءنا» . [6] في الأصل، والمطبوع: «ربهم» ، وأثبت ما في كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» .

فيا عجبا كيف يعصى الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحد وفي كلّ شيء له شاهد [1] ... يدلّ على أنّه واحد [2] وكان من أبخل النّاس مع يساره وكثرة ما جمع من الأموال. وأبو العتاهية لقب غلب عليه لأنه كان يحب الشهوة والمجون، فكني بذلك لعتوه. انتهى ملخصا. وفيها أبو زيد الهرويّ سعيد بن الرّبيع البصريّ، وكان يبيع الثياب الهرويّة [3] . روى عن قرّة بن خالد وطائفة. وفيها، أو في سنة عشر- وهو الصحيح- يحيى السّيلحيني بن إسحاق [4] . والسّيلحين موضع بالحيرة [5] . كان ثقة صدوقا. وطلق بن غنّام النخعيّ الكوفيّ كاتب حكم شريك القاضي. روى عن مالك بن مغول وطبقته. وهو وأبو زيد الهروي أقدم من مات من شيوخ البخاري. وفيها عبد الله بن صالح العجليّ الكوفيّ المقرئ المحدّث، والد الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي نزيل المغرب. قرأ القرآن على حمزة. وسمع من إسرائيل وطبقته، وأقرأ وحدّث ببغداد. وفيها عبد الرّزّاق بن همّام العلّامة الحافظ أبو بكر الصنعانيّ، صاحب

_ [1] في كتاب «أبو العتاهية» : «له آية» . [2] الأبيات في كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» للدكتور شكري فيصل- رحمه الله- ص (103- 104) وبين البيتين الثالث والرابع بيت آخر هو: ولله في كل تحريكة ... علينا وتسكينة شاهد [3] في الأصل: «الهرية» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [4] انظر: «الأنساب» للسمعاني (7/ 226) . [5] انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 298) .

المصنفات. روى عن معمر، وابن جريج، وطبقتهما. ورحل الأئمة إليه إلى اليمن. وله أوهام مغمورة في سعة علمه. عاش بضعا وثمانين سنة، وتوفي في شوال. قال ابن ناصر الدّين: وثقه غير واحد، لكن نقموا عليه التشيّع. انتهى. وعليّ بن الحسين بن واقد، محدّث مرو، وابن محدّثها. روى عن أبيه، و [عن] أبي حمزة السّكّري [1] . وخرّج له الأربعة. قال في «المغني» [2] : علي بن الحسين بن واقد المروزيّ صدوق وثق. وقال أبو حاتم: ضعيف. انتهى. ومعلّى بن منصور الرّازيّ الفقيه نزيل بغداد [3] . روى عن اللّيث بن سعد وغيره. روي أنه كان يصلي فوقع عليه كور الزنابير، فأتم صلاته، فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من الانتفاخ، وهو من الثقات.

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 361) : «السكوني» وهو خطأ فيصحح فيه. وانظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 95- 96) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 212 و 414) . [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 446) . [3] في المطبوع: «نزيل ببغداد» .

سنة اثنتي عشرة ومائتين

سنة اثنتي عشرة ومائتين فيها جهّز المأمون جيشا عليهم محمد بن حميد الطّوسيّ لمحاربة بابك الخرّمي. وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن مع ما أظهر في العام الماضي من التشيّع، فاشمأزت منه القلوب، وقدم دمشق فصام بها رمضان، ثمّ حجّ بالنّاس. وفيها توفي الحافظ أسد بن موسى الأمويّ نزيل مصر، ويقال له: أسد السّنّة. روى عن شعبة وطبقته، ورحل في الحديث، وصنف التصانيف، وهو أحد الثقات الأكياس. والفقيه أبو حيّان إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة الإمام. روى عن مالك بن مغول وجماعة. وولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد، ثم ولي قضاء البصرة، وكان موصوفا بالزهد، والعبادة، والعدل في الأحكام. والحسين بن حفص الهمدانيّ الكوفيّ قاضي أصبهان ومفتيها. أكثر عن سفيان الثّوري وغيره. وكان دخله في العام مائة ألف درهم، وما وجبت عليه زكاة. وفيها المحدّث خلّاد بن يحيى الكوفيّ بمكة. روى عن عيسى بن طهمان وطبقته، وهو من كبار شيوخ البخاري.

وزكريا بن عدي الكوفيّ. روى عن جعفر بن سليمان وطائفة. قال ابن عوف البزوريّ [1] : ما كتبت عن أحد أفضل منه، وحديثه في «الصحيحين» . وأبو عاصم النّبيل، الضّحّاك بن مخلد [2] الشيبانيّ محدّث البصرة، توفي في ذي الحجة وقد نيّف على التسعين. سمع من يزيد بن أبي عبيد وجماعة من التابعين. وكان واسع العلم. ولم ير في يده كتاب قطّ. قال عمر بن شبّة [3] : ما رأيت مثله. وقال البخاريّ: سمعت أبا عاصم يقول: ما اغتبت أحدا قطّ منذ عقلت أن الغيبة حرام. وروى عنه أحمد، والبخاريّ، وغيرهما، وهو ثقة متقن. وفيها أبو المغيرة، عبد القدّوس بن حجّاج الخولانيّ الحمصيّ الحافظ محدّث حمص. سمع الأوزاعيّ وطبقته، وأدركه البخاريّ وهو ثقة. وفيها الفقيه أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون صاحب مالك. كان فصيحا مفوّها، وعليه دارت الفتيا في زمانه بالمدينة. وفيها مفتي الأندلس عيسى بن دينار الغافقيّ، صاحب ابن القاسم، وكان صالحا ورعا مجاب الدعوة، مقدّما [4] في الفقه على يحيى بن يحيى

_ [1] في المطبوع: «البزوزي» وهو تصحيف. قال السمعاني في «الأنساب» (2/ 198) : البزوري: هذه النسبة إلى البزور، وهي جمع البزر، وعندنا يقال هذا لمن يبيع البزور للبقول وغيرها. [2] في الأصل، «ابن مجلد» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] في الأصل، والمطبوع: «عمر بن شيبة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي، وكتب الرجال التي بين يدي. [4] في «العبر» للذهبي (1/ 363) : «متقدما» .

وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف الفريابيّ الحافظ، في أول السنة بقيساريّة. أكثر عن الأوزاعيّ والثّوري. أدركه البخاريّ، ورحل إليه الإمام أحمد فلم يدركه، بل بلغه موته بحمص، فتأسّف عليه، وهو ثقة ثبت.

سنة ثلاث عشرة ومائتين

سنة ثلاث عشرة ومائتين فيها توفي أسد بن الفرات الفقيه أبو عبد الله المغربيّ، صاحب مالك، وصاحب «المسائل الأسدية» التي كتبها عن ابن القاسم. وخالد بن مخلد القطوانيّ، أحد الحفّاظ بالكوفة. رحل وأخذ عن مالك وطبقته. وقال أبو داود: صدوق شيعيّ. وعبد الله بن داود الخريبيّ [1] الحافظ الزاهد. سمع الأعمش والكبار. وكان من أعبد أهل زمانه. توفي بالكوفة في شوال وقد نيّف على التسعين، وهو ثقة. وأبو عبد الرّحمن المقرئ، عبد الله بن يزيد، شيخ مكّة وقارئها ومحدّثها. روى عن ابن عون والكبار، ومات في عشر المائة، وقرأ القرآن سبعين سنة. وعمرو [2] بن عاصم الكلابيّ الثقة البصريّ. روى عن طبقة شعبة. قال في «المغني» [3] : صدوق مشهور. قال بندار: لولا شيء لتركته. انتهى.

_ [1] في الأصل: «الحريثي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] في الأصل: «عمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 485) .

وفيها عبيد الله بن موسى العبسيّ [1] الكوفيّ الحافظ. روى عن هشام بن عروة والكبار، وقرأ القرآن على حمزة، وكان إماما في الفقه، والحديث، والقرآن. موصوفا بالعبادة والصلاح، لكنه من رؤوس الشيعة. وعمرو بن أبي سلمة التّنّيسيّ [2] الفقيه. وأصله دمشقي. روى عن الأوزاعيّ وطبقته. قال في «المغني» [3] : ثقة. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. انتهى. ومحمد بن سابق البغداديّ. روى عن مالك بن مغول وجماعة. وقيل: توفي في السنة الآتية. ومحمد بن عرعرة بن البرند الشّاميّ البصريّ. روى عن شعبة وطائفة. توفي في شوال. وفيها الهيثم بن جميل البغداديّ الحافظ، نزيل أنطاكية. روى عن جرير بن حازم وطبقته، وكان من ثقات المحدّثين وصلحائهم وأثباتهم [4] . ويعقوب بن محمد الزّهريّ المدنيّ الفقيه الحافظ. روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته، وهو ضعيف يكتب حديثه. وفيها قتل المأمون عليّ بن جبلة الشاعر العكوّك السمين، أحد المبرزين من الموالي في الشعر، وكان ولد أعمى، وقيل: عمي صغيرا من الجدري [5] .

_ [1] في الأصل: «العنشي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] في الأصل: «التنيشي» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 484) . [4] راجع ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1454) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق. [5] قلت: يحسن بالقارئ الكريم الرجوع إلى ديوان شعره الذي جمعه وحققه وقدم له الدكتور حسين عطوان، ونشرته دار المعارف بمصر، ففي ذلك فائدة.

حكى المبرّد قال: أخبرني علي بن القاسم قال: قال لي عليّ بن جبلة: زرت أبا دلف العجلي، فكنت لا أدخل إليه إلّا تلقّاني ببشره، ولا أخرج عنه إلّا تلافاني ببرّه. فلما أكثر ذلك هجرته أياما حياء منه، فبعث إليّ أخاه معقلا، فقال: يقول لك الأمير: هجرتنا وقعدت عنا، فإن كنت رأيت تقصيرا فيما مضى فاعذر فإننا نتلافاه في المستقبل ونزيد فيما يجب من برّك. فكتبت إليه بهذه الأبيات: هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة [1] بالكفر ولكنّني لمّا أتيتك زائرا ... فأفرطت في برّي عجزت عن الشّكر فم الآن [2] لا آتيك إلّا مسلّما ... أزورك في الشّهرين يوما أو الشّهر فإن زدتني برّا تزايدت جفوة ... فلا نلتقي طول الحياة إلى الحشر [3] فلما نظر فيها معقل استحسنها- وكان أديبا شاعرا أشعر من أخيه أبي دلف- فقال: جوّدت والله، وأحسنت، أما إن الأمير سيعجب بهذه الأبيات والمعاني، فلما أوصلها إلى أبي دلف استحسنها وكتب إليّ بهذه الأبيات: ألا ربّ ضيف [4] طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضيافة بالبشر أتاني يرجّيني فما حال دونه ... ودون القرى من نائلي عنده ستري [5] رأيت له [6] فضلا عليّ بقصده ... إليّ وبرّا لا يعادله شكري [7] فلم أعد أن أدنيته وابتدأته ... ببشر وإكرام وبرّ على برّ

_ [1] في الأصل: «نيل الزيارة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] كذا في الأصل، والمطبوع: «فم الآن» وفي «تاريخ بغداد» : «فملّان» ، وفي «الأغاني» : «فها أنا» . [3] الأبيات في «الأغاني» (20/ 24) ، و «تاريخ بغداد» (9/ 488) منسوبة إلى دعبل. [4] في الأصل، والمطبوع: «ألا رب طيف» ، والتصحيح من «الأغاني» . [5] في الأصل، والمطبوع: «مني ومن نائلي شرى» ، وأثبت ما في «الأغاني» . [6] في «الأغاني» : «وجدت له» . [7] في «الأغاني» : «يستحق به شكري» .

وزوّدته مالا سريعا نفاده [1] ... وزوّدني مدحا يدوم [2] على الدّهر [3] ووجّه الأبيات مع وصيف وألف دينار، فلذلك قلت فيه قصيدتي الغرّاء التي سارت واشتهرت في العجم والعرب: إنما الدّنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدّنيا على أثره [4] حدّث الزّعفرانيّ قال: لما بلغ المأمون قول عليّ بن جبلة في أبي دلف: كلّ من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره [5] استشاط غضبا وقال: ويل لابن الزانية، يزعم أنا لا نعرف مكرمة إلّا وهي مستعارة من أبي دلف، وطلبه، فهرب، فكتب في طلبه وأخذه، فحمل إليه، فلما مثل بين يديه قال: يا ابن اللّخناء [6] أنت القائل كيت وكيت؟ وقرأ البيتين. أجعلتنا نستعير المكارم منه. فقال: عنيت أشكال أبي دلف، وأما أنتم فقد أبانكم الله بالفضل عن سائر عباده لما اختصكم به من النّبوّة، والكتاب، والحكمة، والملك، وما زال يستعطفه حتّى عفا عنه.

_ [1] في «الأغاني» : «قليل بقاؤه» . [2] في الأصل، والمطبوع: «يقيم» وأثبت لفظ «الأغاني» . [3] الأبيات في «الأغاني» (20/ 25) . [4] البيتان في «الورقة» ص (107) ، و «الأغاني» (20/ 15 و 25) ، و «وفيات الأعيان» (3/ 351) ، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 192) . [5] البيتان في «الأغاني» (20/ 41) ، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان (3/ 351) ، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 192- 193) . [6] في الأصل: «يا ابن الخناء» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال ابن منظور: اللّخن: قبح ريح الفرج، وامرأة لخناء. ويقال: اللّخناء التي لم تختن. «لسان العرب» (لخن) .

وقال بعض الرّواة: قتله، وقال: أما إني لا أستحلّ دمك بهذا القول، ولكني أستحلّه بكفرك وجرأتك على الله سبحانه إذ تقول في عبد ضعيف مهين تسوي بينه وبين ربّ العزّة: أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدّهر من حال إلى حال وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلّا قضيت بأرزاق وآجال [1] ذاك الله- عزّ وجلّ- ثم أمر فسلّ لسانه من قفاه. والأول أصح، وأنه مات حتف أنفه. ومن مدح العكوّك لحميد بن عبد العزيز الطّوسي: إنّما الدّنيا حميد ... وأياديه الجسام فإذا ولّى حميد ... فعلى الدّنيا السّلام [2] وفيها توفي إسحاق بن مرار النحويّ اللغويّ أحد الأئمة الأعلام. أخذ عنه أحمد بن حنبل، وأبو عبيد القاسم بن سلّام، ويعقوب بن السّكّيت. وقال في حقّه: عاش مائة وعشرين سنة، وكان يكتب بيده إلى أن مات رحمه الله تعالى.

_ [1] البيتان في «الأغاني» (20/ 42) ، و «وفيات الأعيان» (3/ 353) ، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 193- 194) . [2] البيتان في «الورقة» ص (108) ، و «الأغاني» (20/ 37) ، و «وفيات الأعيان» (3/ 352) .

سنة أربع عشرة ومائتين

سنة أربع عشرة ومائتين وفيها التقى محمد بن حميد الطّوسيّ وبابك الخرّمي، فهزمهم بابك وقتل الطّوسيّ. وفيها توجّه [1] عبد الله بن طاهر بن الحسين على إمرة خراسان. وأعطاه المأمون خمسمائة ألف دينار. وكان عبد الله من آدب النّاس وأعلمهم بأيام العرب. وسيأتي ذكره في سنة ثمان وعشرين ومائتين. عند ذكر وفاته [2] . وكان من أخصّائه وأخصاء والده عوف بن محلّم [3] الشاعر، اختصّه بمنادمته طاهر بن الحسين، فلما مات طاهر اعتقد عوف أنه يخلص من قيد الملازمة، فلوى عبد الله بن طاهر هذا يده عليه، وتمسّك به، واجتهد عوف على التخلّص منه فلم يقدر، حتّى خرج عبد الله من العراق يريد خراسان وعوف عديله يسامره ويحادثه، فلما شارفوا الرّيّ سحرة وقد أدلجوا، فإذا بقمريّ [4] يغرّد على سروة بأشجى صوت وأرقّ نغمة، فالتفت عبد الله إلى

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 366) : «وجّه» . [2] قلت: الصواب أنه ذكر فيمن توفي سنة (230) انظر ص (137) . [3] قلت: وكنيته التي اشتهر بها: «أبو المنهال» ، انظر «الأعلام» (5/ 96) . [4] قال ابن منظور: القمريّ: طائر يشبه الحمام القمر البيض. وانظر تتمة كلامه في «لسان العرب» (قمر) .

عوف فقال: ألا تسمع هذا الصوت ما أرقّه وأشجاه، قاتل الله أبا كبير [1] الهذلي حيث يقول: ألا يا حمام الأيك فرخك [2] حاضر ... وغصنك ميّاد ففيم تنوح [3] فقال عوف: أيها الأمير أحسن والله أبو كبير [4] وأجاد، إنه كان في هذيل أربعون شاعرا من المحسنين دون المتوسطين، وكان أبو كبير [4] من أشعرهم، وأشهرهم، وأذكرهم، وأقدرهم. قال عبد الله: أقسمت عليك إلا أجزت له هذا البيت، فقال: أصلح الله الأمير، شيخ مسنّ وأحمل على [5] البديهة وعلى معارضة مثل أبي كبير [6] وهو من قد علمت! فقال: سألتك بحق طاهر إلّا أجزته، فقال: أفي كلّ عام غربة ونزوح ... أما للنّوى من ونية فيريح لقد طلّح البين المشتّ ركائبي ... فهل أرينّ البين وهو طليح [7] وأرّقني بالرّيّ شجو [8] حمامة ... فنحت وذو الشوق المشتّ [9] ينوح على أنها ناحت ولم تذر عبرة [10] ... ونحت وأسراب الدموع سفوح

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أبو كثير» وهو خطأ، والتصحيح من «الشعر والشعراء» ص (420) ط. ليدن، و «تاج العروس» (كبر) (14/ 15) ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 250) ، واسمه عامر ابن الحليس. [2] في «فوات الوفيات» : «إلفك» . [3] البيت في «تاريخ بغداد» (9/ 486) . و «فوات الوفيات» (3/ 163) . [4] في الأصل، والمطبوع: «أبو كثير» وهو خطأ، كما بينته في التعليق رقم (1) . [5] لفظة: «على» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [6] في الأصل، والمطبوع: «أبو كثير» والصواب ما أثبته. [7] في «فوات الوفيات» : «طريح» . [8] في «فوات الوفيات» : «نوح» . [9] في «فوات الوفيات» : «وذو البثّ الغريب» . [10] في «فوات الوفيات» : «ولم تذر دمعة» .

وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح ألا يا حمام الأيك فرخك [1] حاضر ... وغصنك ميّاد ففيم تنوح أفق لا تنح من غير شيء فإنني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح ولوعا وشطّت غربة دار زينب ... فها أنا أبكي والفؤاد قريح عسى جود عبد الله أن يعكس النّوى ... فتضحي [2] عصا التّطواف وهي طليح فإنّ الغنى يدني الفتى من صديقه ... وعدم الفتى بالمقترين [3] طروح [4] فاستعبر عبد الله ورقّ له لمّا سمع من تشوّقه إلى أولاده. وقال: يا أبا محلّم ما أحسن ما تلطفت به لحاجتك، وإني والله بك لضنين وبقربك لشحيح، ولكن والله لا جاوزت هذا حتّى ترجع إلى أهلك، وأمر له بثلاثين ألف درهم نفقة، ورحّله وردّه من موضعه، فأدركته المنية قبل وصوله إلى أهله، ولما ردّه عبد الله قال عوف: يا بن الذي دان له المشرقان ... وألبس الأمن به [5] المغربان إن الثمانين وبلّغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان وأبدلتني بالنّشاط [6] انحنا ... وكنت كالصّعدة تحت السّنان وعوّضتني من زماع الفتى ... وهمّه همّ الهجين الهدان وهمت بالأوطان وجدا بها ... وبالغواني أين مني الغوان فقرّباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان

_ [1] في «فوات الوفيات» : «إلفك» . [2] في «تاريخ بغداد» : «فنلقي» . [3] في «فوات الوفيات» : «بالمعسرين» . [4] الأبيات في «فوات الوفيات» (3/ 163) عدا البيتين السابع والثامن، وبعض الأبيات في «تاريخ بغداد» للخطيب (9/ 486- 487) . [5] في الأصل: «منه» ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «فوات الوفيات» . [6] في «فوات الوفيات» : «وبدّلتني بالشطاط» وفي «معجم البلدان» : «وبدلتني من نشاط» .

وقبل منعاي إلى نسوة ... أوطانها حوران والرّقّتان حيا قصور الشّاذياخ [1] الحيا ... من بعد عهدي وقصور المباني [2] وهذه القصور التي ذكرها كلها بمرو، ونيسابور، وهي مساكن آل طاهر، وكان عوف يألفها لكثرة غشيانه إيّاها ومقامه معهم فيها، فلذلك دعا لها. ومن شعر عوف: وكنت إذا صحبت رجال قوم ... صحبتهم وشيمتي [3] الوفاء فأحسن حين يحسن محسنوهم [4] ... وأجتنب الإساءة إن أساءوا وأبصر ما يريبهم بعين ... عليها من عيونهم غطاء [5] وكان عوف من بلغاء الشعراء وفصحائهم واختصت به بنو طاهر ولزمهم لمزيد ميلهم إليه وكثرة منحهم له كأبي الطّيب مع بني حمدان، غير أن عوفا لم يلحقه طمع أبي الطيب الذي فارق له بني حمدان. وفيها توفي أحمد بن خالد الذّهبيّ الحمصيّ راوي المغازي عن ابن إسحاق، وكان مكثرا حسن الحديث. وأبو أحمد حسين بن محمد المرّوذيّ [6] المؤدّب ببغداد، ونسبته

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «الشادباخ» وهو خطأ، وأثبت ما في «فوات الوفيات» والشاذياخ: اسم نيسابور القديم. انظر «تاج العروس» (شذخ) . [2] الأبيات في «معجم البلدان» (5/ 239- 240) وهي في «فوات الوفيات» (3/ 164) عدا الثالث منها، وفي روايتها فيهما بعض الخلاف. [3] في «فوات الوفيات» : «ونيّتي» . [4] في المطبوع: «محسونهم» وهو خطأ. [5] الأبيات في «فوات الوفيات» (3/ 164) مع بعض الخلاف فيها عنده. [6] ويقال: المرو الرّوذي، انظر: «الأنساب» للسمعاني (11/ 253 و 255) ، و «معجم البلدان» لياقوت (5/ 112) ، و «تاريخ بغداد» للخطيب (8/ 88) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 294) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق. قلت: وقد تحرفت نسبته في «السابق واللاحق» للخطيب ص (186) ، و «تهذيب الكمال»

بفتح الميم وضم الراء مع سكون الواو ويليها ذال مكسورة معجمة بعدها ياء النسبة، نسبة إلى مرو الرّوذ من أشهر مدن خراسان، وكان من حفاظ الحديث الثقات. روى عن ابن أبي ذئب، وشيبان [1] ، وأحمد بن حنبل [2] . وروى عنه أحمد أيضا وغيره. وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الحكم أبو محمد المصريّ وله ستون سنة. وكان من جلّة [3] أصحاب مالك. أفضت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب، وسمع «الموطأ» على مالك. يقال: إنه دفع للشّافعيّ عند قدومه ألف دينار، وأخذ له من تاجر ألفا، ومن رجلين آخرين ألفا. وله مصنفات في الفقه، وهو مدفون إلى جانب الشّافعيّ. وفيها معاوية بن عمرو الأزديّ أبو عمرو البغداديّ الحافظ المجاهد. روى عن زائدة وطبقته، وأدركه البخاريّ. وكان بطلا شجاعا معروفا بالإقدام. كثير الرّباط.

_ (6/ 471) بتحقيق الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف، و «العبر» للذهبي (1/ 366) إلى «المروزي» فتصحح. فإن «المروزي» ينسب إلى «مرو الشاهجان» وليس إلى «مرو الرّوز» كما هو معروف. [1] في «العبر» للذهبي: «وسفيان» وهو خطأ، فيصحح فيه. [2] لم أقف على ذكر له في عداد من روى عن الإمام أحمد فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [3] في الأصل: «أجلة» ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف.

سنة خمس عشرة ومائتين

سنة خمس عشرة ومائتين فيها دخل المأمون من درب المصّيصة إلى الرّوم، وافتتح حصن قرّة عنوة، وتسلّم ثلاثة حصون بالأمان، ثم قدم دمشق. وفيها توفي الحافظ إسحاق بن عيسى بن الطّباع البغداديّ نزيل أدنه. سمع الحمّادين وطائفة. وفيها مفتي أهل بلخ أبو سعيد خلف بن أيوب العامريّ صاحب أبي يوسف. سمع من عوف الأعرابي وجماعة من الكبار، وكان زاهدا قدوة. روى عنه يحيى بن معين والكبار. وفيها العلّامة أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس البصريّ اللغويّ وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن سليمان التيمي، وحميد الطّويل، والكبار. وصنف التصانيف. قال بعض العلماء: كان الأصمعيّ يحفظ ثلث اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة، وكان صدوقا صالحا. وغلبت عليه النوادر كالأصمعيّ، مع أن الأصمعيّ كان يقبّل رأسه ويقول: أنت سيدنا منذ خمسين سنة. وكان سفيان الثّوري يقول: الأصمعيّ أحفظ [1] الناس، وأبو عبيدة أجمعهم، وأبو زيد أوثقهم.

_ [1] في المطبوع: «حفظ» وهو خطأ.

وكان النّضر بن شميل، وأبو زيد، واليزيديّ في معاملة واحدة. وصنف أبو زيد في اللغة نحو عشرين مصنفا. وضجر شعبة يوما من إملاء الحديث، فرأى أبا زيد في أخريات الحلقة، فقال: استعجمت دار ميّ ما تكلّمنا ... والدّار لو كلّمتنا ذات أخبار ألا تعال يا أبا زيد، فجاءه، فتحادثا وتناشدا الأشعار، فقال له بعض الحاضرين: يا أبا بسطام، نقطّع [1] إليك ظهور الإبل فتدعنا وتقبل على الأشعار؟ فقال: أنا أعلم بالأصلح لي. أنا والله الذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذلك، كأنه يروّح قلبه عند السآمة. ومثل هذا ما روي أن ابن عبّاس كان يقول لأصحابه: أحمضوا. وكما قال أبو الدّرداء: إني لأجمّ [2] نفسي بشيء من الباطل لأستعين به على الحق. وفيها محمد بن عبد الله الأنصاريّ بن المثنى أبو عبد الله قاضي البصرة وعالمها ومسندها. سمع سليمان التّيمي، وحميد، والكبار، وعاش سبعا وتسعين سنة. وهو من كبار شيوخ البخاري، وهو ثقة مشهور. وفيها محمد بن المبارك الصّوريّ أبو عبد الله الحافظ صاحب سعيد ابن عبد العزيز. قال يحيى بن معين: كان شيخ دمشق بعد أبي مسهر.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «تقطع» وهو تصحيف، والتصحيح من «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 59) المطبوع في مطبعة دائرة المعارف النظامية في حيدر أباد. [2] في الأصل: «لأجع» ، وفي «مرآة الجنان» : «لأحم» وكلاهما خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال ابن منظور: الجمام، بالفتح: الراحة ... ويقال: أجمّ نفسك يوما أو يومين، أي أرحها. ويقال: إني لأستجم قلبي بشيء من اللهو لأقوى به على الحق. «لسان العرب» (جمم) .

وقال أبو داود [1] : هذا رجل الشّام بعد أبي مسهر. وهو شيخ الإسلام. ومن كلامه السديد المتين: كذب من ادعى محبة الله ويده في قصاع المترفين. وفيها [أبو] السّكن [2] مكي بن إبراهيم البلخيّ الحافظ. روى عن هشام بن حسّان والكبار، وهو آخر من روى من الثقات عن يزيد بن أبي عبيد [3] ، عاش نيفا وتسعين سنة. وفيها أبو عامر قبيصة بن عقبة السّوائيّ الكوفيّ العابد الثقة. أحد الحفاظ. روى عن فطر بن خليفة [4] وطبقته، وأكثر عن الثّوري، وهو أحد شيوخ الإمام أحمد. قال إسحاق بن سيّار: ما رأيت شيخا أحفظ منه. وقال آخر: كان يقال [له] : راهب الكوفة [5] . وكان هنّاد بن السري إذا ذكره دمعت عيناه، وقال: الرجل الصالح [6] . وفيها محدّث مرو علي بن الحسن [7] بن شقيق [8] . روى عن أبي

_ [1] في الأصل: «ابن داود» وهو خطأ. وفي «العبر» : «كان رجل السّنّة بعد أبي مسهر» . [2] في الأصل، والمطبوع: «وفيها السكن» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 368) . و «تقريب التهذيب» (2/ 273) . [3] في الأصل: «يزيد بن عبيد» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] في الأصل، والمطبوع: «قطر بن خليفة» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 368) ، وانظر: «تقريب التهذيب» (2/ 114) . [5] في «العبر» للذهبي (1/ 368) : «كان يقال له: زاهد الكوفة» ، ولفظة: «له» التي بين حاصرتين زيادة منه. [6] قلت: كذا أرخ وفاته المؤلف، والذهبيّ في «سير أعلام النبلاء» (10/ 135) ، وجزم السمعاني في «الأنساب» (7/ 183) بأن وفاته كانت سنة (225) هـ. [7] في الأصل، والمطبوع: «علي بن الحسين» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (7/ 95) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 960) مصورة دار المأمون للتراث، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 349) ، و «العبر» للذهبي (1/ 368) . [8] في «العبر» للذهبي: «ابن سفيان» وهو خطأ فيصحح فيه.

حمزة السّكّري وطائفة. وعنه البخاريّ وغيره. وكان محدّث مرو. وكان حافظا كثير العلم، كثير الكتب. كتب الكثير حتّى كتب التوراة، والإنجيل، وجادل اليهود والنصارى. ويحيى بن حمّاد البصريّ الحافظ، ختن [1] أبي عوانة. سمع شعبة وطبقته. وفيها الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة، إمام العربية، المجاشعيّ البصريّ. كان يقول: ما وضع سيبويه في «كتابه» شيئا إلا وعرضه عليّ. وكان يرى أنه أعلم به مني، وأنا اليوم أعلم به منه. وزاد في العروض بحرا على الخليل [2] ، وكان أجلع [3]- وهو الذي لا تنضم شفتاه على أسنانه [4] ، والخفش: صغر العينين مع سوء بصرهما- ومصنفاته بضعة عشر مصنفا. وأما الأخفش الأكبر، فهو عبد الحميد بن عبد الحميد. أخذ عنه أبو عبيدة، وسيبويه، وهو مجهول الوفاة. وأما الأخفش الصغير، فهو عليّ بن سليمان البغداديّ النحويّ. قاله ابن الأهدل [5] .

_ [1] قال ابن منظور: ختن الرجل: المتزوج بابنته أو بأخته. قال الأصمعيّ ... : الختن أبو امرأة الرجل، وأخو امرأته، وكل من كان من قبل امرأته، والجمع أختان، والأنثى ختنة. وخاتن الرجل الرجل: إذا تزوج إليه، وفي الحديث: عليّ ختن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أي زوج ابنته. «لسان العرب» (ختن) . [2] يعني الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب كتاب «العين» . [3] في الأصل: «أخلع» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب. [4] انظر: «لسان العرب» (جلع) ، و (خفش) . [5] انظر: «مرآة الجنان» (1/ 61 و 267- 268) فهو الأصل الذي اختصره ابن الأهدل وزاد عليه.

وفيها كما قاله ابن ناصر الدّين، بدل بن المحبّر [1] اليربوعيّ، حدّث عنه البخاريّ وغيره [2] .

_ [1] في المطبوع: «ابن محبر» . قال الزبيديّ في «تاج العروس» (حبر) (10/ 512) : المحبّر: من البراغيث جلده، فبقي فيه حبر، أي آثار. [2] انظر ترجمته ومصادرها في «تهذيب الكمال» للمزي (4/ 28- 31) طبع مؤسسة الرسالة.

سنة ست عشرة ومائتين

سنة ست عشرة ومائتين فيها عزا المأمون، فدخل الرّوم وأقام بها ثلاثة أشهر، وافتتح أخوه عدة حصون، وأغار جيشه، فغنموا وسبوا، ثم رجع إلى دمشق، ودخل الدّيار المصرية. وفيها توفي أبو حبيب حبّان [1] بن هلال البصريّ الحافظ الثقة. روى عن شعبة وطبقته. قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبّت بالبصرة. توفي في رمضان، وكان قد امتنع من التحديث قبل موته بأعوام. وفيها أبو العلاء الحسن بن سوّار البغويّ نزيل بغداد. روى عن عكرمة بن عمّار وأقرانه. وكان ثقة صاحب حديث. وعبد الله بن نافع الأسديّ الزّبيريّ المدنيّ الفقيه. روى عن مالك وجماعة، ووصفه الزّبير بن بكّار بالفقه والعبادة والصوم. وخرّج له مسلم، والأربعة. قال في «المغني» [2] : عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك، وثّق.

_ [1] في الأصل: «حباب» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب، وانظر: «تهذيب الكمال» (5/ 328- 330) طبع مؤسسة الرسالة. [2] «المغني في الضعفاء» (1/ 360) .

وقال البخاري: في حفظه شيء. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بذاك في الحديث. انتهى. وعبد الصّمد بن النّعمان البزّاز ببغداد. روى عن عيسى بن طهمان وطبقته، وكان أحد الثقات. ولم تقع له رواية في الكتب الستة. وفيها العلّامة أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهليّ البصريّ الأصمعيّ اللغويّ الأخباريّ. سمع ابن عون والكبار، وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء، وكانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته، وعاش ثمانيا وثمانين سنة، وله عدة مصنفات. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن الأهدل: تصانيفه تزيد على ثلاثين. روي عنه أنه قال: أحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة [2] منها المائة والمئتان. وكان الشافعيّ يقول: ما عبّر أحد بأحسن من عبارة الأصمعي. وعنه [3] قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن ثمانية آلاف مسألة، وما مات حتّى أخذ عني ما لا يعرفه فيقبله مني ويعتقده. وعنه [3] قال: كنت بالبادية طوّافا وأكتب ما سمعت، فقال لي أعرابي: أنت كالحفظة تكتب لفظ اللفظة، فكتبته أيضا. وعنه قال: رأيت شيخا بالبادية قد سقط حاجباه [على عينيه] [4] وله مائة وعشرون سنة وفيه بقية، فسألته، فقال: تركت الحسد فبقي الجسد، وأنشد: ألا أيّها الموت الذي ليس تاركي ... أرحني فقد أفنيت كلّ خليل

_ [1] (1/ 370) . [2] في «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 94) : «ستة عشر ألف أرجوزة» . [3] يعني عن الأصمعي. [4] زيادة من «مرآة الجنان» (2/ 69) . والبيتان فيه.

أراك بصيرا بالّذين أحبّهم ... كأنّك تنحو نحوهم بدليل ونوادره تحتمل مجلدات، وإعطاء الرّشيد والمأمون له واسع. ولما صنف كتابا في الخيل مجلدا واحدا، وصنف أبو عبيدة في ذلك خمسين مجلدا، امتحنهما الرّشيد، فقرب لهما فرسا فلم يعرف أبو عبيدة أعيان الأعضاء، وأما الأصمعيّ فجعل يسمي كل عضو ويضع يده عليه، وينشد ما قالت العرب فيه. فقال له الرّشيد: خذه. قال: فكنت إذا أردت أن أغضب أبا عبيدة ركبته إليه. ورثى أبو العالية الشّاميّ [1] الأصمعيّ فقال: لا درّ درّ نبات [2] الأرض إذ فجعت ... بالأصمعيّ لقد أبقت لنا أسفا عش ما بدا لك في الدّنيا فلست ترى ... في النّاس منه ولا من علمه خلفا [3] ومن مسنده عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- قال: «إيّاكم ومحقّرات الذّنوب، فإنّ لها من الله طالبا» [4] . وبإسناده عن عليّ- كرم الله وجهه- أنه قال: هذا المال لا يصلحه إلّا ثلاث: أخذه من حلّه، ووضعه في حقّه، ومنعه من السّرف. وبإسناده قال: قال النّبي- صلى الله عليه وسلم- «من أنعم الله عليه، فليحمد الله، ومن

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «السّامي» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، و «مرآة الجنان» . [2] كذا في الأصل، و «تاريخ بغداد» : «نبات الأرض» ، وفي المطبوع، و «وفيات الأعيان» : «بنات الأرض» ، وفي «مرآة الجنان» : «باب الأرض» . [3] البيتان في «تاريخ بغداد» للخطيب (10/ 419- 420) ، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان (3/ 176) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 76) . [4] ورواه أيضا أحمد في «المسند» (6/ 70 و 151) والدارمي في «سننه» (2/ 303) وابن ماجة رقم (4243) في الزهد: باب ذكر الذنوب، وابن حبان رقم (5542) بترتيب ابن بلبان، والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 95) عن عائشة بلفظ «إياك ... » . وله شاهدان من حديث سهل بن سعد وعبد الله بن مسعود بلفظ «إياكم» وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

استبطأ الرّزق فليستغفر الله، ومن حزبه أمر فليقل: لا حول ولا قوّة إلّا بالله» [1] . وقد أورده الحافظ ابن حجر في «أسماء الرجال» [2] وقال فيه: صدوق سنّيّ. وجعله في الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين، كالشّافعيّ، ويزيد ابن هارون، وعبد الرّزّاق، وغيرهم. انتهى. وفيها قاضي دمشق محمّد بن بكّار بن بلال العامليّ. أخذ عن سعيد ابن عبد العزيز وطبقته، وكان من العلماء الثقات. ومحمد بن سعيد بن سابق الرّازيّ محدّث قزوين. روى عن أبي جعفر الرّازي وطبقته. وهود بن خليفة الثقفيّ البكراويّ البصريّ الأصمّ، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن يونس بن عبيد، وسليمان التيمي، والكبار. قال الإمام أحمد: ما كان أضبطه عن عوف الأعرابي. وقال ابن معين: ضعيف. وأبو يوسف محمد بن كثير الصنعانيّ ثم المصّيصيّ. روى عن الأوزاعي، ومعمر، وكان محدّثا حسن الحديث.

_ [1] رواه بهذا اللفظ البيهقي في «شعب الإيمان» من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر «كنز العمال» (3/ 259) و «الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير» (3/ 173) وإسناده ضعيف، ولكن لفقراته شواهد بالمعنى. [2] يقصد كتابه «تقريب التهذيب» ، وقد نقل عنه (1/ 522) .

سنة سبع عشرة ومائتين

سنة سبع عشرة ومائتين في وسطها دخل المأمون بلاد الرّوم، فنازل لؤلؤة [1] مائة يوم، ولم يظفر بها، فترك [2] على حصارها عجيفا [3] فخدعه أهلها وأسروه ثم أطلقوه بعد جمعة، ثمّ أقبل عظيم الرّوم توفيل فأحاط بالمسلمين، فجهّز المأمون نجدة وغضب، وهمّ بغزو قسطنطينيّة، ثم فتر لشدة الشتاء. وفيها كان الحريق العظيم [4] بالبصرة، حتّى أتى على أكثرها كما قيل [5] . وفيها، وقيل في التي مضت، توفي الحجّاج بن منهال البصريّ أبو

_ [1] قلعة قرب طرسوس تقع الآن في الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة. انظر: «معجم البلدان» لياقوت (5/ 26) ، و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (57) طبع دار الفكر بدمشق. قلت: ولكن ما جاء في «تاريخ الطبري» (8/ 628) و «معجم البلدان» يشير إلى فتح القلعة آخر الأمر. [2] في الأصل والمطبوع: «فنزّل» وما أثبته من «العبر» للذهبي (1/ 371) ، وفي «تاريخ الطبري» : «فخلّف» . [3] هو عجيف بن عنبسة. انظر: «تاريخ الطبري» (8/ 628) . [4] في «العبر» للذهبي: «الفناء العظيم» . [5] في المطبوع، و «العبر» : «فيما قيل» .

محمد الأنماطيّ السّمسار [1] كان سمسارا بأنماط [2] وكان يأخذ من كل دينار حبة إذا باع بالسّمسرة. حدّث عنه البخاريّ وغيره. وسمع شعبة وطائفة. وكان ثقة صاحب سنّة. وفيها شريح بن النّعمان البغداديّ الجوهريّ الحافظ يوم الأضحى. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته، وكان ثقة مبرّزا. وفيها موسى بن داود الضبّيّ أبو عبد الله الكوفيّ الحافظ. سمع شعبة وخلقا. [قال الدارقطنيّ] [3] : كان مصنّفا مكثرا مأمونا. وقال ابن عمّار: كان ثقة زاهدا صاحب حديث، وولي قضاء طرسوس حتّى مات. وهشام بن إسماعيل الدّمشقيّ العطّار، أبو عبد الملك، الخزاعيّ القدوة. روى عن إسماعيل بن عيّاش، وكان ثقة.

_ [1] قال ابن منظور: السمسار: الذي يبيع البرّ للناس ... والسّمسار فارسية معربة، والجمع السّماسرة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم التّجار، بعد ما كانوا يعرفون بالسماسرة، والمصدر السّمسرة، وهو أن يتوكل الرجل من الحاضرة للبادية فيبيع لهم ما يجلبونه ... وهو في البيع اسم للذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا لإمضاء البيع. وانظر تتمة كلامه في «لسان العرب» (سمسر) . [2] في «العبر» : «في الأنماط» . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 372) مصدر المؤلف.

سنة ثماني عشرة ومائتين

سنة ثماني عشرة ومائتين فيها احتفل المأمون لبناء مدينة طوانة من أرض الرّوم [1] وحشد لها الصنّاع من البلاد، وأمر ببنائها ميلا في ميل [2] وولّى ولده العبّاس أمر بنائها. وفيها امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن، وكتب في ذلك إلى نائبه على بغداد، وبالغ في ذلك، وقام في هذه البدعة قيام متعبّد بها، فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه، وتوقف طائفة ثم أجابوا وناظروا فلم يلتفت إلى قولهم، وعظمت المصيبة بذلك وتهدّد على ذلك بالقتل، ولم يصب [أحد] [3] من علماء العراق إلّا أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، فقيّدا وأرسلا إلى المأمون وهو بطرسوس. فلما بلغا الرّقّة جاءهم الفرج بموت المأمون. قال ابن الأهدل: ومرض محمد بن نوح ومات بالطريق، وهو الذي كان يشدّ أزر أحمد ويشجّعه. ولما مات المأمون عهد إلى أخيه المعتصم، فامتحن الإمام أيضا وضرب

_ [1] قلت: وتقع الآن في الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة. وانظر «معجم البلدان» (45- 46) . [2] قال ابن منظور: الميل من الأرض: قدر منتهى مدّ البصر، والجمع أميال وميول. «لسان العرب» : (ميل) . قلت: ومساحة الميل المربع في أيامنا تساوي ألفا وخمسمئة متر مربع تقريبا. [3] في الأصل، والمطبوع: «ولم يصف» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 373) ، ولفظة: «أحد» التي بين حاصرتين زيادة منه.

بين يديه بالسّياط، حتّى غشي، ثم أطلقه وندم على ضربه، ولحق من تولى ضربه عقوبات ظاهرة. وكان المأمون يكنى بأبي العبّاس ويسمّى بعبد الله، وكان أبيض ربعة، حسن الوجه، أعين، أديبا، شجاعا، له همّة عالية في الجهاد، ومشاركته في علوم كثيرة. وكان في اعتقاده معتزليا شيعيا. استقل بالخلافة عشرين سنة، ومات وله ثمان وأربعون سنة. انتهى كلام ابن الأهدل. وقال ابن الفرات: روى يحيى بن حمّاد الموكبيّ عن أبيه قال: وصفت للمأمون- رحمه الله- جارية بكل ما توصف به امرأة من الجمال والكمال، فبعث في شرائها، فأتي بها في وقت خروجه إلى بلاد الرّوم، فلما همّ بلبس درعه خطرت بباله، فأمر بإخراجها فأخرجت إليه، فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به، فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الرّوم، فقالت: يا سيدي قتلتني والله، وتحدّرت دموعها وأنشأت: سأدعو دعوة المضطرّ ربّا ... يثيب على الدّعاء ويستجيب لعلّ الله أن يكفيك حربا [1] ... ويجمعنا كما تهوى القلوب [2] فضمّها المأمون إلى صدره وأنشد: فيا حسنها إذ يغسل الدّمع كحلها ... وإذ هي تذري دمعها بالأنامل [3] صبيحة قالت في الوداع [4] قتلتني ... وقتلي بما قالت بتلك المحافل ثم قال للخادم: احتفظ بها وأصلح لها ما تحتاج إليه من المقاصير

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أن يكفيك حزنا» ، والتصحيح من «الجليس والأنيس» للنهرواني (1/ 426) المطبوع في بيروت بتحقيق الدكتور محمد مرسي الخولي رحمه الله تعالى. [2] البيتان في «الجليس والأنيس» للنهرواني (1/ 426) . [3] في «الجليس والأنيس» : وإذا هي تذري الدمع منها الأنامل. [4] في «الجليس والأنيس» : «في العتاب» والبيتان فيه (1/ 426) .

والجواري إلى وقت رجوعي، فلولا ما قال الأخطل: قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بأطهار [1] لأقمت. قال [2] : فلما دخلت الجارية إلى منزلها وخرج المأمون اعتلّت علّة شديدة، وورد نعي المأمون- رحمه الله تعالى- فلما بلغها ذلك تنفّست الصعداء وقالت- وهي تجود بنفسها-: إنّ الزّمان سقانا من مرارته ... بعد الحلاوة كاسات فأروانا أبدى لنا تارة منه فأضحكنا ... ثمّ انثنى تارة أخرى فأبكانا [3] ثم شهقت شهقة واحدة فماتت. انتهى. وحكي أن المأمون أتي بجارية فائقة الجمال بارعة الكمال، وكان في رجلها عرج، فلما نظر إليها المأمون أعجبه جمالها وساءه عرجها، فقال للنخّاس [4] : خذ بيد جاريتك، فلولا عرجها لاشتريتها. فقالت: يا أمير المؤمنين إني وقت حاجتك إليّ تكون رجلي بحيث لا تراها، فأعجبه جوابها وأمر بشرائها، وأن يعطى مولاها ما احتكم، وحظيت عنده. وكان له حلم شديد، كان يقول: والله إني لأخشى أن لا أثاب على الحلم والعفو لما أرى فيهما من اللّذة، ولو علم النّاس ذلك لتقرّبوا إليّ بالجناية. وكان حسن المحاضرة، لطيف المسامرة. فمن ذلك ما ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب «الأغاني» [5] قال: لمّا تواتر النقل عند المأمون عن

_ [1] البيت في «ديوانه» ص (120) المطبوع في قطر على نفقة الشيخ على آل ثاني حاكم قطر الأسبق رحمه الله تعالى، و «الجليس الأنيس» (1/ 426) . [2] القائل ابن الفرات في «تاريخه» . [3] البيتان في «الجليس والأنيس» (1/ 426- 427) . [4] يعني لبائع الرقيق. انظر: «لسان العرب» (نخس) . [5] الخبر في «الأغاني» (20/ 255) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف.

يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن [1] بن سمعان التميميّ الأسديّ [2] المروزيّ القاضي بأنه يلوط أراد امتحانه، استدعاه وأوصى مملوكا له بأن يقف عندهما وحده، وإذا خرج المأمون يقف المملوك عند يحيى ولا ينصرف، وكان المملوك في غاية الحسن، فلما اجتمعا في المجلس وتحادثا ساعة قام المأمون كأنه يقضي حاجة، فوقف المملوك وتجسس المأمون عليهما، وكان أمره أن يعبث بيحيى، فلما عبث به المملوك، سمعه المأمون وهو يقول: لولا أنتم لكنا مؤمنين، فدخل المأمون وهو ينشد: وكنّا نرجّي أن نرى العدل ظاهرا ... فأعقبنا بعد الرّجاء قنوط متى تصلح الدّنيا ويصلح أهلها ... وقاضي قضاة المسلمين يلوط! [3] وهذان البيتان لأبي حكيمة راشد بن إسحاق الكاتب [4] وله فيه مقاطيع كثيرة. انتهى كلام صاحب «الأغاني» . وروى الحافظ أبو بكر أحمد صاحب «تاريخ بغداد» في «تاريخه» [5] أن المأمون قال ليحيى بن أكثم من الذي يقول؟: قاض يرى الحدّ في الزّناء ولا ... يرى على من يلوط من باس قال: أما تعرف يا أمير المؤمنين من قاله؟ قال: لا. قال: يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم الذي يقول: لا أحسب الجور ينقضي وعلى ال ... أمّة وال من آل عبّاس قال: فأفحم المأمون خجلا وقال: ينبغي أن ينفى أحمد بن أبي نعيم

_ [1] في الأصل: «ابن وطن» ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «تاريخ بغداد» للخطيب (14/ 191) ، و «الأعلام» للزركلي (8/ 138) . [2] في «الأعلام» للزركلي: «الأسيدي» . [3] والبيتان في «الأغاني» (20/ 255) ، وفي «وفيات الأعيان» (6/ 155) أيضا. [4] انظر ترجمته ومصادرها في «فوات الوفيات» لابن شاكر الكتبي (2/ 15- 19) . [5] (14/ 196) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

إلى السّند، وهذان البيتان من أبيات أولها [1] : أنطقني الدّهر بعد إخراس ... لنائبات أطلن وسواسي يا بؤس للدّهر لا يزال كما ... يرفع ناسا يحطّ من ناس لا أفلحت أمّة وحقّ لها ... بطول نكس وطول إعكاس ترضى بيحيى يكون سائسها ... وليس يحيى لها بسوّاس قاض يرى الحدّ في الزّناء ولا ... يرى على من يلوط من باس يحكم للأمرد الغرير على ... مثل جرير ومثل عبّاس فالحمد لله كيف قد ذهب ال ... عدل وقلّ الوفاء في النّاس أميرنا يرتشي وحاكمنا ... يلوط والرّاس شرّ ما راس لو صلح الدّين واستقام لقد ... قام على النّاس كلّ مقياس لا أحسب الجور [2] ينقضي وعلى ال ... أمّة وال من آل عبّاس انتهى. وحكى أبو الفرج معافى بن زكريا النهرواني [3] في كتاب «الجليس والأنيس» [4] عن محمد [بن مسلم] [5] السّعدي قال: وجّه إليّ القاضي يحيى ابن أكثم قاضي المأمون- رحمهما الله- فصرت إليه، فإذا عن يمينه قمطرة [6] مجلّدة، فجلست، فقال [لي] : افتح هذه القمطرة [7] ففتحتها فإذا بشيء [8]

_ [1] وهي في «تاريخ بغداد» (14/ 196) و «وفيات الأعيان» (6/ 154) مع بعض الخلاف. [2] في المطبوع: «لا أحسب الدهر» . [3] سترد ترجمته في حوادث سنة (390) من المجلد الرابع إن شاء الله تعالى. [4] (2/ 71- 72) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف يسير. [5] زيادة من «الجليس والأنيس» . [6] في «الجليس والأنيس» : «قمطر» . والقمطرة: ما يصان فيه الكتب. انظر: «مختار الصحاح» ص (551) . [7] في «الجليس والأنيس» : «القمطر» . [8] في «الجليس والأنيس» : «فإذا شيء» .

قد خرج إليّ [1] منها، رأسه رأس إنسان، وهو من أسفله إلى سرّته زاغ [2] في [ظهره، و] [3] صدره سلعتان [4] فكبّرت وهلّلت وفزعت، ويحيى يضحك، فقال بلسان فصيح [طلق] [5] ذلق [6] : أنا الزّاغ أبو عجوة ... أنا ابن اللّيث واللّبوه أحبّ الرّاح والرّيحا ... ن والنّشوة والقهوه فلا عدوى يدي تخشى ... ولا تحذر لي سطوة [7] ولي أشياء تستظرف ... بيوم [8] العرس والدّعوة فمنها سلعة في الظّه ... ر لا تسترها الفروة وأمّا السّلعة الأخرى ... فلو كان لها عروه لما شكّ [9] جميع النّا ... س فيها أنّها ركوة [10] ثم قال: يا كهل! أنشدني شعرا غزلا، فقال يحيى: قد أنشدك

_ [1] لفظة: «إليّ» لم ترد في المطبوع، و «الجليس والأنيس» . [2] قال الفيروزآبادي: الزاغ: غراب صغير إلى البياض. «القاموس المحيط» (3/ 111) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «الجليس والأنيس» للنهرواني. [4] السلعة: ورم غليظ غير ملتزق باللحم يتحرك عند تحريكه، وله غلاف، ويقبل الزيادة لأنه خارج عن اللحم ... وزيادة تحدث في الجسد في العنق وغيره، تكون قدر الحمّصة إلى البطيخة. انظر: «القاموس المحيط» (3/ 41) ، و «المعجم الوسيط» (1/ 443) . [5] زيادة مستدركة من «الجليس والأنيس» . [6] في الأصل، والمطبوع: «زلق» وهو تحريف، والتصحيح من «الجليس والأنيس» . قال في «مختار الصحاح» ص (223) : ذلق اللسان، أي صار حادا، ويقال أيضا ذلق اللسان بالضم ذلقا بوزن ضرب فهو ذليق بيّن الذّلاقة. [7] لفظ البيت في الأصل، والمطبوع: فلا غدري بدا يخسى ... ولا يحذر لي سطوة وأثبت ما جاء في «الجليس والأنيس» مصدر المؤلف. [8] في الأصل، والمطبوع: «يوم» ، والتصحيح من «الجليس والأنيس» . [9] في الأصل، والمطبوع: «لما شكّت» وأثبت ما في «الجليس والأنيس» . [10] الأبيات في «الجليس والأنيس» (2/ 72) و «حياة الحيوان الكبرى» (الزاغ) .

[الزّاغ] [1] فأنشدته: أغرّك أن أذنبت ثمّ تتابعت ... ذنوب فلم أهجرك ثمّ ذنوب وأكثرت حتّى قلت ليس بصارمي ... وقد يصرم الإنسان وهو حبيب [2] فصاح: زاغ زاغ زاغ، ثم طار، وسقط في القمطرة [3] ، فقلت ليحيى: أعزّ الله القاضي، وعاشق أيضا؟! فضحك، فقلت: أيها القاضي ما هذا؟ فقال: هو ما ترى [4] ، وجّه به صاحب اليمن إلى أمير المؤمنين، وما رآه بعد، وكتب كتابا لم أفضضه وأظنه ذكر فيه [5] شأنه وحاله. انتهى. وقال ابن خلّكان [6]- رحمه الله-: رأيت في بعض الكتب أن المأمون رحمه الله كان يقول: لو وصفت الدّنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي نواس: ألا كلّ حيّ هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدوّ في ثياب صديق [7] انتهى. وقال المأمون: الإخوان ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه أبدا، وهم إخوان الصفا، وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات، وهم الفقهاء. وإخوان كالداء لا يحتاج إليهم أبدا، وهم المنافقون. وكان سبب وفاة المأمون- رحمه الله تعالى- أنه جلس على شاطئ نهر

_ [1] سقطت من الأصل، والمطبوع واستدركتها من «الجليس والأنيس» . [2] البيتان في «سير أعلام النبلاء» (12/ 12- 13) ، ولفظ البيت الثاني منهما فيه: وأكثرت حتى قلت ليس بصارمي ... وقد يصدم الإنسان وهو حبيب وقد ساق الذهبي فيه هذه القصة باختصار في ترجمة يحيى بن أكثم. [3] في المطبوع، و «الجليس والأنيس» : «في القمطر» . [4] في «الجليس والأنيس» : «قال: هو ما تراه» . [5] في «الجليس والأنيس» : «وأظن أنه ذكر في الكتاب» . [6] في «وفيات الأعيان» (2/ 97) . [7] البيتان في «ديوانه» ص (465) طبع دار صادر، ورواية الأول منهما فيه: أرى كل حي هالكا وابن هالك ... وذا نسب في الهالكين عريق

السّدون ودلّى رجليه في مائه، فأعجبه برد مائه وصفاؤه، فقال: لو أكلنا رطبا وشربنا من هذا الماء البارد لكان حسنا، فلم يخرج الكلام من فيه إلّا ومواقع حوافر خيل البريد أقبلت من آزاد [1] وعليها حقائب الرّطب، فحمد الله تعالى على ذلك وأكل منه، فحمّ وتحركت عليه مادة في حلقه فبطت [2] قبل بلوغها غايتها، فكانت سبب وفاته. وحال وفاته كتب وصية: هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين، أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولا مدبّر غيره، وأنه خالق وما سواه مخلوق، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حق، والبعث والحساب حقّ، والجنّة والنّار حق، وأن محمدا- صلى الله عليه وسلم- بلّغ عن ربه شرائع [3] دينه، وأدّى النصيحة إلى أمته حتّى توفاه الله إليه، فصلى الله عليه أفضل صلاة صلاها على أحد من ملائكته المقربين وأنبيائه والمرسلين، وإني مقرّ بذنبي أخاف وأرجو، إلّا أني إذا ذكرت عفو الله رجوت، فإذا أنا متّ فوجّهوني وغمّضوني، وأسبغوا وضوئي، وأجيدوا كفني، وليصل عليّ أقربكم مني نسبا وأكبركم سنا، وليكبّر خمسا [4] ، ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة، وضعوني في لحدي، وسدّوا عليّ باللبن، ثم احثوا التراب عليّ وخلّوني وعملي، فكلكم لا يغني عني شيئا، ولا يدفع عني مكروها، ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم، وأمسكوا عن ذكر شر إن عرفتم. ثم قال: يا ليت عبد الله لم يكن شيئا، يا ليته لم يخلق. ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم: يا أبا إسحاق ادن مني واتّعظ بما ترى، وخذ

_ [1] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان والأنساب ومعجمات اللغة، ولعلّ الصواب «من آزاذوار» بليدة من أعمال نيسابور، أو «أرّان» والله أعلم. انظر «معجم البلدان» (1/ 167) . [2] أي انشقّت. انظر «لسان العرب» (بطط) . [3] في الأصل: «شعائر» وأثبت لفظ المطبوع. [4] أقول: ثبت في السنة أن التكبير على الجنازة ما بين أربع إلى تسع، وقد كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة تسع تكبيرات. (ع) .

بسيرة أخيك، واعمل في الخلافة إذا طوّقكها الله عمل المريد لله الخائف من عقابه، ولا تغترّ بالله وإمهاله، فكأن قد نزل بك الموت، ولا تغفل عن أمر الرعية، فإنما الملك يقوم بهم [1] . ولا يتبين لك أمر فيه صلاح المسلمين إلّا وقدّمه على غيره وإن خالف هواك، وخذ من قويّهم لضعيفهم، واتق الله في أمرك كله، والسلام. ثم قال: هؤلاء بنو عمك لا تغفل عن صلاتهم فإنها واجبة عليك، ثم تلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 3: 102 [آل عمران: 102] . وكانت وفاته يوم الخميس لاثنتي عشرة [2] ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، ونقله ابنه العبّاس إلى طرسوس فدفنه بها، ووكل بقبره مائة من الحرس، وأجرى على كل رجل منهم تسعين درهما في كل شهر، وكان له عدة أولاد، لم يشتهر منهم سوى العبّاس، وعليّ، فأما العبّاس فكان مغرما بشراء الضياع والعقار، وكان المعتصم مغرى [3] بجمع المال واقتناء الغلمان والعدة والرجال. قاله ابن الفرات. وفي هذه السنة عهد المأمون بالخلافة إلى أخيه المعتصم، فأمر بهدم طوانة، وبنقل ما فيها، وبصرف أهلها إلى بلادهم. وفيها دخل خلق من أهل بلاد همذان [4] في دين الخرّمية المجوس الباطنية، وعسكروا، فندب المعتصم لهم أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فالتقاهم في ذي الحجّة بأرض همذان فكسرهم وقتل منهم ستّين ألفا وانهزم من بقي إلى ناحية الرّوم.

_ [1] في الأصل: «فإنما الملك إنما يقوم بهم» ، وأثبت لفظ المطبوع. [2] في الأصل: «لاثني عشرة» . [3] أي مولعا. انظر «لسان العرب» (غرا) . [4] في الأصل: «همدان» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، فهمدان اسم لقبيلة من قبائل العرب، وهمذان إقليم من أقاليم إيران في أيامنا.

وفيها توفي بمصر إسحاق بن بكر بن مضر الفقيه، وكان يجلس في حلقة اللّيث فيفتي ويحدّث. قال في «العبر» [1] : لا أعلمه يروي عن غير أبيه. وفيها بشر المريسيّ الفقيه المتكلم، وكان داعية للقول بخلق القرآن. هلك في آخر السنة ولم يشيعه أحد من العلماء، وحكم بكفره طائفة من الأئمة. روى عن حمّاد بن سلمة، وعاش نيفا وسبعين سنة. قاله في «العبر» [2] . قال ابن الأهدل: كان مرجئا داعية إلى الإرجاء، وإليه تنسب طائفة المريسيّة المرجئة. كان أبوه يهوديا صباغا في الكوفة، وكان يناظر الشّافعيّ وهو لا يعرف النحو [3] فيلحن لحنا فاحشا. انتهى. وفيها عبد الله بن يوسف التّنّيسيّ الحافظ أحد الأثبات، أصله دمشقي، وسمع من سعيد بن عبد العزيز، ومالك، واللّيث. وفيها عالم أهل الشّام أبو مسهر الغسانيّ الدمشقيّ عبد الأعلى بن مسهر، في حبس المأمون ببغداد في رجب لمحنة القرآن. سمع سعيد بن عبد العزيز، وتفقه عليه، وولد سنة أربعين ومائة، وكان علّامة بالمغازي والأثر، كثير العلم، رفيع الذّكر. قال يحيى بن معين: منذ خرجت من باب الأنبار إلى أن رجعت لم أر مثل أبي مسهر. وقال أبو حاتم: ما رأيت أفصح منه، وما رأيت أحدا في كورة من الكور أعظم قدرا ولا أجل عند أهلها من أبي مسهر بدمشق، إذا خرج اصطفّ النّاس يقبّلون يده.

_ [1] «العبر في خبر من عبر» (1/ 373) . [2] (1/ 373) . [3] في الأصل: «وهو لا يعرف اللحن» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب.

وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة. وفيها عبد الملك بن هشام البصريّ، النحويّ صاحب المغازي. هذّب السّيرة ونقلها عن البكّائيّ [1] صاحب ابن إسحاق. وكان أديبا أخباريا نسّابة. سكن مصر وبها توفي. ومحمد بن نوح العجليّ، ناصر السّنّة. حمل مقيّدا مع الإمام أحمد ابن حنبل متزاملين، فمرض ومات بغابة في الطريق، فوليه أحمد ودفنه، وكان في الطريق يثبّت أحمد ويشجّعه. قال أحمد: ما رأيت أقوم بأمر الله منه. روى عن إسحاق الأزرق، ومات شابا رحمه الله. قاله في «العبر» [2] . ومعلّى بن أسد البصريّ، أخو بهز بن أسد. روى عن وهيب بن أسد وطبقته، وكان ثقة مؤدّبا. ويحيى [بن عبد الله] [3] البابلتّي الحرّاني [أبو سعيد] [3] . روى عن الأوزاعيّ، وابن أبي ذئب، وطائفة، وليس بالقويّ في الحديث.

_ [1] هو أبو محمد زياد بن عبد الله بن طفيل بن عامر القيسيّ العامريّ من بني صعصعة ثم من بني البكّاء، روى «سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم» عن محمد بن إسحاق، ورواها عنه عبد الملك بن هشام الذي رتبها ونسبت إليه. وكان صدوقا، ثقة، خرّج عنه البخاري في كتاب الجهاد، ومسلم في مواضع من كتابه، وذكر البخاري في «تاريخه» عن وكيع قال: زياد أشرف من أن يكذب في الحديث. وروى عن الأعمش، وروى عنه أحمد بن حنبل، وغيره. وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين. مات سنة (183) هـ. انظر: ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 442- 443) مصورة دار المأمون للتراث، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان» (2/ 338- 339) ، و «ميزان الاعتدال» للذهبي (2/ 91) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 268) ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 54) . [2] (1/ 375- 376) . [3] زيادة من «الأنساب» للسمعاني (2/ 14) ، و «العبر» للذهبي (1/ 376) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 351) ، و «معجم البلدان» لياقوت (1/ 309) . ونسبته إلى باب لت قرية بالجزيرة بين حران والرّقة. ذكر ذلك ياقوت.

سنة تسع عشرة ومائتين

سنة تسع عشرة ومائتين فيها، وقيل: في التي بعدها، امتحن المعتصم الإمام أحمد بن حنبل، وضرب بين يديه بالسّياط حتّى غشي عليه، فلما صمم ولم يجب أطلقه وندم على ضربه. قاله في «العبر» [1] . وفيها توفي علي بن عيّاش الألهانيّ [2] الحمصيّ الحافظ. محدّث حمص وعابدها. سمع من حريز بن عثمان [3] وطبقته، وذكر فيمن يصلح لقضاء حمص. وفيها أبو أيوب سليمان بن داود بن علي الهاشميّ العباسيّ. سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته، وكان إماما حجّة فاضلا شريفا. روي أن أحمد بن حنبل أثنى عليه، وقال: يصلح للخلافة. وعالم أهل مكّة الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزّبير القرشيّ الحميديّ. روى عن فضيل بن عياض وطبقته، وكان إماما حجّة. قال أحمد بن حنبل: الحميديّ، والشّافعيّ، وابن راهويه، كل كان [4]

_ [1] (1/ 376) . [2] لفظة: «الألهاني» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] في الأصل: «حرير بن عثمان» ، وفي المطبوع: «جرير بن عثمان» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 159) . [4] لفظة: «كان» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

إماما، أو كلاما هذا معناه. وصحب الحميديّ الشّافعيّ، ووالاه بعد أن كان نافرا عنه، وصحبه في رحلته إلى مصر. قال ابن ناصر الدّين: حدّث عنه البخاريّ وغيره من كبار الأئمة. وفيها أبو نعيم الفضل بن دكين الملائيّ الحافظ محدّث الكوفة. روى عن الأعمش، وزكريا بن أبي زائدة، والكبار. قال ابن معين: ما رأيت أثبت من أبي نعيم، وعفّان. وقال أحمد: كان يقظان في الحديث عارفا، وقام في أمر الامتحان بما لم يقم غيره- عافاه الله- وكان أعلم من وكيع بالرّجال وأنسابهم، ووكيع أفقه منه. وقال غيره: لما امتحنوه، قال: والله عنقي أهون من زرّي هذا، ثم قطع زرّه ورماه. وقال ابن ناصر الدّين: الفضل بن دكين، هو عمرو بن حمّاد [1] التيميّ مولاهم الكوفيّ الملائيّ التاجر. حدّث عنه أحمد، وإسحاق، والبخاري، وغيرهم. وكان حافظا ثبتا فقيها واسع المجال. شارك الثّوريّ [2] في أكثر من مائة من الرّواة، وكان غاية في إتقان ما حفظه ووعاه. انتهى. وفيها أبو غسّان مالك بن إسماعيل النّهديّ الكوفيّ الحافظ. روى عن إسرائيل وطبقته. قال ابن معين: ليس بالكوفة أتقن منه. وقال ابن ناصر الدّين: مالك بن إسماعيل النّهديّ مولاهم الكوفيّ،

_ [1] في الأصل: «عمر بن حمّاد» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وانظر: «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (159) . [2] في الأصل: «شارك النووي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

ثقة، متقن، ذو فضل وأمانة وعبادة [واستقامة، على تشيع فيه. كما كان أبو داود يحكيه. انتهى. وقال أبو حاتم الرّازيّ: كان ذا فضل وصلاح وعبادة] [1] . كنت إذا نظرت إليه كأنه خرج من قبر، ولم أر بالكوفة أتقن منه، لا أبو نعيم ولا غيره. وقال أبو داود: كان شديد التشيع. وفيها أبو الأسود، النّضر بن عبد الجبّار المراديّ المصريّ الزّاهد. روى عن اللّيث وطبقته. قال أبو حاتم: صدوق عابد، شبّهته بالقعنبيّ [2] رحمهما الله.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [2] في الأصل: «العقنبي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

سنة عشرين ومائتين

سنة عشرين ومائتين وفيها اتخذ المعتصم سرّ من رأى [1] مسكنا. وفيها عقد المعتصم للأفشين [2] على حرب بابك الخرّميّ الذي هزم الجيوش وخرّب البلاد منذ عشرين سنة. ثم جهز محمد بن يوسف الأمين ليبني الحصون التي خرّبها بابك، فالتقى الأفشين [3] ببابك فهزمه وقتل من الخرّمية نحو ألف وهرب بابك إلى موقان [4] ثم جرت لهما أمور يطول شرحها. وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه عشرة آلاف ألف دينار، ثم نفاه واستوزر محمد بن عبد الملك بن الزّيّات. وفيها توفي آدم بن أبي إياس الخراسانيّ ثم البغداديّ، نزيل عسقلان. روى عن ابن أبي ذئب، وشعبة، وكان صالحا ثقة قانتا لله. لما احتضر قرأ الختمة ثم قال: لا إله إلا الله، ثم فارق.

_ [1] مدينة على شاطئ دجلة في العراق. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 215) . [2] في الأصل، والمطبوع: «للأقشين» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي مصدر المؤلف، وانظر: «تاريخ الطبري» (8/ 625) ، و «الكامل» لابن الأثير (6/ 420) . [3] في الأصل، والمطبوع: «الأقشين» وهو تصحيف، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق. [4] بلدة تقع في أراضي إيران الآن. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (5/ 225- 226) .

قال أبو حاتم: ثقة، مأمون، متعبّد. وخلّاد بن خالد الصّيرفيّ الكوفيّ قارئ الكوفة وتلميذ سليمان. تصدّر للإقراء، وحمل عنه طائفة، وحدّث عن الحسن بن صالح بن حيّ وجماعة. قال أبو حاتم: صدوق. وعاصم بن يوسف اليربوعيّ الكوفيّ الخياط. روى عن إسرائيل وجماعة. وروى البخاريّ عن أصحابه. . وعبد الله بن جعفر الرّقّيّ الحافظ. روى عن عبيد الله بن عمرو الرّقّي وطبقته، وقد تغير حفظه قبل موته بسنتين. وفيها أبو عمرو عبد الله بن رجاء الغدانيّ [1] بالبصرة يوم آخر السنة. وكان ثقة حجة، روى عن عكرمة بن عمّار [2] وطبقته. وعثمان بن الهيثم مؤذّن جامع البصرة في رجب. روى عن هشام بن حسّان [3] وابن جريج، والكبار. قال أبو حاتم [4] : كان بآخرة [يتلقن ما] يلقن. وعفّان بن مسلم الأنصاريّ مولاهم البصريّ الصّفّار أبو عثمان أحد أركان الحديث. نزل بغداد ونشر بها علمه، وحدّث عن شعبة وأقرانه. قال ابن معين [5] : أصحاب الحديث خمسة: ابن جريج، ومالك، والثّوري، وشعبة، وعفّان.

_ [1] في الأصل: «العداني» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر: «تقريب التهذيب» (1/ 414) . [2] في المطبوع: «عكرمة بن حمّاد» وهو خطأ. وأنظر: «تهذيب الكمال» (2/ 680) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق. [3] في «العبر» للذهبي (1/ 380) : «هشام بن حبان» وهو خطأ، فيصحح فيه. [4] انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 172) وما بين حاصرتين زيادة منه. [5] في المطبوع: «قال يحيى بن معين» .

وقال أحمد بن حنبل: كتب المأمون إلى متولّي بغداد يمتحن النّاس، فامتحن عفّان، وكتب المأمون: فإن لم يجب عفّان فاقطع رزقه. وكان له في الشهر خمسمائة درهم. فلم يجبهم، وقال: وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 51: 22 [الذاريات: 22] . وقال ابن ناصر الدّين: جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل وعن جرحه، فأبى وقال: لا أبطل حقا من الحقوق. . وفيها أبو عمر حفص بن عمر الضرير البصريّ، صدوق. . وقالون القارئ، قارئ أهل المدينة، صاحب نافع، وهو أبو موسى عيسى بن مينا [1] الزهريّ مولاهم المدني. قال الذهبي في «المغني» [2] : حجة في القراءة لا في الحديث. سئل عنه أحمد بن صالح، فضحك وقال: يكتبون [3] عن كل أحد. انتهى. . وفيها الشريف أبو جعفر محمد بن علي الرضا بن موسى [4] الحسيني، أحد الاثني عشر إماما الذين تدّعي فيهم الرافضة العصمة، وله خمس وعشرون سنة. وكان المأمون قد نوّه بذكره، وزوّجه بابنته، وسكن بها بالمدينة، فكان المأمون ينفذ إليه في السنة ألف ألف درهم وأكثر، ثم وفد على المعتصم فأكرم مورده، وتوفي ببغداد آخر السنة، ودفن عند جده موسى، ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة.

_ [1] انظر: «سير أعلام النبلاء» (10/ 326) ، و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 155) ، و «الأعلام» (5/ 110) . [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 502) . [3] في «المغني في الضعفاء» : «تكتبون» . [4] في الأصل، والمطبوع: «محمد الجواد بن علي بن موسى الرضا» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 380) ، و «الأعلام» للزركلي (6/ 271) .

وفيها أبو حذيفة النّهديّ موسى بن مسعود البصريّ المؤدّب في جمادى الآخرة. سمع أيمن بن بابك وطبقته. قال أبو حاتم: روى عن سفيان الثّوري بضعة عشر ألف حديث، وكان يصحّف. قال في «المغني» [1] : موسى بن مسعود أبو حذيفة النّهديّ، صدوق مشهور، من مشيخة البخاري. تكلم فيه أحمد وليّنه. وقال ابن خزيمة: لا أحدّث عنه. وقال أبو حفص الفلّاس: لا يروي عنه من يبصر [2] الحديث. انتهى.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 687) . [2] في الأصل، والمطبوع: «يصنف» وأثبت لفظ «المغني في الضعفاء» .

سنة إحدى وعشرين ومائتين

سنة إحدى وعشرين ومائتين فيها كانت وقعة عظمى، فكسر بابك الخرمي بغا الكبير، ثمّ تقوّى بغا وقصد بابك، فالتقوا، فانهزم بابك. وفيها توفي أبو علي الحسن بن الرّبيع البجليّ البورانيّ القسري [1] الكوفيّ. روى عن قيس بن الرّبيع وطبقته. وهو من شيوخ البخاري، وكان ثقة ثبتا عابدا. وعاصم بن علي بن عاصم الواسطيّ الحافظ أبو الحسن في رجب. سمع ابن أبي ذئب، وشعبة، وخلقا. وقدم بغداد، فازدحموا عليه من كل مكان، حتّى حزر مجلسه بمائة ألف، وكان ثقة حجة. وفيها محدّث مرو وشيخها عبد الله بن عثمان، عبدان [2] المروزيّ. سمع شعبة، وأبا حمزة السّكّري، والكبار. وعاش ستا وسبعين سنة. وكان ثقة جليل القدر معظّما، تصدّق في حياته بألف ألف درهم، وروى عنه البخاريّ وغيره. وفيها الإمام الربانيّ أبو عبد الرّحمن عبد الله بن مسلمة [3] بن قعنب الحارثيّ المدنيّ القعنبيّ الزّاهد. سكن البصرة ثم مكّة، وتوفي بها في

_ [1] في الأصل والمطبوع: «القصبي» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (7/ 148) طبع مؤسسة الرسالة. [2] عبدان، لقب له. (ع) . [3] في الأصل، والمطبوع: «عبد الله بن سلمة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 382) ، و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (165) .

المحرم. روى عن سلمة بن وردان [1] وأفلح بن حميد، والكبار، وهو أوثق من روى «الموطأ» . وخرّج له أصحاب الكتب الستة. قال أبو زرعة: ما كتبت عن أحد أجلّ في عيني من القعنبيّ [2] . وقال أبو حاتم: ثقة حجة، لم أر أخشع منه. وقال الخريبيّ: حدثني العقنبيّ عن مالك، وهو والله عندي خير من مالك. وقال الفلّاس: كان القعنبيّ مجاب الدعوة. وقال محمد بن عبد الوهّاب الفرّاء: سمعتهم بالبصرة يقولون: القعنبيّ من الأبدال. . وفيها محمد بن بكير الحضرميّ البغداديّ. حدّث بأصبهان [3] عن شريك وطبقته. وقال أبو حاتم: صدوق يغلط أحيانا. . وفيها أبو همّام الدلّال محمد بن محبّب. بصريّ مشهور. روى عن الثّوري وطبقته. وفيها الفقيه هشام بن عبيد الله [4] الرّازيّ الحنفيّ. روى عن [ابن] أبي ذئب [5] ومالك وطبقتهما. وكان كثير العلم، واسع الرّواية. وفيه ضعف. وقد جاء عنه أنه قال: أنفقت في طلب العلم سبعمائة ألف درهم.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «مسلمة بن وردان» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] تحرّفت نسبته في هذا الموطن وما يليه من الترجمة في الأصل إلى: «العقنبي» . وأثبت ما في المطبوع. [3] في «العبر» للذهبي (1/ 383) : «بإصبهان» . [4] في الأصل، والمطبوع: «هشام بن عبد الله» ، وفي «العبر» للذهبي: «همّام بن عبد الله» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 711) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (11/ 47) . [5] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي: «روى عن أبي ذئب» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» للذهبي.

سنة اثنتين وعشرين ومائتين

سنة اثنتين وعشرين ومائتين . فيها [1] التقي الأفشين [2] والخرمية- لعنهم الله- وهزمهم ونجا بابك، فلم يزل الأفشين [2] يتحيل عليه حتّى أسره. وقد عاش [3] هذا الملعون وأفسد العباد والبلاد [4] وامتدت أيامه نيفا وعشرين سنة، وأراد أن يقيم ملة المجوس بطبرستان [واستولى على أذربيجان وغيرها، وفي أيامه ظهر المازيار [5] القائم بملة المجوس بطبرستان] [6] . وقد بعث المعتصم في أول السنة خزائن أموال إلى الأفشين [7] ليتقوى بها، وكانت ثلاثين ألف ألف درهم. وافتتحت مدينة بابك في رمضان بعد حصار شديد، فاختفى بابك في

_ [1] في المطبوع: «فها» وهو خطأ. [2] في الأصل، والمطبوع: «الأقشين» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي والمصادر الأخرى التي بين يدي. [3] في المطبوع: «عاث» . [4] في المطبوع: «البلاد والعباد» . [5] في الأصل، والمطبوع: «الماربان» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 80) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (6/ 498- 504) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 83) ، وهو مازيار بن قارن. [6] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [7] في الأصل، والمطبوع: «الأقشين» .

غيضة في الحصن وأسر جميع خواصه وأولاده. وبعث إليهم المعتصم الأمان فخرقه وسبّه. وكان قويّ النفس شديد البطش، صعب المراس. فطلع من تلك الغيضة في طريق يعرفها في الجبل، وانقلب ووصل إلى جبال إرمينية فنزل على البطريق سهل. فأغلق عليه، وبعث يعرّف الأفشين [1] فجاء الأفشينية [2] فتسلّموه، وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيّا ألفي ألف درهم، ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم، وكان دخوله بغداد يوما مشهودا. وفيها توفي أبو اليمان الحكم بن نافع البهرانيّ الحمصيّ الحافظ. روى عن حريز بن عثمان [3] وطبقته، وكان ثقة حجة كثير الحديث. ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة، ومات في ذي الحجة. وقد سئل أبو اليمان مرّة عن حديث لشعيب بن أبي حمزة فقال: ليس هو مناولة، لم أخرجها إلى أحد. . وعمر بن حفص بن غياث الكوفيّ. روى عن أبيه وطبقته، ومات كهلا في ربيع الأول، وكان ثقة متقنا عالما. . وفيها أبو عمرو مسلم بن إبراهيم الفراهيديّ مولاهم البصريّ القصّاب الحافظ محدّث البصرة. سمع من ابن عون حديثا واحدا، ومن قرّة ابن خالد، ولم يرحل، لكن سمع من ثمانمائة شيخ بالبصرة، وكان ثقة حجة أضرّ [4] بآخرة، وكان يقول: ما أتيت حراما ولا حلالا قطّ، أي لم يفعل إلّا فرضا أو سنّة. توفي في صفر.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «الأقشين» . [2] في الأصل، والمطبوع: «الأقشينية» وهو خطأ، والصواب ما أثبته. [3] في الأصل: «جرير بن عثمان» ، وفي المطبوع: «جرير بن عبد الحميد» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 384) وانظر «تهذيب الكمال» (1/ 315) مصوّرة دار المأمون للتراث. [4] في الأصل: «أخبر» ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

وفيها فقيه حمص ومحدّثها، يحيى بن صالح الوحاظيّ [1] . ولد سنة سبع وثلاثين ومائة، وسمع من سعيد بن عبد العزيز، وفليح بن سليمان، وطبقتهما. وعيّن لقضاء حمص. قال العقيليّ: هو حمصيّ جهميّ. وقال الجوزجاني: كان مرجئا خبيثا. ووثقه غيره.

_ [1] في الأصل: «الوضاطي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

سنة ثلاث وعشرين ومائتين

سنة ثلاث وعشرين ومائتين . فيها أتى المعتصم ببابك الخرّمي. قال ابن الجوزي في «الشذور» : أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا علي ابن الحسن [1] عن أبيه، أن أخا بابك الخرمي قال له لما دخل على المعتصم: يا بابك! إنك قد عملت ما لم يعمل أحد، فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد. فقال له: سترى صبري، فأمر المعتصم بقطع أيديهما بحضرته، فبدأ ببابك، فقطعت يمينه، فأخذ الدم فمسح به وجهه، وقال: لئلا يرى في وجهي صفرة فيظن أني جزعت من الموت. ثم قطعت أربعته وضربت عنقه وقذف في النّار. وفعل ذلك بأخيه، فما فيهما من صاح. وخرج المعتصم إلى عموريّة فقتل ثلاثين ألفا وسبى مثلها، وطرح فيها النّار وجاء ببابها إلى العراق، فهو الذي يسمى باب العامة. انتهى. وتوجّ المعتصم الأفشين ووصله بعشرين ألف ألف درهم، نصفا له ونصفا لعسكره [2] .

_ [1] في المطبوع: «علي بن المحسن» ولم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر. قال السمعاني في تلميذه محمد بن عبد الباقي في «الأنساب» (12/ 94) حدّث عن شيوخ له لم يحدّث عنهم أحد في عصره. قلت: ولعل شيخه علي بن الحسن منهم، والله أعلم. [2] في المطبوع: «نصفها له ونصفها لعسكره» .

وفيها التقى المسلمون وعليهم الأفشين وطاغية الرّوم، فاقتتلوا أياما وكثرت القتلى، ثم انهزم الملاعين، وكان طاغيتهم في هذا الوقت توفى [1] ابن ميخائيل بن جرجيس- لعنهم الله- نزل على زبطرة [2] في مائة ألف أياما وافتتحها بالسيف، ثم أغار على ملطية، ثم أذلّه الله بهذه الكسرة. وفيها توفي خالد بن خداش المهلّبيّ البصريّ المحدّث في جمادى الآخرة. روى عن مالك وطبقته، وخرّج له البخاريّ في «التاريخ» ومسلم، والنسائي. قال أبو حاتم، وغيره: صدوق. وقال ابن المديني: ضعيف. وفيها أبو الفضل صدقة بن الفضل المروزيّ عالم أهل مرو ومحدّثهم. رحل وكتب عن ابن عيينة وطبقته. وأقدم شيخ له أبو حمزة السّكّري. قال بعضهم: كان ببلده كأحمد بن حنبل ببغداد. وفيها عبد الله بن صالح أبو صالح الجهنيّ المصريّ الحافظ. كاتب اللّيث بن سعد. توفي في يوم عاشوراء وله ستّ وثمانون سنة. حدّث عن معاوية بن صالح وعبد العزيز [بن] الماجشون [3] وخلق. قال ابن معين: أقل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على اللّيث فأجازها له.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «تيوفيل» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] في الأصل، والمطبوع: «ريطرة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 386) . و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 130) . وهي بلدة في الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة جنوب ملطية. انظر «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (9) طبع دار الفكر بدمشق. [3] في الأصل: «عبد العزيز الماجشوني» ، وفي المطبوع: «عبد العزيز الماجشون» وأثبت ما في

وقال ابن ناصر الدّين: روى عنه البخاري في «الصحيح» وله مناكير. وقال الفضل الشعراني: ما رأيت عبد الله بن صالح إلّا يحدّث أو يسبّح. وضعفه آخرون كما قال في «العبر» [1] . وفيها أبو بكر بن أبي الأسود، واسمه عبد الله بن محمد بن حميد، قاضي همذان. سمع مالكا وأبا عوانة. وكان حافظا متقنا. وأبو عثمان عمرو بن عون الواسطيّ. سمع الحمّادين وطائفة. قال أبو حاتم: ثقة حجة. وكان يحيى بن معين يطنب في الثناء عليه. وقال ابن ناصر الدّين: هو ابن أخت عبد الرّحمن بن مهدي، حدّث عنه البخاريّ وغيره. وكان ثبتا متقنا. انتهى. . وفيها محمد بن سنان العوقي [2] أبو بكر البصريّ أحد الأثبات. روى عن جرير بن حازم وطبقته. . وفيها أبو عبد الله محمد بن كثير العبديّ البصريّ المحدّث. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته. قال ابن معين: كيّس صادق كثير الحديث. وفيها معاذ بن أسد بالبصرة، وهو مروزيّ. روى عن ابن المبارك وكان كاتبه. وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التّبوذكيّ البصريّ الحافظ، «العبر للذهبي مصدر المؤلف وهو الصواب.

_ [1] (1/ 387) . [2] في الأصل، والمطبوع: «العوفي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 388) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (9/ 91) .

أحد أركان الحديث. سمع من شعبة [1] حديثا واحدا [2] وأكثر عن حمّاد بن سلمة وطبقته. قال عبّاس الدّوري: كتبت عنه خمسة وثلاثين ألف حديث. وقال ابن ناصر الدّين: ثقة. والحسن البورانيّ، على ما ذكره ابن ناصر الدّين، وقال: هو ثقة، وشيخ للبخاري [3] .

_ [1] في «العبر» للذهبي: «من سعيد» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] كذا جزم الذهبي في «العبر» بأنه سمع من شعبة حديثا واحدا، ونقله عنه المؤلف. وقال المزي في «تهذيب الكمال» (3/ 1382) مصورة دار المأمون للتراث: يقال حديثا واحدا. [3] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (221) وانظر «الأنساب» للسمعاني (2/ 334) ، و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (221) .

سنة أربع وعشرين ومائتين

سنة أربع وعشرين ومائتين فيها زلزلت مدينة فرغانة فمات منها أكثر من خمسة عشر ألفا، قاله [1] في «الشذور» . وفيها ظهر مازيار بطبرستان، وخلع المعتصم، فسار لحربه عبد الله ابن طاهر، وظلم مازيار وعسف، وصادر، وخرّب أسوار آمل، والرّي، وجرجان، وجرت له حروب وفصول، ثم اختلف [2] عليه جنده، إلى أن قتل في السنة الآتية. وفيها توفي الأمير إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي الأسود، ولذلك ولضخامته يقال: له التنين. ويقال له: ابن شكله، وهي أمه. وكان فصيحا أديبا [3] شاعرا محسنا [4] رأسا في معرفة الغناء وأنواعه. ولي إمرة دمشق لأخيه الرشيد، وبويع بالخلافة ببغداد، ولقب بالمبارك [5] عند ما جعل المأمون ولي عهده علي بن موسى الرضا، فحاربه الحسن بن

_ [1] يعني الحافظ ابن الجوزي، واسم كتابه المذكور «شذور العقود في تاريخ العهود» . [2] في المطبوع: «اختف» وهو خطأ. [3] كذا في الأصل، و «العبر» للذهبي: «فصيحا أديبا» وفي المطبوع: «أديبا فصيحا» . [4] لفظة «محسنا» سقطت من «العبر» فتستدرك فيه. [5] في الأصل، والمطبوع: «المبارك» وأثبت ما في «العبر» للذهبي.

سهل فانكسر، ثم حاربه حميد الطّوسي، فانكسر جيش إبراهيم وانهزم فاختفى، وذلك في سنة ثلاث، وبقي في الاختفاء سبع سنين، ثم ظفروا به وهو في إزار، فعفا عنه المأمون، وذلك لأنه استشار خاصته في أمره، فكلّ أشار بقتله قائلا: من ذاق حلاوة الخلافة لا تصح [1] منه توبة إلّا يحيى بن أكثم [2] فإنه أجاب بما معناه: لقد سمعنا بمن جنى كجنايته كثيرا، وإنه إذا قدر عليه قتل، ولم نسمع أنه إذا قدر عليه عفي عنه، فاجعل عفوك عنه خيرا ومكرمة تذكر إلى آخر الدّهر، فقبل رأي يحيى وأطلقه مكرما. وفيها إبراهيم بن أبي سويد البصريّ، الذّارع، أحد أصحاب الحديث. روى عن حمّاد بن سلمة وأقرانه. قال أبو حاتم: ثقة رضي. وأيوب بن سليمان بن بلال، له نسخة صحيحة يرويها عن عبد الحميد بن أبي أويس، عن أبيه، عن سليمان بن بلال، ما عنده سواها. وفيها أبو العبّاس حيوة بن شريح [3] الحضرميّ الحمصيّ الحافظ. سمع إسماعيل بن عيّاش وطائفة. وربيع بن يحيى الأشنانيّ البصريّ. يروي [4] عن مالك بن مغول والكبار، وكان ثقة صاحب حديث. وبكّار بن محمّد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السّيرينيّ. روى عن ابن عون والكبار، وفيه ضعف يسير. وقال في «المغني» [5] : عن ابن عون.

_ [1] في المطبوع: «لا يصح» . [2] في المطبوع: «يحيى بن أكتم» وهو خطأ. [3] في الأصل، والمطبوع: «حياة بن شريح» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (80) وغيره من كتب الرجال. [4] في المطبوع: «روي» . [5] «المغني في الضعفاء» (1/ 111) .

قال أبو زرعة: ذاهب الحديث انتهى. وفيها سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمّد بن سالم الجمحيّ مولاهم المصريّ الثقة، أحد أركان الحديث، وله ثمانون سنة. روى عن يحيى بن أيوب، وأبي غسّان محمد بن مطرّف. وطبقتهما من المصريين والحجازيين. وفيها قاضي مكّة أبو أيوب سليمان بن حرب الأزديّ الواشحيّ البصريّ الحافظ في ربيع الآخر، وهو في عشر التسعين. سمع شعبة وطبقته. قال أبو داود: سمعته يقع في معاوية، وكان بشر الحافي يهجره لذلك وكان لا يدلّس ويتكلم في الرّجال، وقرأ الفقه، وقد ظهر من حديثه نحو عشرة آلاف حديث، وما رأيت في يده كتابا قطّ، وحضرت مجلسه ببغداد فحزر بأربعين ألفا، وحضر جلسه المأمون من وراء ستر. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة ثبت. وفيها أبو معمر المقعد، وهو عبد الله بن عمرو المنقريّ مولاهم البصريّ الحافظ، صاحب عبد الوارث. قال ابن معين: ثقة ثبت. وقال ابن ناصر الدّين: كنيته أبو معمر [1] ، حدث عن البخاري وغيره، وهو ثقة. وفيها عمرو بن مرزوق الباهليّ مولاهم البصريّ الحافظ. روى عن مالك بن مغول وطبقته. قال محمد بن عيسى بن السّكن [2] : سألت ابن معين عنه فقال: ثقة

_ [1] في الأصل: «أبو عمرو» وفي المطبوع: «أبو عمر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 622) وغيره من كتب الرجال. [2] في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 419) : «محمد بن عيسى بن أبي قماش» .

مأمون صاحب غزو [1] وحمده [جدا] [2] . وفيها أبو الحسن علي بن محمد المدائنيّ البصريّ الأخباريّ صاحب التصانيف والمغازي والأنساب، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع ابن أبي ذئب وطبقته، وكان يسرد الصوم، ووثقه ابن معين وغيره. وفيها العلّامة العلم، أبو عبيد القاسم بن سلّام البغداديّ، صاحب التصانيف. سمع شريكا، وابن المبارك، وطبقتهما. وقال إسحاق بن راهويه: الحق يحبّه الله [3] ، أبو عبيد أفقه مني وأعلم. وقال أحمد: أبو عبيد أستاذ. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة إمام فقيه، مجتهد، أحد الأعلام، وكان [4] إماما في القراءات، حافظا للحديث وعلله الدقيقات، عارفا بالفقه والتعريفات، رأسا في اللغة، ذا مصنفات. انتهى. وقال ابن الأهدل: قيل إنه أول من صنف غريب الحديث، وصنف نيفا وعشرين كتابا. وعنه [5] قال: مكثت في «الغريب» أربعين سنة. ووقف عليه عبد الله بن طاهر [6] فاستحسنه وقال: إن عقلا دعا صاحبه إلى مثل [7] هذا حقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش، وأجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم. ولي القضاء بمدينة طرسوس ثماني عشرة سنة، وكان يقسم الليل أثلاثا [8] : صلاة،

_ [1] في الأصل: «صاحب عزو» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» . [3] في الأصل والمطبوع: «يجب الله» ، والتصحيح من «تهذيب التهذيب» (8/ 316) . (ع) [4] في الأصل: «كان» وأثبت ما في المطبوع. [5] يعني عن أبي عبيد. [6] سترد ترجمته في حوادث سنة (230) من هذا المجلد. [7] في المطبوع: «لمثل» . [8] في الأصل: «ثلاثا» وأثبت ما في المطبوع.

ونوما، وتصنيفا. وكان أحمر الرأس واللحية، يخضب بالحناء، وكان مهيبا. توفي بمكّة بعد أن حجّ وعزم على الانصراف إلى العراق مع الناس. قال فرأيت النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وأردت الدخول عليه فمنعت وقيل لي [1] : لا تدخل عليه ولا تسلم وأنت خارج إلى العراق. فقلت: لا أخرج إذا، فأخذوا عهدي على ذلك وخلّوا بيني وبينه، فسلمت عليه وصافحني. فأقام بمكّة حتّى مات. وعنه قال: كنت مستلقيا بالمسجد الحرام، فجاءتني عائشة المكية وكانت من العارفات، فقالت: يا أبا عبيد لا تجالسه إلّا بأدب وإلا محاك من ديوان العلماء والصالحين. وقال هلال بن العلاء الرّقّي: من الله سبحانه على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: الشافعيّ، ولولاه ما تفقه الناس في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأحمد ولولاه ابتدع الناس، ويحيى بن معين نفى الكذب عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأبي عبيد فسّر غريب الحديث، ولولاه اقتحم النّاس الخطأ. وكان أبو عبيد موصوفا بالدّين، وحسن المذهب، والسيرة الجميلة، والفضل البارع، وأثنى عليه علماء وقته بما يطول ذكره. انتهى. وكان أبو عبدا روميا لرجل من أهل هراة. وفيها أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخيّ الكفرسوسيّ. سمع سعيد بن عبد العزيز وطبقته. قال أبو حاتم: ما رأيت أفصح منه ومن أبي مسهر. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة. وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى بن الطّبّاع الحافظ، نزيل الثّغر بأذنه [2] . سمع مالكا وطبقته.

_ [1] في المطبوع: «فقيل لي» . [2] في الأصل، والمطبوع: «بأدنه» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» لياقوت

قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للأبواب منه. وقال أبو داود: كان يتفقه ويحفظ نحوا من أربعين ألف حديث. وفيها أبو النّعمان محمد بن الفضل- ويعرف بعارم- السّدوسيّ البصريّ الحافظ، أحد أركان الحديث. روى عن الحمّادين وطبقتهما، ولكنه اختلط بآخره، وكان سليمان بن حرب يقدمه على نفسه، وكان حافظا ثبتا قد اختلط بآخره وزال عقله فيما يذكر، ولم يظهر له بعد اختلاطه فيما قاله الدارقطني شيء منكر. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدّين، يزيد بن عبد ربّه الزّبيديّ الجرجسيّ [1] الثبت.

_ (1/ 132) . قلت: وهي الآن في الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة، وتعرف في أيامنا ب «أضنة» . [1] قال السمعاني في «الأنساب» (3/ 225) : كان ينزل بحمص عند كنيسة جرجس فنسب إليها. وانظر «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 423- 424) .

سنة خمس وعشرين ومائتين

سنة خمس وعشرين ومائتين فيها على ما قاله في «الشذور» كانت رجفة بالأهواز عظيمة تصدّعت منها الجبال، وهرب أهل البلد إلى البر وإلى السفن، وسقطت فيها دور كثيرة، وسقط نصف الجامع، ومكثت ستة عشر يوما. وفيها احترقت الكرخ، فأسرعت النّار في الأسواق، فوهب المعتصم للتجار وأصحاب العقار خمسة آلاف ألف درهم. وفيها توفي الفقيه أصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصريّ الثقة مفتي أهل مصر، وورّاق [1] ابن وهب. أخذ عن ابن وهب، وابن القاسم، وتصدّر للاشتغال [2] والحديث. قال ابن معين: كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة متى قالها مالك ومن خالفه فيها. وقال أبو حاتم: هو أجلّ أصحاب ابن وهب. وقال بعضهم: ما أخرجت مصر مثل أصبغ. وقد كان ذكر لقضاء مصر، وله مصنفات حسان.

_ [1] في الأصل: «وراوي» وأثبت ما في المطبوع، وانظر «تهذيب التهذيب» (1/ 361) . [2] في المطبوع: «للاشغال» .

وفيها حفص بن عمر [1] أبو عمر الحوضيّ الحافظ بالبصرة. روى عن هشام الدّستوائي والكبار. قال أحمد بن حنبل: [ثقة] [2] ثبت، متقن [3] ، لا يوجد عليه حرف واحد. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة. وفيها سعدويه الواسطي، سعيد بن سليمان الحافظ ببغداد. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته. قال أبو حاتم: ثقة مأمون لعله أوثق من عفّان. وقال صالح جزرة: سمعت سعدويه يقول: حججت ستين حجة. وقال ابن ناصر الدّين: هو سعيد بن سليمان الضّبّيّ البزّار، رمي بالتصحيف. وقال أبو حاتم: ثقة. انتهى. وفيها أبو عبيدة شاذ بن فيّاض اليشكريّ البصريّ، واسمه هلال. روى عن هشام الدّستوائي والكبار فأكثر. وفيها أبو عمر الجرميّ النحويّ، صالح بن إسحاق، وكان ديّنا ورعا نبيلا رأسا في اللغة والنحو. نال بالأدب دنيا عريضة. وقال ابن الأهدل: كان ديّنا ورعا حسن العقيدة، صنّف في النحو وناظر الفرّاء. وحدّث عنه المبرد، وله كتاب في السير عجيب، وكتاب غريب سيبويه، والعروض. وجرم المنسوب إليها في العرب كثيرة، منهم:

_ [1] في الأصل: «جعفر بن عمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] لفظة «ثقة» لم ترد في الأصل، و «العبر» للذهبي مصدر المؤلف في نقله، وأثبتها من المطبوع. [3] لفظة «متقن» سقطت من المطبوع.

جرم بن علقمة بن أنمار [1] . ومنهم جرم بن ربّان [2] . انتهى. [3] . وفيها فروة بن أبي المغراء الكوفيّ المحدّث. روى عن شريك وطبقته. وفيها الأمير أبو دلف قاسم بن عيسى العجليّ صاحب الكرخ. أحد الأبطال المذكورين الممدوحين، والأجواد المشهورين، والشعراء المجيدين، وقد ولي إمرة دمشق للمعتصم. يحكى عنه أنه قال يوما: من لم يكن مغاليا في التشيّع فهو ولد زنا. فقال له ولده: يا أبت لست على مذهبك، فقال له أبوه: لما وطئت أمّك [وعلقت بك] [4] ما كنت بعد استبريتها، فهذا من ذاك. وقال ابن الأهدل: مدحه أبو تمّام وغيره، وله صنعة في الغناء، وصنف «كتاب البزاة والصيد» و «السلاح» و «سياسة الملوك» [5] . وغير ذلك. كان لكثرة عطائه قد ركبته الديون، فلما مات رآه ابنه دلف جالسا عريانا على أسوأ حال، وأنشده أبياتا منها:

_ [1] في «الأنساب» للسمعاني (3/ 233) : «جرم بن علقة بن أنمار» نقلا عن ابن حبيب، وعزا محققه العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني هذا النقل لابن ماكولا في «الإكمال» (2/ 452) نقلا عن ابن حبيب. قلت: والذي في «الإكمال» : «جرم بن علقمة بن أنمار» ولم أر هذا النقل عند ابن حبيب في «مختلف القبائل ومؤتلفها» . [2] في الأصل، والمطبوع: «جرم بن ريان» وهو تصحيف، والتصحيح من «مختلف القبائل ومؤتلفها» لابن حبيب ص (60) بتحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري، طبع دار الكتاب العربي بيروت، و «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (451) . [3] قال اليافعي في «مرآة الجنان» (2/ 91) : وذكر بعضهم أن الجرمي المذكور مولى جرم بن زبان. [4] ما ين حاصرتين لم يرد في الأصل وأثبته من المطبوع. [5] في المطبوع: «مناسبة الملوك» وهو خطأ، والتصحيح من «الفهرست» للنديم ص (130) بتحقيق الأستاذ رضا تجدد المطبوع في إيران.

ولو كنّا [1] إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حيّ ولكنّا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كلّ شيّ [2] وكان أبو قد شرع في عمران مدينة الكرخ ثم أتمها هو، وكان بها أولاده وعشيرته. انتهى. وفيها محمّد بن سلّام البيكنديّ الحافظ. رحل وسمع من مالك وخلق كثير، وكان يحفظ خمسة آلاف حديث، وقال: أنفقت في طلب العلم أربعين ألفا، وفي نشر مثلها. وقال ابن ناصر الدّين: به تخرّج البخاريّ. انتهى.

_ [1] في «مروج الذهب» : «فلوأنا» وهو المحفوظ. [2] البيتان في «مروج الذهب» للمسعودي (4/ 63) .

سنة ست وعشرين ومائتين

سنة ست وعشرين ومائتين فيها كما قال في «الشذور» مطر أهل تيماء مطرا وبردا كالبيض، فقتل ثلاثمائة وسبعين إنسانا، وهدم دورا، وسمع في ذلك صوت يقول: ارحم عبادك، اعف عن عبادك، ونظر إلى أثر قدم طولها ذراع بلا أصابع، وعرضها شبران، من الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست، فاتبعوا الصوت، فجعلوا يسمعون صوتا ولا يرون شخصا. وفيها غضب المعتصم على الأفشين وسجنه وضيّق عليه، ومنع من الطعام حتّى مات أو خنق، ثم صلب إلى جانب بابك وأتي بأصنام من داره اتّهم بعبادتها فأحرقت، وكان أقلف [1] متّهما [2] في دينه. وأيضا خافه المعتصم. وكان من أولاد ملوك الأكاسرة، واسمه حيدر بن كاوس، وكان بطلا شجاعا مطاعا ليس في الأمراء أكبر منه. وأيضا ظفر المعتصم بمازيار الذي فعل الأفاعيل بطبرستان وصلبه إلى جنب بابك والأفشين. وفيها توفي أحمد بن عمرو الحرشيّ [3] النيسابوريّ. سمع مسلم بن

_ [1] قال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (قلف) : الأقلف الذي لم يختن. [2] في الأصل: «متهم» وأثبت ما في المطبوع. [3] في «العبر» : «الخرشي» وهو تصحيف. وانظر «الأنساب» للسمعاني (4/ 111) .

خالد الزّنجي وطبقته، ولزم محمد بن نصر المروزي فأكثر عنه. قال الحاكم: كان إمام عصره في العلم والحديث والزهد، ثقة. وإسحاق بن محمد الفرويّ المدني [1] الفقيه. روى عن مالك وطبقته [2] . وإسماعيل بن أبي أويس [3] الحافظ أبو عبد الله الأصبحيّ المدنيّ. سمع من خاله مالك وطبقته، وفيه ضعف لم يؤخره عن الاحتجاج به عند صاحبي «الصحيحين» . وقال ابن ناصر الدّين: أثنى عليه أحمد، والبخاريّ وتكلم فيه النسائيّ وغيره. انتهى. وفيها سعيد بن كثير بن عفير، أبو عثمان المصريّ الحافظ العلّامة قاضي الدّيار المصرية. روى عن اللّيث، ويحيى بن أيوب والكبار، وكان فقيها نسابة أخباريّا شاعرا، كثير الاطلاع، قليل المثل، صحيح النقل، ثقة، روى عنه البخاريّ وغيره. وفيها محدّث الموصل غسّان بن الرّبعى الأزديّ. روى عن عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان وطبقته، وكان ورعا كبير القدر، [لكن] [4] ليس بحجة. وصدقة بن الفضل المروزيّ أبو الفضل، البحر في العلوم. روى عنه البخاريّ وغيره، وكان شيخ مرو على الإطلاق. قاله ابن ناصر الدّين [5] .

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 396) : «المديني» . [2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (10/ 649- 651) . [3] في «العبر» للذهبي: «ابن أويس» بفتح الهمزة وهو خطأ فيصحح فيه. [4] لفظة «لكن» زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 396) . [5] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 489- 490) .

وحسين بن داود المصّيصي المحتسب أبو علي الحافظ، لقبه سنيد، وبه اشتهر، أحد أوعية العلم والأثر، تكلم فيه أحمد وغيره، ووثقه ابن حبّان والخطيب البغدادي. قاله ابن ناصر الدّين. ومحمد بن مقاتل المروزيّ شيخ البخاري بمكّة. روى عن ابن المبارك وطبقته. وفيها شيخ خراسان الإمام يحيى بن يحيى بن بكر التميميّ النيسابوريّ في صفر بنيسابور [1] . قال ابن راهويه: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ولا أحسبه رأى مثل نفسه، ومات وهو إمام لأهل الدّنيا.

_ [1] في المطبوع: «في نيسابور» .

سنة سبع وعشرين ومائتين

سنة سبع وعشرين ومائتين . فيها قدم على إمرة دمشق أبو المغيث الرافعيّ [1] فخرجت عليهم قيس لكونه صلب منهم خمسة عشر رجلا وأخذوا خيل الدولة من المرج، فوجّه أبو المغيث إليهم جيشا فهزموه، ثم استفحل شرّهم وعظم جمعهم، وزحفوا على دمشق وحاصروها، فجاء رجاء الحضاري [2] الأمير في جيش من العراق، ونزل بدير مرّان، والقيسية بالمرج. فوجه إليهم يناشدهم الطاعة، فأبوا إلّا أن يعزل أبو المغيث [3] فأنذرهم القتال يوم الاثنين، ثم كبسهم يوم الأحد بكفر بطنا، وكان جمهور القيسية بدومة، فوضع السيف في كفر بطنا، وسقبا، وجسرين، حتّى قتل ألفا وخمسمائة، وقتلوا الصبيان [وجرحت النساء] [4] ووقع النهب. قاله في «العبر» [5] . وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله اليربوعيّ الكوفيّ الحافظ. سمع الثّوريّ وطبقته، وعاش أربعا وتسعين سنة.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «الرافقي» . [2] في الأصل، والمطبوع: «رجاء الحصاري» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 397) وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 28) . [3] في «العبر» : «فأبوا إلا أن يعزل أبا المغيث» . [4] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» . [5] (1/ 397- 398) .

قال أحمد بن حنبل لرجل سأله عمّن أكتب؟ قال: اخرج إلى أحمد بن يونس اليربوعي، فإنه شيخ الإسلام. انتهى [1] . وهو من الثقات الأثبات. وإبراهيم بن بشّار [2] الرّماديّ الزاهد، صاحب سفيان بن عيينة. قال ابن عدي: سألت محمد بن أحمد الزريقي عنه، فقال: كان والله أزهد أهل زمانه. وقال ابن حبّان: كان متقنا ضابطا. وأبو النّضر إسحاق بن إبراهيم الدّمشقيّ الفراديسيّ، من أعيان الشيوخ بدمشق. روى عن سعيد بن عبد العزيز وجماعة. قال في «المغني» [3] : إسحاق بن إبراهيم أبو النّضر [4] الفراديسيّ مشهور، ثقة. قال ابن عديّ: له أحاديث غير محفوظة. انتهى. وإسماعيل بن عمرو البجليّ محدّث أصبهان، وهو كوفيّ. روى عن مسعر [5] وطبقته. وثقه ابن حبّان وغيره، وضعفه الدّارقطنيّ، وهو مكثر عالي الإسناد. وفيها الربّانيّ القدوة أبو نصر بشر بن الحارث المروزيّ الزاهد، المعروف ببشر الحافي. سمع من حمّاد بن زيد، وإبراهيم بن سعد، وطبقتهما، وعني بالعلم، ثم أقبل على شأنه، ودفن كتبه [6] . حدّث بشيء يسير. وكان في الفقه على مذهب الثّوريّ، وقد صنف العلماء مناقب بشر وكراماته

_ [1] يعني انتهى نقله عن «العبر» للذهبي. [2] في «العبر» للذهبي (1/ 398) : «بشار بن إبراهيم» وهو خطأ فيصحح فيه، وانظر «الأنساب» للسمعاني (6/ 158) . [3] «المغني في الضعفاء» (1/ 68) . [4] في الأصل، والمطبوع: «ابن النّضر» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» . [5] في «العبر» للذهبي (1/ 399) : «مسهر» وهو خطأ فيصحح فيه. [6] أقول: لا يجوز دفن الكتب إلا إذا كان فيها ضلال وإلحاد وكفر. (ع) .

رحمه الله، عاش خمسا وسبعين سنة، وتوفي ببغداد [1] في ربيع الأول. قاله في «العبر» [2] . وقال السخاويّ [3] في «طبقات الأولياء» : قال ابن حبّان في «الثقات» : أخباره وشمائله في التقشّف وخفيّ الورع أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها. وكان ثوريّ المذهب في الفقه والورع جميعا. وقال الخطيب [4] : وهو ابن عم علي [5] بن خشرم، وكان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرد بوفور العقل، وأنواع الفضل، وحسن الطريقة [واستقامة المذهب] [6] وعزوف النفس، وإسقاط التكلف [7] ، والفضول. وكان كثير الحديث، إلّا أنه لم ينصب نفسه للرّواية، وكان يكرهها، ودفن كتبه لأجل ذلك. وقال ابن الجوزي: هو مروزيّ [8] الأصل، من قرية على ستة أميال من مرو، ويقال لها: ما ترسام بالتاء الفوقية [9] وكان من أبناء الرؤساء والكتبة. وولد في سنة خمسين ومائة بمرو، ولم يملك بشر بغداد ملكا قطّ، وكان

_ [1] لفظة «ببغداد» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «العبر» للذهبي. [2] (1/ 399) . [3] في الأصل: «البخاري» وأبقيت ما في المطبوع. لكني لم أقف على ذكر لهذا الكتاب فيما عدده السخاوي من مؤلفاته في «الضوء اللامع» ولم أر أحدا من أصحاب كتب التراجم من المتأخرين عنه ذكره في عداد مصنفاته. وقد وقفت على هذا النقل في كتاب «الثقات» لابن حبان (8/ 143) المطبوع في الهند، وقد ذكر ابن حبان فيه بأن وفاته كانت سنة (229) . [4] في «تاريخ بغداد» (7/ 67) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف. [5] لفظة «علي» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع و «تاريخ بغداد» . [6] ما بين حاصرتين زيادة من «تاريخ بغداد» . [7] لفظة «التكلف» لم ترد في «تاريخ بغداد» المطبوع. [8] في الأصل: «مروي» ، وأثبت ما في المطبوع. [9] كذا قال وهو خطأ، ولست أدري هل جملة «بالتاء الفوقية» لابن الجوزي، أم هي مما أضافه المؤلف تصرفا وتوضيحا فظن الفتحة التي فوق الباء نقطتان فوقع له هذا التحريف. قال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 32) : مابرسام، بفتح الباء، وسكون الراء، وسين مهملة، وآخره ميم: قرية من قرى مرو، ويقال لها ميم سام.

لا يأكل من غلّة بغداد ورعا، لأنها من أرض السواد التي لم تقسم، وكان في حداثته [1] يطلب العلم ويمشي في طلبه حافيا حتّى اشتهر بهذا الاسم. قال مسعر: من طلب الحديث فليتقشف وليمش حافيا. وصح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ في سَبِيلِ الله حَرَّمَهُمَا الله عَلَى النَّارِ [2] فرأى بشر أن طالب العلم يمشي في سبيل الله، فأحب تعميم قدميه بالغبار. ولم يتزوج بشر قط، ولم يعرف النساء. قيل له: لم لا تتزوج؟ قال: لو أظلني زمان عمر وأعطاني كنت أتزوج. وقيل له: لو تزوجت تم نسكك. قال: أخاف أن تقوم بحقي ولا أقوم بحقها. قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ 2: 228 [البقرة: 228] . وكان يعمل المغازل ويعيش منها حتّى مات. وكان لا يقبل من أحد شيئا عطية أو هدية سوى رجل من أصحابه ربما قبل منه. وقال: لو علمت أن أحدا يعطي لله لأخذت منه، ولكن يعطي بالليل ويتحدث بالنهار. وقال لابن أخته عمر: يا بني اعمل فإن أثره في الكفين أحسن من أثر السجدة بين العينين. وقال ليس شيء من أعمال البرّ أحبّ إليّ من السخاء، ولا أبغض إليّ من الضيق وسوء الخلق. وسئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال: أستغفر الله لا يحل لي أن أتكلم في الورع، أنا [3] آكل من غلة بغداد، ولو [4] كان بشر، صلح أن

_ [1] في المطبوع: «في حدائته» وهو خطأ. [2] رواه بهذا اللفظ البخاري رقم (907) في الجمعة: باب المشي إلى الجمعة، وقول الله جلّ ذكره: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله 62: 9 [الجمعة: 9] ، وأحمد في «المسند» (3/ 479) من حديث أبي عبس رضي الله عنه، وهو أبو عبس بن جبر، واسمه عبد الرحمن، وليس له في «صحيح البخاري» سوى هذا الحديث الواحد. وانظر «جامع الأصول» (9/ 432- 432) . [3] في المطبوع: «وأنا» . [4] في المطبوع: «لو» .

يجيبك عنه، فإن كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد، يصلح أن يتكلم في الورع. وقال بشر: إذا قلّ عمل العبد ابتلي بالهمّ. وقال: ما من أحد خالط لحمه ودمه ومشاشه حب النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- فيرى النّار. وقال: كانوا لا يأكلون تلذّذا ولا يلبسون تنعّما، وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين، فمن زعم أن الأمر غير هذا فهو مفتون. ونظر إلى الفاكهة فقال: ترك هذه عبادة، ثم التفت إلى سجن باب الشام فقال: ما هذا؟ قالوا: سجن، فقال: هذه الشهوات أدخلت هؤلاء هذا المدخل. وقال: الفكرة في أمر الآخرة تقطع حب الدّنيا وتذهب شهواتها. وقال: من طلب الدّنيا فليتهيأ للذلّ. قال جميع ذلك ابن الجوزي في «مناقبه» . وأسند الخطيب [1] عنه أنه قال: لو لم يكن في القناعة شيء إلا التمتّع بعزّ الغنى [2] لكان ذلك يجزئ، ثم أنشد: أفادتني القناعة أيّ عزّ ... ولا عزّ من القناعة فخذ منها لنفسك رأس مال ... وصيّر بعدها التّقوى بضاعة تحز حالين تغنى عن بخيل ... وتسعد [3] في الجنان بصبر ساعه وأسند الخطيب [4] عن أحمد بن مسكين قال: خرجت في طلب بشر

_ [1] في «تاريخ بغداد» (7/ 76) . [2] تحرفت في «تاريخ بغداد» إلى «الغناء» فتصحح فيه. [3] في المطبوع: «وتحظى» . [4] في «تاريخ بغداد» (7/ 76- 77) .

[ابن الحارث] [1] من باب حرب، فإذا به جالس وحده، فأقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا خطّ بيده على الجدار وولّى، فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده. الحمد لله لا شريك له ... في صبحه دائما وفي غلسه لم يبق لي مؤنس فيؤنسني ... إلّا أنيس أخاف من أنسه فاعتزل النّاس يا أخيّ ولا ... تركن إلى من تخاف من دنسه قال عبد الله بن الإمام أحمد: مات بشر قبل المعتصم بستة أيام، وأسند عن أبي حسّان الزيادي قال: مات بشر سنة سبع وعشرين ومائتين عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأوّل وقد بلغ من السن خمسا وسبعين سنة، وحشد النّاس لجنازته، وكان أبو نصر التمّار [2] وعليّ بن المديني يصيحان في الجنازة: هذا والله شرف الدّنيا قبل شرف الآخرة. وأخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يحصّل في القبر إلّا في الليل، وكان نهارا صائفا. وقال عمر بن أخته: كنت أسمع الجن تنوح على خالي في البيت الذي كان فيه غير مرّة. وعن القاسم بن منبّه قال: رأيت بشرا في النوم فقلت [3] : ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وقال: يا بشر قد غفرت لك ولكل من تبع جنازتك. قال: فقلت: يا رب ولكل من أحبني. قال: ولكل من أحبك إلى يوم القيامة. انتهى ما أورده الخطيب مختصرا [4] . وفيها أبو عثمان سعيد بن منصور الخراسانيّ الحافظ، صاحب

_ [1] زيادة من «تاريخ بغداد» . [2] سترد ترجمته في حوادث سنة (228) إن شاء الله تعالى. [3] في الأصل: «فقال» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 79- 80) .

«السنن» [1] . روى عن فليح بن سليمان، وشريك، وطبقتهما. وجاور بمكة وبها مات في رمضان، وقد روى البخاري عن رجل عنه، وكان من الثقات المشهورين. وسهل بن بكّار البصري. روى عن شعبة وجماعة. وفيها محمد بن الصّبّاح البغداديّ البزاز المزنيّ مولاهم الدولابيّ أبو جعفر. روى عن شريك وطبقته، وله «سنن» صغيرة، وهو ثقة. روى عنه أحمد، والشيخان، وغيرهم. وفيها أبو الوليد الطّيالسيّ هشام بن عبد الملك الباهليّ مولاهم البصريّ الحافظ، أحد أركان الحديث في صفر وله أربع وتسعون سنة. سمع عاصم بن محمد العمري، وهشام الدستوائي، والكبار. قال أحمد بن سنان: كان أمير المحدّثين. وقال أبو زرعة: كان إماما في زمانه جليلا عند النّاس. وقال أبو حاتم: إمام، فقيه، عاقل، ثقة، حافظ. ما رأيت في يده كتابا قطّ. وقال ابن وارة: ما أراني [2] أدركت مثله. وفيها يحيى بن بشر [3] الحريريّ الكوفيّ. سمع بدمشق من معاوية ابن سلّام وجماعة، وعمّر دهرا، وهو مجهول [4] . وفي ربيع الأول الخليفة المعتصم، أبو إسحاق محمد بن هارون

_ [1] وقد نشر الموجود منه في دار الكتب العلمية ببيروت وقام بتحقيقه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي حفظه الله تعالى. [2] في الأصل: «ما أرى» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 400) . [3] في المطبوع: «يحيى بن بشير» وهو خطأ. [4] قلت كذا جزم المؤلف- رحمه الله- بأنه مجهول. وهو معروف مصدق موثوق الرواية. انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 647) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 343) .

الرّشيد بن المهدي العباسي وله سبع وأربعون سنة. وعهد إليه بالخلافة المأمون، وكان أبيض أصهب اللحية طويلها، مربوعا، مشرق اللون، قويا إلى الغاية، شجاعا، شهما، مهيبا، وكان كثير اللهو مسرفا على نفسه، وهو الذي افتتح عموريّة من أرض الرّوم. وكان يقال له: المثمّن لأنه ولد سنة ثمانين ومائة في ثامن شهر فيها، وهو شعبان وتوفي أيضا في ثامن عشر رمضان، وهو ثامن الخلفاء من بني العبّاس، وفتح ثمان فتوح عموريّة، ومدينة بابك، ومدينة الزّط [1] وقلعة الأجراف [2] ، ومصر، وأذربيجان، وديار ربيعة، وإرمينية [3] . ووقف في خدمته ثمان [4] ملوك: الأفشين، ومازيار، وبابك، وباطس ملك عمّورية، وعجيف ملك أشياحيج [5] ، وصول صاحب أسبيجاب، وهاشم ناحور ملك طخارستان، وكناسة ملك السّند، فقتل هؤلاء سوى صول وهاشم، واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام. وخلّف ثمانية بنين وثماني بنات، وخلّف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار، ومن الدراهم ثمانية عشر ألف ألف درهم، ومن الخيل ثمانين ألف فرس، ومن الجمال والبغال مثل ذلك، ومن المماليك ثمانية آلاف [مملوك] [6] وثمانية آلاف جارية، وبنى ثمانية قصور.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ومدينة البط» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (1/ 401) ، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 302) . وانظر «القاموس المحيط» ص (863) طبع مؤسسة الرسالة. [2] في الأصل، والمطبوع: «قلعة الأحراف» ، وفي «العبر» للذهبي: «قلعة الأحزان» ، وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» (10/ 302) . [3] في المطبوع: «وأرمينية، وديار ربيعة» وفي «سير أعلام النبلاء» : «وعرب ديار ربيعة» ولم يرد ذكر لإرمينية فيه. [4] في المطبوع: «ثمانية» . [5] في «العبر» للذهبي (1/ 401) : «وعجيف ملك اسباخنج» ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [6] زيادة من «العبر» للذهبي.

وكان له نفس سبعيّة إذا غضب لم يبال من قتل ولا ما فعل. وقام بعده ابنه الواثق. قال جميع ذلك في «العبر» [1] . ومن عجيب ما اتفق له أنه كان قاعدا في مجلس أنسه والكأس في يده، فبلغه أن امرأة شريفة في الأسر عند علج من علوج الرّوم في عموريّة، وأنه لطمها على وجهها يوما فصاحت: وا معتصماه. فقال لها العلج: ما يجيء إليك إلّا على أبلق، فختم المعتصم الكأس وناوله للساقي، وقال: والله ما شربته إلا بعد فك الشريفة من الأسر وقتل العلج. ثم نادى في العساكر المحمدية بالرحيل إلى غزو عموريّة، وأمر العسكر أن لا يخرج أحد منهم إلّا على أبلق، فخرجوا معه في سبعين ألف أبلق، فلما فتح الله تعالى عليه بفتح عمّورية دخلها وهو يقول: لبيك لبيك، وطلب العلج صاحب الأسيرة الشريفة، وضرب عنقه، وفك قيود الشريفة، وقال للساقي: ائتني بكأسي المختوم، ففك ختمه وشربه، وقال: الآن طاب شرب الشراب، سامحه الله تعالى وجزاه خيرا.

_ [1] (1/ 400- 402) .

سنة ثمان وعشرين ومائتين

سنة ثمان وعشرين ومائتين فيها غلا السّعر بطريق مكّة، فبيعت راوية الماء بأربعين درهما، وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت عدة من الحجّاج. وفيها توفي داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل [1] الضبّيّ البغدادي. سمع نافع بن عمر الجمحي وطائفة، وكان صدوقا صاحب حديث. قال ابن ناصر الدّين: كنيته أبو سليمان. حدّث عنه أحمد، ومسلم، وغيرهما. وكان ثقة مبرّزا على أصحابه، وكان أحمد بن حنبل إذا أراد أن يركب داود يأخذ له بركابه. انتهى. وفيها حمّاد بن مالك الأشجعيّ الحرستاني [2] ، شيخ معمر، مقبول الرواية، روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والأوزاعي. وفيها أبو نصر التمّار، عبد الملك بن عبد العزيز الزاهد ببغداد، في أول العام. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته، وكان ثقة، ثبتا، عالما، عابدا، قانتا، ورعا، يعد من الأبدال. وعبيد الله بن محمد العيشيّ البصريّ الأخباريّ، أحد الفصحاء الأجواد. روى عن حمّاد بن سلمة. قال يعقوب بن شيبة: أنفق ابن عائشة على إخوانه أربعمائة ألف دينار في الله.

_ [1] جاء في حاشية «الخلاصة» للخزرجي ص (110) ما نصه: كذا نسبه ابن سعد، والبغوي، وقال غيرهما: بالحاء المهملة المضمومة. وانظر تتمة كلامه هناك. [2] في الأصل والمطبوع و «العبر» (1/ 402) : «الخراساني» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» (2/ 241) ، وانظر «الجرح والتعديل» (3/ 149) .

وعن إبراهيم الحربي قال: ما رأيت مثل ابن عائشة. وقال ابن خراش [1] : صدوق. وقال ابن الأهدل: أمه عائشة بنت طلحة. ومن كلامه: جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك. في مصيبتك أحسن من جزع. ووقف على قبر ابن له مات فقال: إذا ما دعوت الصّبر بعدك والبكا ... أجاب البكا طوعا ولم يجب الصّبر فإن ينقطع منك الرّجاء فإنّه ... سيبقى عليك الحزن ما بقي الدّهر [2] وعنه [3] قال: ما أعرف كلمة بعد كلام الله ورسوله أخصر لفظا ولا أكمل وصفا [4] ولا أعم نفعا من قول علي- كرم الله وجهه-: قيمة كل امرئ ما يحسن. ومن قوله: أول الفراعنة سنان بن علوان بن عبيد بن عوج بن عمليق، وهو صاحب القضية مع سارة وإبراهيم وأخدمها هاجر. والثاني صاحب يوسف، ريان بن الوليد وهو خيرهم. يرجع نسبه إلى عمرو بن عمليق. يقال: إنه أسلم على يد يوسف. والثالث فرعون موسى، الوليد بن مصعب بن معاوية، وهو أخبثهم، يرجع إلى عمرو بن عمليق أيضا. والرابع نوفل الذي قتله بختنصّر حين غزا مصر. والخامس كان طوله ألفي ذراع، وكان قصيراه جسر نيل مصر [5] . انتهى ما قاله ابن الأهدل.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ابن حراش» وهو تصحيف، والتصحيح من «تذكرة الحفاظ» (1/ 684) ، و «العبر» (1/ 403) ، و «طبقات الحفاظ» ص (297) . [2] البيتان في «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 95) . [3] يعني عن عبيد الله بن محمد العيشي. [4] في المطبوع: «ولا أكمل وضعا» ، وما جاء في الأصل موافق لما في «غربال الزمان» للعامري ص (214) . [5] أقول: فيه مبالغة شديدة لا يقبلها العقل. (ع) .

وفيها علي بن عثّام بن علي العامريّ الكوفيّ، نزيل نيسابور. سمع مالكا وطبقته، وكان حافظا زاهدا فقيها أديبا كبير القدر، توفي مرابطا بطرسوس. روى مسلم في «صحيحه» عن رجل عنه. وفيها أبو الجهم العلاء بن موسى الباهليّ ببغداد، وله جزء مشهور من أعلى المرويات، روى فيه عن اللّيث بن سعد وجماعة. قال الخطيب [1] : صدوق. وخرّج له الترمذي. وقال في «المغني» : العلاء الباهلي الرّقّي. قال البخاريّ وغيره: منكر الحديث. فأما العلاء بن هلال البصري [عن شهر] [2] فما فيه تخريج. انتهى. وفيها محمد بن الصّلت أبو يعلى الثوريّ ثم البصريّ الحافظ. سمع الدّراوردي وطبقته. قال أبو حاتم: كان يملي علينا التفسير من حفظه. وفيها العتبيّ الأخباريّ [الشاعر] [3] وهو أبو عبد الرّحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو الأمويّ، أحد الفصحاء الأدباء من ذرية عتبة بن أبي سفيان ابن حرب، وكان من أعيان الشعراء بالبصرة. سمع أباه، وسمع أيضا من سفيان بن عيينة عدة أحاديث. والأخبار أغلب عليه. قال في «العبر» [4] . وقال ابن الأهدل: روى عنه أبو الفضل الرّقاشي، وله عدة تصانيف، ومن قوله: رأين الغواني الشّيب لاح بعارضي ... فأعرضن عنّي بالخدود النّواضر وكنّ متى أبصرنني أو سمعنني ... سعين يرفّعن اللّوا بالمحاجر

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 241) . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «المغني في الضعفاء» . [3] زيادة من هامش الأصل. [4] (1/ 403- 404) .

فإن عطفت عني أعنّة أعين ... نظرن بأحداق المها والجآذر فإنّي من قوم كرام ثناؤهم ... لأقدامهم صيغة رؤوس المنابر خلائف في الإسلام في الشّرك قادة ... بهم وإليهم فخر كلّ مفاخر [1] وله وقد مات ولد له: أضحت بخدّي للدّموع رسوم ... أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم والصّبر يحمد في المواطن كلّها ... إلا عليك فإنّه مذموم [2] انتهى. وفيها مسدّد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل ابن أرندل بن سرندل بن غرندل بن ماسك بن المستورد الأسديّ بالسكون، ويقال بالتحريك. كان يحيى بن معين إذا ذكر نسب مسدّد قال: هذه رقية عقرب. قال ابن الأهدل في شرحه للبخاري: نسب مسدّد إذا أضيف إليه بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 كانت رقية من العقرب، والخمسة الأول بصيغة المفعول، والثلاثة الأخيرة أعجمية. وكان [مسدد أحد الحفاظ الثقات، وهو ممن انفرد به البخاريّ دون مسلم. انتهى. وقال في «العبر» [3]] [4] : مسدد بن مسرهد الحافظ، أبو الحسن البصري. سمع جويرية بن أسماء، وأبا عوانة، وخلقا. وله «مسند» في مجلد سمعت بعضه. انتهى. وفيها نعيم بن حمّاد أبو عبد الله الفارض الأعور. منهم من وثقه، والأكثر منهم ضعفه.

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/ 399) مع شيء من الخلاف الطفيف. [2] البيتان في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/ 399) . [3] (1/ 404) . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.

قال في «المغني» [1] : نعيم بن حمّاد أحد الأئمة. وثقه أحمد بن حنبل وغيره، وابن معين في رواية، وقال في رواية أخرى: يشبّه له فيروي ما لا أصل له. وقال النسائيّ: ليس بثقة. وقال الدارقطنيّ: كثير الوهم. وقال أبو حاتم: محله الصدق. [وقال أبو زرعة الدمشقي: وصل أحاديث يوقفها الناس] [2] . وقال العبّاس بن مصعب: وضع كتبا في الرد على أبي حنيفة. قال الأزديّ: كان يضع الحديث في تقوية السّنّة وحكايات مزوّرة في ثلب أبي حنيفة، كلها كذب، وكان من أعلم الناس بالفرائض. انتهى ملخصا. وفيها نعيم بن الهيصم [3] الهرويّ ببغداد. روى عن أبي عوانة وجماعة، وهو من ثقات شيوخ البغوي. وفيها أبو زكريا يحيى بن عبد الحميد الحمّانيّ الكوفيّ الحافظ أحد [4] أركان الحديث. قال ابن معين: ما كان بالكوفة من يحفظ معه. سمع قيس بن الرّبيع وطبقته، وهو ضعيف. [قلت] [5] : لكن وثقه ابن معين.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (2/ 700) . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «المغني في الضعفاء» . [3] في الأصل والمطبوع و «العبر» (1/ 404) : «ابن الهيضم» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (13/ 305) ، و «السابق واللاحق» ص (350) . [4] لفظة: «أحد» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع و «العبر» للذهبي. [5] زيادة مني لتوضيح الكلام وفصله، لأن ما تقدم من الكلام نقله المؤلف عن «العبر» للذهبي،

سنة تسع وعشرين ومائتين

سنة تسع وعشرين ومائتين فيها توفي الإمام أبو محمد خلف بن هشام البزّار [1] شيخ القراء والمحدّثين ببغداد. سمع من مالك بن أنس وطبقته، وله اختيار خالف فيه حمزة في أماكن، وكان عابدا صالحا كثيرا العلم صاحب سنة، رحمه الله تعالى. وعبد الله بن محمد الحافظ أبو جعفر الجعفيّ البخاريّ المسنديّ لقّب بذلك لأنه كان يتتبّع [2] المسند ويتطلّبه. رحل وكتب الكثير عن سفيان ابن عيينة وطبقته، وكان ثبتا. روى عنه البخاريّ وغيره. وفيها نعيم بن حمّاد الخزاعيّ المروزيّ الفرضيّ [3] الحافظ. أحد

_ وقوله: «لكن وثقه ابن معين» ، إنما هو رأي المؤلف رحمه الله، وانظر: روايات توثيق ابن معين له في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 536- 537) . [1] في الأصل: «البزار» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. انظر: «الأنساب» للسمعاني (2/ 182) . [2] في الأصل، والمطبوع: «يتبع» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 405) ، ومعنى كان يتتبع المسند، أي كان يتحرى في الرواية، رواية الأحاديث المسندة الموثوقة. [3] في المطبوع: «الغرضي المروزي» وهو خطأ. أقول: وقد تقدمت ترجمة نعيم بن حماد فيمن توفي سنة (228) انظر صفحة (134) في أعلاها. نعيم بن حماد أبو عبد الله الفارض الأعور، وهو نفسه الخزاعي المروزي الفرضي الذي هنا، وقد اختلف في وفاته (228) أو (229) هـ. (ع) .

علماء الأثر. سمع أبا حمزة السّكّري، وهشيما وطبقتهما، وصنف التصانيف، وله غلطات ومناكير مغمورة في كثرة ما روى. وامتحن بخلق القرآن فلم يجب [فحبس] [1] ، وقيّد ومات في الحبس، رحمه الله تعالى. قاله في «العبر» [2] . وفيها يزيد بن صالح الفرّاء أبو خالد النّيسابوريّ العبد الصّالح. روى عن إبراهيم بن طهمان، وقيس بن الرّبيع، وطائفة. وكان ورعا قانتا مجتهدا في العبادة. قال في «المغني» [3] : يزيد بن صالح اليشكريّ النيسابوريّ الفراء، مجهول. قلت [4] : بل مشهور صدوق. انتهى.

_ [1] لفظة: «فحبس» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي. [2] (1/ 405) . [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 750) . [4] القائل الحافظ الذهبي في «المغني» .

سنة ثلاثين ومائتين

سنة ثلاثين ومائتين وفيها توفي إبراهيم بن حمزة الزّبيريّ المدنيّ الحافظ. روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته ولم يلق مالكا. وفيها سعيد بن محمد الجرميّ الكوفيّ. روى عن شريك، وحاتم ابن إسماعيل، وطائفة، وكان صاحب حديث. خرّج له الشيخان، وأبو داود، [وغيرهم. قال في «المغني» [1] : سعيد بن محمد الجرمي، عن حاتم بن إسماعيل، ثقة إلا أنه شيعي. ووثقه أبو داود] [2] وخلق. انتهى. وفيها أمير المشرق أبو العبّاس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعيّ وله ثمان وأربعون سنة، وكان شجاعا، مهيبا، عاقلا، جوادا، كريما، يقال: إنّه وقّع مرّة على قصص [3] بصلات بلغت أربعة آلاف ألف درهم، وقد خلّف من الدراهم خاصة أربعين ألف درهم، وقد تاب قبل موته وكسر آلات اللهو [4] واستفك أسرى بألفي ألف درهم، وتصدق بأموال كثيرة،

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 265) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع و «المغني في الضعفاء» . [3] جمع قصة. قال الزبيدي في «تاج العروس» (قصص) : القصّة الأمر. وفي «سير أعلام. النبلاء» (10/ 685) : «وقّع مرة على رقاع» . [4] في «العبر» للذهبي: «آلات الملاهي» .

وفيه يقول أبو تمام- وقد قصده من العراق- من قصيدته المشهورة: أمطلع الشّمس تبغي أن تؤمّ بنا ... فقلت كلّا ولكن مطلع الجود [1] وفي سفرة أبي تمام هذه ألّف كتاب «الحماسة» فإنه حكم عليه البرد هناك، ووقع على خزانة كتب فاختار منها «الحماسة» . وفيها علي بن الجعد أبو الحسن الهاشميّ مولاهم البغداديّ الجوهريّ الحافظ. محدّث بغداد، في رجب، وله ست وتسعون سنة. روى عن شعبة، وابن أبي ذئب، والكبار، فأكثر، وكان يحدّث من حفظه. قال البغويّ: أخبرت أنه مكث ستين سنة يصوم يوما ويفطر يوما. وقال ابن ناصر الدّين: هو شيخ بغداد، وصاحب العالي من الإسناد. خرّج عنه البخاريّ وغيره. وكان ثقة عجبا في حفظه، لم يرو عنه مسلم لبدعة وتجهّم كان فيه. انتهى. وفيها علي بن محمد بن إسحاق أبو الحسن الطّنافسيّ الكوفيّ الحافظ محدّث قزوين، وأبو قاضيها الحسين. سمع سفيان بن عيينة وطبقته فأكثر. وثقه أبو حاتم وقال: هو أحبّ إليّ من [أبي بكر] بن أبي شيبة في الفضل والصلاح. وعون بن سلّام الكوفيّ وله تسعون سنة. سمع أبا بكر النّهشلي، وزهير بن معاوية. قال في «المغني» [2] : صدوق وقد ليّن. وفيها محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصريّ الحافظ المجاهد. روى عن معتمر بن سليمان وطبقته.

_ [1] البيت في ديوانه « (2/ 132) بشرح الخطيب التبريزي، و «غربال الزمان» ص (216) . [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 495) .

وفيها الإمام الحبر أبو عبد الله محمد بن سعد الحافظ كاتب الواقدي وصاحب «الطبقات» و «التاريخ» ببغداد في جمادى الآخرة، وله اثنتان وستون سنة. روى عن سفيان بن عيينة، وهشيم، وخلق كثير. قال أبو حاتم: صدوق. قال ابن الأهدل: قيل: إنه مكث ستين سنة يصوم يوما ويفطر يوما. وفيها أبو غسّان مالك بن عبد الواحد المسمعيّ البصريّ المحدّث. روى عن معتمر بن سليمان وطبقته. وفي حدود الثلاثين إبراهيم بن موسى الرّازيّ الفرّاء الحافظ أبو إسحاق، أحد أركان العلم. رحل وسمع أبا الأحوص، وخالد بن عبد الله الواسطي، وطبقتهما. قال أبو زرعة الحافظ: كتبت عنه مائة ألف حديث، وهو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصحّ حديثا.

سنة إحدى وثلاثين ومائتين

سنة إحدى وثلاثين ومائتين فيها ورد كتاب الواثق على أمير البصرة يأمره بامتحان الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن، وكان قد تبع أباه في امتحان الناس. وفيها قتل أحمد بن نصر الخزاعيّ الشهيد، كان من أولاد الأمراء فنشأ في علم وصلاح، وكتب عن مالك وجماعة، وحمل عن هشيم مصنفاته وما كان يحدّث. و [كان] يزري على نفسه، قتله الواثق بيده لامتناعه من القول بخلق القرآن، ولكونه أغلظ للواثق في الخطاب، وقال له: يا صبي. وكان رأسا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقام معه خلق من المطوّعة واستفحل أمرهم، فخافت الدولة من فتق يتمّ بذلك. قال ابن الأهدل: روي أنه صلب فاسودّ وجهه، فتغيرت قلوب الناس، ثم ابيض سريعا فرؤي في النوم فقال: لما صلبت رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعرض عني بوجهه فاسود وجهي غضبا، فسألته- صلى الله عليه وسلم- عن سبب إعراضه، فقال: «حياء منك، إذ قتلك واحد من أهل بيتي» فابيضّ وجهي [1] . انتهى. وفيها إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشاميّ البصريّ، أبو إسحاق الحافظ، ببغداد، في رمضان. سمع جعفر بن سليمان الضّبعي.

_ [1] ذكره اليافعي في «مرآة الجنان» (2/ 101) وقال في آخره: هذا معنى ما قيل في ذلك والله أعلم، ولم أره في غيره من المصادر.

وعبد الوهّاب الثقفي، وطائفة. قال عثمان بن خرّزاذ: ما رأيت أحفص من أربعة، فذكر منهم إبراهيم هذا. وفيها أميّة بن بسطام أبو بكر العيشيّ البصريّ، أحد الأثبات. روى عن ابن عمه يزيد بن زريع وطبقته. وفيها عبد الله بن محمد بن أسماء الضّبعيّ البصريّ أحد الأئمة. روى عن عمه جويرية بن أسماء وجماعة. قال أحمد الدّورقي: لم أر بالبصرة أحفظ منه [1] . وذكر لعلي بن المديني فعظّمه. وقال ابن ناصر الدّين: كنيته أبو عبد الرّحمن، وهو حجة ثقة. وفيها كامل بن طلحة [الجحدريّ، البصريّ] [2] وله ست وثمانون سنة. روى عن مبارك بن فضالة وجماعة. قال أبو حاتم: لا بأس به. وقال في «المغني» [3] : قال أبو داود: رميت بكتبه. وقال أحمد: ما أعلم أحدا يدفعه بحجة. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم، وغيره: لا بأس به. وقال الدّارقطنيّ: ثقة. انتهى. وفيها ابن الأعرابي صاحب اللغة، وهو أبو عبد الله محمد بن زياد، توفي بسامرّاء وله ثمانون سنة، وكان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «لم أر بالبصرة أفضل منه» . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 409) . [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 529) .

قال ابن الأهدل: هو مولى بني العبّاس. أخذ عن أبي معاوية الضرير، والكسائي، وأخذ عنه الحربيّ، وثعلب، وابن السّكّيت. واستدرك على من قبله. وله بضعة عشرة مصنفا، منها: «كتاب النوادر» و «كتاب الخيل» و «كتاب تفسير الأمثال» و «كتاب معاني الشعر» وكان يحضر مجلسه مائة مستفيد. انتهى. وفيها محمد بن سلّام الجمحيّ البصريّ الأخباريّ الحافظ أبو عبد الله. روى عن حمّاد بن سلمة. وجماعة، وصنف كتبا منها «كتاب الشعراء» [1] وكان صدوقا. وفيها أبو جعفر محمد بن المنهال البصريّ الضرير الحافظ. روى عن أبي عوانة، ويزيد بن زريع، وجماعة. وكان أبو يعلى الموصلي يفخّم أمره ويقول: كان أحفظ من بالبصرة وأثبتهم في وقته. وهو من الثقات. قال في «العبر» [2] : قلت: ومات قبله بيسير أو بعده، محمد بن المنهال [البصريّ] [3] العطّار، أخو حجّاج بن منهال. روى عن يزيد بن زريع وجماعة، وكان صدوقا. روى عن [الرجلين] [3] أبو يعلى الموصلي. انتهى. وفيها منجاب بن الحارث الكوفيّ. روى عن شريك وأقرانه. وفيها أبو علي هارون بن معروف [4] الضرير ببغداد. روى عن

_ [1] وهو المنشور في مصر في مجلدين كبيرين بعنوان «طبقات فحول الشعراء» بتحقيق المحقق الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر حفظه الله تعالى. [2] (1/ 410) . [3] زيادة من «العبر» للذهبي، ويعني بالرجلين محمد بن المنهال البصري الضرير، ومحمد بن المنهال البصري العطّار. [4] في الأصل، والمطبوع: «هارون بن معرف» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» للذهبي، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 312) .

عبد العزيز الدّراوردي وطبقته، وكان من حفاظ الوقت، صاحب سنة. وفيها الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزوميّ مولاهم المصريّ في صفر. سمع مالكا، واللّيث، وخلقا كثيرا، وصنف التصانيف. وسمع «الموطأ» من مالك سبع عشرة مرّة. قال ابن ناصر الدّين: هو صاحب مالك والليث، ثقة، وإن كان أبو حاتم والنسائي تكلما فيه، فقد احتج البخاريّ ومسلم في «صحيحهما» بما يرويه. انتهى. وفيها العلّامة أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطيّ الفقيه صاحب الشافعي، ببغداد في السجن والقيد ممتحنا بخلق القرآن، وكان عابدا مجتهدا دائم الذّكر كبير القدر. قال الشافعيّ: ليس في أصحابي أعلم من البويطي. وقال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنة. وسمع أيضا من [1] ابن وهب. وقال الإسنويّ في «طبقاته» : كان ابن أبي اللّيث الحنفي يحسده، فسعى به إلى الواثق بالله أيام المحنة بالقول بخلق القرآن، فأمر بحمله إلى بغداد مع جماعة من العلماء، فحمل إليها على بغل مغلولا مقيّدا مسلسلا في أربعين رطلا من حديد، وأريد منه القول بذلك فامتنع، فحبس ببغداد على تلك الحالة إلى أن مات يوم الجمعة قبل الصلاة. وكان في كل جمعة يغسل ثيابه، ويتنظف، ويغتسل، ويتطيب، ثم يمشي إذا سمع النداء إلى باب السجن، فيقول له السجّان: ارجع رحمك الله، فيقول البويطي: اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني. انتهى ملخصا. وفيها أبو تمام الطائيّ حبيب بن أوس الحورانيّ، مقدّم شعراء العصر، توفي في آخر السنة [بالموصل] [2] كهلا. سئل الشريف الرضي عن أبي تمام، والبختري، والمتنبي، فقال: أما

_ [1] لفظة «من» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 411) .

أبو تمام فخطيب منبر، وأما البحتري فواصف جؤذر [1] وأما المتنبي فقائد عسكر. وقال أبو الفتح بن الأثير في كتاب «المثل السائر» [2] يصف الثلاثة: [وهؤلاء الثلاثة] [3] هم لات الشعر، وعزّاه، ومناته، الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته، وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين، وفصاحة القدماء، وجمعت بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء [4] . أما أبو تمّام فربّ معان وصيقل ألباب وأذهان، وقد شهد له بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر، فهو غير مدافع عن مقام الإغراب الذي يبرز فيه على الأضراب، ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير، ولم أقل ما أقول فيه إلّا عن تنقيب وتنقير، فمن حفظ شعر الرّجل وكشف عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنة الكلام، وكان قوله في البلاغة ما قالت حذام: فخذ مني في ذلك قول حكيم، وتعلّم ففوق كل ذي علم عليم. وأما البحتريّ، فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى، وأراد أن يشعر فغنّى، ولقد حاز طرفي الرّقّة والجزالة على الإطلاق، فبينا يكون في شظف، نجد، حتّى يتشبّب [5] بريف العراق. وسئل أبو الطيب عنه، وعن أبي تمّام، وعن نفسه، فقال: أنا وأبو تمام حكيمان، والشاعر البحتري. قال [6] : ولعمري لقد أنصف في حكمه، وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه، فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء، في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء، فأدرك بذلك بعد المرام، مع قربه من

_ [1] الجؤذر: ولد البقرة الوحشية. انظر «مختار الصحاح» ص (90) . [2] (2/ 368- 370) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله تعالى. [3] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل، وأثبته من المطبوع، و «المثل السائر» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وكلمة الحكماء» وأثبت ما في «المثل السائر» . [5] في «المثل السائر» : «يتشبث» . [6] القائل ابن الأثير في «المثل السائر» .

الأفهام، وما أقول إلّا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية، ورقي في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية. وأما أبو الطيب المتنبي فأراد أن يسلك مسلك أبي تمّام فقصرت عنه خطاه، ولم يعطه الشعر [من قياده] ما أعطاه، لكنه حظي في شعره بالحكم والأمثال، واختصّ بالإبداع في وصف مواقف القتال. قال [1] : وأنا أقول قولا لست فيه متأثّما، ولا منه متلثّما [2] ، وذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها، حتّى تظن الفريقين فيه تقابلا، والسلاحين فيه تواصلا، وطريقه في ذلك يضل بسالكه، ويقوم بعذر تاركه، ولا شك أنه كان يشهد الحروب مع سيف الدولة ابن حمدان، فيصف لسانه، وما أدّى إليه عيانه. ومع هذا فإني رأيت النّاس عادلين فيه عن سنن التوسط، فإما مفرط فيه وإما مفرّط، وهو وإن انفرد في طريق وصار أبا عذره، فإن سعادة الرجل كانت أكبر من شعره، وعلى الحقيقة فإنه كان خاتم الشعراء، ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفوق الإطراء، ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها سيف الدولة: لا تطلبنّ كريما بعد رؤيته ... إنّ الكرام بأسخاهم يدا ختموا ولا تبال بشعر بعد شاعره ... قد أفسد القول حتّى أحمد الصّم انتهى ما قاله ابن الأثير. وقال ابن الأهدل: ألّف أبو تمّام كتاب «الحماسة» وكتاب «فحول الشعراء» جمع فيه بين الجاهليين، والمخضرمين، والإسلاميين، وكتاب

_ [1] القائل ابن الأثير في «المثل السائر» . [2] في الأصل، والمطبوع: «متثلما» والتصحيح من «المثل السائر» .

«الاختيارات من شعر الشعراء» وكان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة غير القصائد والمقاطيع. وجاب البلاد، ومدح الخلفاء وغيرهم، وكان قصد البصرة في جماعة من أتباعه وبها شاعرها عبد الصّمد بن المعذّل [1] فخاف عبد الصمد أن يميل النّاس إليه فكتب إليه قبل قدومه: أنت بين اثنتين تبرز للنّا ... س وكلتاهما بوجه مذال أيّ ماء يبقى بوجهك هذا [2] ... بين ذلّ الهوى وذلّ السؤال [3] فلما وقف عليه رجع، وكتب على ظهر ورقته: أفيّ تنظم قول الزّور والفند ... وأنت أنقض [4] من لا شيء في العدد أسرجت قلبك من غيظ على حنق [5] ... كأنّها حركات الرّوح في الجسد أقدمت ويحك من هجوي على خطر ... كالعير يقدم من خوف على الأسد قيل: إن العير إذا شمّ رائحة الأسد وثب عليه فزعا. ومدح أبو تمّام الخليفة بحضرة أبي يوسف الفيلسوف الكنديّ [6] فقال:

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ابن المعدل» بالدال وهو تصحيف، والتصحيح من «فوات الوفيات» لابن شاكر (2/ 330) ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 11) . [2] في «الأغاني» : «أي ماء لحرّ وجهك يبقى» . [3] البيتان في «الأغاني» (13/ 253) وبينهما بيت آخر هو: لست تنفكّ طالبا لوصل ... من حبيب أو طالبا لنوال [4] في «الأغاني» : «وأنت أبرز» . [5] في «الأغاني» : «أشرجت قلبك من بغضي على حرق» . [6] هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكنديّ، أبو يوسف، فيلسوف العرب والإسلام في عصره، وأحد أبناء الملوك من كندة. نشأ في البصرة، وانتقل إلى بغداد، فتعلم واشتهر بالطب والفلسفة والموسيقا، والهندسة والفلك، وألف وترجم وشرح كتبا كثيرة يزيد عددها عن ثلاثمائة، ولقي في حياته ما يلقاه أمثاله من فلاسفة الأمم، فوشي به إلى المتوكل العباسي، فضرب وأخذت كتبه، ثم ردّت إليه. وأصاب عند المأمون والمعتصم منزلة عظيمة وإكراما. قال ابن جلجل: ولم يكن في الإسلام غيره احتذى حذو أرسطاطاليس. من كتبه «اختيارات

إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس [1] فقال له الفيلسوف: أتشبّه الخليفة بأجلاف العرب؟ فقال: نور الله سبحانه شبّه بمصباح في مشكاة للتقريب [2] فقال للخليفة: أعطاه ما سأل فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما، لأنه قد ظهر في عينيه الدم من شدة الفكر. وقيل: قال: إنه يموت قريبا أو شابا. فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال: رأيت فيه من الذكاء والفطنة ما علمت أن النفس الروحاني تأكل جسمه كما يأكل السيف المهنّد غمده. فقال له الخليفة: ما تشتهي؟ قال: الموصل فأعطاه إياها، فمات سريعا وقد نيّف على الثلاثين، وبين عليه أبو نهشل بن حميد [3] قبّة، ورثاه جماعة منهم: أبو نهشل بن حميد، الذي ولاه الموصل فقال: فجع القريض بخاتم الشعراء ... وغدير روضتها حبيب الطّائي ماتا معا فتجاورا في حفرة ... وكذاك كانا قبل في الأحياء ورثاه محمد بن عبد الملك الزّيّات وزير المعتصم فقال: نبأ أتى من أعظم الأنباء ... لمّا ألمّ مقلقل الأحشاء قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائي انتهى ما قاله ابن الأهدل.

_ الأيام» و «تحاويل السنتين» و «رسم المعمور» ، و «القول في النفس» و «رسائل الكندي» و «حوادث الجو» . مات سنة (260) هـ. عن «الأعلام» للزركلي (8/ 195) . [1] البيت في «ديوانه» بشرح الخطيب التبريزي (2/ 249) طبع دار المعارف بمصر. [2] يريد قوله تعالى: الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ من شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ من يَشاءُ وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 24: 35 [النّور: 35] . [3] هو محمد بن حميد بن عبد الحميد الطائيّ الطوسيّ. انظر «معجم الشعراء» المرزباني ص (368) .

قلت: ومن شعر أبي تمّام هذه الأبيات الثلاثة وتطلب المناسبة بينها وهي: لولا العيون وتفّاح الخدود [1] إذا ... ما كان يحسد أعمى من له بصر [2] قالوا أتبكي على رسم فقلت لهم ... من فاته العين يذكي شوقه [3] الأثر إنّ الكرام كثير في البلاد وإن ... قلّوا كما غيرهم قلّ وإن كثروا [4]

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «وتفاح النهود» وأثبت لفظ «ديوانه» بشرح الخطيب التبريزي. [2] البيت في «ديوانه» بشرح الخطيب التبريزي (2/ 185) . [3] في «ديوانه» : «هدّى شوقه» . [4] البيتان في «ديوانه» (2/ 186) .

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين . وفيها توفي الحكم بن موسى أبو صالح القنطريّ البغداديّ الحافظ أحد العبّاد في شوال. سمع إسماعيل بن عيّاش وطبقته. وفيها عبد الله بن عون الخرّاز الزّاهد، أبو محمد البغداديّ المحدّث، وكان يقال: إنه من الأبدال. وروى عن مالك وطبقته. توفي في رمضان. قال السخاويّ في «طبقاته» : عبد الله الخرّاز من كبار مشايخ الرّيّ ومن كبار فتيانهم. قال عبد الله بن عبد الوهّاب: كان عبد الله الخرّاز إذا دخل مكّة يقول المجاورون: طلعت شمس الحرم. وقال الجنيد: لا يأتينا من هذه الناحية مثل عبد الله الخرّاز. وقال يوسف بن الحسين: لم أر مثل عبد الله الخرّاز، ولا رأى عبد الله مثل نفسه. انتهى. وفيها عمرو بن محمّد النّاقد الحافظ أبو عثمان البغداديّ نزيل الرّقّة وفقيهها ومحدّثها. سمع هشيما وطبقته. توفي في ذي الحجّة ببغداد. وفيها أبو يحيى هارون بن عبد الله الزّهريّ العوفيّ المكيّ المالكيّ، الإمام القاضي نزيل بغداد. تفقه بأصحاب مالك. قال أبو إسحاق الشيرازيّ [1] : هو أعلم من صنّف الكتب في مختلف قول مالك.

_ [1] في «طبقات الفقهاء» ص (153) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس.

وقال الخطيب [1] : إنه سمع من مالك، وإنه ولي قضاء العسكر [2] ثم قضاء مصر. وفيها يوسف بن عديّ الكوفيّ نزيل مصر، أخو زكريا بن عدي. حدّث عن مالك، وشريك. وكان محدّثا تاجرا. وفي ذي الحجّة توفي الواثق بالله أبو جعفر، وقيل: أبو القاسم هارون ابن المعتصم محمد بن الرّشيد بن المهدي العبّاسي عن بضع وثلاثين سنة. وكانت أيامه خمس سنين وأشهرا. ولّي بعهد من أبيه، وكان أديبا شاعرا، أبيض، تعالوه صفرة، حسن اللّحية، في عيينة نكتة. دخل في القول بخلق القرآن وامتحن النّاس. وقوّى عزمه ابن أبي داود [3] القاضي، ولما احتضر ألصق خده بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. واستخلف بعده أخوه المتوكل، فأظهر السّنّة، ورفع المحنة، وأمر بنشر أحاديث الرؤية والصّفات. قاله في «العبر» [4] . قال ابن الجوزي في «الشذور» : وسلّم على المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم أولاد خليفة، المنتصر ابنه، ومحمد بن الواثق، وأحمد بن المعتصم، وموسى بن المأمون، وعبد الله بن الأمين، وأبو أحمد بن الرّشيد، والعبّاس ابن الهادي، ومنصور بن المهدي، وكانت عدة كل نوبة من نوب الفرّاشين في دار المتوكل أربعة آلاف فرّاش. انتهى.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (14/ 13) . [2] يعني ولي قضاء عسكر المهدي ببغداد أيام المأمون. وهو ما ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» . [3] في الأصل: «ابن أبي داود» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. انظر: «العبر» للذهبي (1/ 412) ، و «غربال الزمان» ص (218) وقد ذكر العامري فيه بأن اسمه «أحمد بن أبي دؤاد» . [4] (1/ 412- 413) .

قال ابن الفرات: كان الواثق مشغوفا بحب الجواري، واتخاذ السراري، والتمتع بالأنكحة. روي أنه كان يحب جارية حملت إليه من مصر هدية، فغضبت يوما من شيء جرى بينه وبينها، فجلست مع صاحبات لها، فقالت لهن: لقد هجرته منذ أمس وهو يروم أن أكلّمه فلم أفعل، فخرج من مرقده على غفلة فسمع هذا القول منها، فأنشأ يقول: يا ذا الذي بعذابي ظلّ مفتخرا ... هل أنت إلّا مليك جار إذ قدرا لولا الهوى لتجارينا على قدر ... وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى فاصطلحا، ولحّنته وجعلت تغنيه به بقية يومه ذلك. وقيل: كان مع جارية فظنها نامت، فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها. فقامت مغضبة، فبعث إلى الخليع البصري [1] وأخبره بقصته فقال: غضبت إذ زرت [2] أخرى خلسة ... فلها العتبى لدينا والرّضا يا فدتك النفس كانت هفوة ... فاغفريها واصفحي عمّا مضى واتركي العذل على من قاله ... وانسبي جوري إلى حكم القضا فلقد نبّهتني من رقدتي ... وعلى قلبي كنيران الغضا [3]

_ [1] هو الحسين بن الضحاك بن ياسر البصري الباهلي، أبو علي، شاعر من ندماء الخلفاء، قيل أصله من خراسان. ولد ونشأ في البصرة، وتوفي ببغداد. اتصل بالأمين العباسي ونادمه ومدحه. ولما ظفر المأمون خافه الخليع فانصرف إلى البصرة حتى صارت الخلافة للمعتصم. فعاد ومدحه ومدح الواثق، ولم يزل مع الخلفاء إلى أيام المستعين. وهو شاعر ماجن مطبوع حسن الافتتان في ضروب الشعر وأنواعه. وبلغ سنا عالية يقال: إنه ولد في سنة (162) هـ ومات في سنة (250) . انظر «الأغاني» (7/ 146- 226) و «تاريخ بغداد» (8/ 54- 55) و «الأعلام» (2/ 239) . [2] في «الأغاني» : «غضبت أن زرت أخرى» . [3] في الأصل، والمطبوع: «وعلى قلبي كيزان الفضا» والتصحيح من «الأغاني» والأبيات فيه (7/ 161) .

فاصطلحا وأجازه. وكان الواثق شديد الاعتزال، وقام في أيام المحنة بخلق القرآن القيام الكلّي، وشدد على النّاس في ذلك، وكان سبب موته أن طبيبه ميخائيل [1] عبر عليه ذات يوم فقال له: يا ميخائيل ابغ لي دواء للباه. فقال يا أمير المؤمنين خف الله في نفسك، النكاح يهد البدن. فقال: لا بد من ذلك. فقال: إذا كان ولا بد، فعليك بلحم السبع، اغله بالخلّ سبع غليات، وخذ منه ثلاثة دراهم على الشراب، وإيّاك أن تكثر منه تقع في الاستسقاء. ففعل الواثق ذلك، وأخذ منه فأكثر لمحبته في الجماع، فاستسقى بطنه فأجمع الأطباء أن لا دواء له إلّا أن يسجر له تنّور [2] بحطب الزيتون، وإذا ملئ جمرا نحى ما في جوفه وألقي فيه على ظهره، ويجعل تحته وفوقه الأشياء الرطب، ويودع فيه ثلاث ساعات، وإذا طلب ماء لم يسق، فإن سقي كان تلفه فيه. فأمر الواثق فصنع به كذلك، وأخرج من التّنّور وهو في رأي العين أنه احترق، فلما أصاب جسمه روح الهواء اشتد عليه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويصيح: ردّوني إلى [3] التنور. فاجتمعت جواريه ووزيره محمد بن الزّيّات، فردوه إلى التّنّور، فلما ردوه إليه سكن صياحه وأخرج ميتا. وقد عدت ميتته هذه من فضائل الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- فإن المعتصم لما امتحنه للمقالة بخلق القرآن كان الواثق يقول له: لم لا تقول بمقالة أمير المؤمنين؟ قال: لأنها باطلة. قال: لئن كان ما تقوله أنت حقا أحرقني الله بالنّار، فما مات حتّى حرق بالنّار. انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا.

_ [1] لم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [2] سجر التنور: أحماه. انظر «مختار الصحاح» ص (287) . [3] لفظة «إلى» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع.

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين فيها كما قال ابن الجوزي في «الشذور» رجفت دمشق رجفة شديدة من ارتفاع الضحى، أي إلى ثلاث ساعات كما قاله في «العبر» [1] فانتقضت منها البيوت وزالت الحجارة العظيمة، وسقطت عدة طاقات من الأسواق على من فيها فقتلت خلقا كثيرا، وسقط بعض شرفات الجامع، وانقطع ربع منارته، وانكفأت قرية من عمل الغوطة على أهلها فلم ينج منهم إلّا رجل واحد، واشتدت الزلازل على أنطاكية، والموصل، ووقع أكثر من ألفي دار على أهلها فقتلتهم، ومات من أهلها عشرون ألفا، وفقد من بستان أكثر من مائتي نخلة من أصولها فلم يبق لها أثر. انتهى. وفيها توفي إبراهيم بن الحجّاج الشّاميّ المحدّث بالبصرة. روى عن الحمّادين وجماعة، وخرّج له النسائيّ. وفيها حبّان بن موسى المروزيّ. سمع أبا حمزة السّكري، وأكثر عن ابن المبارك، وكان ثقة مشهورا. وسليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل، أبو أيوب التميميّ الشاميّ الحافظ، محدّث دمشق في صفر وله ثمانون سنة. سمع إسماعيل بن عيّاش ويحيى بن حمزة وطبقتهما، وعني بهذا الشأن، وكتب عمّن دبّ ودرج.

_ [1] (1/ 413) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

وسهل بن عثمان العسكريّ الحافظ أحد الأئمة، توفي فيها أو في حدودها. روى عن شريك وطبقته. وفيها القاضي أبو عبد الله محمد بن سماعة الفقيه ببغداد وقد جاوز المائة وتفقه على أبي يوسف، ومحمد، وروى عن اللّيث بن سعد، وله مصنفات واختيارات في المذهب، وكان ورده في اليوم والليلة مائتي ركعة. وفيها الحافظ أبو عبد الله محمد بن عائذ الدمشقيّ الكاتب، صاحب المغازي والفتوح وغير ذلك من المصنفات المفيدة. روى عن إسماعيل بن عيّاش، والوليد بن مسلم، وخلق، وكان ناظر خراج الغوطة. وفيها الوزير أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن الزّيّات وزر [1] للمعتصم، والواثق، والمتوكل. ثم قبض عليه المتوكل وعذّبه وسجنه حتّى هلك. كان أديبا بليغا وشاعرا محسنا كامل الأدوات، جهميا. قال ابن الأهدل: كان أول أمره كاتبا، فاتفق أنّ المعتصم سأل وزيره أحمد بن عمّار البصري عن الكلأ ما هو؟ فقال: لا أدري. فقال المعتصم: خليفة أميّ ووزير عاميّ. انظروا من بالباب من الكتّاب؟ فوجدوا ابن الزّيّات، فسأله عن الكلأ، فقال: العشب على الإطلاق. فإن كان رطبا فهو الخلى، وإن كان يابسا فهو الحشيش، وشرع في تقسيم النبات. فاستوزره وارتفع شأنه. وظلم واتخذ تنورا من حديد يحبس فيه المصادرين، فإذا سئل الرّحمة، قال: الرّحمة خور [2] في الطبيعة. فأمسكه المتوكل في خلافته وأدخله التنور وقيّده بخمسة عشر رطلا من حديد، فافتقده بعد حين فوجده ميتا فيه.

_ [1] في الأصل: «وزير» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] في الأصل، والمطبوع: «قال: الرحمة جور» وهو خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» للعامري ص (220) . قال ابن منظور: الخور، بالتحريك: الضعف ... ورجل خوّار: ضعيف. «لسان العرب» (خور) .

وله ديوان شعر رائق. انتهى ملخصا. وقال ابن الفرات: قال صالح بن سليمان العبديّ: كان ابن الزّيّات يتعشّق جارية فبيعت من رجل من أهل خراسان وأخرجها. قال: فذهل عقل محمد بن الزّيّات حتّى خشي عليه ثم أنشأ يقول: يا طول ساعات ليل العاشق الدّنف ... وطول رعيته للنجم في السّدف ماذا تواري ثيابي من أخي حرق ... كأنّما الجسم منه دقّة الألف ما قال يا أسفي يعقوب من كمد ... إلا لطول الذي لاقى من الأسف من سرّه أن يرى ميت الهوى دنفا ... فليستدلّ على الزّيّات وليقف [1] وفيها يحيى بن أيوب المقابريّ [2] أبو زكريا البغداديّ العابد. أحد أئمة الحديث والسّنّة. روى عن إسماعيل بن جعفر وطبقته. توفي في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة. وفيها الإمام أبو زكريا يحيى بن معين البغداديّ الحافظ. أحد الأعلام وحجّة الإسلام في ذي القعدة بمدينة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- متوجها إلى الحجّ، وغسل على الأعواد التي غسل عليها النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وعاش خمسا وسبعين سنة. سمع هشيما، ويحيى بن أبي زائدة، وخلائق. وحدّث عنه الإمام أحمد، والشيخان. وجاء عنه أنه قال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث يعني بالمكرر. وقال أحمد بن حنبل: كلّ حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس بحديث. وقال ابن المديني: انتهى علم النّاس إلى يحيى بن معين.

_ [1] الأبيات في «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (2/ 343) . [2] نسبة إلى المقابر. انظر «اللباب» لابن الأثير (3/ 244) .

قال في «العبر» [1] : حديثه في الكتب الستة. وقال ابن الأهدل: كان بينه وبين أحمد مودّة، واشتراك في طلب الحديث ورجاله، وقيل: لما خرج من المدينة إلى مكّة سمع هاتفا في النوم يقول: يا أبا زكريا أترغب عن جواري؟ فرجع وأقام بالمدينة ثلاثا ومات رحمه الله، وكان ينشد: المال يذهب حلّه وحرامه ... طوعا [2] وتبقى في غد آثامه ليس التّقيّ بمتّق لإلهه ... حتّى يطيب شرابه وطعامه ويطيب ما تحوي [3] وتكسب كفّه ... ويكون في حسن الحديث كلامه نطق النّبيّ لنا به عن ربّه ... فعلى النّبيّ صلاته وسلامه

_ [1] (1/ 415) . [2] كذا في الأصل، والمطبوع: «طوعا» وفي «تاريخ بغداد» (14/ 185) ، و «مرآة الجنان» (2/ 108) : «طرا» وفي «سير أعلام النبلاء» (11/ 94) ، و «غربال الزمان» . ص (218) : «يوما» . [3] في «سير أعلام النبلاء» ، و «مرآة الجنان» : «ما يحوي» .

سنة أربع وثلاثين ومائتين

سنة أربع وثلاثين ومائتين قال في «الشذور» : هبّت ريح شديدة لم يعهد مثلها، فاتصلت نيفا وخمسين يوما وشملت بغداد، والبصرة، والكوفة، وواسط، وعبّادان، والأهواز، ثم إلى همذان، فأحرقت الزرع، ثم ذهبت إلى الموصل، فمنعت النّاس من الانتشار، وعطلت الأسواق. وزلزلت هراة حتّى سقطت الدور. انتهى. وفيها توفي أحمد بن حرب النيسابوري الزّاهد الذي قال فيه يحيى بن يحيى: إن لم يكن من الأبدال فلا أدري من هم؟. رحل وسمع من ابن عيينة وجماعة، وكان صاحب غزو، وجهاد، ومواعظ، ومصنفات، في العلم. وخرّج له النسائيّ. قال في المغني [1] : عن ابن عيينة، له مناكير. قال أبو حاتم: وكان صدوقا. انتهى. وفيها الأمير إيتاخ [2] التّركيّ مقدّم الجيوش وكبير الدولة. خافه المتوكّل وعمل عليه بكلّ حيلة حتّى قبض له عليه نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم، وأميت عطشا، وأخذ له المتوكل من الذهب ألف ألف دينار. وفيها الإمام أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي [3] الحافظ ببغداد، في شعبان، وله أربع وسبعون سنة. رحل وكتب الكثير عن هشيم وطبقته،

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 36) . [2] في الأصل: «انباخ» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «الشيباني» والتصحيح من «الأنساب» (12/ 79) .

وصنف. وهو والد صاحب «التاريخ» أحمد بن أبي خيثمة. قال ابن ناصر الدّين: زهير بن حرب بن شدّاد الحرشي [1] مولاهم النسائي أبو خيثمة، ثقة. انتهى. وفيها أبو أيوب سليمان بن داود الشّاذكونيّ البصريّ الحافظ، الذي قال فيه صالح بن محمد: ما رأيت أحفظ منه. سمع حمّاد بن زيد وطبقته. وكان آية في كثرة الحديث وحفظه ينظّر بعلي بن المديني، ولكنه متروك الحديث. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن ناصر الدّين: سليمان بن داود الشّاذكونيّ المنقريّ أبو أيوب، كان من كبار الحفاظ، لكنه اتهم بالكذب. وقال البخاريّ: فيه نظر. وقال ابن عدي: سألت عبدان عنه فقال: معاذ الله أن يتّهم، إنما كان قد ذهبت كتبه، وكان يحدّث حفظا. انتهى. وفيها أبو جعفر النّفيليّ الحافظ، أحد الأعلام، عبد الله بن محمد بن عليّ بن نفيل الحرّانيّ، في ربيع الآخر، عن سن عالية. روى عن زهير بن معاوية والكبار. قال أبو داود: لم أر أحفظ منه. قال: وكان الشّاذكوني لا يقر لأحد بالحفظ إلا للنّفيليّ. وقال أبو حاتم: ثقة مأمون. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان النفيليّ رابع أربعة: وكيع، وابن المهدي، وأبو نعيم، وهو. وفيها أبو الحسن بن بحر بن برّي القطّان البغداديّ الحافظ بناحية الأهواز. كتب الكثير عن عبد العزيز الدراوردي وطبقته.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الحرثي» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (11/ 489) . [2] (1/ 416- 417) .

وقال ابن ناصر الدّين: هو علي بن بحر بن برّي الفارسيّ البغداديّ. روى عنه أحمد وغيره، ووثق. انتهى. وفيها علي بن المديني، وهو الإمام أحد الأعلام، أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعديّ مولاهم البصريّ الحافظ، صاحب التصانيف. سمع من حمّاد بن زيد، وعبد الوارث، وطبقتهما. قال البخاريّ: ما استصغرت نفسي عند أحد إلّا عند ابن المديني. وقال أبو داود: ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل. وقال عبد الرحمن بن مهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وخاصة بحديث سفيان بن عيينة. توفي في ذي القعدة وله ثلاث وسبعون سنة. وفيها محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ أبو عبد الرّحمن الهمذانيّ الكوفيّ، أحد الأئمة، في شعبان. سمع أباه، وسفيان بن عيينة، وخلقا. قال أبو إسماعيل الترمذي [1] : كان أحمد بن حنبل يعظّم محمد بن عبد الله بن نمير تعظيما عجيبا [2] .

_ [1] في «العبر» : «القرمزي» وهو خطأ فيصحح فيه. وهو محمد بن إسماعيل بن محمد بن يوسف السلمي الترمذي أبو إسماعيل، من أهل بغداد، ترمذي الأصل، فقيه عالم ثقة صدوق مكثر من الحديث، مشهور بالطلب. رحل إلى الحجاز، ومصر. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وقبيصة بن عقبة، وإسحاق بن محمد الفروي، وأيوب ابن سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعارم ابن الفضل، وأبا صالح كاتب الليث، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وأبا بكر عبد الله بن الزّبير الحميدي. وروى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا، وموسى بن هارون، وجعفر بن محمد الفريابي، وأبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي وأخرجا عنه في كتابيهما، وأثنى عليه النسائي. وقال: محمد بن إسماعيل الترمذي خراساني ثقة. وقال غيره: كان فهما، متقنا، مشهورا بمذهب السنة، ومات في شهر رمضان سنة ثمانين ومائتين ودفن عند قبر الإمام أحمد ابن حنبل. عن «الأنساب» للسمعاني (3/ 47- 48) . [2] في الأصل: «عجبا» وأثبت ما في المطبوع.

وقال علي بن الحسين بن الجنيد الحافظ: ما رأيت بالكوفة مثله، قد جمع العلم، والسّنّة، والزّهد، وكان فقيرا يلبس في الشتاء [1] لبّادة. وقال ابن صالح المصري: ما رأيت بالعراق مثله ومثل أحمد بن حنبل جامعين، لم أر مثلهما بالعراق [2] . وفيها محمد بن أبي بكر [3] بن علي بن عطاء بن مقدّم مولى ثقيف، الحافظ أبو عبد الله المقدّميّ البصريّ. توفي في أول السنة. روى عن حمّاد ابن زيد وطبقته. وفيها المعافى بن سليمان الرّسعنيّ، محدّث رأس العين. روى عن فليح بن سليمان، وزهير بن معاوية، وكان صدوقا. وفيها شيخ الأندلس يحيى بن يحيى بن كثير الفقيه، أبو محمد اللّيثيّ، مولاهم، الأندلسيّ في رجب. وله اثنتان وثمانون سنة. روى «الموطأ» عن مالك سوى فوت من الاعتكاف. وانتهت إليه رياسة الفتوى ببلده. وخرج له عدة أصحاب. وبه انتشر مذهب مالك بناحيته، وكان إماما كثير العلم، كبير القدر، وافر الحرمة، كامل العقل، خيّر النفس [4] كثير العبادة والفضل. كان يوما عند مالك فقدم فيل وخرج النّاس ينظرون إليه ولم يخرج، فقال له مالك: لم لا تخرج تنظره فإنه ليس ببلدك فيل؟ فقال: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم هديك وعلمك، فقال له: أنت عاقل الأندلس، رحمه الله تعالى.

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/ 456) : «في الشتاء الشاتي» وانظر تتمة الخبر فيه. [2] في المطبوع: «في العراق» . [3] في الأصل، والمطبوع: «محمد بن بكير» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 419) وانظر «اللباب» لابن الأثير (3/ 247) ، و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (203) . [4] قوله: «خير النفس» لم يرد في «العبر» للذهبي المطبوع.

سنة خمس وثلاثين ومائتين

سنة خمس وثلاثين ومائتين فيها كما قاله في «الشذور» : أمر المتوكل بأخذ أهل الذّمّة بلبس الطيالس العسلية والزنانير، وترك ركوب السروج، ونهى أن يستعان بهم في الدواوين، وأن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين، ولا يعلّمهم مسلم. وفي ذي الحجّة تغير ماء دجلة إلى الصفرة فبقي ثلاثة أيام، ففزع النّاس لذلك ثم صار في لون الورد. انتهى. وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم الموصليّ النديم، أبو محمد. كان رأسا في صناعة الطرب والموسيقا [1] أديبا، عالما، أخباريا، شاعرا، محسنا، كثير الفضائل. سمع من مالك وهشيم وجماعة، وعاش خمسا وثمانين سنة، وكان نافق السوق عند الخلفاء إلى الغاية، يعدّ من الأجواد. وثقه إبراهيم الحربي. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن الأهدل: كان المأمون يقول: لولا ما سبق لإسحاق من الشهرة بالغناء لوليته القضاء، فإنه أولى، وأعفّ، وأصدق، وأكثر دينا وأمانة من هؤلاء القضاة، لكن طعن فيه الخطابيّ كما نقله النواوي عنه وقال: إنه معروف بالسخف، والخلاعة، وإنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمعن في تلك الأباطيل، لم يرض بما تزود من إثمها حتّى صدّر كتابه بذم أصحاب الحديث، وزعم أنهم يروون ما لا يدرون. انتهى.

_ [1] في «العبر» للذهبي (1/ 420) : «كان رأسا في صناعة الأدب والموسيقى» . [2] (1/ 420) .

وقال ابن الفرات: كان إسحاق- رحمه الله- من العلماء باللغة، والفقه، والكلام، والأشعار، وأخبار الشعراء، وأيام النّاس، وكان كثير الكتب، حتّى قال ثعلب: رأيت لإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب كلها سماعه، وما رأيت اللغة في منزل أحد أكثر منها في منزل إسحاق ثم منزل ابن الأعرابي، وهو صاحب كتاب «الأغاني» الذي يرويه عنه ابنه حمّاد، وقد روى عنه أيضا الزّبير بن بكّار، ومصعب بن عبيد الزّبيري، وأبو العيناء، وميمون بن هارون، وغيرهم. وقال عون بن محمد الكلبي: حدثنا محمد بن عطية العطويّ الشاعر، أنه كان عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع النّاس فيه، فرآني إسحاق بن إبراهيم، فأخذ يناظر أهل الكلام حتّى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن، وقاس، واحتج، وتكلم في الشعر واللغة، ففاق من حضر، فأقبل على يحيى وقال: أعزّ الله القاضي، أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن؟ قال: لا. وكان إسحاق قد عمي قبل وفاته بسنتين. حدّث أبو عبد الله النديم قال: لقيت إسحاق بن إبراهيم الموصلي بعد ما كفّ بصره، فسألني عن أخبار النّاس والسلطان، فأخبرته. ومن أخباره ما روي عنه أنه قال: أخبرني رجل من بني تميم أنه خرج في طلب ناقة له، قال: فوردت على ماء من مياه طيء فإذا خباءان أحدهما قريب من الآخر، وإذا في أحد الخباءين شاب كأنه الشّنّ [1] البالي، فدنوت منه فرأيت من حاله ما رثيت له، فسألته عن خبره؟ فأعلمني أنه عاشق لابنة عمّ له. وقد كان يأتيها فيتحدث معها، وقد منع من لقائها [2] فنحل لذلك جسمه وطال همّه، وأنشأ يقول:

_ [1] قال ابن منظور: الشّنّ والشّنّة: الخلق من كل آنية صنعت من جلد. «لسان العرب» (شنن) . [2] في المطبوع: «لقياها» .

ألا ما للخليلة [1] لا تعود ... أبخل بالخليلة [2] أم صدود مرضت فعادني أهلي جميعا ... فما لك لم أر فيمن يعود وما استبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من بني عمّي عديد فلو كنت السقيمة جئت أسعى ... إليك ولم ينهنهني [3] الوعيد قال: فسمعت كلامه الذي عناها به، فخرجت من ذلك الخباء كالبدر ليلة تمّه وهي تقول: وعاق لأن أزورك يا خليلي ... معاشر كلّهم واش حسود أشاعوا ما علمت من الدّواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد فلا يا حبّ ما طابت حياتي ... وأنت ممرّض فرد وحيد [4] فتبادر النساء إليها وتعلقن بها، وأحس بها فوثب إليها، فتبادر الرجال نحوه فتعلقوا به، فجعلت تجذب نفسها والشاب يجذب نفسه حتّى تخلصا، فالتقيا واعتنقا، ثم شهقا شهقة واحدة وخرّا من قامتيهما متعانقين ميتين، فخرج شيخ من تلك الأخبية فوقف عليهما وقال: رحمكما الله، أما والله لئن لم أجمع بينكما في حياتكما لأجمعن بينكما بعد وفاتكما، ثم أمر بهما فغسلا وكفنا في كفن واحد، وحفر لهما قبرا واحدا ودفنهما فيه، فسألته عنهما؟ فقال: ابنتي وابن أخي، بلغ بهما الحب إلى ما رأيت، ففارقته وانصرفت. ومن شعر إسحاق النديم- رحمه الله- ما كتبه إلى هارون الرشيد رحمه الله من أبيات: أرى النّاس خلّان الجواد [5] ولا أرى ... بخيلا له في العالمين خليل

_ [1] في المطبوع: «ما للحليلة» وهو تصحيف. [2] في المطبوع: «بالحليلة» وهو تصحيف. [3] في الأصل: «ولم ينهني» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال في «مختار الصحاح» ص (682) : نهنهه عن الشيء فتنهنه، أي كفّه وزجره فكفّ. والأبيات في «عيون الأخبار» (4/ 128) . [4] الأبيات في «عيون الأخبار» (4/ 129) . [5] في «الأغاني» : «خلان الكرام» .

وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئا [1] أن يكون ينيل [2] عطائي عطاء المكثرين تكرّما ... ومالي كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل [3] انتهى ما أورده ابن الفرات ملخصا. وفيها الأمير إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعيّ، ابن عم طاهر ابن الحسين. ولي بغداد أكثر من عشرين سنة، وكان يسمى صاحب الجسر، وكان صارما سايسا حازما، وهو الذي كان يطلب العلماء ويمتحنهم بأمر المأمون، مات في آخر السنة. وفيها سريج بن يونس البغداديّ أبو الحارث، الجمّال [4] العابد، أحد أئمة أصحاب الحديث. سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته، وهو الذي رأى ربّ العزّة في المنام [5] . وهو جدّ أبي العبّاس بن سريج. وفيها شيبان بن فروخ الأبلّي [6] وهو من كبار الشيوخ وثقاتهم. روى عن جرير بن حازم وطبقته. قال عبدان: كان عنده خمسون ألف حديث.

_ [1] في «الأغاني» : «إذا نال خيرا» . [2] في الأصل: «نبيل» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «الأغاني» . [3] في الأصل: «جليل» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (5/ 322) والأبيات فيه عدا البيت الرابع. وانظر «وفيات الأعيان» (1/ 204) . [4] كذا نعته المؤلف بالجمّال تبعا للذهبي في «العبر» وهو خطأ، فإن الجمّال لقب لسريع بن عبد الله الوسطي. انظر «الكاشف» للذهبي (1/ 275) طبع دار الكتب العلمية، و «تهذيب التهذيب» (3/ 459) . [5] انظر قصة منامه في «سير أعلام النبلاء» (11/ 146) . [6] في الأصل، والمطبوع: «الإيلي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 421) مصدر المؤلف. وانظر «الأنساب» (1/ 121) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (269) .

وفيها أبو بكر بن أبي شيبة، وهو الإمام أحد الأعلام، عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسيّ الكوفيّ، صاحب التصانيف الكبار، توفي في المحرم وله بضع وسبعون سنة. سمع من شريك فمن بعده. قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه. وقال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة: أبي بكر بن أبي شيبة، أسردهم له، وابن معين، وهو أجمعهم له، وابن المديني، وهو أعلمهم به، وأحمد بن حنبل، وهو أفقههم فيه. وقال صالح جزرة: أحفظ من رأيت عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة. وقال نفطويه: لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل حزروا مجلسه بثلاثين ألفا. قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة عديم النظير. وخرّج له الشيخان. وفيها عبد الله بن عمر القواريريّ البصريّ الحافظ أبو سعيد ببغداد في ذي الحجة. روى عن حمّاد بن زيد وطبقته فأكثر. وقال صالح جزرة: هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة. وقال ابن ناصر الدّين: هو عبيد الله [1] بن عمر بن ميسرة، ثقة. وفيها، وقيل سنة ست وعشرين، أبو الهذيل العلّاف، محمّد بن هذيل بن عبيد الله البصريّ، شيخ المعتزلة، ورأس البدعة، وله نحو من مائة سنة. قاله في «العبر» [2] . وكان يقول بفناء أهل النّار.

_ [1] في الأصل: «عبد الله» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع. [2] (1/ 422) .

سنة ست وثلاثين ومائتين

سنة ست وثلاثين ومائتين قال في «الشذور» : فيها حجت شجاع [1] أمّ المتوكل، فشيّعها المتوكل إلى النجف، فلما صارت إلى الكوفة أمرت لكل رجل من الطالبيين والعباسيين بألف درهم، ولأبناء المهاجرين بخمسمائة درهم، وأمرت لكل امرأة من الهاشميات بخمسمائة درهم. وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي، وكان كثير البغض في علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ولكنه منع من [2] القول بخلق القرآن. انتهى. وفيها توفي إبراهيم بن المنذر الحزاميّ المدنيّ الحافظ، أبو إسحاق محدّث المدينة. روى عن ابن عيينة، والوليد بن مسلم، وطبقتهما فأكثر. وفيها، أو في التي قبلها، وجزم به ابن ناصر الدّين، السّمين محمد ابن حاتم بن ميمون المروزيّ ثم البغداديّ القطيعيّ، أبو عبد الله، وله كتاب «تفسير القرآن» وكان إماما، حافظا من الموثقين. وثقه ابن عدي، والدارقطني، وليّنه يحيى بن معين، وخرّج له مسلم، وأبو داود. وفيها أبو معمر القطيعيّ، إسماعيل بن إبراهيم ببغداد. روى عن شريك وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث وسنة.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «سجاع» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 185) و «النجوم الزاهرة» (2/ 286) . [2] لفظة «من» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

وفيها وزير المأمون وحموه أبو محمد الحسن بن سهل، وله سبعون سنة، وكان سمحا إلى الغاية جوادا ممدّحا. يقال: إنه أنفق على عرس بنته بوران على المأمون أربعة آلاف ألف دينار. قال ابن الأهدل: الحسن بن سهل السّرخسيّ- وسرخس مدينة من خراسان [1]- وكان موته لغلبة المرّة السوداء لشدة حزنه على أخيه الفضل حين قتل معافصة [2] في الحمام، وكان عالي الهمّة ممدّحا، ودام في الوزارة كأخيه مدة طويلة، وفيهما قال الشاعر: تقول حليلتي لمّا رأتني ... أشدّ مطيّتي من بعد حلّ أبعد الفضل ترتحل المطايا ... فقلت نعم إلى الحسن بن سهل [3] انتهى. وفيها مصعب بن عبد الله بن مصعب، الحافظ أبو عبد الله الأسديّ الزّبيريّ المدنيّ النسابة الأخباريّ. سمع مالكا وطائفة. قال الزّبير: كان عمّي مصعب وجه قريش، مروءة، وعلما، وشرفا، وبيانا، وقدرا، وجاها. وكان نسّابة قريش. عاش ثمانين سنة، وكان ثقة. وفيها هدبة بن خالد القيسيّ البصريّ أبو خالد الحافظ. سمع حمّاد ابن سلمة، ومبارك بن فضالة، والكبار، فأكثر. قال عبدان الأهوازي: كنا لا نصلي خلف هدبة مما يطوّل. كان يسبّح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمّار، لحيته ووجهه وكل شيء منه حتّى صلاته.

_ [1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 208- 209) . [2] العفاص: غلاف يغطّى به رأس القارورة من جلد أو خرقة أو غير ذلك. كناية عن أنه خنق خنقا. انظر «لسان العرب» (عفص) ، و «المعجم الوسيط» (2/ 611) . [3] البيتان في «غربال الزمان» للعامري ص (222) .

سنة سبع وثلاثين ومائتين

سنة سبع وثلاثين ومائتين فيها على ما قال [1] في «الشذور» تمّ جامع سرّ من رأى، فبلغت النفقة عليه ثلاثمائة ألف وثمانية آلاف ومائتين واثني عشر دينارا. انتهى. وفيها وثبت بطارقة إرمينية على متوليها يوسف بن محمّد فقتلوه، فجهز المتوكل لحربهم بغا الكبير، فالتقوا عند أردبيل [2] فكسرهم بغا، وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى، وغنم، ونزل بناحية تفليس. وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي دواد القاضي وآله وصادرهم، وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم. وفيها توفي حاتم الأصمّ، أبو عبد الرّحمن الزّاهد، صاحب المواعظ والحكم بخراسان، وكان يقال له: لقمان هذه الأمة. قال أبو عبد الرحمن السّلمي في «طبقاته» [3] : حاتم الأصم البلخي [4] . وهو حاتم بن عنوان، ويقال: حاتم بن يوسف، كنيته أبو عبد الرّحمن، وهو من

_ [1] في المطبوع: «على ما قاله» . [2] في الأصل، والمطبوع: «عندوبيل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 424) . وأردبيل الآن في الشمال الشرقي من إيران على مقربة من بحر قزوين. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 145- 146) ، و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (40) . [3] «طبقات الصوفية» ص (91- 95) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف. [4] لفظة «البلخي» لم ترد في «طبقات الصوفية» الذي بين يدي.

قدماء مشايخ خراسان، ومن أهل بلخ [1] ، صحب شقيق بن إبراهيم، وكان أستاذ أحمد بن حضرويه، وهو مولى للمثنّى بن يحيى المحاربي [2] وله ابن يقال له: خشنام بن حاتم. مات عند رباط يقال له: رأس سرود على جبل فوق واشجرد. قال حاتم: من دخل في مذهبنا هذا فليجعل على نفسه أربع خصال من الموت: موت أبيض، وموت أسود، وموت أحمر، وموت أخضر. فالموت الأبيض: الجوع. والموت الأسود: احتمال الأذى [3] . والموت الأحمر: مخالفة النّفس. والموت الأخضر: طرح الرّقاع بعضها على بعض. وقال: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء، فهو يتقلّب في رضا الله. أولها الثقة بالله، ثم التّوكّل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة. وقال: الواثق من رزقه من لا يفرح بالغنى [4] ولا يغتم بالفقر [5] ولا يبالي أصبح في عسر أو يسر. وقال: يعرف الإخلاص بالاستقامة، والاستقامة بالرّجاء، والرّجاء بالإرادة، والإرادة بالمعرفة. وقال: أصل الطاعة ثلاثة أشياء:

_ [1] في «طبقات الصوفية» : «من أهل بلخ» . [2] في الأصل، والمطبوع: «المثنى بن يحيى البخاري» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الصوفية» . [3] في «طبقات الصوفية» : «احتمال أذى الناس» . [4] في الأصل، والمطبوع: «الوثق برزقه هو أن لا يفرح بالغنى» وأثبت لفظ «طبقات الصوفية» . [5] في «طبقات الصوفية» : «ولا يهتم بالفقر» .

الخوف، والرّجاء، والحبّ. وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر، والحسد، والحرص. وقال: إذا أمرت النّاس بالخير فكن أنت أولى به وأحقّ، واعمل فيما تأمر، وكذا فيما تنهى. وأسند في «الحلية» [1] قال: مرّ عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه، فقال: يا حاتم تحسن تصلي؟ قال: نعم. قال: كيف تصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبّر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلّم بالسبل والسّنّة، وأسلمها بالإخلاص لله- عزّ وجلّ- وأرجع على نفسي بالحق [2] ، وأخاف أن لا تقبل مني، واحفظه عني إلى الموت. قال: تكلم فأنت تحسن تصلي. انتهى ما ذكره السلميّ ملخصا. قال ابن الجوزي: ولم يكن أصم، وإنما كانت امرأة [3] تسأله فخرج منها صوت، فخجلت، فقال: ارفعي صوتك حتّى أسمع، فزال خجلها، وغلب عليه هذا الاسم. وفيها عبد الأعلى بن حمّاد [النّرسيّ] [4] الحافظ في جمادى الآخرة. روى عن حمّاد بن سلمة، ومالك، وخلق، وكان ممن قدم على المتوكل فوصله بمال.

_ [1] (8/ 74- 75) . [2] في «الحلية» : «بالخوف» . [3] في الأصل: «امرأته» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر «تاريخ بغداد» (8/ 244) . [4] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 424) ، وانظر «اللباب» لابن الأثير (3/ 302) .

وعبيد الله [1] بن معاذ بن معاذ العنبريّ البصريّ سمع أباه، ومعتمر [2] ابن سليمان. قال أبو داود: كان فصيحا يحفظ نحو أربعة آلاف حديث. والفضيل بن الحسين [3] الجحدريّ، ابن أخي كامل بن طلحة. سمع حمّاد بن سلمة والكبار، وكان له حفظ ومعرفة. وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العبّاس بن عثمان المطّلبيّ، ابن عم الشّافعي. سمع الفضيل بن عياض وطائفة، وكان كثير الحديث ثقة. وفيها وثيمة بن موسى الوشّاء، سمي به لبيعه الوشي، وهو نوع من ثياب الإبريسم، وكان وثيمة أحد الحفاظ، صنف كتاب «أخبار الردة» أجاد فيه وأوسع. قال في «المغني» [4] : قال ابن [أبي] [5] حاتم: يحدّث عن سلمة بن الفضل بأحاديث موضوعة. انتهى.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «عبد الله» وهو خطأ فيصحح فيه. وانظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 384) ، و «تقريب التهذيب» ص (374) . [2] في الأصل والمطبوع و «العبر» (1/ 425) : «ومعمر» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (2/ 889) مصورة دار المأمون للتراث. [3] في «العبر» : «الفضل بن الحسين» وهو خطأ فيصحح فيه. انظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 111) ، و «تقريب التهذيب» ص (447) . [4] «المغني في الضعفاء» (2/ 719) . [5] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المغني في الضعفاء» .

سنة ثمان وثلاثين ومائتين

سنة ثمان وثلاثين ومائتين فيها جاءت الرّوم في ثلاثمائة مركب، وأحرقوا كثيرا من ديار المسلمين ومسجد الجامع بدمياط، وسبوا نساء مسلمات عدّتهنّ ستمائة. قاله [1] في «العبر» [2] . قال ابن حبيب: وفي صفر وجّه عبد الله بن طاهر إلى المتوكل حجرا سقط بناحية طبرستان وزنه ثمانمائة وأربعون درهما، أبيض فيه صدع، وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها، وأنه ساخ في الأرض خمسة أذرع. ذكره [3] في «الشذور» . وفيها توفي إسحاق بن راهويه، وهو الإمام عالم المشرق أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظليّ المروزيّ ثم النيسابوريّ الحافظ، صاحب التصانيف. سمع الدراوردي، وبقيّة، وطبقتهما، وعاش سبعا وسبعين سنة، وقد سمع من ابن المبارك وهو صغير فترك الرّواية عنه لصغره. قال أحمد بن حنبل: لا أعلم بالعراق له نظيرا، وما عبر الجسر مثل إسحاق. وقال محمد بن أسلم: ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق، ولو كان سفيان حيا لاحتاج إلى إسحاق.

_ [1] في المطبوع: «كما قاله» . [2] (1/ 425- 426) والمؤلف ينقل عنه بتصرف. [3] يعني ابن الجوزي.

وقال أحمد بن سلمة: أملى علي إسحاق التفسير عن [1] ظهر قلبه. وجاء من غير وجه أن إسحاق كان يحفظ سبعين ألف حديث. قال أبو زرعة: ما رؤي أحفظ من إسحاق. توفي إسحاق ليلة نصف شعبان بنيسابور. قاله في «العبر» [2] . وناظر الشافعيّ في بيع دور مكة، فلما عرف فضله صحبه وصار من أصحاب الشافعي، رضي الله عنه. قاله ابن الأهدل. وفيها بشر بن الحكم العبديّ النّيسابوريّ الفقيه، والد عبد الرّحمن، توفي قبل إسحاق [3] بشهر. قال أبو زرعة: ما رؤي أحد أحفظ منه، وقد رحل قبله ولقي مالكا والكبار، وعني بالأثر. وفيها بشر بن الوليد الكنديّ، القاضي العلّامة أبو الوليد ببغداد، في ذي القعدة، وله سبع وتسعون سنة. تفقه على أبي يوسف، وسمع من مالك وطبقته، وولي قضاء مدينة المنصور، وكان محمود الأحكام كثير العبادة والنوافل. وفيها الحسين بن منصور أبو علي السّلميّ النيسابوريّ الحافظ. رحل وأكثر عن ابن عيّاش، وابن عيينة، وطبقتهما، وعرض عليه قضاء نيسابور فاختفى، ودعا الله فمات في اليوم الثالث. وفيها طالوت بن عبّاد أبو عثمان البصريّ، له نسخة [4] مشهورة عالية. روى عن حمّاد بن سلمة وطبقته، وكان ثقة، ولم يخرّجوا له شيئا. وعمرو بن زرارة الكلابيّ النّيسابوريّ، وله ثمان وسبعون سنة. روى عن

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «على» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 426) . [2] (1/ 426) . [3] يعني إسحاق بن راهويه. [4] في «العبر» (1/ 427) : «فشيخة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 26) .

هشيم وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث. وعبد الملك بن حبيب مفتي الأندلس ومصنف «الواضحة» وغير ذلك في رابع رمضان، وله أربع وستون [1] سنة تفقه بالأندلس على أصحاب مالك، زياد بن عبد الرّحمن شبطون وغيره، وحج سنة ثمان ومائتين، فحمل عن عبد الملك بن الماجشون وطائفة، وهو في الحديث ليس بحجة. قال في «المغني» [2] : عبد الملك بن حبيب القرطبيّ الفقيه، كثير الوهم، صحفيّ [3] وقد اتهم [4] . انتهى. وفيها عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن الدّاخل الأمويّ، صاحب الأندلس، وقد نيّف على الستين، وكانت أيامه اثنتين وثلاثين سنة، وكان محمود السيرة عادلا جوادا مفضّلا، له نظر في العقليات، ويقيم للناس الصلوات، ويهتم بالجهاد. وفيها محمد بن بكّار بن الرّيّان، ببغداد في ربيع الآخر. سمع فليح ابن سليمان، وقيس بن الرّبيع، والكبار. وفيها أبو جعفر محمد بن الحسين البرجلانيّ، مصنف «الزهديات» وشيخ ابن أبي الدّنيا. وفيها محمّد بن عبيد بن حساب الغبريّ [5] بالبصرة. روى عن

_ [1] في «العبر» للذهبي: «أربع وسبعون» ولعله وهم من الناسخ، فإن الصواب ما جاء في كتابنا لأن ولادته كانت سنة (174) . [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 404) . [3] قال ابن منظور: «المصحّف والصّحفيّ: الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف. «لسان العرب» (صحف) . [4] قلت: ولكن في الرجل كلام فيه بعض التعديل عند الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/ 652- 653) ، و «لسان الميزان» لابن حجر (4/ 59- 60) ويحسن بالقارئ الرجوع إليهما. [5] في الأصل: «العبري» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (495) .

حمّاد بن زيد، وطبقته، وكان ثقة حجة. ومحمد بن أبي السّري العسقلانيّ في شعبان. سمع الفضيل بن عياض، وطبقته. وفيها أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفيّ الكوفيّ المقرئ الحافظ، نزيل مصر، وقيل: في السنة التي قبلها. سمع عبد العزيز الدّراوردي وطبقته.

سنة تسع وثلاثين ومائتين

سنة تسع وثلاثين ومائتين فيها على ما قاله في «الشذور» أخذ المتوكل أهل الذّمّة بلبس رقعتين عسليتين على الأقبية والدّراريع، وأن يصبغ النساء مقانعهن عسليات، وأن يقتصروا على ركوب البغال، والحمير، دون الخيل، والبراذين. وغزا بلاد الرّوم علي بن يحيى الأرمينيّ فقتل عشرة آلاف علج، وسبى عشرة آلاف فارس، ومن الدواب سبعة آلاف دابة، وأحرق أكثر من ألف قرية، ورجفت طبرية بالليل [1] حتّى مادت الأرض واصطكت الجبال، ثم انقطع من الجبل المطلّ عليها قطعة ثمانين ذراعا طولا في خمسين ذراعا، فمات منها خلق كثير. انتهى. وفيها على ما قاله في «العبر» [2] غزا المسلمون وعليهم عليّ الأرمني، حتّى شارفوا القسطنطينيّة، فأغاروا وأحرقوا ألف قرية، وقتلوا وسبوا. وفيها عزل يحيى بن أكثم من القضاء وصودر، وأخذ منه مائة ألف درهم [3] .

_ [1] في المطبوع: «في الليل» . [2] (1/ 429) . [3] في «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 122) : «وأخذ منه ألف دينار» ، وفي «العبر» للذهبي (1/ 429) : «وصودر منه مائة ألف دينار» ولعل الصواب ما جاء في كتابنا و «مرآة الجنان» فإن

وفيها توفي مفتي بلخ أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف الباهليّ البلخيّ الحنفيّ الفقيه، في جمادى الأولى. أخذ عن أبي يوسف، وسمع من مالك وجماعة، وكان رئيسا مطاعا فأخرج قتيبة من بلخ لعداوة بينهما. وخرّج له النسائيّ، وهو شيخه. قال في «المغني» [1] : ثقة فقيه. قال أبو حاتم: لا يشتغل به. انتهى. وفيها داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزميّ ببغداد في شعبان. سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته، وكان ثقة واسع الرّواية. وفيها صفوان بن صالح، أبو عبد الملك مؤذّن جامع دمشق. روى عن الوليد بن مسلم وطبقته، وكان حنفيّ المذهب. [2] والصّلت بن مسعود الجحدريّ قاضي سامرّاء في صفر. روى عن حمّاد بن زيد وطبقته. وفيها عبد الله بن عمر بن أبان [الكوفيّ مشكدانة] [3] روى عن أبي الأحوص وجماعة كثيرة [4] . وفيها عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسيّ الكوفيّ الحافظ، وكان أكبر من أخيه أبي بكر. رحل، وطوّف، وصنف «التفسير» و «المسند» ، وحضر مجلسه ثلاثون ألفا. روى عن شريك، وأبي الأحوص، وخلق. وروى عنه

_ الدينار يساوي مائة درهم، وعلى ذلك يكون ما صودر له ألف دينار وهي تساوي مائة ألف درهم، والله أعلم. [1] (1/ 31) . [2] في المطبوع: «مشكل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 430) ، و «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (315) . [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. ومشكدانة: وعاء المسك بالفارسية. [4] في «العبر» : «وجماعة كبيرة» .

الشيخان وغيرهما، وكان ثقة. وفيها محمد بن مهران [1] أبو جعفر الرّازي الجمّال الحافظ، رحل وطوّف، وروى عن فضيل بن عياض، وخلق كثير، وحدّث عنه الشيخان وغيرهما، وكان ثقة. وفيها محمد بن يحيى بن أبي سمينة [2] أبو جعفر، البغداديّ التمّار الحافظ، في ربيع الأول. سمع المعافى بن عمران وطائفة. وفيها محمود بن غيلان أبو أحمد المروزيّ الحافظ، محدّث مرو. حجّ وحدّث ببغداد عن الفضل بن موسى، وابن عيينة، وطائفة. قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالحديث صاحب سنّة. حبس بسبب القرآن. وقال ابن ناصر الدّين: حدّث عنه الشيخان، والترمذي، والنسائيّ، وابن ماجة، وغيرهم، وكان حافظا ثقة. انتهى. وفيها وهب بن بقيّة الواسطيّ، ويقال له: وهبان. روى عن هشيم وأقرانه.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «محمد بن يحيى بن مهران» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 430) مصدر المؤلف. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 1277) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «سير أعلام النبلاء» (11/ 143) ، و «طبقات الحفّاظ» ص (195) . [2] في المطبوع: «محمد بن أبي سمينة» .

سنة أربعين ومائتين

سنة أربعين ومائتين فيها كما قاله في «الشذور» أخذ أهل الذّمّة بتعليم أولادهم العبرانية، والسريانية، ومنعوا من العربية، ونادى المنادي بذلك، فأسلم منهم خلق كثير. وفيها خرجت ريح من بلاد التّرك، فمرّت بمرو، فقتلت خلقا كثيرا بالزّكام، ثم صارت إلى نيسابور، وإلى الرّيّ، وإلى همذان، وحلوان، ثم إلى العراق، وأصاب أهل بغداد، وسرّ من رأى، حمّى، وسعال، وزكام. وقال محمد بن حبيب: جاءت الكتب من المغرب أن ثلاثة عشر قرية من القيروان خسف بها، فلم ينج من أهلها إلّا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه، فأتوا القيروان، فأخرجهم أهلها، فقالوا أنتم مسخوط عليكم [1] ، فبنى لهم العامل حظيرة خارج المدينة فنزلوها. انتهى ما ذكره في «الشذور» . وفيها توفي أحمد بن أبي دواد- على وزن فؤاد- قاضي القضاة أبو عبد الله الإياديّ، وله ثمانون سنة. وكان فصيحا، مفوّها، شاعرا، جوادا، ممدّحا، رأسا في التجهّم، وهو الذي شغب على الإمام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] في الأصل: «عليهم» ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] (1/ 431) .

وقال ابن الأهدل: كان عالما، جوادا، ممدّحا، معتزليا، وكان له القبول التام عند المأمون والمعتصم، وهو أول من بدأ الخلفاء بالكلام وكانوا لا يكلّمون حتّى يتكلموا، وبسببه وفتياه امتحن الإمام أحمد وأهل السّنّة بالضرب والهوان على القول بخلق القرآن، وابتلي ابن أبي دواد بعد ذلك بالفالج نحو أربع سنين، ثم غضب عليه المتوكل فصادره [1] هو وأهله وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم، وأخذ من والده مائة ألف وعشرين ألف دينار، وجوهرا بأربعين ألف دينار، وقيل: إنه صالحه على ضياعه وضياع أبيه بألف ألف دينار. ولأحمد بن أبي دواد عطايا جزيلة وشفاعة إلى الخلفاء مقبولة، وفيه يقول الشاعر: لقد أنست مساوئ كلّ دهر ... محاسن أحمد بن أبي دواد وما سافرت في الأقطار إلّا ... ومن جدواك راحلتي وزادي [2] وكان بينه وبين ابن الزّيّات شحناء ومهاجاة عظيمة. انتهى ما قاله ابن الأهدل. وفيها أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبيّ البغداديّ الفقيه أحد الأعلام. تفقه [بالشّافعيّ] [3] ، وسمع من ابن عيينة وغيره، وبرع في العلم، ولم يقلّد أحدا. قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالسّنّة منذ خمسين سنة. وهو عندي في صلاح سفيان الثوري. انتهى. قال ابن الأهدل: صنف فجمع في تصنيفه بين الحديث والفقه،

_ [1] في الأصل: «فصادروه» وأثبت ما في المطبوع. [2] البيتان لأبي تمام، وهما في «ديوانه» (1/ 374) وذكرهما ابن كثير في «البداية والنهاية» (10/ 320) والعامري في «غربال الزمان» ص (223) . [3] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 431) .

واستعمل أولا مذهب أهل الرّأي حتّى قدم الشافعيّ العراق وصحبه فاتبعه، وهو غير مقلّد لأحد. وقال له محمد بن الحسن: غلبنا عليك هذا الحجازيّ- يعني الشافعيّ- فقال: أجد الحق معه. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة مأمون مجتهد. انتهى. والحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوريّ. توفي في أول السنة بطريق مكّة، وكان ورعا ديّنا ثقة، أسلم على يد ابن المبارك، وسمع الكثير منه، ومن أبي الأحوص، وطائفة، ولما مرّ ببغداد حدّث بها، وعدوا في مجلسه اثني عشر ألف محبرة. وفيها أبو عمرو [1] خليفة بن خيّاط [العصفريّ] [2] البصريّ الحافظ شباب [3] ، صاحب «التاريخ» و «الطبقات» وغير ذلك. سمع من يزيد بن زريع [4] وطبقته، وحدّث عنه البخاريّ وغيره، وكان ثبتا يقظا. وسويد بن سعيد أبو محمد الهرويّ ثم الحدثانيّ، نسبة إلى الحديثة [5] التي تحت عانة. سمع مالكا وشريكا وطبقتهما، وكان مكثرا حسن الحديث، بلغ مائة سنة. قال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس. قال في «المغني» [6] : سويد بن سعيد الحدثانيّ شيخ مسلم. محدّث نبيل، له مناكير.

_ [1] في «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (195) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد عوّامة: «أبو عمر» وهو خطأ فيصحح فيه. انظر «الأنساب» (8/ 467) و «سير أعلام النبلاء» (11/ 472) . [2] لفظة «العصفري» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع. [3] وهو لقب عرف به. [4] في المطبوع: «يزيد بن ربيع» وهو خطأ. [5] انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 230) وتعرف بحديثة الفرات، وحديثة النورة. [6] (1/ 290) .

قال أبو حاتم: صدوق. وقال أحمد: متروك. وقال النسائيّ: ليس بثقة. وقال البخاريّ: عمي وكان يقبل التلقين. انتهى. وسويد بن نصر المروزيّ. رحل وكتب عن ابن المبارك، وابن عيينة، وعمّر تسعين سنة. وسحنون مفتي القيروان وقاضيه، أبو سعيد عبد السّلام بن سعيد بن حبيب التنوخيّ الحمصيّ الأصل ثم المغربي المالكيّ [1] صاحب «المدوّنة» . أخذ عن ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وله عدة أصحاب، وعاش ثمانين سنة. وعبد الواحد بن غياث المربديّ [2] البصريّ. سمع حمّاد بن سلمة وطبقته. وفيها محدّث خراسان أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفيّ مولاهم البلخيّ ثم البغلانيّ [3] الحافظ، واسمه يحيى، وقيل: علي، ولقبه قتيبة [4] . سمع مالكا، واللّيث، والكبار. ورحل العلماء إليه من الأقطار، وكان من الأغنياء. قال ابن ناصر الدّين: حدّث عنه أصحاب الكتب إلّا ابن ماجة، وروى عنه أحمد، وابن معين. إليه المنتهى في الثقة. انتهى.

_ [1] لفظة «المالكي» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع. [2] في الأصل، والمطبوع: «المرثدي» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 431) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (11/ 234) . [3] قال السمعاني: هذه النسبة إلى بغلان، وهي بلدة بنواحي بلخ، وظني أنها من طخارستان، وهي العليا والسفلى، وهما من أنزه بلاد الله تعالى على ما قيل. «الأنساب» (2/ 257) . [4] في «العبر» : «وقتيبة لقبه» .

وأبو بكر الأعين محمد بن أبي عتّاب [1] الحسن بن طريف البغداديّ الحافظ في جمادى الأولى. سمع زيد بن الحباب وطبقته، ورحل إلى الشام، ومصر، وجمع وصنف. واللّيث بن خالد أبو الحارث المقرئ الكبير، صاحب الكسائي، وكان من أعيان أهل الأداء ببغداد، وتوفي قبل الأربعين ومائتين تقريبا. وسليمان بن أحمد الدمشقيّ ثم الواسطيّ الحافظ. روى عن الوليد ابن مسلم وجماعة، وهو مضعّف [2] . قال البخاريّ: فيه نظر. وفيها عبد العزيز بن يحيى الكنانيّ [3] المكيّ. سمع من سفيان بن عيينة، وناظر بشرا المريسي [4] في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة، فانقطع بشر وظهر عبد العزيز، ومناظرتهما مشهورة مسطورة، وعبد العزيز هو صاحب كتاب «الحيدة» [5] وهو معدود في أصحاب الشافعيّ. وفيها نصير [6] بن يوسف الرّازيّ النحويّ المقرئ، تلميذ الكسائي.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «محمد بن أبي غياث» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 433) ، و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (247) . [2] في «العبر» : «وهو ضعيف» . [3] في الأصل، والمطبوع: «الكتاني» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 434) ، و «تقريب التهذيب» ص (359) . [4] في المطبوع: «وناظر بشر المريسي» . [5] في «غربال الزمان» ص (224) : «الجيدة» وهو تصحيف فيصحح فيه. وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/ 639) : قلت: لم يصح إسناد كتاب «الحيدة» إليه، فكأنه وضع عليه، والله أعلم. [6] تحرف في «العبر» للذهبي (1/ 434) إلى «نصر» فيصحح فيه، وانظر «غاية النهاية في طبقات القراء» لابن الجزري (2/ 340- 341) .

وعمر بن زرارة الحدثيّ. ثقة، له نسخة [1] مشهورة. روى عن شريك وجماعة. وفيها أبو يعقوب الأزرق صاحب ورش، وكان مقرئ ديار مصر في زمانه، واسمه يوسف بن عمرو بن يسار [2] . قال في «حسن المحاضرة» [3] : أبو يعقوب الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار المدنيّ ثم المصريّ. لزم ورشا مدة طويلة، وأتقن عنه الأداء وخلفه في الإقراء بالدّيار المصرية، وانفرد عنه بتغليظ اللّامات وترقيق الراءات. قال أبو الفضل الخزاعي: أدركت أهل مصر والمغرب على أبي يعقوب عن ورش [4] لا يعرفون غيرها. انتهى. وفيها أحمد بن المعدّل بن غيلان العبديّ البصريّ الفقيه المالكيّ المتكلم، صاحب عبد الملك الماجشون. كان فصيحا مفوها. له عدة مصنفات. وعليه تفقه إسماعيل القاضي، والبصريون.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «مشيخة» . وانظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 407- 408) . [2] في «العبر» للذهبي: «واسمه عمرو بن يسار» وهو خطأ فيصحح فيه. [3] (1/ 486) . [4] في «حسن المحاضرة» : «عن أبي يعقوب وورش» .

سنة إحدى وأربعين ومائتين

سنة إحدى وأربعين ومائتين فيها على ما قاله في «الشذور» ماجت النجوم في السماء وجعلت تطاير شرقا وغربا كالجراد من قبل غروب الشفق إلى قريب من الفجر، ولم يكن مثل هذا إلّا عند ظهور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- انتهى. وفيها توفي في ثاني عشر ربيع الأول بكرة الجمعة، شيخ الأمة وعالم أهل العصر، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذّهليّ الشيبانيّ المروزيّ ثم البغداديّ، أحد الأعلام ببغداد، وقد تجاوز سبعا وسبعين سنة بأيام، وكان أبوه جنديا فمات شابّا أول طلب أحمد للعلم، في سنة تسع وسبعين ومائة، فسمع أحمد من هشيم، وإبراهيم بن سعد، وطبقتهما. وكان شيخا أسمر مديد القامة، مخضوبا، عليه سكينة ووقار، وقد جمع ابن الجوزي أخباره في مجلد، وكذلك البيهقيّ، وشيخ الإسلام الهرويّ، وكان إماما في الحديث وضروبه، إماما في الفقه ودقائقه، إماما في السّنّة ودقائقها [1] ،، إماما في الورع وغوامضه، إماما في الزّهد وحقائقه. قاله في «العبر» [2] . وقال الحافظ عبد الغني في كتابه «الكمال في أسماء الرّجال» : أحمد ابن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيّان بن

_ [1] في «العبر» للذهبي: «وطرائقها» . [2] (1/ 435) .

عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة [1] بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الشيباني، أبو عبد الله. خرج من مرو حملا، وولد ببغداد، ونشأ بها ومات بها، ورحل إلى الكوفة، والبصرة، ومكّة، والمدينة، واليمن، والشام، والجزيرة. وسمع من سفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، ويحيى بن سعيد القطّان، وهشيم بن بشير، ومعتمر [2] بن سليمان، وإسماعيل بن عليّة، ووكيع ابن الجرّاح، وعبد الرّحمن بن مهدي، وخلق. وروى عنه عبد الرّزّاق بن همّام، ويحيى بن آدم، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطّيالسي، وأبو عبد الله محمد بن إدريس [3] الشّافعي، والأسود ابن عامر شاذان، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وأكثر عنه في «كتاب السنن» . وروى الترمذيّ عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه. وروى النسائي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عنه، وعن محمد بن عبد الله عنه. وروى ابن ماجة عن محمد بن يحيى الذّهلي عنه. وإبراهيم الحربي، والأثرم [4] وأبو بكر أحمد المرّوذيّ [5] ، وعثمان بن

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «جذيلة» بالذال وهو تصحيف، والتصحيح من «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (295) . وانظر «الأعلام» للزركلي (2/ 114) . [2] في الأصل: «ومعمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. انظر «تهذيب الكمال» (1/ 439) طبع مؤسسة الرسالة. [3] تحرف في المطبوع إلى «محمد بن دربس» . [4] هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الأثرم الطائي. انظر «تهذيب الكمال» (1/ 440) طبع مؤسسة الرسالة. [5] تحرفت في الأصل، والمطبوع إلى «المروزي» ، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني

سعيد الدّارمي [1] ومحمد بن يحيى الذّهلي النيسابوري، وخلق لا يحصون. قال إبراهيم الحربي: أدركت ثلاثة لن يرى مثلهم أبدا، يعجز النساء أن يلدن مثلهم، رأيت أبا عبيد القاسم بن سلّام ما أمثله إلّا بجبل نفخ [2] فيه روح، ورأيت بشر بن الحارث ما شبّهته إلّا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا، ورأيت أحمد بن حنبل، كأن الله- عز وجل- جمع له علم الأولين من كل صنف، يقول ما شاء ويمسك ما شاء. وعن الحسن بن العبّاس قال: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها؟ قال: لا أعلم إلّا شابا بالمشرق، يعني أحمد بن حنبل. وقال قتيبة بن سعيد: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري، والأوزاعي، ومالك، واللّيث بن سعد، لكان هو المقدّم. وقيل لقتيبة: يضم أحمد بن حنبل إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين. وقال يحيى بن معين: دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقلت له: أوصني، فقال: لا تحدّث المسند إلّا من كتاب [3] . وقال علي بن المديني: قال لي سيدي أحمد بن حنبل: لا تحدّث إلا من كتاب. وقال يوسف بن مسلم: قال حدّث الهيثم بن جميل بحديث عن جميل بحديث عن هشيم فوهم فيه، فقيل له: خالفوك في هذا، فقال: من خالفني؟ قالوا: أحمد بن حنبل. قال: وددت أنه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد ابن حنبل. (11/ 255) ، و «تهذيب الكمال» (1/ 440) طبع مؤسسة الرسالة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «عمر بن سعيد الدارمي» وهو خطأ. والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 441) . [2] في الأصل: «ينفخ» وأثبت ما في المطبوع. [3] يعني لا تحدّث الأحاديث بالإسناد إلا من كتاب.

وقيل لأبي زرعة: من رأيت من المشايخ المحدّثين أحفظ؟ قال: أحمد ابن حنبل، حزر كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغ اثني عشر حملا وعدلا، ما على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه حدثنا فلان، وكل ذلك كان يحفظه من ظهر قلبه. وروي عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل إمام الحفاظ أنه قال: إذا جاء الحديث في فضائل الأعمال وثوابها وترغيبها تساهلنا في إسناده، وإذا جاء الحديث في الحدود، والكفّارات، والفرائض، تشددنا فيه. وقال إبراهيم بن شمّاس: خاض النّاس فقالوا: إن وقع أمر في أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- فمن الحجّة على وجه الأرض، فاتفقوا كلهم على أن أحمد بن حنبل حجّة [1] . انتهى ما قاله في «الكمال» ملخصا. وقال ابن الأهدل: كان أحمد من خواص أصحاب الشافعي، وكان الشافعيّ يأتيه إلى منزله، فعوتب في ذلك فأنشد: قالوا يزورك أحمد وتزوره ... قلت الفضائل لا تفارق منزله إن زارني فبفضله أو زرته ... فلفضله فالفضل في الحالين له [2] رضي الله عنهما. وكان أحمد يحفظ ألف ألف حديث. قال الرّبيع: كتب إليه الشّافعيّ من مصر، فلما قرأ الكتاب بكى، فسألته عن ذلك فقال: إنه يذكر أنه رأى النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وقال: «اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السّلام وقل له: إنك ستمتحن على القول بخلق القرآن فلا تجبهم، نرفع لك علما إلى يوم القيامة» . قال الربيع: فقلت له: البشارة، فخلع عليّ قميصه وأخذت جوابه، فلما

_ [1] في المطبوع: «حجته» . [2] البيتان في «غربال الزمان» لليافعي ص (224) ولم أجدهما في «ديوانه» المطبوع.

قدمت على الشافعيّ وأخبرته بالقميص قال: لا نفجعك فيه [1] ولكن بلّه وادفع إليّ ماءه حتّى أكون شريكا لك فيه. وكان يخضب بالحناء خضابا [2] ليس بالقاني. وحزر من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف، ومن النساء ستين ألفا، وأسلم يوم موته عشرون ألفا من اليهود، والنصارى، والمجوس. وحكي عن إبراهيم الحربي قال: رأيت بشرا الحافي في النوم كأنه خارج من مسجد الرّصافة وفي كمه شيء يتحرك، فقلت: ما هذا في كمك؟ فقال: نثر علينا لقدوم روح أحمد الدّر والياقوت، فهذا ما التقطته. انتهى ما ذكره ابن الأهدل ملخصا. وفيها توفي جبارة بن المغلّس الحمّانيّ الكوفيّ عن سن عالية. روى عن شبيب بن شيبة [وأبي بكر] النهشلي [3] . قال في «المغني» [4] : جبارة بن المغلّس شيخ ابن ماجة، واه. قال ابن نمير: صدوق، كان يوضع له الحديث، يعني فلا يدري. وقال البخاريّ: مضطرب الحديث. قال أبو حاتم: وقال ابن معين: كذّاب. انتهى. وفيها الحسن بن حمّاد الإمام أبو علي الحضرميّ البغداديّ سجّادة. روى عن أبي بكر بن عيّاش وطبقته، وكان ثقة صاحب سنة وله حلقة وأصحاب. وفيها أبو توبة [5] الحلبيّ، واسمه الرّبيع بن نافع الحافظ. سمع

_ [1] في المطبوع: «لا نفجعك به» . [2] لفظة «خضابا» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [3] في الأصل والمطبوع: «روى عن شبيب بن أبي شيبة النهشلي» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (4/ 489- 490) . [4] (1/ 127) . [5] في الأصل، والمطبوع: «أبو ثوبة» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 436) ، و «تقريب التهذيب» ص (207) .

معاوية بن سلّام، وشريكا، والكبار. وروى عنه أحمد وغيره بلا واسطة، والشيخان بواسطة. كان أحد الثقات، ونزل طرسوس، فكان شيخها وعالمها. وعبد الله بن منير أبو عبد الرّحمن المروزيّ الزّاهد القانت، الذي قال البخاريّ: لم أر مثله. روى عن يزيد بن هارون وطبقته، وكان ثقة. ويعقوب بن حميد بن كاسب المحدّث مدني مشهور. نزل مكّة وروى عن إبراهيم بن سعد وطبقته، وكان يكنى أبا يوسف. قواه البخاري، ووثقه ابن معين، وضعفه جماعة. وفيها عبيد الله بن سعيد [السّرخسيّ أبو قدامة اليشكريّ] [1] المولى الرّضي، العلّامة الثقة. روى عنه الشيخان، والنسائي، وابن خزيمة. أظهر السّنّة بسرخس ودعا إليها وحده. وفيها الحسن بن إسحاق بن زياد، حسنويه [2] ، أحد الثقات. روى عنه البخاريّ، والنسائيّ، وغيرهما.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [2] في الأصل والمطبوع: «حسنونة» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» (7/ 56) .

سنة اثنتين وأربعين ومائتين

سنة اثنتين وأربعين ومائتين وفيها على ما قاله في «الشذور» رجمت قرية يقال لها: السويداء بناحية مضر [1] بخمسة أحجار، فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاحترقت، وزن منها حجر فكان عشرة أرطال، فحمل منها [2] أربعة إلى الفسطاط، وواحد إلى تنّيس. وزلزلت الرّيّ، وجرجان، وطبرستان، ونيسابور، وأصبهان، وقم، وقاشان، كلها في وقت واحد، وتقطعت جبال، ودنا بعضها من بعض، وسمع للسماء والأرض أصوات عالية، وسار جبل كان باليمن عليه مزارع قوم إلى مزارع قوم آخرين فوقف عليها، وزلزلت الدّامغان، فسقط نصفها على أهلها، فهلك بذلك خمسة وعشرون ألفا، وسقطت بلدان كثيرة على أهلها، ووقع طائر أبيض دون الرّخمة [3] وفوق الغراب على دلبة بحلب لسبع مضين من رمضان، فصاح: يا معشر النّاس اتقوا الله، الله، الله، حتّى صاح أربعين صوتا، ثم طار وجاء من الغد، فصاح أربعين صوتا، وكتب صاحب البريد بذلك وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه، ومات رجل في بعض كور الأهواز، فسقط طائر أبيض فصاح بالفارسية وبالحورية: إن الله قد غفر لهذا

_ [1] في الأصل والمطبوع: «بناحية مصر» وهو تصحيف والتصحيح من «معجم البلدان» (3/ 286) . [2] لفظة «منها» لم ترد في المطبوع. [3] قال الدميري في «حياة الحيوان الكبرى» (1/ 470) : الرخمة: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة.

الميت ولمن شهده. انتهى ما ذكره ابن الجوزي في «الشذور» . وفيها توفي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزّهري الفقيه، قاضي المدينة ومفتيها، في رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. تفقه على مالك، وسمع منه «الموطأ» ولزمه مدة، وسمع من جماعة، وكان ثقة. قال الزّبير بن بكّار: مات وهو فقيه المدينة غير مدافع. وفيها القاضي أبو حسّان الزّيادي، وهو الحسن بن عثمان، في رجب ببغداد، وكان إماما، ثقة، أخباريا، مصنفا، كثير الاطلاع. سمع حمّاد ابن زيد وطبقته. قيل: إن الشّافعيّ نزل عليه ببغداد. وفيها الحافظ أبو محمد الحسن بن علي الحلوانيّ الخلّال. سمع حسين بن علي الجعفي وطبقته. كان محدّث مكّة. ثقة مكثرا. قال إبراهيم بن أرومة: بقي اليوم في الدّنيا ثلاثة: محمد بن يحيى الذّهلي بخراسان، وأحمد بن الفرات بأصبهان، والحسن بن عليّ الحلواني بمكّة. وفيها الإمام أبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرئ إمام جامع دمشق، قرأ على أيوب بن تميم، وسمع من الوليد بن مسلم وطائفة. قال أبو زرعة الدمشقي: ما في الوقت أقرأ من ابن ذكوان. وقال أبو حاتم: صدوق. قال في «العبر» [1] : قلت: عاش سبعين سنة. انتهى. وفيها الإمام الرّبّانيّ محمد بن أسلم الطّوسيّ الزّاهد، صاحب

_ [1] (1/ 437) .

«المسند» و «الأربعين» ، وكان يشبّه في وقته بابن المبارك. رحل وسمع الحديث من يزيد بن هارون، وجعفر بن عون وطبقتهما. وروى عنه إمام الأئمة ابن خزيمة، وقال: لم تر عيناي مثله. وقال غيره: كان يعد من الأبدال، وكان يقال له: ربّانيّ هذه الأمة. قال ابن ناصر الدّين: قيل: إنه صلى عليه لما مات ألف ألف إنسان. وفيها أبو عبد الله محمد بن رمح التّجيبيّ مولاهم المصريّ الحافظ في شوّال. سمع اللّيث، وابن لهيعة. قال النسائيّ: ما أخطأ في حديث واحد. وقال ابن يونس: ثقة ثبت. كان أعلم الناس بأخبار بلدنا. وفيها محمد بن عبد الله بن عمّار الموصليّ الحافظ أبو جعفر، صاحب «التاريخ» و «علل الحديث» . سمع المعافي بن عمران، وابن عيينة، وطبقتهما، وكان عبيد العجلي يعظم أمره ويرفع قدره. قال النسائيّ: ثقة صاحب حديث. قال في «المغني» [1] : ثقة، أساء أبو يعلى القول فيه. انتهى. وفيها نوح بن حبيب [2] القومسيّ الحافظ. في رجب. روى عن عبد الله بن إدريس، ويحيى القطّان، وطبقتهما، وكان ثقة صاحب سنّة. وفيها يحيى بن أكثم القاضي، أبو محمد المروزيّ ثم البغداديّ، أحد الأعلام، في آخر السنة بالرّبذة، منصرفا من الحج، وله بضع وسبعون

_ [1] (2/ 598) . [2] كذا في الأصل، و «العبر» للذهبي: «نوح بن حبيب» وهو الصواب، وفي المطبوع، و «تقريب التهذيب» ص (566) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد عوّامة: «نوح بن أبي حبيب» وهو خطأ فيصحح فيه. انظر «الأنساب» للسمعاني (10/ 261) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1425) مصوّرة دار المأمون للتراث، و «تهذيب التهذيب» (10/ 481) .

سنة. سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته، وكان فقيها مجتهدا مصنفا. قال طلحة الشاهد: يحيى بن أكثم أحد أعلام الدّنيا، قائم بكل معضلة، غلب على المأمون حتّى أخذ بمجامع [1] قلبه، وقلّده القضاء وتدبير مملكته، وكانت الوزراء لا تعمل الشيء إلّا بعد مطالعته. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن الأهدل: كان سنيّ العقيدة، غلب على المأمون فقلّده القضاء وتدبير مملكته، ثم عزله المعتصم بابن أبي دواد، ثم رده المتوكل وعزل ابن أبي دواد، حتّى طابت عقائد أهل السّنّة، وكان يحيى كثير المزاح، واختلف المحدّثون في توثيقه، ولي قضاء البصرة وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقال له المأمون: كم سنك؟ فقال: كعتّاب بن أسيد حين أمّره النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- على مكّة. وسئل أحمد عما يذكر عنه من الهنات فأنكره إنكارا شديدا. وله الأثر المحمود والمقام التام يوم نادى المأمون بتحليل المتعة، فردّه بصريح النقل حتّى رجع واستغفر، ولما استدعاه المأمون للقضاء، نظر إليه، وكان دميم الخلق، فعلم أنه استحقره، فقال: يا أمير المؤمنين، سلني إن كان القصد عليّ لا خلقي، فسأله عن المسألة المعروفة بالمأمونية، وهي أبوان وابنتان ولم تقسم التركة حتّى ماتت إحدى البنتين، عمن في المسألة، فقال: الميت الأول رجل أو امرأة، فقال له: إذا سألت عن الميت الأول فقد عرفتها. انتهى ما قاله ابن الأهدل ملخصا. قلت: لأن الميت الأول إن كان رجلا فالأب وارث في المسألة الثانية، لأنه أبو أب، وإلّا فلا، لأنه أبو أم.

_ [1] في الأصل: «بجامع» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [2] (1/ 439) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

وروى أبو القاسم القشيريّ [1] ، رحمه الله تعالى، في «الرسالة» [2] قال: حكى أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعيد، قال: كان القاضي يحيى بن أكثم صديقا لي، وكان يودني وأوده، فمات، فكنت أشتهي أن أراه في المنام، فأقول له: ما فعل الله بك، فرأيته ليلة في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، إلّا أنه وبخني، ثم قال لي: يا يحيى خلّطت على نفسك في دار الدّنيا. فقلت: يا رب اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضّرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إنك قلت: «إني لأستحي أن أعذّب شيبة بالنّار» . فقال: قد عفوت عنك يا يحيى، وصدق نبيي، إلا أنك خلّطت على نفسك في دار الدّنيا. انتهى كلامه. وأكتم بالمثناة والمثلثة: العظيم البطن.

_ [1] هو عبد الكريم بن هوازن النيسابوري، شيخ خراسان في عصره، المتوفي سنة (465) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. [2] ص (327) ، وساق هذا النقل ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (6/ 163- 164) وفيه بعض الاختلاف.

سنة ثلاث وأربعين ومائتين

سنة ثلاث وأربعين ومائتين وفيها توفي أبو عبد الله أحمد بن سعيد الرّباطيّ [الأشقر] [1] الحافظ بنيسابور، وقيل: في سنة خمس أو ست وأربعين. سمع [وكيعا ورحل إلى عبد الرزاق، وحدّث عنه الأئمة سوى ابن ماجة، وكان علّامة مفيدا متقنا. وفيها أبو عبد الله أحمد بن عيسى المصريّ، المعروف بابن التّستريّ. سمع ضمام بن إسماعيل و] [2] ابن وهب، ونزل بغداد. وحدّث عنه الشيخان، والنسائي، وغيرهم. قال في «المغني» [3] : عن ابن وهب، ثقة. كذّبه ابن معين، وقال النسائيّ: لا بأس به. انتهى. وفيها إبراهيم بن العبّاس الصوليّ البغداديّ، أحد الشعراء المجيدين [4] والكتّاب المنشئين. كان موصوفا بالبلاغة والبراعة، وله ديوان مشهور فيه أشياء بديعة. قال دعبل: لو تكسّب إبراهيم بن العبّاس بالشعر لتركنا في غير شيء.

_ [1] لفظة «الأشقر» لم ترد في الأصل، و «العبر» للذهبي مصدر المؤلف، وأثبتها من المطبوع، وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 207) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «العبر» للذهبي فيستدرك فيه. [3] «المغني في الضعفاء» (1/ 51) . [4] في «العبر» : «المجودين» .

وقال ابن خلّكان [1] : وله ديوان شعر كله نخب، وهو صغير، ومن رقيق شعره: دنت بأناس عن تناء زيارة ... وشطّت [2] بليلى عن دنوّ مزارها وإنّ مقيمات بمنعرج اللّوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها [3] وله نثر بديع، فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين، إلى بعض البغاة الخارجين يتهددهم ويتوعدهم، وهو: أما بعد: فإن لأمير المؤمنين أناة، فإن لم تغن عقّب بعدها وعيدا، فإن لم يغن أغنت عزائمه، والسلام. وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع، فإنه ينشأ منه بيت شعر وهو: أناة فإن لم تغن عقّب بعدها ... وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه وكان يقول: ما اتكلت في مكاتبتي [قطّ] [4] إلّا على ما يجلبه خاطري، ويجيش به صدري. انتهى ما قاله ابن خلّكان ملخصا. وفيها الزّاهد الناطق بالحكمة: الحارث بن أسد المحاسبيّ، صاحب المصنفات في التصوف والأحوال. روى عن يزيد بن هارون وغيره. قال ابن الأهدل: كان أحد الخمسة الجامعين بين العلمين في واحد: هو، والجنيد، وأبو محمد، وأبو العبّاس بن عطاء، وعمرو بن عثمان المكي. وله مصنفات نفيسة في السلوك والأصول، ولم يأخذ من ميراث أبيه شيئا لأن أباه كان قدريّا.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (1/ 44) . [2] في «وفيات الأعيان» : «وشطّ» . [3] البيتان في «وفيات الأعيان» وعزاهما محققه الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس إلى «ديوانه» ص (145) . [4] زيادة من «وفيات الأعيان» .

ومن قوله: فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن القول مع الأمانة [1] ، وحسن الإخاء مع الوفاء. وهو أحد شيوخ الجنيد. انتهى. وفيها الفقيه أبو حفص حرملة بن يحيى التّجيبيّ المصريّ الحافظ، مصنف «المختصر» و «المبسوط» وغيرهما. روى عن ابن وهب مائة ألف حديث، وتفقه بالشّافعيّ، وخرّج له مسلم، والنسائي. قال في «المغني» [2] : هو شيخ مسلم، صدوق، يغرب. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال عبد الله بن محمد الفرهياني [3] : ضعيف. وقال ابن عدي: قد تبحرت في حديثه وفتشته الكثير، فلم أجد له ما يضعف من أجله. انتهى. وقال الإسنوي: حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة المصريّ التّجيبيّ نسبة إلى تجيب [4] بتاء مثناة من فوق مضمومة، وقيل: مفتوحة، ثم جيم بعدها ياء بنقطتين من تحت ثم موحدة، وهي قبيلة نزلت بمصر وأصلها اسم امرأة. كان حرملة إماما حافظا للحديث والفقه، صنف «المبسوط» و «المختصر» المعروف به. ولد سنة ست وستين ومائة، وتوفي في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين. انتهى ملخصا.

_ [1] كذا في الأصل، والمطبوع، و «مرآة الجنان» (2/ 143) : «مع الأمانة» ، وفي «غربال الزمان» ص (226) : «مع الإصابة» . [2] «المغني في الضعفاء» (1/ 153) . [3] ويقال: الفرهاذاني، نسبة إلى «فرهاذان» من قرى نسا بخراسان. انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 258) ، و «اللباب» لابن الأثير (2/ 427) . [4] في المطبوع: «تجنيب» وهو خطأ، وانظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 16) ، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 207) .

وفيها عبد الله بن معاوية الجمحيّ البصريّ وقد نيّف على المائة. روى عن القاسم بن الفضل الحدّانيّ، والحمّادين، وكان ثقة صاحب حديث. وفيها عقبة بن مكرم أبو عبد الملك العمّيّ البصريّ الحافظ. روى عن غندر [1] وطبقته، وكان ثبتا حجة. ومات قبله بأعوام [2] عقبة بن مكرم الضّبّيّ الكوفيّ. روى عن ابن عيينة، ويونس بن بكير، ولم تقع له رواية في شيء من الكتب الستة. وفيها محمد بن يحيى بن أبي عمر، أبو عبد الله العدنيّ الحافظ، صاحب «المسند» بمكة، في آخر السنة. روى عن الفضيل بن عياض، والدّراوردي، وخلق. وكان عبدا صالحا، خيرا. وقال مسلم، وغيره: هو حجة صدوق. وفيها هارون بن عبد الله الحافظ أبو موسى البغداديّ البزّاز المعروف بالحمّال. رحل وسمع عبد الله بن نمير، وابن أبي فديك، وطبقتهما. قيل: إنه تزهد وصار يحمل بأجرة يتقوت بها. وفيها هنّاد بن السّريّ، الحافظ الزّاهد القدوة أبو السّريّ الدّارميّ الكوفيّ، صاحب كتاب «الزّهد» . روى عن شريك، وإسماعيل بن عيّاش، وطبقتهما فأكثر، وجمع، وصنف. وروى عنه [3] أصحاب الكتب الستة إلّا البخاري [3] .

_ [1] تحرفت في «العبر» للذهبي (1/ 441) إلى «عبيد» فتصحح فيه. [2] وجزم الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (12/ 179) بأنه مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. [3] في الأصل: «وروي عن» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (3/ 1450) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق: روى عنه البخاري في «أفعال العباد» والباقون، يعني من أصحاب الكتب الستة.

وفيها أبو همّام الوليد بن شجاع السّكونيّ الحافظ الكوفيّ. سمع شريكا، وابن جعفر، وطبقتهما. قال في «المغني» [1] : ثقة مشهور. قال أبو حاتم: لا يحتج به. انتهى.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (2/ 722) .

سنة أربع وأربعين ومائتين

سنة أربع وأربعين ومائتين فيها على ما قاله في «الشذور» اتفق عيد الأضحى، وعيد الفطير لليهود، وشعانين النصارى. وفيها توفي أحمد بن منيع الحافظ الكبير أبو جعفر البغويّ الأصم، صاحب «المسند» ببغداد في شوال. سمع هشيما وطبقته، وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه. وقد خرّج له الجماعة، لكن البخاري بواسطة واحد، وكان أحد الثقات المشهورين. وإبراهيم بن عبد الله الهرويّ الحافظ ببغداد في رمضان. روى عن إسماعيل بن جعفر، وكان من أعلم الناس بحديث هشيم، وكان صوّاما، عابدا، تقيا. قال في «المغني» [1] : إبراهيم بن عبد الله الهرويّ شيخ الترمذي. قال النسائي: ليس بالقويّ. وقال أبو داود: ضعيف، وقد وثق. انتهى. وفيها إسحاق بن موسى الأنصاري الخطميّ المدنيّ ثم الكوفيّ، أبو موسى، قاضي نيسابور. روى عن ابن عيينة وطبقته. أطنب أبو حاتم الرّازي

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 17) .

في الثناء عليه، وكان كثير الأسفار، فتوفي بجوسية [1] من أعمال حمص. والحسن بن شجاع أبو علي البلخيّ الحافظ، أحد أركان الحديث في شوال كهلا، ولم ينتشر [2] حديثه. سمع عبيد الله بن موسى وطبقته، روى الترمذيّ عن رجل عنه. قال ابن ناصر الدّين: الحسن بن شجاع بن رجاء البلخيّ أبو علي. روى عنه البخاريّ، وغيره، وكان من نظراء أبي زرعة، لكن لم يشتهر لموته كهلا قبل أوان السماع. انتهى. وفيها أبو عمّار الحسين بن حريث المروزيّ الحافظ. سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته ولم يرحل [3] . وحمدويه، وهو حميد بن مسعدة بن المبارك السّاميّ البصريّ الثقة، قرأ وأقرأ، وسمع وحدّث. روى عنه أصحاب الكتب الستة إلّا البخاري [4] . وفيها عبد الحميد بن بيان الواسطيّ. روى عن خالد الطحّان، وهشيم فأكثر [5] . وفيها عليّ بن حجر الحافظ الإمام أبو الحسن السّعديّ المروزيّ، نزيل نيسابور في جمادى الأولى وله نحو من تسعين سنة. روى عن إسماعيل ابن جعفر، وشريك، وخلق، وكان من الثقات الأخيار. ومحمد بن أبان أبو بكر المستمليّ، مستملي وكيع، لقي ابن عيينة، وابن وهب، والكبار.

_ [1] أنظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 185) . [2] في الأصل، والمطبوع: «ولم ينشر» وما أثبته من «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. [3] انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزي (6/ 358- 361) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/ 400- 401) . [4] انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزي (7/ 395- 397) . [5] انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 765) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق.

وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأمويّ البصريّ في جمادى الأولى. سمع أبا عوانة وطبقته، وكان صاحب حديث. ولي القضاء جماعة من أولاده. وفيها يعقوب بن السّكّيت، النحويّ، أبو يوسف البغدادي، صاحب كتاب «إصلاح المنطق» و «تفسير دواوين الشعراء» وغير ذلك. سبق أقرانه في الأدب مع حظ وافر في السنن والدّين، وكان قد ألزمه المتوكل تأديب ابنه المعتز، فلما جلس عنده، قال له: يا بني بأي شيء يحب الأمير أن يبتدئ من العلوم. قال: بالانصراف، قال ابن السّكّيت: فأقوم. قال المعتز: أنا أخف نهوضا منك، فقام المعتز مسرعا، فعثر بسراويله فسقط، فالتفت خجلا، فقال ابن السّكّيت: يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرّجل فعثرته بالقول تذهب رأسه ... وعثرته بالرّجل تبرا [1] على مهل [2] فلما كان من الغد دخل على المتوكل، فقال له: قد بلغني البيتان، وأمر له بخمسين ألف درهم. وقال أحمد بن محمد بن شدّاد: شكوت إلى ابن السكيت ضائقة فقال: هل قلت شيئا؟ قلت: لا. قال: فأقول: أنا، ثم أنشد: نفسي تروم أمورا لست أدركها ... ما دمت أحذر ما يأتي به القدر ليس ارتحالك في كسب الغنى سفرا ... لكن مقامك في ضرّ هو السّفر

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «تبرئ» ، والتصويب من مصادر التخريج. [2] البيتان في «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (6/ 399) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 19) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 148) ، و «غربال الزمان» للعامري ص (228) ، وفي رواية البيتين بعض الخلاف في كل من «الوفيات» و «السير» .

وقال ابن السّكّيت: كتب رجل إلى صديق له: قد عرضت لي قبلك حاجة، فإن نجحت فألفاني منها حظي والباقي حظك، وإن تعذرت فالخير مظنون بك والعذر مقدم لك، والسلام. وكان ابن السّكّيت يوما عند المتوكل، فدخل عليه ابناه المعتز، والمؤيد، فقال له: يا يعقوب! أيّما أحبّ إليك، ابناي هذان، أم الحسن والحسين؟ فغض [1] من ابنيه، وذكر محاسن الحسن والحسين، فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه، وحمل إلى داره فمات من الغد. وروي أنه قال له: والله إن قنبرا خادم عليّ خير منك ومن ابنيك، فأمر بسلّ لسانه من قفاه، رحمه الله ورضي عنه. ويقال: إنه حمل ديته إلى أولاده.

_ [1] في الأصل: «فغضب» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

سنة خمس وأربعين ومائتين

سنة خمس وأربعين ومائتين فيها كما قاله في «الشذور» زلزلت بلاد المغرب حتّى تهدمت الحصون، والمنازل، والقناطر، فأمر المتوكل بتفرقة ثلاثة آلاف ألف درهم في الذين أصيبوا بمنازلهم، وكانت بأنطاكية زلزلة ورجفة قتلت خلقا كثيرا وسقط منها ألف وخمسمائة دار، ووقع من سورها نيّف وتسعون برجا، وسمع أهلها أصواتا هائلة لا يحسنون وصفها، فتركوا المنازل وهرب الناس إلى الصحراء، وسمع أهل تنّيس [1] صيحة عالية دامت، فمات منها خلق كثير، وذهبت جبلة بأهلها. انتهى. وفيها توفي أحمد بن عبدة الضّبيّ بالبصرة. سمع حمّاد بن زيد، والكبار. وروى الكثير. وإسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجرا [2] المروزيّ الحافظ، في شوّال ببغداد وله خمس وتسعون سنة. سمع حمّاد بن زيد وطبقته، وكان من كبار المحدّثين.

_ [1] في «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي (2/ 319) : «بلبيس» ، وانظر هذا الخبر فيه فإن فيه بعض الزيادة. [2] كذا في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي، و «تهذيب التهذيب» (1/ 223) ، و «تقريب التهذيب «ص (100) : «كامجرا» ، وفي «تهذيب الكمال» (2/ 398) طبع مؤسسة الرسالة، و (1/ 81) مصورة دار المأمون للتراث، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/ 476) : «كامجر» .

قال ابن ناصر الدّين: هو ثقة لكن تكلّم فيه. انتهى. وفيها إسماعيل بن موسى الفزاريّ الكوفيّ الشيعيّ المحدّث، ابن بنت السّدّي. روى عن مالك وطبقته، وروى عن عمر بن شاكر عن أنس بن مالك. وخرّج له أبو داود، والترمذي، وغيرهما. قال في «المغني» [1] : إسماعيل بن موسى الفزاريّ السّدّيّ يترفّض، وقال أبو داود: يتشيع. انتهى. وفيها ذو النّون المصريّ أبو الفيض ثوبان، ويقال: الفيض بن إبراهيم، أحد رجال الطريقة، وواحد وقته. كان أبوه نوبيّا، سعي به إلى المتوكل فسجنه، وأهدي له طعام في السجن فكرهه لكون السجان حمله بيده. ولما أطلق اجتمع عليه الصوفية ببغداد في الجامع واستأذنوه في السماع، وحضر حضرته القوّال، فأنشد: صغير هواك عذّبني ... فكيف به إذا احتنكا وأنت جمعت من قلبي ... هوى قد كان مشتركا [2] فتواجد ذو النون، وسقط فانشج [3] رأسه، وقطر منه دم، ولم يقع على الأرض، فقام شابّ يتواجد، فقال له ذو النّون: الذي يراك حين تقوم، فقعد الشاب. قال بعضهم: كان ذو النون صاحب إسراف، والشاب صاحب إنصاف.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 88) . [2] البيتان مع الخبر في «غربال الزمان» ص (229) . [3] في «غربال الزمان» : «وانشدخ» .

ومن كلامه: علامة محب الله متابعة الرّسول في كل ما أمر به. قال السيوطي في كتاب «حسن المحاضرة» [1] : ذو النون المصري، ثوبان بن إبراهيم، أبو الفيض، أحد مشايخ الطريق المذكورين في رسالة القشيري، وهو أول من عبّر عن علوم المنازلات، وأنكر عليه أهل مصر، وقالوا: أحدثت [2] علما لم تتكلم فيه الصحابة، وسعوا به إلى الخليفة المتوكل، ورموه عنده بالزندقة، وأحضروه من مصر على البريد، فلما دخل سرّ من رأى، وعظه، فبكى المتوكل، وردّه مكرّما. وكان مولده بإخميم [3] . وحدّث عن مالك، واللّيث، وابن لهيعة. وروى عنه الجنيد، وآخرون. وكان أوحد وقته علما، وورعا، وحالا، وأدبا، مات في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين، وقد قارب التسعين. قال السّلميّ: كان أهل مصر يسمونه بالزّنديق، فلما مات أظلّت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه إلى أن وصل إلى قبره. انتهى ما ذكره السيوطي. وفيها سوّار بن عبد الله بن سوّار التميميّ العنبريّ البصريّ، أبو عبد الله [قاضي الرّصافة ببغداد. روى عن يزيد بن زريع وطبقته. قال في «المغني» [4] : سوّار بن عبد الله] [5] بن قدامة العنبريّ ليس بشيء. انتهى. وكان من الشعراء المجيدين.

_ [1] (1/ 511- 512) . [2] في المطبوع: «حدثت» وهو خطأ، وفي «حسن المحاضرة» : «أحدث» . [3] قال ياقوت: إخميم بلد ... على شاطئ النيل بالصعيد، وفي غربيّه جبل صغير، من أصغى إليه بأذنيه سمع خرير الماء، ولغطا شبيها بكلام الآدميين، لا يدرى ما هو، وبإخميم عجائب كثيرة قديمة، منها البراني وغيرها، والبراني أبنية عجيبة فيها تماثيل وصور، واختلف في بانيها. وانظر تتمة كلامه فيه (1/ 123- 124) . [4] «المغني في الضعفاء» (1/ 289) . [5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.

ودحيم الحافظ الحجّة، أبو سعيد عبد الرّحمن بن إبراهيم الدمشقي، قاضي فلسطين والأردن، وله خمس وسبعون سنة. سمع ابن عيينة، والوليد ابن مسلم، وطبقتهما. وروى عنه البخاريّ وغيره. قال أبو داود: لم يكن في زمانه مثله. وفيها أبو تراب النّخشبيّ [1] العارف، واسمه عسكر بن الحصين، من كبار مشايخ القوم، صحب حاتم الأصم وغيره. قال السخاويّ في «طبقاته» : عسكر بن حصين أبو تراب النّخشبيّ، ويقال: عسكر بن محمد بن حصين، أحد فتيان خراسان، والمذكورين بالأحوال السنية الرفيعة، وأحد علماء هذه الطائفة، صحب حاتم الأصم حتّى مات، ثم خرج إلى الشّام، وكتب الحديث الكثير، ونظر في كتب الشافعي، ثم نزل مكّة، ثم كان يخرج إلى عبّادان، والثغر، ويرجع إلى مكّة، ومات بين المسجدين، ودخل البصرة وتزوج بها، وصحب شقيقا البلخي. قال أبو تراب: من كان غناه بماله لم يزل فقيرا، ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنيا، ومن كان غناه بربه فقد قطع عنه اسم الفقر والغنى، لأنه دخل في حيز ما لا وصف له. وقال ابن الجلاء [2] : قال أبو تراب: إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله صحبتها الوقيعة في الأولياء. وقال: أشرف القلوب قلب حيّ بنور الفهم عن الله عز وجل. وقال: ليس في العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلوب.

_ [1] نسبة إلى نخشب من مدن ما وراء النهر بين جيحون، وسمرقند. انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 276) ، و «اللباب» لابن الأثير (3/ 303) . [2] هو أبو عبد الله أحمد بن يحيى بن الجلاء، كان أصله من بغداد، وأقام بالرّملة، ودمشق، وكان من جلّة مشايخ الشام. مات سنة (306) هـ. انظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (176- 179) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (11/ 129) .

وقال: إن الله ينطق العلماء في كل زمان بما يشاكل [1] أعمال ذلك الزمان. وقال: من أشغل مشغولا بالله عن الله، أدركه المقت من ساعته. دخل بغداد مرّات، واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل، فجعل الإمام أحمد يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال له أبو تراب: لا تغتب العلماء، فالتفت إليه الإمام أحمد وقال له: ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة. انتهى ما ذكره السخاويّ ملخصا. وفيها محمد بن رافع أبو عبد الله القشيريّ مولاهم النيسابوريّ الحافظ. سمع ابن عيينة، ووكيعا، وخلائق. وروى عنه الشيخان، وغيرهما، وكان ثقة، زاهدا، صالحا، قد أرسل إليه عبد الله بن طاهر [2] نوبة خمسة آلاف درهم، فردّها، ولم يكن لأهله يومئذ خبز. وفيها محمد بن هشام التميميّ السعديّ. قال ابن الأهدل: كان ممدوحا بالحفظ وحسن الرّويّة. قال مؤرّج [3] : أخذ منّي كتابا فحبسه ليلة ثم جاء به وقد حفظه. وقال له سفيان بن عيينة: لا أراك تخطئ شيئا مما تسمع، ثم قال له: حدّثني الزّهري عن عكرمة، عن ابن عبّاس أنه قال: يولد في كل سبعين سنة

_ [1] في المطبوع: «بما يشاء كل» وهو خطأ. [2] وكان أميرا لخراسان، ومن أشهر الولاة في العصر العباسي، مات سنة (230) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (4/ 93- 94) . [3] في الأصل، والمطبوع: «مؤرخ» وهو تصحيف، وهو مؤرّج بن عمرو بن الحارث. السّدوسي، أبو فيد، عالم بالعربية والأنساب، من أعيان أصحاب الخليل بن أحمد الفراهيدي، من أهل البصرة، كان له اتصال بالمأمون العباسي، ورحل معه إلى خراسان، فسكن مدة بمرو، وانتقل إلى نيسابور. من كتبه «جماهير القبائل» ، و «حذف من نسب قريش» و «غريب القرآن» و «كتاب الأمثال» ، و «المعاني» . مات سنة (195) هـ. انظر «الأعلام» (7/ 318) .

من يحفظ كل شيء. قال: وضرب بيده على جنبي وقال: أراك منهم. انتهى [1] . وفيها هشام بن عمّار الإمام أبو الوليد السّلميّ، خطيب دمشق، وقارئها، وفقيهها، ومحدّثها في سلخ المحرم، عن سنتين وتسعين سنة. روى عن مالك وطبقته، وقرأ على عراك، وأيوب بن تميم عن قراءتهما على يحيى الذّماري صاحب ابن عامر. قال في «المغني» [2] : هشام بن عمّار، خطيب دمشق ومقرئها، ثقة مكثر، له ما ينكر. قال أبو حاتم: صدوق وقد تغير، فكان كلما لقنه تلقّن. وقال أبو داود: حدّث بأربعمائة حديث لا أصل لها. وقال ابن معين: ثقة. وقال مرّة: كيّس كيّس. وقال النسائي: لا بأس به. وقال الدارقطني: صدوق كبير المحل [3] . وقال صالح جزرة: كان يأخذ على الرّواية. انتهى كلام «المغني» .

_ [1] انظر «غربال الزمان» للعامري ص (229) . [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 711) . [3] في الأصل: «كثير المحل» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

سنة ست وأربعين ومائتين

سنة ست وأربعين ومائتين فيها كما قاله في «الشذور» مطرت سكّة ببلخ دما عبيطا [1] . وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن كثير أبو عبد الله العبديّ البغداديّ الدّورقيّ [2] الحافظ الثقة. سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته، وصنف التصانيف الحسنة المفيدة. وفيها أحمد بن أبي الحواري الزّاهد الكبير، أبو الحسن الدّمشقيّ [3] . سمع أبا معاوية وطبقته، وكان من كبار المحدّثين والصوفية، وأجلّ أصحاب أبي سليمان الدّاراني، وله كلام في الحقائق، منه: ما ابتلى الله عبدا بشيء أشد من القسوة والغفلة. وقالت له زوجته رابعة الشامية: أحبك حب الإخوان لا حب الأزواج. وكانت زوجته أيضا من كبار الصالحات الذاكرات، وكانت تطعمه الطيّب وتطيّبه وتقول: اذهب بنشاطك إلى أهلك، وتقول عند تقريبها الطعام إليه: كل فما نضج إلّا بالتسبيح. وتقول إذا قامت من الليل:

_ [1] ذكر ابن تغري بردي هذا الخبر في «النجوم الزاهرة» (2/ 322) برواية أخرى. [2] انظر «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 249- 251) طبع مؤسسة الرسالة. [3] انظر «طبقات الصوفية» ص (98- 102) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 369- 375) .

قام المحبّ إلى المؤمّل قومة ... كاد الفؤاد من السّرور يطير [1] وقال السخاويّ في «طبقات الأولياء» : أحمد بن أبي الحواري، كنيته أبو الحسن، وأبو الحواري، اسمه ميمون من أهل دمشق، صحب أبا سليمان الدّاراني، وسفيان بن عيينة، وأبا عبد الله النياحي، وغيرهم، وله أخ يقال له: محمد، يجري مجراه في الزّهد والوّرع، وابنه عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري من الزّهاد، وأبو أيضا كان من العارفين والورعين، فبيتهم بيت الوّرع والزّهد، ومن كلامه: من عمل بلا اتّباع سنة فعمله باطل. وقال: إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية آية، فيحار عقلي وأعجب من حفّاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بتدبير الدّنيا وهم يتلون كلام الرّحمن، أما لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتلذذوا به، واستحلوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا ووفّقوا. وقال الحافظ الذّهبيّ في «التهذيب» [2] : قال محمد بن عوف الحمصي: رأيت أحمد بن أبي الحواري صلى العتمة ثم قام يصلي، فاستفتح ب الْحَمْدُ 1: 2 إلى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5 [الفاتحة: 5- 1] فطفت الحائط كله ثم رجعت، فإذا هو لا يجاوز إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5 ثم نمت ومررت به سحرا، وهو يقرأ [3] : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5 فلم يزل يردّدها إلى الصبح. انتهى ملخصا. وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن المروزيّ الحافظ، صاحب ابن المبارك بمكة، وقد سمع من هشيم والكبار. وفيها أبو عمر الدّوري القارئ [4] شيخ المقرئين في عصره، وله

_ [1] البيت في «غربال الزمان» ص (230) . [2] (1/ 17) (مخطوط) وقفت عليه في مكتب الشركة المتحدة للتوزيع بدمشق. [3] في الأصل، والمطبوع: «وهو يقول» وما أثبته من مخطوطة «التذهيب» . [4] لفظة «القارئ» لم ترد في المطبوع، و «العبر» للذهبي مصدر المؤلف.

ستّ وتسعون سنة. وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان المقرئ قرأ على الكسائي، وإسماعيل بن جعفر، ويحيى اليزيدي، وحدّث عن طائفة، وصنف في القراءات، وكان صدوقا. قرأ عليه خلق كثير. قال: أدركت حياة نافع، ولو كان عندي شيء لرحلت إليه. وفيها دعبل بن علي الخزاعيّ [1] الشاعر المشهور الرافضيّ، مدح الخلفاء والملوك، وكان يحب الهجاء [2] . وقد أجازه عبد الله بن طاهر على أبيات ستين ألف درهم. قال ابن خلّكان [3] : قيل: إن دعبلا لقب، واسمه الحسن. وقيل: عبد الرحمن، وقيل: محمد، وكنيته أبو جعفر، وقيل [4] : إنه كان أطروشا [5] وفي قفاه سلعة [6] . كان شاعرا مجيدا، إلا أنه بذيء اللسان مولعا بالهجاء [7] والحطّ من أقدار النّاس، وهجاء الخلفاء ومن دونهم، وطال عمره، فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي، أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك. وكان بين دعبل، ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير، وعليه تخرج

_ [1] انظر ترجمته ومصادرها في «وفيات الأعيان» (2/ 266- 270) ، و «الأعلام» (2/ 339) . [2] في «العبر» للذهبي: «وكان خبيث الهجاء» . [3] في «وفيات الأعيان» (2/ 266) . [4] في «وفيات الأعيان» : و «يقال» . [5] قال ابن منظور: الأطروش: الأصم. «لسان العرب» (طرش) . [6] قال ابن منظور: السّلعة بكسر السين: الضّواة، وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغدة، وقال الأزهري: هي الجحدرة تخرج بالرأس وسائر الجسد تمور بين الجلد واللحم إذا حركتها، وقد تكون لسائر البدن، في العنق وغيره، وقد تكون من حمصة إلى بطيخة. «لسان العرب» (سلع) . [7] في «وفيات الأعيان» : «مولعا بالهجو» .

دعبل في الشعر، فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان، وهي جرجان، فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما، فلم يلتفت مسلم إليه، ففارقه وقال: غششت الهوى حتّى تداعت أصوله ... بنا وابتدلت الوصل حتّى تقطّعا وأنزلت من بين الجوانح والحشا ... ذخيرة ودّ طالما قد تمنّعا فلا تعذلنّي ليس لي فيك مطمع ... تخرّقت حتّى لم أجد لك مرقعا وهبك يميني استأكلت فقطعتها ... وصبّرت قلبي بعدها فتشجّعا [1] ومن شعره في الغزل: لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى يا ليت شعري كيف نومكما [2] ... يا صاحبيّ إذا دمي سفكا لا تأخذا بظلامتي أحدا ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا [3] ولما مات دعبل- وكان صديقا للبحتريّ، وكان أبو تمام قد مات قبله- رثاهما البحتريّ فقال: قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي ... مثوى حبيب يوم مات ودعبل [4] في أبيات. انتهى ملخصا.

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (2/ 268) ، وهي في «ديوانه» ص (182- 183) صنعة الدكتور عبد الكريم الأشتر، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق، ورواية البيت الأخير منها فيه: فهبك يميني استأكلت فاحتسبتها ... وجشّمت قلبي قطعها فتشجّعا [2] في الأصل، والمطبوع: «كيف نومكم» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، و «ديوانه» . [3] الأبيات في «وفيات الأعيان» (2/ 268- 269) وهي الأبيات الثاني، والسابع، والثامن من قصيدة في «ديوانه» ص (204- 205) . [4] البيت في «ديوان البحتري» (3/ 1790) بتحقيق الأستاذ حسن كامل الصيرفي، طبع دار المعارف بمصر.

وفيها العبّاس بن عبد العظيم، أبو الفضل العنبريّ البصريّ الحافظ، أحد علماء السّنّة. سمع يحيى القطّان وطبقته، وتوفي في رمضان، وكان من الثقات الأخيار. ولوين، واسمه محمد بن سليمان، أبو جعفر الأسديّ البغداديّ ثم المصّيصيّ. سمع مالكا، وحمّاد بن زيد، والكبار، وعمّر دهرا طويلا وجاوز المائة، وكان كثير الحديث ثقة. قاله في «العبر» [1] . وفيها محمد بن يحيى بن فيّاض الزّمّانيّ البصريّ. روى عن عبد الوهّاب الثقفي وطبقته فأكثر، وحدّث في آخر عمره بدمشق، وبأصبهان. والمسيّب بن واضح الحمصيّ. روى عن إسماعيل بن عيّاش والكبار، وتوفي في آخر السنة. قال أبو حاتم: صدوق يخطئ. وفيها المفضّل [2] بن غسّان الغلابي ببغداد. روى عن عبد الرّحمن ابن مهدي وطبقته، وله «تاريخ» مفيد [3] .

_ [1] (1/ 447) . [2] في الأصل، والمطبوع: «الفضل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 448) ، وانظر «اللباب» لابن الأثير (2/ 395) . [3] قلت: وفيها مات محمد بن مصفّى الحمصيّ، أبو عبد الله. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (12/ 94- 96) .

سنة سبع وأربعين ومائتين

سنة سبع وأربعين ومائتين فيها توفي إبراهيم بن سعيد الجوهريّ أبو إسحاق البغداديّ الحافظ، مصنف «المسند» . روى عن هشيم وخلق كثير. مات مرابطا بعين زربة [1] وكان من أركان الحديث. خرّج «مسند أبي بكر الصّدّيق» في نيف وعشرين جزءا. وفيها أبو عثمان المازنيّ النحويّ، صاحب التصانيف، واسمه بكر بن محمد. قال تلميذه المبرّد: لم يكن بعد سيبويه أعلم من أبي عثمان المازني بالنحو. قال ابن خلّكان [2] : كان في غاية الورع. ومما رواه المبرّد، أن بعض أهل الذّمّة قصده ليقرأ عليه «كتاب سيبويه» وبذل له مائة دينار في تدريسه إياه، فامتنع أبو عثمان من ذلك. قال: فقلت له: جعلت فداك أتردّ هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضاقتك؟ فقال: إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله- عزّ وجل- ولست

_ [1] قال الزبيدي في «تاج العروس» (زرب) : عين زربة بالضم، أو زربي، كسكرى، وعلى الأول اقتصر ابن العديم في «تاريخ حلب» ، ثغر مشهور قرب المصيصة من الثغور الشامية، وانظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 177- 178) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (422) . [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 284- 285) .

أرى أن أمكّن منها ذمّيا غيرة على كتاب الله- عزّ وجلّ- وخشية له [1] . قال: فاتفق أن غنّت جارية بحضرة الواثق بقول العرجيّ: أظلوم إن مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحية ظلم [2] فاختلف من بالحضرة في إعراب رجلا [3] فمنهم من نصبه وجعله اسم «إن» ومنهم من رفعه على أنه خبرها، والجارية مصرّة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب، فأمر الواثق بإشخاصه. قال أبو عثمان: فلما مثلت بين يديه قال: ممن الرجل؟ قلت: من بني مازن. قال: أيّ الموازن؟ أمازن تميم، أم مازن قيس، أم مازن ربيعة؟ فقلت: من مازن ربيعة، فكلمني بكلام قومي، وقال باسمك [4] ، لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما، فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر، فقلت: بكر يا أمير المؤمنين، ففطن لما قصدته، وأعجب [5] به ثم قال: ما تقول في قول الشاعر: أظلوم إن مصابكم رجلا» البيت. أترفع رجلا أم تنصبه؟ فقلت: بل الوجه النصب يا أمير المؤمنين، فقال: ولم ذلك [6] ؟ فقلت: هو بمنزلة قولك: إن ضربك زيدا ظلم، فالرجل مفعول مصابكم وهو منصوب به، والدليل عليه أن الكلام معلق إلى أن تقول [7] : ظلم، فاستحسنه الواثق وقال: هل لك من ولد؟ قلت: نعم يا أمير

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «وحميّة له» . [2] البيت في «ديوان العرجي» ص (193) . كما ذكر الدكتور إحسان عباس في تعليقه على «الوفيات» . [3] في الأصل: «رجل» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [4] في الأصل، والمطبوع: «باأسبك» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل: «وتعجب» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [6] في المطبوع: «ولما ذاك» ، وفي الأصل: «ولما ذلك» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [7] في الأصل، والمطبوع: «إلى أن يقول» ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

المؤمنين بنيّة، قال: ما قالت لك عند مسيرك؟ قلت: أنشدت قول الأعشى [1] : أيا أبتا لا ترم عندنا ... فإنّا بخير إذا لم ترم أرانا إذا اضمرتك البلا ... د، نجفى وتقطع منّا الرّحم [2] قال: فما قلت لها؟ قال: قلت قول جرير: ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنّجاح [3] قال: على النجاح إن شاء الله تعالى، ثم أمر لي بألف دينار، وردّني مكرما. قال المبرّد: فلما عاد إلى البصرة قال لي: كيف رأيت يا أبا العبّاس؟ رددنا لله مائة فعوّضنا ألفا. انتهى ما ذكره ابن خلّكان ملخصا. وفيها في شوال، قتل المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي، فتكوا به في مجلس لهوه بأمر ابنه المنتصر، وعاش أربعين سنة، وكان أسمر نحيفا، مليح العينين، خفيف العارضين، ليس بالطويل، وهو الذي أحيا السّنّة، وأمات التجهّم، ولكنه كان فيه نصب ظاهر، وانهماك على اللذّات والمكاره، وفيه كرم وتبذير، وكان قد عزم على ابنه المنتصر وتقدم إليه بتقديم المعتز عليه لفرط محبته لأمه، وبقي يؤذيه ويتهدده إن لم ينزل عن العهد، واتفق مصادرة المتوكل لوصيف، فتعاملوا عليه، ودخل عليه خمسة

_ [1] هو ميمون بن قيس بن جندل، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له: أعشى بكر، والأعشى الكبير، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية أحد أصحاب المعلقات. مات سنة (7) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (7/ 341) . [2] البيتان في «ديوانه» ص (41) بتحقيق الدكتور م. محمد حسين، طبع مكتبة الآداب، ورواية البيت الأول منهما فيه: ويا أبتا لا تزل عندنا ... فإنا نخاف بأن تخترم [3] البيت في «ديوانه» بشرح الصاوي ص (98) .

في جوف الليل فنزلوا عليه بالسيوف، فقتلوه وقتلوا وزيره الفتح بن خاقان معه، ولما قتلا أصبح النّاس يقولون: قتل المتوكل والفتح بن خاقان دبّر عليهما المنتصر ولد المتوكل، وكان النّاس على لسان واحد يقولون: والله لا عاش المنتصر إلا ستة أشهر كما عاش شيرويه بن كسرى حيث قتل أباه، فكان الأمر كذلك، وكان قتله ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال. وكان للمتوكل خمسمائة وصيفة للفراش، ولم يكن فيهن أحظى من صبيحة أم ولده المعتز، وبسبب ميله إليها أراد يقدم ولدها بالعهد، وكان أصغر من المنتصر، وكان تقدم منه العهد للمنتصر، ثم لأخويه من بعده، وفي ذلك يقول السّلميّ: لقد شدّ ركن الدّين بالبيعة الرّضا ... وسار بسعد جعفر بن محمّد لمنتصر بالله أثبت عهده ... وأكّد بالمعتز ثم المؤيّد [1] ورزق المتوكل من الحظ من العامة لتركه الهزل واللهو إلا أنه كان يتشبه في الغضب بخلق الجبابرة، وبلغ المتوكل أن صالح بن أحمد بن حنبل رأى في نومه قائلا يقول: ملك يقاد إلى مليك عادل ... متفضّل بالعفو ليس بحائر [2] فصدقه بذلك. وروى علي بن الجهم قال: لما أفضت الخلافة إلى المتوكل، أهدى له الناس على أقدارهم، فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلاثمائة جارية من أصناف الجواري، وكان فيهن جارية يقال لها: محبوبة، وقد نشأت بالطائف، فوقعت من قلب المتوكل موقعا عظيما، وحلّت من نفسه محلا جسيما، وكانت تسامره ولا تفارقه، فغاضبها يوما وأمرها بلزوم مقصورتها، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها.

_ [1] البيتان في «غربال الزمان» للعامري ص (230) ، وفيه «سدّ ركن الدّين» . [2] البيت في «غربال الزمان» ص (230) .

قال علي بن الجهم: فبينا أنا عنده جالس يوما إذ قال لي: يا علي، رأيت البارحة كأنني صالحت محبوبة، فقلت: أقر الله عينك وجعله حقيقة في اليقظة، وإنا لفي ذلك، إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه، فقالت: يا أمير المؤمنين، سمعت الساعة في منزل محبوبة غناء، فقال لي: يا علي، قم بنا الساعة، فإنا سنرد على بوادر ظريفة، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويدا لئلا يسمع حسنا، فوقف على باب المقصورة، وإذا بها تضرب بالعود وتغني: أدور في القصر لا أرى أحدا ... أشكو إليه ولا يكلّمني حتّى كأنّي جنيت معصية ... ليست لها توبة تخلّصني فهل شفيع لنا إلى ملك ... قد زارني في الكرى وصالحني حتّى إذا ما الصباح لاح لنا ... عاد إلى هجره فصارمني [1] فنفر المتوكل طربا ونفرت معه لنفيره، فأحست بنا، فخرجت حافية ثم أكبت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه، ثم قالت: يا أمير المؤمنين، رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك. قال لها: وأنا والله رأيت مثل ذلك. قالت: فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال، فقال: ادخل فإنا سنرد على ما نحب. قال: فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة، ووصلني بعد ذلك ببدرة، فأخذتها وانصرفت. قيل: قرئ على المتوكل كتاب فيه ملاحم، فمر القارئ فيه على موضع فيه: إن الإمام العاشر من بني العبّاس يقتل في مجلسه على فراشه، فقال: ليت شعري من الشقي الذي يقتله، ثم وجم، فقيل له: أنت الحادي عشر، وعدوا إبراهيم بن المهدي من جملة الخلفاء فسرّي عنه. وقيل: رأى المتوكل في منامه كأن دابّة تكلّمه، فقال لبعض جلسائه: ما تفسره، ففسره له بشيء آخر، ثم قال لبعض من حضر سرا: حان رحيله لقوله

_ [1] الأبيات في «مروج الذهب» للمسعودي (4/ 126) مع شيء من الخلاف في روايتها.

تعالى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً من الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ 27: 82 [النمل: 82] . وقيل: رأى المتوكل في منامه رؤيا، فقصها على الفتح بن خاقان وزيره، فقال: يا أمير المؤمنين أضغاث أحلام، ولو تشاغلت بالشرب والغناء لسرّي عنك هذا، فقطع عامة نهاره بالتشاغل، فلما جاءه الليل أمر بإحضار الندماء والمغنين، وجلس بقصره المعروف بالجعفري وعنده الفتح، فقال للمغنّين: غنّوا، فغنّوا، ثم قام ولده محمد المنتصر ومعه الحاجب يشيعه، فخلا الموضع، فدخل عليه خمسة من الأتراك، فقتلوه وقتلوا الفتح أيضا. وفيها توفي سلمة [1] بن شبيب أبو عبد الرّحمن النيسابوريّ، الحافظ الموثق في رمضان بمكة. روى عن يزيد بن هارون وطبقته، وقد روى عنه من الكبار أحمد بن حنبل، وأصحاب الكتب الستة إلّا البخاري. وفيها، أو بعدها، محمد بن مسعود الحافظ، ابن العجميّ [2] . سمع عيسى بن يونس، ويحيى بن سعيد القطّان، وطبقتهما، ورابط بطرسوس. قال محمد بن وضاح القرطبي: هو رفيع الشأن، فاضل، ليس بدون أحمد بن حنبل، يعني في العمل لا في العلم، والله أعلم. قاله في «العبر» [3] .

_ [1] في الأصل، و «العبر» للذهبي (1/ 449) : «مسلمة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] انظر «تهذيب الكمال» للمزي. (3/ 1267) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق، و «سير أعلام النبلاء» (12/ 249- 250) ، و «تقريب التهذيب» ص (506) . [3] (1/ 449- 450) .

سنة ثمان وأربعين ومائتين

سنة ثمان وأربعين ومائتين فيها، بل في التي قبلها كما جزم به في «الشذور» ، توفيت شجاع أمّ المتوكل، وكانت خيّرة كثيرة الرغبة في الخير، وخلّفت من العين خمسة آلاف ألف دينار وخمسين ألف دينار، ومن الجوهر قيمته ألف ألف دينار، ولا يعرف امرأة رأت ابنها وهو جدّ وثلاثة أولاد ولاة عهود إلّا هي. قاله في «الشذور» . وفيها توفي الإمام العلم أبو جعفر أحمد بن صالح الطبريّ ثم المصريّ الحافظ. سمع ابن عيينة، وابن وهب، وخلقا. وكان ثقة. قال محمد بن عبد الله بن نمير: إذا جاوزت الفرات فليس أحد مثل أحمد ابن صالح. وقال ابن وارة الحافظ: أحمد بن حنبل ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، وابن نمير بالكوفة، والنفيليّ بحرّان، هؤلاء أركان الدّين. وقال يعقوب الفسويّ: كتبت عن ألف شيخ حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن صالح، وأحمد بن حنبل. وفيها الحسين بن علي الكرابيسيّ الفقيه المتكلم أبو علي ببغداد، وقيل مات في سنة خمس وأربعين. تفقه على الشافعيّ، وسمع من إسحاق الأزرق وجماعة، وصنف التصانيف، وكان متضلّعا من الفقه والحديث والأصول ومعرفة الرّجال.

والكرابيس الثياب الغلاظ. وفيها بغا الكبير أبو موسى التركيّ، مقدّم قوّاد المتوكل، عن سنّ عالية، وكان بطلا شجاعا مقداما، له عدة فتوح ووقائع، باشر الكثير من الحروب فما جرح قطّ، وخلّف أموالا عظيمة. وفيها أمير خراسان وابن أميرها، طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعيّ، في رجب، ولي إمرة خراسان بعد أبيه ثمان عشرة سنة. ووليها بعده ولده محمد بن طاهر عشرين سنة [1] . وقد حدّث طاهر عن سليمان بن حرب. وفيها عبد الجبّار بن العلاء بن عبد الجبّار، أبو بكر البصريّ ثم المكيّ العطّار. روى عن سفيان بن عيينة وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث. وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصريّ: سمع أباه، وابن وهب، وكان أحد الفقهاء. وعيسى بن حمّاد زغبة التجيبيّ، مولاهم، المصريّ، راوية اللّيث بن سعد [2] . والقاسم بن عثمان الدمشقيّ الزّاهد المعروف بالجوعي [3] ، من كبار الصوفية والعارفين، صحب أبا سليمان الدّاراني، وروى عنه سفيان بن عيينة وجماعة. قال أبو حاتم [4] : صدوق. وفيها محمد بن حيمد الرّازيّ، أبو عبد الله، الحافظ. روى عن جرير

_ [1] كذا في الأصل، والمطبوع، وفي «العبر» ، و «دول الإسلام» للذهبي ص (134) طبعة مؤسسة الأعلمي: «عشر سنين» . [2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/ 506- 507) . [3] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 77- 79) . [4] في «الجرح والتعديل» (7/ 144) .

ابن عبد الحميد، ويعقوب القمّي، وخلق، وكان من أوعية العلم، لكن لا يحتجّ به، وله ترجمة طويلة. أثني عليه أحمد بن حنبل. وقال ابن خزيمة: لو عرفه أحمد لما أثنى عليه. وقد خرّج له أبو داود، والترمذي وغيرهما. قال الذهبيّ في «المغني» [1] : محمد بن حميد الرّازي الحافظ، عن يعقوب القمّي [2] وجرير، وابن المبارك، ضعّف لا من قبل الحفظ. قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال البخاريّ: فيه نظر. وقال أبو زرعة: يكذب. وقال النسائيّ: ليس بثقة. وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب منه، ومن ابن الشاذكوني. انتهى ما قاله في «المغني» . وفي ربيع الآخر المنتصر بالله أبو جعفر محمد بن المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرّشيد [العبّاسي] [3] بالخوانيق، وكانت خلافته سبعة أشهر [4] وعاش ستا وعشرين سنة، وأمه رومية تسمى حبشيّة [5] ، وكان ربعة جسيما، أعين، أقنى، بطينا، مليح الصورة، مهيبا، وكان كامل العقل محبا للخير، محسنا إلى آل عليّ، بارّا بهم.

_ [1] «المغني في الضعفاء» (2/ 573) . [2] في الأصل، و «المغني في الضعفاء» : «العمي» وهو خطأ، وأثبت لفظ المطبوع وهو الصواب. [3] زيادة من «العبر» للذهبي. [4] كذا في الأصل، والمطبوع: «سبعة أشهر» ، وفي «العبر» مصدر المؤلف: «ستة أشهر» ، وفي «سير أعلام النبلاء» : «ستة أشهر وأياما» . [5] في الأصل، والمطبوع: «حبشة» والتصحيح من «العبر» (1/ 452) ، و «سير أعلام النبلاء» (12/ 42) .

وقيل: إن أمراء الترك خافوه، فلما حمّ دسوا إلى طبيبه ابن الطيفوري [1] ثلاثين ألف دينار ففصده بريشة مسمومة، وقيل: سم في كمثرى. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن الأهدل: قيل: إن أمه جاءته عائدة فبكى وقال: يا أماه! عاجلت أبي فعوجلت، ثم أنشأ يقول: فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ... ولكن إلى الملك القدير أصير وما لي شيء غير أنّي مسلم ... بتوحيد ربّي مؤمن [3] وخبير [4] وبايع التّرك بعده لأحمد بن محمد بن المعتصم، خوفا منهم أن يبايعوا لأحد من أولاد المتوكل فيقتلهم بأبيه، وسمّوه المستعين. انتهى ما ذكره ابن الأهدل. وقال ابن الفرات: قيل: رأى المنتصر بالله أباه المتوكل على الله في منامه، فقال له: ويحك يا محمد ظلمتني وقتلتني، والله لا متّعت بالدّنيا بعدي. وقد أجمعوا على أن المنتصر بالله مات مسموما، وكان سبب ذلك أنه رأى باغر التركي في حفدته الأتراك، فقال: قتلني الله إن لم أقتلكم جميعا، فبلغهم

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ابن طيفور» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 252) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 114- 115) ، و «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ص (225) ، وهو إسرائيل بن زكريا الطيفوري، كان مقدما في صناعة الطب، جليل القدر عند الخلفاء والملوك. وكان المنتصر قد وجد حرارة فأمر ابن الطيفوري بفصده، ففصده بمبضع مسموم، فكان فيه منيته، وأن ابن الطيفوري لما انصرف إلى منزله وجد حرارة، فدعا تلميذا له وأمره بفصده ووضع مباضعه بين يديه ليتخيّر أجودها، وفيها المبضع المسموم الذي فصد به المنتصر، وقد نسبه، فلم يجد التلميذ في المباضع التي وضعت بين يديه مبضعا أجود من المبضع المسموم، ففصد به أستاذه وهو لا يعلم أمره، فلما فصده به نظر إليه صاحبه فعلم أنه هالك، فأوصى من ساعته، وهلك من يومه. [2] (1/ 452- 453) . [3] في «غربال الزمان» : «موقن» . [4] البيتان في «غربال الزمان» للعامري ص (231) .

الخبر، فسمّوه في ريشة الفاصد، ومات وله من العمر خمس وعشرون سنة. وفيها محمد بن زنبور أبو صالح المكيّ. روى عن حمّاد بن زيد، وإسماعيل بن جعفر، وكان صدوقا. وفيها [محدّث الكوفة] [1] أبو كريب محمد بن العلاء الهمدانيّ الحافظ في جمادى الآخرة. سمع ابن المبارك، وعبد الله بن إدريس، وخلائق، وكان ثقة مكثرا. وفيها أبو هشام الرّفاعيّ محمد بن يزيد الكوفي القاضي، أحد أعلام القرآن، قرأ على سليم، وسمع من أبي خالد الأحمر، وابن فضيل وطبقتهما، وكان إماما مصنفا في القراءات. ولي القضاء ببغداد. قال في «المغني» [2] : محمد بن يزيد أبو هشام الرّفاعي. قال أحمد العجلي: لا بأس به. وقال غيره: صدوق. وأما البخاريّ فقال: رأيتهم مجمعين على ضعفه. وروى ابن عقدة عن مطين، عن ابن نمير، كان يسرق الحديث. انتهى.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 644) .

سنة تسع وأربعين ومائتين

سنة تسع وأربعين ومائتين فيها توفي الحسن بن الصّبّاح، الإمام أبو عليّ البزّار. سمع سفيان بن عيينة، وأبا معاوية وطبقتهما، وكان أحمد بن حنبل يرفع قدره، ويجلّه، ويحترمه. وروى عنه البخاريّ، وقال: أبو حاتم صدوق. كانت له جلالة عجيبة ببغداد، رحمه الله تعالى. والبزّار بالراء آخره، لعله منسوب إلى بيع البزر، وكذلك محمد بن السّكن البزّار، وبشر بن ثابت البزّار، وخلف بن هشام البزّار المقرئ، وكل من في البخاريّ ومسلم سوى هؤلاء الأربعة فهو البزّاز بزايين. وفيها رجاء بن مرّحي [1] أبو محمد السّمرقنديّ الحافظ ببغداد. روى عن النّضر بن شميل فمن بعده. قال الخطيب [2] : كان ثقة، ثبتا، إماما في الحفظ والمعرفة. وعبد بن حميد الحافظ، أبو محمد الكشّي، صاحب «المسند» و «التفسير» واسمه عبد الحميد، فخفف. سمع يزيد بن هارون، وابن أبي فديك، وطبقتهما، وكان ثقة ثبتا.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «رجاء بن مرجاء «وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» ، و «سير أعلام النبلاء» (12/ 98) ، و «تقريب التهذيب» ص (208) . [2] في «تاريخ بغداد» (8/ 411) ولفظ النقل فيه: «وكان ثقة، ثبتا، إماما في علم الحديث وحفظه، والمعرفة به» .

وفيها أبو حفص عمرو بن علي الباهليّ البصريّ الصيرفيّ الفلّاس الحافظ، أحد الأعلام. سمع معتمر بن سليمان وطبقته، وصنف، وعني بهذا الشأن [1] . قال النسائيّ: ثقة، حافظ. وقال أبو زرعة: ذاك من فرسان الحديث. وقال أبو حاتم: كان أوثق من علي بن المديني. وفيها محمد بن عبد الله بن عبد الرّحيم بن سعيه [2] بن أبي زرعة الزّهريّ، مولاهم، المصريّ، أبو عبيد الله بن البرقيّ. حدّث عنه أبو داود، والنسائي، وغيرهما، وهو صاحب «كتاب الضعفاء» . قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] يعني بعلوم الحديث النبوي الشريف. [2] كذا في الأصل، والمطبوع و «تهذيب التهذيب» (9/ 263) : «ابن سعيه» ، وفي «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 569) ، و «الرسالة المستطرفة» للكتاني ص (144) «ابن سعيد» .

سنة خمسين ومائتين

سنة خمسين ومائتين فيها توفي العلّامة أبو الطاهر، أحمد بن عمرو بن السّرح [1] المصريّ الفقيه، مولى بني أميّة. روى عن ابن عيينة، وابن وهب، وشرح «الموطأ» . وروى عنه مسلم، وأبو داود، والنسائي وابن ماجة، وغيرهم. وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد البزّيّ المقرئ [2] مؤذن المسجد الحرام، وشيخ الإقراء. ولد سنة سبعين ومائة، وقرأ على عكرمة بن سليمان، وأبي الإخريط [3] . وقرأ عليه جماعة، وكان لين الحديث حجة في القرآن. قال الذهبيّ في «المغني» [4] : أحمد بن محمد بن عبد الله البزّيّ مقرئ مكّة. ثقة في القراءة، وأما في الحديث، فقال أبو جعفر العقيلي: منكر الحديث، يوصل الأحاديث، ثم ساق له حديثا متنه: «الدّيك الأبيض الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي» [5] .

_ [1] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 62- 63) . [2] في «الضعفاء الكبير» : «أحمد بن محمد بن أبي بزة المقرئ» . [3] هو وهب بن واضح، أبو الإخريط، ويقال: أبو القاسم، المكي. انتهت إليه رئاسة الإقراء بمكة. مات سنة (190) هـ. انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» لابن الجزري (2/ 361) . [4] «المغني في الضعفاء» (1/ 55) . [5] ذكره العقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/ 127) بتحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، طبع دار الكتب العلمية ببيروت، وتمامه فيه: حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني

وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، سمعت منه ولا أحدث عنه. وقال ابن أبي حاتم: روى حديثا منكرا. انتهى ما أورده الذهبي في «المغني» . وفيها الحارث بن مسكين، الإمام أبو عمرو، قاضي الدّيار المصرية وله ست وتسعون سنة. سأل اللّيث بن سعد [1] . وسمع الكثير من ابن عيينة، وابن وهب، وأخذ في المحنة فحبس دهرا حتّى أخرجه المتوكل وولاه قضاء مصر، وكان من كبار أئمة السّنّة الثقات. قال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [2] : الحارث بن مسكين بن محمد ابن يوسف الأموي أبو عمرو المصريّ الحافظ الفقيه العلّامة. روى عنه أبو داود، والنسائي. قال الخطيب: كان فقيها على مذهب مالك، ثقة في الحديث، ثبتا، وله تصانيف. ولد سنة أربع وخمسين ومائة، ومات ليلة الأحد لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمسين ومائتين. انتهى. وفيها، ويقال في سنة خمس وخمسين، الإمام أبو حاتم السّجستانيّ [3] سهل بن محمد، النحويّ المقرئ اللغويّ، صاحب المصنفات، حمل العربية عن أبي عبيدة، والأصمعي، وقرأ القرآن على يعقوب [4] وكتب الحديث عن طائفة. قوّمت كتبه يوم مات بأربعة عشر ألف دينار، واشتراها ابن السّكّيت بدون ذلك محاباة.

_ هاشم، قال: حدثنا الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أنس، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الديك الأبيض الأفرق حبيبي، وحبيب حبيبي جبرائيل، يحرس بيته وستة عشر بيتا من جيرته: أربعة عن اليمين، وأربعة عن الشمال، وأربعة من قدّام، وأربعة من خلف» ، ورواه أيضا أبو الشيخ في «العظمة» وهو حديث موضوع. [1] لفظة «سعد» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [2] (1/ 308) . [3] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 268- 270) . [4] هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري، البصري، أبو محمد، أحد القراء

وفيها عبّاد بن يعقوب الأسديّ الرّواجنيّ [1] الكوفيّ الحافظ. سمع من شريك، والوليد بن أبي ثور، والكبار. قال ابن حبّان: كان داعية إلى الرفض [2] . وقال ابن خزيمة: حدثنا الصدّوق في روايته، المتهم في دينه، عبّاد بن يعقوب. وروى عنه البخاريّ مقرونا بآخر. وفيها عمرو بن بحر الجاحظ، أبو عثمان البصريّ المعتزليّ، وإليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة، صنّف الكثير من الفنون. كان بحرا من بحور العلم، رأسا في الكلام والاعتزال، وعاش تسعين سنة، وقيل: بقي إلى سنة خمس وخمسين. أخذ عن القاضي أبي يوسف، وثمامة بن أشرس، وأبي إسحاق النّظّام. قال في «المغني» [3] : عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم، صاحب الكتب. قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. انتهى. وقال غيره: أحسن تآليفه وأوسعها فائدة «كتاب الحيوان» و «كتاب البيان والتبيين» وكان مشوّه الخلق. استدعاه المتوكل لتأديب ولده، فلما رآه ردّه وأجازه، وفلج في آخر عمره، فكان يطلي نصفه بالصّندل [4] والكافور لفرط

_ العشرة، المتوفى سنة (205) هـ. وقد تقدمت ترجمته في ص (29) من هذا المجلد فراجعها. [1] قال السمعاني في «الأنساب» (6/ 170) : هذه النسبة سألت عنها أستاذي أبا القاسم إسماعيل ابن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان فقال: هذا نسب أبي سعيد عباد بن يعقوب شيخ البخاري، وأصل هذه النسبة الدواجن بالدال المهملة، وهي جمع داجن، وهي الشاة التي تسمّن في الدار، فجعلها الناس الرواجن بالراء، ونسب عباد إلى ذلك هكذا، قال: ولم يسند الحكاية إلى أحد، وظني أن الرواجن بطن من بطون القبائل، والله أعلم. [2] هكذا نسب هذا القول في الأصل، والمطبوع، و «تهذيب التهذيب» (5/ 110) إلى ابن حبان، ونسب في «العبر» للذهبي إلى الإمام أحمد بن حنبل. [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 481) . [4] قال ابن منظور: الصّندل خشب أحمر، ومنه الأصفر، وقيل: الصندل شجر طيب الريح.

الحرارة، ونصفه الآخر لو قرض بالمقاريض ما أحسّ به لفرط البرودة، وسمي جاحظا لجحوظ عينيه، أي نتوئهما، وكان موته بسقوط مجلدات العلم عليه [1] . وفيها الفضل بن مروان بن ماسرجس، كان وزير المعتصم، وهو الذي أخذ له البيعة ببغداد، وكان المعتصم يومئذ ببلاد الرّوم صحبة أخيه المأمون، فاتفق موت المأمون هناك، وتولى بعده واعتدّ له المعتصم [2] بها يدا عنده، وفوّض إليه الوزارة يوم دخوله بغداد، وهو يوم السبت مستهل شهر رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين، وخلع عليه، ورد أموره كلها إليه، فغلب عليه لطول خدمته وتربيته إياه، فاستقل بالأمور، وكذلك كان في أواخر دولة المأمون، وكان نصراني الأصل، قليل المعرفة بالعلم، حسن المعرفة بخدمة الخلفاء، وله ديوان رسائل، وكتاب «المشاهدات والأخبار» التي شاهدها. ومن كلامه: مثل الكاتب كالدولاب، إذا تعطل انكسر، وكان قد جلس يوما لقضاء أشغال الناس، ورفعت إليه قصص العامة، فرأى في جملتها ورقة مكتوب فيها: تفرعنت [3] يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادتهم الأقياد والحبس والقتل

_ «لسان العرب» (صندل) . [1] قلت: جزم ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (3/ 474) بأن وفاته كانت سنة خمس وخمسين ومائتين. وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (11/ 527) : قال ابن زبر: مات سنة خمسين ومائتين، وقال الصّولي: مات سنة خمس وخمسين، وأرخ الزركلي وفاته في «الأعلام» (5/ 74) سنة (255) ، وقد تبع المؤلف العامري صاحب «غربال الزمان» ص (232- 233) في تأريخ وفاته. [2] سقطت لفظة «المعتصم» من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] في الأصل: «تفرغت» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع.

وإنك قد أصبحت في النّاس ظالما ... ستودي كما أودى الثلاثة من قبل [1] أراد بالفضول الثلاثة: الفضل بن يحيى البرمكي، والفضل بن سهل، والفضل بن الرّبيع. وذكر المرزبانيّ، والزمخشري في «ربيع الأبرار» أن هذه الأبيات للهيثم ابن فراس السامي، من سامة بن لؤي. وقال الصولي: أخذ المعتصم من داره لما نكبه ألف ألف دينار، وأخذ أثاثا وآنية بألف ألف دينار، وحبسه خمسة أشهر ثم أطلقه وألزمه بيته، واستوزر أحمد بن عمّار. ومن كلام الفضل هذا أيضا: لا تتعرض لعدوك وهو مقبل، فإن إقباله يعينه عليك، ولا تتعرض له وهو مدبر، فإن إدباره يكفيك أمره [2] . وفيها كثير من عبيد المذحجيّ الحذّاء، إمام جامع حمص، أمّه مدة ستين سنة، قيل: إنه ما سها في صلاة مدة ما أمّ. حدّث عن ابن عيينة، وبقيّة، وطائفة، وكان عبدا صالحا. وأبو عمرو نصر بن علي الجهضميّ، وقيل: علي بن نصر الجهضميّ الصغير، البصريّ الحافظ الثقة، أحد أوعية العلم. روى عن يزيد ابن زريع وطبقته، وعنه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم. قال أبو بكر بن أبي داود: كان المستعين طلب نصر بن علي ليوليه القضاء، فقال لأمير البصرة: حتّى أرجع فأستخير الله، فرجع وصلى ركعتين، وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك، ثم نام فنبّهوه، فإذا هو ميت، رحمه الله تعالى. مات في ربيع الآخر.

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (4/ 45) . [2] نقل المؤلف ترجمة الفضل عن «وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/ 45- 46) بتصرف.

سنة إحدى وخمسين ومائتين

سنة إحدى وخمسين ومائتين فيها توفي إسحاق بن منصور الكوسج، الإمام الحافظ أبو يعقوب المروزيّ، بنيسابور، في جمادى الأولى. سمع ابن عيينة وخلقا، وتفقه على أحمد، وإسحاق، وكان ثقة نبيلا. وفيها، بل في التي قبلها كما جزم به ابن خلّكان [1] وغيره، الحسين ابن الضّحّاك بن ياسر، الشاعر البصريّ المعروف بالخليع، سمّي خليعا لكثرة مجونه وخلاعته. كان مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي، رضي الله عنه، وأصله من خراسان، وهو شاعر ماجن مطبوع حسن الافتنان في ضروب الشعر وأنواعه، اتصل بمنادمة الخلفاء إلى ما لم يتصل إليه إسحاق النديم، فإنه قاربه في ذلك وساواه، وأول من نادمه منهم محمد الأمين بن هارون الرّشيد، ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيام المستعين، وهو في الطبقة الأولى من الشعراء المجيدين، وبينه وبين أبي نواس ماجريات لطيفة ووقائع حلوة، ومن شعره قوله: صل بخدّي خدّيك تلق [2] عجيبا ... من معان يحار فيها الضّمير فبخدّيك للرّبيع رياض ... وبخديّ للدموع غدير

_ [1] في «وفيات الأعيان» (2/ 168) . [2] في الأصل، والمطبوع: «تلقى» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .

وقوله: إذا خنتم بالغيب عهدي فما لكم ... تدلّون إدلال المقيم على العهد صلوا وافعلوا فعل المدلّ بوصله ... وإلّا فصدّوا وافعلوا فعل ذي صدّ [1] وعمّر نحو المائة. وفيها حميد بن زنجويه، أبو أحمد النسائيّ الحافظ، صاحب التصانيف، منها كتاب «الآداب النبوية» و «الترغيب والترهيب» وغيرهما، وكان من الثقات. روى عن النّضر بن شميل وخلق بعده. وفيها عمرو بن عثمان الحمصيّ، محدّث حمص. كان ثقة عدلا، روى عن إسماعيل بن عيّاش، وبقيّة، وابن عيينة. قال أبو زرعة: كان أحفظ من محمد بن مصفّى. وفيها أبو التّقى هشام بن عبد الملك اليزنيّ الحمصيّ الحافظ الثقة المتقن. روى عن إسماعيل بن عيّاش، وبقيّة، وكان ذا معرفة تامة.

_ [1] البيتان في «وفيات الأعيان» (2/ 164) .

سنة اثنتين وخمسين ومائتين

سنة اثنتين وخمسين ومائتين قتل المستعين بالله أبو العبّاس أحمد بن المعتصم محمد بن الرّشيد العباسيّ، ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين، وبويع بعد المنتصر، وكان أمراء الترك قد استولوا على الأمر وبقي المستعين مقهورا معهم، فتحول من سامراء إلى بغداد غضبان، فوجهوا يعتذرون إليه ويسألونه الرجوع فامتنع، [فعمدوا [1] إلى الحبس] [2] فأخرجوا المعتزّ بالله وحلفوا له، وخلّفوه [3] وجاء أخوه أبو أحمد لمحاصرة المستعين، فتهيأ المستعين ونائب بغداد ابن طاهر للحرب، وبنوا سور بغداد، ووقع القتال، ونصبت المجانيق، ودام الحصار أشهرا، واشتدّ البلاء، وكثرت القتلى [4] ، وجهد أهل بغداد، حتّى أكلوا الجيف، وجرت عدة وقعات بين الفريقين، قتل في وقعة منها نحو الألفين من البغاددة [5] إلى أن كلّوا وضعف أمرهم، وقوي أمر المعتز، ثم تخلى ابن طاهر عن المستعين لمّا رأى البلاء، وكاتب المعتز، ثم سعوا في الصلح على خلع المستعين،

_ [1] في المطبوع: «فعهدوا» والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 8) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدركته من المطبوع، و «العبر» للذهبي بتحقيق الأستاذ فؤاد سيد، طبع وزارة الإعلام في الكويت. [3] لفظة «وخلّفوه» لم ترد في «العبر» ومعنى: «وخلّفوه» أي نصبوه خليفة. [4] في «العبر» : «وكثر القتل» . [5] في المطبوع: «البغادنة» .

فخلع نفسه على شروط مؤكّدة في أول هذه السنة، ثم أنفذوه إلى واسط، فاعتقل تسعة أشهر، ثم أحضر إلى سامراء [فقتلوه بقادسية سامراء] [1] في آخر رمضان. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن الأهدل: اتفق الصلح على خلع المستعين، فخلع نفسه على شروط لم تف، وشاور أصحابه في أي البلاد يسكن، فأشار عليه بعضهم بالبصرة، فقيل: إنها حارّة، فقال: أترونها أحرّ من فقد الخلافة، فأقام حينئذ، ثم استدعاه المعتز وقتله وهو ابن خمس وثلاثين سنة، وكانت مدته من يوم بويع إلى أن خلع ثلاث سنين وأشهرا، وبين خلعه وقتله تسعة أشهر، وفيه يقول حبيب [3] الكاتب المعروف بالحاسة [4] : خلع الخليفة أحمد بن محمد ... وسيقتل التالي له أو يخلع إيها بني العبّاس [5] إن سبيلكم ... في قتل أعبدكم سبيل مهيع رقّعتم دنياكم فتمزّقت ... بكم الحياة تمزّقا لا يرقع [6] وكان يقول في دعائه: اللهم إذ خلعتني من الخلافة فلا تخلعني من رحمتك ولا تحرمني جنتك. انتهى. وكان سبب قتله على ما ذكره ابن الفرات، أن المعتز بالله حين همّ بقتله، كتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، فوجه أحمد بن طولون التركي في جيش، فأخرج المستعين، فلما وافى به القاطول [7] قتله عليه وحمل رأسه إلى المعتز، وكفن ابن طولون جثته ودفنه.

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي. [2] (2/ 9) . [3] في الأصل: «حسد» ، وفي المطبوع: «حينئذ» ، وأثبت ما في «غربال الزمان» ص (234) . [4] في «غربال الزمان» : «المعروف بالجابية» . [5] في الأصل: «أيا بني العباس» وأثبت لفظ المطبوع، و «غربال الزمان» . [6] الخبر والأبيات في «غربال الزمان» ص (234) . [7] نهر كان في موقع سامراء قبل أن تعمّر. انظر «معجم البلدان» (4/ 297) .

وقيل: بل كان أحمد بن طولون موكلا بالمستعين، فوجه المعتز سعيد بن صالح في جماعة فحمله وقتله بالقاطول. وقيل: إنه أدخله إلى منزله بسرّ من رأى فعذبه حتّى مات. وقيل: بل ركّبه معه في زورق وشدّ في رجليه حجرا وأغرقه. وقيل: بل وكلّ به رجلا من الأتراك، وقال له: اقتله، فلما أتى إليه ليقتله، قال له: دعني حتّى أصلي ركعتين، فخلاه في الركعة الأولى، وضرب رأسه، وأتي المعتز برأسه وهو يلعب بالشطرنج، فقيل له: هذا رأس المخلوع، فقال: دعوه حتّى أفرغ من الدست، فلما فرغ دعا به ونظر إليه وأمر بدفنه، وأمر لسعيد بن صالح بخمسين ألفا، وولاه البصرة. انتهى. وكان المستعين ربعة خفيف العارضين، أحمر الوجه، مليحا، بوجهه أثر جدري، ويلثغ في السين نحو الثاء، وكان مسرفا في تبذير الخزائن والذخائر، سامحه الله تعالى. وفيها إسحاق بن بهلول، أبو يعقوب التّنوخيّ الأنباريّ الحافظ. سمع ابن عيينة وطبقته، وكان من كبار الأئمة. صنف في القراءات، وفي الحديث، والفقه. قال ابن صاعد: حدّث إسحاق بن بهلول بنحو [1] خمسين ألف حديث من حفظه، وعاش ثمانيا وثمانين سنة. وفيها أبو هاشم زياد بن أيوب الطّوسيّ ثم البغداديّ دلّويه، الحافظ. سمع هشيما وطبقته، وحدّث عنه البخاريّ، وأحمد، وغيرهما، وكان ثقة ثبتا، وكان يقال له: شعبة الصغير، لإتقانه ومعرفته. وفيها بندار محمد بن بشّار بن عثمان بن داود بن كيسان العبديّ

_ [1] في «العبر» للذهبي: «نحو» .

البصريّ، أبو بكر، الحافظ الثقة، في رجب. سمع معتمر بن سليمان، وغندرا [1] وطبقتهما. قال أبو داود: كتبت عنه خمسين ألف حديث. وفيها محمد بن المثنّى بن عبيد بن قيس بن دينار، أبو موسى العنزي [2] البصريّ الزّمن، في ذي القعدة، ومولده عام توفي حمّاد بن سلمة. سمع معتمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وطبقتهما. وروى عنه الأئمة الستة، وابن خزيمة، وغيرهم، وكان حجة حافظا. وفيها يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم، أبو يوسف، العبديّ النّكريّ الدّورقيّ البغداديّ الحافظ الثقة الحجة. سمع هشيما، وإبراهيم بن سعد، وطبقتهما. وروى عنه الستة وغيرهم. وفيها، بل في التي قبلها، كما جزم به ابن ناصر الدّين، عليّ الأفطس بن الحسن الذّهليّ. قال في «المغني» [3] : علي بن الحسن الذّهليّ الأفطس النيسابوريّ. عن ابن عيينة. قال ابن الشرقي: متروك الحديث. انتهى.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «وغندر» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 10) . [2] في الأصل والمطبوع: «العتري» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (9/ 76) . [3] (2/ 445) .

سنة ثلاث وخمسين ومائتين

سنة ثلاث وخمسين ومائتين فيها توفي أحمد بن سعيد بن صخر الحافظ، أبو جعفر الدّارميّ السّرخسيّ، أحد الفقهاء والأئمة في الأثر. سمع النّضر بن شميل وطبقته، وكان ثقة. روى عنه الأئمة إلّا النسائي. وفيها أحمد بن المقدام، أبو الأشعث البصريّ العجليّ المحدّث، في صفر. سمع حمّاد بن زيد وطائفة كثيرة. قال في «المغني» [1] : ثقة ثبت، وإنما ترك أبو داود الرواية عنه لمزاحه، كان بالبصرة مجّان يلقون صرة الدراهم ويرقبونها، فإذا جاء من يرفعها، صاحوا به وخجّلوه، فعلّمهم أحمد أن يتخذوا صرة فيها زجاج، فإذا أخذوا صرة الدراهم فصاح صاحبها، وضعوا بدلها صرة الزجاج. وقال النسائيّ: ليس به بأس. انتهى كلام «المغني» . وفيها السّريّ بن المغلّس السّقطيّ، أبو الحسن، البغداديّ، أحد الأولياء الكبار، وله نيّف وتسعون سنة. سمع من هشيم وجماعة، وصحب معروفا الكرخي [وله أحوال وكرامات. قال ابن الأهدل: هو خال الجنيد، وأستاذه، وتلميذ معروف الكرخي] [2] .

_ [1] «المغني في الضعفاء» (1/ 60) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.

قال الجنيد: دفع لي السريّ رقعة وقال: هذه خير لك من سبعمائة فضة، فإذا فيها: ولما ادعيت الحبّ قالت كذبتني ... فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا فما الحب حتّى يلصق الظهر بالحشا ... وتذبل حتّى لا تجيب المناديا وتنحل حتّى لا يبقّي لك الهوى ... سوى مقلة تبكي بها وتناجيا [1] انتهى. وقال السخاويّ في «طبقات الأولياء» : هو إمام البغداديين في الإشارات، وكان يلزم بيته ولا يخرج منه، لا يراه إلّا من يقصده إلى بيته. انقطع عن الناس وعن أسبابهم، وأسند عن الجنيد قال: ما رأيت أعبد من السّريّ، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤي مضطجعا إلا في علة الموت. وسئل عن المتصوف فقال: هو اسم لثلاثة معان، وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات من الله على هتك أستار محارم الله. انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا. وفيها الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعيّ، نائب بغداد. كان جوادا ممدّحا [عالما] [2] ، قوي المشاركة، جيد الشعر، مات بالخوانيق. وفيها وصيف التركي، كان [من] [3] أكبر أمراء الدولة، وكان قد استولى على المعتز، واصطفى الأموال لنفسه، وتمكن ثم قتل [4] .

_ [1] الأبيات في «غربال الزمان» للعامري ص (234) مع بعض الاختلاف في ألفاظها. [2] لفظة «عالما» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (2/ 11) مصدر المؤلف. [3] لفظة «من» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» . [4] في «العبر» : «وتمكن حتى قتل» .

سنة أربع وخمسين ومائتين

سنة أربع وخمسين ومائتين فيها قتل بغا الصغير الشّرابيّ، وكان قد تمرّد وطغى، وراح نظيره وصيف، فتفرد واستبد بالأمور، وكان المعتز بالله يقول: لا أستلذ بحياة ما بقي بغا، ثم إنه وثب فأخذ من الخزائن مائتي ألف دينار، وسار نحو السّنّ [1] فاختلف عليه أصحابه وفارقه عسكره فذل وكتب يطلب الأمان وانحدر في مركب فأخذته المغاربة وقتله وليد المغربي وأتى برأسه، فأعطاه المعتز عشرة آلاف دينار. وفيها أبو الحسن علي بن الجواد محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق العلويّ الحسنيّ، المعروف بالهادي، كان فقيها إماما متعبّدا، وهو أحد الأئمة الاثني عشر الذين تعتقد غلاة الشيعة عصمتهم كالأنبياء. سعي به إلى المتوكل، وقيل له: إن في بيته سلاحا وعدة ويريد القيام، فأمر من هجم [2] عليه [في] [3] منزله فوجده في بيت مغلق، وعليه مدرعة من شعر، يصلي ليس بينه وبين الأرض فراش، وهو يترنّم بآيات من

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «السند» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 12) ، وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 379) ، و «الكامل» لابن الأثير (7/ 186) . قال ياقوت: السّنّ: يقال لها سنّ بارما، مدينة على دجلة فوق تكريت، لها سور وجامع كبير، وفي أهلها علماء. «معجم البلدان» (3/ 268) ، وانظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص (120) . [2] قال ابن منظور: هجم على القوم يهجم هجوما: انتهى إليهم بغتة. «لسان العرب» (هجم) . [3] زيادة من «غربال الزمان» ص (235) .

القرآن في الوعد والوعيد، فحمل إليه ووصف له حاله، فلما رآه عظّمه وأجلسه إلى جنبه، وناوله شرابا، فقال: ما خامر لحمي ولا دمي فاعفني منه، فأعفاه وقال له: أنشدني شعرا، فأنشده أبياتا [1] أبكاه بها، فأمر له بأربعة آلاف دينار، وردّه مكرما. وإنما قيل [له] [2] العسكري، لأنه [لما] [2] سعي به إلى المتوكل، أحضره من المدينة- وهي مولده- وأقرّه بمدينة العسكر، وهي سرّ من رأى، سميت بالعسكر لأن المعتصم حين بناها انتقل إليها بعسكره، فسميت بذلك، وأقام بها صاحب الترجمة عشرين سنة، فنسب إليها. وفيها محمد بن عبد الله بن المبارك المخرّميّ [3] ، الحافظ أبو جعفر ببغداد. روى عن وكيع وطبقته. وعنه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، وكان من كبار الحفاظ الثقات المأمونين. لما قدم ابن المديني بغداد قال: وجدت أكيس القوم هذا الغلام المخرّمي. وفيها أبو أحمد المرّار بن حمّوية الثقفيّ الهمذانيّ الفقيه. سمع أبا نعيم، وسعيد بن أبي مريم، وكان موصوفا بالحفظ وكثرة العلم [4] . وفيها العتبيّ [5] صاحب «العتبيّة» [6] في مذهب مالك، واسمه محمد

_ [1] انظرها في «غربال الزمان» ص (235) . [2] زيادة من «غربال الزمان» . [3] في الأصل: «المخزومي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، ووهم الأستاذ فؤاد سيد في ضبطها في «العبر» (2/ 12) فضبط نسبته بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء، نسبة إلى المسور بن مخرمة، وتبعه محقق «العبر» المنشور في دار الكتب العلمية ببيروت. والصواب أنه منسوب إلى المخرم، وهي محلة ببغداد. انظر «اللباب» لابن الأثير (3/ 178) . [4] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 308- 311) . [5] نسبة إلى عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أخي معاوية بن أبي سفيان. انظر «الأنساب» للسمعاني (8/ 379- 380) ، و «اللباب» لابن الأثير (2/ 320) . [6] انظر «كشف الظنون» (2/ 1124) .

ابن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة الأمويّ العتبيّ القرطبيّ الأندلسيّ الفقيه، أحد الأعلام [ببلده] [1] . أخذ عن يحيى [بن يحيى] [2] ، ورحل فأخذ بالقيروان عن سحنون [3] ، وبمصر عن أصبغ، وصنف «المستخرجة» [4] وجمع فيها أشياء غريبة عن مالك. وفيها مؤمّل بن إهاب، أبو عبد الرحمن، الحافظ في رجب بالرّملة. روى عن ضمرة [5] بن ربيعة، ويحيى بن آدم، وطبقتهما. وفيها- على ما جزم به ابن ناصر الدّين- أبو عاصم خشيش بن أصرم بن الأسود النسائي، أخذ العلم عن الكبار، وحدّث عنه عدة، منهم أبو داود، والنسائي، وغيرهم، وكان ثقة [6] .

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 13) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «العبر» . [3] ضبطه الأستاذ فؤاد سيد في «العبر» بضم السين وسكون النون «سحنون» وهو خطأ فيصحح فيه. [4] قلت: ولكن السمعاني ذكر في «الأنساب» بأن «المستخرجة» و «العتبية» مصنف واحد لا مصنفين كما جاء في كتابنا، وفي «العبر» ، وفي «سير أعلام النبلاء» (12/ 335) . [5] ضبطه محقق «العبر» (2/ 13) طبع الكويت بضم الضاد، وهو خطأ، وتبعه محقق «العبر» طبع بيروت، فيصحح فيهما. [6] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (12/ 250- 251) .

سنة خمس وخمسين ومائتين

سنة خمس وخمسين ومائتين فيها فتنة الزّنج، وخروج العلويّ قائد الزّنج بالبصرة، خرج بالبصرة فعسكر ودعا إلى نفسه، وزعم أنه عليّ بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن الشهيد زيد بن علي [1] ولم يثبتوا نسبه، فبادر إلى دعوته عبيد أهل البصرة السودان، ومن ثم قيل: الزّنج، والتف إليه كل صاحب فتنة، حتّى استفحل أمره، وهزم جيوش الخليفة، واستباح البصرة وغيرها، وفعل الأفاعيل، وامتدت أيامه إلى أن قتل إلى غير رحمة الله في سنة سبعين. وفيها خرج غير واحد من العلوية، وحاربوا بالعجم وغيرها. وفيها توفي الإمام الحبر، أبو محمد عبد الله بن عبد الرّحمن التميميّ الدارميّ السمرقنديّ، الحافظ الثقة، صاحب «المسند» المشهور. رحل وطوّف، وسمع النّضر بن شميل، ويزيد بن هارون، وطبقتهما. قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: غلبنا الدّارميّ بالحفظ والورع. وقال رجاء بن مرجّى [2] : ما رأيت أعلم بالحديث منه.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ابن الشهيد بن زيد بن علي» وأثبت ما في «العبر» للذهبي. [2] في الأصل، والمطبوع: «رجاء بن مرجا» والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 15) ، وانظر «تقريب التهذيب» ص (208) .

وفيها قتل [1] المعتز بالله أبو عبد الله محمد بن المتوكل [على الله] [2] جعفر بن المعتصم محمد بن الرّشيد العباسي، في رجب، خلعوه وأشهد على نفسه مكرها، ثم أدخلوه بعد خمسة أيام إلى حمام فعطش حتّى عاين الموت، وهو يطلب الماء فيمنع، ثم أعطوه ماء بثلج، فشربه وسقط ميتا، واختفت أمه قبيحة [3] وسبب قتله، أن جماعة من الأتراك قالوا: أعطنا أرزاقنا، فطلب من أمه مالا فلم تعطه، وكانت ذات أموال عظيمة إلى الغاية، منها جوهر، وياقوت، وزمرّد، قوّموه بألفي ألف دينار، ولم يكن [بقي] [4] إذ ذاك في خزائن الخلافة شيء، فحينئذ أجمعوا على خلعه، ورأسهم [5] حينئذ، صالح بن وصيف، ومحمد بن بغا، فلبسوا السلاح، وأحاطوا بدار الخلافة، وهجم على المعتز طائفة منهم، فضربوه بالدبابيس، وأقاموه في الشمس حافيا ليخلع نفسه، فأجاب، وأحضروا محمد بن الواثق من بغداد، فأول من بايعه، المعتز بالله، وعاش المعتز ثلاثا وعشرين سنة، وكان من أحسن أهل زمانه، ولقّبوا محمدا بالمهتدي بالله. قاله في «العبر» [6] . وقال ابن الفرات: كانت وفاته في شعبان من هذه السنة، وكان عمره اثنتين وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكانت خلافته من يوم بويع له ببغداد- بعد خلع المستعين بالله نفسه- ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما، وأشهر ولد المعتز عبد الله بن المعتز الشاعر، وبه كان يكنى. انتهى.

_ [1] تحرفت في المطبوع إلى «قتل» . [2] زيادة من «العبر» . [3] في الأصل، والمطبوع: «صبيحة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 15) و «الكامل في التاريخ» (7/ 200) ، وفيه قال ابن الأثير: وكان المتوكل سماها قبيحة لحسنها وجمالها، كما يسمى الأسود كافورا. وانظر «أعلام النساء» لكحالة (4/ 184- 187) طبع مؤسسة الرسالة. [4] زيادة من «العبر» للذهبي. [5] في «العبر» : «ورئيسهم» . [6] (2/ 15- 16) .

وفيها محمد بن عبد الرحيم، أبو يحيى، البغداديّ الحافظ البزّاز، ولقبه صاعقة. سمع عبد الوهاب بن عطاء الخفّاف وطبقته، وكان أحد الثقات [1] الأثبات المجوّدين. وفيها محمد بن كرّام، أبو عبد الله السجستانيّ، الزّاهد، شيخ الطائفة الكرّامية، وكان من عبّاد المرجئة. قاله في «العبر» [2] . وقال في «المغني» [3] : محمد بن كرّام السّجزي، العابد، المتكلم، شيخ الكرامية. أكثر عن الجويباري [4] ، ومحمد بن تميم السعدي، وكانا ساقطين. قال ابن حبّان: خذل حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها. وقال أبو العبّاس السرّاج [5] : شهدت البخاريّ ودفع إليه كتاب [من] [6]

_ [1] لفظة «الثقات» سقطت من «العبر» للذهبي فتستدرك فيه. [2] (2/ 16) . [3] «المغني في الضعفاء» (2/ 627) . [4] في الأصل والمطبوع: «الجويباري» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» . وهو أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى بن فارس بن مرداس بن نهيك التميمي القيسي الجويباري، نسبة إلى «جويبار» إحدى قرى هراة، قاله السمعاني في «الأنساب» (3/ 381) . وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/ 142) : دجال من الدجاجلة كذاب، يروي عن ابن عيينة، ووكيع، وأبي ضمرة، وغيرهم من الثقات أصحاب الحديث، ويضع عليهم ما لم يحدثوا، وقد روى عن هؤلاء الأئمة ألوف حديث ما حدثوا بشيء منها، كان يضعها عليهم، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الجرح فيه. وقال النسائي في «الضعفاء الصغير» ص (22) : كذاب. وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/ 107) : هو ممن يضرب المثل بكذبه. وقال ابن حجر في «لسان الميزان» (1/ 194) : قال الخليلي: كذاب، يروي عن الأئمة أحاديث موضوعة، وكان يضع لابن كرّام أحاديث مصنوعة، وكان ابن كرام يسمعها وكان مغفلا. [5] في الأصل، والمطبوع: «سراج» والتصحيح من «المغني في الضعفاء» . [6] زيادة من «المغني في الضعفاء» .

ابن كرّام، يسأله عن أحاديث، فيها [1] الزّهري، عن سالم، عن أبيه، يرفعه «الإيمان لا يزيد ولا ينقص» . فكتب أبو عبد الله على ظهر كتابه: من حدّث بهذا استوجب الضرب الشديد، والحبس الطويل. وقال ابن حبّان: جعل ابن كرّام الإيمان قولا بلا معرفة. وقال ابن حزم: قال ابن كرّام: الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن. قلت [2] : هذه أشنع بدعة. وقوله في الرّبّ: جسم لا كالأجسام. انتهى ما قاله الذهبيّ في «المغني في الضعفاء» . وفيها موسى بن عامر المرّيّ الدّمشقيّ. سمع الوليد بن مسلم، وابن عيينة، وكان أبوه أبو الهيذام [3] عامر بن عمارة سيد قيس وزعيمها وفارسها، وكان طلب من الوليد بن مسلم فحدث ابنه هذا بمصنفاته. قال في «المغني» [4] : موسى بن عامر المرّي صاحب الوليد بن مسلم، صدوق تكلّم فيه بلا حجة، ولا ينكر له تفرده عن الوليد، فإنه يكثر عنه. انتهى.

_ [1] في «المغني في الضعفاء» : «منها» . [2] القائل الحافظ الذهبي. [3] في المطبوع: «أبو الهندام» وهو خطأ، وانظر «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (252) . [4] «المغني في الضعفاء» (2/ 684) .

سنة ست وخمسين ومائتين

سنة ست وخمسين ومائتين كان صالح بن وصيف التركي قد ارتفعت منزلته، وقتل المعتز وظفر بأمه قبيحة [1] فصادرها حتّى استصفى نعمتها، وأخذ منها نحو ثلاثة آلاف ألف دينار، ونفاها إلى مكّة، ثم صار خاصّة المعتز وكتّابه، وهم: أحمد بن إسرائيل، والحسن بن مخلد، وأبو نوح عيسى بن إبراهيم [2] ، ثم قتل أبا نوح، وأحمد، فلما دخلت هذه السنة أقبل موسى بن بغا وعبأ جيشه في أكمل أهبة، ودخلوا سامراء ملبّين، قد أجمعوا على قتل صالح بن وصيف، وهم يقولون: قتل المعتز، وأخذ أموال أمه، وأموال الكتّاب، وصاحت العامة: يا فرعون جاءك موسى، ثم هجم موسى بمن معه على المهتدي بالله، وأركبوه فرسا، وانتهبوا القصر، ثم أدخلوا المهتدي دار باجور [3] ، وهو يقول: يا موسى ويحك، ما تريد؟ فيقول: وتربة المتوكل لا نالك سوء، ثم حلّفوه لا يمالئ صالح بن وصيف عليهم، وبايعوه، وطلبوا صالحا يناظروه [4] على

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «صبيحة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 16) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 200) ، وانظر التعليق رقم (3) في حاشية الصفحة (246) من هذا المجلد. [2] في الأصل، والمطبوع: «وأبو نوح وعيسى بن إبراهيم» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 17) . وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 397) . [3] في الأصل: «بادور» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» (2/ 17) . وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 381) . [4] في «العبر» : «ليناظروه» .

أفعاله فاختفى، وردوا المهتدي إلى داره، وبعد شهر قتل صالح بن وصيف. وفي رجب، قتل المهتدي بالله أمير المؤمنين أبو إسحاق محمد بن الواثق بالله هارون بن المعتصم [بالله] [1] محمد بن الرّشيد العبّاسي، وكانت دولته سنة، وعمره [2] نحو ثمان وثلاثين سنة، وكان أسمر، رقيقا، مليح الصورة، ورعا، تقيا، متعبدا، عادلا، فارسا، شجاعا، قويا في أمر الله، خليقا للإمارة، لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير. وقيل: إنه سرد الصوم مدة إمرته، وكان يقنع بعض الليالي بخبز وزيت وخلّ، وكان يشبّه بعمر بن عبد العزيز. وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيه بالليل، وكان قد سدّ باب الملاهي والغناء، وحسم الأمراء عن الظلم، وكان يجلس بنفسه لعمل حساب الدواوين بين يديه، ثم إن الأتراك خرجوا عليه فلبس السلاح وشهر سيفه [3] ، وحمل عليهم فجرح، ثم أسروه وخلعوه، ثم قتلوه إلى رحمة الله ورضوانه، وأقاموا بعده المعتمد على الله. قاله في «العبر» [4] . وقال ابن الفرات: أرادوا أن يبايعوا المهتدي بالله على الخلافة، فقال: لا أقبل مبايعتكم حتّى أسمع بأذني خلع المعتز نفسه، فأدخلوه عليه، فسلّم عليه بالخلافة، وجلس بين يديه، فقال له الأمراء: ارتفع، فقال: لا أرتفع إلّا أن يرفعني الله، ثم قال للمعتز: يا أمير المؤمنين خلعت أمر الرعية من عنقك طوعا ورغبة، وكل من كانت لك في عنقه بيعة فهو بريء منها، فقال المعتز من الخوف: نعم، فقال: خار الله لنا ولك يا أبا عبد الله، ثم ارتفع حينئذ إلى

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي. [2] في «العبر» : «وعمّر» . [3] في الأصل، والمطبوع: «وأشهر سيفه» وما أثبته من «العبر» للذهبي. [4] (2/ 17- 18) .

صدر المجلس، وكان أول من بايعه، وكان المهتدي ورعا، زاهدا، صوّاما، لم تعرف له زلّة، وكان سهل الحجاب، كريم الطبع، يخاطب أصحاب الحوائج بنفسه، ويجلس للمظالم، ويلبس القميص الصوف الخشن تحت ثيابه على جلده، وكان من العدل على جانب عظيم. حكي أن رجلا من الرّملة تظلّم إلى المهتدي بالله من عاملها، فأمر بإنصافه، وكتب إليه كتابا بخطه، وختمه بيده، وسلّمه إلى الرجل، وهو يدعو له، فشاهد الرجل من رحمة المهتدي وبره بالرعية، وتوليته أمورهم بنفسه ما لم ير مثله، فاهتز ووقع مغشيا عليه، والمهتدي يعاينه، فلما أفاق قال له المهتدي: ما شأنك، أبقيت لك حاجة؟ قال: لا والله، ولكني ما رجوت أن أعيش حتّى أرى مثل هذا العدل، فقال له المهتدي: كم أنفقت منذ خرجت من بلدك؟ فقال: أنفقت عشرين دينارا، فقال المهتدي: إنا لله وإنا إليه راجعون، كان الواجب علينا أن ننصفك وأنت في بلدك ولا نحوجك إلى تعب وكلفة، وإذا أنفقت ذلك فهذه خمسون دينارا من بيت المال، فإني لا أملك مالا، فخذها لنفقتك واجعلنا في حل من تعبك وتأخّر حقك، فبكى الرجل حتّى غشي عليه ثانيا، وبهت بعض الناس، وبكى بعضهم، فقال أحد الجماعة: أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى [1] : حكّمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزّاهر لا يقبل الرّشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر [2] فقال المهتدي: أمّا أنت فأحسن الله جزاءك، وأما أنا فما رويت هذا الشعر ولا سمعت به، ولكني أذكر قول الله عزّ وجل:

_ [1] تقدم التعريف به في حاشية الصفحة (218) . [2] البيتان في «ديوانه» ص (141) من قصيدة مؤلفة من (38) بيتا. وروايتهما فيه: حكمتمو بي فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الباهر لا يأخذ الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر

وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ 21: 47 [الأنبياء: 47] ، فما بقي في المجلس إلّا من استغرق بالدعاء له بطول العمر ونفاذ الأمر، وكان يقول: لو لم يكن الزّهد في الدّنيا والإيثار لما عند الله من طبعي لتكلّفته، فإن منصبي يقتضيه، لأني خليفة الله في أرضه والقائم مقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النائب عنه في أمته، وإني لأستحيي أن يكون لبني مروان عمر بن عبد العزيز، وليس لبني العبّاس مثله، وهم آل الرّسول صلى الله عليه وسلم. انتهى. وفيها الزّبير بن بكّار، الإمام أبو عبد الله الأسديّ الزّبيريّ، قاضي مكّة، في ذي القعدة. سمع سفيان بن عيينة فمن بعده، وصنف «كتاب النسب» [1] وغير ذلك، وكان ثقة ولا يلتفت إلى من تكلم فيه كما قال ابن ناصر الدّين. وفيها ليلة عيد الفطر، الإمام، حبر الإسلام، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه [2] البخاريّ مولى الجعفيين، صاحب «الصحيح» والتصانيف. ولد سنة أربع وتسعين ومائة، وارتحل سنة عشر ومائتين، فسمع مكي بن إبراهيم، وأبا عاصم النّبيل، وأحمد بن حنبل، وخلائق عدتهم ألف شيخ، وكان من أوعية العلم، يتوقد ذكاء، ولم يخلف

_ [1] واسمه: «نسب قريش وأخبارها» ، وقد نشر في مصر بتحقيق المحقق الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر باسم «جمهرة نسب قريش» . [2] قال الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري» ص (477) : بردزبة بفتح الباء الموحدة، وسكون الراء المهملة، وكسر الدال المهملة، وسكون الزاي المعجمة، وفتح الباء الموحدة بعدها هاء، هذا هو المشهور في ضبطه، وبه جزم ابن ماكولا، وقد جاء في ضبطه غير ذلك. وبردزبه بالفارسية الزراع كذا يقوله أهل بخارى، وكان بردزبه فارسيا على دين قومه ثم أسلم والده المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملا بمذهب من يرى أن من أسلم على يده شخص كان ولاؤه له، وإنما قيل له الجعفي لذلك. وانظر: «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 67) مصورة دار الكتب العلمية ببيروت.

بعده مثله. قاله في «العبر» [1] . وقال الحافظ عبد الغني في كتابه «الكمال» ما ملخصه: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة، يكنى أبا عبد الله، وبردزبة مجوسي مات عليها، والمغيرة أسلم على يدي يمان البخاري والي بخارى، ويمان هو أبو جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان، وهذا هو الإمام أبو عبد الله الجعفي مولاهم البخاري صاحب «الصحيح» إمام هذا الشأن، والمقتدى به فيه [2] ، والمعوّل على كتابه بين أهل الإسلام. رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز، والشام، ومصر. قال ابن وضّاح، ومكي بن خلف: سمعنا محمد بن إسماعيل يقول: كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلّا عمّن قال: الإيمان قول وعمل. وعن أبي إسحاق الريحاني، أن البخاري كان يقول: صنفت «كتاب الصحيح» بست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى. وقال محمد بن سليمان بن فارس: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول: رأيت النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، كأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبّ عنه، فسألت بعض المعبرين فقال: إنك تذبّ عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج «الصحيح» . وقال أبو حامد أحمد بن حمدون الأعمشي: سمعت مسلم بن الحجّاج

_ [1] (2/ 18- 19) . [2] لفظة: «فيه» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

يقول لمحمد بن إسماعيل البخاري: لا يعيبك إلّا حاسد، وأشهد أن ليس في الدّنيا مثلك. وقال أحمد بن حمدون الأعمشي: رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث، ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ: قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [الإخلاص: 1] . وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري. وروى أبو إسحاق المستملي، عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: سمع كتاب «الصحيح» من محمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، وما بقي أحد يروي عنه غيري. وقال محمد بن إسماعيل: ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلّا ما صحّ، وتركت من الصحاح لحال الطول. وقال النسائيّ: ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل. وقال بكر بن منير: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله عزّ وجل ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا. وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي: رأيت النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع ذكره، فسلمت عليه، فرد السلام، فقلت: ما يوقفك يا رسول الله؟ قال: «أنتظر محمّد بن إسماعيل البخاري» فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرنا فإذا هو قد مات في الساعة التي رأيت النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، فيها. وقال عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي: جاء محمد بن إسماعيل

إلى خرتنك- قرية من قرى سمرقند على فرسخين- وكان له أقرباء فنزل عليهم، قال: فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول: اللهم قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك. قال: فما تم الشهر حتّى قبضه الله عز وجل، وقبره بخرتنك. ولد البخاريّ يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر لغرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين، وعاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما. انتهى ما لخصته من «الكمال» . وقال ابن الأهدل- بعد الإطناب في ذكره-: أجمع النّاس على صحة كتابه، حتّى لو حلف حالف بطلاق زوجته ما في «صحيح البخاري» حديث مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلّا وهو صحيح عنه كما نقله، ما حكم بطلاق زوجته، نقل ذلك غير واحد من الفقهاء وقرّروه. ونقل الفربريّ عنه قال: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلّا وقد اغتسلت قبله وصليت ركعتين. انتهى. وفيها يحيى بن حكيم البصريّ المقوّم أبو سعيد الحافظ، سمع سفيان بن عيينة وغندرا، وطبقتهما. قال أبو داود: كان حافظا متقنا.

سنة سبع وخمسين ومائتين

سنة سبع وخمسين ومائتين فيها وثب العلويّ قائد الزّنج على الأبلّة، فاستباحها وأحرقها، وقتل بها نحو ثلاثين ألفا، فساق لحربه سعيد الحاجب، فالتقوا فانهزم سعيد واستحر القتل [1] بأصحابه، ثم دخلت الزّنج البصرة، وخرّبوا الجامع، وقتلوا بها اثني عشر ألفا، فهرب باقي أهلها بأسوأ حال، فخربت ودثرت. وفيها قتل [ميخائيل بن] توفيل [2] طاغية الرّوم، قتله بسيل [3] الصّقلبيّ. وفيها توفي المحدّث المعمّر، أبو علي الحسن بن عرفة العبديّ البغداديّ المؤدّب، وله مائة وسبع سنين. سمع إسماعيل بن عيّاش وطبقته، وكان يقول: كتب عني خمسة قرون. قال النسائيّ: لا بأس به.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «واستبحر القتل» والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 19) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 169) . [2] قلت: في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (2/ 19) : «وفيها قتل توفيل» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 489) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 249) طبع دار صادر، والصواب في قتل والده «توفيل» أنه كان سنة (227) . انظر: «تاريخ الطبري» (9/ 121) . [3] في الأصل، والمطبوع: «سيل» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» ، و «الكامل» لابن الأثير، و «العبر» للذهبي.

وفيها زهير بن محمد بن قمير المروزيّ، ثم البغداديّ، الحافظ. سمع يعلى بن عبيد، ورحل إلى عبد الرزاق، وكان من أولياء الله تعالى، ثقة مأمونا. قال البغويّ: ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه، كان يختم في رمضان [1] . وفيها زيد بن أخزم [2] الشهيد الطائيّ النبهانيّ البصريّ، أبو طالب، ثقة. حدّث عنه أصحاب الكتب [الستة] إلّا مسلما، وذبحته الزّنج. وفيها الحافظ أبو داود سليمان بن معبد السّنجيّ [3] المروزيّ. روى عن النّضر بن شميل، وعبد الرزاق، وكان أيضا مقدما في العربية. والرّياشي، أبو الفضل، العبّاس بن الفرج، قتلته الزّنج بالبصرة وله ثمانون سنة. أخذ عن أبي عبيدة ونحوه، وكان إماما في اللغة والنحو، أخباريا علّامة ثقة. خرّج له أبو داود في «سننه» . وفيها أبو سعيد الأشجّ، عبد الله بن سعيد الكنديّ الكوفيّ الحافظ، صاحب التصانيف في ربيع الأول وقد جاوز التسعين. روى عن هشيم، وعبد الله بن إدريس، وخلق، وكان ثقة حجّة. قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه. وقال محمد بن أحمد الشّطوي: ما رأيت أحفظ منه.

_ [1] في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف: «كان يختم في رمضان تسعين ختمة» وهو كذلك في «تاريخ بغداد» (8/ 485) . [2] تصحفت في «العبر» إلى «أخرم» فتصحح فيه. [3] في الأصل، والمطبوع: «السبخي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» للسمعاني (7/ 165) ، و «العبر» للذهبي (2/ 20) .

سنة ثمان وخمسين ومائتين

سنة ثمان وخمسين ومائتين فيها توجه منصور بن جعفر فالتقى الخبيث قائد الزّنج وهو، فقتل منصور في المصاف، واستبيح ذلك الجيش، فسار أبو أحمد الموفق أخو الخليفة في جيش عظيم، فانهزمت الزّنج وتقهقرت، ثم جهز الموفق فرقة عليهم مفلح، فالتقوا الزّنج، فقتل مفلح في المصاف وانهزم النّاس، وتحيز الموفق إلى الأبلّة، فسيّر قائد الزّنج جيشا عليهم يحيى بن محمد، فانتصر المسلمون، وقتل في الوقعة خلق، وأسروا يحيى، فأحرق بعد ما قتل ببغداد، ثم وقع الوباء في جيش الموفق، وكثر [بالعراق] [1] ثم كانت وقعة هائلة بين الزّنج والمسلمين، فقتل خلق من المسلمين، وتفرق عن الموفق عامة جنده. وفيها توفي أحمد بن بديل الإمام أبو جعفر الياميّ الكوفيّ، قاضي الكوفة، ثم قاضي همذان. روى عن أبي بكر بن عيّاش وطبقته، وخرّج له الترمذيّ وغيره، وكان صالحا عادلا في أحكامه، وكان يسمى راهب الكوفة لعبادته. قال الدارقطنيّ: فيه لين. وقال في «المغني» [2] : أحمد بن بديل الكوفي القاضي، مشهور غير متهم.

_ [1] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (2/ 22) . [2] (1/ 34) .

قال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه. وقال النسائي: لا بأس به [1] . انتهى. وأبو علي أحمد بن حفص بن عبد الله السلميّ النيسابوري، قاضي نيسابور، روى عن أبيه وجماعة. وفيها أحمد بن سنان القطّان، أبو جعفر الواسطيّ، الحافظ. سمع أبا معاوية وطبقته، وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلّا الترمذي، وصنف «المسند» وكتب عنه ابن أبي حاتم، وقال: هو إمام أهل زمانه. وفيها أحمد بن الفرات، بن خالد، أبو مسعود [2] الرّازيّ الثقة، أحد الأعلام في شعبان بأصبهان، طوّف النواحي، وسمع أبا أسامة وطبقته، وكان ينظّر بأبي زرعة الرّازي في الحفظ، وصنف «المسند» و «التفسير» . وقال: كتبت ألف ألف وخمسمائة ألف حديث. ومحمد بن سنجر، أبو عبد الله الجرجاني الحافظ، صاحب «المسند» في ربيع الأول بصعيد مصر. سمع أبا نعيم وطبقته، وكان ثقة خيرا. ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، أبو بكر. الحافظ البغدادي. الغزّال، مات في جمادى الآخرة ببغداد، وكان ثقة. رحل إلى عبد الرزاق فأكثر عنه وصنف. ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، أبو عبد الله الذّهلي النيسابوري، أحد الأئمة الأعلام الثقات، سمع عبد الرّحمن [بن

_ [1] قوله: «وقال النسائي: لا بأس به» سقط من «المغني في الضعفاء» الذي بين يدي فيستدرك فيه. [2] في الأصل، والمطبوع: «ابن مسعود» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 22) ، و «سير أعلام النبلاء» (12/ 481) ، و «طبقات الحفاظ» ص (239) .

مهدي] [1] وطبقته، وأكثر الترحال، وصنف التصانيف، وكان الإمام أحمد يجلّه ويعظّمه. قال أبو حاتم: كان إمام أهل زمانه. وقال أبو بكر بن أبي داود: هو أمير المؤمنين في الحديث. ويحيى بن معاذ الرّازيّ الزّاهد [العارف] [2] ، حكيم زمانه وواعظ عصره، توفي في جمادى الأولى بنيسابور، وقد روى عن إسحاق بن سليمان الرّازي وغيره. وقال السلميّ في «طبقات الصوفية» [3] : يحيى بن معاذ بن جعفر الرّازي الواعظ، تكلم في علم الرجال [4] فأحسن الكلام فيه. وكانوا ثلاثة إخوة: يحيى، وإبراهيم، وإسماعيل، أكبرهم سنا إسماعيل، ويحيى أوسطهم، وإبراهيم أصغرهم، وكلّهم كانوا زهّادا. وأخوه إبراهيم خرج معه إلى خراسان وتوفي بين نيسابور وبلخ، وأقام يحيى ببلخ مدة، ثم خرج إلى نيسابور ومات بها. ومن كلامه: من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين. وقال: العبادة حرفة، وحوانيتها الخلوة، وآلاتها المخادعة [5] ورأس مالها [6]

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي. [2] زيادة من «العبر» للذهبي. [3] في الأصل، والمطبوع: «في طبقات الأولياء» وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله، والصواب ما أثبته فإنه ينقل عن «طبقات الصوفية» للسلمي ص (107- 114) بتصرّف، ومعلوم بأن كتاب «طبقات الأولياء» لابن الملقن وليس للسلمي. [4] في «طبقات الصوفية» : «في علم الرجاء» . [5] قوله: «وآلاتها المخادعة» لم يرد في «طبقات الصوفية» المطبوع. [6] في الأصل: «ورأس ماله» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

الاجتهاد بالسّنّة، وربحها الجنّة. وقال: الصبر على الخلوة [1] من علامات الإخلاص. وقال: الدّنيا دار الأشغال، والآخرة دار الأهوال، ولا يزال العبد متردّدا بين الأشغال والأهوال حتّى يستقر به القرار، إما إلى جنّة وإما إلى نار. وقال: على قدر حبّك لله يحبّك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله تعالى يهابك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق. وسئل عن الرقص فقال: دققنا الأرض بالرّقص ... على غيب معانيكا ولا عيب على رقص ... لعبد هائم فيكا وهذا دقّنا للأر ... ض إذ طفنا بواديكا [2] انتهى ملخصا. وفيها الفضل بن يعقوب الرّخاميّ العالم الفاضل العلم الثقة.

_ [1] في المطبوع: «والصبر على الخلق» وما جاء في الأصل موافق لما في «طبقات الصوفية» . أقول: ليس في الإسلام خلوة سوى الاعتكاف. (ع) . [2] الأبيات في «حلية الأولياء» (10/ 61) . أقول: ليس في الإسلام ذكر بالرقص كما يفعله بعض المتصوفة. (ع) .

سنة تسع وخمسين ومائتين

سنة تسع وخمسين ومائتين كان طاغية الزّنج قد نزل البطيحة [1] ، وشق حوله الأنهار، وتحصّن، فهجم عليه الموفق، فقتل من أصحابه خلقا، وحرق أكواخه، واستنقذ من النساء خلقا كثيرا، فسار الخبيث إلى الأهواز، ووضع السيف في الأمة، فقتل خمسين ألفا، وسبى مثلهم، فسار لحربه موسى بن بغا، فحاربه بضعة عشر شهرا، وقتل خلق من الفريقين. وفيها نزلت الرّوم- لعنهم الله- على ملطية، فخرج أحمد القابوس في أهلها، فالتقى الرّوم، فقتل مقدمهم الأقريطشي، فانهزموا، ونصر الله المسلمين. وفيها استفحل أمر يعقوب بن اللّيث الصفّار، ودوّخ الممالك، واستولى على إقليم خراسان، وأسر محمد بن طاهر أمير خراسان. وفيها توفي أحمد بن إسماعيل أبو حذافة، السهميّ المدنيّ، صاحب مالك ببغداد، وهو في عشر المائة، ضعفه الدّارقطنيّ وغيره، وهو آخر من حدّث عن مالك.

_ [1] قال الزبيدي في «تاج العروس» (بطح) : البطيحة: ما بين واسط والبصرة، وهو ماء مستنقع لا يرى طرفاه من سعته، وهو مغيض ماء دجلة والفرات، وكذلك مغايض ما بين بصرة والأهواز، والطّفّ: ساحل البطيحة.

وقال ابن عدي: حدّث بالبواطيل. وفيها الإمام إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجانيّ صاحب التصانيف. سمع الحسين بن علي الجعفي، وشبابة، وطبقتهما، وكان من كبار العلماء، ونزل دمشق، وجرّح وعدّل، وهو من الثقات. وحجّاج بن يوسف الشاعر، ابن حجّاج الثقفيّ البغداديّ، أبو محمود، الحافظ الكبير الثقة المشهور، أحد الأثبات. سمع عبد الرزاق وطبقته. وفيها عبّاسويه، وهو العبّاس بن يزيد بن أبي حبيب، أبو الفضل، البحرانيّ البصريّ، صدوق، ثبت، ثقة. وفيها حيويه، وهو محمد بن يحيى بن موسى الإسفراييني [1] الحافظ، محدّث إسفرايين في ذي الحجة. سمع سعيد بن عامر الضّبعي وطبقته، وبه تخرّج الحافظ أبو عوانة. وفيها إسحاق بن إبراهيم [بن موسى] [2] العصّار، الوزدوليّ، أحد الثقات الأخيار [3] . وفيها الحافظ أبو الحسن محمود بن سميع الدمشقيّ، صاحب «الطبقات» وأحد الأثبات. سمع إسماعيل بن أبي أويس وطبقته. قال أبو حاتم: ما رأيت بدمشق أكيس منه.

_ [1] في المطبوع: «الإسفرائني» . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع. [3] انظر ترجمته ومصادرها في «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (243) .

سنة ستين ومائتين

سنة ستّين ومائتين فيها كما قال في «الشذور» بلغ كرّ [1] الحنطة مائة وخمسين دينارا، ودام أشهرا. وفيها صال يعقوب بن اللّيث وجال، وهزم الشجعان والأبطال، وترك النّاس بأسوأ حال، ثم قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان، فالتقوا، فانهزم العلويّ وتبعه يعقوب في تلك الجبال، فنزلت على يعقوب كسرة سماوية، ونزل [2] على أصحابه ثلج عظيم حتّى أهلكهم، ورجع إلى سجستان بأسوأ حال، وقد عدم من جيوشه أربعون ألفا، وذهبت عامّة خيله وأثقاله. وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد الصّبّاح الزّعفرانيّ، [3] الفقيه الحافظ، صاحب الشافعي ببغداد. روى عن سفيان بن عيينة وطبقته، وكان من أذكياء العلماء. وروى عنه البخاريّ، وأبو داود، والترمذيّ،

_ [1] قال ابن منظور: الكرّ: مكيال لأهل العراق، وهو عندهم ستّون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكّوك صاع ونصف، وهو ثلاث كيلجات، قال الأزهري: والكر من هذا الحساب اثنا عشر وسقا، كلّ وسق ستّون صاعا. «لسان العرب» (كرر) بتصرّف. [2] في «العبر» : «نزل» . [3] في الأصل والمطبوع و «غربال الزمان» «زعفرانة» وما أثبته من «الأنساب» للسمعاني (6/ 280) ، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 74) ، و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 141) .

وغيرهم، ونسبته إلى الزّعفرانيّة [1] قرية قرب بغداد، ودرب الزعفران ببغداد الذي فيه مسجد الشافعي ينسب إلى هذا الإمام. قال الشيخ أبو إسحاق في «طبقاته» [2] كنت أدرّس فيه. والزّعفراني، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، والكرابيسي، رواة قديم الشافعي، وروى الجديد: المزني، وحرملة، والبويطي، ويونس بن عبد الأعلى، والرّبيع الجيزي، والرّبيع المرادي. وللزعفراني هذا عدّة مصنفات [3] . وفيها الحسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلويّ الحسينيّ، أحد الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة، وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب [4] . وفيها حنين [5] بن إسحاق النّصرانيّ [6] ، شيخ الأطباء بالعراق، ومعرّب الكتب اليونانية، ومؤلّف المسائل [7] المشهورة. وفيها مالك [8] بن طوق التّغلبيّ [9] أمير عرب الشام وصاحب الرّحبة وبانيها.

_ [1] في الأصل والمطبوع و «غربال الزمان» : «زعفرانه» وما أثبته من «الأنساب» (6/ 280) و «وفيات الأعيان» (2/ 74) و «معجم البلدان» (3/ 141) . [2] «طبقات الشافعية» ص (101) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس، طبع دار الرائد العربي ببيروت. [3] انظر «غربال الزمان» للعامري ص (239- 240) . [4] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 200) . [5] في الأصل والمطبوع: «حسين وما أثبته من «العبر» للذهبي (2/ 26) . [6] في المطبوع: «الشعراني» . [7] في «العبر» : «الرسائل» ولعلّه الصواب، إلا أن الذي حال بيني وبين إثبات ما جاء في «العبر» أن لحنين رسالتان الأولى: «المسائل في العين» وهو مطبوع، والثانية: «المسائل في الطب للمتعلمين» . وانظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 287- 288) . [8] في المطبوع: «ملك» . [9] في الأصل والمطبوع: «الثعلبي» وما أثبته من «العبر» للذهبي.

سنة إحدى وستين ومائتين

سنة إحدى وستّين ومائتين فيها كانت الفتن تغلي وتستعر بخراسان، بيعقوب بن اللّيث، وبالأهواز بقائد الزّنج، وتمّت لهما حروب وملاحم. وفيها توفي أحمد بن سليمان الرّهاوي [أبو الحسين] [1] الحافظ، أحد الأئمة، طوّف وسمع زيد بن الحباب وأقرانه، وهو ثقة ثبت. وفيها أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن، العجليّ الكوفيّ، نزيل طرابلس المغرب، وصاحب «التاريخ» و «الجرح والتعديل» وله ثمانون سنة، نزح إلى المغرب أيام محنة القرآن وسكنها، روى عن حسين الجعفي، وشبابة وطبقتهما. قال ابن ناصر الدّين: كان إماما، حافظا، قدوة، من المتقنين، وكان يعدّ كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وكتابه في الجرح والتعديل، يدلّ على سعة حفظه وقوة باعه الطويل. انتهى. وفيها أبو بكر الأثرم، أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، الحافظ الثبت الثقة، أحد الأئمة المشاهير. روى عن أبي نعيم، وعفّان، وصنّف التصانيف، وكان من أذكياء الأمّة.

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي.

قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، ويقال: الكلبي الأثرم الإسكافي، أبو بكر، جليل القدر، حافظ، إمام، سمع حرميّ بن حفص، وعفّان بن مسلم، وأبا بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [2] ، وإمامنا في آخرين. نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنّفها ورتبها أبوابا. وروى عن الإمام قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة، قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم. قال: أبو عبد الله ثبت من خمسة وجوه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال: كنت أحفظ الفقه والاختلاف، فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله. وكان معه تيقّظ عجيب حتّى نسبه يحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري، فقالا: أحد أبوي الأثرم جني. وقال أبو القاسم بن الجيلي: قدم رجل فقال: أريد رجلا يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب ابن أبي شيبة. قال: فقلنا له: ليس لك إلّا أبو بكر الأثرم. قال: فوجّهوا إليه ورقا، فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة. قال: فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شيء. وقال الحسن بن علي بن عمر الفقيه: قدم شيخان من خراسان للحج فحدّثا، فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث تحديثهما، قال: فخرجا- يعني إلى الصحراء- فقعد هذا الشيخ ناحية معه خلق من أصحاب الحديث، والمستملي، وقعد الآخر ناحية، وقعد الأثرم بينهما، فكتب ما أملى هذا وما أملى هذا. وقال الأثرم: كنت عند خلف البزّار يوم جمعة، فلما قمنا من المجلس

_ [1] (1/ 66- 73) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف. [2] تحرّفت في الأصل إلى «القعبني» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

صرت إلى قرب الفرات فأردت أن أغتسل للجمعة، فغرقت فلم أجد شيئا أتقرب به إلى الله عزّ وجلّ أكثر عندي من أن قلت: اللهمّ إن نجّيتني لأتوبنّ من صحبة حارث، يعني المحاسبي. قال الأثرم: كان حارث في عرس لقوم، فجاء يطّلع على النساء من فوق الدرابزين، ثم ذهب يخرجه- يعني رأسه- فلم يستطع، فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: أردت أن أعتبر بالحور العين. انتهى ملخصا. وفيها حاشد بن إسماعيل بن عيسى البخاريّ الحافظ بالشّاش [1] من إقليم التّرك. روى عن عبيد الله بن موسى، ومكّي بن إبراهيم، وكان ثبتا إماما. والحسن بن سليمان أبو علي البصريّ المعروف بقبيطة. كان حافظا، ثقة، إماما نبيلا [2] . والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، الأمويّ، قاضي المعتمد وكان أحد الأجواد الممدّحين. وفيها شعيب بن أيوب، أبو بكر الصّريفيني [3] ، مقرئ واسط وعالمها، قرأ على يحيى بن آدم، وسمع من يحيى القطّان وطائفة، وكان ثقة. وأبو شعيب السّوسيّ، صالح بن زياد، مقرئ أهل الرّقّة وعالمهم، قرأ على يحيى اليزيدي، وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة، وتصدّر للإقراء، وحمل عنه طوائف [4] . قال أبو حاتم: صدوق.

_ [1] تقع الآن في الجنوب الغربي من الاتحاد السوفييتي وتعرف بطشقند، وقد أنجبت فيما مضى عددا كبيرا من العلماء. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 308- 309) ، و «الأمصار ذوات الآثار» ص (94) بتحقيقي، و «الروض المعطار» للحميري ص (335) . [2] انظر ترجمته ومصادرها في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (253) . [3] في الأصل، والمطبوع: «الصيرفي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 28) ، وانظر «اللباب» لابن الأثير (2/ 240) . [4] في «العبر» : «وحمل عنه طائفة» .

وأبو يزيد البسطاميّ العارف الزّاهد المشهور، واسمه طيفور بن عيسى، وكان يقول: إذا نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتّى يرتفع في الهواء فلا تغترّوا به، حتّى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الشريعة. قال أبو عبد الرحمن السّلميّ في «طبقاته» [1] : طيفور بن عيسى بن سروسان [2] البسطامي وسروسان [2] كان مجوسيا فأسلم وكانوا ثلاثة إخوة: آدم أكبرهم، وطيفور أوسطهم، وعليّ أصغرهم، وكلّهم كانوا زهّادا عبّادا. ومات عن ثلاث وسبعين سنة، وهو من قدماء مشايخ القوم، له كلام حسن في المعاملات، ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصحّ ويكون مقولا عليه. قال أبو يزيد: من لم ينظر إلى شاهدي بعين الاضطرار، وإلى أوقاتي بعين الاغترار، وإلى أحوالي بعين الاستدراج، وإلى كلامي بعين الافتراء، وإلى عبراتي بعين الاجتراء، وإلى نفسي بعين الازدراء، فقد أخطأ النظر في. ذكرت لأبي عثمان المغربي هذه الحكاية، فقال: لم أسمع لأبي يزيد حكاية أحسن منها، وإنما تكلم عن عين الفناء، أي قوله: سبحاني. وقال أبو يزيد: لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها بشيء. وكتب يحيى بن معاذ لأبي يزيد: سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته. فكتب إليه أبو يزيد في جوابه: سكرت وما شربت من الدّور وغيرك قد

_ [1] ص (67) . [2] كذا في الأصل، والمطبوع، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 152) : «سروسان» ، وفي «طبقات الصوفية» و «المنتظم» لابن الجوزي (5/ 28) : «سروشان» ، وفي «سير أعلام النبلاء» للذهبي (13/ 86) : «شروسان» .

شرب بحور السماوات والأرض، وما روي بعد، ولسانه خارج من العطش، ويقول: هل من مزيد. وقال الجنيد: كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا. وكان أبو يزيد إذا ذكر الله يبوّل الدم. وحكي عنه أنه قال: نوديت في سرّي فقيل لي: خزائننا مملوءة من الخدمة، فإن أردتنا فعليك بالذلّ والافتقار. وحكى عنه صاحبه أبو بكر الأصبهاني، أنه أذّن مرّة فغشي عليه، فلما أفاق قال: العجب ممّن لا يموت إذا أذّن. انتهى ملخصا. وفيها الإمام مسلم بن الحجّاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ [1] القشيريّ النيسابوريّ، صاحب «الصحيح» أحد الأئمة الحفّاظ وأعلام المحدّثين. رحل إلى الحجاز، والعراق، والشام، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن مسلمة، وغيرهم، وقدم بغداد غير مرّة، فروى عنه أهلها، وآخر قدومه إليها في سنة تسع وخمسين ومائتين، وروى عنه الترمذيّ، وكان من الثقات المأمونين. قال محمد الماسرجسي: سمعت مسلم بن الحجّاج يقول: صنّفت هذا «المسند الصحيح» من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم في علم الحديث. وقال الخطيب البغدادي: كان مسلم يناضل عن البخاري حتّى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذّهلي بسببه.

_ [1] في المطبوع: «كرشان» . وانظر «وفيات الأعيان» لابن خلكان (5/ 194) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 558) .

وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ: لما استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم من الاختلاف إليه، فلما وقع بين محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ، فنادى عليه، ومنع الناس من الاختلاف إليه، حتّى هجر وخرج من نيسابور في تلك المحنة، وقطعه أكثر النّاس غير مسلم، فإنه لم يتخلّف عن زيارته، فانتهى [1] إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجّاج على مذهبه قديما وحديثا، وأنه عوقب على ذلك بالحجاز، والعراق، ولم يرجع عنه، فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى قال في آخر مجلسه: ألا من قال باللفظ فلا يحلّ له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته، وقام على رؤوس النّاس وخرج عن مجلسه، وجمع كل ما كتب منه وبعث به على ظهر حمّال إلى باب محمد بن يحيى، فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلّف عنه وعن زياراته. ومحمد هذا هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذّهلي النيسابوري، كان أحد الحفّاظ الأعيان. روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وكان ثقة مأمونا، وكان سبب الوحشة بينه وبين البخاري، أنه لما دخل البخاريّ مدينة نيسابور شنّع [2] عليه محمد بن يحيى في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه، فلم يمكنه ترك الرواية عنه، وروى عنه في الصوم، والطب، والجنائز، والعتق، وغير ذلك، مقدار ثلاثين موضعا، ولم يصرّح باسمه، لا يقول [3] : حدّثنا محمد بن يحيى الذّهلي، بل يقول: حدّثنا محمد، ولا يزيد عليه أو يقول [4] : محمد بن عبد الله [فينسبه إلى

_ [1] في المطبوع، و «وفيات الأعيان» : «فأنهي» . [2] تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «شعث» فتصحح فيه. [3] في «وفيات الأعيان» : «فيقول» . [4] في «وفيات الأعيان» : «ويقول» .

جدّه] [1] وينسبه [أيضا] لجدّ أبيه. انتهى من ابن خلّكان [2] ملخصا. قلت: وقد مرّت ترجمة محمد المذكور، والله أعلم [3] . وقال في «العبر» [4] : مسلم بن الحجّاج، أبو الحسين القشيريّ النيسابوريّ الحافظ، أحد أركان الحديث، وصاحب «الصحيح» وغير ذلك، في رجب، وله ستّون سنة، وكان صاحب تجارة بخان بحمس بنيسابور [5] وله أملاك وثروة، وقد حجّ سنة عشرين ومائتين، فلقي القعنبيّ وطبقته.

_ [1] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل والمطبوع، وأثبته من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» (5/ 194- 196) . [3] قلت: أجل مرت ترجمته انظر ص (259- 260) من هذا المجلد. [4] (2/ 29) . [5] في «العبر» : «وكان صاحب تجارة، وكان محسن نيسابور» .

سنة اثنتين وستين ومائتين

سنة اثنتين وستّين ومائتين لما عجز المعتمد على الله عن يعقوب بن اللّيث، كتب إليه بولاية خراسان وجرجان، فلم يرض حتّى يوافي باب الخليفة، وأضمر في نفسه الاستيلاء على العراق، والحكم على المعتمد، فتحوّل عن سامرّا إلى بغداد، وجمع أطرافه وتهيأ للملتقى، وجاء يعقوب في سبعين ألفا، فنزل واسط فتقدّم المعتمد، وقصده يعقوب، فقدّم المعتمد أخاه الموفّق بجمهرة الجيش، فالتقيا في رجب، واشتد القتال، فوقعت الهزيمة على الموفّق، ثم ثبت وأسرعت الكسرة [1] على أصحاب يعقوب، فولّوا الأدبار، واستبيح عسكرهم، وكسب أصحاب الخليفة ما لا يحدّ ولا يوصف، وخلّصوا محمد بن طاهر، وكان مع يعقوب في القيود، ودخل يعقوب إلى فارس، وخلع المعتمد على محمد بن طاهر أمير خراسان، وردّه إلى عمله، وأعطاه خمسمائة ألف درهم، وعاثت [2] جيوش الخبيث [3] عند اشتغال العساكر، فنهبوا البطيحة [4] وقتلوا وأسروا، فسار عسكر [الموفّق] [5] لحربهم فهزمهم، وقتل منهم مقدّم كبير يعرف بالصعلوك.

_ [1] في «العبر» : «وشرعت الكسرة» . [2] في الأصل، والمطبوع: «وعاث» وما أثبته من «العبر» للذهبي (2/ 30) . [3] لفظة «الخبيث» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع و «العبر» للذهبي. [4] البطيحة: أرض واسعة بين واسط والبصرة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 450- 451) . [5] لفظة «الموفق» سقطت من الأصل والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي.

وفيها توفي عمر بن شبّة، أبو زيد النميريّ البصريّ، الحافظ العلّامة الأخباريّ، الثقة، صاحب التصانيف. حدّث عن عبد الوهاب الثقفي، وغندر وطبقتهما، وكان ثقة. وشبّة لقب أبيه، واسمه زيد، لقّب بذلك، لأن أمّه كانت ترقّصه وتقول: يا ربّ ابني شبّا ... وعاش حتّى دبّا شيخا كبيرا خبّا [1] كذا رواه محمد بن إسحاق السرّاج عن عمر بن شبّة. وفيها أبو سيّار محمد بن عبد الله بن المستورد، أبو بكر، البغداديّ، يعرف بأبي سيّار، ثقة خيّر. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها، وجزم ابن ناصر الدّين أنه في التي قبلها، محمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحر بن زعلان العامري، أبو جعفر بن إشكاب البغداديّ. حدّث عنه عدة، منهم: البخاريّ، وأبو داود، والنسائي، وكان صدوقا حافظا، ثقة [2] . وفيها محمد بن عاصم الثقفيّ أبو جعفر الأصبهانيّ العابد. سمع سفيان بن عيينة، وأبا أسامة، وطبقتهما. قال إبراهيم بن أورمة [3] : ما رأيت مثل ابن عاصم، ولا رأى مثل نفسه.

_ [1] الأبيات وتخريجها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 371) وروايتها فيه: يا بأبي وشبا ... وعاش حتى دبا شيخا كبيرا خبا [2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 152) . [3] في الأصل والمطبوع: «ابن أرومة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 31) و «طبقات الحفّاظ» ص (277) . أقول: قال في «تاج العروس» (أرم) : والأرمة: القبيلة، وإبراهيم بن أرمة الأصبهاني الحافظ، بالضم، وقد تمد الضمة فيقال: أورمة. (ع)

وفيها يعقوب بن شيبة السّدوسيّ البصريّ الحافظ، أحد الأعلام، وصاحب «المسند المعلل» الذي ما صنّف أحد أكبر منه [1] ولم يتمّه، وكان سريّا محتشما، عيّن لقضاء القضاة، ولحقه على ما خرّج من «المسند» نحو عشرة آلاف مثقال، وكان صدوقا. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن ناصر الدّين: يعقوب نجل شيبة بن صلت ... سادهم رواية بثبت وقال في «شرحها» : ابن صلت بن عصفور، أبو يوسف، السّدوسيّ البصريّ، نزيل بغداد، ثقة. انتهى.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أكثر منه» وما أثبته من «العبر» للذهبي. [2] (2/ 31) .

سنة ثلاث وستين ومائتين

سنة ثلاث وستّين ومائتين فيها توفي أحمد بن الأزهر بن منيع بن سليط، أبو الأزهر، النيسابوري الحافظ، وقيل: سنة إحدى وستّين. رحل وسمع أبا ضمرة أنس بن عياض وطبقته، ووصل إلى اليمن. قال النسائيّ: لا بأس به. قال ابن ناصر الدّين: كان حافظا صدوقا من المهرة، أنكر عليه ابن معين أربعين حديثا ثم عذره. انتهى. وفيها الحسن بن أبي الرّبيع الجرجانيّ الحافظ ببغداد. سمع أبا يحيى الحمّاني، ورحل إلى عبد الرزاق وأقرانه. وفيها الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل، وقد نفاه المستعين إلى برقة، ثم قدم بعد المستعين فوزر للمعتمد إلى أن مات. وفيها محمد بن علي بن ميمون الرّقّيّ العطار الحافظ. روى عن محمد بن يوسف الفريابي، والقعنبي، وأقرانهما. قال الحاكم: كان إمام أهل الجزيرة في عصره، ثقة مأمون. وفيها معاوية بن صالح الحافظ، أبو عبيد الله الأشعري الدمشقي، روى عن عبيد الله بن موسى، وأبي مسهر، وسأل يحيى بن معين، وتخرّج به .

سنة أربع وستين ومائتين

سنة أربع وستّين ومائتين فيها أغارت الزّنج على واسط، وهجّ أهلها حفاة عراة، ونهبت ديارهم وأحرقت، فسار لحربهم الموفّق. وفيها غزا المسلمون الرّوم، وكانوا أربعة آلاف، عليهم ابن كاوس، فلما نزلوا البذندون [1] تبعتهم البطارقة، وأحدقوا بهم، فلم ينج منهم إلّا خمسمائة، واستشهد الباقون، وأسر أميرهم جريحا. وفيها مات الأمير موسى بن بغا الكبير، وكان من كبار القواد وشجعانهم كأبيه. وفيها أحمد بن عبد الرّحمن بن وهب، أبو عبيد الله المصريّ المحدّث. روى الكثير عن عمّه عبد الله، وله أحاديث مناكير، وقد احتجّ به مسلم. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «البديدون» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» (1/ 361) وفيه قال ياقوت: بذندون بفتحتين (أي بفتح الباء والذال) وسكون النون ودال مهملة وواو ساكنة ونون: قرية بينها وبين طرسوس يوم من بلاد الثغر، مات بها المأمون، فنقل إلى طرسوس، ودفن بها. وتقع الآن في الجنوب الأوسط من تركيا. قلت: وقد تحرّفت في «العبر» للذهبي (2/ 33) إلى «البدندون» في المتن والحاشية على الرغم من رجوع محقّقه الأستاذ فؤاد سيد إلى «معجم البلدان» في ضبطها!. [2] (2/ 34) .

وفيها أحمد بن يوسف السّلميّ النيسابوريّ [1] الحافظ، أحد الأثبات، ويلقب حمدان. كان ممّن رحل إلى اليمن، وأكثر عن عبد الرزاق وطبقته، وكان يقول: كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث، وكان ثقة. وفيها المزنيّ الفقيه، أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المصريّ، صاحب الشافعي في ربيع الأول، وهو في عشر التسعين. قال الشافعيّ: المزنيّ ناصر مذهبي. وكان زاهدا عابدا يغسّل الموتى حسبة. صنّف «الجامع الكبير» و « [الجامع] الصغير» ومختصره «مختصر المزني» و «المنثور» و «المسائل المعتبرة» و «الترغيب في العلم» و «كتاب الوثاق» وغيرها، وصلّى لكل مسألة في مختصره ركعتين، فصار أصل الكتب المصنفة في المذهب، وعلى منواله رتّبوا، ولكلامه فسّروا وشرحوا، وكان مجاب الدعوة، عظيم الورع، حكي عنه أنه كان إذا فاتته الجماعة صلّى منفردا خمسا وعشرين مرّة، ولم يتقدم عليه أحد من أصحاب الشافعي، وهو الذي تولى غسله يوم مات. قيل: وعاونه الرّبيع، ودفن إلى جنبه بالقرافة الصغرى، ونسبته إلى مزينة بنت كلب بن وبرة أمّ القبيلة المشهورة. انتهى. وفيها أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشيّ مولاهم الرّازيّ الحافظ، أحد الأئمة الأعلام في آخر يوم من السنة. رحل وسمع من أبي نعيم، والقعنبي وطبقتهما. قال أبو حاتم: لم يخلّف بعده مثله علما، وفقها، وصيانة، وصدقا، وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا

_ [1] انظر ترجمته ومصادرها في «الأنساب» للسمعاني (7/ 112) ، و «تهذيب الكمال» للمزّي (1/ 522) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 384- 388) .

الشأن [1] مثله. وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل. وقال محمد بن مسلم: حضرت أنا وأبو حاتم عند أبي زرعة- والثلاثة رازيّون- فوجدناه في النزع، فقلت لأبي حاتم: إني لأستحيي من أبي زرعة أن ألقّنه الشهادة، ولكن تعال حتّى نتذاكر الحديث، لعله إذا سمعه يقول، فبدأت فقلت: حدّثني محمد بن بشار، أنبأنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد بن جعفر، فأرتج عليّ الحديث، كأني ما سمعته ولا قرأته، فبدأ أبو حاتم فقال: حدّثنا محمد بن بشّار، أنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد بن جعفر [فأرتج عليه كأنه ما سمعه، فبدأ أبو زرعة فقال: حدّثنا محمد بن بشّار، أنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد، عن جعفر] [2] عن صالح بن أبي عريب [3] عن كثير بن مرّة، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله، فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول، دخل الجنّة» [4] . وقال محمد أبو العبّاس المرادي [5] : رأيت أبا زرعة في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: لقيت ربّي عزّ وجلّ فقال: يا أبا زرعة إني أوتى بالطفل فآمر به إلى الجنة، فكيف بمن حفظ السنن على عبادي؟ فأقول له: تبوأ من الجنة حيث شئت.

_ [1] يعني علوم الحديث النبوي. [2] ما بين حاصرتين سقط من المطبوع. [3] في الأصل: «صالح بن أبي غريب» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 599) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق. [4] رواه الإمام أحمد في «المسند» (5/ 233 و 247) ، وأبو داود رقم (3116) في الجنائز: باب في التلقين، والحاكم في «المستدرك» (1/ 351) دون جملة «فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول» وصحّحه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فإنه حديث صحيح بطرقه وشواهده. [5] في المطبوع: «المرداوي» وهو خطأ، وانظر «تاريخ بغداد» (10/ 336) .

قال: ورأيته مرة أخرى يصلّي بالملائكة في السماء الرابعة. فقلت: يا أبا زرعة بم نلت أن تصلّي بالملائكة؟ قال: برفع اليدين. وفيها يونس بن عبد الأعلى الإمام أبو موسى الصدفيّ المصريّ الفقيه المقرئ المحدّث، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن ابن عيينة، وابن وهب، وتفقّه على الشافعيّ، وكان الشافعيّ يصف عقله [1] . وقرأ القرآن على ورش، وتصدّر للإقراء والفقه، وانتهت إليه مشيخة بلده، وكان ورعا، صالحا، عابدا، كبير الشأن. قال ابن ناصر الدّين: كان ركنا من أركان الإسلام.

_ [1] قال الذهبي في «تذكرة الحفّاظ» (2/ 527) : روي عن الشافعي قال: ما رأيت بمصر أحدا أعقل من يونس.

سنة خمس وستين ومائتين

سنة خمس وستّين ومائتين فيها توفي أحمد بن الخصيب [1] ، الوزير، أبو العبّاس، وزر للمنتصر وللمستعين، ثم نفاه المستعين إلى المغرب، وكان أبوه أمير مصر في دولة الرّشيد. وفيها أحمد بن منصور، أبو بكر، الرّماديّ الحافظ ببغداد، وكان أحد من رحل إلى عبد الرزّاق. وثّقه أبو حاتم وغيره. وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا عمدة. وفيها إبراهيم بن هانئ النيسابوريّ الثقة العابد. رحل وسمع من يعلى بن عبيد وطبقته. قال أحمد بن حنبل: إن كان أحد من الأبدال، فإبراهيم بن هانئ. وفيها سعدان بن نصر أبو عثمان الثقفيّ البغداديّ البزّاز. رحل في الحديث وسمع من ابن عيينة، وأبي معاوية، والكبار، ووثّقه الدارقطنيّ [2] . وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيّ الإمام، أبو الفضل، قاضي أصبهان في رمضان وله اثنتان وستّون سنة. سمع من عفّان وطبقته، وتفقّه على أبيه.

_ [1] تصحفت في الأصل إلى «الحصيب» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 357- 358) .

قال ابن أبي حاتم: صدوق. وفيها علي بن حرب، أبو الحسن، الطائيّ الموصليّ المحدّث الأخباريّ، صاحب «المسند» في شوّال. سمع ابن عيينة، والمحاربي، وطبقتهما، وعاش تسعين سنة. وتوفي قبله أخوه أحمد بن حرب بسنتين [1] . وفيها أبو حفص النيسابوريّ الزّاهد، شيخ خراسان، واسمه عمرو بن مسلم، وكان كبير القدر، صاحب أحوال وكرامات، وكان عجبا في الجود والسماحة، وقد نفّذ مرّة بضعة عشر ألف دينار يستفكّ [2] بها أسارى، وبات وليس له عشاء. وكان يقول: ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء أو لمحه [3] بقلبه. وقال: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، والفتوّة أداء الإنصاف وترك طلب الانتصاف، ومن لم يربّ أفعاله وأحواله كل وقت بالكتاب والسّنّة ولم يتّهم خواطره فلا تعدّه من الرّجال. والإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلويّ الحسينيّ أبو القاسم، الذي تلقّبه الرافضة بالخلف وبالحجّة، وبالمهدي، وبالمنتظر، وبصاحب الزّمان، وهو خاتمة الاثني عشر إماما عندهم، ويلقبونه أيضا بالمنتظر، فإنهم يزعمون أنه أتى السرداب بسامرا فاختفى، وهم ينتظرونه [4] إلى الآن، وكان عمره لمّا عدم تسع سنين أو دونها، وضلال الرافضة ما عليه مزيد، قاتلهم الله تعالى.

_ [1] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 253- 254) . [2] في «العبر» للذهبي (2/ 37) : «يفتك» . [3] في «العبر» : «ولا لمحة» . [4] قوله: «هم ينتظرونه» لم يرد في «العبر» للذهبي.

وفيها العلّامة محمد بن سحنون [1] المغربيّ المالكيّ مفتي القيروان. تفقّه على أبيه، وكان إماما مناظرا كثير التصانيف معظّما بالقيروان خرّج له عدة أصحاب وما خلّف بعده مثله. وفيها يعقوب بن اللّيث الصّفّار، الذي غلب على بلاد الشرق، وهزم الجيوش، وقام بعده أخوه عمرو بن اللّيث، وكانا شابّين صفّارين، فيهما شجاعة مفرطة، فصحبا صالح بن النّضر، الذي كان يقاتل الخوارج بسجستان، فآل أمرهما إلى الملك، فسبحان من له الملك، ومات يعقوب بالقولنج في شوّال بجنديسابور [2] وكتب على قبره: هذا قبر يعقوب المسكين، وقيل: إن الطبيب قال له: لا دواء لك إلّا الحقنة، فامتنع منها، وخلّف أموالا عظيمة، منها من الذهب ألف ألف دينار، ومن الدراهم خمسين ألف ألف درهم، وقام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة، وامتدت أيامه.

_ [1] ضبطه الأستاذ فؤاد سيد في «العبر» بضم السين وهو خطأ، والصواب بفتح السين. [2] مدينة بخوزستان بناها سابور بن أردشير فنسبت إليه وأسكنها سبي الرّوم وطائفة من جنده، وقال حمزة: جنديسابور تعريب «به از انديوشافور» ومعناه خير من أنطاكية، «معجم البلدان» (2/ 170) .

سنة ست وستين ومائتين

سنة ست وستّين ومائتين فيها أخذت الزّنج رامهرمز [1] فاستباحوها قتلا وسبيا. وفيها خرج أحمد بن عبد الله الخجستاني [2] ، وحارب عمرو بن اللّيث الصّفّار، فظهر عليه، ودخل نيسابور [3] فظلم وعسف. وفيها خرجت جيوش الرّوم ووصلت إلى الجزيرة، فعاثوا وأفسدوا. وفيها توفي إبراهيم بن أورمة أبو إسحاق الأصبهاني الحافظ، أحد أذكياء المحدّثين [في ذي الحجة ببغداد. روى عن عبّاس العنبري وطبقته، ومات قبل أوان الرواية. قال ابن ناصر الدّين] [4] : فاق أهل عصره في الذكاء والحفظ. ومحمد بن شجاع بن الثّلجيّ، فقيه العراق وشيخ الحنفية، سمع من إسماعيل بن عليّة، وتفقّه بالحسن بن زياد اللّؤلؤي، وصنّف واشتغل، وهو

_ [1] قال ياقوت: معنى رامهرمز بالفارسية المراد والمقصود، وهرمز أحد الأكاسرة، فكأن هذه اللفظة مركبة معناها: مقصود هرمز، أو مراد هرمز، وقال حمزة: رامهرمز اسم مختصر من رامهرمز أردشير، وهي مدينة مشهورة بنواحي خوزستان. «معجم البلدان» (3/ 17- 18) . [2] في الأصل، والمطبوع: «السجستاني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 39) ، وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 296) . [3] في «العبر» : «ودخل بنيسابور» . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل واستدركته من المطبوع.

متروك الحديث، توفي ساجدا في صلاة العصر [1] وله نحو من تسعين سنة، قاله في «العبر» [2] . وقال في «المغني» [3] : محمد بن شجاع بن الثلجي الفقيه. قال ابن عديّ: كان يضع الأحاديث في التشبيه ينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك. وفيها محمد بن عبد الملك بن مروان، أبو جعفر، الدقيقيّ الواسطيّ في شوّال. روى عن يزيد بن هارون وطبقته، وكان إماما [4] ثقة صاحب حديث.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «في صلاة الصبح» . وعلّق محقّقه فقال: في جميع المصادر أنه مات ساجدا في صلاة العصر، وأحال على «تهذيب التهذيب» (9/ 220) ، و «اللباب» (1/ 241) . [2] (2/ 39) . [3] (2/ 591) . [4] لفظة «إماما» لم ترد في «العبر» للذهبي.

سنة سبع وستين ومائتين

سنة سبع وستّين ومائتين فيها دخلت الزّنج واسط، فاستباحوها ورموا النّار فيها، فسار لحربهم أبو العبّاس، وهو المعتضد، فكسرهم، ثم التقاهم ثانيا بعد أيام فهزمهم، ثم واقعهم ونازلهم، وتصابروا على القتال شهرين فذلّوا، ووقع في قلوبهم رعب [1] من أبي العبّاس بن الموفّق ولجأوا [2] إلى الحصون، وحاربهم في المراكب، فغرق منهم خلق، ثم جاء أبوه الموفّق في جيش لم ير مثله، فهزموا [الزّنج] [3] ، هذا وقائدهم العلوي غائب عنهم، فلما جاءته الأخبار بهزيمة جنده مرات [4] ذلّ واختلف إلى الكنيف مرارا، وتقطّعت كبده، ثم زحف عليهم أبو العبّاس، وجرت لهم حروب يطول شرحها، إلى أن برز الخبيث قائد الزّنج بنفسه في ثلاثمائة ألف فارس [5] [وراجل، والمسلمون في خمسين ألفا] [6] ونادى الموفّق بالأمان، فأتاه خلق، ففتّ ذلك في عضد

_ [1] في «العبر» للذهبي: «الرعب» . [2] في «العبر» للذهبي «فنجوا» . [3] سقطت من الأصل والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي. [4] لفظة «مرات» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع و «العبر» للذهبي. [5] في «العبر» : «في ثلاثة آلاف فارس» وما جاء في كتابنا موافق لما في «البداية والنهاية» لابن كثير (11/ 41) . [6] ما بين حاصرتين سقط من «العبر» للذهبي فيستدرك.

الخبيث، ولم تجر وقعة لأن النهر فصل بين الجيشين. قاله في «العبر» [1] . وقال في «الشذور» : حارب أبو أحمد الموفّق الزّنج، وكان بعض لطلب الدنيا قد استغوى جماعة من المماليك، وقال: إنكم في العذاب والخدمة فتخلصوا، فصاروا ينهبون البلاد ويقتلون العباد، فجاء بهم الموفّق، فاستنقذ من أيديهم زهاء خمسة عشر ألف امرأة من المسلمات كانوا قد تغلبوا عليهنّ، فجئن منهم بالأولاد. انتهى. وفيها توفي إسماعيل بن عبد الله الحافظ، أبو بشر العبديّ الأصبهانيّ، سمويه. سمع بكر بن بكّار، وأبا مسهر، وخلقا من هذه الطبقة. قال أبو الشيخ: كان حافظا متقنا يذاكر بالحديث. وقال ابن ناصر الدّين: ثقة. وفيها المحدّث إسحاق بن إبراهيم الفارسي شاذان [2] في جمادى الآخرة بشيراز. روى عن جدّه قاضي شيراز سعد بن الصّلت وطائفة. وثّقه ابن حبّان. وفيها بحر بن نصر بن سابق الخولانيّ المصريّ. سمع ابن وهب وطائفة، وكان أحد الثقات الأثبات. روى النسائي في جمعه لمسند مالك، عن رجل، عنه. وفيها حمّاد بن إسحاق بن إسماعيل الفقيه، أبو إسماعيل القاضي، وأخو إسماعيل القاضي، تفقّه على أحمد بن محمد المعذل [3] ، وحدّث عن القعنبي، وصنّف التصانيف، وكان بصيرا بمذهب مالك.

_ [1] (2/ 40- 41) . [2] في الأصل، والمطبوع: «سادان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 41) . [3] في الأصل: «ابن المعداب» وهو خطأ، وفي «العبر» : «ابن المعدل» ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «ترتيب المدارك وترتيب المسالك» للقاضي عياض (2/ 181) .

وفيها عبّاس التّرقفي [1] ببغداد أحد الثقات العبّاد. سمع محمد بن يوسف الفريابي [2] وطبقته [3] . وفيها عبد العزيز [بن] منيب، أبو الدرداء، المروزيّ، الحافظ، رحل وطوّف وحدّث عن مكّي بن إبراهيم وطبقته. وفيها محمد بن عزيز الأيلي بأيلة. روى عن سلامة بن روح وغيره. قال في «المغني» [4] : قال النسائي: صويلح. وقال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر. انتهى. ويحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله [5] الذّهلي الحافظ، شيخ نيسابور. بعد أبيه، ويقال له: حيكان. رحل وسمع من سليمان بن حرب وطبقته، وكان أمير المطوعة المجاهدين، ولما غلب أحمد الخجستاني [6] على نيسابور، وكان ظلوما غشوما، فخرج منها هاربا، فخافت النيسابوريون كرته فاجتمعوا على باب حيكان وعرضوا في عشرة آلاف مقاتل، فردّ إليهم أحمد، فانهزموا واختفى حيكان، وصحب قافلة، ولبس عباءة فعرف، وأتي به إلى أحمد فقتله.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «البرقفي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. قلت: كذا ضبطها السمعاني في «الأنساب» (3/ 40) ، وابن حجر في «تقريب التهذيب» ص (293) بفتح التاء، وضبطها ابن الأثير في «اللباب» (1/ 212) بضم التاء. [2] في الأصل، والمطبوع: «عبد العزيز منيب» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [3] تقدمت هذه الترجمة في المطبوع على ترجمة «عبد العزيز بن منيب» وما جاء في الأصل موافق لما في «العبر» . [4] (2/ 614) . [5] في الأصل، والمطبوع: «أبو عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 42) ، وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 557) . [6] في الأصل، والمطبوع إلى «الحجستاني» والتصحيح من «العبر» للذهبي.

قال ابن ناصر الدّين: هو ثقة. وفيها يونس بن حبيب، أبو بشر، العجليّ مولاهم الأصبهاني، راوي «مسند الطّيالسي» . كان ثقة ذا صلاح وجلالة.

سنة ثمان وستين ومائتين

سنة ثمان وستين ومائتين فيها غزا نائب الثغور الشّامية خلف التركي الطولوني، فقتل من الرّوم بضعة عشر ألفا، وغنموا غنيمة هائلة، حتّى بلغ السهم أربعين دينارا. وفيها كان المسلمون يحاصرون الخبيث مقدّم الزّنج [1] في مدينته المسمّاة بالمختارة. وفيها توفي الإمام محدّث مرو، أحمد بن سيّار المروزيّ الحافظ، مصنّف «تاريخ مرو» في منتصف شهر ربيع الآخر ليلة الاثنين. سمع إسحاق بن راهويه، وعفّان، وطبقتهما، وكان يشبّه في عصره بابن المبارك علما وزهدا، وكان صاحب وجه في مذهب الإمام الشافعي. نقل عنه الرّافعيّ أنه أوجب الأذان للجمعة دون غيرها، وأن الواجب من الأذانين لها هو الذي يفعل بين يدي الخطيب [2] . وفيها أبو عبد المؤمن أحمد بن شيبان الرّمليّ في صفر. روى عن ابن عيينة وجماعة، ووثّقه الحاكم، وقال ابن حبّان: يخطئ.

_ [1] هو علي بن محمد بن عبد الرحيم العقبسي، أحد الخوارج على الدولة العباسية، ادّعى أنه من أهل البيت، وقد التفّ حوله خلق كثير من الزّنج الذين كانوا يكسحون السباج بظاهر البصرة، وعظمت فتنته واستمرت من سنة (255) إلى سنة (270) هـ حيث قتله عساكر الموفق. انظر تفاصيل ذلك في «تاريخ الطبري» ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير. [2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 609- 611) .

وأحمد بن يونس [1] الضّبّيّ الكوفيّ بأصبهان. روى عن حجّاج الأعور وطبقته، وكان ثقة محتشما. وفي شوّال أحمد بن عبد الله الخجستاني [2] كان من أمراء يعقوب الصّفّار، وكان جبّارا عنيدا، خرج على يعقوب، وأخذ نيسابور، وله حروب ومواقف مشهورة، ذبحه غلمانه وقد سكر. وفيها عيسى بن أحمد العسقلانيّ الحافظ، وهو بغدادي، نزل عسقلان محلّة ببلخ [3] . روى عن ابن وهب، وبقية، وطبقتهما. ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، الإمام أبو عبد الله المصري، مفتي الديار المصرية، تفقّه بالشافعي وأشهب، وروى عن ابن وهب وعدّة. قال ابن خزيمة: ما رأيت أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه. وله مصنفات كثيرة، وتوفي في نصف ذي القعدة.

_ [1] في «العبر» : «أحمد بن يوسف» وهو خطأ فيصحح فيه، وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 595) . [2] في الأصل، والمطبوع: «الحجستاني» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي. [3] انظر «المشترك وضعا والمفترق صقعا» لياقوت ص (309) مصوّرة عالم الكتب ببيروت.

سنة تسع وستين ومائتين

سنة تسع وستين ومائتين فيها ظفر المسلمون بمدينة الخبيث [1] وحصروه في قصره فأصاب الموفّق سهم فتألم منه ورجع بالجيش، حتّى عوفي، فحصن الخبيث مدينته وبين ما تهدم. وفيها تخيّل المعتمد على الله من أخيه الموفّق، ولا ريب في أنه كان مقهورا مع الموفّق، فكاتب أحمد بن طولون، واتفقا، وسافر المعتمد في خواصه من سامرّا، يريد اللحاق بابن طولون في صورة متنزّه متصيّد، فجاء كتاب الموفّق إلى إسحاق بن كنداخ [2] يقول: متى اتفق ابن طولون مع المعتمد لم يبق منكم باقية. وكان إسحاق على نصيبين في أربعة آلاف، فبادر إلى الموصل، فإذا بحرّاقات المعتمد وأمراؤه، فوكّل بهم، وتلقى المعتمد بين الموصل والحديثة فقال: يا إسحاق لم منعت الحشم [من] [3] الدخول إلى الموصل؟ فقال: أخوك يا أمير المؤمنين في وجه العدو، وأنت تخرج من مستقرك، فمتى علم رجع عن قتال الخبيث، فيغلب عدوّك على دار آبائك،

_ [1] المعروفة بالمختارة. [2] كذا في الأصل، والمطبوع: «ابن كنداخ» واسمه من الأسماء التي حصل فيها تحريف وتصحيف. انظر «العبر» للذهبي (2/ 45) والتعليق عليه. [3] زيادة من «العبر» للذهبي.

ثم كلّم المعتمد بكلام قويّ ووكّل به وساقه وأصحابه إلى سامرّا، فتلقاه صاعد كاتب الموفّق، فتسلمه من إسحاق وأنزله في دار أحمد بن الخصيب، ومنعه من دخول دار الخلافة، ووكّل بالدار خمسمائة، يمنعون من يدخل إليه، وبقي صاعد يقف في خدمته، ولكن ليس له حلّ ولا ربط. وأما ابن طولون، فجمع الأمراء والقضاة، وقال: قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد، فخلعوه إلّا القاضي بكّار، فقيّده وحبسه، وأمر بلعنة الموفّق على المنابر. وفيها توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري، صاحب ابن وهب، وكان ثقة. وفيها الأمير عيسى بن الشيخ الذّهلي، وكان قد ولي دمشق، فأظهر الخلاف في سنة خمس وخمسين، وأخذ الخزائن وغلب على دمشق، فجاء عسكر المعتمد، فالتقاهم ابنه ووزيره فهزموا، وقتل ابنه وصلب وزيره، وهرب عيسى، ثم استولى على آمد، وديار بكر مدة.

سنة سبعين ومائتين

سنة سبعين ومائتين فيها التقى المسلمون والخبيث علي بن محمد العبقسيّ المدّعي أنه علويّ، فاستظهروا عليه. ثم وقعة أخرى قتل فيها، وعجّل الله بروحه إلى النّار، ولقد طال قتال المسلمين له، واجتمع مع الموفّق نحو ثلاثمائة ألف مقاتل، أجناد ومطوّعة، وفي آخر الأمر التجأ الخبيث إلى جبل، ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم، فحاربهم المسلمون، فانهزم الخبيث، وتبعهم أصحاب الموفّق يأسرون ويقتلون، ثم استقبل هو وفرسانه، وحملوا على النّاس فأزالوهم، فحمل عليه الموفّق والتحم القتال، فإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده، فلم يصدّقه، فعرفه جماعة من الناس، فحينئذ ترجّل الموفّق وابنه المعتضد والأمراء فخرّوا سجّدا لله، وكبّروا، وسار الموفّق فدخل بالرأس بغداد، وعملت القباب، وكان يوما مشهودا، وأمن الناس وشرعوا يتراجعون إلى الأمصار التي أخذها الخبيث، وكانت أيامه خمس عشرة سنة. قال الصولي: قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف. قال: وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف، وكان يصعد على المنبر فيسبّ عثمان، وعليّا، ومعاوية، وعائشة، وهو اعتقاد الأزارقة، وكان ينادي في عسكره على العلوية بدرهمين وثلاثة، وكان عند الواحد من الزّنج العشر من العلويات يفترشهنّ، وكان الخبيث خارجيّا يقول: لا حكم إلّا لله.

وقيل: كان زنديقا يتستر بمذهب الخوارج، وهو أشبه، فإن الموفّق كتب إليه وهو يحاربه في سنة سبع وستّين، يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله، مما فعل من سفك الدماء، وسبي الحريم، وانتحال النّبوّة والوحي، فما زاده الكتاب إلّا تجبّرا وطغيانا. ويقال: إنه قتل الرسول، فنازل الموفّق مدينته المختارة، فتأملها فإذا [هي] مدينة حصينة محكمة الأسوار، عميقة الخنادق، فرأى شيئا مهولا، ورأى من كثرة المقاتلة ما أذهله، ثم رموه رمية واحدة بالمجانيق والمقاليع والنّشّاب، وضجوا ضجة [1] ارتجّت منها الأرض، فعمد الموفّق إلى مكاتبة قوّاد الخبيث واستمالهم، فاستجاب له عدد منهم، فأحسن إليهم. وقيل: كان الخبيث منجما يكتب الحروز، وأول شيء كان بواسط، فحبسه محمد بن أبي عون ثم أطلقه، فلم يلبث أن خرج بالبصرة واستغوى السودان، والزبّالين، والعبيد، فصار أمره إلى ما صار. ذكر جميع ذلك في «العبر» [2] . وفيها، في ذي القعدة، توفي أمير الدّيار المصرية والشامية أبو العبّاس أحمد بن طولون وهو في عشر الستين. [وخلّف عشرة آلاف دينار، وكان له أربعة عشر ألف مملوك، وكان كريما، شجاعا، مهيبا، حازما، لبيبا] [3] . قال القضاعي: كان طائش السيف، فأحصي من قتله صبرا، أو مات في سجنه، فكانوا ثمانية عشر ألفا، وكان يحفظ القرآن، وأوتي حسن الصوت به، وكان كثير التلاوة، وكان أبوه من مماليك المأمون، مات سنة أربعين

_ [1] في «العبر» للذهبي: «وصاحوا صيحة» . [2] «العبر في خبر من عبر» للذهبي (2/ 47- 49) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 49) .

ومائتين، وملك أحمد الدّيار المصرية ستة عشرة سنة. قال ابن الجوزي في كتابه «شذور العقود في التاريخ العهود» [1] : أحمد بن طولون، وكان أبوه طولون تركيا من مماليك المأمون فولد له أحمد، وكان عالي الهمّة، ولم يزل يرتقي حتّى ولي مصر، فركب يوما إلى الصيد، فغاصت رجل دابة بعض أصحابه في مكان من البرية، فأمر بكشف المكان، فوجد مطلبا، فإذا فيه من المال ما قيمته ألف ألف دينار، فبنى الجامع المعروف بين مصر والقاهرة، وتصدّق ببعض، فقال له وكيله يوما: ربما امتدت إليّ الكفّ المطرّفة [2] والمعصم فيه السّوار، والكم الناعم، أفأمنع هذه الطبقة، فقال له: ويحك هؤلاء المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف احذر [أن] تردّ يدا امتدت إليك، وكان يجري على أهل المساجد كل شهر ألف دينار، وعلى فقراء الثغر كذلك، وبعث إلى فقراء بغداد في مدة ولايته ما بلغ ألفي ألف ومائتين ألف دينار، وكان راتب مطبخه كل يوم ألف دينار، ولما مرض خرج المسلمون بالمصاحف، واليهود بالتوراة، والنصارى بالإنجيل، والمعلّمون بالصبيان إلى الصحراء والمساجد، يدعون له، فلما أحسّ بالموت رفع يده وقال: يا ربّ ارحم من جهل مقدار نفسه [3] وأبطره حلمك عنه، وخلّف ثلاثة وثلاثين ولدا، وعشرة آلاف ألف دينار، وسبعة آلاف مملوك، وسبعة آلاف فرس، وكان خراج مصر في أيامه أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف دينار، وكان بعض النّاس يقرأ عند قبره فانقطع عنه، فسئل عن ذلك، فقال رأيته في المنام فقال لي: أحبّ أن لا يقرأ

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «شذور العقود في التاريخ المعهود» والتصحيح من «كشف الظنون» (2/ 1030) . [2] في المطبوع: «المظرفة» وهو تصحيف، وانظر «لسان العرب» (طرف) . [3] في المطبوع: «فقدان نفسه» .

عندي، فما يمرّ بي آية إلّا قرّعت بها، وقيل لي: أما سمعت هذه في دار الدّنيا. انتهى ما ذكره ابن الجوزي. وفيها أسيد بن عاصم الثّقفيّ الأصبهانيّ، أخو محمد بن عاصم، رحل وصنّف «المسند» . وسمع من سعيد بن عامر الضّبعي وطبقته. وفيها أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية بن أبي زرعة، الزّهري، المصري، أبو بكر بن البرقي الحافظ، كان حافظا عمدة. قاله ابن ناصر الدّين [1] . وفيها بكّار بن قتيبة الثقفيّ البكراويّ، أبو بكرة، الفقيه البصريّ، قاضي الدّيار المصرية، في ذي الحجّة. سمع أبا داود الطّيالسي وأقرانه، وله أخبار في العدل، والعفّة، والنزاهة، والورع. ولّاه المتوكل القضاء في سنة ست وأربعين. وفيها الحسن بن علي بن عفّان، أبو محمد العامري، الكوفي، في صفر. روى عن عبد الله بن نمير، وأبي أسامة وعدّة. قال أبو حاتم: صدوق. وفيها داود بن علي، الإمام أبو سليمان الأصبهاني ثم البغدادي، الفقيه الظاهري، صاحب التصانيف، في رمضان، وله سبعون سنة. سمع القعنبيّ، وسليمان بن حرب وطبقتهما، وتفقّه على أبي ثور، وابن راهويه، وكان ناسكا زاهدا. قال ابن ناصر الدّين: تكلّم أبو الفتح الأزدي وغيره فيه، ومنعه أحمد بن حنبل من الدخول عليه لقوله المعروف في القرآن. بلّغه الذّهلي

_ [1] انظر ترجمته في «تذكرة الحفّاظ» للذهبي (2/ 570) ، و «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (253) .

لأحمد، وكتب به إليه، وكان داود حافظا مجتهدا، إمام أهل الظاهر. انتهى ملخصا. وقال ابن خلّكان [1] : أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني، الإمام المشهور، المعروف بالظاهري، كان زاهدا، متقلّلا، كثير الورع، أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وكان من أكثر الناس تعصبا للإمام الشافعي، رضي الله عنه، وصنّف في فضائله والثناء عليه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية، وكان ولده أبو بكر محمد على مذهبه، وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد. قيل: إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر. قال داود: حضر مجلسي يوما أبو يعقوب الشريطي، وكان من أهل البصرة وعليه خرقتان، فتصدّر لنفسه من غير أن يرفعه أحد وجلس إلى جانبي، وقال لي: سل [يا فتى] [2] عمّا بدا لك، فكأني غضبت منه، فقلت له مستهزئا: أسألك عن الحجامة، فبرك [أبو يعقوب] [2] ثم روى طريق «أفطر الحاجم والمحجوم» [3] ومن أرسله، ومن أسنده، ومن وقفه، ومن ذهب إليه من الفقهاء. وروى اختلاف طرق [4] احتجام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعطاء الحاجم [5] أجره، ولو كان حراما لم يعطه، ثم روى طرقا [6] أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، احتجم بقرن، وذكر أحاديث صحيحة في الحجامة، ثم ذكر الأحاديث المتوسطة مثل

_ [1] في «وفيات الأعيان» (2/ 255- 257) وقد نقل المؤلف عنه باختصار. [2] زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] رواه الترمذي رقم (774) في الصوم: باب كراهية الحجامة للصائم من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وقال والدي في تعليقه على «جامع الأصول» (6/ 294) : إسناده صحيح، ولكنه منسوخ، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم. [4] في «وفيات الأعيان» : «طريق» . [5] في «وفيات الأعيان» : «الحجّام» . [6] في «وفيات الأعيان» : «طرق» .

«ما مررت بملإ من الملائكة» [1] ومثل «شفاء أمتي في ثلاث» [2] . وما أشبه ذلك وذكر الأحاديث الضعيفة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تحتجموا يوم كذا وساعة كذا» [3] ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان، وما ذكروه فيها، ثم ختم كلامه بأن قال: وأول ما خرجت الحجامة من أصبهان، فقلت له: والله لا حقرت [4] بعدك أحدا أبدا. وكان داود من عقلاء الناس. قال أبو العبّاس ثعلب في حقه: كان عقل داود أكبر [5] من علمه. ونشأ ببغداد وتوفي بها سنة سبعين في ذي القعدة، وقيل: في شهر رمضان، ودفن بالشونيزية، وقيل: في منزله. وقال ولده أبو بكر محمد: رأيت أبي داود في المنام فقلت له: ما فعل

_ [1] رواه الترمذي في الطب: باب ما جاء في الحجامة، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبّاد بن منصور، وفي الباب عن عائشة رضي الله عنه. ورواه أيضا الحاكم (4/ 209) وصححه ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن. [2] رواه البخاري رقم (5680) و (5681) في الطب: باب الشفاء في ثلاث، من حديث ابن عباس، ولفظه «الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم ... » . [3] جاء في حديث عند ابن ماجة رقم (3487) في الطب، باب في أيّ الأيام يحتجم، من حديث ابن عمر «اجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد» وهو حديث ضعيف. قال السفاريني في «شرح ثلاثيات مسند أحمد» (1/ 451) . قال الحافظ في «الفتح» : ولكون هذه لم يصح فيها شيء، قال حنبل بن إسحاق: كان الإمام أحمد يحتجم في أيّ وقت هاج به الدم وأيّ ساعة كانت. وعند الأطباء: إن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة، وأن لا يقع عقب استفراغ من حمام أو جماع أو غيرهما، ولا عقب شبع ولا جوع. قال الحافظ في «الفتح» : وقد اتفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه، أنفع من الحجامة في أوله وآخره (ع) . [4] في الأصل، والمطبوع: «لا حضرت» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» : «أكثر» .

الله بك؟ فقال: غفر لي وسامحني، فقلت: غفر لك، فبم سامحك؟ [1] فقال: يا بني الأمر عظيم، والويل كل الويل [2] لمن لم يسامح، رحمه الله. انتهى ما ذكره ابن خلّكان. وفيها الرّبيع بن سليمان المرادي، مولاهم، المصري الفقيه، صاحب الشافعي، وهو في عشر المائة. سمع من ابن معين، كان إماما ثقة صاحب حلقة بمصر. قال الشافعي: ما في القوم أنفع لي منه. وقال: وددت أني حسوته العلم. وقال في المزني: سيأتي عليه زمان لا يفسّر شيئا فيخطئه، وفي البويطي: يموت في حديدة، وفي ابن عبد الحكم: سيرجع إلى مذهب مالك. والربيع هذا آخر من روى عن الشافعي بمصر. وفيها أيضا الرّبيع بن سليمان الجيزي، صاحب الشافعي، أبو محمد، وهو قائل الرواية عن الشافعي، وكان ثقة. روى عنه أبو داود، والنسائي، وتوفي بالجيزة [3] . وفيها زكريا بن يحيى بن أسد، أبو يحيى المروزي ببغداد، روى عن سفيان [بن عيينة] وأبي معاوية. قال الدارقطني: لا بأس به. وفيها العبّاس بن الوليد بن مزيد [4] العذريّ البيروتيّ، المحدّث

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «ففيم سامحك» . [2] قوله «كل الويل» سقط من المطبوع. [3] مدينة تقع اليوم في غربي مدينة القاهرة الكبرى بمصر. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 200) والذي في «تهذيب التهذيب» (3/ 245) أنه توفي سنة (256) هـ. [4] في الأصل، والمطبوع: «ابن زيد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 52) ، وانظر «تقريب التهذيب» ص (294) .

العابد، في ربيع الآخر، وله مائة سنة تامة. روى عن أبيه، ومحمد بن شعيب، وجماعة. قال أبو داود: كان صاحب ليل. وفيها أبو البختري، عبد الله بن محمد بن شاكر العنبريّ ببغداد في ذي الحجة. سمع حسين بن علي الجعفي، وأبا أسامة، ووثّقه الدّارقطنيّ وغيره. وفيها محمد بن إسحاق أبو بكر الصّاغانيّ [1] ثم البغداديّ الحافظ الحجة، في صفر. سمع يزيد بن هارون وطبقته. وفيها محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة، أبو عبد الله الحافظ المجوّد، سمع أبا عاصم النبيل وطبقته. قال النسائي: ثقة صاحب حديث، وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه [2] . وفيها محمد بن هشام بن ملّاس [3] ، أبو جعفر، النّميريّ الدمشقيّ، عن سبع وتسعين سنة. روى عن مروان بن معاوية الفزاري وغيره، وكان صدوقا. وفيها الفضل بن العبّاس الصائغ، أبو بكر المروزي، كان حافظا نقّادا. قال: عجزت أن أغرّب على أبي زرعة بعدد شعره. ذكره ابن ناصر الدّين.

_ [1] ويقال: «الصّغاني» أيضا. [2] قوله: «قال النسائي: ثقة، صاحب حديث، وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه» الذي أورده المؤلف هنا، ورد في المطبوع في آخر ترجمة الصاغاني أيضا، وهو خطأ. انظر «العبر» (2/ 52) . [3] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 353- 354) .

سنة إحدى وسبعين ومائتين

سنة إحدى وسبعين ومائتين فيها وقعة الطواحين [1] ، وكان ابن طولون قد خلع الموفّق من ولاية العهد، وقام بعده ابنه خمارويه على ذلك، فجهّز الموفّق ولده أبا العبّاس المعتضد، في جيش كبير، وولّاه مصر والشام، فسار حتّى نزل بفلسطين وأقبل خمارويه، فالتقى الجمعان بفلسطين وحمي الوطيس حتّى حرّت [2] الأرض من الدماء، ثم انهزم خمارويه إلى مصر، ونهبت خزائنه، وكان سعد الأعسر كمينا لخمارويه، فخرج على أبي العبّاس وهم غازون [3] فأوقعوا بهم، فانهزم هو وجيشه أيضا، حتّى وصل طرسوس في نفر يسير، وذهبت أيضا خزائنه، حواها سعد وأصحابه. وفيها توفي عبّاس بن محمد الدّوريّ الحافظ، أبو الفضل، مولى بني هاشم ببغداد في صفر. سمع الحسين بن علي الجعفي، وأبا النّضر، وطبقتهما، وكان من أئمة الحديث الثقات. وفيها أبو معشر المنجّم [4] كان قاطع النظراء في وقته، حتّى حكي أن

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «وقعت الطواعين» ، وما أثبته من «العبر» للذهبي (2/ 53) ، وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 414) ، و «دول الإسلام» للذهبي ص (150) من نشرة مؤسسة الأعلمي ببيروت. [2] في المطبوع: «احمرّت» . وحرّت: أي سخنت. انظر «تاج العروس» (حرر) . [3] في «العبر» : «وهم غارون» . [4] واسمه جعفر بن محمد بن عمر البلخي. انظر ترجمته ومصادرها في «وفيات الأعيان» لابن

بعض أكابر الدولة اختفى وخشي من المنجم أن يحكم بطرقه التي يستخرج بها الخبايا، فأخذ طستا وملأه دما، وعمل في الطست هاون ذهب، وقعد على الهاون أياما، فبحث المنجم في أمره وبقي مفكّرا، فقال له الملك: فيم تفكّر؟ قال: أرى المطلوب على جبل من ذهب والجبل في بحر من دم، ولا أعلم في العالم موضعا على هذه الصفة، فنادى الملك بالأمان للرجل فظهر وأخبرهم، فتعجب الملك من صنيعهما. وفيها عبد الرّحمن بن منصور الحارثيّ البصريّ [1] ، أبو سعيد، صاحب يحيى القطّان، يوم الأضحى بسامرّاء، وفيه لين. ومحمد بن حمّاد الظّهرانيّ الرّازيّ الحافظ، أحد من رحل إلى عبد الرزّاق. حدّث بمصر، والشام، والعراق، وكان ثقة، عارفا، نبيلا. وفيها أبو الحسن محمد بن سنان القزّاز [2] . بصري، نزل بغداد، وروى عن عمر بن يونس اليمامي وجماعة. قال الدارقطني: لا بأس به. وقال أبو داود: يكذب. وفيها كيلجة، واسمه محمد بن صالح بن عبد الرحمن، أبو بكر، الأنماطي، ثقة ماجد. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها يوسف بن سعيد بن مسلم الحافظ، أبو يعقوب، محدّث المصّيصة. روى عن حجّاج الأعور، وعبيد الله بن موسى، وطبقتهما.

_ خلكان (1/ 358- 359) ، و «الأعلام» للزركلي (2/ 127) . [1] انظر «العبر» للذهبي (2/ 54) ، و «البداية والنهاية» (11/ 49) . [2] انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 1207) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «تقريب التهذيب» لابن حجر ص (482) .

قال النسائي: ثقة حافظ. وقال ابن ناصر الدّين: كان أحد الحفّاظ المعتمدين، والأيقاظ الصدوقين. وفيها يحيى بن عبدك القزوينيّ، محدّث قزوين. طوّف ورحل إلى [1] البلدان، وسمع أبا عبد الرّحمن المقرئ، وعفّان.

_ [1] لفظة «إلى» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

سنة اثنتين وسبعين ومائتين

سنة اثنتين وسبعين ومائتين فيها كما قاله في «الشذور» زلزلت مصر زلزالا أخرب الدّور والجوامع، وأحصي بها في يوم واحد ألف جنازة. وفيها البرلّسيّ، وهو إبراهيم بن سليمان بن داود الأسديّ، أسد خزيمة، أبو إسحاق بن أبي داود، ثبت مجوّد. ذكره ابن ناصر الدّين [1] . وفيها أحمد بن عبد الجبّار العطارديّ الكوفيّ، في شعبان. ببغداد، في عشر المائة. سمع أبا بكر بن عيّاش، وعبد الله بن إدريس، وطبقتهما. وثّقه ابن حبّان. وفيها أحمد بن الفرج [2] ، أبو عتبة الحمصيّ المعروف بالحجازيّ. روى عن بقيّة وجماعة. قال ابن عديّ: هو وسط ليس بحجّة. وفيها أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهانيّ الزّاهد، صاحب «المسند» . رحل وسمع أبا نعيم وطبقته. وفيها أبو معين الرّازيّ، الحسين بن الحسن، وقيل: محمد بن

_ [1] قلت: وذكره أيضا السمعاني في «الأنساب» (2/ 167- 168) بترجمة أطول من التي في كتابنا فراجعها. [2] في المطبوع، و «العبر» للذهبي بطبعتيه: «ابن الفرح» وهو تحريف فيصحّح فيهما.

الحسين [1] ، وكان من كبار الحفّاظ والمكثرين الأيقاظ. رحل وسمع سعيد بن أبي مريم، وأبا سلمة التّبوذكي، وطبقتهما. وسليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائيّ، مولاهم، الحرّانيّ، أبو داود، ثقة. كذا ذكره ابن ناصر الدّين. وقال في «العبر» [2] : سليمان بن سيف الحافظ، أبو داود، محدّث حرّان وشيخها في شعبان. سمع [يزيد] بن هارون وطبقته. انتهى. ومحمد بن عبد الوهّاب [العبديّ، أبو أحمد] [3] الفرّاء النيسابوريّ الفقيه الأديب، أحد أوعية العلم. سمع حفص بن عبد الله، وجعفر بن عون، والكبار، ووثّقه مسلم. وفيها محمد بن عبيد الله بن يزيد، أبو جعفر بن المنادي [4] المحدّث في رمضان ببغداد، وله مائة سنة وستة عشر شهرا. سمع حفص بن غياث، وإسحاق الأزرق، وطبقتهما. وفيها محمد بن عوف بن سفيان، أبو جعفر الطائي الحافظ، محدّث حمص. سمع محمد بن يوسف الفريابي وطبقته، وكان من أئمة الحديث.

_ [1] انظر «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (269) . [2] (2/ 56) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 56) . وانظر «سير أعلام النبلاء» (12/ 606) . [4] تحرّفت في الأصل إلى «المناوي» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

سنة ثلاث وسبعين ومائتين

سنة ثلاث وسبعين ومائتين فيها توفي إسحاق بن سيّار النّصيبينيّ [1] محدّث نصيبين، في ذي الحجّة. سمع أبا عاصم وطبقته. وفيها حنبل بن إسحاق الحافظ، أبو علي، ابن عمّ الإمام أحمد وتلميذه في جمادى الأولى. سمع أبا نعيم الفضل بن دكين، وأبا غسّان مالك بن إسماعيل [النّهدي] [2] ، وعفّان بن مسلم، وسعيد بن سليمان، وعارم بن الفضل، وسليمان بن حرب، وإمامنا أحمد في آخرين. وحدّث عنه: ابنه عبيد الله، أبو عبد الله، وعبد الله البغوي، ويحيى بن صاعد، وأبو بكر الخلّال، وغيرهم. وذكره ابن ثابت، فقال: كان ثقة ثبتا. وقال الدارقطني: كان صدوقا. وكان حنبل رجلا فقيرا، خرج إلى عكبرا [3] فقرأ مسائله عليهم، وخرج إلى واسط أيضا.

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» (13/ 194) : «النّصيبي» . [2] زيادة من «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (171) . [3] قال ياقوت: عكبرا: اسم بليدة من نواحي دجيل قرب صريفين، وأونا، بينهما وبين بغداد عشرة فراسخ، والنسبة إليها عكبري، وعكبراوي. انظر «معجم البلدان» (4/ 142) .

وقال حنبل جمعنا عمّي- يعني الإمام أحمد- أنا، وصالح، وعبد الله- يعني أبناء أحمد- وقرأ علينا «المسند» وما سمعه منه- يعني تامّا- غيرنا. وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من تسعمائة [1] وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه، وإلا فليس بحجة. ومات حنبل بواسط في جمادى الأولى. انتهى ملخصا. وفيها أبو أميّة الطّرسوسيّ، محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ. سمع عبد الوهّاب بن عطاء، وشبابة، وطبقتهما، وكان من ثقات المصنفين. قال ابن ناصر الدّين: هو صاحب «المسند» كان حافظا، ثقة، كبيرا. وفيها الإمام الحافظ أبو عبد الله، محمد بن يزيد بن ماجة، الكبير الشأن، القزوينيّ صاحب «السنن» و «التفسير» و «التاريخ» . سمع أبا بكر بن أبي شيبة، ويزيد بن عبد الله اليمامي، وهذه الطبقة. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن ناصر الدّين: محمد بن يزيد بن ماجة، أبو عبد الله، الرّبعيّ، مولاهم، القزوينيّ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب «السنن» أحد كتب الإسلام، حافظ ثقة كبير، صنّف «السنن» و «التاريخ» و «التفسير» . لم يحتو كتابه «السنن» على ثلاثين حديثا في إسنادها ضعف. انتهى. وقال ابن خلّكان [3] : كان إماما في الحديث، عارفا بعلومه وجميع ما يتعلق به، ارتحل إلى العراق، والبصرة، والكوفة، وبغداد، ومكة، والشام،

_ [1] جاء في هامش المطبوع: وفي «مختصر طبقات ابن أبي يعلى» ، و «خصائص المسند» لأبي موسى المديني: «سبعمائة» . [2] (2/ 57) . [3] في «وفيات الأعيان» (4/ 279) .

ومصر، والرّيّ، لكتب الحديث، وله «تفسير القرآن العظيم» و «تاريخ» مليح، وكتابه في الحديث أحد الصحاح الستة. وكانت ولادته سنة تسع ومائتين، وتوفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان، وصلّى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخواه أبو بكر، وأبو عبد الله [وابنه عبد الله] [1] . انتهى. وفيها أحمد بن الوليد الفحّام، أبو بكر، البغداديّ. روى عن عبد الوهّاب بن عطاء وطائفة، وكان ثقة. وفي صفر صاحب الأندلس، محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام، الأمويّ، الأمير، أبو عبد الله، وكانت دولته خمسا وثلاثين سنة، وكان فقيها، عالما، فصيحا، مفوّها، رافعا لعلم الجهاد. قال بقيّ بن مخلد: ما رأيت ولا سمعت أحدا من الملوك أفصح منه ولا أعقل. وقال أبو المظفر [سبط] [2] ابن الجوزي: هو صاحب وقعة وادي سليط، التي لم يسمع بمثلها، يقال: إنه قتل فيها ثلاثمائة ألف كافر.

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» (4/ 279) . و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (13/ 279) . وفي «وفيات الأعيان» : «وتولى دفنه أخواه أبو بكر، وعبد الله، وابنه عبد الله» فتصحّح العبارة فيه. [2] سقطت من الأصل والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي.

سنة أربع وسبعين ومائتين

سنة أربع وسبعين ومائتين فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي الخناجر، أبو علي الأطرابلسيّ، في جمادى الآخرة. روى عن مؤمّل بن إسماعيل وطبقته، وكان من نبلاء العلماء. قاله في «العبر» [1] . وفيها الحسن بن مكرم بن حسّان، أبو علي، ببغداد. روى عن علي بن عاصم وطبقته ووثّق. وفيها خلف بن محمد الواسطيّ، كردوس [2] الحافظ. سمع يزيد بن هارون، وعلي بن عاصم. وفيها عبد الملك بن عبد الحميد، الفقيه، أبو الحسن، الميمونيّ، الرّقّيّ، صاحب الإمام أحمد، في ربيع الأول. روى عن إسحاق الأزرق، ومحمد بن عبد، وطائفة، وكان جليل القدر في أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وكان سنّه يوم مات دون المائة، وكان أحمد يكرمه ويجلّه ويفعل معه ما لا يفعل مع أحد غيره. وقال: صحبت أبا عبد الله على الملازمة من سنة خمس ومائتين، إلى سنة سبع وعشرين. قال: وكنت بعد ذلك أخرج وأقدم عليه الوقت بعد

_ [1] (2/ 58- 59) . [2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (13/ 199) .

الوقت. قال: وكان أبو عبد الله يضرب لي مثل ابن جريج في عطاء من كثرة ما أسأله، ويقول لي: ما أصنع بأحد ما أصنع بك. وقال الميمونيّ [1] : قلت لأحمد، من قتل نفسه، يصلي الإمام عليه؟ قال: لا يصلّي الإمام على من قتل نفسه، ولا على من غلّ. قلت: فالمسلمون؟ قال: يصلّون عليهما. وقال: المرداويّ في أواخر «الإنصاف» : عبد الملك بن عبد الحميد الميمونيّ، كان الإمام أحمد يكرمه، وروى عنه مسائل كثيرة جدا، ستة عشر جزءا، وجزءين كبيرين. انتهى. وقال الحافظ ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» : عبد المليك الحافظ الميموني ... روى علوم ديننا القويم وقال في شرحها: هو عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران، الميمونيّ، الجزريّ، الرّقّيّ، أبو الحسن، وثّقه النسائيّ، وأبو عوانة، وغيرهم. انتهى. وفيها محمد بن عيسى بن حيّان [2] المدائنيّ. روى عن سفيان بن عيينة وجماعة. ليّنه الدارقطنيّ، وقال البرقانيّ: لا بأس به. قاله في «العبر» [3] . وقال في «المغني» [4] : محمد بن عيسى بن [5] حيّان المدائنيّ، صاحب ابن عيينة.

_ [1] يعني صاحب الترجمة. [2] في «العبر» بطبعتيه: «ابن حبان» فيصحّح فيهما. وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 21- 23) . [3] (2/ 59) . [4] (2/ 622) . [5] لفظة «ابن» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.

قال الدارقطني: ضعيف متروك. وقال غيره: كان مغفّلا. وقال الحاكم: متروك. انتهى.

سنة خمس وسبعين ومائتين

سنة خمس وسبعين ومائتين فيها توفي أبو بكر المرّوذيّ [1] ، الفقيه، أحمد بن محمد بن الحجّاج، في جمادى الأولى ببغداد، وكان اجلّ أصحاب الإمام أحمد، إماما في الفقه، والحديث، كثير التصانيف، خرج مرة إلى الرّباط [2] ، فشيّعه نحو خمسين ألفا من بغداد إلى سامرّاء. قاله في «العبر» . وقال في «الإنصاف» : كان ورعا، صالحا، خصّيصا بخدمة الإمام أحمد، وكان يأنس به وينبسط إليه ويبعثه في حوائجه، وكان يقول: كلّ ما قلت فهو على لساني وأنا قلته، وكان يكرمه ويأكل من تحت يده، وهو الذي تولى إغماضه لمّا مات وغسله. روى عنه مسائل كثيرة، وهو المقدّم من أصحاب الإمام أحمد لفضله وورعه. انتهى. وفيها أحمد بن ملاعب الحافظ، أبو الفضل، المخزوميّ، وله أربع وثمانون سنة. سمع عبد الله بن بكر، وأبا نعيم، وطبقتهما، وكان ثقة نبيلا. وفيها الإمام أبو داود السّجستانيّ، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزديّ صاحب «السنن» والتصانيف المشهورة، في شوّال بالبصرة، وله بضع وسبعون سنة. سمع مسلم بن إبراهيم، والقعنبي، وطبقتهما، وطوّف

_ [1] انظر ترجمته في «الأنساب» للسمعاني (11/ 255) . [2] يعني إلى ملازمة ثغر العدو. ويقال: المرابطة أيضا. انظر «مختار الصحاح» (ربط) .

الشام، والعراق، ومصر، والحجاز، والجزيرة، وخراسان، وكان رأسا في الحديث، رأسا في الفقه، ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع، حتّى إنه كان يشبّه بشيخه أحمد بن حنبل. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد بن عمرو بن عمران الأزديّ السجستانيّ، أحد حفّاظ الحديث وعلمه وعلله، وكان في الدرجة العالية من النّسك والصلاح. طوّف البلاد وكتب عن العراقيين، والخراسانيين، والشاميين، والمصريين، والجزريين [3] ، وجمع كتاب «السنن» قديما وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، فاستحسنه واستجاده، وعدّه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في «طبقات الفقهاء» [4] من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل. وقال إبراهيم الحربي: لما صنّف أبو داود كتاب «السنن» : ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد. وكان يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسمائة ألف حديث انتخبت [5] منها ما ضمنته هذا الكتاب- يعني «السنن» - جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمال بالنّيّات» [6] .

_ [1] (2/ 60- 61) . [2] في «وفيات الأعيان» (2/ 404- 405) . [3] في الأصل، والمطبوع: «والحرميين» وما أثبته من «تاريخ بغداد» (9/ 55) ، و «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [4] انظر ص (171) منه. [5] لفظة «انتخبت» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «وفيات الأعيان» . [6] رواه البخاري رقم (1) في بدء الوحي: باب كيف كان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (54) في الإيمان: باب ما جاء إنّ الأعمال بالنيّة والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، و (2529) في

والثاني قوله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» [1] . والثالث قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه» [2] . والرابع قوله صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات» [3] الحديث بكامله.

_ العتق: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى و (3898) في مناقب الأنصار: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، و (5070) في النكاح: باب ما هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى و (6689) في الأيمان والنذور: باب النيّة في الأيمان، و (6953) في الحيل: باب في ترك الحيل، وأن لكل امرئ ما نوى، ومسلم رقم (1907) في الإمارة: باب قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّة» . وقد استوفيت تخريجه في كتابي «شرح الأربعين النووية» ص (19) طبع دار ابن كثير، فليرجع إليه من شاء. [1] لم أقف عليه بهذا اللفظ في «سنن أبي داود» ولكن ساقه به ابن الأثير في «جامع الأصول» (1/ 190) ، والمزي في «تهذيب الكمال» (1/ 531) ، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (13/ 210) في معرض خبر نسبوه لأبي بكر بن داسة، ورواه الترمذي رقم (2317) في الزهد: باب رقم (11) ، وابن ماجة رقم (3976) في الفتن، باب: كفّ اللسان في الفتنة. وقال والدي حفظه الله تعالى في تعليقه على كتابي «شرح الأربعين النووية» ص (37) : وهو حديث صحيح لشواهده الكثيرة. [2] لم أقف عليه بهذا اللفظ في «سنن أبي داود» الذي بين يدي، ولكن ساقه به ابن الأثير في «جامع الأصول» (1/ 190) ، والمزّي في «تهذيب الكمال» (1/ 531) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (13/ 210) في معرض خبر نسبوه لأبي بكر بن داسة. والمحفوظ ما رواه البخاري رقم (13) ، ومسلم رقم (45) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ولفظه: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» . [3] هو في «سننه» رقم (3329) في البيوع والإجارات: باب في اجتناب الشبهات. وهو عند البخاري رقم (52) في الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه، و (2051) في البيوع: باب الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، وعند مسلم رقم (1599) في المساقاة: باب أخذ الحلال وترك الشبهات. وقد استوفيت تخريجه في كتابي «شرح الأربعين النووية» ص (28) .

وجاءه سهل بن عبد الله التّستريّ، رحمه الله تعالى، فقال له: يا أبا داود، لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: حتّى تقول: قضيتها مع الإمكان، قال: قد قضيتها مع الإمكان، قال: أخرج [لي] [1] لسانك الذي حدّثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتّى أقبّله، قال: فأخرج [له] لسانه فقبّله. وكانت ولادته في سنة اثنتين ومائتين، وقدم بغداد مرارا، ثم نزل إلى البصرة وسكنها، وتوفي بها يوم الجمعة منتصف شوّال سنة خمس وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى. وكان ولده أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان من أكابر الحفّاظ ببغداد، عالما متفقا عليه، إماما ابن إمام [2] وله كتاب «المصابيح» وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام، وسمع ببغداد، وخراسان، وأصبهان [وسجستان] [3] وشيراز، وتوفي سنة ست عشرة وثلاثمائة، واحتجّ به ممّن صنّف الصحيح أبو علي الحافظ النيسابوري، وابن حمزة الأصبهاني. انتهى ما أورده ابن خلّكان. وفيها، أي سنة خمس وسبعين، يحيى بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزّبرقان، أبو بكر البغدادي، المحدّث في شوّال. روى عن علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وجماعة، وصحّح الدّارقطنيّ حديثه.

_ [1] زيادة من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [2] في «وفيات الأعيان» : «إمام بن إمام» . [3] زيادة من «وفيات الأعيان» .

سنة ست وسبعين ومائتين

سنة ست وسبعين ومائتين فيها على ما ذكره في «الشذور» انفجر تل نهر [1] الصّلح [2] عن شبه الحوض [3] من حجر في لون المسنّ، وفيه سبعة أقبر فيها سبعة أبدان صحاح أكفانهم جدد، كأنهم ماتوا بالأمس. انتهى. وفيها جرت حروب صعبة بين صاحب مصر خمارويه، وبين محمد بن أبي السّاج، ثم ضعف محمد وهرب إلى بغداد. وفيها توفي [4] الحافظ أبو عمرو، أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاريّ، محدّث الكوفة في ذي الحجّة، صنّف «المسند» والتصانيف. وروى عن جعفر بن عون وطبقته. قال ابن حبّان: كان متقنا.

_ [1] في «تاريخ الطبري» (10/ 16) ، و «النجوم الزاهرة» : «بنهر» (3/ 75) . [2] في المطبوع و «تاريخ الطبري» : «الصلة» وما جاء في الأصل موافق لما في «النجوم الزاهرة» (3/ 75) وهو الصواب. قال ياقوت: الصّلح كورة فوق واسط لها نهر يستمد من دجلة على الجانب الشرقي يسمى فم الصلح- وفيه بنى المأمون ببوران- وبها كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون. انظر «معجم البلدان» (3/ 421) و (4/ 276) . [3] في الأصل: «عن شبه حوض» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «تاريخ الطبري» . [4] لفظة «توفي» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.

وقال ابن ناصر الدّين: كان ثقة. وفيها الإمام بقيّ بن مخلد، أبو عبد الرّحمن، الأندلسيّ الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، في جمادى الآخرة، وله خمس وسبعون سنة. سمع يحيى بن يحيى اللّيثي، ويحيى بن بكير، وأحمد بن حنبل، وطبقتهم، وصنّف «التفسير الكبير» و «المسند الكبير» . قال ابن حزم: أقطع أنه لم يؤلّف في الإسلام مثل تفسيره، وكان [بقيّ] [1] فقيها، علّامة، مجتهدا، قوّاما، ثبتا، عديم المثل. وفيها الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ، وقيل: المروزيّ، الإمام النحويّ اللغويّ صاحب «كتاب المعارف» و «أدب الكاتب» و «غريب القرآن» و «مشكل الحديث» و «طبقات الشعراء» و «إعراب القرآن» و «كتاب الميسر والقداح» وغيرها، وكان فاضلا، ثقة، سكن بغداد، وحدّث بها عن ابن راهويه وطبقته. روى عنه ابنه أحمد، وابن درستويه، وكان موته فجاءة. قيل: إنه أكل هريسة فأصابته حرارة، فصاح صيحة شديدة، ثم أغمي عليه، ثم أفاق فما يزال يتشهّد حتّى مات. قاله ابن الأهدل. وقال ابن خلّكان [2] : كان فاضلا ثقة، سكن بغداد وحدّث بها عن إسحاق بن راهويه، وأبي إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرّحمن بن زياد، وأبي حاتم السجستاني وتلك الطبقة. وتصانيفه كلها مفيدة منها «غريب القرآن» و «غريب الحديث» ، و «عيون الأخبار» ، و «مشكل القرآن» ، و «مشكل الحديث» ، و «طبقات الشعراء» ، و «الأشربة» ، و «إصلاح الغلط» ، وغير ذلك، وأقرأ كتبه ببغداد إلى حين وفاته، وقيل: إن أباه

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 62) . [2] في «وفيات الأعيان» (3/ 42- 43) .

مروزي، وأما هو فمولده ببغداد، وقيل: بالكوفة، وأقام بالدّينور قاضيا مدة فنسب إليها. وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومائتين، وكانت وفاته فجاءة، صاح صيحة سمعت من بعد، ثم أغمي عليه إلى وقت الظهر، ثم اضطرب ساعة، ثم هدأ، فما يزال يتشهّد إلى وقت السحر، ثم مات رحمه الله تعالى. وكان ولده أبو جعفر أحمد بن عبد الله المذكور فقيها، وروى عن أبيه كتبه المصنفة كلها، وتولى القضاء بمصر، وقدمها في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وهو على القضاء ومولده ببغداد. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وقال الذّهبيّ في «المغني» [1] : عبد الله بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد، صاحب التصانيف، صدوق، سمع إسحاق بن راهويه. قال الحاكم: أجمعت الأمة على أن القتيبيّ كذّاب. قلت: هذا بغي وتخرّص، بل قال الخطيب: هو ثقة. انتهى كلام الذهبي. وفيها أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرّقاشيّ البصريّ الحافظ، أحد العبّاد والأئمة، في شوّال ببغداد. روى عن يزيد بن هارون وطبقته، ووثّقه أبو داود. قال أحمد بن كامل: قيل عنه إنه كان يصلّي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة، ويقال: إنه روى من حفظه ستّين ألف حديث.

_ [1] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 357) .

قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» : ثمّ ابن عيسى الطّرسوسي الدّار ... كأحمد بن حازم الغفاري عبد المليك ذا الرّقاشي الثالث ... كلّ رشيد عمدة وباحث انتهى. وفيها محدّث الأندلس قاسم بن محمد بن قاسم الأمويّ، مولاهم، القرطبيّ، الفقيه، له رحلتان إلى مصر، وتفقّه على الحارث بن مسكين، وابن عبد الحكم، وكان مجتهدا لا يقلّد أحدا. قال رفيقه: بقيّ بن مخلد: هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. وقال [1] : لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من قاسم. وقال محمد بن عمر بن لبابة: ما رأيت أفقه منه. وروى عن إبراهيم بن المنذر الحزامي [2] وطبقته. وفيها محدّث مكّة محمد بن إسماعيل الصائغ، أبو جعفر، وقد قارب التسعين. سمع أبا أسامة، وشبابة، وطبقتهما. وفيها محدّث دمشق، أبو القاسم، يزيد بن عبد الصمد. سمع أبا مسهر، والحميدي، وطبقتهما، وكان ثقة بصيرا بالحديث.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «وأما ابن عبد الحكم فقال: لم يقدم ... إلخ» . [2] تصحفت في الأصل، والمطبوع إلى «الحرامي» والتصحيح من «العبر» (2/ 63) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (4/ 129) .

سنة سبع وسبعين ومائتين

سنة سبع وسبعين ومائتين فيها توفي حافظ المشرق، أبو حاتم الرّازيّ، محمد بن إدريس، الحنظليّ، في شعبان، وهو في عشر التسعين، وكان بارع الحفظ واسع الرحلة، من أوعية العلم. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا مسهر، وخلقا لا يحصون، وكان ثقة جاريا في مضمار البخاري، وأبي زرعة الرّازي. وكان يقول: مشيت على قدميّ في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ. وقال ابن ناصر الدّين: محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظليّ أبو حاتم الرّازي. كان في مضمار البخاري، وأبي زرعة، جاريا، وبمعاني الحديث عالما، وفي الحفظ غالبا، وأثنى عليه خلق من المحدّثين، وتوفي وهو في عشر التسعين. انتهى. وفيها المحدّث أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الحنين [1] الحنينيّ الكوفيّ، صاحب «المسند» . روى عن عبيد الله بن موسى [وأبي نعيم] [2] وطبقتهما، وكان ثقة. [والإمام يعقوب بن سفيان الفسويّ الحافظ، أحد أركان الحديث،

_ [1] لفظة «الحنين» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «العبر» . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، و «العبر» .

وصاحب «المشيخة» و «التاريخ» في وسط السنة، وله بضع وثمانون سنة. سمع أبا عاصم، وعبيد الله [1] بن موسى وطبقتهما وكان ثقة] [2] بارعا، عارفا، ماهرا.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وعبد الله» والتصحيح من «العبر» (2/ 65) وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 180) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، و «العبر» .

سنة ثمان وسبعين ومائتين

سنة ثمان وسبعين ومائتين فيها مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة، وهم قوم [1] خوارج زنادقة مارقة من الدّين. قال في «الشذور» : وكان ابتداء أمرهم أن رجلا قدم إلى سواد الكوفة، فأظهر الزهد وجعل يسفّ الخوص [2] ، ويأكل من كسبه، ويصلّي ويصوم، ثم صار يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأخذ من كلّ من دخل في قوله دينارا، فاجتمع إليه جماعة، فاتخذ منهم اثني عشر نقيبا، وقال أنتم كحواري عيسى، وكان قد أوى إلى بيت رجل يقال له: كرميته، فسمّي باسمه، ثم خفّف فقيل: قرمط. انتهى. وفيها توفي الموفّق، أبو أحمد طلحة، ويقال: محمد [3] بن المتوكل، ولي عهد أخيه المعتمد، في صفر، وله تسع وأربعون سنة، وكان ملكا مطاعا، وبطلا شجاعا، ذا بأس وأيد، ورأي وحزم، حارب الزّنج حتّى أبادهم، وقتل طاغيتهم، وكان جميع أمر [4] الجيوش إليه، وكان محبّبا إلى

_ [1] لفظة «قوم» سقطت من «العبر» للذهبي فتستدرك فيه. [2] أي: ينسج ورق النخل. انظر «لسان العرب» (خوص) و (سفف) . [3] في الأصل: «ويقال: أحمد» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «تاريخ بغداد» (2/ 127) و «العبر» للذهبي (2/ 65) . [4] في الأصل، والمطبوع: «أمراء» وهو خطأ، وما أثبته من «العبر» للذهبي.

الخلق، وكان المعتمد مقهورا معه، اعتراه نقرس فبرّح به، وأصاب رجله داء الفيل [1] ، وكان يقول: قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق، وما أصبح فيهم أسوأ حالا منّي، واشتد ألم رجله وانتفاخها، إلى أن مات منها، وكان قد ضيّق على ابنه أبي العبّاس وخاف منه، فلما احتضر، رضي عليه، ولما توفي ولّاه المعتمد ولاية العهد، ولقّبه المعتضد، وكان بعض الأعيان يشبّه الموفّق بالمنصور في حزمه، ودهائه، ورأيه، وجميع الخلفاء إلى [2] اليوم من ذريّته. قاله في «العبر» [3] . وفيها عبد الكريم بن الهيثم، [أبو يحيى] [4] ، الدّير عاقولي، رحل، وحصّل، وجمع، وروى عن أبي نعيم، وأبي اليمان، وطبقتهما، وكان أحد الثقات المأمونين. وفيها- بل في التي قبلها على ما جزم به ابن ناصر الدّين- عيسى بن غاث بن عبد الله بن سنان بن دلويه، أبو موسى، موثّق متقن. وفيها موسى بن سهل بن كثير الوشّاء ببغداد في ذي القعدة، وهو آخر من حدّث عن ابن عليّة، وإسحاق الأزرق. ضعّفه الدّارقطني، وقيل: في اسم أبيه وهب.

_ [1] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 709) : داء الفيل: تضخم في الجلد وما تحته، ينشأ عن سدّ الأوعية اللمفاوية، ويحدثه جنس من الديدان الخيطية. [2] في الأصل، والمطبوع: «وإلى» وما أثبته من «العبر» للذهبي (2/ 66) وهو الصواب. [3] (2/ 65- 66) . [4] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 523) .

سنة تسع وسبعين ومائتين

سنة تسع وسبعين ومائتين فيها نودي ببغداد: لا يقعد على الطريق منجّم، ولا تباع كتب الكلام والفلسفة. وفيها تمكّن المعتضد أبو العبّاس أحمد بن الموفّق طلحة من الأمور، وأطاعته الأمراء، حتّى ألزم عمّه المعتمد أن يقدّمه في العهد على ابنه المفوّض، ففعل مكرها. قال أبو العبّاس المذكور: كان المعتمد على الله قد حبسني، فرأيت في منامي وأنا محبوس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يقول لي: أمر الخلافة يصل إليك فاعتضد بالله وأكرم بنيّ. قال: فانتبهت ودعوت الخادم الذي كان يخدمني في الحبس، وأعطيته فصّ خاتم، وقلت له: امض إلى النّقّاش وقل له: انقش عليه «المعتضد بالله أمير المؤمنين» فقال: هذه مخاطرة بالنفس، وأين الخلافة منّا، وغاية أملنا الخلاص من السجن؟ فقلت: امض لما أمرتك، فمضى ونقش عليه ما قلت له بأوضح خط، فقلت: اطلب لي دواة وكاغذا، فجاءني بهما، فجعلت أرتّب الأعمال، وأولّي العمّال وأصحاب الدواوين، فبينما أنا كذلك إذ جاء القوم وأخرجوني، ثم إن المعتمد على الله فوّض ما كان لناصر دين الله الموفّق لولده أحمد المذكور، فاستبدّ بالأمر، واستخفّ بعمّه المعتمد، ولم يرجع إليه في شيء من عقده

وحلّه، ثم إن أحمد المذكور دخل على عمّه المعتمد على الله وقصّ عليه رؤياه التي رآها في الحبس، وقال: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولّاني هذا الأمر، ومتى لم تخلع ابنك جعفرا من الخلافة طائعا وإلا خلعته كارها، فخلع المعتمد ابنه وجعل العهد لابن أخيه أحمد المذكور. وفيها كما قال في «العبر» [1] منع المعتضد من بيع كتب الفلاسفة والجدل، وتهدد على ذلك، ومنع المنجّمين والقصّاص من الجلوس فكان ذلك من حسناته. انتهى [2] . وفيها، في رجب، توفي المعتمد على الله، أحمد بن المتوكل على الله جعفر، العباسي، وله خمسون سنة، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ويومين، وكان أسمر، ربعة، نحيفا، مدوّر الوجه، صغير اللحية، مليح العينين، ثم سمن وأسرع إليه الشيب، ومات فجأة، وأمه أمّ ولد اسمها قينان [3] ، وله شعر متوسط، وكان قد أكل رؤوس جداء فمات من الغد بين المغنّين والندماء، فقيل: سمّ في الرؤوس، وقيل: نام فغمّ في بساط، وقيل: سمّ في كأس الشراب، فدخل عليه القاضي والشهود فلم يروا به أثرا، وكان منهمكا في اللّذات، فاستولى أخوه على المملكة وحجر عليه في بعض الأشياء، فاستصحب المعتضد الحال بعد أبيه. وعن أحمد بن يزيد قال: كنّا عند المعتمد، وكان كثير العربدة إذا سكر، فذكر حكاية. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] (2/ 67) . [2] سبق أن ذكر المؤلف هذا الخبر في أول كلامه عن حوادث هذه السنة باختصار، وأظنه كان ينقل هناك عن كتاب «شذور العقود في تاريخ العهود» لابن الجوزي والله أعلم. [3] في «العبر» : «فتيان» . [4] (2/ 67) .

وامتد ملكه على المهانة بتدبير أخيه، ولو شاء خلعه لخلعه. قال ابن الفرات: كان في خلافته محكوما عليه، حتّى إنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت، فقال: أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قلّ ممتنعا عليه وتؤخذ باسمه الدّنيا جميعا ... وما من ذاك شيء في يديه إليه تحمل الأموال طرّا ... ويمنع بعض ما يجبى إليه [1] وفيها توفي أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب الحافظ ابن الحافظ، أبو بكر النّسائي، ثم البغدادي، مصنّف «التاريخ الكبير» ، وله أربع وتسعون سنة. سمع أبا نعيم، وعفّان، وطبقتهما. قال الدارقطني: ثقة، مأمون. وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسيّ. القصّار، الكوفيّ أبو إسحاق، آخر أصحاب وكيع وفاة. وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد، وله تسعون سنة. روى عن أبي نعيم وطبقته، وكان زاهدا، عابدا، ثقة، ينفع الناس ويعلّمهم الحديث. وأبو يحيى عبد الله بن زكريا بن أبي ميسرة، محدّث مكّة في جمادى الأولى. روى عن أبي عبد الرّحمن المقرئ وطبقته. وفيها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحّاك السّلميّ، أبو عيسى، الترمذيّ الضرير، تلميذ أبي عبد الله البخاري، ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه. سمع منه شيخه البخاري وغيره، وكان مبرّزا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (4/ 278) .

قال ابن خلّكان [1] : أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضّحّاك السّلميّ الضرير البوغيّ الترمذيّ، الحافظ المشهور، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث. صنّف «كتاب الجامع» و «العلل» [2] تصنيف رجل متقن، وبه يضرب المثل، وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه، مثل قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، وابن بشّار، وغيرهم. انتهى. قيل: إنه ولد أكمه [3] . وفيها أبو الأحوص، محمد بن الهيثم [الحافظ] [4] قاضي عكبرا، في جمادى الآخرة، وكان أحد من عني بهذا الشأن [5] فروى عن عبد الله بن رجاء، وسعيد بن عفير، وطبقتهما، وهو ثقة. وأبو عبد الله، محمد بن جابر بن حمّاد، أحد أئمة زمانه، والمبرز بالفضل على أقرانه. قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» : ثمّ ابن عيسى التّرمذي محمّد ... طاب رحيب علمه فقيدوا مثل الفقيه المروزي النّقّاد ... محمّد بن جابر بن حمّاد

_ [1] في «وفيات الأعيان» (4/ 278) . [2] العلل للترمذي، جعله في آخر كتابه الجامع ويقال: إن كتاب العلل، تأليف مستقل، ولكن قول الترمذي: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين ... يبين أن كتاب العلل ملحق بالسنن. وقد شرح «العلل» الحافظ ابن رجب الحنبلي شرحا جيدا، وقد حققه أول مرة الأستاذ الشيخ صبحي السامرائي في العراق في مجلد واحد، ثم أعاد تحقيقه الدكتور نور الدين عتر في دمشق وصدر عن دار الملاح في مجلدين. (ع) . [3] يعني أعمى (ع) . [4] زيادة من «العبر» للذهبي. [5] يعني بعلوم الحديث النبوي الشريف.

سنة ثمانين ومائتين

سنة ثمانين ومائتين فيها كما قال في «الشذور» زلزلت دبيل [1] في الليل، فأصبحوا فلم يبق من المدينة إلّا اليسير، فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميت. انتهى [2] . وفيها توفي القاضي أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، الفقيه الحافظ، صاحب «المسند» روى عن أبي نعيم، ومسلم بن إبراهيم، وخلق، وكان ثقة، بصيرا بالفقه، عارفا بالحديث وعلله، زاهدا، عابدا، كبير القدر، من أعيان الحنفية. وفيها الإمام قاضي الدّيار المصرية أحمد بن أبي عمران، أبو جعفر، الفقيه الحنفيّ، تفقّه على محمد بن سماعة، وحدّث عن عاصم بن علي وطائفة، وروى الكثير من حفظه لأنه عمي بمصر، وهو شيخ الطحاوي في الفقه. قال في «حسن المحاضرة» [3] : وثّقه ابن يونس.

_ [1] دبيل: مدينة بإرمينية تتاخم أرّان، فتحت في أيام أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه، على يد حبيب بن مسلمة. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 439) . [2] انظر تفاصيل الخبر في «تاريخ الطبري» (10/ 34- 35) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 465) . [3] (1/ 463) .

وفيها الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدّارميّ السّجزيّ [1] الحافظ، صاحب «المسند» والتصانيف. روى عن سليمان بن حرب وطبقته، وكان جذعا، وقذى [2] في أعين المبتدعة، قيّما بالسّنّة، ثقة، حجّة، ثبتا. قال يعقوب بن إسحاق الهروي [3] : ما رأينا أجمع منه، أخذ الفقه عن البويطي، والعربية عن ابن الأعرابي، والحديث عن ابن المديني. توفي في ذي الحجة وقد ناهز الثمانين. قال الإسنوي: هو أحد الحفّاظ الأعلام، تفقّه على البويطي، وطاف الآفاق في طلب الحديث، وصنّف «المسند الكبير» . انتهى. وفيها الحافظ أبو إسماعيل، محمد بن إسماعيل السّلميّ الترمذيّ، أحد أعلام السّنّة. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وسعيد بن أبي مريم، وطبقتهما، وجمع، وصنّف. قال ابن ناصر الدّين: ثقة متقن. وفيها حرب بن إسماعيل الكرمانيّ، صاحب الإمام أحمد، حافظ، فقيه، نبيل، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة.

_ [1] ويقال: السجستاني أيضا، نسبة إلى سجستان. انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 43 و 45) ، و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 190- 192) . [2] لفظة «قذى» سقطت من «العبر» بطبعتيه فتستدرك. قال ابن منظور: القذى: ما يقع في العين وما ترمى به وجمعه أقذاء وقذي. «لسان العرب» (قذي) . [3] كذا في الأصل والمطبوع و «العبر» ، وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (13/ 321) فإن الخبر فيه برواية أخرى غير التي ذكرها المؤلف في كتابنا.

قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : كان حرب فقيه البلد، وكان السلطان قد جعله على أمر الحكم وغيره في البلد. قال حرب: سألت أحمد عن قراءة حمزة؟ فقال: لا تعجبني. قال: وقلت لأحمد: الإدغام؟ فكرهه. وقال: سمعت الإمام أحمد يكره الإمالة مثل وَالضُّحى 93: 1، وَالشَّمْسِ وَضُحاها 91: 1، وقال: أكره الخفض الشديد والإدغام. وقال حرب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كل يوم مرّة أو مرّتين. انتهى ملخصا. وفيها أبو عمر [2] هلال بن العلاء بن هلال الرّقّيّ، محدّث الرّقّة وشيخها في ذي الحجة وقد قارب التسعين. روى عن حجّاج الأعور، وخلق كثير، وله شعر رائق. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن ناصر الدّين: تكلّم فيه لمناكير عنده رواها عن أبيه. انتهى.

_ [1] (1/ 145) . [2] في المطبوع: «أبو عمرو» وهو خطأ. [3] (2/ 70) .

سنة إحدى وثمانين ومائتين

سنة إحدى وثمانين ومائتين فيها توفي إبراهيم بن الحسين الكسائيّ الهمذانيّ، ابن ديزيل، ويعرف بدابّة عفّان للزومه، وكان ثقة جوّالا، صالحا، يصوم صوم داود، وسمع أيضا أبا مسهر، وأبا اليمان، وطبقتهما، وكان من أكثر الحفّاظ حديثا، ويلقب أيضا سيفنّة [1] . قال ابن ناصر الدّين: هو ثقة مأمون. وفيها الإمام أبو زرعة عبد الرّحمن بن عمرو النّصريّ الدّمشقيّ، الحافظ، في جمادى الآخرة. سمع أبا مسهر، وأبا نعيم، وطبقتهما، وصنّف التصانيف، وكان محدّث الشام في زمانه. قال ابن ناصر الدّين: علم، حافظ، ثبت. وفيها الحافظ أبو عمرو، عثمان بن عبد الله بن خرزاذ الأنطاكيّ، أحد أركان الحديث. سمع عفّان، وسعيد [بن كثير] بن عفير [2] والكبار.

_ [1] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (13/ 185) : وسيفنّة: طائر ببلاد مصر، لا يكاد يحط على شجرة إلا أكل ورقها، حتى يعريها، وكذلك كان إبراهيم، إذا ورد على شيخ لم يفارقه حتى يستوعب ما عنده. [2] في الأصل، والمطبوع: «سعيد بن عفير» وما أثبته من «تهذيب الكمال» (2/ 913) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «تقريب التهذيب» ص (240) .

وقال محمد بن حمويه: هو أحفظ من رأيت، توفي في آخر السنة، وكان ثقة ثبتا. وفيها العلّامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الموّاز الإسكندرانيّ المالكيّ، صاحب التصانيف، أخذ عن أصبغ بن الفرج، وعبد الله بن عبد الحكم، وانتهت إليه رياسة المذهب، وإليه كان المنتهى في تفريع المسائل.

سنة اثنتين وثمانين ومائتين

سنة اثنتين وثمانين ومائتين فيها وقع الصلح بين المعتضد وخمارويه، وتزوج المعتضد بابنة خمارويه الملقبة قطر النّدى [1] على مهر مبلغه ألف ألف درهم، فأرسلت إلى بغداد وبنى بها المعتضد، وقوّم جهازها بألف ألف دينار، وأعطت ابن الجصاص الذي مشى في الدلالة مائة ألف درهم. وفيها توفي الحافظ أبو إسحاق الطّوسيّ العنبريّ إبراهيم بن إسماعيل. سمع يحيى بن يحيى التميمي فمن بعده، وكان محدّث الوقت وزاهده بعد محمد بن أسلم بطوس، صنّف «المسند الكبير» في مائتي جزء. وفيها العلّامة أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد الأزديّ مولاهم البصريّ، الفقيه المالكي، القاضي ببغداد، في ذي الحجة فجأة، وله ثلاث وثمانون سنة وأشهر. سمع مسلم بن إبراهيم وطبقته، وصنّف التصانيف في القراءات، والحديث، والفقه، وأحكام القرآن، والأصول. وتفقّه على أحمد بن المعذل، وأخذ علم الحديث عن

_ [1] واسمها أسماء بنت خمارويه. انظر ترجمتها ومصادرها في «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر «تراجم النساء» ص (312) ، و «معجم النساء» لكحالة (4/ 212- 215) ، وسوف يتكلم المؤلف عنها في الصفحتين (336- 337) و (365) من هذا المجلد.

ابن المديني، وكان إماما في العربية، حتّى قال المبرد: هو أعلم بالتصريف منّي. وفيها الحافظ أبو الفضل، جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطّيالسيّ البغداديّ في رمضان. سمع عفّان وطبقته، وكان ثقة متحرّيا إلى الغاية في التحديث. وفيها الحافظ أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميميّ البغداديّ، صاحب «المسند» يوم عرفة، وله ست وتسعون سنة. سمع عن علي بن عاصم، وعبد الوهّاب بن عطاء، وطبقتهما. قال الدارقطني: صدوق. وقيل: فيه لين، كان لفقره يأخذ على التحديث أجرا. وفيها الحسين بن الفضل بن عمير البجليّ الكوفيّ المفسّر، نزيل نيسابور، كان آية في معاني القرآن [1] ، صاحب فنون وتعبّد. قيل: إنه كان يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة، وعاش مائة وأربع سنين، وروى عن يزيد بن هارون والكبار. وفيها خمارويه بن أحمد بن طولون، الملك، أبو الجيش، متولّي مصر والشام، وحمو المعتضد [بالله] . فتك به غلمان له راودهم في ذي القعدة بدمشق، وعاش اثنتين وثلاثين سنة، وكان شهما صارما كأبيه. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، لما

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «آية في معان» وأثبت ما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. [2] (2/ 74) . [3] في «وفيات الأعيان» (2/ 249) .

توفي أبوه اجتمع الجند على توليته مكانه، فولي وهو ابن عشرين سنة، وكانت ولايته في أيام المعتمد على الله، وفي سنة ست وسبعين تحرّك الأفشين محمد بن أبي الساج ديوداد بن ديودست [1] من إرمينية والجبال في جيش عظيم، وقصد مصر، فلقيه خمارويه في بعض أعمال دمشق، وانهزم الأفشين، واستأمن أكثر عسكره، وسار خمارويه حتّى بلغ الفرات، ودخل أصحابه الرّقة، ثم عاد وقد ملك من الفرات إلى بلاد النوبة. فلما مات المعتمد وتولى المعتضد الخلافة، بادر إليه خمارويه بالهدايا والتّحف، فأقرّه [المعتضد] [2] على عمله، وسأل خمارويه أن يزوّج ابنته قطر النّدى- واسمها أسماء- للمكتفي بالله بن المعتضد [بالله] [3] ، وهو إذ ذاك وليّ العهد، فقال المعتضد [بالله] [3] : بل أنا أتزوجها، فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين، والله أعلم. وكان صداقها ألف ألف درهم، وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل. حكي أن المعتضد خلا بها يوما للأنس في مجلس أفرده لها ما أحضره سواها، فأخذت الكأس منه، فنام على فخذها، فلما استثقل وضعت رأسه على وسادة، وخرجت فجلست في ساحة القصر، فاستيقظ فلم يجدها، فاستشاط غضبا ونادى بها، فأجابته عن قرب، فقال: ألم أخلك إكراما لك؟ ألم أدفع إليك مهجتي دون سائر حظاياي؟ فتضعين رأسي على وسادة وتذهبين؟! فقالت: يا أمير المؤمنين! لم أجهل [4] قدر ما أنعمت عليّ به،

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ديوذار بن يوسف» ، وفي «وفيات الأعيان» : «ديوداذ بن دوست» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 353) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 168) . [2] زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] زيادة من «وفيات الأعيان» . [4] في «وفيات الأعيان» : «ما جهلت» .

ولكن فيما أدّبني به أبي أن قال: لا تنامي مع القيام [1] ولا تجلسي مع النيام. ويقال: إن المعتضد أراد بنكاحها افتقار الطولونية، وكذا كان، فإن أباها جهّزها بجهاز لم يعمل مثله، حتّى قيل: إنه كان لها ألف هاون ذهبا، وشرط عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجنادها مائتي ألف دينار، فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين، وعمره اثنتان وثلاثون سنة، وقتل قتلته أجمعون، وحمل تابوته إلى مصر، ودفن عند أبيه بسفح المقطّم، رحمهما الله تعالى. وكان من أحسن النّاس [2] خطّا. انتهى ما أورده ابن خلّكان. وفيها الحافظ أبو محمد، الفضل بن محمد بن المسيّب، البيهقيّ الشعرانيّ، طوّف الأقاليم، وكتب الكثير، وجمع وصنّف. روى عن سليمان بن حرب، وسعيد بن أبي مريم، وطبقتهما. قال في «المغني» [3] : قال أبو حاتم: تكلموا فيه. وفيها محمد بن الفرج الأزرق، أبو بكر، في المحرم ببغداد. سمع حجّاج بن محمد [4] ، وأبا النّضر، وطبقتهما. قال في «المغني» [5] : محمد بن الفرج الأزرق، له جزء معروف، وهو صدوق، تكلم الحاكم فيه لصحبته الكرابيسي، وهذا تعنّت. انتهى. وفيها العلّامة أبو العيناء، محمد بن القاسم بن خلّاد البصريّ الضرير اللغويّ الأخباري، وله إحدى وتسعون سنة، وأضرّ وله أربعون سنة، أخذ عن

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «لا تنامي مع الجلوس» . [2] لفظة «الناس» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. [3] (2/ 513) . [4] في الأصل: «محمد بن حجاج» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 1257) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق. [5] (2/ 623) .

أبي عبيدة، وأبي عاصم النّبيل، وجماعة، وله نوادر وفصاحة وأجوبة مسكتة. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : أصله من اليمامة، ومولده بالأهواز، ومنشؤه بالبصرة، وبها طلب الحديث وكسب الأدب [3] ، وسمع من أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، والعتبي، وغيرهم، وكان من أفصح الناس لسانا وأحفظهم، وكان من ظرائف العالم، وفيه من اللّسن وسرعة الجواب والذكاء ما لم يكن في أحد من نظرائه، وله أخبار حسان وأشعار ملاح مع أبي علي الضرير. وحضر يوما مجلس بعض الوزراء، فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم وما كانوا عليه من البذل [4] والإفضال، فقال الوزير: قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم، وإنما هذا تصنيف الورّاقين وكذب المؤلفين، فقال أبو العيناء: فلم لا يكذب الورّاقون عليك أيها الوزير؟ فسكت الوزير، وعجب الحاضرون من إقدامه عليه. وشكا إلى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزير سوء الحال، فقال له: أليس قد كتبنا إلى إبراهيم بن المدبّر في أمرك؟ قال: نعم، قد كتبت إلى رجل قد قصر من همّته طول الفقر، وذلّ الأسر، ومعاناة الدّهر، فأخفق سعيي وخابت طلبتي، فقال عبد الله [5] : أنت اخترته، فقال: وما عليّ أيّها الوزير في ذلك، وقد اختار موسى قومه سبعين رجلا فما كان فيهم رشيد، واختار النّبيّ صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن سعد بن أبي سرح كاتبا، فرجع إلى المشركين مرتدّا،

_ [1] (2/ 75) . [2] في «وفيات الأعيان» (4/ 343) . [3] في الأصل والمطبوع: و «كتب الأدب» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [4] في «وفيات الأعيان» : «وما كانوا عليه من الجود» . [5] في «وفيات الأعيان» : «عبيد الله» .

واختار علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري حكما له، فحكم عليه، وإنما قال: ذلّ الأسر، لأن إبراهيم المذكور كان قد أسره علي بن محمد صاحب الزّنج بالبصرة وسجنه، فنقب السجن وهرب. ودخل أبو العيناء على أبي الصقر إسماعيل بن بلبل [1] الوزير يوما، فقال له: ما الذي أخّرك عنّا يا أبا العيناء، فقال سرق حماري. قال: وكيف سرق؟ قال: لم أكن مع اللّصّ فأخبرك. قال: فهلّا أتيتنا على غيره؟ قال: قعد بي عن الشراء قلّة يساري [2] وكرهت ذلّة المكاري ومنّة العواري [3] . وخاصم علويا، فقال له العلويّ: أتخاصمني وأنت تقول [كل يوم] [4] : اللهمّ صلّ على محمد وعلى آله؟ قال: لكني أقول: الطيبين الطاهرين ولست منهم. ووقف عليه رجل من العامّة فلما أحسّ به قال: من هذا؟ قال: رجل من بني آدم، فقال أبو العيناء، مرحبا بك- أطال الله بقاءك- ما كنت أظن هذا النّسل إلا قد انقطع. وصار يوما إلى باب صاعد بن مخلد، فاستأذن عليه، فقيل: هو مشغول بالصلاة، فقال: لكل جديد لذّة، وكان صاعد قبل الوزارة نصرانيا. ومرّ بباب عبد الله بن منصور وهو مريض وقد صحّ [5] ، فقال لغلامه كيف خبره؟ فقال: كما تحب، فقال: ما لي لا أسمع الصراخ عليه؟. ودعا سائلا ليعشّيه فلم يدع شيئا إلا أكله، فقال، يا هذا، دعوتك رحمة فتركتني رحمة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «إسماعيل بن بابك» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 544) . [2] في الأصل، والمطبوع: «قلة إيساري» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] الخبر في «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 293- 294) . [4] زيادة من «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل: «وقد صلح» وأثبت ما في المطبوع.

وكان بينه وبين ابن مكرم مداعبات فسمع ابن مكرم رجلا يقول: من ذهب بصره قلّت حيلته، فقال: ما أغفلك عن أبي العيناء! ذهب بصره فعظمت حيلته. وقد ألمّ أبو علي البصير بهذا المعنى، يشير به إلى أبي العيناء: قد كنت خفت يد الزّما ... ن عليك إذ ذهب البصر لم أدر أنّك بالعمى ... تغنى ويفتقر البشر [1] وقال له ابن مكرم يوما يعرّض به: كم عدد المكدّين بالبصرة؟ فقال: مثل عدد البغائين ببغداد. وروي عنه أنه قال: كنت عند أبي الحكم إذ أتاه رجل فقال له: وعدتني وعدا، فإن رأيت أن تنجزه، فقال: ما أذكره، فقال: إن لم تذكره فلأن من تعده مثلي كثير، وأنا لا أنساه، لأن من أسأله مثلك قليل، فقال: أحسنت، لله أبوك، وقضى حاجته. وكان جدّه الأكبر لقي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فأعياه [في] المخاطبة معه، فدعا عليه بالعمى له ولولده، فكلّ من عمي من ولد جدّ أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم، هكذا قاله أبو سعد الطلحي [2] وخرج من البصرة وهو بصير، وقدم سرّ من رأى، فاعتلت عيناه، فعمي [وسكن بغداد مدة] [3] وعاد إلى البصرة ومات بها. انتهى ما أورده ابن خلّكان مخلصا [4] .

_ [1] البيتان في «وفيات الأعيان» (4/ 345) ، و «نكت الهيمان» ص (265) ، و «الوافي بالوفيات» (4/ 341) . [2] في المطبوع: «أبو سعد الطلمي» ، وفي «وفيات الأعيان» : «أبو سعيد الطلحي» . [3] زيادة من «وفيات الأعيان» . [4] قلت: وفيها مات الإمام المؤرّخ المهندس أبو حنيفة أحمد بن داود بن ونند الدّينوري، أحد نوابغ الدهر، وصاحب «الأخبار الطوال» وغير ذلك من المصنفات النافعة. وقد استوفيت التعريف به في مقدمتي لهذا الكتاب (1/ 28- 29) وانظر «الأعلام» للزركلي (1/ 123) .

سنة ثلاث وثمانين ومائتين

سنة ثلاث وثمانين ومائتين فيها ظفر المعتضد بهارون الشّاري، رأس الخوارج بالجزيرة، وأدخل راكبا فيلا، وزيّنت بغداد [1] . وفيها أمر المعتضد في سائر البلاد بتوريث ذوي الأرحام، وإبطال دواوين المواريث في ذلك، وكثر الدعاء له، وكان قبل ذلك قد أبطل النيروز، وقيد النيران، وأمات سنّة المجوس. وفيها التقى عمرو بن اللّيث الصّفّار، ورافع بن هرثمة، فانهزمت جيوش رافع وهرب، وساق [2] الصّفّار وراءه، فأدركه بخوارزم فقتله، وكان المعتضد قد عزل رافعا عن خراسان، واستعمل عليها عمرو بن اللّيث في سنة تسع وسبعين، فبقي رافع بالرّيّ، وهادن الملوك المجاورين له، ودعا إلى العلوي. وفيها وصلت تقادم [3] عمرو بن اللّيث إلى المعتضد، من جملتها مائتا حمل مال.

_ [1] انظر تفاصيل الخبر في «تاريخ الطبري» (10/ 43- 44) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 476- 477) . [2] قال ابن منظور: السّاقة جمع سائق، وهم الذين يسوقون جيش الغزاة، ويكونون من ورائه يحفظونه. «لسان العرب» (سوق) . [3] أي وصلت تحف. انظر «دول الإسلام» للذهبي (1/ 171) .

وفيها توفي القدوة العارف أبو محمد سهل بن عبد الله التّستريّ الزّاهد في المحرم عن نحو من ثمانين سنة، وله مواعظ، وأحوال، وكرامات، وكان من أكبر مشايخ القوم. ومن كلامه- وقد رأى أصحاب الحديث فقال-: اجهدوا أن لا تلقوا الله ومعكم المحابر. وقيل له: إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: حتّى يموت ويصبّ باقي حبره في قبره. وقال: من أراد الدّنيا والآخرة فليكتب الحديث، فإن فيه منفعة الدّنيا والآخرة. وقال السّلميّ في «الطبقات» [1] : هو سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع وكنيته أبو محمد، أحد أئمة القوم وعلمائهم، والمتكلمين في علوم الإخلاص والرياضات وعيوب الأفعال. صحب خاله محمد بن سوّار، وشاهد ذا النّون المصريّ سنة خروجه إلى الحج. وأسند الحديث. وأسند عنه قال: الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا [2] ، وإذا انتبهوا ندموا، وإذا ندموا لم تنفعهم الندامة [3] . وقال: شكر العلم العمل، وشكر العمل زيادة العلم. وقال: ما من قلب ولا نفس إلا والله مطّلع عليه في ساعات الليل والنهار، فأيّما [4] قلب أو نفس رأى فيه حاجة إلى سواه سلّط عليه إبليس.

_ [1] ص (206- 211) . [2] قوله: «فإذا ماتوا انتبهوا» لم يرد في «طبقات الصوفية» المطبوع. [3] في «طبقات الصوفية» : «لم تنفعهم ندامتهم» . [4] في الأصل، والمطبوع: «فأي» وأثبت لفظ «طبقات الصوفية» ص (208) .

وقال: الذي يلزم الصوفي ثلاثة أشياء: حفظ سرّه، وأداء فرضه، وصيانة فقره. وقال: من أراد أن يسلم من الغيبة فليسدّ على نفسه باب الظّنون، فمن سلم من الظّن سلم من التجّسس، ومن سلم من التجسّس سلم من الغيبة، ومن سلم من الغيبة سلم من الزّور، ومن سلم من الزّور سلم من البهتان. وقال ذروا التدبير والاختيار فإنّهما يكدّران على الناس عيشهم. وقال: الفتن ثلاثة: فتنة العامّة من إضاعة العلم، وفتنة الخاصّة من الرّخص والتأويلات، وفتنة أهل المعرفة أن يلزمهم حقّ في وقت فيؤخّروه إلى وقت ثان [1] . وقال: أصولنا ستة [أشياء] [2] : التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بسنّة رسوله [3] صلى الله عليه وسلم، وأكل الحلال، وكفّ الأذى، واجتناب الآثام، وأداء الحقوق. وقال: لا معين إلّا الله، ولا دليل إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا زاد إلا التّقوى، ولا عمل إلا الصّبر [4] . وقال: الأعمال بالتوفيق، والتوفيق من الله، ومفتاحه الدعاء والتضرّع. وطريقة سهل تشبه طريق الملامية [5] ، وله كرامات كثيرة، وكان يعتقد مذهب مالك، رضي الله عنهما. انتهى ملخصا.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «فيؤخّرونه إلى وقت الثاني» وأثبت ما جاء في «طبقات الصوفية» ص (210) . [2] في الأصل، والمطبوع: «ستة» وفي «طبقات الصوفية» سبعة، ولفظة «أشياء» زيادة منه. [3] في الأصل، والمطبوع: «والاقتداء بسنّة رسول الله» وأثبت ما في «طبقات الصوفية» . [4] في الأصل، والمطبوع: «ولا عمل إلا الصبر عليه» وأثبت لفظ «طبقات الصوفية» وهو الصواب. [5] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «الملامتية» ، والتصحيح من «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي الغرض (575) طبع المكتب الإسلامي، وفيه قال: الملامية: هم الذين يفعلون ما يلامون عليه، ويقولون: نحن متبعون في الباطن.

وقال في «الحلية» [1] : عامّة كلامه في تصفية الأعمال [وتنقية الأحوال] [2] من المعايب والإعلال. وأسند عنه فيها أنه قال: من كان اقتداؤه بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء [ولا يجول قلبه] [3] سوى ما أحبّ الله ورسوله. وقال: الدّنيا كلها جهل [4] إلّا العلم منها [5] والعلم كله وبال إلّا العمل به، والعمل كله هباء منثور [6] إلّا الإخلاص فيه، والإخلاص [فيه] [7] أنت منه على وجل حتّى تعلم هل قبل أم لا. انتهى ملخصا أيضا. وقال الشيخ الأكبر محيي الدّين محمد بن عربي الحاتمي الطائي، رضي الله عنه، في كتاب «بلغة الغوّاص» ما معناه، إن لم يكن لفظه، قال إمامنا وعالمنا سهل بن عبد الله التّستريّ: رأيت إبليس فعرفته وعرف أنّي عرفته، فجرى بيننا كلام ومذاكرة، وكان [8] [من آخره] [9] أن قلت له: لم لم تسجد لآدم؟ فقال: غيرة منّي عليه أن أسجد لغيره، فقلت: هذا لا يكفيك بعد أن أمرك، وأيضا فآدم قبلة والسجود له تعالى، ثم قلت له: وهل تطمع بعد هذا في المغفرة، فقال: كيف لا أطمع وقد قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ 7: 156 قال: فوقفت كالمتحيّر، ثم تذكرت ما بعدها، فقلت: إنها مقيّدة بقيود. قال: وما هي؟ قلت: قوله تعالى بعدها: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ 7: 156

_ [1] (10/ 190) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، وأثبته من «حلية الأولياء» . [3] زيادة من «حلية الأولياء» . [4] في المطبوع: «جبل» وهو خطأ. [5] في «حلية الأولياء» (10/ 194) : «فيها» . [6] في الأصل: «منثورا» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [7] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «حلية الأولياء» . [8] في المطبوع: «كان» . [9] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل وأثبته من المطبوع.

الآية [الأعراف: 156] قال: فضحك وقال: والله ما ظننت أن الجهل يبلغ بك هذا المبلغ، أما علمت أن القيد بالنسبة إليك لا بالنسبة إليه؟ فقال: فو الله لقد أفحمني، وعلمت أنه طامع في مطمع [1] . انتهى، فتأمل. وفيها أبو محمد عبد الرّحمن بن يوسف بن خراش المروزيّ ثم البغداديّ الحافظ، صاحب «الجرح والتعديل» أخذ عن أبي حفص الفلّاس وطبقته. قال أبو نعيم بن عدي: ما رأيت أحفظ منه. وقال بكر بن محمد الصيرفي: سمعته يقول: شربت بولي في طلب هذا الشأن خمس مرات. وقال الذهبيّ في «المغني» [2] : قال عبدان: كان يوصل المراسيل [3] . وقال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» [4] : لابن خراش الحالة الرّذيله ... ذا رافضيّ جرحه فضيله وقال في «شرحها» : هو عبد الرّحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش، أبو محمد، كان حافظا بارعا من الرّحالين، لكن لم ينفعه ما وعى، هو رافضي، شيخ شين، صنّف كتابا في مثالب الشيخين. قال الذهبي [5] : هذا والله الشيخ المعثّر [6] الذي ضلّ سعيه. انتهى ما أورده ابن ناصر الدّين ملخصا.

_ [1] أقول: لا مطمع للشيطان في رحمة الله بعد أن طرده الله من رحمته، ولعنه إلى يوم الدين، والله تعالى كتب الرحمة للذين يتقون في الآخرة، وإبليس ليس من المتقين، بل من الملعونين. (ع) . [2] «المغني في الضعفاء» (2/ 390) . [3] في الأصل، والمطبوع: «المرسل» وأثبت ما في «المغني في الضعفاء» . [4] في الأصل: «بدعية البيان» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [5] في «ميزان الاعتدال» (2/ 600) . [6] في المطبوع: «المغتر» .

وفيها توفي قاضي القضاة، أبو الحسن، علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب [1] الأمويّ البصريّ، كان رئيسا، معظّما، ديّنا، خيّرا، روى عن أبي الوليد الطّيالسي وجماعة. قاله في «العبر» [2] . وفيها محمد بن سليمان بن الحارث، أبو بكر، الباغنديّ، محدّث واسطي، نزل بغداد، وحدّث عن الأنصاري، وعبيد الله بن موسى، وكان صدوقا، وهو والد الحافظ محمد بن محمد. وفيها تمتام الحافظ، أبو جعفر، محمد بن غالب بن حرب الضّبيّ البصريّ، في رمضان ببغداد. روى عن أبي نعيم، وعفّان وطبقتهما، وصنّف وجمع، وهو ثقة. وفيها عبد الله بن محمد بن مالك بن هانئ، أبو محمد [3] النيسابوريّ، لقبه عبدوس، كان من الأعيان. قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» : ثمّ الرّضي تمتام الضّبيّ ... محمد بن غالب البصريّ كذا فتى محمد عبدوس ... كلّ جميل فاضل رئيس

_ [1] في الأصل: «الشواب» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع. [2] (2/ 77) . [3] في الأصل، والمطبوع: «أبو أحمد» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» للذهبي (14/ 11) تحقيق الأستاذ أكرم البوشي بإشراف الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، و «تذكرة الحفّاظ» (2/ 675) ، و «طبقات الحفّاظ» ص (294) .

سنة أربع وثمانين ومائتين

سنة أربع وثمانين ومائتين فيها كما قال في «الشذور» ظهرت ظلمة بمصر وحمرة في السماء شديدة، حتّى كان الرجل ينظر إلى وجه الأرض فيراه أحمر، وكذلك الحيطان وغيرها، [ومكثوا كذلك] [1] من العصر إلى العشاء، فخرج الناس يدعون الله تعالى ويستغيثون إليه، ووعد الناس المنجمون بالغرق، فغارت المياه واحتاجوا إلى الاستسقاء. انتهى. وفيها كما قاله في «العبر» [2] قال محمد بن جرير [3] : عزم المعتضد على لعنة [4] معاوية على المنابر، فخوّفه الوزير [عبيد الله بن سليمان] [5] من اضطراب العامّة، فلم يلتفت إليه [6] وتقدّم إلى العامّة بلزوم أشغالهم وترك الاجتماع، ومنع القصّاص من الكلام، ومن اجتماع الخلق في الجوامع، وكتب كتابا في ذلك، واجتمع له الناس يوم الجمعة بناء على أن الخطيب يقرؤه، فما قرئ، وكان من إنشاء الوزير عبيد الله، وهو طويل، فيه مصائب

_ [1] زيادة من «تاريخ الطبري» (10/ 53) . [2] (2/ 78) . [3] انظر «تاريخ الطبري» (10/ 54) . [4] في «تاريخ الطبري» : «لعن» . [5] ما بين حاصرتين زيادة من «تاريخ الطبري» و «العبر» للذهبي. [6] قوله: «فلم يلتفت إليه» لم يرد في «العبر» المطبوع في الكويت، واستدرك في المطبوع منه في بيروت مع تصرّف في النص.

ومعايب، فقال القاضي يوسف بن يعقوب: يا أمير المؤمنين أخاف الفتنة عند سماعه، فقال: إن تحرّكت العامّة وضعت فيهم السيف، قال: فما تصنع بالعلوية الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك، وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت مالوا إليهم، وصاروا أبسط ألسنة، فأمسك المعتضد. انتهى. وفيها توفي محدّث نيسابور ومفيدها، أبو عمرو، أحمد بن المبارك المستمليّ الحافظ. سمع قتيبة وطبقته، وكان مع سعة روايته راهب عصره، ومجاب الدّعوة. وفيها أبو يعقوب إسحاق بن الحسن الحربي [1] سمع أبا نعيم، والقعنبي، وكان ثقة صاحب حديث. وفيها أبو عبادة الوليد بن عبيد الطّائيّ المنبجيّ البحتريّ، أمير شعراء العصر، وحامل لواء القريض، أخذ عن أبي تمّام الطائي. قال المبرّد: أنشدنا شاعر دهره ونسيج وحده، أبو عبادة البحتري. قال ابن الأهدل: نسبة إلى بحتر جد من أجداده، واسمه الوليد بن عبيد، أخذ عن أبي تمّام [الطائي ومدح المتوكل ومن بعده، وكان أقام ببغداد دهرا ثم رجع إلى الشام، وعرض أول شعره على أبي تمّام] [2] وهو بحمص، فقال له: أنت أشعر من أنشدني، وكتب له بذلك فعظّم وبجّل. وروي عنه قال: لما سمع أبو تمّام شعري، أقبل على تقريظي، والتقريض بالظاء والضاد: مدح الإنسان في حياته بحق أو باطل.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «إسحاق بن الحر الحربي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 79) ، وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 742) ترجمة عبد الله بن مسلمة بن قعنب. [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.

وعنه قال: لما أنشدت أبا تمّام، أنشد بيت أوس بن حجر، بفتح الحاء والجيم: إذا مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم [1] وقال: نعيت إليّ نفسي، فقلت: أعيذك بالله، فقال: إن عمري ليس بطويل، وقد نشأ لطيء مثلك، فمات أبو تمّام بعد هذا بسنة. وقال لغلامه مرّة وهو مريض: اصنع لي مزوّرة وعنده بعض الرؤساء جاء عائدا له، فقال ذلك الرئيس: عندي طبّاخ من صفته كذا وذا، ونسي الرئيس أمرها، فكتب إليه البحتري: وجدت وعدك زورا في مزوّرة ... حلفت مجتهدا إحكام طاهيها فلا شفى الله من يرجو الشّفاء بها ... ولا علت كفّ ملق كفّه فيها فاحبس رسولك عنّي أن يجيء بها ... فقد حبست رسولي عن تقاضيها [2] وله بيتان في هجو رجل اسمه شهاب: وفي فهم معناهما عسر، وهما: وهما: قد كنت أعهد أنّ الشّهب ثاقبة ... فقد رأينا شهابا وهو مثقوب في كفّه الدّهر أم في ظهره قلم ... فنصفه كاتب والنّصف مكتوب [3] وأخباره كثيرة، وكان شعره غير مرتب، فرتبه أبو بكر الصّولي على

_ [1] حصل بعض التحريف بألفاظ البيت في الأصل، وأثبت لفظ المطبوع، والبيت في «لسان العرب» لابن منظور (قرم) . [2] في الأصل، والمطبوع: «فقد حبست رسولا» والتصحيح من «غربال الزمان» للعامري ص (255) . [3] لم أجدهما في «ديوانه» ولا في المصادر الموجودة بين يدي.

الحروف، ثم جمعه علي بن حمزة الأصبهاني على الأنواع، مثل «حماسة» أبي تمّام. وسئل أبو العلاء المعرّي عنه، وعن أبي تمّام، والمتنبي، فقال: هما حكيمان، والشاعر البحتري. انتهى. وقال ابن خلّكان [1] : قال البحتريّ: أنشدت أبا تمّام شعرا لي في بعض بني حميد، وصرت به إلى مال له خطر، فقال لي: أحسنت، أنت أمير الشعراء من بعدي [2] ، فكان قوله هذا أحبّ إليّ من جميع ما حويته. وقال ميمون بن هارون [3] : رأيت أبا جعفر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرّخ، وحاله متماسكة، فسألته، فقال: كنت من جلساء المستعين، فقصده الشعراء، فقال: لست أقبل إلّا من قال مثل قول البحتري في المتوكل: فلو أنّ مشتاقا تكلّف فوق ما [4] ... في وسعه لمشى إليك المنبر [5] فرحت إلى داري [6] وأتيته، وقلت: قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتريّ، فقال: هاته، فأنشدته: ولو أنّ برد المصطفى إذ لبسته ... يظن لظن البرد أنك صاحبه وقال وقد أعطيته وكسيته ... نعم هذه أعطافه ومناكبه

_ [1] في «وفيات الأعيان» (6/ 24) . [2] في «وفيات الأعيان» : «أنت أمير الشعراء بعدي» . [3] في الأصل، والمطبوع: «ميمون بن مهران» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وانظر «الأعلام» (7/ 342) . [4] في «ديوانه» : «غير ما» . [5] البيت في «ديوان البحتري» (2/ 1073) بتحقيق الأستاذ حسن كامل الصيرفي، طبع دار المعارف بمصر. [6] في «وفيات الأعيان» : «فرجعت إلى داري» .

فقال: ارجع إلى منزلك وافعل ما آمرك به، فرجعت، فبعث لي سبعة آلاف دينار، وقال: ادّخر هذه للحوادث من بعدي، ولك عليّ الجراية والكفاية ما دمت حيّا. ومن أخبار البحتري أنه كان له غلام اسمه نسيم، فباعه، فاشتراه أبو الفضل الحسن بن وهب الكاتب، ثمّ إن البحتريّ ندم على بيعه وتتبعته نفسه، فكان يعمل فيه الشعر، ويذكر فيه أنه خدع، وأن بيعه له لم يكن عن مراده، فمن ذلك قوله: أنسيم هل للدّهر وعد صادق ... فيما يؤمّله المحبّ الوامق ما لي فقدتك في المنام ولم تزل ... عون المشوق إذا جفاه الشّائق اليوم جاز بي الهوى مقداره ... في أهله وعلمت أني عاشق فليهنأ الحسن بن وهب انه ... يلقى أحبّته ونحن نفارق [1] وكان البحتريّ كثيرا ما ينشد لبعض الشعراء، ويعجبه قوله: حمام الأراك ألا فأخبرينا ... لمن تندبين ومن تعولينا فقد شقت بالنّوح منّا القلوب ... وأبكيت بالنّدب منّا العيونا تعالى نقم مأتما للهموم ... ونعول إخواننا الظّاعنينا ونسعدكنّ وتسعدننا ... فإنّ الحزين يوافي الحزينا [2] وأخباره ومحاسنه كثيرة، فلا حاجة إلى الإطالة. وكانت ولادته سنة ست، أو سبع، وقيل: خمس، وقيل: اثنتين، وقيل: إحدى ومائتين، والأول أصحّ، وتوفي سنة أربع، وقيل خمس، وقيل ثلاث وثمانين ومائتين، والأول أصح. انتهى ما ذكره ابن خلّكان ملخصا. وفيها، والصحيح أنه في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل، وقدّمه

_ [1] الأبيات في «ديوانه» ص (1513) طبع دار المعارف بمصر. [2] الأبيات في «وفيات الأعيان» (6/ 27) .

ابن خلّكان [1] ، فقال: توفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، وقيل: ست وسبعين ومائتين، أبو الحسن علي بن العبّاس بن جريج، وقيل ابن جورجيس [2] المعروف بابن الرّومي، مولى عبد الله بن عيسى بن جعفر المنصور، صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتّى يستوفيه إلى آخره ولا يبقى فيه بقية، وكان شعره غير مرتّب، ثم رتبه أبو بكر الصولي على الحروف. وله القصائد المطوّلة والمقاطيع البديعة، وله في الهجاء كل شيء ظريف، وكذلك في المديح، فمن ذلك قوله: المنعمون وما منّوا على أحد ... يوم العطاء ولو منّوا لما مانوا [3] كم ضنّ بالمال أقوام وعندهم ... وفر وأعطى العطايا وهو يدّان [4] وله وقال: ما سبقني أحد إلى هذا المعنى: آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ... في الحادثات إذا دجون نجوم منها معالم للهدى ومصابح ... تجلو الدّجى والأخريات رجوم [5] ومن معانيه البديعة قوله:

_ [1] في «وفيات الأعيان» (3/ 361) . [2] في الأصل، والمطبوع: «وقيل ابن جرجيس» ، وما أثبته من «معجم الشعراء» للمرزباني ص (145) ، و «وفيات الأعيان» (3/ 358) ، و «الأعلام» (4/ 297) . [3] البيت في «ديوانه» ص (2427) بتحقيق الدكتور حسين نصّار، طبع مطبعة دار الكتب وروايته فيه: المنعمين وما منّوا على أحد ... يوما بنعمى ولو منّوا لما مانوا [4] البيت في «ديوانه» ص (2431) وروايته فيه: كم ضنّ بالفرض أقوام وعندهم ... وفر وأعطى العطايا وهو يدان [5] البيتان في «ديوانه» ص (2345) .

وإذا امرؤ مدح امرأ لنواله ... وأطال فيه فقد أراد هجاءه لو لم يقدّر فيه بعد المستقى ... عند الورود لما أطال رشاءه [1] وقال في بغداد وقد غاب عنها في بعض أسفاره: بلد صحبت بها الشّبيبة والصّبا ... ولبست ثوب العزّ وهو جديد وإذا تمثّل في الضّمير رأيته ... وعليه أغصان الشباب تميد [2] وكان سبب موته، رحمه الله، أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد [3] ، كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه [بالفحش] [4] فدسّ عليه مأكلا مسموما [وهو] [4] في مجلسه، فلما أحسّ بالسّمّ قام، فقال له الوزير: أين تذهب؟ قال: إلى الموضع الذي بعثتني إليه، فقال: سلّم على والديّ، فقال: ما طريقي على النار، وخرج إلى منزله، فأقام أياما ومات. وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسّمّ، فزعم أنه غلط في بعض العقاقير. قال نفطويه: رأيت ابن الرّومي يجود بنفسه، فقلت: ما حالك، فأنشد: غلط الطّبيب عليّ غلطة مورد ... عجزت موارده [5] عن الإصدار

_ [1] لم أجدهما في «ديوانه» بتحقيق الدكتور حسين نصّار، ولكن عزاهما الدكتور إحسان عبّاس في تعليقه على «وفيات الأعيان» (3/ 359) إلى «ديوانه» ص (97) طبع دار إحياء التراث العربي ببيروت. [2] البيتان في «ديوانه» ص (766) وروايتهما فيه: بلد صحبت به الشبيبة والصبا ... ولبست فيه العيش وهو جديد فإذا تمثل في الضمير رأيته ... وعليه أفنان الشباب تميد [3] في الأصل، والمطبوع: «أن الوزير أبا الحسن بن عبد الله وزير المعتضد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 361) ، و «إعتاب الكتاب» لابن الأبار، ص (185) تحقيق الدكتور صالح الأشتر، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق. [4] زيادة من «وفيات الأعيان» . [5] في «ديوانه» : «محالته» .

والنّاس يلحون الطّبيب وإنّما ... غلط الطّبيب إصابة المقدار [1] وقال أبو عثمان النّاجم [2] الشاعر: دخلت على ابن الرّومي أعوده، فوجدته يجود بنفسه، فلما قمت من عنده قال لي منشدا: أبا عثمان أنت حميد قومك [3] ... وجودك في العشيرة دون لومك [4] تزوّد [5] من أخيك فما أراه [6] ... يراك ولا تراه بعد يومك [7] وبالجملة فمحاسنه كثيرة، وله في الطيرة أشياء معروفة، فلا نطيل بذلك والله أعلم.

_ [1] البيتان في «ديوانه» ص (1111) . [2] في الأصل، والمطبوع: «الناجمة» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، و «الأعلام» للزركلي (3/ 84) . [3] كذا في الأصل، والمطبوع، و «وفيات الأعيان» : «أنت حميد قومك» ، وفي «ديوانه» : «أنت عميد قومك» . [4] في الأصل، والمطبوع: «دون نومك» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، ومن «ديوانه» . [5] في «ديوانه» : «تمتع» . [6] في الأصل، والمطبوع: «فما تراه» ، وما أثبته من «الوفيات الأعيان» ، ومن «ديوانه» . [7] البيتان في «ديوانه» ص (1889) .

سنة خمس وثمانين ومائتين

سنة خمس وثمانين ومائتين فيها على ما قال في «الشذور» ارتفعت ريح صفراء بنواحي الكوفة، ثمّ استحالت سوداء، وارتفعت ريح بالبصرة كذلك، ومطر وبرد في الواحدة مائة وخمسون درهما. انتهى. وفيها وثب صالح بن مدرك الطائي في طيء، فانتهبوا الرّكب العراقي، وبدعوا، وسبوا النسوان، وذهب للناس ما قيمته ألف ألف دينار. قاله في «العبر» [1] . وفيها توفي الإمام الحبر إبراهيم بن إسحاق بن بشير أبو إسحاق الحربيّ الحافظ، أحد أركان الدّين، والأئمة الأعلام، ببغداد، في ذي الحجة، وله سبع وثمانون سنة. سمع أبا نعيم، وعفّان، وطبقتهما. وتفقّه على الإمام أحمد، وبرع في العلم والعمل، وصنّف التصانيف الكثيرة، وكان يشبّه بأحمد بن حنبل في وقته. قال المرداويّ [2] في «الإنصاف» : كان إماما في جميع العلوم، متقنا،

_ [1] (2/ 80) . [2] هو علي بن سليمان بن أحمد المرداوي ثم الدمشقي، فقيه حنبلي، من العلماء، ولد في «مردا» قرب نابلس، وانتقل في كبره إلى دمشق فتوفي فيها سنة (885) هـ. من كتبه «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» وهو الذي نقل المؤلف عنه. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (4/ 292) .

مصنّفا، محتسبا عابدا، زاهدا، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة جدا حسانا جيادا. انتهى. وفيها إسحاق بن إبراهيم الدّبريّ [1] المحدّث، راوية عبد الرزاق، بصنعاء، عن سنّ عالية، اعتنى به أبوه، وأسمعه الكتب من عبد الرزاق في سنة عشر ومائتين، وكان صدوقا. وفيها أبو العبّاس المبرّد، محمد بن يزيد الأزديّ البصريّ، إمام أهل النحو في زمانه، وصاحب المصنفات. أخذ عن أبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني، وتصدّر للاشتغال ببغداد، وكان وسيما، مليح الصورة، فصيحا، مفوّها، أخباريّا، علّامة، ثقة. توفي في آخر السنة. قاله في «العبر» [2] . قال ابن خلّكان [3] : كان إماما في النحو واللغة، وله التآليف النافعة في الأدب، منها كتاب «الكامل» [4] ، ومنها «الروضة» و «المقتضب» وغير ذلك. أخذ الأدب عن أبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني، وأخذ عنه نفطويه وغيره من الأئمة، وكان المبرّد المذكور، وأبو العبّاس أحمد بن يحيى الملقب بثعلب، صاحب كتاب «الفصيح» عالمين متعاصرين، قد ختم بهما تاريخ الأدباء، وفيهما يقول بعض أهل عصرهما من جملة أبيات، وهو أبو بكر بن [أبي] [5] الأزهر:

_ [1] نسبة إلى «الدبر» وهي قرية من قرى صنعاء اليمن. انظر «الأنساب» للسمعاني (5/ 271) . [2] (2/ 80- 81) . [3] في «وفيات الأعيان» (4/ 314) . [4] وقد طبع عدة مرات، أجودها التي صدرت حديثا عن مؤسسة الرسالة في بيروت بتحقيق الأستاذ محمد أحمد الدالي. [5] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها في «وفيات الأعيان» ، وهو محمد بن أحمد بن مزيد بن محمود، أبو بكر الخزاعي البوشنجي، المتوفى سنة (325) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» (5/ 309) .

أيا طالب العلم لا تجهلن ... وعذ بالمبرّد أو ثعلب تجد عند هذين علم الورى ... فلا تك كالجمل الأجرب علوم الخلائق مقرونة ... بهذين في الشرق والمغرب [1] وكان المبرّد يحبّ الاجتماع في المناظرة بثعلب والاستكثار منه، وثعلب يكره ذلك ويمتنع منه. حكى جعفر بن أحمد بن حمدان الفقيه الموصلي، وكان صديقهما، قال: قلت لأبي عبد الله الدّينوري، ختن ثعلب: لم يأبى ثعلب الاجتماع بالمبرّد؟ فقال: لأن المبرّد حسن العبارة، حلو الإشارة، فصيح اللسان، ظاهر البيان، وثعلب مذهبه مذهب المعلمين، فإذا اجتمعا في محفل، حكم للمبرّد على الظاهر إلى أن يعرف الباطن. انتهى ملخصا.

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (4/ 314) .

سنة ست وثمانين ومائتين

سنة ست وثمانين ومائتين فيها التقى إسماعيل بن أحمد بن أسد الأمير، وعمرو بن اللّيث الصّفّار بما وراء النهر، فانهزم أصحاب عمرو، وكانوا قد ضجروا منه، ومن ظلم خواصه [1] ولا سيما أهل بلخ، فإنهم نالهم بلاء شديد من الجند، فانهزم عمرو إلى بلخ، فوجدها مغلوقة، ففتحوا له، ولجماعة يسيرة، ثم وثبوا عليه، فقيّدوه [2] وحملوه إلى إسماعيل أمير ما وراء النهر. فلما أدخل إليه، قام له واعتنقه وتأدّب معه [3] فإنه كان في أمراء عمرو غير واحد مثل إسماعيل وأكبر، وبلغ ذلك المعتضد، ففرح وخلع على إسماعيل خلع السلطنة وقلّده خراسان، وما وراء النهر، وغير ذلك، وأرسل إليه يلحّ عليه في إرسال عمرو بن اللّيث، فدافع، فلم ينفع، فبعثه وأدخل بغداد على جمل، بعد أن كان يركب في مائة ألف، وسجن ثم خنق وقت موت المعتضد. وفيها ظهر بالبحرين، أبو سعيد الجنّابيّ القرمطيّ، وقويت شوكته، وانضم إليه جمع من الأعراب، فعاث، وأفسد، وقصد البصرة، فحصّنها المعتضد، وكان أبو سعيد كيّالا بالبصرة، وجنّابة من قرى الأهواز [4] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ومن ظلم خراجه» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 81) . [2] في الأصل، والمطبوع: «وقيدوه» وأثبت ما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. [3] لفظة «معه» لم ترد في المطبوع و «العبر» للذهبي. [4] انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 165- 166) .

قال الصوليّ: كان أبو سعيد فقيرا يرفو غربال الدقيق [1] فخرج إلى البحرين، وانضم إليه طائفة من بقايا الزّنج واللصوص، حتّى تفاقم أمره، وهزم جيوش الخليفة مرّات. وقال غيره: ذبح أبو سعيد الجنّابي في حمام بقصره، وخلفه ابنه أبو طاهر الجنّابي القرمطي، الذي أخذ الحجر الأسود. وفيها توفي أحمد بن سلمة النيسابوريّ الحافظ، أبو الفضل، رفيق مسلم في الرحلة إلى قتيبة. قال ابن ناصر الدّين: أحمد بن سلمة البزّار، أبو الفضل، النيسابوري، كان حافظا من المهرة، له صحيح ك «صحيح مسلم» . انتهى. وفيها الزّاهد الكبير، أحمد بن عيسى أبو سعيد الخرّاز، شيخ الصوفية، وهو أوّل من تكلم في علم الفناء والبقاء. قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخرّاز لهلكنا. وعن أبي سعيد قال: رأيت إبليس في المنام وهو [يمرّ] [2] عنّي ناحية. فناديته، فقال: أيّ شيء أعمل بكم، وأنتم طرحتم ما أخادع الناس به، غير أنّ لي فيكم لطيفة وهي صحبة الأحداث. وقال السّلميّ في «التاريخ» [3] : أبو سعيد إمام القوم في كل فن من علومهم، بغدادي الأصل، له في مبادئ أمره عجائب وكرامات مشهورة، ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه، وهو أحسن القوم كلاما ما خلا الجنيد،

_ [1] في «العبر» : «يرفو أعدال الدقيق» . [2] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (232) ، و «غربال الزمان» للعامري ص (256) . [3] يعني كتابه «تاريخ الصوفية» وهو مما ألّفه السّلميّ قبل تأليفه لكتابه الشهير «طبقات الصوفية» كما ذكر الأستاذ نور الدين شريبة في مقدمته لكتابه «الطبقات» ص (34) .

فإنه الإمام، ومن كلامه: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل [1] . وقال: الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت ثان. وقال السخاوي في «طبقاته» : قال أبو سعيد: إن الله، عزّ وجلّ، عجّل لأرواح أوليائه التلذّذ بذكره والوصول إلى قربه، وعجّل لأبدانهم النّعمة بما نالوه من مصالحهم، وأجزل لهم [2] نصيبهم من كلّ كائن، فعيش أبدانهم عيش الجنانيّين، وعيش أرواحهم عيش الرّبّانيّين. لهم لسانان: لسان في الباطن يعرّفهم صنع الصانع في المصنوع، ولسان في الظاهر يعلّمهم علم الخالق في المخلوق [3] . وقال: مثل النّفس كمثل ماء واقف طاهر صاف، فإن حركته ظهر ما تحته من الحمأة، وكذلك النّفس تظهر [4] عند المحن والفاقة والمخالفة ما فيها [5] ، ومن لم يعرف ما في نفسه كيف يعرف ربّه؟!. وقال في معنى حديث «جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها» [6] : وا عجبا ممّن لا يرى محسنا إليه [7] غير الله، كيف لا يميل بكلّيته إليه. قال ابن كثير: وهذا الحديث ليس بصحيح، لكن كلامه عليه من أحسن ما يكون. انتهى. وفيها عبد الرّحيم بن عبد الله بن عبد الرّحيم بن البرقيّ [أبو سعيد] [8]

_ [1] في الأصل والمطبوع: «فهو باطن» والتصحيح من «طبقات الصوفية» ص (231) . [2] في الأصل، والمطبوع: «وأخذلهم» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (229) . [3] في «طبقات الصوفية» : «يعلمهم علم المخلوقين» . [4] في الأصل، والمطبوع: «الظهر» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (231) . [5] لفظة «ما فيها» سقطت من «طبقات الصوفية» فتستدرك فيه. [6] حديث باطل مرفوعا وموقوفا كما قال الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» وانظر تخريجه المطوّل له ص (171- 172) . [7] لفظة «إليه» سقطت من «طبقات الصوفية» فتستدرك فيه. [8] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 83) ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 48) .

مولى الزّهريين. روى السيرة عن ابن هشام، وكان ثقة وهو أخو [1] المحدّثين أحمد، ومحمد. وفيها عليّ بن عبد العزيز، أبو الحسن، البغوي المحدّث، بمكة. وقد جاوز التسعين. سمع أبا نعيم وطبقته، وهو عمّ البغوي عبد الله بن محمد، وكان فقيها مجاورا في الحرم، وشيخه، ثقة ثبتا. وفيها، بل في التي قبلها، كما جزم به ابن ناصر الدّين حيث قال في منظومته: كذا فتى سوادة السّلامي ... هلاكه رزيّة في العام وقال في «شرحها» : هو عبد الله بن أحمد بن سوادة الهاشميّ مولاهم البغداديّ، أبو طالب. كان صدوقا من المكثرين. انتهى. ثم قال في «المنظومة» : وبعده ثلاثة فجازوا [2] ... ذا أحمد بن سلمة البزّار [3] وتقدّم الكلام عليه [3] . كذا الفتى محمّد بن سندي ... كالخشني القرطبي عدّ وقال في «شرحها» : محمد بن محمد بن رجاء بن السّنديّ الإسفراييني، أبو بكر، وكان حافظا ثبتا تقوم به الحجّة والاحتجاج، وله مستخرج على «صحيح مسلم بن الحجّاج» . والثاني هو: محمد بن عبد السّلام بن ثعلبة القرطبيّ، أبو الحسن، ثقة. انتهى.

_ [1] في الأصل: «أحد» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي. [2] في الأصل: «فجاوزوا» . [3] في الأصل والمطبوع: «البزّاز» وهو تصحيف. وانظر ترجمته في ص (359) .

وفيها محمد بن وضّاح، الحافظ الإمام، أبو عبد الله، الأندلسيّ، محدّث قرطبة، وهو في عشر التسعين. رحل مرتين إلى المشرق، وسمع إسماعيل بن أبي [1] أويس، وسعيد بن منصور، والكبار، وكان فقيرا، زاهدا، قانتا لله، بصيرا بعلل الحديث. وفيها الكديميّ، وهو أبو العبّاس محمد بن يونس القرشيّ السّاميّ [2] ، [البصريّ] [3] ، الحافظ، في جمادى الآخرة، وقد جاوز المائة بيسير. روى عن أبي داود الطيالسي، وزوج أمه، روح بن عبادة، وطبقتهما، وله مناكير ضعّف بها. قال في «المغني» [4] : هالك. قال ابن حبّان، وغيره: كان يضع الحديث على الثقات. انتهى. وقال ابن ناصر الدّين: كان من الحفّاظ الأعلام، غير أنه أحد المتروكين. وثّقه إسماعيل الخطبي، وكأنه خفي عليه أمره. انتهى.

_ [1] لفظة «أبي» سقطت من المطبوع. [2] كذا هو في جميع المصادر التي بين يدي «السامي» بالسين المهملة، وفي «الأنساب» للسمعاني (10/ 367) : «الشامي» بالشين المعجمة، وحذفها ابن الأثير من ترجمته في «اللباب» (3/ 87) ، وعلّق الأستاذ فؤاد سيد على «العبر» للذهبي (2/ 84) بقوله: السامي: بالسين المهملة. نسبة إلى لؤي بن غالب. وأحال على «اللباب» في كلامه عن «السامي» ولكن الأستاذ غفل عن كون المترجم لم يذكر فيمن ذكرهم ابن الأثير في كلامه عن نسبة «السامي» وفاته البحث عنه في نسبة «الكديمي» ولو فعل لوقف على حذف ابن الأثير لنسبة «السامي» من ترجمته في كتابه!. [3] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 84) . [4] (2/ 646) .

سنة سبع وثمانين ومائتين

سنة سبع وثمانين ومائتين في المحرم قصدت طيء ركب العراق لتأخذه كعام أوّل بالمعدن، وكانوا في ثلاثة آلاف، وكان أمير الحاج أبو الأغر، فواقعهم يوما وليلة، والتحم القتال، وجدّلت الأبطال، ثم أيّد الله الوفد، وقتل رئيس طيء صالح بن مدرك، وجماعة من أشراف قومه، وأسر خلق، وانهزم الباقون. ثم دخل الركب بالأسرى والرؤوس على الرّماح. وفيها سار العبّاس الغنويّ في عسكر [1] ، فالتقى أبا سعيد الجنّابي [2] فأسر العبّاس وانهزم عسكره، وقيل: بل أسر سائر العسكر، وضربت رقابهم، وأطلق العبّاس، فجاء وحده إلى المعتضد برسالة الجنّابي، أن كفّ عنّا واحفظ حرمتك. قال ابن الجوزي في «الشذور» : ومن العجائب أن المعتضد بعث العبّاس بن عمر الغنويّ في عشرة آلاف إلى حرب القرامطة، فقبض عليهم القرامطة، فنجا العبّاس وحده، وقتل الباقون. وفيها غزا المعتضد، وقصد طرسوس، وردّ إلى أنطاكية، وحلب. وفيها سار الأمير بدر، فبيّت القرامطة، وقتل منهم مقتلة عظيمة.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «في عسكره» . [2] قال ياقوت: جنّابة بلدة صغيرة من سواحل فارس، ووهّم من ذكر بأنها من البحرين. انظر «معجم البلدان» (2/ 165- 166) . وأبو سعيد الجنّابي، اسمه «الحسن بن بهرام» وانظر «شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد» للسفاريني (1/ 230) طبع المكتب الإسلامي.

وفيها توفي الإمام أبو بكر، أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النّبيل الشيبانيّ البصريّ الحافظ، قاضي أصبهان، وصاحب المصنفات، وهو في عشر التسعين، في ربيع الآخر. سمع من جدّه لأمه موسى بن إسماعيل، وأبي الوليد الطّيالسي، وطبقتهما. وكان إماما، فقيها، ظاهريّا، صالحا، ورعا، كبير القدر، صاحب مناقب. قال السخاوي في «طبقاته» : أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النّبيل، ورد أصبهان، وسكنها، وولي القضاء بعد وفاة صالح بن أحمد بن حنبل، وكان من الصيانة والعفّة بمحل عجيب، رؤي في النوم بعد موته بقليل، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: يؤنسني ربي. قال الرائي: فشهقت شهقة وانتبهت. وقال: ذهبت كتبي فأمليت من ظهر قلبي خمسين ألف حديث. وقيل له: أيّها القاضي! بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية وهم يلقمون الرمل، فقال واحد من القوم: إنك قادر على أن تطعمنا خبيصا [1] على لون هذا الرمل، فإذا هم بأعرابي وبيده طبق، فسلّم عليهم، ووضع بين أيديهم طبقا عليه خبيص حارّ، فقال ابن أبي عاصم: قد كان ذاك، وكان الثلاثة، عثمان بن صخر الزّاهد أستاذ أبي تراب النّخشبيّ، وأبو تراب، وأحمد بن عمرو، أي صاحب الترجمة. وهو الذي دعا. وقال أبو موسى المديني: جمع بين العلم، والفهم، والحفظ، والزّهد، والعبادة، والفقه، من أهل البصرة. قدم أصبهان، وصحب جماعة من النّسّاك، منهم: أبو تراب النّخشبيّ، وسافر معه، وقد عمّر، وكان فقيها ظاهريّ المذهب، وصنّف في الردّ على داود الظاهري، وكان بعد ما دخل في القضاء، إذا سئل عن مسألة الصوفية، يقول: القضاء والدنية والكلام في علم الصوفية محال.

_ [1] قال ابن منظور: الخبيص الحلواء المخبوصة. «لسان العرب» (خبص) .

وكان يقول: لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع، ولا مدّع، ولا طعّان، ولا لعّان، ولا فاحش، ولا بذيء، ولا منحرف عن الشافعي وأصحاب الحديث، رحمه الله تعالى. وفيها زكريا بن يحيى السّجزيّ الحافظ، أبو عبد الرّحمن، خيّاط السّنّة، بدمشق، وقد نيّف على التسعين. روى عن شيبان بن فرّوخ وطبقته، وكان من علماء الأثر، ثقة، وقيل: توفي في سنة تسع وثمانين، وبه جزم ابن ناصر الدّين. وفيها يحيى بن منصور، أبو سعيد، الهرويّ الحافظ، شيخ هراة ومحدّثها، وزاهدها، في شعبان، وقيل: توفي سنة اثنتين وتسعين. وفي رجبها قطر النّدى بنت الملك خمارويه بن أحمد بن طولون زوجة المعتضد، وكانت شابة بديعة الحسن، عاقلة، رحمها الله تعالى .

سنة ثمان وثمانين ومائتين

سنة ثمان وثمانين ومائتين فيها ظهر أبو عبد الله الشيعيّ [1] بالمغرب، فدعا العامّة إلى الإمام المهدي عبيد الله، فاستجابوا له. وفيها كان الوباء المفرط بأذربيجان، حتّى فقدت الأكفان، وكفّنوا باللّبّود، ثم بقي الموتى مطروحين في الطرق. ومات أمير أذربيجان، محمد بن أبي السّاج وسبعمائة من خواصّه وأقربائه [2] . وفيها بشر بن موسى الأسديّ [أبو علي] [3] ابن صالح بن شيخ بن عميرة البغداديّ، في ربيع الأول، ببغداد. روى عن هوذة بن خليفة، والأصمعي، وسمع من روح بن عبادة حديثا واحدا، وكان ثقة محتشما، كثير الرّواية، عاش ثمانيا وتسعين سنة. وفيها ثابت بن قرّة بن هارون- ويقال: ابن هارون [4]- الحاسب،

_ [1] هو الحسين بن أحمد بن محمد بن زكرياء الشيعي من أهل صنعاء. انظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 31) . [2] في «العبر» للذهبي (2/ 86) : «ومات ابنه الأفشين» . [3] ما بين حاضرتين زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 86) . وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 352) . [4] أراد ويقال: ثابت بن هارون، والله أعلم، وفي «وفيات الأعيان» : «ويقال ابن زهرون» وهو خطأ، فإن ابن زهرون الحرّاني مات سنة (369) هـ. انظر «الأعلام» (2/ 97) .

الحكيم، الحرّانيّ. كان في مبدأ أمره بحرّان، ثمّ انتقل إلى بغداد، فاشتغل بعلوم الأوائل، فمهر فيها، وبرع في الطب، وكان الغالب عليه الفلسفة، حتّى قال ابن خلّكان [1] : كان صابئيّ النّحلة وله تآليف كثيرة في فنون من العلم مقدار عشرين تأليفا، منها «تاريخ» حسن، وأخذ كتاب إقليدس [2] ، فهذّبه، ونقّحه، وأوضح منه ما كان مشتبها، وكان من أعيان أهل عصره في الفضائل، وجرى بينه وبين أهل مذهبه أشياء أنكروها عليه في المذهب، فرفعوه [3] إلى رئيسهم، فأنكر عليه مقالته ومنعه من دخول الهيكل، فتاب ورجع عن ذلك، ثم عاد بعد مدة إلى تلك المقالة، فمنعوه من الدخول إلى المجمع، فخرج من حرّان ونزل كفرتوثا- قرية كبيرة بالجزيرة الفراتية [4]- وأقام بها مدة، إلى أن قدم محمد بن موسى من بلاد الرّوم راجعا إلى بغداد، فاجتمع به، فرآه فاضلا فصيحا، فاستصحبه إلى بغداد، وأنزله في داره، ووصله بالخليفة، فأدخله في جملة المنجّمين، فسكن بغداد وأولد أولادا [5] منهم ولده: إبراهيم بن ثابت، بلغ رتبة أبيه في الفضل، وكان من حذّاق الأطباء، ومقدّم أهل زمانه في صناعة الطب، وعالج مرّة السّريّ الرّفّاء [6] الشاعر، فأصاب العافية، فعمل فيه وهو أحسن ما قيل في طبيب:

_ [1] في «وفيات الأعيان» (1/ 313- 315) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف واختصار. [2] في المطبوع: «إقليدوس» وهو خطأ، وانظر «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» للقفطي ص (45) طبع مكتبة المتنبي بالقاهرة. [3] في «وفيات الأعيان» : «فرافعوه» . [4] انظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 468- 469) . [5] في «وفيات الأعيان» : «وأولد الأولاد» . [6] هو السري بن أحمد بن السري الكندي، أبو الحسن، وسوف ترد ترجمته مفصّلة في المجلد الرابع من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

هل للعليل سوى ابن قرّة شافي [1] ... بعد الإله وهل له من كافي [2] أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي ... أودى وأوضح رسم طبّ عافي [3] فكأنّه عيسى ابن مريم ناطقا ... يهب الحياة بأيسر الأوصاف مثلت له قارورتي فرأى بها ... ما اكتنّ بين جوانحي وشغافي [4] يبدو له الدّاء الخفيّ كما بدا ... للعين رضراض الغدير الصّافي [5] ومن حفدة ثابت المذكور: أبو الحسن ثابت بن سنان بن قرّة، وكان صابئيّ النّحلة أيضا، وكان في أيام معزّ الدولة بن بويه، وكان طبيبا عالما، نبيلا، يقرأ عليه كتاب بقراط، وجالينوس، وكان فكّاكا للمعاني، وكان سلك مسلك جدّه ثابت في نظره في الطب، والفلسفة، والهندسة، وجميع الصناعات الرياضية للقدماء، وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه. فائدة: الحرّاني: نسبة إلى حرّان، وهي مدينة مشهورة بالجزيرة [6] ، خرج منها علماء أجلّاء، منهم: بنو تيميّة وغيرهم. ذكر ابن جرير الطبري في «تاريخه» [7] أن هاران عمّ إبراهيم الخليل وأبو زوجته سارة هو الذي عمرها، فسمّيت به، ثم عربت به، فقيل: حرّان، وكان لإبراهيم- صلى الله عليه وعلى نبيّنا وبقية الأنبياء وسلّم- أخ يسمى هاران [8]

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «شاف» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» ، و «يتيمة الدهر» . [2] في الأصل، والمطبوع: «كاف» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» ، و «يتيمة الدهر» . [3] في الأصل، والمطبوع: «عاف» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» ، و «يتيمة الدهر» . [4] في الأصل، والمطبوع: «وشفافي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» ، و «يتيمة الدهر» ، والشغاف حجاب القلب، وهو جلدة دونه كالحجاب. انظر «مختار الصحاح» (شغف) . [5] الأبيات في «وفيات الأعيان» (1/ 314) ، و «يتيمة الدهر» (2/ 312) . [6] يعني جزيرة أقور. انظر خبرها في كتاب «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (57) ، طبع دار ابن كثير. [7] (1/ 313) والمؤلف ينقل كلامه عن «وفيات الأعيان» . [8] في الأصل، والمطبوع: «يسمى بهاران» ، وأثبت ما جاء في «وفيات الأعيان» .

أيضا، وهو والد لوط عليه السلام. وقال [الجوهريّ] في «الصحاح» [1] : وحرّان اسم بلد، والنسبة إليه حرنانيّ على غير قياس، والقياس حرّانيّ على ما عليه العامّة. انتهى. وفيها- أي سنة ثمان وثمانين- توفي مفتي بغداد، الفقيه عثمان بن سعيد بن بشّار، أبو القاسم البغداديّ الأنماطيّ، صاحب المزنيّ، في شوّال، وهو الذي نشر مذهب الشافعيّ ببغداد، وعليه تفقّه ابن سريج. قاله في «العبر» [2] . وقال الإسنوي: والأنماطي منسوب إلى الأنماط، وهي البسط التي تفرش، أخذ الفقه عن المزنيّ، والرّبيع. وأخذ عنه ابن سريج. قال الشيخ أبو إسحاق [3] : كان الأنماطي هو السبب في نشاط الناس للأخذ بمذهب الشافعيّ في تلك البلاد. قال: ومات ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين. زاد ابن الصلاح في «طبقاته» ، وابن خلّكان في «تاريخه» [4] : أنه في شوّال. نقل عنه الرافعيّ في الحيض، وفي زكاة الغنم، وغيرهما. انتهى ما قاله الإسنوي. وفيها معلّى بن المثنى بن معاذ العنبريّ البصريّ المحدّث. روى عن

_ [1] انظر «الصحاح» (حرن) ص (2098) بتحقيق الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار، طبع دار الكتاب العربي بمصر على نفقة السيد حسن شربتلي. [2] (2/ 87) . [3] يعني أبا إسحاق الشيرازي، وقد نقل المؤلف عن كتابه «طبقات الفقهاء» ص (104) بتصرف. [4] يعني «وفيات الأعيان» والمؤلف ينقل عنه (3/ 241) .

القعنبيّ. وطبقته، وسكن بغداد، وكان ثقة عارفا بالحديث. وفيها الفقيه العلّامة أبو عمرو [1] يوسف بن يحيى المغاميّ [2] الأندلسيّ، تلميذ عبد الملك بن حبيب، وصاحب التصانيف. ألّف كتابا في الردّ على الشافعيّ، واستوطن القيروان، وتفقّه به خلق كثير. قاله في «العبر» [3] .

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أبو عمر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 87) ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 336) . [2] في الأصل: «الغامي» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. والمغامي نسبة إلى «مغام» أو «مغامة» بلد بالأندلس. انظر «الأنساب» للسمعاني (11/ 418) ، و «اللباب» لابن الأثير (3/ 240) ، و «معجم البلدان» لياقوت (5/ 161) . [3] (2/ 87) .

سنة تسع وثمانين ومائتين

سنة تسع وثمانين ومائتين قال في «الشذور» : فيها صلّى النّاس العصر يوم عرفة ببغداد في ثياب الصيف، ثم هبّت ريح، فبرد الهواء حتّى احتاجوا إلى التدفّي بالنّار، وجمد الماء. انتهى. وفيها خرج بالشّام يحيى بن زكرويه القرمطيّ، وقصد دمشق، فحاربه طغج بن جف متولّيها غير مرّة، إلى أن قتل يحيى في أول سنة تسعين. وفيها توفي المعتضد أبو العبّاس أحمد بن الموفق وليّ عهد المسلمين، أبي أحمد طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم العبّاسيّ، في ربيع الآخر، ومرض أياما، وكانت خلافته أقلّ من عشر سنين، وعاش ستّا وأربعين سنة، وكان أسمر نحيفا معتدل الخلق، تغيّر مزاجه من إفراط الجماع، وعدم الحمية في مرضه، وكان شجاعا، مهيبا، حازما، فيه تشيّع، ويسمى السّفّاح الصغير، لأنه قتل أعداء بني العبّاس من مواليهم وغيرهم، وكان قد سلب [1] الدهر شطريه، وتأدب بصروف الزمان، وكان من أكمل الخلفاء المتأخرين، وولي الأمر بعده ولده المكتفي علي بن أحمد المعتضد. قال ابن الفرات: كان المعتضد بالله من أكمل النّاس عقلا، وأعلاهم همّة، مقداما، عالما، سخيّا. وضع عن الناس السقايا، وأسقط المكوس

_ [1] في المطبوع و «غربال الزمان» ص (257) : «حلب» .

التي كانت تؤخذ بالحرمين، وضبط الأمر، وكانت الخلافة قد وهى أمرها وضعف، فأعزّها الله تعالى بالمعتضد، وأيّدها بتدبيره وسياسته، فكان يقال له: السّفّاح الثاني، وكانت أم المعتضد أمّ ولد تسمى ضرار [1] ، وكان له خادم يقال له: بدر، من أغزر النّاس مروءة، وأظرفهم وأحسنهم أدبا، وكان المعتضد يحبّه حبّا شديدا. قال أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي: كنت يوما بين يدي المعتضد- وهو مغضب- إذ دخل عليه خادمه بدر، فلما رآه تبسّم وقال لي: يا علي من هو قائل: في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب وجيها أينما شفعا قلت: يقوله الحسن بن أبي القاسم البصري، فقال: لله درّه، أنشدني بقية هذا الشعر، فأنشدته قوله: ويلي على من أطار النّوم فامتنعا ... وزاد قلبي إلى أوجاعه وجعا كأنّما الشّمس من أعطافه لمعت ... يوما أو البدر من أزراره طلعا مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت ... منه الذّنوب ومعذور بما صنعا [2] في وجهه شافع.... البيت قال: فلما فرغت من إنشاده، أجازني وانصرفت. قال ابن حمدون: كنت مع المعتضد يوما وقد انفرد من العسكر، وتوسطنا الصحراء، إذ خرج علينا أسد وقرب منّا وقصدنا، فقال لي: يا ابن حمدون فيك خير؟ قلت: لا والله يا سيدي. قال: ولا تلزم لي فرسي؟ قلت:

_ [1] في الأصل، المطبوع: «صرار» وهو تصحيف، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 514) . [2] الأبيات في «النجوم الزاهرة» (3/ 129) والبيتان الأولان في «الأغاني» (14/ 164) ونسبتها في المصدرين إلى الحكم بن قنبر المازني.

بلى. فنزل عن فرسه ولزمتها، وتقدّم إلى الأسد وأنا أنظره، وجذب سيفه، فوثب الأسد عليه ليلطمه، فتلقاه بضربة وقعت في جبهته، فقسمها نصفين، ثم وثب الأسد ثانية وثبة ضعيفة فتلقاه بضربة أخرى أبان بها يده، ثم وثب المعتضد عليه، فركبه ورمى السيف من يده، وأخرج سكينا كانت في وسطه فذبحه من قفاه، ثم قام وهو يمسح السكين والسيف بشعر الأسد، وعاد وركب فرسه، وقال: إياك أن تخبر بهذا أحدا، فإنما قتلت كلبا. قال ابن حمدون: فما حدّثت بهذا إلّا بعد موت المعتضد. وكان الثوب يقيم عليه السنة والأقل والأكثر، لا ينزعه عن بدنه لكثرة اشتغاله بأمور الرّعية. ومات في يوم الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وقيل: مات ليلة الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الآخر، ولما حضرته الوفاة أنشد: تمتّع من الدّنيا [1] فإنك لا تبقى ... وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرّنقا [2] ولا تأمننّ الدّهر إني أمنته ... فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقّا قتلت صناديد الرّجال ولم أدع ... عدوّا ولم أمهل على ظنّة [3] خلقا وأخليت دار الملك من كلّ نازع ... فشرّدتهم غربا وشرّدتهم شرقا فلمّا بلغت النّجم عزّا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق لي أجمعا رقّا [4] رماني الرّدى سهما فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى ولم يغن عنّي ما جمعت ولم أجد ... لدى ملك الأحياء في حيّها رفقا [5]

_ [1] في الأصل: «تمتع بالدنيا» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «الكامل في التاريخ» . [2] في الأصل، والمطبوع: «ودع الرقا» وأثبت ما جاء في «الكامل في التاريخ» . [3] في «الكامل في التاريخ» : «طغية» وذكر ناشرها الأول بأنه جاءت في النسخة (أ) منه: «خلقة» . [4] في «الكامل في التاريخ» : «وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا» . [5] في «الكامل في التاريخ» : «لذي الملك والأحياء في حسنها رفقا» .

فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى [1] ... أفي نعمة الله [2] أم ناره ألقى [3] ويقال: إن إسماعيل بن بلبل وزير المعتضد سقاه سمّا فمات، ودفن ببغداد. انتهى ما ذكره ابن الفرات ملخصا. وفيها توفي بدر التّركيّ مولى المعتضد، ومقدّم جيوشه، عمل الوزير القاسم بن عبيد الله عليه [4] ووحّش قلب المكتفي بالله عليه، وكان في جهة فارس يحارب، فطلبه المكتفي، وبعث إليه أمانا وغدر به، وقتله في رمضان. وفيها بكر بن سهل الدّمياطيّ المحدّث، في ربيع الأول. سمع عبد الله بن يوسف التّنّيسيّ وطائفة، ولما قدم القدس جمعوا له ألف دينار، حتّى روى لهم التفسير. وفيها حسين بن محمد أبو علي القبانيّ النيسابوريّ الحافظ، صاحب «المسند» و «التاريخ» . سمع إسحاق بن راهويه وخلقا من طبقته، وكان أحد أركان الحديث، واسع الرحلة، كثير السماع، يجتمع أصحاب الحديث إليه بنيسابور بعد مسلم. وفيها الحسين بن محمد بن فهم، أبو علي، البغداديّ الحافظ، أحد أئمة الحديث. أخذ عن يحيى بن معين، وروى «الطبقات» عن ابن سعد. قال ابن ناصر الدّين: الحسين بن محمد بن عبد الرّحمن بن فهم بن محرز البغدادي، أبو علي، الحافظ الكبير. كان واسع الحفظ، متقنا للأخبار، عالما بالرّجال والنسب والأشعار، لكنه ليس بالقوي في سيره عند الدارقطني وغيره. انتهى.

_ [1] في «الكامل في التاريخ» : «ما ألقى» . [2] في «الكامل في التاريخ» : «إلى نعم الرحمن» . [3] الأبيات في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 514- 515) . [4] في «العبر» : «الوزير عبيد الله» وهو خطأ، فيصحّح الاسم فيه: «القاسم بن عبيد الله» . وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 18- 20) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 177) .

وفيها علي بن عبد الصّمد الطّيالسي، ولقبه علّان. روى عن أبي معمر الهذلي وطبقته. وفيها عمرو بن اللّيث الصّفّار الذي كان ملك خراسان. قتل في الحبس عند موت المعتضد، لأنه كان له أياد على المكتفي بالله، فخاف الوزير أن يخرجه ويتمكّن، فينتقم من الوزير. وفيها محمد بن محمد أبو جعفر التمّار البصريّ، صاحب أبي الوليد الطّيالسيّ. وفيها محمد بن هشام [بن أبي الدّميك] [1] ، أبو جعفر الحافظ، صاحب سليمان بن حرب، ببغداد، وهو والذي قبله من أكابر مشايخ الطّبراني. وفيها يحيى بن أيوب العلّاف المصريّ من كبار شيوخ الطّبراني أيضا، وصاحب سعيد بن أبي مريم. وفيها يوسف بن يزيد بن كامل، أبو يزيد القراطيسيّ المصريّ، صاحب أسد [بن موسى، ويقال له: أسد] [2] السّنّة، وهو أيضا من كبار شيوخ الطّبراني، والله أعلم.

_ [1] قوله: «ابن أبي الدميك» سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع و «العبر» للذهبي» (2/ 90) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي (2/ 90) .

سنة تسعين ومائتين

سنة تسعين ومائتين فيها زاد أمر القرامطة، وحاصر رئيسهم دمشق، ورئيسهم يحيى بن زكرويه، وكان زكرويه هذا يدّعي أنه من أولاد علي، رضي الله عنه، ويكتب إلى أصحابه من عبيد الله بن عبد الله المهدي، المنصور بالله، الناصر لدين الله، القائم بأمر الله، الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذابّ عن حريم الله، المختار من ولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقتل، وخلفه أخوه الحسين صاحب الشّامة، فجهز المكتفي عشرة آلاف لحربهم، عليهم الأمير أبو الأغر، فلما قاربوا حلب، كبستهم القرامطة ليلا، ووضعوا فيهم السيف [1] ، فهرب أبو الأغرّ في ألف نفس، ودخل حلب وقتل تسعة آلاف، ووصل المكتفي إلى الرّقّة، وجهّز الجيوش إلى أبي الأغر، وجاءت من مصر العساكر الطولونية، مع بدر الحمّامي، فهزموا القرامطة، وقتلوا منهم خلقا، وقيل: بل كانت الوقعة بين القرامطة والمصريين بأرض مصر، وأن القرمطي صاحب الشّامة انهزم إلى الشام، ومرّ على الرّحبة، وهيت [2] ، ينهب، ويسبي الحريم [3] ، حتّى دخل الأهواز.

_ [1] في «العبر» للذهبي: «السيوف» . [2] لفظة «وهيت» سقطت من «العبر» (2/ 91) طبع الكويت، وتحرّفت في المطبوع منه في بيروت إلى «وهبّ» فتصحّح فيه. وهيت: بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار. انظر «معجم البلدان» (5/ 421) . [3] في «العبر» بطبعتيه: «الحرم» .

وفيها دخل عبيد الله- الملقّب بالمهدي- المغرب متنكّرا، والطّلب عليه من كل وجه، فقبض عليه متولّي سجلماسة، وعلى ابنه، فحاربه أبو عبد الله الشّيعي داعي المهدي، فهزمه ومزّق جيوشه، وجرت بالمغرب أمور هائلة، واستولى على المغرب المهديّ المنتسب إلى الحسين بن علي أيضا بكذبه، وكان باطنيّ الاعتقاد، وهو الذي بنى المهديّة [1] . والباطنية فرقة من المبتدعة، قالوا لظواهر القرآن بواطن مرادة غير ما عرف من معانيها اللغوية. وفيها الحافظ أبو عبد الرّحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل الذّهليّ الشيبانيّ، ببغداد، في جمادى الآخرة، وله سبع وسبعون سنة كأبيه، وكان إماما خبيرا بالحديث وعلله، مقدّما فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه، وقد سمع من صغار شيوخ أبيه، وهو الذي رتب مسند والده. وروى عنه أبو القاسم البغوي، والمحاملي، وأبو بكر الخلّال، وغيرهم. وكان ثبتا، فهما، ثقة، ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين. يقال: إن والده حفّظه خمسة عشر ألف حديث عن ظهر قلب، ثم قال له: لم يقل النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، شيئا من هذا، فقال: ولم أذهبت أيامي في حفظ الكذب؟ قال: لتعلم الصحيح، فمن الآن احفظ الصحيح. وروى عبد الله عن أبيه أنه قال: قد روي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: « [إنّما] نسمة المؤمن- إذا مات- طير تعلق [2] في شجر الجنّة حتّى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» [3] .

_ [1] مدينة تقع الآن في شرق تونس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، انظر خبرها في «معجم البلدان» (5/ 229- 232) ، و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (44) . [2] في «مسند الإمام أحمد» وبقية المصادر: «يعلق» . [3] رواه أحمد في «المسند» (3/ 455 و 456 و 460) ، ورواه أيضا مالك في «الموطأ» (1/ 240) ، والنسائي (4/ 108) في الجنائز: باب أرواح المؤمنين، وابن ماجة رقم (4271)

وذكر أبو يعلى في «المعتمد» قال: روى عبد الله عن أبيه، قال: أرواح الكفّار في النّار، وأرواح المؤمنين في الجنة، والأبدان في الدّنيا، يعذّب الله من يشاء، ويرحم من يشاء، ولا نقول: إنهم تفنيان، بل هما على علم الله عزّ وجلّ، باقيتان. قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا، أن الأرواح تنعم وتعذب على الانفراد، وكذلك الأبدان. وقال عبد الله: كان في دهليزنا دكان، وكان إذا جاء إنسان يريد أبي أن يخلو معه أجلسه على الدكان، وإذا لم يرد أن يخلو معه أخذ بعضادتي الباب وكلّمه، فلما كان ذات يوم جاء إنسان، فقال لي: قل لأحمد، أبو إبراهيم السائح، فخرج إليه أبي فجلسا على الدكان، فقال لي أبي: سلّم عليه، فإنه من كبار المسلمين، أو من خيار المسلمين، فسلّمت عليه، فقال له أبي: حدّثني يا أبا إبراهيم، فقال له: خرجت إلى الموضع الفلاني بقرب الدّير الفلاني، فأصابتني علّة منعتني من الحركة، فقلت في نفسي: لو كنت بقرب الدّير الفلاني لعلّ من فيه من الرّهبان يداووني، فإذا أنا بسبع عظيم يقصد نحوي، حتّى جاءني، فاحتملني على ظهره حملا رفيقا، حتّى ألقاني عند الدّير، فنظر الرّهبان إلى حالي مع السّبع، فأسلموا كلهم، وهم أربعمائة راهب. ثم قال أبو إبراهيم لأبي: حدّثني يا أبا عبد الله، فقال له أبي: كنت قبل الحجّ بخمس ليال أو أربع ليال، فبينا أنا نائم، إذ رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يا أحمد حجّ» ، فانتبهت، ثم أخذني النوم، فإذا أنا بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يا أحمد حجّ» ، فانتبهت، وكان من شأني إذا أردت سفرا جعلت في مزودي [1] فتيتا، ففعلت ذلك، فلما أصبحت قصدت نحو الكوفة، فلما انقضى بعض النهار

_ في الزهد: باب ذكر القبر والبلى، من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وهو حديث صحيح، والنسمة: الرّوح والنّفس، وتعلق: تأكل. [1] في المطبوع: «مزودلي» .

إذا أنا بالكوفة، فدخلت مسجد الجامع، فإذا أنا بشاب حسن الوجه، طيب الرّيح، فقلت: سلام عليكم، ثم كبّرت أصلّي، فلما فرغت من صلاتي قلت له: رحمك الله، هل بقي أحد يخرج إلى الحج؟ فقال لي: انتظر حتّى يجيء أخ من إخواننا، فإذا أنا برجل في مثل حالي، فلم نزل نسير، فقال الذي معي: رحمك الله، إن رأيت أن ترفق بنا، فقال له الشاب: إن كان معنا أحمد بن حنبل فسوف يرفق بنا، فوقع في نفسي أنه الخضر، فقلت للذي معي: هل لك في الطعام؟ فقال لي: كل مما تعرف وآكل مما أعرف، ولما أصبنا من الطعام غاب الشاب من بين أيدينا، ثم رجع بعد فراغنا، فلما كان بعد ثلاث إذا نحن بمكة. ومات عبد الله يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادى الآخرة. وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدّين، وهذا لفظ «بديعته» : بعد الإمام ابن الإمام المفضل ... ذاك الرّضى بن أحمد بن حنبل وأحمد الأبّار وابن النّضر ... ذا أحمد قرطمة كالبحر محمّد البوشنجي خذه الخامسا ... وعدّ بالآذان ذاك السّادسا فأما الأبّار، فهو أحمد بن عليّ بن مسلم النّخشبيّ البغداديّ محدّث بغداد، وكان ثقة، فاضلا، جامعا، محصّلا، كاملا. وأما ابن النّضر، فهو أحمد بن النّضر بن عبد الوهاب، أبو الفضل، النيسابوريّ. حدّث عنه البخاريّ، وهو أكبر منه، وكان البخاري ينزل عليه وعلى أخيه محمد بنيسابور، وتحديثه عنهما في «صحيحه» مشهور. وأما قرطمة، فهو محمد بن علي البغدادي [1] ، أبو عبد الله، وكان

_ [1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (14/ 82- 83) .

أحد الأئمة الرحّالين، والحفّاظ المجوّدين المعدلين، وهذا غير قرطمة ورّاق سفيان بن وكيع، فإن ذاك من المجروحين. وأما البوشنجيّ، فهو محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرّحمن بن موسى العبديّ، أبو عبد الله، الفقيه المالكي، كان رأسا في علم اللسان، حافظا، علّامة من أئمة هذا الشأن. قال في «العبر» [1] : البوشنجي الإمام الحبر، أبو عبد الله، شيخ أهل الحديث بخراسان. رحل وطوّف، وروى عن أحمد بن يونس، ومسدّد، والكبار، وكان من أوعية العلم. قد روى عنه البخاريّ حديثا في «صحيحه» عن النّفيلي، وآخر من روى عنه إسماعيل بن نجيد. انتهى. وأما أبو الآذان، فهو عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزميّ، ثم البغداديّ [2] ، نزيل سامرّاء، وكنيته أيضا أبو بكر، كان من الثقات الأخيار. وقال ابن ناصر الدّين في «بديعته» أيضا: وقبل تسعين قضى القويم ... العنبري الطّوسيّ إبراهيم قال في «شرحها» : هو إبراهيم بن إسماعيل الطوسيّ، أبو إسحاق وكان حافظا علّامة، له رحلة إلى عدّة أقطار، وصنّف «المسند» فأتقنه وأحكمه، وكان محدّث أهل عصره بطوس، وزاهدهم بعد شيخه محمد بن أسلم. انتهى. وفيها، أي سنة تسعين، محمد بن زكريا الغلابيّ [3] الأخباريّ، أبو

_ [1] (2/ 96) . [2] مترجم في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (313- 314) . [3] انظر «الأنساب» (9/ 193) .

جعفر، بالبصرة. روى عن عبد الله بن رجاء الغداني وطبقته. قال ابن حبّان: يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات. وقال في «المغني» [1] : قال الدّارقطنيّ: يضع الحديث. انتهى. وفيها محمد بن يحيى بن المنذر، أبو سليمان، القزّاز بصري معمّر، توفي في رجب، وقد قارب المائة، أو كمّلها. روى عن سعيد بن عامر الضّبعيّ، وأبي عاصم، والكبار.

_ [1] (2/ 581) .

سنة إحدى وتسعين ومائتين

سنة إحدى وتسعين ومائتين فيها خرجت التّرك في جيش لجب [1] ، فاستنفر إسماعيل بن أحمد النّاس عامة، وكبس التّرك في الليل، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وكانت من الملاحم الكبار، ونصر الله تعالى المسلمين [2] ، لكن أصيب المسلمون من جهة أخرى، خرجت الرّوم في مائة ألف، فوصلوا إلى الحدث [3] فقتلوا، وسبوا، وأحرقوا، ورجعوا سالمين، فنهض جيش من طرسوس، عليهم غلام زرافة، فوغلوا في الرّوم، حتّى نازلوا أنطالية [4]- مدينة صغيرة قريبة من قسطنطينية العظمى- فافتتحوها عنوة، وقتلوا من الرّوم نحو خمسة آلاف، وغنموا غنيمة لم يعهد مثلها، بحيث إنه بلغ سهم الفارس ألف دينار، ولله الحمد. وأما القرمطيّ، صاحب الشامة، واسمه حسين، فعظم به الخطب، والتزم له أهل دمشق بمال عظيم، حتّى ترحّل عنهم، وتملّك حمص، وسار إلى حماة، والمعرّة، فقتل وسبى، وعطف إلى بعلبك، فقتل أكثر أهلها، ثم سار فأخذ سلميّة وقتل أهلها قتلا ذريعا، حتّى ما ترك بها عينا تطرف، وجاء

_ [1] قال ابن منظور: عسكر لجب: عرمرم وذو لجب وكثرة. «لسان العرب» (لجب) . [2] لفظة «المسلمين» لم ترد في المطبوع، و «العبر» للذهبي. [3] قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش، من الثغور، ويقال لها: الحمراء، لأن تربتها جميعا حمراء، وقلعتها على جبل يقال له الأحيدب. انظر «معجم البلدان» (2/ 227) . [4] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (2/ 93) : «أنطاكية» وهو خطأ، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 533) ، وانظر «معجم البلدان» (1/ 270) ، و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (183- 184) .

جيش المكتفي، فالتقاهم بقرب حمص، فكسروه، وأسر خلق من جنده، وركب هو وابن عمّه الملقّب بالمدّثر، وآخر، فاخترقوا ثلاثتهم البريّة، فمرّوا بداليّة بن طوق، فأنكرهم، وإلى تلك الناحية فقرّرهم، فاعترف صاحب الشامة، فحملهم إلى المكتفي، فقتلهم وأحرقهم [1] . وقام بأمر القرامطة بعدهم أخوهما أبو الفضل، وسار إلى أذرعات [2] وبصرى من حوران، والبثنيّة [3] من أعمال دمشق، فخرج إليه السلطان حمدان بن حمدون التغلبي، فهزمه القرمطي، وسار إلى هيت وحرّقها بالنّار بعد قتل أهلها، ورجع إلى ناحية البر، فأنفذ المكتفي جيشا عظيما، فخاف أصحاب القرمطي إحاطة الجيوش بهم، فقتله رجل منهم يعرف بأبي الذّيب غيلة، وحمل رأسه إلى المكتفي، ثم خرج بعدهم من القرامطة زكرويه بن مهرويه، وقيل: هو أبو من تقدّم ذكره، وعاث في البلاد فأكثر فيها الفساد، وقتل ثلاثة ركوب راجعة من الحج، وبلغ عدد المقتولين منهم خمسين ألفا. وقيل: إن هذا العدد في الركب الثالث وحده. وخذلهم الله على يدي وصيف بن صول الجزري، وأسر زكرويه جريحا، ومات من الغد، وحمل رأسه إلى المكتفي ببغداد. وفيها توفي علّامة الأدب أبو العبّاس، ثعلب، أحمد بن يحيى بن يزيد الشيبانيّ مولاهم العبسيّ البغداديّ، شيخ اللغة والعربية. حدّث عن غير واحد، وعنه غير واحد، منهم الأخفش الصغير. وسمع من القواريري مائة ألف حديث، فهو من المكثرين، وسيرته في الدّين والصلاح مشهورة. قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] في «العبر» : «وحرّقهم» . [2] وهي المعروفة الآن ب «درعا» مدينة كبيرة تبعد عن دمشق قرابة (110) كم من جهة الجنوب. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 130- 131) . [3] انظر خبرها في «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 226) ، و «معجم البلدان» لياقوت (1/ 338) .

وقال ابن مجاهد المصري: قال ثعلب: اشتغل أهل القرآن والحديث والفقه بذلك ففازوا، واشتغلت بزيد وعمرو، ليت شعري ما يكون حظّي في الآخرة. قال ابن مجاهد: فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، في المنام، فقال لي: «أقرئ أبا العبّاس ثعلب عنّي السّلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل» . قال العبد الصالح أبو عبد الله الرّوذباري: أراد صلى الله عليه وسلم، أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، وأن جميع العلوم تفتقر إليه. صنّف ثعلب التصانيف المفيدة، منها «كتاب الفصيح» وهو صغير الحجم، كبير [1] الفائدة، و «كتاب القراءات» و «كتاب إعراب القرآن» ، وغير ذلك، وكان ثقة صالحا، مشهورا بالحفظ والمعرفة، وكان أصمّ، فخرج من الجامع بعد العصر وفي يده كتاب ينظر إليه وهو يمشي، فصدمته فرس فألقته في هوّة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فمات في اليوم الثاني، وكان حنبليا. قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [2] : قال ثعلب: كنت أحبّ أن أرى [2] أحمد بن حنبل، فصرت إليه، فلما دخلت عليه قال لي: فيم تنظر؟ فقلت في النحو والعربية. فأنشدني أبو عبد الله أحمد بن حنبل: إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيب ولا تحسبنّ الله يغفل ما مضى ... ولا أنّ ما تخفي [3] عليه يغيب لهونا عن الأيّام حتّى تتابعت ... ذنوب على آثارهنّ ذنوب فيا ليت أنّ الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب انتهى.

_ [1] في الأصل: «كثير» وأثبت ما في المطبوع. [2] (1/ 83) وفيه: «أحببت أن أرى» والأبيات فيه وفي «تاريخ بغداد» (5/ 205) . [3] في الأصل والمطبوع: «ما يخفى» وهو خطأ والتصحيح من «طبقات ابن أبي يعلى» ، و «تاريخ بغداد» .

وفيها علي بن الحسين بن الجنيد الرّازيّ، الحافظ الكبير الثقة، أبو الحسن، في آخر السنة، ويعرف بالمالكي لتصنيفه حديث مالك. طوّف الكثير، وسمع أبا جعفر النّفيلي وطبقته، وعاش نيفا وثمانين سنة. وقنبل قارئ أهل مكة، وهو أبو عمرو [1] محمد بن عبد الرّحمن المخزوميّ [2] ، مولاهم، المكيّ، وله ست وتسعون سنة. شاخ وهرم، وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنين. قرأ على أبي الحسن القوّاس، ورحل إليه القرّاء، وجاوروا وحملوا عنه. وفيها القاسم بن عبيد الله الوزير ببغداد، وزر للمعتضد وللمكتفي، وكان أبوه أيضا وزير المعتضد، وكان القاسم قليل التقوى، كثير الظلم، وكان يدخله من ضياعه في العام سبعمائة ألف دينار، ولما مات أظهر الناس الشّماتة بموته. وفيها محمد بن أحمد بن البراء القاضي، أبو الحسن، العبديّ ببغداد. روى عن ابن المديني وجماعة. وفيها محمد بن أحمد بن النّضر بن سلمة الجاروديّ أبو بكر الأزديّ، ابن بنت معاوية بن عمرو، وله خمس وتسعون سنة. روى عن جدّه، والقعنبي، وكان إماما، حافظا، ثقة، من الرؤساء. وفيها محدّث مكّة محمد بن علي بن زيد الصّائغ، في ذي القعدة، وهو في عشر المائة. روى عن القعنبيّ، وسعيد بن منصور. وفيها مقرئ أهل دمشق هارون بن موسى بن شريك، المعروف بالأخفش، صاحب ابن ذكوان، في عشر المائة.

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع، و «الوافي بالوفيات» (3/ 226) وفي معظم المصادر: «أبو عمر» . [2] انظر ترجمته ومصادرها في «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 230) .

سنة اثنتين وتسعين ومائتين

سنة اثنتين وتسعين ومائتين فيها خرج عن الطاعة صاحب مصر هارون بن خمارويه الطولوني، فسارت جيوش المكتفي لحربه، وجرت لهم وقعات، ثم اختلف أمراء هارون واقتتلوا، فخرج ليسكّنهم، فجاءه سهم فقتله، ودخل الأمير محمد بن سليمان قائد جيش المكتفي، فتملّك الإقليم، واحتوى على الخزائن، وقتل [من آل طولون] [1] بضعة عشر رجلا، وحبس طائفة، وكتب بالفتح إلى المكتفي، وقيل: إنه همّ بالمضيّ إلى المكتفي- أعني هارون- فامتنع عليه أمراؤه، وشجّعوه، فأبى، فقتلوه غيلة، ولم يمتع محمد بن سليمان، فإنه أرعد وأبرق، وخيف من غيلته وغلبته على بلاد مصر [2] وكاتب وزير المكتفي القواد فقبضوا عليه. وفيها خرج الخلنجيّ القائد بمصر، وحارب الجيوش، واستولى على مصر. وفيها توفي القاضي الحافظ، أبو بكر المروزيّ أحمد بن علي بن سعيد، قاضي حمص [3] ، في آخر السنة. روى عن ابن الجعد وطبقته، وحدّث عنه الطبرانيّ وغيره، وكان ثقة، أحد أوعية العلم.

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 97) . [2] في «العبر» : «وخيف من غلبته على بلاد مصر» . [3] وهو صاحب «مسند أبي بكر الصّدّيق» المطبوع طبعة متقنة نافعة في المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط.

وفيها الحافظ أبو بكر البزّار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير، في ربيع الأول بالرّملة [1] . روى عن هدبة بن خالد وأقرانه، وحدّث في آخر عمره بأصبهان، والعراق، والشام. قال الدارقطنيّ: ثقة يخطئ ويتّكل على حفظه. وقال في «المغني» [2] : أحمد بن عمرو، أبو بكر البزّار الحافظ، صاحب «المسند» ، صدوق. قال أبو أحمد الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن. انتهى. وفيها، أحمد بن محمد بن الحجّاج بن رشدين بن سعد الحافظ، أبو جعفر، المهديّ المصريّ المقرئ. قرأ القرآن على أحمد بن صالح، وروى عن سعيد بن عفير وطبقته، وفيه ضعف. قال ابن عدي: يكتب حديثه. وأبو مسلم الكجّيّ، إبراهيم بن عبد الله البصريّ الحافظ، صاحب «السّنن» ومسند الوقت، في المحرم، وقد قارب المائة أو كمّلها [3] . سمع أبا عاصم النبيل، والأنصاري، والكبار. وثّقة الدارقطني، وكان محدّثا، حافظا، محتشما، كبير الشأن. قيل: إنه لما فرغوا من سماع «السّنن» عليه عمل لهم مأدبة [4] غرم عليها ألف دينار، تصدّق بجملة منها، ولما قدم بغداد ازدحموا عليه، حتّى حزر مجلسه بأربعين ألفا وزيادة، وكان في المجلس سبعة مستملين، كل واحد يبلّغ الآخر.

_ [1] هي مدينة عظيمة، تقع في الغرب الأوسط من فلسطين المغتصبة، ردّها الله تعالى إلى المسلمين بفضله وكرمه. انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 69- 70) . [2] (1/ 51) . [3] في الأصل، والمطبوع: «وكملها» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (2/ 99) مصدر المؤلف. [4] في «العبر» : «فائدة» .

وفيها إدريس بن عبد الكريم، أبو الحسن الحدّاد المقرئ المحدّث، يوم الأضحى ببغداد، وله نحو من تسعين سنة. روى عن عاصم بن علي وطبقته، وقرأ القرآن على خلف، وتصدّر للإقراء والعلم. قال الدارقطني: هو فوق الثقة بدرجة. وفيها محدّث واسط بحشل، وهو الحافظ أبو الحسن أسلم بن سهل الرزّاز، روى عن جدّه لأمّه وهب بن بقيّة وطبقته، وصنّف التصانيف، وهو ثقة ثبت. وفيها قاضي القضاة، أبو حازم، عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي ببغداد، وكان من القضاة العادلة، له أخبار ومحاسن، ولما احتضر، كان يقول: يا رب من القضاء إلى القبر، ثم يبكي، روى عن بندار. وفيها عيسى بن محمد بن عيسى الطّعمانيّ المروزيّ اللغويّ. ذكر عنه ابن السبكي في «طبقاته الكبرى» [1] قصة مطوّلة ملخصها، قال الحاكم: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت أبا العبّاس [2] عيسى بن محمد بن عيسى الطّهمانيّ المروزيّ يقول: إني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزاراسب [3] فخبّرت أن بها امرأة من نساء الشهداء، رأت رؤيا كأنها أطعمت شيئا في منامها، فهي لا تأكل شيئا، ولا تشرب من حين ذلك، ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين، فرأيتها، وحدّثتني بحديثها، فلم أستقص عليها لحداثة سنّي، ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين، فرأيتها باقية، ووجدت حديثها شائعا مستفيضا، وهذه المدينة على مدرجة

_ [1] (7/ 8- 15) بتحقيق الدكتورين عبد الفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي، وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف. [2] تحرّفت في المطبوع إلى «البعاس» . [3] في الأصل والمطبوع: «هزار نيف» وهو خطأ، والتصحيح من «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (567) ، و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 9) . وقال صديقي الدكتور خالد قوطرش: الصواب «هزارهسب» ومعناها: بالفارسية مدينة الألف حصان.

القوافل، وكان الكثير ممّن ينزلها إذا بلغتهم قصتها أحبّوا أن ينظروا إليها، فلا يسألون عنها رجلا، ولا امرأة، ولا غلاما إلّا عرفها ودلّ عليها، فلما وافيت الناحية طلبتها، فوجدتها غائبة على عدّة فراسخ، فمضيت في أثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين، تمشي مشية قوية، وإذا هي امرأة نصف، جيدة القامة، حسنة البدن، ظاهرة الدم، متورّدة الخدّين، ذكية الفؤاد، فسايرتني وأنا راكب، فعرضت عليها مركبا فلم تركبه، وأقبلت تمشي معي بقوة. وكان ذكر لي الثقات من أهل تلك الناحية أنه كان من يلي خوارزم من العمّال يحصرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها، ويوكّلون بها من يراعيها، فلا يرونها تأكل ولا تشرب، ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط، فيبرّونها ويكسونها، ويخلون سبيلها. فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها، استقصصتها [1] عن حديثها، وسألتها عن اسمها وشأنها كلّه، فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم، وأنه كان لها زوج نجّار فقير، معيشته من عمل يده، لا فضل في كسبه عن قوت أهله، وأن لها منه عدّة أولاد، وأن الأقطع ملك التّرك قتل من قريتهم خلقا كثيرا، من جملتهم زوجها، ولم يبق دار إلا حمل إليها قتيل. قالت: فوضع زوجي بين يدي قتيلا، فأدركني من الجزع ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد. قالت: واجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني [2] على البكاء، وجاء الصبيان- وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا- يطلبون الخبز، وليس عندي ما أعطيهم، فضقت صدرا بأمري، ثم إني سمعت أذان المغرب، ففزعت إلى الصلاة، فصلّيت ما قضى لي ربي، ثم سجدت أدعو وأتضرّع إلى الله، أسأله الصبر، وأن يجبر يتم صبياني، فنمت في سجودي، فرأيت

_ [1] في الأصل: «قصصتها» ، وفي المطبوع: «اقتصصتها» وما أثبته من «طبقات الشافعية الكبرى» . [2] يعني يعاونني. انظر «لسان العرب» (سعد) .

كأني في أرض خشناء [1] ، ذات حجارة، وأنا أطلب زوجي، فناداني رجل: أيّتها الحرّة، خذي ذات اليمين، فأخذت ذات اليمين، فرفعت إلى أرض [سهلة] طيبة الثرى، ظاهرة العشب، وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها، أو لم أر مثلها، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض، ليس لها حافات، فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا، حلقا [2] عليهم ثياب خضر، وقد علاهم النور، فإذا هم الذين قتلوا في المعركة، يأكلون على موائد بين أيديهم، فجعلت أتخلّلهم وأتصفّح وجوههم، أبغي زوجي، فناداني: يا رحمة، يا رحمة، فيممت الصوت، فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء، ووجهه مثل القمر ليلة البدر، وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه، فقال لأصحابه: إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم، أفتأذنون [لي] أن أناولها شيئا تأكله؟ فأذنوا له، فناولني كسرة خبز، أشدّ بياضا من الثلج واللبن، وأحلى من العسل والسكر، وألين من الزبد والسمن، فأكلتها، فلما استقرت في جوفي، قال: اذهبي، كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما حييت في الدّنيا. فانتبهت من نومي شبعاء ريّاء، لا أحتاج إلى طعام ولا شراب، وما ذقتهما من ذلك اليوم إلى يومي هذا، ولا شيئا تأكله الناس. قلت: فهل تتغذّي بشيء، أو تشربي شيئا غير الماء؟ فقالت: لا. فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من النّاس؟ فقالت: لا. قلت: والحيض؟ وأظنها قالت: انقطع بانقطاع الطّعم. قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال [3] ؟ قالت: أما تستحي منّي، تسألني عن مثل هذا. قلت: أي لعلّي أحدّث الناس عنك، ولا بدّ أن أستقصي، قالت: لا أحتاج. قلت: أفتنامين؟ قالت: نعم أطيب نوم. قلت: فما ترين في منامك؟ قالت: مثل

_ [1] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «حسناء» . [2] لفظة «حلقا» الثانية لم ترد في المطبوع. [3] في المطبوع: «حاجة الرجال إلى النساء» ، وهو خطأ.

ما ترون. قلت: فتجدي لفقد الطعام وهنا في نفسك؟ قالت: ما أحسست بالجوع منذ طعمت ذلك الطعام. وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها، فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت، فإذا بطنها كما وصفت، وإذا بها قد اتخذت كيسا ضمنته القطن وشدّته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت. هذا ملخص ما أورده ابن السبكي. وقال ابن الأهدل: وفيها- أي سنة اثنتين وتسعين ومائتين- عيسى بن محمد المروزيّ اللغويّ، وهو الذي رأى بخوارزم امرأة بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب. وروى اليافعي [1] عن الشيخ صفي الدّين، أنه ذكر أن امرأة بجيزة مصر [2] ، قامت ثلاثين سنة لا تأكل ولا تشرب في مكان واحد لا تتألم بحرّ ولا برد. انتهى ما قاله ابن الأهدل بحروفه. وقال في «العبر» [3] : وفيها- أي سنة ثلاث وتسعين- عيسى بن محمد أبو العبّاس الطّهمانيّ المروزيّ اللغويّ، كان إماما في العربية. روى عن إسحاق بن راهويه، وهو الذي رأى بخوارزم المرأة التي بقيت نيفا وعشرين سنة، لا تأكل ولا تشرب. وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الإمام، أبو العبّاس، الهرويّ فقيه محدّث، صاحب تصانيف. رحل إلى الشام والعراق، وحدّث عن أبي حفص الفلّاس وطبقته. وفيها يحيى بن منصور الهرويّ. أبو سعد، أحد الأئمة الثقات في العلم والعمل، حتّى قيل: إنه لم ير مثل نفسه. روى عن سويد بن نصر وطبقته.

_ [1] انظر «مرآة الجنان» (2/ 221- 222) . [2] في الأصل، والمطبوع: «ببحيرة مصر» وهو خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» . [3] (2/ 102) .

سنة ثلاث وتسعين ومائتين

سنة ثلاث وتسعين ومائتين فيها التقى الخلنجيّ [1] المتغلّب على مصر، وجيش المكتفي بالعريش، فهزمهم أقبح هزيمة. وفيها عاثت القرامطة بالشام، وقتلوا وسبوا، وما أبقوا ممكنا في حوران [2] ، وطبريّة، وبصرى، ودخلوا السّماوة، فطلعوا إلى هيت فاستباحوها، ثم وثبت هذه الفرقة الملعونة على زعيمها أبي غانم فقتلوه، ثم جمع رأس القوم زكرويه، والد صاحب الشامة جموعا، ونازل الكوفة فقاتله [3] أهلها، ثم جاءه جيش الخليفة، فالتقاهم وهزمهم، ودخل الكوفة يصيح قومه: يا ثارات الحسين، يعنون صاحب الشّامة [4] ، ولد زكرويه، لا رحمه الله. قاله في «العبر» [5] . وفيها سار فاتك المعتضديّ، فالتقى الخلنجيّ [6] فانهزم الخلنجيّ،

_ [1] في الأصل، والمطبوع و «البداية والنهاية» (11/ 100) : «الخليجي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 100) . وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 344 و 371) و «الأعلام» (6/ 272) . والخلنجي: نسبة إلى خلنج، وهو نوع من الخشب. انظر «الأنساب» للسمعاني (5/ 166) . [2] في المطبوع، و «العبر» : «بحوران» . [3] تحرّفت في الأصل، والمطبوع: «فعاقله» وأثبت ما في «العبر» اللذهبي. [4] ويقال له أيضا: صاحب الخال. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 238) . [5] (2/ 101) . [6] في الأصل، والمطبوع: «الخليجي» وانظر التعليق رقم (1) .

وكثر القتل في جيشه، واختفى الخلنجيّ [1] ، فدلّ عليه رجل، فبعثه فاتك في عدّة من قوّاده إلى بغداد، فأدخلوا على الجمال وحبسوا. وفيها توفي أبو العبّاس الناشئ الشاعر المتكلّم عبد الله بن محمد بمصر. قال ابن خلّكان [2] : أبو العباس عبد الله بن محمد الناشيّ [3] الأنباريّ، المعروف بابن شرشير، الشاعر، كان من الشعراء المجيدين، وهو في طبقة ابن الرّومي، والبحتري، وأنظارهما، وهو الناشيّ الأكبر، وكان نحويا، عروضيا، متكلّما، أصله من الأنبار، وأقام ببغداد مدة طويلة، ثم خرج إلى مصر، وأقام بها إلى آخر عمره، وكان متبحّرا في علوم من جملتها علم المنطق. وكان بقوة علم الكلام نقض علل النّحاة، وأدخل على قواعد العروض شبها، ومثّلها بغير أمثلة الخليل، وكلّ ذلك لحذقه وقوة فهمه وفطنته [4] . وله قصيدة في فنون من العلم على رويّ واحد، تبلغ أربعة آلاف بيت، وله تصانيف جميلة، وله أشعار كثيرة في جوارح الصيد وآلاته، [والصّيود] [5] وما يتعلق بها، كأنه كان صاحب صيد، وقد استشهد كشاجم [6] بشعره في كتاب «المصايد والمطارد» في مواضع، فمن ذلك قوله في طريدة في وصف باز: لمّا تفرّى الليل عن أثباجه ... وارتاح ضوء الصبح لانبلاجه

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الخليجي» وهو خطأ، وانظر الصفحة السابقة. [2] في «وفيات الأعيان» (3/ 91- 92) . [3] في «الأعلام» للزركلي (4/ 118) : «الناشئ» . [4] في المطبوع: «لحذقه وقوة فطنته» ، وفي «وفيات الأعيان» : «بحذقه وقوة فطنته» . [5] لفظة «والصّيود» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «وفيات الأعيان» . [6] سترد ترجمته في المجلد الرابع من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

غدوت أبغي الصّيد في منهاجه ... يا قمرا أبدع في نتاجه ألبسه الخالق من ديباجه ... وشيا يحار الطرف في اندراجه في نسق منه وفي انعراجه ... وزان فوديه إلى حجاجه بزينة كفته نظم تاجه ... منسره ينبئ [1] عن خلاجه وظفره ينبئ عن علاجه ... لو استضاء المرء في إدلاجه بعينه كفته عن [2] سراجه ومن شعره في جارية مغنية بديعة الجمال: فديتك لو أنهم أنصفوك ... لردّوا النواظر عن ناظريك تردّين أعيننا عن سواك ... وهل تنظر العين إلّا إليك وهم جعلوك رقيبا علينا ... فمن ذا يكون رقيبا عليك ألم يقرؤوا ويحهم ما يرو ... ن من وحي حسنك في وجنتيك وشرشير: بكسر الشينين المعجمتين وبينهما راء ساكنة ثم ياء مثناة من تحتها وبعدها راء: اسم طائر يصل إلى الديار المصرية في البحر في زمن الشتاء، وهو أكبر من الحمام بقليل، وهو كثير الوجود بساحل دمياط، وباسمه سمي الرجل، والله أعلم. انتهى ملخصا. وفيها محمد بن أسد المديني، أبو عبد الله الزاهد. كان يقال: إنه مجاب الدعوة، عمر أكثر من مائة سنة. وحدّث عن أبي داود الطّيالسي بمجلس واحد. قال في «المغني» [3] : محمد بن أسد المدينيّ الأصبهاني، آخر أصحاب أبي داود الطيالسي.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «منشرة تنبئ» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «كفته من» . [3] (2/ 554) .

قال أبو عبد الله بن مندة: حدّث عن أبي داود بمناكير. انتهى. وفيها محمد بن عبدوس، واسم عبدوس، عبد الجبار بن كامل السرّاج الحافظ، ببغداد، في رجب. روى عن علي بن الجعد وطبقته، وحدّث عنه الطبرانيّ، وهو ثقة. وفيها أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغداديّ. روى عنه ابن قانع والطبراني وغيرهما، وكان إماما حافظا ذا دراية. وعبدان، عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد المروزيّ، الحافظ النبيه. حدّث عنه الطبراني وغيره، وكان من الأئمة الحفّاظ.

سنة أربع وتسعين ومائتين

سنة أربع وتسعين ومائتين فيها أخذ ركب العراق زكرويه القرمطي، وقتل الناس قتلا ذريعا، وسبى نساء، وأخذ ما قيمته ألفي ألف [1] دينار، وبلغت عدّة القتلى عشرين ألفا، ووقع البكاء والنوح في البلدان، وعظم هذا على المكتفي، فبعث الجيش لقتاله وعليهم وصيف بن صوارتكين، فالتقوا، فأسر زكرويه وخلق من أصحابه، وكان مجروحا، فمات إلى لعنة الله بعد خمسة أيام، فحمل ميتا إلى بغداد، وقتل أصحابه، ثم أحرقوا، وتمزق أصحابه في البرية. وفيها توفي الحافظ الكبير، أبو علي صالح بن محمد بن عمرو الأسديّ البغداديّ، جزرة، محدّث ما وراء النهر، نزل بخارى وليس معه كتاب، فروى بها الكثير من حفظه، روى عن سعدويه الواسطي، وعلي بن الجعد، وطبقتهما، ورحل إلى الشام، ومصر، والنواحي، وصنّف، وجرّح، وعدّل، وكان صاحب نوادر ومزاح. قال ابن ناصر الدّين: حدّث عن خلق، منهم يحيى بن معين، وعنه مسلم خارج «صحيحه» وغيره، وهو ثقة ثبت. انتهى. وفيها صباح بن عبد الرّحمن، أبو الغصن، العتقيّ الأندلسيّ المعمّر،

_ [1] في «العبر» للذهبي (2/ 102) : «ألف ألف» .

مسند العصر بالأندلس. روى عن يحيى بن يحيى، وأصبغ بن الفرج، وسحنون. قال ابن الفرضي: بلغني [1] أنه عاش مائة وثمانية عشر عاما، وتوفي في المحرم. وعبيد العجل، الحافظ، وهو أبو علي الحسين بن محمد بن حاتم [2] ، في صفر. قال ابن ناصر الدّين: هو تلميذ يحيى بن معين، وحدّث عنه الطبرانيّ، وكان من الحفّاظ المتقنين. وفيها محمد بن الإمام إسحاق بن راهويه، القاضي، أبو الحسن. روى عن أبيه، وعلي بن المديني. قتل يوم أخذ الركب شهيدا. وفيها محمد بن أيوب بن يحيى بن الضّريس، الحافظ أبو عبد الله البجليّ الرّازيّ، محدّث الرّيّ، يوم عاشوراء، وهو في عشر المائة. روى عن مسلم بن إبراهيم، والقعنبي، والكبار، وجمع وصنّف، وكان ثقة. ومحمد بن معاذ، درّان، الحلبيّ، محدّث تلك الناحية، أصله من البصرة. روى عن القعنبيّ، وعبد الله بن رجاء، وطبقتهما، ورحل إليه المحدّثون. وفيها محمد بن نصر المروزيّ، الإمام، أبو عبد الله، أحد الأعلام، كان رأسا في الفقه، رأسا في الحديث، رأسا في العبادة، ثقة عدلا خيّرا. قال الحافظ أبو عبد الله بن الأخرم [3] : كان محمد بن نصر يقع على

_ [1] في المطبوع: «المغني» وهو خطأ. [2] في «العبر» : «الحسين بن حاتم بن محمد» وهو خطأ. وانظر «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (293) . [3] تحرّفت في المطبوع إلى «الأحزم» .

أذنه الذباب وهو في الصلاة فيسيل الدم ولا يذبّه. كان ينتصب كأنه خشبة. وقال أبو إسحاق الشيرازيّ [1] : كان من أعلم النّاس بالاختلاف، وصنّف كتبا. وقال شيخه في الفقه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان محمد بن نصر عندنا إماما، فكيف بخراسان؟ وقال غيره: لم يكن للشافعية في وقته مثله. سمع يحيى بن يحيى، وشيبان بن فرّوخ، وطبقتهما، وتوفي في المحرم بسمرقند، وهو في عشر التسعين. قال الإسنويّ في «طبقاته» : محمد بن نصر المروزيّ، أحد أئمة الإسلام، قال فيه الحاكم: هو الفقيه، العابد، العالم، إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة. وقال الخطيب في «تاريخ بغداد» [2] : كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم [في الأحكام] [3] . ولد ببغداد سنة اثنتين ومائتين، ونشأ بنيسابور، وتفقه بمصر على أصحاب الشافعيّ، وسكن سمرقند إلى أن توفي بها سنة أربع وتسعين ومائتين. ذكره النوويّ في «تهذيبه» [4] ، نقل عنه الرافعيّ في مواضع منها، أنه قال: يكفي في صحة الوصية الإشهاد عليه بأن هذا خطي وما فيه وصيتي، وإن لم يعلم الشاهد ما فيه.

_ [1] في «طبقات الفقهاء» ص (107) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف. [2] (3/ 315) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «تاريخ بغداد» . [4] (1/ 92- 94) وموطن النقل عنده ص (94) .

وفي «طبقات العبادي» عنه، أنه يكفي الكتابة بلا شهادة بالكلية، والمعروف خلاف الأمرين، ومنها أن الإخوة ساقطون بالجدّ. والمروزيّ نسبة إلى مرو، وزادوا عليها الزاي شذوذا، وهي إحدى مدن خراسان الكبار، فإنها أربعة: نيسابور، وهراة، وبلخ، ومرو، وهي أعظمها، وأما مرو الرّوذ، فإنها تستعمل مقيدة. والرّوذ: براء مهملة مضمومة وذال معجمة، هو النهر بلغة فارس، والنسبة إلى الأولى مروزي، وإلى الثانية مروروذي بثلاث راآت، وقد يخفّف فيقال: مرّوذي، وبين المدينتين ثلاثة أيام. انتهى ما ذكره الإسنويّ ملخصا. وفيها الإمام موسى بن هارون بن عبد الله، أبو عمران، البغداديّ البزّاز، الحافظ، ويعرف أبو بالحمّال. كان إمام وقته في حفظ الحديث وعلله. قال أبو بكر الضّبعي: ما رأينا في حفّاظ الحديث أهيب ولا أورع من موسى بن هارون. سمع علي بن الجعد، وقتيبة، وطبقتهما. وقال ابن ناصر الدّين: هو محدّث العراق. حدّث عنه خلق، منهم الطبرانيّ، وكان إماما، حافظا، حجة.

سنة خمس وتسعين ومائتين

سنة خمس وتسعين ومائتين فيها توفي إبراهيم بن أبي طالب النيسابوريّ [1] الحافظ، أحد أركان الحديث. روى عن إسحاق بن راهويه وطبقته. قال عبد الله بن سعد النيسابوري: ما رأيت مثل إبراهيم بن أبي طالب، ولا رأى مثل نفسه. وقال أبو عبد الله بن الأخرم: إنما أخرجت نيسابور ثلاثة: محمد بن يحيى، ومسلم بن الحجّاج، وإبراهيم بن أبي طالب. وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة. وإبراهيم بن معقل، أبو إسحاق السّانجنيّ- بفتح الجيم وسكون النون التي قبلها نسبة إلى سانجن قرية بنسف [2]- كان قاضي نسف، وعالمها، ومحدّثها، وصاحب «التفسير» و «المسند» وكان بصيرا بالحديث، عارفا بالفقه والاختلاف. روى «الصحيح» عن البخاري، وروى عن قتيبة، وهشام بن عمّار، وطبقتهما. وفيها الحافظ أبو علي الحسن بن علي بن شبيب المعمريّ، نسبة

_ [1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (75) بتحقيقي طبع دار ابن كثير. [2] انظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 17) ، و «اللباب» لابن الأثير (2/ 95) ، و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 178) .

إلى جدّه لأمه محمد بن سفيان بن حميد المعمري، صاحب معمر ببغداد في المحرم. روى عن عليّ بن المديني، وجبارة بن المغلّس، وطبقتهما، وعاش اثنتين وثمانين سنة، وله أفراد وغرائب مغمورة في سعة علمه. قال ابن ناصر الدّين: كان من أوعية العلم، تكلم فيه عدّة، وقوّاه آخرون. انتهى. وقال في «المغني» [1] : تفرّد برفع أحاديث تحتمل له. انتهى. وفيها الحكم بن معبد الخزاعيّ الفقيه، مصنّف كتاب «السّنّة» بأصبهان. روى عن محمد بن حميد الرّازي، ومحمد بن المثنى، وطبقتهما، وكان من كبار الحنفية وثقاتهم. وفيها أبو شعيب الحرّاني، عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الأمويّ المؤدّب، نزيل بغداد في ذي الحجة. روى عن يحيى البابلتي، وعفّان، وعاش تسعين سنة، وكان ثقة. وأمير خراسان وما وراء النهر، إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان، في صفر ببخارى، وكان ذا علم، وعدل، وشجاعة، ورأي، وكان يعرف بالأمير الماضي أبي إبراهيم، جمع بعض الفضلاء شمائله [وسيرته] [2] في كتاب، وكان ذا اعتناء زائد بالعلم والحديث. قاله في «العبر» [3] . وفيها أبو علي، عبد الله بن محمد بن علي البلخيّ الحافظ، أحد أركان الحديث ببلخ. سمع قتيبة وطبقته، وصنّف «التاريخ» و «العلل» . وفيها المكتفي بالله، الخليفة أبو الحسن علي بن المعتضد أحمد بن

_ [1] (1/ 163) . [2] زيادة من «العبر» للذهبي. [3] (2/ 108) .

أبي أحمد الموفّق بن المتوكل بن المعتصم العباسيّ، وله إحدى وثلاثون سنة، وكان وسيما جميلا، بديع الجمال، معتدل القامة درّيّ اللون، أسود الشعر، استخلف بعد أبيه، وكانت دولته ست سنين ونصفا، وتوفي في ذي القعدة، وفيه يقول أحد أعيان الأدباء وقد أبان زوجته عن نشوز وعقوق: قايست بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالخلاعة لا تفي والله لا راجعتها ولو انّها ... كالبدر أو كالشّمس أو كالمكتفي [1] وقيل للمكتفي في مرضه الذي مات فيه: لو وكّلت بعبد الله بن المعتز، ومحمد بن المعتمد، قال: ولم؟ قيل: لأن الناس يرجفون لهما بالخلافة بعدك، فتكون مستظهرا حتّى لا يخرج الأمر عن أخيك جعفر، فقال: وأيّ ذنب لهما؟ أليس هما من أولاد الخلفاء، وإن يكن ذلك، فليس بمنكر، والله يؤتي الملك من يشاء، فلا تتعرضوا لهما. وكان المكتفي كثير العساكر، كثير المال، يخصّ أهل بيته بالكرامة والحباء الكثير، ولم يل الخلافة بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، من اسمه علي إلّا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، والمكتفي بالله. ولما توفي المكتفي ولي بعده أخوه المقتدر، وله ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما، ولم يل أمر الأمة صبي قبله. وفيها عيسى بن مسكين، قاضي القيروان وفقيه المغرب، أخذ عن سحنون، وبمصر عن الحارث بن مسكين، وكان إماما، ورعا، خاشعا، متمكّنا من الفقه والآثار، مستجاب الدعوة، يشبّه بسحنون في سمته وهيئته، أكرهه ابن الأغلب الأمير على القضاء، فولي ولم يأخذ رزقا، وكان يركب حمارا ويستقّي الماء لبيته، رحمه الله تعالى.

_ [1] البيتان في «غربال الزمان» ص (262) .

ومحمد بن أحمد بن جعفر، الإمام أبو جعفر، التّرمذيّ الفقيه، كبير الشافعية بالعراق، قبل ابن سريج، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة. وكان قد اختلط في أواخر أيامه، وكان زاهدا، ناسكا، قانعا باليسير، متعفّفا. قال الدارقطنيّ: لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أورع منه، وكان صبورا على الفقر. روى عن يحيى بن بكير وجماعة، وكان ثقة. قال الإسنوي: كان أولا أبو جعفر حنفيا، فحجّ، فرأى ما يقتضي انتقاله لمذهب الشافعي، فتفقّه على الرّبيع وغيره من أصحاب الشافعي، وسكن بغداد، وكان ورعا، زاهدا، متقلّلا جدا، كانت نفقته في الشهر أربعة دراهم، نقل عنه الرّافعيّ مواضع قليلة، منها أن فضلات النّبيّ صلى الله عليه وسلم، طاهرة، وأن الساجد للتلاوة خارج الصلاة لا يكبّر للافتتاح لا وجوبا ولا استحبابا، وأنه إذا رمي إلى حربي فأسلم، ثم أصابه السهم فلا ضمان، والمعروف خلافه فيهنّ. ولد في ذي الحجة، سنة ثمانين، وتوفي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين. وترمذ مدينة على طريق نهر جيحون، وفيها ثلاثة أقوال: الأول فتح التاء وكسر الميم، وهو المتداول بين أهلها. والثاني كسرهما. والثالث ضمّهما. قال: وهو الذي يقول أهل المعرفة. انتهى ملخصا. قال العلّامة ابن ناصر الدّين في «بديعته» : ثمّ الحكيم التّرمذيّ هواه ... في ذلك الجرح الذي رماه لكنه مجهول عند الأكثر ... موتا وفيها كان حيّا حرر

وقال في «شرحها» : أي في سنة خمس وثمانين، لأنه قدم فيها نيسابور، وأخذ عن علمائها المأثور، ومن حينئذ جهلت وفاته عند الجمهور، وهو محمد بن علي بن بشر الترمذيّ الحكيم، أبو عبد الله، الزّاهد الحافظ، كان له كلام في إشارات الصوفية، واستنباط معان غامضة من الأخبار النبوية، وبعضها تحريف عن مقصده، وبسبب ذلك امتحن، وتكلموا في معتقده، وله عدة مصنفات في منقول ومعقول، ومن أنظفها «نوادر الأصول» . انتهى. وفيها، أي سنة خمس وتسعين، توفي الحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل الإسماعيلي، أحد المحدّثين الكبار بنيسابور، له تصانيف مجودة ورحلة واسعة. سمع إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمّار.

سنة ست وتسعين ومائتين

سنة ست وتسعين ومائتين دخلت والملأ يستصبون المقتدر، ويتكلمون في خلافته، فاتفق طائفة على خلعه، وخاطبوا عبد الله بن المعتز، فأجاب بشرط أن لا يكون فيها حرب، وكان رأسهم محمد بن داود بن الجرّاح، وأحمد بن يعقوب القاضي، والحسين بن حمدان، واتفقوا على قتل المقتدر، ووزيره العبّاس بن الحسن، وفاتك الأمير، فلما كان في عاشر ربيع الأول، ركب الحسين بن حمدان، والوزير، والأمراء، فشدّ ابن حمدان على الوزير فقتله، فأنكر فاتك قتله، فعطف على فاتك فألحقه بالوزير، ثم ساق ليثلّث بالمقتدر، وهو يلعب بالصوالجة، فسمع الهيعة [1] ، فدخل وأغلقت الأبواب، ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب، واستدعى ابن المعتز، وحضر الأمراء والقضاة، سوى خواصّ المقتدر، فبايعوه ولقّبوه الغالب بالله، فاستوزر ابن الجرّاح، واستحجب يمن الخادم، ونفذت الكتب بخلافته إلى البلاد، وأرسلوا إلى المقتدر ليتحوّل من دار الخلافة، فأجاب، ولم يكن بقي معه غير مؤنس [2] الخادم، ومؤنس الخازن، وخاله الأمير غريب، فتحصنوا، وأصبح الحسين بن

_ [1] قال ابن منظور: الهيعة: صوت الصارخ للفزع، وقيل: الهيعة الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدوّ. «لسان العرب» (هيع) . [2] في الأصل والمطبوع: «يونس» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 110) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 15) .

حمدان على محاصرتهم، فرموه بالنشاب، وتناخوا [1] ، ونزلوا على حميّة، وقصدوا ابن المعتز، فانهزم كلّ من حوله، وركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره وحاجبه، وقد شهر سيفه، وهو ينادي: معاشر العامة، ادعوا لخليفتكم، وقصد سامرّا ليثبّت بها أمره، فلم يتبعه كثير [2] أحد، وخذل، فنزل عن فرسه، فدخل دار ابن الجصّاص، واختفى وزيره، ووقع النهب والقتل في بغداد، وقتل جماعة من الكبار، واستقام الأمر للمقتدر، ثم أخذ ابن المعتز وقتل سرّا، وصودر ابن الجصّاص، وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات، ونشر العدل، واشتغل المقتدر باللعب. وأما الحسين بن حمدان، فأصلح أمره، وبعث إلى ولاية قم، وقاشان. رجع إلى الكلام على ابن المعتز. قال ابن خلّكان رحمه الله تعالى [3] : أبو العبّاس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرّشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب الهاشمي، أخذ الأدب عن أبي العبّاس المبرّد، وأبي العبّاس ثعلب، وغيرهما، وكان أديبا، بليغا، شاعرا، مطبوعا، مقتدرا على الشعر، قريب المأخذ، سهل اللفظ، جيّد القريحة، حسن الإبداع للمعاني، مخالطا للعلماء والأدباء، معدودا من جملتهم، إلى أن جرت له الكائنة في خلافة المقتدر، واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكتّاب، فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين، وبايعوا عبد الله المذكور، ولقّبوه المرتضي بالله،

_ [1] لفظة «وتناخوا» لم ترد في «العبر» الذي بين يدي. [2] في الأصل: «كبير» وأثبت لفظ المطبوع. [3] في «وفيات الأعيان» (3/ 76- 79) .

وقيل: المنصف بالله، وقيل: الغالب بالله، وقيل: الراضي بالله، وأقام يوما وليلة، ثم إن أصحاب المقتدر تحزّبوا وتراجعوا، وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم، وأعادوا المقتدر إلى دسته، واختفى ابن المعتز في دار أبي عبد الله بن الحسين [بن عبد الله بن الحسين] [1] المعروف بابن الجصاص الجوهري، فأخذه المقتدر وسلّمه إلى مؤنس الخادم الخازن، فقتله وسلّمه إلى أهله ملفوفا في كساء، وقيل: إنه مات حتف أنفه، وليس بصحيح، بل خنقه مؤنس، وذلك يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين، ودفن في خرابة بإزاء داره، رحمه الله تعالى. ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع وأربعين، وقال سنان بن ثابت: سنة ست وأربعين ومائتين. ثم قبض المقتدر على ابن الجصّاص المذكور وأخذ منه مقدار ألفي ألف دينار، وسلّم له بعد ذلك مقدار سبعمائة ألف دينار، وكان في ابن الجصّاص غفلة وبله، وتوفي يوم الثلاثاء [2] لثلاث عشرة ليلة خلت من شوّال سنة خمس عشرة وثلاثمائة. ولعبد الله المذكور من التصانيف كتاب «الزهر والرياض» وكتاب «البديع» وكتاب «مكاتبات الإخوان بالشعر» وكتاب «الجوارح والصيد» وكتاب «السرقات» وكتاب «أشعار الملوك» وكتاب «الآداب» وكتاب «حليّ الأخبار» وكتاب «طبقات الشعراء» وكتاب «الجامع في الغناء» وأرجوزة في ذمّ الصّبوح. ومن كلامه: البلاغة البلوغ إلى المعنى، ولم يطل سفر الكلام. ورثاه علي بن بسام الشاعر بقوله:

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «يوم الأحد» .

لله درّك من ملك [1] بمضيعة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب ما فيه لوّ، ولا لولا فتنقصه ... وإنّما أدركته حرفة الأدب [2] ولابن المعتز أشعار رائقة وتشبيهات بديعة، فمن ذلك قوله: سقى المطيرة ذات الظلّ والشجر ... ودير عبدون هطّال من المطر فطالما نبّهتني للصّبوح بها ... في غرّة الفجر والعصفور لم يطر أصوات رهبان دير في صلاتهم ... سود المدارع نعّارين في السّحر مزنّرين على الأوساط قد جعلوا ... على الرؤوس أكاليلا من الشّعر كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ... بالسحر يطبق جفنيه على حور لاحظته بالهوى حتّى استقاد له ... طوعا وأسلفني الميعاد بالنّظر وجاءني في قميص اللّيل مستترا ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر فقمت [3] أفرش خدّي في الطريق له ... ذلّا وأسحب أذيالي [4] على الأثر ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدّت من الظّفر وكان ما كان ممّا لست أذكره ... فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبر وله في الخمر المطبوخة، وهو معنى بديع، وفيه دلالة على أنه كان حنفي المذهب: خليلي قد طاب الشّراب المورّد ... وقد عدت بعد النّسك والعود أحمد فهات [5] عقارا في قميص زجاجة ... كياقوتة في درّة تتوقّد

_ [1] في الأصل، والمطبوع، و «وفيات الأعيان» ، و «فوات الوفيات» : من «ميت» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» ، و «معاهد التنصيص» . [2] البيتان في «تاريخ بغداد» للخطيب (10/ 101) ، و «فوات الوفيات» لابن شاكر (2/ 240) ، و «معاهد التنصيص» للعباسي (2/ 43- 44) . [3] في «خزانة الأدب» للبغدادي (11/ 52) : «فبتّ» . [4] في «خزانة الأدب» : «أكمامي» . [5] في «وفيات الأعيان» : «فهاتا» .

يصوغ عليها الماء شبّاك فضّة ... له حلق بيض تحلّ وتعقد وقتني من نار الجحيم بنفسها ... وذلك من إحسانها ليس يجحد [1] وكان ابن المعتز شديد السمرة، مسنون الوجه يخضّب بالسواد. ورأيت في بعض المجاميع، أن عبد الله بن المعتز كان يقول: أربعة من الشعراء سارت أسماؤهم بخلاف أفعالهم، فأبو العتاهية سار شعره بالزهد، وكان على الإلحاد، وأبو نواس سار شعره باللواط وكان أزنى من قرد، وأبو حكيمة الكاتب سار شعره بالعنّة وكان أهبّ من تيس، ومحمد بن حازم سار شعره بالقناعة، وكان أحرص من كلب. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفي سنة ست وتسعين، وصل إلى مصر أمير إفريقية زيادة الله بن الأغلب [2] ، هاربا من المهدي عبيد الله وداعية أبي عبد الله الشيعي، فتوجّه [3] إلى العراق. وفيها أحمد بن حمّاد بن مسلم، أخو عيسى زغبة التجيبيّ بمصر، في جمادى الأولى. روى عن سعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عفير، وطائفة، وعمّر أربعا وتسعين سنة.

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (3/ 79) . [2] هو زيادة الله بن أبي العبّاس عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب الأغلبي، أبو مضر، آخر أمراء الدولة الأغلبية بتونس، ولد ونشأ بتونس، وكان ميّالا إلى اللهو، وولّاه أبوه إمارة صقلية، فعكف على لذّاته، فعزله عنها وسجنه، فدسّ لأبيه ثلاثة من خصيان الصقالبة، فقتلوه، ونادوا بزيادة الله أميرا على إفريقية، فتولاها سنة (290) ، وقتل الخصيان الثلاثة. وفتك بمن قدر عليه من أعمامه وإخوته، وعاد إلى ملازمة الندماء، فأهمل شؤون الملك، فاستفحل أمر الثائر أبي عبد الله الشيعي، فصبر له زيادة الله ودافعه زمنا إلى أن يئس من الظفر، وكان مقيما برقّادة، فجمع أهله وماله وفرّ من إفريقية سنة (296) فنزل بمصر، ثم قصد بغداد، فمرّ بالرّقّة، فاستوقفه الوزير ابن الفرات مدة، واستأذن فيه المقتدر العباسي، فأمر بردّه إلى المغرب، فعاد إلى مصر، فمرض، فقصد بيت المقدس فمات بالرملة سنة (304) وانقرضت به دولة الأغالبة في إفريقية، وهو ثالث من سمّي «زيادة الله» من الأغالبة. عن «الأعلام» للزركلي (3/ 56) وانظر مصادر ترجمته فيه. [3] في «العبر» (2/ 111) : «فوجّه» .

وفيها أحمد بن نجدة الهرويّ [1] المحدّث. روى عن سعيد بن منصور وطائفة. وفيها أحمد بن يحيى الحلوانيّ، أبو جعفر، الرّجل الصالح ببغداد. سمع أحمد بن يونس، وسعدويه، وكان من الثقات. وأحمد بن يعقوب، أبو المثنى القاضي، أحد من قام في خلع المقتدر تديّنا، ذبح صبرا. وخلف بن عمرو العكبريّ، محتشم نبيل، ثقة. روى عن الحميديّ، وسعيد بن منصور. وفيها أبو حصين الوادعيّ [2]- بكسر المهملة ثم مهملة نسبة إلى وادعة بطن من همدان- وهو القاضي محمد بن الحسين بن حبيب، في رمضان، صنّف «المسند» ، وكان من حفّاظ الكوفة الثقات، روى عن أحمد بن يونس وأقرانه. وفيها محمد بن داود الكاتب، أبو عبد الله، الأخباريّ العلّامة، صاحب المصنفات. كان أوحد أهل زمانه في معرفة أيام النّاس. أخذ عن عمر بن شبّة [3] وغيره، وقتل في فتنة ابن المعتز.

_ [1] ذكره المزّي في «تهذيب الكمال» (1/ 505) مصورة دار المأمون للتراث، فيمن روى عن سعيد بن منصور. [2] أقول: الذي في «القاموس المحيط» : «أبو الحصين الوداعي» وكذلك في «اللباب في تهذيب الأنساب» الوداعي. (ع) . [3] في الأصل، والمطبوع: «عمرو بن شيبة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 112- 113) وغيره.

سنة سبع وتسعين ومائتين

سنة سبع وتسعين ومائتين قال ابن الجوزي في «الشذور» : قال ثابت بن سنان المؤرّخ: رأيت في بغداد امرأة بلا ذراعين، ولا عضدين، ولها كفّان بأصابع معلقات برأس [1] كتفيها، لا تعمل بهما شيئا، وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها، ورأيتها تغزل برجليها، وتمدّ الطاقة وتسوّيها. انتهى. وفيها عبيد بن غنّام بن حفص بن غياث الكوفيّ، أبو محمد، راوية أبي بكر بن أبي شيبة، وكان محدّثا، صدوقا، خيّرا. روى عن جبارة بن المغلّس وطبقته. وفيها محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب، أبو عبد الله، الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ. قال محمد بن كامل: ما رأيت أحفظ من أربعة، أحدهم: محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، وكان أبوه يستعين به في تصنيف «التاريخ» . سمع أبا حفص الفلّاس وطبقته، ومات في عشر السبعين. وفيها عمرو [2] بن عثمان أبو عبد الله المكّيّ الزاهد، شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق. صحب أبا سعيد الخرّاز، والجنيد. وروى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة.

_ [1] في المطبوع: «في رأس» . [2] في الأصل: «عمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

قال السخاويّ في «طبقاته» : عمرو بن عثمان بن كرب بن غصص المكّيّ، أبو عبد الله، كان ينتسب إلى الجنيد، وكان قريبا منه في السن والعلم، وكان أحد الأعيان، ولما ولي قضاء جدّة، هجره الجنيد، فجاء إلى بغداد وسلّم عليه، فلم يجبه، فلما مات حضر الجنيد جنازته ولم يصل عليه إماما. ومن كلامه: اعلم أن كل ما توهمه قلبك من حسن، أو بهاء، أو أنس، أو ضياء، أو جمال أو شبح، أو نور، أو شخص، أو خيال، فالله بعيد من ذلك كله، بل هو أعظم وأجلّ وأكبر، ألا تسمع إلى قوله عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [الشورى: 11] . وقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 3- 4 [الإخلاص: 3- 4] [1] . وقال: المروءة التغافل عن زلل الإخوان، وقال: لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سرّ الله عند المؤمنين الموقنين. انتهى ملخصا. وفيها محمد بن داود بن علي الظّاهريّ، الفقيه، أبو بكر، أحد أذكياء زمانه، وصاحب كتاب «الزّهرة» تصدّر للاشتغال [2] ، والفتوى ببغداد بعد أبيه، وكان يناظر أبا العبّاس بن سريج، وله شعر رائق، وهو ممّن قتله الهوى، وله نيّف وأربعون سنة. قاله في «العبر» [3] . وفيها مطيّن، وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ الكوفيّ [4] ، في ربيع الآخر بالكوفة، وله خمس وتسعون سنة،

_ [1] ذكر أبو نعيم هذا الأثر عنه في «حلية الأولياء» (10/ 291) برواية أخرى فراجعه. [2] في الأصل، والمطبوع: «للاشغال» وأثبت ما في «العبر» للذهبي. [3] (2/ 114) . [4] لفظة «الكوفي» لم ترد في الأصل، و «العبر» للذهبي، وأثبتها من المطبوع.

دخل على أبي نعيم، وروى عن أحمد بن يونس وطبقته. قال الدارقطنيّ: ثقة جبل. وقال في «الإنصاف» : نقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا جيادا. وفيها محمد بن عثمان بن أبي شيبة، الحافظ ابن الحافظ، أبو جعفر العبسيّ الكوفيّ، نزيل بغداد، في جمادى الأولى، وهو في عشر التسعين. روى الكثير عن أبيه، وعمّه، وأحمد بن يونس، وخلق، وله تاريخ كبير، وثّقه صالح جزرة، وضعفه الجمهور. وأما ابن عدي فقال: لم أر له حديثا منكرا فأذكره. قال ابن ناصر الدّين: كذّبه عبد الله بن الإمام أحمد، وضعّفه آخرون، وقال بعضهم: هو عصا موسى تتلقف ما يأفكون. انتهى. وفيها موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاريّ الخطميّ- بالفتح والسكون نسبة إلى بني خطمة، بطن من الأنصار- القاضي، أبو بكر، الفقيه الشافعيّ بالأهواز، وله سبع وثمانون سنة. ولي قضاء نيسابور وقضاء الأهواز، وحدّث عن أحمد بن يونس وطائفة، وهو آخر من حدّث عن قالون [1] . صاحب نافع القارئ، وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء، وثّقه ابن أبي حاتم، وقطع ابن ناصر الدّين بتوثيقه. قال الإسنويّ: وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء، حتّى إن الخليفة أوصى وزيره به وبالقاضي إسماعيل، وقال: بهما يدفع البلاء عن أهل الأرض، وكان كثير السماع. سمع أحمد بن حنبل وغيره، وكان لا يرى متبسما قطّ، فقالت له يوما امرأته: لا يحلّ لك أن تحكم بين النّاس،

_ [1] هو عيسى بن مينا بن وردان الزرقي، تقدّمت ترجمته في ص (97) من هذا المجلد فراجعها هناك.

فإن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحلّ للقاضي أن يقضيّ وهو غضبان» [1] فتبسم. انتهى ملخصا. وفيها يوسف بن يعقوب، القاضي أبو محمد الأزديّ، ابن عمّ إسماعيل القاضي، ولي قضاء البصرة وواسط، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي [2] ، وولد سنة ثمان ومائتين، وسمع في صغره من مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب وطبقتهما، وصنّف «السّنن» وكان حافظا، ديّنا، عفيفا، مهيبا. وقال ابن ناصر الدّين: ثقة.

_ [1] رواه أحمد في «المسند» (5/ 37) ، وابن ماجة رقم (2316) بلفظ «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» . ورواه البخاري رقم (7158) في الأحكام: باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، بلفظ «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ومسلم رقم (1717) في الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، وأبو داود رقم (3589) بلفظ «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» ، ورواه الترمذي رقم (1334) كلهم من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. [2] يعني الجانب الشرقي من مدينة بغداد.

سنة ثمان وتسعين ومائتين

سنة ثمان وتسعين ومائتين فيها ولي الحسين بن حمدان ديار بكر [1] ، وربيعة. وفيها خرج على عبيد الله المهدي، داعياه: أبو عبد الله الشيعي، وأخوه أبو العبّاس، وجرت لهما معه وقعة هائلة، وذلك في جمادى الآخرة، فقتل الداعيان وأعيان جندهما، وصفا الوقت لعبيد الله، فعصى عليه أهل طرابلس، فجهّز لحربهم ولده القائم أبا القاسم، فأخذها بالسيف في سنة ثلاثمائة. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن مسروق الطّوسيّ الزاهد، ببغداد، في صفر، وكان من سادات الصوفية ومحدّثيهم. روى عن علي بن الجعد، وابن المديني، وجمع وصنّف، وهو من رجال «الرسالة القشيرية» [2] وصحب المحاسبيّ، والسقطي، ومحمد بن منصور الفارسي، وغيرهم. وقال جعفر الخلديّ: سألته عن مسألة في العقل، فقال: يا أبا محمد، من لم يحترز بعقله من عقله لعقله، هلك بعقله.

_ [1] ديار بكر: بلاد كبيرة واسعة، تنسب إلى بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان، تقع الآن في الجنوب الأوسط من تركية المعاصرة، ينسب إليها من المحدّثين عمر بن علي بن حسن الديار بكري. انظر خبرها في «معجم البلدان» (2/ 494) . [2] (1/ 169) وبهامشها «نتائج الأفكار القدسية في بيان شرح الرسالة القشيرية» للعروسي.

وقال: الزاهد الذي لا يملك مع الله سببا. وقال: لا يصلح السماع إلا لمذبوح النفس، محترق الطبع، ممحق الهوى، صافي السرّ، طاهر القلب، عالي الهمّة، دائم الوجد، تام العلم، كامل العقل، قوي الحال، وإلا خسر من حيث يلتمس الربح، وضلّ من حيث يطلب الهدى، وهلك بما يرجو به النجاة، وليس في علوم التصوّف علم ألطف ولا في طرقه طريق أدقّ من علم السماع، وطريق أهله فيه. وقال: كثرة النظر في الباطن تذهب بمعرفة الحق من القلب. وتوفي في صفر، وله أربع وثمانون سنة، ودفن في مقابر باب حرب بغداد. وفيها قاضي الأنبار وخطيبها البليغ المصقع، أبو محمد، بهلول بن إسحاق بن بهلول بن حسّان التنوخيّ- نسبة إلى تنوخ قبائل أقاموا بالبحرين- كان ثقة صاحب حديث. سمع بالحجاز سعيد بن منصور وإسماعيل بن أويس. وفيها شيخ الصوفية، تاج العارفين، أبو القاسم، الجنيد بن محمد القواريريّ الخزّاز- بالزاي المكررة- صحب خاله السّريّ، والمحاسبيّ، وغيرهما من الجلّة، وصحبه أبو العبّاس بن سريج، وكان إذا أفحم مناظريه قال: هذا من بركة مجالستي للجنيد، وأصل الجنيد من نهاوند، ونشأ بالعراق، وتفقّه على أبي ثور، وقيل: كان على مذهب سفيان الثوري، وكان يقول: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسّنّة. وقال له خاله: تكلم على النّاس فاستصغر نفسه، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمره بذلك، فلما جلس لذلك جاءه غلام نصراني وقال: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

«اتّقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» [1] فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه وقال له: أسلم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام. ولما صنّف عبد الله بن سعيد بن كلاب كتابه الذي ردّ فيه على جميع المذاهب، سأل عن شيخ الصوفية، فقيل له: الجنيد، فسأله عن حقيقة مذهبه، فقال: مذهبنا إفراد القدم عن الحدث، وهجران الإخوان والأوطان، ونسيان ما يكون وما كان، فقال ابن كلاب: هذا كلام لا يمكن فيه المناظرة، ثم حضر مجلس الجنيد، فسأله عن التوحيد، فأجابه بعبارة مشتملة على المعارف، ثم قال: أعد عليّ لا بتلك العبارة، ثم استعاده الثالثة، فأعاده بعبارة أخرى، فقال: أمله عليّ، فقال: لو كنت أجرّده كنت أمليه، فاعترف بفضله. وقال الكعبيّ المعتزليّ لبعض الصوفية: رأيت لكم ببغداد شيخا يقال له: الجنيد، ما رأت عينيّ مثله، كان الكتبة يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة لدقة كلامه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه، وكلامه ناء عن فهمهم. وسئل السّريّ عن الشكر؟ والجنيد صبي يلعب، فأجاب الجنيد: هو أن لا يستعين بنعمه على معاصيه. وسئل الجنيد عن العارف؟ فقال: من نطق عن سرّك وأنت ساكت. وقال الجنيد: ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها، قيل: وما هي؟ قال: مررت بدرب القراطيس، فسمعت جارية تغني من دار، فأنصت لها، فسمعتها تقول:

_ [1] رواه الترمذي رقم (3127) في التفسير: باب ومن سورة الحجر، وفي سنده عطية العوفي وهو ضعيف، وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص (19) والسيوطي في «الدرّ المنثور» ونسباه لجمهرة من الأئمة الحفّاظ في مصنفات مختلفة.

إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى ... تقولين لولا الهجر لم يطب الحبّ وإن قلت هذا القلب أحرقه الهوى ... تقولي بنيران الهوى شرف القلب وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة ... وجودك [1] ذنب لا يقاس به ذنب [2] فصعقت وصحت، فبينما أنا كذلك، إذا بصاحب الدار قد خرج، وقال: ما هذا يا سيدي؟ فقلت له: مما سمعت، فقال: هي هبة منّي إليك، قلت: قد قبلتها وهي حرّة لوجه الله تعالى، ثم دفعتها لبعض أصحابنا بالرّباط [3] ، فولدت له ولدا نبيلا. ونشأ الجنيد أحسن نشء، وحجّ على قدميه ثلاثين حجّة. وقال الجريريّ: كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته، وكان يوم جمعة، ويوم نيروز الخليفة، وهو يقرأ القرآن، فقلت له: يا أبا القاسم، ارفق بنفسك. فقال لي: يا أبا محمد، أرأيت أحدا أحوج إليه منّي في هذا الوقت، وهو ذا تطوى صحيفتي، وكان قد ختم القرآن الكريم، ثم بدأ بالبقرة، فقرأ سبعين آية، ثم مات رحمه الله تعالى. ومناقبه كثيرة، ولو أرسلنا عنان القلم لسوّدنا أسفارا من مناقبه، رضي الله عنه، ودفن بالشونيزية عند خاله سري السقطي، رضي الله عنهما. وفيها العلّامة أبو يحيى زكريا بن يحيى النيسابوريّ المزكّيّ، شيخ الحنفية، وصاحب التصانيف بنيسابور في ربيع الآخر، وقد ناهز الثمانين. روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة، وكان ذا عبادة وتقى. وفيها الزاهد الكبير، أبو عثمان الحيريّ، سعيد بن إسماعيل، شيخ نيسابور. وواعظها، وكبير الصوفية بها، في ربيع الآخر، وله ثمان وستّون

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «حياتك» . [2] الأبيات في «وفيات الأعيان» (1/ 374) . [3] الرباط: المرابطة وهي ملازمة ثغر العدو. انظر «مختار الصحاح» (ربط) .

سنة. صحب العارف أبا حفص النيسابوري، وسمع بالعراق من حميد بن الربيع، وكان كبير الشأن، مجاب الدعوة. قاله في «العبر» [1] . وقال السّلميّ في «التاريخ» [2] هو رازيّ الأصل، ذهب إلى شاه الكرماني، ووردا جميعا إلى نيسابور زائرين لأبي حفص، ونزلا محلة الحيرة في دار علكان، وأقاما بها أياما، فلما أراد الشاه الخروج، خرجا جميعا إلى قرية أبي حفص على باب مدينة نيسابور، وهي قرية تسمى كورداباذ [3] ، فقال أبو حفص لأبي عثمان: إن كان الشاه يرجع إلى طاعة أبيه، فأنت إلى أين تذهب، فنظر أبو عثمان إلى الشاه، فقال الشاه: أطع الشيخ، فرجع مع أبي حفص إلى نيسابور، وخرج الشاه وحده. وقال أبو عثمان: صحبت أبا حفص وأنا شاب، فطردني مرّة وقال: لا تجلس عندي، فقمت من عنده، ولم أولّ ظهري عليه، وانصرفت أمشي إلى وراء، ووجهي إلى وجهه، حتّى غبت عنه، وجعلت في نفسي أن أحفر على بابه حفرة وأدخل فيها ولا أخرج منها إلا بأمره، فلما رأى ذلك منّي أدناني، وقرّبني، وجعلني من خواصّ أصحابه. وقال أبو عمرو بن نجيد [4] : في الدّنيا ثلاثة لا رابع لهم: أبو عثمان بنيسابور، والجنيد ببغداد، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام. ومن كلامه: من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا، نطق بالحكمة، ومن

_ [1] (2/ 117) . [2] وهو كتابه «تاريخ الصوفية» وهو مخطوط لم ينشر بعد. انظر مقدمة الأستاذ نور الدّين شريبة لكتابه «طبقات الصوفية» ص (34) . [3] في الأصل، والمطبع: «كوزذاباذ» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الصوفية» ص (115) و «معجم البلدان» (4/ 489) . [4] هو إسماعيل بن نجيد السلمي، أبو عمرو، وسوف ترد ترجمته في المجلد الرابع من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة، لأن الله تعالى يقول: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 24: 54 [النور: 54] . وقال: موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم. ودفن بنيسابور في مقبرة الحيرة على الشارع مع قبر أستاذه أبي حفص. وفيها فقيه قرطبة، ومسند الأندلس، أبو مروان عبيد الله بن الإمام، يحيى بن يحيى اللّيثيّ، في عاشر رمضان، وكان ذا حرمة عظيمة وجلالة. روى عن والده «الموطأ» وحمل عنه بشر كثير. وفيها محمد بن يحيى بن سليمان، أبو بكر المروزيّ، في شوّال ببغداد. روى عن عاصم بن علي، وأبي عبيد. وفيها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعيّ، أبو العبّاس الأمير ببغداد، ودفن عند عمّه محمد بن عبد الله. سمع من إسحاق بن راهويه وغيره، وولي إمرة خراسان بعد والده، سنة ثمان وأربعين وهو شاب، ثم خرج عليه يعقوب الصّفّار وحاربه، وأسره يعقوب في سنة تسع وخمسين، ثم خلّص من أسره سنة اثنتين وستين، ثم بقي خاملا إلى أن مات.

سنة تسع وتسعين ومائتين

سنة تسع وتسعين ومائتين فيها قبض المقتدر على الوزير ابن الفرات، ونهبت دوره، ووقع النهب والخبطة في بغداد. وفيها توفي شيخ نيسابور، أبو عمرو أحمد بن نصر الخفّاف، الزّاهد الحافظ. سمع إسحاق بن راهويه وجماعة. قال الضّبعيّ: كنّا نقول: إنه يفي بمذاكرة مائة [1] ألف حديث. وقال ابن خزيمة، يوم وفاته: لم يكن بخراسان أحفظ للحديث منه. وقال يحيى العنبري: لمّا كبر أبو عمرو، وأيس من الولد، تصدّق بأموال يقال: قيمتها خمسون ألفا [2] . وقال ابن ناصر الدّين: أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفّاف النيسابوري، أبو عمرو، الحافظ الملقب بزين الأشراف، وكان طوّافا حافظا، صائم الدهر، كثير البرّ، تصدّق حين كبر بأموال لها شأن. انتهى. وقال العلّامة ابن ناصر الدّين في «بديعته» : ثمّ احمد بن نصر الخفّاف ... صالحهم راوية طوّاف

_ [1] في «العبر» : «ثلاث مائة» وما في كتابنا موافق لما عند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (13/ 561) ، و «تذكرة الحفّاظ» (2/ 655) . [2] في «سير أعلام النبلاء» ، و «تذكرة الحفّاظ» : «يقال: إن قيمتها خمسة آلاف ألف درهم» .

ومثله عليّك ذاك عليّ ... فتى سعيد بن بشير أجمل وقال في «شرحها» : عليك هو علي بن سعيد بن بشير بن مهران، أبو الحسين الرّازي. كان حافظا لم يكن بذاك، وكان والي قرية بمصر. انتهى. وقال في «المغني» [1] : قال الدارقطني: ليس بذاك، تفرّد بأشياء. انتهى. وأبو الحسن، محمد بن أحمد بن كيسان البغداديّ النحويّ، صاحب التصانيف في القراءات، والغريب، والنحو. كان أبو بكر بن مجاهد يعظّمه ويقول: هو أنحى من الشيخين، يعني ثعلبا والمبرد، توفي في ذي القعدة. ومحمد بن يزيد بن عبد الصّمد المحدّث، أبو الحسن. روى عن صفوان بن صالح وطبقته، وكان صدوقا. وفيها محمد بن يحيى، المعروف بحامل كفنه. قال ابن الجوزي في «الشذور» : كان قد حدّث عن أبي بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو منصور القزّاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: بلغني أن المعروف بحامل كفنه، توفي، وغسّل، وصلّي عليه، ودفن، فلما كان الليل جاءه نبّاش فنبش عنه، فلما أحلّ أكفانه ليأخذها، استوى قاعدا، فهرب النبّاش، فقام وحمل كفنه، وجاء إلى منزله وأهله يبكون، فطرق الباب، فقالوا: من هذا؟ قال: أنا فلان، فقالوا: يا هذا لا يحلّ لك أن تزيدنا على ما بنا، فقال: يا قوم افتحوا فأنا والله فلان، فعرفوا صوته، ففتحوا، فعاد حزنهم فرحا، وسمّي حامل كفنه. ومثل هذا، سعيد بن الخمس الكوفيّ، فإنه لما دلّي في قبره اضطرب، فحلّت عنه الأكفان، فقام ورجع إلى منزله، وولد له بعد ذلك ابنه مالك. انتهى ما ذكره ابن الجوزي في «الشذور» .

_ [1] (2/ 448) .

سنة ثلاثمائة

سنة ثلاثمائة قال في «الشذور» أيضا: فيها كثرت الأمراض ببغداد في النّاس، وكلبت الكلاب [1] والدواب في البادية، وكانت تطلب النّاس والدواب، فإذا عضّت إنسانا هلك. انتهى. وفيها توفي صاحب الأندلس، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن بن معاوية الأمويّ المروانيّ، في ربيع الآخر، وكانت دولته خمسا وعشرين سنة. ولي بعد أخيه المنذر في سنة خمس وسبعين، وكان ذا صلاح، وعبادة، وعدل، وجهاد، يلتزم الصلوات في الجامع، وله غزوات كبار، أشهرها غزوة ابن حفصون، وكان ابن حفصون قد نازل حصن بلي [2] في ثلاثين ألفا، فخرج عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألفا، فالتقيا، فانكسر ابن حفصون، وتبعه عبد الله يأسر ويقتل، حتّى لم ينج منهم أحد، وكان ابن حفصون من الخوارج، وولي

_ [1] قال ابن منظور: كلب الكلب، واستكلب: ضري وتعوّد أكل الناس. «لسان العرب» (كلب) . [2] كذا في الأصل، والمطبوع، و «سير أعلام النبلاء» ، و «العبر» للذهبي، وفي كتاب «دول الإسلام في الأندلس» للأستاذ محمد عبد الله عنان: «بلاي» وقد علق في الحاشية بقوله: هي بالإسبانية (بولي) أو (بلي) وما يزال موقعها قائما معروفا إلى اليوم تحتله قرية أجيلار الحديثة الواقعة جنوبي قرطبة.

الأندلس بعده حفيده الناصر لدين الله، عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله، فبقي في الإمرة خمسين عاما. وفيها أبو الحسن علي بن سعيد العسكريّ الحافظ، أحد أركان الحديث، روى عن محمد بن بشّار وطبقته، وتوفي بخراسان.

تمّ المجلد الثالث من كتاب «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وكان الفراغ من تحقيقه والتعليق عليه في ظهيرة يوم الثلاثاء التاسع من شهر جمادى الآخرة لعام (1407) هـ، ونسأل الله عزّ وجلّ أن يعيننا على إتمام تحقيق بقية مجلداته بفضله وكرمه، إنه خير مسؤول. محمود الأرناؤوط

المجلد الرابع

[المجلد الرابع] سنة إحدى وثلاثمائة فيها أدخل الحلّاج بغداد مشهورا على جمل، وعلّق مصلوبا، ونودي عليه [1] : هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه، ثم حبس وظهر أنه ادّعى الإلهية، وصرّح بحلول اللّاهوت في الأشراف [2] وكانت مكاتباته تنبئ بذلك، فاستمال أهل الحبس بإظهار السّنّة، فصاروا يتبركون به. قاله في «العبر» [3] . وفيها كما قال العلّامة ابن ناصر الدّين في «بديعته» [4] : وبكر بن أحمد بن مقبل ... أفاد شأن الأثر المبجّل وتسعة مثاله ذا أحمد ال ... برديجي البردعي [5] والمسند محمد بن مندة فسلم ... كذا فتى العبّاس نجل الأخرم مثل فتى ناجية ذا البربري ... كالفريابي الدّينوريّ جعفر شبه الحسين ذا فتى إدريس ... مثل الهسنجاني الرضى الرئيس والهروي محمد ذا السّامي ... كالفرهياني العارف الإمام فأما الأول، فهو: بكر بن أحمد بن مقبل، البصريّ الحافظ الثبت

_ [1] لفظة «عليه» لم ترد في «العبر» للذهبي. [2] في «العبر» : «بحلول اللاهوت في الناسوت» ، والناسوت تعني «الناس» في السريانية. انظر «المنجد في اللغة» (نست) . [3] (2/ 122- 123) . [4] في الأصل: «بديعيته» وأثبت ما في المطبوع. [5] في الأصل: «البرذعي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 124) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (2/ 140) .

المجود. روى عن عبد الله بن معاوية الجمحيّ وطبقته. وأما الثاني فهو: أحمد بن هارون بن روح أبو بكر البردعيّ [1] ، نزيل بغداد. كان من الثقات الأخيار ومشاهير علماء الأمصار. وأما الثالث فهو: محمد بن يحيى بن إبراهيم مندة [2] بن الوليد بن سندة بن بطة بن استندار، واسمه فيرازان بن جهاربخت العبديّ، مولاهم، الأصبهانيّ، أبو عبد الله، جدّ الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق. روى عن لوين، وأبي كريب، وخلق. وحدّث عنه الطبرانيّ وغيره، وكان من الثقات. قال أبو الشيخ: كان أستاذ شيوخنا وإمامهم. وقيل: إنه كان يجاري أحمد بن الفرات وينازعه. وأما الرابع، فهو محمد بن العبّاس بن أيوب بن الأخرم، أبو جعفر الأصبهانيّ، كان حافظا، نبيها، محدّثا، فقيها. وأما الخامس، فهو عبد الله بن محمد بن ناجية بن نجية، أبو محمد البربريّ البغداديّ، كان حافظا مسندا. صنف مسندا في مائة واثنين [3] وثلاثين جزءا. وأما السادس، فهو جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض التركيّ، أبو بكر الفريابيّ، قاضي الدّينور. كان إماما حافظا علامة من النقادين، وهو صاحب التصانيف. رحل من بلاد التّرك إلى مصر، وعاش أربعا وتسعين سنة، وكان من أوعية العلم. روى عن علي بن المديني، وأبي جعفر النّفيلي وطبقتهما، وأول سماعه سنة أربع وعشرين ومائتين. قال ابن عدي: كنّا نحضر مجلسه وفيه عشرة آلاف أو أكثر.

_ [1] انظر التعليق رقم (5) في الصفحة السابقة. [2] يعني أن اسمه «إبراهيم» وعرف ب «مندة» . انظر «تذكرة الحفاظ» (2/ 741) . [3] في الأصل: «واثنتين» وأثبت ما في المطبوع.

وأما السابع، فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم الأنصاريّ الهرويّ، أبو علي بن حزم. وثقه الدارقطنيّ، وجزم ابن ناصر الدّين بتوثيقه، وكان حافظا من المكثرين. رحل وطوّف وصنف، وروى عن سعيد بن منصور، وسويد بن سعيد، وخلق. وأما الثامن، فهو إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرّازيّ الهسنجانيّ- بكسر الهاء والمهملة، وسكون النون الأولى، وجيم، نسبة إلى هسنجان قرية بالرّيّ [1]- كان إماما، عالما، محدّثا، ثقة. وأما التاسع، فهو محمد بن عبد الرّحمن الهرويّ السّاميّ الحافظ، في ذي القعدة. طوّف، ورحل، وروى عن أحمد بن حنبل، وأحمد بن يونس، والكبار، ويكنى أبا أحمد، ويقال: أبا عبد الله. وأما العاشر، فهو عبد الله بن محمد بن سيّار الفرهيانيّ، ويقال: الفرهاذانيّ، كان عالما خيّرا من الأثبات. وفيها، وجزم صاحب «العبر» [2] وغيره، أنه في التي قبلها [3] أحمد بن يحيى بن الرّاونديّ الملحد، لعنه الله، ببغداد، وكان يلازم الرافضة والزنادقة. قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه بالعظائم حتّى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب أنه يقوله عاقل، فمن كتبه كتاب «نعت الحكمة» وكتاب «قضيب الذهب» وكتاب «الزمردة» . وقال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل وقد صنّف «الدامغ» [4] يدمغ به

_ [1] قلت: وتقع في الغرب الأوسط من إيران الآن. انظر خبرها في «معجم البلدان» (5/ 406) وقد ضبطها ياقوت فيه بفتح السين. [2] (2/ 122) . [3] قلت: وجزم الزركلي في «الأعلام» (1/ 267) بأنه مات سنة (298) هـ. [4] في الأصل: «الدابغ» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

القرآن، و «الزمردة» يزري بها على النبوات. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن الأهدل ما ملخصه: له مقالات في علم الكلام، وينسب إليه الإلحاد، وله مائة وبضعة عشر كتابا، وله كتاب «نصيحة المعتزلة» ردّ فيه عليهم، وأصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل من مذهبهم، عاش نحوا من أربعين سنة- وراوند قرية من قرى قاسان بالمهملة من نواحي أصبهان [2]- قيل: وهو الذي لقّن اليهود القول بعدم نسخ شريعتهم، وقال لهم: قولوا: إن موسى أمرنا أن نتمسك بالسبت ما دامت السماوات والأرض، ولا تأمر الأنبياء إلا بما هو حق. انتهى. والعجب من ابن خلّكان كيف يترجمه [3] ترجمة العلماء ساكتا عن عواره مع سعة اطلاع ابن خلّكان ووقوفه على إلحاده، وقد اعترض جماعات كثيرة على ابن خلّكان من أجل ذلك، حتّى قال العماد بن كثير [4] : هذا على عادته، من تساهله وغضّه عن عيوب مثل هذا الشقي، والله أعلم. وفيها، أو في التي قبلها، كما جزم به في «العبر» [5] حيث قال: محمد بن أحمد بن جعفر الكوفيّ أبو العلاء الذّهلي الوكيعيّ بمصر، عن ست وتسعين سنة، روى عن علي بن المديني وجماعة.

_ [1] (2/ 122) . [2] انظر «الأنساب» للسمعاني (6/ 56) ، و «اللباب» لابن الأثير (2/ 11) . وجاء في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 19) : راوند: بليدة قرب قاشان وأصبهان. وانظر تعليق العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله على «الأنساب» وانظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 295) ، و «وفيات الأعيان» (1/ 94- 95) . [3] في «وفيات الأعيان» (1/ 94 95) . [4] انظر «البداية والنهاية» (11/ 113) وقد نقل المؤلف كلامه وزاد عليه. [5] (2/ 121) .

وفيها محمد بن الحسن بن [موسى بن] [1] سماعة الحضرميّ الكوفيّ في جمادى الأولى. ومحمد بن جعفر القتّات الكوفي أبو عمر [2] في جمادى الأولى أيضا. رويا كلاهما على ضعف فيهما عن أبي نعيم [3] . وفيها محمد بن جعفر الرّبعيّ البغداديّ، أبو بكر، المعروف بابن الإمام، في آخر السنة بدمياط، وهو في عشر المائة. روى عن إسماعيل بن أبي أويس، وأحمد بن يونس. وفيها أبو الحسن مسدّد بن قطن [4] النيسابوري. روى عن جدّه لأمه بشر بن الحكم وطبقته بخراسان والعراق. قال الحاكم: كان مزنيّ عصره، والمقدّم في الزّهد والورع. انتهى. فعدّ هؤلاء في الثلاثمائة. وفيها- أي سنة إحدى وثلاثمائة- الحسن بن بهرام أبو سعيد الجنّابيّ القرمطيّ صاحب هجر، قتله خادم له صقلبيّ راوده في الحمام، ثم خرج فاستدعى رئيسا من خواص الجنابي، وقال: السيد يطلبك، فلما دخل قتله،

_ [1] زيادة من «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 1097) مصورة دار المأمون للتراث. [2] في الأصل، والمطبوع: «أبو عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 121) ، و «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 1097) و «لسان الميزان» (5/ 106) . [3] يعني عمرو بن حماد التيمي الطلحي أبو نعيم، الملقب ب «الفضل بن دكين» وقد تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (93) ، وانظر ترجمته الموسعة في «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 1096- 1098) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق. [4] في الأصل، والمطبوع: «مسدّد بن فطن» ، وفي «العبر» للذهبي: «مسرّد بن قطن» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزّي (4/ 116) طبع مؤسسة الرسالة.

ثم دعا آخر كذلك، حتّى قتل أربعة، ثم صاح النساء وتكاثروا على الخادم فقتلوه، وكان هذا الملحد قد تمكن وهزم الجيوش، ثم هادنه الخليفة. وفيها سار عبيد الله المهدي المتغلّب على المغرب في أربعين ألفا ليأخذ مصر، حتّى بقي بينه وبين مصر أيام [1] ، ففجرت كبراء الخاصة النيل [2] ، فحال الماء بينهم وبين مصر، ثم جرت بينهم وبين جيش المقتدر حروب، فرجع المهديّ إلى برقة، بعد أن ملك الإسكندرية، والفيّوم. وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الأمير إسماعيل بن أحمد السّامانيّ، صاحب ما وراء النهر، قتله غلمانه، وتملك بعده ابنه نصر. وفيها أبو بكر أحمد بن [محمد بن] [3] عبد العزيز بن الجعد البغداديّ الوشّاء، الذي روى «الموطأ» عن سويد [4] . وفيها المحدّث المعمّر [محمد] بن حبّان بن الأزهر أبو بكر الباهليّ البصريّ القطّان، نزيل بغداد. روى عن أبي عاصم النبيل، وعمرو بن مرزوق، وهو ضعيف. وفيها الأمير علي بن أحمد الرّاسبيّ، أمير جنديسابور [5] ، والسوس، وخلّف ألف فرس، وألف ألف دينار، ونحو ذلك. وفيها- على ما قال ابن الأهدل- الوزير ابن الفرات، وكان عالما محبّا للعلماء، وبسببه سار الإمام الدارقطنيّ من العراق إلى مصر، ولم يزل

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أياما» والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 132) . [2] في «العبر» : «فانفجرت مخاضة النيل» . [3] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 124) ، وانظر «تهذيب الكمال» ص (560) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «سير أعلام النبلاء» (11/ 411) . [4] يعني سويد بن سعيد الهروي الحدثاني. [5] في الأصل والمطبوع: «جند سابور» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 127) وانظر «معجم البلدان» (2/ 170) .

عنده حتّى فرغ من تأليف «مسنده» وكان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين، واشترى بالمدينة دارا ليس بينها وبين الضريح النبويّ إلّا جدار واحد ليدفن فيها، ولما مات حمل تابوته إلى مكة، ووقف به في مواقف الحج، ثم إلى المدينة، وخرجت الأشراف إلى لقائه لسالف إحسانه، ودفن حيث أمر، وقيل: دفن بالقرافة، رحمه الله تعالى [1] .

_ [1] قلت: وقد ساق الخبر أيضا العامري في «غربال الزمان» ص (268) .

سنة اثنتين وثلاثمائة

سنة اثنتين وثلاثمائة فيها عاد المهديّ ونائبه حباسة إلى الإسكندرية، فتمّت وقعة كبيرة، قتل فيها حباسة، فردّ المهديّ إلى القيروان. وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن الجصّاص الجوهري وسجنه، وأخذ من الأموال ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار. وأما أبو الفرج بن الجوزي فقال: أخذوا منه ما مقداره: ستة عشر ألف ألف دينار، عينا، وورقا، وقماشا، وخيلا. وقيل: كانت عنده ودائع عظيمة، لزوجة المعتضد قطر الندى بنت خمارويه. وقال بعض الناس: رأيت سبائك الذهب والفضة [1] تقبّن بالقبّان من بيت ابن الجصّاص. وفيها أخذت طيء الركب العراقي، وتمزّق الوفد في البرية، وأسروا من النساء مائتين وثمانين امرأة. وفيها توفي العلّامة فقيه المغرب، أبو عثمان الحداد الإفريقيّ المالكيّ، سعيد بن محمد بن صبيح، وله ثلاث وثمانون سنة. أخذ عن

_ [1] لفظة «والفضة» لم ترد في «العبر» مصدر المؤلف في نقله.

سحنون وغيره، وبرع في العربية والنظر، ومال إلى مذهب الشافعي، وأخذ يسمي «المدونة» المدوّدة، فهجره المالكية، ثم أحبّوه لما قام على أبي عبد الله الشيعي وناظره ونصر السّنّة. وفيها إبراهيم بن شريك الأسديّ الكوفيّ، صاحب أحمد بن يونس ببغداد. وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب، صاحب نعيم بن حمّاد ببغداد. وإبراهيم بن محمد بن الحسن بن متّويه، العلّامة، أبو إسحاق الأصفهاني، إمام جامع أصبهان، وأحد العبّاد والحفّاظ. سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وطبقتهما. وفيها محمد بن زنجويه القشيريّ النيسابوريّ، صاحب إسحاق بن راهويه. وفيها القاضي أبو زرعة، محمد بن عثمان الثقفيّ، مولاهم، قاضي دمشق بعد قضاء مصر [وكان جدّه يهوديا فأسلم، وولي أبو زرعة قضاء مصر] [1] ثمان سنين، والشام ما يزيد على العشرة، وكان ثبتا موثقا، وكان أكولا، يأكل سلّة عنب، وسلّة تين. قاله الذهبي في «تاريخ الإسلام» . وفيها محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الواسطيّ، ثم البغداديّ، أبو بكر، الباغنديّ، ولتدليسه رمي بالتجريح، مع أنه كان حافظا بحرا. قال في «المغني» [2] : فيه لين.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. [2] (2/ 629) .

قال ابن عدي: أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب، وكان مدلّسا. انتهى. وفيها الإمام عبدوس، عبد الرّحمن بن أحمد بن عبّاد بن سعيد الهمذانيّ السّرّاج، أبو محمد، كان ثقة، فاضلا، نبيلا.

سنة ثلاث وثلاثمائة

سنة ثلاث وثلاثمائة فيها عسكر الحسين بن حمدان، والتقى هو ورائق، فهزم رائقا، فسار لحربه مؤنس الخادم، فحاربه، وتمّت لهما خطوب، ثم أخذ مؤنس يستميل أمراء الحسين، فتسرعوا إليه، ثم قاتل الحسين فأسره واستباح أمواله، وأدخل بغداد على جمل [هو] [1] وأعوانه، ثم قبض على أخيه أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان وأقاربه. وفيها توفي الإمام، أحد الأعلام، صاحب المصنفات، التي منها «السنن» أبو عبد الرّحمن أحمد بن شعيب بن علي النّسائي- نسبة إلى نسا مدينة بخراسان- توفي في ثالث عشر صفر، وله ثمان وثمانون سنة. سمع قتيبة، وإسحاق [2] وطبقتهما، بخراسان، والحجاز، والشام، والعراق، ومصر، والجزيرة، وكان رئيسا، نبيلا، حسن البزّة، كبير القدر، له أربع زوجات يقسم لهنّ، ولا يخلو من سرّيّة لنهمته في التّمتّع، ومع ذلك كان يصوم صوم داود، ويتهجد. قال ابن المظفّر الحافظ: سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النّسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر، فوصف من شهامته

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 129) . [2] لفظة «وإسحاق» سقطت من «العبر» للذهبي فتستدرك فيه.

وإقامته السّنن في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس الأمير. وقال الدارقطنيّ: خرج حاجّا، فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكّة، فحمل، وتوفي بها في شعبان. قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث. قاله في «العبر» [1] . وقال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [2] : الحافظ [الإمام] [3] شيخ الإسلام، أحد الأئمة المبرّزين والحفاظ المتقنين [4] والأعلام المشهورين، جال البلاد، واستوطن مصر، فأقام بزقاق القناديل. قال أبو علي النيسابوري: رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري: النسائي بمصر، وعبدان بالأهواز، ومحمد بن إسحاق، وإبراهيم بن أبي طالب بنيسابور. وقال الحاكم: النسائيّ أفقه مشايخ أهل [5] مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسّقيم من الآثار، وأعرفهم بالرّجال. وقال الذهبيّ: هو أحفظ من مسلم، له من المصنفات «السّنن الكبرى» و «الصّغرى» وهي إحدى الكتب الستة [6] ، و «خصائص علي» و «مسند علي»

_ [1] (2/ 129- 130) . [2] (1/ 349- 350) . [3] زيادة من «حسن المحاضرة» . [4] في «حسن المحاضرة» : «المثقفين» . [5] لفظة «أهل» لم ترد في «حسن المحاضرة» . [6] قلت: نقل المؤلف هذا الكلام عن «حسن المحاضرة» للسيوطي، الذي عزاه إلى الحافظ الذهبي ولم يصرح باسم المصدر الذي نقل عنه كلامه، وهذا الكلام يؤيد ما ذكره الإمام ابن الأثير في «جامع الأصول» (1/ 197) ووافقه عليه عدد كبير من أهل العلم فيما بعد، وذكر الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (14/ 131) رأيا آخر قال فيه بأن «السنن الصغرى» أو ما يعرف ب «المجتنى» أو «المجتبى» من اختيار ابن السني، وتبعه بعض العلماء المعاصرين.

و «مسند مالك» . ولد سنة خمس وعشرين ومائتين. قال ابن يونس: كان خروجه من مصر في سنة اثنتين وثلاثمائة، ومات بمكّة، وقيل: بالرملة. انتهى ما قاله السيوطي. وقال ابن خلّكان [1] : قال محمد بن إسحاق الأصبهاني: سمعت مشايخنا بمصر يقولون: إن أبا عبد الرّحمن فارق مصر في آخر عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس، حتى يفضّل؟ وفي رواية [أخرى] [2] ما أعرف له فضيلة إلا «لا أشبع الله بطنك» [3] . وكان يتشيّع، فما زالوا يدافعونه في خصيتيه [4] ، وداسوه، ثم حمل إلى مكّة فتوفي بها [5] وهو مدفون بين الصّفا والمروة. وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدّوس، فهو مقتول [6] وكان صنّف كتاب «الخصائص» في فضل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وأهل البيت، وأكثر روايته [7] فيه عن الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، فقيل له: ألا صنّفت في فضل الصحابة، رضي الله عنهم، كتابا، فقال: دخلت دمشق والمنحرف عن علي رضي الله

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 77- 78) والمؤلف ينقل عنه باختصار وتصرف. [2] زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] رواه مسلم رقم (2604) في البر والصلة: باب من لعنه النبيّ، صلى الله عليه وسلم، وسبّه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة، من حديث عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما بلفظ: «لا أشبع الله بطنه» . [4] في «وفيات الأعيان» : «يدفعون في خصييه» . [5] في «وفيات الأعيان» : «ثم حمل إلى الرملة فمات بها» وهو ما رجحه الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (14/ 132) . [6] في «وفيات الأعيان» : «وهو منقول» . [7] في «وفيات الأعيان» : «وأكثر رواياته» .

عنه كثير، فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب، وكان إماما في الحديث، ثقة، ثبتا، حافظا. انتهى ملخصا. وفيها الحافظ الكبير أبو العبّاس الحسن بن سفيان الشّيبانيّ النّسويّ نسبة إلى نسا مدينة بخراسان- صاحب «المسند» و «الأربعين» . تفقه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه، وسمع من أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والكبار، وكان ثقة، حجة، واسع الرحلة. قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره، مقدّما في التثبت، والكثرة، والفهم، والأدب، والفقه، توفي في رمضان. وقال ابن ناصر الدين: الحسن بن سفيان بن عامر، أبو العبّاس، الشيباني النسائي، ويقال: النسوي، صاحب «المسند» الكبير، و «كتاب الأربعين» وكان شيخ خراسان في وقته، مقدّما في حفظه، وفقهه، وأدبه، وثقته، وثبته. قلبت عليه أحاديث وعرضت، فردّها كما كانت ورويت. انتهى. وفيها أبو علي الجبّائي- بالضم والتشديد، نسبة إلى جبّى بالقصر قرية بالبصرة [1]- وهو محمد بن عبد الوهاب البصري، شيخ المعتزلة، وأبو شيخ المعتزلة أبي هاشم، وعن أبي علي أخذ شيخ زمانه أبو الحسن الأشعري، ثم رجع عن مذهبه، وله معه مناظرات في الثلاثة الأخوة وغيرها، دوّنها النّاس، وسيأتي شيء منها في ترجمة الأشعري [2] إن شاء الله تعالى.

_ [1] قلت: وهو خطأ. قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 97) : جبّى: بالضم ثم التشديد، والقصر: بلد، أو كورة من عمل خوزستان، ومن الناس من جعل عبّادان من هذه الكورة، وهي في طرف من البصرة والأهواز، حتّى جعل من لا خبرة له «جبّى» من أعمال البصرة، وليس الأمر كذلك، ومن «جبّى» هذه أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبّائي المتكلم المعتزلي صاحب التصانيف، مات سنة (303) ، وانظر «المشترك وضعا والمفترق صقعا» لياقوت ص (92) ، ونسب الزّبيدي المترجم في «تاج العروس» (جبأ) إلى «الجبّاء» فراجعه. [2] انظر ص (131- 132) من هذا المجلد.

وفيها أحمد بن الحسين بن إسحاق، أبو الحسين [1] البغداديّ، المعروف بالصّوفيّ الصغير. روى عن إبراهيم التّرجماني، وجماعة. قال في «المغني» [2] : وثقه الحاكم وغيره، ولّينه بعضهم. انتهى. وفيها أبو جعفر أحمد بن فرح البغداديّ المقرئ الضرير، صاحب أبي عمرو الدّوري، تصدّر للإقراء مدة طويلة. وروى الحديث عن ابن المديني. وفيها إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي [3] روى عن قتيبة وخلق. وقال ابن ناصر الدّين: هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي، أبو يعقوب، كان إماما حافظا. صنّف «المسند» في ثلاث مجلدات كبار وهو غير أبي محمد بن إسحاق بن إبراهيم البستي- بسين مهملة على الصحيح- وهذا أي الثاني يروي عن هشام بن عمّار. توفي سنة سبع وثلاثمائة، وقد بينت ذلك في [4] كتابي «التوضيح» [5] . انتهى. قلت: والبشتي: بضم الباء وسكون المعجمة، نسبة إلى بشت قرية بهراة، وبلدة بنيسابور [6] منها صاحب الترجمة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «أبو إسحاق» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (4/ 98) ، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 153) ، و «العبر» (2/ 131) . [2] «المغني في الضعفاء للذهبي (1/ 37) . [3] انظر «الإكمال» لابن ماكولا (1/ 433) و «الأنساب» للسمعاني (2/ 227) ، و «معجم البلدان» (1/ 425) . [4] لفظة «في» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [5] انظر «توضيح المشتبه» (1/ 497- 498) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت. [6] انظر «معجم البلدان» (1/ 425) .

وفيها إبراهيم بن إسحاق النيسابوري، أبو إسحاق الأنماطي [1] هو حافظ، ثبت، رحّال، وهو صاحب «التفسير» روى عن إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وكان الإمام أحمد ينبسط في منزله، ويفطر عنده. وفيها جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، أبو محمد النيسابوري، المعروف بالحصيري [2] . سمع إسحاق بن راهويه، وكان حافظا عابدا. وعبد الله بن محمد بن يونس السّمناني [3] أبو الحسين، أحد الثقات الرّحالة. سمع إسحاق، وعيسى زغبة [4] وطبقتهما. وفيها عمر بن أيوب السّقطي [5] ، ببغداد. روى عن بشر بن الوليد وطبقته. وفيها محمد بن العبّاس الدّرفس [6] الغسّاني، أبو عبد الرحمن [7] الدمشقي، الرجل الصالح. روى عن هشام بن عمّار، وعدة. ومحمد بن المنذر، أبو عبد الرّحمن الهروي الحافظ، المعروف بشكّر [8] . طوّف وجمع، وروى عن محمد بن رافع وطبقته. قال ابن ناصر الدين: وشكّر، هو محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان ابن رجاء بن عبد الله بن العبّاس بن مرداس السّلمي الهروي القهندي، أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الرحمن، ثقة. انتهى.

_ [1] انظر ترجمته في «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 701) و «طبقات المفسرين» للداودي (1/ 5) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 217- 220) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 194- 195) . [4] هو عيسى بن حماد بن مسلم التّجيبي، أبو موسى. تقدمت ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا ص (223) فراجعها هناك. [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 245) . [6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 245- 246) وفيه قال الذهبي: الدّرفس: من أسماء الأسد. [7] في المطبوع: «أبو عبد الرحمن الغساني» . [8] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 221- 222) .

سنة أربع وثلاثمائة

سنة أربع وثلاثمائة قال في «الشذور» : فيها استوزر أبو الحسن بن الفرات [1] ، فركب إلى داره، فسقى النّاس يومئذ في داره أربعين ألف رطل من الثلج. انتهى. وفيها غزا مؤنس الخادم بلاد الرّوم من ناحية ملطية، وافتتح حصونا وأثر أثرة [حسنة] [2] . وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله المخرّمي [3] . روى عن عبيد الله القواريري وجماعة، ضعفه الدارقطني. وقال في «المغني» [4] : قال الدارقطني: ليس بثقة، حدّث ببواطيل. انتهى. وإسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب المنجنيقي. روى عن داود بن رشيد وطبقته، وهو بغدادي نزل مصر، وكان يحدّث عن منجنيق بجامع مصر، فقيل له: المنجنيقي.

_ [1] هو الوزير الكبير أبو الحسن علي بن أبي جعفر محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، العاقولي، الكاتب. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (14/ 474- 479) . [2] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 133) مصدر المؤلف في نقله. [3] في الأصل: «المخزومي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 196- 197) . [4] انظر «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 18) .

قال ابن ناصر الدّين: حدّث عنه النّسائيّ فيما قيل، وله كتاب «رواية الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء» . انتهى. وفيها مات الأمير زيادة الله بن عبد الله الأغلبي من أمراء القيروان. حارب المهديّ الذي خرج بالقيروان، ثمّ عجز عنه، وهرب إلى الشام، ومات بالرّقّة، وقيل: بالرّملة. وفيها الحافظ عبد الله بن مظاهر الأصبهاني شابا، وكان قد حفظ جميع «المسند» وشرع في حفظ أقوال الصحابة والتابعين. روى عن مطيّن يسيرا. وفيها القاسم بن اللّيث بن مسرور الرّسعنيّ العتّابيّ، أبو صالح، نزيل تنّيس. روى عن المعافي الرّسعني، وهشام بن عمّار. وفيها يموت بن المزرّع، أبو بكر العبدي البصري [1] الأخباري العلّامة، وهو في عشر الثمانين. روى عن خاله الجاحظ، وأبي حفص الفلّاس وطبقتهما. وقال ابن الأهدل: هو ابن أخت أبي عمرو الجاحظ. كان أديبا أخباريا، صاحب ملح ونوادر، وكان لا يعود مريضا خشية أن يتطيروا باسمه، ومدحه منصور الضرير فقال: أنت تحيا والذي يك ... ره أن تحيا يموت [2]

_ [1] في الأصل والمطبوع: «النضري» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 134) . وانظر «وفيات الأعيان» (7/ 53- 61) ، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 247- 248) . [2] رواية البيت في الأصل، والمطبوع: أنت يحيى والذي يك ... ره أن يحيا يموت وأثبت رواية «وفيات الأعيان» (7/ 54) .

أنت صنو النّفس بل أن ... ت لروح النّفس قوت [1] انتهى. وزاد ابن خلّكان بيتا وهو: أنت للحكمة بيت ... لا خلت منك البيوت وقال ابن خلّكان [2] : وكان يقول: بليت بالاسم الذي سمّاني به أبي [3] فإني إذا عدت مريضا فاستأذنت عليه، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن المزرع، وأسقطت اسمي. وقال ابن المزرع [4] : رؤي قبر بالشام عليه مكتوب: لا يغترنّ أحد بالدّنيا فإني ابن من كان يطلق الرّيح إذا شاء ويحبسها إذا شاء، وبحذائه قبر مكتوب عليه: كذب الماصّ بظر أمه، لا يظن أحد أنه ابن سليمان بن داود، عليهما السلام، إنما هو ابن حدّاد يجمع الريح في الزّق ثم ينفخ بها النّار [5] . قال: فما رأيت قبلهما قبرين يتشاتمان. وكان له ولد يدعى أبا نضلة [6] مهلهل بن يموت بن المزرع، وكان شاعرا مجيدا ذكره المسعودي في «مروج الذهب ومعادن الجوهر» [7] فقال: هو من شعراء زمانه. وفيه يقول أبوه مخاطبا له:

_ [1] رواية البيت في الأصل والمطبوع: أنت ضوء الشمس بل أن ... ت لروح النفس قوت وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «غربال الزمان» للعامري ص (270) . [2] في «وفيات الأعيان» (7/ 54) . [3] في «وفيات الأعيان» : «الذي سمّاني أبي به» . [4] لا زال المؤلف ينقل عن «وفيات الأعيان» (7/ 57) . [5] في «وفيات الأعيان» : «الجمر» . [6] في الأصل والمطبوع: «أبو فضلة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «تاريخ بغداد» (13/ 273) . [7] (4/ 197) .

مهلهل قد حلبت شطور دهري ... وكافحني بها الزّمن العنوت وحاربت الرّجال بكلّ ربع ... فأذعن لي الحثالة والرّتوت فأوجع ما أجنّ [1] إليه قلبي ... كريم غشّه [2] زمن عنوت [3] كفي حزنا بضيعة ذي قديم ... وأبناء العبيد لها التّخوت [4] وقد أسهرت [5] عيني بعد غمض ... مخافة أن تضيع إذا فنيت وفي لطف المهيمن لي عزاء ... بمثلك إن فنيت وإن بقيت وفي لطف المهيمن لي عزاء ... بمثلك إن فنيت وإن بقيت فجب في الأرض وابغ بها علوما ... ولا تقطعك جائحة شتوت [6] وإن بخل العليم عليك يوما ... فذلّ له وديدنك السّكوت وقل بالعلم كان أبي جوادا ... يقولوا من أبوك [7] فقل يموت يقرّ لك الأباعد والأداني ... بعلم ليس يجحده البهوت ومن شعر مهلهل [8] : جلّت محاسنه عن كلّ تشبيه ... وجلّ عن واصف في النّاس يحكيه انظر إلى حسنه واستغن عن صفتي ... سبحان خالقه، سبحان باريه النّرجس الغضّ والورد الجنيّ له ... والأقحوان النّضير النّضر في فيه دعا بألحاظه قلبي إلى عطبي ... فجاءه مسرعا طوعا يلبّيه مثل الفراشة تأتي إذ ترى لهبا ... إلى السّراج فتلقي نفسها فيه

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «ما أحن» وأثبت لفظ «مروج الذهب» و «وفيات الأعيان» . [2] في «مروج الذهب» : «عضه» وفي «وفيات الأعيان» : «غته» . [3] في «مروج الذهب» : «عتوت» ، وفي «وفيات الأعيان» : «غتوت» . [4] في «وفيات الأعيان» : «النجوت» . [5] في «مروج الذهب» : «أشهرت» . [6] في «مروج الذهب» : «سنوت» ، وفي «وفيات الأعيان» : «سبوت» ، وفي رواية هذا البيت والذي قبله وبعده بعض الخلاف في «مروج الذهب» . [7] في «مروج الذهب» و «وفيات الأعيان» : «يقال ومن أبوك» . [8] في «وفيات الأعيان» : «ومن المنسوب إلى مهلهل أيضا» .

وفيها توفي الشيخ الكبير، شيخ الرّيّ والجبال في التصوف، أبو يعقوب، يوسف بن الحسين الرّازي، كان نسيج وحده في إسقاط التصنّع. صحب ذا النّون [المصري] [1] وأبا تراب [النّخشبي] [2] . ومن كلامه: لأن ألقى الله تعالى بجميع المعاصي، أحبّ إليّ من أن ألقاه بذرّة من التصنّع، وإذا رأيت المريد يشتغل بالرخص، فاعلم أنه لا يجيء منه شيء. وكتب إلى الجنيد: لا أذاقك الله طعم نفسك، فإنك إن ذقتها لا تذوق بعدها خيرا أبدا. وقال: علم القوم بأنّ الله يراهم، فاستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه [3] . وكان يقول: اللهم إنك تعلم أني نصحت النّاس قولا، وخنت نفسي فعلا، فهب لي خيانة نفسي بنصيحتي للنّاس. وروى عن أحمد بن حنبل، ودحيم، وطائفة.

_ [1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 134) مصدر المؤلف في نقله. [2] زيادة من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (185) . [3] انظر «طبقات الصوفية» ص (187) .

سنة خمس وثلاثمائة

سنة خمس وثلاثمائة فيها على ما قاله في «الشذور» أهدى صاحب عمان للسلطان طرائف من البحر، فيها طائر أسود يتكلم بالفارسية والهندية، أفصح من الببّغاء. انتهى. وفيها قدم رسول ملك الرّوم بطلب [1] الهدنة، فاحتفل المقتدر بجلوسه له. قال الصولي، وغيره: أقاموا الجيش بالسلاح من باب الشّمّاسية، وكان مائة وستين ألفا، ثم الغلمان، وكانوا سبعة آلاف، وكانت الحجّاب سبعمائة، وعلّقت ستور الدّيباج، فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر، ومن البسط وغيرها ما يذهب بالبصر حسنا، ومما كان في الدار مائة سبع مسلسلة، ثم أدخل الرسول دار الشجرة، وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان، عليها طيور مذهّبة، وورقها ألوان مختلفة، وكل طائر يصفّر لونا بحركات مصنوعة [تغنّي] [2] ، ثم أدخل إلى داره المسمّاة [3] بالفردوس، وفيها من الفرش والآلات ما لا يقوّم. وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن شيرويه بن أسد القرشيّ المطلبيّ النيسابوري [4] ، أحد الحفاظ. سمع إسحاق بن

_ [1] في المطبوع و «العبر» : «يطلب» . [2] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 135) مصدر المؤلف في نقله. [3] قوله «إلى داره المسماة» لم يرد في «العبر» للذهبي. [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 166- 168) .

راهويه، وأحمد بن منيع وطبقتهما، وصنف التصانيف، وكان ثقة. وفيها محدّث جرجان عمران بن موسى [1] . سمع هدبة بن خالد وطبقته، ورحل وصنّف، وكان من الثقات الأثبات، وتوفي في رجب. وفيها [2] أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحيّ البصريّ [3] مسند العصر، في ربيع الآخر، وله مائة سنة إلا بعض سنة، وكان محدّثا، متقنا، ثبتا أخباريا، عالما. روى عن مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب وطبقتهما. وفيها علي بن سعيد العسكري [4] نزيل الرّيّ. كان من الأثبات الحفاظ. وفيها القاسم بن زكريا أبو بكر المطرّز، ببغداد، روى عن سويد بن سعيد وأقرانه، وقرأ على الدّوري [5] وأقرأ النّاس، وجمع وصنف، وكان ثقة. ومحمد بن إبراهيم بن أبان السّرّاج [6] البغدادي. روى عن يحيى الحمّاني، وعبيد الله القواريري وجماعة. وفيها محمد بن إبراهيم بن نصر [7] بن شبيب، أبو بكر، الأصبهاني. روى عن أبي ثور الكلبي وجماعة [8] .

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 136- 137) . [2] لفظة «فيها» لم ترد في المطبوع. [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 7- 11) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 463- 464) . [5] هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صبهان الدوري البغدادي. تقدمت ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا ص (212- 213) فراجعها. [6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 222) . [7] في «العبر» للذهبي (2/ 136) : «يحيى بن نصر» وهو خطأ. انظر «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 53) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (1/ 118) . [8] في المطبوع و «العبر» للذهبي: «وغيره» .

وفيها محمد بن نصير [1] أبو عبد الله المدني [2] روى عن إسماعيل ابن عمرو البجلي وجماعة، ووثقه الحافظ أبو نعيم. وفيها محمد بن إبراهيم بن حيّون الأندلسي الحجازي [3] ، أبو عبد الله، ثقة، صدوق.

_ [1] في «العبر» : «محمد بن نصر» وهو خطأ. وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 138) . [2] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «المديني» وهو صواب أيضا، فالنسبة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، «مدني» و «مديني» . انظر «الأنساب « (11/ 202) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (14/ 412- 413) .

سنة ست وثلاثمائة

سنة ست وثلاثمائة فيها وقبلها، أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت لركاكة ابنها، فإنه لم يركب للنّاس ظاهرا منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلاثمائة، ثم ولّى ابنه عليا إمرة مصر وغيرها، وهو ابن أربع سنين، وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة. ولما كان في هذا العام أمرت أمّ المقتدر ثمل [1] القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة، وكانت تبرز التواقيع وعليها خطها. وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه، فأخذ الإسكندرية وأكثر الصعيد ثم رجع. وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبّار، أبو عبد الله الصوفي [2] ببغداد. روى عن علي بن الجعد، ويحيى بن معين، وجماعة. وكان ثقة صاحب حديث، مات عن نيّف وتسعين سنة. وفيها القاضي أبو العبّاس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي [3] شيخ

_ [1] في «العبر» : «مثل» وهو خطأ. وانظر «صلة تاريخ الطبري» للقرطبي ص (109) ، و «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (227) طبع دار المعارف بمصر. [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 152- 153) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 201- 204) .

الشافعية وصاحب التصانيف، في جمادى الأولى، وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر، وكان يقال له: الباز الأشهب، ولي قضاء شيراز، وله من المصنفات أربعمائة مصنف. روى الحديث عن الحسن بن محمد الزّعفراني وجماعة. قال الإسنوي: قال الشيخ أبو إسحاق: كان ابن سريج يفضّل على جميع أصحاب الشافعيّ حتّى على المزني. انتهى. وقال ابن خلّكان [1] : وأخذ الفقه عن أبي القاسم الأنماطي، وعنه أخذ فقهاء الإسلام، ومنه انتشر مذهب الإمام الشافعي في أكثر الآفاق. وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهري، وحكي أنه قال له أبو بكر يوما: أبلعني ريقي، فقال له: أبلعتك دجلة. وقال له يوما: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة. وقال له يوما: أكلمك من الرّجل فتجيبني من الرأس، فقال له: هكذا البقر، إذا جفّت [2] أظلافها [3] دهنت قرونها. وكان يقال له في عصره: إن الله تعالى بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة فأظهر كل سنّة وأمات كل بدعة، ومن الله تعالى على رأس المائتين بالإمام الشّافعيّ حتّى أظهر السّنّة وأخفى البدعة، ومن الله تعالى على رأس الثلاثمائة بك حتّى قويت كل سنّة وأضعفت كل بدعة. وكان له مع فضائله نظم حسن. انتهى كلام ابن خلّكان.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (1/ 66- 67) . [2] في «وفيات الأعيان» : «إذا حفيت» . [3] الأظلاف: جمع ظلف. قال ابن منظور: الظّلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير، وقد يطلق الظّلف على ذات الظّلف أنفسها مجازا. «لسان العرب» (ظلف) .

قلت: وإليه تنسب المسألة السريجية، وهي أن يقول الرجل لزوجته: كلما، أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم يقول: أنت طالق. قال ابن سريج: لا يقع شيء للدور. قال البلقيني بجواز تقليد مصحح الدور في السريجية ومقلده لا يأثم، وإن كنت لا أفتي بصحته لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها، وإن ذلك ينفع عند الله تعالى، ذكره عنه ابن حجر الهيتمي، والله أعلم. وقال ابن الأهدل: ومن غرائب ابن سريج أنه كان يقول بلزوم الحكم بالحكاية. انتهى. وفيها أبو عبد الله بن الجلّاء [1] الزاهد المشهور، شيخ الصوفية، واسمه أحمد بن يحيى [2] . صحب ذا النّون المصري والكبار، وكان قدوة أهل الشام. توفي في رجب. وقد سئل عن المحبة فقال: ما لي وللمحبة، أنا أريد أن أتعلم التوبة. قال السخاوي في «طبقاته» [3] : أحمد بن يحيى بن الجلّاء بغدادي الأصل، أقام بالرّملة ودمشق، وكان من جلّة مشايخ الشام. صحب أباه يحيى بن الجلّاء، وأبا تراب النّخشبي، وذا النّون المصري، وأبا عبيد البسري، وكان أستاذ محمد بن داود الدّقّي. وكان عالما ورعا. كان يقال: إن في الدّنيا ثلاثة من أئمة الصوفية، لا رابع لهم: الجنيد ببغداد، وأبو عثمان الحيري بنيسابور، وأبو عبد الله أحمد بن الجلّاء بالشام.

_ [1] انظر «طبقات الصوفية» ص (176- 179) ، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 251- 252) . [2] في «طبقات الصوفية» و «سير أعلام النبلاء» : «ويقال محمد بن يحيى» . [3] قلت: الذي جاء في النص هنا يماثل ما عند السلمي في «طبقات الصوفية» ص (176) فراجعه.

قال ابن الجلّاء: من بلغ بنفسه إلى رتبة سقط عنها، ومن بلغ بالله ثبت عليها. وسئل: على أيّ شيء تصحب الخلق [1] ؟ فقال: إن لم تبرّهم فلا تؤذهم، وإن لم تسرّهم فلا تسؤهم. وقال: لا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك وبينه من المودّة والصداقة، فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقا لا يضيّعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه. وقال: من استوى عنده المدح والذمّ فهو زاهد، ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلّها من الله [عزّ وجل] فهو موحّد. وسئل: ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد؟ قال: هذا من فعل رجال الله [عزّ وجل] . قيل: فإن مات؟ قال: الدّيّة على القاتل [2] . وقال: اهتمامك بالرزق يزيلك عن الحق، ويفقرك إلى الخلق. وسئل مرة عن علم الصفات: فقال: كيفية المرء ليس المرء يدركها ... فكيف كيفيّة الجبّار في القدم هو الذي أحدث الأشياء مبتدعا ... فكيف يدركه مستحدث النسم انتهى. وفيها حاجب [بن مالك] [3] بن أركين الفرغاني الضّرير المحدّث. روى عن أحمد بن إبراهيم الدّورقي وجماعة، وله جزء مشهور.

_ [1] في «طبقات الصوفية» للسلمي: «على أي شرط أصحب الخلق» وهو أصوب. [2] أقول: من السّنّة أن يحمل الزاد، ويعمل بالأسباب، وهذا فعل المتوكلين على الله تعالى. (ع) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «سير أعلام النبلاء» (14/ 258) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (6/ 145) طبع دار الفكر بدمشق.

والحسين بن حمدان التّغلبي [1] ذبح في حبس المقتدر بأمره. وفيها الإمام أبو محمد، عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي [2] ، الحافظ الثقة، صاحب التصانيف. سمع سهل بن عثمان، وأبا بكر بن أبي شيبة، وطبقتهما، وكان يحفظ مائة ألف حديث، ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرّة. توفي في آخر السنة، وله تسعون سنة وأشهر. وفيها محمد بن خلف بن [حيّان بن صدقة] [3] ، وكيع القاضي [4] أبو بكر الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الزّبير بن بكّار وطبقته، وولي قضاء الأهواز. قال في «المغني» [5] : مشهور، له تآليف [6] . قال ابن المنادي: فيه لين. انتهى. وفيها الفقيه الإمام أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي [7] [المصري] الضّرير. أصله من رأس عين، بلدة بالجزيرة [8] له مصنفات في مذهب الشافعي حسان، وشعر جيد، أصابته فاقة في سنة قحط، فنادى بأعلى صوته فوق داره:

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» للصفدي (12/ 360) ، و «العبر» للذهبي (2/ 138) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 168- 173) و «العبر» (2/ 139) . [3] زيادة من «سير أعلام النبلاء» (14/ 237) والمصادر التي ذكرت في هامشه. [4] انظر «العبر» (2/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 237) . [5] انظر «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 576) . [6] في «المغني» : «له تواليف» . [7] انظر «غربال الزمان» ص (271) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 238) . [8] قال ياقوت في «معجم البلدان» (3/ 14) : وهي مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حرّان ونصيبين ودنيسر، وبينها وبين نصيبين خمسة عشر فرسخا وقريب من ذلك بينها وبين حرّان، وهي إلى دنيسر أقرب، بينهما نحو عشرة فراسخ. وفي الأصل والمطبوع: «بلدة بالجيزة» وهو خطأ. قلت: وتقع الآن في أقصى الشمال الأوسط من سورية.

الغياث الغياث يا أحرار ... نحن فقراء [1] وأنتم تجار إنما تحسن المواساة في الش ... دة لا حين ترخص الأسعار [2] فسمعه جيرانه، فأصبح على بابه مائة حمل برّ. قال الإسنويّ: كان فقيها متصرفا في علوم كثيرة، لم يكن في زمانه في مصر مثله. قال الشيخ أبو إسحاق [3] : قرأ على أصحاب الشافعي، وأصحاب أصحابه، وله مصنفات في الفقه [4] مليحة، منها «الهداية» و «المسافر» و «الواجب» و «المستعمل» وغيرها. وله شعر مليح، وكان شاعرا خبيث اللسان في الهجو، وكان جنديا، ومن شعره: لي حيلة فيمن ينمّ ... وليس في الكذّاب حيله من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله [5] وله أيضا: الكلب أحسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسة ممّن ينازع في الرّيا ... سة قبل أوقات الرّياسه [6] نقل عنه الرافعي في الجنايات أن مستحق القصاص يجوز له استيفاؤه بغير إذن الإمام. انتهى ملخصا.

_ [1] في «غربال الزمان» و «وفيات الأعيان» (5/ 290) : «نحن خلجناكم» . [2] في الأصل، والمطبوع ورد البيتان على شكل كلام نثري للمترجم وهو خطأ، وقد حصل بعض التحريف في بعض ألفاظ البيتين في «غربال الزمان» و «وفيات الأعيان» . [3] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (107- 108) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف. [4] في «طبقات الفقهاء» و «وفيات الأعيان» : «في المذهب» . [5] البيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 290) وهما في «سير أعلام النبلاء» برواية أخرى. [6] البيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 290) .

سنة سبع وثلاثمائة

سنة سبع وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» : انقضّ كوكب عظيم وتقطّع ثلاث قطع، وسمع بعد انقضاضه صوت رعد عظيم هائل من غير غيم. وفيها كانت الحروب والأراجيف الصعبة بمصر، ثم لطف الله وأوقع المرض في المغاربة، ومات جماعة من أمرائهم، واشتدت علّة القائم محمد بن المهدي. وفيها دخلت القرامطة البصرة، فنهبوا وسبوا. وفيها توفي أبو العبّاس الأشناني، أحمد بن سهل [1] المقرئ المجوّد، صاحب عبيد بن الصبّاح، وكان ثقة. روى الحديث عن بشر بن الوليد وجماعة. وفيها أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنّى بن يحيى التميمي [2] الحافظ، صاحب «المسند» [3] روى عن علي بن الجعد،

_ [1] انظر «العبر» (2/ 139- 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 226- 227) . [2] انظر «العبر» (2/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 174- 182) . [3] قلت: الصواب أن لهذا الإمام الكبير مسندان، الأول: «المسند الكبير» وهو مخطوط لا نعلم مكان وجوده. والثاني «المسند الصغير» وهو الذي قام بتحقيقه وتخريج أحاديثه الأستاذ المحقّق حسين الأسد، بتكليف من دار المأمون للتراث بدمشق، وقد صدر منه حتى الآن عشر مجلدات.

وغسّان بن الرّبيع، والكبار. وصنّف التصانيف، وكان ثقة صالحا متقنا. توفي وله تسع وتسعون [1] سنة. وفيها أبو يحيى زكريا بن يحيى السّاجي [2] البصري الحافظ، محدّث البصرة. روى عن هدبة بن خالد وطبقته. وله كتاب في علل الحديث. قال الإسنوي: منسوب إلى السّاج، وهو نوع من الخشب. كان أحد الأئمة الفقهاء الحفّاظ الثقات. ذكره الشيخ أبو إسحاق في «طبقاته» [3] فقال: أخذ [الفقه] عن الرّبيع، والمزني. وصنّف كتاب «اختلاف الفقهاء» وكتاب «علل الحديث» وتوفي بالبصرة. انتهى. وفيها أبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف التّجيبي [4] مقرئ الدّيار المصرية. روى عن محمد بن رمح، وتلا على أبي يعقوب الأزرق صاحب ورش، وحدّث عنه ابن يونس، وتوفي في جمادي الآخرة، وعمّر دهرا طويلا. وفيها أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري [5] المحدّث. روى عن جبارة بن المغلّس وطائفة. وفيها محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الدّاركي الأصبهاني [6] آخر أصحاب إسماعيل بن عمرو البجلي، وآخر أصحابه أبو بكر بن المقرئ. وفيها محمد بن هارون أبو بكر الرّوياني [7] الحافظ الكبير، صاحب

_ [1] في «العبر» : «سبع وتسعون» وهو الصواب، فإنه ولد سنة (210) كما في «سير أعلام النبلاء» (14/ 174) . [2] انظر «العبر» (2/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 197- 200) . [3] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (104) وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] انظر «العبر» (2/ 140) و «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 231- 232) . [5] انظر «العبر» (2/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 259- 260) . [6] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 137- 138) . [7] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 507- 510) .

«المسند» . روى عن أبي كريب وطبقته، وله تصانيف في الفقه، وكان من الثقات. وفيها أبو عمران الجوني موسى بن سهل [1] بالبصرة، وسكن بغداد، وكان ثقة رحّالا حافظا. سمع محمد بن رمح، وهشام بن عمّار وطبقتهما. وفيها الحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدّوري [2] ببغداد. روى عن عبيد الله بن عمر القواريري وطبقته، وجمع وصنّف، وكان ثقة. ويحيى بن زكريّا النيسابوري أبو زكريّا الأعرج [3] أحد الحفّاظ بمصر، وهو عمّ محمد بن عبد الله بن زكريّا بن حيّويه [4] النيسابوري. دخل مصر على كبر السن، وروى عن قتيبة، وابن راهويه.

_ [1] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 261) . [2] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 261- 262) . [3] انظر «العبر» (2/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 243- 244) . [4] في الأصل، والمطبوع: «حيوة» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «تذكرة الحفاظ» (2/ 744) و «تهذيب التهذيب» (11/ 210) .

سنة ثمان وثلاثمائة

سنة ثمان وثلاثمائة فيها ظهر اختلال الدولة العباسية، وجيّشت الغوغاء ببغداد، فركب الجند، وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العبّاس، فقصدت العامة داره، فحاربتهم غلمانه، وكان له مماليك كثيرة، فدام القتال أياما، وقتل عدد كثير، ثم استفحل البلاء، ووقع النهب في بغداد. وجرت فيها فتن وحروب بمصر، وملك العبيديون جيزة الفسطاط، فجزعت الخلق وشرعوا في الهرب. وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن سراج بن أبي الأزهر المصري [1] ، وكان من الضعفاء لفسقه بشرب المسكر. قال الحافظ ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» : ثمّ علي بن سراج المصري ... حوّله شرابه ففرّ أي: حوّله عن العدالة إلى الفسق وعدم قبول الرّواية. شربه المسكر ففرّ، أي: انفر منه وهو أمر من الفرار.

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع، و «تاريخ بغداد» (11/ 431) و «ميزان الاعتدال» (3/ 131) و «لسان الميزان» (4/ 230) : «المصري» وفي «تذكرة الحفاظ» (2/ 756) و «طبقات الحفاظ» ص (318) : «البصري» .

وفيها إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه أبو إسحاق النيسابوري [1] الرجل الصالح، راوي «صحيح مسلم» . روى عن محمد بن رافع، ورحل وسمع ببغداد، والكوفة، والحجاز، وقيل: كان مجاب الدعوة. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو محمد إسحاق بن أحمد الخزاعي [3] مقرئ أهل مكّة وصاحب البزّي. روى «مسند العدني» [4] عن المصنّف [5] وتوفي في رمضان وهو في عشر التسعين. وعبد الله بن [محمد بن] وهب الحافظ الكبير، أبو محمد الدّينوري [6] ، سمع الكثير، وطوّف الأقاليم، وروى عن أبي سعيد الأشجّ وطبقته. قال ابن عدي [7] : سمعت عمر بن سهل يرميه بالكذب. وقال الدار قطنّي: متروك.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 311- 313) . [2] (2/ 142) . [3] انظر «العبر» (2/ 142- 143) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 289) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 227) . [4] في الأصل، والمطبوع: «مسند العدلي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «معرفة القرّاء الكبار» . [5] يعني عن مصنفه الإمام الحافظ محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (199) . [6] انظر «العبر» (2/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 400- 402) وما بين حاصرتين زيادة منهما، ويقال له أيضا: عبد الله بن حمدان بن وهب الدّينوري كما في «الكامل» لابن عدي. [7] في «الكامل» (4/ 1579) طبع دار الفكر ببيروت، وفيه «عمر بن سهيل» .

وقال أبو علي النيسابوري: بلغني أن أبا زرعة [1] كان يعجز عن مذاكرته. وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا رحّالا لكنه عند الدارقطني وغيره من المتروكين، وقد قبله قوم وصدقوه فيما ذكره ابن عدي وعنه نقلوه. انتهى. وفيها أبو الطيب محمد بن المفضّل بن سلمة بن عاصم الضّبيّ [2] ، الفقيه الشافعيّ، صاحب ابن سريج. أحد الأذكياء. صنّف الكتب، وهو صاحب وجه، وكان يرى تكفير تارك الصلاة، ومات شابا، وأبوه وجدّه من أئمة العربية. وفيها المفضّل بن محمد أبو سعيد الجندي [3] ، محدّث مكّة. روى عن إبراهيم بن محمد الشافعي، والعدني، وجماعة، ووثّقه أبو علي النيسابوري. وفيها أبو الفرج يعقوب بن يوسف [4] وزير العزيز بن المعتز العبيدي، صاحب مصر، وكان يعقوب أولا يهوديا يزعم أنه من ولد السّموأل بن عادياء صاحب حصن الأبلق باليمن، وكان في خدمة كافور الإخشيدي، وبعد وفاة كافور ولي الوزارة للعزيز، وكان يحب العلم والعلماء. وقال له العزيز في مرضه: لو كنت تشترى لاشتريتك بملكي وولدي، ولما مات صلى عليه ودخل قبره. قاله ابن الأهدل، وهي من غلطاته، فإنه في هذا التاريخ لم يكن وجد، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى [5] .

_ [1] في المطبوع: «بلغني أن أبا ذرعة» بالذال وهو خطأ. [2] انظر «العبر» (2/ 143) و «وفيات الأعيان» (4/ 205) . [3] انظر «العبر» (2/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 257- 258) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 27- 35) و «الأعلام» (8/ 202- 203) . [5] انظر ص (422) من هذا المجلد.

سنة تسع وثلاثمائة

سنة تسع وثلاثمائة فيها أخذت الإسكندرية، واستردّت إلى نوّاب الخليفة، ورجع العبيديّ إلى المغرب. وفيها قتل أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمّى الفارسي الحلّاج، وكان محمّى مجوسيا. قال في «العبر» [1] : تصوّف [2] الحلّاج وصحب سهل بن عبد الله التّستري، ثم قدم بغداد، فصحب الجنيد، والنّوري، وتعبّد فبالغ في المجاهدة والتّرقب [3] ، ثم فتن ودخل عليه الداخل من الكبر والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السّحر، فحصل له به حال شيطاني، وهرب منه الحال الإيماني، ثم بدت منه كفريات أباحت دمه وكسّرت صنمه، واشتبه على النّاس السّحر بالكرامات، فضلّ به خلق كثير، كدأب من مضى ومن يكون، إلى مقتل الدجال الأكبر [4] والمعصوم من عصمه الله [5] وقد جال هذا الرجل بخراسان، وما وراء النهر، والهند، وزرع في كل ناحية زندقة، فكانوا

_ [1] (2/ 144) . [2] تحرفت في «العبر» إلى «تطوّف» فتصحح فيه. [3] في «العبر» : «والترهب» . [4] في «العبر» : «مثل الدجال الأكبر» . [5] في «العبر» : «من عصم الله» .

يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد التّرك بالمقيت، لبعد الدّيار [1] عن الإيمان. وأما البلاد القريبة فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد الله الزاهد، ومن خوزستان [2] بالشيخ حلّاج الأسرار، وسمّاه أشياعه ببغداد المصطلم، وبالبصرة المحير [3] ، ثم سكن بغداد في حدود الثلاثمائة وقبلها، واشترى أملاكا [4] وبنى دارا، وأخذ يدعو النّاس إلى أمور، فقامت عليه الكبار، ووقع بينه وبين الشّبلي، والفقيه محمد بن داود الظاهري، والوزير علي بن عيسى، الذي كان في وزارته، كابن هبيرة في وزارته، علما، ودينا، وعدلا، فقال ناس: ساحر فأصابوا، وقال ناس: به مسّ من الجن، فما أبعدوا، لأن الذي كان يصدر منه لا يصدر من عاقل، إذ ذلك موجب حتفه، أو هو كالمصروع أو المصاب، الذي يخبر بالمغيّبات، ولا يتعاطى بذلك حالا، ولا أنّ ذلك من قبيل الوحي ولا الكرامات. وقال ناس من الأغتام [5] : بل هذا رجل عارف، وليّ لله، صاحب كرامات، فليقل ما شاء، فجهلوا من وجهين أحدهما أنه وليّ، والثاني أن الولي يقول ما شاء، فلن يقول إلا الحق، وهذه بليّة عظيمة، ومرضة مزمنة، أعيا الأطباء داؤها [6] ، وراج بهرجها، وعزّ ناقدها، والله المستعان. قال أحمد بن يوسف التنوخي الأزرق: كان الحلّاج يدعو كل وقت إلى شيء، على حسب ما يستبله طائفة.

_ [1] في الأصل، والمطبوع: «لبعد الدار» وأثبت ما في «العبر» (2/ 144) . [2] تصحفت في المطبوع إلى «خوزستان» . [3] كذا في الأصل والمطبوع و «البداية والنهاية» (11/ 133) : «المحير» وفي «العبر» : «المجير» . [4] قوله «واشترى أملاكا» لم يرد في «العبر» للذهبي. [5] قال ابن منظور: الغتمة: عجمة في المنطق. ورجل أغتم وغتميّ: لا يفصح شيئا. «لسان العرب» (غتم) . [6] في «العبر» : «دواؤها» .

أخبرني جماعة من أصحابه، أنه لما افتتن به الناس بالأهواز لما يخرج لهم من الأطعمة في غير وقتها والدراهم، ويسمّيها دراهم القدرة، حدّث الجبائيّ بذلك فقال: هذه الأشياء تمكن [1] الحيل فيها، ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم، وكلّفوه أن يخرج منه جرزتي شوك، فبلغ الحلّاج قوله، فخرج من الأهواز. وروي عن عمرو بن عثمان المكّي، أنه لعن الحلّاج وقال: قرأت آية من القرآن، فقال: يمكنني أن أؤلّف مثلها. وقال أبو يعقوب الأقطع: زوّجت بنتي بالحلّاج فبان لي بعد أنه ساحر محتال. وقال الصّولي: جالست الحلّاج، فرأيت جاهلا يتعاقل، وعييا [2] يتبالغ، وفاجرا يتزهد. وكان ظاهره أنه ناسك، فإذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا، أو يرون التشيّع تشيّع، أو يرون التّسنّن تسنّن، وكان يعرف الشعبذة، والكيمياء، والطب، ويتنقل في البلدان، ويدّعي الربوبية، ويقول للواحد من أصحابه: أنت آدم، ولذا أنت نوح، ولهذا أنت محمد، ويدّعي التناسخ، وأن أرواح الأنبياء انتقلت إليهم. وقال الصّولي أيضا: قبض عليّ الرّاسبي أمير الأهواز على الحلّاج في سنة إحدى وثلاثمائة، وكتب إلى بغداد، يذكر أن البيّنة قامت عنده أن الحلّاج يدّعي الربوبية ويقول بالحلول، فحبس مدة، وكان يري الجاهل شيئا من

_ [1] في «العبر» : «يمكن» . [2] أي لم يهتد لوجه مراده، أو عجز عنه، ولم يطق إحكامه. انظر «لسان العرب» (عيا) . وفي «العبر» و «البداية والنهاية» (11/ 139) : «وغبيا» .

شعبذته، فإذا وثق به، دعاه إلى أنه إله، ثم قيل: إنه سنّي وإنما يريد قتله الرافضة، ودافع عنه نصر الحاجب قال: وكان في كتبه إنه مغرق قوم نوح، ومهلك عاد وثمود. وكان الوزير حامد، قد وجد له كتابا فيه: أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو ذلك، أغناه ذلك [1] عن الصوم، والصلاة، والحج، فقام عليه حامد فقتل. وأفتى جماعة من العلماء بقتله، وبعث حامد بن العبّاس بخطوطهم إلى المقتدر، فتوقف المقتدر، فراسله، أن هذا قد ذاع كفره وادّعاؤه الربوبية، وإن لم يقتل افتتن به الناس، فأذن في قتله، فطلب الوزير صاحب الشرطة، وأمره أن يضربه ألف سوط، فإن لم يمت وإلا قطع أربعته [2] ، فأحضر وهو يتبختر في قيده، فضرب ألف سوط ثم قطع يده ورجله، ثم حزّ رأسه وأحرقت جثته. وقال ثابت بن سنان: انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلّاج، وأنه قد موّه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر، بأنه يحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد، وكان محبوسا بدار الخلافة فأحضر جماعة إلى حامد، فاعترفوا أن الحلّاج إله، وأنه يحيي الموتى، ثم وافقوه وكاشفوه [فأنكر] [3] . وكانت زوجة السمري عنده في الاعتقال، فأحضرها حامد فسألها، فقالت: قد قال مرّة: زوّجتك بابني وهو بنيسابور، فإن جرى [4] منه ما تكرهين فصومي واصعدي على السطح على الرماد، وأفطري على الملح، واذكري ما تكرهينه، فإني أسمع وأرى. قالت: وكنت نائمة وهو قريب منّي، فما أحسست إلا وقد غشيني،

_ [1] لفظة «ذلك» لم ترد في «العبر» (2/ 147) . [2] في «العبر» (2/ 148) : «فإن مات وإلا قطع أربعته» . [3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» للذهبي. [4] في الأصل والمطبوع: «وإن جرى» وأثبت لفظ «العبر» للذهبي.

فانتبهت فزعة، فقال: إنما جئت لأوقظك للصلاة. وقالت لي بنته يوما: اسجدي له، فقلت: أو يسجد أحد لغير الله، وهو يسمعني، فقال: نعم إله في السماء وإله في الأرض. وقال ابن باكويه: سمعت أحمد [1] بن الحلاج يقول: سمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي: رأيت ربّ العزّة في المنام، فقلت: يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ قال: كاشفته بمعنى، فدعا الخلق إلى نفسه، فأنزلت به ما رأيت. وقال يوسف بن يعقوب النّعماني: سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني الفقيه يقول: إن كان ما أنزل الله على نبيّه حقا [2] ، فما يقول الحلاج باطل. وعن أبي بكر بن سعدان، قال لي الحلّاج: تؤمن بي حتّى أبعث لك بعصفورة، تطرح من ذرقها [وزن حبّة] [3] على كذا منّا نحاسا فيصير ذهبا. قلت: أفتؤمن بي حتّى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه، أخفيته في عينك، فأبهته، وكان مموّها مشعوذا. انتهى كلام «العبر» [4] بحروفه. وفي «تاريخ ابن كثير» [5] قال: وقد صحب الحلّاج جماعة من سادات المشايخ، كالجنيد، وعمرو بن عثمان المكّي، وأبي الحسين النوري. قال الخطيب البغدادي [6] : والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى أن

_ [1] تحرف في المطبوع إلى «حمد» . [2] في الأصل: «حق» وما أثبتناه من المطبوع و «العبر» . [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي (2/ 149) . [4] (2/ 144- 150) . [5] يعني «البداية والنهاية» وقد نقل المؤلف عنه (11/ 132) . [6] انظر «تاريخ بغداد» (8/ 112) .

يكون الحلّاج منهم [وأبى أن يعدّه فيهم] [1] ، وقبله أبو العبّاس بن عطاء [البغدادي] ومحمد بن خفيف [2] الشيرازي، وأبو القاسم النّصرآباذي [النيسابوري] ، وصححوا حاله، ودوّنوا كلامه، حتّى قال ابن خفيف: الحسين بن منصور عالم رباني [3] . وعوتب النّصرآباذي في شيء حكي عن الحلّاج في الروح، فقال: إن كان بعد النبيين والصدّيقين موحّد فهو الحلّاج. وقال السّلميّ: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول: كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا، إلا أنه أظهر وكتمت. قال الخطيب: والذي نفاه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله، وإلى الزندقة في عقيدته وعقده. وأجمع الفقهاء ببغداد أنه قتل كافرا، وكان ممخرقا مموّها مشعبذا، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه، ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه، وغرّهم ظاهره ولم يطّلعوا على باطنه ولا باطن قوله. ولما أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلّاج بن منصور: سبحان من أظهر ناسوته ... سرّ سنا لاهوته الثّاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب حتّى لقد عاينه خلقه ... كلحظة [4] الحاجب بالحاجب [5]

_ [1] ما بين حاصرتين استدركته من «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» . [2] في الأصل والمطبوع: «محمد بن جعفر» وهو خطأ والتصحيح من «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» وانظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (462- 466) . [3] في الأصل والمطبوع: «وهو محمد بن جعفر الشيرازي: الحسين بن منصور عالم رباني» وذلك خطأ ووهم من النسّاخ، وأبقيت النص كما جاء في «البداية والنهاية» و «تاريخ بغداد» . [4] في الأصل والمطبوع: «كخطة» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» و «البداية والنهاية» . [5] الأبيات في «تاريخ بغداد» (8/ 129) و «البداية والنهاية» (11/ 134) .

فقال ابن خفيف: على من يقول هذا لعنة الله؟ فقيل له: إن هذا من شعر الحلّاج، فقال: قد يكون مقولا عليه. ولما كان يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة، أحضر الحلّاج إلى مجلس [1] الشرطة بالجانب الغربي فضرب نحو ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم ضربت عنقه وأحرقت جثته بالنّار. ونصب رأسه على سور الجسر الجديد، وعلّقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه. وذكر السّلميّ بإسناده [2] ، قال أبو بكر بن ممشاذ [3] : حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلّاج عنوانه: من الرحيم الرحمن إلى فلان بن فلان يدعوه إلى الضلالة والإيمان به، فبعث بالكتاب إلى بغداد، فسئل الحلّاج عن ذلك فأقرّ أنه كتبه، وعلى هذا جرى ما جرى. انتهى ما قاله ابن كثير، نقله عنه السخاوي. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدميّ [4] الزاهد أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالاجتهاد في العبادة. قيل: إنه كان ينام في اليوم والليلة ساعتين، ويختم القرآن كل يوم. سئل ما المروءة؟ قال: أن لا يستكثر له عملا. وقال: من ألزم نفسه آداب السّنّة نوّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب [صلى الله عليه وسلم] [5] في أوامره، وأفعاله، وأخلاقه،

_ [1] في «البداية والنهاية» : «محل» . [2] في المطبوع: «بسنده» . [3] في الأصل والمطبوع: «ابن ممشاد» وهو تصحيف، والتصحيح من «طبقات الصوفية» ص (509) . [4] تحرّفت في «العبر» (2/ 150) إلى «الأزدي» فتصحح فيه. وانظر «طبقات الصوفية» ص (265- 272) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 255- 256) . [5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «طبقات الصوفية» ص (268) .

والتأدّب بآدابه قولا وفعلا، وعزما، ونيّة، وعقدا. وقال: العلم الأكبر، الهيبة والحياء، فمن عرّي منهما [1] عرّي عن الخيرات. وقال: من حرم الآداب حرم جوامع الخيرات. وقال: أصحّ العقول، عقل وافق التوفيق، وشرّ الطاعات طاعة أورثت عجبا، وخير الذنوب، ذنب أعقب توبة وندما. توفي في ذي القعدة بالعراق. وفيها حامد بن محمد بن شعيب أبو العبّاس البلخيّ [2] المؤدّب ببغداد. روى عن سريج بن يونس [3] وطائفة، وكان ثقة. عاش ثلاثا وتسعين سنة. وعمر بن إسماعيل [4] بن أبي غيلان، أبو حفص، الثقفيّ البغداديّ. سمع علي بن الجعد وجماعة، ووثّقه الخطيب. وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن المكرم [5] البغداديّ بالبصرة، وكان أحد الحفّاظ المبرّزين. روى عن بشر بن الوليد وطبقته. وفيها عبد الرّحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلّبيّ الأزديّ [6] أبو محمد، وكان من الثقات الحفّاظ، والأثبات الأيقاظ.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «عنهما» وما أثبتناه من «طبقات الصوفية» ص (269) . [2] انظر «العبر» (2/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 291) . [3] في الأصل والمطبوع، و «العبر» : «شريح بن يونس» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «تقريب التهذيب» ص (229) . [4] في الأصل والمطبوع: «عمرو بن إسماعيل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (14/ 186) . [5] في «العبر» (2/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 286) و «ابن مكرم» . [6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 222- 223) .

ومحمد بن خلف بن المرزبان [1] أبو بكر البغداديّ الأخباريّ، صاحب التصانيف. روى عن الزّبير بن بكّار وطبقته، وكان صدوقا. وفيها محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي [2] ، مولاهم، أبو بكر، الأصبهاني، ابن معدان. كان حافظا رحّالا، كثير المصنفات.

_ [1] انظر «العبر» (2/ 258) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 264- 265) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 404- 405) .

سنة عشر وثلاثمائة

سنة عشر وثلاثمائة فيها كما قال [1] في «الشذور» انبثق بواسط تسعة عشر بثقا [2] أصغرها مائتا ذراع وأكبرها ألف ذراع، وغرق من أمهات القرى ألف وثلاثمائة قرية. انتهى. وفيها توفي الحافظ الكبير الثقة، أبو جعفر، أحمد بن يحيى [بن زهير التّستري] [3] . سمع أبا كريب وطبقته، وروى عنه ابن حبّان، والطبراني، وكان مع حفظه زاهدا خيّرا. قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ: ما رأيت أحفظ منه. وقال ابن المقرئ فيه: حدّثنا تاج المحدّثين، فذكر حديثا. وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو يعقوب، الأصبهانيّ [4] ، الرّاوي عن أحمد بن منيع «مسنده» عن سنّ عالية.

_ [1] القائل الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي في «شذور العقود في تاريخ العهود» . [2] قال ابن منظور: البثق: كسرك شطّ النهر لينشق الماء. [وقال] ابن سيدة: بثق شقّ النهر يبثقه بثقا كسره لينبعث ماؤه. واسم ذلك الموضع البثق والبثق. وقيل: هما منبعث الماء، وجمعه بثوق. [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 151) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 362- 365) . [4] انظر «العبر» (2/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 265- 266) .

قال حفيده عبيد الله بن يعقوب: عاش جدّي مائة وسبع عشرة سنة. وفيها أبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبه البغدادي [1] بمصر. روى عن محمد بن بكّار بن الرّيّان وطائفة. قال في «المغني» [2] : داود بن إبراهيم بن روزبه، أبو شيبة. معروف صدوق، أخطأ ابن الجوزي ووهاه مرّة، على أنه لم يذكره في الضعفاء انتهى. وفيها علي بن العبّاس البجلي الكوفي المقانعي [3] ، أبو الحسن. روى عن أبي كريب وطبقته. وفيها على الصحيح، أو في سنة إحدى عشرة أو ست عشرة، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السّريّ بن سهل الزّجّاج [4] النحوي. قال ابن خلّكان [5] : كان من أهل العلم والأدب والدين المتين [6] ، وصنّف كتابا في معاني القرآن، وله كتاب «الأمالي» وكتاب «ما فسّر من جامع [7] المنطق» وكتاب «الاشتقاق» وكتاب «العروض» وكتاب «النوادر» وكتاب «الأنواء» وغيرها. وأخذ الأدب عن المبرّد، وثعلب، وكان يخرط الزّجاج، ثم تركه واشتغل بالأدب، فنسب إليه. واختصّ بصحبة الوزير عبيد الله بن سليمان، وعلّم ولده

_ [1] انظر «العبر» (2/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 244- 245) . [2] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 216) . [3] انظر «العبر» (1/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 430) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 360) ومقدمة الأستاذ أحمد يوسف الدقاق لكتاب المترجم «تفسير أسماء الله الحسنى» ص (17- 20) طبع دار المأمون للتراث بدمشق. [5] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 49- 50) والمؤلف ينقل عنه باختصار وتصرف. [6] في «وفيات الأعيان» : «من أهل العلم بالأدب والدّين المتين» . [7] في الأصل المطبوع: «من جمع» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .

القاسم الأدب. ولما استوزر القاسم أفاد بطريقته [1] مالا جزيلا. وحكى أبو علي الفارسي النحوي قال: دخلت مع شيخنا أبي إسحاق على القاسم بن عبيد الله الوزير، فورد الخادم فسارّه بسرّ استبشر له [2] ، ثم نهض فلم يكن بأسرع من [أن] [3] عاد وفي وجهه أثر الوجوم، فسأله شيخنا عن ذلك، فقال له: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى القينات، فسمتها أن تبيعني إياها، فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من ينصحها بأن تهديها إليّ رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما جاءت أعلمني الخادم بذلك، فنهضت مستبشرا لافتضاضها، فوجدتها قد حاضت، فكان منّي ما ترى، فأخذ شيخنا الدواة وكتب: فارس ماض بحربته ... حاذق بالطعن بالظّلم رام أن يدمي فريسته ... فاتّقته من دم بدم [4] انتهى ملخصا. وفيها أبو بشر الدّولابي، وهو محمد بن أحمد بن حمّاد الأنصاري الرّازي الحافظ [5] صاحب التصانيف. روى عن بندار محمد بن بشّار وخلق. وعاش ستّا وثمانين سنة. قال أبو سعيد بن يونس: كان من أهل الصنعة، وكان يضعّف. وروى عنه ابن أبي حاتم، وابن حبّان، والطبراني.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «بطريقة» . [2] في الأصل: «فسره بسرّ فاستبشره» وفي المطبوع: «فساه بسرّ فاستبشره» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» [4] قلت: البيتان في «وفيات الأعيان» (1/ 289- 290) وقد نسبهما ابن خلّكان للمأمون العباسي نقلا عن «الكنايات» للجرجاني فراجعه. [5] انظر «العبر» (2/ 151- 152) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 309- 311) .

قال الدارقطني: تكلموا فيه. وقال ابن عدي: ابن حمّاد متّهم. قاله ابن بردس. توفي الدّولابيّ بين مكّة والمدينة. وفيها الحبر البحر الإمام أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري [1] صاحب «التفسير» و «التاريخ» والمصنفات الكثيرة. سمع إسحاق بن [أبي] [2] إسرائيل، ومحمد بن حميد الرّازي وطبقتهما. وكان مجتهدا لا يقلّد أحدا. قاله في «العبر» . قال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير. وقال أبو حامد الإسفراييني [3] الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين، حتّى يحصّل تفسير محمد بن جرير، لم يكن كثيرا. وكذلك أثنى ابن تيميّة على تفسيره للغاية. ومولده بآمل طبرستان [4] سنة أربع وعشرين ومائتين، وتوفي ليومين بقيا من شوّال، وكان ذا زهد وقناعة. وتوفي ببغداد. وممّن أخذ عنه العلم، مخلد [بن جعفر] الباقرحي [5] والطبراني، وخلق.

_ [1] انظر «العبر» (2/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 267- 282) . [2] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [3] في المطبوع: «الإسفرائني» . [4] وكانت آمل أكبر مدن إقليم طبرستان، وتقع الآن في الشمال الأوسط من إيران. انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 57) و «الأنساب» للسمعاني (1/ 22) . [5] في الأصل: «محمد الباقزحي» وفي المطبوع: «محمد الباقرحي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (2/ 162) و «تهذيب الأسماء واللغات « (1/ 78) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 269) و «تذكرة الحفاظ» (1/ 710) .

قال الخطيب [1] : كانت الأئمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله [2] جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وذكر له ترجمة طويلة. وفيها على الصحيح، العالم المحدّث، أبو العبّاس، محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني [3] محدّث فلسطين. روى عن صفوان بن صالح المؤذّن، ومحمد بن رمح والكبار. وعنه ابن عدي، وأبو علي النّيسابوري، وخلق. وكان حافظا ثقة ثبتا. وفيها تقريبا، أبو عمران الرّقّي، موسى بن جرير [4] المقرئ النحوي، صاحب أبي شعيب السّوسي [5] تصدّر للإقراء مدة. وفيها الوليد بن أبان الحافظ، أبو العبّاس، الأصبهاني [6] بأصبهان، وكان ثقة. صنّف «المسند» و «التفسير» وطوّف الكثير، وحدّث عن أحمد بن الفرات الرّازي وطبقته. وعنه أبو الشيخ، والطبراني، وأهل أصبهان.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (2/ 163) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [2] في «تاريخ بغداد» : «وكان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله» . [3] انظر «العبر» (1/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 292- 293) . [4] انظر «العبر» (2/ 151) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 245- 246) . [5] هو صالح بن زياد السّوسي، وقد تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (268) فراجعها. [6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 288- 289) .

سنة إحدى عشرة وثلاثمائة

سنة إحدى عشرة وثلاثمائة فيها دخل أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنّابي القرمطي البصرة في الليل، في ألف وسبعمائة فارس. نصبوا السلالم على السور ونزلوا، فوضعوا السيف في البلد، وأحرقوا الجامع، وهرب خلق إلى الماء فغرقوا، وسبوا الحريم، واستمروا سبعة عشر يوما يحملون ما أرادوا من الأموال والحريم، والله المستعان [1] . وفيها توفي أبو جعفر أحمد بن حمدان بن عليّ بن سنان الحيريّ النيسابوريّ [2] ، الحافظ الزاهد المجاب الدّعوة. والد المحدّث أبي عمرو بن حمدان. روى عن عبد الرّحمن بن بشر بن الحكم وطبقته، وصنّف «الصحيح» على شرط مسلم، وكان يحيي الليل. وفيها أبو بكر الخلّال أحمد بن محمد بن هارون البغداديّ [3] الفقيه الحبر الذي أنفق عمره في جمع مذهب الإمام أحمد وتصنيفه. تفقه على

_ [1] انظر الخبر في «العبر» للذهبي (2/ 153) ، و «الكامل» لابن الأثير (8/ 143- 144) و «غربال الزمان» العامري ص (275) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 299- 303) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 297- 298) .

المرّوذي [1] . وسمع من الحسن بن عرفة وأقرانه. وروى عنه تلميذه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر، يعرف بغلام الخلّال، ومحمد بن المظفّر الحافظ، وغير واحد. قال ابن ناصر الدّين: هو رحّال، واسع العلم، شديد الاعتناء بالآثار. له «كتاب السنّة» ثلاث مجلدات كبار، و «كتاب العلل» في عدّة أسفار، و «كتاب الجامع» وهو كبير جليل المقدار. انتهى. وتوفي في ربيع الأول. وفيها عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي [2] ببغداد. روى عن عثمان بن أبي شيبة وطبقته، وكان ثقة محدّثا. وعبد الله بن محمود السّعديّ أبو عبد الرّحمن [3] محدّث مرو. وعبد الله بن عروة الهرويّ [4] الحافظ أبو محمد. كان من الأثبات الثقات. صنّف. وسمع أبا سعيد الأشجّ وطبقته. وروى عنه أبو منصور اللّغوي، وأبو منصور الهروي، وآخرون. وفيها الحافظ الكبير، أبو حفص، عمر بن محمد بن بجير الهمذانيّ السّمرقنديّ [5] صاحب «الصحيح» و «التفسير» وذو الرّحلة الواسعة. روى عن عيسى بن حمّاد زغبة، وبشر بن معاذ العقدي، وطبقتهما. وعنه محمد بن محمد بن صابر، وأعين بن جعفر السّمرقندي، وعاش ثمانيا وثمانين سنة، وكان صدوقا.

_ [1] يعني شيخ الإسلام أحمد بن محمد بن الحجّاج المرّوذي. انظر ترجمته في المجلد الثالث ص (313) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 437- 438) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 399- 400) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 294) . [5] انظر «العبر» (2/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 402- 404) وفيه «الهمداني» فتصحح.

وفيها تقريبا [1] ، محمد بن إبراهيم بن شعيب، أبو الحسين، الغازي [2] كان رحّالا ثقة. قال ابن ناصر الدين في «بديعة البيان» : وبعد بضع عشرة المجازي ... محمد الجرجاني ذاك الغازي انتهى. وفيها إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السّلميّ النيسابوريّ [3] الحافظ. صاحب التصانيف. شيخ الإسلام. ولد سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وروى عن عليّ بن حجر، وابن راهويه، ومحمود بن غيلان، وخلق. وعنه البخاريّ ومسلم خارج «صحيحيهما» ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبو علي النيسابوري. قاله ابن بردس. وهو حافظ ثبت إمام. رحل إلى الشام، والحجاز، والعراق، ومصر. وتفقّه على المزني وغيره. قال الحافظ أبو علي النيسابوري: لم أر مثل محمد بن إسحاق [4] . وقال أبو زكريا العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قول إذا صحّ الخبر عنه. وقال أبو علي الحافظ: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيّات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة. وقال ابن حبّان: لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن. وقال الدارقطنيّ: كان إماما معدوم النظير.

_ [1] في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (320) : «مات سنة بضع عشرة وثلاثمائة» . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 407) . [3] انظر «العبر» (2/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 365- 382) . [4] يعني ابن خزيمة.

وقال الإسنويّ في «طبقاته» [1] : صار ابن خزيمة إمام زمانه بخراسان، رحلت إليه الطلبة من الآفاق. قال شيخه الرّبيع: استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا، وكان متقلّلا، له قميص واحد دائما، فإذا جدّد آخر، وهب ما كان عليه. نقل عنه الرافعي في مواضع، منها: أنه إن رجّع في الأذان، ثنّى الإقامة، وإلّا أفردها. ومنها أن الركعة لا تدرك بالركوع. انتهى ملخصا. وفيها أبو العبّاس محمد بن شادل [2] النيسابوري [3] سمع ابن راهويه، وأبا مصعب [4] وخلقا. وكان يختم القرآن في كلّ يوم. ومحمد بن زكريّا الرّازي [5] الطبيب العلّامة، صاحب المصنّفات في الطب والفلسفة، وإنما اشتغل بعد أن بلغ الأربعين. وكان في صباه مغنيّا بالعود. قاله في «العبر» [6] . وقال ابن الأهدل: هو الطبيب الماهر، أبو بكر، محمد بن زكريا الرّازي، المشهور، وله في الطب كتاب «الحاوي» [7]

_ [1] هو عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعي أبو محمد جمال الدين، فقيه أصولي و «طبقاته» هي «طبقات الشافعية» وسوف ترد ترجمته في المجلد الثامن إن شاء الله. [2] في المطبوع: «محمد بن شاذل» وهو تصحيف. وانظر «القاموس المحيط» (3/ 422) . [3] انظر «العبر» (2/ 156) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 263- 264) . [4] يعني قاضي المدينة وفقيهها أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزّهري. انظر ترجمته في المجلد الثالث ص (192) . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 354- 355) . [6] (2/ 156) . [7] قال ابن أبي أصيبعة: وهو أجلّ كتبه وأعظمها في صناعة الطب. انظر «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ص (421) .

و «الأقطاف» [1] وكتاب «المنصوري» [2] وحجمه صغير جمع فيه بين العلم والطب والعمل. ومن قوله: مهما أمكن العلاج بالأغذية فلا يعالج بالأدوية، والمفرد أولى من المركب. وكان شغله بالطب بعد أربعين من عمره. انتهى. وفيها حامد بن العبّاس [3] الوزير. كان يخدمه ألف وسبعمائة حاجب. قاله ابن الجوزي في «الشذور» .

_ وقال علي بن العباس المجوسي في كتابه «كامل الصناعة الطبية» : ذكر فيه ما يحتاج إليه من حفظ الصحة ومداواة الأمراض، ولم يغفل في ذكر شيء إلا أنه لم يستقص شرح شيء مما يحتاج إليه الطبيب من تدبير الأمراض والعلل. ثم إن رشيد الدّين أبا سعيد بن يعقوب المسبحي القدسي المتوفي سنة (646) هـ. علق عليه تعاليق. انظر «كشف الظنون» (1/ 628) قلت: واختصر «الحاوي» عبد الرحيم بن علي بن حامد المعروف ب «الدّخوار» المتوفى سنة (628) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 347) [1] كذا في الأصل والمطبوع: «الأقطاف» وفي «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 263) : «كتاب الأقطاب» ولعله محرّف من «الأعصاب» والله أعلم. [2] في الأصل والمطبوع: «المنصور» وأثبت ما في «عيون الأنباء» ص (423) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 354) . [3] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 161) .

سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة

سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» ورد الخبر بأن أبا طاهر الجنّابي- نسبة إلى جنّابة بلد بالبحرين [1]- ورد إلى الهبير [2] فلقي حاج سنة إحدى عشرة في رجوعهم، وأنه قتل منهم قتلا مسرفا، وسبى من اختار من الرجال، والنساء، والصبيان، والجمال. وكان الرجال ألفين ومائتين، والنساء نحوا من خمسمائة، وسار بهم إلى هجر [3] وترك باقي الحاج مكانه بلا زاد ولا جمال، فماتوا بالعطش، وحصل له ما حزر بألف ألف دينار، ومن الطيب والأمتعة بنحو ألف ألف، وكان سنّه يومئذ سبع عشرة سنة [4] . وفيها ألحّ مؤنس الخادم، ونصر الحاجب، وهارون ابن خال المقتدر، على المقتدر، حتّى أذن في قتل علي بن محمد [بن موسى] بن الحسن بن الفرات [5] ، وولده المحسّن، فذبحا، وعاش ابن الفرات إحدى

_ [1] انظر «معجم البلدان» (2/ 165- 166) . [2] قال ياقوت: الهبير رمل زرود في طريق مكة، كانت عنده وقعة [أبي طاهر] بن أبي سعيد الجنّابي القرمطي بالحاج يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة (312) هـ قتلهم وسباهم، وأخذ أموالهم. «معجم البلدان» (5/ 392) . [3] قال ياقوت: هجر مدينة، وهي قاعدة البحرين. «معجم البلدان» (5/ 393) وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (2/ 1340) . [4] انظر الخبر في «العبر» (2/ 156- 157) و «غربال الزمان» ص (275) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 421- 429) . وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 474- 479) وما بين حاصرتين زيادة منهما.

وسبعين سنة، وعاش بعد حامد بن العبّاس نصف سنة، وكان جبّارا، فاتكا، كريما، سايسا، متموّلا. كان يقدر على عشرة آلاف ألف دينار. [وقد وزر للمقتدر ثلاث مرات، وقيل: كان يدخله من أملاكه في العام ألفا ألف [1] دينار] [2] . قاله في «العبر» [3] . وكان علي بن الفرات هذا وأخوه أبو العبّاس آية في معرفة حساب الديوان، وكان ولده المحسّن متموّلا أيضا، وكان اختفى ثم ظفر به في زيّ امرأة قد خضب يديه، فعذّب، وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار، وولي الوزارة عبيد الله بن محمد الخاقاني، فعذّب بني الفرات واصطفى أموالهم، فيقال: أخذ منهم ألفي ألف دينار. وفيها افتتح المسلمون فرغانة إحدى مدائن التّرك. وفيها توفي الحافظ أحمد بن عمرو بن منصور الأموي [4] مولاهم الأندلسي، محدّث الأندلس، أبو جعفر. روى عن يونس بن عبد الأعلى، والرّبيع بن سليمان، وغيرهما. وكان بصيرا بعلل الحديث، إماما فيه. وفيها الحسن بن علي بن نصر الطّوسي [5] أبو علي الخراساني، يعرف بكردوش [6] ، الحافظ المشهور. روى عن محمد بن رافع، وبندار،

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع، و «وفيات الأعيان» (3/ 422) : «ألفا ألف» وفي «العبر» : «ألف ألف» . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. [3] (2/ 158) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 569) . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 287- 288) و «تذكرة الحفاظ» (2/ 787- 788) و «طبقات الحفاظ» ص (330) . [6] في الأصل والمطبوع: «يعرف بكردس» وفي «لسان الميزان» لابن حجر (2/ 232) : «يلقب بكردوس» وكلاهما خطأ والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق. قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» : وقال أبو النصر القاضي: يعرف بمكردش.

وإسحاق الكوسج. وعنه محمد بن جعفر البستي، وأحمد بن محمد بن عبدوس، وأبو أحمد الحاكم. وله تصانيف تدل على معرفته. قال في «المغني» [1] : قال أبو أحمد الحاكم: تكلموا في روايته «كتاب النسب» عن الزّبير. انتهى. وفيها علي بن الحسن بن خلف بن قديد [2] أبو القاسم المصري، المحدّث. وله بضع وثمانون سنة. روى عن محمد بن رمح، وحرملة [بن يحيى] [3] . وفيها عبد الرّحمن بن أحمد بن عبّاد الثقفي الهمذاني [4] المعروف بعبدوس، الحافظ المجوّد، أبو محمد. روى عن محمد بن عبيد الأسدي، ويعقوب الدّورقي. وعنه أحمد بن عبيد الأسدي، وأبو أحمد الغطريفي، وأبو أحمد الحاكم وكان ثقة متقنا. وفيها محمد بن سليمان بن فارس أبو أحمد الدلّال النيسابوري [5] أنفق أموالا جليلة في طلب العلم، وأنزل البخاريّ عنده لما قدم نيسابور، وروى عن محمد بن رافع، وأبي سعيد الأشج، وكان يفهم ويذاكر.

_ [1] انظر «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 163) . [2] انظر «العبر» (2/ 159) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 435) . [3] زيادة من «سير أعلام النبلاء» . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 438- 439) . [5] انظر «العبر» (2/ 159) .

ومحمد بن محمد [1] بن سليمان، الحافظ الكبير، أبو بكر بن الباغندي [2] أحد أئمة الحديث، في ذي الحجة ببغداد، وله بضع وتسعون سنة. روى عن علي بن المديني، وشيبان بن فرّوخ. وطوّف بمصر، والشام، والعراق. روى أكثر حديثه من حفظه. قال القاضي أبو بكر الأبهري: سمعته يقول: أجيب [3] في ثلاثمائة ألف مسألة في حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال الإسماعيلي: لا أتّهمه، ولكنه خبيث التدليس، ومصحّف أيضا. وقال الخطيب [4] : رأيت كافة شيوخنا يحتجّون به. وقال في «المغني» [5] : قال ابن عدي: أرجو أنه كان لا يتعمّد الكذب. وكان مدلّسا. انتهى. وفيها أبو بكر بن المجدّر. وهو محمد بن هارون البغدادي [6] . روى عن داود بن رشيد وطبقته، وكان معروفا بالانحراف عن عليّ رضي الله عنه. قال في «المغني» [7] : محمد بن هارون بن المجدّر، أبو بكر، صدوق مشهور، فيه نصب وانحراف. انتهى.

_ [1] قلت: «ابن محمد» الثانية لم ترد في «العبر» طبع الكويت. [2] انظر «العبر (2/ 159) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 383- 387) . [3] في المطبوع و «العبر» : «أجبت» وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 384) . [4] في «تاريخ بغداد» (3/ 213) : «لم يثبت من أمر ابن الباغندي ما يعاب به، سوى التدليس، ورأيت كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح» . [5] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 629) . [6] انظر «العبر» (2/ 160) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 436) . [7] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 640) .

سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة

سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» انقضّ كوكب قبل مغيب الشمس بأربع ساعات، من ناحية الجنوب إلى الشمال، فأضاءت منه الدّنيا، وكان له صوت كصوت الرعد [1] . وفيها سار [الرّكب العراقي، ومعهم ألف فارس، فاعترضهم القرمطيّ بزبالة [2] ، وناوشهم، فردّ الناس ولم يحجّوا] [3] ونزل القرمطيّ على الكوفة، فقاتلوه، فغلب على البلد، ونهبه، فندب المقتدر مؤنسا، وأنفق في الجيش ألف ألف دينار. فسار القرمطيّ عن الكوفة، وتسلّم الأنبار، وعاث في البلاد وعظم ضرره ولم يقدر عليه. وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن سابور الدّقّاق [4] الثقة ببغداد. كان واسع الرحلة.

_ [1] ذكر ابن الأثير هذا الخبر برواية أخرى مختصرة في كتابه «الكامل» (8/ 160) . [2] قال ياقوت: زبالة: منزل معروف بطريق مكة من الكوفة، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية. «معجم البلدان» (3/ 129) . وقال الحميري: زبالة من قرى المدينة، سميت بضبطها الماء وأخذها منه كثيرا. «الروض المعطار» ص (284) . [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 160- 161) وانظر الخبر برواية أخرى في «غربال الزمان» ص (275) . [4] انظر «العبر» (2/ 161) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 462- 463) .

روى عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي نعيم الحلبي، وعدّة. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي [1] . سمع من جدّه لأمه، الحسن بن عيسى بن ماسرجس، وإسحاق، وشيبان بن فرّوخ. وفيها جماهر بن محمد بن أحمد أبو الأزهر الأزدي الزّملكاني [2] . روى عن هشام بن عمّار وطبقته. وفيها ثابت بن حزم السّرقسطي [3] اللغوي العلّامة. قال ابن الفرضي: كان مفتيا بصيرا بالحديث، والنحو، واللغة، والغريب، والشعر، وعاش خمسا وتسعين سنة. روى عن محمد بن وضّاح وطائفة. وفيها عبد الله بن زيدان بن بريد أبو محمد البجلي الكوفي [4] عن إحدى وتسعين سنة. روى عن أبي كريب وطبقته. قال محمد بن أحمد بن حمّاد الحافظ: لم تر عيني مثله. كان ثقة حجة. كان أكثر كلامه في مجلسه: يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على طاعتك. [أخبرت أنه] [5] مكث نحو ستين سنة لم يضع جنبه على مضرّبة، وكان صاحب ليل.

_ [1] انظر «العبر» (2/ 161) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 405- 406) . [2] انظر «العبر» (2/ 161) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 406) . [3] انظر «العبر» (2/ 161- 162) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 562- 563) . [4] انظر «العبر» (2/ 162) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 436- 437) . [5] زيادة من «العبر» .

وعلي بن عبد الحميد الغضائري [1]- نسبة إلى الغضار بالغين المعجمة وهو الإناء الذي يؤكل فيه- أبو الحسن [2] بحلب في شوال. روى عن بشر بن الوليد، والقواريري، وعدّة. وقال: حججت من حلب ماشيا أربعين حجّة. وعلي بن محمد بن بشّار [3] ، أبو الحسن، وأبو صالح، البغدادي الزاهد، شيخ الحنابلة. أخذ عن صالح بن أحمد بن حنبل، والمرّوذي [4] . وجاء عنه أنه قال: أعرف رجلا منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك لله ما يشتهي فلا يجد شيئا يشتهي. قاله في «العبر» [5] . وقيل له: كيف الطريق إلى الله؟ فقال: كما عصيت الله سرّا تطيعه سرّا، حتّى يدخل إلى قلبك لطائف البر. وكان له كرامات ظاهرة وانتشار ذكر في الناس، يتبرك الناس بزيارته. قاله السخاوي. وقال ابن أبي يعلى في «الطبقات» [6] : حدّثنا إسماعيل الصابوني، ثنا إسحاق بن إبراهيم العدل، ثنا محمد بن أحمد بن حمّاد الورّاق، ثنا أبو

_ [1] انظر «العبر» (2/ 162) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 432- 433) . [2] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسب» وهو خطأ، والتصحيح من المصدرين المذكورين في التعليق السابق وغيرهما من كتب الرجال التي بين يدي. [3] انظر «العبر» (2/ 162- 163) و «تاريخ بغداد» (12/ 66) و «المنهج الأحمد» (2/ 10- 15) . [4] هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المرّوذي. تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (313) . [5] (2/ 163) . [6] انظر «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/ 58) بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، طبع مطبعة السنّة المحمدية في مصر.

الحسن القتّات الصوفي، ثنا أبو صالح الحسن بن بشار العبد الصالح، حدّثني عبد الله بن أحمد قال: مرّت بنا جنازة ونحن قعود على مسجد أبي، فقال أبي: ما كان صنعة صاحب الجنازة؟ قالوا: كان يبيع على الطريق. قال: في فنائه أو فناء غيره؟ قالوا: في فناء غيره. قال: عزّ عليّ، عزّ عليّ، إن كان في فناء يتيم أو غيره، فقد ذهبت أيامه عطلا. ثم قال: قم نصلّي عليه، عسى الله أن يكفّر عنه سيئاته. قال: فكبّر عليه أربع تكبيرات، ثم حملناه إلى قبره ودفناه، ونام أبي في تلك الليلة وهو مغتم به، فإذا نحن بامرأة قالت: نمت البارحة، فرأيت صاحب الجنازة الذي مررت معه وهو يجري في الجنّة جريا وعليه حلّتان خضراوان [1] ، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غضبان عليّ وقت خروج روحي، فصلى عليّ أحمد بن حنبل، فغفر لي ذنوبي ومتّعني بالجنة. وأنبأنا علي المحدّث، عن أبي عبد الله الفقيه، أنه قال: إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار، وأبا محمد البربهاري، فاعلم أنه صاحب سنّة. وكان ابن بشّار يقول: من زعم أن الكفّار يحاسبون، ما يستحيي [2] من الله، ثم قال: من صلّى خلف من يقول هذه المقالة يعيد. انتهى ملخصا. أي خلافا للسالمية، فإنهم يقولون بحساب الكفّار كالمسلمين، والحق أنهم تحصى أعمالهم ويطّلعون عليها ويقرّعون بها تقريعا من غير وزن وحساب، لقوله تعالى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً 18: 105 [الكهف: 105] والله أعلم.

_ [1] في الأصل: «خضراوتان» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «طبقات الحنابلة» . [2] في «طبقات الحنابلة» : «يستحيي» وهو خطأ فتصحح فيه.

وفيها محمد بن إبراهيم [بن زياد] الرّازي الطّيالسي [1] روى عن إبراهيم بن موسى الفرّاء، وابن معين، وخلق. قال الدارقطني: متروك. قال في «المغني» [2] : محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي، عن ابن معين. قال الدارقطني: متروك، وضعّفه أبو أحمد الحاكم. انتهى. [وأبو لبيد محمد بن إدريس السّامي السّرخسي] . روى عن سويد [3] ، وأبي مصعب، وطبقتهما [4] . وفيها أبو العبّاس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران السرّاج [5] الحافظ، صاحب التصانيف. روى عن قتيبة، وإسحاق [6] وخلق. وعنه الشيخان خارج «صحيحيهما» ، وكان إمام هذا الشأن. قال أبو إسحاق المزكّي: سمعته يقول: ختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اثني عشر ألف ختمة، وضحّيت عنه اثني عشر ألف أضحية [7] . قال محمد بن أحمد الدّقّاق: رأيت السرّاج يضحي كل أسبوع أو

_ [1] انظر «العبر» (2/ 163) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 458- 460) . [2] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 546) . [3] هو سويد بن سعيد الحدثاني. تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (181- 182) . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 163) وقوله: «روى عن سويد، وأبا مصعب وطبقتهما» أقحم ضمن ترجمة محمد بن إبراهيم بن زياد الرّازي الطياليسي في الأصل والمطبوع. ولفظة «السامي» تحرّفت في «العبر» إلى «الشامي» فتصحّح فيه. وانظر «الأنساب» للسمعاني (7/ 16) . [5] انظر «العبر» (2/ 163) و «الأمصار ذوات الآثار» ص (76) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 388- 398) . [6] يعني إسحاق بن راهويه، وهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهويه المروزي، وهو قرين أحمد بن حنبل. [7] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 393) .

أسبوعين [1] أضحية، ثم يجمع [2] أصحاب الحديث عليها. وقد ألّف السرّاج مستخرجا على «صحيح مسلم» وكان أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر. عاش سبعا وتسعين سنة. وفيها أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف القهستاني الأصم [3] الحافظ المتقن الثقة الرحّال، صاحب المسندين [4] على الرّجال وعلى الأبواب. أكثر التّطواف، وروى عن أحمد بن منيع وطبقته.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «كل أسبوع وأسبوعين» وأثبت لفظ «العبر» . [2] في الأصل والمطبوع: «لم يجمع» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» . [3] انظر «العبر» (2/ 164) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 304- 306) . [4] في «العبر» : «صاحب المسند» وهو خطأ فيصحّح فيه.

سنة أربع عشرة وثلاثمائة

سنة أربع عشرة وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» وقع حريق في نهر طابق [1] ، فاحترقت منه ألف دار، واشتد برد الهواء في كانون الأول، فتلف أكثر نخل بغداد وسوادها، وجمدت الخلجان والآبار، ثم جمدت دجلة، حتّى عبرت الدواب عليها. وفيها أخذت الرّوم- لعنهم الله- ملطية عنوة واستباحوها، ولم يحجّ أحد من العراق خوفا من القرامطة، ونزح أهل مكّة عنها خوفا منهم. وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر التيمي المنكدري الحجازي [2] . نزيل خراسان. روى عن عبد الجبّار بن العلاء وخلق. قال الحاكم: له أفراد وعجائب. ومحمد بن محمد بن [عبد الله بن] النّفّاح بن بدر الباهلي [3] أبو

_ [1] قال ياقوت: نهر الطابق: محلة ببغداد من الجانب الغربي قرب نهر القلّائين شرقا، وإنما هو نهر بابك، منسوب إلى بابك بن بهرام بن بابك، وهو قديم، وبابك هو الذي اتخذ العقد الذي عليه قصر عيسى بن علي واحتفر هذا النهر، ومأخذه من كرخايا ويصب في نهر عيسى عند دار بطيخ، وقرأت في بعض التواريخ المحدثة قال: وفي سنة (488) أحرقت محلة نهر طابق وصارت تلولا لفتنة كانت بينهم وبين محلة باب الأرحاء. «معجم البلدان» (5/ 321) . [2] انظر «العبر» (2/ 165) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 532- 533) . [3] انظر «العبر» (2/ 165) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 295) وما بين حاصرتين زيادة منه.

الحسن، بغدادي حافظ خيّر متعفّف. توفي بمصر في ربيع الآخر. روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وطبقته. وفيها محمد بن عمر بن لبابة، أبو عبد الله، القرطبي [1] مفتي الأندلس. كان رأسا في الفقه، محدّثا، أديبا، أخباريا، شاعرا، مؤرّخا. توفي في شعبان، وولد سنة خمس وعشرين ومائتين. روى عن أصبغ [بن الخليل] ، والعتبي وطبقتهما من أصحاب يحيى بن يحيى، وتفقه به خلق. وفيها نصر بن القاسم أبو اللّيث البغدادي الفرائضي [2] روى عن شريح بن يونس وأقرانه، وكان ثقة من فقهاء أهل الرّيّ.

_ [1] انظر «العبر» (2/ 165) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 495) . [2] انظر «العبر» (2/ 166) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 465) .

سنة خمس عشرة وثلاثمائة

سنة خمس عشرة وثلاثمائة فيها كان أول ظهور الدّيلم، وأول من غلب منهم على الرّيّ لبكي بن النّعمان [1] . وفيها أخذت الرّوم سميساط، واستباحوها، وضربوا الناقوس في الجامع، فسار مؤنس بالجيوش، ودخل الرّوم، وتمّ مصاف كثيرة، هزمت فيها الرّوم، وقتل منهم خلق. وأما القرامطة فنازلت الكوفة، فسار يوسف بن أبي السّاج فالتقاهم، فأسر يوسف، وانهزم عسكره، وقتل منهم عدّة، وسار القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار، فقطع المسلمون الجسر، فأخذ يتحيل في العبور، ثم عبروا وأوقع بالمسلمين [2] ، فخرج نصر الحاجب، ومؤنس، فعسكروا بباب الأنبار، وخرج أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته، ثم ردّت القرامطة، فما جسر العسكر عليهم، وهذا خذلان إلهي، فإن القرامطة كانوا ألفا وسبعمائة من فارس وراجل، والعسكر أربعين ألف فارس. ثم إن القرمطيّ قتل ابن أبي السّاج وجماعة منهم. ثم سار إلى هيت،

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (3/ 216) وحاشيته. [2] في الأصل: «بين المسلمين» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» .

فبادر العسكر وحصّنوها [1] ، فردّ القرمطي إلى البرّية، فدخل الوزير ابن عيسى على المقتدر، وقال: قد تمكّنت هيبة هذا الكافر من القلوب، فخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش، وإلّا فمالك إلّا أقاصي خراسان، فأخبر أمه، فأخرجت خمسمائة ألف دينار، وأخرج المقتدر ثلاثمائة ألف دينار، ونهض ابن عيسى في استخدام العساكر، وجدّدت على بغداد الخنادق، وعدمت هيبة المقتدر من القلوب، وشتمته الجند. قاله في «العبر» [2] . وفيها توفي الحافظ أبو بكر، أحمد بن علي بن شهريار الرّازي ثم النيسابوري [3] ، صاحب التصانيف، وله أربع وخمسون سنة. رحل وأدرك إبراهيم بن عبد الله القصّار وطبقته بخراسان، والرّيّ، وبغداد، والكوفة، والحجاز. وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني [4] الفقيه، قاضي دمشق ثم قاضي الرّملة. روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته، وكان له حلقة بمصر للفتوى. قال ابن يونس: خلّط ووضع أحاديث. وقال في «المغني» [5] : كذبه الدارقطني. وفيها أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي النحوي، وهو الأخفش الصغير [6] . روى عن ثعلب والمبرّد.

_ [1] في الأصل: «وحصنها» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» مصدر المؤلف. [2] (2/ 166- 167) . [3] انظر «العبر» (2/ 167) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 245- 246) و «النجوم الزاهرة» (3/ 219) . [4] انظر «العبر» (2/ 168) و «ميزان الاعتدال» (2/ 495) و «النجوم الزاهرة» (2/ 219) . [5] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 353) . [6] انظر «العبر» (2/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 480- 482) .

قال ابن خلّكان [1] : روى عن المبرّد، وثعلب، وغيرهما. وروى عنه المرزبانيّ، وأبو الفرج المعافى [الجريري] وغيرهما، وهو غير الأخفش الأكبر والأخفش الأوسط. وكان بين ابن الرّومي وبين الأخفش المذكور منافسة، وكان الأخفش يبادر [2] داره ويقول عند بابه كلاما يتأذى به، وكان ابن الرّومي كثير التطيّر، فإذا سمع كلامه لا يخرج ذلك اليوم من بيته، فكثر ذلك منه، فهجاه ابن الرّومي بأهاج كثيرة، وهي مثبتة في «ديوانه» ، وكان الأخفش يحفظها ويوردها استحسانا لها في جملة ما يورده، وافتخارا أنه نوّه بذكره إذ هجاه، فلما علم ابن الرّومي ذلك أقصر عنه. وقال المرزباني: لم يكن الأخفش المذكور بالمتّسع في الرواية للأخبار [3] والعلم بالنحو، وما علمته صنّف شيئا البتة، ولا قال شعرا، وكان إذا سئل عن مسألة في النحو ضجر وانتهر من يسأله. ومات [4] فجأة ببغداد، ودفن بمقبرة قنطرة بردان. والأخفش: هو صغير العين مع سوء بصرها. انتهى ملخصا. وفيها محمد بن الحسين، أبو جعفر الخثعميّ الكوفيّ الأشنانيّ [5] . أحد الأثبات. روى ببغداد عن أبي كريب وطبقته. وفيها محمد بن الفيض أبو الحسن الغسّاني [6] محدّث دمشق. روى

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 301- 302) . [2] في «وفيات الأعيان» : «يباكر» . [3] في «وفيات الأعيان» : «في الرواية للأشعار» وانظر حاشيته. [4] يعني صاحب الترجمة. [5] انظر «العبر» (2/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 529) . [6] انظر «العبر» (2/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 427- 428) .

عن صفوان بن صالح [المؤذّن] [1] والكبار، وتوفي في رمضان عن ست وتسعين سنة. ومحمد بن المسيب الأرغياني [2] الحافظ الجوّال، الزاهد المفضال، شيخ نيسابور، الإسفنجيّ. روى عن محمد بن رافع، وبندار، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وطبقتهم. وكان يقول: ما أعلم منبرا من منابر الإسلام بقي عليّ لم أدخله لسماع الحديث. وقال: كنت أمشي في مصر وفي كمّي مائة جزء، في الجزء ألف حديث. قال الحاكم: كان دقيق الخط، وكان [3] هذا كالمشهور من شأنه، وعاش اثنتين وتسعين سنة. قال ابن ناصر الدّين: حدّث عن خلق، وعنه خلق، وكان من العبّاد المجتهدين، والزهّاد البكّائين. انتهى.

_ [1] زيادة من «سير أعلام النبلاء» . [2] انظر «العبر» (2/ 168- 169) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 422- 426) . [3] في «العبر» : «وصار» .

سنة ست عشرة وثلاثمائة

سنة ست عشرة وثلاثمائة فيها دخل القرمطي الرحبة بالسيف واستباحها، ثم نازل الرّقّة وقتل جماعة بربضها، وتحوّل إلى هيت، فرجموه [1] بالحجارة، وقتلوا صاحبه أبا الزوّار، فسار إلى الكوفة [2] ، ثم انصرف وبنى دارا سمّاها دار الهجرة، ودعا إلى المهديّ، وتسارع إليه كل مريب، ولم يحج أحد، ووقع بين المقتدر وبين مؤنس الخادم، واستعفى ابن عيسى من الوزارة، وولي بعده أبو علي بن مقلة الكاتب. وفيها توفي بنان الحمّال بن محمد بن حمدان بن سعيد، أبو الحسن [3] الزاهد الواسطي، نزيل مصر وشيخها. كان ذا منزلة عظيمة في النفوس، وكانوا يضربون بعبادته المثل. صحب الجنيد، وحدّث عن الحسن بن محمد الزّعفراني وجماعة. وثّقه أبو سعيد بن يونس وقال: توفي [4] في رمضان وخرج في جنازته أكثر أهل مصر، وكان شيئا عجيبا. وقال السيوطي في «حسن المحاضرة» [5] : جاءه رجل فقال: لي على

_ [1] في «العبر» : «فرموه» . [2] قوله: «وقتلوا صاحبه أبا الزوار، فسار إلى الكوفة» سقط من «العبر» طبع الكويت. [3] انظر «العبر» (2/ 169- 170) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 488- 490) . [4] قوله: «وقال توفي» سقط من «العبر» المطبوع في الكويت. [5] (1/ 513) .

رجل مائة دينار، وقد ذهبت الوثيقة، وأخشى أن ينكر، فادع لي. فقال له: إني رجل قد كبرت، وأنا أحبّ الحلوى، فاذهب فاشتر لي رطلا وأتني به حتّى أدعو لك، فذهب الرجل فاشترى، فوضع له البائع الحلوى في ورقة، فإذا هي وثيقته بالمائة دينار، فجاء إلى الشيخ فأخبره، فقال: خذ الحلوى فأطعمها صبيانك. وقال السخاوي [1] : هو من جلّة المشايخ، والقائلين بالحق، له المقامات المشهورة، والآيات المذكورة. كان أستاذ أبي الحسن النّوري. قال بنان: من كان يسرّه ما يضرّه متى يفلح؟. وقال: إن أفردته [2] بالرّبوبية، أفردك بالعناية. والأمر بيدك، إن نصحت صافوك، وإن خلّطت جافوك [3] . وقال: أجلّ أحوال الصوفية الثّقة بالمضمون، والقيام بالأوامر، ومراعاة السّر، والتخلّي عن الكونين بالتشبّث بالحق. وقال: رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب والإعراض عن الأسباب جملة [4] يؤدّي بصاحبه إلى ركوب البواطل. وقال: ليس بمتحقّق في الحبّ من راقب أوقاته، أو تحمّل [5] في كتمان حبه، حتّى يهتك [6] ويفتضح ويخلع العذار، ولا يبالي عمّا يرد عليه

_ [1] لعل المؤلف ينقل عن «طبقات الصوفية» للسلمي باختصار. انظره ص (291- 294) . [2] يعني إن أفردت الله عزّ وجلّ. [3] في الأصل والمطبوع: «خلوك» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (293) . [4] لفظة «جملة» تقدمت سهوا في الأصل والمطبوع فأثبتت إلى جوار لفظة «الأسباب» التي مضت قبل سطر، فأعدتها إلى مكانها الصحيح معتمدا في ذلك على «طبقات الصوفية» ص (294) . [5] في الأصل والمطبوع: «تجمل» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (294) . [6] في «طبقات الصوفية» : «ينهتك» والهتك: خرق السّتر.

من جهة محبوبه أو بسببه، ويتلذذ بالبلاء [في الحبّ] [1] كما يتلذذ [2] الأغيار بأسباب النعم. وأنشد على أثره: لحاني العاذلون فقلت مهلا ... فإنّي لا أرى في الحبّ عارا وقالوا قد خلعت فقلت لسنا ... بأول خالع خلع العذارا وأسند في «الحلية» [3] عن أبي علي الرّوذباري قال: كان سبب دخولي مصر حكاية بنان، وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف، فأمر أن يلقى بين يدي السبع، فجعل السبع يشمّه ولا يضرّه، فلما أخرج من بين يدي السبع، قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمّك السبع؟ قال: كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها. واحتال عليه أبو عبيد الله القاضي، حتّى ضرب سبع درر، فقال له: حبسك الله بكل درّة سنة. فحبسه ابن طولون سبع سنين. ومن كلامه: الحرّ عبد ما طمع، والعبد حر ما قنع [4] . وبنان: بضم الباء الموحدة ونون، وبعد الألف نون، ولقّب بالحمّال لأنه خرج إلى الحج سنة وحمل على رقبته زاده، وكان متوكلا، فرأته عجوز في البادية فقالت: أنت حمّال ما أنت متوكل. ما ظننت أن الله يرزقك حتّى حملت إلى بيته. وفيها أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث الحافظ السّجستاني [5] بن الحافظ. ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين، ونشأ بنيسابور

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «طبقات الصوفية» . [2] في المطبوع: «كما تتلذذ» . [3] انظر «حلية الأولياء» (10/ 324) . [4] ورد قوله هذا في المطبوع على هيئة بيت الشعر، والصواب ما جاء في الأصل وهو موافق لما في «حلية الأولياء» مصدر المؤلف. [5] انظر «العبر» (2/ 170- 171) و «سير أعلام النبلاء» (13/ 221- 237) .

وغيرها وسمع من محمد بن أسلم الطّوسي، وعيسى بن زغبة، وخلائق بخراسان، والشام، والحجاز، ومصر، والعراق، وأصبهان. وجمع وصنّف، وكان عنده عن أبي سعيد الأشجّ ثلاثون ألف حديث. وحدّث بأصبهان من حفظه بثلاثين ألف حديث. وقال ابن شاهين: كان ابن أبي داود يملي علينا من حفظه، وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي، ويقعد تحته بدرجة ابنه أبو معمر، وبيده كتاب يقول له: حديث كذا، فيسرد من حفظه، حتّى يأتي على المجلس. وقال محمد بن عبد الله بن الشّخّير: كان زاهدا ناسكا. وقال عبد الأعلى بن أبي بكر بن أبي داود: صلّي على أبي ثمانين مرة. وممّن روى عنه ابن المظفر، والدارقطني، وأبو أحمد الحاكم وغيرهم. وقال في «المغني» [1] : عبد الله بن سليمان السجستاني، ثقة، كذبه أبوه في غير حديث. انتهى [2] . وفيها محمد بن خريم أبو بكر العقيلي [3] محدّث دمشق، في جمادى الآخرة، روى عن هشام بن عمّار وجماعة. وفيها العلّامة أبو بكر بن السّرّاج، واسمه محمد بن السّريّ [4] البغدادي النحوي، صاحب الأصول في العربية. له مصنفات كثيرة، منها «شرح كتاب سيبويه» أخذ عن المبرّد وغيره، وأخذ عنه السيرافي وغيره، ونقل عنه الجوهري في «صحاحه» .

_ [1] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 341) . [2] أقول: وانظر «لسان الميزان» لابن حجر (3/ 297) حيث قال: إنما ذكرته لأنزهه. (ع) . [3] انظر «العبر» (2/ 171) و «تلخيص المتشابه» للخطيب البغدادي (1/ 268- 269) بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي، طبع دار طلاس بدمشق، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 428- 429) . [4] انظر «العبر» (2/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 483- 484) .

قال في «العبر» [1] : كان مغرى بالطرب والموسيقا. انتهى. وقال ابن الأهدل: من شعره: ميّزت بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالخيانة [2] لا تفي حلفت لنا أن لا تخون عهودنا ... وكأنما حلفت لنا أن لا تفي والله لا كلّمتها ولو انها ... كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي قال اليافعي [3] : يحسن استعارة هذه الأبيات لوصف الدنيا. وفيها محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي [4] الحافظ، شيخ بلخ ومحدّثها. صنّف «المسند» و «التاريخ» وغير ذلك. وسمع علي بن خشرم، وعبّاد بن الوليد الغبري وطبقتهما. ومنه [محمد بن] عبد الله الهندواني، وعبد الرحمن بن أبي شريح. وكان حسن الحديث. وفيها أبو عوانة، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني [5] الحافظ، صاحب «الصحيح المسند» . رحل إلى الشام، والحجاز، واليمن، ومصر، والجزيرة، والعراق، وفارس، وأصبهان. وروى عن يونس بن عبد الأعلى، وعلي بن حرب وطبقتهما. وعنه أبو علي النيسابوري، والطبراني. ثقة جليل، وعلى قبره مشهد بإسفرايين، وكان مع حفظه فقيها شافعيا إماما.

_ [1] (2/ 171) . [2] في الأصل والمطبوع: «بالجناية» وما أثبته من «إنباه الرواة» للقفطي (3/ 147) و «وفيات الأعيان» (4/ 340) و «غربال الزمان» للعامري ص (277) و «مرآة الجنان» (2/ 270) . وفيه البيتان الأول والثاني فقط، وانظر «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (471) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق. [3] انظر «مرآة الجنان» (2/ 270) وفيه قال اليافعي: وهذان البيتان يحسن استعارتهما لوصف الدنيا. وقيل إنهما لابن المعتز، وقيل لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر. [4] انظر «العبر» (2/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (4/ 415- 416) . [5] انظر «العبر» (2/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 417- 422) .

سنة سبع عشرة وثلاثمائة

سنة سبع عشرة وثلاثمائة فيها حجّ بالنّاس منصور الدّيلمي، فدخلوا مكّة سالمين، فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي، فقتل الحجيج قتلا ذريعا في المسجد، وفي فجاج مكة. وقتل أمير مكّة ابن محارب، وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر، وكان معه تسعمائة نفس، فقتلوا في المسجد ألفا وسبعمائة نسمة، وصعد على باب البيت وصاح: أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا وقيل: إن الذي قتل بفجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا، وسبي من النساء والصبيان نحو ذلك، وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد. قال محمود الأصبهاني: دخل قرمطيّ وهو سكران، فصفّر لفرسه فبال عند البيت، وقتل جماعة، ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسر منه قطعة، ثم قلعه، وبقي الحجر الأسود بهجر نيّفا وعشرين سنة [1] . وفيها قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي [2] ، شيخ

_ [1] انظر الخبر برواية أخرى في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 207- 208) و «النجوم الزاهرة» (3/ 224- 226) و «شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد بن حنبل» للسفاريني (1/ 230) المطبوع في المكتب الإسلامي بدمشق. [2] في الأصل والمطبوع: «البرذعي» بالذال وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (4/ 99) و «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (141) و «العبر» (2/ 174) . و «الجواهر المضية» (1/ 163) .

حنفية بغداد. أخذ عنه أبو الحسن الكرخي، وقد ناظر مرة [1] داود الظاهري، فقطع داود. لكنه معتزلي. وفيها الحافظ الشهيد أبو الفضل محمد الجارودي بن أحمد بن عمّار الجارودي الهروي [2] قتل بباب الكعبة، وهو آخذ بحلقة الباب. روى عن أحمد بن نجدة وطبقته، ومات كهلا. وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم أبو عمرو الجبّري [3] نسبة إلى جبّر بالفتح والتشديد جد كان أحمد هذا مزكّى من كبار مشايخ نيسابور ورؤسائها. روى عن محمد بن رافع، والكوسج ورحل وطوّف، وتوفي في ذي القعدة. وحرميّ بن أبي العلاء المكّي [4] ، نزيل بغداد، وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أبي خميصة الشّروطيّ [5] كاتب أبي عمر القاضي. روى «كتاب النّسب» عن الزّبير بن بكّار.

_ و «العقد الثمين» (3/ 33) و «النجوم الزاهرة» (3/ 226) و «الطبقات السنية في تراجم الحنفية» (1/ 394) و «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» ص (19) [1] في الأصل والمطبوع: «وقد ناهز أمره» والتصحيح من «العبر» . [2] انظر «العبر» (2/ 175) و «الأنساب» (3/ 159) . [3] تنبيه: كذا في الأصل والمطبوع: «الجبّري» وهو خطأ، وتبع المؤلف في ذلك محقق «العبر» (2/ 175) طبع الكويت فنقل ضبط ابن العماد لنسبته ودونه في حاشيته، وحرّف النسبة في المتن، والصواب «الحيري» كما جاء على الصواب في «تهذيب الكمال» (2/ 476) فيمن روى عن (إسحاق بن منصور الكوسج) و «تذكرة الحفاظ» (3/ 798) و «توضيح المشتبه» (2/ 395) من المنسوخ، وقد أذن لي بالاطلاع عليه محققه الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقوسي، جزاه الله تعالى خيرا. [4] انظر «العبر» (2/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 485- 486) [5] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 321) : هذه النسبة لمن يكتب الصّكاك والسّجلات، لأنها مشتملة على الشروط، فقيل لمن يكتبها «الشروطي» .

وفيها القاضي المعمّر، أبو القاسم، بدر بن الهيثم اللّخميّ الكوفيّ [1] ، نزيل بغداد. روى عن أبي كريب وجماعة. قال الدارقطني: كان نبيلا، بلغ مائة وسبع عشرة سنة. وفيها الحسن بن محمد أبو علي الدّاركي [2] محدّث أصبهان في جمادى الآخرة. روى عن محمد بن حميد الرّازي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وطائفة. وفيها البغويّ، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز [3] ليلة عيد الفطر ببغداد، وله مائة وثلاث سنين وشهر، وكان محدّثا حافظا مجوّدا مصنّفا. انتهى إليه علوّ الإسناد في الدّنيا، فإنه سمع في الصغر بعناية جدّه لأمه، أحمد بن منيع، وعمّه علي بن عبد العزيز، وحضر مجلس عاصم بن علي، وروى الكثير عن علي بن الجعد، ويحيى الحمّاني، وأبي نصر التّمار، وعلي بن المديني، وخلق. وأول ما كتب الحديث سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان ناسخا مليح الخط، نسخ الكثير لنفسه ولجده [وعمّه] [4] . وفيها علي بن أحمد بن سليمان الصّيقل، أبو الحسن المصري، ولقبه علّان المعدّل [5] روى عن محمد بن رمح وطائفة، وتوفي في شوّال عن تسعين سنة. وفيها محمد بن أحمد بن زهير، أبو الحسن الطّوسي [6] ، حافظ مصنّف، سمع إسحاق الكوسج، وعبد الله بن هاشم، وطبقتهما.

_ [1] انظر «العبر» (2/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 530- 531) . [2] «العبر» (2/ 176) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 486) . [3] «العبر» (2/ 176) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 440- 457) . [4] زيادة من «العبر» . [5] «العبر» (2/ 176- 177) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 496) . [6] «العبر» (2/ 177) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 493- 494) .

وفيها محمد بن زبّان [1] بن حبيب أبو بكر المصري [2] في جمادى الأولى. سمع زكريا بن يحيى كاتب العمري، ومحمد بن رمح، وعاش اثنتين وتسعين سنة. وفيها المنجم المشهور صاحب الزّيج والأعمال، محمد بن جابر البتّاني [3] توفي بموضع يقال له الحضر، وهي مدينة بقرب الموصل [4] وهي مملكة السّاطرون [5] وكان حاصرها أزدشير وقتله وأخذها. ذكره ابن هشام في «السيرة» [6] . وفيها نصر بن أحمد البصري [الخبز أرزّيّ] الشاعر [7] وكان أميّا وله الأشعار الفائقة منها: خليليّ هل أبصرتما أو سمعتما ... بأحسن [8] من مولى تمشّى إلى عبد أتى زائرا من غير وعد وقال لي ... أجلّك عن تعليق قلبك بالوعد فما زال نجم الوصل بيني وبينه ... يدور بأفلاك السعادة والسعد

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «ابن ريّان» . [2] «العبر» (2/ 177) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 519- 520) . [3] في الأصل والمطبوع: «التباني» وهو خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» ص (279) مصدر المؤلف. وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 518- 519) و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 608) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة. [4] وتقع الآن في الشمال الغربي من العراق إلى الجنوب من الموصل وتعرف الآن ب «عربايا» . انظر «معجم ما استعجم» (1/ 453) و «معجم البلدان» (2/ 267- 268) و «أطلس التاريخ العربي» ص (9) . [5] تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «الشاطرون» والتصحيح من «غربال الزمان» و «السيرة النبوية» و «معجم ما استعجم» . [6] انظر «السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 71- 73) . [7] «وفيات الأعيان» (5/ 376- 382) . وما بين حاصرتين زيادة منه وفي سنة وفاته خلاف، وقد بسط القول في ذلك العلّامة خير الدّين الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (8/ 21) فراجعه. [8] في المراجع التي بين يدي: «بأكرم» .

سنة ثمان عشرة وثلاثمائة

سنة ثمان عشرة وثلاثمائة هبت ريح من المغرب في آذار، وحملت رملا أحمر يشبه رمل الصاغة، فامتلأت منه أسواق بغداد في الجانبين وسطحها ومنازلها. قاله في «الشذور» . وفيها توفي القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسّان التّنوخيّ الحنفيّ الأنباري الأديب [1] أحد الفصحاء البلغاء، وله سبع وثمانون سنة. روى عن أبي كريب وطبقته، وولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة، وله مصنف في نحو الكوفيين. وفيها أحمد بن محمد بن المغلّس البزّاز [2] ، أخو جعفر. كان ثقة نبيلا، روى عن لوين، وعدة. وفيها إسماعيل بن داود بن وردان المصري [3] . روى عن زكريّا كاتب العمري، ومحمد بن رمح، وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها أبو بكر الحسن بن علي بن بشّار بن العلّاف البغدادي

_ [1] «العبر» (2/ 177) وانظر «الوافي بالوفيات» (6/ 235- 237) و «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (1/ 137- 142) . [2] «العبر» (2/ 178) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 520- 521) . [3] «العبر» (2/ 178) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 521- 522) .

المقرئ [1] صاحب الدّوري، وكان أديبا ظريفا نديما للمعتضد، ثم شاخ وعمي. قال ابن خلّكان [2] : كان من الشعراء المجيدين. وحدّث عن أبي عمرو الدّوري المقرئ، وحميد بن مسعدة [3] البصري وغيرهما، وكان ينادم الإمام المعتضد بالله. وحكى قال: بتّ ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه، فأتانا خادمه ليلا وقال: يقول أمير المؤمنين: أرقت الليلة بعد انصرافكم، فقلت: ولما انتبهنا للخيال الذي سرى ... إذا الدّار قفر [4] والمزار بعيد وقال: قد أرتج عليّ تمامه، فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له بجائزة. قال: فأرتج على الجماعة، وكلهم شاعر فاضل، فابتدرت وقلت: فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعلّ خيالا طارقا سيعود فرجع الخادم [إليه] ثم عاد، فقال: أمير المؤمنين يقول: لقد أحسنت، و [قد] أمر لك بجائزة. وكان لأبي بكر المذكور هرّ يأنس به، وكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل أفراخها [5] وكثر ذلك منه، فأمسكه أربابها وذبحوه، فرثاه بهذه القصيدة.

_ [1] «العبر» (2/ 178) وانظر «وفيات الأعيان» (2/ 107- 111) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 514- 518) . و «نكت الهيمان» ص (139- 142) و «الوافي بالوفيات» (12/ 169- 173) . [2] في «وفيات الأعيان» والمؤلف ينقل عنه بتصرف واختصار، وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] في الأصل والمطبوع: «وحميد بن سعيد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «نكت الهيمان» ص (139) و «سير أعلام النبلاء» وغيرها. [4] في الأصل: «قفرى» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في المصادر التي بين يدي وهو الصواب. [5] في «وفيات الأعيان» : «فراخها» .

وقد قيل: إنه رثى بها عبد الله بن المعتز، وخشي من الإمام المقتدر أن يتظاهر بها، لأنه هو الذي قتله، فنسبها إلى الهرّ وعرّض به في أبيات منها، وكانت بينهما صحبة أكيدة. وذكر صاعد اللغوي في كتاب «الفصوص» قال: حدّثني أبو الحسن المرزباني قال: هويت جارية لعلي بن عيسى غلاما لأبي بكر بن العلّاف الضرير، ففطن بهما فقتلا جميعا وسلخا وحشيت [1] جلودهما تبنا. فقال أبو بكر مولاه هذه القصيدة يرثيه [بها] وكنى عنه بالهرّ. وهي من أحسن الشعر وأبدعه، وعددها خمسة وستون بيتا، وطولها يمنع من الإتيان بجميعها فنأتي بمحاسنها، وفيها أبيات مشتملة على حكم فنأتي بها، وأولها: يا هرّ فارقتنا ولم تعد ... وكنت عندي بمنزل الولد فكيف ننفكّ عن هواك وقد ... صرت [2] لنا عدّة من العدد تطرد عنّا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من حيّة ومن جرد [3] وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السّدد يلقاك في البيت منهم مدد ... وأنت تلقاهم بلا مدد لا عدد كان منك منفلتا ... منهم ولا واحد من العدد وكان يجري ولا سداد لهم ... أمرك في بيتنا على السّدد حتّى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد وحمت حول الرّدى بظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد وكان قلبي عليك مرتعدا ... وأنت تنساب غير مرتعد تدخل برج الحمام متّئدا ... وتبلع الفرخ غير متئد [4]

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وحشي» وأثبت ما في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [2] في المراجع التي بين يدي: «كنت» . [3] أقول الأصل أن يقول: «ومن جرذ» بالذال المعجمة، ضرب من الفأر، وقد ذكره بالدال لأجل القافية. (ع) [4] في «الوافي بالوفيات» : «وتبلع اللحم غير مزدرد» .

أطعمك الغيّ لحمها فرأى ... قتلك أصحابها [1] من الرّشد حتّى إذا داوموك واجتهدوا ... وساعد النصر كيد مجتهد صادوك غيظا عليك وانتقموا ... منك وزادوا ومن يصد يصد ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يرعووا إلى أحد فلم تزل للحمام مرتصدا ... حتى سقيت الحمام بالرّصد لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد وكنت بدّدت شملهم زمنا ... فاجتمعوا بعد ذلك البدد [2] كأنّ حبلا حوى بجودته ... جيدك للخنق كان من مسد كأنّ عيني تراك مضطربا ... فيه وفي فيك رغوة الزّبد وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة [3] ولم تجد فجدت بالنفس والبخيل بها ... أنت ومن لم يجد بها تجد فما سمعنا بمثل موتك إذ ... متّ ولا مثل عيشك [4] النّكد عشت حريصا يقوده طمع ... ومتّ ذا قاتل بلا قود فلم تخف وثبة الزّمان كما ... وثبت في البرج وثبة الأسد [5] عاقبة الظلم لا تنام وإن ... تأخّرت مدة من المدد أردت أن تأكل الفراخ ولا ... يأكلك الدّهر أكل مضطهد هذا بعيد من القياس وما ... أعزّه في الدّنوّ والبعد لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد كم دخلت لقمة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد ما كان أغناك عن تصعّدك [6] ال ... برج ولو كان جنّة الخلد

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «أربابها» . [2] تأخر هذا البيت في المراجع التي بين يدي إلى ما بعد أبيات عدّة. [3] في «الوافي بالوفيات» : «على حيله» . [4] في «سير أعلام النبلاء» : «ولا مثل حالك» . [5] رواية البيت في الأصل والمطبوع و «وفيات الأعيان» تختلف قليلا عن روايتها في المراجع الأخرى. [6] في «وفيات الأعيان» : «عن تسورك» وفي المراجع الأخرى: «عن تسلقك» .

قد كنت في نعمة وفي دعة ... من العزيز المهيمن الصّمد تأكل من فأر بيتنا [1] رغدا ... وأين بالشّاكرين للرّغد انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا. ومات عن مائة سنة. وفيها أبو عروبة الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السّلميّ الحرّاني [2] الحافظ، محدّث حرّان، وهو في عشر المائة. روى عن إسماعيل بن موسى السّدّي وطبقته. وعنه أبو حاتم بن حبّان، وأبو أحمد الحاكم، وكان عارفا بالرّجال. رحل إلى الجزيرة، والشام، والعراق. ورحل إليه النّاس. وفيها سعيد بن عبد العزيز أبو عثمان الحلبيّ الزاهد [3] نزيل دمشق. صحب سريّا السّقطي. وروى عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي، وأحمد بن أبي الحواري وطبقتهما. قال أبو أحمد الحاكم: كان من عباد الله الصالحين. وفيها أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني [4] الحافظ المصنّف، وله ثمانون سنة. روى عن الحسن بن محمد الزعفراني [والذّهلي] [5] ، وطبقتهما ورحل الكثير، وكان ثبتا مجوّدا. وفيها محمد بن إبراهيم الحافظ الأوحد العلّامة أبو بكر بن إبراهيم بن

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» : «دارنا» . [2] «العبر» (2/ 178- 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 510- 512) . [3] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 513- 514) . [4] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 547- 548) . [5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع، واستدركته من «العبر» .

المنذر النيسابوري [1] شيخ الحرم [2] . روى عن محمد بن ميمون، ومحمد بن إسماعيل الصائغ وخلق، وعنه ابن المقرئ، ومحمد بن يحيى الدمياطي، وغيرهما. وكان مجتهدا لا يقلد أحدا، وله تآليف حسان. قال ابن ناصر الدّين: هو شيخ الحرم ومفتيه، ثقة مجتهد فقيه. وفيها محمد بن إبراهيم بن نيروز [3] ، أبو بكر الأنماطي [4] سمع أبا حفص [الفلّاس] وطبقته. وفيها يحيى بن محمد بن صاعد الحافظ الثقة الحجّة أبو محمد البغدادي [5] مولى بني هاشم، في ذي القعدة، وله تسعون سنة. عني بالأثر، وجمع وصنّف، وارتحل إلى الشام، والعراق، ومصر، والحجاز. وروى عن لوين وطبقته. قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ، وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ. انتهى. وممّن روى عنه: أبو القاسم البغوي، والدارقطني، وخلق. وقال الدارقطني: هو ثقة ثبت حافظ.

_ [1] وهو صاحب الكتب التي لم يصنّف مثلها، مثل «المبسوط» في الفقه، وكان مجتهدا لا يقلد أحدا (ع) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 490- 492) . [3] في «العبر» «فيروز» . [4] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 9- 10) . [5] «العبر» (2/ 179) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 501- 507) .

سنة تسع عشرة وثلاثمائة

سنة تسع عشرة وثلاثمائة فيها على ما قاله في «الشذور» قدم مؤتمن الخادم، وكان قد خاف من الهجري، فضلّ بالقافلة عن الجادة، فحدّث أصحابه أنهم رأوا في البرية آثارا عجيبة وصورا لناس من حجارة، ورأوا امرأة قائمة على تنّور، وهي من حجر والخبز من حجر. انتهى. وفيها استولى مرداويج الدّيلمي على همذان، وبلاد الجبل، إلى حلوان، وهزم عسكر الخليفة. وفيها استوحش مؤنس الخادم من الوزير والمقتدر، فأخذ يتعنت على المقتدر ويحتكم عليه في إبعاد ناس [1] وتقديم غيرهم، ثم خرج مغاضبا بأصحابه [2] إلى الموصل، فاستولى الوزير على حواصله، وفرح المقتدر بالوزير، وكتب اسمه على السّكّة، وكان مؤنس في ثمانمائة، فحارب جيش الموصل، وكانوا ثلاثين ألفا، فهزمهم وملك الموصل في سنة عشرين، ولم يحجّ أحد من بغداد، وأخذ الدّيلمي الدّينور، وفتك بأهلها ووصل إلى بغداد من انهزم، ورفعوا المصاحف على القصب، واستغاثوا وسبّوا المقتدر، وغلّقت الأسواق، وخافوا من هجوم القرامطة.

_ [1] في «العبر» : «في إبعاد خاصته» . [2] لفظة «بأصحابه» لم ترد في «العبر» .

وفيها توفي أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلّاب الدمشقي المشغراني [1] خطيب مشغرى [2] . وقع من على [3] الدابة فمات لوقته. روى عن هشام بن عمّار وطائفة. وفيها الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي [4] محدّث دمشق في رجب. روى عن موسى بن عامر المرّيّ، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهما. وفيها قاضي الجماعة، أبو الجعد، أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي [5] ، في رجب، وهو من أبناء التسعين، وكان نبيلا رئيسا كبير الشأن. رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى، والمزني، وصحب بقيّ بن مخلد مدّة، وأضرّ بآخر عمره [6] وضعف من الكبر. وفيها أبو سعيد، الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذّاب [7] ببغداد. روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق، ومسدّد، والكبار.

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع و «معجم البلدان» : «المشغراني» وفي «العبر» (2/ 181) و «الأنساب» (11/ 333) و «اللباب» : «المشغرائي» . [2] علّق الصديق العزيز الأستاذ رياض عبد الحميد مراد على اسم هذه القرية في «الأنساب» بقوله: وتقع مشغرة اليوم في لبنان في محافظة البقاع إلى الغرب من راشيا. وانظر «معجم البلدان» (5/ 134) . وقد رسم اسم القرية في الأصل والمطبوع و «العبر» و «اللباب» (3/ 217) و «البداية والنهاية» (2/ 291) : «مشغرا» بالألف الممدودة، وأثبت لفظ «الأنساب» و «معجم البلدان» . [3] لفظة «على» سقطت من «العبر» فتستدرك فيه. [4] «العبر» (2/ 181) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 62) . [5] «العبر» (2/ 181) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 549) . [6] قوله: «وأضرّ بآخر عمره» سقط من «العبر» طبع الكويت فيستدرك فيه. [7] انظر «الكامل» لابن عدي (2/ 750- 754) و «تاريخ بغداد» (7/ 381- 384) و «ميزان الاعتدال» (1/ 506- 509) و «الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث» للإمام برهان الدين الحلبي ص (137) طبع وزارة الأوقاف العراقية، و «لسان الميزان» (2/ 228- 231) .

قال ابن عدي [1] : كان يضع الحديث. قاله في «العبر» [2] . وفيها الكعبي، شيخ المعتزلة، أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي [3] . قال ابن خلّكان [4] : أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي، العالم المشهور. كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم: «الكعبية» وهو صاحب مقالات، ومن مقالاته [5] أن الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة، وأن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها. وكان من كبار المتكلمين، وله اختيارات في علم الكلام. انتهى [6] . وفيها القاضي أبو عبيد بن حربويه [7] البغدادي علي بن الحسين بن حرب [8] ، الفقيه الشافعي، قاضي مصر، وهو من أصحاب الوجوه. روى عن أحمد بن المقدام، والزّعفراني، وطبقتهما. قال أبو سعيد بن يونس: كان شيئا عجبا ما رأينا مثله، لا قبله ولا بعده، وكان تفقه [9] على مذهب أبي ثور. وفيها محمد بن الفضل البلخيّ [10] الزاهد، أبو عبد الله، نزيل سمرقند، وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير.

_ [1] في «الكامل» (1/ 750) . [2] (2/ 181) . [3] «وفيات الأعيان» (3/ 45) و «العبر» (2/ 182) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 313) و (15/ 255- 256) . [4] في «وفيات الأعيان» (3/ 45) . [5] في «وفيات الأعيان» : «ومن مقالته» . [6] قلت: وفي سنة وفاته خلاف عند أصحاب كتب الرجال يحسن بالقارئ الوقوف عليه. [7] في الأصل والمطبوع: «جويرية» والتصحيح من «العبر» وكتب الرجال. [8] «العبر» (2/ 182) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 536- 538) . [9] في «العبر» : «وكان يتفقه» . [10] «العبر» (2/ 182) وانظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (212- 213) .

يقال: إنه مات في مجلسه أربعة أنفس. صحب أحمد بن خضرويه [1] البلخي، وهو آخر من روى عن قتيبة، وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ. وقال السخاوي [2] : هو محمد بن الفضل بن العباس بن حفص، أبو عبد الله، أصله من بلخ، خرج منها لسبب المذهب، فدخل سمرقند ومات بها، وهو من جلّة مشايخ خراسان، ولم يكن أبو عثمان يميل إلى أحد من المشايخ ميله إليه. وقال أبو عثمان: لو وجدت في نفسي قوّة، لرحلت إلى أخي محمد بن الفضل، فأستروح سرّي برؤيته. قال ابن الفضل: الدّنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا. وقال: العجب ممّن يقطع الأودية والقفار والمفاوز، حتّى يصل إلى بيته وحرمه وكعبته [3] لأن فيه آثار أنبيائه. كيف لا ينقطع عن نفسه وهواه، حتى يصل إلى قلبه، فإنّ فيه آثار مولاه، وتوحيده ومعرفته. وقال: أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بدّ له منها، فإن من ملك نفسه عزّ ومن ملكته نفسه ذلّ. وقال: ستّ خصال يعرف بها الجاهل: الغضب من غير شيء، والكلام في غير نفع، والعطيّة في غير موضعها، وإفشاء السّرّ، والثقة بكل أحد، وألّا يعرف [4] صديقه من عدوه.

_ [1] تصحف في الأصل والمطبوع إلى: «ابن حضرويه» والتصحيح من «طبقات الصوفية» و «العبر» وكتب الرجال. [2] انظر «طبقات الصوفية» للسلمي ولعلّ المؤلف ينقل عنه لا عن كتاب السخاوي كما أشرت إلى ذلك من قبل. [3] لفظة «وكعبته» لم ترد في «طبقات الصوفية» للسلمي. [4] في الأصل والمطبوع: «ولا يعرف» وأثبت ما في «طبقات الصوفية» .

وقال: خطأ العالم أضرّ من عمد [1] الجاهل. وقال: من ذاق حلاوة العلم لا يصبر [2] عنه. ومن ذاق حلاوة المعاملة أنس بها. وقال: العلوم ثلاثة: علم بالله، وعلم من الله، وعلم مع الله. فالعلم بالله، معرفة صفاته ونعوته. والعلم من الله، علم الظاهر والباطن، والحلال والحرام، والأمر والنهي، والأحكام. والعلم مع الله، هو علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق. وقال: ثمرة الشّكر الحبّ لله والخوف من الله. وقال: ذكر اللسان كفّارات [3] ودرجات، وذكر القلب زلف [4] وقربات، وذكر السّرّ مشاهدة ومناجاة [5] . انتهى ملخصا. وفيها محدّث الأندلس، أبو عبد الله محمد بن فطيس بن واصل الغافقي الإلبيري [6] الفقيه الحافظ. روى عن محمد بن أحمد العتبي، وأبان بن عيسى، ورحل وسمع من أحمد ابن أخي ابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهم. وصنّف، وجمع، وسمع بأطرابلس المغرب [7] ، من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «عمل» والتصحيح من «طبقات الصوفية» . [2] في الأصل والمطبوع: «لم يصبر» وما أثبته من «طبقات الصوفية» . [3] في الأصل والمطبوع: «كفارة» وما أثبته من «طبقات الصوفية» . [4] في الأصل والمطبوع: «زلفى» وما أثبته من «طبقات الصوفية» . [5] قوله: «وذكر السر مشاهدة ومناجاة» لم يرد في «طبقات الصوفية» . [6] «العبر» (2/ 183) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 79- 80) . [7] وهي عاصمة ليبيا في هذه الأيام، وتعرف الآن ب «طرابلس الغرب» . انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 217- 218) .

قال [ابن] الفرضي [1] : كان ضابطا، نبيلا، صدوقا، وكانت الرحلة إليه [بإلبيرة] [2] حدّثنا عنه غير واحد. وتوفي في شوال عن تسعين سنة. وفيها المؤمّل بن الحسن بن عيسى بن ما سرجس [3] ، الرئيس أبو الوفاء النيسابوري، لم يدرك الأخذ عن أبيه، وأخذ عن إسحاق الكوسج، والحسين الزعفراني، وطبقتهما. وكان صدر نيسابور. وروي أن أمير خراسان ابن طاهر اقترض منه ألف ألف درهم. وقال أبو علي النيسابوري: خرّجت [4] لأبي الوفاء عشرة أجزاء، وما رأيت أحسن من أصوله، فأرسل إليّ مائة دينار وأثوابا.

_ [1] انظر «تاريخ علماء الأندلس» (2/ 41- 42) وقد نقل عنه صاحب «العبر» باختصار وتصرّف. [2] زيادة من «تاريخ علماء الأندلس» . [3] «العبر» (2/ 183) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 21- 23) . [4] في «سير أعلام النبلاء» : «نظرت» .

سنة عشرين وثلاثمائة

سنة عشرين وثلاثمائة لما استفحل أمر مرداويج الدّيلمي، لاطفه الخليفة، وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع، وعقد له على أذربيجان، وإرمينية، وأرّان [1] ، وقمّ، ونهاوند، وسجستان. وفيها نهب الجند دار الوزير [2] ، فهرب، وسخّم [3] الهاشميون وجوههم، وصاحوا: الجوع الجوع! للغلاء، لأن القرمطي ومؤنسا منعوا الجلب، وتسلل الجند إلى مؤنس، وتملك الموصل، ثم تجهزوا في جمع [4] عظيم، فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم، فامتنع ثم قالت الأمراء للمقتدر: أنفق في العساكر، فعزم على التوجّه إلى واسط في الماء، ليستخدم منها، ومن البصرة، والأهواز، فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله ولا تسلّم بغداد بلا حرب، فلما أصبحوا، ركب في موكبه وعليه البردة، وبيده القضيب، والقرّاء والمصاحف حوله، والوزير خلفه، فشقّ بغداد إلى الشمّاسيّة، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تلّ، ثم جاء إليه ابن ياقوت، وأبو العلاء بن حمدان، فقالا: تقدم، فأبى، فألحّوا

_ [1] تحرّفت في المطبوع إلى «إيران» . [2] هو الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات. انظر «النجوم الزاهرة» (3/ 232) . [3] أي سوّدوها. يقال: سخّم الله وجهه، أي سوّده. انظر «لسان العرب» (سخم) . [4] في الأصل: «في جيش» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» (2/ 184) .

عليه، فتقدّم وهم يستدرجونه، حتّى صار في وسط المصافّ [1] ، في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت، وهارون بن غريب بلاء حسنا، وكان معظم جيش مؤنس الخادم البربر، فجاء علي بن بليق [2] فترجّل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبّل الأرض، فعطف جماعة [من البربر] [3] إلى نحو المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة سقط إلى الأرض، وقيل: رماه بحربة وحزّ رأسه بالسيف، وحمل على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، فطم وعفا أثره، وذلك لثلاث بقين من شوال. وهو أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم العباسي [4] ، وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت، وسمع أمير الأندلس بذلك، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فلقّب نفسه أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن، وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلاثمائة. ولا شك أن حرمته ودولته كانت أمتن من دولة المقتدر ومن بعده، وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد، وكان ربعة جميل الصورة، أبيض مشربا حمرة، أسرع الشيب إلى عارضيه، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة، وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا أياما، وكان جيد العقل والرأي، لكنه كان يؤثر اللعب والشهوات، غير ناهض بأعباء الخلافة. كانت أمّه، وخالته، والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار، والولايات، والحلّ، والعقد.

_ [1] قال ابن منظور: المصفّ: الموقف في الحرب، والجمع المصاف. انظر «لسان العرب» (صفف) . [2] تحرّف في «العبر» إلى «علي بن يلبق» فيصحح فيه، وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 251) و «صلة تاريخ الطبري» ص (272 و 273) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» . [4] للتوسّع في دراسة حياته راجع «مروج الذهب» للمسعودي (4/ 292- 311) و «الأعلام» للزركلي (2/ 121) ومصادره.

قال الوزير علي بن عيسى: ما هو إلّا أن يترك [1] النبيذ خمسة أيام [متتابعة حتى يصح ذهنه] ، وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه، وكالمأمون. ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر إلّا هو والمتوكل، وكلاهما قتل في شوال. وندم مؤنس على قتله وقال: لنقتلنّ كلنا، ثم بايعوا القاهر، فصادر بعض خواص المقتدر، وعذب أمه، حتّى ماتت معلّقة، وبالغ في الظلم، واستوزر ابن مقلة، وكان المقتدر مسرفا مبذّرا [ناقص الرأي] [2] محق الذخائر حتّى إنه أعطى بعض جواره الدرة اليتيمة، التي وزنها ثلاثة مثاقيل، ويقال: إنه ضيّع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكان في داره عشرة آلاف خصيّ من الصقالبة، وأهلك نفسه بيده بسوء تدبيره، وخلّف عدة أولاد، منهم: الراضي بالله محمد، والمتقي لله إبراهيم، والأمير إسحاق ولد القادر، والمطيع لله، وذكر طبيبه ثابت بن سنان في «تاريخه» أن المقتدر أتلف نيّفا وسبعين ألف ألف دينار. وفيها توفي الحافظ، محدّث الشام، أبو الحسن، أحمد بن عمير [3] بن يوسف بن موسى بن جوصا [4] . سمع كثير بن عبيد، وطبقته. وعنه الطبراني، وحمزة الكتاني، وأبو علي الحافظ، والحاكم [5] . حطّ عليه حمزة الكتاني، وأثنى عليه الدارقطني، وجمع وصنّف وتبحر في الحديث. قال أبو علي النيسابوري: كان ركنا من أركان الحديث.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ما هو إلا لا يترك» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (7/ 218) وما بين حاصرتين زيادة منه. [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 186) . [3] في الأصل والمطبوع: «ابن عمر» وهو تحريف والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [4] «العبر» (2/ 186- 187) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 15- 21) . [5] هو أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي، ويعرف بالحاكم الكبير، المتوفى سنة (378) وسوف ترد ترجمته في ص (415) من هذا المجلد.

وقال محمد بن إبراهيم: كان ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة. وقال غيره: كان ابن جوصا كثير الأموال، يركب البغلة، وتوفي في جمادى الأولى. وقال الدارقطني: تفرّد بأحاديث، ولم يكن بالقويّ. وفيها أبو بكر أحمد بن القاسم بن نصر [1] أخو أبي اللّيث الفرائضي، ببغداد، في ذي الحجّة، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن لوين، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعدّة [2] . وفيها الحافظ الجوّال، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة الشهرزوريّ [3] روى عن أبي زرعة الرّازي، والزعفراني. وعنه أهل الرّيّ، وقزوين، منهم: أحمد بن علي بن حسن الرّازي، وأبو بكر بن يحيى الفقيه، وغيرهما. قاله ابن بردس [4] . وفيها أبو العبّاس عبد الله بن عتّاب بن الزّفتي [5] محدّث دمشق، وله ست وتسعون سنة. روى عن هشام بن عمّار، وعيسى بن حمّاد زغبة، وخلق. قال أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتا. وفيها الحافظ الثقة أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ابن

_ [1] «العبر» (2/ 187) وانظر «سير أعلام النبلاء» (1/ 466- 467) . [2] قلت وقد ساق الخطيب البغدادي بيتان من الشعر له في «تاريخ بغداد» (4/ 352) جديران بالذكر وهما: لا تترك الحزم في أمر هممت به ... فإن سلمت فما بالحزم من باس العجز ضر، وما بالحزم من ضرر ... وأحزم الحزم سوء الظنّ بالناس [3] «تذكرة الحفاظ» (3/ 846) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 249- 250) . [4] تحرّف في المطبوع إلى «ابن درباس» وهو إسماعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي الحنبلي، المتوفى سنة (785) هـ، وسوق ترد ترجمته في المجلد الثامن من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى، وكتابه الذي ينقل عنه هو «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» وهو مخطوط لم يطبع بعد. [5] «العبر» (2/ 188- 189) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 64) .

أخي أبي زرعة الرّازي [1] . روى عن يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن منصور الرّمادي، وطبقتهما. وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربريّ [2] صاحب البخاري، وقد سمع من علي بن خشرم لمّا رابط بفربر، وكان ثقة ورعا، توفي في شوال، وله تسع وثمانون سنة. وكانت ولادته سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ورحل إليه الناس، وسمعوا منه «صحيح البخاري» وهو أحسن من روى الحديث عن البخاري. وفربر: بفتح الفاء [3] والراء وسكون الباء الموحدة، وفي آخره راء ثانية، وهي بليدة على طرف جيحون مما يلي بخارى. قاله ابن خلّكان [4] . وفيها أو قبلها أو بعدها، توفي القاضي الحافظ محمد بن يحيى العدني [5] قاضي عدن، ونزيل مكة. سمع منه مسلم بن الحجّاج، والترمذي. وروى عن سفيان بن عيينة وطبقته. روى عنه الترمذيّ أنه قال: حججت ستين حجّة ماشيا على قدمي. قاله ابن الأهدل [6] . وفيها الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري [7] الثقة الإمام. روى عن الذهلي، وعيسى بن أحمد، والربيع

_ [1] «العبر» (2/ 189) و «الأنساب» (6/ 43) . [2] «العبر» (2/ 189) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 10- 13) . [3] قلت: وبكسرها أيضا. انظر «تاج العروس» للزبيدي (فربر) . [4] في «وفيات الأعيان» (4/ 290) . [5] «مرآة الجنان» (2/ 280) و «غربال الزمان» ص (285) . [6] قلت: قاله ابن الأهدل في «مختصر تاريخ اليافعي» وهو مخطوط كما ذكرت من قبل، وقد اختصر فيه «مرآة الجنان» . ولكن إيراد هذه الترجمة هنا خطأ تبع فيه ابن الأهدل اليافعي صاحب «مرآة الجنان» وتبعهما اليافعي صاحب «غربال الزمان» وقد تابعهم على هذا الخطأ المؤلف ابن العماد، فالصواب أن وفاة الحافظ محمد بن يحيى العدني كانت سنة (243) هـ كما ذكر المؤلف في حوادث السنة المذكورة من المجلد الثالث ص (199) نقلا عن «العبر» للذهبي (1/ 441) فتنبّه، وانظر «سير أعلام النبلاء» (12/ 96- 98) . [7] نقل المؤلف هذه الترجمة عن كتاب «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» لابن بردس، وهو مخطوط لم يطبع بعد كما ذكرت من قبل. وانظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 807- 811) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 60- 61) .

المرادي. وعنه محمد بن صالح بن هاني، وأبو علي الحافظ. ووثقه الحاكم. قاله ابن بردس [1] . وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزدي مولاهم البغدادي [2] وكان من خيار القضاة حلما، وعقلا، وجلالة، وذكاء، وصيانة. ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وروى عن زيد بن أخزم [3] ، والحسن ابن أبي الربيع، وجماعة حمل عنهم في صغره، وولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر، ثم ولي قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان له مجلس في غاية الحسن كان يقعد للإملاء، والبغويّ [4] عن يمينه، وابن صاعد عن يساره، وابن زياد النيسابوري بين يديه. وقد حفظ من جده حديثا وهو ابن أربع سنين. وفيها ميمون بن عمر الإفريقي [5] المالكي، أبو عمر، الفقيه قاضي القيروان، وقاضي صقلّيّة. عاش مائة سنة أو أكثر، وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون، وعن أبي مصعب الزّهريّ [6] وزمن [7] في آخر عمره وهرم [8] .

_ لم يطبع بعد كما ذكرت من قبل. وانظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 807 811) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 60 61) . [1] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ. [2] «العبر» (2/ 189- 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 555- 557) . [3] في الأصل: «يزيد بن أخرم» وفي المطبوع: «يزيد بن أحزم» وفي «العبر» : «زيد بن أخرم» وكله خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «تقريب التهذيب» ص (221) . [4] يعني أبا القاسم عبد الله بن محمد البغوي، المتوفى سنة (317) هـ. انظر ترجمته في ص (83) من هذا المجلد. [5] «العبر» (2/ 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 355- 356) . [6] في الأصل والمطبوع: «الزهرة» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [7] أي: ابتلي. انظر «لسان العرب» و «مختار الصحاح» (زمن) . [8] في «العبر» : «وزمن وانهزم» .

وفيها أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي [1] . قال الإسنوي: كان إماما جليلا وربما كان يعيب على ابن سريج في القضاء ويقول: هذا الأمر لم يكن في أصحابنا إنما كان في أصحاب أبي حنيفة. وطلبه الوزير ابن الفرات بأمر الخليفة للقضاء فامتنع فوكل ببابه وختم عليه بضعة عشر يوما حتّى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا بمناولة بعض الجيران، فبلغ، الخبر إلى الوزير، فأمر بالإفراج عنه، وقال: ما أردنا بالشيخ أبي علي إلا خيرا، أردنا أن يعلم أن في مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وفعل به مثل هذا وهو لا يقبل، توفي- رحمه الله تعالى- يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة. انتهى ملخصا. وتفقه به جماعة. وفيها أبو عمرو [2] الدمشقي [3] الزاهد من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم. روي عنه أنه قال: كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار [الآيات و] [4] المعجزات، [كذلك] [4] فرض الله على الأولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتتنوا بها [5] .

_ [1] «العبر» (2/ 190) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 58- 60) . [2] في الأصل والمطبوع و «العبر» : «أبو عمر» وهو خطأ والتصحيح من «طبقات الصوفية» و «حلية الأولياء» . [3] «العبر» (2/ 190) وانظر «طبقات الصوفية» ص (277- 279) و «حلية الأولياء» (10/ 346- 347) . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع و «العبر» واستدركته من «طبقات الصوفية» و «حلية الأولياء» . [5] في «طبقات الصوفية» : «حتى لا يفتتن الخلق بها» .

سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة

سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام، فتحيّل حتّى قبض على مؤنس الخادم وبليق، وابنه علي بن بليق، ثم أمر بذبحهم، وطيف برؤوسهم ببغداد، ثم أمر بذبح يمن، وابن زيرك [1] فاستقامت بغداد، وأطلقت أرزاق الجند، وعظمت هيبة القاهر في النفوس، ثم أمر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنّين، ونفى المخانيث، وكسر آلات الطرب، إلا أنه كان لا يكاد يصحو [2] من السّكر ويسمع [3] القينات. قاله في «العبر» [4] . وفيها توفي أبو حامد، ويقال: أبو تراب، أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم الأعمشي النيسابوري [5] الحافظ، وأبوه حمدون القصّار كان أعمى من الموثقين، وكان قد جمع حديث الأعمش كله وحفظه، فلقب بذلك. سمع محمد بن رافع، وأبا سعيد الأشج، وطبقتهما. ومنه: أبو الوليد الفقيه [6] وأبو علي الحافظ، و [أبو أحمد] الحاكم.

_ [1] في الأصل: «ابن برك» وفي المطبوع: «زبرك» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 191) وانظر «دول الإسلام» (1/ 195) . [2] في «دول الإسلام» للذهبي: «لا يكاد يصبر» . [3] في «العبر» : «وسماع» وما جاء في الأصل والمطبوع موافق لما في «دول الإسلام» . [4] (2/ 191) . [5] «العبر» (2/ 191) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 553- 555) . [6] في الأصل والمطبوع: «أبو الوليد الثقة» وهو خطأ والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «تذكرة الحفّاظ» (3/ 806) .

قال ابن بردس [1] : لا بأس به، وكان صاحب بسط ودعابة. وفيها أحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسواني العسّال [2] في جمادى الآخرة، وهو آخر من حدّث عن محمد بن رمح، ووثّقه ابن يونس. وفيها أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطّحاويّ الحنفي [3] الأزديّ الحجريّ المصري [4] شيخ الحنفية، الثقة الثبت. سمع هارون بن سعيد الأيلي، وطائفة من أصحاب ابن عيينة، وابن وهب، ومنه: أحمد بن القاسم الخشّاب [5] ، والطبراني [6] ، وصنّف التصانيف، منها «العقيدة السّنيّة السّنيّة» [7] ، وبرع في الفقه والحديث. توفي في ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة. قال ابن يونس: كان ثقة ثبتا لم يخلف مثله. وقال الشيخ أبو إسحاق [8] : انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، وقرأ أولا على المزني. قيل: وكان ابن أخته، فقال له يوما: والله لا جاء منك شيء. فغضب وانتقل إلى جعفر بن عمران الحنفي، ففاق أهل عصره، وكان يقول بعد:

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ. [2] «العبر» (2/ 191) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 24) . [3] لفظة «الحنفي» لم ترد في المطبوع و «العبر» . [4] «العبر» (2/ 192) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 27- 33) . [5] في الأصل والمطبوع: «الحساب» وهو خطأ، والتصحيح من «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 809) و «النجوم الزاهرة» (3/ 240) . [6] قوله: «ومنه أحمد بن القاسم الخشاب والطبراني» لم يرد في «العبر» . [7] وقد شرحها شرحا وافيا نافعا الإمام القاضي محمد بن علي بن أبي العز الحنفي الصالحي المتوفى سنة (792) هـ وسمى شرحه «شرح العقيدة الطحاوية» وقد طبع هذا الشرح عدة مرات في عدة بلدان إسلامية، ويعدّ هذا «الشرح» من خيرة المصنفات التي تحدثت عن العقيدة الإسلامية عند أتباع أهل السّنّة والجماعة. [8] يعني الشيرازي. انظر «طبقات الفقهاء» ص (142) .

رحم الله أبا إبراهيم- يعني المزني- لو كان حيّا لكفّر عن يمينه. وصنّف كثيرا. ونسبته إلى طحا، قرية بصعيد مصر [1] . وفيها أبو علي أحمد [بن محمد] بن علي بن رزين الباشاني [2] بهراة. روى عن علي بن خشرم، وسفيان بن وكيع، وطائفة من الثقات. وفيها الأمير تكين الخاصة [3] ولي دمشق ثم مصر وبها مات، ونقل إلى بيت المقدس. وفيها أبو يزيد، حاتم بن محبوب الشامي [4] بهراة. حج وسمع محمد بن زنبور، وسلمة بن شبيب وكان ثقة. والحسن بن محمد بن النّضر [5] أبو علي بن أبي هريرة [6] بأصبهان. روى عن إسماعيل بن يزيد القطان، وأحمد بن الفرات. وعنه: ابن مندة وهو من أكبر شيوخه [7] . وفيها أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب البصري الجبّائي [8] شيخ المعتزلة وابن شيخهم. توفي في شعبان ببغداد. وفيها أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري [9] اللغوي العلّامة، صاحب التصانيف. أخذ عن الرّياشي، وأبي حاتم

_ [1] انظر «معجم البلدان» (4/ 22) . [2] «العبر» (2/ 192) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 523) وما بين حاصرتين مستدرك منهما. [3] «العبر» (2/ 192) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 273) . [4] «العبر» (2/ 193) وانظر «تهذيب الكمال» (1/ 524) مصوّرة دار المأمون للتراث (ضمن ترجمة سلمة بن شبيب) . [5] في «العبر» : «الحسن بن محمد البصري، أبو علي» . [6] «العبر» (2/ 193) و «ذكر أخبار أصبهان» لأبي نعيم (1/ 270) . [7] في «العبر» : «وهو من كبار شيوخ ابن مندة» . [8] «العبر» (2/ 193) وانظر «النجوم الزاهرة» (3/ 242) و «غربال الزمان» ص (281) . [9] «العبر» (2/ 193) وانظر «النجوم الزاهرة» (3/ 240- 241) .

السّجستاني، وابن أخي الأصمعي. وعاش ثمانيا وتسعين سنة. قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرئ عليه ديوان إلّا وهو يسابق في قراءته. وقال الدّارقطني: تكلموا فيه. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان [1] : إمام عصره في اللغة، والآداب، والشعر الفائق. قال المسعوديّ في كتاب «مروج الذهب» [2] في حقه: كان ابن دريد ببغداد ممّن برع في زماننا هذا في الشعر، وانتهى في اللغة، لم يوجد مثله في فهم كتب المتقدمين، وقام مقام الخليل بن أحمد فيها، وكان يذهب بالشعر كل مذهب، فطورا يجزل، وطورا يرق، وشعره أكثر من أن نحصيه، فمن جيّد شعره قصيدته المقصورة التي أولها: إمّا تري رأسي حاكى لونه ... طرّة صبح تحت أذيال الدّجى واشتعل المبيضّ في مسودّه ... مثل اشتعال النّار في جمر [3] الغضا وكان من تقدم من العلماء يقول: إن ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء. ومن مليح شعره قوله: غرّاء لو جلت الخدور [4] شعاعها ... للشمس عند شروقها [5] لم تشرق غصن على دعص تأوّد فوقه ... قمر تألّق تحت ليل مطبق

_ [1] في «وفيات الأعيان» (4/ 323) . [2] (3/ 320- 321) . [3] في «مروج الذهب» و «وفيات الأعيان» : «في جزل» . والجزل ما عظم من الخطب ويبس. انظر «مختار الصحاح» (جزل) . [4] في الأصل والمطبوع: «عزراء لو جلت الخدور» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» : «طلوعها» .

لو قيل للحسن احتكم لم يعدها ... أو قيل خاطب غيرها لم ينطق فكأننا من فرعها في مغرب ... وكأننا من وجهها في مشرق تبدو فيهتف بالعيون ضياؤها ... الويل حلّ بمقلة لم تطبق وكانت ولادته بالبصرة في سكة صالح سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ونشأ بها وتعلم فيها، وسكن عمان وأقام بها ثنتي عشرة سنة، ثم عاد إلى البصرة وسكنها زمانا، ثم خرج إلى نواحي فارس، وصحب ابني ميكال، وكانا يومئذ على عمالة فارس، وعمل لهما كتاب «الجمهرة» وقلداه ديوان فارس، فكانت تصدر كتب فارس عن رأيه، ولا ينفذ أمر إلا بعد توقيعه، فأفاد معهما أموالا عظيمة، وكان لا يمسك درهما سخاء وكرما، ومدحهما بقصيدته المقصورة، فوصلاه بعشرة آلاف درهم، ثم انتقل إلى بغداد، وعرف الإمام المقتدر بالله خبره ومكانه من العلم [1] ، فأمر أن يجرى عليه خمسون دينارا في كل شهر، ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته. وكان واسع الرواية، لم ير أحفظ منه. وسئل عنه الدارقطني أثقة هو أم لا؟ فقال: تكلموا فيه. وقيل: إنه كان يتسامح في الرواية فيسند إلى كل واحد ما يخطر له. وقال أبو منصور الأزهري [2] : دخلت عليه فرأيته سكران، فلم أعد إليه. وقال ابن شاهين: كنّا ندخل عليه فنستحي [3] [مما نرى] من العيدان المعلّقة والشراب المصفّى. وذكر أن سائلا سأله شيئا فلم يكن عنده غير دنّ [4]

_ [1] في المطبوع: «بالعلم» . [2] في الأصل والمطبوع: «البغوي» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (4/ 326) وقد نقل ابن خلكان كلام الأزهري باختصار وتصرف. انظر «تهذيب اللغة» (1/ 31) بتحقيق العلّامة الأستاذ عبد السلام هارون. [3] في «وفيات الأعيان» : «ونستحي» وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] الدّنّ: وعاء شبيه بالجرّة. انظر «لسان العرب» (دنن) و (حبب) .

من نبيذ فوهبه له، فأنكر عليه أحد غلمانه، وقال: تتصدق بالنبيذ؟ فقال: لم يكن عندي شيء سواه، ثم أهدي له بعد ذلك عشر دنان من النبيذ، فقال لغلامه: أخرجنا دنّا فجاءنا عشرة. وينسب إليه من هذه الأمور شيء كثير. وعرض له فالج، فسقي الترياق فشفي [منه] ثم عاوده الفالج بعد حول لغذاء ضارّ تناوله، فبطل من محزمه إلى قدميه، وكان مع هذا الحال ثابت العقل صحيح الذهن [1] يردّ فيما يسأل ردّا صحيحا. وقال المرزباني: قال لي ابن دريد: سقطت من منزلي بفارس، فانكسرت ترقوتي، فسهرت ليلتي، فلما كان آخر الليل غمضت عيني فرأيت رجلا طويلا أصفر الوجه كوسجا [2] دخل عليّ وأخذ بعضادتي الباب وقال: أنشدني أحسن ما قلت في الخمر، فقلت: ما ترك أبو نواس لأحد شيئا، فقال: أنا أشعر منه، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ناجية من أهل الشام، وأنشدني: وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجس وشقائق حكت وجنة المعشوق صرفا فسلّطوا ... عليها مزاجا فاكتست لون عاشق فقلت له: أسأت. فقال: ولم؟ قلت: لأنك قلت: «حمراء» فقدمت الحمرة، ثم قلت: «بين ثوبي نرجس وشقائق» فقدمت الصفرة، فهلّا قدّمتها على الأخرى. فقال: وما هذا الاستقصاء يا بغيض؟. وتوفي يوم الأربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان. ودريد: بضم الدال المهملة، وفتح الراء، وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها دال مهملة، وهو تصغير أدرد، والأدرد: الذي ليس فيه سن،

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «ثابت الذهن كامل العقل» . [2] قال ابن منظور: الكوسج: الأثطّ، وفي «المحكم» : الذي لا شعر على عارضيه. «لسان العرب» (كسج) .

وهو تصغير ترخيم لحذف الهمزة من أوله، كما تقول في تصغير أسود: سويد، و [تصغير] أزهر زهير. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها محمد بن هارون أبو حامد الحضرمي [1] محدّث بغداد في وقته، وله نيّف وتسعون سنة. روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل، وأبي همّام السّكوني. وفيها محمد بن مكحول البيروتي [2] وهو أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ الثقة الثبت. سمع محمد بن هاشم البعلبكي، وأبا عمير بن النّحّاس، وطبقتهما بمصر، والشام، والجزيرة، وعنه: أبو سليمان بن زين، وأبو محمد بن ذكوان البعلبكي، والحاكم. وفيها محمد بن نوح الحافظ أبو الحسن الجنديسابوري [3] الثقة. روى عن الحسن بن عرفة وغيره، وعنه: الدارقطني وغيره. وفيها مؤنس الخادم [4] الملقب بالمظفّر، عن نحو تسعين سنة. وكان أميرا معظّما شجاعا منصورا، لم يبلغ أحد من الخدّام منزلته، إلا كافور صاحب مصر.

_ [1] «العبر» (2/ 194) وانظر «النجوم الزاهرة» (3/ 242) . [2] «العبر» (2/ 193- 194) وانظر «النجوم الزاهرة» (3/ 242) . [3] «تذكرة الحفاظ» (3/ 826- 827) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 34- 35) ، وقد تحرفت نسبته في الأصل إلى «الجند النيسابوري» وأثبت ما في المطبوع. [4] «العبر» (2/ 194) وانظر «النجوم الزاهرة» (3/ 242) .

سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فيها انفرد عن مرداويج الدّيلمي أحد قواده، الأمير علي بن بويه، والتقى هو ومحمد بن ياقوت أمير فارس، فهزم محمدا واستوى على مملكة فارس، وهذا أول ظهور بني بويه، وكان بويه من أوساط الناس، يصيد السمك بين الدّيلم، فملك أولاده الدّنيا، وكنية بويه أبو شجاع، ونسبه متصل إلى أزدشير بن بابك [1] من الأكاسرة، وكان له ثلاثة أولاد شجعان في خدمة ابن كالي الدّيلمي، وأسماؤهم: عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة الحسن، ومعزّ الدولة الحسين. وفيها قتل القاهر الأمير أبا السّرايا نصر بن حمدان، والرئيس إسحاق بن إسماعيل النّوبختي- بالضم، نسبة إلى نوبخت جد- وقيل: قتلهما ابن أخيه أبو أحمد بن المكتفي بلا ذنب، وتفرعن وطغى، وأخذ أبو علي بن مقلة وهو مختف يراسل الخواصّ من المماليك ويجسّرهم [2] على القاهر، ويوحشهم منه، فما برح على أن اجتمعوا على الفتك به، فركبوا إلى الدار والقاهر سكران نائم، وقد طلعت الشمس، فهرب الوزير في إزار، وسلامة

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع: «أزدشير بن بابك» وفي «تاريخ الطبري» و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير، و «وفيات الأعيان» (2/ 457) و «أردشير» بالراء، وكلاهما صواب، انظر «تاج العروس» (أرد) (7/ 382) طبع الكويت. [2] في الأصل والمطبوع: «ويحشدهم» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف، والجسارة: الجرأة. انظر «لسان العرب» (جسر) .

الحاجب، فوثبوا على القاهر، فقام مرعوبا وهرب، فتبعوه إلى السّطح، وبيده سيف، فقالوا: انزل، فأبى، فقالوا: نحن عبيدك، فلم تستوحش منّا، فلم ينزل، ففوّق واحد منهم سهما وقال: انزل وإلا قتلتك، فنزل، فقبضوا عليه في جمادى الآخرة، وأخرجوا محمد بن المقتدر ولقّبوه الراضي بالله ووزر ابن مقلة. قال الصولي: كان القاهر أهوج سفّاكا للدماء، قبيح السيرة، كثير الاستحالة، مدمن الخمر، كان له حربة يحملها، فلا يضعها حتّى يقتل إنسانا، ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل، وستأتي بقية ترجمته عند ذكر وفاته في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة [1] إن شاء الله تعالى. وفيها هلك مرداويج الدّيلمي بأصبهان، وكان قد عظم سلطانه، وتحدثوا أنه يريد قصد بغداد، وكان له ميل إلى المجوس، وأساء إلى أصحابه، فتواطؤا على قتله في الحمام، وبعث الراضي بالعهد إلى علي بن بويه على البلاد التي استولى عليها، والتزم بحمل ثمانية آلاف ألف درهم في العام. وفيها اشتهر محمد بن علي الشّلمغاني ببغداد، وشاع أنه يدّعي الإلهية، وأنه يحيي الموتى، وكثر أتباعه، فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله، فسمع كلامه، وأنكر الإلهيّة، وقال: إن لم تنزل العقوبة بعد ثلاثة أيام وأكثره تسعة أيام، وإلّا فدمي حلال، وكان هذا الشقي قد أظهر الرفض، ثم قال بالتناسخ والحلول، ومخرق على الجهّال، وضلّ به طائفة، وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة، فلما طلب هرب إلى الموصل، وغاب سنين ثم عاد وادعى الإلهيّة، فتبعه فيما قيل الذي وزر للمقتدر، الحسين بن الوزير القاسم ابن الوزير عبيد الله بن وهب، وابنا بسطام، وإبراهيم بن أبي عون، فلما قبض عليه ابن مقلة كبس بيته فوجد فيه رقاعا وكتبا مما قيل عنه يخاطبونه في

_ [1] انظر ص (208- 209) من هذا المجلد.

الرّقاع بما لا يخاطب به البشر، وأحضر فأصرّ على الإنكار فصفعه ابن عبدوس، وأما ابن أبي عون فقال: إلهي وسيدي ورازقي. فقال الراضي للشّلمغاني: أنت زعمت أنك لا تدّعي الربوبية، فما هذا؟ فقال: وما عليّ من قول ابن أبي عون، ثم أحضروا غير مرّة، وجرت لهم فصول، وأحضرت الفقهاء والقضاة، ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه، فأحرق في ذي القعدة، وضربت عنق ابن أبي عون، ثم أحرق، وهو فاضل مشهور صاحب تصانيف أدبية، وكان أعني ابن أبي عون- من رؤساء الكتّاب. وشلمغان: بالشين والغين المعجمتين من أعمال واسط. وقتل الحسين بن القاسم الوزير [1] ، وكان في نفس الراضي منه. ولم يحج أحد من بغداد إلى سنة سبع وعشرين خوفا من القرامطة. وفيها توفي أبو عمر أحمد بن خالد بن الجبّاب [2] القرطبي [3] حافظ الأندلس، وكان أبوه يبيع الجباب [4] . روى عن بقي بن مخلد وطائفة. وعنه: ولده محمد، ومحمد بن أبي دليم [5] . قال القاضي عياض: كان إماما في فقه مالك، وكان في الحديث لا ينازع، وارتحل إلى اليمن فأخذ عن إسحاق الدّبري، وعاش بضعا وسبعين سنة، وصنّف التصانيف. وفيها قاضي مصر، أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة [6] .

_ [1] «العبر» (2/ 198) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 294) . [2] في الأصل والمطبوع: «ابن الحبّاب» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [3] «العبر» (2/ 198- 199) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 240) و «غربان الزمان» ص (282) . [4] في الأصل والمطبوع: «الحباب» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [5] في الأصل والمطبوع: «محمد بن أبي وليم» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» . [6] «العبر» (2/ 199) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 565- 566) .

حدّث بكتب أبيه كلّها من حفظه بمصر، ولم يكن معه كتاب، وهي أحد وعشرون مصنّفا، وولي قضاء مصر شهرا ونصفا [1] . وفيها العارف الزاهد القدوة خير النّسّاج [2] أبو الحسن البغدادي، وكانت له حلقة يتكلم فيها، وعمّر دهرا، فقيل: إنه لقي سريّا السقطي، وله أحوال وكرامات. وفيها المهديّ عبيد الله [3] والد الخلفاء الباطنيّة العبيدية الفاطمية. افترى أنه من ولد جعفر الصادق، وكان بسلميّة [4] فبعث دعاته إلى اليمن، والمغرب، وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب، وامتدت دولته بضعا وعشرين سنة، ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها، وكان يظهر الرّفض ويبطن الزندقة. قال أبو الحسن القابسي صاحب «الملخّص» [5] : الذي قتله عبيد الله

_ [1] في «العبر» و «حسن المحاضرة» (1/ 368) : «شهرين ونصف شهر» . [2] «العبر» (2/ 199) وانظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (322- 325) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 269- 270) . قلت: وقد ذكر السّلميّ أن اسمه الصحيح هو محمد بن إسماعيل السّامري، وأنه إنما سمّي خيرا النّسّاج لأنه خرج إلى الحج، فأخذه رجل على باب الكوفة، فقال: أنت عبدي، واسمك خير- وكان أسود- فلم يخالفه، فأخذه الرجل، واستعمله في نسج الخزّ سنين، وكان يقول له: يا خير! فيقول: لبّيك!. ثم قال له الرجل- بعد سنين-: أنا غلطت!. لا أنت عبدي، ولا اسمك خير، فلذلك سمّي خير النساج. وكان يقول: لا أغيّر اسما سمّاني به رجل مسلم، وعاش مائة وعشرين سنة. [3] «العبر» (2/ 199- 200) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 141- 151) و «غربان الزمان» ص (282) . [4] بلدة كبيرة بين حمص وحماة من جهة المشرق وتتبع محافظة حماة إداريا في أيامنا. أنجبت فيما مضى جمهرة من العلماء الأفاضل. انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 240- 241) . [5] قلت: جمع فيه ما اتصل به إسناده من حديث الإمام مالك في «الموطأ» . قال أبو عمرو الداني: وهو خمسمائة حديث وعشرون حديثا، وهو مخطوط لم ينشر بعد. انظر «كشف الظنون» (2/ 1818) .

وبنوه بعده، في دار النّحر التي يعذب فيها في العذاب، ما بين عالم وعابد، ليردّهم عن الترضّي على [1] الصحابة، فاختار الموت أربعة آلاف رجل، وفي ذلك يقول بعضهم من قصيدة: وأحلّ دار النّحر في أغلاله ... من كان ذا تقوى وذا صلوات وقال ابن خلّكان [2] : أبو محمد عبيد الله، الملقب بالمهدي، وجدت في نسبه اختلافا كثيرا. قال صاحب «تاريخ القيروان» : هو عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. وقال غيره: هو عبيد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر المذكور. وقيل: هو عبيد الله بن التقي، وفيه اختلاف كثير، وأهل العلم بالأنساب المحقّقون ينكرون دعواه في النسب. وقيل: إن المهدي لما وصل إلى سجلماسة [3] ونما خبره إلى اليسع، وهو مالكها، وهو آخر ملوك بني مدرار، وقيل له: إن هذا الفتى يدعو إلى بيعة أبي عبد الله الشيعي بإفريقية، أخذه اليسع واعتقله، فلما سمع أبو عبد الله الشيعي باعتقاله حشد جمعا كثيرا من كتامة [4] وغيرها، وقصد سجلماسة لاستنقاذه، فلما بلغ اليسع خبر وصولهم قتل المهديّ في السجن، فلما دنت العساكر من البلد، هرب اليسع، فدخل أبو عبد الله إلى السجن فوجد المهديّ مقتولا وعنده رجل من أصحابه كان يخدمه، فخاف أبو عبد الله أن

_ [1] في الأصل: «عن» وأثبت ما في المطبوع. [2] في «وفيات الأعيان» (3/ 117- 119) . [3] قال ياقوت: سجلماسة: مدينة في جنوبي المغرب بينها وبين فاس عشرة أيام تلقاء الجنوب. انظر «معجم البلدان» (3/ 192- 193) . [4] في الأصل: «جمفا عفيرا من كتابه» وهو خطأ وأثبت لفظ المطبوع و «وفيات الأعيان» .

ينتقض عليه ما دبّره من الأمر إن عرفت العساكر بقتل المهدي، فأخرج هذا الرجل وقال: [هذا] هو المهدي. وهو أول من قام بهذا الأمر من بيتهم، وادّعى الخلافة بالمغرب، وكان داعية أبا عبد الله الشيعي. ولما استتبّ [1] له الأمر قتله وقتل أخاه، وبنى المهدية بإفريقية ولما فرغ من بنائها في شوال سنة ثمان وثلاثمائة بنى سور تونس وأحكم عمارتها وجدّد فيها مواضع، فنسبت إليه. وملك بعده ولده القائم، ثم المنصور ولد القائم، ثم المعز بن المنصور، وهو الذي سيّر القائد جوهرا وملك الديار المصرية وبنى القاهرة، واستمرت دولتهم حتى انقرضت على يد السلطان صلاح الدّين رحمه الله تعالى. وكانت ولادته في سنة تسع وخمسين، وقيل: ستين ومائتين [وقيل: ست وستين ومائتين] [2] بمدينة سلميّة، وقيل: بالكوفة، ودعي له بالخلافة على منابر رقّادة [3] والقيروان يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين، بعد رجوعه من سجلماسة وكان ظهوره بسجلماسة يوم الأحد لسبع خلون من ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين، وخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العبّاس. انتهى ما قاله ابن خلّكان ملخصا. وفيها أبو جعفر محمد بن إبراهيم الدّيبلي [4] محدّث مكّة، نسبة إلى ديبل [5]- بفتح أوله وضم الباء مدينة قرب السّند- وتوفي في جمادى الأولى. روى عن محمد بن زنبور وطائفة.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «استثبت» وهو خطأ والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «وفيات الأعيان» . [3] في الأصل والمطبوع: «زقادة» وهو تصحيف، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . وانظر «معجم البلدان» (3/ 55- 56) . [4] «العبر» (2/ 200) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 9- 10) . [5] قلت: وتعرف في أيامنا ب «كراتشي» وهي عاصمة باكستان الإسلامية. وكانت قد أنجبت

وفيها أبو جعفر محمد بن عمرو [العقيلي] [1] الحافظ صاحب «الجرح والتعديل» عداده في أهل الحجاز. روى عن: إسحاق الدّبري، وأبي إسماعيل الترمذي [2] وخلق. وعنه: أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعي، وأبو بكر بن المقرئ. قال الحافظ أبو الحسن القطّان: أبو جعفر ثقة جليل القدر، عالم بالحديث، مقدّم بالحفظ، وتوفي بمكّة في شهر ربيع الأول. وفيها الزاهد أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتّانيّ [3] شيخ الصوفية المجاور بمكّة. أخذ عن أبي سعيد الخرّاز وغيره، وهو مشهور. قال السخاوي في «طبقاته» [4] : قال المرتعش: الكتّانيّ سراج الحرم. صحب الجنيد. والخرّاز، والنّوري، وأقام بمكّة مجاورا إلى أن مات بها. ومن كلامه: روعة عند انتباه عن غفلة وانقطاع عن حظ من الحظوظ النفسانيّة، وارتعاد من خوف القطيعة [5] أفضل من عبادة الثقلين. وقال: وجود العطاء من الحقّ شهود الحقّ بالحقّ، لأن الحقّ دليل على كل شيء، ولا يكون شي دونه دليل عليه.

_ عددا من أفاضل العلماء فيما مضى ولا زالت تنجب هي وسواها من مدن هذه الدولة الإسلامية العريقة أعدادا كبيرة من العلماء في مختلف العلوم بارك الله فيهم. وانظر خبرها في «معجم البلدان» (2/ 495) و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (50) [1] «العبر» (2/ 200) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 236- 239) . [2] هو أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن محمد بن يوسف السلمي الترمذي من أهل بغداد، ترمذي الأصل. فقيه عالم صدوق، مكثر من الحديث، مشهور بالطلب. مات في شهر رمضان من سنة (280) هـ. انظر ترجمته في «الأنساب» للسمعاني (3/ 47- 48) . [3] «العبر» (2/ 200- 201) و «طبقات الصوفية» ص (373- 377) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 533- 535) . [4] انظر هذه النقول في «طبقات الصوفية» للسلمي. [5] في «طبقات الصوفية» : «من خوف قطيعة» .

وقال: إذا صحّ الافتقار إلى الله صحّ الغنى [1] به، لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه. وقال: الشهوة زمام الشيطان فمن [2] أخذ بزمامه كان عبده. وقال: العارف من يوافق معروفه في أوامره، ولا يخالفه في شيء من أحواله، ويتحبّب إليه بصحبة [3] أوليائه، ولا يفتر عن ذكره طرفة عين. وقال: الصوفيّ من عزفت نفسه عن الدّنيا تطرّفا، وعلت همّته عن الآخرة، وسخت نفسه بالكلّ طلبا وشوقا لمن له الكلّ. وقال: من طلب الراحة عدم الراحة [4] . انتهى ملخصا. وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن القاسم الرّوذباري البغدادي [5] الزاهد المشهور، الشافعي. قال الإسنويّ: وهو براء مضمومة وواو ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة، ثم باء موحدة وبعد [6] الألف راء مهملة وياء النسب. كان فقيها نحويا حافظا للأحاديث، عارفا بالطريقة، له تصانيف كثيرة، وأصله من بغداد، من أبناء الوزراء والكبار، يتصل نسبه بكسرى، فصحب الجنيد حتّى صار أحد أئمة الوقت وشيخ الصوفية، وكان يقول: أستاذي في التصوّف الجنيد، وفي الحديث إبراهيم الحربي، وفي الفقه ابن سريج، وفي النحو ثعلب. ومن شعره:

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الغناء» وما أثبته من «طبقات الصوفية» . [2] في الأصل والمطبوع: «من» وما أثبته من «طبقات الصوفية» . [3] في «طبقات الصوفية» : «بمحبة» . [4] هذا النقل الأخير لا يوجد في «طبقات الصوفية» . [5] «العبر» (2/ 201) و «طبقات الصوفية» ، ص (354) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 535- 536) . [6] في الأصل والمطبوع: «بعد» وما أثبته هو الصواب.

ولو مضى الكلّ منّي لم يكن عجبا ... وإنما عجبي للبعض كيف بقي أدرك بقية روح فيك قد تلفت ... قبل الفراق فهذا آخر الرّمق [1] سكن مصر وتوفي بها، وقد اختلف في اسمه فقال الخطيب وابن السمعاني [2] : إنه محمد، وقال ابن الصلاح في «الطبقات» : أحمد، وقيل: الحسن. انتهى ملخصا.

_ [1] البيتان في «الأنساب» (6/ 181) وهما في «البداية والنهاية» (11/ 181) مع بعض الخلاف. [2] انظر «تاريخ بغداد» (1/ 329) و «الأنساب» (6/ 180) .

سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة فيها تمكّن الرّاضي بالله، بحيث أنه قلّد ولديه وهما صغيران [1] إمرة المشرق والمغرب. وفيها محنة ابن شنبوذ القارئ، كان يقرأ في المحراب بالشواذ، فطلبه الوزير ابن مقلة، وأحضر القاضي والقرّاء، وفيهم ابن مجاهد، فناظروه [2] فأغلظ للحاضرين في الخطاب، ونسبهم إلى الجهل، فأمر الوزير بضربه لكي يرجع، فضرب سبع درر [3] ودعا على الوزير بقطع اليد، فقطعت، وسيأتي تمام القصة عند ذكر وفاته إن شاء الله تعالى [4] . وفيها هاشت الجند وطلبوا أرزاقهم، وأغلظوا لمحمد بن ياقوت، وأخرجوا المحبوسين، ووقع القتال والجد، ونهبت الأسواق، وبقي البلاء أياما، ثم أرضاهم ابن ياقوت، وبعد أيام قبض الراضي بالله على ابن ياقوت وأخيه المظفر، وعظم شأن الوزير ابن مقلة، وتفرد بالأمر [5] ، ثم هاجت عليه الجند، فأرضاهم بالمال.

_ [1] في «العبر» : «صبيان» . [2] في الأصل والمطبوع و «غربال الزمان» ص (283) : «فناظره» وأثبت لفظ «العبر» . [3] الدّرّة: بالكسر التي يضرب بها. «مختار الصحاح» (درر) . [4] انظر ص (148- 150) من هذا المجلد. [5] في «العبر» : «بالأمور» .

وفيها استولت بنو عبيد الرافضة على مدينة جنوة بالسيف. وفيها فتنة البربهاري [1] ، شيخ الحنابلة، فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه، وحبس جماعة منهم، وهرب هو. وفيها وثب ناصر الدولة، الحسن بن عبد الله بن حمدان أمير الموصل على عمّه سعيد بن حمدان، فقتله لكونه أراد أن يأخذ منه الموصل، فسار لذلك ابن مقلة في الجيش، فلما قرب من الموصل، نزح عنها ناصر الدولة، ودخلها ابن مقلة، فجمع منها نحو أربعمائة ألف دينار، ثم أسرع إلى بغداد لتشويش الحال، ثم هزم ناصر الدولة جيش الخليفة ودخل الموصل. وفيها أخذ أبو طاهر القرمطي- لعنه الله- الركب العراقي، وانهزم الأمير لؤلؤ، وبه ضربات، وقتل خلق من الوفد، وسبيت الحريم، وهلك محمد بن ياقوت في السجن، وسلّم إلى أهله، وأخذ الراضي بالله ماله وأملاكه ومعاملاته، وأطلق أخاه المظفّر بن ياقوت بشفاعة الوزير ابن مقلة، بعد أن حلف له أن يواليه بخير ولا ينحرف عنه، ولا يسعى له، ولا لولده بمكروه، ثم غدر به، وقبض عليه بعد أن جمع عليه الحجرية، فاجتمعوا مع المظفّر بن ياقوت، وقبضوا على ابن مقلة في سنة أربع وثلاثين، وسعوا في عزله من الوزارة وقطع يده كما يأتي إن شاء الله تعالى [2] . وفيها جمع محمد بن رائق أمير واسط، وحشد وتمكن، وأضمر الخروج. وفيها توفي الحافظ أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي. روى عن محمود بن آدم وطائفة، وهو أحد

_ [1] سترد ترجمته في ص (158- 164) من هذا المجلد. [2] انظر ص (144) من هذا المجلد.

الوضّاعين الكذّابين، مع كونه كان محدّثا إماما في السّنّة والرد على المبتدعة. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن ناصر الدّين في «بديعته» : كالواضع الموهن المكذّب ... ذاك الفقيه أحمد بن مصعب وفيها الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر البغدادي [2] . روى عن عبّاس الدّوري وطبقته، ورحل إلى أصحاب عبد الرزاق، وكان الدارقطني يقول: هو أستاذي. قال ابن ناصر الدّين: هو ثقة مأمون. وفيها نفطويه النحوي، أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكيّ الواسطي [3] ، صاحب التصانيف. روى عن شعيب بن أيوب الصّريفيني وطبقته، وعاش ثمانين سنة. وكان كثير العلم، واسع الرواية، صاحب فنون. ولد سنة أربع وأربعين أو سنة خمسين ومائتين بواسط، وسكن بغداد، ومات بها يوم الأربعاء لست خلون من صفر بعد طلوع الشمس بساعة، ودفن ثاني يوم بباب الكوفة. قال ابن خالويه: ليس في العلماء من اسمه إبراهيم وكنيته أبو عبد الله سوى نفطويه. ومن شعره ما ذكره أبو علي القالي في كتاب «الأمالي» وهو: قلبي أرقّ عليك [4] من خدّيكا ... وقواي أوهى من قوى جفنيكا

_ [1] (2/ 203- 204) وانظر «الأنساب» (11/ 346) [2] «العبر» (2/ 204) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 68) . [3] «وفيات الأعيان» (1/ 47- 49) و «العبر» (2/ 204) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 75 77) . [4] في «الأمالي» (1/ 209) و «وفيات الأعيان» : «قلبي عليك أرق» .

لم لا ترقّ لمن يعذّب [1] نفسه ... ظلما ويعطفه هواه عليكا وفيه يقول أبو عبد الله محمد بن زيد بن علي بن الحسين الواسطي المتكلم المشهور، صاحب كتاب «الإمامة» وكتاب «إعجاز القرآن الكريم» وغيرهما: من سرّه أن لا يرى فاسقا ... فليجتهد أن لا يرى نفطويه أحرقه الله بنصف اسمه ... وصيّر الباقي صراخا عليه وتوفي أبو عبد الله محمد المذكور سنة سبع، وقيل: ست وثلاثمائة. ونفطويه: بكسر النون وفتحها، والكسر أفصح. قال الثعالبي [2] : لقب نفطويه لدمامته وأدمته تشبيها [له] بالنّفط. وزيد ويه نسبة إلى سيبويه لأنه كان يجري على طريقته ويدرّس كتابه. وفيها الحافظ أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني [3] الحافظ، الجوّال، الفقيه، الإستراباذي. سمع علي بن حرب، وعمر بن شبّة وطبقتهما. قال الحاكم: كان من أئمة المسلمين، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: لم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقوال الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني، ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد. وقال أبو علي النيسابوري: ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم، كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كلها [4] كما نحفظ نحن المسانيد. انتهى.

_ [1] في «الأمالي» : «لمن تعذّب» . [2] انظر كتابه «لطائف المعارف» ص (48) بتحقيق الأستاذين محمد أبو الفضل إبراهيم، وحسن كامل الصيرفي. [3] «العبر» (2/ 204- 205) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 541- 547) . [4] لفظة «كلها» لم ترد في «العبر» .

وله «كتاب الضعفاء» في عشرة أجزاء، وممّن أخذ عنه ابن صاعد مع تقدمه، وأبو علي الحافظ، وأبو سعيد الأزدي. قال الخطيب [1] : كان أحد الأئمة من الحفّاظ لشرائع الدّين، مع صدق وتيقظ وورع [2] . انتهى. وفيها قاضي الكوفة، أبو الحسن، علي بن محمد بن هارون الحميري [3] الكوفي الفقيه. روى عن أبي كريب، والأشج، وكان [ثقة] [4] يحفظ عامة حديثه. وفيها علي بن الفضل بن طاهر بن نصر أبو الحسن البلخي [5] الحافظ، الثقة، الجوّال. روى عن أحمد بن سيّار المروزي، وأبي حاتم الرّازي، وهذه الطبقة، وعنه: الدارقطني وقال: ثقة حافظ، وابن شاهين. قال الخطيب [6] : كان ثقة، حافظا، جوّالا في الحديث، صاحب غرائب. وفيها أبو عبيد المحاملي، القاسم بن إسماعيل بن محمد الضبيّ [7] القاضي الإمام العلّامة الحافظ البحر. ولد سنة خمس وثلاثين ومائتين وأخذ عن الفلّاس، والدّورقي وغيرهما، وعنه: دعلج، والدارقطني، وابن جميع. وأثنى عليه الخطيب [8] .

_ [1] في «تاريخ بغداد» (10/ 428) . [2] في «تاريخ بغداد» : «مع صدق وتورع، وضبط وتيقظ» . [3] «العبر» (2/ 205) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 13- 14) و «غربال الزمان» ص (284) . [4] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف. [5] «تذكرة الحفاظ» (3/ 871- 872) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 69- 70) . [6] في «تاريخ بغداد» (12/ 47) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف. [7] «العبر» (2/ 205) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 258- 263) . [8] قلت: وذلك في قوله عنه في «تاريخ بغداد» (8/ 20) : وكان فاضلا، صادقا، ديّنا.

وفيها موسى بن العبّاس، أبو عمران الجويني [1] . حدّث عن جماعة وعنه جماعة، صنّف على «صحيح مسلم» مصنفا صار له عديلا، وكان حافظا، مجوّدا، ثقة، نبيلا، وكان يقوم الليل يصلي ويبكي طويلا. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي العطار [2] وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي هشام [3] الرفاعي وطبقته. وفيها الحافظ محمد بن أحمد بن أسد الهروي الأصل السلامي البغدادي أبو بكر بن البستنبان [4]- نسبة إلى حفظ البستان- كان إماما، ثقة، ثبتا.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 235- 236) . [2] «العبر» (2/ 205) و «تهذيب الكمال» (3/ 1290) مصوّرة دار المأمون للتراث، ضمن ترجمة (أبو هشام محمد بن يزيد بن محمد بن كبير بن رفاعة العجلي الرفاعي) . [3] في الأصل والمطبوع: «روى عن أبي هاشم الرفاعي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «تهذيب الكمال» . [4] انظر «البداية والنهاية» (11/ 183) .

سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

سنة أربع وعشرين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» اشتد الجوع وكثر الموت، فمات بأصبهان نحو مائتي ألف. وفيها ثارت الغلمان الحجرية، وتحالفوا واتّفقوا، ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة وأحرقوا داره، ثم سلّم إلى الوزير عبد الرحمن [بن عيسى] [1] فضربه وأخذ خطه بألف ألف دينار، وجرى [2] له عجائب من الضرب والتعليق، ثم عزل عبد الرحمن ووزر أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي. وكان ياقوت والد محمد والمظفر بعسكر مكرم يحارب عليّ بن بويه لعصيانه، فتمت له أمور طويلة، ثم قتل وقد شاخ، وتغلب ابن رائق وابن بويه على الممالك، وقلّت الأموال على الكرخي، فعزل بسليمان بن الحسن، فدعت الضرورة الراضي بالله إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم، فقدم في جيشه إلى بغداد، وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين، فاستولى ابن رائق على الأمور، وتحكم في الأموال، وضعف أمر الخلافة، وبقي الراضي معه صورة. قاله في «العبر» [3] .

_ [1] زيادة من «العبر» . [2] في «العبر» : «وجرت» . [3] (2/ 206) .

وفيها توفي أحمد بن بقيّ بن مخلد، أبو عمر الأندلسي [1] قاضي الجماعة [في أيام] [2] الناصر لدين الله. ولي عشرة أعوام، وروى الكتب عن أبيه. وفيها أبو الحسن جحظة البرمكي النديم، وهو أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك [3] الأديب الأخباري، صاحب الغناء والألحان والنوادر. قال ابن خلّكان [4] : كان فاضلا، صاحب فنون وأخبار، ونجوم ونوادر. وكان من ظرفاء عصره، وهو من ذرية البرامكة، وله الأشعار الرائقة، فمن شعره: أنا ابن أناس نوّل [5] الناس جودهم ... فأضحوا حديثا للنّوال المشهّر فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر ... ولم يخل من تقريضهم [6] بطن دفتر وله أيضا: فقلت لها بخلت عليّ يقظى ... فجودي في المنام لمستهام فقالت لي وصرت تنام أيضا ... وتطمع أن أزورك في المنام وله أيضا: أصبحت بين معاشر هجروا النّدى ... وتقبّلوا [7] الأخلاق من أسلافهم قوم أحاول نيلهم فكأنّما ... حاولت نتف الشعر من آنافهم

_ [1] «العبر» (2/ 206- 207) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 83- 84 و 241) . [2] زيادة من «العبر» . [3] «العبر» (2/ 207) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 221- 222) . [4] في «وفيات الأعيان» (1/ 133) . [5] في «ذيل الأمالي» للقالي ص (99) و «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» «موّل» . [6] في الأصل والمطبوع: «تقريضهم» في المصادر الأخرى: «تقريظهم» وكلاهما صواب، وهو المدح. [7] في «وفيات الأعيان» : «وتقيلوا» .

هات اسقينيها بالكبير وغنّني ... ذهب الذين يعاش في أكنافهم وله: يا أيّها الركب الذي ... ن فراقهم إحدى البليّه يوصيكم الصّبّ المقي ... م بقلبه خير الوصيّه ومن أبياته السائرة قوله: ورقّ الجو حتّى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان ولابن الرّومي فيه، وكان مشوّه الخلق: نبّئت جحظة يستعير جحوظه ... من فيل شطرنج ومن سرطان وا رحمتا لمنادميه تحمّلوا ... ألم العيون للذّة الآذان وتوفي بواسط، وقيل: حمل تابوته من واسط إلى بغداد. وجحظة: بفتح الجيم، لقب عليه، لقبه به عبد الله بن المعتز. انتهى ملخصا. وفيها ابن مجاهد مقرئ العراق، أبو بكر أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد [1] . روى عن سعدان بن نصر، والرّمادي [2] وخلق. وقرأ على قنبل، وأبي الزّعراء، وجماعة، وكان ثقة بصيرا بالقراءات وعللها، عديم النظير. توفي في شعبان عن ثمانين سنة. وفيها ابن المغلّس الداودي [3] ، وهو العلّامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلّس البغدادي الفقيه، أحد علماء الظاهر. له مصنفات كثيرة، وخرج له عدة أصحاب. تفقه على محمد بن داود الظاهري.

_ [1] «العبر» (2/ 207) وانظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 269- 271) ، وانظر ص (16- 20) من مقدمة العالم الكبير الدكتور شوقي ضيف ل «كتاب السبعة في القراءات» للمترجم. [2] تحرف في «العبر» إلى «الزيادي» فيصحّح فيه. [3] «العبر» (2/ 207) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 77- 78) .

وفيها ابن زياد النيسابوري، أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل [1] الفقيه الشافعي الحافظ. صاحب التصانيف والرحلة الواسعة. سمع محمد بن يحيى الذّهلي، ويونس [بن عبد الأعلى] الصّدفي، وغيرهما. ومنه: ابن عقدة، والدارقطني. قال الدارقطني: ما رأيت أحفظ من ابن زياد، كان يعرف زيادات الألفاظ، وأثنى عليه الحاكم، وهو ثقة. قال الإسنوي: ولد في أول سنة ثمان وثمانين ومائتين، ورحل في طلب العلم إلى العراق، والشام، ومصر. وقرأ على المزني، وبرع في العلم، وسكن بغداد، وصار إماما للشافعية بالعراق. وسمع من جماعة كثيرة، وروى عنه جماعة، منهم الدارقطني، وقال: إنه أفقه المشايخ، وإنه لم ير مثله. أقام أربعين سنة لا ينام الليل ويصلي الصبح بوضوء العشاء. وصنّف كتبا، منها «كتاب الرّبا» . انتهى ملخصا. وفيها قاضي حمص، أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الكندي [2] . روى عن محمد بن عوف الحافظ، وعمران بن بكّار، وطائفة. وجمع «التاريخ» [3] . وفيها الإمام العلّامة، البحر الفهّامة، أبو الحسن الأشعري [4] علي بن إسماعيل بن أبي بشر المتكلم البصري، صاحب المصنفات، وله بضع وستون سنة. أخذ [الحديث] عن زكريا السّاجي، وعلم الجدل والنظر عن أبي علي الجبّائي، ثم ردّ على المعتزلة.

_ [1] «العبر» (2/ 207- 208) وما بين حاصرتين منه وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 65- 68) . [2] «العبر» (2/ 208) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 266- 267) . [3] وقد خصصه لذكر من نزل حمص من الصحابة. قاله الذهبي في «سير أعلام النبلاء» . [4] «العبر» (2/ 208- 209) وما بين حاصرتين منه وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 85- 90) .

ذكر ابن حزم، أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفا، وأنه توفي في هذا العام. وقال غيره: توفي سنة ثلاثين، وقيل: بعد الثلاثين، وكان قانعا متعفّفا. قاله في «العبر» . قلت: ومما بيّض به وجوه أهل السّنّة النبوية، وسوّد به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان به وجه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج، مناظرته مع شيخه الجبّائي، التي بها قصم ظهر كل مبتدع ومرائي [1] ، وهي كما قال ابن خلّكان [2] : سأل أبو الحسن المذكور أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة، كان أحدهم مؤمنا برّا تقيا، والثاني كان كافرا فاسقا شقيا، والثالث كان صغيرا فماتوا، فكيف حالهم؟ فقال الجبّائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة. فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال: الجبائي: لا، لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاته [3] الكثيرة، وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري: فإن قال: ذلك التقصير [4] ليس منّي، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة، فقال الجبّائي: يقول الباري جلّ وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقا للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك. فقال الأشعري: فلو قال الأخ الأكبر: يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟ فانقطع الجبائي. ولهذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خصّ من شاء برحمته، وخصّ آخر بعذابه. وإلى أبي الحسن انتهت رياسة

_ [1] في المطبوع: «مرائي» . [2] في «وفيات الأعيان» (4/ 267- 268) ضمن ترجمة شيخه الجبّائي [3] في الأصل والمطبوع: «طاعته» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [4] في الأصل: «الصغير» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

الدّنيا في الكلام، وكان في ذلك المقدّم المقتدى الإمام. قال في كتابه «الإبانة في أصول الديانة» [1]- وهو آخر كتاب صنّفه وعليه يعتمد أصحابه في الذّبّ عنه عند من يطعن عليه-: فصل في إبانة قول أهل الحق والسّنّة: فإن قال [لنا] قائل، قد أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والحرورية، والرافضة، والمرجئة، فعرّفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكلام ربنا [عزّ وجلّ] وسنّة نبينا [صلى الله عليه وسلم] ، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول [به] أبو عبد الله أحمد بن حنبل- نضّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال، وأوضح المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشكّ الشاكّين [2] ، فرحمة الله عليه من إمام مقدّم، وجليل معظّم، وكبير مفخّم [3] [وعلى جميع أئمة المسلمين] . وجملة قولنا: أنا نقرّ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء من عند الله، وبما رواه الثقات عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئا، وأن الله، عزّ وجل، إله واحد [4] لا إله إلا هو، فرد صمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق. وأن الجنّة حق، وأن النّار حق. وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور. وأن

_ [1] ص (17- 26) قرأه وقدّم له وحكم على الأحاديث الواردة فيه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى، وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف واختصار، وما بين حاصرتين في سياق النقل زيادة منه. [2] في المطبوع: «المشاكين» وهو خطأ. [3] في الأصل والمطبوع: «مفهم» وأثبت لفظ «الإبانة» . [4] في الأصل والمطبوع: «وأنه إله واحد» وأثبت لفظ «الإبانة» .

الله مستو على عرشه كما قال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] وأن له وجها [بلا كيف] [1] كما قال: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ 55: 27 [الرحمن: 27] وأن له يدين بلا كيف كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 [ص: 75] وكما قال: [2] بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ 5: 64 [المائدة: 64] وأن له عينين بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا 54: 14 [القمر: 14] . وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا. وندين بأن الله يقلّب القلوب [وأن القلوب] بين أصبعين من أصابع الله، عزّ وجل، [وأنه سبحانه] ، يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم [3] [من غير تكييف] . وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ونسلّم الروايات الصحيحة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التي رواها الثقات عدلا عن عدل. ونصدّق بجميع الروايات التي رواها وأثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدّنيا، وأن الرّبّ، عزّ وجل، يقول: هل من سائل، هل من مستغفر، وسائر ما نقلوه وأثبتوه، خلافا لأهل الزيغ والتضليل. ونقول: إن الله [عزّ وجل] يجيء يوم القيامة كما قال: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 89: 22 [الفجر: 22] وأن الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ 50: 16 [ق: 160] وكما قال: ثُمَّ دَنا 53: 8

_ [1] زيادة من «الإبانة» . [2] زيادة من «الإبانة» قلت: وذلك فيما رواه البخاري رقم (7414) في التوحيد: باب قول الله تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 [3] رواه مسلم رقم (2786) في صفات المنافقين: باب صفة القيامة والجنة والنار، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ونصه عنده أن حبرا من أحبار اليهود جاء إلى النبيّ، صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أو يا أبا القاسم! إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزّهنّ، فيقول: أنا الملك، أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعجبا مما قال الحبر، تصديقا له، ثم قرأ وَما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ 39: 67 [الزمر: 67] .

فَتَدَلَّى [1] فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 53: 8- 9 [النجم: 8- 9] . انتهى ملخصا. وقد ذكر ابن عساكر في كتابه «الذبّ عن أبي الحسن الأشعري» [2] ما يقرب من ذلك إن لم يكن بلفظه، ولعمري إن هذا الاعتقاد هو ما ينبغي أن يعتقد ولا يخرج عن شيء منه إلّا من في قلبه غش ونكد، وأنا أشهد الله على أنني أعتقده جميعه وأسأل الله الثبات عليه، وأستودعه عند من لا تضيع عنده وديعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد معلّم الخيرات. وفيها علي بن عبد الله بن مبشّر أبو الحسن الواسطي [3] المحدّث. سمع عبد الحميد بن بيان، وأحمد بن سنان [القطّان] .

_ [1] أقول: انظر التعليق على قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى 53: 8 في «زاد المسير في علم التفسير» للحافظ ابن الجوزي (8/ 65) الذي حققته بالاشتراك مع زميلي الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وطبعه المكتب الإسلامي. (ع) . [2] وهو المعروف ب «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري» انظر ص (157- 163) منه، طبعة مكتبة القدسي بالقاهرة. [3] «العبر» (2/ 209) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 25- 26) وما بين حاصرتين زيادة منهما.

سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

سنة خمس وعشرين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» صارت فارس في يد علي بن بويه، والرّيّ، وأصبهان، والجبل، في يد الحسن بن بويه، وديار بكر، ومضر، والجزيرة في يد بني حمدان. ومصر، والشام في يد محمد بن طغج، والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الأموي، وخراسان في يد نصر بن أحمد، واليمامة وهجر، وأعمال البحرين في يد أبي طاهر القرمطي، وطبرستان، وجرجان في يد الدّيلم، ولم يبق في يد الخليفة غير مدينة السلام، وبعض السّواد [1] . وفيها أشار محمد بن رائق على الرّاضي بأن ينحدر معه إلى واسط ففعل، ولم تمكنه المخالفة، فدخلها يوم عاشوراء المحرم، وكانت الحجّاب أربعمائة وثمانين نفسا، فقرر ستين وأبطل عامّتهم، وقلّل أرزاق الحشم، فخرجوا عليه وعسكروا فالتقاهم ابن رائق فهزمهم، وضعفوا، وتمزقت الساجية والحجرية، فأشار حينئذ على الراضي بالتقدم إلى الأهواز وبها [أبو] عبد الله البريدي ناظرها، وكان شهما مهيبا حازما، فتسحب إليه خلف من المماليك والجند، فأكرمهم وأنفق فيهم الأموال ومنع الخراج، ولم يبق مع الراضي غير بغداد والسواد، مع كون ابن رائق يحكم عليه، ثم رجع إلى

_ [1] انظر الخبر في «صلة تاريخ الطبري» للقرطبي ص (307) .

بغداد ووقعت الوحشة بين ابن رائق وأبي عبد الله البريدي، وجاء القرمطي فدخل إلى الكوفة، فعاث ورجع، وأذن ابن رائق للراضي أن يستوزر أبا الفتح الفضل بن الفرات، فطلبه من الشام وولّاه، والتقى أصحاب ابن رائق وأصحاب البريدي غير مرة، وينهزم أصحاب ابن رائق، وجرت لهم أمور طويلة، ثم إن البريدي دخل إلى فارس فأجاره علي بن بويه، وجهز معه أخاه أحمد لفتح الأهواز، ودام أهل البصرة على عصيان ابن رائق لظلمه، فحلف إن ظفر بها ليجعلنها رمادا، فجدّوا في مخالفته، وقلّت الأموال على محمد بن رائق، فساق إلى دمشق، وزعم أن الخليفة ولّاه إياها، ولم يجسر أحد أن يحجّ خوفا من القرمطي. وفيها توفي وكيل أبي صخرة أبو بكر أحمد بن عبد الله البغدادي النّحّاس [1] وقد قارب التسعين. روى عن الفلّاس وجماعة. وفيها أبو حامد بن الشّرقي [2] الحافظ البارع، الثقة، المصنّف، أحمد بن محمد بن الحسن، تلميذ مسلم. روى عن الذّهلي، وأحمد بن الأزهر، وأبي حاتم وخلق. وعنه ابن عقدة، والعسّال، وأبو علي. وكان حجّة، وحيد عصره حفظا، وإتقانا، ومعرفة. وحجّ مرات، وقد نظر إليه ابن خزيمة فقال: حياة أبي حامد [3] تحجز بين الناس وبين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي في رمضان عن خمس وثمانين سنة. وفيها إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد أبو علي الأمير أبو إسحاق الهاشمي [4] في المحرم، وهو آخر من روى «الموطأ» عن أبي مصعب.

_ [1] «العبر» (2/ 210) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 70) . [2] «العبر» (2/ 210- 211) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 37- 39) . [3] في الأصل والمطبوع: «أبي محمد» وهو خطأ. [4] «العبر» (2/ 211) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 71- 73) .

وفيها أبو العبّاس الدّغولي محمد بن عبد الرحمن [1] الحافظ الثبت الفقيه. روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم [2] ، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وطبقتهما. وعنه أبو علي الحافظ، والجوزقي، وكان من أئمة هذا الشأن ومن كبار الحفّاظ، أثنى عليه أبو أحمد بن عدي، وابن خزيمة، وغيرهما. وفيها مكّي بن عبدان أبو حاتم التميمي النيسابوري [3] الثقة الحجة. روى عن عبد الله بن هاشم، والذّهلي، وطائفة، ولم يرحل. وفيها أبو مزاحم الخاقاني، موسى بن الوزير عبد الله بن يحيى بن خاقان البغدادي [4] المقرئ المحدّث السّنّي. وفد على أبي بكر المروزي، وعبّاس الدّوري، وطائفة. وفيها الحافظ الثقة، أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن علّك المروزي والجوهري [5] . روى عن سعيد بن مسعود، والدّوري. وعنه ابن المظفر، والدارقطني وابنه [أحفظ منه. وفيها الحافظ الثقة العدل، ممّوس، وهو إبراهيم بن محمد بن يعقوب الهمذاني [6]] [7] البزّاز، من كبار أئمة هذا الشأن.

_ [1] «العبر» (2/ 211) وانظر «الأنساب» (5/ 322) و «طبقات الحفاظ» ص (343) . [2] في الأصل والمطبوع: «روى عن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الحكم» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 823) . [3] «العبر» (2/ 211) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 70 71) . [4] «العبر» (2/ 211) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 94- 95) . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 243- 245) . [6] انظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 838- 839) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 389- 390) ، وقد تصحفت «الهمذاني» إلى «الهمداني» و «البزاز» إلى «البزار» في المطبوع. [7] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.

سنة ست وعشرين وثلاثمائة

سنة ست وعشرين وثلاثمائة فيها أقبل البريدي في مدد من ابن بويه، فانهزم من بين يديه بجكم [1] لأن الأمطار عطّلت نشّاب جنده، وقسيّهم، وتقهقروا إلى واسط، وتمت فصول طويلة، وأما ابن رائق فإنه وقع بينه وبين ابن مقلة، فأخذ ابن مقلة يراوغ ويكاتب، فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده، ثم بعد أيام قطع ابن رائق لسانه، لكونه كاتب بجكم [1] فأقبل بجكم [1] بجيوشه من واسط، وضعف عنه ابن رائق، فاختفى ببغداد ودخل بجكم [1] فأكرمه الراضي ولقبه أمير الأمراء، وولّاه الحضرة. وفيها توفي أبو ذر، أحمد بن محمد [بن محمد] [2] بن سليمان الباغندي [3] . روى عن عمر بن شبّة، وعلي بن إشكاب، وطائفة. وفيها عبد الرّحمن بن أحمد بن محمد بن الحجّاج أبو محمد الرشديني المهري [4] ، المصري الناسخ، عن سن عالية. روى عن أبي الطاهر بن السّرح، وسلمة بن شبيب.

_ [1] تصحف في الأصل والمطبوع إلى «بحكم» والتصويب من «العبر» (2/ 212) وانظر «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (316) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع و «العبر» واستدركته من «تاريخ بغداد» (5/ 86) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 268) و «الوافي بالوفيات» (8/ 125) . [3] «العبر» (2/ 212) . [4] «العبر» (2/ 212- 213) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 239- 240) ، وقد تحرفت.

وفيها محمد بن القاسم أبو عبد الله المحاربي الكوفي [1] . روى عن أبي كريب وجماعة، وفيه ضعف. قال في «المغني» [2] : محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، مشهور ضعيف. يقال: كان يؤمن [3] بالرجعة. انتهى.

_ «المهريّ» فيه إلى «المهدي» فتصحّح، وتحرّفت «الرشديني» في «العبر» إلى «الرشيدي» . [1] «العبر» (2/ 213) وانظر «ميزان الاعتدال» (4/ 14) . [2] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 625) . [3] في «المغني في الضعفاء» : «كان يرمى» وجاءت في كتابنا، وفي «ميزان الاعتدال» : «يؤمن» .

سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

سنة سبع وعشرين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» جاء مطر عظيم، وفيه برد، كل واحدة نحو الأوقيتين، فسقطت حيطان كثيرة ببغداد، وكان الحجّ قد بطل من سنة سبع عشرة وثلاثمائة إلى هذه السنة، فكتب أبو علي محمد بن يحيى [1] العلوي إلى القرامطة- وكانوا يحبّونه- أن يأذنوا [2] للحجاج ليسير بهم ويعطيهم من كل جمل خمسة دنانير، ومن المحمل سبعة، فأذنوا لهم، فحجّ الناس، وهي أول سنة مكس فيها الحاج. انتهى. وفيها صاهر [3] بجكم [4] ناصر الدولة ابن حمدان. وفيها استوزر الرّاضي أبا عبد الله البريدي. وفيها توفي عبد الرّحمن بن أبي حاتم [5] ، واسم أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر، الحافظ العلم الثقة، أبو محمد بن الحافظ الجامع التميمي الرازي، توفي بالرّيّ وقد قارب التسعين. رحل به أبوه في سنة

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع و «البداية والنهاية» (11/ 189) : «محمد بن يحيى» وفي «المنتظم» لابن الجوزي (6/ 296) و «النجوم الزاهرة» (3/ 264) : «عمر بن يحيى» . [2] في الأصل والمطبوع: «أن يذموا» والتصحيح من «المنتظم» . [3] تحرفت في «العبر» إلى «ظاهر» فتصحح فيه. وانظر «دول الإسلام» للذهبي (1/ 200) . [4] في الأصل والمطبوع: «بحكم» بالحاء وهو تصحيف، والتصحيح من المصادر والمراجع التي بين يدي. [5] «العبر» (2/ 214) وانظر «سير أعلام النبلاء» (13/ 263- 269) .

خمس وخمسين ومائتين، فسمع من أبي سعيد الأشج، والحسن بن عرفة، وطبقتهما. وروى عنه حسينك التميمي [1] وأبو أحمد الحاكم، وغيرهما. قال أبو يعلى الخليلي [2] : أخذ علم أبيه، وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، ثم قال: وكان زاهدا يعدّ من الأبدال. وقال ابن الأهدل: هو صاحب «الجرح والتعديل» و «العلل» و «المبوب» على أبواب الفقه، وغيرها. وقال يوما: من يبني ما تهدم من سور طوس وأضمن له عن الله الجنّة، فصرف فيه رجل ألفا، فكتب له رقعة بالضمان، فلما مات دفنت معه، فرجعت إلى ابن أبي حاتم وقد كتب عليها: قد وفينا عنك ولا تعد. انتهى. وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات الوزير بن حنزابة الكاتب [3] وزر للمقتدر في آخر أيامه، ثم وزر للراضي بالله، ثم رأى لنفسه التروّح خوفا من فتنة ابن رائق، فأطمعه في تحصيل الأموال من الشام ليمدّ بها، وشخص إليها فتوفي بالرملة كهلا. وفيها محدّث حلب، الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنّسريني برداعس [4] . روى عن أحمد بن شيبان الرّملي، وأبي أمية الطّرسوسي،

_ [1] هو الإمام الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي، المتوفى سنة (375) وسوف ترد ترجمته في ص (400) من هذا المجلد. [2] انظر هذا الخبر في «سير أعلام النبلاء» (13/ 264) . [3] «العبر» (2/ 214) وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 479- 480) وقد تصحفت «حنزابة» في الأصل والمطبوع إلى «خنزابة» وصوبتها من «العبر» و «السير» . [4] «العبر» (2/ 214- 215) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 81- 83) وفي «العبر» وبعض المراجع الأخرى «برداغس» فتنبه.

وطبقتهما. وعنه: شيخه عثمان بن خرّزاذ [1] الحافظ، وأبو بكر الربعي، وعدد كثير. وكان من علماء هذا الشأن. وصفه بالحفظ ابن ماكولا [2] والحاكم أبو أحمد [3] ، وضعفه الدارقطني [4] . وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري [5] مصنّف «مكارم الأخلاق» [6] و «مساوئ الأخلاق» وغيرها. سمع الحسن بن عرفة، وعمر بن شبّة [7] وطبقتهما، وتوفي بفلسطين في ربيع الأول وقد قارب التسعين. وفيها محدّث الأندلس محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد الأموي أبو عبد الله البيّانيّ [8] القرطبي [9] . أكثر عن أبيه، وبقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضّاح، ومطيّن، والنسائي. وعنه: ولده أحمد بن محمد، وخالد بن سعيد، وسليمان بن أيوب، وكان عالما ثقة، ورحل بآخرة، فسمع من مطيّن، والنسائي وأكثر، وتوفي في آخر العام. وفيها أبو نعيم الرّملي [10] ، وهو محمد بن جعفر بن نوح، الحافظ. كان علّامة ثبتا. قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «خوراد» وهو خطأ والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «طبقات الحافظ» ص (265) . [2] انظر «الإكمال» (1/ 234) . [3] انظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 827) . [4] انظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 827) . [5] «العبر» (2/ 215) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 267- 268) . [6] طبع «المنتقى» منه للسّلفي في دار الفكر بدمشق في العام الماضي بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ محمد مطيع الحافظ والسيدة غزوة بدير. [7] تحرّف في المخطوط إلى «عمر بن شيبة» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [8] تحرّفت في الأصل إلى «البناني» وفي المطبوع إلى «التياني» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» وكتب الرجال. [9] «العبر» (2/ 215) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 254- 255) . [10] مترجم في «التبيان شرح بديعة البيان» (118/ آ) مصورة نسخة المتحف البريطاني.

وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري [1] الحافظ الثقة، محدّث جرجان أبو يعقوب. روى عن محمد بن بسّام، وإسحاق الدّبري [2] ، والحارث بن أبي أسامة. وعنه: ابن عدي، والإسماعيلي. قال الخليلي: حافظ ثقة مذكور. قاله ابن بردس [3] . وفيها مبرمان النّحوي [4] ، مصنف «شرح سيبويه» وما أتمّه. وهو أبو بكر محمد بن علي العسكري، أخذ عن المبرّد، وتصدّر بالأهواز، وكان مهيبا، يأخذ من الطلبة ويلح، ويطلب طبليّة حمّال [5] ، فيحمل إلى داره من غير عجز، وربما انبسط وبال على الحمال، ويتنقّل بالتمر، ويخذف بنواه الناس. قاله في «العبر» [6] .

_ [1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 471- 472) . [2] في الأصل والمطبوع: «الديري» وهو تصحيف والتصحيح من «الأنساب» (5/ 271) وهو إسحاق بن إبراهيم بن عبّاد الدّبري. [3] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وقد تقدم الكلام عنه في ص (102) فراجعه. [4] انظر «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 254- 257) ، و «الوافي بالوفيات» (4/ 108- 109) . [5] في الأصل والمطبوع: «ويطلب حمال طبلية» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» . [6] (2/ 215- 216) .

سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» انبثق بثق بنواحي الأنبار، فاجتاح القرى، وغرق النّاس، والبهائم، والسباع، وانصبّ في الصراة، ودخل الشوارع في الجانب الغربي، وتساقطت الدّور والأبنية. انتهى. وفيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدّمستق- لعنه الله- وهزمه [1] وفيها عزل البريدي [2] من الوزارة بسليمان بن مخلد، بإشارة بجكم [3] . وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام، فالتقاه الإخشيذ محمد بن طغج، [فانكسر ابن رائق، ووصل إلى دمشق في سبعين فارسا، ثم التقى أبا نصر بن طغج] [4] فانهزم أبو نصر، وأسر كبار أمرائه، ثم قتل أبو نصر في المصاف. وفيها توفي الوزير أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب، أبو

_ [1] انظر الخبر بتوسع في «غربال الزمان» ص (285) . [2] في الأصل والمطبوع: «اليريدي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (2/ 216) وانظر «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (321) الملحق ب «تاريخ الطبري» . [3] تصحف في الأصل والمطبوع إلى «بحكم» والتصويب من «العبر» (2/ 216) . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» للذهبي (2/ 216) مصدر المؤلف.

العبّاس الخصيبي [1] ، وزر غير مرّة بالعراق. وفيها أبو علي محمد بن علي بن حسن بن مقلة [2] الكاتب، صاحب الخط المنسوب، وقد وزر للخلفاء غير مرّة، ثم قطع يده ولسانه وسجن حتى هلك، وله ستون سنة. قاله في «العبر» [3] . وقال غيره: كان سبب موت ابن مقلة أنه أشار على الراضي بمسك ابن رائق، فبلغ ابن رائق، فحبس ابن مقلة، ثم أخرج وقطعت يده، فكان يشدّ القلم عليها ويكتب، ويتطلب الوزارة أيضا. ويقول: إن قطع يده لم يكن في حدّ ولم يعقه عن عمله، ثم بلغ ابن رائق دعاؤه عليه وعلى الراضي، فقطع لسانه وحبس إلى أن مات في أسوأ حال، ودفن مكانه، ثم نبشه أهله فدفنوه في مكان آخر، ثم نبش ودفن في موضع آخر، فمن الاتفاقات الغريبة أنه ولي الوزارة ثلاث مرّات لثلاث خلفاء، المقتدر، والقاهر، والراضي، وسافر ثلاث مرات، ودفن ثلاث مرات. وقال ابن خلّكان [4] : وأقام ابن مقلة في الحبس مدة طويلة، ثم لحقه ذرب [5] ولم يكن له من يخدمه، فكان يستقي الماء لنفسه من البئر، فيجذب بيده اليسرى جذبة وبفمه جذبة، وله أشعار في شرح حاله وما انتهى أمره إليه [6] ورثى يده [7] فمن ذلك قوله:

_ [1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 292- 293) . [2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 224- 230) و «غربال الزمان» ص (286) . [3] (2/ 217) . [4] في «وفيات الأعيان» (5/ 116- 117) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف والأبيات الآتية فيه. [5] قال ابن منظور: الذّرب: المرض الذي لا يبرأ. انظر «لسان العرب» (ذرب) . [6] في الأصل: «إليه أمره» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما جاء في «وفيات الأعيان» . [7] في «وفيات الأعيان» : «ورثاء يده» .

ما سئمت الحياة لكن توثّق ... ت بأيمانهم فبانت يميني بعت ديني لهم بدنياي حتّى ... حرموني دنياهم بعد ديني ولقد حطت ما استطعت بجهدي ... حفظ أرواحهم فما حفظوني ليس بعد اليمين لذّة عيش ... يا حياتي بانت يميني فبيني ومن شعره أيضا: وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة ... في شامخ من عزّة المترفّع قالت لي النفس العروف بقدرها ... ما كان أولاني بهذا الموضع وله: إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإنّ البعض من بعض قريب [1] وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى هذه الصورة. [ومن كلامه: إني إذا أحببت تهالكت، وإذا بغضت أهلكت، وإذا رضيت آثرت، وإذا غضبت أثّرت] [2] . ومن كلامه: يعجبني من يقول الشعر تأدّبا لا تكسّبا، ويتعاطى الغناء تطرّبا لا تطلّبا. وله كل معنى مليح في النظم والنثر. وكان ما أصابه نتيجة دعاء أبي الحسن بن شنبوذ عليه بقطع اليد. وقد تقدم ذكر سبب ذلك، ويأتي قريبا في هذه السنة. وكانت ولادة ابن مقلة يوم الخميس بعد العصر، حادي عشري شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين، رحمه الله تعالى.

_ [1] البيت في «المنتظم» لابن الجوزي (6/ 311) و «غربال الزمان» للعامري ص (286) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.

وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني [1] ببغداد، وله ثلاث وتسعون سنة. وكان ثقة صالحا بكّاء. روى عن أحمد [ابن] المقدام [العجلي] [2] وجماعة. وفيها محدّث دمشق، أبو الدحداح، أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي [3] . سمع موسى بن عامر، ومحمد بن هاشم البعلبكي وطائفة. وقال الخطيب: كان مليّا بحديث الوليد بن مسلم. وفيها أحمد بن محمد بن عبد ربّه القرطبي [4] وقرطبة مدينة كبيرة دار مملكة الأندلس، وكان ابن عبد ربّه أحد الفضلاء، وهو أموي بالولاء، وحوى كتابه «العقد» كل شيء، وله ديوان وشعر جيد. قاله ابن الأهدل. وقال في «العبر» [5] : مات وله اثنتان وثمانون سنة، وشعره في الذّروة العليا. سمع من بقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضاح. انتهى. وفيها العلّامة أبو سعيد الإصطخري [6] الحسن بن أحمد بن يزيد، شيخ الشافعية بالعراق. روى عن سعدان بن نصر وطبقته، وصنّف التصانيف، وعاش نيّفا وثمانين سنة، وكان موصوفا بالزهد والقناعة، وله وجه في المذهب. قال الإسنوي: كان هو وابن سريج شيخي الشافعية ببغداد. صنّف كتبا

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 217) وانظر «تهذيب الكمال» (1/ 488) طبع مؤسسة الرسالة، ضمن (ترجمة أحمد بن المقدام العجلي) . [2] زيادة من «العبر» وكتب الرجال التي بين يدي. [3] مترجم في «العبر» (2/ 217) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/ 231) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، طبع دار الفكر بدمشق. [4] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 283) و «مرآة الجنان» (2/ 295- 296) و «غربال الزمان» ص (287) . [5] (2/ 218) . [6] مترجم في «العبر» (2/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 250- 252) .

كثيرة، منها: «آداب القضاء» [1] استحسنه الأئمة، وكان زاهدا متقلّلا من الدّنيا، وكان في أخلاقه حدّة. ولّاه المقتدر بالله سجستان ثم حسبة بغداد. ولد سنة أربع وأربعين ومائتين، وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. زاد ابن خلّكان [2] أنه توفي يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة، وقيل: رابع عشر، ودفن بباب حرب. وإصطخر: بكسر الهمزة وفتح الطاء، وجوّز بعضهم فتح الهمزة، حكاه النووي في الحيض من «شرح المهذب» [3] . وفيها الحسين بن محمد أبو عبد الله بن المطبقي [4] البغدادي، ثقة. روى عن محمد بن منصور الطّوسي وطائفة. وفيها أبو محمد بن الشّرقي [5] عبد الله بن محمد بن الحسن، أخو الحافظ أبي حامد، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع عبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن هاشم، وخلقا. قال الحاكم: رأيته وكان أوحد وقته في معرفة الطب، لم يدع الشراب إلى أن مات، فضعّف بذلك. وقال في «المغني» [6] : تكلموا فيه لإدمانه المسكر. انتهى. وفيها قاضي القضاة ببغداد، أبو الحسين عمر بن قاضي القضاة أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي [7] كان بارعا في مذهب مالك، عارفا

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» : «أدب القضاء» وفي «كشف الظنون» (1/ 47) : «أدب القاضي» . [2] في «وفيات الأعيان» (2/ 75) . [3] انظره (2/ 400) ويعرف الكتاب ب «المجموع شرح المهذب» وهو مطبوع في مصر. [4] في الأصل والمطبوع: «المطيقي» وما أثبته من «العبر» (2/ 218) مصدر المؤلف في نقله، و «تاريخ بغداد» (8/ 97) . [5] مترجم في «العبر» (2/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 40- 41) . [6] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 356) . [7] مترجم في «المنتظم» (6/ 307) و «العبر» (2/ 219) وقد نقل المؤلف الترجمة عنه.

بالحديث، صنّف مسندا متقنا، وسمع من جدّه ولم يتكهّل، وكان من أذكياء الفقهاء. وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرئ [1] أحد أئمة الأداء. قرأ على محمد بن يحيى الكسائي الصغير، وإسماعيل بن عبد الله النحاس، وطائفة كثيرة. وعني بالقراءات أتم عناية، وروى الحديث عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ومحمد بن الحسين الحنيني، وتصدّر للإقراء [2] ببغداد، وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مرّ [3] ، وكان مجتهدا فيما فعل رحمه الله. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان [4] : كان من مشاهير القرّاء وأعيانهم، وكان ديّنا، وفيه سلامة صدر، وفيه حمق، وقيل: إنه [5] كان كثير اللحن قليل العلم، وتفرد بقراءات شواذ، وكان [6] يقرأ بها في المحراب. فأنكرت عليه، وبلغ ذلك الوزير ابن مقلة الكاتب المشهور، وقيل له: إنه يغيّر حروفا من القرآن ويقرأ بخلاف ما أنزل، فاستحضره [7] في أول شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، واعتقله في داره أياما، فلما كان يوم الأحد سابع الشهر المذكور استحضر الوزير المذكور [القاضي] أبا الحسين [8] عمر بن محمد، وأبا بكر أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد المقرئ، وجماعة من أهل القرآن،

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 264- 266) . [2] لفظة «للإقراء» سقطت من «العبر» فتستدرك فيه. [3] انظر ص (120) من هذا المجلد. [4] في «وفيات الأعيان» (4/ 299) . [5] لفظة «إنه» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع و «وفيات الأعيان» . [6] في «وفيات الأعيان» : «كان» . [7] في الأصل والمطبوع: «فاستحضر» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [8] في الأصل والمطبوع: «أبا الحسن» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ولفظة «القاضي» زيادة منه.

وأحضر ابن شنبوذ المذكور ونوظر بحضرة الوزير، فأغلظ في الجواب للوزير والقاضي، وأبي بكر بن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة، وعيّرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر، واستصبى [القاضي] أبا الحسين [1] المذكور، فأمر الوزير أبو علي بضربه، فأقيم فضرب سبع درر، فدعا وهو يضرب على الوزير [ابن مقلة] [2] بأن يقطع الله يده، ويشتت شمله، فكان الأمر كذلك، ثم أوقفوه على الحروف التي كان يقرأ بها، فأنكر ما كان شنيعا، وقال فيما سواه: إنه قرأه قوم [3] فاستتابوه فتاب، وقال: إنه قد رجع عمّا كان يقرؤه، وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس. فكتب الوزير عليه محضرا بما قاله، وأمره أن يكتب خطّه في آخره، فكتب ما يدل على توبته، ونسخة المحضر: «سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عمّا حكي عنه أنه يقرؤه، وهو إذا نُودِيَ للصّلَاهِ من يَوْم الجُمعَةِ فَامْضوا إلى ذِكْرِ الله فاعترف به، وعن وَتَجْعَلُوْنَ شُكْرَكم أَنَكم تَكْذِبُونَ فاعترف به، وعن فاليَوْمَ نُنَجّيْكَ بَبَدنِكَ [4] فاعترف به، وعن تبّت يدا أبي لهب وقد تب فاعترف به، وعن إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به، وعن ولتكن منكم فئة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله [5] على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون فاعترف به، وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أبا الحسن» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ولفظة «القاضي» زيادة منه. [2] زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «إنه قرأ به قوم» . [4] في الأصل والمطبوع: «بندائك» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» : «ويستعينون الله» .

الأرض وفساد عريض [1] فاعترف به وتاب [2] عن ذلك. وكتب الشهود الحاضرون شهادتهم في المحضر حسبما سمعوه من لفظه. وكتب ابن شنبوذ بخطه ما صورته: يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: ما في هذه الرقعة صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عزّ وجلّ وسائر من حضر على نفسي بذلك، ومتى خالفت ذلك أو بان مني غيره، فأمير المؤمنين في حلّ من دمي وسعة، وذلك يوم الأحد سابع ربيع الآخر، سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. وشنبوذ: بفتح الشين المعجمة والنون، وضم الباء الموحدة، وسكون الواو، وبعدها ذال معجمة. انتهى ملخصا. وفيها محدّث الشام أبو العبّاس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملّاس النّميريّ مولاهم الدمشقي [3] في جمادى الأولى. روى عن موسى بن عامر، وأبي إسحاق الجوزجاني، وخلق. وهو من بيت حديث. وفيها أبو علي الثّقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري [4] الفقيه الواعظ [5] ، أحد الأئمة، وله أربع وثمانون سنة. سمع في كبره من موسى بن نصر الرّازي، وأحمد بن ملاعب، وطبقتهما. وكان له جنازة لم يعهد مثلها، وهو من ذرّيّة الحجّاج. قال أبو الوليد الفقيه: دخلت على ابن سريج، فسألني على من درست الفقه؟ قلت: على أبي علي الثّقفي. قال: لعلك تعني الحجّاجي الأزرق؟

_ [1] وقد كررها المؤلف هنا أثناء نقله بتصرف عن «وفيات الأعيان» أما في «الوفيات» فقد ذكرها مرة واحدة. [2] في الأصل: «وتاب إلى الله» وأبقيت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [3] مترجم في «العبر» (2/ 219) وانظر «تهذيب الكمال» (3/ 1388) (ترجمة موسى بن عامر) . [4] مترجم في «العبر» (2/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 280- 283) . [5] في الأصل والمطبوع: «الفقيه الواحد» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» .

قلت: نعم. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه. وقال أبو بكر الضّبعي: ما عرفنا الجدل والنظر، حتّى ورد أبو علي الثقفي من العراق. وذكره السلمي في «طبقات الصوفية» [1] . قاله في «العبر» . وقال السخاوي في «طبقات الأولياء» [2] : لقي أبا حفص، وحمدون القصّار. وكان إماما في علوم الشرع. قال لبعض أصحابه: لا تفارق هذه الخلال الأربع: صدق القول، وصدق العمل، وصدق المودّة، وصدق الأمانة. وقال: من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم، ولا يظهر عليه من أنوارهم شيء. وقال: من غلبه هواه توارى عنه عقله. وقال: لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم، ولا تأديب من لا يتأدّب. وقال: يا من باع كلّ شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء. وتوفي ليلة الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الأولى ودفن في مقبرة قر بنيسابور، وهو ابن تسع وثمانين سنة، ووعظ مرّة فذمّ الدّنيا والركون إليها، ثم تمثّل بقول بعضهم: من نال من دنياه أمنية ... أسقطت الأيّام منها الألف انتهى.

_ [1] انظر ترجمته في ص (361- 365) . [2] انظر هذه النقول في ترجمته في «طبقات الصوفية» وقد ورد بعضها في ترجمته عند ابن الملقن في «طبقات الأولياء» ص (298) .

وفيها الإمام العلّامة ابن الأنباري [1] أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار النحويّ اللّغويّ، صاحب المصنفات، وله سبع وخمسون سنة. سمع في صغره من الكديمي، وإسماعيل القاضي، وأخذ عن أبيه، وثعلب، وطائفة. وعنه الدار قطنّي وغيره [2] . قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن. وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر بحرا، حدّثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا. قال: وحدّثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها [3] . وقيل عنه: إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة [4] . قاله في «العبر» [5] . وقال ابن ناصر الدّين: كان في كل فن إمامه، وكان إملاؤه من حفظه. ومن أماليه المدققة «غريب الحديث» في خمسة وأربعين ألف ورقة [6] . انتهى. وكان سائر ما يصنفه ويمليه من حفظه لا من [7] دفتر ولا كتاب.

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 220- 221) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 274- 279) . [2] قوله: «وعنه: الدارقطني وغيره» لم يرد في «العبر» . [3] لفظة «بأسانيدها» لم ترد في «العبر» المطبوع في الكويت واستدركت في «العبر» المطبوع في بيروت. [4] قوله: «وقيل عنه، إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة» سقط من «العبر» المطبوع في الكويت وورد في المطبوع منه في بيروت. [5] (2/ 220- 221) . [6] عقب الذهبي على هذا الخبر في «سير أعلام النبلاء» (15/ 277) بقوله: فهذا الكتاب يكون أزيد من مائة مجلد. [7] لفظة «من» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

وفيها أبو الحسن المزيّن علي بن محمد البغدادي [1] شيخ الصوفية، صحب الجنيد، وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة. قال السّلميّ في «طبقاته» [2] : أقام بمكّة مجاورا بها، ومات بها، وكان من أورع المشايخ وأحسنهم حالا. قال: الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب. والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. وقال: ملاك القلب في التبرّي من الحول والقوة. ورؤي يوما متفكّرا وأغر ورقت عيناه، فقيل له: ما لك، أيها الشيخ! فقال: ذكرت أيام تقطّعي في إرادتي، وقطعي [3] المنازل يوما فيوما، وخدمتي لأولئك السادة من أصحابي، وتذكرت ما أنا فيه من الفترة عن شريف الأحوال، وأنشد: منازل كنت تهواها وتألفها ... أيّام كنت على الأيّام منصورا [4] وقال: المعجب بعمله مستدرج، والمستحسن لشيء من أحواله ممكور به. والذي يظن أنه موصول فهو مغرور. ورؤي وهو يبكي بالتنعيم يريد أن يحرم بعمرة وينشد لنفسه: أنافعي دمعي فأبكيكا [5] ... هيهات مالي طمع فيكا فلم يزل كذلك إلى أن مات بمكّة، شرّفها الله تعالى.

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 221) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 232) و «غربال الزمان» ص (287) . [2] ص (382- 385) والمؤلف ينقل عنه بتصرف واختصار. [3] في الأصل والمطبوع: «وقطع» وما أثبته من «طبقات الصوفية» . [4] رواية البيت في «طبقات الصوفية» : منازل كنت تهواها وتألفها ... أيام أنت على الأيام منصور [5] رواية البيت في «طبقات الصوفية» : أنافعي دمعي فأبكيك ... هيهات ما لي طمع فيك

وأسند الخطيب عنه [1] أنه قال: الكلام من غير ضرورة مقت من الله للعبد. وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري [2] الزاهد، أحد مشايخ العراق. صحب الجنيد [3] وغيره، وكان يقال: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات الخلدي. قاله في «العبر» . وقال السخاوي في «طبقاته» : عبد الله بن محمد النيسابوري من محلة بالحيرة، صحب أبا حفص، وأبا عثمان، والجنيد، وأقام ببغداد حتّى صار أحد مشايخ العراق. كانوا يقولون: عجائب بغداد في التصوف ثلاث: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش [4] ، وحكايات الخلدي، وكان مقيما في مسجد الشّونيزيّة. مات ببغداد. ومن كلامه: سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدّنيا. وقال: ذهبت حقائق الأشياء وبقيت أسماؤها، فالأسماء موجودة، والحقائق مفقودة، والدعاوى في السرائر مكنونة، والألسنة بها فصيحة، والأمور عن حقوقها مصروفة. وعن قريب تفقد هذه الألسنة وهذه الدّعاوى، فلا يوجد لسان صادق ولا مدّع صادق [5] . وقال: الوسوسة تؤدّي إلى الحيرة، والإلهام يؤدّي إلى زيادة فهم وبيان.

_ [1] في «تاريخ بغداد» (12/ 73) . [2] مترجم في «العبر» (2/ 221) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 230- 231) و «غربال الزمان» ص (287) . [3] في «العبر» : «صحبه الجنيد» . [4] قوله: «ونكت المرتعش» سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. [5] في «طبقات الصوفية» للسلمي: «فلا يوجد لسان ناطق، ولا مدّع مطنب» .

وقال: أصول التوحيد ثلاثة أشياء: معرفة الله تعالى بالرّبوبية، والإقرار له بالوحدانيّة، ونفي الأنداد عنه جملة. وسئل: بماذا ينال العبد حبّ الله تعالى؟ قال: ببغض ما أبغض الله، وهو [1] الدّنيا والنفس. وسئل: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: رؤية فضل الله عزّ وجل، وأنشد: إنّ المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم [2] وقيل له: إن فلانا يمشي على الماء! فقال: عندي إنّ [من] [3] مكّنه الله من مخالفة هواه، فهو أعظم من المشي على الماء [4] . قال أبو عبد الله الرّازي: حضرت وفاته في مسجد الشّونيزيّة، فقال: انظروا ديوني، فنظروا فقالوا: بضعة عشر درهما، فقال: انظروا خريقاتي، فلما قرّبت منه قال: اجعلوها في ديوني وأرجو أن الله عزّ وجل يعطيني الكفن، ثم قال: سألت الله ثلاثا عند موتي فأعطانيها، سألته أن يميتني على الفقر رأسا برأس، وسألته أن يجعل موتي بهذا [5] المسجد، فقد صحبت فيه أقواما. وسألته أن يكون حولي من آنس به وأحبه. وغمض عينيه ومات بعد ساعة، رحمه الله تعالى، ورضي عنه وعنّا وعن جميع المسلمين. انتهى ملخصا. وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن سيّار الحافظ الإمام، أبو عبد الله البيّانيّ [6] القرطبي. عن أبيه، وبقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضّاح، ومطيّن،

_ [1] في «طبقات الصوفية» : «وهي» . [2] البيت في «طبقات الصوفية» ص (352) و «تاريخ بغداد» (7/ 221) . [3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات الصوفية» ص (352) . [4] في «طبقات الصوفية» : «فهو أعظم من المشي على الماء وفي الهواء» . [5] في المطبوع: «في هذا» . [6] مترجم في «تذكرة الحفاظ» (3/ 844- 845) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 254) و «توضيح

والنسائي. وعنه: ولده أحمد بن محمد، وخالد بن سعيد، وسليمان بن أيوب، وكان عالما ثقة. قاله ابن بردس [1] . وفيها على ما قاله ابن ناصر الدّين في «بديعته» : وحامد بن أحمد الزّيديّ ... كلامه حلاوة شهديّ قال في شرحها: هو حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو أحمد المروزيّ [2] نزيل طرسوس. قيل له: الزيديّ لجمعه حديث زيد بن أبي أنيسة دون غيره من المحدّثين. انتهى.

_ «المشتبه» لابن ناصر الدين (1/ 609) [1] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ والصواب ما أثبته. انظر «الأعلام» (1/ 324) . [2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 369- 370) و «طبقات الحفاظ» ص (373- 374) .

سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في ربيع الأول استخلف المتقي لله، فاستوزر أبا الحسن [1] أحمد بن محمد بن ميمون، فقدم أبو عبد الله البريدي من البصرة وطلب الوزارة، فأجابه المتقي وولّاه، ومشى إلى بابه ابن ميمون، وكانت وزارة ابن ميمون شهرا، فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم، فخافهم وهرب بعد أيام، ووزر بعده أبو إسحاق محمد بن أحمد القراريطي، ثم عزل بعد ثلاثة وأربعين يوما ووزر الكرخيّ، فعزل بعد ثلاثة وخمسين يوما، فلم ير أقرب من مدة هؤلاء، وهزلت الوزارة وضؤلت لضعف الدولة وصغر الدائرة. وأما بجكم [2] التركي، فنزل واسط واستوطنها، وقرر مع الراضي أنه يحمل إلى خزانته في كل سنة ثمانمائة ألف دينار بعد أن يريح الغلة من مؤنة خمسة آلاف فارس يقيمون بها، وعدل وتصدق، وكان ذا عقل وافر وأموال عظيمة، ونفس غضبّة [3] ، خرج يتصيّد، فأساء إلى أكراد هناك [4] ، فاستفرد

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع و «مروج الذهب» (4/ 340) وفي «العبر» وبعض المصادر: «أبو الحسين» انظر «النجوم الزاهرة» (3/ 271) والتعليق عليه. [2] تصحف في الأصل والمطبوع إلى: «بحكم» والتصحيح من «العبر» والمصادر التي بين يدي. [3] في «العبر» : «عصبية» . قال ابن منظور: ورجل غضب، وغضوب، وغضبّ بغير هاء، وغضبّة وغضبّة، بفتح الغين وضمها وتشديد الباء، وغضبان: يغضب سريعا، وقيل شديد الغضب. «لسان العرب» (غضب) . [4] كذا في الأصل و «العبر» وفي المطبوع: «إلى كراد هناد» .

به عبد أسود، فطعنه برمح فقتله في رجب. وكان قد أظهر العدل، وبنى دار ضيافة بواسط، وابتدأ بعمل المارستان، وهو الذي جدده عضد الدولة بالجانب الغربي، وكانت أمواله كثيرة، فكان يدفنها في داره، وفي الصحارى، وكان يأخذ رجالا في صناديق فيها مال إلى الصحراء، ثم يفتح عليهم فيعاونونه على دفن المال ثم يعيدهم في الصناديق ولا يدرون إلى أي موضع حملهم، فضاعت أمواله بموته والدفائن، ونقل من داره وأخرج بالحفر منها ما يزيد على ألفي ألف عينا وورقا، وقيل: للرورحارية: خذوا التراب بأجرتكم فأبوا [1] فأعطوا ألف درهم وغسل التراب فخرج منه ستة وثلاثون ألف درهم. وفيها توفي البربهاري أبو محمد الحسن بن علي [2] الفقيه القدوة، شيخ الحنابلة بالعراق، قالا وحالا. وكان له صيت عظيم، وحرمة تامة، أخذ عن المرّوذي [3] ، وصحب سهل بن عبد الله التّستري، وصنّف التصانيف، وكان المخالفون يغلّظون قلب الدولة [4] عليه، فقبض على جماعة من أصحابه واستتر هو في سنة إحدى وعشرين، ثم تغيّرت الدولة، وزادت حرمة البربهاري، ثم سعت المبتدعة به، فنودي بأمر الراضي في بغداد: لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى إلى أن مات في رجب، رحمه الله تعالى. قاله في «العبر» . وقال القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى في «طبقاته» [5] : الحسن بن علي بن خلف، أبو محمد البربهاري، شيخ الطائفة في وقته، ومتقدمها في

_ [1] في «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني ص (327) : «ودفع التراب إلى الحفارين فلم يقنعوا» وانظر تتمة الكلام عنده. [2] مترجم في «العبر» (2/ 222- 223) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 90- 93) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 378) و «المنهج الأحمد» (2/ 26- 39) . [3] في «العبر» : «المروزي» وهو تحريف. انظر ترجمته في «طبقات الحنابلة» (1/ 56- 63) . [4] في «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 44) و «سير أعلام النبلاء» : «قلب السلطان» . [5] (2/ 18- 45) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف.

الإنكار على أهل البدع، والمباينة لهم باليد واللسان، وكان له صيت عند السلطان، وقدم عند الأصحاب، وكان أحد الأئمة العارفين، والحفاظ للأصول المتقنين، والثقات المأمونين. صحب جماعة من أصحاب إمامنا أحمد، رضي الله عنه، منهم المرّوذي. وصحب سهل التّستري. وصنّف البربهاري كتبا، منها «شرح كتاب السّنّة» ذكر فيه: احذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتّى تصير كبارا. وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت، وصارت دينا يدان به يخالف [1] الصراط المستقيم، وخرج [2] من الإسلام، فانظر رحمك الله، كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة، فلا تعجلنّ ولا تدخلن في شيء منه حتّى تسأل وتنظر، هل تكلّم فيه أحد من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أو أحد العلماء، فإن أصبت فيه أثرا عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه بشيء، ولا تختر عليه شيئا فتسقط في النار. واعلم- رحمك الله- أنه لا يتم إسلام عبد حتّى يكون متّبعا مصدّقا مسلما، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذّبهم، وكفى بهذا فرقة وطعنا [3] عليهم، فهو مبتدع، ضال مضل، محدث في الإسلام ما ليس فيه. واعلم أن الكلام في الربّ تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ولا يتكلّم في الربّ سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه [عزّ وجلّ] في القرآن، وما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو، جلّ ثناؤه، واحد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 42: 11

_ [1] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «فخالف» . [2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «فخرج» . [3] تحرفت في «طبقات ابن أبي يعلى» : «فطعن» .

[الشورى: 11] ربنا، عزّ وجل، أول بلا متى، وآخر بلا منتهى، يعلم السّرّ وأخفى. على عرشه استوى، وعلمه بكل مكان، لا يخلو من علمه مكان، ولا يقول في صفات الربّ لم؟ وكيف؟ إلا شاكّ في الله تبارك وتعالى. والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره، وليس بمخلوق [1] ، لأن القرآن من الله، وما كان من الله فليس بمخلوق، وهكذا قال مالك بن أنس، والفقهاء قبله وبعده، والمراء فيه كفر. والإيمان بالرؤية يوم القيامة، يرون الله تعالى بأعين رؤوسهم، وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا ترجمان. والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن فيه الخير والشّرّ، له كفّتان ولسان، والإيمان بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل نبيّ حوض، إلا صالح النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن حوضه ضرع ناقته، والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، للمذنبين الخاطئين يوم القيامة، وعلى الصراط، ويخرجهم [من جوف جهنم] [2] . وما من نبيّ إلا وله شفاعة، وكذلك الصّدّيقون، والشهداء، والصالحون، والله عزّ وجل بعد ذلك يتفضّل [3] كثيرا على من يشاء، والخروج من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما. والإيمان بالصراط على جهنم، يأخذ الصراط من شاء الله، ويجوز [4] من شاء الله، ويسقط في جهنم من شاء الله [5] ولهم أنوار على قدر إيمانهم. والإيمان بالله، والأنبياء، والملائكة، والإيمان بالجنة والنار، أنهما مخلوقتان، الجنة في السماء السابعة، وسقفها العرش، والنّار تحت الأرض

_ [1] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «وليس مخلوقا» [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 20) . [3] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «تفضل» . [4] أي يسلك الصراط من شاء الله من عباده، جعلنا الله تعالى منهم بفضله ورحمته، إنه خير مسؤول. [5] قوله «من شاء الله» سقط من المطبوع.

السابعة السفلى، وهما مخلوقتان، قد علم الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها، لا يفنيان أبدا، بقاؤهما مع بقاء الله أبد الآبدين، ودهر الداهرين. وآدم، صلى الله عليه وسلم، كان في الجنة الباقية المخلوقة، فأخرج منها بعد ما عصى الله عزّ وجل. والإيمان بالمسيح [الدجال] [1] . والإيمان بنزول عيسى، صلى الله عليه وسلم، ينزل فيقتل الدجال، ويتزوج، ويصلي خلف القائم [2] من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، ويموت ويدفنه المؤمنون. والإيمان بأن الإيمان قول، وعمل، ونية، وإصابة [3] يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتّى لا يبقى منه شيء. وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء، صلوات الله عليهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء: طلحة، والزّبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرّحمن بن عوف، [وأبو عبيدة عامر بن الجرّاح] وكلهم يصلح للخلافة. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القرن الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار، وهم من صلّى للقبلتين. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما، أو شهرا، أو سنة، أو أقل من ذلك أو أكثر، نترحّم عليهم، ونذكر فضلهم، ونكفّ عن زللهم، ولا نذكر أحدا منهم إلا بخير [4] لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا

_ [1] سقطت لفظة «الدجال» من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات ابن أبي يعلى» . [2] قلت: وهو المعروف بالمهدي. [3] لفظة «وإصابة» لم ترد في «طبقات ابن أبي يعلى» . [4] في الأصل والمطبوع: «يترحم عليهم، ويذكر فضلهم، ويكفّ عن زللهم، ولا يذكر أحد منهم إلا بخير» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى» .

ذكر أصحابي فأمسكوا» [1] . واعلم [2] أن أصول البدع أربعة أبواب، يتشعّب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى، ويصير كل واحد من البدع يتشعب، حتّى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة مقالة [3] كلها ضلالة، وكلها في النار، إلا واحدة، وهي [4] من آمن بما في هذا الكتاب، واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو صاحب سنّة، وهو ناج إن شاء الله تعالى. واعلم أن الرجل إذا أحبّ مالك بن أنس وتولّاه فهو صاحب سنّة، وإذا رأيت الرجل يحبّ أبا هريرة، وأسيدا، وأيوب بن عون، ويونس بن عبيد الله، وعبد الله بن إدريس الأنصاري، والشعبي، ومالك بن مغول، ويزيد بن زريع، ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، وحمّاد بن زيد، وحمّاد بن سلمة، ومالك بن أنس [5] ، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة، وأحمد بن حنبل، والحجاج بن منهال، وأحمد بن نصر، وذكرهم بخير، وقال بقولهم، فاعلم أنه صاحب سنّة. واعلم أن من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله، عزّ وجل، حتّى يرجع. وقال الفضيل بن عياض: آكل مع اليهودي والنصراني، ولا آكل مع

_ [1] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/ 202) من حديث ثوبان رضي الله عنه وتمامه فيه: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا» وقال: رواه الطبراني، وفيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف. وذكره الهيثمي أيضا في «مجمع الزوائد» (7/ 202) باللفظ المتقدم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: وفيه مسهر بن عبد الملك، وثقه ابن حبان وغيره وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح. ورواه ابن عدي في «الكامل» (6/ 2172) وإسناده ضعيف، وله شاهد مرسل رواه عبد الرزاق في «الأمالي» من حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرفوعا فهو حديث حسن بطرقه وشواهده. [2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «واعلموا» . [3] لفظة «مقالة» لم ترد في «طبقات ابن أبي يعلى» . [4] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «وهو» . [5] كرر المؤلف ذكر «مالك بن أنس» تبعا لصاحب «طبقات الحنابلة» (2/ 37) .

مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد. وذكر أبو الحسن [1] بن بشار قال: تنزّه البربهاري من ميراث أبيه عن تسعين [2] ألف درهم. وكانت له مجاهدات ومقامات في الدّين كثيرة. وكان المخالفون يغلّظون [3] قلب السلطان عليه. ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة تقدّم ابن مقلة بالقبض على البربهاري، فاستتر، وقبض جماعة من كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة، فعاقب الله تعالى ابن مقلة على فعله ذلك بأن أسخط [4] عليه القاهر، ووقع له ما وقع، ثم تفضل الله، عزّ وجل، وأعاد البربهاري إلى حشمته وزادت، حتّى إنه لما توفي أبو عبد الله بن عرفة، المعروف بنفطويه، وحضر جنازته أماثل أبناء الدّين والدّنيا، كان المقدّم على جماعتهم في الإمامة البربهاري، وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، في خلافة الراضي. وفي هذه السنة زادت حشمة البربهاري، وعلت كلمته، وظهر أصحابه وانتشروا في الإنكار على المبتدعة، فبلغنا أن البربهاري اجتاز بالجانب الغربي، فعطس، فشمّته أصحابه، فارتفعت ضجّتهم حتّى سمعها الخليفة. ولم تزل المبتدعة يوغرون [5] قلب الراضي على البربهاري، حتى نودي في بغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان، فاستتر، وتوفي في الاستتار، رحمه الله تعالى.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسين» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 43) و «المنهج الأحمد» (2/ 10) بعناية الأستاذ عادل نويهض. [2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «سبعين» . [3] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «يغيظون» . [4] في الأصل والمطبوع: «سخط» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى» ، وأسخط أي أغضب. انظر «لسان العرب» (سخط) . [5] في «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 44) : «ينقلون» .

وحدثني محمد بن الحسن المقرئ قال: حكى لي جدي وجدتي قالا: كان أبو محمد البربهاري قد اختفى [1] عند أخت توزون بالجانب الشرقي في درب الحمّام، في شارع درب السلسلة، فبقي نحوا من شهر، فلحقه قيام الدم، فقالت أخت توزون لخادمها لما مات البربهاريّ عندها مستترا: انظر من يغسله، فجاء بالغاسل فغسله، وغلّق الأبواب [2] حتّى لا يعلم أحد، ووقف يصلي عليه وحده. فاطّلعت صاحبة المنزل، فرأت الدار ملأى رجالا بثياب بيض وخضر، فلما سلّم لم تر أحدا، فاستدعت الخادم وقالت: أهلكتني مع أخي، فقال: يا ستي، رأيت ما رأيت؟ فقالت: نعم، فقال: هذه مفاتيح الباب، وهو مغلق، فقالت: ادفنوه في بيتي، وإذا متّ فادفنوني عنده في بيت القبة، فدفنوه في دارها، وماتت بعده بزمان فدفنت في ذلك المكان، ومضى الزمان عليه وصار تربة. انتهى ما أورده ابن أبي يعلى ملخصا جدا. وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الرّبعي البغدادي [3] وله بضع وسبعون سنة. سمع عبّاسا الدّوري وطبقته، وولي قضاء مصر ثلاث مرات، آخرها في ربيع الأول من هذا العام، فتوفي بعد شهر. ضعّفه غير واحد في الحديث، وله عدّة تصانيف. قال في «المغني» [4] : عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر القاضي، ضعّف. روى عن عبّاس الدّوري، وأبي داود [5] السّجزي. قال الخطيب: كان غير ثقة. انتهى.

_ [1] في «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 45) : «اختبأ» . [2] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «وغلق الباب» . [3] مترجم في «العبر» (2/ 223) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 315- 316) . [4] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 331) . [5] في الأصل والمطبوع «وابن داود» والتصحيح من «المغني في الضعفاء» و «سير أعلام النبلاء» .

وفيها الحامض المحدّث، وهو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي [1] روى عن سعدان بن نصر، وطائفة. وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد المروزي ثم الغازي [2] الحافظ الثقة. روى عن أبي داود السّنجي، ومحمود بن آدم، وطائفة. وعنه ابن القوّاس، والدارقطني، وقال: هو ثقة حافظ. وفيها أبو الفضل البلعميّ الوزير محمد بن عبيد الله [3] ، أحد رجال الدهر عقلا، ورأيا، وبلاغة. روى عن محمد بن نصر المروزي وغيره، وصنّف «كتاب تلقيح البلاغة» ، و «كتاب المقالات» . وفيها الرّاضي بالله الخليفة، أبو إسحاق [4] محمد، وقيل: أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل العبّاسي [5] . ولد سنة سبع وتسعين ومائتين من جارية رومية اسمها ظلوم، وكان قصيرا، أسمر، نحيفا، في وجهه طول، استخلف سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وهو آخر خليفة له شعر مدوّن، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش إلى خلافة المتقي [6] وآخر خليفة خطب يوم الجمعة، إلى خلافة الحاكم العباسي، فإنه خطب أيضا مرتين، وآخر خليفة جالس النّدماء. ولكنه كان مقهورا مع أمرائه، مرض في ربيع الأول بمرض دمويّ، ومات، وكان سمحا كريما، محبّا للعلماء والأدباء. سمع الحديث من البغوي. توفي في نصف ربيع الأول، وله إحدى وثلاثون سنة ونصف.

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 223) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 287- 288) . [2] مترجم في «العبر» (2/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 80- 81) . وقال الذهبي فيه: «الفازي» بالفاء، من أهل قرية فاز، وبعضهم يقول: الغازي. [3] مترجم في «العبر» (2/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 292) . [4] كذا في الأصل والمطبوع و «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «أبو إسحاق» وفي معظم المصادر: «أبو العبّاس» وهو الأرجح. [5] مترجم في «العبر» (2/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 103- 104) . [6] قوله: «إلى خلافة المتقي» لم يرد في «العبر» .

وفيها أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول أبو بكر التّنوخيّ الأنباري الأزرق الكاتب، في آخر السنة ببغداد، وله نيّف وتسعون سنة. روى عن جدّه، والحسن بن عرفة وطائفة.

سنة ثلاثين وثلاثمائة

سنة ثلاثين وثلاثمائة فيها كان الغلاء المفرط، والوباء ببغداد، وبلغ الكرّ [1] مائتين وعشرة دنانير، وأكلوا الجيف. وفيها وصلت الرّوم، فأغارت على أعمال حلب، وبدّعوا، وسبوا عشرة آلاف نسمة. وفيها أقبل أبو الحسين [2] علي بن محمد البريدي في الجيوش، فالتقاه المتّقي، وابن رائق فكسرهما، ودخلت طائفة من الدّيلم دار الخلافة، فقتلوا جماعة، وهرب المتقي وابنه وابن رائق إلى الموصل، واختفى وزيره أبو إسحاق القراريطي، ووجدوا في الحبس كورتكين، وكان قد عثر عليه ابن رائق فسجنه، فأهلكه البريدي، ووقع النهب في بغداد، واشتد القحط، حتّى بلغ الكرّ ثلاثمائة وستة عشر دينارا، وهذا شيء لم يعهد في العراق، ثم عمّ البلاء بزيادة دجلة، فبلغت عشرين ذراعا، وغرق الخلق، ثم خامر توزون، وذهب إلى الموصل. وأما ناصر الدولة بن حمدان، فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خيمته، فوضع رجله في الرّكاب، فشبّ به الفرس، فوقع، فصاح ابن حمدان:

_ [1] مكيال لأهل العراق، سبق التعريف به. انظر «لسان العرب» (كرر) . [2] في الأصل: «وفيها أقبل الحسين» وهو خطأ وأثبت لفظ المطبوع.

لا يفوتنّكم، فقتلوه، ثم دفن وعفا [1] قبره، وجاء ابن حمدان إلى المتّقي، فقلّده مكان ابن رائق، ولقّبه ناصر الدولة، ولقّب أخاه عليّا سيف الدولة، وعاد وهما معه، فهرب البريدي من بغداد، وكانت مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوما، ثم تأهّب [2] البريدي، فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن، ودام القتال يومين، فكانت الهزيمة أولا على بني حمدان والأتراك، ثم كانت على البريدي، وقتل جماعة من أمراء الدّيلم، وأسر آخرون، وردّ إلى واسط بأسوأ حال، وساق وراءه سيف الدّولة، ففرّ إلى البصرة. وفيها توفي في رجب بمصر أبو بكر محمد بن عبد الله الصّيرفي الشافعي [3] ، له مصنّفات في المذهب، وهو صاحب وجه. روى عن أحمد ابن منصور الرّمادي. قال الإسنوي: كان إماما في الفقه والأصول. تفقه على ابن سريج، وله تصانيف موجودة، منها «شرح الرسالة» ، وكتاب في الشروط أحسن فيه كل الإحسان. قال القفّال الشاشي: كان الصيرفيّ أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي. انتهى. وفيها أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري [4] . روى عن الذّهلي، والحسن الزعفراني، وطبقتهما، بخراسان، والعراق، ومصر. وفيها أبو يعقوب النّهرجوري [5] ، شيخ الصوفية، إسحاق بن محمد.

_ [1] في «العبر» : «عفّي» وكلاهما بمعنى. [2] في «العبر» : «تهيأ» . [3] مترجم في «العبر» (2/ 227) و «وفيات الأعيان» (4/ 199) . [4] مترجم في «العبر» (2/ 227) . [5] مترجم في «العبر» (2/ 227) و «طبقات الصوفية» ص (378- 381) .

صحب الجنيد وغيره، وجاور مدة، وكان من كبار العارفين. قال السخاوي في «طبقاته» : صحب الجنيد، وعمرو [بن عثمان] المكّي [1] ، وأبا يعقوب السّوسي، وغيرهم من المشايخ. أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورا. ومات بها [2] . كان أبو عثمان المغربي يقول: ما رأيت في مشايخنا أنور من النّهرجوري. قال: الفناء هو فناء رؤية قيام العبد لله، والبقاء رؤية قيام الله في الأحكام. وقال: الصدق موافقة الحقّ في السّرّ والعلانية، وحقيقة الصدق القول بالحق في مواطن الهلكة [3] . وقال: العابد يعبد الله تحذيرا، والعارف يعبد الله تشويقا. وقال في قوله، صلى الله عليه وسلم، «احترسوا من النّاس بسوء الظّنّ» [4] أو كما قال، صلى الله عليه وسلم، فقال: بسوء الظن في أنفسكم [5] بأنفسكم، لا بالناس. وقال: مفاوز الدّنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب. وقال: من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا، ومن كان غناه بالمال، لم يزل فقيرا، ومن قصد بحاجته الخلق، لم يزل محروما، ومن استعان في أمره بغير الله، لم يزل مخذولا.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وعمر المكي» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الصوفية» للسلمي، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 233) وما بين حاصرتين زيادة منهما. [2] يعني بمكة المكرمة، وفي «طبقات الصوفية» : «وبه مات» [3] في «طبقات الصوفية: «التهلكة» . [4] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 89) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في «الفتح» من رواية الطبراني في «الأوسط» عن أنس وقال: وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى، فله علتان. أقول: فالحديث بهذا ضعيف. [5] قوله: «في أنفسكم» لم يرد في «طبقات الصوفية» للسلمي.

وقال: الدّنيا بحر، والآخرة ساحل، والمركب التقوى، والناس سفر. وقال: لا زوال لنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت. وقال: اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب. وقال: من عرف الله لم يغتر بالله. انتهى ملخصا. وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السّلمي [1] بدمشق. روى عن هشام بن عمّار. وفيها المحاملي، القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضّبّي البغدادي [2] ، في ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة. وهو ثقة مأمون، وأول سماعه في سنة أربع وأربعين من أبي هشام الرفاعي، وأقدم شيخ له أحمد بن إسماعيل السّهمي صاحب مالك. قال أبو بكر الدّاودي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل يكتبون عنه. وقال ابن بردس: روى عن الفلّاس، والدّورقي، وغيرهما. وعنه: دعلج، والدارقطني، وابن جميع. أثنى عليه الخطيب [3] . انتهى. وفيها قاضي دمشق، أبو يحيى، زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى ختّ البلخي [4] الشافعي، وهو صاحب وجه. روى عن أبي حاتم الرّازي

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 227) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/ 300) طبع دار الفكر بدمشق. [2] مترجم في «العبر» (2/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 258- 263) . [3] حيث قال عنه في «تاريخ بغداد» (8/ 20) : وكان فاضلا، صادقا، ديّنا. [4] مترجم في «العبر» (2/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 293- 294) ، و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (9/ 52) طبع دار الفكر بدمشق.

وطائفة، ومن غرائب وجوهه: إذا شرط في القراض، أن يعمل ربّ المال مع العامل جاز. قاله في «العبر» . وقال الإسنوي: فارق وطنه لأجل الدّين، ومسح عرض الأرض، وسافر إلى أقاصي الدّنيا في طلب الفقه، وكان حسن البيان في النظر، عذب اللسان في الجدل. وذكره ابن عساكر في «تاريخ الشام» فقال: كان أبوه وجدّه عالمين، وولّاه المقتدر بالله قضاء الشام، وتوفي بدمشق في ربيع الأول، وقيل في ربيع الآخر. ونقل عنه الرافعي: أنه كان يرى أن القاضي يزوج نفسه بامرأة هو وليّها. قال: وحكي عنه أنه فعله لما كان قاضيا بدمشق. قال العبّادي في «الطبقات» [1] : قال أبو سهل الصعلوكي: رأيت ابنه من هذه المرأة يكدي [2] بالشام. انتهى ملخصا. وفيها عبد الغافر بن سلامة أبو هاشم الحمصي [3] بالبصرة، وله بضع وتسعون سنة. روى عن كثير بن عبيد وطائفة. وفيها عبد الله بن يونس القبري [4] الأندلسي [5] صاحب بقي بن مخلد، وكان كثير الحديث مقبولا.

_ [1] واسمه الكامل «طبقات الشافعيين» وهو مطبوع كما ذكر العلّامة الزركلي في ترجمته في «الأعلام» (5/ 314) ولكنه غير متوفر بين يدي، وصاحبه الإمام القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن عباد الهروي، المتوفى سنة (458) وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس إن شاء الله تعالى. [2] أي قلّ خيره. (ع) [3] مترجم في «العبر» (2/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 294) . [4] في الأصل والمطبوع: «القيري» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ علماء الأندلس» و «معجم البلدان» . [5] مترجم في «تاريخ علماء الأندلس» (1/ 226) طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة و «معجم البلدان» (4/ 305- 306) . «العبر» (2/ 228) و «تاج العروس» (قبر) (13/ 358) .

وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حمزة [1] البغدادي الزّيّات [2] روى عن الحسن بن عرفة وجماعة، وهو من كبار شيوخ ابن جميع. وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد البغدادي البزّار [3] . روى عن عبّاس الدّوري، ويحيى بن أبي طالب. وعنه: الدارقطني، وابن جميع. وثّقه الخطيب [4] وغيره، ووصفوه بالحفظ. وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبيّ [5] أبو عبد الله الحافظ، وله ثمان وسبعون سنة. رحل إلى العراق سنة أربع وتسعين، وصنّف كتابا على «سنن أبي داود» وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن الجهم السّمّري [6] وطبقتهما. وعنه: ابنه أحمد. قال ابن بردس: هو مسند الأندلس، وهو ثقة ثقة. وفيها عمر بن سهل بن إسماعيل الحافظ المجوّد أبو حفص الدّينوري [7] . رحّال. روى عن إبراهيم بن أبي العنبس، وأبي قلابة الرّقاشي. وعنه: أبو القاسم بن ثابت الحافظ، وصالح بن أحمد الهمداني. ذكره أبو يعلى في «الإرشاد» فقال: ثقة، إمام، عالم. وفيها محمد بن عمر بن حفص الجورجيري [8] بأصبهان. سمع إسحاق بن الفيض [9] ، ومسعود بن يزيد القطّان، وطبقتهما.

_ [1] تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «حمرة» . [2] مترجم في «العبر» (2/ 229) . [3] مترجم في «العبر» (2/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 286- 287) . [4] حيث قال عنه في «تاريخ بغداد (12/ 74) : وكان ثقة، أمينا، حافظا، عارفا. [5] مترجم في «العبر» (2/ 229) ، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 241- 243) . [6] نسبة إلى «سمّر» من أعمال «كسكر» بين واسط والبصرة. انظر «الأنساب» (7/ 137) . [7] مترجم في «تذكرة الحفاظ» (3/ 879- 880) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 337- 339) . [8] مترجم في «العبر» (2/ 229) و «الأنساب» (3/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 271- 272) . [9] الذي في «سير أعلام النبلاء» (15/ 271) «إسحاق بن إبراهيم الفارسي» .

وفيها محمد بن يوسف بن بشر، أبو عبد الله الهروي الحافظ [1] ، غندر [2] من أعيان الشافعية، والرحّالين في الحديث. سمع الرّبيع بن سليمان، والعبّاس بن الوليد البيروتي، وطبقتهما. ومنه: الطبراني، والزّبير بن عبد الواحد، وهو ثقة ثبت. وفيها الزاهد العابد، أبو صالح [3] صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي [4] ، يقال: اسمه مفلح [5] ، وكان من الصوفية العارفين.

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 229- 230) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 252- 254) . [2] أقول: المعروف بلقب غندر، محمد بن جعفر الهذلي أبو عبد الله البصري ولم أجد من قال عن الهروي بأنه غندر. (ع) . [3] مترجم في «العبر» (2/ 230) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 84- 85) و «دول الإسلام» (1/ 203) و «النجوم الزاهرة» (3/ 275) . [4] يعني الباب الشرقي لسور مدينة دمشق القديمة. [5] قلت: وذكر في «النجوم الزاهرة» أن اسمه «مفلح بن عبد الله الدمشقي» .

سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة

سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» وافى جراد زائد عن الحد، حتّى بيع كل خمسين رطلا بدرهم، واستعان به الفقراء على الغلاء. وفي التي قبلها ظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر، فبقي ثلاثة عشر يوما، ثم اضمحل، واشتد الغلاء والمرض. انتهى. وفيها قلّل ناصر الدولة بن حمدان رواتب المتّقي، وأخذ ضياعه، وصادر العمال، وكرهه الناس، وزوّج بنته بابن المتقي، على مائتي ألف دينار، وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدولة، فهرب. وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل، فنهبت داره، وأقبل توزون، فدخل بغداد، فولّاه المتقي إمرة الأمراء، فلم يلبث أن وقعت بينهما الوحشة، فرجع توزون إلى واسط، ونزح خلق من بغداد، من تتابع الفتن والخوف، إلى الشام ومصر، وبعث المتقي خلعا إلى أحمد بن بويه، فسرّ بها. وفيها أبو روق الهزّاني، أحمد بن محمد بن بكر [1] ، بالبصرة، وقيل: بعدها، وله بضع وتسعون سنة. روى عن أبي حفص الفلّاس وطائفة.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «بكير» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 285- 286) .

وبكر بن أحمد بن حفص التّنّيسي الشعراني [1] روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته، بمصر والشام. وحبشون بن موسى، أبو نصر الخلّال [2] ببغداد في شعبان، وله ست وتسعون سنة. روى عن الحسن بن عرفة، وعلي بن إشكاب [3] . وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي [4] . قال ابن ناصر الدّين: كان من الحفاظ الصالحين، لكنه لم يكن بالضابط المتين. وقال في «العبر» : سمع من بقي بن مخلد مسنده، وبمصر من أبي يزيد القراطيسي، وباليمن من إسحاق الدّبري، وبمكة، وبغداد. وكان فقيها، مفتيا، صالحا، عاش ثمانيا وثمانين سنة. قال ابن الفرضي [5] : لم يكن بالضابط جدا. انتهى. وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السّدوسي [6] ببغداد، في ربيع الآخر. سمع من جدّه «مسند العشرة» و «مسند العبّاس» وهو ابن سبع سنين، وسمع من الرّمادي وأناس، ووثقه الخطيب. وفيها أبو بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني الصّوفي [7] ، أستاذ أبي بكر الرّقّي، وكان من العابدين، وله بزّة حسنة، ومعه مفتاح منقوش، يصلي

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 308- 309) . [2] مترجم في «العبر» (2/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 316- 317) . [3] تصحفت في الأصل إلى «إسكاب» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [4] مترجم في «العبر» (2/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 435- 436) . [5] في «تاريخ علماء الأندلس» (1/ 110) طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة. [6] مترجم في «العبر» (2/ 231- 232) و «النجوم الزاهرة» (3/ 280) . [7] مترجم في «العبر» (2/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 290- 291) .

ويضعه بين يديه، كأنه تاجر، وليس له بيت، بل ينطرح في المسجد، ويطوي أياما. وفيها الزاهد أبو محمود [1] عبد الله بن محمد بن منازل النّيسابوري [2] المجرد على الصحة والحقيقة. صحب حمدون القصّار، وحدّث بالمسند الصحيح عن أحمد بن سلمة النيسابوري، وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة. قاله في «العبر» . وقال السخاوي: من أجلّ مشايخ نيسابور، له طريقة ينفرد [3] بها، وكان عالما بعلوم الظاهر، كتب الحديث الكثير، ورواه، ومات بنيسابور. ومن كلامه: لا خير فيمن لم يذق ذلّ المكاسب، وذلّ السؤال، وذلّ الردّ. وقال: [عبّر] [4] بلسانك عن حالك، ولا تكن بكلامك حاكيا عن أحوال غيرك. وقال: إذا لم تنتفع أنت بكلامك كيف ينتفع به غيرك. وقال: لم يضيّع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن، ولم يبتل أحد بتضييع السّنن إلا أوشك أن يبتلى [5] بالبدع. وقال: التفويض مع الكسب خير من خلوّه عنه.

_ [1] كذا كني في الأصل والمطبوع بأبي محمود تبعا «للعبر» مصدر المؤلف، وكني في «طبقات الصوفية» و «طبقات الأولياء» بأبي محمد. [2] مترجم في «العبر» (2/ 232) و «طبقات الصوفية» ص (366- 369) و «طبقات الأولياء» ص (345- 346) . [3] في «طبقات الصوفية» للسلمي ص (366) : «يتفرّد» . [4] سقطت لفظة «عبر» من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (367) . [5] في الأصل والمطبوع: «يبلى» والتصحيح من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (369) .

وقال: من عظم قدره عند الناس يجب أن يحتقر نفسه عنده. وقال: أحكام الغيب لا تشاهد في الدّنيا، ولكن تشاهد فضائح الدعاوى [1] . وقال: لو صحّ لعبد في عمره نفس من غير رياء ولا شرك، لأثّر بركات ذلك عليه آخر الدهر. وقال: لا تكن خصما لنفسك على الخلق، وكن خصما للخلق على نفسك. انتهى ملخصا. وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدّينوري [2] الصّائغ الزاهد، أحد المشايخ الكبار، بمصر في رجب. كان صاحب أحوال ومواعظ. سئل عن الاستدلال بالشاهد عن الغائب، فقال: كيف يستدل بصفات من يشاهد ويعاين، ويمثل على من لا يشاهد في الدّنيا، ولا يعاين، ولا مثل له، ولا نظير. وقال: من فساد الطّبع التمنّي والأمل. وقال: كان بعض مشايخنا يقول: من تعرض لمحبته جاءته المحن والبلايا. وقال أهل المحبّة في لهيب شوقهم إلى محبوبهم يتنعّمون في ذلك اللهيب، أحسن مما يتنعم أهل الجنة فيما أهّلوا له من النعيم. وقال: محبتك لنفسك هي التي تهلكها. وسئل ما المعرفة؟ فقال: رؤية المنّة في كلّ الأحوال، والعجز عن أداء شكر المنعم من كلّ الوجوه، والتّبرّي من الحول والقوّة في كل شيء.

_ [1] في «طبقات الصوفية» للسلمي: «فضائح الدعوى» . [2] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «طبقات الصوفية» ص (312- 315) .

وقال: من توالت عليه الهموم في الدّنيا، فليذكر همّا لا يزول، يستريح منها. وقال: الأحوال كالبروق، فإذا أثبتت فهو حديث النفس وملازمة الطبع. ومن حلو كلامه: من أيقن أنه لغيره، فما له أن يبخل بنفسه. وفيها محمد بن مخلد العطّار الدّوري [1] أبو عبد الله الحافظ، ببغداد. سمع يعقوب الدّورقي، وأحمد بن إسماعيل السّهمي، وخلائق. ومنه [2] الدارقطني وآخرون. وكان معروفا بالثقة، والصلاح، والاجتهاد في الطلب، وله تصانيف، توفي في جمادى الآخرة، وله سبع وتسعون سنة. وفيها صاحب ما وراء النهر، أبو الحسن نصر بن الملك أحمد بن إسماعيل السّاماني [3] بقي في المملكة بعد أبيه ثلاثين سنة وثلاثين يوما، وولي بعده ابنه نوح. وفيها هنّاد بن السّري بن يحيى الكوفي الصغير [4] . روى عن أبي سعيد الأشج وجماعة. وفيها الجصّاص، أبو يوسف، يعقوب بن عبد الرّحمن بن أحمد البغدادي [5] الدّعّاء. روى عن أحمد بن إسماعيل السّهمي، وعلي بن إشكاب، وجماعة، وله أوهام وغلطات. قال في «المغني» [6] : قال الخطيب: في حديثه وهم كثير. انتهى.

_ [1] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 256- 257) . [2] في المطبوع: «وعنه» . [3] مترجم في «العبر» (2/ 233) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 401) . [4] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (220- 221) . [5] مترجم في «العبر» (2/ 233) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 296- 297) . [6] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 759) .

سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة

سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة قال في «الشذور» : فيها اشتد الغلاء، وكثرت اللصوص، حتّى تحارس الناس بالليل بالبوقات. انتهى. وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن بويه ونسبه إلى الظلم. ولم يحج الركب لموت القرمطي الطاغية، أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنّابي، في رمضان بهجر، من الجدري. أهلكه الله [1] به، فلا رحم الله فيه مغرز إبرة. وقام بعده أبو القاسم الجنّابي. قاله في «العبر» . وفيها توفي الحافظ ابن عقدة أبو العبّاس، أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الشيعي [2] ، أحد أركان الحديث. سمع من [3] الحسن بن علي بن عفّان، ويحيى بن أبي طالب، وخلق لا يحصون. ومنه الطبراني، وابن عدي، والدارقطني، وغيرهم. ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد، لكنه كان آية من الآيات في الحفظ، حتّى قال الدارقطني: أجمع أهل بغداد أنه لم ير بالكوفة من زمن ابن مسعود، رضي الله عنه، إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه. وسمعته يقول: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني هاشم.

_ [1] سقط لفظ الجلالة من «العبر» (2/ 235) . [2] مترجم في «العبر» (2/ 236) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 340- 355) . [3] لفظة «من» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.

وروي عن ابن عقدة قال: أحفظ مائة ألف حديث بإسنادها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث. وقال أبو سعيد الماليني: تحول ابن عقدة مرّة، فكانت كتبه ستمائة حمل. قال في «العبر» : قلت: ضعّفوه، واتهمه بعضهم بالكذب. وقال أبو عمر بن حيّويه [1] : كان يملي مثالب الصحابة، فتركته. انتهى. وعقدة: لقب أبيه. وفيها محمد بن بشر، أبو بكر الزّبيري العكري [2] روى عن بحر بن نصر الخولاني وجماعة، وعاش أربعا وثمانين سنة. وفيها محمد [بن الحسين] بن الحسن أبو بكر القطّان النيسابوري [3] في شوال. روى عن عبد الرّحمن بن بشر، وأحمد بن يوسف، والسّلمي، والكبار. وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة، أبو علي الدمشقي [4] المحدّث. روى عن أبي أميّة الطّرسوسي وطبقته. وفيها الإمام ابن ولّاد النحوي، وهو أبو العبّاس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري [5] ، مصنّف كتاب «الانتصار لسيبويه على المبرد» وكان شيخ الديار المصرية في العربية مع أبي جعفر النّحّاس [6] .

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أبو عمران حبوية» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 409) . [2] مترجم في «العبر» (2/ 237) وقد تحرفت «العكري» فيه إلى «العكبري» فتصحّح، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 314) . [3] مترجم في «العبر» (2/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 318- 319) وما بين حاصرتين منه. [4] مترجم في «العبر» (2/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 331- 332) . [5] مترجم في «العبر» (2/ 237) و «إنباه الرواة» (1/ 99) . [6] في الأصل والمطبوع: «النخاس» وهو تصحيف.

سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة

سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة فيها حلف توزون أيمانا صعبة للمتقي لله [1] فسار المتقي من الرّقّة واثقا بأيمانه، في المحرم، فلما قرب من الأنبار، جاء توزون، وتلقاه وقبّل الأرض، وأنزله في مخيّم ضربه له، ثم قبض على الوزير أبي الحسين بن أبي [2] علي بن مقلة، وكحل المتقي لله، فسمل عينيه، وأدخل بغداد مسمولا مخلوعا. وتوفي في شعبان سنة [خمسين، وقيل سنة سبع] [3] وخمسين وثلاثمائة وله ستون سنة، وبويع عبد الله بن المكتفي ولقب المستكفي بالله فلم يحل الحول [4] على توزون، واستولى أحمد بن بويه على واسط، والبصرة، والأهواز، فسار توزون لحربه، فدام القتال والمنازلة بينهما أشهرا، وابن بويه في استظهار، ومرض توزون بعلّة الصّرع، واشتد الغلاء على ابن بويه، فردّ إلى الأهواز، ورد توزون إلى بغداد، وقد زاد به الصّرع. وفيها تملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها، وهرب متولّيها يانس المؤنسي إلى مصر، فجهز الإخشيذ جيشا، فالتقاهم سيف الدولة على

_ [1] في «العبر» : «للمتقي بالله» . [2] لفظة «أبي» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع. [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. [4] في الأصل: «فأحيل الحول» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «العبر» مصدر المؤلف.

الرّستن [1] فهزمهم، وأسر منهم ألف نفس، وافتتح الرّستن، ثم سار إلى دمشق فملكها، فسار الإخشيذ ونزل على طبريّة، فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الإخشيذ، فردّ سيف الدولة، وجمع وحشد، فقصده الإخشيذ، فالتقاه بقنسرين وهزمه، ودخل حلب، وهرب سيف الدولة. وأما بغداد، فكان فيها قحط لم ير مثله، وهرب الخلق، وكان النساء يخرجن عشرين وعشرا، يمسك بعضهنّ ببعض يصحن: الجوع الجوع، ثم تسقط الواحدة بعد الواحدة ميتة، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 قاله في «العبر» [2] . وفي شوال مات أبو عبد الله البريدي، وقام أخوه أبو الحسين مقامه، وكان البريدي هذا على ما قال ابن الفرات ظلوما عسوفا، وكان أعظم أسباب الغلاء ببغداد، لأنه صادر النّاس في أموالها، وجعل على كل كرّ [3] من الحنطة، والشعير خمسة دنانير، فبلغ ثمن كرّ الحنطة ثلاثمائة دينار وستة عشر دينارا، ثم افتتح الخراج في آذار، وحصد أصحابه الحنطة والشعير وحملوه بسنبله إلى منازلهم، ووظف الوظائف على أهل الذّمة، وعلى سائر المكيلات، وأخذ أموال التجار غصبا، وظلمهم ظلما، لم يسمع بمثله، واستتر أكثر العمال لعظم ما طالبهم به، فسبحان الفعّال لما يريد. وفيها توفي الحافظ، حافظ فلسطين، أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحّان [4] بالرّملة. رحل إلى الشام، والجزيرة، والعراق. وروى عن العبّاس بن الوليد البيروتي وطبقته. وعنه ابن جميع وطبقته.

_ [1] الرستن: بلدة بين حمص وحماة على الضفة الشرقية لنهر الميماس المعروف الآن بالعاصي. وقد نسب إليها من العلماء أبو عيسى حمزة بن سليم العنبسي الرستني. انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 43) . [2] (2/ 237- 239) وذكر الخبر مختصرا العامري في «غربال الزمان» ص (292) . [3] سبق أن ذكرت بأن الكرّ مكيال من مكاييل أهل العراق انظر ص (167) . [4] مترجم في «العبر» (2/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 461- 463) .

وفيها- على ما قال ابن بردس [1]- الحافظ محدّث الشام، خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي [2] أبو الحسن أحد الثقات. روى عن أحمد بن الفرج وطبقته، وعنه: ابن جميع، وابن مندة، وغيرهما. قال الخطيب: ثقة ثقة. وفيها قال ابن ناصر الدّين: مثل الإمام المغربي حزّ الأدب ... ذاك الفتى محمّد أبو العرب كان ثقة، حافظا، نبيلا. كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب وخمسمائة كتاب [3] . وفيها أبو علي اللّؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو البصري [4] راوية «السنن» عن أبي داود. لزم أبا داود مدة طويلة يقرأ «السنن» للناس.

_ [1] قلت: في الأصل والمطبوع: «ابن درباس» والصواب «ابن بردس» وهو إسماعيل بن محمد بن بردس، صاحب «نظم وفيات تذكرة الحفاظ» الذي ينقل عنه المؤلف. [2] مترجم في «تذكرة الحفاظ» (3/ 858- 860) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 412- 416) . [3] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 394- 395) وهو صاحب كتاب «طبقات علماء إفريقية وتونس» المطبوع بتحقيق الأستاذين علي الشابي ونعيم حسن اليافي. [4] مترجم في «العبر» (2/ 240) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 307- 308) .

سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة

سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» دخل معز الدولة، وأبو الحسين بن بويه على المستكفي، فظنهما يريدان تقبيل يده، فناولهما يده فنكساه عن السرير، ووضعا عمامته في عنقه وجرّاه، ونهض أبو الحسين وحمل المستكفي راجلا إلى دار أبي الحسن، فاعتقل وخلع من الخلافة. انتهى [1] . أي وسملت عيناه أيضا، وحبس في دار الخلافة إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وسنه ستة وأربعون سنة. وقال في «الشذور» : وفي هذه السنة اشتد الغلاء حتّى ذبح الصبيان وأكلوا، وأكل الناس الجيف، وصارت العقار والدّور تباع برغفان خبز، واشتري لمعز الدولة كرّ دقيق بعشرين ألف درهم. انتهى [2] . وفيها اصطلح سيف الدولة [3] والإخشيذ، وصاهره، وتقرر لسيف الدولة حلب، وحمص، وأنطاكية. وفيها تداعت بغداد للخراب من شدة القحط والفتن والجور. وهلك توزون بعلة الصّرع في المحرم ب «هيت» . وفيها توفي كما قال ابن ناصر الدّين:

_ [1] انظر الخبر برواية أخرى في «المنتظم» (6/ 342- 343) و «النجوم الزاهرة» (3/ 285) . [2] انظر الخبر برواية أخرى عند اليافعي في «غربال الزمان» ص (293) . [3] تحرفت في المطبوع إلى «سيف الدلة» .

بعد فتى يس المضعّف ... الهرويّ أحمد المصنّف وهو أحمد بن محمد بن ياسين الهروي [1] الحافظ الحداد أبو إسحاق مصنف «تاريخ هراة» وهو ليس بالقوي. وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السّلمي الدمشقي [2] في جمادى الأولى، وله بضع وتسعون سنة. تفرد بالرواية عن جماعة، وحدّث عن موسى بن عامل المري ومحمد بن إسماعيل بن علية وطبقتهما. وفيها الصّنوبري الشاعر، أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الضبّي الحلبي [3] وشعره في الذّروة العليا. وفيها الحسين بن يحيى أبو عبد الله المتّوثي القطّان [4] في جمادى الآخرة، ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة، وآخر من حدّث عنه هلال الحفّار. وفيها عثمان بن محمد أبو الحسين الذهبي البغدادي [5] بحلب. روى عن أبي بكر بن أبي الدّنيا وطبقته. وفيها علي بن إسحاق [6] المادرائي أبو الحسن [7] محدّث البصرة. روى عن علي بن حرب وطائفة.

_ [1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (15/ 339- 340) وقد تحرفت سنة وفاته في «ميزان الاعتدال» (1/ 149) إلى سنة (234) فتصحح فيه. [2] مترجم في «العبر» (2/ 243) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/ 147- 148) طبع دار الفكر بدمشق. [3] مترجم في «العبر» (2/ 243) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/ 237- 238) . [4] مترجم في «العبر» (2/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 319- 320) . [5] مترجم في «العبر» (2/ 244) . [6] في المطبوع: «وفيها ابن إسحاق» . [7] مترجم في «العبر» (2/ 244) و «الأنساب» (11/ 64) .

وفيها قاضي القضاة أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء مصر، ثم قضاء بغداد، في سنة ثلاثين، وكان قليل العلم إلى الغاية، إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول، فتعجب الناس من ولايته، لكنه ظهرت منه صرامة وعفّة، وكفاءة. قاله في «العبر» [1] . وفيها الوزير العادل أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي الكاتب، وزر مرّات للمقتدر، ثم للقاهر، وكان محدّثا، عالما، ديّنا، خيّرا، كبير الشأن، عليّ [2] الإسناد. روى عن أحمد بن بديل، والحسن الزّعفراني، وطائفة، وعاش تسعين سنة. وكان في الوزراء كعمر بن عبد العزيز في الخلفاء. قال أحمد بن كامل القاضي: سمعت الوزير علي بن عيسى يقول: كسبت سبعمائة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البرّ ستمائة ألف دينار. آخر من روى عنه ابنه عيسى في «أماليه» . قاله في «العبر» [3] . وفيها الإمام العلّامة الثقة أبو القاسم الخرقي عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي صاحب «المختصر» [4] في الفقه، بدمشق، ودفن بباب الصغير. قاله في «العبر» [5] .

_ [1] (2/ 242- 243) . [2] في «العبر» : «عالي» . [3] (2/ 244) . [4] طبع هذا المختصر أول مرة في دمشق عام (1377) هـ وقام بتحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله بالاشتراك مع الأستاذ الشيخ عبد الرحمن الباني، ثم أعيد طبعه بطريقة التصوير في المكتب الإسلامي بدمشق عام (1383) هـ، ولما انتقل المكتب الإسلامي إلى بيروت وظن صاحبه السيد زهير الشاويش بأن لا رقيب عليه ولا حسيب، قام بإعادة تصويره من جديد وأثبت اسمه كمحقّق للكتاب على غلافه الخارجي وكذلك فعل في معظم الكتب التي قام بتحقيقها للمكتب الإسلامي، والدي حفظه الله بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط!!. [5] (2/ 244- 245) .

وقال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : قرأ [العلم] على من قرأ على أبي بكر المرّوذي، وحرب الكرماني، وصالح وعبد الله ابني إمامنا. له المصنفات الكثيرة في المذهب، لم ينتشر منها إلّا «المختصر» في الفقه، لأنه خرج من مدينة السلام لما ظهر فيها سبّ الصحابة رضوان الله عليهم، وأودع كتبه في درب سليمان، فاحترقت الدار التي كانت فيها، ولم تكن انتشرت لبعده عن البلد. قرأ عليه جماعة من شيوخ المذهب، منهم: أبو عبد الله بن بطة، وأبو الحسن التميمي، وأبو الحسين [2] بن سمعون [3] وغيرهم. قرأت بخط أبي إسحاق البرمكي، أن عدد مسائل «المختصر» ألفان وثلاثمائة مسألة. انتهى ملخصا. وقال ابن خلّكان [4] : وكان والده أيضا من الأعيان. روى عن جماعة، رحمهم الله تعالى أجمعين. والخرقي: بكسر الخاء المعجمة، وفتح الراء وبعدها قاف، هذه النسبة إلى بيع الخرق والثياب. انتهى. وفيها الحافظ أبو علي محمد بن سعيد [5] القشيري الحرّاني، نزيل الرّقّة ومؤرّخها. روى عن سليمان بن سيف الحرّاني وطبقته، وعنه:

_ [1] (2/ 75) . [2] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسن» وهو خطأ والتصحيح من «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى، وانظر «المنهج الأحمد» (2/ 107 و 164) طبعة نويهض. [3] تحرّف في «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى إلى «ابن شمعون» فيصحّح فيه. [4] في «وفيات الأعيان» (3/ 441) . [5] في الأصل: «محمد بن سعد» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. انظر «طبقات الحفاظ» ص (350) .

محمد [بن عبد الله] [1] بن جامع [2] الدهان، وغندر البغدادي، وابن جميع، وهو ثقة ثبت. وفيها الإخشيذ [3] أبو بكر محمد بن طغج [4] بن جف التركي الفرغاني، صاحب مصر، والشام، ودمشق، والحجاز، وغيرها. وصاحب سرير الذهب، والإخشيذ لقب لكل من ملك فرغانة، وكان الإخشيذ ملكها، وولّاه خلفاء العباسيين الأمصار حتّى عظم شأنه. قال في «العبر» [5] : والإخشيذ بالتركي: ملك الملوك، وطغج [4] : عبد الرحمن. وهو من أولاد ملوك فرغانة، وكان جدّه جف من التّرك الذين حملوا إلى المعتصم، فأكرمه، وقرّبه، ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل، فاتصل طغج بابن طولون، وكان من كبار أمرائه، وكان الإخشيذ شجاعا، حازما، يقظا، شديد البطش، لا يكاد أحد يجرّ قوسه. توفي بدمشق في ذي الحجة، وله ست وستون سنة، ودفنوه ببيت المقدس، وكان له ثمانية آلاف مملوك [6] . انتهى ما قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان [7] : وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في تاريخه

_ [1] زيادة من «تذكرة الحفاظ» (3/ 846) . [2] تحرّفت في الأصل إلى «جائع» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] تصحفت في الأصل والمطبوع في هذا المكان وما قبله وما بعده من الكتاب وفي «وفيات الأعيان» (5/ 56) وما بعدها إلى «الإخشيد» والتصويب من «العبر» (2/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 365) و «النجوم الزاهرة» (3/ 256) وفيه قال ابن تغري بردي: الإخشيذ: بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة، وكسر الشين المعجمة وبعدها ياء ياء ساكنة مثناة من تحتها، ثم ذال معجمة، وتفسيره بالعربي ملك الملوك. [4] تحرف في الأصل إلى «طنج» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. قال ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (3/ 256) : طغج: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، وبعدها جيم. [5] (2/ 245) . [6] قوله: «وكان له ثمانية آلاف مملوك» لم يرد في «العبر» الذي بين يدي وإنما ورد في «وفيات الأعيان» نقلا عن «عيون السير» للهمذاني. [7] في «وفيات الأعيان» (5/ 59) .

الصغير الذي سمّاه «عيون السّير» أن جيشه كان يحتوي على أربعمائة ألف رجل، وأنه كان جبانا، وله ثمانية آلاف مملوك يحرسه في كل ليلة ألفان منهم، ويوكّل بجانب خيمته الخدم إذا سافر، ثم لا يثق حتّى يمضي إلى خيم الفرّاشين فينام فيها. ولم يزل على مملكته وسعادته إلى أن توفي في الساعة الرابعة من يوم الجمعة ثاني عشري [ذي] الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة بدمشق، وحمل تابوته إلى بيت المقدس فدفن به. ثم قال ابن خلّكان: وهو أستاذ كافور الإخشيذي، وفاتك المجنون. ثم قام كافور المذكور بتربية ابني مخدومه أحسن قيام، وهما أبو القاسم أنوجور، وأبو الحسن علي. انتهى ملخصا. وفيها القائم بأمر الله أبو القاسم [نزار بن المهدي] [1] عبيد الله، الدّعيّ الباطنيّ، صاحب المغرب، وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها، فما قدّر له، وكان مولده بسلميّة [2] في حدود الثمانين ومائتين، وقام بعده ابنه المنصور إسماعيل. وفيها الشّبلي، أبو بكر، دلف بن جحدر، وقيل: جعفر بن يونس- وهذا هو المكتوب على قبره- الزاهد المشهور، صاحب الأحوال والتصوف. قرأ في أول أمره الفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك، وصحب الجنيد، وكان أبوه من حجّاب الدولة. قال السخاوي في «تاريخه» [3] : أصله من أسروشنة، من قرية من قراها

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع و «العبر» (2/ 246) . [2] سلمية: بلدة قريبة من حماة في أرض سورية، والبعض يضبطها ب «سلمية» . انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 240- 241) . [3] قلت: وقد ساق ترجمته السلمي في «طبقات الصوفية» ص (337- 348) . طبقا لما أورده المؤلف في كتابه.

يقال لها شبليّة [1] ومولده بسرّ من رأى. كان خاله أمير الأمراء بالإسكندرية، وكان الشّبلي حاجب الموفّق، وكان أبوه حاجب الحجّاب، وكان الموفق جعل لطعمته دماوند [2] ثم حضر الشّبلي يوما مجلس خير النسّاج، فتاب فيه ورجع إلى دماوند [2] ، وقال: أنا كنت حاجب الموفق، وكان ولايتي بلدتكم هذه، فاجعلوني في حلّ، فجعلوه في حلّ، وجهدوا أن يقبل منهم شيئا فأبى، وصار بعد ذلك واحد زمانه حالا ويقينا. وقال شيخه الجنيد: لا تنظروا إلى الشّبليّ بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض، فإنه عين من عيون الله [3] . وكان الشّبليّ فقيها عالما، كتب الحديث الكثير. وقال محمد بن الحسن البغدادي: سمعت الشّبلي يقول: أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتّى أنفق جميع ملكه، وغرّق في هذه الدّجلة التي ترون سبعين قمطرا مكتوبا بخطه، وحفظ «الموطأ» وقرأ بكذا وكذا قراءة، عنى به نفسه [4] . وقال: كتبت الحديث عشرين سنة، وجالست الفقهاء عشرين سنة. وصحب الجنيد ومن في عصره، وصار أوحد العصر حالا وعلما، وتوفي في ذي الحجة، ودفن بالخيزرانية ببغداد بقرب الإمام الأعظم، وله سبع وثمانون سنة، وورد أنه سئل إذا اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة كيف تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر جوابا للعلماء. انتهى ملخصا.

_ [1] انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (540- 541) . [2] كذا في الأصل والمطبوع: «دماوند» ولم أقف على ذكر لها بهذا الاسم في المصادر والمراجع التي بين يدي، ولعلها محرفة من «دنباوند» التي تعرف ب «دمندان» والله أعلم. انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (192) و «معجم البلدان» (2/ 471) و «الأعلام» (2/ 341) . [3] أقول: هذه العبارة من شطحات الصوفية. (ع) . [4] أقول: وهذه العبارات أيضا من الشطحات، ومن الأمور التي لا يجوز فعلها. (ع) .

سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة

سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة فيها تملّك سيف الدولة بن حمدان دمشق بعد موت الإخشيذ، فجاءته جيوش مصر فدفعته إلى الرّقّة، بعد حروب وأمور، واصطلح معز الدولة بن بويه، وناصر الدولة بن حمدان. وفيها كما قال في «الشذور» ملكت الدّيالم الجانب الشرقي- أي من بغداد- ونهبت سوق يحيى وغيره، فخرج الناس حفاة مشاة من بغداد إلى ناحية عكبرا [1] هاربين، النساء والصبيان، فتلفوا من الحرّ والعطش، حتّى إن امرأة كانت تنادي في الصحراء: أنا ابنة فلان، ومعي جوهر وحليّ بألف دينار، رحم الله من أخذه وسقاني شربة ماء، فما التفت إليها أحد فوقعت ميتة [2] . وفيها توفي أبو العبّاس بن القاص، أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي، وله مصنفات مشهورة. تفقه على ابن سريج. وتفقه عليه أهل طبرستان، وتوفي بطرسوس. قال ابن السمعاني [3] : والقاصّ هو الذي يعظ ويذكر القصص. عرف أبوه بالقاصّ لأنه دخل بلاد الديلم وقصّ على الناس الأخبار

_ [1] في الأصل والمطبوع: «عكبرى» وانظر «معجم البلدان» (4/ 142) . [2] انظر الخبر بتوسع في «المنتظم» لابن الجوزي (6/ 349- 350) . [3] انظر «الأنساب» (10/ 20) و (10/ 24- 25) .

المرغّبة في الجهاد، ثم دخل بلاد الرّوم غازيا، فبينما هو يقصّ لحقه وجد وخشية فمات، رحمه الله تعالى. قاله النووي في «تهذيبه» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : إن صاحب الترجمة- وهو أبو العباس، هو الذي مات في حالة من الوجد والخشية [3]- وله تصانيف صغيرة الحجم كبيرة الفائدة [4] ، منها: «التلخيص» و «المفتاح» و «أدب القضاء» [5] وكتاب «دلائل القبلة» [6] وأكثره تاريخ وحكايات عن أحوال الأرض وعجائبها وتصنيف في إحرام المرأة، وتصنيف في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عمير ما فعل النّغير» [7] . وفيها المطيري [8] المحدّث، أبو بكر، محمد بن جعفر الصيرفي ببغداد، وكان ثقة مأمونا. روى عن الحسن بن عرفة وطائفة. وفيها الصّولي، أبو بكر محمد بن يحيى البغدادي، الأديب الأخباري العلّامة، صاحب التصانيف. أخذ الأدب عن المبرّد، وثعلب.

_ [1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 252- 253) طبعة إدارة الطباعة المنيرية، وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 68) . [3] في المطبوع: «الغشية» . [4] في «وفيات الأعيان» : «كثيرة الفائدة» . [5] في «وفيات الأعيان» : «أدب القاضي» . [6] لم يرد ذكر لهذا الكتاب في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي. [7] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (6203) في الأدب: باب الانبساط إلى الناس، و (6203) باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل، ومسلم رقم (2150) في الأدب: باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام، وأبو داود رقم (4969) في الأدب: باب ما جاء في الرجل يتكنى وليس له ولد، والترمذي رقم (333) في الصلاة: باب ما جاء في الصلاة على البسط. [8] في الأصل والمطبوع: «الطبري» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 247) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 301) .

وروى عن أبي داود السّجستاني وطائفة. وروى عنه الدارقطني وغيره، ونادم غير واحد من الخلفاء، وجدّه الأعلى هو صول، ملك جرجان. وكان الصولي حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، يضرب به المثل في لعب الشطرنج، ويعتقد كثيرون أنه الذي وضعه، وإنما وضعه صصّه بن داهر [1] وقيل: ابن يلهب، وقيل: ابن قاسم، وضعه لملك الهند شهرام [2] ، واسمه بلهيث، وقيل: ماهيت، وكان أزدشير بن بابك [3] أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النرد، ولذلك قيل له: نردشير، لأنهم نسبوه إلى واضعه المذكور، وجعله مثالا للدّنيا وأهلها، فرتب الرقعة اثني عشر بيتا، بعدد شهور السنة، ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا، بعدد البروج [4] ، وجعل القطع ثلاثين، بعدد أيام الشهر، وجعل الفصوص فيما يرمى به من كل جهتين [5] سبعة بعدد أيام الأسبوع، وجعل ما يأتي به اللاعب مثالا للقضاء والقدر، فتارة له وتارة عليه، فافتخرت ملوك الفرس بذلك، فلما وضع صصه الشطرنج قضت حكماء ذلك العصر بترجيحه على النرد لأمور يطول شرحها، ويقال: إن صصّه لما وضعه وعرضه على ملك الهند المذكور، أعجبه وفرح به كثيرا، وأمر أن يكون في بيوت [6] الديانة، ورآه أفضل ما علم، لأنه آلة للحرب وعزّ للدّين والدّنيا، وأساس لكل عدل، فأظهر الشكر [والسرور] [7] على ما أنعم عليه به في ملكه، وقال له: اقترح عليّ ما تشتهي، فقال له: اقترحت أن

_ [1] في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (4/ 590) و (5/ 135) : «صصه بن ذاهر» بالذال، وما جاء في كتابنا موافق لما في «وفيات الأعيان» (4/ 357 و 358) و «مرآة الجنان» (2/ 320) . [2] في الأصل: «شيرامر» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «وفيات الأعيان» (4/ 357) . [3] في «وفيات الأعيان» : «أردشير بن بابك» وانظر ص (111) . [4] قوله: «ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا، بعدد البروج» لم يرد في «وفيات الأعيان» [5] في الأصل: «من كل جهة» وأثبت ما في المطبوع. [6] في الأصل والمطبوع: «في بيت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [7] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» .

تضع حبة قمح في البيت الأول، ولا تزال تضعفها [1] حتّى تنتهي إلى آخرها، فمهما بلغ تعطيني، فاستصغر الملك ذلك، وأنكر عليه كونه قابله بالنزر [اليسير] ، وقد كان أضمر له شيئا كثيرا، فقال: ما أريد إلا هذا، فأجابه إلى مطلوبه، وتقدم له به، فلما حسبه أرباب الديوان قالوا: ما عندنا ولا في ملكنا ما يفي به ولا ما يقاربه، فكانت أمنيته أعجب من وضعه، وكيفية تضعيفه، وما انتهى إليه التضعيف مما شاع وذاع فلا نطيل به، ولكن ما انتهى إليه التضعيف على ما قاله ابن الأهدل [2] وهو آخر بيت من أبيات الرقعة الأربعة والستين، إلى ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربع وثمانين مدينة. وقال ابن الأهدل أيضا: ومن المعلوم قطعا أن الدّنيا ليس فيها مدن أكثر من هذا العدد، فإن دور كرة الأرض معلوم بطريق الهندسة، وهو ثمانية آلاف فرسخ، بحيث لو وضعنا طرف حبل على أيّ موضع من الأرض وأدير الحبل على كرة الأرض ومسح الحبل، كان أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ، وذلك قطعي لا شك فيه. وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك، فسأل بني موسى بن شاكر [3] وكانوا قد انفردوا بعلم الهندسة، فقالوا: نعم هذا قطعي، فسألهم تحقيقه معاينة، فسألوا عن صحراء مستوية، فقيل صحراء سنجار، ووطأة الكوفة، فخرجوا إليها، ووقفوا في موضع واحد، ثم أخذوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا في ذلك الموضع وتدا، وربطوا حبلا طويلا ثم مشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى يمين أو شمال بحسب الإمكان، فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر في الأرض وربطوا فيه حبلا آخر،

_ [1] في الأصل والمطبوع: «تضعها» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (4/ 357) و «مرآة الجنان» (2/ 320) . [2] انظر في هذا الخبر أيضا «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 321- 322) . [3] انظر «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» للقفطي ص (208) مصوّرة مكتبة المتنبي في القاهرة، ففيه ترجمة موسعة له.

ومضوا إلى جهة الشمال [1] حتّى انتهوا إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور، فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأول درجة، فمسحوا ذلك القدر الذي قدّروه من الأرض بالحبال، فبلغ ستة وستين ميلا وثلثي ميل، وجميع الفلك ثلاثمائة وستون درجة، لأن الفلك مقسوم باثني عشر برجا، وكل برج ثلاثون درجة، فضربوا عدد درج الفلك الثلاثمائة والستين في ستة وستين ميلا وثلثين التي هي حصة كل درجة، فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ. قال: فعلى هذا يكون دور كرة الأرض مسيرة ألف مرحلة، وذلك مسيرة ثلاث سنين إلّا ثمانين يوما، بسير النهار دون الليل، لأن المرحلة ثمانية فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وهذا ينافي ما اشتهر أن الأرض مسيرة خمسمائة سنة، ويعلم من ذلك أيضا أن في كل ثلاث مراحل إلا خمسة أميال، وثلث في السير إلى جهة الشمال، يرتفع القطب درجة ويكون عرض تلك البلد أزيد من التي ابتدئ السير منها بدرجة، ومما يدل على هذا أن عرض المدينة المشرّفة يزيد على عرض مكّة المعظّمة ثلاث درج، والله أعلم. انتهى ما أورده ابن الأهدل ملخصا. وقال المسعودي: ذكر لي أن [2] الصوليّ في بدء دخوله على الإمام المكتفي، وقد كان ذكر له تخريجه في اللعب بالشطرنج، وكان الماورديّ اللاعب متقيدا عنده، متمكنا من قلبه، معجبا به للعبه، فلما لعبا جميعا بحضرة المكتفي حسن رأيه في الماورديّ، وتقدم على نصرته، وتشجيعه، وتنبيهه، حتّى أدهش ذلك الصوليّ في أول وهلة، فلما اتصل اللعب بينهما، وجمع له الصولي متانته، وقصد قصده، غلبه غلبا لا يكاد يرد عليه شيء،

_ [1] لفظة «الشمال» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع. [2] لفظة «أن» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.

وتبين حسن لعب الصوليّ للمكتفي، فعدل عن موالاة الماوردي، وقال: عاد ماء وردك بولا. وصنّف الصولي المصنفات الحسان، منها: كتاب «الوزراء» وكتاب «الورقة» وكتاب «أخبار القرامطة» وكتاب «الغرر» وكتاب «أخبار أبي عمرو بن العلاء» وجمع أخبار جماعة من الشعراء، ورتبه على حروف المعجم، وكلهم من المحدثين. وكان ينادم الخلفاء، وكان أغلب فنونه أخبار الناس، وله رواية واسعة، ومحفوظات كثيرة، وتوفي بالبصرة مستترا، لأنه روى خبرا في حق عليّ، كرّم الله وجهه، فطلبه الخاصة والعامة، فلم يقدروا عليه، وكان قد خرج من بغداد لضائقة لحقته. وفيها الهيثم بن كليب، الحافظ أبو سعيد الشاشي، صاحب «المسند» ومحدّث ما وراء النهر. روى عن عيسى بن أحمد البلخي، وأبي عيسى الترمذي، والدّوري، وآخرين. وعنه علي بن أحمد الخزاعي، ومنصور بن نصر الكاغدي، وآخرون، وهو ثقة.

سنة ست وثلاثين وثلاثمائة

سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» ظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر، طوله نحو ذراعين، فبقي ثلاثة عشر يوما، ثم اضمحل. انتهى. وفيها ظفر المنصور العبيدي بمخلد بن كيداد، وقتل قوّاده، ومزّق جيشه. وفيها توفي الحافظ العلم الثقة، أبو الحسين، أحمد بن المنادي، واسم المنادي جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي داود عبيد الله البغدادي، وله ثمانون سنة، صنّف، وجمع، وسمع من [جدّه] [1] ، وغيره. ومنه: أحمد بن نصر الشّذائي، وغيره. قال الخطيب [2] : كان صلب الدّين [خشنا] ، شرس الأخلاق، مع كونه ثقة. وفيها حاجب بن أحمد بن يرحم، أبو محمد، الطّوسي، وهو معمّر، ضعيف الحديث. زعم أنه ابن مائة وثمان سنين، وحدّث عن محمد بن رافع، والذهلي، والكبار.

_ [1] لفظة «جدّه» سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» (2/ 248) . [2] في «تاريخ بغداد» (4/ 69) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف، وما بين حاصرتين زيادة منه.

قاله في «العبر» [1] . وقال في «المغني» [2] : حاجب بن أحمد الطّوسي، شيخ مشهور، لقيه ابن مندة، ضعفه الحاكم وغيره في اللّقي [3] . انتهى. وفيها أبو العبّاس الأثرم، محمد بن أحمد بن حمّاد المقرئ البغدادي، وله ست وتسعون سنة. روى عن الحسن بن عرفة، وعمر بن شبّة [4] والكبار، وتوفي بالبصرة. وفيها الحكيمي- مكبّرا نسبة إلى حكيم جد- محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ببغداد في ذي الحجة. روى عن زكريا بن يحيى المروزي وطبقته. وفيها الميداني، أبو علي [محمد بن أحمد] [5] بن محمد بن معقل النيسابوري، في رجب فجأة، وكان عنده جزء عن الذّهلي، وهو الذي تفرّد به سبط السّلفي. وفيها أبو طاهر المحمّد أباذي- نسبة إلى محمّد أباذ محلة خارج نيسابور [6]- محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري، أحد [أئمة] [7] اللسان. روى عن أحمد بن يوسف السّلمي وطائفة، وببغداد عن عبّاس الدّوري وذويه، وكان إمام الأئمة ابن خزيمة إذا شكّ في لغة سأله [8] .

_ [1] (2/ 249) . [2] «المغني في الضعفاء» (1/ 140) . [3] أي في لقاء الشيوخ. [4] في الأصل: «ابن شيبة» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع. [5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. [6] قال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 64) : قرية على باب نيسابور، بينهما فرسخ. [7] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» (2/ 250) . [8] في الأصل: «يسأله» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما عند الذهبي في «العبر» .

سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة

سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة فيها كان الغرق ببغداد، وبلغت دجلة أحدا وعشرين ذراعا، وهلك خلق تحت الهدم. وفيها قوي معزّ الدولة على صاحب الموصل ابن حمدان، وقصده، ففرّ ابن حمدان إلى نصيبين، ثم صالحه على حمل ثمانية آلاف ألف في السنة. وفيها خرجت الرّوم- لعنهم الله- وهزمهم سيف الدولة على مرعش [1] ، وملك مرعش. وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني- نسبة إلى قرميسين مدينة بالعراق [2]- إبراهيم بن شيبان، شيخ الصوفية ببلاد الجبل. صحب إبراهيم الخوّاص، وساح بالشام. ومن كلامه: علم الفناء والبقاء، يدور على إخلاص الوحدانية، وصحة العبوديّة، وما كان غير هذا، فهو من المغاليط والزندقة. قال السخاوي [3] : له مقامات في الورع والتقوى، يعجز عنها الخلق،

_ [1] مدينة تقع الآن في الجنوب الأوسط من تركية المعاصرة. على مقربة من الحدود السورية، وتعرف الآن هناك ب «مركاسي» . انظر «معجم البلدان» (5/ 107) ، و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (17) طبع دار الفكر بدمشق. [2] انظر «معجم البلدان» (4/ 330- 331) . [3] وله ترجمة مفصلة في «طبقات الصوفية» للسلمي ص (402- 405) فراجعها.

وكان متمسكا بالكتاب والسّنّة، لازما لطريقة المشايخ والأئمة المتقدمين. قال عبد الله بن منازل [1]- وقد سئل عنه-: هو حجّة الله على الفقراء، وأهل الآداب والمعاملات. ومن كلامه: من أراد أن يتعطّل ويتبطّل، فليلزم الرّخص. والذي ذكره اليافعي في «نشر المحاسن» عنه: من أراد أن يتعطل، أو يتبطل، أو يتنطل، فليلزم الرّخص. ومعنى يتنطل من قول العرب: فلان ناطل، يعنون ليس بجيد، بل ساقط، ويقولون: نطل الخبز من التنور: إذا سقط منه ووقع في الرماد. ومن كلامه: إذا سكن الخوف القلب أحرق محلّ الشهوات فيه، وطرد عنه رغبة الدّنيا، وحال بينه وبين النوم، وبعّده [2] [عنها] فإن الذي قطعهم وأهلكهم، محبة الراكنين إلى الدّنيا. وقال: يا بني! تعلّم العلم لأدب الظاهر، واستعمل الورع لأدب الباطن، وإياك أن يشغلك عن الله شاغل، فقلّ من أعرض عنه، فأقبل عليه. وقال: الخلق محل الآفات، وأكثر منهم آفة من يأنس بهم أو يسكن إليهم. وقال: صحبت أبا عبد الله المغربي ثلاثين سنة، فدخلت عليه يوما وهو يأكل، فقال لي: أدن وكل معي، فقلت له: إني قد صحبتك منذ ثلاثين سنة لم تدعني إلى طعامك إلّا اليوم، فما بالك دعوتني اليوم؟ فقال: لأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يأكل طعامك إلّا تقيّ» [3] ولم يظهر لي تقاك إلّا اليوم.

_ [1] في الأصل: «أبو عبد الله بن منازل» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر «طبقات الصوفية» للسلمي ص (366- 369) وص (402) . [2] في الأصل والمطبوع: «وبعد» والتصحيح من «طبقات الصوفية» وفي بعض الخبر فيه سقط، والله أعلم، ولفظة «عنها» زيادة منه. [3] قطعة من حديث رواه أبو داود رقم (4832) في الأدب: باب من يؤمر أن يجالس، والترمذي.

وفيها محمد بن علي بن عمر، أبو علي النيسابوري، المذكّر، أحد الضعفاء. سمع من أحمد بن الأزهر وأقرانه، ولو اقتصر عليهم لكان مسند خراسان [1] ولكنه حدّث عن محمد بن رافع والكبار، [فترك] . قاله في «العبر» [2] . وقال في «المغني» [3] : محمد بن علي بن عمر المذكّر النيسابوري، شيخ الحاكم، لا ثقة، ولا مأمون. انتهى. وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري، أبو يعقوب، حافظ ثقة. قال ابن ناصر الدّين: إسحاق البحريّ ذا الجرجاني ... شيخ زكا لحفظه المعاني

_ رقم (2395) في الزهد: باب ما جاء في صحبة المؤمن، وأحمد في «المسند» (3/ 38) وابن حبان في «صحيحه» رقم (554) و (555) من «الإحسان» طبع مؤسسة الرسالة، والحاكم في «المستدرك» (4/ 128) ، وهو حديث صحيح، لفظه بتمامه: «لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي» . [1] في «العبر» : «لكان منه خير» ولفظة «فترك» زيادة منه. [2] (2/ 251) . [3] (2/ 616) .

سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» وقعت فتنة بين أهل [1] السّنّة والشيعة، ونهبت الكرخ. وفيها ولي قضاء القضاة، أبو السائب عتبة بن عبد الله، ولم يحجّ ركب العراق. وفيها توفي المستكفي بالله، أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله علي بن المعتضد أحمد العبّاسي، الذي استخلف وسمل في سنة أربع وثلاثين كما ذكرنا، وحبس حتّى مات، وله ست وأربعون سنة. وكان أبيض، جميلا، ربعة، أكحل، أقنى، خفيف العارضين، وأمه أمة، وكانت مدة خلافته سنة واحدة وأربعة أشهر، وما زال مغلوبا على أمره مدة خلافته، والله أعلم. وفيها أحمد بن سليمان بن زبّان [2] ، أبو بكر الكندي الدمشقي الضرير. ذكر أنه ولد سنة خمس وعشرين ومائتين، وأنه قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني، وأنه سمع من هشام بن عمّار، وابن أبي الحواري. وروى

_ [1] لفظة «أهل» لم ترد في المطبوع. [2] في الأصل والمطبوع: «ابن ريّان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 252) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 378) .

عنه تمّام الرّازي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، ثم تركا الرواية عنه، لما تبيّن أمره. قال الحافظ عبد الغني الأزدي: كان غير ثقة. وقال عبد العزيز الكتاني: كان يعرف بابن زبّان [1] العابد، لزهده وورعه. وفيها أبو جعفر النّحاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحوي، كان ينظّر بابن الأنباري، ونفطويه، وله تصانيف كثيرة، وكان مقتّرا على نفسه، في لباسه وطعامه. توفي في ذي الحجة. قال السيوطي في «حسن المحاضرة» [2] : وقد أخذ عن الأخفش الصغير وغيره، وروى الحديث عن النسائي، ومن مصنفاته «تفسير القرآن» و «الناسخ والمنسوخ» و «شرح أبيات سيبويه» و «شرح المعلقات» . غرق تحت المقياس [3] ، ولم يدر أين ذهب. انتهى. وفيها إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي المقرئ، مقرئ أهل الشام في زمانه. قرأ على قنبل، وهارون الأخفش، وعثمان بن خرّزاذ، وصنّف كتابا في القراءات الثمان، وروى الحديث عن أبي أميّة الطّرسوسي، وقيل: توفي في السنة الآتية. وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السّامرّي القاضي، نزيل دمشق، ونائب الحكم بها، وصاحب الجزء المشهور. روى عن الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، وطائفة من العراقيين، والشاميين، والمصريين، وثّقه الخطيب، وتوفي في ربيع الآخر.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «بابن ريان» وهو خطأ، وانظر التعليق السابق. [2] (1/ 531) . [3] عمود رخام كان في وسط بركة على شاطئ النيل بمصر. انظر «معجم البلدان» (5/ 178) .

والسّامرّي: بفتح الميم وتشديد الراء، نسبة إلى سرّ من رأى، مدينة فوق بغداد. وفيها أبو علي الحصائري [1] الحسن بن حبيب الدمشقي الفقيه الشافعي. روى عن الربيع بن سليمان، وابن عبد الحكم، وحدّث بكتاب «الأم» للشافعي، رضي الله عنه. قال الكتّاني: هو ثقة، نبيل، حافظ لمذهب الشافعي، مات في ذي القعدة. وفيها عماد الدولة، أبو الحسن، علي بن بويه بن فناخسرو الديلمي، صاحب بلاد فارس، وهو أول من ملك من إخوته، وكان الملك معز الدولة أحمد أخوه، يتأدّب معه، ويقدّمه على نفسه، عاش بضعا وخمسين سنة، وكانت أيامه ست عشرة سنة، وملك فارس بعده ابن أخيه عضد الدولة بن ركن الدولة. وذكر أبو محمد هارون بن العبّاس المأموني [2] في «تاريخه» أن عماد الدولة المذكور اتفقت له أسباب عجيبة، كانت سببا لثبات ملكه، منها: أنه لما ملك شيراز في أول ملكه، اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال، ولم يكن معه ما يرضيهم، به وأشرف أمره على الانحلال، فاغتمّ لذلك، فبينا هو مفكر، وقد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا فيه للتفكّر والتدبير، إذ رأى حيّة خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعا آخر منه،

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الخضايري» وفي «العبر» : «الحضائري» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (15/ 383) و «تبصير المنتبه» (2/ 506) . [2] هو هارون بن العباس بن محمد العباسي المأموني البغدادي، جمع «تاريخا» على السنين في أخبار الأوائل والحوادث والدول، في مجلدين- وهو الذي نقل المؤلف عنه- وصنّف شرحا ل «مقامات الحريري» مختصرا. مات سنة (573) هـ وسوف ترد ترجمته في المجلد السادس إن شاء الله تعالى، وانظر «الأعلام» للزركلي (8/ 61) .

فخاف أن تسقط عليه، فدعا بالفرّاشين وأمرهم بإحضار سلّم، وأن تخرج الحيّة، فلما صعدوا وبحثوا عن الحيّة، وجدوا ذلك السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين، فعرّفوه ذلك، فأمرهم بفتحها، ففتحت فوجد فيها عدّة صناديق من المال والمصاغات، قدر خمسمائة ألف دينار، فحمل المال إلى بين يديه وسرّ به، وأنفقه في رجاله، وثبت أمره بعد أن كان أشفى على الانخرام، ثم إنه قطع ثيابا وسأل عن خيّاط حاذق، فوصف له خياط كان لصاحب البلد قبله، فأمر بإحضاره، وكان أطروشا، فوقع له أنه قد سعي به إليه في وديعة كانت عنده لصاحبه، وأنه طالبه بهذا السبب، فلما خاطبه حلف أنه ليس عنده إلا اثنا عشر صندوقا لا يدري ما فيها، فعجب عماد الدولة من جوابه، ووجّه معه من حملها، فوجد فيها أموالا وثيابا بجملة عظيمة، فكانت هذه الأسباب من أقوى دلائل سعادته، ثم تمكنت حاله واستقرت قواعده، وكانت وفاته يوم الأحد سادس جمادى الأولى بشيراز، ودفن بدار المملكة، وأقام في الملك ستة وعشرين سنة، وقيل: إنه ملك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ولم يعقب، وأتاه في مرضه أخوه ركن الدولة، واتفقا على تسليم بلاد فارس إلى عضد الدولة فتسلمها. وفيها علي بن محمد أبو الحسن الواعظ المصري، وهو بغدادي، أقام بمصر مدة. روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح، وأبي يزيد القراطيسي، وطبقتهما، وكان صاحب حديث، له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد، وكان مقدّم زمانه في الوعظ. قال السيوطي في «حسن المحاضرة» [1] : قال ابن كثير: ارتحل إلى مصر، فأقام بها حتّى عرف بالمصري. روى عنه الدارقطني، وغيره، وكان له مجلس وعظ عظيم. مات في ذي القعدة، وله سبع وثمانون سنة. انتهى ملخصا.

_ [1] (1/ 551) .

وفيها علي بن محمد بن سختونة بن حمشاذ [1] ، أبو الحسن، النيسابوري الحافظ العدل الثقة، أحد الأئمة. سمع الفضل بن محمد الشّعراني، وإبراهيم [بن] ديزيل، وطبقتهما، ورحل، وطوّف، وصنّف، وله مسند كبير في أربعمائة جزء، وأحكام في مائتين وستين جزءا. توفي فجأة في الحمام وله ثمانون سنة. قال أحمد بن إسحاق الضّبعي: صحبت علي بن حمشاذ [1] في الحضر والسفر، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة. وفيها محمد بن عبد الله بن دينار، أبو عبد الله، النيسابوري الفقيه، الرجل الصالح. سمع السّريّ بن خزيمة، وأقرانه. قال الحاكم: كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويصبر على الفقر، ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه.

_ [1] تصحف في الأصل والمطبوع إلى «خمشاذ» والتصحيح من «العبر» (2/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 398) وما بين حاصرتين مستدرك منهما.

سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الرّوم، في ثلاثين ألفا، فافتتح حصونا، وسبى وغنم، فأخذت الرّوم عليه الدروب، فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا، ونجا هو في عدد قليل، ووصل من سلم في أسوأ حال. وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه، وكان بجكم [1] [قد] بذل لهم في ردّه خمسين ألف دينار فلم يردّوه، وقالوا: أخذناه بأمر وإذا ورد أمر رددناه، فردّوه، وقالوا: رددناه بأمر من أخذناه بأمره، لتتمّ مناسك الناس. قاله في «الشذور» . وفيها توفي الحافظ أبو محمد، أحمد بن محمد بن إبراهيم الطّوسي البلاذريّ الصغير، روى عن ابن الضّريس وطبقته. قال الحاكم: كان واحد عصره في الحفظ والوعظ، خرّج «صحيحا» على وضع مسلم، وهو ثقة. وفيها حفص بن عمر الأردبيلي، أبو القاسم الحافظ، محدّث أذربيجان، وصاحب التصانيف. روى عن أبي حاتم الرّازي، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما. وعنه ابن لال وغيره، وكان رحّالا مصنفا. والأردبيلي: بالفتح وسكون الراء وضم الدال المهملة، وكسر الموحدة،

_ [1] تصحف في الأصل والمطبوع إلى «بحكم» والتصحيح من «العبر» وما بين حاصرتين زيادة منه.

وسكون التحتية، نسبة إلى أردبيل من بلاد أذربيجان. وفيها قاضي الإسكندرية، علي بن عبد الله بن أبي مطر المعافري نسبة إلى المعافر بطن من قحطان- الإسكندراني، الفقيه، أبو الحسن، المالكي وله مائة سنة. روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون، صاحب الوليد بن مسلم، وغيره. وفيها القاضي ابن الأشناني، أبو الحسين، عمر بن الحسن ببغداد. روى عن محمد بن عيسى بن حيّان المدائني، وابن أبي الدّنيا، وعدّة، وضعفه الدارقطني. وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفّار. روى عن أسيد بن أبي عاصم [وابن أبي الدّنيا] [1] وطبقتهما [2] ، وصنّف في الزهد وغيره، وصحب العبّاد، وكان من أكثر الحفّاظ حديثا. قال الحاكم: هو محدّث عصره، مجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلى السماء- كما بلغنا-[3] نيفا وأربعين سنة، توفي في ذي القعدة، وله ثمان وتسعون سنة. وفيها القاهر بالله، أبو منصور، محمد بن المعتضد بالله أحمد بن طلحة بن جعفر العبّاسي، سملت عيناه، وخلع في سنة اثنتين وعشرين، وكانت خلافته سنة وسبعة أشهر، وكان ربعة، أسمر، أصهب الشعر، طويل الأنف، فاتكا ظالما، سيء السيرة، كان بعد الكحل والعمى، يحبس تارة ويترك أخرى، فوقف يوما بجامع المنصور بين الصفوف، وعليه مبطنة بيضاء، وقال: تصدقوا عليّ فأنا من عرفتم، فقام أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي، فأعطاه خمسمائة درهم، ثم منع لذلك من الخروج، فقيل: إنه

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 256) . [2] في المطبوع: «وطبقته» . [3] زيادة من «العبر» .

أراد أن يشنّع بذلك على المستكفي، ولعله فعل ذلك في أيام القحط. توفي في جمادى الأولى، وله ثلاث وخمسون سنة. وفيها محدّث بغداد، أبو جعفر، محمد بن عمرو بن البختري الرّزّاز، وله ثمان وثمانون سنة. روى عن سعدان بن نصر، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وطائفة. وفيها أبو نصر الفارابي، صاحب الفلسفة، محمد بن محمد بن طرخان التركي، ذو المصنفات المشهورة في الحكمة، والمنطق، والموسيقا، التي من ابتغى الهدى فيها أضلّه الله، وكان مفرط الذكاء. قدم دمشق ورتّب له سيف الدولة كل يوم أربعة دراهم إلى أن مات، وله نحو من ثمانين سنة. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن الأهدل: قيل هو أكبر فلاسفة المسلمين، لم يكن فيهم من بلغ رتبته، وبه- أي بتآليفه- تخرّج أبو علي بن سينا، وكان يحقّق كتاب أرسطاطاليس، وكتب عنه في شرحه سبعون سفرا، ولم يكن في وقته مثله، ولم يكن في هذا الفن أبصر من الفارابي، وسئل من أعلم أنت أو أرسطاطاليس؟ فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلامذته. ويقال: أن آلة الصابون من وضعه. قال الفقيه حسين: هؤلاء الثلاثة متّهمون في دينهم، يعني الفارابي، والكندي، وابن سينا، فلا تغتر بالسكوت عنهم. انتهى ما أورده ابن الأهدل ملخصا. وقال ابن خلّكان [2] : هو أكبر فلاسفة المسلمين، لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه، والرئيس أبو علي بن سينا بكتبه تخرّج، وبه انتفع في

_ [1] (2/ 257) . [2] في «وفيات الأعيان» (5/ 153- 157) .

تصانيفه، وكان الفارابيّ رجلا تركيا، ولد في بلده ونشأ بها، ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد، وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي، فشرع في اللسان العربي، فتعلمه وأتقنه غاية الإتقان، ثم اشتغل بعلوم الحكمة. ولما دخل بغداد كان بها أبو بشر، متّى بن يونس الحكيم المشهور، وهو شيخ كبير، وكان يعلّم الناس فن المنطق، وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة وافية، ويجتمع في حلقته خلق كثير من المشتغلين، وهو يقرأ كتاب أرسطاطاليس في المنطق، ويملي على تلامذته شرحه، فكتب عنه في شرحه سبعون سفرا، ولم يكن في ذلك الوقت مثله أحد في فنه، وكان حسن العبارة في تأليفه، وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذييل، حتّى قال بعض علماء هذا الفن: ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق [1] تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلّا من بشر، يعني المذكور، وكان أبو نصر يحضر حلقته في غمار تلامذته. فأقام أبو نصر برهة، ثم ارتحل إلى مدينة حرّان، وفيها يوحنا بن جيلان، الحكيم النصراني، فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا، ثم إنه قفل إلى بغداد راجعا، وقرأ بها علوم الفلسفة، وتناول جميع كتب أرسطاطاليس، وتمهر في استخراج معانيها، والوقوف على أغراضه فيها، ويقال: إنه وجد «كتاب النفس» لأرسطاطاليس وعليه مكتوب بخط أبي نصر الفارابي: قرأت «السماع الطبيعي» لأرسطاطاليس أربعين مرة، وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته. ورأيت في بعض المجاميع، أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة، وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف، وكان سلطان الشام يومئذ،

_ [1] لفظة «طريق» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع و «وفيات الأعيان» (5/ 154) .

فدخل عليه [1] وهو بزيّ الأتراك، وكان ذلك زيّه دائما، فقال له سيف الدولة: اقعد [2] ، فقال: حيث أنا، أم حيث أنت؟ ثم تخطى رقاب الناس حتّى انتهى إلى مسند سيف الدولة وزاحمه فيه، حتّى أخرجه عنه، وكان على رأس سيف الدولة مماليك، وله معهم لسان خاص يسارهم به، قلّ أن يعرفه أحد، فقال لهم بذلك اللسان: إن هذا الشيخ قد أساء الأدب، وإني مسائله عن أشياء إن لم يعرفها فاخرقوا به، فقال له أبو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير، اصبر فإن الأمور بعواقبها، فعجب سيف الدولة منه، وقال له: أتحسن هذا اللسان؟ قال: نعم، أحسن أكثر من سبعين لسانا، فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم مع العلماء الحاضرين في المجلس في كل فن، فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل، حتّى صمت الكلّ، وبقي يتكلم وحده، ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، فصرفهم سيف الدولة وخلا به، فقال له: هل لك [في] أن تأكل شيئا؟ قال: لا، قال: فهل تشرب؟ قال: لا، قال: فهل تسمع؟ فقال: نعم، فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل ماهر في هذا الفن بأنواع الملاهي، فلم يحرّك أحد منهم آلة إلا وعابه أبو نصر، وقال: أخطأت، فقال سيف الدولة: وهل تحسن في هذه [3] الصناعة شيئا؟ قال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة، ففتحها وأخرج منها عيدانا فركبها، ثم لعب بها فضحك [منها] كل من في المجلس، ثم فكها وغيّر تركيبها وركبها تركيبا آخر وضرب بها، فبكى كلّ من في المجلس، ثم فكّها وغيّر تركيبها وحرّكها، فنام كلّ من في المجلس، حتّى البوّاب، فتركهم نياما وخرج. ويحكى أن الآلة المسمّاة بالقانون من وضعه، وهو أول من ركّبها هذا التركيب.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «فأدخل عليه» . [2] لفظة «اقعد» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع. [3] لفظة «هذه» سقطت من المطبوع.

وكان منفردا بنفسه، لا يجالس الناس، وكان مدة مقامه بدمشق لا يكون غالبا إلا في مجتمع المياه ومشتبك الرياض [1] ويؤلف هناك كتبه، ويأتيه المشتغلون عليه. وكان أكثر تصانيفه فصولا وتعاليق، ويوجد بعضها ناقصا مبتورا، وكان أزهد الناس في الدّنيا، لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن، وأجرى عليه سيف الدولة من بيت المال كل يوم أربعة دراهم، وهو الذي اقتصر على القناعة [2] . ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بدمشق، وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه، وقد ناهز ثمانين سنة، ودفن بظاهر دمشق، خارج باب الصغير. وتوفي متّى بن يونس ببغداد في خلافة الراضي، هكذا حكاه ابن صاعد القرطبي في «طبقات الأطباء» . والفارابيّ: بفتح الفاء والراء، وبينهما ألف، وبعد الألف الثانية [3] باء موحدة، نسبة إلى فاراب، وتسمى في هذا الزمان أترار [4] ، وهي مدينة فوق الشّاش، قريبة من مدينة بلاساغون، وجميع أهلها على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وهي قاعدة من قواعد مدن التّرك، ويقال لها: فاراب الداخلة، ولهم فاراب الخارجة، وهي في أطراف بلاد فارس. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وبالجملة فأخباره وعلومه وتصانيفه كثيرة شهيرة، ولكن أكثر العلماء على كفره وزندقته، حتّى قال الإمام الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال» [5] : لا نشك في كفرهما، أي الفارابي وابن سينا.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (5/ 156) : «إلا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض» . [2] في «وفيات الأعيان» : «وهو الذي اقتصر عليها لقناعته» . [3] لفظة «الثانية» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع. [4] في «وفيات الأعيان» : «أطرار» وكلاهما صواب. انظر «معجم البلدان» (1/ 218) . [5] انظر صفحة (47) من طبعة الدار التونسية للنشر، والمؤسسة الوطنية للكتاب في الجزائر، بتحقيق الأستاذ عبد الكريم المراق، وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف.

وقال فيه أيضا [1] : وأما الإلهيات ففيها أكثر أغاليطهم، وما قدروا على الوفاء بالبرهان على ما شرطوا [2] في المنطق، ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيه. ولقد قرب [3] مذهب أرسطاطاليس فيها من مذهب الإسلاميين [على ما نقله] [4] الفارابي وابن سينا، ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلا، يجب تكفيرهم في ثلاثة منها، وتبديعهم في سبعة عشر. ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين، صنفنا كتاب «التهافت» . أما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين [5] ، وذلك قولهم: إن الأجسام [6] لا تحشر، وإن [7] المثاب والمعاقب هي الروح [8] [المجردة، والعقوبات] [9] روحانية لا جسمانية، ولقد صدقوا في إثبات الروحانية، فإنها كائنة أيضا، ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية، وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به. ومن ذلك قولهم: إن الله يعلم الكليّات دون الجزئيات. وهذا أيضا كفر صريح، بل الحق أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض [10] .

_ [1] انظر صفحة (55- 60) من المصدر السابق. [2] في «المنقذ من الضلال» : «على ما شرطوه» . [3] في «المنقذ من الضلال» : «يقرب» . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «المنقذ من الضلال» . [5] في «المنقذ من الضلال» الذي بين يدي: «كافة المسلمين» وذكر محققه بأنها جاءت في طبعة الدكتورين جميل صليبا، وكامل عياد كما في كتابنا. [6] في «المنقذ من الضلال» : «الأجساد» . [7] في «المنقذ من الضلال» : «وإنما» . [8] في «المنقذ من الضلال» : «الأرواح» . [9] ما بين حاصرتين سقط من المطبوع. [10] اقتباس من الآية (61) من سورة يونس، التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى:

ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته، ولم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل. وأما ما وراء ذلك من نفيهم الصفات، وقولهم إنه عالم الذات، لا بعلم زائد [على الذات] [1] وما يجري مجراه، فمذهبهم فيه قريب من مذهب المعتزلة، ولا يجب تكفير المعتزلة [بمثل ذلك] [1] . وقال فيه [2] أيضا: القسم الثالث الإلهيون، وهم المتأخرون، مثل سقراط، وهو أستاذ أفلاطون [3] وأفلاطون [3] أستاذ أرسطاطاليس، وهو الذي رتب لهم المنطق، وهذّب [لهم] العلوم وحرر لهم ما لم يكن محررا [4] من قبل، وأوضح لهم ما كان انمحى من علومهم [5] . وهم بجملتهم ردّوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية، وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم، وكفى الله المؤمن القتال بتقابلهم. ثم ردّ أرسطاطاليس على أفلاطون، وسقراط، ومن كان قبله من الإلهيين ردّا لم يقصر فيه، حتّى تبرأ عن جميعهم، إلا أنه استبقى أيضا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا، لم يوفّق للنزوع عنها، فوجب تكفيرهم وتكفير شيعهم من الإسلاميين، كابن سينا، والفارابي، وأمثالهما.

_ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ من مِثْقالِ ذَرَّةٍ في الْأَرْضِ وَلا في السَّماءِ 10: 61 ولقد ظن محقق «المنقذ من الضلال» الذي بين يدي كلام الإمام الغزالي الآية التي سبقت الإشارة إليها من سورة يونس، فقام بترقيمها في الحاشية، وذلك من الخطأ الفاحش. [1] ما بين حاصرتين زيادة من «المنقذ من الضلال» ص (60) . [2] يعني في «المنقذ من الضلال» ص (46- 48) . [3] تحرف في الأصل والمطبوع إلى «أفلاطن» والتصحيح من «المنقذ من الضلال» وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [4] في الأصل والمطبوع: «وخمر لهم ما لم يكن مخمرا من قبل» وهو خطأ، والتصحيح من «المنقذ من الضلال» . [5] في «المنقذ من الضلال» : «وأنضج لهم ما كان فجّا من علومه» .

على أنه لم يقم بعلم أرسطاطاليس أحد من المتفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين، وما نقله غيرهم ليس يخلو عن تخبيط وتخليط، يتشوش فيه قلب المطالع، حتّى لا يفهم، وما لا يفهم كيف يرد أو يقبل، ومجموع ما صحّ عندنا من فلسفة أرسطاطاليس، بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في ثلاثة أقسام: قسم يجب التكفير به، وقسم يجب التبديع به، وقسم لا يجب إنكاره أصلا. انتهى ما قاله حجة الإسلام الغزالي، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. فانظر ما يجرّ إليه علم المنطق وما يترتب عليه للمتوغل فيه، ولهذا حرّمه أعيان الأجلّاء، كابن الصلاح، والنواوي، والسيوطي، وابن نجيم في «أشباهه» وابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم، وغيرهم، وإن كان أكثر الحنابلة على كراهته. قال الشيخ مرعي في «غاية المنتهى» : ما لم يخف فساد عقيدة. أي فيحرم، والله تعالى أعلم بالصواب.

سنة أربعين وثلاثمائة

سنة أربعين وثلاثمائة فيها سار الوزير أبو محمد، الحسن بن محمد المهلّبي بالجيوش، وقد استوزر عام أول، فالتقى القرامطة، فهزمهم واستباح عسكرهم، وعاد بالأسارى. وفيها جمع سيف الدولة جيشا عظيما، ووغل في بلاد الرّوم، فغنم وسبى شيئا كثيرا، وعاد سالما، وأمن الوقت، وذلّت القرامطة، وحجّ الركب. وفيها توفي ابن الأعرابي، المحدّث الصوفي القدوة، أبو سعيد، أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري، نزيل مكة، في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة. روى عن الحسن الزعفراني، وسعدان بن نصر [1] وخلق كثير. وعنه ابن المقرئ، وابن مندة، وابن جميع، وخلق [2] . وكان ثقة، نبيلا، عارفا، عابدا، ربانيا، كبير القدر، بعيد الصيت، وجمع، وصنّف ورحلوا إليه. قال السخاوي: وصنّف للقوم كتبا كثيرة، وصحب الجنيد، وعمرو بن عثمان المكّي، والنوري، وغيرهم.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وسعد بن نصر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 258) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 408) . [2] في المطبوع: «وخلائق» وكلاهما بمعنى.

قال السّلمي [1] : سمعت أبا بكر الرّازي يقول: سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول بمكة: ثبت الوعد والوعيد عن الله تعالى. فإذا كان الوعد قبل الوعيد، فالوعيد تهديد، وإذا كان الوعيد قبل الوعد، فالوعيد منسوخ، وإذا اجتمعا معا، فالغلبة والثبات للوعد، فالوعد حقّ العبد، والوعيد حق الله تعالى، والكريم يتغافل عن حقه ولا يهمل ولا يترك ما عليه. وقال: إن الله تعالى طيّب الدّنيا للعارفين بالخروج منها، وطيب الجنة لأهلها بالخلود فيها، فلو قيل للعارف: إنك تبقى في الدّنيا لمات كمدا، ولو قيل لأهل الجنة: إنكم تخرجون منها لماتوا كمدا، فطابت الدّنيا بذكر الخروج، وطابت الآخرة بذكر الخلود [فيها] . وقال: اشتغالك بنفسك يقطعك عن عبادة ربّك، واشتغالك بهموم الدّنيا يقطعك عن هموم الآخرة، واشتغالك بمداراة الخلق يقطعك عن الخالق، ولا عبد أعجز من عبد نسي فضل ربه، وعدّ عليه تسبيحه وتكبيره، الذي هو [2] إلى الحياء منه أقرب من طلب ثواب عليه، أو افتخار به. وقال الذهبي: وكان شيخ الحرم في وقته، سندا، وعلما، وزهدا، وعبادة، وتسليكا، وجمع كتاب «طبقات النّسّاك» وكتاب «تاريخ البصرة» وصنّف في شرف الفقر، وفي التصوف. ومن كلامه: أخسر الخاسرين، من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد. انتهى ما أورده السخاوي ملخصا. وفيها أبو إسحاق المروزي، إبراهيم بن أحمد، شيخ الشافعية، وصاحب ابن سريج، وذو التصانيف. انتهت إليه رئاسة مذهب الشافعي ببغداد، وانتقل في آخر عمره إلى مصر، فمات في رجب، ودفن عند ضريح الشافعي رضي الله عنهما.

_ [1] انظر «طبقات الصوفية» للسلمي (428- 429) . [2] في الأصل والمطبوع: «التي هي» والتصحيح من «طبقات الصوفية» .

قال الإسنوي: كان إماما جليلا، غوّاصا على المعاني، ورعا زاهدا. أخذ عن ابن سريج، وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد، وانتشر الفقه عن أصحابه في البلاد. قال العبّادي [1] : وخرج من مجلسه إلى البلاد سبعون إماما، وحكي عنه حكاية غريبة متعلقة بالقافة [2] ، فقال: حكى الصيدلاني وغيره، عن القفّال، عن الشيخ أبي زيد، عن أبي إسحاق قال: كان لي جار ببغداد وله مال ويسار، وكان له ابن يضرب إلى سواد، ولون الرجل لا يشبهه، وكان يعرّض بأنه ليس منه، قال: فأتاني وقال: عزمت على الحجّ، وأكثر قصدي أن أستصحب ابني وأريه بعض القافة، فنهيته، وقلت: لعل القائف يقول ما تكره، وليس لك ابن غيره، فلم ينته، وخرج، فلما رجع، قال: إني استحضرت مجلسا وأمرت بعرضه عليه في عدة رجال، كان فيهم الذي يرمى بأنه منه، وكان معنا في الرفقة، وغيبت عن المجلس، فنظر القائف فيهم فلم يلحقه بأحد منهم، فأخبرت بذلك، وقيل لي: احضر فلعله يلحقه بك، فأقبلت على ناقة يقودها عبد لنا أسود كبير، فلما رفع بصره علينا، قال: الله أكبر، ذاك الراكب أبو هذا الغلام، والقائد الأسود أبو الراكب، فغشي عليّ من صعوبة ما سمعت، فلما رجعت، ألححت على والدتي، فأخبرتني أن أبي طلقها ثلاثا ثم ندم، فأمر هذا الغلام بنكاحها للتحليل، ففعل، فعلقت منه، وكان ذا مال كثير، وقد بلغ الكبر وليس له ولد، فاستلحقتك، ونكحني مرة ثانية. انتهى كلام الإسنوي. قال ابن خلّكان [3] : وتوفي لتسع خلون من رجب. والمروزيّ: بفتح الميم وسكون الراء، وفتح الواو، وبعدها زاي، هذه

_ [1] في «طبقات الشافعيين» وهو مطبوع كما ذكر الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 314) ولكن الكتاب غير متوفر لدينا. [2] القافة: جمع قائف، وهو الذي يعرف الآثار. انظر «لسان العرب» (قوف) . [3] في «وفيات الأعيان» (1/ 27) .

النسبة إلى مرو الشّاهجان، [وهي إحدى كراسي خراسان، وهم أربع مدن، هذه، ونيسابور، وهراة، وبلخ، وإنما قيل لها مرو الشاهجان] [1] لتتميز عن مرو الرّوذ، والشاهجان: لفظ عجمي، تفسيره روح الملك. انتهى ملخصا. وفيها أبو عبد الله، الحسين بن الحسن بن أيوب الطّوسي الأديب. ثقة رحّال مكثر، أقام على أبي حاتم مدة، وجاور لأجل [أبي] يحيى بن أبي ميسرة [2] . وفيها أبو علي، الحسين بن صفوان البردعي- بالمهملة، نسبة إلى بردعة، بلد بأذربيجان- صاحب أبي بكر بن أبي الدّنيا. توفي ببغداد في شعبان. وفيها العلّامة، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث البخاري الفقيه، شيخ الحنفية بما وراء النهر، ويعرف بعبد الله الأستاذ، وكان محدّثا، جوّالا، رأسا في الفقه، وصنّف التصانيف، وعمّر اثنتين وثمانين سنة. وروى عن عبد الصمد بن الفضل، وعبيد الله بن واصل وطبقتهما. قال أبو زرعة: أحمد بن الحسين الحافظ، ضعيف هو [3] . وقال الحاكم: هو صاحب عجائب [وأفراد] ، عن الثقات. قاله في «العبر» [4] . وفيها أبو القاسم الزجّاجي- نسبة إلى الزجّاج [5]- النحوي عبد الرحمن بن إسحاق النّهاوندي، صاحب التصانيف. أخذ عن أبي إسحاق

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. [2] في الأصل والمطبوع: «لأجل يحيى بن أبي مسرة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 259) وانظر «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين» للفاسي (8/ 112) . [3] في المطبوع و «العبر» : «هو ضعيف» . [4] (2/ 259) وما بين حاصرتين زيادة منه. [5] وهو شيخه أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجّاج، لأنه كان يخرط الزجاج، ثم تعلم الأدب وترك ذلك. انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 475) .

الزجّاج، وابن دريد، وعلي بن سليمان الأخفش، وقد انتفع بكتابه «الجمل» خلق لا يحصون، فقيل: إنه جاور مدة بمكّة وصنّفه فيها، وكان إذا فرغ من الباب طاف أسبوعا، ودعا الله بالمغفرة، وأن ينفع الله بكتابه وقراءته. قال بعض المغاربة: لكتابه عندنا مائة وعشرون شرحا، اشتغل ببغداد ثم بحلب، ثم بدمشق، ومات بطبرية في رمضان. وفيها قاسم بن أصبغ، الحافظ الإمام، محدّث الأندلس، أبو محمد القرطبي، مولى بني أميّة، ويقال له البيّاني- وبيّانة محلّة بقرطبة- وهو ثقة. انتهى إليه التقدم في الحديث معرفة، وحفظا، وعلو إسناد. سمع بقي بن مخلد، وأقرانه، ومنه حفيده قاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد الباجي، والقاسم بن محمد بن غسلون وغيرهم، ورحل سنة أربع وسبعين ومائتين، فسمع محمد بن إسماعيل بمكة، وأبا بكر بن أبي الدّنيا، وأبا محمد بن قتيبة، ومحمد بن الجهم، وطبقتهم ببغداد، وإبراهيم القصّار بالكوفة. وصنّف كتابا على وضع «سنن أبي داود» لكونه فاته لقيه، وكان إماما في العربية، مشاورا في الأحكام، عاش ثلاثا وستين سنة، وتغير ذهنه يسيرا قبل موته بثلاثة أعوام، ومات في جمادى الأولى. وفيها أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي. قدم بغداد، وحدّث بها عن جدّه، وعن جدّ أبيه. وثّقه أبو حازم العبدوي، ومات في رمضان. وفيها أبو الحسن الكرخي، شيخ الحنفية بالعراق، واسمه عبيد الله [1] بن حسين بن دلّال. روى عن إسماعيل القاضي، وغيره، وعاش ثمانين سنة. انتهت إليه رئاسة المذهب، وخرج له أصحاب أئمة، وكان قانعا، متعفّفا، عابدا، صوّاما، قوّاما، كبير القدر.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 261) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 426) .

سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة

سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة فيها على ما قال في «الشذور» ولي قضاء القضاة ببغداد عبد الله أبو العبّاس بن الحسين بن أبي الشوارب، والتزم كل سنة بمائتي ألف درهم، وهو أول من ضمن القضاء، ثم الحسبة والشرطة. وفيها اطّلع الوزير المهلّبي، على جماعة من التناسخية، فيهم رجل يزعم أن روح علي، رضي الله عنه، انتقلت إليه، وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة، رضي الله عنها، انتقلت إليها، وآخر يدّعي أنه جبريل، فضربهم فتستروا [1] بالانتماء إلى أهل البيت، وكان ابن بويه شيعيّا، فأمر بإطلاقهم. وفيها أخذت الرّوم مدينة سروج، فاستباحوها. وفيها توفي أبو الطاهر المدائني، أحمد بن محمد بن عمرو الخامي [2] محدّث مصر، في ذي الحجة. روى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة. وفيها أبو علي الصّفّار إسماعيل بن محمد البغدادي، النحوي الأديب، صاحب المبرّد. سمع الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، وطائفة. وتوفي في المحرم، وله أربع وتسعون سنة.

_ [1] في «العبر» (2/ 262) و «نجوم الزاهرة» (3/ 307) : «قتعزوا» . [2] في الأصل: «الحاسي» وفي المطبوع و «العبر» : «الحامي» ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (15/ 430) .

وفيها أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصّفّار، أبو الحسن. حدّث عنه الدارقطني وغيره، وهو ثقة إمام. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها المنصور، أبو الطاهر، إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني، صاحب المغرب، حارب مخلد بن كيداد الإباضي، الذي كان قد قمع بني عبيد، واستولى على ممالكهم، فأسره المنصور، فسلخه بعد موته، وحشا جلده، وكان فصيحا مفوّها، بطلا شجاعا، يرتجل الخطب، مات في شوال، وله تسع وثلاثون سنة. وكانت دولته سبعة أعوام. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : ذكر أبو جعفر المرّوذي، قال: خرجت مع المنصور يوم هزم أبا يزيد، فسايرته وبيده رمحان، فسقط أحدهما مرارا، فمسحته وناولته إياه، وتفاءلت له فأنشدته: فألقت عصاها واستقر بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر فقال: ألا قلت، ما هو خير من هذا وأصدق: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ 7: 117- 119 [الأعراف: 117- 119] فقلت: يا مولانا، أنت ابن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قلت ما عندك من العلم، أي لأن المنصور من الفاطمية. بويع المنصور هذا يوم وفاة أبيه القائم. وكان أبوه قد ولّاه محاربة أبي يزيد الخارجي عليه، وكان هذا أبو يزيد مخلد بن كيداد رجلا من الإباضية، يظهر التزهد، وأنه إنما قام غضبا لله تعالى، ولا يركب غير حمار، ولا يلبس إلا الصوف، وله مع القائم والد

_ [1] (2/ 263) . [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 234- 236) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

المنصور وقائع كثيرة، وملك جميع مدن القيروان، ولم يبق للقائم إلا المهدية، فأناخ عليها أبو يزيد، وحاصرها، فهلك القائم في الحصار، ثم تولى [1] المنصور، فاستمر على محاربته، وأخفى موت أبيه، وصابر الحصار حتّى رجع أبو يزيد عن المهدية، ونزل على سوسة وحاصرها، فخرج المنصور من المهدية ولقيه على سوسة فهزمه، ووالى عليه الهزائم إلى أن أسره يوم الأحد خامس عشري محرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراحة كانت به، فأمر بسلخ جسده، وحشا جلده قطنا، وصلبه، وبنى مدينة في موضع الوقعة، وسمّاها المنصورية واستوطنها. وخرج في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين من المنصورية إلى مدينة جلولاء ليتنزه بها، ومعه حظيّته قضيب، وكان مغرما بها، فأمطر الله عليهم بردا كثيرا، وسلط عليهم ريحا عظيمة [2] ، فخرج منها إلى المنصورية، فاعتلّ بها، فمات يوم الجمعة آخر شوال، وكان سبب علته أنه لما وصل المنصورية، أراد دخول الحمام، ففنيت الحرارة الغريزية منه، ولازمه السهر، فأقبل إسحاق [3] يعالجه، والسهر باق على حاله، فاشتد ذلك على المنصور، فقال لبعض الخدام: أما بالقيروان طبيب يخلصني من هذا [الداء] ؟ فقالوا: هاهنا شاب قد نشأ يقال له إبراهيم، فأمر بإحضاره، فحضر فعرّفه حاله، وشكا ما به إليه [4] ، فجمع له شيئا ينوّمه، وجعله في قنّينة على النار، وكلّفه شمّها، فلما أدمن شمّها نام، وخرج إبراهيم مسرورا بما فعل، وجاء إسحاق إليه، فقالوا: إنه نائم، فقال: إن كان صنع له شيئا ينام منه فقد مات، فدخلوا عليه فوجدوه ميتا، فأرادوا قتل إبراهيم، فقال إسحاق: ما له ذنب، إنما داواه

_ [1] في الأصل والمطبوع: «توفي» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في الأصل والمطبوع: «عظيما» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [3] في الأصل والمطبوع: «فأقبل أبو إسحاق» وهو خطأ، وهو طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي، أبو يعقوب. والتصحيح من «وفيات الأعيان» وحاشيته. [4] في المطبوع: «وشكا إليه ما به» .

بما ذكره الأطباء، غير أنه جهل أصل المرض، وما عرّفتموه ذلك، وذلك أني كنت أعالجه وأنظر في تقوية الحرارة الغريزية، وبها يكون النوم، فلما عولج بما يطفئها علمت أنه قد مات. ودفن بالمهدية، ومولده بالقيروان في سنة اثنتين، وقيل: إحدى وثلاثمائة، وكانت مدة خلافته سبع سنين وستة أيام. انتهى ملخصا. وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدّين- البتلهيّ بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بيت لهيا من أعمال دمشق [1] واسمه محمد بن عيسى بن أحمد بن عبيد الله أبو عمرو القزويني، نزيل بيت لهيا. كان من الرحّالين، الحفّاظ، الثقات. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» : ومات بعد مغرب شموسا ... البتلهي محمّد بن عيسى فسكّن التاء وحرك اللّام ضرورة. وفيها محمد بن أيوب بن الصّموت الرّقّيّ، نزيل مصر. روى عن هلال بن العلاء وطائفة، وهو من الضعفاء. قال في «المغني» [2] : ضعفه أبو حاتم. وفيها محمد بن حميد أبو الطيب الحوراني. روى عن عبّاد بن الوليد، وأحمد بن منصور الرمادي، ومات في عشر المائة. وفيها محمد بن النّضر، أبو الحسن بن الأخرم الربعي، قارئ أهل دمشق. قرأ على هارون الأخفش وغيره، وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق لإتقانه ومعرفته.

_ [1] انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 522) . وقال العلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله في كتابه النفيس «غوطة دمشق» ص (164) : وتسمى بيت ألاهية. وانظر تتمة كلامه عنها هناك. [2] (2/ 558) .

سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» حدثت علّة مركبة من الدم والصفراء، فشملت الناس، وعمّت الأهواز، وبغداد، وواسط، والبصرة، وكان يموت أهل الدار كلهم. انتهى. وفيها رجع سيف الدولة من الرّوم مظفّرا منصورا، قد أسر قسطنطين بن الدّمستق، وكان بديع الحسن، فبقي عنده مكرّما حتّى مات. وفيها توفي العلّامة أبو بكر، أحمد بن إسحاق بن أيوب الضّبعي [1] ، بالضم والفتح ومهملة نسبة- قال السيوطي- إلى ضبيعة بن قيس، بطن من بكر بن وائل، وضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. انتهى. وكان الضّبعي [1] هذا شيخ الشافعية بنيسابور، سمع بخراسان، والعراق، والجبال، فأكثر وبرع في الحديث، وحدّث عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وأفتى نيفا وخمسين سنة، وصنّف الكتب الكبار في الفقه والحديث. وقال محمد بن حمدون: صحبته عدة سنين، فما رأيته ترك قيام الليل. قال الحاكم: وكان الضبعي [1] يضرب بعقله المثل، وبرأيه، وما رأيت

_ [1] قلت: الذي ذكره المؤلف ونسبه إلى السيوطي خطأ بيّن، فإن الصواب في نسبته «الصّبغي» نسبة إلى الصّبغ والصباغ المشهور، ويمكن لعمل الألوان التي ينقش بها أو يستعملها.

في مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه. وفيها أحمد بن عبيد الله أبو جعفر الأسداباذي- نسبة إلى أسدآباذ، بليدة قرب همذان- الهمذاني الحافظ. روى عن ابن ديزيل، وإبراهيم الحربي. قال ابن ناصر الدين: وفي نسبه قول ثان، وهو أحمد بن عبيد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد، أبو جعفر، الهمذاني. كان أحد الحفاظ المعدودين. انتهى. وفيها إبراهيم بن المولّد، وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد الرّقّي، أبو الحسن، الزاهد الصوفي الواعظ، شيخ الصوفية. أخذ عن الجنيد وجماعة، وحدّث عن عبد الله بن جابر المصّيصي. ومن كلامه: من تولاه الله برعاية الحق أجلّ ممّن يؤدّبه بسياسة العلم. وقال: القيام بأدب العلم وشرائعه يبلغ بصاحبه إلى مقام الزيادة والقبول. وقال: عجبت لمن عرف أن له طريقا إلى ربه، كيف يعيش مع غيره، والله تعالى يقول: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ 39: 54 [الزّمر: 54] . وقال: من قام إلى الأوامر لله كان بين قبول ورد، ومن قام إليها بالله، كان مقبولا لا شكّ. وفيها الحسن بن يعقوب، أبو الفضل، البخاري العدل، بنيسابور. روى عن أبي حاتم الرّازي وطبقته، ورحل وأكثر. وفيها أبو محمد عبد الله بن شوذب الواسطي المقرئ. محدّث

_ الخراط. انظر «الأنساب» (8/ 33) و «الوافي بالوفيات» (6/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 483) و «تبصير المنتبه» (3/ 860) وقد تحرفت نسبته في «العبر» (2/ 81) و «طبقات الشافعية» للسبكي (2/ 81) كذلك إلى «الضبعي» فتصحح فيهما.

واسط، وله ثلاث وتسعون سنة. وروى عن شعيب الصّريفيني، ومحمد بن عبد الملك الدّقيقي، وكان من أعيان القرّاء. وفيها عبد الرحمن بن حمدان، أبو محمد الهمذاني الجلّاب. أحد أئمة السّنّة بهمذان. رحل وطوّف، وعني بالأثر، وروى عن أبي حاتم الرّازي، وهلال بن العلاء، وخلق كثير. وفيها أبو القاسم علي بن محمد القاضي [1] . ولد بأنطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقدم بغداد، فتفقه لأبي حنيفة، وسمع في حدود الثلاثمائة، وولي قضاء الأهواز، وكان من أذكياء العالم، راوية للأشعار، عارفا بالكلام والنحو [2] . له ديوان شعر، ويقال: إنه حفظ ستمائة بيت في يوم وليلة. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن خلّكان [4] : أبو القاسم [5] علي بن محمد بن أبي الفهم [6] داود بن إبراهيم بن تميم بن جابر بن هانئ بن زيد بن عبيد [7] [بن مالك] [8] بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو بن الحارث [بن صبح بن عمرو بن الحارث] [8] ، وهو أحد ملوك تنوخ الأقدمين. التنوخيّ الأنطاكي [9] كان عالما بأصول المعتزلة والنجوم.

_ [1] انظر «العبر» (2/ 366) وفيه: «علي بن محمد بن أبي الفهم التّنوخي القاضي» . [2] كذا في الأصل والمطبوع: «عارفا بالكلام والنحو» ، وفي «العبر» مصدر المؤلف: «عارفا بالكلام والنجوم» ، وفي «وفيات الأعيان» : «كان عالما بأصول المعتزلة والنجوم» وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 499- 500) . [3] (2/ 266) . [4] في «وفيات الأعيان» (3/ 366- 369) . [5] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسن» وهو خطأ. [6] في الأصل: «ابن أبي القاسم» وهو خطأ وأثبت ما في المطبوع. [7] في الأصل والمطبوع: «بن عمر» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [8] زيادة من «وفيات الأعيان» وانظر تتمة نسبه فيه. [9] في الأصل والمطبوع: «أنطاكي» وأثبت ما جاء في «وفيات الأعيان» .

قال الثعالبي في حقه: هو من أعيان أهل العلم والأدب، وأفراد الكرم وحسن الشيم، وكان يتقلد [1] قضاء البصرة والأهواز بضع سنين، وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة بن حمدان زائرا ومادحا، فأكرم مثواه وأحسن قراه، وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد، حتّى أعيد إلى عمله، وزيد في رزقه ورتبته. وكان الوزير المهلبيّ وغيره من وزراء العراق يميلون إليه ويتعصبون له ويعدّونه ريحانة الندماء، وتاريخ الظرفاء. وكان في جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي، ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطّراح الحشمة والتبسّط في القصف والخلاعة، وهم: القاضي أبو بكر بن قريعة، وابن معروف، والتنوخي المذكور، وغيرهم، وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها، وكذلك كان المهلبي، فإذا تكامل الأنس، وطاب المجلس، ولذّ السماع، وأخذ الطرب منهم مأخذه، وهبوا ثوب الوقار للعقار [2] ، وتقلبوا في أعطاف العيش من الخفة والطيش، ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب فيه ألف مثقال، مملوء [3] شرابا قربليا [أو عكبريا] [4] فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتّى تشرب أكثره ويرش [5] بعضهم بعضا، ويرقصون بأجمعهم وعليهم المصبغات، ومخانق [6] المنثور والبرم، فإذا صحوا [7] عادوا كعادتهم في التوقّر والتحفّظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء، وأورد من شعره: وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نهار

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «وكان تقلد» . [2] العقار: الخمر لمعاقرتها: أي لملازمتها. انظر «المختار من القاموس المحيط» للزاوي (عقر) . [3] في الأصل: «مملوءا» . [4] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل: «ويدش» وأثبت ما في المطبوع و «وفيات الأعيان» . [6] في المطبوع: «ومخارق» وهو خطأ. [7] في «وفيات الأعيان» : «فإذا أصبحو» .

هواء ولكنه جامد ... وماء ولكنه غير جار كأن المدير لها باليمين ... إذا مال للسقي أو باليسار تدرّع ثوبا من الياسمين ... له فرد كمّ من الجلنار [1] وأورد له أيضا: رضاك شباب لا يليه مشيب ... وسخطك داء ليس منه طبيب كأنك من كلّ النفوس مركّب ... فأنت إلى كل النفوس حبيب [2] وحكى أبو محمد الحسن بن عسكر الصوفي الواسطي قال: كنت ببغداد في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالسا على دكة بباب أبرز للفرجة، إذ جاء ثلاث نسوة فأنشدنني الأبيات، وزادت إحداهنّ بعد البيت الأول: إذا ما تأملتها وهي فيه ... تأملت نورا محيطا بنار فهذا [3] النهاية في الابيضاض ... وهذا [4] النهاية في الاحمرار فحفظت الأبيات منها، فقالت لي: أين الموعد [5] ؟ تعني التقبيل، أرادت مداعبته بذلك. وقال الخطيب [6] : إنه ولد بأنطاكية يوم الأحد لأربع بقين من ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقدم بغداد وتفقه بها على مذهب أبي حنيفة. وسمع الحديث وتوفي بالبصرة، يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها الإمام أبو العباس السّيّاري القاسم بن القاسم بن مهدي ابن ابنة

_ [1] والأبيات في «يتيمة الدهر» للثعالبي (2/ 397) طبعة دار الكتب العلمية ببيروت. [2] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 404) . [3] في الأصل: «فهذه» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [4] في الأصل: «وهذه» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» : «هذا الوعد» . [6] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 77) .

أحمد بن سيّار المروزي الشيرازي، الزاهد المحدّث، شيخ أهل مرو. من كلامه الخطرة للأنبياء، والوسوسة [1] للأولياء، والفكرة للعوام، والعزم للفتيان. وقيل له: بماذا يروّض المريد نفسه؟ وكيف يروّضها؟ قال: بالصبر على الأوامر، واجتناب النواهي [2] ، وصحبة الصالحين، وخدمة الرّفقاء، ومجالسة الفقراء، والمرء حيث وضع نفسه. ثم تمثل وأنشأ يقول: صبرت على اللّذات لمّا تولّت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرّت وكانت على الأيام نفسي عزيزة ... فلما رأت عزمي على الذّل ذلّت فقلت لها يا نفس موتي كريمة ... فقد كانت الدّنيا لنا ثم ولّت خليليّ لا والله ما من مصيبة ... تمرّ على الأيام إلا تجلّت وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطعمت تاقت وإلا تسلّت [3] وقال: حقيقة المعرفة أن لا يخطر بقلبك ما دونه. وقال: المعرفة حياة القلب بالله، وحياة القلب مع الله. وقال: لو جاز أن يصلى ببيت شعر لجاز أن يصلى بهذا البيت: أتمنّى على الزمان محالا ... أن ترى مقلتاي طلعة حرّ [4] وفيها أبو الحسين الأسواري، محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني

_ [1] في الأصل والمطبوع: «والسوسة» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (445) و «العبر» (2/ 266) . [2] في الأصل والمطبوع: «واجتناب المناهي» وما أثبته من «طبقات الصوفية» ص (444) مصدر المؤلف في نقله. [3] الأبيات الأول والثاني والخامس في «طبقات الصوفية» مع بعض الخلاف، وقد تقدم البيت الأخير الذي في كتابنا عنده إلى البيت الثاني. [4] البيت في «طبقات الصوفية» ص (446) .

وأسوارية [1] من قرى أصبهان- سمع إبراهيم بن عبد الله القصّار، وأبا حاتم، ورحل وجمع. وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري، شيخ الصوفية والمحدّثين ببلده، الحافظ، الثقة، طوّف، وكتب بهراة، ومرو، والرّيّ، وجرجان، والعراق، والحجاز، ومصر، والشام، والجزيرة، وصنّف الشيوخ، والأبواب، والزّهديات. توفي في شهر ربيع الأول، وسمع محمد بن أيوب بن الضّريس وطبقته، ومنه الحاكم، وابن مندة، وابن جميع.

_ [1] في الأصل: «وأسواري» وأثبت ما في المطبوع، وانظر «معجم البلدان» (1/ 190- 191) .

سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة

سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة فيها وقعة الحدث، وهو مصاف عظيم، جرى بين سيف الدولة والدّمستق، وكان الدّمستق- لعنه الله- قد جمع خلائق لا يحصون من التّرك، والروس، والبلغار، والخزر، فهزمه الله بحوله وقوته، وقتل معظم بطارقته، وأسر صهره وعدة بطارقة، وقتل منهم خلق لا يحصون، واستباح المسلمون ذلك الجمع، واستغنى خلق. قاله في «العبر» [1] . وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، الحافظ الثقة، محدّث الشام. روى عن العبّاس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عيسى المدائني وطبقتهما بالشام وثغورها، والعراق، واليمن، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة، وغير واحد يقول: إنه جاوز المائة، وثقه الخطيب. وفيها السّتوري [2] ، أبو الحسن، علي بن الفضل بن إدريس السامري. روى جزءا عن الحسن بن عرفة، يرويه محمد بن الروزبهان [3] شيخ أبي القاسم بن أبي العلاء المصّيصي عنه، وثقه العتيقي.

_ [1] (2/ 267- 268) . [2] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 40) : السّتوري: هذه النسبة إلى السّتر، وجمعه السّتور، وهذه النسبة إما إلى حفظ السّتور والبوابية على ما جرت به عادة الملوك، أو حمل أستار الكعبة. [3] في الأصل والمطبوع: «الرونهان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 268) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 443) .

وفيها شيخ الكوفة، أبو الحسن، علي بن محمد بن محمد [1] بن عقبة الشيباني عن نيّف وتسعين سنة. روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي وجماعة. قال ابن حماد الحافظ: كان شيخ المصر [2] ، والمنظور إليه، ومختار السلطان والقضاة، صاحب جماعة وفقه وتلاوة، توفي في رمضان.

_ [1] «ابن محمد» الثانية سقطت من «العبر» طبع الكويت فتستدرك فيه. [2] يعني شيخ الكوفة.

سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

سنة أربع وأربعين وثلاثمائة فيها أقبل أبو علي بن محتاج، صاحب خراسان، وحاصر الرّيّ، فوقع بها وباء عظيم، فمات عليها ابن محتاج. وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي، المقرئ بحرف قالون، وله أربع وثمانون سنة. وفيها أحمد بن عيسى بن جمهور الخشاب، أبو عيسى، ببغداد. روى أحاديث عن عمر بن شبّة، وبعضها غرائب، رواها عنه ابن رزقويه، وعمّر مائة سنة. قال الذهبي في كتابه «المغني في الضعفاء» [1] : أحمد بن عيسى التّنيسي الخشاب [عن عمرو بن أبي سلمة] التنّيسي [2] . قال الدارقطني: ليس بالقويّ. وأسرف ابن طاهر فقال: كذاب يضع الحديث. قلت [3] : نعم رأيت للخشاب في «موضوعات» ابن الجوزي: «الأمناء

_ [1] (1/ 51) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «المغني في الضعفاء» ولفظة «التنيسي» تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «السبيبي» . [3] القائل الحافظ الذهبي في «المغني في الضعفاء» .

ثلاثة: أنا، وجبريل، ومعاوية» [1] فصدق ابن طاهر. انتهى. وفيها أبو يعقوب الأذرعيّ [2] إسحاق بن إبراهيم، الثقة الزاهد [3] العابد، صاحب الحديث والمعرفة. سمع أبا زرعة الدّمشقي، ومقدام بن داود الرّعيني وطبقتهما، وكان مجاب الدعوة، كبير القدر، ببلد دمشق. وفيها بكر بن محمد بن العلاء. العلّامة أبو الفضل، القشيري البصري المالكي، صاحب التصانيف، في الأصول والفروع. روى عن أبي مسلم الكجّي، ونزل مصر، وبها توفي في ربيع الأول. وفيها أبو عمرو بن السّمّاك، عثمان بن أحمد البغدادي الدقاق، مسند بغداد، في ربيع الأول، وشيّعه خلائق نحو الخمسين ألفا. روى عن محمد بن عبيد الله [4] بن المنادي، ويحيى بن أبي طالب، وطبقتهما، وكان صاحب حديث. كتب المصنفات الكبار بخطه. وفيها العلّامة أبو بكر بن الحداد المصري، شيخ الشافعية، محمد بن أحمد بن جعفر، صاحب التصانيف، ولد يوم وفاة المزني، وسمع من النّسائي [ولزمه، ومن ابن أبي الدّنيا، ومن القراطيسي وغيرهم، ومنه: يوسف بن قاسم القاضي، وغيره، وكان غيره مطعون فيه ولا عليه] [5] وهو صاحب وجه في المذهب، متبحّر في الفقه، متفنّن [6] في العلوم، معظّم في

_ [1] قلت: وذكره ابن عراق أيضا في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة» (2/ 4) وتكلم عليه مطولا، فيحسن بالقارئ الرجوع إليه. [2] تحرفت في «العبر» (2/ 269) إلى «الأوزاعي» فتصحح فيه. [3] لفظة «الزاهد» لم ترد في المطبوع و «العبر» . [4] في الأصل والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 270) وانظر «الأنساب» (7/ 127) . [5] ما بين حاصرتين لم يرد في «العبر» . [6] في المطبوع: «مفنن» .

النفوس، ولي قضاء الأقاليم [1] وعاش ثمانين سنة، وكان يصوم صوم داود، عليه السلام، ويختم في اليوم والليلة، وكان جدا كله. قال ابن ناصر الدّين: صنّف في الفقه الفروع المبتكرة الغريبة، وكتاب «أدب القاضي والفرائض» في نحو مائة جزء عجيبة. وقال ابن خلّكان [2] : كان ابن الحداد فقيها محقّقا، غوّاصا على المعاني، تولى القضاء بمصر والتدريس، وكانت الملوك والرعايا تكرمه وتعظّمه وتقصده في الفتاوى والحوادث، وكان يقال في زمنه: عجائب الدّنيا ثلاث: غضب الجلّاد، ونظافة السّماد، والردّ على ابن الحداد. وكان أحد أجداده يعمل في الحديد ويبيعه فنسب إليه. انتهى ملخصا. وقال الإسنوي: به افتخرت مصر على سائر الأمصار، وكاثرت بعلمه بحرها بل جميع البحار، إليه غاية التحقيق ونهاية التدقيق، كانت له الإمامة في علوم كثيرة، خصوصا الفقه، ومولّداته تدلّ عليه، وكان كثير العبادة. وأخذ عن محمد بن جرير لما دخل بغداد رسولا في إعفاء ابن حربويه [3] عن قضاء مصر، وصنّف كتاب «الباهر» في الفقه، في مائة جزء، وكتاب «جامع الفقه» وكتاب «أدب القضاء» في أربعين جزءا وكتابه «الفروع المولّدات» معروف، وهو الذي اعتنى الأئمة بشرحه، وكان حسن الثياب رفيعها، حسن المركوب، وكان يوقّع للقاضي ابن حربويه [3] ، وباشر قضاء مصر مدة لطيفة بأمر أميرها، عند شغوره، فسعى غيره من بغداد، فورد تفويضه لذلك الغير. وحجّ، فمرض في الرجوع، ومات يوم دخل الحجاج إلى مصر، وهو يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وعمره تسع وسبعون سنة

_ [1] في «العبر» : «ولي قضاء الإقليم» . [2] في «وفيات الأعيان» (4/ 197- 198) . [3] في الأصل والمطبوع: «ابن جربويه» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 399) .

وأشهر، هذا هو الصحيح، وقيل: توفي سنة خمس وأربعين واقتصر عليه النووي في «تهذيبه» [1] وابن خلّكان في «تاريخه» [2] ، ثم دفن يوم الأربعاء بسفح المقطّم عند أبويه. انتهى ملخصا أيضا. وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلّاف. روى عن الكديمي وطائفة، وحدّث بمصر وحلب. وفيها الإمام محمد بن محمد أبو النّضر- بنون وضاد معجمة- الطّوسي الشافعي، مفتي خراسان، كان أحد من عني أيضا بالحديث، ورحل فيه. روى عن عثمان بن سعيد الدارمي، وعلي بن عبد العزيز وطبقتهما، وصنّف كتابا على وضع مسلم، وكان قد جزّأ الليل: ثلثا للتصنيف، وثلثا للتلاوة، وثلثا للنوم. قال الحاكم: كان إماما بارع الأدب، ما رأيت أحسن صلاة منه، كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويتصدّق بما فضل عن قوته. وسمعت منه كتابه «المخرج على صحيح مسلم» . قال [3] : وقلت له: متى تتفرغ للتصنيف مع ما أنت عليه من هذه الفتاوى؟ فقال: قد جزأت الليل ثلاثة أجزاء: جزءا للتصنيف، وجزءا للصلاة والقراءة، وجزءا للنوم، وله نحو ستين سنة يفتي، لم يؤخذ عليه في شيء. قال [3] : وسمعت أبا حامد الإسماعيلي يقول: ما يحسن بواحد منا أن يحدّث في مدينة هو فيها. قال: وتوفي ليلة السبت، الثالث عشر من شعبان. وفيها أبو عبد الله، محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني

_ [1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 193) مصوّرة دار الكتب العلمية ببيروت. [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 198) . [3] القائل الحاكم.

الحافظ، محدّث نيسابور. صنّف «المسند الكبير» وصنّف [مستخرجا على] الصحيحين [1] ، وروى عن علي بن الحسن الهلالي، ويحيى بن محمد الذهلي، وعنه: أبو بكر الصّبغي [2] ، ومحمد بن إسحاق بن مندة، وأبو عبد الله الحاكم، وغيرهم، ومع براعته في الحديث، والعلل، والرجال، لم يرحل من نيسابور، وعاش أربعا وتسعين سنة. وفيها الإمام العلّامة المحرّر المصنّف، محمد بن زكريا بن الحسين النّسفي [3] ، أبو بكر، كان حافظا، مجوّدا، عارفا. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو زكريا، يحيى بن محمد العنبري- نسبة إلى العنبر بن عمرو بن تميم جد- النيسابوري، العدل الحافظ، الأديب المفسر. روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، ولم يرحل، وعاش ستا وسبعين سنة. قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أبو زكريا يحفظ ما يعجز عنه، وما أعلم أني رأيت مثله.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 271) وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 467) . [2] في الأصل والمطبوع: «السبيعي» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وانظر التعليق على ترجمته في الصفحة (225- 226) من هذا المجلد. [3] قلت: ويعرف بالصعلوكي أيضا. انظر ترجمته في «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 930) .

سنة خمس وأربعين وثلاثمائة

سنة خمس وأربعين وثلاثمائة فيها غلبت الرّوم على طرسوس، فقتلوا من أهلها ألفا وثمانمائة رجل، وسبوا وحرقوا [1] قراها. وفيها قصد روزبهان [2] الدّيلميّ العراق، فالتقاه معزّ الدولة، ومعه الخليفة، فهزم جيشه وأسر روزبهان [2] وقوّاده. وفيها توفي العبّاداني، أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب. روى ببغداد عن الزّعفراني، وعلي بن حرب وعدة، وعاش سبعا وتسعين سنة، وهو صدوق. والعبّاداني: بفتح العين وتشديد الباء الموحدة، ودال مهملة، نسبة إلى عبّادان بنواحي البصرة. وفيها الإمام أبو بكر، غلام السّبّاك، وهو أحمد بن عثمان البغدادي، شيخ الإقراء بدمشق. قرأ على الحسن بن الحباب، صاحب البزّي [3] والحسن بن الصّواف صاحب الدّوري.

_ [1] في «العبر» : «وأحرقوا» . [2] تحرّف في الأصل والمطبوع إلى «رونهان» والتصحيح من «العبر» (2/ 272) وانظر «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني الملحق ب «تاريخ الطبري» (11/ 381) و «الكامل في التاريخ» (8/ 514) . [3] وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبي بزّة المكي. انظر «توضيح

وفيها أبو القاسم بن الجراب، إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر، وله ثلاث وثمانون سنة. روى عن موسى بن سهل الوشّاء وطبقته، وسكن مصر. وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزيّ [الصّيرفيّ] [1] الدّخمسيني، بالضم، والباقي بلفظ العدد، لقّب به هذا [2] لأنه أمر لرجل بخمسين، فاستزاده خمسين، فسمي الدّخمسيني [3] ، ثم حذفوا الواو للخفة. وكان بكر هذا محدّث مرو. رحل، وسمع أبا قلابة الرّقاشي، وكان فصيحا، أديبا، أخباريا، نديما، وقيل: بل توفي سنة ثمان وأربعين [4] . وفيها أبو علي بن أبي هريرة، شيخ الشافعية، واسمه حسن بن حسين البغدادي، أحد أئمة الشافعية. تفقه بابن سريج، ثم بأبي إسحاق المروزي وصحبه إلى مصر ثم عاد إلى بغداد، ومات في رجب، وكان معظّما عند السلاطين فمن دونها. قال ابن خلّكان [5] : وله مسائل في الفروع، ودرّس ببغداد، وتخرّج به خلق كثير، وانتهت إليه إمامة العراقيين. انتهى ملخصا. وفيها عثمان بن محمد بن أحمد، أبو عمرو، السمرقنديّ، وله خمس وتسعون سنة. روى بمصر عن أحمد بن شيبان [6] الرّملي [7] وأبي أميّة

_ «المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 442) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة. [1] زيادة من «العبر» (2/ 273) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 555) ، وجزم السمعاني في «الأنساب» (5/ 291) بأنه مات سنة (348) . [2] يعني لقّب به المترجم وحده. [3] تحرفت في المطبوع إلى «الدوخمسيني» . [4] قلت: وهو ما جزم به السمعاني في «الأنساب» (5/ 291) . [5] في «وفيات الأعيان» (2/ 75) . [6] تحرف في «العبر» (2/ 273) إلى «شبيب» فيصحح فيه. [7] في الأصل والمطبوع: «الدملي» وهو خطأ، والتصحيح من «حسن المحاضرة» وانظر «الأنساب» (6/ 165) و «العبر» (2/ 273) .

الطرسوسي، وطائفة. قاله في «حسن المحاضرة» [1] . وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة، الحافظ، العلّامة، الثقة، الجامع، أبو الحسن، القزويني القطّان، الذي روى عن ابن ماجة «سننه» . رحل إلى العراق، واليمن، وروى عن أبي حاتم الرّازي وطبقته كابن ماجة. وعنه الزّبير بن عبد الواحد، وابن لال وغيرهما. قال الخليلي: أبو الحسن [القطّان] [2] ، شيخ عالم بجميع العلوم، التفسير والفقه، والنحو واللغة، وفضائله أكثر من أن تعدّ، سرد الصوم ثلاثين سنة، وكان يفطر على الخبز والملح، وسمعت جماعة من شيوخ قزوين يقولون: لم ير أبو الحسن مثل نفسه في الفضل والزهد. وفيها أبو بكر، محمد بن العبّاس بن نجيح البغدادي البزّار، وله اثنتان وثمانون سنة، وكان يحفظ ويذاكر. روى عن أبي قلابة الرّقاشي وعدة. وفيها أبو عمر الزاهد، صاحب ثعلب، واسمه محمد بن عبد الواحد المطرّز، البغدادي اللغوي [3] . قيل: إنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه، وكان ثقة إماما، آية في الحفظ والذكاء، وقد روى عن موسى [بن سهل] الوشّاء [4] وطبقته. قال ابن الأهدل [5] : استدرك على «فصيح» شيخه ثعلب في جزء لطيف [6] . ومصنفاته تزيد على العشرين، وكان لسعة [روايته،

_ [1] (1/ 369) . [2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» (15/ 464) . [3] انظر ترجمته في «وفيات الأعيان» (4/ 329- 333) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 508- 513) . [4] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «الوشي» والتصحيح من «العبر» (2/ 274) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 508) وما بين حاصرتين زيادة منه. [5] انظر هذا النقل في «مرآة الجنان» (2/ 337) . [6] ذكر اليافعي في «مرآة الجنان» بأن اسمه «فايت الفصيح» .

وغزارة] [1] حفظه يكذّبه [2] أدباء وقته، ووثّقه المحدّثون في الرواية. قيل: لم يتكلم في اللغة أحد أحسن من كلام أبي عمر الزاهد، وتصانيفه أكثر ما يمليها من حفظه من غير مراجعة الكتب، انتهى. وفيها الوزير الماذرائي، أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب، وزر لخمارويه، صاحب مصر، وعاش نحو التسعين سنة، واحترقت سماعاته، وسلم له جزآن، سمعهما من العطاردي، وكان من صلحاء الكبراء، وأما معروفه، فإليه المنتهى، حتّى قيل: إنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة، قاله المسبحي. ذكره في «العبر» [3] . والماذرائي: بفتح الذال المعجمة نسبة إلى ماذرا، جدّ [4] . وفيها مكرم بن أحمد القاضي أبو بكر البغدادي البزّاز. سمع محمد بن عيسى المدائني، والدير عاقولي، وجماعة، ووثقه الخطيب [5] . وفيها المسعودي المؤرّخ، صاحب «مروج الذهب» [6] وهو أبو الحسن، علي بن أبي الحسن. رحل وطوّف في البلاد، وحقق من التاريخ ما لم يحققه غيره، وصنّف في أصول الدّين وغيرها من الفنون، وقد ذكرها في صدر «مروج الذهب» وهو غير المسعودي الفقيه الشافعي، وغير شارح مقامات الحريري. قاله ابن الأهدل، وتوفي في جمادى الآخرة.

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «مرآة الجنان» (2/ 338) . [2] في الأصل والمطبوع: «تكذبه» وأثبت ما في «مرآة الجنان» . [3] (2/ 274- 275) . [4] انظر «الأنساب» (11/ 65) . [5] انظر «تاريخ بغداد» (13/ 221) . [6] وهو من أبرز مصادر المؤلف رحمه الله تعالى، انظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 569) .

سنة ست وأربعين وثلاثمائة

سنة ست وأربعين وثلاثمائة فيها قلّ المطر جدّا، ونقص البحر نحوا من ثمانين ذراعا، وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعهد، وكان بالرّيّ فيما نقل ابن الجوزي في «منتظمه» [1] زلازل عظيمة، وخسف ببلد الطّالقان في ذي الحجة، ولم يفلت من أهلها إلا نحو من ثلاثين رجلا، وخسف بخمسين ومائة قرية من قرى الرّيّ. قال: وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف يوم، ثم خسف بها [2] . وفيها توفي أحمد بن مهران، أبو الحسن، السّيرافي المحدّث، بمصر، في شعبان. روى عن الربيع المرادي، والقاضي بكّار، وطائفة. وفيها أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد، أبو جعفر، الأصبهاني السمسار، شيخ أبي نعيم، في رمضان. روى عن أحمد بن عصام وجماعة.

_ [1] انظر «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (6/ 384) قلت: ولكن هذا الخبر الطويل نقله المؤلف رحمه الله عن «العبر» للذهبي (2/ 276) ولم ينقله عن «المنتظم» لابن الجوزي فإنه لا وجود له فيه، خلا الإشارة إلى الزلزلة التي حصلت في الرّيّ، ولعل الذهبي قد نقلها عن نسخة أخرى من «المنتظم» تختلف عن التي بين أيدينا، أو أنه نقلها عن كتاب «شذور العقود في تاريخ العهود» فإنه مما أورد فيه ابن الجوزي بعض الغرائب، والله أعلم. [2] قلت: علّق الذهبي على كلام ابن الجوزي المتقدم في «العبر» (2/ 276) بقوله: قلت: إنما نقلت هذا ونحوه، للفرجة لا للتصديق والحجّة، فإن مثل هذا الحادث الجلل، لا يكفي فيه خبر الواحد الصادق، فكيف وإسناد ذلك معدوم منقطع؟.

قال الذهبي في «المغني» [1] : قال ابن الفرات: ليس بثقة. وحكى ابن طاهر أنه مشهور بالوضع. وفيها أبو الحسن [2] أحمد بن عبدوس، العنزيّ الطرائفي- نسبة إلى بيع الطرائف وهي الأشياء الحسنة المتخذة من الخشب- توفي بنيسابور في رمضان. روى عن عثمان بن سعيد الدارمي وجماعة. وفيها إبراهيم بن عثمان أبو القاسم بن الوزّان القيرواني، شيخ المغرب في النحو واللغة، مات يوم عاشوراء، حفظ «كتاب سيبويه» و «المصنف الغريب» و «كتاب العين» و «إصلاح المنطق» وأشياء كثيرة. وفيها محدّث إسفرايين، أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفراييني. رحل مع خاله الحافظ أبي عوانة، فسمع أبا مسلم الكجي وطبقته. توفي في شعبان. وفيها محدّث الأندلس، أبو عثمان، سعيد بن مخلوق [3] في رجب، وله أربع وتسعون سنة. روى عن بقي بن مخلد، ومحمد بن وضّاح، ولقي في الرحلة أبا عبد الرّحمن النّسائي، وهو آخر من روى عن يوسف المغامي. حمل عنه «الواضحة» لابن حبيب. وفيها محدّث أصبهان، عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، الرجل الصالح، أبو محمد، في شوال، وله ثمان وتسعون سنة. تفرد بالرّواية عن جماعة، منهم: محمد بن عاصم الثقفي، وسمويه، وأحمد بن يونس الضّبّي. وفيها أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطّستي الوكيل ببغداد، في

_ [1] (1/ 35) . [2] في الأصل والمطبوع: «أبو محمد» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (8/ 226) ، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 519) و «العبر» (2/ 276) . [3] تحرفت في المطبوع إلى «مخلوف» وانظر «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي ص (168- 169) و «جذوة المقتبس» للحميدي ص (232- 233) و «العبر» (2/ 277) .

شعبان، وله ثمانون سنة. روى عن أبي بكر بن أبي الدّنيا وأقرانه، وله جزء معروف. وفيها الحافظ الكبير أبو يعلى، عبد المؤمن بن خلف التميمي النّسفي [1] الثقة، وله سبع وثمانون سنة. رحل وطوّف، وسمع أبا حاتم الرّازي وطبقته، وعنه: عبد الملك الميداني، وأحمد بن عمّار بن عصمة، وأبو نصر الكلاباذي، وكان عظيم القدر، عالما، زاهدا، كبيرا، وصل في رحلته إلى اليمن، وكان مفتيا ظاهريا أثريا، أخذ عن أبي بكر بن داود الظاهري. وفيها أبو العبّاس المحبوبي، محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، محدّث مرو وشيخها ورئيسها، توفي في رمضان، وله سبع وتسعون سنة. روى «جامع الترمذي» عن مؤلفه، وروى عن سعيد بن مسعود، صاحب النّضر بن شميل، وأمثاله. وفيها أبو بكر بن داسة، البصري التّمّار، محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق، راوي «السنن» عن أبي داود. وفيها محدّث ما وراء النهر، أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة البغدادي، نزيل سمرقند، في ذي الحجة، انتقى عليه أبو علي النيسابوري أربعين جزءا. روى عن أبي بكر بن أبي الدّنيا، وأحمد بن عبيد الله النّرسي والكبار، وكان كثير الأسفار للتجارة، ثبتا رضيا. وفيها محدّث خراسان ومسند العصر، أبو العبّاس الأصم، محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي، مولاهم النيسابوري، المعقلي، المؤذن، الورّاق، بنيسابور، في ربيع الآخر، وله مائة إلا سنة. حدث له الصمم بعد الرحلة ثم استحكم به، وكان يحدّث من لفظه. حدث في الإسلام نيّفا وسبعين سنة، وأذّن سبعين سنة، وكان حسن الأخلاق، كريما،

_ [1] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (15/ 480- 483) .

ينسخ بالأجرة، وعمّر دهرا، ورحل إليه خلق كثير. قال الحاكم: ما رأيت الرحّالة في بلد، أكثر منهم إليه، رأيت جماعة من الأندلس، ومن أهل فارس على بابه. وقال الذهبي في «العبر» [1] : قلت: سمع من جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة، وابن وهب، وكانت رحلته مع والده في سنة خمس وستين ومائتين، وسمع بأصبهان، والعراق، ومصر، والشام، والحجاز، والجزيرة. انتهى. وقال ابن بردس [2] : حدّث عن أحمد بن شيبان [3] الرّملي، وأحمد بن يوسف، وأحمد بن الأزهر. وعنه: أبو عبد الله بن الأخرم، وأبو عمرو الحيري، ومؤمّل بن الحسن. قال الحاكم: حدّث في الإسلام ستا وسبعين سنة، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه. انتهى. وفيها مسند الأندلس أبو الحزم وهب بن مسرّة [4] التميمي الفقيه. كان إماما في مذهب مالك، محقّقا له [5] ، بصيرا بالحديث وعلله، مع زهد وورع. روى الكثير عن محمد بن وضّاح وجماعة، ومات في شعبان في عشر التسعين.

_ [1] (2/ 280) . [2] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ، والصواب ما أثبته. انظر «الأعلام» للزركلي (1/ 324) واسم كتابه الذي نقل عنه المؤلف «نظم وفيات تذكرة الحفاظ للذهبي» وهو مخطوط لم ينشر بعد. [3] في الأصل والمطبوع: «أحمد بن سنان» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (6/ 165) و «تذكرة الحفاظ» (3/ 860) . [4] في الأصل والمطبوع: «أبو الحرم وهب بن ميسرة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ علماء الأندلس» (2/ 165) و «جذوة المقتبس» ص (360) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 556) و «العبر» (2/ 280) . [5] لفظة «له» لم ترد في «العبر» الذي بين يدي.

سنة سبع وأربعين وثلاثمائة

سنة سبع وأربعين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» كانت زلازل، فقتلت خلقا كثيرا وخرّبت. وفيها أقبلت الرّوم لبلاد المسلمين، وعظمت المصيبة، وقتلوا خلائق، وأخذوا عدة حصون بنواحي آمد، وميّافارقين، ثم وصلوا إلى قنّسرين [1] ، فالتقاهم سيف الدولة بن حمدان، فعجز عنهم، وقتلوا معظم رجاله، وأسروا أهله، ونجا هو في عدد [2] يسير. وفيها توفي القاضي أبو الحسن بن حذلم [3] ، وهو أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي. روى عن بكّار بن قتيبة القاضي وطائفة،

_ [1] قنّسرين: بين حلب وإدلب في شمال سورية، تعرف الآن ب «كالسيس» وكان فتحها على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة (17) هـ. قال ياقوت: قال أبو المنذر: سميت قنسرين لأن ميسرة بن مسروق العبسي مرّ عليها، فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: والله لكأنها قنّ نسر، فسميت «قنسرين» وأورد أخبارا أخرى في تسميتها يحسن بالقارئ الوقوف عليها في كتابه، وينسب إلى قنسرين جماعة من أهل العلم أثبتهم في الحديث الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن الحكم بن إبراهيم بن الفرداج الحميري اليحصبي القنسريني المعروف ببرداعس. انظر «معجم البلدان» (4/ 403- 404) و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (25) طبع دار الفكر بدمشق. [2] لفظة «عدد» لم ترد في «العبر» للذهبي (2/ 280) فتستدرك فيه. [3] في الأصل والمطبوع: «خرام» وفي «العبر» : «حزلم» وهو خطأ، والتصحيح من «تاج العروس» (حذلم) (8/ 239) طبعة بولاق، وانظر «سير أعلام النبلاء» (15/ 514) .

وناب في قضاء بلده، وهو آخر من كانت له حلقة بجامع دمشق يدرّس فيها مذهب الأوزاعي. وفيها المحدّث أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ببغداد، في صفر، عن بضع وثمانين سنة. سمع أبا قلابة الرقاشي وطائفة. وفيها أبو الحسن الشّعراني، إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيّب النيسابوري، العابد الثقة. روى عن جدّه، ورحل، وجمع، وخرّج لنفسه. وفيها حمزة بن محمد بن العبّاس، أبو أحمد الدّهقان العقبي [1] بفتحتين نسبة إلى عقبة وراء نهر عيسى ببغداد [2]- توفي ببغداد. وروى عن العطاردي، ومحمد بن عيسى المدائني، والكبار، وهو أكبر شيخ لعبد الملك بن بشران. وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي، ببغداد في صفر، وله تسع وثمانون سنة. روى عن يعقوب الفسوي «تاريخه» و «مشيخته» ، وقدم بغداد في صباه، فسمع من عبّاس الدّوري وطبقته، بعناية أبيه، ثم أقبل على العربية حتّى برع فيها، وصنّف التصانيف، ولم يضعّفه أحد بحجّة. قاله في «العبر» [3] . وفيها أبو عبد الله الزّبير بن عبد الواحد بن محمد بن زكريا بن صالح الهمذانيّ ثم الأسداباذيّ الثقة. روى عن الحسن بن سفيان وغيره، وعنه: أبو عبد الله الحاكم، وابن مندة، وغيرهما. قال الخطيب [4] : كان حافظا متقنا.

_ [1] انظر «الأنساب» (9/ 14) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 516) . [2] انظر «معجم البلدان» (4/ 134) . [3] (2/ 282) وانظر «وفيات الأعيان» (3/ 44- 45) . [4] انظر «تاريخ بغداد» (8/ 473) وفيه: وكان حافظا متقنا مكثرا.

وفيها أبو الميمون، عبد الرحمن بن عبد الله بن الراشد البجلي الدمشقي، الأديب المحدّث. سمع بكّار بن قتيبة، وأبا زرعة، وخلقا كثيرا، وبلغ خمسا وتسعين سنة. وفيها الحافظ البارع أبو سعيد بن يونس، وهو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصّدفي- بفتحتين وفاء، نسبة إلى الصدف بكسر الدال المهملة قبيلة من حمير- المصري صاحب «تاريخ مصر» . توفي في جمادى الآخرة، وله ست وستون سنة، وأقدم شيوخه، أحمد بن حمّاد زغبة وأقرانه. وقال ابن ناصر الدّين: كان من الأئمة الحفاظ والأثبات الأيقاظ. انتهى. وفيها علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي [1] الكوفي الكاتب، أبو الحسين، ببغداد، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن إبراهيم بن عبد الله القصّار، وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي. وفيها محمد بن أحمد بن الحسن أبو عبد الله الكسائيّ المقرئ، بأصبهان، روى عن عبد الله بن محمد بن النّعمان وطبقته. وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد الرّازي ثم الدمشقي، الحافظ والد الحافظ تمّام. سمع بخراسان، والعراق، والشام، وسكن دمشق، وصنّف وجمع، وأقدم شيخ له محمد بن أيوب بن الضّريس. وروى عنه ولده تمّام الرّازي، ووثقه عبد العزيز الكتاني. قاله ابن بردس [2] .

_ [1] وكذا في «الإكمال» لابن ماكولا (7/ 199) و «تبصير المنتبه» لابن حجر (4/ 1243) ، وفي «سير أعلام النبلاء» للذهبي (15/ 566) : «مأتى» ولكنه أشار في آخر ترجمته إلى الوجه الذي ضبطت عليه نسبته في كتابنا والمصدرين المشار إليهما في صدر التعليق، فراجعه. [2] في الأصل والمطبوع: «ابن درباس» والصواب ما أثبته، وانظر التعليق على

فيها أبو علي محمد بن القاسم بن معروف التميمي الدمشقي الأخباري. قال الكتاني: حدّث عن أبي بكر أحمد بن علي المروزي بأكثر كتبه، واتّهم في ذلك، وقيل: إن أكثرها إجازة، وكان صاحب دنيا [1] ، يحب المحدّثين ويكرمهم، وعاش أربعا وستين سنة. قاله في «العبر» [2] . وقال في «المغني» [3] : له جزء سمعناه اتّهم في أخباره [4] عن أبي بكر أحمد بن علي. انتهى.

_ الصفحة (101 102) من هذا المجلد. [1] يعني كان غنيا صاحب مال. [2] (2/ 283) . [3] (2/ 625) . [4] في «المغني في الضعفاء» : «في إكثاره» .

سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة

سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» اتصلت الفتن بين الشيعة والسّنّة، وقتل بينهم خلق كثير. وفيها استنصرت الكلاب الرّوم على المسلمين، فظفروا بسريّة فأسروها، وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان، ثم أغاروا على الرّها، وحرّان، فقتلوا وسبوا، وأخذوا حصن الهارونية، وأحرقوه، وكرّوا على ديار بكر. وفي هذه المدة، عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرّض الإسلام على الغزاة. وفيها توفي النّجّاد أبو بكر أحمد بن سلمان [1] بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي الفقيه الحافظ، شيخ الحنابلة بالعراق، وصاحب التصانيف و «السنن» . سمع أبا داود السجستاني، وإبراهيم الحربي، وعبد الله بن الإمام أحمد، وهذه الطبقة. ومنه ابن مالك، وعمر بن شاهين، وابن بطة، وصاحبه أبو جعفر العكبري، وابن حامد، وأبو الفضل التميمي، وغيرهم، وكانت له حلقتان في جامع المنصور حلقة قبل الصلاة للفتوى على

_ [1] في الأصل والمطبوع و «العبر» (2/ 284) : «ابن سليمان» وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال التي بين يدي.

مذهب الإمام أحمد، وبعد الصلاة لإملاء الحديث، واتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه ومصنفاته، وكان رأسا في الفقه، رأسا في الحديث. قال أبو إسحاق الطبري: كان النّجّاد يصوم الدهر، ويفطر [كل ليلة] [1] على رغيف، ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة، أكل تلك اللّقم التي استفضلها، وتصدق بالرغيف. وقال أبو علي بن الصوّاف: وكان أحمد بن سلمان النّجّاد يجيء معنا إلى المحدّثين ونعله في يده، فقيل له: لم لا تلبس نعلك؟ قال: أحب أن أمشي في طلب حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأنا حاف، فلعله ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأخفّ النّاس- يعني حسابا يوم القيامة بين يدي الملك الجبّار- المسارع إلى الخيرات، ماشيا على قدميه حافيا» [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] : أخبرني جبريل أنّ الله تعالى ناظر إلى عبد يمشي حافيا في طلب الخير [2] . وقال أبو بكر النّجّاد: تضايقت وقتا من الزمان، فمضيت إلى إبراهيم الحربي فذكرت له قصتي، فقال: اعلم أني تضايقت يوما حتّى لم يبق معي إلا قيراط، فقالت الزوجة: فتش كتبك وانظر ما لا تحتاج إليه فبعه، فلما صليت عشاء الآخرة وجلست في الدهليز أكتب، إذ طرق عليّ الباب طارق، فقلت: من هذا؟ فقال: كلّمني، ففتحت الباب، فقال: أطفئ السراج، فطفيتها، فدخل الدهليز، فوضع فيه كارة [3] ، وقال: اعلم أنّا أصلحنا للصبيان طعاما، فأحببنا أن يكون لك وللصبيان فيه نصيب، وهذا أيضا شيء آخر، فوضعه إلى جانب الكارة، وقال: تصرفه في حاجتك- وأنا لا أعرف الرجل- وتركني وانصرف، فدعوت الزوجة وقلت لها: أسرجي، فأسرجت وجاءت،

_ [1] زيادة من «سير أعلام النبلاء» (15/ 503) . أقول: وصيام الدهر خلاف السّنّة. (ع) . [2] ذكره الخطيب البغدادي ضمن ترجمة المترجم في «تاريخ بغداد» (4/ 191) ، وإسناده ضعيف جدا. [3] الكارة: ما يجمع ويشدّ ويحمل على الظهر من طعام أو ثياب. انظر «المعجم الوسيط» (كور) .

وإذا الكارة منديل له قيمة، وفيه خمسون وسطا، في كل وسط لون من الطعام، وإذا إلى جانب الكارة كيس فيه ألف دينار. قال النّجّاد: فقمت من عنده، فمضيت إلى قبر أحمد فزرته، ثم انصرفت، فبينا أنا أمشي إلى جانب الخندق، إذ لقيتني عجوز من جيراننا، فقالت لي: أحمد، فأجبتها، فقالت: ما لك مغموم؟ فأخبرتها فقالت: اعلم أن أمك أعطتني قبل موتها ثلاثمائة درهم، وقالت لي: أخبئي هذه عندك، فإذا رأيت ابني مضيقا مغموما فأعطيه إيّاها، فتعال معي حتّى أعطيك إيّاها، فمضيت معها، فدفعتها إليّ. وقال النّجّاد: حدّثنا معاذ بن المثنى، ثنا خلّاد بن أسلم [1] ثنا محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، كلهم قال في قول الله عزّ وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 17: 79 [الإسراء: 79] . قال: يجلسه معه على العرش [2] وتوفي النّجّاد وقد كفّ بصره ليلة الثلاثاء، لعشر بقين من ذي الحجة، ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر بشر بن الحارث، وعاش خمسا وتسعين سنة. وفيها الخلدي، أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخوّاص الزاهد، شيخ الصوفية، ومحدّثهم. والخلدي: بالضم والسكون ومهملة، نسبة إلى الخلد محلة ببغداد. سمع الحارث بن أبي أسامة، وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما. قال السخاوي: هو جعفر بن محمد بن نصير أبو محمد الخوّاص، البغدادي المنشأ والمولد. صحب الجنيد، وعرف بصحبته، وصحب النّوري، ورويما [3] والجريري وغيرهم من مشايخ الوقت، وكان المرجع إليه

_ [1] في الأصل والمطبوع: «جلّاد بن أسلم» وهو خطأ، والتصحيح من «تقريب التهذيب» ص (196) . [2] أقول: وإسناده ضعيف، وانظر «تفسير الطبري» (15/ 98) (ع) . [3] في الأصل والمطبوع: «ورميم» والتصحيح من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (434) .

في علوم القوم وكتبهم، وحكاياتهم وسيرهم. قال: عندي مائة ونيّف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية. وحجّ قريبا من ستين حجّة، وتوفي ببغداد، وقبره بالشّونيزيّة، عند قبر السّري السّقطي والجنيد. ومن كلامه: لا يجد العبد لذّة المعاملة مع لذة النفس، لأنّ أهل الحقائق قطعوا العلائق. وقال: الفرق بين الرياء والإخلاص أنّ المرائي يعمل ليرى، والمخلص يعمل ليصل. وقال: الفتوّة احتقار النفس وتعظيم حرمة المسلمين. وقال لرجل: كن شريف الهمّة، فإن الهمم تبلغ بالرجل لا المجاهدات. وقال جعفر: ودعت في بعض حجّاتي المزين الكبير الصوفي، فقلت: زودني شيئا، فقال: إن ضاع منك شيء وأردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان، فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، اجمع بيني وبين كذا وكذا، فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء، أو ذلك الإنسان. قال: فما دعوت الله بتلك الدعوة في شيء إلا استجبت. توفي ليلة الأحد لتسع خلون من شهر رمضان. انتهى ملخصا. وقال في «العبر» [1] : حجّ ستّا وخمسين حجّة، وعاش خمسا وتسعين سنة. انتهى. وفيها علي بن محمد بن الزّبير القرشي الكوفي المحدّث، أبو الحسن، حدّث عن ابني عفّان، وإبراهيم بن عبد الله القصّار وجماعة. وثقه الخطيب ومات في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة.

_ [1] (2/ 285) .

وفيها محمد بن أحمد بن علي بن أسد البردعي [1] الأسدي بن حرارة، وحرارة لقب أبيه. وكان محمد هذا حافظا كبيرا، نقّادا، مكثرا. والبردعي: بفتح الباء والدال المهملة، وسكون الراء، نسبة إلى بردعة بلد بأذربيجان. وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي القارئ بالألحان. حدّث عن أحمد بن عبيد بن ناصح وجماعة، وقيل: إنه خلّط قبل موته.

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع: «البردعي» وفي «تذكرة الحفاظ» (3/ 971) و «طبقات الحفاظ» ص (387) : «البرذعي» بالذال.

سنة تسع وأربعين وثلاثمائة

سنة تسع وأربعين وثلاثمائة قال في «الشذور» : وفي هذه السنة أسلم من التّرك مائتا ألف حزكاه [1] . انتهى. وفيها أوقع نجا، غلام سيف الدولة بالرّوم، فقتل وأسر، وفرح المسلمون. وفيها تمت وقعة هائلة ببغداد، بين السّنّة والرافضة، وقويت الرافضة ببني هاشم، وبمعز الدّولة، وعطّلت الصلوات في الجوامع، ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين، فسكنت الفتنة. وفيها حشد سيف الدولة، ودخل الرّوم، فأغار، وقتل، وسبى، فرجعت إليه [2] جيوش الرّوم، فعجز عن لقائهم، وكرّ في ثلاثمائة، ونهبت خزانته، وقتل جماعة من أمرائه، والله المستعان. وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي العطشي- بفتحتين ومعجمة، نسبة إلى سوق العطش ببغداد- توفي في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. روى عن العطاردي، وعبّاس الدّوري، والكبار. وفيها أبو الفوارس الصّابوني.

_ [1] يعني مشدودين بالحبال. انظر: «لسان العرب» (حزك) وفي «النجوم الزاهرة» : «خركاه» . [2] في «العبر» : «فزحفت إليه» .

قال في «حسن المحاضرة» [1] : أبو الفوارس الصابوني أحمد بن محمد بن حسين بن السّندي، الثقة المعمّر، مسند ديار مصر. عن يونس بن عبد الأعلى، والمزني، والكبار، وآخر من روى عنه ابن نظيف. مات في شوال. وله مائة وخمس سنين. وفيها العلّامة أبو الوليد حسّان بن محمد القرشي الأموي النيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان، وصاحب ابن سريج. صنّف التصانيف، وكان بصيرا بالحديث وعلله. خرّج كتابا على «صحيح مسلم» . روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته. وعنه: الحاكم وغيره، وهو ثقة. أثنى عليه غير واحد، وهو صاحب وجه في المذهب. وقال فيه الحاكم: هو إمام أهل الحديث بخراسان، وأزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم. توفي في ربيع الأول عن اثنتين وتسعين [2] سنة. وفيها أبو علي الحافظ، الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري الثقة، أحد الأعلام. توفي في جمادى الأولى بنيسابور، وله اثنتان وسبعون سنة. قال الحاكم: هو واحد عصره، في الحفظ، والإتقان، والورع، والمذاكرة، والتصنيف. سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته، وفي الرحلة من النّسائي، وأبي خليفة، وطبقتهما، وكان باقعة [3] في الحفظ، كان ابن عقدة يخضع لحفظه. وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، أبو محمد

_ [1] (1/ 369) . [2] كذا في الأصل والمطبوع، وفي «العبر» (2/ 287) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 495) : «عن اثنتين وسبعين» وانظر التعليق على «العبر» . [3] في الأصل والمطبوع: «باعقة» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (368) . قال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (بقع) : الباقعة: الرجل الداهية والذّكيّ العارف لا يفوته شيء ولا يدهى.

المعدّل [1] وكان ابن عم أبي القاسم البغوي. سمع أحمد بن ملاعب، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما. قال الدارقطني: ليّن. وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم [شيخ] [2] القرّاء بالعراق، وهو عبد الواحد بن عمر بن محمد البغدادي، صاحب التصانيف، وتلميذ ابن مجاهد. روى عن محمد بن جعفر القتّات وطائفة، ومات في شوال، عن سبعين سنة. وفيها أبو أحمد العسّال القاضي، واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم، قاضي أصبهان. سمع محمد بن أسد المديني، وأبا بكر بن أبي عاصم وطبقتهما، ورحل وجمع وصنّف، وكان من أئمة هذا الشأن. قال أبو نعيم الحافظ: كان من كبار الحفاظ. وقال ابن مندة: كتبت عن ألف شيخ، لم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسّال. وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا كبيرا متقنا. وقال في «العبر» [3] : قلت: توفي في رمضان، وله نحو من ثمانين سنة أو أكثر. وقال ابن بردس [4] : وروى عنه أولاده أبو عامر، وأبو جعفر أحمد، وإبراهيم، والعبّاس، وأبو بكر عبد الله، وابن مندة، وأبو نعيم الحافظ. وهو أحد الأئمة في الحديث فهما، وإتقانا، وأمانة.

_ [1] في «العبر» : «العدل» وانظر «ميزان الاعتدال» (2/ 392) . [2] لفظة «شيخ» سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» (2/ 288) . [3] (2/ 289) . [4] في الأصل والمطبوع: «ابن درباس» وهو خطأ والصواب ما أثبته، وانظر التعليق على الصفحة (101- 102) من هذا المجلد.

وقال أبو بكر بن علي: هو ثقة مأمون. قال أبو يعلى في «الإرشاد» له: أبو أحمد العسّال، حافظ متقن، عالم بهذا الشأن. انتهى ما قاله ابن بردس [1] . وفيها الحافظ ابن سعد البزّاز الحاجي، واسمه عبد الله بن أحمد بن سعد بن منصور، أبو محمد، النيسابوري الحاجي البزّاز، الحافظ الثبت. روى عن محمد البوشنجي، وإبراهيم بن أبي طالب، والسرّاج وطبقتهم، وعنه أبو عبد الله الحاكم وغيره. قال الحاكم: كتب الكثير، وجمع الشيوخ، والأبواب [2] ، والملح، ووثقه ابن شيرويه. وفيها ابن علم الصفّار، أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي، صاحب الجزء المعروف المشهور. قال الخطيب [3] : جميع ما عنده [عنهما] [4] جزء، ولم أسمع أحدا [من أصحابنا] [5] يقول فيه إلّا خيرا. قال في «العبر» [6] : سمع محمد بن إسحاق الصاغاني وغيره، ومات في شعبان، ويقال: إنه جاوز المائة. انتهى.

_ [1] انظر «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 886- 889) . [2] في الأصل والمطبوع: «والأموات» وهو خطأ، والتصحيح من «تذكرة الحفاظ» (3/ 907) . [3] في «تاريخ بغداد» (5/ 454) . [4] يعني عن شيخيه محمد بن إسحاق الصاغاني، وأحمد بن أبي خيثمة. [5] زيادة من «تاريخ بغداد» . [6] (2/ 289) .

سنة خمسين وثلاثمائة

سنة خمسين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» وقع برد كل بردة أوقيتان وأكثر، فقتل البهائم والطيور. انتهى. وفيها بنى معزّ الدولة ببغداد دار السلطنة في غاية الحسن والكبر، غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف درهم [1] وقد درست آثارها في حدود الستمائة، وبقي مكانها دحلة [2] يأوي إليها الوحش، وبعض أساسها موجود، فإنه حفر لها في الأساسات نيّفا وثلاثين ذراعا. وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر. سمع أبا عيسى الترمذي، وأبا حاتم الرّازي وطبقتهما. قال الحاكم: كان من المجتهدين في العبادة، ولو اقتصر على سماعه الصحيح لكان أولى به، لكنه حدّث عن جماعة أشهد بالله أنه لم يسمع منهم. وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، القاضي، أبو بكر، البغدادي، تلميذ محمد بن جرير، وصاحب التصانيف في الفنون، ولي قضاء

_ [1] كذا في كتابنا وفي «دول الإسلام» للذهبي (1/ 216) و «النجوم الزاهرة» (3/ 327) : «ثلاثة عشر ألف ألف درهم» ، وفي «العبر» (2/ 290) : «ثلاثة عشر ألف ألف دينار» . [2] حفرة ضيقة الفم واسعة الجوف. انظر «لسان العرب» و «المعجم الوسيط» (دحل) .

الكوفة، وحدّث عن محمد بن سعد العوفي وطائفة، وعاش تسعين سنة. توفي في المحرم. قال الدارقطني: ربما حدّث من حفظه بما ليس في كتابه، أهلكه العجب، وكان يختار لنفسه، ولم يقلّد أحدا [1] . وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله. وقال في «المغني» [2] : أحمد بن كامل القاضي، بغدادي حافظ. قال الدارقطني: كان متساهلا. انتهى. وفيها أبو سهل القطّان، أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي، المحدّث الأخباري الأديب، مسند وقته. روى عن العطاردي، ومحمد بن عبيد الله المنادي، وخلق، وفيه تشيّع قليل. وكان يديم التهجّد والتلاوة والتعبّد، وكان كثير الدّعابة. قال البرقاني: كرهوه لمزاح فيه، وهو صدوق. توفي في شعبان، وله إحدى وتسعون سنة. وفيها أبو محمد الخطبيّ، إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة، وكان يرتجل الخطب ولا يتقدّمه فيها [3] أحد، فلذا نسب إليها. وفيها أبو علي الطبري، الحسن بن القاسم، شيخ الشافعية ببغداد، درّس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة، وصنّف التصانيف، ك «المحرّر» و «الإفصاح» و «العدة» وهو صاحب وجه.

_ [1] في «العبر» : «ولا يقلد أحدا» . [2] (1/ 52) . [3] لفظة «فيها» لم ترد في «العبر» للذهبي وكذلك ما جاء بعد لفظة «أحد» .

قال الإسنوي [1] : وصنّف في الأصول، والجدل والخلاف، وهو أول من صنّف في الخلاف المجرّد، وكتابه فيه يسمى «المحرّر» . سكن بغداد ومات بها. والطبريّ: نسبة إلى طبرستان، بفتح الباء الموحدة، وهو إقليم متّسع، مجاور لخراسان، ومدينته آمل، بهمزة ممدودة وميم مضمومة، بعدها لام. وأما الطبرانيّ: فنسبة إلى طبرية الشام. انتهى ملخصا. وفيها أبو جعفر بن بريه الهاشمي، خطيب جامع المنصور، عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن المنصور، أبي جعفر، في صفر، وله سبع وثمانون سنة، وهو في طبقة الواثق في النسب. روى عن العطاردي، وابن أبي الدّنيا. وفيها توفي خليفة الأندلس، وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس، الناصر لدين الله، أبو المطرّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله [الأموي] [2] المرواني، وكانت دولته خمسين سنة، وقام بعده ولده المستنصر بالله [3] ، وكان كبير القدر كثير المحاسن، أنشأ مدينته الزهراء، وهي عديمة النظير في الحسن، غرم عليها من الأموال ما لا يحصى. قاله في «العبر» [4] . وقال الشيخ أحمد المقّري [5] المتأخّر في كتابه «أزهار الرياض في أخبار عياض» [6] : وكانت سبتة مطمح همم ملوك العدوتين، وقد كان للناصر

_ [1] في «طبقات الشافعية» (2/ 154) . [2] زيادة من «العبر» (2/ 293) . [3] في الأصل والمطبوع: «المنتصر» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» . [4] (2/ 293) . [5] قال العلّامة الزركلي في ترجمته في «الأعلام» (1/ 237) : المقّري: نسبة إلى مقّرة، بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة، من قرى تلمسان. [6] في الأصل والمطبوع: «زهر الرياض في أخبار عياض» وهو خطأ، والتصحيح من «كشف الظنون» (1/ 72) و «الأعلام» .

المرواني صاحب الأندلس عناية واهتمام بدخولها في إيالته، حتّى حصل له ذلك. ومنها ملك المغرب، وكان تملكه إيّاها سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وبها اشتد سلطانه وملك البحر بعدوية، وصار المجاز في يده، ومن غريب ما يحكى أنه أراد الفصد، فقعد في المجلس الكبير المشرف بأعلى مدينته بالزهراء، واستدعى الطبيب لذلك، وأخذ الطبيب المبضع وجسّ يد الناصر، فبينما هو كذلك، إذ طل زر زور، فصعد على إناء من ذهب بالمجلس، وأنشد: أيّها الفاصد مهلا ... بأمير المؤمنينا إنما تفصد عرقا ... فيه محيا العالمينا وجعل يكرر ذلك المرة بعد المرة، فاستظرف أمير المؤمنين الناصر ذلك غاية الاستظراف، وسرّ به غاية السرور، وسأل من أين اهتدى إلى ذلك؟ ومن علّم الزر زور، فذكر له، أن السيدة الكبيرة مرجانة، أمّ ولي عهده الحاكم المستنصر بالله صنعت ذلك، وأعدّته لذلك الأمر، فوهب لها ما ينوف على ثلاثين ألف دينار. والناصر المذكور هو الباني لمدينة الزهراء العظيمة المقدار، ولما بنى قصر الزهراء المتناهي في الجلالة، أطبق الناس على أنه لم يبن مثله في الإسلام البتّة، وكل من رآه قطع أنه لم ير مثله ولم يبصر له شبها، بل لم يسمع بمثله، بل لم يتوهم كون مثله. وذكر المؤرخ أبو مروان بن حيّان، صاحب الشرطة، أن مباني قصر الزهراء اشتملت على أربعة آلاف سارية، ما بين كبيرة وصغيرة، حاملة ومحمولة، ونيّف على ثلاثمائة سارية زائدة، وأن مصارع أبوابها صغارها وكبارها كانت تنيف على خمسة عشر ألف باب، وكان عدد الفتيان بالزهراء ثلاثة عشر ألف فتى وسبعمائة وخمسون فتى، وعدة النساء بقصر الزهراء

الصغار والكبار وخدم الخدمة ثلاثة آلاف وثلاثمائة امرأة وأربع عشرة. وذكر بعض أهل الخدمة في الزهراء أنه قدر النفقة فيها في كل يوم بثلاثمائة ألف دينار، مدة خمسة وعشرين عاما. قال القاضي أبو الحسن: ومن أخبار منذر بن سعيد البلوطي المحفوظة له مع الخليفة الناصر في إنكاره عليه الإسراف في البناء، أن الناصر كان اتخذ لسطح القبة التي كانت على الصرح الممرد المشهور شأنه بقصر الزهراء قراميد مغشاة ذهبا وفضة، أنفق عليها مالا جسيما، وقد مدّ سقفها به، تستلب الأبصار بأشعة أنوارها، وجلس فيها أثر تمامها يوما لأهل مملكته، فقال لقرابته من الوزراء وأهل الخدمة، مفتخرا بما صنعه من ذلك: هل رأيتم أو سمعتم ملكا كان قبلي فعل مثل فعلي هذا وقدر عليه؟ فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، وإنك لأوحد في شأنك كله، وما سبقك إلى مبتدعاتك هذه ملك رأيناه، ولا انتهى إلينا خبره، فأبهجه قولهم وسرّه، وبينما هو كذلك إذ دخل عليه القاضي منذر بن سعيد واجما ناكس الرأس، فلما أخذ مجلسه، قال له كالذي قال لوزرائه من ذكر السقف المذهب، واقتداره عليه، وعلى إبداعه، فأقبلت دموع القاضي تنحدر على لحيته، وقال له: والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الشيطان- لعنه الله تعالى- يبلغ منك هذا المبلغ، ولا أن تمكنه من قلبك هذا التمكين، مع ما آتاك الله من فضله ونعمته، وفضّلك به على العالمين، حتّى ينزلك منازل الكافرين. قال: فانفعل عبد الرحمن لقوله وقال له: انظر ما تقول، وكيف أنزلتني منزلتهم؟ فقال له: نعم، أليس الله تعالى يقول: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً من فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ 43: 33 [الزّخرف: 33] . فوجم الخليفة، واطّردت عيناه، وأطرق مليا ودموعه تتساقط خشية وخشوعا لله تعالى، ثم أقبل على منذر، فقال له: جزاك الله يا قاضي عنّا وعن نفسك خيرا، وعن الدّين والمسلمين أجمل جزائه، وكثّر في الناس أمثالك، فالذي قلت هو الحق، وقام من

مجلسه ذلك، وأمر بنقض سقف القبة، وأعاد قرمدها ترابا على صفة غيرها. وحكى غير واحد أنه وجد بخط الناصر رحمه الله تعالى أيام السرور التي صفت له دون تكدير، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، ويوم كذا من كذا، وعدّت تلك الأيام، فكان فيها أربعة عشر يوما، فاعجب أيّها العاقل لهذه الدّنيا وعدم صفائها، وبخلها بكمال الأحوال لأوليائها، هذا الخليفة الناصر حلف السعود، المضروب به المثل في الارتقاء في الدّنيا، ملكها خمسين سنة وستة أو سبعة أشهر، وثلاثة أيام، ولم يصف له إلا أربعة عشر يوما، فسبحان ذي العزّة العالية القائمة، والمملكة الباقية الدائمة، تبارك اسمه وتعالى جدّه، لا إله إلّا هو. انتهى ما أورده المقّري مختصرا. وفيها القاضي أبو السائب، عتبة بن عبيد الله الهمذانيّ الشافعيّ الصوفيّ تزهد أولا، وصحب الكبار، ولقي الجنيد، ثم كتب الفقه، والحديث، والتفسير، وولي قضاء أذربيجان، ثم قضاء همذان، ثم سكن بغداد ونوّه باسمه، إلى أن ولي قضاء القضاة، وكان أول من ولي قضاء القضاة من الشافعية. وفيها فاتك المجنون، أبو شجاع الرّومي الإخشيذي. قال ابن خلّكان [1] : كان روميا، أخذ صغيرا، هو وأخوه، وأخت لهما من بلد الرّوم، من موضع قرب حصن يعرف بذي الكلاع، فتعلّم الخطّ بفلسطين، وهو ممّن أخذه الإخشيذ من سيده كرها بالرّملة بلا ثمن، فأعتقه صاحبه، وكان معهم حرّا في عدة المماليك، وكان كريم النفس بعيد الهمّة شجاعا كثير الإقدام، ولذلك قيل له «المجنون» وكان رفيق الأستاذ كافور في خدمة الإخشيذ، فلما مات مخدومهما، وتقرر كافور في خدمة ابن الإخشيذ أنف فاتك من الإقامة بمصر كيلا يكون كافور أعلى رتبة منه، ويحتاج أن

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 21) .

يركب في خدمته، وكانت الفيوم وأعمالها إقطاعا له، فانتقل إليها واتخذها سكنا له، وهي بلاد وبيئة كثيرة الوخم، فلم يصح له بها جسم، وكان كافور يخافه ويكرمه [فزعا منه] [1] وفي نفسه منه ما فيها، فاستحكمت العلة في جسم فاتك، وأحوجته إلى دخول مصر للمعالجة، فدخلها وبها أبو الطيب المتنبي ضيفا للأستاذ كافور، وكان يسمع بكرم فاتك وكثرة سخائه، غير أنه لا يقدر على قصد خدمته خوفا من كافور، وفاتك يسأل عنه ويراسله بالسلام، ثم التقيا بالصحراء مصادفة من غير ميعاد، وجرى بينهما مفاوضات، فلما رجع فاتك إلى داره حمل لأبي الطيب في ساعته هدية قيمتها ألف دينار، ثم أتبعها بهدايا بعدها، فاستأذن المتنبي الأستاذ كافور في مدحه، فأذن له، فمدحه بقصيدته المشهورة وهي من غرر القصائد التي أولها: لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النّطق إن لم تسعد [2] الحال وما أحسن قوله فيها: كفاتك ودخول الكاف منقصة ... كالشمس [3] ولّت وما للشّمس أمثال ثم توفي فاتك المذكور عشية الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمسين وثلاثمائة بمصر، فرثاه المتنبي، وكان قد خرج من مصر بقصيدته التي أولها: الحزن يقلق والتجمّل يردع ... والدّمع بينهما عصيّ طيّع [4] وما أرق قوله فيها: إني لأجبن من فراق أحبّتي ... وتحسّ نفسي بالحمام فأشجع

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «يسعد» والبيت في «ديوانه» (3/ 276) بشرح العكبري، وتحقيق السقا، والأبياري، والشلبي. [3] في «وفيات الأعيان» : «كالشمس قلّت» . [4] البيت في «ديوانه» بشرح العكبري (2/ 268) .

ويزيدني غضب الأعادي قسوة ... ويلمّ بي عتب الصّديق فأجزع تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عمّا مضى منها وما يتوقّع ولمن يغالط في الحقيقة نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع تتخلّف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها [1] الفناء فتتبع وهي من المراثي الفائقة، وله فيه غيرها. انتهى ملخصا. وفيها مسند بخارى، أبو بكر، محمد بن أحمد بن خنب [2] البغدادي الدّهقان الفقيه المحدّث، في رجب، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن أبي طالب، وابن أبي الدّنيا، والكبار، واستوطن بخارى، وصار شيخ تلك الناحية.

_ [1] في «وفيات الأعيان» «فيدركها» ، والأبيات في «ديوانه» بشرح العكبري (2/ 269- 270) . [2] في الأصل والمطبوع: «ابن حبيب» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/ 294) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 523) و «تاج العروس» (خنب) (2/ 384) المطبوع في الكويت.

سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة فيها كما قال ابن الجوزي في «الشذور» وقع برد في الحامدة [1] كل بردة رطل ونصف، ورطلان. وفيها ورد الخبر بورود الرّوم عين زربة [2] في مائة وستين ألفا، فقتل ملكهم الدّمستق خلقا كثيرا، وأوقع أربعين ألف نخلة، وهدم سور البلد والجامع، وكسر المنبر، وورد إلى حلب بغتة ومعه مائتا ألف، فانهزم منه سيف الدولة، فظفر بداره، فوجد فيها ثلاثمائة وسبعين بدرة دراهم، فأخذها، وأخذ ما لا يحصى من السلاح، وأحرق الدار، وأخذ خلقا كثيرا كانوا أسرى عند المسلمين، بضعة عشر ألف صبي وصبية، وأخذ من النساء ما أراد، وعمد إلى جباب الزيت، فصبّ فيها الماء، حتّى فاض الزيت. انتهى. وفيها كما قال في «العبر» [3] رفعت المنافقون رؤوسها ببغداد، وقامت الدولة الرافضية، وكتبوا على أبواب المساجد لعنة معاوية، ولعنة من غصب

_ [1] لعلها الجامدة، وهي قرية كبيرة جامعة من أعمال واسط بينها وبين البصرة. انظر «معجم البلدان» (1/ 95) . [2] في الأصل والمطبوع: «عين روية» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (8/ 320) و «العبر» (2/ 294- 295) و «غربال الزمان» ص (304) ، وفي «معجم البلدان» (4/ 177) : «عين زربي» بفتح الزاي، وسكون الراء، وباء موحدة، وألف مقصورة. وانظر «النجوم الزاهرة» (3/ 331) . [3] (2/ 295- 296) .

فاطمة حقّها [1] ، ولعنة من نفى أباذرّ، فمحته أهل [2] السّنّة في الليل، فأمر معز الدولة بإعادته، فأشار عليه الوزير المهلّبيّ، أن يكتب: ألا لعنة الله على الظالمين [لآل محمّد] [3] ولعنة معاوية فقط. انتهى. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكّري، بمصر. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وطائفة [4] . وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت المكّي. روى عن عليّ البغوي، وأبي يزيد القراطيسي وطائفة، وعاش تسعين سنة. وفيها أحمد بن محمد أبو الحسين النيسابوري، قاضي الحرمين، وشيخ الحنفية في عصره. ولي قضاء الحجاز مدّة، ثم قدم نيسابور، وولي قضاءها. تفقّه على أبي الحسن الكرخي، وبرع في الفقه، وعاش سبعين سنة. قال في «العبر» [5] : وروى عن أبي خليفة الجمحي، وكان القاضي أبو بكر الأبهري، شيخ المالكية يقول: ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من أبي الحسين. وفيها أبو إسحاق الهجيمي مصغرا- نسبة إلى بني الهجيم، بطن من

_ [1] في «النجوم الزاهرة» (3/ 332) : «حقها من فدك» وجاء في حاشيته: فدك بالتحريك. قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة، أفاءها الله عزّ وجل على رسوله، صلى الله عليه وسلم، في سنة سبع صلحا، وهي التي قالت فاطمة رضي الله عنها: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نحلنيها. فقال أبو بكر، رضي الله عنه: أريد لذلك شهودا، وقد ردّها عمر، رضي الله عنه، إلى ورثة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ... وانظر «معجم البلدان» (4/ 238- 240) . [2] لفظة «أهل» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 296) وانظر «النجوم الزاهرة» (3/ 333) . [4] حصل في الأصل هنا بعض الخطأ، فتكررت بعض العبارات من الترجمة التالية، وأبقيت النص كما جاء في المطبوع و «العبر» للذهبي مصدر المؤلف. [5] (2/ 297) .

تميم، وإلى محلة لهم بالبصرة- إبراهيم بن علي البصري في آخر السنة، وقد قارب المائة. روى عن جعفر بن محمد بن شاكر، والكديمي، وطائفة. وفيها دعلج بن أحمد [بن دعلج] [1] أبو محمد السّجزي [2] المعدّل، وله نيّف وتسعون سنة. رحل وطوّف، وأكثر، وسمع من هشام السّيرافي، وعلي البغوي وطبقتهما. قال الحاكم: أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي [3] بمذهبه. وقال الدارقطني: لم أر في مشايخنا أثبت من دعلج. وقال الحاكم: لم يكن في الدّنيا أيسر منه، اشترى بمكة دار العباس [4] بثلاثين ألف دينار، وكان الذهب في داره بالقفاف، وكان كثير المعروف والصّلات، توفي في جمادى الآخرة. قاله في «العبر» [5] . وقال ابن ناصر الدّين: دعلج بن أحمد بن دعلج، أبو محمد السجستاني ثم البغدادي، أحد المشهورين بالبرّ، والصدقات، والأفضال. قال الحاكم- وهو ممّن روى عنه-: لم يكن في الدّنيا أيسر منه، كان الذهب بالقفاف في داره. انتهى. وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الورد البغدادي، بمصر، راوي «السّيرة» عن ابن البرقي في رمضان. وفيها أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ، ببغداد،

_ [1] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (8/ 195- 198) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ مأمون الصاغرجي، طبع دار الفكر بدمشق، و «طبقات الحفاظ» ص (360) . [2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «الشجري» والتصحيح من «العبر» . [3] لفظة «يفتي» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع و «العبر» . [4] في «العبر» : «دار العباسية» . [5] (2/ 297) .

في شوال، وله ست وثمانون سنة. سمع الحارث بن أبي أسامة، وإبراهيم بن الهيثم البلدي، وطبقتهما وصنّف التصانيف. قال الدارقطني: كان يخطئ ويصرّ على الخطأ. وقال ابن ناصر الدّين: وثقه جماعة، واختلط قبل موته بنحو سنتين. انتهى. وفيها أبو أحمد الحبّيني [1] ، علي بن محمد المروزي. سمع سعيد بن مسعود المروزي وطبقته، وكان صاحب حديث. قال الحاكم: كان يكذب [2] . والحبّيني: بالضم وكسر الموحدة المشددة وتحتية ونون، نسبة إلى سكة حبّين بمرو. وفيها أبو بكر النقّاش، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي ثم البغدادي، المقرئ المفسّر، صاحب التصانيف، في التفسير والقراءات. روى عن أبي مسلم الكجّي وطائفة، وقرأ على أصحاب ابن ذكوان، والبزّي، ورحل ما بين مصر إلى ما وراء النهر، وعاش خمسا وثمانين سنة، ومع جلالته في العلم ونبله فهو ضعيف متروك الحديث. قال الذهبي في «المغني» [3] : مشهور، اتّهم بالكذب، وقد أتى في تفسيره بطامّات وفضائح، وهو في القراءات أمثل. انتهى.

_ [1] تنبيه: كذا وقع في الأصل والمطبوع و «العبر» (2/ 298) «الحبّيني» وهو خطأ، صوابه «الحبيبي» انظر «الأنساب» (4/ 53) و «ميزان الاعتدال» (3/ 155) و «المغني في الضعفاء» (2/ 455) . قلت: وقد أبعد محقّق الجزء الثاني من «العبر» الأستاذ فؤاد سيد، فأكد التحريف الذي حصل لناسخ «العبر» بل زاد على ذلك بإحالته على ضبط ابن العماد في «الشذرات» وذلك من الخطأ المركب!! [2] في «العبر» : «كان يكتب مثل السكر» . [3] (2/ 570) .

وفيها أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشّيباني الكوفي، مسند الكوفة في زمانه. روى عن إبراهيم بن عبد الله القصّار، وأحمد بن أبي غرزة [1] وجماعة. وفيها يحيى بن منصور القاضي، أبو محمد النيسابوري، ولي قضاء نيسابور بضع عشرة سنة. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وأحمد بن سلمة، وطبقتهما.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أحمد بن عرعرة» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 299) و «تذكرة الحفاظ» (2/ 594) .

سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة

سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة فيها يوم عاشوراء، ألزم معز الدولة أهل بغداد بالنّوح والمآتم، على الحسين، رضي الله عنه، وأمر بغلق الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الرافضة منشّرات الشعور، مضمّخات [1] الوجوه، يلطمن، ويفتنّ الناس، وهذا أول ما نيح عليه، اللهمّ ثبت علينا عقولنا. قاله في «العبر» [2] . وفيها في ثامن عشر ذي الحجة، عملت الرافضة عيد الغدير، [غدير] خمّ [3] ، ودقّت الكوسات، وصلّوا بالصحراء صلاة العيد. قاله في «العبر» أيضا [4] . وفيها بعث صاحب إرمينية إلى ناصر الدولة رجلين ملتصقين خلفة من جانب واحد، فويق الحقو [5] إلى دوين الإبط، ولدا كذلك ولهما بطنان، وسرّتان، ومعدتان، ولم يمكن فصلهما، وكان ربما يقع بينهما تشاجر،

_ [1] تحرّفت في «العبر» إلى «مضخمات» فتصحح فيه. ومعنى مضمّخات: ملطخات. انظر «لسان العرب» (ضمخ) ، وراجع الخبر في «غربال الزمان» ص (305) . [2] (2/ 300) . [3] غدير خم: بين مكة والمدينة. انظر «معجم ما استعجم» (2/ 510) و «معجم البلدان» (4/ 188) . [4] (2/ 300) . [5] الحقو: الخصر. انظر «مختار الصحاح» (حقا) .

فيختصمان، ويحلف أحدهما لا يكلّم الآخر أياما، ثم يصطلحان، فمات أحدهما قبل الآخر، فلحق الحيّ الغمّ من نتن الرائحة، فمات. قاله في «الشذور» [1] . وفيها توفي الوزير المهلّبي، أبو محمد الحسن بن محمد الأزدي، من ذرية المهلّب بن أبي صفرة، وزير معز الدولة بن بويه. كان من رجال الدّهر حزما، وعزما، وسؤددا، وعقلا، وشهامة، ورأيا. توفي في شعبان، وقد نيّف على الستين، وكان فاضلا، شاعرا، فصيحا، حليما، جوادا، صادر معز الدولة أولاده من بعده، ثم استوزر أبا الفضل بن الحسين [2] الشيرازي واسمه العباس. قال ابن خلّكان [3] : وكان الوزير المهلّبي قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة، وكان قد سافر مرّة، ولقي في سفره مشقة صعبة، واشتهى اللّحم فلم يقدر عليه، فقال ارتجالا: ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه ألا موت لذيذ الطّعم يأتي ... يخلّصني من العيش الكريه إذا أبصرت قبرا من بعيد ... وددت بأنّني مما يليه ألا رحم المهيمن نفس حرّ ... تصدّق بالوفاة على أخيه وكان معه رفيق يقال له: أبو عبد الله الصوفي، وقيل: أبو الحسن العسقلاني، فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه، وتفارقا. وتنقلت بالمهلّبي الأحوال، وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة، وضاقت الأحوال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم، وبلغه وزارة

_ [1] وانظر الخبر برواية أخرى أكثر تفصيلا في «المنتظم» (7/ 16- 17) و «النجوم الزاهرة» (3/ 334- 335) . [2] تحرّفت في «العبر» إلى «الحسن» فتصحح فيه. وانظر «الكامل في التاريخ» (8/ 547) . [3] في «وفيات الأعيان» (2/ 124- 126) .

المهلّبي، فقصده وكتب إليه: ألا قل للوزير فدته نفسي ... مقالة مذكّر ما قد نسيه أتذكر إذ تقول لضنك عيش ... ألا موت يباع فأشتريه فلما وقف عليها تذكر [1] وهزّته أريحيّة الكرم، فأمر له في الحال بسبعمائة درهم، ووقّع في رقعته: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ 2: 261 [البقرة: 261] ، ثم دعا به، فخلع عليه، وقلّده عملا يرتفق به. ولما ولي المهلّبي الوزارة بعد تلك الإضافة عمل: رقّ الزمان لفاقتي ... ورثى لطول تحرّقي فأنالني ما أرتجي ... هـ وحاد عمّا أتّقي فلأصفحن عمّا أتا ... هـ من الذنوب السّبّق حتّى جنايته بما ... فعل [2] المشيب بمفرقي وكان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال، يدعى تكين الجامدار، وكان شديد المحبة له، فبعث سريّة لمحاربة بعض بني حمدان، وجعل المملوك المذكور مقدّم الجيش، وكان الوزير المهلّبي يستحسنه ويرى أنه من أهل الهوى لا من أهل مدد الوغى [3] ، فعمل فيه: طفل يرقّ الماء في ... وجناته [4] ويرفّ عوده ويكاد من شبه العذا ... رى فيه أن تبدو نهوده

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «تذكره» . [2] في «وفيات الأعيان» : «صنع» . [3] في «وفيات الأعيان» : «لا مدد الوغى» فتصحح العبارة فيه. [4] في الأصل والمطبوع: «جنباته» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» ولفظ البيت في «يتيمة الدهر» للثعالبي (2/ 267) طبع دار الكتب العلمية ببيروت: ظبي يرقّ الماء في ... وجناته ويرقّ عوده

ناطوا بمعقد خصره ... سيفا ومنطقة تؤوده جعلوه قائد عسكر ... ضاع الرعيل ومن يقوده وكان كذلك، فإنه ما أنجح [في تلك الحركة] [1] وكانت الكرة عليهم. ومن شعره النادر في الرّقة قوله: تصارمت الأجفان لمّا صرمتني ... فما تلتقي [2] إلّا على عبرة تجري انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الأندلسي القرطبي الحافظ، كان ينظّر بيحيى بن معين، وكان أحد أركان الحديث بالأندلس. سمع بعد سنة ثلاثمائة من جماعة، منهم: محمد بن فطيس، وسعيد بن عثمان الأعناقي. ومنه: قاسم بن محمد وغيره، وكان إماما حجّة مقدّما على حفّاظ زمانه، عجبا في معرفة الرجال والعلل، وقيل: كان يحفظ الشيء من مرّة، ورد أن المنتصر بالله الحكم قال: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين، فاخرناهم بخالد بن سعد. وفيها أبو بكر الإسكافي، محمد بن محمد بن أحمد بن مالك، ببغداد، في ذي القعدة. روى عن موسى بن سهل الوشّاء وجماعة، وله جزء مشهور [3] . وفيها أحمد بن محمد بن السّري بن يحيى بن السّري التميمي الكوفي، أبو بكر بن أبي دارم. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» :

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «فما نلتقي» وما جاء في كتابنا موافق لما في «يتيمة الدهر» (2/ 282) . [3] قلت: وثّقه السمعاني، وضعّفه الذهبي. انظر «الأنساب» (1/ 245) و «العبر» (2/ 301) .

ابن أبي دارم الضعيف ... شيعهم برفضه نحيف أي كان رافضا، فضعّف بسبب رفضه. روى عن إبراهيم بن عبد الله القصّار، وأحمد بن موسى الحمار، ومطين، وعنه الحاكم، وابن مردويه وآخرون، وكان محدّث الكوفة وحافظها، وجمع في الحطّ على الصحابة، وقد اتّهم في الحديث. وفيها أحمد بن عبيد بن إسماعيل الحافظ الثقة أبو الحسن البصري الصّفّار. روى عن الكديمي، ومحمد بن غالب تمتام. وروى عنه الدارقطني، وابن جميع. قال الدارقطني: ثقة ثبت ذكره ابن بردس [1] . وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاعي البغدادي، أبو الحسن [2] روى عن زوج أمّه أبي بكر بن أبي الدّنيا، وهو ضعيف جدا [3] .

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ابن درباس» والصواب ما أثبته، وقد سبق لهذا الاسم أن تحرّف في أكثر من موطن من قبل وقمت بالتنبيه على ذلك أكثر من مرة. [2] قوله: «وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاعي البغدادي، أبو الحسن» سقط من «العبر» فيستدرك فيه. [3] انظر «ميزان الاعتدال» للذهبي (3/ 112) و «لسان الميزان» لابن حجر (4/ 9194.

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» بعث الهجريون [1] إلى سيف الدولة، فاستهدوا حديدا، فقلع أبواب الرّقة، وأخذ كل ما يقدر عليه من الحديد، حتّى صنجات البالوعة، فبعثها إليهم. وفيها نازل الدّمستق المصّيصة وحاصرها، وغلت الأسعار بها، ثم ترحّل عنها للغلاء الذي أصاب جيشه، ثم جاء لطرسوس. وفيها توفي أبو سعيد بن أبي عثمان الحيري، واسمه أحمد بن محمد بن الزاهد أبي عثمان سعيد الحيريّ النيسابوري، شهيدا بطرسوس، وله خمس وستون سنة. روى عن الحسن بن سفيان وطبقته، وصنّف «التفسير الكبير» و «الصحيح» على رسم مسلم، وغير ذلك. قال ابن ناصر الدّين: كان حافظا، شجاعا، له «التفسير الكبير» و «الصحيح» على [رسم] مسلم. خرج يعسكر للجهاد مريدا، فقتل بطرسوس شهيدا. انتهى. وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن حمزة الحافظ، وهو إبراهيم بن

_ [1] في «النجوم الزاهرة» (3/ 336) : «وفيها بعث القرامطة» وانظر الخبر فيه برواية أخرى أطول من التي ساقها المؤلف.

محمد بن حمزة بن عمارة، بأصبهان، في رمضان، وهو في عشر الثمانين. قال أبو نعيم: لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله، جمع الشيوخ والسند. وقال أبو عبد الله بن مندة الحافظ: لم أر أحفظ منه. وقال ابن عقدة: قلّ من رأيت مثله. روى عن مطين، وأبي شعيب الحرّاني. وفيها أبو عيسى بكّار بن أحمد البغدادي، شيخ المقرئين في زمانه. قرأ على جماعة من أصحاب الدّوري، وسمع من عبد الله بن أحمد بن حنبل، وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين. وفيها جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدّب. روى عن الكديمي وطبقته، وكان من العارفين البارعين الخيّرين. وفيها أبو علي بن السّكن، الحافظ الكبير، سعيد بن عثمان بن سعيد بن السّكن المصري، صاحب التصانيف، وأحد الأئمة. سمع بالعراق، والشام، والجزيرة، وخراسان، وما وراء النهر، من أبي القاسم البغوي وطبقته، كالفربري، وابن جوصا. وممّن روى عنه ابن مندة، وعبد الغني بن سعيد، وكان ثقة حجّة، توفي في المحرم، وله تسع وخمسون سنة. وفيها أبو الفوارس شجاع بن جعفر الورّاق الواعظ ببغداد، وقد قارب المائة. روى عن العطاردي، وأبي جعفر بن المنادي وطائفة، وكان أسند من بقي. وفيها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المديني [1] الأصبهاني. سمع أسيد بن عاصم، ومحمد بن إسماعيل الصائغ وجماعة.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «المدائني» وهو خطأ، والتصحيح من «أخبار أصفهان» لأبي نعيم

وفيها أبو محمد الفاكهي، عبد الله بن محمد بن العبّاس المكّي، صاحب أبي يحيى بن أبي ميسرة، وكان أسند من بقي بمكّة. وفيها أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي المحدّث المقرئ. روى عن أبي زرعة الدمشقي وطائفة. توفي في ذي الحجّة عن ثلاث وتسعين سنة. وفيها أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ، أحد الرحّالة. سمع بالشام، ومصر، والعراق، وأصبهان، وروى عن بكر بن سهل الدمياطي، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتّاني [1] : كان يتهم [2] . وعاش سبعا وثمانين سنة.

_ (2/ 86) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 44) و «العبر» (2/ 304) . فهو منسوب إلى المدينة المنورة، وأما «المدائني» فنسبة إلى «المدائن» . فائدة: قال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 82) : ذكر ابن طاهر بإسناده إلى محمد بن إسماعيل البخاري قال: المديني: هو الذي أقام بالمدينة ولم يفارقها، والمدني الذي تحوّل عنها وكان منها، والمشهور عندنا يعني عند المحدّثين أن النسبة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، مدنيّ مطلقا وإلى غيرها من المدن مديني للفرق لا لعلة أخرى، وربما ردّه بعضهم إلى الأصل، فنسب إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا مدينيّ. [1] تصحفت نسبته في المطبوع إلى «الكناني» وهو عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي، أبو محمد الكتّاني المتوفي سنة (466) وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس إن شاء الله تعالى. [2] انظر «ميزان الاعتدال» للحافظ الذهبي (4/ 57) و «لسان الميزان» للحافظ ابن حجر (5/ 411) .

سنة أربع وخمسين وثلاثمائة

سنة أربع وخمسين وثلاثمائة فيها بنى الدّمستق نقفور مدينة بالرّوم، وسمّاها قيساريّة، وقيل: قيصريّة [1] ، وسكنها [ليغير كل وقت] [2] ، وجعل أباه بالقسطنطينيّة، فبعث إليه أهل طرسوس، والمصّيصة يخضعون له، ويسألونه أن يقبل منهم القطيعة كل سنة، وينفذ إليهم نائبا له عليهم، فأجابهم، ثم علم ضعفهم وشدّة القحط عليهم، وأن أحدا لا ينجدهم، وأن كلّ يوم يخرج من طرسوس ثلاثمائة جنازة، فرجع عن الإجابة، وخاف إن تركهم حتّى تستقيم أحوالهم أن يمتنعوا عليه، فأحرق الكتاب على رأس الرسول، فاحترقت لحيته، وقال: امض، ما عندي إلّا السيف، ثم نازل المصّيصة، فأخذها بالسيف واستباحها، ثم فتح طرسوس بالأمان، وجعل جامعها اصطبلا لخيله، وحصّن البلدين وشحنهما [3] بالرجال. وفيها توفي أبو بكر بن الحدّاد، وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي المصري [4] . مات بديار مصر. روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وبكر بن سهل الدمياطي وطبقتهما.

_ [1] قلت: وذلك ما جزم به الذهبي في «دول الإسلام» (1/ 220) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» و «دول الإسلام» . [3] في «العبر» (2/ 305) : «وحصن البلد وشحنها» ، وانظر «دول الإسلام» فقد جاءت العبارة فيه كما في كتابنا. [4] في الأصل والمطبوع: «البغدادي المصري البغدادي» وهو خطأ من النّساخ والصواب

وفيها المتنّبيّ، شاعر العصر، أبو الطيب، أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفيّ الكوفيّ، في رمضان، بين شيراز والعراق، وله إحدى وخمسون سنة. قال في «العبر» [1] : وليس في العالم [أحد] أشعر منه أبدا، وأمّا مثله فقليل. وقال ابن الأهدل: قدم الشام في صباه، واشتغل بفنون الأدب [2] ، ومهر فيها، وتضلع من علم اللغة. قال له أبو علي الفارسي، صاحب «الإيضاح» و «التكملة» : كم لنا من الجموع على وزن فعلى؟ فقال له: المتنّبيّ سريعا: حجلى وظربى، قال الفارسي: ففتشت كتب اللغة ثلاث ليال، فلم أجد لهما ثالثا. حجلى جمع حجل، وهو الطائر المسمى بالقبج، وظربى جمع ظربان، كقطران، وهي دابة منتنة الرائحة. ومن الناس كثير يرجحون المتنبي على أبي تمام. ومن بعده. ورزق سعادة في شعره، واعتنى العلماء بديوانه فشرحوه أكثر من أربعين شرحا. مدح جماعة من الملوك، ووصله ابن العميد بثلاثين ألفا، وأتاه من عضد الدولة صاحب شيراز مثلها. وسمي المتنّبيّ لأنه ادّعى النبوّة في بادية السماوة، وتبعه خلق كثير من كلب وأخرج [إليه] [3] لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيذية فأسره واستتابه، وتفرّق أصحابه، وكان كافور الإخشيذي يقول لما هجاه: من ادّعى النبوّة، أما يدعي الملك.

_ ما أثبته، وإنما نسب إلى مصر لسكنه «تنّيس» . انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 80) و «العبر (2/ 305 306) . [1] (2/ 306) . [2] في المطبوع: «في فنون الأدب» . [3] لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع.

وكان العلماء يحضرون مجلس سيف الدولة، ويتناظرون كل ليلة، فوقع بين المتنبي وابن خالويه ليلة كلام، فوثب ابن خالويه على المتنبي، فضرب وجهه بمفتاح فشجّه، فخرج ودمه يسيل على وجهه، فغضب وخرج إلى كافور، فلما صدر منه قصد بلاد فارس بالمشرق، ومدح عضد الدولة الديلمي، فأجزل جائزته، فلما رجع من عنده عرض له فاتك بن أبي جهل، فقتل المتنبيّ، وابنه محسّد، وغلامه مفلح بالقرب من النّعمانية على ميلين من دير العاقول. ثم رأى المتنبيّ [1] الغلبة ففرّ، فقال له الغلام: لا يتحدث عنك بفرار وأنت القائل: الخيل واللّيل والبيداء تعرفني ... والطّعن والضّرب والقرطاس والقلم فكرّ راجعا فقتل. ويحكى أن المعتضد صاحب قرطبة أنشد يوما بيت المتنبي: إذا ظفرت منك العيون بنظرة ... أثاب بها معيي المطيّ ورازمه [2] وجعل يردده فأنشده ابن وهبون الأندلسي بديها: لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما ... تجيد العطايا واللها تفتح اللها تنبّأ عجبا بالقريض ولو درى ... بأنك تروى شعره لتألّها أي لادّعى الألوهية. انتهى ما أورده ابن الأهدل.

_ [1] تنبيه: كذا الأصل والمطبوع وهو نص مقطوع مضطرب لا ينسجم مع ما جاء قبله، ولقد ساق هذه الرواية ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (1/ 123) نقلا عن كتاب «العمدة» لابن رشيق (1/ 45) وهي عنده على النحو التالي: وذكر ابن رشيق في كتاب «العمدة» في باب منافع الشعر ومضاره، أن أبا الطيب لما فرّ، حين رأى الغلبة، قال له غلامه ... إلخ. [2] لفظ البيت في الأصل والمطبوع: إذا ظفرت منك العيون بنظرة ... أبان لها معنى المطي ورازمه وما أثبته من «نفح الطيب» للتلمساني (3/ 194) و «وفيات الأعيان» (1/ 124) .

وروى له الشيخ تاج الدّين الكندي [1] بالسند الصحيح بيتين لا يوجدان في «ديوانه» وهما: أبعين مفتقر إليك نظرتني ... فأهنتني وقذفتني من حالق لست الملوم أنا الملوم لأنني ... أنزلت آمالي بغير الخالق ولما كان بمصر مرض، وكان له صديق يغشاه في علّته، فلما شفي، انقطع عنه، فكتب إليه: وصلتني وصلك الله معتّلا وقطعتني مبلّا فإن رأيت أن لا تحبّب العلة إليّ، ولا تكدر الصحة عليّ فعلت، إن شاء الله تعالى. وقال الناميّ الشاعر: كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي، وكنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما، ما سبق إليهما، أحدهما قوله: رماني الدّهر بالأرزاء حتّى ... فؤادي في غشاء من نبال فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسّرت النّصال على النّصال والآخر قوله: في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما يبصرن بالآذان وقال أبو الفتح بن جني النحوي: قرأت ديوان أبي الطيب عليه، فلما بلغت قوله في كافور القصيدة التي أولها: أغالب فيك الشوق والشوق أغلب ... وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب حتّى بلغت إلى قوله: ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ... ولا أشتكي فيها ولا أتعتّب وبي ما يذود الشعر عني أقلّه ... ولكنّ قلبي يا ابنة القوم قلّب

_ [1] قلت: والمؤلف ينقل هذا النقل عن «وفيات الأعيان» (1/ 121) .

فقلت: يعزّ عليّ، أن يكون [1] هذا الشعر في مدح [2] غير سيف الدولة؟ فقال: حذرناه وأندرناه، فما نفع. ألست القائل فيه؟: أخا الجود أعط النّاس ما أنت مالك ... ولا تعطينّ الناس ما أنا قائل فهو الذي أعطاني كافورا بسوء تدبيره وقلة تمييزه. مولد المتنبي بالكوفة في سنة ثلاث وثلاثمائة في محلة تسمى كندة، فنسب إليها، وليس هو من كندة التي هي قبيلة، بل هو جعفي القبيلة من مذحج، وقتل يوم الأربعاء لست بقين، أو ليلتين بقيتا، وقيل يوم الاثنين، لثمان بقين من شهر رمضان. وفيها العالم الحبر والعلّامة البحر، أبو حاتم محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان بن معاذ التّميمي البستي الشافعي، صاحب «الصحيح» كان حافظا ثبتا إماما حجة، أحد أوعية العلم، صاحب التصانيف. سمع أبا خليفة الجمحي، والنسائي وطبقتهما، ومنه الحاكم وطبقته، واشتغل بخراسان، والشام، والعراق، ومصر، والجزيرة. وكان من أوعية العلم في الحديث، والفقه، واللغة، والوعظ، وغير ذلك. حتّى الطب، والنجوم، والكلام. ولي قضاء سمرقند، ثم قضاء نساء، وغاب دهرا عن وطنه، ثم ردّ إلى بست، وتوفي بها في شوال، وهو في عشر الثمانين. قال الخطيب [3] : كان ثقة نبيلا. وقال ابن ناصر الدّين: له أوهام أنكرت، فطعن عليه بهفوة منه بدرت ولها محمل لو قبلت. وقال الإسنوي [4] : أبو حاتم محمد بن حبّان- بكسر الحاء المهملة،

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «كيف يكون» . [2] في «وفيات الأعيان» : «في ممدوح» . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 94) وفيه: كان ثقة، نبيلا، فهما. [4] انظر «طبقات الشافعية» له (1/ 418- 419) المطبوع ببغداد بتحقيق الأستاذ عبد الله الجبوري.

بعدها باء موحدة، البستي، بباء موحدة مضمومة وسين مهملة ساكنة، وبالتاء بنقطتين من فوق- الإمام الحافظ، مصنّف «الصحيح» وغيره. رحل إلى الآفاق. كان من أوعية العلم، لغة، وحديثا، وفقها، ووعظا، ومن عقلاء الرجال. قاله الحاكم. وقال ابن السمعاني: كان إمام عصره، تولى قضاء سمرقند مدة، وتفقه به الناس، ثم عاد إلى نيسابور، وبنى بها خانقاه، ثم رجع إلى وطنه، وانتصب بها لسماع مصنفاته، إلى أن توفي ليلة الجمعة لثمان بقين من شوال. انتهى ما أورده الإسنويّ. قلت: وأكثر نقّاد الحديث على أن «صحيحه» أصحّ من «سنن ابن ماجة» والله أعلم. وفيها أبو بكر بن مقسم المقرئ، محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطّار، وله تسع وثمانون سنة. قرأ على إدريس الحداد، وسمع من أبي مسلم الكجّي وطائفة، وتصدّر للإقراء دهرا. وكان علّامة في نحو الكوفيين. سمع من ثعلب «أماليه» وصنّف عدة تصانيف، وله قراءة معروفة منكرة، خالف فيها الإجماع، وقد وثّقه الخطيب [1] . وفيها أبو بكر الشافعي، محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزّاز، صاحب «الغيلانيات» في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة، وهو صاحب «الغيلانيات» . وابن غيلان آخر من روى عنه تلك الأجزاء، التي هي في السماء علوّا. روى عن موسى بن سهل الوشاء، ومحمد بن شدّاد المسمعي، وابن أبي الدّنيا، وأكثر. وعنه: الدارقطني، وعمر بن شاهين، وأبو طالب بن غيلان، وخلق. قال الخطيب: كان ثقة ثبتا [كثير الحديث] حسن التصنيف.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (2/ 206) .

وقال الدارقطني [1] : هو الثّقة المأمون، الذي لم يغمز بحال. وقال الخطيب أيضا [2] : لما منعت الدّيلم الناس من ذكر فضائل الصحابة، وكتبوا السبّ على أبواب المساجد، كان يتعمد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع، والله أعلم.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 42) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 456- 457) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرّف تبعا للذهبي في «العبر» (2/ 307) .

سنة خمس وخمسين وثلاثمائة

سنة خمس وخمسين وثلاثمائة فيها أخذت بنو سليم ركب مصر والشام، وتمزقوا في البراري. وفيها توفي الحافظ أبو بكر الجعابي، محمد بن عمر بن أحمد بن سلم التميمي البغدادي. سمع يوسف بن يعقوب القاضي، ومحمد بن الحسن بن سماعة وطبقتهما، ومنه الدارقطني، وابن شاهين، وأبو عبد الله الحاكم، وكان حافظا مكثرا، وصنّف الكتب، وتوفي في رجب، وله اثنتان وسبعون سنة. وكان عديم المثل في حفظه. قال القاضي أبو عمر الهاشمي: سمعت الجعابي يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذاكر ستمائة ألف حديث. قال الدارقطني: ثم خلّط، ثم ذكر أنه كان شيعيا [1] . قيل: كان يترك الصلاة، نسأل الله العفو. وقال ابن ناصر الدّين: كان شيعيا، رمي بالشرب وغيره. وقال ابن بردس [2] : كان حافظا مكثرا، غير أنه اتهم بقلة الدّين من ترك الصلاة، وليس هذا موضع ذكره، لأن فيه كلاما كثيرا يضيق هذا الموضع عنه. انتهى.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ثم ذكر وهو شيعي» وما أثبته من «العبر» . [2] تحرّف في الأصل إلى: «ابن برداس» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

وقال في «المغني» [1] : مشهور، محقق، لكنه رقيق الدّين، تالف. وفيها أبو الحكم، منذر بن سعيد البلّوطي، قاضي الجماعة بقرطبة. سمع من عبيد الله بن يحيى اللّيثي، وكان ظاهريّ المذهب، فطنا، مناظرا، ذكيا، بليغا، مفوّها، شاعرا كثير التصانيف. قوّالا بالحق، ناصحا للخلق، عزيز المثل، له الخطب المفحمة الخالصة، الخارجة من قلب مخلص سليم، عاش اثنتين وثمانين سنة. وفيها ابن علّان، أبو الحسن، علي بن الحسن بن علّان الحرّاني [2] ، الحافظ العالم، محدّث حرّان. روى عن أبي يعلى الموصلي وطبقته، وعنه أبو عبد الله بن مندة، وتمام الرّازي وآخرون، وكان ثقة نبيلا. وفيها محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور، الحافظ الإمام، أبو الحسن، النيسابوري التاجر. روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وخلق، وحدّث عنه أبوه وعمه، وأثنى عليه خلق، وهو من الثقات. وفيها محمد بن معمر بن ناصح، أبو مسلم الذّهلي الأديب، بأصبهان. روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وأبي شعيب الحرّاني وطائفة.

_ [1] (2/ 620) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 20- 21) .

سنة ست وخمسين وثلاثمائة

سنة ست وخمسين وثلاثمائة فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين، على العادة المارّة في هذه السنوات. وفيها مات السلطان معز الدولة، أحمد بن بويه الدّيلمي، وكان في صباه يحتطب، وأبوه يصيد السمك، فما زال إلى أن ملك بغداد، نيّفا وعشرين سنة، ومات بالإسهال [1] عن ثلاث وخمسين سنة، وكان من ملوك الجور والرّفض، ولكنه كان حازما سايسا مهيبا، قيل: إنه رجع في مرضه عن الرفض، وندم على الظلم، وقيل: إن سابور ذا الأكتاف، أحد ملوك الفرس من أجداده، وكان أقطع، طارت يده اليسرى [2] في بعض الحروب، وتملّك بعده ابنه عزّ الدولة بختيار. وفيها أبو محمد المغفّلي [3] أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي، أحد الأئمة. قال الحاكم: كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة. سمع أحمد بن نجدة، وإبراهيم بن أبي طالب، ومطيّنا وطبقتهم، وكان فوق الوزراء، وكانوا يصدرون عن رأيه. وفيها القالي أبو علي، إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي

_ [1] في المطبوع: «بالإسمال» وهو خطأ، وانظر «العبر» (2/ 309) . [2] لفظة «اليسرى» لم ترد في «العبر» . [3] تحرّفت نسبته في «العبر» إلى «المعقلي» فتصحح فيه.

الأخباري، صاحب التصانيف، ونزيل الأندلس بقرطبة، في ربيع الآخر، وله ست وسبعون سنة. أخذ الآداب عن ابن دريد، وابن الأنباري، وسمع من أبي يعلى الموصلي، والبغوي، وطبقتهما، وألّف كتاب «البارع» في اللغة، في خمسة آلاف ورقة، لكن لم يتمّه. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : طاف البلاد، وسافر إلى بغداد، وأقام بالموصل لسماع الحديث من أبي يعلى الموصلي، ودخل بغداد في سنة خمس وثلاثمائة، وأقام بها إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وكتب بها الحديث، ثم خرج من بغداد قاصدا الأندلس. ودخل قرطبة سابع عشري شعبان، سنة ثلاثين وثلاثمائة، واستوطنها وأملى كتابه «الأمالي» بها وأكثر كتبه بها وضعها، ولم يزل بها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر، وقيل: جمادى الأولى، ليلة السبت، لست خلون من الشهر، ومولده بمنازجرد من ديار بكر. والقالي: نسبة إلى قالي قلا [3] ، من ديار بكر. انتهى. ملخصا. وفيها الرّفاء، أبو حامد بن محمد الهروي، الواعظ المحدّث، بهراة في رمضان. روى عن عثمان الدارمي، والكديمي، وطبقتهما، وكان ثقة صاحب حديث. وفيها الرّافقي [4] أبو الفضل العبّاس بن محمد بن نصر بن السّريّ. روى عن هلال بن العلاء وجماعة، وتوفي بمصر. قال يحيى بن علي الطّحان: تكلموا فيه.

_ [1] (2/ 310) . [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 226- 227) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف. [3] كذا ذكرها المؤلف نقلا عن «وفيات الأعيان» (1/ 227) وانظر «معجم البلدان» (4/ 299- 300) ففي كلام ياقوت عنها فائدة عزيزة. [4] في الأصل والمطبوع: «الرافعي» وهو خطأ، والتصحيح من «التصحيح من «العبر» (2/ 310) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 45) .

وفيها عبد الخالق بن الحسن بن أبي روبا، أبو محمد السقطي، نسبة إلى بيع السّقط [1] ، المعدّل البغدادي، ببغداد. روى عن محمد بن غالب تمتام وجماعة. وسنقة [2] ، أبو عمرو عثمان بن محمد البغدادي السقطي. سمع الكديمي، وإسماعيل القاضي، ومات في آخر السنة، وله سبع وثمانون سنة. وفيها صاحب الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين الأموي الأصبهاني، الكاتب الأخباري. يروى عن مطيّن فمن بعده، وكان أديبا، نسابة، علّامة، شاعرا، كثير التصانيف. ومن العجائب أنه مرواني يتشيع. توفي في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن خلّكان [4] : جده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة، وهو أصفهاني الأصل بغدادي المنشأ، كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها، وروى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم، وكان عالما بأيام الناس، والأنساب، والسّير. قال التنوخي: ومن المتشيعين الذين شاهدناهم، أبو الفرج الأصبهاني، كان يحفظ [من] الشعر، والأغاني، والأخبار، والآثار، والأحاديث المسندة، والأدب، والنسب [ما] لم أر قطّ من يحفظ مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخر [5] ، منها اللغة، والنحو، والخرافات [6] ، والسير، والمغازي، ومن

_ [1] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 91) في شرح السّقط: وهي الأشياء الخسيسة كالخرز، والملاعق، وخواتيم الشّبة والحديد، وغيرها. [2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «سبعة» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (16/ 81) . [3] (2/ 311) . [4] في «وفيات الأعيان» (3/ 307- 309) . [5] في المطبوع: «أخرى» وما جاء في الأصل موافق لما في «وفيات الأعيان» . [6] في الأصل والمطبوع: «والحرف» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» ، و «تاريخ بغداد»

آلة المنادمة شيئا كثيرا، مثل علم الجوارح والبيطرة، وشيء من الطب والنجوم والأشربة، وغير ذلك وله شعر [1] يجمع إتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعر، وله المصنفات المستملحة، منها: كتاب «الأغاني» الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله، يقال: إنه جمعه في خمسين سنة، وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان، فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه. وحكي عن الصاحب بن عبّاد أنه كان في أسفاره يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب «الأغاني» لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه، استغناء به عنها. وكان منقطعا إلى الوزير المهلّبي، وله فيه مدائح، منها قوله فيه: ولما انتجعنا لائذين بظله ... أعان وما عنّى ومن وما منا وردنا عليه مقترين فراشنا ... وردنا نداه مجدبين فأخصبنا وكان قد خلّط قبل أن يموت، رحمه الله تعالى. انتهى ما أورده ابن خلّكان مختصرا. وفيها سيف الدولة، علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التّغلبيّ الجزريّ، صاحب الشام، بحلب، في صفر، وله بضع وخمسون سنة. وكان بطلا شجاعا، كثير الجهاد، جيد الرأي، عارفا بالأدب والشعر، جوّادا، ممدّحا. مات بالفالج، وقيل: بعسر البول، وكان قد جمع من الغبار الذي أصابه في الغزوات ما جاء منه لبنة بقدر الكف، وأوصى أن يوضع خدّه إذا دفن عليها، وتملّك بعده ابنه سعد الدولة خمسا وعشرين سنة. وبعده ولده أبو الفضل، وبموته انقرض ملك بني سيف الدولة.

_ (11/ 399) . [1] لفظة «شعر» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

قال الثعالبي في «يتيمته» [1] : كان بنو حمدان ملوكا [وأمراء] ، أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة، وسيف الدولة شهم سادتهم [2] وواسطة قلادتهم، [ويقال: إنه] [3] لم يجتمع بباب أحد من الملوك- بعد الخلفاء- ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعراء [4] وغيرهم، وكان شاعرا يرتاح للشعر وجرت بينه وبين أخيه ناصر الدولة وحشة، فكتب إليه من شعره: لست أجفو وإن جفيت [5] ولا أت ... رك حقا عليّ في كلّ حال إنما أنت والد والأب الجا ... في يجازى بالصبر والاحتمال وكتب إليه مرة أخرى: رضيت لك [6] العليا وإن كنت أهلها ... وقلت وهل بيني وبين أخي فرق ولم يك لي [7] عنها نكول وإنما ... تجافيت عن حقي ليبقى لك الحق ولا بدّ لي من أن أكون مصليّا ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق وأخباره كثيرة مع شعراء وقته، كالمتنبي، والسّريّ الرّفّاء، والنّامي، والوأواء، وتلك الطبقة. ويحكى أن ابن عمه أبا فراس كان يوما بين يديه في نفر من ندمائه،

_ [1] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 37) طبع دار الكتب العلمية ببيروت ولفظة «وأمراء» زيادة منه وقد نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» (3/ 401- 405) و (2/ 115- 116) . [2] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» (3/ 401) : «مشهور بسيادتهم» . [3] زيادة من «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» . [4] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «من شيوخ الشعر» . [5] في الأصل والمطبوع: «وإن جفوت» وأثبت ما جاء في «وفيات الأعيان» . [6] كذا في الأصل والمطبوع و «وفيات الأعيان» : «رضيت لك» وفي «يتيمة الدهر» (1/ 56) : «رضيت إليك» . [7] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «ولم يك بي» .

فقال لهم سيف الدولة: أيّكم يجيز قولي؟ وليس له إلا سيدي، يعني أبا فراس: لك جسمي تعلّه ... فدمي لم تحلّه فارتجل أبو فراس وقال: قال إن كنت مالكا ... فلي الأمر كلّه فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج، تغلّ ألفي دينار في كل سنة. ومن محاسن شعر سيف الدولة قوله في وصف قوس قزح وقد أبدع فيه كل الإبداع: وساق صبيح للصّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منقضّ عليها [1] ومنفض وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ... على الجوّد كنا والحواشي على الأرض يطرّزها [2] قوس السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر إثر مبيض كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبّغة والبعض أقصر من بعض وهذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يخطر مثلها لغيرهم. ومن حسن شعره أيضا قوله: تجنّى عليّ الذنب والذنب ذنبه ... عاتبني ظلما وفي شقّه العتب إذا برم المولى بخدمة عبده ... تجنّى له ذنبا وإن لم يكن ذنب وأعرض لما صار قلبي بكفه ... فهلّا جفاني حين كان لي القلب ومحاسنه وأخباره كثيرة فلنكتف بهذا القدر.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «منقض علينا» . [2] في الأصل والمطبوع: «وطرزها» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .

وفيها أبو المسك كافور الحبشي الأسود، الخادم الإخشيذي، صاحب الديار المصرية. اشتراه الإخشيذ، وتقدم عنده حتّى صار من أكبر قوّاده، لعقله، ورأيه، وشجاعته، ثم صار أتابك ولده من بعده، وكان صبيّا، فبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور، والدّست لكافور، فأحسن سياسة الأمور إلى أن مات أنوجور- ومعناه بالعربي محمود- في سنة تسع وأربعين، عن ثلاثين سنة، وأقام كافور في الملك بعده أخاه عليا، إلى أن مات في أول سنة خمس وخمسين، وله إحدى وثلاثون سنة، فتسلطن كافور، واستوزر أبا الفضل جعفر بن حنزابة، ابن الفرات [1] ، وعاش بضعا وستين سنة. قاله في «العبر» [2] . وأخباره كثيرة شهيرة، منها أنه كان ليلة كل عيد يرسل وقر بغل دراهم في صرر مكتوب على كل صرة اسم من جعلت له، من بين عالم، وزاهد، وفقير، ومحتاج، وتوفي يوم الثلاثاء عشري جمادى الأولى، فعلى هذا لم تطل مدته في الاستقلال، بل كانت سنة واحدة وشيئا يسيرا، رحمه الله تعالى، وكانت بلاد الشام في مملكته أيضا مع مصر، وكان يدعى له على المنابر بمكّة، والحجاز جميعه، والديار المصرية، وبلاد الشام، من دمشق، وحلب، وأنطاكية، وطرسوس، والمصّيصة، وغير ذلك، وكان تقدير عمره خمسا وستين سنة، على ما حكاه الفرغاني [3] في «تاريخه» . وفيها أبو الفتح عمر بن جعفر بن محمد بن سلم الجيلي الرجل الصالح ببغداد وله خمس وثمانون سنة روى عن الكديمي وطبقته.

_ [1] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 126) . [2] (2/ 312) . [3] هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الفرغاني، أبو منصور، مؤرخ من سكان مصر، وبها وفاته، له «تاريخ» أشار إليه المؤلف، مات سنة (398) هـ. انظر ترجمته في «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/ 132) طبع دار الفكر بدمشق، و «الأعلام» للزركلي (1/ 156) .

سنة سبع وخمسين وثلاثمائة

سنة سبع وخمسين وثلاثمائة لم يحجّ فيها الركب لفساد الوقت، وموت السلاطين في الشهور الماضية. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن إسحاق بن عتبة الرّازي، ثم المصري المحدّث، في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة. سمع مقدام بن داود الرّعيني وطبقته. وفيها أحمد بن محمد بن رميح أبو سعيد النّخعي النّسوي- نسبة إلى نسا مدينة بخراسان- الحافظ صاحب التصانيف. طوّف الكثير، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته. وعنه الدارقطني، والحاكم، والصحيح أنه ثقة. سكن اليمن مدة. وفيها المتّقي لله أبو إسحاق [إبراهيم بن] المقتدر بالله [1] جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي المخلوع، الذي ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين [2] أنهم خلعوه وسملوا عينيه، وبقي في السجن إلى هذا العام كالميّت، ومات في شعبان، وله ستّون سنة، وكانت خلافته أربع سنين، وكان

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وعبارة «المقتدر بالله» تحرّفت فيه إلى «المتقي لله» وأثبت لفظ المطبوع، وانظر «العبر» (2/ 313) و «دول الإسلام» (1/ 221) . [2] انظر ص (181) من هذا المجلد.

أبيض مليحا مشربا حمرة، أشهل أشقر، كثّ اللحية، وكان فيه صلاح وكثرة صيام وصلاة، ولم يكن يشرب، وفي خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية، التي كانت فخر بني العبّاس. قاله في «العبر» [1] . وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الراضي، وهو ابن أربع وثلاثين سنة، وأمه أمة اسمها خلوب، وقيل: زهرة، ولم يغير شيئا قطّ، ولا تسرّى على جاريته التي كانت له، وكان كثير الصوم والتعبد، لم يشرب نبيذا قطّ، وكان يقول: لا أريد نديما غير المصحف، ولم يكن له إلّا الاسم، والتّدبير لأبي عبد الله أحمد بن علي الكوفي كاتب بجكم. وفي هذه السنة من ولايته سقطت القبة الخضراء بمدينة المنصور، وكانت تاج بغداد، ومأثرة بني العبّاس، وهي من بناء المنصور، ارتفاعها ثمانون ذراعا، وتحتها إيوان طوله عشرون ذراعا في عشرين ذراعا، وعليها تمثال فارس بيده رمح، فإذا استقبل بوجهه [جهة] [3] علم أن خارجيا يظهر من تلك الجهة، فسقط رأس هذه القبة في ليلة ذات مطر ورعد. ولما كحل المتقي لله وعمي قال القاهر: صرت وإبراهيم شيخي عمى ... لا بدّ للشيخين من مصدر ما دام توزون له إمرة ... مطاعة فالميل في المجمر ولم يحل الحول على توزون حتّى مات، وأما المتقي فإنه أخرج إلى جزيرة مقابلة للسندية فحبس بها، فأقام في السجن خمسا وعشرين سنة، إلى أن مات.

_ [1] (2/ 313- 314) . [2] ص (394- 397) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله تعالى. [3] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «تاريخ الخلفاء» .

وفي أيام المتقي كان [ابن] حمدي [1] اللص ضمنه [ابن] شيرزاد لما تغلّب على بغداد اللصوصية بخمسة وعشرين ألف دينار في الشهر، فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشمع ويأخذ الأموال، وكان اسكورج [2] الديلمي قد ولي شرطة بغداد، فأخذه ووسّطه وذلك سنة اثنتين وثلاثين. ولما بلغ القاهر أن المتقي سمل قال: صرنا اثنين، ونحتاج إلى ثالث، فكان كذلك، فإنه سمل المستكفي بالله. انتهى ما أورده السيوطي ملخصا. وفيها حمزة بن محمد بن علي بن العبّاس أبو القاسم الكناني المصري الحافظ، أحد أئمة هذا الشأن. روى عن النسائي وطبقته، وعنه ابن مندة، والدارقطني وغيرهما، وهو ثقة ثبت. أكثر التطواف بعد الثلاثمائة، وجمع، وصنّف، وكان صالحا ديّنا، بصيرا بالحديث وعلله، مقدّما فيه، وهو صاحب مجلس البطاقة. توفي في ذي الحجة ولم يكن للمصريين في زمانه أحفظ منه. قال الحاكم: متفق على تقدمه في معرفة الحديث. وفيها القاضي أبو العبّاس عبد الله بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن النّضر [3] النّضري [4] المروزي، محدّث مرو، في شعبان، وله سبع وتسعون سنة. رحّله أبوه، وسمع من الحارث بن أبي أسامة، وأبي إسماعيل [محمد بن إسماعيل] الترمذي [5] وطائفة. وانتهى إليه علو الإسناد بخراسان.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «كان حمدي» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 416) . [2] في الأصل والمطبوع: «اسكورح» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» . [3] لفظة «النّضر» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [4] تحرّفت في «العبر» إلى «البصري» فتصحح فيه، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 60) . [5] ما بين حاصرتين زيادة من «الأنساب» (3/ 47) .

وفيها أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، ابن عم ناصر الدولة، وسيف الدولة ابني حمدان. قال الثعالبي في وصفه [1] : كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ومجدا، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة والحلاوة [والمتانة] ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزّة الملك. ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلّا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعدّ أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام، وكان الصاحب بن عبّاد يقول: بدئ الشعر بملك، وختم بملك، يعني امرأ القيس وأبا فراس، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من هو دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا، لا إغفالا وإخلالا. وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس، ويميّزه بالإكرام على سائر قومه، [ويصطنعه لنفسه] ويستصحبه في غزواته، ويستخلفه في أعماله. وكانت الرّوم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى القسطنطينية، وذلك في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة [2] ، وفداه سيف الدولة، ومن شعره: قد كنت عدّتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتدّ الزمان وساعدي فرميت منك بضدّ ما أمّلته ... والمرء [3] يشرق بالزّلال البارد

_ [1] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 57) وما بعدها، طبع دار الكتب العلمية ببيروت وانظر «وفيات الأعيان» (2/ 58- 64) . [2] لفظة «وثلاثمائة» لم ترد في المطبوع. [3] في الأصل: «والماء» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «يتيمة الدهر» .

وله أيضا: أساء فزادته الإساءة حظوة ... حبيب على ما كان منه حبيب يعدّ عليّ الواشيان ذنوبه ... ومن أين للوجه الجميل ذنوب؟ وله أيضا: سكرت من لحظه لا من مدامته ... ومال بالنّوم عن عيني تمايله فما السّلاف دهتني بل سوالفه ... ولا الشّمول ازدهتني بل شمائله ألوى بعزمي اصداغ لوين له ... وغال قلبي بما تحوى غلائله وكان ينشد ابنته لما حضرته الوفاة: نوحي عليّ بحسرة ... من خلف سترك والحجاب قولي إذا كلمتني ... فعييت عن ردّ الجواب زين الشباب أبو فرا ... س لم يمتّع بالشباب وهذا يدل على أنه لم يقتل، أو يكون جرح وتأخر موته، ثم مات من الجراحة. وذكر ثابت بن سنان الصابئ في «تاريخه» قال: في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى جرت حرب بين أبي فراس، وكان مقيما بحمص، وبين أبي المعالي بن سيف الدولة، واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب، وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية، إلى أن جاء بعض الأعراب فكفّنه ودفنه. انتهى. أي لأنه كما قال ابن خالويه: لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة، وغلام أبيه فرغويه فقاتلاه، وكان أبو فراس خال أبي المعالي، وقلعت أمه عينها لما بلغها وفاته، وقيل: إنها لطمت وجهها فقلعت عينها، وقيل: لما قتله فرغويه ولم

يعلم به أبو المعالي، فلما بلغه الخبر شقّ عليه. ويقال: إن مولده كان في سنة عشرين وثلاثمائة، والله أعلم. وفيها عبد الرحمن بن العبّاس، أبو القاسم البغدادي، والد أبي طاهر المخلّص. سمع الكديمي، وإبراهيم الحربي، وجماعة، ووثقه ابن أبي الفوارس، وكان أطروشا. وفيها الحافظ عمر بن جعفر البصري المحدّث، أبو حفص. خرّج لخلق كثير، ولم يكن بالمتقن، وقد روى عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان، وطبقتهما. وعنه أبو الحسن رزقويه، وعلي بن أحمد الرّزاز. وكان الدارقطنيّ يتتبع خطأ عمر البصري فيما انتقاه عن أبي بكر الشافعي، وعاش عمر هذا سبعا وسبعين سنة. وقال عنه ابن ناصر الدّين: متهم. وقال في «المغني» [1] : صدوق، وقال أبو محمد السبيعي: كذاب، وقال غيره: يخطئ كثيرا. انتهى كلام «المغني» . وفيها أبو إسحاق القراريطي الوزير، وهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكافي الكاتب. وزر لمحمد بن رائق [2] ثم وزر للمتقي لله مرتين، فصودر، فصار إلى الشام، وكتب لسيف الدولة، وكان ظلوما غشوما. عاش ستا وسبعين سنة. قاله في «العبر» [3] . وفيها ابن مخرم، وهو الرئيس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري، الفقيه المحتسب، تلميذ محمد بن جرير الطبري. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وعاش ثلاثا وتسعين سنة.

_ [1] (2/ 463) . [2] تحرّف في المطبوع إلى «محمد بن وائق» . [3] (2/ 315) .

قال البرقاني: لا بأس به، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو سليمان الحرّاني محمد بن الحسين [1] البغدادي، في رمضان. روى عن أبي خليفة، وعبدان، وأبي يعلى، وكان ثقة، صاحب حديث ومعرفة وإتقان. وفيها أبو علي بن آدم الفزاري، محمد بن محمد بن عبد الحميد، القاضي العدل بدمشق، في جمادى الآخرة. روى عن أحمد بن علي القاضي المروزي وطبقته.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ابن الحبب» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (2/ 242) و «العبر» (2/ 316) .

سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة

سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فيها كان خروج الرّوم من الثغور [1] ، فأغاروا، وقتلوا، وسبوا، ووصلوا إلى حمص. وعظم المصاب، وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي، فأخذوا ديار مصر، وأقاموا الدعوة لبني عبيد الرافضة، مع أن [دولة معز] الدولة [2] بالعراق هذه المدة رافضية، والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير. وفيها توفي ناصر الدولة الحسن [3] بن أبي الهيجاء، عبد الله بن حمدان التّغلبي، صاحب الموصل، وكان أخوه سيف الدولة يتأدّب معه، لسنّه ولمنزلته عند الخلفاء، وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة، فلما توفي حزن عليه ناصر الدولة، وتغيّرت أحواله، وتسودن وضعف عقله، فبادر ولده أبو تغلب الغضنفر، ومنعه من التصرف، وقام بالمملكة، ولم يزل معتقلا حتّى توفي في ربيع الأول، عن نحو ستين سنة. قاله في «العبر» [4] . وفيها الحسن بن محمد بن كيسان، أبو محمد الحربي، أخو علي، ثقة. روى عن إسماعيل القاضي والكبار، ومات في شوال.

_ [1] في المطبوع إلى «الكفور» أي القرى. [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» . [3] تحرّف في «العبر» إلى «الحسين» فيصحح فيه، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 186) . [4] (2/ 317) .

وفيها أبو القاسم زيد بن علي بن أبي بلال العجلي الكوفي، شيخ الإقراء ببغداد. قرأ على أحمد بن فرح، وابن مجاهد، وجماعة، وحدّث عن مطين، وطائفة. توفي في جمادى الأولى. وفيها محدّث دمشق محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان، أبو عبد الله القرشي الدمشقي. روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا خيّاط السّنّة، وطبقتهما. وكان ثقة مأمونا جوّادا مفضلا، خرّج له ابن مندة الحافظ ثلاثين جزءا، وأملى مدة. وفيها محدّث الأندلس محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، أبو بكر الأموي المرواني القرطبي، المعروف بابن الأحمر. روى عن عبيد الله بن يحيى وخلق، وفي الرحلة عن النسائي والفريابي، وأبي خليفة الجمحي، ودخل الهند للتجارة، فغرق له ما قيمته ثلاثون ألف دينار ورجع فقيرا، وكان ثقة. توفي في رجب، وكان عنده «السنن الكبير» للنسائي.

سنة تسع وخمسين وثلاثمائة

سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في أولها أخذ نقفور [1] أنطاكية بنوع أمان، فأسر الشباب وأطلق الشيوخ والعجائز، وكان قد طغى وتجبّر وقهر البلاد، وتمرّد على الله، وتزوج بزوجة الملك الذي قبله كرها، وهمّ بإخصاء ولديها، لئلا يملكا، فعملت عليه المرأة، وأرسلت إلى الدّمستق، فجاء إليها في زيّ النساء، هو وطائفة، فباتوا عندها ليلة الميلاد، فبيّتوا نقفور، وأجلسوا في المملكة ولدها الأكبر. وفيها توفي أبو عبد الله، أحمد بن بندار الشعّار بن إسحاق الفقيه، مسند أصبهان. روى عن إبراهيم بن سعدان، وابن أبي عاصم، وطائفة، وكان ثقة ظاهري المذهب. وفيها أحمد بن السّندي، أبو بكر البغدادي الحدّاد. روى عن الحسن بن علويه وغيره. قال أبو نعيم: كان يعدّ من الأبدال. وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، المعروف بابن القطّان [2] . آخر أصحاب ابن سريج وفاة. أخذ عنه علماء بغداد ومات بها في جمادى الأولى، وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه.

_ [1] تحرّف في «دول الإسلام» للذهبي (1/ 222) إلى «تكفور» فيصحح فيه، وانظر «العبر» (2/ 318) و «الكامل في التاريخ» (8/ 603) . [2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 159) .

وفيها أحمد بن يوسف بن خلّاد النّصيبيني [1] العطّار ببغداد، في صفر، وكان عريا من العلم وسماعه صحيح. روى عن الحارث بن أبي أسامة، وتمتام، وطائفة. وفيها حبيب بن الحسن القزاز، أبو القاسم، الرجل الصالح. وثّقه جماعة، وليّنه بعضهم. روى عن أبي مسلم الكجّي وجماعة. وفيها أبو علي الصوّاف، محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي، المحدّث الحجّة. روى عن محمد بن إسماعيل الترمذي وإسحاق الحربي، وطبقتهما. قال الدارقطني: ما رأت عيناي مثله، ومثل آخر بمصر. انتهى. ومات في شعبان وله تسع وثمانون سنة. وفيها أبو الحسين [2] محمد بن علي بن حبيش البغدادي الناقد. روى عن أبي شعيب الحرّاني، ومطيّن.

_ [1] نسبة إلى «نصيبين» والنسبة إليها «نصيبي» و «نصيبيني» انظر «الأنساب» (12/ 97) و «معجم البلدان» (5/ 288) . [2] في «العبر» : «أبو الحسن» .

سنة ستين وثلاثمائة

سنة ستين وثلاثمائة فيها لحق المطيع لله فالج، بطل نصفه، وثقل لسانه، وأقامت الشيعة عاشوراء باللّطم والعويل، وعيد الغدير بالفرح والكوسات. وفيها أخذت الرّوم من أنطاكية أكثر من عشرين ألف أسير. وفيها توفي جعفر بن فلاح، الذي ولي إمرة دمشق للباطنية، وهو أول نائب وليها لبني عبيد، وكان قد سار إلى الشام، فأخذ الرّملة، ثم دمشق، بعد أن حاصر أهلها أياما، ثم قدم لحربه الحسن بن أحمد القرمطي، الذي تغلّب قبله على دمشق، وكان جعفر مريضا على نهر يزيد [1] فأسره القرمطي وقتله. قال ابن خلّكان [2] : أبو علي جعفر بن فلاح الكتاميّ. كان أحد قوّاد المعز أبي تميم معد بن منصور العبيدي، صاحب إفريقية، وجهزه مع القائد جوهر لما توجه لفتح الدّيار المصرية، فلما أخذ مصر بعثه جوهر إلى الشام، فغلب على الرّملة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ثم تغلب على دمشق فملكها في المحرّم سنة تسع وخمسين بعد أن قاتل أهلها، ثم أقام بها إلى سنة ستين، ونزل إلى الدكة فوق نهر يزيد بظاهر دمشق، فقصده

_ [1] نهر يزيد إلى الشمال من دمشق القديمة، منسوب إلى يزيد بن أبي سفيان. انظر «معجم البلدان» (5/ 324) . [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 361- 362) .

الحسن بن أحمد القرمطي، المعروف بالأعصم، فخرج إليه جعفر المذكور وهو عليل، فظفر به القرمطي فقتله، وقتل من أصحابه خلقا كثيرا، وذلك في يوم الخميس سادس ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة. قال بعضهم: قرأت على باب قصر القائد جعفر بن فلاح المذكور بعد قتله مكتوبا: يا منزلا لعب الزمان [1] بأهله ... فأبادهم بتفرّق لا يجمع أين الذين عهدتهم بك مرّة ... كان الزمان بهم يضرّ وينفع ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع [2] وكان جعفر المذكور رئيسا جليل القدر ممدحا، وفيه يقول أبو القاسم محمد بن هانئ الأندلسي الشاعر المشهور: كانت مساءلة الرّكبان تخبرني ... عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري والناس يروون هذين البيتين لأبي تمام في القاضي أحمد بن [أبي] دواد [3] وهو غلط. انتهى. وفيها الأمير زيري بن مناد الحميري الصّنهاجي، جدّ المعزّ بن باديس، وزيريّ أول من ملك من طائفته، وهو الذي بنى مدينة أشير [4] في إفريقية وحصّنها في أيام خروج مخلد الخارجي، وكان زيريّ حسن السيرة شجاعا صارما، وكانت بينه وبين جعفر الأندلسي ضغائن وأحقاد أفضت إلى

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «عبث الزمان» . [2] هذا البيت لم يرد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي. [3] في الأصل والمطبوع: «أحمد بن داود» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] قال ياقوت: أشير: مدينة في جبال البربر بالمغرب في طرف إفريقية الغربي مقابل بجاية في البر. كان أول من عمّرها زيري بن مناد الصنهاجي، سيد هذه القبيلة في أيامه ... وانظر تتمة كلامه في «معجم البلدان» (1/ 202- 203) .

الحرب، فلما تصافا انجلى المصاف عن قتل زيري المذكور، وذلك في شهر رمضان. ذكروا أنه كبا به فرسه، فسقط إلى الأرض فقتل، وكانت مدة ملكه ستا وعشرين سنة، وهو صاحب مدينة تاهرت. وفيها الحافظ العلم، مسند العصر الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللّخمي، في ذي القعدة بأصبهان [1] ، وله مائة سنة وعشرة أشهر، وكان ثقة صدوقا، واسع الحفظ، بصيرا بالعلل والرّجال والأبواب، كثير التصانيف، وأوّل سماعه في سنة ثلاث وسبعين ومائتين بطبرّية المنسوب إليها. ورحل أولا إلى القدس، سنة أربع وسبعين، ثم رحل إلى قيسارية سنة خمس وسبعين، فسمع من أصحاب محمد بن يوسف الفريابي، ثم رحل إلى حمص، وجبلة، ومدائن الشام، وحجّ، ودخل اليمن، ورد إلى مصر، ثم رحل إلى العراق، وأصبهان، وفارس. روى عن أبي زرعة الدمشقي، وإسحاق الدّبري [2] وطبقتهما، كالنسائي. وعنه: من شيوخه، أبو خليفة الجمحي، وابن عقدة، وأبو نعيم الحافظ، وأبو الحسين بن فاذشاه وغيرهم. قال ابن خلّكان [3] : وعدد شيوخه ألف شيخ، وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة، منها: المعاجم الثلاثة «الكبير» و «الأوسط» و «الصغير» وهي [4] أشهر كتبه. وروى عنه الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير. ومولده سنة ستين ومائتين بطبريّة الشام، وسكن أصبهان إلى أن توفي بها نهار السبت ثامن عشري [ذي] القعدة سنة ستين وثلاثمائة. انتهى.

_ [1] في المطبوع: «في أصبهان» . [2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «الديري» والتصحيح من «العبر» (2/ 322) وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 120) . [3] في «وفيات الأعيان» (2/ 107) . [4] في الأصل والمطبوع: «وهو» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

وقال ابن ناصر الدّين: هو مسند الآفاق، ثقة. له «المعاجم» الثلاثة المنسوبة إليه، وكان يقول عن «الأوسط» : هو روحي، لأنه تعب عليه. انتهى. وفيها أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلّاد الفارسي الرّامهرمزي، الحافظ الكبير البارع. روى عن أبيه، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، وأبي خليفة الجمحي. وعنه: ابن جميع، وابن مردويه، وغيرهما، وهو من الثقات. وفيها الطّوماري- نسبة إلى طومار، جدّ- وهو أبو علي عيسى بن محمد البغدادي في صفر، وله ثمان وتسعون سنة، وهو ليس بالقوي، يروي عن الحارث بن أبي أسامة، وابن أبي الدّنيا، والكديمي، وطبقتهم. وفيها أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري البندار. روى عن أحمد بن الخليل البرجلاني، ومحمد بن أحمد بن أبي العوّام، وتفرّد بالرّواية عن جماعة، وتوفي يوم عاشوراء، وله ثلاث وتسعون سنة، وأصوله حسنة، بخط أبيه. وفيها أبو عمرو بن مطر النيسابوري الزاهد، شيخ السّنّة، محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدّل. روى عن أبي عمر أحمد بن المبارك المستملي، ومحمد بن أيوب الرّازي، وطبقتهما، وكان متعففا قانعا باليسير، يحيي الليل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويجتهد في متابعة السّنّة. توفي في جمادى الآخرة، وله خمس وتسعون سنة. وفيها محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة، أبو بكر البغدادي المؤدب. روى عن الكديمي، وأبي مسلم الكجّي. قال ابن أبي الفوارس: فيه تساهل، وتوفي عن أربع وتسعين سنة.

ومن غرائب الاتفاق موت هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، وهم في عشر المائة، وأسماؤهم، وآباؤهم واحدة، وهم شيء واحد. قاله في «العبر» [1] . وفيها ابن العميد الوزير العلّامة، أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد الكاتب، وزير ركن الدولة الحسن بن بويه، صاحب الرّيّ، كان آية في التّرسّل والإنشاء، فيلسوفا، متهما برأي الحكماء، حتّى كان ينظّر بالجاحظ، وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد. وكان الصاحب إسماعيل بن عبّاد تلميذه وخصيصه وصاحبه، ولذلك قالوا: الصاحب، ثم صار لقبا عليه، وكان الصاحب ابن عبّاد قد سافر إلى بغداد، فلما رجع إليه قال: كيف وجدتها؟ قال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، وكان ابن العميد سايسا مدبرا للملك، قائما بضبطه، وقصده جماعة من مشاهير الشعراء من البلاد الشاسعة ومدحوه بأحسن المدائح، فمنهم: أبو الطيب، وردّ عليه وهو بأرّجان ومدحه بقصائد، أحدها التي أولها: باد هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى أرجان أيتها الجياد فإنه ... عزمي الذي يذر الوشيج مكسّرا لو كنت أفعل ما اشتهيت فعاله ... ما شقّ كوكبك [2] العجاج الأكدرا أمّي [3] أبا الفضل المبرّ أليّتي ... لأيمّمنّ أجلّ بحر جوهرا أفتى [4] برؤيته الأنام وحاش لي ... من أن أكون مقصّرا أو مقصرا

_ [1] (2/ 322- 323) . [2] في الأصل والمطبوع: «كوكبه» وما أثبتناه من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» . [3] في الأصل والمطبوع: «إني» والتصحيح من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» . [4] في الأصل والمطبوع: «أفدى» وما أثبته من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» .

من مبلغ الأعراب أني بعدها ... شاهدت رسطاليس والإسكندرا ومللت نحر عشارها فأضافني [1] ... من ينحر البدر النّضار لمن قرى وسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملّكا متبدّيا متحضرا ولقيت كل الفاضلين كأنما ... ردّ الإله نفوسهم والأعصرا نسقوا لنا نسق الحساب مقدّما ... وأتى بذلك [2] إذ أتيت مؤخّرا [3] وهي من القصائد المختارة. قال ابن الهمذاني في كتاب «عيون السير» : فأعطاه ثلاثة آلاف دينار. وكان المتنبي نظمها بمصر في أبي الفضل جعفر بن الفرات، فلما لم يرضه، لم ينشده إيّاها، فلما توجه إلى بلاد فارس صرفها إلى ابن العميد. وكان أبو نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي قد ورد عليه وهو بالرّيّ وامتدحه بقصيدته التي أولها: برح اشتياق وادّكار ... ولهيب أنفاس حرار ومدامع عبراتها ... ترفضّ عن نوم مطار لله قلبي ما يجنّ [4] ... من الهموم وما يواري لقد انقضى سكر الشبا ... ب وما انقضى وصب الخمار وكبرت عن وصل الصغا ... ر وما سلوت عن الصغار سقيا لتغليسي إلى ... باب الرّصافة وابتكاري

_ [1] في الأصل والمطبوع: «فأصابني» والتصحيح من «ديوانه» بشرح العكبري، و «وفيات الأعيان» . [2] في «ديوانه» و «وفيات الأعيان» : «وأتى فذلك» . [3] الأبيات من مواضع متفرقة في «ديوانه» بشرح العكبري (2/ 160- 172) من قصيدة مؤلفة من سبعة وأربعين بيتا. وقد ساقها على النحو الذي في كتابنا ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (5/ 104- 105) مع الخبر. [4] في المطبوع: «ما يحن» .

أيام أخطر في الصبا ... نشوان مسحوب الإزار حجي إلى حجر الصّرا ... ة وفي حدائقها اعتماري ومواطن اللّذات أو ... طاني ودار اللهو داري لم يبق لي عيش يلذ ... سوى معاقرة العقار حتّى بألحان قمر ... ت بهن ألحان القماري وإذا استهل ابن العميد ... تضاءلت ديم القطار خلق [1] صفت أخلاقه ... صفو السبيك من النضار فكأنما رفدت موا ... هبه بأمواج البحار وكأن نشر حديثه ... نشر الخزامى والعرار وكأننا [2] مما تفر ... ق راحتاه في نثار [3] إن الكبار من الأمو ... ر تنال بالهمم الكبار فتأخرت صلته [عنه] [4] فشفع هذه القصيدة بأخرى، وأتبعها برقعة، فلم يزده ابن العميد على الإهمال مع رقة حاله التي ورد عليها إلى بابه، فتوسّل [5] إلى أن دخل عليه يوم المجلس وهو حفل بأعيان الدولة، ومقدمي أرباب الديوان، فوقف بين يديه، وأشار بيده إليه، وقال: أيها الرئيس، إني لزمتك لزوم الظل، وذللت لك ذل النعل، وأكلت النوى المحرق انتظارا لصلتك، والله ما بي من الحرمان، ولكن شماتة الأعداء، قوم نصحوني

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «خرق» . [2] في الأصل: «وكأنما» . [3] في الأصل: «في انتشار» وفي المطبوع: «في انثار» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [4] لفظة «عنه» لم ترد في الأصل والمطبوع وأثبتها من «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل والمطبوع: «فتوصل» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

فاغتششتهم، وصدقوني فاتهمتهم، فبأي وجه ألقاهم؟ وبأي حجة أقاومهم؟ ولم أحصل من مديح بعد مديح، ومن نثر بعد نظم إلا على ندم مؤلم ويأس مسقم، فإن كان للنجاح علامة فأين هي وما هي؟ إن الذين نحسدهم على ما مدحوا [به] كانوا من طينتك، وإن الذين هجوا كانوا مثلك، فزاحم بمنكبك أعظمهم سناما وأنورهم شعاعا، وأشرفهم بقاعا [1] . ثم رفع رأسه ابن العميد وقال: هذا وقت يضيق عن الإطالة منك في الاستزادة، وعن الإطالة مني في المعذرة، وإذا تواهبنا ما دفعنا [إليه] استأنفنا ما نتحامل [2] عليه. فقال ابن نباتة: أيها الرئيس، هذه نفثة صدر قد ذوى [3] منذ زمان، وفضلة لسان قد خرس منذ دهر، والغني إذا مطل لئيم، فاستشاط ابن العميد، وقال: والله ما استوجبت هذا العتب من أحد من خلق الله تعالى، ولقد نافرت العميد من دون ذا حتّى دفعنا إلى فريّ [4] عاتم ولجاج قائم، ولست وليّ نعمتي فأحتملك، ولا صنيعتي فأغضي عنك [5] ، وإن بعض ما أقررته في مسامعي ينغص [6] مرّة الحليم [7] ويبدد شمل الصريم [8] هذا وما استقدمتك بكتاب، ولا استدعيتك برسول، ولا سألتك مدحي، ولا كلفتك تقريضي. فقال ابن نباتة: صدقت أيها الرئيس ما استقدمتني بكتاب، ولا استدعيتني برسول، ولا سألتني مدحك، ولا كلفتني تقريضك، ولكن جلست في صدر إيوانك [9]

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وأشفرهم يفاعا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «ما نتحامد» . [3] في «وفيات الأعيان» : «قد روي» . [4] في «وفيات الأعيان» : «قريّ» . [5] في «وفيات الأعيان» : «فأغضى عليك» . [6] في «وفيات الأعيان» : «ينقص» . [7] في الأصل: «الحكيم» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [8] في «وفيات الأعيان» : «ويبدّد شمل الصبر» وهو تحريف، والصريم: الصارم، وانظر «لسان العرب» (صرم) . [9] في «وفيات الأعيان» : «في صدر ديوانك» والإيوان: الصّفّة العظيمة، والصّفّة من البنيان هي

بأبّهتك، وقلت: لا يخاطبني أحد إلا بالرئاسة، ولا ينازعني خلق في أحكام السياسة، فإني كاتب ركن الدولة، وزعيم الأولياء والحضرة، والقيّم بمصالح المملكة، فكأنك دعوتني بلسان الحال ولم تدعني بلسان القال، فثار ابن العميد مغضبا، وأسرع في صحن داره إلى أن دخل حجرته، وتقوض المجلس، وماج الناس، وسمع ابن نباتة وهو في صحن الدار مارّا يقول: والله إن سفّ التراب والمشي على الجمر، أهون من هذا، فلعن الله الأدب إذا كان بائعه مهينا، ومشتريه مماكسا فيه. فلما سكن غيظ ابن العميد، وثاب إليه حلمه التمسه من الغد ليعتذر إليه ويزيل آثار ما كان منه، فكأنما غاص في سمع الأرض وبصرها، فكانت حسرة في قلب ابن العميد إلى أن مات. وللصاحب ابن عبّاد فيه مدائح كثيرة، وكان ابن العميد قد قدم مرّة إلى أصبهان، والصاحب بها، فكتب إليه يقول: قالوا ربيعك قد قدم ... قلت البشارة إن سلم أهو الرّبيع أخو الشتا ... ء أم الرّبيع أخو الكرم قالوا الذي بنواله ... أمن المقلّ من العدم قلت الرئيس ابن العمي ... د إذا، فقالوا لي نعم ولابن العميد شعر متوسط منه قوله: رأيت في الوجه طاقة بقيت ... سوداء عيني تحبّ رؤيتها فقلت للبيض إذ تروعها ... بالله إلا رحمت وحدتها فقلن [1] ليس السواد في بلد ... تكون فيه البيضاء ضرّتها وفيها الآجرّي الإمام، أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي المحدّث

_ شبه البهو الواسع الطويل السّمك. انظر «لسان العرب» (أون) و (صفف) . [1] في «وفيات الأعيان» : «فقلّ» .

الثقة الضابط، صاحب التصانيف والسّنّة. كان حنبليا وقيل: شافعيا- وبه جزم الإسنوي [1] وابن الأهدل- سمع أبا مسلم الكجّي، وأبا شعيب الحرّاني، وطائفة. ومنه أبو الحسن الحمامي [2] وأبو الحسين بن بشران، وأبو نعيم الحافظ، وصنّف كثيرا. جاور بمكة وتوفي بها. قيل: إنه لما دخلها فأعجبته قال: اللهمّ ارزقني الإقامة بها سنة، فهتف به هاتف بل ثلاثين سنة، فعاش بها ثلاثين سنة، ثم مات بها في أول المحرم. والآجري: بضم الجيم، نسبة إلى قرية من قرى بغداد. وفيها أبو طاهر بن ذكوان البعلبكّيّ المؤدّب محمد بن سليمان، نزيل صيدا ومحدّثها. قرأ القرآن على هارون الأخفش، وسمع أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا خيّاط السّنّة، وطبقتهما، وعاش بضعا وتسعين سنة. روى عن السّكن بن جميع، وصالح بن أحمد المسامحي [3] ، وقرأ عليه عبد الباقي بن الحسين، شيخ أبي الفتح [بن] فارس. وفيها أبو القاسم محمد بن أبي يعلى الهاشمي الشريف. لما أخذت العبيديون دمشق، قام هذا الشريف بدمشق، وقام معه أهل الغوطة والشباب، واستفحل أمره في ذي الحجة سنة تسع وخمسين، وطرد عن دمشق متولّيها، ولبس السواد، وأعاد الخطبة لبني العبّاس، فلم يلبث إلّا أيّاما، حتّى جاء عسكر المغاربة، وحاربوا أهل دمشق، وقتل بين الفريقين جماعة، ثم هرب الشريف في الليل، وصالح أهل البلد العسكر، ثم أسر الشريف عند تدمر، فشهره جعفر بن فلاح على جمل، في المحرم، سنة ستين، وبعث به إلى مصر.

_ [1] انظر كتاب «طبقات الشافعية» (1/ 79- 80) وقد نقل الإسنوي ذلك عن ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (4/ 292) . [2] في المطبوع: «الحماني» ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 135) . [3] في «العبر» : «الميانجي» .

وقد توفي في عشر الستين وثلاثمائة، خلق، منهم: أحمد بن القاسم بن الريّان، أبو الحسن المصري اللّكّيّ [1] ، نزيل البصرة. روى عن الكديمي، وإسحاق الدّبري وطبقتهما. قال ابن ماكولا [2] : فيه ضعف. وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن علي البصري: سمعت منه، وليس بالمرضي. وأحمد بن طاهر النجم الحافظ أبو عبد الله محدث أذربيجان الميانجي بالفتح والتحتية وفتح النون وجيم، نسبة إلى ميانة، بلد بأذربيجان [3]-. قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: ما رأيت مثله، ولا رأى مثل نفسه. وقال الخليل: توفي بعد الخمسين. سمع أبا مسلم الكجّي، وعبد الله بن أحمد. وأبو الحسن بن سالم الزاهد، أحمد بن محمد بن سالم الزاهد البصري، شيخ السالميّة، كان له أحوال ومجاهدات، وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت، وهو آخر أصحاب سهل التّستري وفاة، وقد خالف أصول السّنّة في مواضع، وبالغ في الإثبات في مواضع، وعمّر دهرا، وبقي إلى سنة بضع وخمسين. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] انظر «ميزان الاعتدال» (1/ 128) . [2] انظر «الإكمال» (4/ 112) . [3] أقول: منها القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الميانجي أحد الفضلاء المشهورين. وهذه النسبة أيضا «ميانجي» إلى ميانج، وهو موضع بالشام، وانظر «اللباب في تهذيب الأنساب» (3/ 278) و «معجم البلدان» (5/ 240) . (ع) [4] (2/ 326) .

وأبو حامد أحمد بن محمد بن شارك [1] ، الفقيه الشافعي، مفتي هراة ومحدّثها ومفسرها وأديبها. رحل الكثير، وعني بالحديث، وروى عن محمد بن عبد الرّحمن السّامي [2] ، والحسن بن سفيان، وطبقتهما، وتوفي سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين. وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزائم، أبو إسحاق الكوفي، صاحب أبي عمرو أحمد بن أبي غرزة [3] الغفاري. وأبو علي النّجّاد الصغير، وهو الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي، المسند، صنّف في الأصول والفروع. قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [4] : كان فقيها [5] معظما إماما في أصول الدّين وفروعه. صحب من شيوخ المذهب: لأبي الحسن بن بشار، وأبي محمد البربهاري، ومن في طبقتهما. وصحبه جماعة، منهم: أبو حفص البرمكي، وأبو جعفر العكبري [6] وأبو الحسن الجزري [7] . قال النّجّاد: جاءني رجل- وقد كنت [8] حذّرت منه أنه رافضي- فأخذ

_ [1] تحرّفت في المطبوع إلى «ابن شادك» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 273- 274) . [2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «الشامي» بالشين المعجمة وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [3] في الأصل والمطبوع: «صاحب أبي عمر، وأحمد بن أبي عزيزة» والتصحيح من «العبر» . [4] (2/ 140- 142) بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى. [5] في المطبوع: «أنه كان فقيها» . [6] تحرّفت في الأصل إلى «الطبري» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [7] تحرّفت في المطبوع إلى «الخرزي» والصواب ما جاء في الأصل. انظر «طبقات ابن أبي يعلى» (2/ 167) . [8] لفظة «كنت» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

يتقرب إليّ، ثم قال: لا نسب أبا بكر وعمر، بل معاوية وعمرو بن العاص، فقلت له: وما لمعاوية؟ قال: لأنه قاتل عليا. قلت له: إن قوما يقولون: إنه لم يقاتل عليا، وإنما قاتل قتلة عثمان. قال: فقول النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» ؟ [1] [قلت: إن أنا قلت: [إن هذا] لم يصح، وقعت منازعة، ولكن قوله عليه [الصلاة] السلام: «تقتلك الفئة الباغية» ] [2] يعني به الطالبة، لا الظالمة، لأن أهل اللغة تسمي الطالب: باغيا، ومنه: بغيت الشيء، أي طلبته، ومنه قوله تعالى: قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي 12: 65 [يوسف: 65] وقوله عزّ وجل: وَابْتَغُوا من فَضْلِ الله 62: 10 [الجمعة: 10] ومثل ذلك كثير، فإنما يعني به [3] : الطالبة لقتلة عثمان رضوان الله عليه. وقال أبو حفص العكبري: سمعت أبا علي النجّاد يقول: سمعت أبا الحسن بن بشار يقول: ما أعتب [4] على رجل يحفظ لأحمد بن حنبل خمس مسائل أن يستند إلى بعض سواري المسجد ويفتي الناس بها. وجزم ابن بردس [5] ، أن النّجّاد هذا توفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. وفيها الرّامهرمزي، الحسن بن عبد الرحمن بن خلّاد، الحافظ القاضي. روى عن أبيه، ومطيّن، ومحمد بن [حيّان] [6] المازني وغيرهم. وعنه ابن جميع وابن مردويه وغيرهما، وهو ثقة. قال أبو القاسم بن مندة: عاش إلى قريب الستين وثلاثمائة.

_ [1] تقدم تخريج الحديث في المجلد الأول صفحة (212) فراجعه هناك. [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع. [3] في المطبوع: «يعني بذلك» وما جاء في الأصل موافق لما في «طبقات ابن أبي يعلى» . [4] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «ما أعيب» . [5] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ والصواب ما أثبته كما سبق التنبيه على ذلك من قبل. [6] لفظة «حيّان» سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «العبر» .

وجزم ابن بردس أنه توفي في سنة ستين. والجابري عبد الله [بن جعفر] [1] بن إسحاق الموصلي، صاحب الجزء المشهور به، وشيخ أبي نعيم الحافظ. روى عن محمد بن أحمد بن أبي المثنّى [2] وغيره. وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أحمد بن علّك، المروزي الجوهري المحدّث، محدّث مرو ومسندها. روى عن الفضل الشّعراني، ومحمد بن أيوب [بن] الضّريس. قال ابن ناصر الدّين: هو ثبت مشهور، وجزم أنه توفي بعد الستين [3] . وكشاجم، أحد فحول الشعراء، واسمه محمود بن حسين. كان من الشعراء المجيدين والفضلاء المبرزين، حتّى قيل: إن لقبه هذا منحوت من عدّة علوم كان يتقنها، فالكاف للكتابة، والشين من الشعر، والألف من الإنشاء، والجيم من الجدل، والميم من المنطق، وكان يضرب بملحه المثل، فيقال: ملح كشاجم. ومن شعره قوله في أسود له تعد: يا مشبها في لونه فعله ... لم تعد ما أوجبت القسمة فعلك من لونك مستنبط ... والظّلم مشتق من الظّلمه وقال بعضهم في ترجمته: هو أبو الحسين، وأبو الفتح، بن السندي الكاتب، المعروف بكشاجم، هو من أهل الرّملة من نواحي فلسطين، وكان

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 133) . [2] صاحب جعفر بن عون. [3] قلت: وكذلك جزم الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/ 168) نقلا عن الخليلي في «الإرشاد في علماء البلاد» .

رئيسا في الكتابة، ومقدما في الفصاحة والخطابة، له تحقيق يتميز به عن نظرائه، وتدقيق يربي به على أكفائه، وتحديق في علوم التعليم أضرم في شعلة ذكائه، فهو الشاعر المفلق، والنجم المتألق. لقب نفسه بكشاجم، فسئل عن ذلك، فقال: الكاف من كاتب، والشين من شاعر، والألف من أديب، والجيم من جواد، والميم من منجم، وكان من شعراء أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، والد سيف الدولة، قيل: إنه كان طباخ سيف الدولة، شعره أنيق، وأرج مدوناته فتيق، منها كتاب «المصائد والمطارد» . قال في «تثقيف اللسان» [1] : كشاجم لقب له، جمعت أحرفه من صناعته، ثم طلب علم الطب، حتّى مهر فيه وصار أكبر علمه، فزيد في اسمه طاء من طبيب، وقدمت، فقيل: طكشاجم، ولكنه لم يشتهر [2] . وأبو حفص العتكي الأنطاكي، عمر بن علي. روى عن ابن جوصا [3] ، والحسن بن أحمد بن فيل، وطبقتهما. وأبو العبّاس محمد بن أحمد بن حمدان الزاهد، أخو أبي عمرو [4] بن حمدان. نزل خوارزم، وحدّث بها عن محمد بن أيوب بن الضّريس، ومحمد بن عمرو قشمرد، وطبقتهما، وأكثر عنه البرقاني. ومحمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القمّاط. روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وغيره.

_ [1] هو لابن القطّاع، واسمه علي بن جعفر بن علي السعدي أبو القاسم المعروف بابن القطاع، توفي سنة (515) هـ وانظر «كشف الظنون» (1/ 344) (ع) . [2] يقصد لم يشتهر بلقبه «طكشاجم» وإنما اشتهر بلقبه «كشاجم» . [3] في الأصل والمطبوع: «ابن حوصا» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» . [4] في «سير أعلام النبلاء» : «أخو أبي عمر» .

وأبو جعفر الرّوذراوري، نسبة إلى روذراور، بلد بهمذان [1] ، واسمه محمد بن عبد الله بن برزة. حدّث بهمذان، سنة سبع وخمسين، عن تمتام، وإسماعيل القاضي، وطبقتهما، وقال صالح بن أحمد الحافظ: هو شيخ.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (3/ 78) .

سنة إحدى وستين وثلاثمائة

سنة إحدى وستين وثلاثمائة قال في «الشذور» : فيها انقض في صفر كوكب عظيم له دوي كدوي الرعد. وفيها مات الأسيوطي، أبو علي، الحسن بن الخضر في ربيع الأول. روى عن النّسائي، والمنجنيقي. والأسيوطي: بضم أوله والتحتية، نسبة إلى أسيوط، ويقال: سيوط، بلد بصعيد مصر. قال الجلال السيوطي في «لباب الأنساب» [1] : قلت: فيها خمسة أوجه، ضم الهمزة، وكسرها، وإسقاطها، وتثليث السين المهملة. انتهى. وفيها الخيّام، خلف بن محمد بن إسماعيل، أبو صالح، البخاري، محدّث ما وراء النهر. روى عن صالح جزرة وطبقته، ولم يرحل، وليّنه أبو سعد الإدريسي، وعاش ستا وثمانين سنة. وفيها الدرّاج، أبو عمرو، عثمان بن عمر بن خفيف البغدادي المقرئ. روى عن ابن المجدّر وطائفة. قال البرقاني: كان بدلا من الأبدال.

_ [1] ص (15) واسم كتابه الذي نقل عنه المؤلف «لب اللباب في تحرير الأنساب» طبع في أوربة أول الأمر، ثم أعيد طبعه بطريقة الأوفست في مكتبة المثنى ببغداد، وهي التي رجعت إليها.

وفيها محمد بن أسد الخشني [1]- بالضم والفتح، نسبة إلى خشن قرية بإفريقية- القيرواني، أبو عبد الله، الحافظ، نزيل قرطبة. صنّف كتاب «الاختلاف والافتراق في مذهب مالك» وكتاب «الفتيا» وكتاب «تاريخ الأندلس» وكتاب «تاريخ إفريقية» وكتاب «النسب» .

_ [1] في «العبر» : «المحاسبي» وانظر «مرآة الجنان» (2/ 375) .

سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» قتل رجل من أصحاب المعونة في الكرخ، فبعث أبو الفضل الشيرازي، صاحب معز الدولة، من طرح النار في النحّاسين إلى السمّاكين، فاحترقت سبعة عشر ألف وثلاثمائة وعشرين دارا، أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار، ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجدا، وهلك خلق كثير من الناس في الدّور والحمامات. انتهى. وفيها كما قال في «العبر» [1] أخذت الرّوم نصيبين، واستباحوها، وتوصل من نجا إلى بغداد، وقام معهم المطوّعة، واستنفروا الناس، ومنعوا من الخطبة، وحاولوا الهجوم على المطيع، وصاحوا عليه بأنه عاجز مضيّع [2] لأمر الإسلام، فسار العسكر من جهة الملك عز الدّولة بختيار، فالتقوا الرّوم، فنصروا عليهم، وأسروا جماعة من البطارقة، ففرح المسلمون. وفي رمضان، قدم المعزّ أبو تميم العبيدي [3] مصر، ومعه توابيت آبائه، ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزّية، التي بناها مولاه جوهر، لما افتتح الإقليم، وقويت شوكة الرّفض شرقا وغربا، وخفيت السّنن، وظهرت البدع، نسأل الله تعالى العافية.

_ [1] (2/ 331) . [2] تحرّفت في الأصل إلى «مطيع» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. [3] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «العبدي» والتصحيح من «العبر» .

وفيها عالم البصرة، أبو حامد المرورّوذي- بفتح الميم والواو الأولى، وضم الراء الثانية المشددة، آخره معجمة، نسبة إلى مرو الرّوذ، أشهر مدن خراسان- أحمد بن عامر بن بشر [1] الشافعي، صاحب التصانيف، وصاحب أبي إسحاق المروزي، وكان إماما لا يشق غباره، تفقه به أهل البصرة. قال الإسنوي [2] : أحمد بن بشر بن عامر العامري، المروروذي [أخذ عن أبي إسحاق المروزي] [3] ونزل البصرة، وأخذ عنه فقهاؤها، وكان إماما لا يشق غباره، وشرح «مختصر المزني» وصنّف «الجامع» في المذهب، وهو كتاب جليل، وصنّف في أصول الفقه، ومات سنة ثنتين وستين وثلاثمائة. ذكره الشيخ [4] في «طبقاته» [5] والنووي في «تهذيبه» [6] وكذلك ابن الصلاح، إلا أنه لم يؤرّخ وفاته، ونبّه على أن الشيخ أبا إسحاق جعل عامرا أباه، وبشرا جدّه، قال: والصواب العكس، أي أحمد بن بشر بن عامر. وكان له ولد يقال له: أبو محمد، ذكره الشيخ في «طبقاته» [7] فقال: جمع بين الفقه والأدب، وله كتب كثيرة، وكان واحد [8] عصره في صناعة القضاء، قال: وأظنه أخذ الفقه عن أبيه. انتهى. وفيها أحمد بن محمد بن عمارة أبو الحارث اللّيثي الدمشقي. روى عن زكريا خيّاط السّنّة، وطائفة، وعمّر دهرا.

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» (16/ 166) و «طبقات الشافعية» للإسنوي: «أحمد بن بشر بن عامر» وهو الصواب كما سيرد في ترجمته بعد قليل، وفي «معجم البلدان» (5/ 112) : «أحمد بن عامر بن يسر» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] في «طبقات الشافعية» (2/ 377- 378) . [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع و «طبقات الشافعية» للإسنوي. [4] يعني أبا إسحاق الشيرازي. [5] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (114) بتحقيق الدكتور إحسان عباس. [6] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 211) مصوّرة دار الكتب العلمية ببيروت. [7] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (126) . [8] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «أوحد» .

وفيها أبو إسحاق المزكّي، إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري. قال الحاكم: هو شيخ نيسابور في عصره، وكان من العبّاد المجتهدين الحجّاجين المنفقين على الفقراء والعلماء. سمع ابن خزيمة، وأبا العبّاس السرّاج، وخلقا كثيرا، وأملى عدة سنين. وكان يحضر مجلسه أبو العبّاس الأصم، ومن دونه. وكان مثريا متموّلا، عاش سبعا وستين سنة، توفي بعد خروجه من بغداد، ونقل إلى نيسابور فدفن بها. وفيها إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال [1] الأمير، أبو العبّاس، الأديب الممدوح ب «مقصورة ابن دريد» ، وتلميذ ابن دريد، وكان أبوه إذ ذاك متولى الأهواز للمقتدر، فأسمعه من عبدان الجواليقي. وفيها أبو بحر البربهاري- نسبة إلى بيع البربهار، وهو ما يجلب من الهند- محمد بن الحسن بن كوثر في جمادى الأولى، وله ست وتسعون سنة، وهو ضعيف. روى عن الكديمي، ومحمد بن الفرج الأزرق، وطبقتهما. قال الدارقطني: اقتصروا من حديثه على ما انتخبته فحسب [2] . وفيها سعيد بن القاسم بن العلاء أبو عمر البردعي [3]- بفتح الباء وسكون الراء وفتح الدال المهملة، نسبة إلى بردعة، بلد بأذربيجان- وهو نزيل طراز [4] من بلاد الأتراك، وهو من الحفاظ المعتبرين. وفيها محمد بن عبد الله بن محمد أبو جعفر البلخيّ الهندوانيّ، الذي

_ [1] في «العبر» : «ابن ميكاييل» . وانظر «شرح مقصورة ابن دريد» ص (13) . بتحقيق د. فخر الدّين قباوة. [2] في الأصل والمطبوع: «ما انتخبته حسب» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف. [3] ويقال له: البرذعي وكلاهما صواب. انظر «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 452) وتعليق الأستاذ محمد نعيم العرقسوسي عليه، وانظر «معجم البلدان» (1/ 379) . [4] انظر «معجم البلدان» (4/ 27) .

كان من براعته في الفقه، يقال له: أبو حنيفة الصغير، توفي ببخارى، وكان شيخ تلك الديار في زمانه، وقد روى الحديث، عن محمد بن عقيل البلخي وغيره. والهندواني: بكسر الهاء وضم الدال المهملة، نسبة إلى باب هندوان، محلة ببلخ. وفيها أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة، المحدّث الأموي، مولاهم الدمشقي، في ربيع الآخر. روى عن الحسن بن الفرج الغزّي، وأبي قصي العذري. قال عبد العزيز الكتاني: تكلموا فيه. وفيها أبو الحسن، وأبو القاسم، محمد بن هانئ، حامل لواء الشعراء بالأندلس، قيل: إنه ولد يزيد بن حاتم، وكان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بإفريقية، وكان شاعرا أديبا، وانتقل إلى الأندلس، فولد له محمد المذكور بها، بمدينة إشبيلية ونشأ بها، واشتغل، وحصل له حظ وافر من الأدب، وعمل الشعر فبهر فيه، وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم، واتصل بصاحب إشبيلية، وحظي عنده، وكان كثير الانهماك في الملاذ، متهما بمذهب الفلاسفة، ولما اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل إشبيلية، وساءت المقالة في حق الملك بسببه، واتهم بمذهبه أيضا، فأشار الملك عليه بالغيبة عن البلد مدة ينسى فيها خبره، فانفصل عنها وعمره يومئذ سبع وعشرون سنة، فخرج إلى عدوة المغرب ولقي جوهر القائد، ثم رحل إلى جعفر ويحيى ابني علي وكانا بالمسيلة [1] وهي مدينة الزاب، وكانا والييها، فبالغا في إكرامه والإحسان إليه، ونمى خبره إلى معز أبي تميم معدّ بن المنصور العبيدي وطلبه منهما، فلما انتهى إليه بالغ في الإنعام عليه.

_ [1] تحرّفت في الأصل إلى «النسيلة» وأثبت ما في المطبوع وانظر «معجم البلدان» (5/ 130) .

ثم توجه المعزّ إلى الديار المصرية، فشيعه ابن هانئ، ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به، فتجهز وتبعه، فلما وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها، فأقام عنده أياما في مجلس الأنس، فيقال: إنهم عربدوا عليه، فقتلوه، وقيل: خرج من تلك الدار وهو سكران، فنام على الطريق، فأصبح ميتا، ولم يعلم سبب موته، وقيل: وجد في سانية [1] من سواني برقة، مخنوقا بتكة سراويله، وكان ذلك في بكرة نهار الأربعاء ثالث عشري رجب من هذه السنة، وعمره ست وثلاثون سنة، وقيل: اثنتان وأربعون. ولما بلغ المعز وفاته، تأسف عليه كثيرا، وقال: كنّا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق، فلم يقدّر لنا ذلك. وقال ابن خلكان [2] : وديوانه كبير [3] ، ولولا ما فيه من الغلو [في المدح] والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين، وليس في المغاربة من هو في طبقته، لا من متقدميهم، ولا متأخريهم، بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين، وإن كان في المتنبي وأبي تمام من الاختلاف ما فيه. انتهى. وقال ابن الأهدل: وكنية ابن هانئ أبو نواس بكنية الحسن بن هانئ الحكمي العراقي، وكان معاصرا للمتنبي، ويقال: إنهما اجتمعا حين أراد المتنبي دخول المغرب فردّه أبو الحسن بن هانئ بنوع حيلة. انتهى. والحيلة التي ذكرها، قال بعضهم: هي أن المتنبي أراد مدح فاتح قابس، فضجر لذلك، وقال: شاعر لم يرضه عطاء كافور، كيف يرضه عطائي؟

_ [1] قال ابن منظور: السّانية، وجمعها السّواني، ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره. انظر «لسان العرب» (سنا) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 421- 424) وما بين حاصرتين في الخبر مستدرك منه. [3] في الأصل والمطبوع: «كثير» وهو تحريف والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

فتكفل له ابن هانئ بردّه، فيقال: إنه خرج في زيّ أعرابي فقير على راحلة هزيلة، وأمامه شاة هزيلة، فمرّ بهذا الزيّ على المتنبي، وكان على مرحلة من قابس، فلما رآه المتنبي أراد العبث به، فقال له: من أين أتيت؟ قال: من عند الملك، قال: فيما كنت عنده؟ قال: امتدحته بأبيات فأجازني هذه الشاة، فأضمر في نفسه أن الملك من لطفه كونه أجازه بها يظن شعره على قدرها، فقال له: ما قلت فيه؟ قال: قلت [1] : ضحك الزمان وكان قدما عابسا ... لمّا فتحت بعزم سيفك قابسا أنكحتها بكرا وما أمهرتها ... إلّا قنا وصوارما وفوارسا من كان بالسمر العوالي خاطبا ... فتحت له البيض الحصون عرائسا فتحير المتنبيّ وأمر بتقويض خيامه، وآلى أن لا يمتدحه، إذ جائزته على مثل هذا بمثل هذه. ومن غرر المدائح ونخب الشعر قوله في مدح المعز العبيدي المذكور: هل من أعقّة [2] عالج يبرين ... أم منهما بقر الحدوج [3] العين ولمن ليال ما ذممنا عهدها ... مذ كنّ إلّا ما لهن شجون المشرقات كأنهنّ كواكب ... والناعمات كأنهنّ غصون بيض وما ضحك الصباح وإنها [4] ... بالمسك من طرر [5] الحسان لجون أدمى لها المرجان صفحة خدّه ... وبكى عليه اللؤلؤ المكنون أعدى الحمام تأوّهى من بعدها ... فكأنّه فيما سجعن رنين [6]

_ [1] الأبيات من قصيدة طويلة جدا في «ديوانه» ص (350- 357) طبع دار صادر ببيروت وأوردها ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (4/ 422- 423) . [2] في الأصل والمطبوع: «من بمعهد» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [3] في الأصل: «نفر الجدوح» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [4] في الأصل والمطبوع: «وإنما» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [5] في الأصل والمطبوع: «من طور» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [6] في الأصل والمطبوع: «فكأنها مما شخصن رنين» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» .

بانوا سراعا للهوادج زفرة [1] ... مما رأين وللمطيّ حنين فكأنما صبغوا الضّحى بقبابهم [2] ... أو عصفرت فيه الخدود عيون ماذا على حلل الشقيق لو أنها ... عن لابسيها في الخدود تبين ولأعطشنّ الروض بعدهم فلا ... يرويه لي دمع عليه هتون أأعير لحظ العين بهجة منظر ... وأخونهم؟ إني إذا لخؤون لا الجوّ جوّ مشرق ولو اكتسى ... زهرا ولا الماء المعين معين لا يبعدنّ إذ العبير له ثرى [3] ... والتاج دوح [4] والشموس قطين أيام فيه العبقريّ مفوّف [5] ... والسّابريّ [6] مضاعف موضون والزاغبيّة شرّع والمشرف ... ة لمّع [7] والمقربات صفون والعهد من لمياء [8] إذ لا قومها [9] ... خزر ولا الحرب الهؤون زبون حزنى لذاك الجوّ وهو أسنة ... وكذا لذاك الخشف وهو عرين هل يدنينّي منه أجرد سابح ... مرح وجائلة السريح [10] أمون ومهنّد فيه الفرند كأنه ... دله له خلف الغرار أنين عضب المضارب مقفر من أعين ... لكنّه من أنفس مسكون قد كان رشح حديده أجلا وما ... صاغت مضاربه الرقاق قيون وكأنما يلقى الضريبة دونه ... بابن المعزّ واسمه المخزون

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وفرة» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [2] في الأصل والمطبوع: «وكأنما صبغوا الدجى بثيابهم» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [3] في الأصل والمطبوع: «لا يبعدن إذا العشير له يرى» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [4] في الأصل والمطبوع: «والتاج روح» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» وفي «ديوانه» : و «البانأيك» . [5] في الأصل والمطبوع: «مغوف» وأثبت ما في «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [6] في الأصل والمطبوع: «والباقري» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [7] في الأصل والمطبوع: «أبلغ» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [8] في «وفيات الأعيان» : «من ظمياء» . [9] في الأصل والمطبوع: «إذ لا فوقها» وأثبت لفظ «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [10] في «ديوانه» و «وفيات الأعيان» : «النّسوع» .

وهي طويلة. قال في «العبر» [1] : كان منغمسا في اللذات والمحرمات، متهما بدين الفلاسفة، شرب ليلة عند ناس، فأصبح مخنوقا، وهو في عشر الخمسين. انتهى.

_ [1] (2/ 334- 335) .

سنة ثلاث وستين وثلاثمائة

سنة ثلاث وستين وثلاثمائة فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج، وثقل لسانه، فدعاه الحاجب سبكتكين- وهو صاحب السلطان عز الدولة- إلى خلع نفسه، وتسليم الخلافة إلى ولده الطائع لله، ففعل ذلك في ذي القعدة، وأثبت خلعه على قاضي القضاة أبي الحسن بن أم شيبان. وفيها أقيمت الدعوة بالحرمين للمعزّ العبيدي، وقطعت خطبة بني العبّاس، ولم يحجّ ركب العراق، لأنهم وصلوا إلى سميراء، فرأوا هلال ذي الحجة، وعلموا أن لا ماء في الطريق، فعدلوا إلى مدينة النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، ثم قدموا الكوفة في أول المحرم. وفيها مات ثابت بن سنان بن ثابت بن قرّة الصابئ الحرّاني، الطبيب المؤرخ، صاحب التصانيف. كان صابئي النحلة، وكان ببغداد في أيام معز الدولة بن بويه، وكان طبيبا عالما [1] نبيلا تقرأ عليه كتب بقراط، وجالينوس، وكان فكّاكا للمعاني، وكان قد سلك مسلك جدّه ثابت في نظره في الطب، والفلسفة، والهندسة، وجميع الصناعات الرياضية للقدماء، وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه.

_ [1] في الأصل: «عاملا» وأثبت ما في المطبوع. وانظر «معجم الأدباء» لياقوت الحموي (7/ 142- 143) .

وفيها جمح بن القاسم [1] ، أبو العبّاس، المؤذن بدمشق. روى عن عبد الرحمن بن الرّواس، وطائفة. وفيها أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي، صاحب الخلّال، وشيخ الحنابلة وعالمهم المشهور، وصاحب التصانيف. روى عن موسى بن هارون، وأبي خليفة الجمحي، وجماعة. توفي في شوّال وله ثمان وسبعون سنة، وكان صاحب زهد وعبادة وقنوع. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [3] : عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف، أبو بكر، المعروف بغلام الخلّال. حدّث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، ومحمد بن الفضل، وأبي خليفة الفضل بن الحباب [4] البصري، وخلائق. وروى عنه أبو إسحاق بن شاقلا، وأبو عبد الله بن بطة، وأبو الحسن التميمي، وأبو عبد الله بن حامد، وغيرهم، وكان أحد أهل الفهم، موثوقا به في العلم، متسع الرواية، مشهورا بالديانة، موصوفا بالأمانة، مذكورا بالعبادة، وله المصنفات في العلوم المختلفات: «الشافي» «المقنع» «تفسير القرآن» «الخلاف مع الشافعي» «كتاب القولين» «زاد المسافر» «التنبيه» وغير ذلك. حدّثنا جعفر بن محمد بن سليمان الخلّال، حدّثنا محمد بن عوف الحمصي قال: سمعت أحمد بن حنبل- وسئل عن التفضيل؟ - فقال: من قدّم عليا على أبي بكر، فقد طعن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن قدّمه على عمر، فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر، ومن قدّمه على عثمان،

_ [1] ويعرف ب «ابن أبي الحواجب» انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 77) . [2] (2/ 336) . [3] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 119- 125) . [4] في الأصل والمطبوع: «ومحمد بن الفضل، وموسى بن هارون بن الحباب» والتصحيح من «طبقات ابن أبي يعلى» .

فقد طعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلى أهل الشورى، والمهاجرين [1] والأنصار. وبه حدّثنا محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا، قال: سألت أبا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان؟ فقال: نعم، الاستثناء على غير معنى الشك [2] ، مخافة واحتياطا للعمل، وقد استثنى ابن مسعود وغيره، وهو مذهب الثوري. ولما مات أبو بكر عبد العزيز اختلف أهل باب الأزج في دفنه، فقال بعضهم: يدفن في قبر أحمد، وقال بعضهم: يدفن عندنا، وجردوا السيوف والسكاكين، فقال المشايخ: لا تختلفوا [3] ، نحن في حريم السلطان- يعنون المطيع لله- فما يأمر نفعل، قال: فلفوه في نطع مشدود بالشراريف [4] ، خوفا أن يمزق الناس أكفانه، وكتبوا رقعة إلى الخليفة، فخرج الجواب: مثل هذا الرجل، لا نعدم بركاته، أن يكون في جوارنا، وهناك موضع يعرف بدار الفيلة [5] ، وهو ملك لنا، ولم يكن فيه دفن، فدفن فيه رحمه الله تعالى. وحكى أبو العبّاس بن أبي عمرو الشرابي قال: كان لنا ذات ليلة خدمة، أمسيت لأجلها، ثم إني خرجت منها نومة الناس، وتوجهت إلى داري بباب الأزج، فرأيت عمود نور من جوف السماء [6] إلى جوف المقبرة، فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت، خوفا أن يغيب عنّي، إلى أن وصلت إلى قبر

_ [1] حصل بعض التحريف هنا في الأصل وأثبتنا لفظ المطبوع وهو موافق للفظ «طبقات ابن أبي يعلى» . [2] في الأصل والمطبوع: «شك» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى» . [3] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «لا تقتتلوا» . [4] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «بالشوارف» . [5] في الأصل والمطبوع: «بدار الأفيلة» وأثبت لفظ «طبقات ابن أبي يعلى» ، وانظر «تاريخ الطبري» (3/ 589) . [6] في «طبقات ابن أبي يعلى» : «من جو السماء» .

أبي بكر عبد العزيز، فإذا أنا بالعمود من جوف السماء إلى القبر، فبقيت متحيرا، ومضيت وهو على حاله. انتهى ملخصا. وفيها أبو بكر بن النابلسي، محمد بن أحمد بن سهل الرّملي الشهيد، سلخه صاحب مصر، المعزّ [لدين الله] ، وكان قد قال: لو كان معي عشرة أسهم، لرميت الرّوم سهما ورميت بني عبيد تسعة، فبلغ القائد جوهر، فلما قرّره [1] اعترف، وأغلظ لهم، فقتلوه، وكان عابدا صالحا زاهدا، قوّالا بالحق. وفيها أبو الحسن الآبري محمد بن الحسين السجستاني [2] مؤلف كتاب «مناقب الشافعي» . وآبر: بمد الهمزة، وضم الموحدة، ثم راء خفيفة، قرية بسجستان. رحل إلى الشام، وخراسان، والجزيرة، وروى عن ابن خزيمة وطبقته. قال ابن ناصر الدّين: الآبري: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجستاني، أبو الحسن، كان حافظا مجودا، ثبتا مصنفا. انتهى. وفيها محدّث الشام، الحافظ أبو العبّاس، محمد بن موسى بن الحسين بن السمسار، الدمشقي. روى عن محمد بن خريم، وابن جوصا، وطبقتهما، وعنه تمّام الرّازي وغيره، وكان ثقة نبيلا حافظا جليلا، كتب القناطير، وحدّث باليسير. قاله الكتاني. وارتحل إلى مصر وإلى بغداد. وفيها الغزّال الزعفراني، الحافظ الإمام المقرئ، أبو عبيد الله، محمد بن عبد الرحمن بن سهل الأصبهاني. [روى] عن محمد بن علي

_ [1] أي فلما استجوبه. [2] انظر «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 118) .

الفرقدي، وعبدان الأهوازي. وعنه المالينيّ، وأبو نعيم الحافظ، وقال: هو أحد من يرجع إلى حفظه ومعرفته [1] ، وله مصنفات. قاله ابن بردس [2] . وفيها المظفّر بن حاجب بن أركين الفرغاني، أبو القاسم، توفي بدمشق في هذا العام أو بعده. رحل به أبوه، وسمع من جعفر الفريابي، والنسائي، وطبقتهما. وفيها النّعمان بن محمد بن منصور القيرواني القاضي، أبو حنيفة، الشّيعي ظاهرا، الزنديق باطنا، قاضي قضاة الدولة العبيدية، صنّف كتاب «ابتداء الدعوة» وكتابا في فقه الشيعة، وكتبا كثيرة، تدل على انسلاخه من الدّين، يبدّل فيها معاني القرآن ويحرّفها، مات بمصر في رجب، وولي بعده ابنه.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «هو أحد من رجع إلى حفظ ومعرفة» وما أثبته من «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 964) . [2] في الأصل والمطبوع: «ابن برداس» وهو خطأ والصواب ما أثبته.

سنة أربع وستين وثلاثمائة

سنة أربع وستين وثلاثمائة قال في «الشذور» : فيها تزوج الطائع شاهزنان بنت عز الدولة، على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وخطب خطبة النكاح أبو بكر بن قريعة القاضي. انتهى. وفيها توفي أبو بكر بن السنّي الحافظ، أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الدّينوري، صاحب كتاب «عمل اليوم والليلة» ، ورحل وكتب الكثير، وروى عن النسائي، وأبي خليفة [1] وطبقتهما. قال ابن ناصر الدّين: اختصر سنن النسائي وسمّاه «المجتبى» . قال ابنه أبو علي الحسن: كان أبي، رحمه الله، يكتب الأحاديث فوضع القلم في أنبوبة المحبرة، ورفع يديه يدعو الله عزّ وجل، فمات. انتهى. وفيها ابن الخشّاب أحمد بن القاسم بن عبد الله [2] بن مهدي، أبو الفرج البغدادي. كان أحد الحفّاظ المتقدمين. قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وابن خليفة» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف، وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 48) . [2] كذا في الأصل والمطبوع و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (130/ آ) «مخطوط» و «تاريخ بغداد» (4/ 353) وعند ابن عساكر في ترجمته في «تاريخ دمشق» .

وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الورّاق الأبزاري- بالباء الموحدة والزاي والراء، نسبة إلى أبزار قرية بنيسابور- توفي في رجب، وله ست وتسعون سنة. رحل وطوّف الكثير، وعني بالحديث، وروى عن مسدّد بن قطن، والحسن بن سفيان، وإنما رحل عن كبر. وفيها سبكتكين حاجب معز الدولة، كان الطائع قد خلع عليه خلعة الملوك، وطوّقه وسوّره، ولقبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم، وخلّف ألف ألف دينار، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين فيهما جوهر، وستين صندوقا فيها أواني ذهب وفضة وبلور، ومائة وثلاثين مركبا ذهبا، منها خمسون، وزن كل واحد ألف مثقال، وستمائة مركب فضة، وأربعة آلاف ثوب ديباجا، وعشرة آلاف ثوب ديبقي وعتابي، وداره، هي دار السلطان اليوم. قاله في «الشذور» [1] . وفيها أبو هاشم، عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السّلمي الدمشقي المؤدّب. قرأ القرآن على أبي عبيدة ولد ابن ذكوان، وروى عن محمد بن المعافى الصيداوي، وأبي شيبة داود بن إبراهيم وطبقتهما، ورحل وتعب وجمع، وكان ثقة. قال ابن ناصر الدّين: كان من الأعيان، وكتب القناطير. انتهى. وفيها علي بن أحمد بن علي المصّيصي. روى عن أحمد بن خليد [2] الحلبي وغيره.

_ (7/ 145 146) ، وورد عند ابن عساكر في صدر الترجمة، وعند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/ 151) وعند الصفدي في «الوافي بالوفيات» (7/ 292) : «ابن عبيد الله» . [1] وانظر «العبر» (2/ 339) فقد أورد الذهبي خبره فيه باختصار. [2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «ابن خليل» والتصويب من «العبر» (2/ 340) وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 219) .

وفيها المطيع [لله] [1] ، الخليفة أبو القاسم، الفضل بن المقتدر [بالله] جعفر بن المعتضد [بالله] العبّاسي. ولد في أول سنة إحدى وثلاثمائة، وبويع بالخلافة في سنة أربع وثلاثين بعد المستكفي. قال ابن شاهين: وخلع نفسه غير مكره، فيما صحّ عندي، في ذي القعدة، سنة ثلاث وستين، ونزل عن الأمر لولده الطائع لله عبد الكريم. قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : وأثبت خلعه على [3] القاضي ابن أمّ [4] شيبان، وصار بعد خلعه يسمى الشيخ الفاضل. قال الذهبي: وكان المطيع وابنه مستضعفين، مع بني بويه، ولم يزل أمر الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفي لله، فانصلح أمر الخلافة قليلا، وكان دست الخلافة لبني عبيد الرافضة بمصر أميز، وكلمتهم أنفذ، ومملكتهم تناطح مملكة العباسيين في وقتهم، وخرج المطيع إلى واسط مع ولده [5] فمات في محرم، سنة أربع وستين. قال الخطيب: حدّثني محمد بن يوسف القطّان، سمعت أبا الفضل التميمي، سمعت المطيع لله، سمعت شيخي ابن منيع، سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا مات أصدقاء الرجل ذلّ. انتهى كلام السيوطي. وفيها محمد بن بدر الأمير أبو بكر الحمامي الطولوني، أمير بعض بلاد فارس. قال أبو نعيم: ثقة.

_ [1] زيادة من «العبر» و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي. وانظر «الأعلام» (5/ 147) . [2] ص (404) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله. [3] لفظة «على» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي. [4] لفظة «أم» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع و «تاريخ الخلفاء» . [5] تحرّفت في «تاريخ الخلفاء» إلى «والده» فتصحح فيه فإن والده المقتدر بالله مات سنة (320) هـ.

وقال ابن الفرات: كان له مذهب في الرفض. وروى عن بكر بن سهل الدمياطي، والنسائي، وطبقتهما. قال الذهبي في «المغني» [1] : محمد بن بدر الحمامي، سمع بكر بن سهل، صدوق ولكنه يترفض. انتهى. وفيها أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي النيسابوري السّليطي- بفتح السين المهملة وكسر اللام، نسبة إلى سليط جدّ- روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي، وإبراهيم بن علي الذهلي وجماعة، وعاش اثنتين وتسعين سنة.

_ [1] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 559) .

سنة خمس وستين وثلاثمائة

سنة خمس وستين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» جلس قاضي القضاة، أبو محمد بن معروف [1] في دار عز الدولة، ونظر في الأحكام، لأن عز الدولة أحبّ أن يشاهد مجلس حكمه. انتهى. وفيها توفي أحمد بن جعفر بن سلم، أبو بكر الختّلي- بضم أوله والفوقية المشددة، نسبة إلى الختّل قرية بطريق خراسان- المحدّث المقرئ المفسّر، وله سبع وثمانون سنة، كان ثبتا ثقة صالحا. روى عن أبي مسلم الكجّي وطبقته. وفيها الذّارع، أبو بكر أحمد بن نصر البغدادي، أحد الضعفاء والمتروكين. روى عن الحارث بن أبي أسامة. قال في «المغني» [2] : أحمد بن نصر الذّارع، شيخ بغدادي، له جزء مشهور. قال الدارقطني: دجال. انتهى. وفيها أو بعدها، إسماعيل بن نجيد الإمام، أبو عمرو السّلمي النيسابوري، شيخ الصوفية بخراسان، في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون

_ [1] واسمه «عبيد الله بن أحمد» انظر «تاريخ بغداد» (10/ 365) و «الأعلام» (4/ 191) . [2] انظر «المغني في الضعفاء» (1/ 61) .

سنة. أنفق أمواله على الزهّاد والعلماء، وصحب الجنيد، وأبا عثمان الحيري، وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي، وأبا مسلم الكجّي، وطبقتهما، وكان صاحب أحوال ومناقب. قال سبطه أبو عبد الرحمن السّلمي: سمعت جدّي يقول: كل حال لا يكون عن نتيجة علم- وإن جلّ- فإن ضرره على صاحبه أكبر من نفعه. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو علي الماسرجسي الحافظ، أحد أركان الحديث بنيسابور، الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ماسرجس، النيسابوري، الثقة، المأمون. توفي في رجب، وله ثمان وستون سنة. روى عن جدّه، وابن خزيمة وطبقتهما، ورحل إلى العراق، ومصر، والشام. قال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، صنّف «المسند الكبير» مهذبا معلّلا في ألف وثلاثمائة جزء، وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد، وكان يحفظه مثل الماء، وصنّف كتابا على البخاري، وآخر على مسلم، ودفن علم كثير بموته. وفيها عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو محمد [2] الأصبهاني، والد أبي نعيم الحافظ، وله أربع وثمانون سنة. رحل، وعني بالحديث، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته، وكانت رحلته في سنة ثلاثمائة. قاله في «العبر» [3] . وفيها ابن عديّ، الحافظ الكبير، أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، ويعرف بابن القطّان الجرجاني، مصنّف «الكامل» .

_ [1] (2/ 342) . [2] في الأصل والمطبوع: «ابن محمد» والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 281) . [3] (2/ 343) .

قال ابن قاضي شهبة [1] : هو أحد الأئمة الأعلام وأركان الإسلام. طاف البلاد في طلب العلم، وسمع الكبار. له كتاب «الانتصار على مختصر المزني» وكتاب «الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين» وهو كامل في بابه كما سمّي. وقال ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه. وقال الذهبي: كان لا يعرف العربية مع [2] عجمة فيه، وأما [في] العلل والرجال فحافظ لا يجارى. ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، ومات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثلاثمائة. انتهى كلام ابن قاضي شبهة في «طبقاته» . وقال ابن ناصر الدّين: سمع خلقا يزيدون على ألف. انتهى. وفيها أبو أحمد بن النّاصح، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع بن المفسر الدمشقي، الفقيه الشافعي، في رجب بمصر. روى عن عبد الرحمن الروّاس، وأبي بكر بن علي المروزي، وطائفة. وفيها الشّاشي القفّال الكبير، أبو بكر، محمد [بن علي] [3] بن إسماعيل الفقيه الشافعي، صاحب المصنفات. رحل إلى العراق، والشام، وخراسان. قال الحاكم: كان عالم [4] أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في الحديث. سمع ابن جرير الطبري، وابن خزيمة، وطبقتهما، وهو صاحب وجه في المذهب. قال الحليمي: كان شيخنا القفّال أعلم من لقيته من فقهاء عصره.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 118) طبع حيدر أباد. [2] في المطبوع: «سمع» وهو خطأ. [3] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع، واستدركته من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (16/ 283) . [4] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «كان أعلم» .

وقال ابن قاضي شهبة: كان إماما، وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنّف الجدل الحسن من الفقهاء، وله كتاب حسن في أصول الفقه، وله «شرح الرسالة» وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر. وقال النووي في «تهذيبه» [1] : إذا ذكر القفّال الشاشي، فالمراد هذا، وإذا ورد القفّال المروزي فهو الصغير، ثم إن الشاشي يتكرر ذكره في [كتب] التفسير، والأصول والحديث والكلام، والمروزي يتكرر ذكره في الفقهيات. ومن تصانيف الشاشي «دلائل النبوة» و «محاسن الشريعة» و «آداب القضاء» جزء كبير، و «تفسير» كبير [2] . مات في ذي الحجة. انتهى ملخصا. وقال ابن الأهدل: هو شيخ الشافعية في عصره، كان فقيها محدّثا أصوليا متقنا [3] ذا طريقة حميدة وتصانيف نافعة، وله شعر جيد، ولم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله. أخذ عن ابن سريج وطبقته، وابن جرير الطبري، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وغيرهم. وأخذ عنه الحاكم أبو عبد الله، وابن مندة، والحليمي، وأبو عبد الرحمن السّلمي، وغيرهم، وهو والد القاسم صاحب «التقريب» [4] وهو منسوب إلى شاش، مدينة وراء نهر جيحون. واعلم أن لنا قفّالا غير شاشي، وشاشيا غير قفّال، وثلاثتهم يكنّون

_ [1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 282) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف، وانظر النقل في «سير أعلام النبلاء» (16/ 284- 285) . [2] ومنها كتابه القيّم «جوامع الكلم» الذي جمع فيه طائفة كبيرة من الأحاديث النبوية التي سارت مسار الأمثال بين جماهير المسلمين، وقد من الله عزّ وجل عليّ بتحقيقه والتقديم له والتعليق عليه، وقد شاركني العمل في تحقيقه صديقي الفاضل الأستاذ صلاح الشعّال، وهو قيد الطبع الآن في مكتبة دار العروبة في الكويت. [3] في المطبوع: «متفننا» . [4] قال اليافعي في «مرآة الجنان» (2/ 382) : وقيل: إنه- يعني الشاشي القفّال- صاحب «كتاب التقريب» لا ولده، وللشك في ذلك يقال: قال صاحب «التقريب» .

بأبي بكر، ويشترك اثنان في اسمهما، واثنان في اسم أبيهما، دون اسمهما، فالقفّال غير الشاشي هو المروزي، شيخ القاضي حسين، وأبي محمد الجويني، وسيأتي في سنة سبع وخمسمائة. انتهى كلام ابن الأهدل. وفيها المعز لدين الله، أبو تميم، معدّ بن المنصور [1] إسماعيل بن القائم بن المهدي العبيدي، صاحب المغرب، الذي ملك الديار المصرية. ولي الأمر بعد أبيه سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، ولما افتتح له مولاه جوهر سجلماسة، وفاس، وسبتة، وإلى البحر المحيط، جهّزه بالجيوش والأموال، فأخذ الديار المصرية، وبنى مدينة القاهرة المعزّية، وكان مظهرا للتّشيّع، معظما لحرمات الإسلام، حليما، كريما، وقورا، حازما، سريّا، يرجع إلى عدل وإنصاف في الجملة، توفي في ربيع الآخر، وله ست وأربعون سنة. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : بويع بولاية العهد في حياة أبيه المنصور بن إسماعيل، ثم جددت له البيعة بعد وفاته، فدبر الأمور وساسها، وأجراها على أحسن أحكامها إلى يوم الأحد، سابع ذي الحجة، سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، فجلس يومئذ على سرير ملكه، ودخل عليه الخاصة وكثير من العامة، وسلموا عليه بالخلافة، وتسمى بالمعز، ولم يظهر على أبيه حزنا. ثم خرج إلى بلاد إفريقية يطوف بها، ليمهد قواعدها، ويقرر أسبابها، فانقاد له العصاة من أهل تلك البلاد ودخلوا في طاعته، وعقد لغلمانه وأتباعه على الأعمال، واستندب لكل ناحية من يعلم كفايته وشهامته. ثم جهز أبا الحسن جوهر القائد، ومعه جيش كثيف ليفتح

_ [1] في «العبر» «سعد بن المنصور» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] (2/ 345) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 224- 228) .

ما استعصى [1] من بلاد المغرب، فسار إلى فاس، ثم منها إلى سجلماسة ففتحها، ثم توجه إلى البحر المحيط وصاد من سمكه وجعله في قلال الماء، وأرسله إلى المعز. ثم رجع إلى المعز ومعه صاحب سجلماسة، وصاحب فاس أسيرين في قفصي حديد، وقد وطن له البلاد من باب إفريقية إلى البحر المحيط في جهة الغرب، وفي جهة الشرق من باب إفريقية إلى أعمال مصر، ولم يبق بلد من هذه البلاد إلا أقيمت فيه دعوته، وخطب له في جميعه جمعته وجماعته، إلا مدينة سبتة، فإنها بقيت لبني أمية أصحاب الأندلس. ولما وصل الخبر إلى المعز- المذكور- بموت كافور الإخشيذي صاحب مصر، تقدم إلى القائد جوهر ليتجهز للخروج إلى مصر، فخرج أولا لإصلاح أموره، وكان معه جيش عظيم وجميع [2] قبائل العرب الذين يتوجه بهم إلى مصر. وخرج المعز بنفسه في الشتاء إلى المهدية، فأخرج من قصور آبائه خمسمائة حمل دنانير وعاد إلى قصره. ولما عاد جوهر بالرجال والأموال، وكان قدومه على المعز يوم الأحد سابع عشري محرم، سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، أمره المعز بالخروج إلى مصر، فخرج ومعه أنواع القبائل، وأنفق المعز في العسكر المسيّر صحبته أموالا كثيرة، حتّى أعطى من ألف دينار إلى عشرين دينارا، وغمر [3] الناس بالعطاء. وتفرقوا [4] في القيروان وصبرة [5] في شراء حوائجهم، ورحل معه

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ما استعصى له» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «وجمع» . [3] في الأصل والمطبوع: «وأغمر» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [4] في «وفيات الأعيان» : «وتصرفوا» . [5] في الأصل والمطبوع: «وصيره» وهو تصحيف والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «معجم البلدان» (3/ 391- 392) و «الروض المعطار» (354) .

ألف حمل من المال والسلاح، ومن الخيل والعدد ما لا يوصف، وكان بمصر في تلك السنة غلاء عظيم ووباء، حتّى مات فيها وفي أعمالها في تلك المدة ستمائة ألف إنسان على ما قيل. ولما كان منتصف رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وصلت البشارة إلى المعز بفتح الديار المصرية ودخول عساكره إليها، وكانت كتب جوهر ترد [1] إلى المعز باستدعائه إلى مصر، ويحثّه كل وقت على ذلك، ثم سيّر إليه يخبره بانتظام الحال بمصر والشام والحجاز، وإقامة الدعوة له بهذه المواضع، فسرّ بذلك سرورا عظيما، ثم استخلف على إفريقية بلكين بن زيري الصنهاجي، وخرج متوجها إليها بأموال جليلة المقدار، ورجال عظيمة الأخطار، وكان خروجه من المنصورية دار ملكه يوم الاثنين ثاني عشري شوال، سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. ولم يزل في طريقه يقيم بعض الأوقات في بعض البلاد أياما ويجدّ السير في بعضها، وكان اجتيازه على برقة، ودخل الإسكندرية رابع عشري شعبان من السنة المذكورة، وركب فيها، ودخل الحمام، وقدم عليه بها قاضي مصر أبو طاهر محمد بن أحمد، وأعيان أهل البلاد، وسلموا عليه، وجلس لهم عند المنارة، وأخبرهم أنه لم يرد دخول مصر لزيادة في ملكه ولا لمال، وإنما أراد إقامة الحق والجهاد والحج، وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة، ويعمل بما أمر به جدّه، صلى الله عليه وسلم، ووعظهم وأطال، حتّى بكى بعض الحاضرين، وخلع على القاضي وجماعة وودعوه وانصرفوا، ثم رحل منها في أواخر شعبان. ونزل يوم السبت ثاني رمضان على ساحل مصر بالجيزة، فخرج إليه القائد جوهر وترجل عند لقائه، وقبّل الأرض بين يديه، واجتمع به بالجيزة

_ [1] في الأصل والمطبوع: «تردد» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

أيضا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات، وأقام المعز هناك ثلاثة أيام، وأخذ العسكر في التعدية بأثقالهم إلى ساحل مصر، ولما كان يوم الثلاثاء خامس رمضان، عبر المعز النيل ودخل القاهرة، ولم يدخل مصر، وكانت قد زيّنت له، وظنوا أنه يدخلها، وأهل القاهرة لم يستدعوا للقائه لأنهم بنوا الأمر على دخوله مصر أولا، ولما دخل القاهرة ودخل القصر ودخل مجلسا فيه [1] خرّ ساجدا [لله تعالى] ثم صلى فيه ركعتين، وانصرف الناس عنه. وكان المعز عاقلا، حازما، سريا، أديبا حسن النظر في النجامة، وينسب إليه من الشعر: لله ما صنعت بنا ... تلك المحاجر في المعاجر أمضى وأقضى في النفو ... س من الخناجر في الحناجر انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «ودخل مجلسا منه» وما بين حاصرتين زيادة منه.

سنة ست وستين وثلاثمائة

سنة ست وستين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» حجّت جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان، فاستصحبت أربعمائة جمل عليها محامل عدّة، فلم يعلم في أيّها كانت، فلما شاهدت الكعبة، نثرت عليها عشرة آلاف دينار، وأنفقت الأموال الجزيلة. انتهى [1] . وفيها مات ملك القرامطة، الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنّابي القرمطي. والجنّابي: بفتح الجيم، وقيل: بضمها، وتشديد النون، آخره موحدة، نسبة إلى جنّابة، بلد بالبحرين. وكان الحسن هذا قد استولى على أكثر الشام وهزم جيش المعزّ، وقتل قائدهم جعفر بن فلاح، وذهب إلى مصر وحاصرها شهورا، قبل مجيء المعزّ، وكان يظهر طاعة الطائع لله، وله شعر وفضيلة. ولد بالأحساء، ومات بالرملة. قاله في «العبر» [2] . والقرمطي: بكسر القاف [3] وسكون الراء، وكسر الميم، وبعدها طاء مهملة.

_ [1] وانظر الخبر برواية أخرى عند الذهبي في «العبر» (2/ 346) . [2] (2/ 346- 347) . [3] قلت: وضبطها ابن منظور في «لسان العرب» (قرمط) بفتح القاف فراجعه.

والقرمطة في اللغة تقارب الشيء بعضه من بعض، ويقال: خط مقرمط ومشي مقرمط، إذا كان كذلك، لأن أبا سعيد، والد هذا المذكور، كان قصيرا مجتمع الخلق، أسمر كريه المنظر، فلذلك قيل له: قرمطي، ونسبت إليه القرامطة. وفيها ركن الدولة، الحسين بن بويه، أبو علي، والد عضد الدولة، ومؤيد الدولة، وأخو معز الدولة، وعماد الدولة. كان الحسين هذا صاحب أصبهان، والرّي، وعراق العجم [1] وكان ملكا، جليلا، عاقلا، نبيلا، بقي في الملك خمسا وأربعين سنة، ووزر له ابن العميد، ووزر لولده الصاحب بن عبّاد، ومات الحسين هذا بالقولنج، وقسم الممالك على أولاده، فكلهم أقام بنوبته أحسن قيام. وفيها المستنصر بالله [2] أبو مروان الحكم، صاحب الأندلس، وابن صاحبها الناصر لدّين الله، عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني، ولي ستة عشر سنة، وعاش ثلاثا وستين سنة، وكان حسن السيرة، محبّا للعلم، مشغوفا بجمع الكتب والنظر فيها، بحيث إنه جمع منها ما لم يجمعه أحد قبله ولا جمعه أحد بعده، حتّى ضاقت خزائنه عنها، وسمع من قاسم بن أصبغ وجماعة، وكان بصيرا بالأدب والشعر، وأيام الناس، وأنساب العرب، متسع الدائرة، كثير المحفوظ، ثقة فيما ينقله، توفي في صفر بالفالج. وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد النيسابوري

_ [1] عراق العجم: إقليم واسع في الغرب الأوسط من إيران المعاصرة، منه همذان، والدّينور، وحربذقان، وأصبهان، والرّيّ، وقزوين، وما بين ذلك. انظر «المشترك وضعا والمفترق صقعا» لياقوت الحموي ص (95) . [2] في الأصل والمطبوع: «المنتصر بالله» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 347) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 677) .

المعدّل. سمع من مسدّد بن قطن، وابن شيرويه [1] ، وفي الرحلة من الهيثم بن خلف، وهذه الطبقة. وحدّث بمسند إسحاق بن راهويه، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. وفيها أبو الحسن علي بن أحمد البغدادي بن المرزبان، صاحب أبي الحسين بن القطّان، أحد أئمة المذهب الشافعي وأصحاب الوجوه. قال الخطيب البغدادي [2] : كان أحد الشيوخ الأفاضل. قال: ودرس عليه الشيخ أبو حامد [الإسفراييني] أول قدومه بغداد. وقال الشيخ أبو إسحاق [3] : وكان فقيها ورعا، حكي عنه أنه قال: ما أعلم أنّ لأحد عليّ مظلمة، وقد كان فقيها يعرف [4] أن الغيبة من المظالم، ودرّس ببغداد، وعليه درس الشيخ أبو حامد [الإسفراييني] . توفي في رجب بعد شيخه ابن القطّان بسبع سنين. والمرزبان: معناه كبير الفلاحين. نقل عنه الرافعي في مواضع محصورة، منها: أن الآجرّ المعجون بالروث يطهر ظاهره بالغسل. قاله ابن قاضي شهبة. وفيها أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني [5] القاضي بجرجان، ثم بالرّيّ. ذكره الشيخ أبو إسحاق في «طبقاته» [6] فقال: كان فقيها، أديبا، شاعرا. وذكره الثعالبي في «اليتيمة» [7] فقال: حسنة جرجان، وفرد الزمان،

_ [1] في الأصل والمطبوع: «وابن سيرويه» والتصحيح من «العبر» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 325) وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (117) . [4] في «طبقات الفقهاء» : «يعلم» . [5] قلت: الصواب أنه مات سنة (392) . انظر التعليق رقم (1) ص (355) . [6] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (122) وراجع «تاريخ جرجان» ص (318) . [7] انظر «يتيمة الدهر» (4/ 3) طبع دار الكتب العلمية ببيروت.

ونادرة الملك [1] ، وإنسان حدقة العلم، ودرّة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، جمع [2] خط ابن مقلة، ونثر الجاحظ، ونظم البحتري، وفيه يقول الصاحب بن عبّاد: إذا نحن سلّمنا لك العلم كلّه ... فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها [3] ومن شعره [4] : يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت [5] أرضاه منعما وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت ... أقلب كفي إثره متندما [6] ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما إذا قيل هذا منهل [7] قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة ... إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس تعظّما ولكن أذلوه فهان [8] ودنّسوا ... محياه بالأطماع حتّى تجهّما

_ [1] في «يتيمة الدهر» الذي بين يدي: «ونادرة الفلك» . [2] في «يتيمة الدهر» : «يجمع» . [3] البيت مع الخبر في «يتيمة الدهر» و «طبقات الشافعية» للسبكي (3/ 459) . [4] الأبيات في «معجم الأدباء» لياقوت (14/ 17- 18) و «طبقات الشافعية» للسبكي (3/ 460 461) بتحقيق الطناحي والحلو. و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 349- 350) ، وبعضها في «يتيمة الدهر» (4/ 25) مع تقديم وتأخير في أبياتها. [5] في «معجم الأدباء» : «ولا كل أهل الأرض» . [6] هذا البيت لم يرد في «معجم الأدباء» . [7] في «معجم الأدباء» و «يتيمة الدهر» : «إذا قيل هذا مشرب» . [8] كذا في الأصل والمطبوع، و «طبقات الشافعية» للسبكي: «ولكن أذلوه فهان» وفي «معجم» .

وطاف المذكور في صباه الأقاليم، ولقي العلماء، وصنّف كتاب «الوساطة بين المتنبي وخصومه» أبان فيه عن فضل كبير، وعلم غزير. ذكر الحاكم في «تاريخ نيسابور» أنه مات بها في سلخ صفر سنة ست وستين وثلاثمائة [1] ، وحمل تابوته إلى جرجان. ودفن بها. قاله الإسنوي في «طبقاته» . ومن شعره أيضا: ما تطعّمت لذّة العيش حتّى ... صرت للبيت والكتاب جليسا ليس شيء أعزّ عندي من العل ... م فلا تبتغي [2] سواه أنيسا إنّما الذّلّ في مخالطة النّا ... س فدعهم وعش عزيزا رئيسا وفيها أبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري السرّاج المقرئ، الرجل الصالح. رحل وكتب عن مطيّن، وأبي شعيب الحرّاني، وطبقتهما. قال الحاكم: قلّ من رأيت أكثر اجتهادا وعبادة منه، وكان يقرئ القرآن، توفي يوم عاشوراء. وفيها أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيّويه النيسابوري ثم المصري، القاضي. سمع بكر بن سهل الدمياطي، والنسائي، وطائفة. توفي في رجب وهو في عشر التسعين أو جاوزها.

_ «الأدباء» : «ولكن أذلوه جهارا» . [1] قلت: الصواب أنه مات سنة (392) كما ذكر العلّامة خير الدّين الزركلي رحمه الله في تعليق مطول له في «الأعلام» (4/ 300) وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 21) . [2] رواية البيت في «معجم الأدباء» (14/ 19) : ليس شيء أعزّ عندي من العل ... م فلم أبتغي سواه أنيسا ورواية البيت في «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 387) : ليس شيء أعز عندي من العل ... م فما أبتغي سواه أنيسا

سنة سبع وستين وثلاثمائة

سنة سبع وستين وثلاثمائة فيها كما قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] التقى عز الدولة وعضد الدولة، فظفر عضد الدولة وأخذ عز الدولة أسيرا، وقتله بعد ذلك، وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة، وتوجه بتاج مجوهر، وطوّقه وسوّره، وقلّده سيفا، وعقد له لواءين بيده، أحدهما مفضض على رسم الأمراء، والآخر مذهّب على رسم ولاة العهود، ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله، وكتب له عهد [2] ، وقرئ بحضرته، [ولم يبق أحد إلا تعجّب] [3] ولم تجر العادة بذلك، إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين، فإذا أخذ [4] قال أمير المؤمنين: هذا عهدي إليك فاعمل به. انتهى. وفيها هلك صاحب هجر، أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنّابي القرمطي. وفيها توفي أبو القاسم النّصرآباذي- بفتح النون والراء الموحدة وسكون الصاد المهملة آخره معجمة، نسبة إلى نصراباذ محلة بنيسابور- واسمه إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري، الزاهد الواعظ،

_ [1] ص (407) . [2] في «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: «وكتب له عهدا» . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «تاريخ الخلفاء» للسيوطي. [4] في «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: «فإذا أخذه» .

شيخ الصوفية والمحدّثين. سمع ابن خزيمة بخراسان، وابن صاعد ببغداد، وابن جوصا بالشام، وأحمد العسّال بمصر، وكان يرجع إلى فنون من الفقه، والحديث، والتاريخ، وسلوك الصوفية، ثم حجّ وجاور سنتين، ومات بمكة في ذي الحجة. قاله في «العبر» [1] . وقال السخاوي: كان أوحد المشايخ في وقته علما وحالا، صحب الشّبلي، وأبا علي الرّوذباري، والمرتعش، وغيرهم. قيل له: إن بعض الناس يجالس النسوان ويقول: أنا معصوم في رؤيتهنّ، فقال: ما دامت الأشباح باقية، فإن الأمر والنهي باق، والتحليل والتحريم يخاطب [2] بهما ولن يجترئ على الشبهات إلا من يتعرض للمحرمات [3] . وقال: الراغب في العطاء لا مقدار له، والراغب في المعطي عزيز. وقال: العبادات إلى طلب الصّفح، والعفو عن تقصيرها، أقرب منها إلى طلب الأعواض والجزاء [بها] [4] . وقال: جذبة من الحق تربي على أعمال الثقلين. هذا كله كلام السّلمي [5] . وقال الحاكم [6] : الصوفي العارف أبو القاسم النّصرآباذي الواعظ، لسان أهل الحقائق، وقد كان يورّق قديما ثم تركه، غاب عن نيسابور نيّفا

_ [1] (2/ 349) . [2] في المطبوع و «طبقات الصوفية» للسلمي ص (487) : «مخاطب» . [3] في الأصل: «للحرمات» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «طبقات الصوفية» للسلمي. [4] زيادة من «طبقات الصوفية» للسلمي. [5] انظر «طبقات الصوفية» ص (484- 488) . [6] قلت: وقد ساق هذا النقل باختصار الذهبي في ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (16/ 265) فراجعه.

وعشرين سنة، ثم انصرف إلى وطنه سنة أربعين، وكان يعظ على ستر وصيانة، ثم خرج إلى مكة سنة خمس وستين وجاور بها، ولزم العبادة فوق ما كان من عادته، وكان يعظ ويذكّر، ثم توفي بها في ذي الحجة، ودفن عند تربة الفضيل بن عياض رحمهما الله تعالى ورضي عنهما. انتهى ملخصا. وفيها أبو منصور بختيار، الملقب عز الدولة بن الملك معز الدولة، أحمد بن بويه الدّيلمي. ولي عز الدولة مملكة أبيه بعد موته، وتزوج الإمام الطائع ابنته شاه زمان [1] على صداق مبلغه مائة ألف دينار. وكان عز الدولة ملكا سريّا، شديد القوى، يمسك الثور العظيم بقرنيه فيصرعه، وكان متوسطا في الإخراجات والكلف والقيام بالوظائف، حكى بشر الشمعي ببغداد قال: سئلنا عند دخول عضد الدولة بن بويه، وهو ابن عم عز الدولة المذكور، إلى بغداد لما ملكها بعد قتله عزّ الدولة، عن وظيفة الشمع الموقد بين يدي عز الدولة، فقلنا: كانت وظيفة وزيره أبي طاهر محمد بن بقية ألف من في كل شهر، فلم يعاودوا التقصّي استكثارا لذلك. وكان بين عز الدولة وابن عمه عضد الدولة منافسات في الممالك أدّت إلى التنازع، وأفضت إلى التصافّ والمحاربة، فالتقيا يوم الأربعاء ثامن عشر شوال من هذه السنة، فقتل عز الدولة في المصافّ، وكان عمره ستا وثلاثين سنة، وحمل رأسه في طست [2] ووضع بين يدي عضد الدولة، فلما رآه وضع منديله على عينيه وبكى. قاله ابن خلّكان [3] .

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «شاه زنان» وفي فهرس الأعلام منه: «شاه زمان» كما في كتابنا، وقال محققه في هامشه: وفي نسخة (هـ) : «شاه زيان» . [2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «دست» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والطست: آنية. انظر «لسان العرب» (طست) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 267- 268) .

وفيها الغضنفر عدّة الدولة، أبو تغلب بن الملك ناصر الدولة بن حمدان، ولي الموصل بعد أبيه مدّة، ثم قصده عضد الدولة فعجز وهرب إلى الشام، واستولى عضد الدولة على مملكته، ومر الغضنفر بظاهر دمشق، وقد غلب عليها قسّام العيّار، ثم ركب [1] إلى العزيز العبيدي، وسأله أن يوليه نيابة الشام، ثم نزل الرملة في هذه السنة، فالتقاه مفرج الطائي فأسره، وقتله كهلا. وفيها أبو الطاهر الذّهلي محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء بعض بغداد، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء الدّيار المصرية. حدّث عن بشر بن موسى، وأبي مسلم الكجّي وطبقتهما، وكان مالكي المذهب، فصيحا مفوّها، شاعرا، أخباريا، حاضر الجواب، غزير الحفظ. توفي وقد قارب التسعين. وفيها عمر بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران، أبو حفص السّكّري، الحافظ الثقة الضابط، وهو أخو جد أبي الحسين بن بشران. روى عن أحمد بن الحسن الصّوفي، والبغوي. قال الخطيب [2] : حدّثنا عنه البرقاني، وسألته عنه، فقال: ثقة، ثقة، كان حافظا، عارفا، كثير الحديث. وفيها ابن السّليم، قاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر الأندلسي [3] ، مولى بني أميّة، وله خمس وستون سنة، وكان رأسا في الفقه، رأسا في الزهد والعبادة. سمع أحمد بن خالد، وأبا سعيد بن الأعرابي الفقيه بمكة، وتوفي في رمضان.

_ [1] في «العبر» : «كتب» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 256) . [3] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 243- 244) .

وفيها ابن قريعة القاضي البغدادي، أبو بكر، محمد بن عبد الرحمن. أخذ عن أبي بكر بن الأنباري وغيره، وكان ظريفا مزّاحا، صاحب نوادر وسرعة جواب، وكان نديما للوزير المهلّبي. ولي قضاء بعض الأعمال، وقد نيّف على الستين. قال ابن خلّكان [1] : كان قاضي السّندية وغيرها من أعمال بغداد، ولّاه أبو السائب عتبة بن عبيد الله القاضي، وكان من [2] إحدى عجائب الدّنيا في سرعة البديهة في الجواب عن جميع ما يسأل عنه، في أفصح لفظ، وأملح سجع، وله مسائل وأجوبة مدوّنة في كتاب مشهور بأيدي الناس، وكان رؤساء ذلك العصر وفضلاؤه يداعبونه ويكتبون إليه المسائل الغريبة المضحكة، فيكتب الجواب من غير توقف ولا تلبث، مطابقا لما سألوه، وكان الوزير المهلبي يغري به جماعة يضعون له من الأسئلة الهزلية معان شتى من النوادر الظريفة [3] ليجيب عنها بتلك الأجوبة، فمن ذلك ما كتب إليه العبّاس بن المعلى الكاتب: ما يقول القاضي- وفقه الله تعالى- في يهودي زنى بنصرانية، فولدت ولدا جسمه للبشر ووجهه للبقر، وقد قبض عليهما، فما يرى القاضي فيهما، فكتب جوابه بديها: هذا من أعدل الشهود على [الملاعين] [4] اليهود بأنهم أشربوا العجل في صدورهم حتّى خرج من أيورهم، وأرى أن يناط برأس اليهودي رأس العجل، ويصلب على عنق النصرانية السّاق مع الرجل، ويسحبا على الأرض، وينادى عليهما ظلمات بعضها فوق بعض، والسلام. ولما قدم الصاحب بن عبّاد إلى بغداد، حضر مجلس الوزير أبي محمد

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 382- 384) . [2] لفظة «من» سقطت من المطبوع. [3] في «وفيات الأعيان» : «من المسائل الطنزية» . [4] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .

المهلبي، وكان في المجلس القاضي أبو بكر المذكور، فرأى من ظرفه وسرعة أجوبته مع لطافتها ما عظم منه تعجبه، فكتب الصاحب إلى أبي الفضل بن العميد كتابا يقول فيه: وكان في المجلس شيخ خفيف الرّوح، يعرف بالقاضي ابن قريعة، جاراني في مسائل خفّتها [1] تمنع من ذكرها، إلا أني سأطرفك [2] من كلامه، وقد سأله رجل بحضرة الوزير أبي محمد عن حدّ القفا، فقال: ما اشتمل [3] عليه جربّانك [ومازحك فيه إخوانك] [4] وأدّبك فيه سلطانك، وباسطك فيه غلمانك. وجربّان: بضم الجيم والراء، وتشديد الباء الموحدة، وبعدها ألف، ثم نون لينة، وهي الخرقة العريضة التي فوق القبّ، وهي التي تستر القفا، والجربان لفظ فارسي معرب. وجميع مسائله على هذا الأسلوب. انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا. وقال ابن حمدون في «تذكرته» [5] : كان ابن قريعة في مجلس المهلّبي، فوردت عليه رقعة فيها: ما يقول القاضي أعزّه الله، في رجل دخل الحمّام، فجلس في الأبزن لعلة كانت به، فخرجت منه ريح، فتحول الماء زيتا، فتخاصم الحمّامي والضارط، وادّعى كل واحد منهما أنه يستحق جميع الزيت لحقه فيه، فكتب القاضي في الجواب: قرأت هذه الفتيا الظريفة في

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «خسّتها» . [2] في «وفيات الأعيان» : «استظرفت» . [3] في الأصل: «ما يشتمل» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق للفظ «وفيات الأعيان» . [4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «وفيات الأعيان» . [5] قال العلّامة المؤرخ خير الدّين الزركلي- طيّب الله ثراه- في ترجمة ابن حمدون في «الأعلام» (6/ 85) : منها خمسة أجزاء مخطوطة، طبعت قطعة صغيرة من أحدها. وانظر «كشف الظنون» (1/ 383) .

هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثا باطلا وكذبا ماحلا، وإن كان ذلك كذلك فهو [من] أعاجيب الزمان وبدائع الحدثان، والجواب وبالله التوفيق، أن للضارط [1] نصف الزيت لحق وجعاته، وللحمامي نصف الزيت لحق مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما عن خبث أصله وقبح فصله، حتّى يستعمله في مسرجته ولا يدخله في أغذيته. انتهى. وقريعة: بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء التحتية بعدها عين مهملة وهو لقب جدّه، كذا حكاه السمعاني. وفيها أبو بكر بن القوطيّة- بضم القاف وكسر الطاء، وتشديد الياء المثناة من [2] تحت- نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام، نسبت إليه جدّة أبي بكر هذا وهي أم إبراهيم بن عيسى، واسمها سارة بنت المنذر بن حطية من ملوك القوط بالأندلس، وقوط أبو السودان، والهند والسّند أيضا. واسم أبي بكر هذا محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم الأندلسي الإشبيلي الأصل القرطبي المولد. كان رأسا في اللغة والنحو، حافظا للأخبار وأيام الناس، فقيها محدّثا متقنا، كثير التصانيف، صاحب عبادة ونسك. كان أبو علي القالي يبالغ في تعظيمه، توفي في شهر ربيع الأول، وقد روى عن سعيد بن جابر، وطاهر بن عبد العزيز، وطبقتهما، وسمع بإشبيلية من محمد بن عبيد الزّبيدي، وبقرطبة من أبي الوليد الأعرج، وكان من أعلم أهل زمانه باللغة والعربية، وأروى الناس للأشعار وأدركهم للآثار، لا يدرك [3] شأوه ولا يشق غباره، وكان مضطلعا بأخبار الأندلس مليئا برواية سير أمرائها وأحوال فقهائها وشعرائها عن ظهر قلب.

_ [1] في المطبوع: «للصافع» . [2] لفظة «من» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [3] في المطبوع: «ولا يدرك» .

قال ابن خلّكان [1] : وكانت كتب اللغة أكثر ما تقرأ عليه وتؤخذ عنه، ولم يكن بالضابط لروايته في الحديث والفقه، ولا كانت له أصول يرجع إليها، وكان ما يسمع عليه من ذلك إنما يحمل على المعنى لا على اللفظ، وكان كثيرا ما يقرأ عليه ما لا رواية له به على جهة التصحيح، وطال عمره فسمع الناس منه [2] طبقة بعد طبقة، وروى عنه الشيوخ والكهول، وكان قد لقي مشايخ عصره بالأندلس وأخذ عنهم، وأكثر من النقل من فوائدهم. وصنّف الكتب المفيدة في اللغة، منها: كتاب «تصاريف الأفعال» وهو الذي فتح هذا الباب، فجاء من بعده ابن القطّاع [3] وتبعه، وله كتاب «المقصور والممدود» جمع فيه ما لا يحدّ ولا يوصف، ولقد أعجز من يأتي بعده وفاق من تقدّمه. وكان مع هذه الفضائل من العبّاد النّساك، وكان جيد الشعر، صحيح الألفاظ، واضح المعاني، حسن المطالع والمقاطع، إلا أنه ترك ذلك [ورفضه] [4] . حكى الشاعر أبو بكر [يحيى] بن هذيل التميمي أنه توجه يوما إلى ضيعة له بسفح جبل [5] قرطبة، وهي من بقاع الأرض الطيبة المؤنقة، فصادف أبا بكر بن القوطية المذكور صادرا عنها، وكانت له أيضا هناك ضيعة، قال: فلما رآني عرّج عليّ واستبشر بلقائي، فقلت له: على البديهة [6] مداعبا له:

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 368- 371) . [2] في الأصل والمطبوع: «عنه» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [3] هو أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي، المعروف بابن القطّاع، صاحب كتاب «تثقيف اللسان» المتوفى سنة (514) ، وسوف ترد ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. [4] زيادة من «وفيات الأعيان» . [5] لفظة «جبل» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع. [6] تحرفت في المطبوع إلى «البهديهة» .

من أين أقبلت يا من لا شبيه له ... ومن هو الشّمس والدّنيا له فلك [1] قال فتبسم وأجاب بسرعة: من منزل تعجب النّسّاك خلوته ... وفيه ستر عن الفتّاك إن فتكوا [1] قال: فما تمالكت أن قبّلت يده، إذ كان شيخي، ومجدته ودعوت له. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها أبو الطاهر الوزير، نصير الدولة محمد بن محمد بن بقيّة بن علي، أحد الرؤساء والأجواد، تنقلت به الأحوال، ووزر لمعز الدولة بختيار، وقد كان أبوه فلاحا، ثم عزل وسمل، ولما تملك عضد الدولة قتله وصلبه في شوال، ورثاه محمد بن عمر الأنباري بقوله [2] : علوّ في الحياة وفي الممات ... لحقّ أنت إحدى المعجزات كأنّ النّاس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيّام الصّلات كأنّك قائم فيهم خطيبا ... وكلّهم قيام للصّلاة مددت يديك نحوهم احتفاء ... كمدّكها [3] إليهم بالهبات فلما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضمّ علاك من بعد الممات أصاروا الجوّ قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السّافيات لعظمك في النّفوس تبيت ترعى ... بحفّاظ وحرّاس ثقات وتشعل عندك النّيران ليلا ... كذلك كنت أيام الحياة ركبت مطيّة من قبل زيد ... علاها في السّنين الماضيات وتلك فضيلة فيها تأسّ ... تباعد عنك تعيير العداة

_ [1] البيتان مع الخبر في «يتيمة الدهر» (2/ 84) طبع دار الكتب العلمية، و «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 274) . [2] الأبيات في «وفيات الأعيان» (5/ 120) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 690) ، و «نكت الهيمان» ص (272- 273) ، و «النجوم الزاهرة» (4/ 130- 131) مع تقديم وتأخير. [3] في «وفيات الأعيان» و «النجوم الزاهرة» : «كمدّها» وفي «الكامل» : «كمدّهما» .

فلم أر قبل جذعك قطّ جذعا ... تمكن من عناق المكرمات أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثأر النّائبات وهي طويلة. ولم يزل ابن بقيّة مصلوبا إلى أن توفي عضد الدولة، فأنزل عن الخشبة، ودفن في موضعه. قال الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» : لما صنع أبو الحسن المرثية التائية، كتبها ورماها في شوارع بغداد، فتداولتها الأدباء إلى أن وصل الخبر إلى عضد الدولة، فلما أنشدت بين يديه، تمنى أن يكون هو المصلوب دونه، وقال: عليّ بهذا الرجل، فطلب سنة كاملة، واتصل الخبر بالصاحب بن عبّاد وهو بالرّيّ، فكتب له الأمان، فلما سمع أبو الحسن ذلك قصد حضرته، فقال له: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: نعم، قال: أنشدنيها من فيك، فلما أنشد: ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا ... تمكن من عناق المكرمات قام إليه الصاحب وقبّل فاه، وأنفذه إلى عضد الدولة، فلما مثل بين يديه قال: ما الذي حملك على رثاء عدوي؟ فقال: حقوق سلفت وأياد مضت، فقال: هل يحضرك شيء في الشموع؟ والشموع تزهر بين يديه، فأنشأ يقول: كأنّ الشّموع وقد أظهرت ... من النّار في كلّ رأس سنانا أصابع أعدائك الخائفين ... تضرّع تطلب منك الأمانا فلما سمعها خلع عليه وأعطاه فرسا وردّه. انتهى. وكان ابن بقيّة في أول أمره قد توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة والد عزّ الدولة، ثم انتقل إلى غيرها من الخدم، ولما مات معز الدولة

وأفضى الأمر إلى عزّ الدولة حسنت حاله عنده، ورعى له خدمته لأبيه، وكان فيه توصل وسعة صدر، وتقدم إلى أن استوزره عز الدولة يوم الاثنين سابع ذي القعدة، سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، ثم إنه قبض عليه لسبب يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة، سنة ست وستين بمدينة واسط، وسمل عينيه، ولزم بيته. قال ابن الهمذاني في كتابه «عيون السير» : لما استوزر عز الدولة بن بقيّة بعد أن كان يتولى أمر المطبخ، قال الناس: من الغضارة إلى الوزارة، ولكن ستر كرمه عيوبه، وخلع يوما عشرين ألف خلعة. انتهى. وتقدم أنه كان راتبه من الشمع في كل شهر ألف من، فكم يكون غيره مما تشتد الحاجة إليه، فسبحان المعز المذل، وعاش ابن بقيّة نيفا وخمسين سنة. وفيها يحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى اللّيثي القرطبي، أبو عيسى، الفقيه المالكي، راوي «الموطأ» عاليا.

سنة ثمان وستين وثلاثمائة

سنة ثمان وستين وثلاثمائة فيها كما قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] : أمر الطائع بأن تضرب الدبادب على باب عضد الدولة في وقت الصبح، والمغرب، والعشاء، وأن يخطب له على منابر الحضرة. قال ابن الجوزي: وهذان أمران لم يكونا من قبله، ولا أطلقا لولاة العهود، وما حظي عضد الدولة بذلك إلا لضعف الخلافة [2] . وفيها توفي أبو بكر القطيعي، أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي، مسند العراق، وكان يسكن بقطيعة الدّقيق [3] ، فنسب إليها. روى عن عبد الله بن الإمام أحمد «المسند» وسمع من الكديمي، وإبراهيم الحربي والكبار، توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة، وكان شيخا صالحا. وفيها السّيرافي، أبو سعيد، الحسن بن عبد الله بن المرزبان، صاحب العربية، كان أبوه مجوسيا فأسلم [4] ، وسمّي عبد الله، سمّاه به ابنه المذكور،

_ [1] ص (407) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد، وقد نقل المؤلف عنه باختصار. [2] وقد ساق الذهبي هذا الخبر في «العبر» (2/ 352) . باختصار أيضا فراجعه. [3] كذا في الأصل والمطبوع، و «تاج العروس» (قطع) ، وفي «معجم البلدان» لياقوت (4/ 377) طبع دار صادر: «قطيعة الرّقيق» . [4] في الأصل والمطبوع: «وأسلم» وأثبت لفظ «العبر» .

وكان اسمه أولا [1] بهزاد [2] ، تصدّر أبو سعيد لإقراء القراءات، والنحو، واللغة، والعروض، والفقه، والحساب، وكان رأسا في النحو، بصيرا بمذهب الإمام أبي حنيفة، قرأ القرآن على ابن مجاهد، وأخذ اللغة عن ابن دريد، والنحو عن ابن السّراج، وكان ورعا يأكل من النسخ، وكان ينسخ الكراس بعشرة دراهم لبراعة خطه، ذكر عنه الاعتزال ولم يظهر منه، ومات في رجب عن أربع وثمانين سنة. قال ابن خلّكان [3] : أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السّيرافي النحوي المعروف بالقاضي. سكن بغداد وتولى القضاء بها نيابة عن أبي محمد بن معروف، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، وشرح «كتاب سيبويه» فأجاد فيه، وله كتاب «ألفات الوصل والقطع» وكتاب «أخبار النحويين البصريين» وكتاب «الوقف والابتداء» وكتاب «صنعة الشعر والبلاغة» و «شرح مقصورة ابن دريد» وكان الناس يشتغلون عليه بعدة فنون، القرآن الكريم، والقراءات، وعلوم القرآن، والنحو، واللغة، والفقه، والفرائض، والحساب، والكلام، والشعر، والعروض، والقوافي، وكان نزها عفيفا، جميل الأمر، حسن الأخلاق، وكان معتزليا، ولم يظهر منه شيء، وكان كثيرا ما ينشد في مجالسه: اسكن إلى سكن تسرّ به ... ذهب الزّمان وأنت منفرد ترجو غدا وغد كحاملة ... في الحيّ لا يدرون ما تلد وتوفي يوم الاثنين ثاني رجب ببغداد، وعمره أربع وثمانون سنة، ودفن بمقابر [4] الخيزران.

_ [1] في المطبوع: «وكان أولا اسمه» . [2] تحرّف في المطبوع إلى «بهزار» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 78- 79) . [4] في «وفيات الأعيان» : «بمقبرة» .

وقال ولده أبو محمد يوسف: أصل أبي من سيراف، ومضى إلى عسكر مكرم، وأقام عند أبي محمد بن عمر المتكلم، وكان يقدمه، ويفضله [1] على جميع أصحابه، ودخل بغداد، وخلف القاضي أبا محمد بن معروف على قضاء الجانب الشرقي [ثم] [2] في الجانبين. والسّيرافي: بكسر السين المهملة، وبعد الراء والألف فاء، نسبة إلى سيراف، وهي من بلاد فارس، على ساحل البحر، مما يلي كرمان، خرج منها جماعة من العلماء. وفيها أبو القاسم الآبندوني- بألف ممدودة وفتح الباء الموحدة، وسكون النون، وضم المهملة، نسبة إلى آبندون من قرى جرجان- واسمه عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الجرجاني الحافظ. سكن بغداد، وحدّث عن أبي خليفة، والحسن بن سفيان، وطبقتهما، وهو ثقة ثبت. قال الحاكم: كان أحد أركان الحديث. وقال البرقاني: كان محدّثا، زاهدا، متقلّلا من الدّنيا، لم يكن يحدّث غير واحد [منفرد] [3] ، لسوء أدب الطلبة وحديثهم وقت السماع، عاش خمسا وتسعين سنة، وممّن حدّث عنه البرقاني [4] ، وأبو العلاء الواسطي. وفيها الرّخّجيّ- بالضم وتشديد المعجمة المفتوحة وجيم، نسبة إلى الرّخّجية، قرية ببغداد- القاضي أبو الحسين عيسى بن حامد البغدادي [5]

_ [1] في الأصل: «وفضله» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [2] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «وفيات الأعيان» . [3] زيادة من «تاريخ بغداد» (9/ 407) و «المنتظم» لابن الجوزي (7/ 96) . [4] في الأصل والمطبوع: «الرماني» والتصحيح من «تاريخ بغداد» (9/ 407) و «المنتظم» لابن الجوزي (7/ 96) وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني المتوفى سنة (425) هـ. انظر «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (418) . [5] قال السمعاني في «الأنساب» (6/ 97) : يعرف بابن بنت القنبيطي، وانظر تتمة كلامه عنه هناك.

الفقيه، أحد تلامذة ابن جرير [1] . روى عن محمد بن جعفر القتّات وطبقته، ومات في ذي الحجة، عن سن عالية. وفيها الحافظ النبيل أحمد بن موسى بن عيسى بن أحمد بن عبد الرّحمن، الوكيل الفرضي، أبو الحسن [2] بن أبي عمر الجرجاني. كان حافظا نبيها غير أنه كان يضع الحديث، نسأل الله العافية. وفيها أبو أحمد الجلودي- بضمتين، وقيل بفتح الجيم نسبة إلى الجلود- محمد بن عيسى بن عمرويه [3] النيسابوري، راوية «صحيح مسلم» عن ابن سفيان الفقيه. سمع من جماعة، ولم يرحل. قال الحاكم: هو من كبار عبّاد الصوفية، وكان ينسخ بالأجرة، ويعرف مذهب سفيان [4] وينتحله. توفي في ذي الحجة، وله ثمانون سنة. وفيها أبو الحسين الحجّاجي- نسبة إلى جدّ- محمد بن محمد بن يعقوب النيسابوري، الحافظ الثقة المقرئ، العبد الصالح الصدوق، في ذي الحجة، عن ثلاث وثمانين سنة. قرأ على ابن مجاهد، وسمع عمر بن أبي غيلان، وابن خزيمة، وهذه الطبقة، بمصر، والشام، والعراق، وخراسان، وصنّف العلل، والشيوخ، والأبواب. قال الحاكم: صحبته نيّفا وعشرين سنة، فلم [5] أعلم أن الملك كتب

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أحد تلامذة ابن جريج» وهو خطأ، والصواب أنه أحد تلامذة محمد بن جرير الطبري كما في «الأنساب» و «العبر» (2/ 354) . [2] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسين» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (16/ 382) والمصادر المذكورة في حاشيته. [3] انظر «الأنساب» (3/ 283) وحاشية محققه العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني عليه ففي ذلك فائدة عزيزة. [4] يعني سفيان الثوري. انظر «الأنساب» (3/ 284) . [5] في «العبر» : «فما» .

عليه خطيئة، وسمعت أبا عليّ الحافظ يقول: ما في أصحابنا أفهم ولا أثبت منه، وأنا ألقّبه بعفّان لثبته، رحمه الله تعالى. وفيها هفتكين التّركي الشرابي [1] ، خرج عن بغداد خوفا من عضد الدولة، ونزل الشام، فتملك دمشق بإعانة أهلها في سنة أربع وستين، وردّ الدعوة العبّاسية، ثم صار إلى صيدا، وحارب المصريين، فقدم لحربه القائد جوهر، وحاصره بدمشق سبعة أشهر، ثم ترحل عنه، فساق وراء جوهر، فالتقوا بعسقلان، فهزم جوهرا، وتحصّن جوهر بعسقلان، فحاصره هفتكين بها خمسة عشر شهرا، ثم أمّنه، فنزل وذهب إلى مصر، فصادف العزيز صاحب مصر قد جاء في نجدته، فردّ معه، فكانوا سبعين ألفا، فالتقاهم هفتكين، فأخذوه أسيرا، في أول سنة ثمان هذه، ثم من عليه العزيز، وأعطاه إمرة، فخاف منه ابن كلّس الوزير وقتله، سقاه سمّا، وكان يضرب بشجاعته المثل.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 307- 308) .

سنة تسع وستين وثلاثمائة

سنة تسع وستين وثلاثمائة فيها ورد رسول العزيز صاحب مصر والشام، إلى عضد الدولة، ثم ورد رسول آخر، فأجابه بما مضمونه، صدق الطّوية وحسن النيّة. وفيها توفي أحمد بن عطاء [الرّوذباري] [1] أبو عبد الله الزاهد، شيخ الصوفية، نزيل صور [2] . روى عن أبي القاسم البغوي وطبقته. قال القشيري: كان شيخ الشام في وقته، وضعّفه بعضهم، فإنه روى عن إسماعيل الصفّار مناكير، تفرّد بها. قاله في «العبر» [3] . ومن كلامه: ما من قبيح إلا وأقبح منه صوفي شحيح. وقال: الخشوع في الصلاة علامة فلاح المصلّي قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ 23: 1- 2 [المؤمنون: 1- 2] . وقال: مجالسة الأضداد ذوبان الرّوح [4] ، ومجالسة الأشكال تلقيح العقول.

_ [1] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف. [2] في الأصل: «نزيل صغد» وفي المطبوع: «نزيل صفد» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» وانظر «تاريخ بغداد» (4/ 336) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 227- 228) . [3] (2/ 356) . [4] قوله: «ذوبان الروح» سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.

وقال الخطيب [1] : نشأ ببغداد وأقام بها دهرا طويلا [2] ، ثم انتقل فنزل صور من ساحل بلاد الشام [3] ، وتوفي في قرية يقال لها منواث من عمل عكا، وحمل إلى صفد فدفن بها. وفيها ابن شاقلا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البغدادي البزّاز، شيخ الحنابلة، وتلميذ أبي بكر عبد العزيز، توفي كهلا في رجب، وكان صاحب حلقة للفتيا والإشغال بجامع المنصور. وفيها الجعل، واسمه حسين بن علي البصري الحنفي العلّامة، صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة، وكان رأس المعتزلة. قاله أبو إسحاق في «طبقات الفقهاء» [4] . وفيها ابن ماسي المحدّث، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزّاز ببغداد، في رجب، وله خمس وتسعون سنة. قال البرقاني وغيره: ثقة، ثبت. روى عن أبي مسلم الكجّي وطائفة. وفيها الحسن بن محمد بن علي الأصفهاني أبو سعيد الحافظ المتقن. روى عن أبي قاسم البغوي، وأبي محمد بن صاعد، وهذه الطبقة. وعنه: أبو نعيم وغيره، ووصفه أبو نعيم بالمعرفة والإتقان. وفيها الإمام الحافظ الثبت الثقة، أبو الشيخ، وأبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان الأصبهاني، صاحب التصانيف، في سلخ المحرم، وله خمس وتسعون سنة، وأول سماعه في سنة أربع وثمانين ومائتين، من

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 336) . [2] كانت العبارة في الأصل والمطبوع: «أقام ببغداد ونشأ بها، وأقام ببغداد دهرا طويلا» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» . [3] في الأصل والمطبوع: «من ساحل بلاد الروم» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» . [4] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (143) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس.

إبراهيم بن سعدان، وابن أبي عاصم، وطبقتهما، ورحل في حدود الثلاثمائة، وروى عن أبي خليفة وأمثاله، بالموصل، وحرّان، والحجاز، والعراق، وممّن روى عنه أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، والماليني، وأبو نعيم، وابن مردويه. وقال ابن مردويه: هو ثقة مأمون، وصنّف «التفسير» والكتب الكثيرة في الأحكام وغير ذلك. وقال الخطيب [1] : كان حافظا ثبتا متقنا. وقال غيره: كان صالحا عابدا قانتا لله، كبير القدر. وفيها الإمام أبو سهل محمد بن سليمان العجلي الصعلوكي النيسابوري، الحنفي نسبا والشافعي مذهبا، الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان. قال فيه الحاكم: أبو سهل الصعلوكي الشافعي اللغوي المفسّر النحوي المتكلم المفتي الصوفي، حبر زمانه [2] وبقية أقرانه. ولد سنة تسعين ومائتين، واختلف إلى ابن خزيمة، ثم إلى أبي علي الثقفي، وناظر وبرع، وسمع من أبي العبّاس السّراج وطبقته. وقال الصاحب بن عبّاد: ما رأى أبو سهل مثل نفسه، ولا رأينا مثله، وهو صاحب وجه في المذهب. وسئل أبو الوليد حسّان بن محمد الفقيه، عن أبي بكر القفّال، وأبي سهل الصعلوكي أيّهما أرجح، فقال: ومن يقدر أن يكون مثل أبي سهل. وعنه أخذ ابنه أبو الطيب وفقهاء نيسابور. وقال أبو عبد الرحمن السّلمي: سمعته يقول ما عقدت على شيء قطّ،

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 278) . [2] في الأصل والمطبوع: «خير زمانه» وما أثبته من «العبر» (2/ 358) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 236) .

وما كان لي قفل ولا مفتاح، وما حرزت [1] على فضّة ولا على ذهب قطّ. قال: وسمعته يقول: من قال لشيخه لم؟ لا يفلح أبدا [2] . ومن غرائبه وجوب النيّة لإزالة النجاسة، وأن من نوى غسل الجنابة والجماع [3] لا يجزئه لواحد منهما، وتوفي في ذي القعدة. وفيها ابن أمّ شيبان، قاضي القضاة، أبو الحسن محمد بن صالح بن علي الهاشمي العبّاسي العيسوي الكوفي. روى عن عبد الله بن زيدان [4] البجلي وجماعة، وقدم بغداد مع أبيه، فقرأ على ابن مجاهد، وتزوج بابنة قاضي القضاة، أبي عمر محمد بن يوسف. قال طلحة الشاهد: هو رجل عظيم القدر، واسع العلم، كثير الطّلب، حسن التصنيف، متوسط في مذهب مالك، متفنّن. وقال ابن أبي الفوارس: نهاية في الصدق، نبيل فاضل، ما رأينا في معناه مثله. توفي فجأة في جمادى الأولى، وله بضع وسبعون سنة. قاله في «العبر» [5] . وفيها النقّاش المحدّث، لا المقرئ، أبو بكر محمد بن علي بن

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» : «ما حررت» . [2] علق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط على هذا الخبر في «سير أعلام النبلاء» (16/ 237) بقوله: بلى والله يفلح إذا كان قصده معرفة الحقيقة، أو كان يرى في الشيخ خطأ لا يقرّه الشرع، وأراد أن ينبّه عليه بأدب ولطف، فكل بني آدم خطاء كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم، وقد اتخذ هذه الكلمة المنافية لما جاء به الإسلام من لا يترسّم خطى الشرع من الشيوخ ذريعة لارتكاب ما لا يحل، وفعل ما هو محرم. [3] في الأصل والمطبوع: «والجماعة» والتصحيح من «العبر» (2/ 358) مصدر المؤلف في نقله. [4] في الأصل والمطبوع: «ابن بدران» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 226) . [5] (2/ 358- 359) .

الحسن المصري الحافظ، نزيل تنّيس، وله سبع وثمانون سنة. روى عن شيخ النّسائي محمد بن جعفر الإمام، ورحل، فسمع من النّسائي، وأبي يعلى، وعبدان، وخلائق، ورحل إليه الدارقطني، وكان من الحفاظ والعلماء بهذا الشأن [1] . وفيها أبو عمرو، محمد بن محمد بن صابر البخاري، المؤذّن، صاحب صالح جزرة، الحافظ مسند أهل بخارى وعالمها. وفيها الباقرحيّ- بفتح القاف، وسكون الراء، ثم [حاء] مهملة، نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد- أبو علي مخلد بن جعفر الفارسي الدقاق، صاحب «المشيخة» ببغداد في ذي الحجة. روى عن يوسف بن يعقوب القاضي وطبقته، ولم يكن يعرف شيئا من الحديث، فأدخلوا عليه فأفسدوه. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] يعني علوم الحديث النبوي. [2] (2/ 360) .

سنة سبعين وثلاثمائة

سنة سبعين وثلاثمائة فيها رجع عضد الدولة من همذان، فلما وصل إلى بغداد، بعث إلى الطائع لله ليتلقاه، فما وسعه التخلّف، ولم تجر عادة بذلك أبدا، وأمر قبل دخوله، أن من تكلم أو دعا له قتل، فما نطق مخلوق، فأعجبه ذلك. وكان عظيم الهيبة، شديد العقوبة على الذنب الصغير. وفيها توفي الرّازي، أبو بكر أحمد بن علي الفقيه، شيخ الحنفية ببغداد، وصاحب أبي الحسن الكرخي، في ذي الحجة، وله خمس وستون سنة. انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان مشهورا بالزهد والدّين، عرض عليه قضاء القضاة فامتنع، وله عدة مصنفات. روى فيها عن الأصم وغيره. وفيها اليشكري، أحمد بن منصور الدّينوري الأخباري، مؤدّب الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر. روى عن ابن دريد وطائفة، وله أجزاء منسوبة إليه رواها الأمير حسن. وفيها أبو سهل بشر بن أحمد الإسفراييني الدهقان المحدّث الجوّال. روى عن إبراهيم بن علي الذّهلي، وقرأ على الحسن بن سفيان مسنده، ورحل إلى بغداد، والموصل، وأملى زمانا، وتوفي في شوال، عن نيّف وتسعين سنة. وفيها أبو محمد السّبيعي- بفتح السين المهملة، نسبة إلى سبيع بطن

من همدان- وهو الحافظ الحسن [بن أحمد] [1] بن صالح الحلبي. روى عن عبد الله بن ناجية وطبقته، ومات في آخر السنة في الحمام، وكان شرس الأخلاق. قال ابن ناصر الدّين: كان على [2] تشيّع فيه ثقة. وفيها الحسن بن رشيق العسكري، أبو محمد المصري الحافظ، في جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة. قال يحيى بن الطحّان: روى عن النّسائي، وأحمد بن حمّاد زغبة، وخلق لا أستطيع ذكرهم، ما رأيت عالما أكثر حديثا منه. وفيها ابن خالويه، الأستاذ أبو عبد الله [3] الحسين بن أحمد الهمذاني النحوي اللغوي صاحب التصانيف وشيخ أهل حلب. أخذ عن ابن مجاهد، وأبي بكر بن الأنباري، وأبي عمر الزاهد. قال ابن الأهدل: انتقل عن بغداد إلى حلب فاستوطنها، ومات بها، وكان بنو حمدان يعظّمونه، دخل على سيف الدولة، فقال له: اقعد، ولم يقل: اجلس، فاتخذت فضيلة لسيف الدولة، وذلك لأن القائم يقال له: اقعد، والنائم والساجد: اجلس، وله مواقف مع المتنبي في مجلس سيف الدولة، ومن شعره: إذا لم يكن صدر المجالس سيّدا ... فلا خير فيمن صدّرته المجالس وكم قائل: ما لي رأيتك راجلا؟ ... فقلت له: من أجل أنك فارس [4] انتهى.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «العبر» (2/ 361) وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 296) . [2] لفظة «على» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [3] في «العبر» : «أبو عبيد الله» وهو تحريف فيصحح فيه. [4] البيتان في «يتيمة الدهر» (1/ 137) طبع دار الكتب العلمية ببيروت، وانظر «وفيات الأعيان» (2/ 179) .

وفيها القبّاب [1] وهو الذي يعمل المحابر [2] أبو بكر، عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك بن عطاء الأصبهاني المقرئ، وله بضع وتسعون سنة. قرأ على ابن شنبوذ، وروى عن محمد بن إبراهيم الجيراني [3] ، وعبد الله بن محمد بن النّعمان، والكبار، وصار شيخ ناحيته، توفي في ذي القعدة. وفيها الإمام الإسماعيلي، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العبّاس، أبو بكر، الجرجاني [4] ، أحد الحفاظ الأعيان. كان شيخ المحدّثين والفقهاء، وأجلّهم في المروءة والسخاء. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها العلّامة الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي اللغوي النحوي الشافعي، صاحب «تهذيب اللغة» وغيره من المصنفات الكبار، الجليلة المقدار، مات بهراة [5] ، في شهر ربيع الآخر، وله ثمان وثمانون سنة. روى عن البغوي، ونفطويه، وأبي بكر بن السرّاج، وترك الأخذ عن ابن دريد تورعا، لأنه رآه سكران، وقد بقي الأزهري في أسر القرامطة مدة طويلة. قاله في «العبر» [6] .

_ [1] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «القتاب» والتصحيح من «العبر» (2/ 362) وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 257) . [2] كذا قال المؤلف، وقد تبع في ذلك الإمام الذهبي في «العبر» (2/ 362) . وقال الإمام الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/ 258) : القبّاب: هو الذي يعمل القبّة، يعني المحارة. وقال الإمام السمعاني في «الأنساب» (10/ 38) : القبّاب: هذه النسبة إلى عمل القباب التي هي كالهوادج، والله أعلم. [3] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «الحيراني» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [4] مترجم في «تاريخ جرجان» ص (108- 109) وسوف تتكرر ترجمته في حوادث سنة (371) . [5] في الأصل: «في هراة» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» . [6] (2/ 362- 363) .

وقال ابن قاضي شهبة: ولد بهراة سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وكان فقيها صالحا، غلب عليه علم اللغة، وصنّف فيه كتابه «التهذيب» الذي جمع فيه فأوعى، في عشر مجلدات، وصنّف في التفسير كتابا سمّاه «التقريب» . انتهى ملخصا. وقال ابن خلّكان [1] : وحكى بعض الأفاضل أنه رأى بخطه، قال: امتحنت بالأسر سنة عارضت القرامطة الحاجّ [2] بالهبير، وكان القوم الذي وقعت في سهمهم عربا نشؤوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع، ويرجعون إلى أعداد المياه في محاضرهم زمان القيظ، ويرعون النعم ويعيشون بألبانها، وكنّا نشتّي بالدهناء، ونرتبع بالصّمّان، ونقيظ بالسّتارين، واستفدت من محاورتهم ومخاطبة بعضهم بعضا ألفاظا جمّة، ونوادر كثيرة، أوقعت أكثرها في كتابي- يعني «التهذيب» -. انتهى. وفيها الحافظ الكبير، أبو بكر غندر، محمد بن جعفر البغدادي الورّاق الثقة. كان رحّالا جوّالا، توفي بأطراف خراسان غريبا. سمع بالشام، والعراق، ومصر، والجزيرة. وروى عن الحسن بن شبيب المعمري، ومحمد بن محمد الباغندي، وطبقتهما. وعنه: الحاكم، وأبو نعيم، وغيرهما. قال الحاكم: دخل إلى أرض التّرك، وكتب من الحديث ما لم يتقدمه فيه أحد كثرة. وفيها أبو زرعة اليمني الإستراباذي، محمد بن إبراهيم الحافظ [3] . روى عن علي بن الحسين بن معدان، والسّراج، وأبي عروبة الحرّاني. وعنه: الإدريسي، وحمزة السهمي، وهو ثقة. قاله ابن بردس.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 334- 336) . [2] في الأصل والمطبوع «الحج» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [3] مترجم في «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 998- 999) .

وممّن كان بعد الستين وثلاثمائة: الرّفّاء الشاعر، أبو الحسن السّريّ بن أحمد الكندي الموصلي، صاحب الديوان المشهور. مدح سيف الدولة، والوزير المهلّبي والكبار. قال ابن خلّكان [1] : كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل، وهو مع ذلك يتولع بالأدب وينظم الشعر، ولم يزل حتّى جاد شعره ومهر فيه، وقصد سيف الدولة بن حمدان بحلب، وأقام عنده مدة ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد، ومدح الوزير المهلّبي وجماعة من رؤسائها، ونفق شعره وراج، وكان [2] بينه وبين أبي بكر محمد، وأبي عثمان سعيد بن هاشم الخالديين الموصليين الشاعرين المشهورين معاداة، فادّعى عليهما سرقة شعره، وشعر غيره. وكان السّريّ مغرى بنسخ «ديوان كشاجم» الشاعر المشهور، وهو إذ ذاك ريحان الأدب بتلك البلاد، والسّريّ في طريقه يذهب، فكان يدسّ فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه، وينفق سوقه، ويعلى شعره [3] بذلك عليهما، ويغضّ منهما. فمن هذه الجهة وقفت

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 359- 363) . [2] في «وفيات الأعيان» : «وكانت» . [3] في «وفيات الأعيان» «ويغلى سعره» .

في بعض النسخ من «ديوان كشاجم» على زيادات ليست في الأصول المشهورة. وكان شاعرا مطبوعا، عذب الألفاظ، مليح المأخذ، كثير الافتتان في [التشبيهات و] الأوصاف [1] ، ولم يكن له رواء ولا منظر، ولا يحسن من العلوم غير قول الشعر. ومن شعر السّري المذكور: وكانت الإبرة فيما مضى ... صائنة وجهي وأشعاري فأصبح الرزق بها ضيقا ... كأنه من ثقبها جاري ومن محاسن شعره في المديح قوله من [2] جملة قصيدة: يلقى الّندى برقيق وجه مسفر ... فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا رحب المنازل ما أقام فإن سرى ... في جحفل ترك الفضاء مضيقا وذكر له الثعالبي في كتابه «المنتحل» : ألبستني نعما رأيت بها الدّجى ... صبحا وكنت أرى الصباح بهيما فغدوت يحسدني الصديق وقبلها ... قد كان يلقاني العدو رحيما ومن غرر شعره في التشبيب: بنفسي من أجود له بنفسي ... ويبخل بالتّحية والسّلام وحتفي كامن في مقلتيه ... كمون الموت في حدّ الحسام وله كتاب «المحب والمحبوب والمشموم والمشروب» [3] وكانت وفاته سنة نيف وستين وثلاثمائة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.

_ [1] ما بين حاصرتين استدركته من «وفيات الأعيان» . [2] في الأصل: «في» وأثبت لفظ المطبوع. [3] قام بطبعه مجمع اللغة العربية بدمشق وقد صدرت الأجزاء الثلاثة الأولى منه بتحقيق الأستاذ.

وفاروق بن عبد الكبير، أبو حفص الخطّابي البصري، محدّث البصرة ومسندها. روى عن الكجّي، وهشام بن [علي] [1] السّيرافي، ومحمد بن يحيى القزّاز، وكان حيّا في سنة إحدى وستين. وابن مجاهد المتكلم، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي، صاحب الأشعري، ذو التصانيف الكثيرة في الأصول. قدم من البصرة، فسكن بغداد، وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلّاني، وكان ديّنا صيّنا خيّرا. والنّقوي [2] أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الصنعاني، آخر من روى في الدّنيا عن إسحاق بن إبراهيم. رحل المحدّثون إليه في سنة سبع وستين وثلاثمائة. والنّجيرمي- بفتح النون والراء، وكسر الجيم، نسبة إلى نجيرم، محلة بالبصرة- أبو يعقوب، يوسف بن يعقوب البصري. حدّث في سنة خمس وستين عن أبي مسلم، ومحمد بن حيّان المازني.

_ مصباح غلاونجي رحمه الله، والجزء الرابع بتحقيق الأستاذ ماجد الذهبي، وهي طبعة متقنة محررة مفهرسة. [1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» (2/ 363) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 140) . [2] في الأصل والمطبوع: «التقوي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 141) .

سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة

سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة فيها كما قال ابن الجوزي في «الشذور» مات عضد الدولة، والصحيح أنه مات في التي بعدها كما يأتي. وفيها الإسماعيلي، الحبر الإمام الجامع، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العبّاس الجرجاني [1] الحافظ الفقيه الشافعي، ذو التصانيف الكبار في الحديث والفقه بجرجان، في غرّة رجب، وله أربع وتسعون سنة. أول سماعه في سنة تسع وثمانين، ورحل في سنة أربع وتسعين، وسمع من يوسف بن يعقوب القاضي وإبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما، وعنه: الحاكم، والبرقاني، وحمزة اليمني. قال الحاكم: كان الإسماعيلي أوحد عصره وشيخ المحدّثين والفقهاء، وأجلّهم في الرئاسة والمروءة والسخاء. انتهى. وقال الذهبي [2] : كان ثقة حجة كثير العلم. انتهى. وفيها المطّوّعي، أبو العبّاس الحسن بن سعيد بن جعفر العبّاداني المقرئ، نزيل إصطخر، وأسند من في الدّنيا في القراءات. قرأ القراءات [3]

_ [1] تقدمت ترجمته في حوادث سنة (370) ص (379) . [2] انظر «العبر» (2/ 365) . [3] قوله: «قرأ القراءات» سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.

على أصحاب الدّوري، وخلف، وابن ذكوان، والبزّي، وحدّث عن أبي خليفة، والحسن بن المثنّى، وضعّفه ابن مردويه. وقال أبو نعيم: ليّن في روايته. وقال في «العبر» [1] : عاش مائة سنة وسنتين، قال الخزاعي: كان أبوه سعيد واعظا محدّثا. وفيها أبو محمد السّبيعي، واسمه الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني الحلبي [2] . قال ابن ناصر الدّين: كان على تشيع فيه ثقة، ومات في الحمام. انتهى. وفيها الزّبيبي [3] عبد الله بن إبراهيم بن جعفر، أبو الحسين البغدادي البزّار، في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن الحسن بن علّويه القطّان، والفريابي، وطائفة. وفيها ابن التبّان، شيخ المالكية بالمغرب، أبو محمد عبد الله بن إسحاق القيرواني. قال القاضي عياض: ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار [لذبّه عن مذهب أهل المدينة] [4] ، وكان حافظا بعيدا من التصنّع والرّياء فصيحا [كبير القدر] [4] . وفيها أبو زيد المروزي الإمام الشافعي القاشاني- بفاء وشين معجمة

_ [1] (2/ 365) . [2] مترجم في «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (382) . [3] تحرّفت نسبته في الأصل المطبوع إلى «الزيني» وفي «العبر» إلى «الزيدي» والتصحيح من «الأنساب» (6/ 246) . [4] تكملة من «سير أعلام النبلاء» (16/ 320) .

ونون، نسبة إلى فاشان قرية من قرى مرو- واسمه محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد. حدّث بالعراق، ودمشق، ومكّة، وروى الصحيح عن الفربري ومات بمرو في رجب، وله سبعون سنة. قال الحاكم: كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظرا، وأزهدهم في الدّنيا، سمعت أبا بكر البزّار يقول: عادلت [1] الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكّة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة. انتهى. وقال الخطيب [2] : حدّث ب «صحيح البخاري» عن الفربري، وأبو زيد أجلّ من روى ذلك الكتاب. وعنه أخذ أبو بكر القفّال المروزي وفقهاء مرو، وكان من أزكى النّاس قريحة، جاور بمكة سبع سنين. وقال ابن الأهدل: كان أول أمره فقيرا، ثم بسطت عليه الدّنيا عند كبره، وسقوط أسنانه، وانقطاعه عن الجماع، فقال مخاطبا لها: لا أهلا بك ولا سهلا، أقبلت حين لا ناب ولا نصاب، ومات وله تسعون سنة. انتهى. وفيها محمد بن خفيف أبو عبد الله الشّيرازي، شيخ إقليم فارس، وصاحب الأحوال والمقامات. روى عن حمّاد بن مدرك وجماعة. قال السّلمي: هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان، لم يبق للقوم أقدم منه سنّا ولا أتم حالا، متمسّك [3] بالكتاب والسّنّة فقيه على مذهب الشافعي، كان من أولاد الأمراء فتزهد، توفي في ثالث رمضان عن خمس وتسعين سنة، وقيل: عاش مائة سنة وأربع سنين. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] قال ابن منظور: عادل الرجل الرجل: ركب معه. انظر «لسان العرب» (عدل) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (1/ 314) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار. [3] في الأصل: «متمسكا» وأثبت لفظ المطبوع وهو الصواب. [4] (2/ 366- 367) .

قال ابن خفيف [1] : قدم علينا بعض أصحابنا، فاعتلّ بعلة البطن، فكنت أخدمه وآخذ من تحته الطست طول الليل، فغفوت [2] عنه مرة، فقال لي: نمت! لعنك الله! فقيل له: كيف وجدت نفسك عند قوله: لعنك الله؟ قال: كقوله: رحمك الله. ومن كلامه: التوكّل [هو] [3] الاكتفاء بضمانه، وإسقاط التّهمة عن قضائه. وقال: الأكل مع الفقراء قربة إلى الله عزّ وجل. وقال أحمد بن يحيى الشيرازي: ما أرى التصوف إلا يختم بأبي عبد الله بن خفيف. وقال السبكي [4] : شيخ المشايخ، وذو القدم الراسخ في العلم والدّين، كان سيدا جليلا وإماما حفيلا، يستمطر الغيث بدعائه، ويؤوب المصرّ بكلامه عن إغوائه، من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر، وممّن اتفقوا على عظيم تمسّكه بالكتاب والسّنّة. وكانت له أسفار وبدايات، وأحوال عاليات ورياضات، لقي من النّسّاك شيوخا ومن السّلّاك طوائف، رسخ قدمهم في الطريق رسوخا، وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا، وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا، وسافر مشرقا ومغربا، وصابر النفس حتّى انقادت له، فأصبح مثنى الثناء عليها، معربا ذا صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه، واستمرار على المراقبة، شهيد [5] عليه ربّه، وجنب لا يدري القرار، ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء، ولا مسكن [6] إلا القفار.

_ [1] انظر «طبقات الصوفية» ص (464) . [2] في الأصل والمطبوع: «فأغفلت» وما أثبته من «طبقات الصوفية» . [3] زيادة من «طبقات الصوفية» ص (465) . [4] انظر «طبقات الشافعية» للسبكي (3/ 149- 155) بتحقيق الطناحي والحلو. [5] في «طبقات الشافعية» : «شهيدة» . [6] في الأصل والمطبوع: «ولا سكن» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» .

وكان من أولاد الأمراء فتزهّد، حتّى قال: كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل، وأغسلها وأصلح منها [1] ما ألبسه. وروى عنه القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره، ورحل إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأخذ عنه، وهو من أعيان تلامذته، وصنّف من الكتب ما لم يصنّفه أحد، وعمّر حتّى عمّ نفعه البلدان، وازدحم الناس على جنازته، وصلّي عليه نحو مائة مرة. انتهى ملخصا.

_ [1] في «طبقات الشافعية» : «وأغسله وأصلح منه» .

سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة

سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة في شوالها مات عضد الدولة، فناخسرو بن الملك ركن الدولة الحسن بن بويه، ولي سلطنة [بلاد] فارس بعد عمّه عماد الدولة علي، ثم حارب ابن عمه عز الدولة كما تقدم، واستولى على العراق، والجزيرة، ودانت له الأمم، وهو أول من خوطب بشاهنشاه [1] في الإسلام، وأول من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة، وكان من جملة ألقابه تاج الملّة، وهو الذي أظهر قبر الإمام علي كرّم الله وجهه، بالكوفة، وبنى عليه المشهد الذي هناك، وعمّر النواحي، وحفر الأنهار، وأصلح طريق مكة، وهو الذي بنى على مدينة النّبيّ صلى الله عليه وسلم سورا، وبنى المارستان العضدي ببغداد، وأنفق عليه أموالا لا تحصى، وكان أديبا مشاركا في فنون من العلم، حازما لبيبا، إلا أنه كان غاليا في التشيّع، وله صنّف أبو علي «الإيضاح» و «التكملة» وقصده الشعراء من البلاد، كالمتنبي، وأبي الحسن السّلامي، وكان شهما مطاعا، حازما زكيا، متيقظا مهيبا، سفّاكا للدماء [2] ، له عيون [3] كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، وليس في بني بويه مثله، وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام فإذا هو ثلاثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف درهم، وجدّد مكوسا

_ [1] في الأصل والمطبوع: «بشاه شاه» وما أثبته من «العبر» مصدر المؤلف، ومعنى شاهنشاه: ملك الملوك. [2] تحرّفت في المطبوع إلى: «سفاكا للدماك» . [3] يعني جواسيس.

ومظالم، قيل: إنه أنشد أبياتا فلازمه الصرع بعدها إلى أن مات وهي: ليس شرب الكأس إلا في المطر ... وغناء من جوار في السّحر غانيات [1] سالبات للنّهى ... ناغمات في تضاعيف [2] الوتر [مبرزات الكأس من مطلعها ... ساقيات الراح من فاق البشر] عضد الدولة وابن ركنها ... ملك الأملاك غلّاب القدر سهّل الله له بغيته ... في ملوك الأرض ما دار القمر وأراه الخير في أولاده ... ليساس الملك منهم [3] بالغرر [4] ومات بعلّة الصرع في شوال، ولما نزل به الموت كان يقول: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ 69: 28- 29 [الحاقة: 28- 29] ويردّدها إلى أن مات. وأنشد في احتضاره قبل ترديده لهذه الآية قول القاسم بن عبيد الله [5] : قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدوّا ولم أمهل على ظنّة [6] خلقا [وأخليت دور الملك من كلّ نازل ... وبددتهم غربا وشرّدتهم شرقا] [7] فلما بلغت النّجم عزا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا رماني الرّدى سهما فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى فأذهبت دنياي [8] وديني سفاهة ... فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى [9]

_ [1] في الأصل والمطبوع: «غاليات» وما أثبته من «يتيمية الدهر» و «وفيات الأعيان» . [2] في الأصل والمطبوع: «في تصانيف» وما أثبته من «يتيمة الدهر» . [3] في «يتيمة الدهر» : «منه» . [4] الأبيات في «يتيمة الدهر» (2/ 259) والأبيات الأربعة الأولى في و «وفيات الأعيان» (4/ 54) وما بين حاصرتين مستدرك منهما. [5] هو القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب بن سعيد الحارثي الوزير، المتوفى سنة (291) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (14/ 18- 20) . [6] في الأصل والمطبوع: «على طيّه» والتصحيح من «المنتظم» و «النجوم الزاهرة» . [7] سقط هذا البيت من الأصل والمطبوع واستدركته من «المنتظم» و «النجوم الزاهرة» . [8] في المطبوع: «دنيائي» . [9] الأبيات في «المنتظم» لابن الجوزي (7/ 116- 117) والبيتان الأول والثاني في «النجوم» .

الزاهرة» (4/ 142- 143) . ومات عن سبع وأربعين سنة واحد عشر شهرا، ودفن في دار المملكة، وكتم ذلك، ثم حمل بعد ذلك إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفيها النضروي، أبو منصور العبّاس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه- بضاد معجمة- مسند هراة. روى عن أحمد بن نجدة، ومحمد بن عبد الرحمن الشامي وطائفة، ووثقه الخطيب، ومات في شعبان. وفيها الغزّي، أبو بكر محمد بن العبّاس بن وصيف، الذي يروي «الموطأ» عن الحسن بن الفرج الغزي، صاحب يحيى بن بكير. ورّخه أبو القاسم بن مندة [1] . وفيها ابن بخيت، أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدّقّاق [2] ، ببغداد، في ذي القعدة. روى عن خلف العكبري، والفريابي. وفيها ابن خميرويه [3] العدل، أبو الفضل [4] محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه [3] بن سيّار الهروي، محدّث هراة. روى عن علي الجكّاني [5] ، وأحمد بن نجدة وجماعة.

_ «الزاهرة» (4/ 142 143) . [1] في الأصل: «القاسم بن مندة» وهو خطأ وأثبت لفظ المطبوع. وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 341- 342) وقد حصل اضطراب في ترجمته في «العبر» المطبوع في الكويت. [2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 334- 335) . [3] تحرفت في الأصل إلى «خمرويه» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر «تاج العروس» (خمر) (11/ 222) . [4] في الأصل والمطبوع: «أبو الفضيل» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 311) . [5] في الأصل والمطبوع: «الحكّاني» وفي «العبر» طبع دار الكتب العلمية ببيروت: «الحيكاني» وقد سقطت الترجمة من «العبر» المطبوع في الكويت، وفي «سير أعلام النبلاء» (16/ 311) : «الجكّاني» وهو ما أثبتناه.

سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة

سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة في المحرم أظهرت وفاة عضد الدولة، وكانت أخفيت حتّى أحضروا ولده صمصام الدولة، فجلس للعزاء، ولطموا عليه أياما في الأسواق، وجاء الطائع إلى صمصام الدولة فعزاه، ثم ولّاه الملك، وعقد له لواءين، ولقبه شمس الدولة، وبعد أيّام جاء الخبر بموت مؤيد الدولة أخو عضد الدولة بجرجان، وولي مملكته أخوه فخر الدولة، الذي وزر له إسماعيل بن عبّاد. وفيها كان القحط الشديد ببغداد، وبلغ حساب الغرارة بأربعمائة درهم. وفيها توفي أبو بكر الشّذائي، أحمد بن نصر البصري المقرئ [1] ، أحد القرّاء الكبار، تلا على عمر بن محمد الكاغدي، وابن شنبوذ، وجماعة، وتصدّر وأقرأ. والشّذائي: بفتح المعجمتين، نسبة إلى شذا قرية بالبصرة. وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني العدل، المعروف بالقصّار، نزيل نيسابور. روى عن عبد الله بن شيرويه [2] والسراج، وعدّة، وكان ممّن جاوز المائة.

_ [1] مترجم في «الأنساب» (7/ 302- 303) . [2] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «سيرويه» والتصحيح من «العبر» (2/ 141) طبع دار الكتب.

وفيها الأمير أبو الفتوح، بلكّين [1]- بضم الباء الموحدة واللام، وتشديد الكاف المكسورة وسكون الياء المثناة من تحت، وبعدها نون- ابن زيري- بكسر الزاي وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الراء وبعدها ياء بن مناد الحميري الصنهاجي، ويسمى أيضا يوسف، لكن بلكّين أشهر، وهو الذي استخلفه المعزّ بن المنصور العبيدي على إفريقية عند توجهه إلى الديار المصرية، وكان استخلافه إياه يوم الأربعاء ثالث عشري ذي الحجة، سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وأمر الناس بالسمع والطاعة له، وسلّمه البلاد، وخرجت العمال وجباة الأموال باسمه، وأوصاه المعز بأمور كثيرة، وأكد عليه في فعلها، ثم قال: إن نسيت ما أوصيتك به فلا تنس ثلاثة أشياء: إيّاك أن ترفع الجناية عن أهل البادية، والسيف عن البربر، ولا تولّ أحدا من إخوتك وبني عمّك، فإنهم يرون أنهم أحق بهذا الأمر منك، وافعل مع أهل الحاضرة خيرا، وفارقه على ذلك، وعاد من وداعه وتصرف في الولاية. ولم يزل حسن السيرة، تام النظر في مصالح دولته ورعيته، إلى أن توفي يوم الأحد لسبع بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وسبعين بموضع يقال له: واركلان، مجاور إفريقية، وكانت علته القولنج، وقيل: خرجت في يده بثرة فمات منها. وكان له أربعمائة حظية، حتّى قيل: إن البشائر وفدت عليه في يوم واحد بولادة سبعة عشر ولدا. وفيها أبو علي الحسين بن محمد بن حبش الدّينوري المقرئ، صاحب موسى بن جرير الرقّي.

_ العلمية ببيروت، وانظر «طبقات الحفاظ» ص (305) وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه. [1] مترجم في «وفيات الأعيان» (1/ 286- 287) وعنه أخذ المؤلف الترجمة.

وفيها أبو عثمان [1] المغربي، سعيد بن سلّام [2] الصوفي، العارف بالله تعالى، نزيل نيسابور. قال السلمي: لم نر مثله في علو الدرجة والحال [3] وصون الوقت. وقال ابن الأهدل: سعيد بن سلم، أو ابن سالم، أو ابن سلّام النيسابوري. قال اليافعي [4] : لا أدري أنه الممدوح بقول الشاعر: ألا قل لساري الليل لا تخش ظلمة [5] ... سعيد بن سلم ضوء كلّ بلاد لنا سيد أربى على كل سيّد ... جواد حثا في وجه كل جواد يعني أنه سبق في الجود، والسابق يحثو التراب بحافر فرسه في وجه المسبوق أو فرسه. وفيها أبو محمد بن السقّا الحافظ، عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي. روى عن أبي خليفة، وعبدان وطبقتهما. وعنه الدارقطني، وأبو نعيم، وما حدّث إلا من حفظه، توفي في جمادى الآخرة، وكان حافظا متقنا، من كبراء أهل واسط، وأولي الحشمة، رحل به أبوه. وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي، أخو محمد، وكانا توأمين. روى عن يوسف القاضي، وعاش نيفا وتسعين سنة، فاحتيج إليه، وكان جاهلا.

_ [1] في «العبر» المطبوع في بيروت: «أبو عثمام» وهو تحريف فيصحح فيه. [2] في الأصل والمطبوع و «العبر» : «ابن سالم» وما أثبته من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (479) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 320) . [3] الذي في «طبقات الصوفية» و «سير أعلام النبلاء» : «لم نر مثله في علو الحال» . [4] انظر «مرآة الجنان» (2/ 402) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [5] في «مرآة الجنان» : «لا تخش ضلة» .

قال البرقاني: أعطيته الكتاب ليحدّثنا منه، فلم يدر ما يقول، فقلت له: سبحان الله، حدّثكم يوسف القاضي، فقال: سبحان الله حدّثكم يوسف القاضي. قال الجوهري: سمعت منه في سنة ثلاث، ولم يؤرخ وفاته الخطيب ولا غيره، وجزم في «العبر» [1] أنه توفي في هذه السنة. وفيها الفضل بن جعفر أبو القاسم التميمي المؤذّن، الرجل الصالح، بدمشق، وهو راوي نسخة أبي مسهر، عن عبد الرحمن بن القاسم الروّاس، وكان ثقة. وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل، أو فيما بعدها- أبو عبد الله الخضري- بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، ولكن لثقل هذا اللفظ قالوها بكسر الخاء وسكون الضاد، وهي نسبة إلى جدّه [2] . قاله ابن قاضي شهبة. واسم المترجم محمد بن أحمد أبو عبد الله الخضري المروزي، كان هو وأبو زيد شيخيّ عصرهما بمرو، وكثيرا ما يقول القفّال: سألت أبا زيد والخضري، وممّن نقل عنه القاضي حسين في باب استقبال القبلة في الكلام على تقليد الصبي. قال ابن باطيش [3] : أخذ عن أبي بكر الفارسي، وأقام بمرو ناشرا لفقه الشافعي رضي الله عنه، مرغّبا فيه، وكان يضرب به المثل في قوة الحفظ وقلّة النسيان، وقال: إنه كان موجودا في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.

_ [1] (2/ 142) طبع دار الكتب العلمية. [2] وانظر ما قاله في هذه النسبة السمعاني في «الأنساب» (5/ 141) والنووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 276) ، وابن خلكان في «وفيات الأعيان» (4/ 216) . [3] في كتابه «طبقات الشافعية» وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما أعلم.

وقال ابن خلّكان [1] : توفي في عشر الثمانين وثلاثمائة. ونقل عنه الرافعي في انغماس الجنب في الماء، وفي النجاسات، أنه خرّج هو وأبو زيد قولا: إن النار تؤثر في الطهارة كالشمس والريح. وقال ابن الأهدل: كان تحته بنت أبي علي الشّبّوبي [2] ، فسئل يوما عن قلامة ظفر المرأة، هل هو عورة، فتوقف، فقالت له زوجته: سمعت أبي يقول: للأجنبي النظر إلى قلامة اليد دون الرجل، ففرح الخضري، وقال: لو لم أستفد من الاتصال بأهل العلم إلا هذه المسألة لكانت كافية. وقد قرر فتواها هذه كثير من العلماء لقوله تعالى: إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها 24: 31 [النّور: 31] وهو مفسر بالوجه والكفّين. انتهى. وفيها أبو بكر محمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة الكرخي النحوي بهمذان، وهو أحد المتروكين في الحديث، ذكر أنه بلغ مائة واثنتي عشرة سنة، وروى عن أسيد بن عاصم، وإبراهيم بن ديزيل، وإسحاق بن إبراهيم الدّبري. وفيها محمد بن محمد بن يوسف بن مكّي أبو أحمد الجرجاني. روى عن البغوي وطبقته، وحدّث بصحيح البخاري عن الفربري، وتنقل في النواحي. قال أبو نعيم: ضعّفوه، وسمعت منه «الصحيح» .

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 216) . [2] في الأصل «السابوري» وفي المطبوع: «الشابوري» وكلهما خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . وهذه النسبة إلى شبّوية، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه.

سنة أربع وسبعين وثلاثمائة

سنة أربع وسبعين وثلاثمائة فيها توفي إسحاق بن سعد [1] بن الحافظ الحسن بن سفيان، أبو يعقوب النّسوي [2]- بفتحتين نسبة إلى [3] مدينة بفارس- روى عن جدّه، وفي الرحلة عن محمد بن المجدر، وطبقتهما. وفيها عبد الرحمن بن محمد بن حيكا [4] العلّامة، أبو سعيد الحنفي الحاكم، بنيسابور، في شعبان، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن أبي يعلى الموصلي، والبغداديين، وولي قضاء ترمذ. وفيها أبو يحيى بن نباتة، خطيب الخطباء، عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي اللّخمي [5] ، العسقلاني المولد، المصري الدار، ولي خطابة حلب لسيف الدولة، وفي خطبه دلالة على قوة علمه وسعته، وقوة

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ابن أسعد» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (12/ 83) و «المنتظم» لابن الجوزي (7/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 365) . [2] في الأصل والمطبوع: «الفسوي» وهو خطأ، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق. [3] في الأصل والمطبوع: «نسبة إلى فسا» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» (5/ 282) . [4] في الأصل: «حسكا» وفي المطبوع: «حكا» وأثبت لفظ «العبر» (2/ 143) طبع دار الكتب العلمية ببيروت. [5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 156- 158) ، و «مرآة الجنان» (2/ 403- 404) و «غربال الزمان» ص (321) .

قريحته، وأجمعوا على أنه ما عمل مثل خطبه قطّ، وهو الذي حثّ سيف الدولة بخطبه في الجهاد على التوسّع فيه وسمع على المتنبي بعض «ديوانه» وكان رجلا صالحا. رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام في المقابر، وقال له: «مرحبا بخطيب الخطباء» وأدناه، وتفل في فيه، فلم تزل رائحة المسك توجد فيه إلى أن مات، وأشار صلى الله عليه وسلم بيده إلى المقابر، وقال: «كيف قلت يا خطيب» قال: قلت: لا يخبرون بما إليه آلوا، ولو قدروا على المقال لقالوا، ثم أخذ يسوقها، فاستيقظ وعلى وجهه نور وبهجة، وعاش بعد ذلك ثمانية وعشرين ليلة، لا يستطعم طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها، والخطبة التي فيها هذه الكلمات، تعرف بالمنامية. ومولده وموته بميّافارقين، قيل: مات وعمره دون الأربعين، ورؤي بعد موته في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: دفع إليّ رقعة فيها سطران بالأحمر وهما: قد كان أمن لك [1] من قبل ذا ... واليوم أضحى لك أمنان والصفح لا يحسن عن محسن ... وإنما يحسن عن جان فاستيقظ الرائي، وهو يحفظهما. وفيها علي بن النّعمان بن محمد، قاضي القضاة بالدّيار المصرية. ولي بعد أبيه، وكان شيعيّا غاليا، وشاعرا مجودا [2] . وفيها الحافظ أبو الفتح الأزدي، محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي، نزيل بغداد، صنّف في علوم الحديث، وفي الضعفاء، وحدّث عن أبي يعلى، ومحمد بن جرير الطبري، وطبقتهما، وضعّفه البرقاني.

_ [1] في الأصل: «قد كان لك أمن» وأثبت لفظ المطبوع. [2] تحرفت في الأصل إلى «جوادا» وأثبت لفظ المطبوع.

وفيها أبو بكر الرّبعي، محمد بن سليمان الدمشقي البندار. روى عن أحمد بن عامر، ومحمد بن الفيض الغسّاني، وطبقتهما، وتوفي في ذي الحجة.

سنة خمس وسبعين وثلاثمائة

سنة خمس وسبعين وثلاثمائة فيها كما قال ابن الأثير [1] : خرج من البحر طائر أكبر من الفيل بعمان، وصاح بصوت عال: قد قرب الأمر ثلاث مرات، ثم غاص في البحر، فعل ذلك ثلاث مرات، ثم غاب فلم يعد. انتهى. وفيها توفي أبو زرعة الرّازي الصغير، أحمد بن الحسين الحافظ. رحل وطوّف، وجمع وصنّف، وسمع من أبي حامد بن بلال، والقاضي المحاملي، وطبقتهما. قال الخطيب [2] : كان حافظا متقنا [ثقة] ، جمع الأبواب والتراجم. وفيها البحيري- بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة، نسبة إلى جدّه- وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري. سمع ابن خزيمة، ومحمد بن محمد الباغندي، وطبقتهما، واستملى عليه الحاكم. وفيها حسينك الحافظ، أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي النيسابوري. روى عن ابن خزيمة، والسرّاج، وعمر بن أبي غيلان، وعبد الله بن زيدان، والكبار، ومنه: الحاكم، والبرقاني، وكان ثقة حجة محتشما، توفي في ربيع الآخر.

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (9/ 46) طبعة دار صادر، وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار. [2] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 109) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

قال الحاكم: صحبته حضرا وسفرا، نحو ثلاثين سنة، فما رأيته ترك قيام الليل، وكان يقرأ في كل ليلة سبعا، وأخرج مرّة عن نفسه عشرة إلى الغزو. وفيها العسكري، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقّاق. روى عن محمد بن يحيى المروزي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما. وفيها أبو مسلم بن مهران، الحافظ العابد العارف، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران البغدادي. روى عن البغوي، وأبي عروبة وطبقتهما. وعنه: الدارقطني، والحاكم، وكان ثقة زاهدا. رحل إلى خراسان، والشام، والجزيرة، ثم دخل بخارى، وأقام بتلك الدّيار نحوا من ثلاثين سنة. وصنّف «المسند» ثم تزهد وانقبض عن الناس، وجاور بمكة، وكان يجتهد أن لا يظهر للمحدّثين ولا لغيرهم. قال ابن أبي الفوارس: صنّف أشياء كثيرة، وكان ثقة زاهدا، ما رأينا مثله. وفيها الخرقي، أبو القاسم، عبد العزيز بن جعفر البغدادي. روى عن أحمد بن الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدّوري، وكان ثقة. وفيها أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الدّاركي- بفتح الراء نسبة إلى دارك من قرى أصبهان- درّس بنيسابور مدة، ثم سكن بغداد، وكانت له حلقة للفتوى، وانتهت إليه رئاسة المذهب ببغداد. تفقه على أبي إسحاق المروزي، وتفقه عليه الشيخ أبو حامد الإسفراييني بعد موت شيخه أبي الحسين بن المرزبان، وقال: ما رأيت أفقه منه.

وقال الخطيب [1] : كان ثقة. أثنى عليه الدارقطني. وقال ابن أبي الفوارس: كان يتّهم بالاعتزال. انتهى. وهو صاحب وجه في المذهب، وحدّث عن جدّه لأمه الحسن بن محمد الدّاركي، وتوفي في شوال، وهو في عشر الثمانين. وفيها أبو حفص بن الزّيّات عمر بن محمد بن علي البغدادي. قال ابن أبي الفوارس: كان ثقة متقنا جمع أبوابا وشيوخا. وقال البرقاني: ثقة مصنف. وروى عن إبراهيم بن شريك، والفريابي وطبقتهما، ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة. وفيها الأبهري- كالأحمدي نسبة إلى أبهر، قرية قرب زنجان [2] وقرية بأصبهان أيضا، لم أدر من أيّهما هذا [3]- وهو القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التميمي شيخ المالكية العراقيين، وصاحب التصانيف، توفي في شوال، وهو في عشر التسعين، وسمع الكثير بالشام، والعراق، والجزيرة، وروى عن الباغندي، وعبد الله بن زيدان [4] البجلي وطبقتهما، وسئل أن يلي قضاء القضاة فامتنع. وفيها الميانجي- بالفتح ومثناة تحتية وفتح النون وبالجيم، نسبة إلى ميانج، موضع بالشام- القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي المحدّث،

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 463- 465) . [2] تحرفت في الأصل إلى «زنجار» وأثبت ما في المطبوع، وانظر «الأنساب» (1/ 124- 125) . [3] الصواب أنه منسوب إلى التي قرب «زنجان» كما ذكر السمعاني. [4] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «بدران» والتصحيح من «الأنساب» و «سير أعلام النبلاء» (16/ 332) .

نزيل دمشق، ناب في القضاء مدة عن قاضي بني عبيد، أبي الحسن علي بن النّعمان، وحدّث عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان وطبقتهما، ورحل إلى الشام، والجزيرة، وخراسان، والعراق، وتوفي في شعبان، وقد قارب التسعين.

سنة ست وسبعين وثلاثمائة

سنة ست وسبعين وثلاثمائة شرعت دولة بني بويه تضعف، فمال العسكر عن صمصام الدّولة إلى أخيه شرف الدولة، فذل الصمصام، وسافر إلى أخيه، راضيا بما يعامله به، فدخل وقبّل الأرض مرات، فقال له شرف الدولة: كيف أنت؟ أوحشتنا، ثم اعتقله، فوقع بين الدّيلم- وكانوا تسعة عشر ألفا- وبين التّرك وكانوا ثلاثة آلاف، فالتقوا، فانهزمت الدّيلم، وقتل منهم ثلاثة آلاف، وحفّت التّرك بشرف الدولة، وقدموا به بغداد، فأتاه الطائع يهنئه، ثم خفي خبر صمصام الدولة، وأكحل، فلم تطل لشرف الدولة مدة. وفيها توفي أبو إسحاق المستملي، إبراهيم بن أحمد البلخي. سمع الكثير، وخرّج لنفسه معجما، وحدّث بصحيح البخاري مرّات عن الفربري، وكان ثقة صاحب حديث. وفيها أبو سعيد السّمسار، الحسن بن جعفر بن الوضّاح البغداديّ الحربيّ، الحرفي [1] حدّث عن محمد بن يحيى المروزي، وأبي شعيب الحرّاني، وطبقتهما.

_ [1] في الأصل والمطبوع و «العبر» (2/ 147) طبع دار الكتب العلمية، و «النجوم الزاهرة» (4/ 150) : «الخرقي» وفي «لسان الميزان» (2/ 198) : «الحوفي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (4/ 113) و «تاريخ بغداد» (7/ 292) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 369) و «ميزان الاعتدال» (1/ 481) .

قال العتيقي [1] : فيه تساهل. وفيها أبو الحسن الجرّاحي، علي بن الحسن البغدادي، القاضي المحدّث. روى عن حامد بن شعيب، والباغندي قال البرقاني: اتهم في روايته عن حامد. وفيها أبو الحسن البكائي- نسبة إلى البكا بطن من بني عامر بن صعصعة- علي بن عبد الرحمن الكوفي، شيخ الكوفة، روى عن مطين، وأبي حصين الوادعي، وطائفة، وعاش أكثر من تسعين سنة. وفيها ابن سبنك [2] ، أبو القاسم، عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي، البغدادي القاضي. روى عن محمد بن حبّان، والباغندي، وجماعة، وعاش خمسا وثمانين سنة. وفيها قسّام الحارثي، من أهل تلفيتا [3] بجبل سنّير [4] . كان ترّابا، ثم تنقلت الأحوال به، وصار مقدّم الأحداث والشباب بدمشق، وكثرت أعوانه، حتّى غلب على دمشق، حتّى لم يبق للنائب معه أمر، فسار جيش من مصر لقصده ولمحاربته، فضعف أمر قسّام واختفى، ثم استأمن، فقيّدوه، وبعث إلى مصر في هذا العام، فعفي عنه، وخمل أمره. وفيها أبو عمرو بن حمدان الحيري، وهو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري النحوي، مسند خراسان. توفي في ذي القعدة،

_ [1] في الأصل والمطبوع: «العقيقي» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» و «سير أعلام النبلاء» و «العبر» وهو أحمد بن محمد العتيقي. [2] في الأصل والمطبوع: «ابن شبنك» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» (2/ 147) وكتب الرجال التي بين يدي. [3] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى «بلغينا» والتصحيح من «العبر» (2/ 148) وانظر «معجم البلدان» (2/ 42) . [4] تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «سنبر» والتصحيح من «معجم البلدان» .

وله ثلاث وتسعون سنة. سمع بنيسابور، ونسا، والموصل، وجرجان، وبغداد، والبصرة. روى عن الحسن بن سفيان، وزكريا السّاجي، وعبدان، وخلائق، وكان مقرئا عارفا بالعربية، له بصر بالحديث، وقدم في العبادة. كان المسجد فراشه ثلاثين سنة، ثم لما ضعف وعمي حوّلوه. وفيها أبو بكر الرّازي، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز [بن] شاذان، الصوفي الواعظ، والد المحدّث أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي الرّازي. روى عن يوسف بن الحسين الرّازي، وابن عقدة، وطائفة، وهو صاحب مناكير وغرائب، ولا سيما في حكايات الصوفية. قاله في «العبر» [1] . وقال في «المغني» [2] : طعن فيه الحاكم، ولأبي عبد الرحمن السلمي عنه عجائب. انتهى. وفيها ابن النّحاس المصري، واسمه أحمد بن محمد بن عيسى بن الجرّاح، أبو العبّاس الحافظ، نزيل نيسابور. قال ابن ناصر الدّين: كان أحد الحفاظ المبرزين والثقات المجودين. انتهى.

_ [1] (2/ 148) . [2] (2/ 603) .

سنة سبع وسبعين وثلاثمائة

سنة سبع وسبعين وثلاثمائة فيها رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة، فمن ذلك أنه ردّ على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر جميع أملاكه، وكان مغلّها في العام ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم، وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف. وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري. روى عن النّسائي مجلسين، وهو آخر من روى عنه. وفيها إسحاق بن المقتدر بالله، توفي في ذي القعدة، عن ستين سنة، وصلى عليه ولده القادر بالله، الذي ولي الخلافة بعد الطائع لله. وفيها أمة الواحد، ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، حفظت القرآن، والفقه، والنحو، والفرائض، والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعيّ، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة. وفيها أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد [1] بن عبد الغفار النحوي، صاحب التصانيف ببغداد، في ربيع الأول، وله تسع وثمانون سنة، وكان متهما بالاعتزال، وقد فضّله بعضهم على المبرّد، وكان عديم المثل. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الحسن بن محمد» وهو خطأ، والتصحيح من المصادر التي بين يدي. [2] 2/ 149) .

وقال ابن خلّكان [1] : كان إمام وقته في علم النحو، ودار البلاد، وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدة، وكان قدومه في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وجرت بينه وبين أبي الطيب المتنبي مجالس، ثم انتقل إلى بلاد فارس، وصحب عضد الدولة بن بويه، وتقدم عنده، وعلت منزلته، حتّى قال عضد الدولة: أنا غلام أبي علي في النحو، وصنّف له كتاب «الإيضاح» و «التكملة» . ويحكى أنه كان يوما في ميدان شيراز، يساير عضد الدولة، فقال له: لم انتصب المستثنى في قولنا: قام القوم إلا زيدا؟ فقال الشيخ: بفعل مقدّر، فقال له: كيف تقديره؟ فقال: أستثني زيدا، فقال له عضد الدولة: هلّا رفعته وقدّرت امتنع زيد؟ فانقطع الشيخ وقال: هذا الجواب ميداني، ثم إنه لما رجع إلى منزله وضع في ذلك كلاما وحمله إليه، فاستحسنه، وذكر في كتاب «الإيضاح» أنه [انتصب] بالفعل المتقدم بتقوية إلا. وحكى أبو القاسم بن أحمد الأندلسي قال: جرى ذكر الشعر بحضرة أبي علي وأنا حاضر، فقال: إني لأغبطكم على قول الشعر، فإن خاطري لا يوافقني على قوله، مع تحقيقي العلوم التي هي من مواده، فقال له رجل: فما قلت قطّ شيئا منه؟ قال: ما أعلم أن لي شعرا إلا ثلاثة أبيات في المشيب [2] وهي قولي: خضبت الشّيب لمّا كان عيبا ... وخضب الشّيب أولى أن يعابا ولم أخضب مخافة هجر خلّ ... ولا عيبا خشيت ولا عتابا ولكنّ المشيب بدا ذميما ... فصيّرت الخضاب له عقابا وقيل: إن السبب في استشهاده في باب كان من كتاب «الإيضاح» ببيت

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 80- 82) . [2] في «وفيات الأعيان» : «في الشيب» .

أبي تمام الطائي، وهو قوله: من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا [1] لم يكن ذلك لأن أبا تمام يستشهد بشعره، لكن عضد الدولة كان يحبّ هذا البيت وينشده كثيرا، فلهذا استشهد به في كتابه، ومن تصانيفه كتاب «التذكرة» وهو كبير وكتاب «المقصور والممدود» وكتاب «الحجة في القراءات» [2] وكتاب «الأغفال» فيما أغفله الزجّاج من المعاني، وكتاب «العوامل المائة» وكتاب «المسائل الحلبيات» وكتاب «المسائل البغداديات» وكتاب «المسائل الشيرازيات» وكتاب «المسائل القصريات» وكتاب «المسائل العسكرية» ] [3] وكتاب « [المسائل] البصرية» وكتاب «المسائل المجلسيات» وغير ذلك. وكان مولده سنة ثمان وثمانين ومائتين، وتوفي يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر ببغداد ودفن بالشّونزيّة [4] . ويقال له أيضا: الفسوي- بفتح الفاء والسين المهملة، وبعدها واو- نسبة إلى مدينة فسا من أعمال فارس. انتهى ملخصا.

_ [1] انظره في «ديوانه» (3/ 67) وهو من قصيدة له في مدح نوح بن عمرو السكسكي. قال شارح الديوان الخطيب التبريزي: هذا البيت ذكره أبو علي الفارسي في كتابه المعروف بالعضدي، وإنما ذكره على سبيل التمثيل لا أنه يستشهد به ... وقد أنكر ذلك على أبي علي لأن طبقته لم تجر عادتهم به. [2] شرعت بنشره دار المأمون للتراث بدمشق منذ عام (1404) هـ بعنوان «الحجة للقرّاء السبعة» بعد أن انتهى تحقيقه على يد الأستاذين محمد بدر الدّين قهوجي وبشير جويجاتي، وقد صدر منه حتى الآن ثلاثة مجلدات، تولى مراجعتها الأستاذان عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق. [3] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [4] تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «الشونيزي» فتصحح فيه، فإن الشونيزية هي مقبرة بغداد الشهيرة بالجانب الغربي. انظر «معجم البلدان» (3/ 374) .

وفيها ابن لؤلؤ [1] الورّاق، أبو الحسن، علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي الشيعي. روى عن إبراهيم بن شريك، وحمزة الكاتب، والفريابي، وطبقتهم. توفي في المحرم، وله ست وتسعون سنة، وكان ثقة يحدّث بالأجرة. وفيها أبو الحسن الأنطاكي علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي. قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي [2] بالرّوايات، ودخل الأندلس ونشر بها العلم. قال ابن الفرضي: أدخل الأندلس علما جمّا، وكان رأسا في القراءات، لا يتقدمه فيها أحد، مات بقرطبة في ربيع الأول، وله ثمان وسبعون سنة. قاله في «العبر» [3] . وقال الإسنوي: ولد بأنطاكية سنة تسع وتسعين ومائتين، ودخل الأندلس سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. انتهى [4] . وفيها أبو طاهر الأنطاكي، محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقّق. قال أبو عمرو الداني: هو أجلّ أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق وأضبطهم. روى عنه القراءات جماعة من نظرائه. كابن غلبون [5] ، توفي قبل الثمانين بيسير.

_ [1] في المطبوع و «العبر» : «ابن لولو» وانظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 327) . [2] في المطبوع: «إبراهيم بن عبد الرزاق والأنطاكي» وهو خطأ، وانظر «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 287) طبع مؤسسة الرسالة. [3] (3/ 7) . [4] قلت: وذكر الضبي في «بغية الملتمس» ص (414) بأنه مات سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، ولعلها محرّفة من سبع وسبعين وثلاثمائة، والله أعلم. [5] في الأصل والمطبوع: «قال ابن غلبون» والتصحيح من «العبر» وانظر «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 345) .

وفيها أبو أحمد الغطريفي- بكسر أوله والطاء، آخره فاء، نسبة إلى غطريف جد- محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الغطريف [1] الجرجاني الرباطي الحافظ، توفي في رجب عن سن عالية. روى عن أبي خليفة، وعبد الله بن ناجية، وابن خزيمة، وطبقتهم، وكان ثقة صوّاما، قوّاما، متقنا، مصنفا، صنّف «المسند الصحيح» وغيره. وفيها محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، نزيل الكوفة. روى عن عبد الله بن ناجية، وحامد بن شعيب.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ابن السري الظريف» والتصحيح من «العبر» (3/ 8) و «سير أعلام النبلاء» 16/ 354) .

سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة

سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة فيها أمر الملك شرف الدولة برصد الكواكب، كما فعل المأمون، وبنى لها هيكلا بدار السلطنة. وفيها كما قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] : اشتدّ الغلاء ببغداد جدا، وظهر الموت بها، ولحق الناس بالبصرة حرّ وسموم تساقط الناس منه. وجاءت ريح عظيمة بفم الصلح، حرقت دجلة، حتّى ذكر أنه بانت أرضها، وغرق كثير من السفن، واحتملت زورقا منحدرا وفيه دوابّ، وطرحت ذلك في أرض جوخى [2] ، فشوهد بعد أيام. انتهى. وفيها توفي بشر بن محمد بن محمد بن ياسين القاضي، أبو القاسم الباهلي النيسابوري، توفي في رمضان، وقد جلس وأملى عن السرّاج، وابن خزيمة. وفيها تبوك بن الحسن [3] بن الوليد، أبو بكر الكلابي، المعدل أخو عبد الوهاب. روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي، وطبقته.

_ [1] ص (410) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد. [2] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «خوخى» والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» وانظر الخبر في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 60) . [3] تحرّفت في الأصل إلى «تبوك بن إحن» والتصحيح من «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (5/ 300) طبع دار الفكر بدمشق.

وفيها الخليل بن أحمد بن محمد أبو سعيد السّجزي [1] القاضي الفقيه الحنفي الواعظ، قاضي سمرقند وبها مات عن تسع وثمانين سنة. روى عن السرّاج، وأبي القاسم البغوي، وخلق. وفيها أبو نصر السرّاج، عبد الله بن علي الطّوسي الزاهد، شيخ الصوفية، وصاحب كتاب «اللمع في التصوف» . روى عن جعفر الخلدي، وأبي بكر محمد بن داود الدّقي. قال الذهبي: كان المنظور إليه في ناحيته في الفتوة ولسان القوم، مع الاستظهار بعلم الشريعة. وقال السخاوي: كان على طريقة السّنّة، قال: خرجت مع أبي عبد الله الرّوزباري لنلقى أنبليا الراهب بصور، فتقدمنا إلى ديره وقلنا له: ما الذي حبسك هاهنا؟ قال: أسرتني حلاوة قول الناس لي يا راهب. انتهى، وتوفي في رجب. وفيها ابن الباجي، الحافظ المحقّق، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن علي اللّخمي الإشبيلي، الثقة الحجة، سمع [محمد بن] [2] عمر بن لبابة، وأسلم بن عبد العزيز وطبقتهما، ومنه جماعة من الأقران، ومات في رمضان، وله سبع وثمانون سنة. قال ابن الفرضي: لم أجد أحدا أفضّله عليه في الضبط، رحلت إليه مرتين. وفيها أبو الفتح عبد الواحد بن أحمد بن مسرور البلخي الحافظ، نزيل مصر، توفي في ذي الحجة. روى عن الحسين بن محمد المطبقي،

_ [1] تحرّف نسبته في الأصل إلى «الشجري» وأثبت لفظ المطبوع، وانظر «العبر» (2/ 151) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (8/ 85) و «النجوم الزاهرة» (4/ 153) . [2] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» (3/ 9) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 377) .

وأحمد بن سليمان بن زبّان الكندي وطبقتهما، وروى عنه الحافظ عبد الغني الأزدي [1] وآخرون، وهو من الثقات. وفيها أبو بكر المفيد، محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، بجرجرايا [2] ، وكان يفهم ويحفظ ويذاكر، وهو بيّن الضعف، واتهمه بعضهم. روى عن أبي شعيب الحرّاني وأقرانه، وعاش أربعا وتسعين سنة. وفيها أبو بكر الورّاق محمد بن إسماعيل بن العبّاس البغدادي المستملي، اعتنى به أبوه، وأسمعه من الحسن بن الطيب البلخي، وعمر بن أبي غيلان، وطبقتهما، وعاش خمسا وثمانين سنة، وكان صاحب حديث ثقة. وفيها محمد بن بشر، أبو سعيد البصري، ثم النيسابوري الكرابيسي- نسبة إلى بيع الكرابيس، وهي الثياب- المحدّث الفاضل. روى عن أبي لبيد السّامي، وابن خزيمة، والبغوي، وكان ثقة صالحا. وفيها محمد بن العبّاس بن محمد أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي [3] الضبّي الهروي، أحد الرؤساء الأجواد، وكانت أعشار غلّاته تبلغ ألف حمل [وقيل: كان يقوم بخمسة آلاف بيت ويموّنهم] [4] وعرضت عليه ولايات جليلة فامتنع، وكان ملك هراة من تحت أوامره، سمّوه في قميص، فمات شهيدا في صفر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن صاعد وأقرانه.

_ [1] تحرّفت في الأصل إلى «الأسدي» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وانظر «تذكرة الحفّاظ» (3/ 1005) . [2] قرية من أعمال بغداد. انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (351) . [3] بضم العين وسكون الصاد المهملتين، نسبة إلى «عصم» وهو اسم رجل من أجداد المنتسب إليه، وهو ينسب لبيت كبير مشهور من أهل العلم بهراة. انظر «الأنساب» (8/ 471) . [4] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» (2/ 152) .

وقال ابن ناصر الدّين: هو الفقيه الشافعي، كان حافظا نبيلا من الأخيار وذوي الأقدار العالية والبر والإشارة، وكان يموّن خمسة آلاف بيت ونيفا بهراة، ولم نسمع بحصول ذلك لأحد من أمثاله سواه، رحمه الله. انتهى. وفيها أبو بكر، محمد بن عبيد الله [1] بن الشخّير الصيرفي البغدادي، ببغداد. روى عن عبد الله بن إسحاق المدائني، والباغندي، توفي في رجب، وله بضع وثمانون سنة. وفيها أبو أحمد الحاكم، محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النّيسابوري الكرابيسي، الحافظ الثقة المأمون، أحد أئمة الحديث، وصاحب التصانيف. روى عن ابن خزيمة، والباغندي، ومحمد بن المجدّر، وعبد الله بن زيدان البجلي، ومحمد بن الفيض الغسّاني، وطبقتهم، وأكثر الترحال، وكتب ما لا يوصف. قال الحاكم بن البيّع: أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة [2] ، توفي في شهر ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة، صنّف على «الصحيحين» وعلى «جامع الترمذي» وألّف كتاب «الكنى» وكتاب «العلل» وكتاب «الشروط» و «المخرج على كتاب المزني» وولي قضاء الشّاش، ثم قضاء طوس، ثم قدم نيسابور، ولزم مسجده، وأقبل على العبادة والتصنيف، وكفّ بصره قبل موته بسنتين [3] ، وهذا غير صاحب «المستدرك» بل هو شيخ ذاك، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى. وفيها القاسم بن الجلّاب، الفقيه المالكي صاحب القاضي أبي بكر الأبهري. ألّف كتاب «التفريع» وكتاب «مسائل الخلاف» وفي اسمه أقوال.

_ [1] تحرّفت في «العبر» (3/ 11) إلى «عبد الله» وانظر «الأنساب» (7/ 300) . [2] يعني فن الحديث وما يتصل به. [3] انظر «غربال الزمان» ص (323) .

وفيها الحافظ الكبير يحيى بن مالك بن عائذ الأندلسي، أبو زكريا، كان حافظا كبيرا عالما، أحد الأعيان، توفي بالأندلس في شعبان. وفيها ابن نبال، أبو الحسن علي بن محمد بن نبال البغدادي، الحافظ المشهور، تعلم الخط كبيرا، ورزق من الفهم والمعرفة شيئا كثيرا. قاله ابن ناصر الدّين.

سنة تسع وسبعين وثلاثمائة

سنة تسع وسبعين وثلاثمائة فيها توفي أبو حامد، أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري. سمع محمد بن شاذل، والسرّاج، وجماعة، وهو صدوق. وفيها علي بن أحمد بن عمر أبو الحسن السرخسي، الثقة الضابط، كان حافظا، كتب الكثير، ولم يحدّث إلا بشيء يسير. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها شرف الدولة، سلطان بغداد، ابن السلطان عضد الدولة الديلمي. كان فيه خير وقلّة ظلم، مرض بالاستسقاء، ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وعشرون سنة، وتملّك بغداد سنتين وثمانية أشهر، وولي بعده أخوه أبو نصر. وفيها محمد بن أحمد بن العبّاس، أبو جعفر، الجوهري البغدادي، نقاش الفضّة، كان من كبار المتكلّمين، وهو عالم الأشعرية في وقته، وعنه أخذ أبو علي بن شاذان علم الكلام، توفي في المحرم، وله سبع وثمانون سنة. روى عن محمد بن محمد الباغندي وجماعة. وفيها أبو بكر الزّبيدي- بضم الزاي وفتح الموحدة، وبدال مهملة بعد الياء، نسبة إلى زبيد، واسمه منبّه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج- محمد بن الحسن بن عبيد الله [1] بن مذحج- بضم الميم وسكون الذال

_ [1] في «وفيات الأعيان» (4/ 372) و «الوافي بالوفيات» (2/ 351) : «ابن عبد الله» خلافا لجميع.

المعجمة وكسر الحاء المهملة وبعدها جيم، اسم أكمة حمراء باليمن، ولد عليها [مالك بن أدد] فسمي باسمها. كان صاحب الترجمة شيخ الأندلس بل وغيرها في العربية. قال ابن خلّكان [1] : هو نزيل قرطبة، كان واحد عصره في علم النحو وحفظ اللغة، وكان أخبر أهل زمانه بالإعراب والمعاني والنوادر، أي علم السير والأخبار، ولم يكن بالأندلس في فنه مثله في زمانه، وله كتب تدل على وفور علمه منها «مختصر كتاب العين» وكتاب «طبقات النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس» من زمن أبي الأسود الدؤلي إلى زمن شيخه أبي عبد الله النحوي الرياحي، وله كتاب «هتك ستور الملحدين» وكتاب «لحن العامة» وكتاب «الواضح في العربية» وهو مفيد جدا، وكتاب «الأبنية في النحو» ليس لأحد مثله. واختاره الحكم المستنصر بالله صاحب الأندلس لتأديب ولده، وليّ عهده هشام المؤيد بالله، فكان الذي علمه الحساب والعربية ونفعه نفعا كثيرا، ونال أبو بكر الزّبيدي به [2] دنيا عريضة، وتولى قضاء إشبيلية وخطة الشرطة، وحصل له نعمة ضخمة لبسها بنوه من بعده زمانا. وكان الزّبيديّ شاعرا كثير الشعر، فمن ذلك قوله في أبي مسلم بن فهر: أبا مسلم إن الفتى بجنانه ... ومقوله لا بالمراكب واللّبس وليس ثياب المرء تغني قلامة ... إذا كان مقصورا على قصر النفس وليس يفيد العلم والحلم والحجا ... أبا مسلم طول القعود على الكرسي وكان في صحبة الحكم المستنصر، وترك جاريته بإشبيلية فاشتاق إليها

_ المصادر التي بين يدي، فليحرر. [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 372- 374) . [2] في «وفيات الأعيان» : «منه» .

واستأذنه في العود إليها، فلم يأذن له، فكتب إليها: ويحك يا سلم لا تراعي ... لا بدّ للبين من زماع لا تحسبيني صبرت إلّا ... كصبر ميت على النّزاع ما خلق الله من عذاب ... أشدّ من وقفة الوداع ما بينها والحمام فرق ... لولا المناحات [1] والنّواعي إن يفترق شملنا وشيكا ... من بعد ما كان ذا اجتماع فكلّ شمل إلى افتراق ... وكلّ شعب إلى انصداع وكلّ قرب إلى بعاد [2] ... وكلّ وصل إلى انقطاع وكان كثيرا ما ينشد: الفقر في أوطاننا غربة ... والمال في الغربة أوطان والأرض شيء كلّها واحد ... والنّاس إخوان وجيران وفيها أبو سليمان بن زبر، المحدّث الحافظ، الثقة الجليل، محمد بن القاضي عبد الله بن أحمد بن ربيعة الرّبعي الدمشقي، مات في جمادى الأولى. روى عن أبي القاسم البغوي، وجماهر الزّملكاني، ومحمد بن الرّبيع الجيزي، وخلق، وصنّف التصانيف المفيدة [3] ، وممّن أخذ عنه تمّام الرّازي، وعبد الغني بن سعيد [الأزدي] ، ومحمد بن عوف المزني.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «المنامات» وفي «الوافي بالوفيات» : «المناجاة» وأثبت لفظ «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 183) . [2] في الأصل والمطبوع: «إلى وداع» وأثبت لفظ «معجم الأدباء» و «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» . [3] منها كتابه «وصايا العلماء عند حضور الموت» وقد نشر لأول مرة في دار ابن كثير بدمشق، وقد تولى تحقيقه الأستاذ صلاح محمد الخيمي، وقام بمراجعة تحقيقه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى.

وفيها محمد بن المظفّر بن موسى بن عيسى أبو الحسين [1] البغدادي، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في جمادى الأولى، وكان من أعيان الحفّاظ. سمع من أحمد بن الحسن الصوفي، وعبد الله بن زيدان، ومحمد بن خريم، وطبقتهم بالعراق، والجزيرة، والشام، ومصر، وكان يقول: عندي من الباغندي مائة ألف حديث. قال ابن ناصر الدّين: كان محدّث العراق، حافظا، ثقة، نبيلا، مكثرا، متقنا، يميل إلى التشيّع قليلا. انتهى. وفيها غندر النّجار، أبو بكر، محمد بن جعفر بن العبّاس. روى عن ابن المجدّر، وابن صاعد. وعنه: الحسن بن محمد الخلّال، وكان يحفظ. قاله ابن بردس. وفيها محمد بن النّضر، أبو الحسين الموصلي النحّاس، الذي روى ببغداد «معجم أبي يعلى» عنه. قال البرقاني: واه لم يكن ثقة.

_ [1] في «العبر» : «أبو الحسن» .

سنة ثمانين وثلاثمائة

سنة ثمانين وثلاثمائة فيها توفي أبو نصر [1] ، أحمد بن الحسين بن مروان الضبيّ المرواني النيسابوري، في شعبان. روى عن السرّاج وابن خزيمة. وفيها أبو العبّاس الصّندوقي، أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري. روى عن محمد بن شادل [2] ، وابن خزيمة، وشاخ فتفرّد بالرواية عن بضعة عشر شيخا. وفيها سهل بن أحمد الدّيباجي. روى عن أبي [3] خليفة وغيره، لكنه رافضي كذاب. وفيها أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي، أبو العبّاس، أحد الحفّاظ الرحالين، ذكر الدارقطني أنه أدخل أحاديث على جماعة من الرواة، لكن يحيى بن مندة ذكر أن ذلك فعل آخر يقال له: أحمد بن منصور، سواه. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها الحسن بن علي بن عمرو البصري، أبو محمد، غلام الزهري،

_ [1] قوله: «أبو نصر» سقط من الأصل وأثبته من المطبوع و «العبر» . [2] تحرّف في الأصل والمطبوع إلى: «ابن شاذك» والتصحيح من «الأنساب» (8/ 90) وانظر المراجع التي أحال عليها محقّقه. [3] في المطبوع: «ابن خليفة» وهو خطأ، وما جاء في الأصل هو الصواب كما في «العبر» (2/ 156) وأبو خليفة هو الفضل بن الحباب الجمحي البصري. انظر «تذكرة الحفاظ» (2/ 670- 671) و «طبقات الحفاظ» ص (292) ، وانظر في ترجمة سهل بن أحمد الديباجي «ميزان الاعتدال» (2/ 237) و «لسان الميزان» (3/ 117) .

كان حافظا، ناقدا، مجودا. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها طلحة بن محمد بن جعفر، أبو القاسم، الشاهد المعدّل المقرئ، تلميذ ابن مجاهد. روى عن أبي عمر بن [أبي] غيلان وطبقته، لكنه معتزلي. وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرّج الأموي، مولاهم القرطبي، الحافظ الثقة، محدّث الأندلس. رحل، وسمع أبا سعيد بن الأعرابي، وخيثمة، وقاسم بن أصبغ، وطبقتهم، وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس، صنّف له عدة كتب، فولّاه القضاء، توفي في رجب، وله ست وتسعون سنة [1] . قال الحميدي: من تصانيفه «فقه الحسن البصري» في سبع مجلدات، و «فقه الزّهري» في أجزاء عديدة. وفيها يعقوب بن يوسف بن كلّس، الوزير الكامل، أبو الفرج، وزير صاحب مصر [2] العزيز بالله، وكان يهوديا بغداديا، عجبا في الدهاء، والفطنة والمكر، وكان يتوكّل للتجار بالرّملة فانكسر وهرب إلى مصر، فأسلم بها، واتصل بالأستاذ كافور، ثم دخل المغرب، ونفق على المعز، وتقدم عنده [3] ، ولم يزل في ارتقاء إلى أن مات، وله اثنتان وستون سنة، وكان عظيم الهيئة [4] ، وافر الحشمة، عالي الهمّة، وكان معلومه على مخدومه في السنّة مائة ألف دينار، وقيل: إنه خلّف أربعة آلاف مملوك بيض وسود، ويقال: إنه حسن إسلامه. قاله في «العبر» [5] .

_ [1] في «العبر» (2/ 16) : «وله ست وستون سنة» وهو الصواب، وانظر التعليق عليه. [2] في الأصل: «صاحب دمشق» وقد شطب فوقها. [3] لفظة «عنده» لم ترد في «العبر» المطبوع في بيروت. [4] في «العبر» : «عظيم الهيبة» . [5] (2/ 156) طبع بيروت.

سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة

سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فيها تمّ أمور هائلة، وكان أبو نصر الذي ولي مملكة بغداد شابا حزما [1] والطائع لله ضعيفا، ولّاه السلطنة، ولقّبه بهاء الدولة، فلما كان في شعبان، وأمر الخليفة الطائع بحبس أبي الحسين بن المعلّم، وكان من خواصّ بهاء الدولة، فعظم على بهاء الدولة ذلك، ثم دخل على الطائع للخدمة، فلما قرب، قبّل الأرض، وجلس على كرسي فتقدم أصحابه، فشحطوا الطائع من السرير بحمائل سيفه، ولفّوه في كساء، وحمل إلى دار المملكة، وكتب عليه بخلعه نفسه وتسليم الأمر إلى القادر، فاختبطت بغداد، وظن الأجناد أن القبض على بهاء الدولة من جهة الطائع، فوقعوا في النهب، ثم إن بهاء الدولة أمر بالنداء بخلافة القادر بالله وأنفذ إلى القادر بالله سجل بخلع الطائع لله وهو بالبطائح، وأخذوا جميع ما في دار الخلافة، حتّى الرخام والأبواب، ثم أبيحت للرعاع، فقلعوا الشبابيك، وأقبل القادر بالله، أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر [بالله] وله يومئذ أربع وأربعون سنة، وكان أبيض، كثّ اللحية، كثير التهجد والخير والبر، صاحب سنّة وجماعة. وكان من جملة من حضر إهانة الطائع وخلعه الشريف الرضي، فأنشد: أمسيت أرحم من قد كنت أغبطه ... لقد تقارب بين العزّ والهون

_ [1] في «العبر» : «جريئا» .

ومنظر كان بالسرّاء يضحكني ... يا قرب ما عاد بالضرّاء يبكيني وفيها توفي أحمد بن الحسين بن مهران الأستاذ، أبو بكر الأصبهاني، ثم النيسابوري، المقرئ، العبد الصالح، مجاب الدعوة، ومصنّف كتاب «الغاية في القراءات» [1] قرأ بدمشق على أبي النّضر الأخرم، وببغداد على النقّاش، وأبي الحسن بن بويان [2] وطائفة، وسمع من السرّاج، وابن خزيمة، وطبقتهما. قال الحاكم: كان إمام عصره في القراءات، وأعبد الناس ممّن رأينا في الدّنيا، وكان مجاب الدعوة، توفي في شوال، وله ست وثمانون سنة، وله كتاب «الشامل في القراءات» وهو كتاب كبير. وفيها جوهر القائد، أبو الحسن الرّومي، مولى المعزّ بالله، ومقدّم جيشه، وظهيره ومؤيد دولته، وموطّد [3] الممالك له، وكان عاقلا سائسا، حسن السيرة في الرعية، على دين مواليه، ولم يزل عالي الرتبة، نافذ الكلمة، إلى أن مات. وجرت له فصول في أخذ مصر يطول ذكرها، من ذلك، ما ذكره ابن خلّكان [4] أن القائد جوهر وصل إلى الجيزة، وابتدئ في القتال في الحادي عشر من شعبان، سنة ثمان وخمسين فأسرت رجال، وأخذت خيل، ومضى جوهر إلى منية الصيادين [5] وأخذ المخاضة بمنية شلقان، واستمال [6] إلى جوهر جماعة من العسكر في مراكب، وجعل أهل

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الغاية في القراءة» والتصحيح من «العبر» و «النجوم الزاهرة» (4/ 160) . [2] تحرّف في «العبر» في طبعتيه إلى: «الحسن بن ثوبان» فيصحح فيهما. [3] في «العبر» طبع الكويت: «وموطئ» . [4] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 378- 380) . [5] في الأصل والمطبوع: «مينة الصيادين» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [6] في «وفيات الأعيان» : «واستأمن» وهو أصوب.

مصر على المخاضة من يحفظها، فلما رأى ذلك جوهر، قال لجعفر بن فلاح: لهذا اليوم أرادك المعز، فعبر عريانا في سراويل وهو في مركب، ومعه الرجال خوضا، حتّى خرجوا إليهم، ووقع القتال، فقتل خلق من الإخشيذية، وأتباعهم، وانهزمت الجماعة في الليل، ودخلوا مصر، وأخذوا ما قدروا عليه من دورهم [وانهزموا] [1] وخرج حرمهم مشاة ودخلن على الشريف أبي جعفر في مكاتبة القائد بإعادة الأمان، فكتب إليه يهنئه بالفتح، وسأله إعادة الأمان، وجلس الناس عنده ينتظرون الجواب، فعاد إليهم بأمانه وحضور رسوله. ومعه بند أبيض، وطاف على الناس يؤمنهم ويمنع من النهب، فهدأ البلد وفتحت الأسواق، وسكن الناس، كأن لم تكن فتنة. فلما كان آخر النهار ورد رسوله إلى أبي جعفر بأن تعمل على لقائي يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شعبان بجماعة الأشراف والعلماء ووجوه البلد، فانصرفوا متأهبين لذلك، ثم خرجوا ومعهم الوزير جعفر وجماعة من الأعيان إلى الجيزة، والتقوا القائد، ونادى مناد: ينزل الناس كلهم إلّا الشريف والوزير، فنزلوا وسلّموا عليه واحدا واحدا، والوزير عن شماله والشريف عن يمينه، ولما فرغوا من السلام ابتدأوا في دخول البلد، فدخلوا من زوال الشمس وعليهم السلاح والعدد، ودخل جوهر بعد العصر وطبوله وبنوده بين يديه، وعليه ثوب ديباج مثقل، وتحته فرس أصفر، وشقّ في مصر، ونزل في مناخه موضع القاهرة اليوم، واختطّ موضع القاهرة. ولما أصبح المصريون حضروا إلى القائد للهناء، فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل، وكان فيه زورات جاءت غير معتدلة فلم تعجبه، ثم قال: حفرت في ساعة سعيدة فلا أغيّرها، وأقام عسكره يدخل [إلى] البلد سبعة أيام أولها الثلاثاء المذكور، وبادر جوهر بالكتاب إلى مولاه [المعز]

_ [1] زيادة من «وفيات الأعيان» .

يبشره بالفتح وأنفذ إليه رؤوس القتلى في الوقعة، وقطع خطبة بني العبّاس عن منابر الدّيار المصرية، وكذلك اسمهم من على السكة، وعوّض عن ذلك باسم مولاه المعز، وأزال الشعار الأسود، وألبس الخطباء الثياب البيض، وجعل يجلس بنفسه في كل يوم سبت للمظالم يحضره الوزير والقاضي وجماعة من أكابر الفقهاء. وفي يوم الجمعة ثامن ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة: اللهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعلى عليّ المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. اللهمّ وصلّ على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين. وفي يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الآخر، سنة تسع وخمسين، صلى القائد في جامع [ابن] طولون بعسكر كثير، وخطب عبد السميع بن عمر العبّاسي الخطيب، وذكر أهل البيت وفضائلهم، رضي الله عنهم، ودعا للقائد جوهر، وجهر القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة، وأذن بحيّ على خير العمل، وهو أول ما أذن به بمصر، ثم أذن به في سائر المساجد، وقنت الخطيب في صلاة الجمعة. وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة أذّنوا في جامع مصر العتيق بحيّ على خير العمل، وسرّ القائد جوهر بذلك، وكتب إلى المعز يبشره بذلك، ولما دعا الخطيب على المنبر للقائد جوهر، أنكر عليه، وقال: ليس هذا رسم موالينا. وشرع في عمارة الجامع بالقاهرة، وفرغ من بنائه في سابع شهر رمضان سنة إحدى وستين، وجمع فيه الجمعة، وأظن [1] هذا الجامع المعروف بالأزهر. انتهى ملخصا.

_ [1] القائل ابن خلّكان.

وفيها سعد الدولة، أبو المعالي [1] شريف بن سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي، صاحب حلب، توفي في رمضان، وقد نيّف على الأربعين، وولي بعده ابنه سعد، فلما مات ابنه، انقرض ملك سيف الدولة من ذريته. وفيها عبد الله بن أحمد بن حمّويه بن يوسف بن أعين أبو محمد السّرخسي، المحدّث الثقة. روى عن الفربري «صحيح البخاري» وروى عن عيسى بن عمر السمرقندي «كتاب الدارمي» وروى عن إبراهيم بن خريم «مسند عبد بن حميد» و «تفسيره» وتوفي في ذي الحجة، وله ثمان وثمانون سنة. وفيها الجوهري، أبو القاسم، عبد الرحمن بن عبد الله المصري المالكي، الذي صنّف «مسند الموطّأ» توفي في رمضان. وفيها أبو عدي، عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري، المقرئ الحاذق، المعروف بابن الإمام. قرأ على أبي بكر بن سيف، صاحب أبي يعقوب الأزرق، وكان محققا ضابطا لقراءة ورش، وحدّث عن محمد بن زبّان، وابن قديد، وتوفي في شهر ربيع الأول. وفيها أبو محمد بن معروف، قاضي القضاة، عبيد الله [2] بن أحمد بن معروف البغدادي. قال الخطيب [3] : كان من أجلّاء [4] الرجال وألبائهم، مع تجربة وحنكة، وفطنة وعزيمة ماضية، وكان يجمع وسامة في منظره، وظرفا في

_ [1] في «العبر» : «أبو العباس» وانظر «النجوم الزاهرة» (4/ 161) و «الأعلام» (3/ 162) . [2] في الأصل والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» و «العبر» . [3] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 366) . [4] في الأصل والمطبوع: «من أجلاد» وفي «العبر» : «من أجواد» وما أثبته من «تاريخ بغداد» .

ملبسه، وطلاقة في مجلسه، وبلاغة في خطابه، ونهضة بأعباء الأحكام، وهيبة في القلوب. وقال العتيقي: كان مجردا في الاعتزال. انتهى. قال في «العبر» [1] : قلت: ولد سنة ست وثلاثمائة، وسمع من يحيى بن صاعد، وأبي حامد الحضرمي، وجماعة، وتوفي في صفر. انتهى. وفيها أبو الفضل، عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزّهري العوفي البغدادي. سمع إبراهيم بن شريك الأسدي، والفريابي، وعبد الله بن إسحاق المدائني وطائفة، ومات في أحد الربيعين، وله إحدى وتسعون سنة. قال عبد العزيز الأزجي: هو شيخ ثقة، مجاب الدعاء. وفيها ابن المقرئ، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني، الحافظ الثقة، صاحب الرحلة الواسعة، أول سماعه بعد الثلاثمائة، فأدرك محمد بن نصير المديني، ومحمد بن علي الفرقدي صاحبي إسماعيل بن عمرو البجلي، ثم رحل، ولقي أبا يعلى، وعبدان، وطبقتهما. قال أبو نعيم الحافظ: كان محدّثا كبيرا ثقة صاحب مسانيد سمع ما لا يحصى كثرة [2] . وقال ابن ناصر الدّين: كان محدّثا ثقة كبيرا، من المكثرين، وله «المعجم الكبير» و «كتاب الأربعين» . انتهى. توفي في شوال، عن ست وتسعين سنة.

_ [1] (3/ 20) . [2] كذا في الأصل والمطبوع و «سير أعلام النبلاء» (16/ 400) ونص النقل في «ذكر أخبار أصبهان» (2/ 297) : «محدّث كبير، ثقة أمين، صاحب مسانيد وأصول، سمع بالعراق والشام ومصر ما لا يحصى كثرة» .

وفيها قاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي، صاحب التصانيف، وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك. سمع قاسم بن أصبغ وجماعة، وولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمائة، وإلى أن مات، وكان المنصور بن أبي عامر يعظّمه ويجلسه معه. وفيها ابن دوست، أبو [بكر] محمد بن يوسف [1] العلّاف، ببغداد. روى عن البغوي وجماعة.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أبو محمد بن يوسف» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (3/ 409) و «العبر» (3/ 21) .

سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة

سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة كان أبو الحسن بن المعلّم الكوكبي، قد استولى على أمور السلطان بهاء الدولة كلها، فمنع الرافضة من عمل المأتم، يوم عاشوراء، الذي كان يعمل نحوا من ثلاثين سنة، وغلت الأسعار بالكرخ، حتّى بيع رطل من الخبز بأربعين درهما، والجوزة بدرهم. وفيها شغبت الجند وعسكروا، وبعثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلّم، وصمّموا على ذلك، إلى أن قال له رسولهم: أيها الملك، اختر بقاءه أو بقاءك، فقبض حينئذ عليه وعلى أصحابه، فما زالوا به، حتّى قتله، رحمه الله، وكذلك قتلت بقية أصحابه. وفيها توفي أبو أحمد العسكري- بفتح العين المهملة وسكون السين المهملة، وفتح الكاف، بعدها راء، نسبة إلى عسكر مكرم، مدينة من كور الأهواز- الحسن بن عبد الله بن سعيد، الأديب الأخباري العلّامة، صاحب التصانيف. روى عن عبدان الأهوازي، وأبي القاسم البغوي وطبقتهما. قال ابن خلّكان [1] : وهو صاحب أخبار ونوادر، وله رواية متسعة، وله التصانيف المفيدة، منها: كتاب «التصحيف» [2] وكتاب «المختلف والمؤتلف»

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 83- 84) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [2] نشر المجلد الأول منه في مجمع اللغة العربية بدمشق بعنوان «شرح ما يقع فيه التصحيف.

وكتاب «علم المنطق» وكتاب «الحكم والأمثال» وكتاب «الزواجر» وغير ذلك، وكان الصاحب بن عبّاد يودّ الاجتماع به ولا يجد إليه سبيلا، فقال لمخدومه مؤيد الدولة بن بويه: إن عسكر مكرم قد اختلف أحوالها، وأحتاج إلى كشفها بنفسي، فأذن له في ذلك، فلما أتاها توقع أن يزوره أبو أحمد المذكور، فلم يزره، فكتب الصاحب إليه: ولمّا أبيتم أن تزوروا وقلتم ... ضعفنا فلم نقدر على الوخدان [1] أتيناكم من بعد أرض نزوركم ... وكم منزل بكر لنا وعوان نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لا بملء جفان وكتب مع هذه الأبيات شيئا من النثر، فجاوبه أبو محمد عن النثر بنثر مثله، وعن هذه الأبيات بالبيت المشهور: أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان فلما وقف الصاحب على الجواب عجب من اتفاق هذا البيت له، وقال: والله لو علمت أنه يقع له هذا البيت لما كتبت [2] له على هذا الروي، وهذا البيت لصخر بن عمرو الشّريد في [أخي] الخنساء، وهو من جملة أبيات مشهورة [3] ، وكانت ولادة أبي أحمد المذكور يوم الخميس لست عشرة ليلة خلت من شوّال، وتوفي يوم الجمعة سابع ذي الحجة. انتهى ملخصا. وفيها أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد النّسائي، الفقيه الشافعي، الذي روى عن الحسن بن سفيان «مسنده» وعن عبد الله بن شيرويه «مسند إسحاق» .

_ «والتحريف» وقام بتحقيقه الأستاذ الدكتور السيد محمد يوسف رحمه الله، وتولى مراجعته الأستاذ المحقّق أحمد راتب النّفّاخ. [1] في الأصل والمطبوع: «الوجدان» وأثبت لفظ «الوفيات» . [2] في المطبوع: «ما كتبت» . [3] انظرها في «الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني (15/ 78- 79) نشر مؤسسة جمال في بيروت.

قال الحاكم: كان شيخ العدالة والعلم بنسإ، وبه ختمت الرواية عن الحسن بن سفيان. عاش بضعا وتسعين سنة. وفيها أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرّازي الصوفي، الراوي عن محمد بن أيوب بن الضريس، خرج في آخر عمره إلى بخارى، فتوفي بها، وله أربع وتسعون سنة. قال الحاكم: ولم يزل كالريحانة عند مشايخ التصوّف ببلدنا. وفيها أبو العبّاس أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي. كان أحد الحفّاظ الرحّالين، كما ذكره ابن ناصر الدّين. وفيها أبو عمر [1] بن حيّويه، المحدّث الحجة، محمد بن العبّاس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزّاز، في ربيع الآخر، وله سبع وثمانون سنة. روى عن الباغندي، وعبد الله بن إسحاق المدائني، وطبقتهما. قال الخطيب [2] : ثقة [سمع الكثير، و] كتب طول عمره، وروى المصنفات الكبار. وفيها محمد بن محمد بن سمعان أبو منصور النيسابوري المذكّر، نزيل هراة، وشيخ أبي عمر المليحي. روى عن السرّاج، ومحمد بن أحمد بن عبد الجبار الريّاني [3] .

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أبو عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» والمصادر التي بين يدي. [2] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 121) وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] في الأصل: «الربّاني» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع، وانظر «الأنساب» (6/ 203) .

سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة فيها كما قال في «شذور العقود» تزوج القادر سكينة بنت بهاء الدولة، بصداق مبلغه مائة ألف دينار، وغلا السعر، فبلغ الكرّ [من] الحنطة ستة آلاف وستمائة درهم، وابتاع سابور بن أزدشير وزير بهاء الدولة دارا في الكرخ بين السورين، وعمّرها، وسمّاها دار العلم، ووقفها، ونقل إليها كتبا كثيرة، وردّ النظر في أمرها إلى أبي الحسين بن السنية، وأبي عبد الله الضبّي القاضي. انتهى. وفيها توفي أبو بكر بن شاذان، والد أبي علي، وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزّاز، المحدّث المتقن، وكان يتجر في البزّ إلى مصر وغيرها، وتوفي في شوال، عن ست وثمانين سنة [1] . وروى عن البغوي وطبقته. وفيها إسحاق بن حمشاد الزاهد الواعظ، شيخ الكرامية ورأسهم بنيسابور. قال الحاكم: كان من العبّاد المجتهدين، يقال: أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف، ولم أر بنيسابور جمعا مثل جنازته. انتهى.

_ [1] لفظة «سنة» سقطت من المطبوع.

وفيها جعفر بن عبد الله بن فناكي أبو القاسم الرّازي الرّاوي، عن محمد بن هارون الرّوياني «مسنده» . انتهى. وفيها أبو محمد بن حزم القلعي الأندلسي الزاهد، واسمه عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم. رحل إلى الشام، والعراق، وسمع أبا القاسم بن [أبي] العقب، وإبراهيم بن علي الهجيمي، وطبقتهما. قال ابن الفرضي [1] : كان جليلا، زاهدا، شجاعا، مجاهدا، ولّاه المستنصر القضاء، فاستعفاه فأعفاه، وكان فقيها صلبا ورعا، كانوا يشبهونه بسفيان الثوري في زمانه، سمعت عليه علما كثيرا [2] ، وعاش ثلاثا وستين سنة. انتهى. وفيها علي بن حسّان، أبو الحسن الجدلي الدّممي- ودممّا قرية دون الفرات [3]-. روى عن مطين، وبه ختم حديثه. وفيها أبو بكر محمد بن العبّاس الخوارزمي [4] ، الشاعر المشهور، ويقال له: الطبرخي، لأن أباه كان من خوارزم، وأمه من طبرستان، فركب له من الاسمين نسبة، وهو ابن أخت أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب «التاريخ» وأبو بكر المذكور أحد الشعراء المجيدين الكبار المشاهير، كان إماما في اللغة والأنساب، أقام بالشام مدة وسكن بنواحي حلب، وكان مشارا إليه في عصره. ويحكى أنه قصد حضرة الصاحب بن عبّاد وهو بأرجان، فلما وصل

_ [1] انظر «تاريخ علماء الأندلس» ص (244- 245) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [2] في الأصل والمطبوع و «العبر» : «علماء كثير» والتصحيح من «تاريخ علماء الأندلس» ونص كلامه فيه: «وقرأت عليه علما كثيرا» . [3] انظر «معجم البلدان» (2/ 471) . [4] لفظة «الخوارزمي» سقطت من الأصل واستدركتها من المطبوع.

لبابه قال لأحد حجّابه: قل للصاحب على الباب أحد الأدباء، وهو يستأذن في الدخول، فدخل الحاجب وأعلمه، فقال الصاحب: قل له: قد ألزمت نفسي أنه لا يدخل عليّ من الأدباء إلّا من يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب، فخرج إليه الحاجب وأعلمه بذلك، فقال له أبو بكر: ارجع إليه وقل له: هذا القدر من شعر الرجال أم من شعر النساء؟ فدخل عليه الحاجب فأعاد عليه ما قال، فقال الصاحب: هذا يؤيد أن يكون أبا بكر الخوارزمي، فأذن له في الدخول عليه، فعرفه وانبسط معه، ولكنه لم يجزل له العطاء، ففارقه غير راض، وعمل فيه: لا تحمدنّ ابن عبّاد وإن هطلت ... يداه بالجود حتّى أخجل الدّيما فإنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما فبلغ ذلك ابن عبّاد، فلما بلغه خبر موته أنشد: أقول لركب من خوارزم [1] قافل ... أمات خوارزميّكم؟ قيل لي: نعم فقلت: اكتبوا بالجصّ من فوق قبره ... ألا لعن الرّحمن من كفر النعم ولأبي بكر المذكور ديوان رسائل وديوان شعر. وقد ذكره الثعالبي في «اليتيمة» [2] وذكر قطعة من نثره، ثم أعقبها بشيء من نظمه، فمن ذلك قوله: رأيتك إن أيسرت خيّمت عندنا ... مقيما وإن أعسرت زرت لماما فما أنت إلّا البدر إن قلّ ضوؤه ... أغبّ وإن زاد الضياء أقاما [3] وملحه ونوادره كثيرة، ولما رجع من الشام سكن نيسابور، ومات بها في منتصف رمضان من هذه السنة.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (4/ 402) : «من خراسان» . [2] انظر «يتيمة الدهر» (4/ 223) طبع دار الكتب العلمية ببيروت. [3] البيتان في «يتيمة الدهر» (4/ 273- 274) .

وقال ابن الأثير في «تاريخه» [1] : مات سنة ثلاث وتسعين، والله أعلم. وفيها أبو الفضل نصر بن محمد [بن] أحمد بن يعقوب العطار بن أبي نصر الطّوسي [2] . كان حافظا ناقدا ثقة وكان رأسا في علم الصوفية. قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (9/ 101) . [2] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» (136/ ب) و «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 1016) .

سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

سنة أربع وثمانين وثلاثمائة فيها اشتد البلاء بالعيّارين ببغداد، وقووا على الدولة، وكان رأسهم عزيز البابصري، التفّ [1] عليه خلق من المؤذين، وطالبوا بضرائب الأمتعة، وجبوا الأموال، فنهض السلطان، وتفرّغ لهم، فهربوا في الظاهر، ولم يحج أحد إلا الرّكب المصري فقط. وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصّابئ المشرك الحرّاني الأديب، صاحب التّرسّل، وكاتب الإنشاء للملك عز الدولة بختيار، ألحّ عليه عز الدولة أن يسلم فامتنع، وكان يصوم رمضان، ويحفظ القرآن، وله النظم والنثر والتّرسّل الفحل، ولما مات عضد الدولة، همّ بقتله لأجل المكاتبات الفجّة التي كان يرسلها عز الدولة بإنشائه إلى عضد الدولة، ثم تركه لشفاعة، وأمره أن يضع له كتابا في أخبار الدولة الديلمية، فعمل «الكتاب التاجي» فقيل لعضد الدولة: إن صديقا للصابىء دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التعليق والتسويد والتبييض، فسأله عمّا يعمل؟ فقال: أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها، فحركت ساكنه وأهاجت حقده، ولم يزل مبعدا في أيامه، وكان له عبد أسود اسمه يمن، وكان يهواه، وله فيه المعاني البديعة فمن جملة ما ذكره له الثعالبي في كتاب «الغلمان» قوله:

_ [1] في الأصل والمطبوع: «التفت» وأثبت ما في «العبر» وهو الصواب.

قد قال يمن وهو أسود للذي ... ببياضه استعلى علوّ الخاتن ما فخر وجهك بالبياض وهل ترى ... أن قد أفدت به مزيد محاسن ولو ان مني فيه خالا زانه ... ولو ان منه في خالا شانني وذكر له فيه الثعالبي أيضا: لك وجه كأن يمناي خطت ... هـ بلفظ تمله آمالي فيه معنى من البدور ولكن ... نفضت صبغها عليه اللّيالي لم يشنك السواد بل زدت حسنا ... إنما يلبس السواد الموالي فبمالي أفديك إن لم تكن لي ... وبروحي أفديك إن كنت مالي وله أيضا وهو معنى بديع: أيّها اللائم الذي يتصدى ... بقبيح يقوله لجوابي لا تؤمل إني أقول لك اخسأ ... لست أسخو بها لكل الكلاب وتوفي الصابئ يوم الاثنين، وقيل: الخميس، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال هذه السنة ببغداد، وقيل: سنة ثمانين وثلاثمائة، وعمره إحدى وسبعون سنة، ودفن بالشّونيزيّة، ورثاه الشريف الرضي بقصيدته الدالية المشهورة، التي أولها: أرأيت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء النادي [1] وعاتبه الناس لكونه شريفا يرثي صابئيا، فقال: إنما رثيت فضله. وبالجملة فإنه كان أعجوبة من الأعاجيب، لكن أضلّه الله على علم، نعوذ برضاه من سخطه، ونسأله العافية. والصابئ: بهمز آخره، قيل: نسبة إلى صابئ بن متوشلخ [2] بن إدريس

_ [1] انظر «ديوانه» (1/ 381) . [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 54) : «متوشلح» بالحاء المهملة، وقال محققه: في «د» :

عليه السلام، وكان على الحنيفية [1] الأولى، وقيل: [إلى] الصابئ بن ماري، وكان في عصره الخليل عليه السلام، وقيل: الصابئ عند العرب من خرج عن دين قومه وهو الأصح، ولذلك كانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم صابئا لخروجه عن دين قومه. قال حسن چلبي في حاشيته على «المطول» : والصابئون بالهمز وبدونها، أي الخارجون، من صبأ إذا خرج، وهم قوم خرجوا عن دين اليهود والنصارى، وعبدوا الملائكة. انتهى. والصابئة ملّة إدريس عليه السلام. قال السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» [2] ما لفظه: ذكر أئمة التاريخ، أن آدم عليه الصلاة والسلام، أوصى لابنه شيث، وكان فيه وفي بنيه النبوّة والدّين، وأنزل عليه تسع وعشرون صحيفة، وأنه جاء إلى أرض مصر، وكانت تدعى بابليون [3] ، فنزلها هو وأولاد أخيه، فسكن شيث فوق الجبل، وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي، واستخلف شيث ابنه أنوش، واستخلف أنوش ابنه قينان [4] واستخلف قينان [4] ابنه مهلائيل [5] واستخلف مهلائيل ابنه يرد، ودفع الوصية إليه، وعلّمه جميع العلوم، وأخبره بما يحدث

_ «متوشلخ» . [1] في الأصل والمطبوع: «على الحنفية» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] انظره (1/ 30) . [3] في الأصل والمطبوع: «بايلون» وفي «حسن المحاضرة» : «باب لون» والتصحيح من «معجم البلدان» (1/ 311) وانظر «تاريخ الطبري» (6/ 145) قال ياقوت: وهو اسم عامّ لديار مصر بلغة القدماء، وقيل: اسم لموضع الفسطاط خاصة، وانظر تتمة كلامه فيه فهو غاية في الفائدة. [4] في الأصل والمطبوع: «قونان» والتصحيح من «حسن المحاضرة» وهو قينان أبو مهلائيل. انظر «تاريخ الطبري» (1/ 154) . [5] تحرّفت في «حسن المحاضرة» إلى «مهليائيل» .

في العالم، ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم عليه السلام، وولده، ليرد أخنوخ، وهو هرمس، وهو إدريس عليه السلام، وكان الملك في ذلك الوقت محويل بن أخنوخ [1] بن قابيل، وتنبأ إدريس، وهو ابن أربعين سنة، وأراده الملك بسوء، فعصمه الله، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، ودفع إليه أبوه وصية جدّه، والعلوم التي عنده، وولد بمصر، وخرج منها، وطاف الأرض كلها، ورجع فدعا الخلق إلى الله [عزّ وجل] فأجابوه، حتى عمّت ملّته الأرض [2] ، وكانت ملّته الصابئة، وهي توحيد الله، والطهارة، والصلاة، والصوم، وغير ذلك من رسوم التعبدات. وكان في رحلته إلى المشرق أطاعه جميع ملوكها، وابتنى مائة وأربعين مدينة أصغرها الرّها، ثم عاد إلى مصر، فأطاعه [3] ملكها وآمن به، فنظر في تدبير أمرها، وكان النّيل يأتيهم سيحا، فينحازون عن سيله إلى أعالي الجبال [4] والأرض العالية حتّى ينقص، فينزلون ويزرعون حيث [5] وجدوا الأرض بريّة [6] ، وكان يأتي في وقت الزراعة وفي غير وقتها، فلما عاد إدريس، جمع أهل مصر، وصعد بهم إلى أوّل مسيل النيل إليها، ودبّر وزن الأرض، ووزن الماء على الأرض، وأمرهم بإصلاح ما أراد [7] من إصلاح [من خفض] [8] المرتفع ورفع المنخفض، وغير ذلك مما

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع: «محويل بن أخنوخ» وفي «حسن المحاضرة» (1/ 30) ذكر مرة باسم «محويل بن أخنوخ» كما في كتابنا، ومرة باسم «محويل بن خنوخ» وهو كذلك في «تاريخ الطبري» (1/ 165) . [2] قوله: «ورجع فدعا الخلق إلى الله عزّ وجل، فأجابوه، حتى عمّت ملّته الأرض» لم يرد في «حسن المحاضرة» الذي بين يدي. [3] في الأصل والمطبوع: «وأطاعه» وأثبت لفظ «حسن المحاضرة» . [4] في «حسن المحاضرة» : «من مساله إلى أعاله الجبل» . [5] في «حسن المحاضرة» : «حيثما» . [6] في «حسن المحاضرة» ، «نديّة» . [7] في «حسن المحاضرة» : «ما أرادوا» . [8] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «حسن المحاضرة» .

رأى [1] في [علم] النجوم، والهندسة، والهيئة. وكان أول من تكلم في هذه العلوم وأخرجها من القوّة إلى الفعل، ووضع فيها الكتب، ورسم فيها التعليم [2] ثم سار إلى بلاد الحبشة، والنوبة، وغيرها، وجمع أهلها، وزاد في جري النيل ونقصه [3] بحسب [4] بطئه وسرعته في طريقه، حتّى عمل على [5] حساب جريه ووصوله إلى أرض مصر في زمن الزراعة على ما هو عليه الآن، فهو أول من دبّر جري النيل إلى مصر، ومات إدريس بمصر، والصابئة تزعم أن هرمي مصر، أحدهما قبر شيث، والآخر قبر إدريس، والأصح أنه ليس إدريس، إنما هو مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. هذا كله كلام التّيفاشي [6] . انتهى ما قاله السيوطي بحروفه. وفيها صبح بن أحمد [7] الحافظ أبو الفضل التميمي الأحنفي الهمذاني السّمسار ويعرف أيضا بابن الكوملاذي [8] محدّث همذان. روى عن عبد الرّحمن بن أبي حاتم وطبقته، وهو الذي لما أملى الحديث باع طاحونا له بسبعمائة دينار ونثرها على المحدّثين.

_ [1] في «حسن المحاضرة» : «مما رآه» . [2] في «حسن المحاضرة» : «ورسم فيها العلوم» . [3] في الأصل والمطبوع: «ونقص» والتصحيح من «حسن المحاضرة» . [4] في الأصل والمطبوع: «بحيث» والتصحيح من «حسن المحاضرة» . [5] لفظة «على» لم ترد في «حسن المحاضرة» . [6] تحرّف في الأصل والمطبوع إلى «التيغاشي» وهو خطأ، والتصحيح من «حسن المحاضرة» وهو أحمد بن يوسف بن أحمد بن أبي بكر بن حمدون، شرف الدين القيسي التيفاشي، عالم بالحجارة الكريمة، غزير العلم بالأدب وغيره، مات سنة (651) هـ. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» (1/ 273- 274) . [7] كذا الأصل والمطبوع: «صبح بن أحمد» وفي «العبر» (3/ 27) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 518) : «صالح بن أحمد» وكذلك سيذكره المؤلف بعد قليل، ويبدو أنه كان يعرف ب «صالح» وب «صبح» . [8] في الأصل والمطبوع «اللوملاذ» وفي «العبر» : «الكوملاذ» والتصحيح «سير أعلام النبلاء» (16/ 518) ، والكوملاذي: نسبة إلى «كوملاذ» من قرى همذان. انظر «معجم البلدان»

قال شيرويه [1] : كان ركنا من أركان الحديث، [ثقة، حافظا] ديّنا ورعا [صدوقا] ، ولا يخاف في الله لومة لائم، وله عدة مصنفات، توفي في شعبان، والدعاء عند قبره مستجاب! ولد سنة ثلاث وثلاثمائة. وفيها الرّمّاني، شيخ العربية، أبو الحسن علي بن عيسى النحوي [2] ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة، وكانت ولادته أيضا ببغداد في سنة ست وتسعين ومائتين، وتوفي ليلة الأحد حادي عشر جمادى الأولى من هذه السنة على الصحيح، وقيل: سنة اثنتين وثمانين، وأصله من سرّ من رأى، وهو أحد الأئمة المشاهير، جمع بين علم الكلام والعربية، وله قريب من مائة مصنف، منها «تفسير القرآن العظيم» وكان متقنا لعلوم كثيرة، منها القراءات، والفقه، والنحو، والكلام على مذهب المعتزلة، والتفسير، واللغة، وأخذ عن ابن دريد، وأبي بكر بن السرّاج، وغيرهما. وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح التميمي الأحنفي، من ولد الأحنف بن قيس، وهو المترجم بصبح قبل أسطر، وكان حافظا ثقة ديّنا، من الأبرار. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني العدل، مسند أصبهان في عصره. روى عن إسحاق بن إبراهيم بن جميل، ويحيى بن صاعد، وطبقتهما.

_ (4/ 495) ، أما السمعاني فقال: «الكوملاباذي» نسبة إلى «كوملاباذ» انظر «الأنساب» (10/ 502- 503) . [1] في الأصل والمطبوع: «سيرويه» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» وما بين حاصرتين زيادة منه. [2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (16/ 533- 534) وانظر كتاب «الرّمّاني النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه» للعالم الجليل الدكتور مازن المبارك، أستاذ العربية في جامعة دمشق حفظه الله، فإنك ستقف فيه على فوائد عزيزة إن شاء الله تعالى.

وفيها محدّث الكوفة، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن حمّاد بن سفيان الكوفي الحافظ، كان أحد المعمرين المشهورين، أدرك أصحاب أبي كريب، وأبي سعيد الأشج، وجمع وألّف. وفيها أبو الحسن محمد بن العبّاس بن أحمد بن الفرات البغدادي الحافظ. سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته، وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال الخطيب [1] : بلغني أنه كان عنده عن علي بن محمد المصري وحده [2] . ألف جزء، وأنه كتب مائة «تفسير» ومائة «تاريخ» كبير، وهو حجة ثقة. وفيها شيخ الشافعية، أبو الحسن، الماسرجسي، محمد بن علي بن سهل النيسابوري، سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجس- بفتح السين المهملة وسكون الراء وكسر الجيم- روى عن أبي حامد بن الشرقي وطبقته، ورحل بعد الثلاثين، وكتب الكثير بالعراق، والحجاز، ومصر. قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه، صحب أبا إسحاق المروزي مدة، وصار ببغداد معيدا لأبي علي بن أبي هريرة، وعاش ستا وسبعين سنة. قال الإسنوي: أخذ عن أبي إسحاق وصحبه إلى مصر، ولازمه إلى أن توفي، فانصرف إلى بغداد، ودرّس بها، وكان المجلس له بعد قيام ابن أبي هريرة، وكان معيد درسه، ثم انصرف إلى خراسان سنة أربع وأربعين، وتوفي بها عشية الأربعاء ودفن عشية الخميس، السادس من جمادى الآخرة، وهو

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 122) . [2] تحرفت في الأصل والمطبوع إلى «وجده» والتصحيح من «تاريخ بغداد» .

ابن ست وسبعين سنة. نقل عنه الرافعي استحباب تطويل الركعة الأولى على الثانية، وحكى عنه في باب الدّيات، أنه قال: رأيت صيادا يرمي الصيد على فرسخين. وكان له ولد اسمه محمد، ويكنى أبا بكر، درس الفقه على أبيه، وسمع الحديث ببلاد كثيرة، وتوفي في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة عن أربع وثلاثين سنة ودفن بداره. انتهى ملخصا. وفيها أبو عبيد الله [1] المرزباني محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبيد الله الكاتب، الأخباري العلّامة المعتزلي، صنّف أخبار المعتزلة وأخبار الشعراء، وغير ذلك، وحدّث عن البغوي [2] ، وابن دريد، ومات في شوال، وله ثمان وثمانون سنة. قال ابن خلّكان [3] : الخراساني الأصل، البغدادي المولد، صاحب التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة، وكان راوية للآداب صاحب أخبار، وتآليفه كثيرة، وكان ثقة في الحديث ومائلا إلى التشيع في المذهب، وهو أول من جمع «ديوان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي» واعتنى به وهو صغير الحجم، يدخل في مقدار ثلاث كراريس، وقد جمعه من بعده جماعات وزادوا فيه أشياء ليست له [4] ، وشعر يزيد مع قلته في غاية الحسن، ومن لطيف شعره الأبيات العينية التي منها: إذا رمت من ليلى على البعد نظرة ... تطفّي [5] جوى بين الحشا والأضالع

_ [1] في «العبر» : «أبو عبد الله» وهو خطأ فيصحح فيه. [2] يعني عن أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي. [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 354- 356) . [4] قلت: وقد جمع بعض شعره وبعض ما ينسب إليه من الشعر من المعاصرين الدكتور صلاح الدّين المنجد، ونشره في دار الكتاب الجديد ببيروت عام 1402 هـ. [5] في الأصل والمطبوع: «فتطفي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «شعر يزيد بن معاوية» للمنجد.

تقول نساء الحيّ تطمع أن ترى ... محاسن ليلى؟ مت بداء المطامع وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها؟ وما طهّرتها بالمدامع وتلتذّ منها بالحديث وقد جرى ... حديث سواها في خروق المسامع أجلّك يا ليلى عن العين إنّما ... أراك بقلب خاشع لك خاضع [1] وكانت ولادة المرزباني المذكور في جمادى الآخرة، سنة سبع وتسعين ومائتين، وتوفي يوم الجمعة ثاني شوال، سنة أربع وثمانين، وقيل: ثمان وسبعين، والأول أصح، ودفن بداره بشارع عمرو [2] الرّومي ببغداد، في الجانب الشرقي، وروى عنه [أبو] عبد الله [3] الصّيمري، وأبو القاسم التنوخي، وأبو محمد الجوهري، وغيرهم. والمرزباني: بفتح الميم وسكون الراء، وضم الزاي، وفتح الباء الموحدة، وبعد الألف نون، نسبة إلى بعض أجداده، كان اسمه المرزبان، وهذا الاسم لا يطلق عند العجم إلّا على الرجل المقدّم العظيم القدر، وتفسيره بالعربية حافظ الحدّ. انتهى ما قاله ابن خلّكان ملخصا [4] . وجزم الذهبي في «العبر» [5] أنه كان معتزليا. وقال ابن الأهدل: المرزباني البغدادي، صاحب التصانيف المشهورة، كان راوية في الأدب، ثقة في الرواية. انتهى.

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (4/ 354- 355) و «شعر يزيد بن معاوية» للمنجد ص (20- 21) . [2] في الأصل والمطبوع: «عمر» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «إنباه الرواة» (3/ 182) . [3] في الأصل والمطبوع: «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» وهو الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري القاضي أبو عبد الله. انظر «تاريخ بغداد» (8/ 78- 79) . [4] وانظر «المعرب» للجواليقي ص (365) بتحقيق العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله. [5] انظر «العبر» (3/ 29) .

وفيها القاضي التّنوخي، أبو علي المحسن [1] بن علي بن محمد بن داود بن إبراهيم بن تميم الأديب الأخباري، صاحب التصانيف. ولد بالبصرة، وسمع بها من أبي العبّاس الأثرم، وطائفة، وببغداد من الصّولي وغيره، وعاش سبعا وخمسين سنة. وذكره الثعالبي وأباه [2] في باب واحد، وقدم ذكر أبيه، ثم قال في حق أبي علي المذكور [3] هلال ذاك القمر، وغصن هاتيك الشجر، والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله، والفرع المسند لأصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد مماته، وله كتاب «الفرج بعد الشدة» ذكر في أوائل هذا الكتاب [4] أنه كان على المعيار [5] بدار الضرب بسوق الأهواز في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، وذكر بعد ذلك بقليل [6] أنه كان على القضاء بجزيرة ابن عمر. وله ديوان شعر أكبر من ديوان أبيه، وكتاب «نشوان المحاضرة» [7] وله كتاب «المستجاد من فعلات الأجواد» ونزل ببغداد وأقام بها، وحدّث إلى حين وفاته، وكان سماعه صحيحا، وكان أول سماعه الحديث في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وأول ما تقلد القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله بالقصر، وبابل، وما والاها، سنة تسع وأربعين، ثم ولّاه الإمام المطيع لله

_ [1] تحرّف في «العبر» إلى «الحسن» فيصحح فيه. [2] انظر «يتيمة الدهر» (2/ 393- 404) طبع دار الكتب العلمية. [3] انظر «يتيمة الدهر» (2/ 405) . [4] انظر «الفرج بعد الشدة» (1/ 107) بتحقيق الأستاذ عبود السالجي، طبع دار صادر. [5] المعيار: من المكاييل. انظر «لسان العرب» (عير) . [6] انظر «الفرج بعد الشدة» (1/ 134) . [7] كذا في الأصل والمطبوع وإحدى نسخ «وفيات الأعيان» كما ذكر محققه في حاشيته (4/ 159) و «كشف الظنون» (2/ 1953) : «نشوان المحاضرة» ، وفي معظم المصادر التي بين يدي: «نشوار المحاضرة» وهو الاسم الذي اشتهر به.

القضاء بعسكر مكرم، [وإيذج] [1] ورامهرمز، وتقلد بعد ذلك أعمالا كثيرة في نواح مختلفة. ومن شعره في بعض المشايخ وقد خرج ليستسقي وكان في السماء سحاب، فلما دعا أصحت السماء، فقال التنوخي: خرجنا لنستسقي بفضل [2] دعائه ... وقد كاد هدب الغيم أن يبلغ [3] الأرضا فلما ابتدا يدعو تقشعت [4] السما ... فما تمّ إلّا والغمام قد انفضّا ومن المنسوب إليه أيضا [5] : قل للمليحة في الخمار المذّهب ... أفسدت نسك أخي التّقى المترهب نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبا لوجهك كيف لم يتلهّب وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب فإذا أتت عيني [6] لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها اذهبي لا تذهبي وأما ولده أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التّنوخي، فكان أديبا فاضلا شاعرا، راوية للشعر الكثير، وكان يصحب أبا العلاء المعري، وأخذ عنه كثيرا، وكان من أهل بيت كلهم فضلاء، أدباء، ظرفاء، وكانت ولادة الولد المذكور في منتصف شعبان، سنة خمس وستين وثلاثمائة بالبصرة،

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته من «وفيات الأعيان» وقد تصحفت فيه «إيذج» إلى «إيدج» فتصحح، وإيذج: كورة وبلد بين خوزستان وأصبهان، وهي أجل مدن هذه الكورة. قاله ياقوت، وانظر تتمة كلامه عنها في «معجم البلدان» (1/ 288- 289) . [2] في «وفيات الأعيان» : «بيمن» . [3] في «وفيات الأعيان» : «أن يلحف» . [4] في «وفيات الأعيان» : «تكشفت» . [5] يعني للمترجم. [6] في «وفيات الأعيان» : «عين» .

وتوفي يوم الأحد مستهل المحرم، سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وكان بينه [1] وبين الخطيب أبي زكريا التبريزي مؤانسة واتحاد بطريق أبي العلاء المعري. وقال الخطيب البغدادي [2] : وكان قد قبلت شهادته عند الحكام في حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولا إلى آخر عمره، وكان مستحفظا في الشهادة، محتاطا صدوقا في الحديث ونقله، وتقلد قضاء نواح عدّة، منها المدائن وأعمالها، وأذربيجان، وإفريقية، وغير ذلك، وإليه كتب أبو العلاء قصيدته التي أولها: هات الحديث عن الزّوراء أوهيتا [3]

_ [1] لفظة «بينه» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع و «وفيات الأعيان» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 115) . [3] صدر بيت من قصيدة مطولة عجزه: وموقد النّار لا تكرى بتكريتا وانظر «شرح سقط الزند» (4/ 1553- 1555) .

سنة خمس وثمانين وثلاثمائة

سنة خمس وثمانين وثلاثمائة فيها توفي أبو بكر بن المهندس، أحمد بن محمد بن إسماعيل محدّث ديار مصر. كان ثقة تقيا، روى عن البغوي [1] ، ومحمد بن محمد الباهلي، وطبقتهما. وفيها أبو القاسم، الصاحب بن عبّاد إسماعيل بن عبّاد بن العبّاس بن عبّاد بن أحمد بن إدريس الطالقاني، وزير مؤيد الدولة أبي منصور بن بويه، وفخر الدولة، وصحب أبا الفضل الوزير ابن العميد، وأخذ عنه الأدب، والشعر، والترسل، وبصحبته لقب بالصاحب، وكان من رجال الدهر، حزما، وعزما، وسؤددا، ونبلا، وسخاء، وحشمة، وإفضالا وعدلا. قال الثعالبي في «اليتيمة» [2] في حقه: ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم، وتفرده بالغايات [3] في المحاسن، وجمعه أشتات المفاخر، لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه. ثم شرع في وصف بعض محاسنه وطرف من أحواله.

_ [1] يعني عن أبي القاسم البغوي الإمام الكبير، وقد تقدمت ترجمته. [2] انظر «يتيمة الدهر» (3/ 225) وما بعدها. [3] في «يتيمة الدهر» التي بين يدي: «بغايات» .

وقال أبو بكر الخوارزمي في حقه [1] : الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها، ودب ودرج من وكرها [2] ورضع أفاويق درها، وورثها عن آبائه [3] كما قال أبو سعيد الرّستمي في حقه: ورث الوزارة كابرا عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد يروي عن العبّاس عبّاد وزا ... رته وإسماعيل عن عبّاد وأنشده أبو القاسم الزعفراني يوما أبياتا نونية من جملتها: أيا من عطاياه تهدي الغنى ... إلى راحتي من نأى أو دنا كسوت المقيمين والزائرين ... كسا لم نخل مثلها ممكنا وحاشية الدار يمشون في ... صنوف [4] من الخزّ إلا أنا فقال الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة الشيباني، أن رجلا قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة، وفرس، وبغل، وحمار، وجارية، ثم قال: لو علمت أن الله تعالى خلق مركوبا غير هذا لحملتك عليه، وقد أمرنا لك من الخزّ بجبة، وقميص، وعمامة، ودرّاعة، وسراويل، ومنديل، ومطرف، ورداء، وكساء، وجورب، وكيس، ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخزّ لأعطيناكه. واجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره، ومدحوه بغرر المدائح، وكان حسن الأجوبة. كتب إليه بعضهم رقعة أغار فيها على رسائله، وسرق جملة من ألفاظه، فوقّع فيها: هذه بضاعتنا ردت إلينا. وصنّف في اللغة كتابا سمّاه «المحيط» في سبع مجلدات [5] ، وكتاب

_ [1] لا زال المؤلف ينقل عن «يتيمة الدهر» . [2] في «يتيمة الدهر» الذي بين يدي: «في وكرها» . [3] في «يتيمة الدهر» : «وورثها من أبيه» . [4] في «يتيمة الدهر» : «ضروب» . [5] قال ابن خلكان: رتبه على حروف المعجم، كثّر فيه الألفاظ، وقلّل الشواهد، فاشتمل من

«الكافي» في الرسائل، وكتاب «الأعياد وفضائل النيروز» وكتاب «الإمامة» يذكر فيه فضائل عليّ رضي الله عنه، ويثبت إمامته على من تقدمه، لأنه كان شيعيا، وله غير ذلك، وله رسائل بديعة ونظم جيد، فمنه قوله: وشادن جماله ... تقصر عنه صفتي أهوى لتقبيل يدي ... فقلت قبّل شفتي وله في رقة الخمر: رقّ الزجاج وراقت الخمر ... فتشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر وحكى أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي، أن نوح بن منصور، أحد ملوك بني سامان [1] ، كتب إليه ورقة في السر يستدعيه ليفوّض إليه وزارته وتدبير مملكته، وكان من جملة أعذاره إليه، أنه يحتاج في نقل كتبه خاصة إلى أربعمائة جمل، فما الظن بما يليق بها من التجمل؟! وكان مولده لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة، سنة ست وعشرين وثلاثمائة بإصطخر، وقيل: بالطّالقان، وتوفي ليلة الجمعة رابع عشري صفر بالرّيّ، ثم نقل إلى أصبهان. ومن أخباره أنه لم يسعد أحد بعد وفاته كما كان في حياته غير الصّاحب، فإنه لما توفي أغلقت له مدينة الرّيّ، واجتمع الناس على باب القصر [2] ينتظرون خروج جنازته، وحضر مخدومه فخر الدولة وسائر القواد وقد غيّروا لباسهم، فلما خرج نعشه من الباب، صاح الناس بأجمعهم صيحة

_ اللغة على جزء متوفر. [1] في الأصل والمطبوع: «ساسان» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . قال في «القاموس المحيط» (سمن) : والملوك السامانيّة تنسب إلى سامان بن حيّا. [2] في «وفيات الأعيان» : «على باب قصره» .

واحدة وقبّلوا الأرض، ومشى فخر الدولة أمام الجنازة مع الناس، وقعد للعزاء أياما. ورثاه أبو سعيد الرّستمي بقوله: أبعد ابن عبّاد يهشّ إلى السرى ... أخو أمل أو يستماح جواد أبى الله إلّا أن يموتا بموته ... فما لهما حتّى المعاد معاد [1] قال ابن الأهدل: ومن كلامه في وصف الأئمة الثلاثة المتعاصرين، أصحاب أبي الحسن الأشعري: الباقلاني نار محرق، وابن فورك صل مطرق، والإسفراييني بحر مغرق. قال ابن عساكر: كأن روح القدس نفث في روعه بحقيقة حالهم. انتهى. وفيها أبو الحسن الأذني- بفتحتين، نسبة إلى أذنة [2] بلد بساحل الشام عند طرسوس- القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدّث، نزيل مصر. روى الكثير عن ابن فيل، وأبي عروبة، ومحمد بن الفيض الدمشقي، وعلي الغضائري، وتوفي في شهر ربيع الأول. وفيها الدّارقطني- بفتح الراء وضم القاف، وسكون الطاء، نسبة إلى دار القطن، محلة ببغداد- وهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود البغدادي، الإمام الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، إليه النهاية في معرفة الحديث وعلومه، وكان يدعى فيه أمير المؤمنين. وقال في «العبر» [3] : الحافظ المشهور، صاحب التصانيف، توفي في ذي القعدة، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته.

_ [1] تنبيه: نقل المؤلف ترجمة الصاحب بن عبّاد عن «وفيات الأعيان» (1/ 228- 232) باختصار. [2] سبق التعريف بها، وتعرف الآن ب «أضنة» ، وتقع في الجنوب الأوسط من تركيا المعاصرة. [3] (3/ 30- 31) .

ذكره الحاكم فقال: صار أوحد عصره في الحفظ، والفهم، والورع، إماما في القراءات، والنحو، صادفته فوق ما وصف لي، وله مصنفات يطول ذكرها. وقال الخطيب [1] : كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته. انتهى إليه علم الأثر [2] والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال [وأحوال الرواة] ، مع الصدق [والأمانة، والفقه، والعدالة، وقبول الشهادة] وصحة الاعتقاد [وسلامة المذهب] ، والاضطلاع من علوم سوى علم الحديث، منها القراءات، وقد صنّف فيها مصنفا، ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، ومنها المعرفة بالأدب والشعر، فقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة. وقال أبو ذر الهروي: قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا؟! وقال البرقاني: كان الدارقطني يملي عليّ العلل من حفظه. وقال القاضي أبو الطيب الطبري: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث. انتهى كلام «العبر» . وقال ابن قاضي شهبة: قال الحاكم: صار أوحد أهل عصره في الحفظ، والفهم، والورع، وإماما في النحو، والقراءة، وأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله، توفي ببغداد ودفن قريبا من معروف الكرخي. قال ابن ماكولا: رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة بالإمام. انتهى ملخصا.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 34- 35) وما بين حاصرتين زيادة منه. [2] في «سير أعلام النبلاء» (16/ 452) : «علو الأثر» .

وفيها أبو حفص بن شاهين، عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي، الواعظ المفسّر الحافظ، صاحب التصانيف وأحد أوعية العلم، توفي بعد الدارقطني [بشهر، وكان أكبر من الدارقطني] [1] بتسع سنين. سمع من الباغندي، ومحمد بن المجدّر، والكبار، ورحل إلى الشام، والبصرة، وفارس. قال أبو الحسين بن المهتدي بالله: قال لنا ابن شاهين: صنّفت ثلاثمائة وثلاثين مصنفا، منها «التفسير الكبير» ألف جزء، و «المسند» ألف وثلاثمائة جزء، و «التاريخ» مائة وخمسون جزءا. قال ابن أبي الفوارس: ابن شاهين ثقة مأمون، جمع وصنّف ما لم يصنفه أحد. وقال محمد بن عمر الداودي: كان ثقة بحّاثا، وكان لا يعرف الفقه، ويقول: أنا محمديّ المذهب. انتهى. وممّن أخذ عنه الماليني، والبرقاني، وخلق كثير. وقال السيوطي في كتابه «مشتهى العقول ومنتهى النقول» : منتهى التفاسير لابن شاهين ألف مجلد، والمسند له ألف وخمسمائة مجلد، ومداد تصانيفه انتهى إلى ثمانية وعشرين قنطارا. قال ابن الجوزي: قلت: هذا من طي الزمان. انتهى كلام السيوطي. وفيها أبو بكر الكسائي [2] ، محمد بن إبراهيم النيسابوري، الأديب الذي روى «صحيح مسلم» عن إبراهيم بن سفيان الفقيه، توفي ليلة عيد

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع و «العبر» . [2] في الأصل والمطبوع: «الكبشاني» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني في الضعفاء» و «سير أعلام النبلاء» (16/ 465) .

النحر، ضعفه الحاكم لتسميعه الكتاب بقوله: من غير أصل. وقال في «المغني» [1] : غمزه الحاكم، روى «الصحيح» من غير أصل. انتهى. وفيها أبو الحسن بن سكّرة، محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي، الشاعر المشهور، العبّاسي المفلق، ولا سيّما في المجون والمزاح، وكان هو وابن حجّاج يشبّهان في وقتهما بجرير والفرزدق، ويقال: إن «ديوان ابن سكّرة» يزيد على خمسين ألف بيت. قال الثعالبي في ترجمته [2] : هو شاعر متسع الباع، في أنواع الإبداع، فائق في قول الظرف والملح [3] ، على الفحول والأفراد، جار في ميدان المجون والسخف ما أراد، وكان يقال: إن زمانا جاد بمثل ابن سكّرة، وابن حجّاج لسخيّ جدا. ومن بديع تشبيهه ما قاله في غلام في يده غصن مزهر: غصن بان بدا وفي اليد منه ... غصن فيه لؤلؤ منظوم فتحيّرت بين غصنين في ذا ... قمر طالع وفي ذا نجوم وله في غلام أعرج: قالوا بليت بأعرج فأجبتهم ... العيب يحدث في غصون البان إني أحب حديثه وأريده ... للنوم لا للجري في الميدان وله أيضا: أنا والله هالك ... آيس من سلامتي أو أرى القامة التي ... قد أقامت قيامتي

_ [1] (2/ 545) . [2] انظر «يتيمة الدهر» (3/ 3- 34) . [3] في «يتيمة الدهر» : «الملح والظرف» .

وله: قيل ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدّه قلت دراعة عري ... تحتها جبة رعده وله البيتان اللذان ذكرهما الحريري في مقاماته [1] وهما: جاء الشتاء وعندي من حوائجه ... سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا كنّ وكيسّ وكانون وكاس طلا ... بعد [2] الكباب وكس ناعم وكسا ومحاسن شعره كثيرة، وتوفي يوم الأربعاء حادي عشر شهر ربيع الآخر. وفيها الفقيه العلّامة الورع الزاهد الخاشع البكّاء المتواضع أبو بكر الأودني- بالضم وفتح المهملة والنون، نسبة إلى أودنة، قرية من قرى بخارى- شيخ الشافعية ببخارى وما وراء النهر، أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن بصير [3] ، كان علّامة زاهدا، ورعا خاشعا، ومن غرائب وجوهه في المذهب، أن الربا حرام في كل شيء، فلا يجوز بيع شيء بجنسه. روى عن الهيثم بن كليب الشّاشي، وطائفة، ومات في شهر ربيع الآخر، وقد دخل في سن الشيخوخة، ومن تلامذته المستغفري. قال ابن قاضي شهبة: قال الحاكم: كان من أزهد الفقهاء، وأورعهم، وأعبدهم، وأبكاهم على تقصيره، وأشدهم تواضعا وإنابة. وقال الإمام في «النهاية» [4] : وكان من دأبه أن يضنّ بالفقه على من لا

_ [1] انظر «مقامات الحريري» ص (257) طبعة البابي الحلبي. [2] في الأصل والمطبوع: «مع» والتصحيح من «مقامات الحريري» و «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [3] في الأصل والمطبوع و «العبر» : «ابن نصير» وهو تصحيف، والتصحيح من «الإكمال» (1/ 320) و «الأنساب» (1/ 380) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 465) . [4] هو «نهاية المطلب في دراية المذهب» للجويني. انظر «كشف الظنون» (2/ 1990) .

يستحقه، وإن ظهر بسببه أثر الانقطاع عليه في المناظرة، توفي ببخارى. انتهى ملخصا. وفيها أبو الفتح القوّاس، يوسف بن عمر بن مسرور البغدادي الزاهد، المجاب الدعوة في ربيع الآخر، وله خمس وثمانون سنة، روى عن البغوي وطبقته. قال البرقاني: كان من الأبدال.

سنة ست وثمانين وثلاثمائة

سنة ست وثمانين وثلاثمائة فيها توفي أبو حامد النّعيمي، أحمد بن عبد الله بن نعيم السّرخسي، نزيل هراة، في ربيع الأول. روى «الصحيح» عن الفربري، وسمع من الدّغولي، وجماعة. وفيها أبو أحمد السّامرّي- بفتح الميم وتشديد الراء، نسبة إلى سرّ من رأى- عبد الله بن الحسين بن حسنون البغدادي المقرئ، شيخ الإقراء بالدّيار المصرية. مات في المحرم وله إحدى وتسعون سنة. قرأ القرآن في الصغر، فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني، وأبي عمران الرّقّي، وابن شنبوذ، وابن مجاهد، وحدّث عن أبي العلا محمد بن أحمد الوكيعي، فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقيه [1] وقال: لا أسلّم على من يكذب في الحديث، وفي «العنوان» [2] أن السامري، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي، وهذا وهم من صاحب «العنوان» لأن محمد بن يحيى توفي قبل مولد السامري بخمس عشرة سنة أو هو محمد بن السامري [3] ، ويدل عليه

_ [1] في «العبر» : «في لقبه» . [2] يعني كتاب «العنوان في السبعة القراء» لأبي طاهر إسماعيل بن خلف الأنصاري السّرقسطي المتوفى سنة (455) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1176) و «الأعلام» للزركلي (1/ 313) . [3] في المطبوع: «أو هو عمد بن السامري» وهو تحريف غير سياق النص، وانظر «العبر» (3/ 34) .

قول محمد بن علي الصوري: قد ذكر أبو أحمد، أنه قرأ على الكسائي الصغير، فكتب في ذلك إلى بغداد، يسأل عن وفاة الكسائي، فكان الأمر من ذلك بعيدا. قال في «العبر» [1] : قلت: ثم أمسك أبو أحمد عن هذا القول، وروى عن ابن مجاهد، عن الكسائي. انتهى. وفيها عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو أحمد الأصبهاني. روى مسند أحمد بن منيع، عن جدّه، ومات في شعبان. وفيها الحربي، أبو الحسن، علي بن عمر الحميري البغدادي، ويعرف أيضا بالسكري، وبالصيرفي، وبالكيّال. روى عن أحمد بن الصوفي، وعبّاد بن علي السّيريني، والباغندي، وطبقتهم. ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع سنة ثلاث وثلاثمائة، باعتناء أخيه، وتوفي في شوال. وفيها أبو عبد الله الختن الشافعي، محمد بن الحسن الإستراباذي- بكسر أوله والفوقية، وسكون السين، وفتح الراء والموحدة، بعدها معجمة، نسبة إلى استراباذ، من بلاد مازندران، بين سارية وجرجان- وهو ختن أبي بكر الإسماعيلي، وهو صاحب وجه في المذهب، وله مصنفات عاش خمسا وسبعين سنة، وكان أديبا، بارعا، مفسرا، مناظرا. روى عن عبد الملك بن عدي الجرجاني، وتوفي في يوم عرفة. قال الإسنوي: نقل عنه الرافعي في كتاب الجنايات قبيل العاقلة بقليل، أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تخييل لظاهر الآية. انتهى.

_ [1] (3/ 35) .

وفيها أبو طالب صاحب «القوت» [1] محمد [بن علي] بن عطية الحارثي العجمي ثم المكّي. نشأ بمكة، وتزهد، وسلك، ولقي الصوفية، وصنّف، ووعظ، وكان صاحب رياضة ومجاهدة، وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم البصري، شيخ السالمية. روى عن علي بن أحمد المصّيصي وغيره. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : أبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي، صاحب كتاب «قوت القلوب» كان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة، ويتكلم في الجامع، وله مصنفات في التوحيد، [و] لم يكن من أهل مكة، وإنما كان من أهل الجبل، وسكن مكّة، فنسب إليها، وكان يستعمل الرياضة كثيرا، حتّى قيل: إنه هجر الطعام زمانا، واقتصر على أكل الحشائش المباحة، فاخضرّ جلده من كثرة تناولها. ولقي جماعة من المشايخ في الحديث، وعلم الطريقة وأخذ عنهم، ودخل البصرة بعد وفاة أبي الحسن بن سالم، فانتهى إلى مقالته، وقدم بغداد، فوعظ الناس، وخلّط في كلامه فهجروه وتركوه. قال محمد بن طاهر المقدسي في كتاب «الأنساب» [4] : إن أبا طالب المكّي لما دخل بغداد واجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ، خلّط في كلامه، وحفظ عنه أنه قال: ليس على المخلوقين أضرّ من الخالق، فبدّعه الناس [5] وهجروه، وامتنع من الكلام بعد ذلك.

_ [1] واسمه الكامل «قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد» . انظر «كشف الظنون» (2/ 1361) . [2] (3/ 35- 36) وما بين حاصرتين مستدرك ومنه ومن «سير أعلام النبلاء» (16/ 536) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 303) . [4] انظر «الأنساب المتفقة» ص (153- 154) . [5] تحرّفت في الأصل والمطبوع إلى: «فبعده الناس» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «الأنساب المتفقة» .

وله كتب في التوحيد، وتوفي سادس جمادى الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة الملكية بالجانب الشرقي، وقبره هناك يزار، رحمه الله. انتهى بحروفه. وفيها العزيز بالله، أبو منصور، نزار بن المعزّ [بالله] معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدي العبيدي الباطني، صاحب مصر [والمغرب] [1] ، والشام، وولي الأمر بعد أبيه، وعاش العزيز اثنتين وأربعين سنة، وكان شجاعا، جوادا، حليما، وكان أسمر، أصهب، أعين، أشهل، حسن الخلق، قريبا من الناس، لا يحب سفك الدّماء، له أدب وشعر، وكان مغرى بالصيد، وقام بعده ابنه الحاكم. وهو الذي اختطّ جامع مصر القاهرة، وبنى قصر البحر، وقصر الذهب، وجامع القرافة. قيل: إنه كتب إلى صاحب الأندلس المرواني، يهجوه ويذم نسبه، فكتب إليه المرواني: عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لهجوناك وأجبناك [2] والسلام. فاشتد ذلك عليه وأفحمه، لأن أكثر الناس لا يسلمون للعبيديين نسبتهم إلى أهل البيت. ووجد العزيز يوما رقعة على منبر الخطبة فيها: إنّا سمعنا نسبا منكرا ... يتلى على المنبر بالجامع إن كنت فيما تدّعي صادقا ... فاذكر [3] أبا بعد الأب الرابع وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع [4]

_ [1] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف. [2] في «وفيات الأعيان» : «ولو عرفناك لأجبناك» . [3] في الأصل والمطبوع: «فانسب» وهو سبق عين من المؤلف والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 373) . [4] في الأصل والمطبوع: «كالطابع» وهو خطأ والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

أو فدع الأشياء مستورة ... وادخل بنا في النسب الواسع [1] [فإنّ أنساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع] [2]

_ [1] رواية البيت في «وفيات الأعيان» : أولا دع الأنساب مستورة ... وادخل بنا في النسب الواسع [2] زيادة من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.

سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فيها توفي القاسم بن الثلّاج، عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد. في ربيع الأول، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطائفة، واتّهم بالوضع. وفيها أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزّاز، ويعرف بابن أبي غالب. روى عن محمد بن محمد الباهلي، وعلي بن أحمد بن علّان، وطائفة وكان من كبراء المصريين ومتموّليهم. وفيها، وقيل: في التي قبلها، وبه جزم ابن ناصر الدّين في «بديعته» فقال: ابن أبي اللّيث النّصيبيّ المصري ... فاضلهم في شأننا وشعر وهو أحمد بن أبي اللّيث نصر بن محمد النّصيبيّ [1] المصريّ، أبو العبّاس، كان من الحفّاظ الأيقاظ، آية في الحفظ. وفيها الإمام الكبير الحافظ، ابن بطّة، أبو عبد الله، عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطّة العكبري، الفقيه الحنبلي، العبد الصالح. توفي في المحرم، وله ثلاث وثمانون سنة.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «النصيبيني» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (16/ 561) .

قال في «العبر» [1] : كان صاحب حديث، ولكنه ضعيف من قبل حفظه. روى عن البغوي، وأبي ذر بن الباغندي، وخلق، وصنّف كتابا كبيرا في السّنّة. قال العتيقي: كان مستجاب الدعوة. انتهى كلام «العبر» . وقال ابن ناصر الدّين: كان أحد المحدّثين العلماء الزهّاد، ومن مصنفاته «الإبانة في أصول الديانة» . انتهى. وقال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [2] : سمع من خلائق لا يحصون فإنه سافر الكثير إلى مكّة، والثغور، والبصرة، وغير ذلك، وصحبه جماعة من شيوخ المذهب، منهم: أبو حفص [العكبري، وأبو حفص] البرمكي، وأبو عبد الله بن حامد، [وأبو علي بن شهاب] ، وأبو إسحاق البرمكي في آخرين. ولما رجع من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، فلم ير في سوق ولا رئي مفطرا إلا في يوم الفطر، والأضحى، وأيام التشريق. وقال عبد الواحد بن علي العكبري: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، ولا في غيرهم، أحسن هيئة من ابن بطة. وكان أمّارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيّره. وقال أبو محمد الجوهري: سمعت أخي أبا عبد الله يقول: رأيت النّبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، في المنام، فقلت له: يا رسول الله، أي المذاهب خير؟ أو قال: قلت: على أي المذاهب أكون؟ فقال: «ابن بطة، ابن بطة، ابن بطة» فخرجت من بغداد إلى عكبرا، فصادف دخولي يوم جمعة، فقصدت الشيخ

_ [1] (3/ 37) . [2] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 144- 147) وما بين حاصرتين سقط من الأصل والمطبوع واستدركته منه، وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرّف.

أبا عبد الله بن بطة إلى الجامع، فلما رآني قال لي: ابتداء: صدق رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، صدق رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقال أبو عبد الله بن بطة: ولدت يوم الاثنين لأربع خلون من شوال، سنة أربع وثلاثمائة، وولد ابن منيع، رحمه الله، سنة أربع عشرة ومائتين، ومات يوم الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وقرأت عليه «معجمه» في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر، وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة. وكان بعين ابن بطة ناصور، وقد وصف له ترك العشاء، فكان يجعل عشاءه قبل الفجر بيسير، ولا ينام حتّى يصبح، وكان عالما بمنازل النّيّرين [1] . واجتاز ابن بطّة بالأحنف العكبري، فقام له، فشق ذلك عليه، فأنشأ الأحنف: لا تلمني على القيام فحقي ... حين تبدو أن لا أملّ القياما أنت من أكرم البرية عندي ... ومن الحق أن أجل الكراما فقال ابن بطّة متكلفا له الجواب: أنت إن كنت- لاعدمتك- ترعى ... لي حقا وتظهر الإعظاما فلك الفضل في التقدم والع ... لم ولسنا نحب منك احتشاما فاعفني الآن من قيامك أو لا ... فسأجزيك بالقيام قياما وأنا كاره لذلك جدّا ... إنّ فيه تملقا وآثاما لا تكلف أخاك أن يتلقا ... ك بما يستحلّ فيه الحراما وإذا صحّت الضّمائر منا ... اكتفينا أن نتعب الأجساما كلنا واثق بود أخيه [2] ... ففيم انزعاجنا وعلام

_ [1] في «طبقات الحنابلة» : «بمنازل الفجر والقمر» . [2] في «طبقات الحنابلة» : «بود مصافيه» .

ويقال: إنه أفتى وهو ابن خمس عشرة سنة، ومصنفاته تزيد على مائة، رحمه الله تعالى. وفيها ابن مردك، أبو الحسن، علي بن عبد العزيز بن مردك البرذعي [1] البزّاز ببغداد، حدّث عن عبد الرّحمن بن أبي حاتم وجماعة، ووثقه الخطيب [2] ، وتوفي في المحرم، وكان عبدا صالحا. وفيها فخر الدولة، علي بن ركن الدولة الحسن بن بويه الدّيلمي، سلطان الرّيّ، وبلاد الجبل، وزر له الصّاحب بن عبّاد، وكان ملكا شجاعا مطاعا جمّاعا للأموال، واسع الممالك، عاش ستا وأربعين سنة، وكانت أيامه أربع عشرة سنة، لقّبه الطائع ملك الأمة، وكان أجلّ من بقي من ملوك بني بويه، وكان يقول: قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة. قال ابن الجوزي في كتابه «شذور العقود» : توفي في قلعة بالرّيّ، وكانت مفاتيح خزائنها مع ولده، ولم يحضر، فلم يوجد له كفن، فابتيع من قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب، فلف فيه، واختلف الجند، فاشتغلوا عنه حتّى أراح [3] ، فلم يمكنهم القرب منه، فشدّ بالحبال وجرّ على درج القلعة من بعد حتّى تقطع، وكان قد ترك ألفي ألف دينار وثمانمائة وخمسة وستين ألفا، وكان في خزانته من الجوهر، والياقوت، والؤلؤ، والبلخش [4] والماس أربعة عشر ألفا وخمسمائة قطعة، قيمتها ألف ألف دينار، ومن أواني

_ [1] في «العبر» (3/ 37) : «البردعي» بالدال المهملة وهو تصحيف. [2] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 30) . [3] أي أصبحت رائحة جيفته ظاهرة مشمومة. [4] في الأصل: «البلخس» وهو خطأ وأثبت لفظ المطبوع وهو الصواب. قال ابن الأكفاني في كتابه «نخب الذخائر في معرفة الجواهر» ص (14- 15) : ويسمّى (اللّعل) بالفارسية، وهو جوهر أحمر شفّاف مسفر صاف يضاهي فائق الياقوت في اللون والرونق.

الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف من، ومن الأثاث ثلاثة آلاف حمل، ومن السلاح ألفا حمل، ومن الفرش ألفان وخمسمائة حمل. انتهى ما ذكره ابن الجوزي. وفيها أبو ذر، عمّار بن محمد بن مخلد التميمي، نزيل بخارى. روى عن يحيى بن صاعد وجماعة، ومات في صفر، وروى عنه عبد الواحد الزبيري، الذي عاش بعده مائة وثمان سنين، وهذا معدوم النظير. وفيها أبو الحسين بن سمعون، الإمام القدوة، الناطق بالحكمة، محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي الواعظ، صاحب الأحوال والمقامات. روى عن أبي بكر بن أبي داود وجماعة، وأملى عدّة مجالس. ولد سنة ثلاثمائة، ومات في نصف ذي القعدة ولم يخلف ببغداد مثله. قال ابن خلّكان [1] : كان وحيد دهره في الكلام على الخواطر، وحسن الوعظ، وحلاوة الإشارة، ولطف العبارة. أدرك جماعة من [جلّة] المشايخ، وروى عنهم، منهم: الشيخ أبو بكر الشبلي رحمه الله، وأنظاره، ومن كلامه ما رواه الصّاحب بن عبّاد قال: سمعت ابن سمعون يوما وهو على الكرسي في مجلس وعظه يقول: سبحان من أنطق باللحم، وبصر بالشحم، واسمع بالعظم، إشارة إلى اللسان، والعين، والأذن، وهذه من لطائف الإشارات، ومن كلامه أيضا: رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروءة فاستحالت ديانة، وله كل معنى لطيف. كان لأهل العراق فيه اعتقاد كثير، ولهم به غرام شديد، وإياه عنى الحريري صاحب «المقامات» في المقامة الحادية والعشرين، وهي الرازية [2] بقوله: رأيت بها [ذات] بكرة، زمرة إثر زمرة، وهم منتشرون انتشار الجراد،

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 304- 305) . [2] انظر «مقامات الحريري» ص (151- 152) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

ومستنّون استنان الجياد، ومتواصفون واعظا يقصدونه، ويحلّون ابن سمعون دونه. ولم يأت في الوعّاظ مثله. دفن في داره بشارع العباس [1] ثم نقل يوم الخميس حادي عشر رجب، سنة ست وعشرين وأربعمائة، ودفن بباب حرب، وقيل: إن أكفانه لم تكن بليت بعد، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا. وقال ابن الأهدل: هو لسان الوقت المرجوع إليه في آداب الظاهر، يذهب إلى أسد المذاهب مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد، وصحبة الفقراء، وكان الباقلاني والإسفراييني يقبّلان يده، ويجلّانه، وكان أول أمره ينسخ بالأجرة، ويبرّ أمه، فأراد الحج، فمنعته أمه، ثم رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «دعيه يحجّ، فإن الخيرة له في حجّه في الآخرة والأولى» فخرج مع الحاج فأخذهم العرب وسلبوه، فاستمر حتّى ورد مكّة. قال: فدعوت في البيت فقلت: اللهمّ إنك بعلمك غنيّ عن إعلامي بحالي، اللهمّ ارزقني معيشة أشتغل بها عن سؤال الناس. قال: فسمعت قائلا يقول: اللهمّ إنه ما يحسن يدعوك، اللهمّ ارزقه عيشا بلا مشقة، فأعدت ثلاثا، وهو يعيد، ولا أرى أحدا. وروى الخطيب [2] أن ابن سمعون خرج من المدينة الشريفة إلى بيت الله ومعه تمر صيحاني، فاشتهى الرطب، فلما كان وقت الإفطار، إذا التمر رطب، فلم يأكله، فعاد إليه من الغد، فإذا هو تمر، فأكله. انتهى ملخصا أيضا. وفيها أبو الطيب التّيملي- بفتح الفوقية وسكون التحتية وضم الميم ولام، نسبة إلى تيم الله بن ثعلبة [3] قبيلة، وتيم اللّات بطن من كلب، لا أدري

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «بدرب العتابين» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (1/ 275) . [3] وهو ما قاله السمعاني في «الأنساب» (3/ 114) .

إلى أيّهما ينسب صاحب الترجمة- محمد بن الحسين الكوفي. سمع عبد الله بن زيدان البجلي وجماعة وكان ثقة. وفيها أبو الفضل الشيباني، محمد بن عبد الله الكوفي، حدّث ببغداد عن محمد بن جرير الطبري، والكبار، لكنه كان يضع الحديث للرافضة فترك. وفيها أبو طاهر، محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السّلمي النيسابوري. روى الكثير عن جدّه، وأبي العبّاس السرّاج، وخلق، واختلط قبل موته بثلاثة أعوام، فتجنّبوه. وفيها محمد بن المسيّب، الأمير أبو الذّواد العقيلي، من أجلّ [1] أمراء العرب، تملك الموصل، وغلب عليها، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وصاهر بني بويه، وتملك بعده أخوه حسام الدولة مقلّد بن المسيّب. وفيها أبو القاسم السرّاج موسى بن عيسى البغدادي، وقد نيّف على التسعين. روى عن الباغندي وجماعة، ووثقه عبيد الله الأزهري. وفيها نوح بن الملك منصور بن الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد بن الملك إسماعيل السّاماني [2] ، أبو القاسم، سلطان بخارى وسمرقند، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة، وولي بعده ابنه منصور، ثم بعد عامين توثّب عليه أخوه عبد الملك بن نوح، الذي هزمه السلطان محمد بن سبكتكين، وانقرضت الدولة السّامانيّة. قال ابن الفرات: استولى أبو القاسم محمود بن ناصر الدولة سبكتكين، وأخذ الملك من مجد الدولة، وأسره وأنفذ مقيدا إلى خراسان، وكتب إلى

_ [1] في «العبر» : «من أجلاء» . [2] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (16/ 514- 515) .

القادر بالله يعلمه بذلك، فكتب إليه القادر عهدا على خراسان، والجبال، والسند، والهند، وطبرستان، وسجستان، ولقبه يمين الدولة، وناصر الملّة، نظام الدّين، ناصر الحق، نصير أمير المؤمنين. قيل: وكان قبل ذلك يلقب بمولى أمير المؤمنين، ولقّب بالسلطان، وجلس على التخت، ولبس التاج، ودخل عليه البديع الهمذاني، وامتدحه بأبيات يقول فيها: أظلت شمس محمود ... على أنجم سامان وأضحى آل بهرام ... عبيدا لابن خاقان انتهى.

سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة

سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة فيها كما قال في «الشذور» كان البرد زائدا، حتّى جمدت جوب الحمامات، وبول الدواب. انتهى. وفيها توفي أبو بكر أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي الحافظ، كان من كبار المحدّثين، سأله حمزة السّهمي، عن الجرح والتّعديل، وعمّر دهرا. روى عن الباغندي، والكبار، وأول سماعه سنة أربع وثلاثمائة، توفي في صفر بالأهواز، وكان يقال له: الباز الأبيض. قال ابن ناصر الدّين: كان واحد الثقات الحفّاظ. وفيها الحافظ المتقن أحمد بن عبد البصير القرطبي، المتقن المجود. قال ابن ناصر الدّين: معدود في حفّاظ بلاده، مذكور في محدّثيه ونقّاده. انتهى. وفيها حمد بن محمد [1] بن إبراهيم بن خطّاب الخطّابي البستي- بضم الموحدة وسكون السين المهملة وبالفوقية، نسبة إلى بست مدينة من بلاد كابل- أبو سليمان.

_ [1] قوله: «بن محمد» لم يرد في المطبوع.

كان أحد أوعية العلم في زمانه، حافظا، فقيها، مبرزا على أقرانه. وقال ابن الأهدل: أبو سليمان حمد بن محمد الخطّابي البستي الشافعي، صاحب التصانيف النافعة الجامعة، منها «معالم السنن» و «غريب الحديث» و «إصلاح غلط المحدّثين» وغيرها. روى عن جماعة من الأكابر، وروى عنه الحاكم وغيره، ومن شعره: وما غربة [1] الإنسان في شقّة النّوى ... ولكنها والله في عدم الشّكل وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي [2] ومنه: فسامح ولا تستوف حقّك دائما ... وأفضل فلم يستوف قطّ كريم ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم [3] ومنه: ما دمت حيّا فدار النّاس كلّهم ... فإنّما أنت في دار المداراة ولا تعلق بغير الله في نوب ... إنّ المهيمن كافيك المهمات [4] وسئل عن اسمه أحمد أو حمد، فقال: سميت بحمد وكتب الناس أحمد، فتركته. انتهى. وفيها أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيرفي الحافظ. روى عن إسماعيل الصفّار وطبقته، وكان عجبا في حفظ

_ [1] كذا في الأصل والمطبوع و «سير أعلام النبلاء» : «وما غربة» وفي «يتيمة الدهر» : «وما غمة» . [2] البيتان في «يتيمة الدهر» (4/ 383) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 28) . [3] البيتان في «يتيمة الدهر» (4/ 385) طبع دار الكتب العلمية ورواية الأول منهما فيه: تسامح ولا تستوف حقّك كلّه ... وأبق فلم يستقص قطّ كريم [4] البيت الأول في «يتيمة الدهر» (4/ 383) .

الحديث وسرده، وروى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدمه، وتوفي في ربيع الآخر، عن إحدى وستين سنة، وكان ثقة غمزه بعضهم. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو الفضل الفامي، عبيد الله بن محمد النيسابوري. روى عن أبي العبّاس السرّاج، وغيره. وفيها أبو العلاء [2] بن ماهان، عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم المصري. روى «صحيح مسلم» عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر سوى ثلاثة أجزاء من أجزاء الكتاب يرويها عن الجلودي. وفيها أبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري، المقرئ المجود القيّم بقراءة ورش، توفي يوم عاشوراء، وقرأ على أصحاب إسماعيل النحّاس. وفيها أبو الفرج الشّنبوذي، محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ، غلام ابن شنبوذ. قرأ عليه القراءات، وعلى ابن مجاهد، وجماعة، واعتنى بهذا الشأن، وتصدّر للإقراء، وكان عارفا بالتفسير، وكان يقول أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر، شواهد للقرآن، تكلم فيه الدارقطني. وفيها أبو بكر الإشتيخني- بكسر أوله والفوقية وسكون المعجمة والتحتية، ثم خاء معجمة مفتوحة، ونون، نسبة إلى إشتيخن من قرى الصّغد- محمد بن أحمد بن متّ، الرّاوي «صحيح البخاري» عن الفربري، توفي في رجب بما وراء النهر. وفيها أبو علي الحاتمي، محمد بن الحسن بن مظفّر البغدادي اللغويّ الكاتب، أحد الأعلام المشاهير المكثرين. أخذ الأدب عن أبي عمر

_ [1] (3/ 40- 41) . [2] في «العبر» : «أبو العلا» .

الزاهد غلام ثعلب، وروى عنه أخبارا وأملاها في مجالس الأدب [1] وروى عن غيره أيضا، وأخذ عنه جماعة من النبلاء منهم: القاضي التنوخي وغيره، وله «الرسالة الحاتمية» التي شرح فيها ما جرى بينه وبين أبي الطيب المتنبي من إظهار سرقاته وإبانة عيوب شعره، ولقد دلّت على غزارة مادته توفر [2] اطّلاعه. وذكر الحاتميّ أنه اعتلّ، فتأخر عن مجلس شيخه أبي عمر الزاهد، فسأل عنه، فقيل له: إنه [3] مريض، فجاءه يعوده، فوجده قد خرج إلى الحمام، فكتب على بابه بإسفيداج: وأعجب شيء سمعنا به ... عليل يزار [4] فلا يوجد وفيها أبو بكر الجوزقي- بالجيم والزاي، نسبة إلى جوزق [5] كجعفر، قرية بنيسابور وأخرى بهراة- محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الحافظ المعدل، شيخ نيسابور ومحدّثها، ومصنّف «الصحيح» روى عن السرّاج، وأبي حامد بن الشرقي، وطبقتهما، ورحل إلى أبي العبّاس الدّغولي، وإلى ابن الأعرابي، وإسماعيل الصفّار. قال الحاكم: انتقيت له فوائد في عشرين جزءا، ثم ظهر بعدها سماعه من السرّاج، واعتنى به خاله المزكي، وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة. وقال ابن ناصر الدّين: من مصنفاته كتاب «الصحيح» المخرّج على

_ [1] في الأصل: «مجلس الأدب» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» (4/ 362) مصدر المؤلف في نقله. [2] في المطبوع: «توافر» وما جاء في الأصل موافق لما في «وفيات الأعيان» . [3] لفظة «إنه» لم ترد في الأصل وأثبتها من المطبوع و «وفيات الأعيان» . [4] في «وفيات الأعيان» : «يعاد» . [5] الذي في «الأنساب» (3/ 365) : «هذه النسبة إلى جوزقين» .

كتاب مسلم، وكتاب «المتفق والمفترق» الكبير في نحو ثلاثمائة جزء خطير. انتهى. وفيها أبو بكر الأدفوي، محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسر النحوي [1]- وأدفو بضم الهمزة وسكون المهملة، وضم الفاء، قرية بصعيد مصر قرب أسوان- وكان خشابا أخذ عن أبي علي جعفر النحاس فأكثر، وأتقن رواية ورش على أبي غانم المظفّر بن أحمد، وألّف «التفسير» في مائة وعشرين مجلدا، وكان شيخ الديار المصرية وعالمها، وكانت له حلقة كبيرة للعلم، وتوفي في ربيع الأول.

_ [1] انظر «إنباه الرواة» (3/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 490) .

سنة تسع وثمانين وثلاثمائة

سنة تسع وثمانين وثلاثمائة تمادت الرافضة [1] في هذه الأعصر في غيّهم بعمل عاشوراء باللطم والعويل، وبنصب القباب، والزينة، وشعار الأعياد، يوم الغدير، فعمدت غالية السّنّة وأحدثوا في مقابلة يوم الغدير، يوم الغار، وجعلوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير، وهو السادس والعشرون من ذي الحجّة، وزعموا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر اختفيا حينئذ في الغار، وهذا جهل وغلط، فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في صفر، وفي أول شهر ربيع الأول، وجعلوا بإزاء يوم عاشوراء بعده بثمانية أيام، يوم مصرع مصعب بن الزّبير، وزاروا قبره يومئذ بمسكن، وبكوا عليه، ونظّروه بالحسين لكونه صبر وقاتل، حتّى قتل، ولأن أباه ابن عمة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وحواريه، وفارس الإسلام، كما أن أبا الحسين، ابن عم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفارس الإسلام، فنعوذ بالله من الهوى والفتن، ودامت السّنّة على هذا الشعار القبيح مدة سنين. قاله في «العبر» [2] . وفيها توفي أحمد بن محمد بن عابد- بالموحدة- الأسدي الأندلسي القرطبي [3] أبو عمر، مات كهلا لم يبلغ التعمير، وكان عنده حفظ وتحرير. قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] في المطبوع: «الشيعة» . [2] (3/ 44) . [3] مترجم في «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (404) .

وفيها أبو محمد المخلدي- بفتح أوله واللام، نسبة إلى جدّه مخلد، الذي سيذكر- الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن مخلد النيسابوري المحدّث، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات، توفي في رجب، وروى عن السّراج، وزنجويه اللّباد، وطبقتهما. وفيها أبو علي، زاهر بن أحمد السّرخسي، الفقيه الشافعي، أحد الأئمة، في ربيع الآخر، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي لبيد السّامي، والبغوي، وطبقتهما. قال الحاكم: شيخ عصره بخراسان، وكان قد قرأ على ابن مجاهد، وتفقه على أبي إسحاق المروزي، وتأدب على ابن الأنباري. وأخذ علم الكلام عن الأشعري، وعمّر دهرا. وقال ابن قاضي شهبة: كان يقول عند الموت: لعن الله المعتزلة، موّهوا ومخرقوا، ومات وله ست وتسعون سنة. وفيها أبو محمد بن أبي زيد القيرواني المالكي، عبد الله بن أبي زيد، شيخ المغرب، إليه انتهت رئاسة المذهب. قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدّين والدّنيا، ورحل إليه من الأقطار، ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب وملأ البلاد من تآليفه، حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره، وكان يسمى مالكا الأصغر. قال الحبّال [1] : توفي للنصف من شعبان.

_ [1] هو إبراهيم بن سعيد النعماني المصري أبو إسحاق، من حفّاظ الحديث، كان يتجر بالكتب. له كتاب «وفيات الشيوخ» ، وهو الذي نقل عنه الذهبي وتبعه المؤلف رحمهما الله تعالى، مات سنة (482) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس من كتابنا هذا إن شاء الله، وانظر «الأعلام» (1/ 40) .

وفيها أبو الطيب بن غلبون، عبد المنعم بن عبيد الله [1] بن غلبون الحلبي المقرئ الشافعي، صاحب الكتب في القراءات. قرأ على جماعة كثيرة، وروى الحديث، وكان ثقة محققا بعيد الصيت، توفي بمصر في جمادى الأولى، وله ثمانون سنة، وأخذ عنه خلق كثير. قال السيوطي في «حسن المحاضرة» [2] : قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق، وقرأ عليه ولده، ومكي بن أبي طالب [3] وأبو عمر الطّلمنكي، وكان حافظا للقراءة، ضابطا، ذا عفاف ونسك، وفضل، وحسن تصنيف. ولد في رجب سنة تسع وثلاثين، ومات بمصر في جمادى الأولى. انتهى. وفيها أبو القاسم بن حبابة المحدّث، عبيد الله بن محمد بن إسحاق البغدادي البزّاز المتّوثي- بفتح الميم وضم التاء المثناة من فوق المشددة، آخره مثلثة، نسبة إلى متّوث بلد بين قرقوب والأهواز- وهو راوي «الجعديات» عن البغوي، توفي في ربيع الأخر. وفيها أبو الهيثم الكشميهني- بالضم والسكون والكسر، وتحتية، وفتح الهاء، نسبة إلى كشميهن، قرية بمرو- محمد بن مكّي المروزي، راوية البخاري عن الفربري، توفي يوم عرفة، وكان ثقة، وله رسائل أنيقة. وفيها قاضي القضاة لصاحب مصر، أبو عبد الله، محمد بن النّعمان بن محمد بن منصور الشيعي في الظاهر، الباطني في الباطن. ولد قاضي القوم وأخو قاضيهم.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ابن عبد الله» وهو خطأ والتصحيح من «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 355) و «حسن المحاضرة» . [2] (1/ 490- 491) . [3] في الأصل والمطبوع: «وبكر بن أبي طالب» وهو خطأ، والتصحيح من «معرفة القرّاء الكبار» و «حسن المحاضرة» .

قال ابن زولاق: لم نشاهد بمصر لقاض من الرئاسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق، ووافق ذلك استحقاقا لما فيه من العلم، والصيانة، والهيبة، وإقامة الحق، وقد ارتفعت رتبته حتّى إن العزيز أجلسه [1] معه يوم الأضحى على المنبر، وزادت عظمته في دولة الحاكم، ثم تعلّل وتنقرس، ومات في صفر، وله تسع وأربعون سنة، وولي القضاء بعده ابن أخيه الحسين بن علي الذي ضربت عنقه في سنة أربع وتسعين.

_ [1] في المطبوع: «أجلس» وهو خطأ.

سنة تسعين وثلاثمائة

سنة تسعين وثلاثمائة فيها توفيت أمة السّلام [1] بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية. كانت ديّنة فاضلة [2] . روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني، وغيره. وفيها ابن فارس اللغوي، أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرّازي اللغوي، كان إماما في علوم شتى، خصوصا اللغة، فإنه أتقنها، وألّف كتابه «المجمل في اللغة» [3] وهو على اختصاره، جمع شيئا كثيرا، وله كتاب «حلية الفقهاء» [4] وله رسائل أنيقة [5] . ومنه اقتبس الحريري صاحب «المقامات» ذلك الأسلوب، ووضع المسائل الفقهية في «المقامة الطيبية» وهي مائة مسألة، وكان مقيما بهمذان، وعليه اشتغل بديع الزمان

_ [1] في «غربال الزمان» ص (332) : «أم السلام» وانظر «المنتظم» (7/ 214) و «تاريخ الإسلام» للذهبي حوادث سنة (390) هـ، وهو مخطوط، وفيه كنيتها «أم الشيخ» ، و «مرآة الجنان» (2/ 443) . [2] في «مرآة الجنان» : «كانت ديّنة، حافظة، فاضلة» وفي «غربال الزمان» : «وكانت ديّنة، أديبة، فاضلة» . [3] نشر أول الأمر في مؤسسة الرسالة في بيروت، ثم نشر في معهد المخطوطات العربية في الكويت. [4] نشر نشرة علمية متقنة على يد الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وقامت بتوزيعه الشركة المتحدة للتوزيع في بيروت. [5] منها «أوجز السير لخير البشر» وهي من خيرة رسائله.

الهمذاني صاحب «المقامات» وله أشعار جيدة، فمنها قوله: مرّت بنا هيفاء مجدولة ... تركيّة تنمى لتركيّ [1] ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجّة نحويّ [2] وله أيضا: اسمع مقالة ناصح ... جمع النصيحة والمقه [3] إيّاك واحذر أن تبي ... ت من الثقات على ثقه [4] وله أيضا: إذا كنت في حاجة مرسلا ... وأنت بها كلف مغرم فأرسل حكيما ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدّرهم [5] وله أيضا: سقى همذان الغيث لست بقائل ... سوى ذا، وفي الأحشاء نار تضرّم وما لي لا أصفي الدعاء لبلدة ... أفدت بها نسيان ما كنت أعلم نسيت الذي أحسنته غير أنني ... مدين وما في جوف بيتي درهم [6] وله أشعار كثيرة حسنة. توفي بالرّيّ، ودفن مقابل مشهد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني.

_ [1] رواية البيت في «يتيمة الدهر» : مرّت بنا هيفاء مقدودة ... تركية تنمى إلى الترك [2] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 469) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) . [3] المقه: المحبة. انظر «لسان العرب» (مقه) . [4] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 469) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) . [5] البيتان في «يتيمة الدهر» (3/ 470) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) . [6] الأبيات في «يتيمة الدهر» (3/ 468) و «وفيات الأعيان» (1/ 119) .

ومن شعره أيضا: وقالوا كيف حالك؟ قلت خير ... تقضى حاجة وتفوت حاج إذا ازدحمت هموم الصّدّر قلنا ... عسى يوما [1] يكون لها [2] انفراج نديمي هرّتي وأنيس نفسي [3] ... دفاتر لي ومعشوقي السّراج [4] وفيها جيش [5] بن محمد بن صمصامة القائد أبو الفتح الكتّانيّ [6] . ولي إمرة دمشق ثلاث مرات لصاحب مصر، وكان جبّارا، ظلوما، غشوما، سفاكا للدماء، وكثر ابتهال أهل دمشق إلى الله في هلاكه، حتّى هلك بالجذام في هذه السنة. وفيها أبو حفص الكتّاني، عمر بن إبراهيم البغدادي المقرئ [7] ، صاحب ابن مجاهد. قرأ عليه، وسمع منه كتابه في القراءات [8] وحدّث عن البغوي وطائفة، توفي في رجب، وله تسعون سنة، وكان ثقة.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «يوم» والتصحيح من المصادر التي بين يدي. [2] في المطبوع: «يكون به» . [3] كذا في الأصل والمطبوع و «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «وأنيس نفسي» وفي «دمية القصر» : «وسرور قلبي» . [4] الأبيات في «يتيمة الدهر» (3/ 469) و «دمية القصر وعصرة أهل العصر» للباخرزي (2/ 489) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت بتحقيق الدكتور سامي مكّي العاني، و «وفيات الأعيان» (1/ 120) . [5] في الأصل والمطبوع: «حبيش» وفي «العبر» : «حنش» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تاريخ دمشق» لابن القلانسي ص (18 و 45 و 161) و «تاريخ الإسلام» للذهبي «مخطوط» المجلد السابع، وقفت عليه في مكتب الشركة المتحدة للتوزيع بدمشق، و «الأعلام» (2/ 149) . [6] في الأصل والمطبوع: «الكتامي» وفي «العبر» : «الكناني» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «دول الإسلام» و «الأعلام» . [7] مترجم في «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 356- 357) . [8] وهو «كتاب السبعة في القراءات» وقد نشر في مصر على يد العالم الكبير الدكتور شوقي ضيف حفظه الله.

وفيها ابن أخي ميمي الدقاق، أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي. روى عن البغوي وجماعة، وله أجزاء مشهورة، وتوفي في رجب. وفيها أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني [1] الزّيدي [2] الكوفي، رئيس العلوية بالعراق. ولد سنة خمس عشرة وثلاثمائة، وروى عن هنّاد بن السري، الصغير، وغيره، صادره عضد الدولة وحبسه وأخذ أمواله، ثم أخرجه شرف الدولة لما تملّك، وعظم شأنه في دولته، فيقال: إنه كان من أكثر علويّ مالا، وقد أخذ منه عضد الدولة [لما صودر] [3] ألف ألف دينار. وفيها أبو زرعة الكشّي، محمد بن يوسف الجرجاني- وكشّ قرية قريبة من جرجان- سمع من أبي نعيم بن عدي، وأبي العبّاس الدّغولي، وطبقتهما، بنيسابور، وبغداد، وهمذان، والحجاز، وجمع وصنّف الأبواب والمشايخ، وجاور بمكة سنوات، وبها توفي. وفيها المعافى بن زكريا القاضي أبو الفرج النهرواني الجريري، نسبة إلى مذهب ابن جرير الطبري، لأنه تفقه عليه، ويعرف أيضا بابن طرارا [4] . سمع من البغوي وطبقته فأكثر، وجمع فأوعى، وبرع في عدة علوم.

_ [1] في «العبر» : «الحسني» وهو تحريف، وانظر «تاريخ الإسلام» للذهبي المجلد السابع «مخطوط» حوادث سنة (390) هـ. [2] في الأصل والمطبوع: «الرندي» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» للذهبي «مخطوط» حوادث سنة (390) هـ، و «العبر» (3/ 49) . [3] زيادة من «تاريخ الإسلام» للذهبي للتوضيح. [4] كذا في الأصل والمطبوع، و «سير أعلام النبلاء» (16/ 544) و «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (93) : «ابن طرارا» وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي «مخطوط» : «ابن طرار الفقيه» وفي «العبر» : «ابن طرار» .

قال الخطيب [1] : كان من أعلم الناس في وقته بالفقه، والنحو، واللغة، وأصناف الآداب، وولي القضاء بباب الطاق. وبلغنا عن الفقيه أبي محمد البافي [2] أنه كان يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج، فقد حضرت العلوم كلها. ولو أوصى رجل بشيء [3] أن يدفع إلى أعلم [4] الناس، لوجب أن يدفع إليه. وقال البرقاني: كان المعافى أعلم الناس. وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا علّامة، ذا فنون، من الثقات، ومن مصنفاته «التفسير الكبير» وكتاب «الجليس والأنيس» انتهى. ومن شعره: ألا قل لمن كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في ملكه ... بأنّك لم ترض لي ما وهب فجازاك عني بأن زادني ... وسدّ عليك وجوه الطلب [5] وتوفي بالنهروان في ذي الحجة، وله خمس وثمانون سنة، وكان قانعا متعففا.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (13/ 230- 231) . [2] في الأصل والمطبوع: «الباقي» بالقاق وهو تصحيف والتصحيح من «تاريخ بغداد» ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (2/ 47) . [3] في «تاريخ بغداد» : «بثلث ماله» . [4] في الأصل: «لأعلم» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «تاريخ بغداد» . [5] الأبيات في «تاريخ بغداد» (13/ 230) و «وفيات الأعيان» (5/ 222) .

سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة

سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة فيها توفي أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي، أبو الحسن، نزيل مصر. كان من الثقات الأثبات. روى عن المحاملي، ومحمد بن مخلد، وجماعة، وكان صاحب حديث. رحل إلى دمشق والرّقّة. وفيها أحمد بن يوسف الخشّاب، أبو بكر الثّقفي، المؤذّن بأصبهان. روى عن الحسن بن دكّة [1] وجماعة كثيرة. وفيها جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات، أبو الفضل، ابن حنزابه البغدادي، وزير الدّيار المصرية، وابن وزير المقتدر أبي الفتح. حدّث عن محمد بن هارون الحضرمي، والحسن بن محمد الداركي، وخلق، وكان صاحب حديث. ولد سنة ثمان وثلاثمائة، ومات في ربيع الأول. قال الحافظ السّلفي [2] : كان ابن حنزابة من الحفّاظ الثقات، يملي في حال وزارته، ولا يختار على العلم وأهله شيئا. وكذا قال ابن ناصر الدّين. وقال غيرهما: كان له عبادة، وتهجد، وصدقات عظيمة إلى الغاية،

_ [1] في «العبر» : «ابن دلويه» وهو تحريف، وانظر «ذكر أخبار أصفهان» لأبي نعيم (1/ 164) . [2] ذكر هذا النقل باختصار الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/ 485) .

توفي بمصر، ونقل فدفن في دار اشتراها من الأشراف بالمدينة من أقرب شيء إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكره الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» وأورد من شعره: من أخمل النّفس أحياها وروّحها ... ولم يبت طاويا منها على ضجر إنّ الرّياح إذا اشتدّت عواصفها ... فليس ترمي سوى العالي من الشّجر [1] وقال: كان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين، واشترى بالمدينة دارا بالقرب من المسجد ليس بينها وبين الضريح النبوي، على ساكنه أفضل الصلاة والسلام سوى جدار واحد، وأوصى أن يدفن بها، وقرر مع الأشراف ذلك، ولما مات حمل تابوته من مصر إلى الحرمين، وخرجت الأشراف إلى لقائه وفاء بما أحسن إليهم، فحجّوا به وطافوا، ووقفوا بعرفة، ثم ردّوه إلى المدينة ودفنوه بالدّار المذكورة. انتهى كلام ابن عساكر. ويقال: إن بعضهم أنشد: سرى نعشه فوق الرّقاب وطالما ... سرى جوده فوق السّحاب ونائله يمرّ على الوادي فتثنى رماله ... عليه وبالنّادي فتبكي أرامله [2] رحمه الله تعالى. وحنزابه: بكسر الحاء المهملة، وسكون النون، وفتح الزاي، وبعد الألف موحدة، ثم هاء ساكنة، هي أم أبيه الفضل بن جعفر، والحنزابه في اللغة: المرأة القصيرة الغليظة.

_ [1] البيتان أوردهما ابن منظور في «مختصر تاريخ دمشق» (6/ 77) مع الخبر باختصار، وذكرهما مع الخبر ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (1/ 349) وذكرهما ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» (1/ 293) ، وياقوت في «معجم الأدباء» (7/ 165) ، والصفدي في «الوافي بالوفيات» (11/ 119) ، وابن كثير في «البداية والنهاية» (11/ 329) . [2] لم أعثر على البيتين في المصادر والمراجع التي بين يدي.

وفيها ابن حجّاج الأديب، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن الحجّاج البغدادي الشّيعي المحتسب، الشاعر المشهور، ذو المجون، والخلاعة والسخف في شعره. كان فرد زمانه في فنه، فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة ألفاظه، وسلامة شعره من التكلف، ويقال: إنه في الشعر في درجة امرئ القيس، وأنه لم يكن بينهما مثلهما، لأن كل واحد منهما مخترع طريقة. وله ديوان كبير، يبلغ عشر مجلدات، الغالب عليه الهزل، والمجون، والهجو والرفث [1] . وكان شيعيا غاليا. انتهى [2] . ومن جيد شعره وجدّه: يا صاحبيّ استيقظا من رقدة ... تزري على عقل اللّبيب الأكيس هذي المجرة والنّجوم كأنها ... نهر تدفق في حديقة نرجس وأرى الصّبا قد غلّست بنسيمها ... فعلام شرب الراح غير مغلّس قوما اسقياني قهوة روميّة ... من عهد قيصر دنّها لم يمسس صرفا تضيف إذا تسلّط حكمها ... موت العقول إلى حياة الأنفس [3] ومن شعره أيضا: قال قوم لزمت حضرة أحمد [4] ... وتجنّبت سائر الرّؤساء

_ [1] في «العبر» (3/ 52) : «وديوانه في عدة مجلدات، عامته في الغزل، والمجون، والهجو، والرفث» وفي «وفيات الأعيان» (2/ 168) : «وديوانه كبير، أكثر ما يوجد في عشر مجلدات، والغالب عليه الهزل» وقد لفق المؤلف الخبر منهما. [2] يعني انتهى نقل المؤلف عن «العبر» . [3] الأبيات في «وفيات الأعيان» (2/ 169) . [4] في «وفيات الأعيان» : «حضرة حمد» .

قلت ما قاله الذي أحرز المع ... نى قديما قبلي من الشعراء يسقط الطير حيث يلتقط الحبّ ... ويغشى منازل الكرماء [1] وهذا البيت الثالث لبشار بن برد. وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشري جمادى الآخرة بالنّيل وحمل إلى بغداد ودفن عند مشهد موسى بن جعفر رضي الله عنه، وكان أوصى أن يدفن عند رجليه، و [أن] يكتب على قبره: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ 18: 18 [الكهف: 18] ورآه بعد موته بعض أصحابه في المنام، فسأله عن حاله فأنشد: أفسد سوء مذهبي ... في الشعر حسن مذهبي لم يرض مولاي على ... سبّي لأصحاب النّبي [2] ورثاه الشريف الرضي بقصيدة من جملتها: نعوه على حسن ظني به ... فلله ماذا نعى النّاعيان رضيع ولاء له شعبة ... من القلب مثل رضيع اللّبان وما كنت أحسب أنّ الزمان ... يفلّ مضارب ذاك اللّسان بكيتك للشّرّد السّائرا ... ت تعبق [3] ألفاظها بالمعاني ليبك الزمان طويلا عليك ... فقد كنت خفّة روح الزّمان [4]

_ [1] البيتان في «وفيات الأعيان» (2/ 170) . [2] البيتان في «وفيات الأعيان» (2/ 171) . [3] في الأصل والمطبوع و «وفيات الأعيان» : «تعنق» وأثبت لفظ «الديوان» . [4] الأبيات في «ديوان الشريف الرضي» (2/ 441- 442) طبع دار صادر و «وفيات الأعيان» (2/ 171) ورواية البيت الأول في «ديوانه» : نعوه على ضن قلبي به ... فلله ماذا نعى الناعيان ورواية البيت الثالث فيه: وما كنت أحسب أن المنون ... تفلّ مضارب ذاك اللسان

والنّيل التي مات بها على وزن نهر مصر، بلدة على الفرات، بين بغداد والكوفة، خرج منها جماعة من العلماء، والأصل فيه نهر حفره الحجّاج بن يوسف في هذا المكان، آخذ من الفرات [1] ، وسمّاه باسم نيل مصر، وعليه قرى كثيرة. وفيها أبو الحسن الجزري، عبد العزيز بن أحمد الفقيه، إمام أهل الظاهر في عصره. أخذ عن القاضي بشر بن الحسين، وقدم من شيراز في صحبة الملك عضد الدولة، فاشتغل عليه فقهاء بغداد. قال أبو عبد الله الصّيمري: ما رأيت فقيها أنظر منه، ومن أبي حامد الإسفراييني الشافعي. وفيها أبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي، الكاتب المنشئ. ولد سنة اثنتين وثلاثمائة، وتوفي في أول ربيع الأول. قال ابن أبي الفوارس: كان يرمى بشيء من مذهب الفلاسفة. وقال في «العبر» [2] : روى عن البغوي وطبقته، وله أمال سمعنا منها. انتهى. وفيها حسام الدّولة، مقلّد بن المسيّب بن رافع العقيلي، صاحب الموصل، تملّكها بعد أخيه أبي الذّوّاد، فكانت مدة الأخوين إحدى عشرة سنة [3] ، وقد بعث القادر إلى مقلّد خلع السلطنة، واستخدم هو نحو ثلاثة آلاف من التّرك والدّيلم، ودانت له عرب خفاجة، وله شعر حسن، وهو رافضيّ،

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «ومخرجه من الفرات» . [2] (3/ 35) وقد نقل المؤلف الترجمة كلها عنه. [3] في «العبر» : «فإحدى عشره سنة» وقد سقطت جملة «كانت مدة الأخوين» منه فتستدرك فيه.

قتله غلام له في مجلس أنس، ودفن على الفرات بمكان يقال له: شقبا [1] بين الأنبار وهيت. وحكي أن قاتله سمعه وهو يقول لرجل ودّعه يريد الحجّ: إذا جئت ضريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقف عنده وقل له عني: لولا صاحباك لزرتك، ولما مات رثاه جماعة من الشعراء منهم الشريف الرضي [2] . وكان ولده معتمد الدولة أبو المنيع قرواش غائبا عنه، ثم تقلد الأمر من بعده، وكان له بلاد الموصل، والكوفة، والمدائن، وشقي الفرات، وخطب في بلاده للحاكم العبيدي، ثم رجع عن ذلك، فوصلت الغزّ إلى الموصل ونهبوا دار قرواش، وأخذوا منها ما يزيد على مائتي ألف دينار، فاستنجد بنور الدولة أبي الأغر دبيس بن صدقة، فأنجده واجتمعوا على محاربة الغزّ، فنصرا عليهم وقتلوا منهم الكثير، ومدحه أبو علي بن الشبل البغدادي الشاعر المشهور بقصيدة ذكر فيها هذه الواقعة منها قوله: نزّهت أرضك عن قبور جسومهم ... فغدت قبورهم بطون الأنسر من بعد ما وطئوا البلاد وظفروا ... من هذه الدّنيا بكل مظفر فطووا رياح السّدّ عن يأجوجه ... ولقوا ببابك سطوة الإسكندر [3] وكان قرواش المذكور يلقب مجد الدّين، وهو ابن أخت الأمير أبي الهيجاء، صاحب إربل، وكان أديبا شاعرا ظريفا، وله أشعار سائرة، فمن ذلك ما أورده أبو الحسن الباخرزي في كتابه «دمية القصر» [4] :

_ [1] لم أعثر على ذكر لها فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [2] قلت: عقب ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (4/ 204) على خبر قتله بقوله: هذا ما جوزي به في الدنيا، وأما في الأخرى فجهنم وبئس المصير، هو وكلّ من يعتقد معتقده إن شاء الله تعالى. [3] الأبيات في «وفيات الأعيان» (5/ 264) ورواية البيت الأخير فيه: فضوا رتاج السدّ عن يأجوجه ... ولقوا ببأسك سطوة الإسكندر [4] انظر «دمية القصر» (1/ 59) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت، بتحقيق الدكتور سامي مكّي

لله درّ النائبات فإنها ... صدأ اللّئام وصيقل الأحرار ما كنت إلّا زبرة فطبعتني ... سيفا وأطلق صرفهنّ غراري وأورد له أيضا [1] : من كان يحمد أو يذمّ مورّثا ... للمال من آبائه وجدوده فأنا [2] امرؤ لله أشكر وحده ... شكرا كثيرا جالبا لمزيده لي أشقر مثل العنان [3] مغاور ... يعطيك ما يرضيك من مجهوده ومهند عضب إذا جرّدته ... خلت البروق تموج في تجريده ومثقف لدن السّنان [4] كأنما ... أمّ المنايا ركّبت في عوده وبذا حويت المال إلّا أنني ... سلّطت جود يدي على تبديده [5] ما أحسن هذا الشعر وأمتنه. وكان قرواش كريما نهّابا وهّابا، جاريا على سنن العرب. قيل [6] : إنه جمع بين أختين في النكاح، فلامته العرب على ذلك، فقال: خبروني [7] ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة؟ وكان يقول: ما في رقبتي غير خمسة من أهل البادية، قتلتهم، وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم. ودامت إمرته خمسين سنة، فوقع بينه وبين ابن أخيه بركة بن المقلد

_ العاني، والبيتان في «وفيات الأعيان» (5/ 264) . [1] انظر «دمية القصر» (1/ 60) والأبيات في «وفيات الأعيان» (5/ 264) . [2] كذا في الأصل والمطبوع و «وفيات الأعيان» : «فأنا» وفي «دمية القصر» : «إني» . [3] في الأصل والمطبوع: «مثل الغياث» والتصحيح من «دمية القصر» و «وفيات الأعيان» . [4] في المطبوع: «اللسان» والتصحيح من «دمية القصر» و «وفيات الأعيان» . [5] البيتان الأخيران سقطا من الأصل وأثبتهما من المطبوع. [6] في «وفيات الأعيان» : «نقل» . [7] في المطبوع: «أخبروني» وما جاء في الأصل موافق لما في «وفيات الأعيان» .

وكانا خارج البلد- فقبض بركة عليه في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وحبسه في الخارجية إحدى قلاع الموصل، وتولى مكانه، ولقب بزعيم الدولة، وأقام في الإمارة سنتين، وتوفي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة في ذي الحجة، فقام مقامه ابن أخيه أبو المعالي قريش بن أبي الفضل بدران بن المقلد، فأول ما فعل [أنه] [1] قتل عمه قرواش المذكور في حبسه في مستهل رجب، سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ودفن بتلّ توبة شرقي الموصل.

_ [1] زيادة من «وفيات الأعيان» .

سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة

سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة فيها توفي الحاجبيّ أبو علي، إسماعيل بن محمد بن أحمد، صاحب الكشاني السمرقندي. سمع «الصحيح» [1] من الفربري، ومات في هذه السنة أو في التي قبلها. وفيها أبو محمد الضرّاب، الحسن بن إسماعيل المصري المحدّث، راوي «المجالسة» [2] عن الدّينوري. توفي في ربيع الآخر، وله تسع وسبعون سنة. وفيها الأصيلي الفقيه [3] أبو محمد، عبد الله بن إبراهيم المغربي الأندلسي القاضي، أخذ عن وهب بن ميسرة، وكتب بمصر عن أبي الطاهر الذهلي وطبقته، وبمكة عن الآجري، وببغداد عن أبي علي بن الصوّاف، وكان حافظا عالما بالحديث، رأسا في الفقه. قال الدارقطني: لم أر مثله. وقال غيره: كان نظير أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وعلى طريقته وهديه.

_ [1] يعني «صحيح البخاري» . [2] واسمه الكامل «المجالسة وجواهر العلم» للإمام القاضي أبي بكر أحمد بن مروان بن محمد المالكي الدّينوري. انظر حاشية «العبر» (3/ 54) و «كشف الظنون» (2/ 1591) . [3] لفظة «الفقيه» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

وفيها عبد الرحمن بن أبي شريح، أبو محمد الأنصاري، محدّث هراة. روى عن البغوي، والكبار، ورحلت إليه الطلبة، وآخر من روى عنه عاليا أبو المنجّا بن اللّتي، وتوفي في صفر. وفيها أبو الفتح بن جنّي، عثمان بن جنّي الموصلي النحوي، صاحب التصانيف، وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي، وإلى هذا أشار بقوله: فإن أصبح بلا نسب ... فعلمي في الورى نسبي على أنّي أؤول إلى ... قروم سادة نجب قياصرة إذا نطقوا ... أرمّ [1] الدّهر ذو الخطب أولاك دعا النّبيّ لهم ... كفى شرفا دعاء نبي [2] وله أشعار حسنة، ويقال: إنه أعور، وأخذ عن أبي علي الفارسي، ولازمه، وله تصانيف مفيدة، منها: كتاب «الخصائص» و «سر الصناعة» و «الكافي في شرح القوافي» و «المذكر والمؤنث» و «المقصور والممدود» و «التذكرة الأصبهانية» وغير ذلك، ويقال: إن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أخذ منه أسماء كتبه. وشرح ابن جنّي أيضا «ديوان المتنبي» شرحا كبيرا، سمّاه «النشر» [3] وكان قد قرأ «الديوان» على صاحبه، وكان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «إزمّ» وما أثبته من «إنباه الرواة» و «وفيات الأعيان» . [2] الأبيات في «إنباه الرواة» (2/ 335- 336) و «وفيات الأعيان» (3/ 246) ، و «معجم الأدباء» (12/ 83) . [3] كذا في الأصل والمطبوع: «النشر» وفي «وفيات الأعيان» : «الفسر» وفي «إنباه الرواة» : «الصبر» .

وكانت ولادة ابن جنّي بالموصل قبل الثلاثمائة، وتوفي يوم الجمعة ثامن عشري صفر ببغداد. قال ابن خلّكان [1] : وجنّي: بكسر الجيم وتشديد النون، وبعدها ياء. وفيها الوليد بن بكر الغمري الأندلسي السرقسطي- بفتحتين وضم القاف وسكون المهملة، نسبة إلى سرقسطة مدينة بالأندلس- أبو العبّاس الحافظ. رحل بعد الستين وثلاثمائة، وروى عن الحسن بن رشيق، وعلي بن الخصيب، وخلق. قال ابن الفرضي [2] : كان إماما في الفقه، والحديث، عالما باللغة والعربية، لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ. وقال غيره: له شعر فائق، وتوفي بالدّينور. وقال ابن ناصر الدّين: قال الحافظ عبد الرحيم: الوليد هذا عمريّ، أي بالعين المهملة، ولكن دخل إفريقية، فكان ينقط العين حتّى سلم، وقال: إذا رجعت إلى الأندلس جعلت النقطة التي على العين ضمة [3] وأراني خطّه. انتهى [4] .

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 248) . [2] تنبيه: هكذا ورد هذا النقل أيضا عند الذهبي في «العبر» (3/ 55- 56) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 65) و «تذكرة الحفاظ» (3/ 1081) وقد عزاه لابن الفرضي، وتبعه المؤلف ابن العماد ناقلا ذلك عن «العبر» ولم ترد للغمري ترجمة في «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي الموجود بين يدي، ولعل الذهبي نقله عن مصدر آخر والله أعلم. [3] لفظة «ضمة» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [4] تنبيه: وفيها على الصواب مات العلّامة قاضي القضاة، أبو الحسن، علي بن عبد العزيز الجرجاني، وقد وهم المؤلف فأورد ترجمته في حوادث سنة (366) وانظر التعليق على ص (355) من هذا المجلد.

سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة

سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة فيها أمر نائب دمشق الأسود الحاكمي بمغربيّ، فطيف به على حمار، ونودي عليه: هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر، ثم ضرب عنقه، رحمه الله ولا رحم قاتله، ولا أستاذه الحاكم. قاله في «تاريخ الخلفاء» [1] ومات فيها- كما قال ابن الأهدل-[ابن] وكيع [2] الشاعر المتقدم في زمانه على أقرانه ومن شعره: لقد قنعت همّتي بالخمول ... فصدّت عن الرّتب العاليه وما جهلت طعم طيب العلا ... ولكنها تؤثر العافيه ونظم أبو الفتح القضاعي المدرّس بتربة الشافعي بالقرافة في هذا المعنى فقال: بقدر الصعود يكون الهبوط ... فإياك والرّتب العاليه وكن بمكان إذا ما سقطت ... تقوم ورجلاك في عافية

_ [1] انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (414) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله، وقد ذكر الخبر بلفظه الذهبي في «تاريخ الإسلام» (مخطوط) في حوادث سنة (393) هـ، ولعل السيوطي نقله عنه. [2] في الأصل والمطبوع: «وكيع» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (2/ 104) و «مرآة الجنان» (2/ 445) ، و «الأعلام» (2/ 201) .

لكن المتنبي أخذ بعلو همّته في نقض ما قالوا فقال: إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النّجوم فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم [1] انتهى. وفيها أبو جعفر [2] أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري- أبهر أصبهان- سمع جزء لوين، من محمد بن إبراهيم الحزوّري، سنة خمس وثلاثمائة، وكان أديبا فاضلا. وفيها أبو إسحاق الطّبري، إبراهيم بن أحمد المقرئ الفقيه المالكي المعدّل، أحد الرؤساء والعلماء ببغداد. قرأ القرآن على ابن بويان [3] ، وأبي عيسى بكّار، وطبقتهما، وحدّث عن إسماعيل الصفّار وطبقته، وكانت داره مجمع أهل القرآن والحديث، وإفضاله زائد على أهل العلم، وكان ثقة. وفيها الجوهري، صاحب «الصحاح» أبو نصر إسماعيل بن حمّاد التركي اللّغوي، أحد أئمة اللسان، وكان في جودة الخط [4] في طبقة ابن مقلة، ومهلهل. أكثر الترحال، ثم سكن بنيسابور. قال القفطي: إنه مات متردّيا من سطح جامع نيسابور [5] في هذا العام. قال: وقيل: مات في حدود الأربعمائة، وقيل: إنه تسودن، وعمل له

_ [1] البيتان في «ديوان أبي الطيب المتنبي» (4/ 119) بشرح العكبري، وتحقيق السقا، والأبياري، والشلبي. [2] في الأصل والمطبوع: «أبو حفص» والتصحيح من «العبر» (3/ 56) . [3] تحرّف في «العبر» (3/ 56) إلى «ابن ثوبان» فيصحح فيه. [4] في الأصل والمطبوع: «في جودة الحفظ» والتصحيح من «العبر» (3/ 57) . [5] في «إنباه الرواة» (1/ 196) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 82) و «غربال الزمان» ص (334) ، «من سطح داره» .

شبه جناحين، وقال: أريد أن أطير، [وطفر] فأهلك نفسه، رحمه الله. قاله في «العبر» [1] . وقال السيوطي في «طبقات النحاة» : قال ياقوت [2] : كان من أعاجيب الزّمان، ذكاء وفطنة وعلما، وأصله من فاراب من بلاد التّرك، وكان إماما في اللّغة والأدب، وكان يؤثر السّفر على الحضر، ويطوف الآفاق. دخل العراق فقرأ العربيّة على أبي عليّ الفارسي، و [أبي سعيد] السّيرافي، وسافر إلى الحجاز، وشافه باللّغة العرب العاربة، وطاف بلاد ربيعة، ومضر، ثم عاد إلى خراسان، ثم أقام بنيسابور ملازما للتدريس، والتّأليف [وتعليم الخطّ] [3] وكتابة المصاحف والدفاتر، حتّى مضى لسبيله على آثار جميلة، وصنّف كتابا في العروض، و «مقدمة» في النحو، و «الصحاح» في اللغة، مع تصحيف فيه في مواضع عدة تتبّعها عليه المحقّقون، قيل: إن سببه أنه لما صنّفه سمع عليه إلى باب الضاد المعجمة، وعرض عليه وسوسة، فانتقل إلى الجامع القديم بنيسابور، فصعد سطحه وقال: أيّها الناس، إني عملت في الدّنيا شيئا لم أسبق إليه، فسأعمل للآخرة أمرا لم أسبق [4] إليه، وضم إلى جنبيه مصراعي باب، وتأبّطهما بحبل، وصعد مكانا عاليا، وزعم أنه يطير، فوقع فمات، وبقي سائر الكتاب مسوّدة غير منقّح ولا مبيّض، فبيّضه تلميذه إبراهيم بن صالح الورّاق [5] فغلط فيه في مواضع. انتهى كلام السيوطي ملخصا. وفيها الطائع لله، أبو بكر عبد الكريم بن المطيع لله، الفضل بن

_ [1] (3/ 57) وما بين حاصرتين مستدرك منه. وقوله: «وطفر» أي وثب. [2] انظر كلام ياقوت في «معجم الأدباء» (6/ 151- 157) وقد نقل السيوطي كلامه بتصرّف واختصار. [3] زيادة من «معجم الأدباء» . [4] في المطبوع: «لم يسبق» . [5] انظر ترجمته ومصادرها في «إنباه الرواة» للقفطي (1/ 169- 170) .

المقتدر جعفر، بن المعتضد أحمد [بن] الموفق العبّاسي [1] ، دخل عليه بهاء الدولة، وكان حنق عليه لسبب، فقبّل الأرض، ووقف ثم أومأ إلى جماعة من أصحابه كان واطأهم على فعل ما سنذكره، فجذبوا الطائع لله من سريره، ولفّوه في كساء، وأخرجوه من الباب المعروف بباب بدر، وحملوه إلى دار المملكة ملفوفا على قفا فراش، ثم أشهد عليه بخلع نفسه، وسملت عيناه، وقطع قطعة من إحدى أذنيه، وكان بهاء الدولة قبض عليه في يوم السبت، تاسع عشر شعبان، سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وفي ليلة الأحد ثالث رجب سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، سلّم الطائع لله إلى القادر بالله، فأنزله حجرة من حجر خاصته، ووكّل به من يحفظه من ثقات خدمه، وأحسن ضيافته ومراعاة أموره، غير أنه تقدم بجذع أنفه، فقطع يسير من مارن أنفه [2] مع ما كان قطع أولا من أذنه. وتوفي الطائع لله يوم الثلاثاء سلخ شهر رمضان، وكانت دولته أربعا وعشرين سنة، وكان مربوعا أبيض، أشقر، مجدور الوجه، كبير الأنف، أبخر الفم، شديد القوى، في خلقه حدّة، واستمر مكرما محترما في دار عند القادر بالله، إلى أن مات، وله ثلاث وسبعون سنة، وصلى عليه القادر بالله، وشيّعه الأكابر، ورثاه الشريف الرضي [3] . وفيها المنصور الحاجب، أبو عامر، محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني المعافري- بالفتح وكسر الفاء وراء، نسبة إلى المعافر، بطن من قحطان- الأندلسي، مدبّر دولة المؤيد بالله، هشام بن المستنصر بالله، الحكم بن عبد الرّحمن الأموي، لأن المؤيد بايعوه بعد أبيه، وله تسع سنين، وبقي صورة، وأبو عامر هو الكلّ، وكان حازما، بطلا، شجاعا، غزّاء،

_ [1] انظر ترجمته ومصادرها في «فوات الوفيات» لابن شاكر الكتبي (2/ 375- 376) . [2] مارن الأنف: ما لان من الأنف وفضل عن القصبة. انظر «مختار الصحاح» (مرن) . [3] وذلك في قصيدة مطوّلة انظرها في «ديوانه» (2/ 197- 201) طبع دار صادر ببيروت.

عادلا، سايسا، افتتح فتوحا كثيرة، وأثر آثارا حميدة، وكان لا يمكّن المؤيد من الركوب، ولا من الاجتماع بأحد إلّا بجواريه. وفيها المخلّص، أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العبّاس البغدادي الذّهبي [1] ، مسند وقته. سمع أبا القاسم البغوي وطبقته، وكان ثقة، توفي في رمضان، وله ثمان وثمانون سنة. وفيها أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل الأندلسي الحافظ، وهو إمام مقرئ، مصنف، ناقد. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» : ثم فتى دباغ بن قاسم ... شاع صلاح جمعه فلازم

_ [1] نسبة إلى من يخلّص الذهب من الغش ويفصل بينهما. انظر «الأنساب» (11/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 479) .

سنة أربع وتسعين وثلاثمائة

سنة أربع وتسعين وثلاثمائة فيها توفي أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السّلمي- بالضم والفتح، نسبة إلى سليم، قبيلة مشهورة، منها العبّاس بن مرداس، والعرباض بن سارية- الأصبهاني المقرئ. روى عن عبد الله بن محمد الزهري، ابن أخي رسته، وكتب الكثير، وتوفي في ذي القعدة. وفيها أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت [1] . نزل مصر، وحدّث عن البغوي، وأبي بكر بن أبي داود. قال الخطيب [2] : كان سيء الحال في الرواية. توفي بمصر. وفيها محمد بن عبد الملك بن ضيفون [3] أبو عبد الله اللّخمي القرطبي الحداد، سمع عبد الله بن يونس القبري، وقاسم بن أصبغ، وبمكّة من أبي سعيد بن الأعرابي. قال ابن الفرضي: [لم يكن ضابطا، اضطرب في أشياء. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] انظر «العبر» (3/ 59) و «لسان الميزان» (7/ 151) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (6/ 133) . [3] في الأصل والمطبوع: «ابن صفون» وهو تصحيف، والتصحيح من «بغية الملتمس» ص (102) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 56) . [4] (3/ 59) .

وقال في «المغني» [1] : سمع ابن الأعرابي. قال ابن الفرضي] [2] : عدل صالح واضطرب في أشياء، قرئت عليه لم يسمعها، ولم يكن ضابطا. انتهى. وفيها يحيى بن إسماعيل الحربي المزكّي، أبو زكريا، بنيسابور، في ذي الحجّة، وكان رئيسا، أديبا، أخباريا، متفننا. سمع من مكّي بن عبدان وجماعة.

_ [1] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 609) . [2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.

سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

سنة خمس وتسعين وثلاثمائة فيها توفي التّاهرتي- بفتح الهاء وسكون الراء، وفوقية، نسبة إلى تاهرت، موضع بإفريقية- أبو الفضل أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن التميمي البزّاز [1] ، العبد الصالح. سمع بالأندلس من قاسم بن أصبغ وطبقته، وهو من كبار شيوخ ابن عبد البرّ. وفيها أبو الحسن الخفّاف [2] أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد النيسابوري، مسند خراسان، توفي في ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة، وهو آخر من حدّث عن أبي العبّاس السرّاج. وفيها الإخميمي- بالكسر والسكون، نسبة إلى إخميم بلدة [3] بصعيد مصر- أبو الحسين، ومحمد بن أحمد بن العبّاس المصري. روى عن محمد بن ريّان بن حبيب، وعلي بن أحمد بن علّان، وطائفة. وفيها أبو نصر الملاحمي، محمد بن أحمد بن محمد البخاري، راوي كتاب «القراءة [4] خلف الإمام» وكتاب «رفع الأيدي» تأليف البخاري، رواهما عن محمود بن إسحاق، وكان حافظا ثقة، عاش ثلاثا وثمانين سنة.

_ [1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (17/ 79) . [2] قال السمعاني في «الأنساب» (5/ 155) : هذه الحرفة لعمل الخفاف التي تلبس، وانظر ترجمته في «العبر» (3/ 60) . [3] في المطبوع: «بلد» وانظر «معجم البلدان» (1/ 123- 124) . [4] في الأصل والمطبوع: «قراءة» وأثبت لفظ «العبر» وهو الصواب.

وفيها عبد الوارث بن سفيان أبو القاسم القرطبي الحافظ، ويعرف بالحبيب. أكثر عن القاسم بن أصبغ، وكان من أوثق النّاس فيه، توفي لخمس بقين من ذي الحجة، حمل عنه أبو عمر بن عبد البرّ الكثير [1] . وفيها أبو عبد الله بن مندة، الحافظ العلم، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني الجوّال، صاحب التصانيف، طوّف الدّنيا، وجمع وكتب ما لا ينحصر، وسمع من ألف وسبعمائة شيخ، وأول سماعه ببلده في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، ومات في سلخ ذي القعدة، وبقي في الرحلة بضعا وثلاثين سنة. قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ: ما رأيت مثله. وقال عبد الرحمن بن مندة: كتب أبي عن أبي سعيد بن الأعرابي ألف جزء، وعن خيثمة ألف جزء، وعن الأصم ألف جزء، وعن الهيثم الشّاشي ألف جزء. وقال شيخ الإسلام الأنصاري: أبو عبد الله بن مندة سيد أهل زمانه. قاله جميعه في «العبر» [2] . وقال ابن ناصر الدّين: أبو عبد الله الإمام، أحد شيوخ الإسلام، وهو إمام حافظ جبل من الجبال، ولما رجع من رحلته كانت كتبه أربعين حملا على الجمال، حتّى قيل: إن أحدا من الحفّاظ لم يسمع ما سمع، ولا جمع ما جمع. انتهى. وقال ابن خلّكان [3] : أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة العبدي،

_ [1] في الأصل والمطبوع: «الكبير» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» . [2] (3/ 61- 62) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 289) .

الحافظ المشهور، صاحب كتاب «تاريخ أصبهان» . كان أحد [1] الحفاظ الثقات، وهم أهل بيت كبير، خرج منهم جماعة من العلماء، ولم يكونوا عبديين [2] وإنما أمّ الحافظ أبو عبد الله المذكور، واسمها برّة بنت محمد، كانت من بني عبد ياليل، فنسب إلى أخواله. انتهى ملخصا. وفيها الملاحمي، أبو نصر، محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر البخاري، أبو نصر [3] ، حدّث عنه أبو الحسن الدارقطني وغيره، وكان من الحفّاظ المشهورين. قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «أوحد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في الأصل: «عبيديين» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [3] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (17/ 86- 87) وقد مرت ترجمته ص (503) فتنبه.

سنة ست وتسعين وثلاثمائة

سنة ست وتسعين وثلاثمائة فيها توفي أبو عمر الباجي، أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللّخمي الإشبيلي [1] الحافظ العلم المشهور، في المحرم، وله ثلاث وستون سنة، وكان يحفظ عدة مصنفات، وكان إماما في الأصول والفروع. وفيها أبو الحسن بن الجندي، أحمد بن محمد بن عمران البغدادي. ولد سنة ست وثلاثمائة، وروى عن البغوي، وابن صاعد، وهو ضعيف شيعيّ [2] . وفيها أبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية وابن شيخهم، إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه، وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون وتصانيف، توفي ليلة الجمعة وهو يقرأ في صلاة المغرب إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5 [الفاتحة: 5] ففاضت نفسه، وله ثلاث وستون سنة، رحمه الله. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن قاضي شهبة: العلّامة أبو سعد بن الإمام أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني، شيخ الشافعية بها. أخذ العلم عن أبيه.

_ [1] مترجم في «العبر» (3/ 62) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 74- 75) . [2] مترجم في «العبر» (3/ 62) . [3] (3/ 62- 63) .

قال فيه حمزة السهمي: كان إمام زمانه، مقدّما في الفقه، والأصول، والعربية، والكتابة، والشروط، والكلام، صنّف في أصول الفقه كتابا كبيرا، وتخرّج على يده جماعة، مع الورع، والمجاهدة، والنصح للإسلام، والسخاء، وحسن الخلق. قال القاضي أبو الطيب: ورد بغداد فأقام بها سنة، ثم حجّ، وعقد له الفقهاء مجلسين، تولى أحدهما أبو حامد الإسفراييني، والآخر أبو محمد الباني. وقال الشيخ أبو إسحاق [1] : جمع بين رئاسة الدّين والدّنيا بجرجان. انتهى. وفيها أبو الحسين الكلابي، [2] عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد، محدّث دمشق، ويعرف بأخي تبوك. ولد سنة ست وثلاثمائة، وروى عن محمد بن خريم، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتّاني: كان ثقة، نبيلا، مأمونا، توفي في ربيع الأول. وفيها أبو الحسن الحلبي علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي، نزيل مصر. روى عن علي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد بن إبراهيم بن نيروز، وطبقتهما، ورحل إلى العراق، ومصر، وعاش مائة سنة. وفيها البحيري [3] صاحب «الأربعين المروية» أبو عمرو، محمد بن

_ [1] انظر «طبقات الفقهاء» ص (121) وزاد: وكان فقيها، أديبا، جوّادا. [2] في الأصل والمطبوع: «أبو الحسين» والتصحيح من «العبر» (3/ 63) . [3] تحرّفت نسبته في «العبر» (3/ 63) إلى «البختري» فتصحح فيه، وتحرّفت في «تاريخ الإسلام» (مخطوط) إلى «النحيري» وجاءت على الصواب في «سير أعلام النبلاء» (17/ 90) .

أحمد [بن محمد] بن جعفر النيسابوري المزكّى [1] ، الحافظ الثقة. روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته. قال الحاكم: كان من حفّاظ الحديث المبرزين في المذاكرة، توفي في شعبان وله ثلاث وستون سنة. وفيها ابن المأمون، أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل العبّاسي، الثقة المشهور، روى عن أبي بكر بن زياد النيسابوري وطائفة، وهو جدّ أبي الغنائم عبد الصمد بن المأمون. وفيها ابن زنبور، أبو بكر، محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الورّاق، ببغداد في صفر. روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود. قال الخطيب [2] : ضعيف جدا.

_ [1] تحرّفت في «سير أعلام النبلاء» إلى «المزكّي» وجاءت على الصواب في الأصل والمطبوع، و «تاريخ الإسلام» و «العبر» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 35) .

سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

سنة سبع وتسعين وثلاثمائة فيها كان ظهور أبي ركوة، وهو أمويّ من ذرية هشام بن عبد الملك، كان يحمل الركوة في السفر ويتزهد، ولقي المشايخ، وكتب الحديث، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك يدعو إلى القائم من بني أميّة، ويأخذ البيعة على من يستجيب له، ثم جلس مؤدّبا، واجتمع عنده أولاد العرب، فاستولى على عقولهم، وأسرّ إليهم أنه الإمام، ولقّب نفسه الثائر بأمر الله، وكان يخبرهم [1] بالمغيّبات، ويمخرق عليهم، ثم إنه حارب متولي تلك الناحية من المغرب وظفر به، وقوي بما حواه من العسكر، ونزل ببرقة، فأخذ من يهوديّ بها مائتي ألف دينار، وجمع له أهلها مائتي ألف دينار أخرى، وضرب السّكّة [2] باسمه، ولعن الحاكم، فجهّز الحاكم [3] لحربه ستة عشر ألفا، وظفروا به، وأتوا به إلى الحاكم فقتله، ثم قتل قائد الجيش الذين ظفروا به. وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلسي المالكي، مفتي قرطبة، وقاضي بطليوس، وأخو حامد الزاهد.

_ [1] في الأصل والمطبوع: «يخبر» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف. [2] جاء في «لسان العرب» (سكك) : السّكّة: حديدة قد كتب عليها، يضرب عليها الدراهم، وهي المنقوشة. [3] لفظة «الحاكم» سقطت من المطبوع.

وفيها أبو الحسن بن القصّار، علي بن عمر البغدادي الفقيه المالكي، صاحب كتاب «مسائل الخلاف» . قال أبو إسحاق الشيرازي [1] : لا أعرف كتابا [لهم] [2] في الخلاف أحسن منه. وقال أبو ذر الهروي: هو أفقه من لقيت من المالكية. وفيها أبو الحسن بن القصّار، علي بن محمد بن عمر الرّازي، الفقيه الشافعي. قال الخليلي: هو أفضل من لقيناه [3] بالرّيّ، كان مفتيها قريبا من ستين سنة، أكثر عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة، وكان له في كل علم حظ، وعاش قريبا من مائة سنة. وفيها ابن واصل، الأمير أبو العبّاس أحمد. كان يخدم بالكرخ، وهم يسخرون منه، ويقول بعضهم: إن ملكت فاستخدمني، فتنقلت به الأحوال، وخرج وحارب، وملك سيراف والبصرة [4] ، ثم قصد الأهواز، وكثر جيشه، والتقى السلطان بهاء الدولة وهزمه، ثم أخذ البطائح، وأخذ خزائن متولّيها مهذب الدولة، فسار لحربه، فخرج الملك أبو غالب، فعجز ابن واصل عنه، واستجار بحسّان الخفاجي، ثم قصد بدر بن حسنويه [5] ، فقتل بواسط، في صفر من هذه السنة.

_ [1] انظر «طبقات الفقهاء» ص (168) . [2] سقطت من الأصل والمطبوع واستدركتها من «طبقات الفقهاء» ويقصد بقوله «لهم» فقهاء المالكية. [3] في الأصل: «من رأيناه» وأثبت لفظ المطبوع. [4] في الأصل والمطبوع: «وملك سيراف بالبصرة» وما أثبته من «العبر» (3/ 66) وهو الصواب، وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي (مخطوط) : «فآل أمره إلى أن ملك سيراف ثم البصرة» . [5] في الأصل والمطبوع: «نزار بن حسنونة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» للذهبي (مخطوط) .

سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة

سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة فيها كانت فتنة هائلة ببغداد، قصد رجل شيخ الشّيعة ابن المعلّم، وهو الشيخ المفيد، وأسمعه ما يكره، فثار تلامذته، وقاموا واستنفروا الرافضة، وأتوا دار قاضي القضاة أبي محمد بن الأكفاني، والشيخ أبي حامد بن [1] الإسفراييني، فسبّوهما، وحميت الفتنة. ثم إنّ السّنّة أخذوا مصحفا، قيل: إنه على قراءة ابن مسعود، فيه خلاف كثير، فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فأحضر بمحضر منهم، فقام ليلة النصف رافضي، وشتم من أحرق المصحف، فأخذ وقتل، فثارت الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين السّنّة، واختفى أبو حامد، واستظهرت الروافض، وصاحوا: الحاكم يا منصور، فغضب القادر بالله، وبعث خيلا لمعاونة السّنّة، فانهزمت الرافضة، وأحرقت بعض دورهم، وذلوا، وأمر عميد الجيوش بإخراج ابن المعلّم من بغداد، فأخرج، وحبس جماعة [2] ، ومنع القصّاص مدّة. وفيها زلزلت الدّينور، فهلك تحت الردم أكثر من عشرة آلاف،

_ [1] لفظة «ابن» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع. [2] في الأصل «جماعته» وأثبت لفظ المطبوع وموافق للفظ «العبر» مصدر المؤلف.

وزلزلت سيراف [1] والسّيب [2] ، وغرق عدة مراكب، ووقع برد عظيم وزن أكبر ما وجد منه فكانت مائة وستة دراهم. وفيها هدم الحاكم العبيديّ كنيسة القيامة بالقدس لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم، ثم هدم الكنائس التي في مملكته، ونادى: من أسلم، وإلّا فليخرج من مملكتي أو يلتزم بما آمر به [3] ، ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم، وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة كيد المكمدة [4] ، وزنها ستة أرطال في عنق اليهودي، إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، فقيل: كانت الخشبة على تمثال رأس عجل، وبقي هذا سنوات، ثم رخص لهم الردّة لكونهم مكرهين، وقال: ننزّه مساجدنا عمّن لا نيّة له في الإسلام. قاله في «العبر» [5] . وفيها توفي البديع الهمذاني، أبو الفضل، أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد، الحافظ المعروف ببديع الزمان، صاحب «المقامات» المشهورة والرسائل الرائقة. كان فصيحا مفوّها وشاعرا مفلقا. روى عن أبي الحسين أحمد بن فارس صاحب «المجمل» وعن غيره. ومن رسائله: الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه، وإذا سكن متنه تحرّك

_ [1] سيراف: بلدة في الجنوب الأوسط في غرب إيران الآن على ساحل الخليج. وانظر «معجم البلدان» (3/ 294- 295) . [2] السّيب: نهر بالبصرة عليه قرية كبيرة. انظر «معجم البلدان» (3/ 293) و «تاج العروس» (سيب) (3/ 83- 84) طبع وزارة الإعلام في الكويت، وقد تصحفت في الأصل والمطبوع إلى «السبب» وتحرفت في «المنتظم» لابن الجوزي (7/ 238) إلى «السيف» فتصحح فيه. [3] لفظة «به» لم ترد في المطبوع و «العبر» . [4] كذا في الأصل والمطبوع: «كيد المكمدة» وفي «العبر» طبع الكويت و «العبر» طبع بيروت «مثل المكمدة» وفي إحدى نسخ «العبر» الخطية: «كبر المكمدة» ولم أقف على ذكر للمكمدة في أيّ من المصادر والمراجع التي بين يدي. [5] (3/ 68- 69) .

نتنه، وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه، ويثقل ظلّه إذا انتهى محلّه، والسلام. ومن رسائله: حضرته التي هي كعبة المحتاج، لا كعبة الحجّاج، ومشعر الكرم لا مشعر الحرم، ومنى الضّيف، لا منى الخيف، وقبلة الصّلات لا قبلة الصّلاة. ومن شعره من جملة قصيدة طويلة: وكاد يحكيك صوت [1] الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيّا يمطر الذّهبا والدّهر لو لم يخن [2] والشّمس لو نطقت ... واللّيث لو لم يصد [3] والبحر لو عذبا [4] وله كل معنى حسن من نظم ونثر، وكانت وفاته بمدينة هراة مسموما. وقال الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دوست، جامع «رسائل البديع» : توفي البديع، رحمه الله تعالى، يوم الجمعة، حادي عشر جمادى الآخرة. قال الحاكم المذكور: وسمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة وعجّل دفنه، فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل، وأنه نبش عنه، فوجدوه قد قبض على لحيته، ومات من هول القبر. انتهى [5] . والحريري به اقتدى في «مقاماته» وإيّاه عنى بإنشاده: ولو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدي شفيت النّفس قبل التّندم ولكن بكت قبلي فهيّج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدم

_ [1] في الأصل والمطبوع: و «وفيات الأعيان» (1/ 128) «صوب» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» . [2] في الأصل والمطبوع: «لو لم يخف» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» . [3] في «سير أعلام النبلاء» : «لو لم يصل» . [4] البيتان في «سير أعلام النبلاء» (17/ 68) وتخريجهما فيه مستوفى فراجعه. [5] يعني انتهى نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» .

وفيها ابن لال، الإمام أبو بكر، أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. قال شيرويه: كان ثقة أوحد زمانه، مفتي همذان، له مصنّفات في علوم الحديث، غير أنه كان مشهورا بالفقه، له كتاب «السنن» و «معجم الصحابة» وعاش تسعين سنة، والدعاء عند قبره مستجاب. قاله في «العبر» [1] . وقال الإسنويّ: ابن لال- بلامين بينهما ألف، معناه أخرس- أخذ عن أبي إسحاق المروزي، وابن أبي هريرة، وكان ورعا متعبدا. أخذ عنه فقهاء همذان، ونقل عنه الرافعي قولا أن الإخوة للأبوين ساقطون في مسألة المشركة. ولد سنة سبع وثلاثمائة. انتهى ملخصا. وفيها أبو نصر الكلاباذي- نسبة إلى كلاباذ، محلة ببخارى- الحافظ المشهور، أحمد بن محمد بن الحسين، أخذ عن الهيثم بن كليب الشّاشي، وعبد المؤمن بن خلف النّسفي وطبقتهما، وعنه: المستغفري، وقال: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم، ووثقه الدّارقطني، وصنّف رجال «صحيح البخاري» وغيره، وعاش خمسا وسبعين سنة. وفيها القاضي الضبّي، أبو عبد الله، الحسين بن هارون البغدادي، ولي قضاء مدينة المنصور، وقضاء الكوفة، وأملى الكثير على المحاملي، وابن عقدة، وطبقتهما. قال الدارقطني: وهو غاية في الفضل، والدّين، عالم بالأقضية، عالم بصناعة المحاضر والتّرسّل، موفق في أحواله كلّها، رحمه الله. وفيها البافي- بالموحدة والفاء، نسبة إلى باف، قرية من قرى خوارزم- أبو محمد، عبد الله بن محمد البخاري الخوارزمي، نزيل بغداد، الفقيه الشافعي العلّامة، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وهو من أصحاب الوجوه.

_ [1] (3/ 69) .

قال ابن قاضي شهبة: كان ماهرا في العربية، وتفقه به جماعة، منهم: أبو الطيب، والماوردي. قال الخطيب [1] : كان من أفقه أهل وقته في المذهب، بليغ العبارة، يعمل الخطب، ويكتب الكتب الطويلة من غير روية. وقال الشيخ أبو إسحاق [2] : كان فقيها، أديبا، شاعرا، مترسلا، كريما، درّس ببغداد بعد الدّاركي، وتوفي في المحرم. انتهى ملخصا. وفيها الببّغاء، الشاعر المشهور، أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي النّصيبيني، مدح سيف الدولة والكبار، ولقبوه بالببّغاء لفصاحته، وقيل: للثغة في لسانه. ذكره الثعالبي في «يتيمة الدهر» [3] وقال: هو من أهل نصيبين، وبالغ في الثناء عليه وذكر جملة من رسائله ونظمه. ومن شعره: يا سادتي هذه روحي تودّعكم ... إذ كان لا الصّبر يسليها ولا الجزع قد كنت أطمع في روح [4] الحياة لها ... والآن إذ بنتم لم يبق لي طمع لا عذّب الله روحي بالبقاء فما ... أظنّها بعدكم بالعيش تنتفع وله أيضا: ومهفهف لما اكتست وجناته ... خلع الملاحة طرّزت بعذاره لما انتصرت عي أليم جفائه ... بالقلب كان القلب من أنصاره

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 139) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار. [2] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (123) . [3] (1/ 293) طبع دار الكتب العلمية ببيروت، والمؤلف ينقل عن «وفيات الأعيان» (3/ 199- 202) . [4] في الأصل والمطبوع: «في روحي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

كملت محاسن وجهه فكأنما اق ... تبس الهلال النور من أنواره وإذا ألحّ القلب في هجرانه ... قال الهوى لا بدّ منه فداره وله وهو معنى بديع: وكأنما نقشت حوافر خيله ... للناظرين أهلّة في الجلمد وكأن طرف الشّمس مطروف وقد ... جعل الغبار له مكان الإثمد وأكثر شعر الببّغاء جيد، ومقاصده فيه جميلة، وكان قد خدم سيف الدولة ابن حمدان مدة، وبعد وفاته تنقل في البلاد، وتوفي يوم السبت سلخ شعبان. وقال الخطيب في «تاريخه» [1] : توفي ليلة السبت سابع عشري شعبان. وقال الثعالبي [2] : سمعت الأمير أبا الفضل الميكالي يقول عند صدوره من الحج وحصوله ببغداد سنة تسعين وثلاثمائة: رأيت بها أبا الفرج الببّغاء شيخا عالي السن، متطاول الأمد، قد أخذت الأيام من جسمه وقوته، ولم تأخذ من ظرفه وأدبه. انتهى. والببّغاء: بفتح الباء الأولى، وتشديد الثانية، وفتح الغين المعجمة، وبعدها ألف. ووجد بخط أبي الفتح بن جنّي النحوي: الففغاء، بفاءين، والله أعلم. وفيها أبو القاسم بن الصيدلاني، نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير، عبد الله بن أحمد بن علي. روى مجلسين عن ابن صاعد، وهو آخر الثقات من أصحابه، وروى عن جماعة، وتوفي في رجب ببغداد.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 12) . [2] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 293) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرّف.

سنة تسع وتسعين وثلاثمائة

سنة تسع وتسعين وثلاثمائة فيها كما قال ابن الجوزي في «المنتظم» [1] أخذ بنو زغب الهلاليون لركب البصرة ما قيمته ألف ألف دينار. وفيها توفي أحمد بن أبي عمران، أبو الفضل الهروي، الزاهد القدوة، نزيل مكّة. روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، وخيثمة الأطرابلسي، وطائفة، وصحب محمد بن داود الرّقّي، وروى عنه خلق كثير. وفيها أبو العبّاس البصير، أحمد بن محمد بن الحسين الرّازي، الحافظ البارع الثقة. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، واستملى عليه [2] ، وسمع بنيسابور من [3] أبي حامد بن بلال وطائفة، وكان من أركان الحديث، وقد ولد أعمى. وفيها النّامي، الشاعر البليغ، أبو العبّاس، أحمد بن محمد الدّارمي المصيصي، كان من الشعراء المفلقين، ومن فحول شعراء عصره، وخوّاص مدّاح سيف الدولة ابن حمدان، وكان عنده، وكان تلو أبي الطيب المتنبي في الرتبة، وكان فاضلا، أديبا، مقدّما في اللغة، عارفا بالأدب، وله أمال أملاها

_ [1] (7/ 244) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» (3/ 71) باختصار وتصرف. [2] في الأصل والمطبوع: «وإسماعيل عليه» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 72) . [3] لفظة «من» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.

بحلب، وروى عن أبي الحسين علي بن سليمان الأخفش، وابن درستويه، وأبي عبد الله الكرماني، وأبي بكر الصّولي. وعنه: أبو القاسم الحسين بن علي بن أبي أسامة الحلبي، وأخوه أبو الحسين أحمد، وأبو الفرج الببّغاء [وأبو الخطّاب بن عون الحريري، وأبو بكر الخالدي] [1] ، والقاضي أبو طاهر، وصالح بن جعفر الهاشمي. ومن محاسن شعره قوله فيه من جملة قصيدة: أمير العلى إنّ العوالي كواسب ... علاءك في الدّنيا وفي جنّة الخلد يمرّ عليك الحول سيفك في الطّلى ... وطرفك ما بين الشكيمة واللّبد ويمضي عليك الدّهر فعلك للعلى ... وقولك للتقوى وكفك للرّفد ومن شعره أيضا: أحقّا إنّ قاتلتي زرود ... وأن عهودها [2] تلك العهود وقفت وقد فقدت الصبر حتّى ... تبيّن موقفي أني الفقيد وشكّت في عذّالي فقالوا ... لرسم الدّار أيّكما العميد وله مع المتنبي وقائع ومعارضات في الأناشيد. وحكى أبو الخطّاب بن عون الحريري النحوي الشاعر، أنه دخل على أبي العبّاس النّامي، قال: فوجدته جالسا ورأسه كالثّغامة [3] بياضا، وفيه شعرة واحدة سوداء، فقلت له: يا سيدي في رأسك شعرة سوداء، فقال: نعم هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها، ولي فيها شعر، فقلت: أنشدنيه فأنشد: رأيت في الرأس شعرة بقيت ... سوداء تهوى العيون رؤيتها

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» (1/ 124- 125) مصدر المؤلف. [2] تحرّفت في الأصل إلى «أن عهودنا» . [3] الثغامة: نبت أبيض الثمر يشبه بياض الشيب. انظر «لسان العرب» (ثغم) .

فقلت للبيض إذ تروّعها ... بالله إلّا رحمت غربتها فقلّ لبث السوداء في وطن ... تكون فيه البيضاء ضرّتها ثم قال: يا أبا الخطاب، بيضاء واحدة تروّح ألف سوداء، فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء. وفيها أبو الرّقعمق- بفتح الراء والقاف، وسكون العين المهملة، وفتح الميم، وبعدها قاف، لقب له- الشاعر المفلق صاحب المجون والنوادر، أبو حامد، أحمد بن محمد الأنطاكي. قال فيه الثعالبي في «اليتيمة» [1] : هو نادرة الزمان، وجملة الإنسان، وممّن تصرف بالشعر [الجزل] في أنواع الهزل والجد، وأحرز قصب السبق، وهو أحد الشعراء المجيدين، وهو في الشام كابن حجّاج بالعراق، فمن غرر محاسنه قوله يمدح ابن كلّس وزير العزيز العبيدي، صاحب مصر: قد سمعنا مقاله واعتذاره ... وأقلنا ذنوبه [2] وعثاره والمعاني لمن عنيت ولكن ... بك عرّضت فاسمعي يا جاره من تراديه أنه أبد الدّه ... ر تراه محلّلا أزراره عالم أنه عذاب من اللّ ... هـ متاح لأعين النظّاره هتك الله ستره فلكم هت ... ك من ذي تستّر أستاره سحرتني ألحاظه وكذا ك ... ك مليح ألحاظه سحّاره ما على مؤثر التباعد والإع ... راض لو آثر الرّضى والزّياره وعلى أنني وإن كان قد ع ... ذّب بالهجر مؤثر إيثاره لم أزل لا عدمته من حبيب ... أشتهي قربه وآبى نفاره

_ [1] انظر «يتيمة الدهر» (1/ 379- 380) طبع دار الكتب العلمية وما بين حاصرتين مستدرك منه، وقد نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» (1/ 131- 132) . [2] في «يتيمة الدهر» و «وفيات الأعيان» : «وأقلناه ذنبه» .

ومن مديحها: لم يدع للعزيز [1] في سائر الأر ... ض عدوا إلّا وأخمد ناره كلّ يوم له على نوب الدّه ... ر وكرّ الخطوب بالبذل غاره ذويد شأنها الفرار من البخ ... ل وفي حومة النّدى كرّاره هي فلّت عن العزيز عداه ... بالعطايا وكثّرت أنصاره هكذا كلّ فاضل يده تمس ... ي وتضحي نفّاعة ضرّاره وأكثر شعره جيد، وهو على أسلوب شعر صريع الدّلاء القصّار البصري. وأقام بمصر زمانا طويلا، وأكثر شعره في ملوكها ورؤسائها، وتوفي يوم الجمعة، ثاني عشري شهر رمضان، وقيل: في شهر ربيع الآخر بمصر، على قول. وفيها خلف بن أحمد بن محمد بن اللّيث البخاري، صاحب بخارى، وابن صاحبها، كان عالما جليلا، مفضّلا على العلماء، عاش بضعا وسبعين سنة، وروى عن عبد الله بن محمد الفاكهي وطبقته، مات شهيدا في الحبس ببلاد الهند. وفيها أبو مسلم الكاتب، محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر في ذي القعدة، كان آخر من روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود. روى كتاب «السبعة» لابن مجاهد عنه، وسمع بالجزيرة، والشام، والقيروان، وكان سماعه صحيحا من البغوي في جزء واحد وما عداه مفسود. وقال في «المغني» [2] : هو آخر أصحاب البغوي، ضعّف.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «لم يدع لي العزيز» . [2] انظر «المغني في الضعفاء» (2/ 551) .

قال الصوري: بعض أصوله عن البغوي وغيره جياد. وقال أبو الحسن المحدّث العطار: ما رأيت في أصول أبي مسلم [1] عن البغوي صحيحا، غير خبر واحد، وما عداه مفسود [2] . انتهى. وفيها ابن أبي زمنين، الإمام أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عيسى المرّي [3] الأندلسي الإلبيري، نزيل قرطبة وشيخها ومفتيها، وصاحب التصانيف الكثيرة في الفقه، والحديث، والزهد. سمع من سعيد بن فحلون، ومحمد بن معاوية القرشي، وطائفة، وكان راسخا في العلم، متفننا في الآداب، مقتفيا لآثار السلف، صاحب عبادة وإنابة وتقوى، عاش خمسا وسبعين سنة، وتوفي في ربيع الآخر، ومن كتبه «اختصار المدونة» ليس لأحد مثله. وفيها أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصّدفي- بضم الصاد المهملة- المنجم صاحب «الزيج» المصري الحاتمي المشهور، وزيجه يعرف بزيج ابن يونس، وهو زيج كبير في أربع مجلدات، بسط فيه القول والعمل، عمله للعزيز العبيدي صاحب مصر، وكان أبله مغفلا، رثّ الهيئة، إذا ركب ضحك منه الناس لطوله وسوء حالته وله إصابة بديعة في النجامة لا يشاركه فيها أحد، وأفنى عمره في النجوم، والتسيير، والتوليد، وله شعر رائق. قال الأمير المختار في كتابه «تاريخ مصر» : بلغني أنه طلع إلى جبل [4] المقطم وقد وقف للزهرة، فنزع ثوبه وعمامته، ولبس ثوبا أحمر ومقنعة حمراء

_ [1] في الأصل والمطبوع: «ابن مسلم» والتصحيح من «المغني في الضعفاء» . [2] في «المغني في الضعفاء» : «مفسودا» . [3] تحرفت في المطبوع إلى «المريي» وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 188) . [4] في المطبوع: «الجبل» وانظر «وفيات الأعيان» (3/ 430) .

تقنع بها، وأخرج عودا فضرب به، والبخور بين يديه، فكان عجبا من العجب. وقال المختار أيضا: كان ابن يونس المذكور مغفلا، يعتمّ على طرطور طويل، ويجعل رداءه فوق العمامة، وكان طويلا، وإذا ركب ضحك الناس منه لشهرته وسوء حاله ورثاثة ثيابه، وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في النجامة، لا يشاركه فيها أحد، وكان [1] أحد الشهود، وكان متفننا في علوم كثيرة، وكان يضرب بالعود على جهة التأدب به [2] ، وله شعر حسن منه قوله: أحمّل نشر الريح عند هبوبه ... رسالة مشتاق لوجه حبيبه بنفسي من تحيا النفوس بقربه ... ومن طابت الدّنيا به وبطيبه وجدّد وجدي طارق [3] منه في الكرى ... سرى موهنا في خفية من رقيبه لعمري لقد عطلت كأسي لبعده [4] ... وغيّبتها عني لطول مغيبه قال الحاكم العبيدي صاحب مصر- وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس وتغفله-: دخل إلى عندي يوما ومداسه في يده، فقبّل الأرض وجلس، وترك المداس إلى جانبه وأنا أراه وأراها، وهو بالقرب منّي، فلما أراد أن ينصرف قبّل الأرض وقدّم المداس ولبسه وانصرف، وإنما ذكر هذا في معرض غفلته وبلهه. قال المسبحي: وكانت وفاته يوم الاثنين ثالث شوال فجأة، وخلّف ولدا متخلعا باع كتبه وجميع تصنيفاته بالأرطال في الصابونيين.

_ [1] في المطبوع: «كان» . [2] لفظه «به» لم ترد في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [3] في «وفيات الأعيان» : «طائف» وهو الأصوب. [4] في «وفيات الأعيان» : «بعده» وقد تقدم هذا البيت فيه إلى قبل سابقه.

سنة أربعمائة

سنة أربعمائة فيها أقبل الحاكم- قاتله الله- على التألّه والدّين، وأمر بإنشاء دار العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدّثين، وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل كثير من الخير. وفيها توفي ابن خرّشيذ قوله [1] ، أبو إسحاق، إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرّشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون سنة. دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وسمع من ابن زياد النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه الله تعالى. وفيها أبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلّف «أطراف الصحيحين» . روى عن عبد الله بن محمد بن السقّا، وأبي بكر بن المقرئ، وطبقتهما، وكان عارفا بهذا الشأن [2] ومات كهلا فلم ينشر حديثه، توفي في رجب. وفيها الفقيه الزاهد، السيد الجليل، الصالح الورع، جعفر بن عبد

_ [1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (17/ 69- 71) . [2] يعني علوم الحديث النبوي.

الرحيم اليمني، من نواحي الجند، سأله واليها الإقامة عندهم، فقال: بشرطين، أحدهما الإعفاء عن الحكم، والثاني أن لا يأكل من طعام الوالي شيئا، فاتفق يوما أنه حضر عقدا عند الوالي، فقال الوالي: هذا الموز أهداه لي فلان، وذكر رجلا من أهل الحلّ، فأكل جعفر الثنتين ثم تقيأهما في الدهليز. ولما تولاها الصليحي سأله تولية القضاء، فقال: لا أصلح لها، فغضب وخرج من عنده، فأمر جنده أن يلحقوه ويقتلوه، فضربوه بسيوفهم، فلم تقطع شيئا مع تكرير الضرب، فأعلموا الصليحي، فأمرهم بالكتمان. وسئل الفقيه عن حاله حين الضرب، فقال: كنت أقرأ يس فلم أشعر بذلك. قاله ابن الأهدل. وفيها ابن ميمون الطّليطلي- بالضم والفتح والسكون وكسر الطاء الثانية، ولام نسبة إلى طليطلة، مدينة بالأندلس- أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة الأموي، أبو جعفر بن ميمون، كان أحد الحفّاظ المتقنين، والعلماء المتقين، والفقهاء الورعين المتزهدين. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو محمد القصّار، عبد الوهاب بن أبي محمد، عبد الرحيم بن هبة الله القصّار، كان حافظا متقنا. وفيها أبو نعيم الإسفراييني عبد الملك بن الحسن، راوي «المسند الصحيح» عن خال أبيه أبي عوانة الحافظ، وكان صالحا ثقة. ولد في ربيع الأول، سنة عشر وثلاثمائة، واعتنى به أبو عوانة وأسمعه كتابه، وعمّر فازدحم عليه الطلبة وأحضروه إلى نيسابور. وفيها وقيل في التي بعدها- أبو الفتح البستي [1] الشاعر المفلق،

_ [1] نقل المؤلف ترجمته عن «وفيات الأعيان» (3/ 376- 378) .

علي بن محمد الكاتب شاعر وقته وأديب ناحيته صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس، فمن ألفاظه البديعة قوله: من أصلح فاسده، أرغم حاسده. من أطاع غضبه أضاع أدبه. عادات السادات سادات العادات. من سعادة جدّك وقوفك عند حدّك. الرشوة رشاء الحاجات. أجمل الناس من كان للإخوان مذلّا [1] [وعلى السلطان مدلّا] . الفهم شعاع [2] العقل. المنيّة تضحك الأمنية. حدّ العفاف الرضا بالكفاف. ومن نادر شعره: إن هز أقلامه يوما ليعملها ... أنساك كلّ كميّ هز عامله [3] وإن أقرّ على رق أنامله ... أقر بالرّق كتّاب الأنام له وله: إذا تحدثت في قوم لتؤنسهم ... بما تحدّث من ماض ومن آت فلا تعيدنّ حديثا [4] إنّ طبعهم ... موكل بمعاداة المعادات وله: تحمّل أخاك على ما به ... فما في استقامته مطمع وأنّى له خلق واحد ... وفيه طبائعه الأربع وله حين تغيّر عليه السلطان: قل للأمير أدام ربي عزّه ... وأناله من فضله مكنونه

_ [1] في الأصل والمطبوع: «مولى» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] في الأصل والمطبوع: «شجاع» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في الأصل والمطبوع: «هز وابله» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [4] في «وفيات الأعيان الأعيان» : «فلا تعد لحديث» .

إني جنيت ولم تزل أهل النّهى ... يهبون للخدام ما يجنونه ولقد جمعت من الذنوب [1] فنونها ... فاجمع من العفو الكريم فنونه من كان يرجو عفو من هو فوقه ... عن ذنبه فليعف عمّن دونه وله أيضا: إذا أحسست في فهمي فتورا ... وحفظي والبلاغة والبيان فلا ترتب بفهمي إن رقصي ... على مقدار إيقاع الزمان وبالجملة فمحاسنه كثيرة وشعره في غاية اللطافة، رحمه الله تعالى.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «من العيون» .

تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيق المجلد الرابع من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي، وذلك في عصر يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر ربيع الآخر من عام 1408 هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله العليّ القدير أن يعيننا على تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه تعالى خير مسؤول وخير معين. محمود الأرناؤوط

المجلد الخامس

[المجلد الخامس] كلمة للمحقّق ها هو ذا المجلد الخامس من «شذرات الذّهب» ينضم إلى المجلدات الأربعة التي سبقته من طبعتنا هذه، التي أكرمني الله عزّ وجل بخدمتها. ولقد بذلت جهدي في سبيل الوصول بالكتاب إلى الصورة التي ترضي الله تعالى ثم ترضي العاملين بإخلاص على نشر ما ينفع النّاس من تراث الأمة، السّاعين إلى رفع سويّة أبنائها العلمية والثقافية والوصول بهم إلى مجد يحاكي مجد آبائهم الأولين. وقد بذلت في سبيل إخراج هذه المجلدات الخمس- وهي نصف الكتاب- من ذوب روحي، وضياء عيني ما الله به أعلم، وواصلت الليل بالنهار وأنا أحقّق نصوصه، وأراجع ما أورده المؤلّف فيه من النقول على ما أمكنني الوقوف عليه من مصادره المطبوعة منها والمخطوطة. ولقد وصلتني بعض المصادر الهامة متأخرة بسبب الظروف المعروفة للكتاب العربي والتي لم يسبق لأمة من الأمم أن عرفتها من قبل. وكان لتوجيهات والدي وملاحظاته وإرشاداته السديدة النافعة الدور الأهم في وصول هذه المجلدات الخمس إلى ما وصلت إليه من الإتقان، والله أسأل أن يجزيه عنّي خير ما يجزي والدا عن ولده وأستاذا عن تلميذه. كما كان لملاحظات عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من خلّص

الأصدقاء ممّن يمارسون فنّ التحقيق دورها أيضا في لفت نظري إلى أمور فاتني التنبّه لها، شأن كلّ من يتصدى لخدمة كتاب كبير كهذا الكتاب، جزاهم الله تعالى خيرا وأحسن إليهم. وأرى من المفيد أن أنبّه إلى أنني آثرت- منذ هذا المجلد- أن أرمز لمصوّرة الأصل الخطي المعتمد في التحقيق بحرف «آ» وللطبعة السابقة بحرف «ط» رغبة في التقليل من الحواشي قدر الإمكان، وسوف أرمز لمصوّرة النسخة الخطية من كتاب «منتخب شذرات الذهب» لابن شقدة [1] ب «المنتخب» ابتداء من أول المجلد السادس، إذا دعت الضرورة إلى ذلك. وختاما أكرر ما قلته في آخر مقدمتي للمجلد الأول [2] : إن هذا الكتاب هو في نهاية الأمر إرث لأفراد الأمة جميعهم، والنصح للقائمين على تحقيقه وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها. راجيا من جميع العاملين في فنّ التحقيق وسواهم أن لا يبخلوا عليّ بملاحظاتهم وتصويباتهم، ولسوف أذكر أصحابها بالجميل في آخر الكتاب إن شاء الله. اللهمّ إني أسألك أن تسدّد خطاي لما فيه الخير والفلاح في الدّنيا والآخرة، وأن تجعلني ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. دمشق في غرّة شهر رمضان المبارك لعام 1408 هـ. محمود الأرناؤوط

_ [1] وقد تفضل بإرسالها لي صديقي الفاضل الدكتور خالد عبد الكريم جمعة مدير معهد المخطوطات العربية في الكويت حفظه الله تعالى ونفع به. [2] ص (99) .

سنة إحدى وأربعمائة

سنة إحدى وأربعمائة فيها أقام صاحب الموصل الدعوة ببلده للحاكم، أحد خلفاء الباطنيّة، لأن رسل الحاكم تكرّرت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلّد، فأفسدوه، ثم سار قرواش إلى الكوفة، فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن، وأمر خطيب الأنبار بذلك، فهرب، وأبدى قرواش صفحة الخلاف، وعاث وأفسد، فقلق القادر بالله، وأرسل إلى الملك بهاء الدولة مع ابن الباقلاني المتكلّم، فقال: قد كاتبنا أبا عليّ عميد الجيوش في ذلك، ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار، فإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا. ثم إن قرواش بن مقلّد خاف الغلبة، فأرسل يتعذّر [1] ، وأعاد الخطبة العباسية، ولم يحجّ ركب العراق، لفساد الوقت. وفيها توفي أبو علي، عميد الجيوش [2] ، الحسين بن أبي جعفر، وله إحدى وخمسون سنة، كان أبوه من حجّاب عضد الدولة، فخدم أبو علي بهاء الدولة [3] ، وترقّت حاله، فولّاه بهاء الدولة نائبا عنه بالعراق، فأحسن سياستها، وحمدت [4] أيامه، وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر، فأبطل عاشوراء الرافضة، وأباد الحرامية والشطّار، وقد جاء في عدله وهيبته حكايات.

_ [1] في «العبر» «يعتذر» وكلاهما صواب. انظر «لسان العرب» و «مختار الصحاح» (عذر) . [2] انظر «العبر» (3/ 76) . [3] قوله: «فخدم أبو علي بهاء الدولة» سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [4] في «آ» و «ط» : و «حميت» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» (3/ 76) .

وفيها أبو عمر بن المكوي، أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي [1] ، انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس في زمانه، مع الورع، والصيانة، دعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع، وصنّف كتاب «الاستيعاب» في مذهب مالك، في عشر مجلدات، توفي فجأة، عن سبع وسبعين سنة. وفيها أبو عمر بن الجسور، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي [2] . روى عن قاسم بن أصبغ، وخلق، ومات في ذي القعدة، وهو أكبر شيخ لابن حزم. وفيها أبو عبيد الهروي [3] ، أحمد بن محمد بن محمد، صاحب «الغريبين» وهو الكتاب المشهور، جمع فيه بين غريب القرآن وغريب الحديث، وهو من الكتب النافعة السائرة في الآفاق. قال الإسنوي [4] : ذكره ابن الصلاح في «طبقاته» ولم يوضح حاله، وقد أوضحه ابن خلّكان [5] فقال: كان من العلماء الأكابر، صحب أبا منصور الأزهري وبه انتفع، وكان ينسب إلى تعاطي الخمر، توفي في رجب، سنة إحدى وأربعمائة، سامحه الله تعالى. انتهى كلام الإسنوي. وفيها أبو بكر الحنّائي- نسبة إلى الحناء المعروف [6]- عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي [7] الأديب، نزيل دمشق. روى عن يعقوب الجصّاص وجماعة، وكان ثقة.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 76- 77) . [2] انظر «العبر» (3/ 77) . [3] انظر «العبر» (3/ 77) و «غربال الزمان» ص (337) . [4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 519) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 95- 96) . [6] في «الأنساب» (4/ 244) : «نسبة إلى بيع الحناء» . [7] انظر «العبر» (3/ 77) .

وفيها عبد العزيز بن محمد بن النّعمان بن محمد بن منصور [1] ، قاضي القضاة للعبيديين، وابن قاضيهم، وحفيد قاضيهم. قتله الحاكم، وقتل معه قائد القوّاد حسين، ابن القائد جوهر، وبعث من حمل إليه رأس قاضي طرابلس [2] ، أبي الحسين علي بن عبد الواحد البرّي لكونه سلّم عزاز إلى متولي حلب. وفيها أبو مسعود، إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي [3] كان حافظا، صدوقا، ديّنا، من الفهماء. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري، محمد بن الحسين بن داود [4] شيخ الأشراف. سمع أبا حامد بن الشرقي، ومحمد بن إسماعيل المروزي صاحب علي بن حجر، وطبقتهما، وكان سيّدا، نبيلا، صالحا. قال الحاكم: عقدت له مجلس الإملاء وانتقيت له ألف حديث، وكان يعدّ في مجلسه ألف محبرة، توفي فجأة في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى. وفيها أبو علي الخالدي الذّهلي، منصور بن عبد الله الهروي [5] . روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة. قال أبو سعيد الإدريسي: هو كذاب.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 77) . [2] في «ط» : «أطرابلس» ، وطرابلس المقصودة هي «طرابلس الشام» . [3] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (139/ ب) مصوّرة عن مخطوطة المتحف البريطاني، و «تذكرة الحفاظ» (3/ 1068- 1070) و «طبقات الحفّاظ» ص (416- 417) . [4] انظر «العبر» (3/ 78) . [5] انظر «العبر» (3/ 78) .

سنة اثنتين وأربعمائة

سنة اثنتين وأربعمائة فيها كتب محضر ببغداد في قدح النّسب الذي تدّعيه خلفاء مصر، والقدح في عقائدهم، وأنهم زنادقة، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرّمي، إخوان الكافرين، شهادة يتقرّب بها إلى الله، شهدوا جميعا أن الناجم بمصر، وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار [والخزي والنكال] [1] ، إلى أن قال: فإنه صار- يعني المهدي- إلى المغرب، وتسمى [2] بعبيد الله، وتلقّب بالمهدي، وهو ومن تقدّمه من سلفه [3] الأنجاس، أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد عليّ رضي الله عنهم، ولا يعلمون أن أحدا من الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج، أنهم [4] أدعياء، وقد كان هذا الإنكار شائعا بالحرمين، وأن هذا الناجم بمصر وسلفه كفّار وفسّاق، لمذهب الثّنويّة والمجوسية معتقدون [5] ، قد عطّلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبّوا الأنبياء، ولعنوا السّلف، وادّعوا الربوبيّة، وكتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة،

_ [1] زيادة من «المنتظم» (7/ 355) و «النجوم الزاهرة» (4/ 229) . [2] في «آ» و «المنتظم» و «النجوم الزاهرة» : «تسمى» وأثبت لفظ «ط» و «العبر» مصدر المؤلف في نقله. [3] في «ط» «من سلف» . [4] في «آ» و «ط» : «لأنهم» وما أثبته من «العبر» و «النجوم الزاهرة» . [5] في «آ» و «ط» : «معتدون» وما أثبته من «العبر» و «النجوم الزاهرة» وانظر «المنتظم» .

وكتب خلق في المحضر، منهم: الشريف المرتضى، وأخوه الشريف الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد ابن الأكفاني، والإمام أبو حامد الإسفراييني، والإمام أبو الحسين القدوري، وخلق. وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار، لكن بسكينة. وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم، أبو عمر [1] الأندلسي، والد العلّامة أبي محمد، كان كاتبا، منشئا [2] لغويّا، متبحّرا في علم اللسان [3] . وفيها أبو الحسين السّوسنجردي- بالضم وفتح السين المهملة الثانية، وسكون النون والراء وكسر الجيم، آخره مهملة نسبة إلى سوسنجرد قرية ببغداد [4]- أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي [5] المعدّل. روى عن ابن البختري [6] وجماعة، وكان ثقة، صاحب سنّة. وفيها قاضي الجماعة، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي [7] صاحب التصانيف الطنّانة، منها: كتاب «أسباب النزول» في مائة جزء، وكتاب «فضائل الصحابة والتابعين» في مائتين وخمسين جزءا، وكان من جهابذة الحفّاظ والمحدّثين، جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس، وكان يملي من حفظه، وقيل: إن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسميّة، وولي القضاء والخطابة سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وعزل بعد تسعة

_ [1] في «آ» و «ط» : «أبو عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 163) وانظر «جذوة المقتبس» ص (126) و «بغية الملتمس» ص (181) . [2] في «آ» و «ط» : «مفتيا» والتصحيح من «العبر» . [3] الذي في العبر: «علم البيان» . (ع) . [4] انظر «معجم البلدان» (3/ 281) . [5] مترجم في «الأنساب» (7/ 189) وقد تحرّفت كنيته فيه إلى «أبي الحسن» فتصحّح، وانظر «تاريخ بغداد» (4/ 237) و «العبر» (3/ 80) . [6] في «آ» و «ط» : «ابن البحيري» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» و «العبر» . [7] انظر «العبر» (3/ 80- 81) .

أشهر، وقد ولّي الوزارة أيضا، وتوفي في ذي القعدة وله أربع وخمسون سنة، وسمع من أحمد بن عون وطبقته. وفيها الحسين بن علي بن العبّاس بن الفضل بن زكريا بن النّضر بن شميل بن سويد النّضري الهروي [1] . كان حافظا مشهورا عمدة. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي [2] ، أبو إسحاق، كان حافظا، ذا ورع وصيام وقيام كثير. قاله ابن ناصر الدّين أيضا. وفيها أبو عمرو عثمان الباقلّاني- نسبة إلى بيع الباقلّاء- البغدادي [3] الزاهد، كان عابد أهل زمانه في بغداد [4] رحمه الله تعالى. وفيها أبو الحسن السامريّ الرّفّاء، علي بن أحمد [5] ، صالح، ثقة. روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي [6] . وفيها أبو الحسن الدّاراني، علي بن داود القطّان [7] المقرئ. حدّث عن خيثمة، وقرأ على ابن النّضر الأخرم، وولي إمامة جامع دمشق. قال رشأ بن نظيف: لم ألق مثله حذقا وإتقانا في رواية ابن عامر، وهو

_ [1] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (140/ ب) . [2] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» (140/ ب) ، و «تذكرة الحفاظ» (3/ 1092) و «طبقات الحفاظ» ص (422) . [3] انظر «العبر» (3/ 81) . [4] في «ط» : «كان عابد أهل بغداد في زمانه» . [5] انظر «الأنساب» (7/ 15) و «العبر» (3/ 81) . [6] سقطت هذه الترجمة بكاملها من «ط» . [7] انظر «العبر» (3/ 81) ، و «معرفة القراء الكبار» (1/ 366- 367) .

الذي طلّع كبراء دمشق، وطلبوه لإمامة الجامع فوثب أهل داريا بالسلاح فمانعوهم، وقالوا: لا ندع لكم إمامنا حتّى يقدّم أبو محمد بن أبي نصر، فقال: أما ترضون أن يسمع الناس في البلاد، أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام؟ فقالوا: رضينا، فقدّمت له بغلة القاضي، فأبى وركب حماره، وسكن في المنارة [الشرقية] [1] ، وكان لا يأخذ على الصلاة ولا الإقراء أجرا، ويقتات من أرض له. وفيها أبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي [2] ، المقرئ الضرير، أحد أعلام القرآن. أقرأ بمصر عن عبد الباقي بن السقا، والسامرّي، وجماعة، وصنّف «المنشأ في القراءات [الثمان] [3] » وعاش ثماني وستين سنة. وفيها ابن جميع، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغسّاني [4] الصيداوي، صاحب «المعجم» المروي. رحل وكتب الكثير بالشام، والعراق، ومصر، وفارس. روى عن أبي روق الهزّاني، والمحاملي، وطبقتهما، ومات في رجب، وله سبع وتسعون سنة، وسرد الصوم، وله ثمان عشرة سنة إلى أن مات، ووثقه الخطيب. وفيها ابن النجّار أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي [5] النحوي المقرئ. آخر من حدّث في الدّنيا عن محمد بن الحسين الأشناني، وابن دريد.

_ [1] زيادة من «معرفة القرّاء الكبار» . [2] انظر «العبر» (3/ 82) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 379) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «معرفة القرّاء الكبار» و «حسن المحاضرة» (1/ 492) وانظر «كشف الظنون» (2/ 1861) . [4] في «ط» : «العسالي» وهو خطأ، والصواب ما جاء في «آ» وهو مترجم في «العبر» (3/ 82) وانظر «الأنساب» (9/ 150) . [5] انظر «العبر» (3/ 82) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 100- 101) .

قال العتيقي: هو ثقة، توفي بالكوفة في جمادى الأولى. وقال الأزهري: كان مولده في سنة ثلاث وثلاثمائة في المحرم. وفيها ابن اللبّان الفرضيّ [1] العلّامة أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن البصري. روى «سنن أبي داود» عن ابن داسه، وسمعها منه القاضي أبو الطيب الطبري. قال الخطيب [2] : انتهى إليه علم الفرائض، وصنّف فيه كتبا. انتهى. وكان يقول: ليس في الأرض فرضيّ إلّا من أصحابي وأصحاب أصحابي، أو لا يحسن شيئا. قال الإسنوي [3] : نقل عنه الرافعي في مواضع، منها: أن زكاة الفطر لا تجب. وكذا قال ابن قاضي شهبة، وقال أيضا: انتهى إليه علم الفرائض، وصنّف فيه كتبا، منها كتاب «الإيجاز» مجلد نفيس، وكتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها، ولديه علوم أخر، وبنيت له مدرسة ببغداد، وكان يدرّس بها. قال الشيخ أبو إسحاق [4] : كان إماما في الفقه والفرائض، وعنه أخذ الناس الفرائض، وممّن أخذ عنه أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي، أستاذ أبي حامد الإسفراييني في الفرائض. انتهى ملخصا. وفيها أبو عبد الله الجعفي، محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي، المعروف بالهرواني [5]- نسبة إلى هراة مدينة ...

_ [1] انظر «العبر» (3/ 82- 83) و «غربال الزمان» ص (338) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 472) . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 363) . [4] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (120) . [5] انظر «العبر» (3/ 83) .

بخراسان [1]- أحد الأئمة الأعلام في مذهب الإمام أبي حنيفة. روى عن محمد بن القاسم المحاربي [2] وجماعة. قال الخطيب [3] : قال من عاصره بالكوفة: لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى وقته أحد [4] أفقه منه. وقال العتيقي [5] : ما رأيت مثله بالكوفة. وقال في «العبر» : ولد سنة خمس وثلاثمائة، وقد قرأ عليه أبو علي غلام الهرّاس. وفيها منتجب الدولة، لؤلؤ الشراوي [6] ولي نيابة. دمشق للحاكم، وعزل بعد ستة أشهر، ولما همّوا بالقبض عليه من دار العقيقي، وكان نازلا بها، عبأ أصحابه، ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة، وقتل جماعة ثم طلع لولو من سطح فاختفى، فنودي عليه في البلد: من جاء به فله ألف دينار، فدلّ عليه رجل وحبس، فجاء أمر الحاكم بقتله، فقتل. وفيها ابن وجه الجنّة [7] ، أبو بكر، يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزّاز، شيخ ابن حزم. روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة، وكان عدلا صالحا.

_ [1] قلت: وقال ابن الأثير في «اللباب» (3/ 386) : «الهرواني» : هذه النسبة عرف بها صاحب الترجمة. [2] في «آ» : «الجاري» وأثبت ما في «ط» وهو الصواب كما في «اللباب» . [3] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 472) . [4] لفظة «أحد» لم ترد في «ط» و «تاريخ بغداد» ووردت في «آ» و «العبر» . [5] في «ط» و «العبر» : «وقال لي العتيقي» . [6] في «العبر» : «السمراوي» وهو مترجم فيه (3/ 83) . [7] انظر «العبر» (3/ 84) والتعليق عليه.

سنة ثلاث وأربعمائة

سنة ثلاث وأربعمائة فيها سبق رجل بدويّ اسمه [أبو] فليتة بن القوي [1] الحاج إلى واقصة في ستمائة إنسان من بني خفاجة، قبيلته، فغوّر المياه، وطرح الحنظل في مصانع البرمكي والريان، وغورهما، فلما جاء الركب إلى العقبة حبسهم ومنعهم العبور، إلا بخمسين ألف دينار، فخافوا وضعفوا وعطشوا، فهجم الملعون عليهم، فلم تكن عندهم منعة، وسلّموا أنفسهم، فاحتوى على الجمال بالأحمال، فاستاقها وهلك الركب، إلا القليل، فقيل: إنه هلك خمسة عشر ألف إنسان، فأمر فخر الدولة الوزير علي بن مزيد، فسار، فأدركهم بناحية البصرة، فظفر بهم، وقتل طائفة كثيرة، وأسر ابن القوي أبا فليتة [2] والأشتر، وأربعة عشر رجلا، ووجد أموال الناس قد تمزقت [3] ، فانتزع ما أمكنه، فعطّشوا الأسرى على جانب دجلة، يرون الماء ولا يسقون، حتّى هلكوا. وفيها توفي أبو القاسم إسماعيل بن الحسن الصّرصري [4]- بفتح

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن القرى» والتصحيح من «المنتظم» (7/ 260- 261) وما بين حاصرتين مستدرك منه، وفي «العبر» «فليته بن الخفاجي» . انظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (11/ 9) و «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين» للفاسي (7/ 20) و «تاج العروس» (5/ 32) و «البداية والنهاية» (11/ 347) . [2] في «آ» و «ط» و «العبر» : «وأسروا والدفليتة» والتصحيح من «المنتظم» (7/ 261) . [3] في «آ» و «ط» : «تمزعت» وما أثبتناه من «المنتظم» و «العبر» . [4] انظر «العبر» (3/ 85) .

الصادين المهملتين، نسبة إلى صرصر، قرية على فرسخين من بغداد- سمع أبا عبد الله المحاملي، وابن عقدة. قال البرقاني: ثقة، صدوق. وفيها بهاء الدولة، السلطان أبو نصر بن السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه الديلمي [1] صاحب العراق وفارس، توفي بأرّجان في جمادى الأولى، وله اثنتان وأربعون سنة، وكانت أيامه بضعا وعشرين سنة، ومات بعلّة الصّرع، وولي بعده ابنه سلطان الدولة، فبقي في الملك اثني عشر عاما. وفيها الحسن بن حامد بن علي بن مروان، أبو عبد الله البغدادي [2] ، إمام الحنبلية في زمانه ومدرّسهم ومفتيهم. قال القاضي أبو يعلى: كان ابن حامد مدرّس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه، وله المصنفات العظيمة، منها: كتاب «الجامع» نحو أربعمائة جزء في اختلاف العلماء، وكان معظّما مقدّما عند الدولة وغيرهم [3] . وقال غيره: روى عن النّجّاد وغيره، وتفقّه على أبي بكر عبد العزيز، وكان قانعا، يأكل من النسخ، ويكثر الحجّ، فلما كان في هذا العام حجّ وعدم فيمن عدم، إذا أخذ الركب. قاله في «العبر» . وقال القاضي حسين [4] في «طبقاته» : له المصنفات في العلوم المختلفات، منها «الجامع في المذهب» نحو من أربعمائة جزء، وله «شرح الخرقي» و «شرح أصول الدّين» و «أصول الفقه» . سمع أبا بكر بن مالك، وأبا

_ [1] انظر «العبر» (3/ 85- 86) . [2] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 171- 178) ، و «العبر» (3/ 86) ، و «المنهج الأحمد» (2/ 98- 101) طبعة نويهض. [3] الذي في العبر: «عند الدولة والعامة» . (ع) . [4] كذا قال المؤلف وهو وهم منه فهو ينقل عن «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى.

بكر الشافعي، وأبا بكر النّجّاد، وأبا علي بن الصوّاف، وأحمد بن الختلي [1] في آخرين. وقال أبو عبد الله بن حامد: اعلم- عصمنا الله وإيّاك من كل زلل- أن الناقلين عن أبي عبد الله رضي الله عنه- ممّن سمّيناهم وغيرهم- أثبات فيما نقلوه، وأمناء فيما دوّنوه، وواجب تقبّل كل ما نقوله، وإعطاء كل رواية حظها على موجبها، ولا تعل رواية وإن انفردت [ولا تنفى عنه، وإن عزبت] [2] ، ولا ينسب إليه في مسألة رجوع إلا ما وجد ذلك عنه نصا بالصريح، وإن نقل كنت أقول به وتركناه، فإن عري عن حدّ الصريح في التّرك والرجوع أقرّ على موجبه واعتبر حال الدليل فيه لا اعتقاده بمثابة ما اشتهر من روايته. وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يليّن القول في كتاب إسحاق بن منصور، ويقول: إنه يقال: إن أبا عبد الله رجع عنه، وهذا قول من لا ثقة له بالمذهب إذ لا أعلم أن أحدا من أصحابنا قال بما ذكره، ولا أشار إليه. وكتاب ابن منصور، أصل بداية [3] حاله يطابق نهاية شأنه، إذ هو في بدايته سؤالات محفوظة، ونهايته، أنه عرض على أبي عبد الله، فاضطرب، لأنه لم يكن يقدّر أنه لما سأله [4] عنه مدوّن، فما أنكر عليه من ذلك حرفا، ولا ردّ عليه من جواباته جوابا، بل أقرّه على ما نقله [أو وصف ما رسمه] [5] واشتهر في حياة أبي عبد الله ذلك بين أصحابه، فاتخذه الناس أصلا إلى آخر أوانه.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الحنبلي» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الحنابلة» . وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 203) . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «طبقات الحنابلة» (2/ 174) . [3] في «آ» و «ط» : «أصل بذاته» والتصحيح من «طبقات الحنابلة» . [4] في «طبقات الحنابلة» : «يسأله» . [5] زيادة من «طبقات الحنابلة» .

ولابن حامد المقام المشهود في أيام القادر، وقد ناظر أبا حامد الإسفراييني في وجوب الصيام ليلة الغمام في دار القادر بالله، بحيث يسمع [1] الخليفة الكلام، فخرجت الجائزة السنية له من أمير المؤمنين فردّها مع حاجته إلى بعضها فضلا عن جميعها تعففا وتنزها. انتهى ما قاله القاضي حسين ملخصا. وفيها القاضي أبو عبد الله الحليمي الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري [2] ، الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف. أخذ عن أبي بكر القفّال الشاشي، وهو صاحب وجه في المذهب. قال ابن قاضي شهبة: قال الحاكم: أوحد الشافعيين بما وراء النهر، وأنظرهم وآدبهم بعد أستاذيه أبوي بكر، القفّال، والأودني، وكان مفننا فاضلا، له مصنفات مفيدة، نقل منها الحافظ أبو بكر البيهقي كثيرا. وقال في «النهاية» : كان الحليمي رجلا عظيم القدر، لا يحيط بكنه علمه إلا غوّاص، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، ومات في جمادى، وقيل: في ربيع الأول، ومن تصانيفه «شعب الإيمان» [3] كتاب جليل في نحو ثلاث مجلدات، وآيات الساعة، وأحوال القيامة، فيه معان غريبة لا توجد في غيره. انتهى ما قاله ابن قاضي شهبة ملخصا. وفيها أبو علي الرّوذباري الحسين بن محمد الطوسي [4] . راوي «السنن» [5] عن ابن داسة، توفي في ربيع الأول وأكثر عنه البيهقي.

_ [1] في «آ» و «ط» : «بحيث سمع» وما أثبته من «طبقات الحنابلة» . [2] انظر «العبر» (3/ 86) . [3] واسمه «المنهاج في شعب الإيمان» وقد طبع في ثلاث مجلدات في دار الفكر ببيروت بعناية الأستاذ حلمي محمد فودة. [4] انظر «الأنساب» (6/ 180) و «العبر» (3/ 87) . [5] يعني «سنن أبي داود» .

وفيها أبو الوليد الفرضيّ عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي [1] الحافظ، مؤلف «تاريخ الأندلس» . قال ابن عبد البرّ: كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث والرجال، قتلته البربر في داره. وقال أبو مروان بن حيّان: وممّن قتل يوم فتح قرطبة الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي، وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية وحفظ الحديث والافتنان في العلوم والأدب البارع، ولي قضاء بلنسية، وكان حسن البلاغة والخط [2] ، وروي أنه تعلق بأستار الكعبة، وسأل الله الشهادة. قال في «العبر» [3] : وعاش اثنتين وخمسين سنة. وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا من الثقات. وفيها أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني [4] الفقيه، شيخ المالكية. أخذ عن ابن مسرور الدباغ، وفي الرحلة عن حمزة الكناني [5] وطائفة، وصنّف تصانيف فائقة في الأصول والفروع، وكان مع تقدمه في العلوم حافظا، صالحا، تقيّا، ورعا، حافظا للحديث وعلله، منقطع القرين، وكان ضريرا. وفيها ابن الباقلّاني [6] القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب بن محمد بن

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 105- 106) و «العبر» (3/ 87) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ آ) واسم كتابه «تاريخ العلماء والرواة بالأندلس» وهو من مصادر المؤلف. [2] في «آ» و «ط» : «والحفظ» والتصحيح من «تذكرة الحفاظ» للذهبي (3/ 1077) . [3] انظر «العبر» (3/ 87) . [4] انظر «ترتيب المدارك وتقريب المسالك» للقاضي عياض (1/ 616- 621) و «العبر» (3/ 87- 88) . [5] في «آ» و «ط» : «الكتاني» وهو خطأ، والتصحيح من «ترتيب المدارك» و «العبر» . [6] انظر «ترتيب المدارك» (1/ 585- 602) و «العبر» (3/ 88) .

جعفر البصري المالكي الأصولي، المتكلم صاحب المصنّفات، وأوحد وقته في فنه. روى عن أبي بكر القطيعي، وأخذ علم النظر عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري، وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة. قال الخطيب [1] : كان ورده في الليل [2] عشرين ترويحة في الحضر والسفر [3] ، فإذا فرغ منها كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه. قاله في «العبر» . وقال ابن الأهدل: سيف السّنّة، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب، المشهور بابن [4] الباقلّاني الأصولي الأشعري المالكي، مجدد الدّين على رأس المائة الرابعة على الصحيح، وقيل: جدد بأبي سهل الصّعلوكي. صنّف ابن الباقلّاني تصانيف واسعة في الرد على الفرق الضالّة. حكي أن ابن المعلّم متكلّم الرافضة قال لأصحابه- يوما وقد أقبل ابن الباقلاني-: جاءكم الشيطان، فلما جلس ابن الباقلّاني قال: قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا 19: 83 [مريم: 83] . وكان ورعا لم تحفظ عنه زلّة ولا نقيصة، وكان باطنه معمورا بالعبادة، والديانة، والصيانة. وقال الطائي: رأيته في النوم بعد موته وعليه ثياب حسنة في رياض خضرة نضرة، وسمعته يقرأ: في عِيشَةٍ راضِيَةٍ في جَنَّةٍ عالِيَةٍ 69: 21- 22 [الحاقة: 21- 22] ورأيت قبل ذلك حسن حالهم، فقلت: من أين جئتم؟ فقالوا: من الجنّة من زيارة القاضي أبي بكر. انتهى ملخصا. وقال ابن تيمية: القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب الباقلّاني

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 380) . [2] كذا في «آ» و «ط» : «في الليل» وفي «تاريخ بغداد» : «في كل ليلة» . [3] عبارة الخطيب البغدادي في «تاريخه» (5/ 380) : «ما يتركها في حضر ولا سفر» . (ع) . [4] قوله: «المشهور بابن» سقط من «آ» وأثبته من «ط» .

المتكلم، وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله، لا قبله ولا بعده. قال في كتاب «الإبانة» تصنيفه: فإن قال قائل: فما الدليل على أن لله وجها ويدا؟ قيل له: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ 55: 27 [الرّحمن: 27] وقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 [ص: 75] فأثبت لنفسه وجها ويدا، فإن قال: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة؟ قلنا: لا يجب هذا، كما لا يجب إذا لم نعقل حيّا عالما قادرا إلّا جسما أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه وتعالى، وكما لا يجب في كل شيء كان قائما بذاته أن يكون جوهرا لأنّا وإيّاكم لا نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلّا كذلك، وكذلك الجواب لهم إن قالوا: فيجب أن يكون علمه، وحياته، وسمعه، وبصره، وسائر صفاته، عرضا، واعتلوا بالوجود. قال: فإن قال: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] وقال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 [فاطر: 10] وقال تعالى: أَأَمِنْتُمْ من في السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ 67: 16 [الملك: 16] أَمْ أَمِنْتُمْ من في السَّماءِ 67: 17 [المُلك: 17] قال: ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان وفمه، والحشوش [1] والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة وينقص ينقصانها. انتهى ملخصا، فرحمه الله تعالى ورضي عنه. وفيها أبو بكر الخوارزمي [2] محمد بن موسى شيخ الحنفية، ومن انتهت إليه رئاسة المذهب في الآفاق. أخذ عن أبي بكر أحمد بن علي

_ [1] جمع «حش» وهو المخرج. انظر «القاموس المحيط» و «المختار الصحاح» : (حشش) . [2] انظر «العبر» (3/ 88- 89) .

الرّازي، وسمع من أبي بكر الشافعي. قال البرقاني: سمعته يقول: ديننا دين العجائز، ولسنا من الكلام في شيء. وقال القاضي الصّيمري: ما شاهد الناس مثل شيخنا أبي بكر الخوارزمي في حسن الفتوى وحسن التدريس، دعي إلى القضاء مرة [1] فامتنع، وتوفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» . وفيها أبو رماد الرّمادي شاعر الأندلس يوسف بن هارون القرطبي الكندي [2] الأديب. أخذ عن أبي علي القالي وغيره. وكان فقيرا معدما، ومنهم من يلقبه بأبي حنيش [3] . قال الحميدي في كتاب «جذوة المقتبس» [4] : أظن أحد آبائه كان من أهل رمادة، موضع بالمغرب، وهو شاعر قرطبي كثير الشعر، سريع القول، مشهور عند الخاصّة والعامّة هنالك لسلوكه في فنون كثيرة من المنظوم مسالك. نفق عند الكل، حتّى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون: فتح الشعر بكندة، وختم بكندة، يعنون امرأ القيس، ويوسف بن هارون، والمتنبي، وكانا متعاصرين، وصنّف كتابا في الطير، وسجن مدة. ومدح أبا [عليّ] إسماعيل [بن القاسم] القالي عند دخوله الأندلس في سنة ثلاثين وثلاثمائة بقصيدة طنّانة منها:

_ [1] في «العبر» : «مرارا» . [2] انظر «العبر (3/ 89) وقد كنّي في معظم المصادر الأخرى بأبي عمر، وانظر ما قاله الأستاذ الدكتور رضوان الداية في تعليقه على «رايات المبرزين وغايات المميزين» لأبي الحسن علي ابن موسى بن سعيد الأندلسي ص (135) طبع دار طلاس بدمشق. [3] وجاء في تعليق الأستاذ الدكتور رضوان الداية على «رايات المبرزين» : «جنيش» (بالجيم) الرّماد. [4] ص (369- 373) وقد نقل المؤلف عن «وفيات الأعيان» (7/ 225- 227) بتصرّف وما بين حاصرتين في النقل زيادة منه.

من حاكم بيني وبين عذولي ... الشجو شجوي والعويل عويلي في أي جارحة أصون معذّبي ... سلمت من التعذيب والتنكيل إن قلت في بصري فثمّ مدامعي ... أو قلت في كبدي فثمّ غليلي وثلاث شيبات نزلن بمفرقي ... فعلمت أن نزولهنّ رحيلي طلعت ثلاث في نزول ثلاثة ... واش ووجه مراقب وثقيل فعزلنني عن صبوتي فلئن ذلل ... ت لقد سمعت بذلة المعزول ومنها في المديح: روض تعاهده السحاب كأنّه ... متعاهد من عهد إسماعيل قسه إلى الأعراب تعلم أنّه ... أولى من الأعراب بالتفضيل حازت قبائلهم لغات فرقت ... فيهم، وحازت لغات كلّ قبيل فالشرق خال بعده فكأنما ... نزل الخراب بربعه المأهول فكأنّه شمس بدت في غربنا ... وتغيبت عن شرقهم بأفول يا سيدي هذا ثنائي لم أقل ... زورا ولا عرّضت بالتنويل من كان يأمل نائلا فأنا امرؤ ... لم أرج غير القرب من تأميلي وله في غلام ألثغ من جملة أبيات قوله: لا الراء تطمع في الوصال ولا أنا ... الهجر يجمعنا فنحن سواء فإذا خلوت كتبتها في راحتي ... وبكيت منتحبا أنا والراء وله فيه أيضا: أعد لثغة في الراء لو أن واصلا ... تسمّعها ما أسقط الراء واصل وقال ابن بشكوال في كتاب «الصلة» [1] : يوسف بن هارون الرّمادي الشاعر، من أهل قرطبة، يكنى أبا عمر، كان شاعر أهل الأندلس المشهور

_ [1] (2/ 674) .

المقدّم [1] ذكره على الشعراء. روى عن أبي علي البغدادي- يعني القالي- كتاب «النوادر» من تأليفه، وقد أخذ عنه أبو عمر بن عبد البرّ قطعة من شعره رواها عنه وضمنها بعض تآليفه. قال ابن حيّان [2] : وتوفي يوم العنصرة، فقيرا معدما، ودفن بمقبرة كلع. انتهى كلامه. ويوم العنصرة: [هو] رابع عشري حزيران، وهو موسم للنصارى مشهور ببلاد الأندلس، وفي هذا اليوم حبس الله تعالى الشمس على يوشع بن نون عليه السلام، وفيه ولد يحيى بن زكريا عليهما السلام.

_ [1] في «الصلة» : «والمقدم» . (ع) [2] في «آ» و «ط» : «ابن حبان» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

سنة أربع وأربعمائة

سنة أربع وأربعمائة فيها توفي أبو الفضل السّليماني الحافظ [1] ، وهو أحمد بن علي بن عمر البيكندي- نسبة إلى بيكند، بلد على مرحلة من بخارى- البخاري محدّث تلك الدّيار، طوّف وسمع الكثير، وأكثر عن علي بن إسحاق المادرائي، والأصم، وطبقتهما، وجمع وصنّف. قال ابن نصار الدّين: كان إماما حافظا من الثقات. وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة. وفيها أبو الطيب الصّعلوكي [2] سهل بن الإمام أبي سهل محمد بن سليمان العجلي النيسابوري الشافعي، مفتي خراسان، ومجدّد القرن الرابع على قول. روى عن الأصمّ وجماعة. قال الحاكم: هو أنظر من رأينا. وقال ابن خلّكان: كان أبو الطيب المذكور مفتي نيسابور وابن مفتيها. أخذ الفقيه عن أبيه أبي سهل الصّعلوكي، وكان في وقته يقال له: الإمام، وهو متفق عليه، عديم المثل في علمه وديانته، وسمع أباه، ومحمد بن يعقوب

_ [1] انظر «العبر» (3/ 89- 90) ، و «طبقات الشافعية» للسبكي (4/ 41) ، و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ آ) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 435- 436) و «العبر» (3/ 90) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 207- 209) ، وقد تحرّفت نسبته في «آ» إلى «الصعلوك» .

الأصم، وابن مطر [1] وأقرانهم، وكان فقيها أديبا متكلما، خرجت له الفوائد من سماعاته، وقيل: إنه وضع له في المجلس أكثر من خمسمائة محبرة، وجمع رئاسة الدّنيا والآخرة، وأخذ عنه فقهاء نيسابور، وتوفي في المحرم. قال عبد الواحد اللّخمي: أصاب سهل الصعلوكي رمد [2] فكان الناس يدخلون عليه وينشدونه من النظم ويروون من الآثار ما جرت العادة به، فدخل الشيخ أبو عبد الرحمن السّلمي وقال: أيها الإمام، لو أن عينيك رأتا وجهك لما [3] رمدت فقال له الشيخ سهل: ما سمعت بأحسن من هذا الكلام، وسرّ به. ولما مات والده، كتب إليه أبو النضر عبد الجبّار يعزّيه في والده رحمه الله تعالى: من مبلغ شيخ أهل العلم قاطبة ... عني رسالة محزون وأوّاه أولى البرايا بحسن الصّبر ممتحنا ... من كان فتياه توقيعا عن الله انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وقال ابن القاضي شبهة [4] : نقل عنه الرافعي وعن والده أنهما قالا: إن طلاق السكران لا يقع. وسئل سهل عن الشطرنج فقال: إذا سلم المال من الخسران والصلاة من [5] النسيان، فذلك أنس بين الإخوان، وكتبه سهل بن محمد بن سليمان. وله ألفاظ حسنة منها: من تصدّر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن مسطور» وفي «وفيات الأعيان» : «ابن مطر» وهو ما أثبته. [2] في «آ» : «رمدا» وهو خطأ. [3] في «وفيات الأعيان» : «ما» . [4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 174- 175) طبع حيدر أباد. [5] في «آ» : «عن» .

وقوله: إنما يحتاج إلى إخوان العشرة لزمان العسرة. انتهى ملخصا أيضا. وفيها أبو الفرج النّهرواني، مقرئ بغداد، عبد الملك بن بكران [1] . أخذ القراءة عن زيد بن أبي بلال، وعبد الواحد بن أبي هاشم وطائفة، وسمع من أبي بكر النّجاد وجماعة، وصنّف في القراءات، وتصدر مدة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (3/ 90) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 371) .

سنة خمس وأربعمائة

سنة خمس وأربعمائة فيها منع الحاكم بمصر النساء من الخروج من بيوتهنّ أبدا، ومن دخول الحمامات، وأبطل صنعة الخفاف لهنّ، وقتل عدة نسوة خالفن أمره، وغرّق جماعة من العجائز. وفيها توفي أبو الحسن العبقسيّ- نسبة إلى عبد القيس- أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكي العطار [1] ، مسند الحجاز في وقته، وله ثلاث وتسعون سنة، تفرّد بالسماع عن محمد بن إبراهيم الدّيبلي وغيره. وفيها- كما قال ابن الجوزي في «شذور العقود» - بدر بن حسنويه [2] الكردي من أمراء الجبل، لقّبه القادر ناصر الدولة. وعقد له لواء، وكان يبرّ العلماء، والزهاد، والأيتام، وكان يتصدق كل جمعة بعشرة آلاف درهم، ويصرف إلى الأساكفة والحذّائين بين همذان وبغداد، ليقيموا للمنقطعين من الحاج الأحذية ثلاثة آلاف دينار، ويصرف إلى أكفان الموتى كل شهر عشرين ألف درهم، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء، وكان ينقل للحرمين كل سنة مصالح الطريق مائة ألف دينار، ثم يرتفع إلى خزانته بعد المؤن والصدقات عشرون ألف ألف درهم. انتهى.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 91) و «الأنساب» (8/ 370) . [2] في «آ» : «ابن خشنويه» وانظر «المنتظم» (7/ 271- 272) و «البداية والنهاية» (11/ 353) .

وفيها بكر بن شاذان أبو القاسم البغدادي [1] الواعظ الزاهد. قرأ على زيد بن أبي بلال الكوفي وجماعة، وحدّث عن ابن قانع وجماعة. قال الخطيب: كان عبدا صالحا. توفي في شوال. قال الذهبي: وقرأ عليه جماعة. وفيها أبو علي بن حمكان، الحسن بن الحسين بن حمكان [2]- بحاء مهملة بعدها ميم مفتوحتان وكاف- الهمذاني الفقيه الشافعي، نزيل بغداد. روى عن عبد الرحمن بن حمدان الجلّاب، وجعفر الخلدي وطبقتهما، وعني بالحديث والفقه. قال ابن قاضي شهبة [3] : روي عنه أنه قال: كتبت بالبصرة عن أربعمائة وسبعين شيخا، وروى عنه أبو القاسم الأزهري، وكان يضعّفه ويقول: ليس بشيء في الحديث. قال ابن كثير: له كتاب في مناقب الشافعي، ذكر فيه مذاهب كثيرة، وأشياء تفرد بها، وكنت قد كتبت منه شيئا في ترجمة الإمام، فلما قرأتها على شيخنا [الحافظ] أبي الحجّاج المزّي، أمرني أن أضرب على أكثرها لضعف ابن حمكان. انتهى. وفيها أبو الحسن المجبّر، أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصّلت البغدادي [4] روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن الأنباري، وجماعة كثيرة. ضعّفه البرقاني وغيره، وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 96- 97) و «العبر» (3/ 92) . [2] انظر «العبر» (3/ 91) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 167- 168) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [4] انظر «العبر» (3/ 91- 92) .

وفيها أبو محمد بن الأكفاني [1] ، قاضي القضاة، عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي. حدّث عن المحاملي، وابن عقدة، وخلق. قال أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري: من قال إن أحدا أنفق على أهل العلم مثله فقد كذب، أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار. وقال الذهبي: ولي قضاء العراق سنة ست وتسعين، وعاش تسعا وثمانين سنة. وفيها الإدريسي الحافظ، أبو سعد عبد الرّحمن بن محمد بن محمد الاستراباذي [2] ، نزيل سمرقند ومحدّثها ومؤرخها. سمع الأصمّ فمن بعده، وألّف الأبواب والشيوخ. وقال ابن ناصر الدّين: هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله [بن إدريس] بن الحسن بن متّويه [3] أبو سعد الأستراباذي، محدّث سمرقند، ومصنّف تاريخها وتاريخ بلده، كان حافظا، متقنا، راسخا، مؤلّف. انتهى. وفيها أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن اللّيث أبو علي الشيرازي الكشي [4] المقرئ الفقيه الشافعي. كان حافظا ناقدا. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو نصر بن نباتة التميمي السعدي [5] عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة بن حميد بن نباتة بن الحجّاج بن مطر بن خالد بن

_ [1] انظر «العبر» (3/ 92) . [2] انظر «العبر» (3/ 92) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ آ) وما بين حاصرتين زيادة منه. وانظر «الأنساب» (1/ 160) . [3] في «آ» : «ابن منربه» وفي «ط» : «ابن منوبه» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «التبيان شرح بديعة البيان» و «الأنساب» و «تاريخ بغداد» (10/ 302) . [4] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ ب) وقد نقل المؤلف عنه بتصرّف واختصار، وانظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 91) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 190- 193) و «العبر» (3/ 93) .

عمرو بن رباح بن سعد. كان شاعرا مجيدا جمع بين حسن السبك وجودة المعنى، وكان يعاب بكبر فيه، طاف البلاد ومدح الملوك، والوزراء، والرؤساء، وله في سيف الدولة غرر [1] القصائد ونخب المدائح، وكان قد أعطاه فرسا أدهم أغر محجّلا، فكتب إليه: يا أيّها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه ورواؤه من رائه قد جاء بالطرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه أولاية أوليتها فبعثته ... رمحا سبيب [2] العرف عقد لوائه نحتل [3] منه على أغرّ محجّل ... ماء الدّجنة قطرة من مائه وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتصّ منه فخاض في أحشائه متمهلا والبرق في أسمائه ... متبرقعا والحسن من أكفائه ما كانت النيران يكمن حرّها ... لو كان للنيران بعض ذكائه لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلّا إذا كفكفت من غلوائه لا يكمل الطّرف المحاسن كلها ... حتّى يكون الطّرف من أسرائه وله فيه أيضا من قصيدة: قد جدت لي باللها حتّى ضجرت بها ... وكدت من ضجري أثني على البخل إن كنت ترغب في أخذ النّوال لنا ... فاخلق لنا رغبة أو لا فلا تنل لم يبق جودك لي شيئا أؤمّله ... تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل ومعظم شعره جيد، وله «ديوان» كبير، وجرى له مع ابن العميد أشياء تقدّم ذكر شيء منها في ترجمته [4] وتوفي يوم الأحد بعد طلوع الشمس، ثالث

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «غرّ» . [2] السبيب من الفرس: شعر الذنب والعرف والناصية. (ع) . [3] في «آ» : «نحلّ» . [4] انظر ص (313- 316) من المجلد الرابع.

شوال، ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد. وقال أبو الحسن محمد بن نصر البغدادي: عدت ابن نباتة في اليوم الذي توفي فيه، فأنشدني: متّع لحاظك من خلّ تودّعه ... فما إخالك بعد اليوم بالوادي وودعته وانصرفت، فأخبرت في طريقي أنه توفي. وقال أبو علي محمد بن وشاح: سمعت ابن نباتة يقول: كنت يوما قائلا [1] في دهليزي، فدقّ عليّ الباب، فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل المشرق [2] ، فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل: ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوّعت الأسباب والدّاء واحد فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم، فمضى، فلما كان آخر النهار دقّ عليّ الباب، فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل تاهرت من المغرب، فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل: ومن لم يمت بالسيف فقلت: نعم، [فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم] [3] ، وعجبت كيف وصل شعري [4] إلى الشرق والغرب. وفيها أبو عبد الله الحاكم، محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه [5] بن نعيم بن البيّع الضّبّي الطّهماني النيسابوري [6] الحافظ الكبير.

_ [1] أي نائما وقت القيلولة. [2] في «آ» و «ط» : «الشرق» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [3] تكملة من «وفيات الأعيان» . [4] لفظة «شعري» سقطت من «وفيات الأعيان» فتستدرك فيه. [5] تحرّف في «آ» و «ط» إلى: «حمدون» والتصحيح من «العبر» و «السير» . [6] انظر «العبر» (3/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 162- 177) .

ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، واعتنى به أبوه، فسمّعه [1] في صغره، ثم [سمع] هو بنفسه، وكتب عن نحو ألفي شيخ، وحدّث عن الأصمّ، وعثمان بن السّمّاك وطبقتهما، وقرأ القراءات على جماعة، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان لا بل الدّنيا، وكان فيه تشيّع وحطّ على معاوية، وهو ثقة حجّة. قاله في «العبر» . وقال ابن ناصر الدّين [2] : له مصنفات كثيرة، منها «المستدرك على الصحيحين» وهو صدوق من الإثبات، لكن فيه تشيّع، ويصحح [3] واهيات. انتهى. وقال ابن قاضي شهبة [4] : طلب العلم في صغره، وأول سماعه سنة ثلاثين، ورحل في طلب الحديث، وسمع على شيوخ يزيدون على ألفيّ شيخ، وتفقه على ابن أبي هريرة، وأبي سهل الصّعلوكي، وغيرهم. أخذ عنه الحافظ أبو بكر البيهقي فأكثر عنه، وبكتبه تفقّه وتخرّج، ومن بحره استمدّ، وعلى منواله مشى، وبلغت تصانيفه [قريبا من خمسمائة جزء، وقيل: ألف جزء، وقيل:] ألف وخمسمائة جزء. قال الخطيب البغدادي [5] : كان ثقة. وكان يميل إلى التّشيّع. قال الذهبي: هو معظّم للشيخين [6] بيقين، ولذي النّورين، وإنما تكلم في معاوية فأوذي. قال: وفي «المستدرك» وجملة وافرة على شرطهما [7] ،

_ [1] في «آ» و «العبر» : «فسمّع» . [2] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (141/ ب) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار وتصرّف. [3] في «آ» و «ط» : و «تصحيح» والتصويب من «التبيان» لابن ناصر الدّين. [4] في «طبقات الشافعية» (1/ 189- 190) ، وما بين حاصرتين مستدرك منه. [5] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 473- 474) . [6] يعني لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما. [7] يعني على شرطّي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.

وجملة وافرة على شرط أحدهما، لكن [1] مجموع ذلك نصف الكتاب، وفيه نحو الربع مما صحّ سنده، وفيه بعض الشيء معلل، وما بقي- وهو الربع- مناكير وواهيات لا تصحّ. وفي ذلك بعض موضوعات، قد أعلمت [2] عليها لما اختصرته. توفي فجاءة بعد خروجه من الحمام في صفر. وقد أطنب عبد الغافر [3] في مدحه، وذكر فضائله وفوائده ومحاسنه إلى أن قال: مضى إلى رحمة الله ولم يخلّف بعده مثله، وقد ترجمه الحافظ أبو موسى المديني في مصنّف مفرد. انتهى كلام ابن شهبة ملخصا. وقال ابن خلّكان [4] : والبيّع: بفتح الباء الموحدة وكسر الياء المثناة من تحتها وتشديدها، وبعدها عين مهملة، وإنما عرف بالحاكم لتقلده [5] القضاء. انتهى. وفيها ابن كجّ القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج- بفتح الكاف وتشديد الجيم، وهو في اللغة اسم للجص الذي يبيّض به الحيطان- الكجّي، نسبة إلى جدّه هذا- الدّينوري [6] صاحب الإمام أبي الحسين بن القطّان، وحضر مجلس الدّاركي، ومجلس القاضي أبي حامد المروزي. انتهت إليه الرئاسة ببلده في المذهب، ورحل الناس إليه رغبة في علمه وجوده، وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب. وحكى السمعاني: أن الشيخ أبا علي السّنجي [7] [لما] انصرف من

_ [1] في «طبقات ابن قاضي شهبة» : «لعل» . [2] في «آ» و «ط» : «قد علمت» وما أثبته من «طبقات ابن قاضي شهبة» . [3] هو عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي النيسابوري الشافعي، المتوفى سنة (529 هـ-) سترد ترجمته في المجلد السادس إن شاء الله تعالى. [4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 281) . [5] في «آ» و «ط» : «لتقليده» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [6] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 340- 341) و «العبر» (3/ 94) . [7] في «آ» : «البنجي» وفي «ط» : «السبخي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «طبقات الشافعية»

عند الشيخ أبي حامد واجتاز به، فرأى علمه وفضله، فقال له: يا أستاذ، الاسم لأبي حامد، والعلم لك، فقال: ذاك [1] رفعته بغداد، وحطّتني الدّينور. قتله العيارون ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعي، وكان أيضا محتشما جوادا ممدّحا، وهو صاحب وجه، ومن تصانيفه «التجريد» . قال في «المهمات» : وهو مطول، وقد وقف عليه الرافعي.

_ للإسنوي (2/ 341) وانظر ترجمته فيه (2/ 28- 29) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [1] لفظة «ذاك» لم ترد في «طبقات الشافعية» للإسنوي.

سنة ست وأربعمائة

سنة ست وأربعمائة فيها توفي الشيخ أبو حامد الإسفراييني [1] أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد، الفقيه، شيخ العراق، وإمام الشافعية، ومن إليه انتهت رئاسة المذهب. قدم بغداد صبيّا، فتفقّه على ابن المرزبان، وأبي القاسم الدّاركي، وصنّف التصانيف، وطبّق الأرض بالأصحاب، و «تعليقته» [2] في نحو خمسين مجلدا، وكان يحضر درسه سبعمائة فقيه. توفي في شوال وله اثنتان وستون سنة، وقد حدّث عن أبي أحمد بن عدي وجماعة. قاله في «العبر» . وقال ابن شهبة [3] : ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، واشتغل بالعلم. قال سليم [4] : وكان يحرس في درب، وكان يطالع الدرس على زيت الحرس، وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة، وقدم بغداد سنة أربع وستين، فتفقّه على ابن المرزبان، والدّاركي، وروى الحديث عن الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد بن عدي، وجماعة، وأخذ عن الفقهاء والأئمة

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 57- 59) و «العبر» (3/ 94- 95) . [2] في «آ» : «وتعليقه» . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 161- 162) . [4] هو سليم بن أيوب بن سليم الفقيه أبو الفتح الرازي، الأديب المفسّر. انظر ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 233- 234) .

ببغداد، وشرح «المختصر» في «تعليقته» التي هي في خمسين مجلدا، ذكر فيها خلاف العلماء، وأقوالهم، ومآخذهم، ومناظراتهم، حتّى كان يقال له الشافعي [الثاني] [1] ، وله كتاب في أصول الفقه. قال الشيخ أبو إسحاق [2] : انتهت إليه رئاسة الدّين والدّنيا ببغداد، وجمع مجلسه ثلاثمائة متفقّه، واتفق الموافق والمخالف على تفضيله وتقديمه في جودة الفقه، وحسن النظر، ونظافة العلم. وقال الخطيب أبو بكر [3] : حدّثونا عنه، وكان ثقة، وقد رأيته [غير مرّة] وحضرت تدريسه، وسمعت من يذكر أنه [4] كان يحضر درسه سبعمائة فقيه [5] ، وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعيّ لفرح به. توفي في شوال، ودفن في داره، ثم نقل سنة عشر وأربعمائة إلى باب حرب. انتهى ما أورده ابن شهبة ملخصا. وفيها أبو مناد باديس بن منصور بن بلكّين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي المغربي الملك [6] ، متولّي إفريقية للحاكم العبيدي، وكان ملكا حازما شديد البأس، إذا هزّ رمحا كسره، ومات فجأة، وقام بعده ابنه المعز. قال ابن خلّكان: وكانت ولايته بعد أبيه المنصور، وكان مولده ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة بأشير، ولم يزل على ولايته وأموره جارية على السّداد، ولما كان يوم الثلاثاء

_ [1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (124) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 369) وقد نقل ابن قاضي شهبة كلامه بتصرف وتبعه المؤلف، وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة «وسمعت من مذاكراته» . [5] في «تاريخ بغداد» : «متفقه» . [6] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 265- 266) وما بين حاصرتين استدركته منه و «العبر» (3/ 95) .

تاسع عشري ذي القعدة، سنة ست وأربعمائة أمر جنوده بالعرض، فعرضوا بين يديه وهو في قبّة الإسلام جالس إلى وقت الظهر، وسرّه حسن عسكره وبهجة زينتهم [1] وما كانوا عليه، وانصرف إلى قصره، ثم ركب عشية ذلك النهار في أجمل مركوب، ولعب الجيش بين يديه، ثم رجع إلى قصره شديد السرور بما رآه من كمال حاله، وقدّم السماط [بين يديه] فأكل مع خاصته وحاضري مائدته، ثم انصرفوا عنه وقد رأوا من سروره ما لم يروه منه [2] قطّ، فلما مضى مقدار نصف الليل من ليلة الأربعاء سلخ [ذي] القعدة قضى نحبه رحمه الله تعالى، فأخفوا أمره ورتبوا أخاه كرامة بن المنصور ظاهرا، حتّى وصلوا إلى ولده المعز فولّوه، وتم له الأمر. وذكر في كتاب «الدول المنقطعة» [3] أن سبب موته أنه قصد طرابلس، ولم يزل [4] على قرب منها عازما على قتالها، وحلف أن لا يرحل عنها إلى أن يعيدها فدنا [5] للزراعة. فاجتمع أهل البلد [عند ذلك] إلى المؤدب محرز، وقالوا: يا وليّ الله، قد بلغك ما قاله باديس، فادع الله أن يزيل عنّا بأسه، فرفع يديه إلى السماء وقال: يا رب باديس اكفنا باديس، فهلك في ليلته بالذبحة. والصّنهاجي: بضم الصاد المهملة وكسرها وسكون النون، وبعد الألف جيم، نسبة إلى صنهاجة، قبيلة مشهورة من حمير، وهي بالمغرب. قال ابن دريد: صنهاجة بضم الصاد، لا يجوز غير ذلك. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «وأبهجه زيّهم» . [2] لفظة «منه» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «وفيات الأعيان» . [3] وهو للوزير جمال الدّين أبي الحسن علي بن أبي منصور ظافر الأزدي المتوفى سنة (623) هـ- وهو كتاب بديع في بابه في نحو أربع مجلدات. عن «كشف الظنون» (1/ 762) . [4] في «وفيات الأعيان» : «ونزل» . [5] جمع فدان. انظر «لسان العرب» (فدن) .

وفيها أبو علي الدّقّاق، الحسن بن علي النيسابوري [1] الزاهد العارف شيخ الصوفية توفي في ذي الحجّة، وقد روى عن ابن حمدان وغيره. قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في كتابه «الكواكب الدّريّة في تراجم الصوفية» ما ملخصه: الحسن بن علي الأستاذ أبو علي الدّقّاق النيسابوري الشافعي، لسان وقته وإمام عصره، كان فارها في العلم، متوسطا في الحلم، محمود السيرة، مجهود السريرة، جنيدي الطريقة، سرّيّ الحقيقة، أخذ مذهب الشافعي عن القفّال، والحصري، وغيرهما، وبرع في الأصول، وفي الفقه، وفي العربية، حتّى شدّت إليه الرحال في ذلك، ثم أخذ في العمل، وسلك طريق التصوف، وأخذ عن النّصرآباذي. قال ابن شهبة: وزاد عليه حالا ومقالا، وعنه: القشيري صاحب «الرسالة» . وله كرامات ظاهرة ومكاشفات باهرة. قيل له: لم زهدت في الدّنيا؟ قال: لما زهدت في أكثرها أنفت عن الرغبة في أقلها. قال الغزالي: وكان زاهد زمانه وعالم أوانه، وأتاه بعض أكابر الأمراء، فقعد على ركبتيه بين يديه، وقال: عظني، فقال: أسألك عن مسألة وأريد الجواب بغير نفاق، فقال: نعم، فقال: أيما أحبّ إليك المال أو العدو؟ قال: المال. قال: كيف تترك ما تحبه بعدك وتستصحب العدو الذي لا تحبه معك، فبكى، وقال: نعم الموعظة هذه. ومن كلامه: من سكت عن الحقّ فهو شيطان أخرس. وقال: من علامة الشوق تمنّي الموت على بساط العوافي، كيوسف لما

_ [1] انظر «العبر» (3/ 95) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 169) .

ألقي في الجب، ولما أدخل السجن لم يقل توفّني، ولما تمّ له الملك والنعمة قال: توفني [1] . وكان كثيرا ما ينشد: أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف شرّ ما يأتي به القدر وسالمتك الليالي فاغتررت به ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر وقال: صاحب الحزن يقطع من الطريق في شهر ما لا يقطعه غيره في عام. وقال: السماع حرام على العوام لبقاء نفوسهم مباح للزّهاد، لحصول مجاهداتهم مستحب لأصحابنا لحياة قلوبهم. وقال: لو أن وليّا لله مرّ ببلدة للحق أهلها بركة مروره، حتّى يغفر لجاهلهم. وقال: قال رجل لسهل: أريد أن أصحبك. قال: إذا مات أحدنا فمن يصحب الباقي؟ قال: الله: قال: فاصحبه الآن. انتهى ما أورده المناوي ملخصا. وفيها أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري [2] المفسّر، صنّف في علوم القرآن، والآداب، وله كتاب «عقلاء المجانين» [3] سمع من الأصم وجماعة. وفيها أبو يعلى المهلّبي، حمزة بن عبد العزيز بن محمد النيسابوري الطبيب [4] . روى عن محمد بن محمد بن أحمد بن دلويه، صاحب البخاري، وأبي حامد بن بلال، وجماعة، وتفرّد بالسماع من غير واحد، توفي يوم النّحر عن سنّ عالية.

_ [1] لفظة «توفني» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» . [2] انظر «العبر» (3/ 95) . [3] وهو مطبوع في دار النفائس ببيروت بتحقيق الدكتور عمر الأسعد. [4] تحرّفت في «ط» إلى «الطيب» وهو مترجم في «العبر» (3/ 96) .

وفيها أبو أحمد الفرضي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم [1] المقرئ، شيخ بغداد، قرأ على أحمد بن بويان، وسمع من يوسف [بن] البهلول الأزرق، والمحاملي. قال الخطيب: كان ثقة، ورعا، ديّنا. وقال العتيقي: ما رأينا في معناه مثله. وقال الأزهري: إمام من الأئمة. وقال الذهبي: عاش اثنتين وثمانين سنة. وفيها أبو الهيثم عتبة بن خيثمة التميمي النيسابوري [2] القاضي، شيخ الحنفية بخراسان، كان عديم النظير في الفقيه والفتوى، تفقّه على أبي الحسين قاضي الحرمين، وأبي العبّاس التّبّان [3] ، وسمع لما حجّ من أبي بكر الشافعي وجماعة، وولي [قضاء] نيسابور [4] تسع سنين. وفيها الإمام أبو بكر بن فورك- بضم الفاء وفتح الراء- الأستاذ محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني [5] المتكلم، صاحب التصانيف في الأصول والعلم. روى «مسند الطيالسي» عن أبي محمد بن فارس، وتصدّر للإفادة بنيسابور، وكان ذا زهد وعبادة، وتوسّع في الأدب، والكلام، والوعظ، والنحو. قال الإسنوي في «طبقاته» : أقام بالعراق مدة يدرّس، ثم توجه إلى الرّيّ فشنعت [6] به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجّه إليهم

_ [1] انظر «العبر» (3/ 96) . [2] انظر «العبر» (3/ 96- 97) . [3] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «القبال» والتصحيح من «العبر» و «اللباب» (1/ 206) . [4] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» . [5] انظر «العبر» (3/ 97) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 266- 267) . [6] في «آ» و «ط» : «فسمعت» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.

ففعل، وورد نيسابور، فبني له بها مدرسة ودار [1] فأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم، وظهرت بركته على المتفقهة، وبلغت مصنفاته قريبا من مائة تصنيف، ثم دعي إلى مدينة غزنة من الهند، وجرت له بها مناظرات عظيمة، فلما رجع إلى نيسابور سمّ في الطريق، فمات، فنقل إلى نيسابور فدفن بها. ونقل عن ابن حزم، أن السلطان محمود بن سبكتكين قتله [2] لقوله: إن نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، ليس هو رسول الله اليوم، لكنه كان رسول الله. انتهى كلام الإسنوي ملخصا. وفيها الشريف الرضي [3] نقيب العلويين، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي البغدادي الشّيعي، الشاعر المفلق، الذي يقال: إنه أشعر قريش. ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وابتدأ بنظم الشعر وله عشر سنين، وكان مفرط الذكاء، له ديوان في أربع مجلدات، وقيل: إنه حضر [4] مجلس أبي سعيد السّيرافي فسأله ما علامة النصب في عمر؟ فقال: بغض عليّ، فعجبوا من حدّة ذهنه، ومات أبوه في سنة أربعمائة أو بعدها، وقد نيّف على التسعين، وأما أخوه الشريف المرتضى فتأخر. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان: ذكره الثعالبي في «اليتيمة» فقال: ابتدأ بقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل، وهو اليوم أبدع [أبناء [5] الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف، بأدب ظاهر

_ [1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «ودارا» . [2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «قبّله» وهو تصحيف فتصحح فيه. [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 414- 420) و «العبر» (3/ 97) و «غربال الزمان» ص (342) . [4] في «العبر» : «أحضر» . [5] تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «أنشاء» فتصحح فيه، وانظر «يتيمة الدهر» (3/ 155) طبع دار الكتب العلمية.

وفضل] [1] باهر، وحظّ [2] من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين، من مضى منهم ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين، ولو قلت: إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، ويشهد بما أخبرته [3] شاهد عدل من شعره العالي القدح، الممتنع عن القدح [4] ، الذي يجمع إلى السلامة متانة، وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها، وكان أبوه يتولى قديما نقابة الطالبيين، ويحكم فيهم أجمعين، والنظر في المظالم والحجّ بالناس، ثم ردّت هذه الأعمال كلها إلى ولده المذكور في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وأبوه حيّ. ومن غرر شعره، ما كتبه إلى الإمام القادر بالله من جملة قصيدة: عطفا أمير المؤمنين فإنّنا ... في دوحة العلياء لا نتفرّق ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبدا كلانا في المعالي معرق [5] إلّا الخلافة بيّنتك [6] فإنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوّق [7] ومن قوله أيضا: رمت المعالي فامتنعن ولم يزل ... أبدا يمانع عاشقا معشوق فصبرت حتّى نلتهنّ ولم أقل ... ضجرا دواء الفارك التّطليق [8]

_ [1] ما بين حاصرتين تكملة من «وفيات الأعيان» و «يتيمة الدهر» . [2] في «آ» و «ط» : و «حظّه» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان و «يتيمة الدهر» . [3] في «وفيات الأعيان» : «بما أخبر به» وفي «اليتيمة» : «بما أجريه» . [4] تحرّفت في «آ» إلى «الندح» . [5] تحرّفت في «آ» إلى «مفرق» . [6] في «ديوانه» و «وفيات الأعيان» و «اليتيمة» : «ميّزتك» . [7] الأبيات في «ديوانه» (2/ 42) طبعة دار صادر. [8] البيتان في «ديوانه (2/ 50) والفارك: الكاره. ولعله أراد بقوله «الفارك» المرأة الكارهة لزوجها.

وله من جملة أبيات: يا صاحبيّ قفا لي واقضيا وطرا ... وحدّثاني عن نجد بأخبار هل روّضت قاعة الوعساء أم مطرت ... خميلة الطّلح ذات البان والغار أم هل أبيت ودار دون [1] كاظمة ... داراي وسمّار ذاك الحيّ سماري تضوع أرواح نجد من ثيابهم ... عند القدوم [2] لقرب العهد بالدّار [3] وذكر ابن جنّي، أنه تلقن القرآن بعد أن دخل في السن، فحفظه في مدة يسيرة، وصنّف كتابا في معاني القرآن يتعذر وجود مثله، دلّ على توسعه في علم النحو واللغة، وصنّف كتابا في مجازات القرآن، فجاء نادرا في بابه. وقد عني بجمع ديوانه جماعة، وأجود ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الخبري [4] . وحكي أن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي بسرّ من رأى، وهو لا يعرفها، وقد أخنى عليها الزمان، وذهبت بهجتها، وأخلقت ديباجتها، وبقايا رسومها تشهد لها بالنّضارة وحسن البشارة، فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان [5] وطوارق الحدثان، وتمثّل بقول الشريف الرضي المذكور: ولقد وقفت على ربوعهم ... وطلولها بيد البلى نهب فبكيت حتّى ضجّ من لغب ... نضوي وعجّ بعذلي الركب

_ [1] في «ديوانه» : «عند» . [2] في «ديوانه» : «عند النزول» . [3] الأبيات في «ديوانه» (1/ 517) مع تقديم وتأخير ورواية البيت الأول منها فيه: يا راكبان قفا لي واقضيا وطري ... وخبّر اني عن نجد بأخبار [4] في «آ» و «ط» : «الحيري» وهو تصحيف، والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 558- 559) و «الأعلام» (4/ 63) . [5] في «آ» : «الأزمان» .

وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عنها الطلول تلفّت القلب [1] فمرّ به شخص فسمعه ينشد الأبيات، فقال: هل تعرف هذه الدار لمن؟ قال: لا، قال: هذه الدار لقائل هذه الأبيات الشريف الرضي فتعجب من حسن الاتفاق. وكانت ولادة الرضي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ببغداد، وتوفي بكرة يوم الخميس سادس المحرم- وقيل صفر- سنة ست وأربعمائة [2] ببغداد، ودفن في داره بخطّ مسجد الأنباريين بالكرخ، وخربت الدار ودثر [3] القبر، ومضى أخوه المرتضى أبو القاسم إلى [4] مشهد موسى بن جعفر لأنه لا يستطيع أن ينظر إلى تابوته. وصلى عليه والوزير فخر الملك في الدار مع جماعة كثيرة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها، كما قال ابن ناصر الدّين، أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الإسفراييني [5] كان حافظا زائدا بالحفظ على أقرانه. قال في «بديعة البيان» : محمد بن أحمد ذاك أبو ... بكر وفا تحفظا فقربوا

_ [1] الأبيات في «ديوانه» (1/ 181) مع شيء من الخلاف. [2] حصل في «آ» تقديم وتأخير في هذه الجملة وأثبت ما جاء في «ط» وهو الصواب. [3] في «وفيات الأعيان» : «ودرس» . [4] في «آ» و «ط» : «على» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» (141/ ب) .

سنة سبع وأربعمائة

سنة سبع وأربعمائة فيها كما قال في «الشذور» ورد الخبر بتشعث الركن اليماني من البيت الحرام، وسقوط حائط بين يدي قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ووقوع القبة الكبيرة التي على الصخرة ببيت المقدس [1] . وفيها توفي أبو بكر الشيرازي [2] أحمد بن عبد الرحمن، الحافظ مصنّف كتاب «الألقاب» . كان أحد من عني بهذا الشأن، وأكثر الترحال في البلدان، ووصل بلاد التّرك، وسمع من الطبراني وطبقته. قال عبد الرحمن بن مندة: مات في شوال. وفيها أبو سعد [3] الخركوشي- بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وضم الكاف آخره معجمة، نسبة إلى خركوش سكة بنيسابور- عبد الملك بن أبي عثمان النيسابوري، الواعظ القدوة، صنّف كتاب «الزهد» وكتاب «دلائل النبوّة» وغير ذلك. قال الحاكم: لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا إلى الله- زاده الله توفيقا، وأسعدنا بأيامه-.

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (4/ 241) . [2] انظر «العبر» (3/ 98) . [3] في «آ» و «ط» : و «العبر» (3/ 98) : «أبو سعيد» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (5/ 93) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 256) و «معجم البلدان» (2/ 360- 361) .

وقال الذهبي: روى عن حامد الرّفّاء وطبقته، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها أبو الفضل الفلكي علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي الهمذانيّ [1] . كان حافظا بارعا متقنا لهذا الشأن، له كتاب «المنتهى في الكمال في معرفة الرجال» كتبه في ألف جزء، ولم يبيّضه فيما يقال. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطّان [2] ، مؤلف «فضائل الشافعي» توفي في المحرم. روى عن عبد الله بن الورد [3] وطائفة. وفيها أبو الحسين المحاملي محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبّي البغدادي [4] ، الفقيه الشافعي الفرضي، شيخ سليم الرّازي. روى عن إسماعيل الصفّار وطائفة. وفيها الوزير فخر الملك أبو غالب بن الصيرفي محمد بن علي بن خلف [5] ، وزير بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة بن بويه، وبعد وفاته وزر لولده سلطان الدولة أبي شجاع فنّا خسرو. ولد فخر الملك بواسط يوم الخميس ثاني عشري شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وكان من أعظم وزراء آل بويه على الإطلاق بعد ابن العميد، والصاحب بن عبّاد، وكان أبوه صيرفيا، وكان هو واسع النعمة، فسيح مجال الهمّة، جمّ الفضائل والأفعال، جزيل العطايا والنوال. قصده جماعة من أعيان الشعراء ومدحوه بنخب المدائح، منهم: مهيار الدّيلمي، وأبو نصر بن نباتة السعدي، له فيه قصائد مختارة، منها قصيدته النونية التي من جملتها:

_ [1] انظر «تذكرة الحفاظ» (3/ 1125) و «الرسالة المستطرفة» ص (121) طبع دار البشائر الإسلامية. [2] انظر «غربال الزمان» ص (342) . [3] الذي في «العبر» : «عبد الله بن جعفر بن الورد» . (ع) . [4] انظر «العبر» (3/ 99) و «غربال الزمان» (342) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 124- 127) و «العبر» (3/ 99) و «غربال الزمان» ص (343) .

لكل فتى قرين حين يسمو ... وفخر الملك ليس له قرين أنخ بجنابه واحكم عليه ... بما أمّلته وأنا الضمين قال بعض علماء الأدب: مدح بعض الشعراء فخر الملك بعد هذه القصيدة، فأجازه إجازة لم يرضها، فجاء إلى ابن نباتة، وقال: أنت غريتني وأنا ما مدحته إلّا ثقة بضمانك، فأعطني ما يليق بقصدي [1] ، فأعطاه من عنده شيئا رضي به، فبلغ ذلك فخر الملك، فسيّر لابن نباتة جملة مستكثرة لهذا السبب. ومدائح فخر الملك مستكثرة، ولأجله صنّف أبو بكر محمد بن الحاسب الكرجي كتاب «الفخري» في الجبر والمقابلة، وكتاب «الكافي» في الحساب. ورفع إليه رجل شيخ رقعة يسعى فيها بهلاك شخص، فكتب فخر الملك في ظهرها: السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة، فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أكثر من الربح، ومعاذ الله أن نقبل من مهتوك في مستور، ولولا أنك في خفارة من شيبك لقابلناك بما يشبه مقالك، ونردع به أمثالك، فاكتم هذا العيب، واتق من يعلم الغيب، والسلام. ومحاسن فخر الملك كثيرة، ولم يزل في عزّه وجاهه وحرمته إلى أن نقم عليه مخدومه سلطان الدولة لسبب اقتضى ذلك، فحبسه ثم قتله بسفح جبل قريب من الأهواز، يوم السبت سابع عشري ربيع الأول، وقيل: آخره، ودفن هناك، ولم يستقص دفنه، فنبشت الكلاب قبره وأكلته، ثم أعيد دفن رمته، فشفع فيه بعض أصحابه، فنقلت عظامه إلى مشهد هناك، فدفنت في السنة التي بعدها.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «فأعطني ما يليق بقصدي» وفي «وفيات الأعيان» «فأعطني بمثل ما يليق بقصيدي» .

سنة ثمان وأربعمائة

سنة ثمان وأربعمائة فيها وقعت فتنة عظيمة بين السّنّة والشيعة، وتفاقمت [1] وقتل طائفة من الفريقين، وعجز صاحب الشرطة عنهم، وقاتلوه، فأطلق النيران في سوق نهر الدجاج [2] . وفيها استتاب القادر بالله- وكان صاحب سنّة- طائفة من المعتزلة والرافضة، وأخذ خطوطهم بالتوبة، وبعث إلى السلطان محمود بن سبكتكين، يأمره ببثّ السّنّة بخراسان، ففعل ذلك وبالغ، وقتل جماعة، ونفى جماعة كثيرة من المعتزلة، والرافضة، والإسماعيلية، والجهمية، والمشبهة، وأمر بلعنهم على المنابر. وفيها قتل الدّرزي [3] وقطّع لكونه ادّعى ربوبية الحاكم. وفيها توفي ابن ثرثال، أبو الحسن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التّيمي البغدادي [4] في ذي القعدة بمصر، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن

_ [1] في «آ» : «وتقاتلت» وأثبت لفظ «ط» وهو موافق لما في «العبر» . [2] انظر «العبر» (3/ 100) . [3] في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» : «الدّوري» والتصحيح من «العبر» (3/ 100) و «النجوم الزاهرة» (4/ 184) وهو محمد بن إسماعيل الدّرزي، أبو عبد الله، وإليه نسبة الطائفة الدرزيّة. انظر ما كتبه عنه العلّامة الأستاذ خير الدّين الزركلي رحمه الله في كتابه النفيس «الأعلام» (6/ 35) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 220- 221) .

المحاملي ومحمد بن مخلد، وله جزء واحد رواه عنه الصّوري، والحبّال. وفيها عطية بن سعيد [1] ، الأندلسي القفصي- بفتح القاف وسكون الفاء، نسبة إلى قفصة، بلدة في طرف إفريقية- كنيته أبو محمد كان حافظا صوفيا زاهدا علّامة مكثرا خيرا. قاله ابن ناصر الدّين [2] . وفيها ابن البيع، أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي [3] المؤدّب، صاحب المحاملي، وثّقه الخطيب، ومات في رجب. وفيها اليزدي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني [4] محدّث أصبهان. روى عن محمد بن الحسين القطّان، والأصم، وطبقتهما، وتوفي في رجب. وفيها أبو الفضل الخزاعي محمد بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني [5] المقرئ، مصنّف كتاب «الواضح» ، وكان كثيرا التطواف في طلب القراءات. أخذ عن الحسن بن سعيد المطّوّعي وطبقته، وكان غير ثقة ولا صادق. قاله في «العبر» . وفيها أبو عمر البسطامي، محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم [6] ، الفقيه الشافعي، قاضي نيسابور، وشيخ الشافعية بها. رحل وسمع الكثير، ودرّس المذهب، وأملى عن [7] الطبراني وطبقته.

_ [1] في «آ» : «ابن سعد» وهو خطأ وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب. [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (141/ ب- 142/ آ) . [3] انظر «العبر» (3/ 101) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 286- 287) . [5] انظر «العبر» (3/ 101) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 380) و «غربال زمان» ص (343) . [6] انظر «العبر» (3/ 101) . [7] في «آ» و «ط» : «على» وما أثبته من «العبر» .

قال ابن شهبة [1] : سمع العراق، والأهواز، وأصبهان، وسجستان، وأملى، وحدّث، وأقرأ المذهب، وكان في ابتداء أمره يعقد مجلس الوعظ والتذكير، ثم تركه وأقبل على التدريس، والمناظرة، والفتوى، ثم ولي قضاء نيسابور سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، فأظهر أهل الحديث من الفرح، والاستبشار، [والاستقبال] ، ما يطول شرحه، وكان نظير [أبي الطيب] سهل [بن محمد] الصّعلوكي حشمة، وجاها، وعلماء، فصاهره سهل، وجاء بينهما جماعة سادة فضلاء. توفي في ذي القعدة سنة ثمان، وقيل: سبع وأربعمائة. انتهى.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 187) وما بين حاصرتين زيادة منه، وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

سنة تسع وأربعمائة

سنة تسع وأربعمائة فيها قرئ في الموكب كتاب بمذاهب السّنّة، وقيله فيه: من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر حلال الدّم. قاله في «الشذور» . وفيها توفي أبو الحسين بن المتيّم [1] أحمد بن محمد بن أحمد بن حمّاد البغدادي الواعظ، في جمادى الآخرة، له جزء مشهور. روى عن المحاملي وجماعة. وفيها ابن الصّلت الأهوازي، أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصّلت [2] ، ولد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وسمع من المحاملي، وابن عقدة، وجماعة، وهو ثقة. وفيها عبد الله بن يوسف بن أحمد بن باموية [3] ، الشيخ أبو محمد، المعروف بالأصبهاني، وإنما هو أردستاني- بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح المهملة [4] فسكون المهملة ففتح الفوقية، نسبة إلى أردستان، بلد قرب أصفهان، وقيل: هو بكسر الهمزة- نزل نيسابور، وكان من كبار الصوفية وثقات المحدّثين الرّحالة. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، ومحمد بن

_ [1] انظر «العبر» (3/ 102) . [2] انظر «الأنساب» (1/ 177- 178) و «العبر» (3/ 102) . [3] في «آ» و «ط» و «الأنساب» (1/ 178) : «مامويه» وفي «معجم البلدان» : «بابويه» والتصحيح من «تبصير المنتبه» (1/ 56) . [4] وضبطه ياقوت «الأردستاني» بكسر الدال. انظر «معجم البلدان» (1/ 146) .

الحسين القطّان، وجماعة، وتوفي في رمضان، وله أربع وتسعون سنة. وفيها عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الأزدي المصري السمرقندي [1] صاحب التصانيف، كان ثقة صاحب سنّة، حافظا علّامة، من تآليفه كتاب «المؤلف والمختلف» . مات في سابع صفر وله سبع وسبعون سنة. روى عن عثمان بن محمد السمرقندي، وإسماعيل بن الجراب [2] ، والدارقطني، وطبقتهم، ورحل إلى الشام، فسمع من الميانجي وطبقته، وكان الدارقطني يفخم أمره ويرفع ذكره، ويقول: كأنه شعلة نار. وقال [3] منصور الطرسوسي: خرجنا نودع الدارقطني بمصر فبكينا، فقال: تبكون وعندكم عبد الغني، وفيه الخلف. وقال البرقاني: ما رأيت بعد الدارقطني أحفظ من بعد الغني. وقال ابن خلّكان [4] : انتفع به خلق كثير، وكانت بينه وبين أبي أسامة جنادة اللغوي، وأبي علي المقرئ الأنطاكي مودّة أكيدة، واجتماع في دار الكتب، ومذاكرات، فلما قتلهما الحاكم صاحب مصر، استتر بسبب ذلك الحافظ عبد الغني خوفا أن يلحق بهما لاتهامه بمعاشرتهما، وأقام مستخفيا مدة حتّى حصل له الأمن، فظهر. وقال أبو الحسن علي بن بقا، كاتب الحافظ عبد الغني: سمعت الحافظ عبد الغني يقول: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضّالّ، لم يكن ضالّا، وإنما ضلّ في طريق مكّة، وعبد الله بن محمد الضعيف، كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه. انتهى ملخصا.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 102- 103) و «غربال الزمان» ص (344) . [2] في «آ» : «وإسماعيل الجراب» . [3] في «آ» و «ط» : «وكان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» . [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 223) .

وفيها القاسم بن أبي المنذر الخطيب أبو طلحة القزويني [1] ، راوي «سنن ابن ماجة» عن أبي الحسن القطّان عنه، توفي في هذا العام، أو في الذي بعده.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 103) .

سنة عشر وأربعمائة

سنة عشر وأربعمائة فيها كما قال في «الشذور» ورد إلى القادر كتاب من عين الدولة محمود بن سبكتكين يذكر ما افتتحه من بلاد الهند، فيه: إني فتحت قلاعا وحصونا، وأسلم زهاء عشرين ألفا من عبّاد الأوثان، وسلّموا قدر ألف ألف درهم من الورق [1] وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفا، ووافى العبد مدينة لهم، عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد وألف بيت الأصنام، ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وثلاثمائة مثقال، وقلع من الأصنام الفضة زيادة على ألف صنم، فحصل منهم عشرون ألف ألف درهم، وأفرد خمس الرقيق، فبلغ ثلاثة وخمسين ألفا، واستعرض ثلاثمائة وستة وخمسين فيلا. انتهى. وقال الذهبي [2] : وكان جيشه ثلاثين ألف فارس، سوى الرّجالة والمطّوّعة. وقال ابن الأهدل: فتح ما لم يبلغه أحمد في الإسلام، وبنى فيها- أي الهند- مساجد، وكسر الصنم المشهور «بسر منات» وهو عند كفرة الهند يحيي ويميت، ويقصدونه لأنواع العلل، ومن لم يشف منهم الحتجّ بالذنب

_ [1] الورق: الدراهم المضروبة. انظر «مختار الصحاح» (ورق) . [2] انظر «العبر» (3/ 104) ، وانظر الخبر بطوله في «غربال الزمان» ص (344- 345) .

وعدم الإخلاص، ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على مذهب أهل التناسخ، ويتركها فيمن شاء، وأن مدّ البحر وجزره عبادة له، ويتحفه كل ملوك الهند والسّند بخواص ما عندهم، حتّى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وخدمه من البراهمة ألف رجل، وثلاثمائة يحلقون رؤوسهم ولحاهم عند الورود، وثلاثمائة امرأة يغنون ويضربون عند بابه، وبين قلعة الصنم وبلاد المسلمين مسيرة شهر، مفازة قليلة الماء، صعبة المسالك، لا تهتدى طرقها، فأنفق محمود ما لا يحصى في طلبها، حتّى وصلها وفتحها في ثلاثة أيام، ودخل بيت الصنم وحوله أصنام كثيرة من الذهب المرصّع بالجوهر، محيطة بعرشه، يزعمون أنها الملائكة، فأحرق الصنم، ووجد في أذنه نيفا وثلاثين حلقة، فسألهم محمود عن تلك الحلق، فقالوا: كل حلقة عبادة ألف سنة، كلما عبدوه ألف سنة، علّقوا في أذنه حلقة، ولهم فيه أخبار طويلة. انتهى. وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني [1] صاحب «التفسير» و «التاريخ» والتصانيف التي منها «المستخرج على صحيح البخاري» لستّ بقين من رمضان، وقد قارب التسعين. سمع بأصبهان، والعراق، وروى عن أبي سهل بن زياد القطّان وطبقته، وعنه عبد الرحمن بن مندة وأخوه عبد الوهاب، وخلق كثير، وكان إماما في الحديث، بصيرا بهذا الشأن. وفيها الحافظ أبو بكر الشيرازي، أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد [2] بن موسى الفارسي [3] الجوّال، صاحب كتاب «ألقاب الرجال» كان

_ [1] انظر «العبر» (3/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 308- 311) و «التبيان شرح بديعة البيان» (142/ آ) . [2] في «آ» : «ابن أحمد بن أحمد» وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب. [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 242- 245) و «التبيان شرح بديعة البيان» (142/ ب- 143 آ) .

حافظا، وصدوقا متقنا. ذكره ابن ناصر الدّين في «بديعته» وأثنى عليه، وعدّه من الحفّاظ، لكن جزم بموته في السنة التي بعدها. وفيها أبو القاسم الشّيباني، عبد الرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي [1] المؤدّب، في رجب. روى عن خيثمة وطبقته، واتهموه في لقاء [2] أبي إسحاق بن أبي ثابت، ويذكر عنه الاعتزال. قاله في «العبر» [3] . وفيها ابن بالويه المزكّي أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه النيسابوري [4] . آخر من روى عن محمد بن الحسين القطان، وكان ثقة نبيلا وجيها، توفي فجاءة [5] في شعبان، وكان يملي في داره. وفيها ابن بابك، الشاعر المشهور، عبد الصمد بن منصور بن الحسين بن بابك [6] ، أحد الشعراء المجيدين المكثرين، ديوانه في ثلاث مجلدات، وله أسلوب رائق في نظم الشعر، وجاب البلاد، ومدح الرؤساء- وبابك بفتح الموحدتين- قال له الصاحب بن عبّاد: أنت ابن بابك؟ فقال: ابن بابك، فأعجب به غاية الإعجاب. ومن شعره: وأغيد معسول الشمائل زارني ... على فرق والنجم حيران طالع فلما جلى صبح [7] الدّجى قلت حاجب ... من الصبح أو قرن من الشمس لامع إلى أن دنا والسّحر رائد طرفه ... كما ريع ضبي بالصّريمة راتع فنازعته الصهباء والليل دامس ... رقيق حواشي البرد والنّسر واقع

_ [1] انظر «ميزان الاعتدال» (2/ 580) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 262) . [2] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «في لقي» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» (17/ 262) . [3] (3/ 104) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 240- 241) و «العبر» (3/ 104) . [5] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «فجأة» وكلاهما صحيح. [6] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 196- 198) و «العبر» (3/ 104- 105) . [7] في «وفيات الأعيان» : «صبغ» .

عقارا [1] عليها من دم الصّبّ بعضه [2] ... ومن عبرات المستهام فواقع تدير [3] إذا شحّت [4] عيونا كأنها ... عيون العذارى شقّ عنها البراقع معوّدة غصب العقول كأنما [5] ... لها عند ألباب الرجال ودائع فبتنا وظلّ الوصل دان وسرّنا ... مصون ومكتوم الصبابة ذائع إلى أن سلا عن ورده فارط الغطا ... ولاذت بأطراف الغصون السّواجع فولّى أسير السّكر يكبو لسانه ... فتنطق عنه بالوداع الأصابع وله أيضا: يا صاحبي امزجا كأس المدام لنا ... كيما يضيء لنا من نورها الغسق خمرا إذا ما نديمي همّ يشربها ... أخشى عليه من اللألاء يحترق لو رام يحلف أن الشمس ما غربت ... في فيه كذّبه في وجهه الشّفق وله بيت من قصيدة وهو الغاية رقّة: ومرّ بي النسيم فرقّ حتّى ... كأني قد شكوت إليه ما بي وتوفي ببغداد رحمه الله تعالى. وفيها أبو عمر بن مهدي، عبد الواحد بن محمد بن عبد الله الفارسي ثم البغدادي البزّاز [6] آخر أصحاب المحاملي، وابن مخلد، وابن عقدة. قال الخطيب: ثقة. توفي في رجب، وله اثنتان وتسعون سنة. وفيها القاضي أبو منصور الأزدي [7] محمد بن محمد بن عبد الله

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «عقار» . [2] في «وفيات الأعيان» : «نفضة» . [3] في «آ» و «ط» : «تذر» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [4] في «وفيات الأعيان» : «شجت» . [5] في «آ» و «ط» : «كأنها» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [6] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 13- 14) و «العبر» (3/ 105) . [7] انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 274) و «العبر» (3/ 105) .

الفقيه، شيخ الشافعية بهراة، ومسند البلد، رحل وسمع ببغداد من أحمد بن عثمان الأدمي، وبالكوفة من ابن دحيم وطائفة، توفي فجاءة في المحرم. وفيها أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش [1]- بميم مفتوحة وحاء مهملة ساكنة، بعدها ميم مكسورة، ثم شين معجمة- ابن علي بن داود بن أيوب الأستاذ، الزّيادي، الفقيه الشافعي، عالم نيسابور ومسندها. ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة [2] وسمع سنة خمس وعشرين من أبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطان، وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وخلق، وأملى ودرّس، وكان قانعا متعفّفا، له مصنّف في علم الشروط، وروى عنه الحاكم مع تقدمه عليه، وأثنى عليه، وعرف بالزّيادي لأنه كان يسكن ميدان زياد بن عبد الرحمن. وقال ابن السمعاني: إنما سمّي بذلك نسبة إلى بعض أجداده. وفيها هبة الله [بن] سلامة بن أبي القاسم البغدادي [3] المفسّر، مؤلف كتاب «الناسخ والمنسوخ» وجدّ رزق الله التميمي لأمه. كان من أحفظ الأئمة للتفسير، وكان ضريرا، له حلقة بجامع المنصور.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 105) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 276- 278) . [2] تنبيه: كذا في كتابنا و «الأنساب» (6/ 336) و «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 245) و «العبر» (3/ 105) و «طبقات الشافعية الكبرى» (4/ 198) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 609) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 193) : «ولد سنة سبعة عشرة وثلاث مائة» وفي «سير أعلام النبلاء» (17/ 277) : «سنة سبع وعشرين وثلاث مائة» وهو خطأ فيصحح فيه. [3] انظر «نكت الهيمان» ص (302) و «العبر» (3/ 106) و «طبقات المفسرين» للداودي (2/ 347- 348) . وما بين حاصرتين مستدرك منها.

سنة إحدى عشرة وأربعمائة

سنة إحدى عشرة وأربعمائة فيها كان الغلاء المفرط بالعراق، حتّى أكلوا الكلاب والحمر. وفيها توفي أبو نصر النّرسي، أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي [1] . الصدوق الصالح. روى عن ابن البختري، وعلي بن إدريس السّتوري. وفيها الحاكم بأمر الله، أبو علي منصور بن نزار العزيز بالله [2] بن المعز العبيدي، صاحب مصر، والشام، والحجاز، والمغرب، فقد في شوال وله ست وثلاثون سنة، قتلته أخته ست الملك، بعد أن كتب إليها ما أوحشها وخوّفها، واتهمها بالزّنى، فدسّت من قتله، وهو طليب بن دوّاس، المتهم بها، ولم يوجد من جسده شيء، وأقامت بعده ولده، ثم قتلت طليبا، وكلّ من اطّلع على أمر أخيها. وكان الحاكم شيطانا مريدا، خبيث النفس، متلوّن الاعتقاد، سمحا جوادا، سفّاكا للدماء، قتل عددا كثيرا من كبراء دولته صبرا، وأمر بشتم الصحابة، وكتبه على أبواب المساجد، وأمر بقتل الكلاب حتّى لم يبق في

_ [1] انظر «العبر» (3/ 106) . [2] في «آ» و «ط» : «منصور بن عبد العزيز نزار» وهو خطأ والتصحيح من كتب التاريخ والتراجم.

مملكته منها إلّا القليل، وأبطل الفقّاع [1] ، والملوخية، والسمك الذي لا فلوس له [2] ، وأتى بمن باع ذلك سرّا فقتلهم، ونهى عن بيع الرّطب، ثم جمع منه شيئا عظيما وحرقه، وأباد أكثر الكروم، وشدّد في الخمر، وألزم [أهل] [3] الذّمة بحمل الصّلبان والقرامي في أعناقهم كما قدّمناه، وأمرهم بلبس العمائم السود، وهدم الكنائس، ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة منه، وأمر بالسلام فقط، وأمر الفقهاء ببث [مذهب] مالك [4] ، واتخذ له مالكيين يفقهانه، ثم ذبحهما صبرا، ثم نفى المنجّمين من بلاده، وحرّم على النساء الخروج، فما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر، حتّى قتل، ثم تزهّد وتألّه ولبس الصوف، وبقي يركب حمارا، ويمرّ وحده في الأسواق، ويقيم الحسبة بنفسه، ويقال: إنه أراد [أن] يدّعي الإلهية كفرعون، وشرع في ذلك، فخوّفه خواصه من زوال دولته فانتهى، وكان المسلمون و [أهل] الذّمة في ويل وبلاء شديد معه. قال ابن خلّكان [5] : والحاكم المذكور هو الذي بنى الجامع الكبير بالقاهرة، بعد أن شرع فيه والده، فأكمله هو، وبنى جامع راشدة بظاهر مصر، وكان المتولّي بناءه الحافظ عبد الغني بن سعيد، والمصحّح لقبلته ابن يونس المنجم، وأنشأ عدة مساجد بالقرافة [وغيرها] وحمل إلى الجامع من المصاحف والآلات الفضية والستور والحصر ما له قيمة طائلة. وكان يفعل الشيء وينقضه.

_ [1] الفقاع: شراب يتخذ من الشعير، يخمّر حتى تعلوه فقّاعاته. انظر «المعجم الوسيط» (فقع) وراجع «تاج العروس» (فقع) . [2] جاء في «تاج العروس» (فلس) : شيء مفلس اللون كمعظّم، إذا كان على جلده لمع كالفلوس. [3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» . [4] في «آ» و «ط» : «ببث ذلك» والتصحيح من «العبر» وما بين حاصرتين مستدرك منه. [5] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 296) .

(وكان الحاكم المذكور سيء الاعتقاد، كثير التنقل من حال إلى حال، ابتدأ أمره بالتزيّي بزي آبائه، وهو الثياب المذهّبة والفاخرة، والعمائم المنظومة بالجواهر النفيسة، وركوب السروج الثقيلة المصوغة، ثم بدا له [تركه] بعد ذلك، وتركه على تدريج بأن انتقل منه إلى المعلّم غير المذهّب، ثم زاد الأمر به حتّى لبس الصوف، وركب الحمر، وأكثر من طلب أخبار الناس والوقوف على أحوالهم، وبعث المتجسسين من الرجال والنساء فلم يكن يخفى عليه رجل ولا امرأة من حواشيه ورعيته، وكان مؤاخذا بيسير الذنب، لا يملك نفسه عند الغضب، فأفنى رجالا وأباد أجيالا وأقام هيبة عظيمة وناموسا، وكان يقتل خاصته وأقرب النّاس إليه، وربما أمر بإحراق بعضهم، وربما أمر بحمل بعضهم وتكفينه ودفنه وبناء تربة عليه، وألزم كافة الخواص بملازمة قبره والمبيت عنده وأشياء من هذا الجنس يموّه بها على أصحاب العقول السخيفة، فيعتقدون أنه له في ذلك أغراضا صحيحة، ومع هذا القتل العظيم والطغيان المستمر، يركب وحده منفردا تارة، وفي الموكب أخرى، وفي المدينة طورا وفي البريّة آونة، والناس كافة على غاية الهيبة والخوف منه، والوجل لرؤيته، وهو بينهم كالأسد الضاري، فاستمر أمره كذلك مدة ملكه، وهو نحو إحدى وعشرين سنة، حتّى عنّ له أن يدّعي الإلهية، ويصرّح بالحلول والتناسخ، ويحمل الناس عليه، وألزم الناس بالسجود مرّة إذا ذكر، فلم يكن يذكر في محفل ولا مسجد، ولا على طريق إلّا سجد من يسمع ذكره. وقبّل الأرض إجلالا له، ثم لم يرضه ذلك حتّى كان في شهر رجب سنة تسع وأربعمائة، ظهر رجل يقال له: حسن بن حيدرة الفرغاني الأخرم، يرى حلول الإله في الحاكم، ويدعو إلى ذلك، ويتكلم في إبطال الثواب، وتأوّل جميع ما ورد في الشريعة، فاستدعاه الحاكم- وقد كثر تبعه- وخلع عليه خلعا سنيّة، وحمله على فرس مسرّج في موكبه، وذلك في ثاني رمضان منها،

فبينما هو يسير في بعض الأيام، تقدّم إليه رجل من الكرخ على جسر طريق المقياس [1] وهو في الموكب، فألقاه عن فرسه ووالى العرب عليه، حتّى قتله، فارتجّ الموكب، وأمسك الكرخيّ فأمر به فقتل في وقته، ونهب النّاس دار الأخرم بالقاهرة، وأخذ جميع ما كان له، فكان بين الخلع عليه وقتله ثمانية أيام، وحمل الأخرم في تابوت وكفّن بأكفان حسنة، وحمل أهل السّنّة الكرخيّ ودفنوه، وبنوا على قبره، ولازم النّاس زيارته ليلا ونهارا، فلما كان بعد عشرة أيام أصبح النّاس، فوجدوا القبر منبوشا وقد أخذن جثته، ولم يعلم ما فعل بها) [2] . انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها القاضي أبو القاسم الحسن بن الحسين بن المنذر البغدادي [3] قاضي [4] ميّافارقين، ببغداد في شعبان، وله ثمانون سنة. كان صدوقا، علّامة بالفرائض. روى عن ابن البختري، وإسماعيل الصّفّار، وجماعة. وفيها أبو القاسم الخزاعي علي بن أحمد بن محمد البخلي، راوي «مسند» الهيثم بن كليب الشاشي عنه، وقد روى عنه جماعة كثيرة، وحدّث ببلخ، وبخارى، وسمرقند، ومات في صفر ببخارى عن بضع وثمانين سنة.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (5/ 178) . [2] ما بين القوسين لم يرد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي فتنبه. [3] انظر «العبر» (3/ 108- 109) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 338- 339) . [4] لفظة «قاضي» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» .

سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

سنة اثنتي عشرة وأربعمائة فيها توفي أبو سعد الماليني [1]- نسبة إلى مالين قرية مجتمعة من أعمال هراة- أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي، الحافظ، الثقة، المتقن، طاووس الفقراء. قال الخطيب: كان ثقة، متقنا، صالحا [2] . وقال غيره: سمع بخراسان، والحجاز، والشام، والعراق، ومصر، وحدّث عن أبي أحمد بن عدي وطبقته، وكتب الكتب الطوال، وأكثر التطواف إلى أن مات، وتوفي بمصر في سابع عشر شوال. وفيها الحسين [3] بن عمر بن برهان الغزّال، أبو عبد الله البغدادي الثقة، حدّث عن ابن البختري وطبقته. وفيها أبو محمد الجرّاحي عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المرزباني المروزي [4] ، راوي [5] «جامع الترمذي» عن المحبوبي. سكن هراة، وروى بها الكتاب.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 371- 372) و «العبر» (3/ 109) . [2] في «تاريخ بغداد» : وكان ثقة، صدوقا، متقنا، خيرا، صالحا» . [3] تحرّف في «آ» و «ط» إلى «الحسن» والتصحيح من «تاريخ بغداد» (8/ 82) و «العبر» (3/ 110) . [4] انظر «الأنساب» (3/ 214) و «العبر» (3/ 110) . [5] في «ط» . «روى» .

قال أبو سعد السمعاني: هو ثقة صالح- إن شاء الله تعالى [1]- توفي سنة اثنتي عشرة. قاله في «العبر» . وفيها غنجار الحافظ، صاحب «تاريخ بخارى» محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل أبو عبد الله البخاري [2] . روى عن خلف الخيّام وطبقته. قال ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا ثقة مصنفا. وفيها ابن رزقويه الحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البغدادي البزاز [4] . روى عن ابن البختري، ومحمد بن يحيى الطائي، وطبقتهما. قال الخطيب: كان ثقة، كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد، مديما للتلاوة، أملى بجامع المدينة مدة سنين، وكفّ بصره بأخرة [5] . ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. وقال الأزهري: أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه بمال فردّه تورعا، توفي في جمادى الأولى. وفيها الحافظ أبو الفتح بن أبي الفوارس، محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي [6] المصنّف الثقة، في ذي القعدة، وله أربع

_ [1] عبارة «إن شاء الله تعالى» تأخرت في «الأنساب» إلى عقب قوله: «توفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة» . [2] انظر «العبر» (3/ 110) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 304- 305) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (143/ ب) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرّف. [4] تصحفت نسبته في «آ» إلى «البزار» وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب. [5] في «ط» : «بآخره» . [6] انظر «تاريخ بغداد» (1/ 352- 353) و «العبر» (3/ 111) و «طبقات الحفّاظ» ص (412- 413) .

وسبعون سنة. سمع من جعفر الخلدي وطبقته. قال الخطيب: كان ذا حفظ، ومعرفة وأمانة، مشهورا بالصلاح والانتخاب على المشايخ، وكان يملي في جامع الرّصافة. وفيها أبو عبد الرحمن السّلمي محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري [1] الصوفي الحافظ شيخ الصوفية، صحب جده أبا عمرو [2] بن نجيد، وسمع الأصمّ وطبقته، وصنف «التفسير» و «التاريخ» وغير ذلك، وبلغت تصانيفه مائة. قال محمد بن يوسف النيسابوري القطّان: كان يضع للصوفية. وقال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك مجودا صاحب حديث، وله بنيسابور دويرة للصوفية، توفي في شعبان. قاله جميعه في «العبر» . وقال ابن ناصر الدّين [3] : حدّث عنه أبو القاسم القشيري، والبيهقي، وغيرهما، وهو حافظ زهاد لكن ليس بعمدة، وله في حقائق التفسير تحريف [4] كثير. انتهى. وفيها صريع الدّلاء، قتيل الغواشي، محمد بن عبد الواحد البصري [5] الشاعر الماجن، صاحب المقصورة المشهورة: قلقل أحشائي تباريح الجوى [6]

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 247- 255) و «العبر» (3/ 111) و «غربال الزمان» ص (346) . [2] في «آ» و «ط» : «أبو عمر» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (16/ 146) . (ع) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (143/ ب) . [4] في «ط» : «تخريف» وهو تصحيف. [5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 383- 384) و «العبر» (3/ 112) . [6] صدر بيت في «تتمة يتيمة الدهر» ص (23) طبع دار الكتب العلمية وعجزه: ............... وبان صبري حين حالفت الأسى

قال ابن خلّكان: هو علي بن عبد الواحد، أبو الحسن، وقيل أبو الحسن محمد بن عبد الله بن عبد الواحد القصّار البصري، الشاعرى المشهور، ذكره الرشد أحمد بن الزبير في كتاب «الجنان» فقال: كان يسلك مسلك أبي الرّقعمق [1] ، وله قصيدة في المجون ختمها ببيت لو لم يكن له في الجدّ سواه لبلغ درجة الفضل، وأحرز معه قصب السبق، وهو: من فاته العلم وأخطأه الغنى ... فذاك والكلب على حال [2] سوا وكانت وفاته في رجب فجأة من شرقة لحقته عند الشريف البطائحي [3] ، وغالب ظني أنه توفي بمصر. وفيه قال أبو العلاء المعري: دعيت بصارع فتداركته ... مبالغة فردّ إلى فعيل كان طلب منه شرابا وما يليق به، فسيّر إليه قليل نفقة، واعتذر بهذه الأبيات. انتهى ملخصا. وفيها أبو العبّاس منير بن أحمد بن الحسن بن منير الخشّاب المصري المعدّل [4] ، شيخ الخلعي. روى عن علي بن عبد الله بن أبي مطر وجماعة. قال الحبّال: كان ثقة لا يجوز عليه تدليس، توفي في ذي القعدة.

_ [1] انظر ترجمته في «وفيات الأعيان» (1/ 131- 132) . [2] الذي في «العبر» (3/ 112) «والبداية والنهاية» (12/ 15) «حدّ» . [3] في «آ» و «ط» : «الطحاوي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] انظر «العبر» (3/ 112) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 267) .

سنة ثلاث عشرة وأربعمائة

سنة ثلاث عشرة وأربعمائة فيها تقدم بعض الباطنيّة من المصريين، فضرب الحجر الأسود بدبوس ثلاث مرات، وقال: إلى متى يعبد [هذا] الحجر، ولا محمد ولا علي، أفيمنعني محمد مما أفعله، فإني اليوم أهدم [أكثر] هذه البيت، فاتقاه أكثر الحاضرين، وكاد [أن] يفلت، وكان أحمر أشقر جسيما طويلا، وكان على باب المسجد عشرة فوارس ينصرونه، فاحتسب رجل فوجأه [1] بخنجر، ثم تكاثورا عليه، فهلك وأحرق، وقتل جماعة ممّن اتّهم بمعاونته، واختبط الوفد، ومال الناس على ركب المصريين بالنهب، وتخشّن وجه الحجر، وتساقط منه شظايا يسيرة، وتشقق، وظهر مكسورة [2] أسمر يضرب إلى صفرة محببا مثل حبّ الخشخاش، فعجن الفتات بالمسك واللّك [3] وحشيت الشقوق وطليت، فهو يبين لمن تأمله. وفيها توفي بشيراز، سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة الدّيلمي [4] ، صاحب العراق وفارس، ولّي السلطنة بعد

_ [1] جاء في «لسان العرب» (وجأ) : الوجء: اللّكز، وجأه باليد والسّكّين: ضربه. [2] في «العبر» : «مكسرة» . [3] اللّكّ: بالفتح شيء أحمر يصبغ به. انظر «مختار الصحاح» (لكك) . [4] انظر «العبر» (3/ 113) .

أبيه وهو صبي، وأرسل إليه القادر بالله خلع الملك إلى شيراز، وقد قدم بغداد في وسط سلطنته [ورجع] ، وكانت دولته ضعيفة متماسكة، وعاش اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر. وفيها أبو القاسم صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم بن الدّلم القرشي الدّمشقي [1] ، الثقة الأمين، محدّث دمشق ومسندها. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، وأبي الطيب بن عبادل، وطائفة، ومات في جمادى الآخرة. وفيها أبو المطرّف القنازعي [2] الفقيه، عبد الرحمن بن مروان القرطبيّ المالكيّ. ولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وسمع من أبي عيسى اللّيثي وطبقته، وقرأ القراءات على جماعة، منهم، علي بن محمد الأنطاكي، ورحل فأكثر عن الحسن بن رشيق، وعن أبي محمد بن أبي زيد، ورجع، فأقبل على الزهد، والانقباض، ونشر العلم، والإقراء، والعبادة، والأوراد، والمطالعة، والتصنيف، فشرح «الموطأ» وصنّف كتابا في الشروط، وكان أقرأ من بقي بالأندلس. وفيها أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر بن خواستي [3] ، أبو القاسم الفارسي ثم البغدادي، المقرئ المحدّث، مسند أهل الأندلس في زمانه. ولد سنة عشرين وثلاثمائة، وسمع من إسماعيل الصّفّار، وابن داسة، وطبقتهما، وقرأ بالروايات على أبي بكر النقّاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وكان تاجرا، توفي في ربيع الأول، وقد أكثر عنه أبو عمرو الدّاني.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 114) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 266- 267) . [2] انظر «العبر» (3/ 114) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 342- 343) . [3] في «آ» و «ط» : «خواشتي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 114) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 351) .

وفيها علي بن هلال أبو الحسن بن البوّاب [1] صاحب الخط المنسوب، كتب على محمد بن أسد، وأخذ العربية عن ابن جنّي، وكان في شبيبته مزوّقا دهانا في السقوف، ثم صار يذهّب الختم وغيرها، فبرع في ذلك، ثم عني بالكتابة، ففاق فيها الأوائل والأواخر، ووعظ وعبّر الرؤيا، وقال النّظم والنثر، ونادم فخر الملك أبا غالب الوزير، ولم يعرف الناس قدر خطّه إلا بعد موته، لأنه كتب ورقة إلى كبير يشفع فيها في مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين، وقد بسط القول فيها، فلما كان بعد موته بمدة، بيعت تلك الورقة بسبعة عشر دينارا. قال الخطيب [2] : كان رجلا ديّنا لا أعلمه روى شيئا. وقال ابن خيرون: كان من أهل السّنّة، توفي في جمادى الأولى، ودفن [إلى] جوار الإمام أحمد بن حنبل. ورثاه بعضهم بقوله: استشعر الكتّاب فقدك سالفا ... وقضت بصحّة ذلك الأيام فلذاك سوّدت الدّويّ كآبة ... أسفا عليك وشقّت الأقلام [3] وفيها أبو الفضل الجارودي محمد بن أحمد بن محمد الهروي [4] الحافظ، في شوال، روى عن حامد الرّفّاء، والطبراني، وطبقتهم، وكان شيخ الإسلام [5] إذا روى عنه قال: حدّثنا إمام أهل المشرق الجارودي.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 115) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 315- 320) . [2] ساق هذا النقل الذهبي في «سير أعلام النبلاء» و «العبر» ونقله عنه المؤلف، ولم أر للمترجم ترجمة في «تاريخ بغداد» . [3] البيتان في سياق ترجمته في «وفيات الأعيان» (3/ 342- 344) . [4] انظر «العبر» (3/ 116) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 384- 386) . [5] يعني عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي، المتوفي سنة (481) هـ-، وهو ممّن أخذ عنه، وكان يلقب بشيخ الإسلام.

وقال أبو النضر الفامي: كان عديم النظير في العلوم، خصوصا في علم الحفظ والتحديث، وفي التقلّل من الدّنيا، والاكتفاء بالقوت، وحيدا في الورع. قال في «العبر» . وفيها المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النّعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضا بابن المعلّم [1] ، عالم الشيعة، وإمام الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة. قال ابن أبي طيّ في «تاريخ الإمامية» : هو شيخ مشايخ الطائفة [2] ، ولسان الإمامية، رئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة، مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية. قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، حسن اللباس. وقال غيره: كذا عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخا ربعة، نحيفا، أسمر، عاش ستا وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة [3] شيّعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة [4] ، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان، رحمه الله. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (3/ 116- 117) و «ميزان الاعتدال» (4/ 26 و 30) و «الأعلام» (7/ 20) . [2] في «ط» «الصوفية» . [3] في «آ» و «ط» : «مشهورة» وما أثبتناه من «العبر» . [4] في «العبر» : «من الرافضة والشيعة والخوارج» . (ع) .

سنة أربع عشرة وأربعمائة

سنة أربع عشرة وأربعمائة فيها توفي أبو القاسم تمّام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرّازي ثم الدمشقي [1] الحافظ، ولد الحافظ أبي الحسين، في ثالث المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن خيثمة، وأبي علي الحصائري [2] وطبقتهما. قال الكتّاني: كان ثقة، لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين. وقال أبو علي الأهوازي: ما رأيت مثله في معناه. قال أبو بكر الحداد: ما رأينا مثل تمّام في الحفظ والخير. وفيها أبو عبد الله الغضائري الحسين بن الحسن بن محمد بن حليس المخزومي البغدادي [3] . روى عن الصّولي، والصفّار، وجماعة. قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ثقة فاضلا، مات في المحرم. وفيها الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أبي كامل الأطرابلسي [4] العدل. روى عن خال أبيه خيثمة وطائفة بدمشق ومصر.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 117- 118) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 289- 293) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحضائري» . [3] انظر «العبر» (3/ 118) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 327- 328) . [4] انظر «العبر» (3/ 118) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 339) .

وفيها أبو عبد الله بن فنجويه [1] ، الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدّينوري بنيسابور، في ربيع الآخر، وكان ثقة مصنفا، روى عن أبي بكر بن السّني، وعيسى بن حامد الرّخجي، وطبقتهما، وحصل له حشمة ومال. وفيها أبو الحسن بن جهضم، علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني [2] ، شيخ الصوفية بالحرم، ومؤلف كتاب «بهجة الأسرار» في التصوف. روى عن أبي سلمة القطّان، وأحمد بن عثمان الأدمي، وعلي بن أبي العقب، وطبقتهم، وأكثر النّاس عنه، وطال عمره. قال ابن خيرون: قيل إنه يكذب. وقال غيره: اتهموه بوضع الحديث. وفيها الإمام أبو الحسن بن ماشاذه، علي بن محمد بن أحمد بن ميله الأصفهاني [3] ، الفقيه الفرضي الزاهد. روى عن [أبي عمرو] أحمد [بن محمد] بن حكيم، وأبي علي المصاحفي [4] ، وعبد الله بن جعفر بن فارس، وطائفة، وأملى عدّة مجالس. قال أبو نعيم- وبه ختم كتاب «الحلية» -: ختم التحقيق [5] بطريقة الصوفية بأبي الحسن، لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوّه. كان عارفا

_ [1] تحرّفت في «آ» و «ط» و «العبر» (3/ 118) إلى «فتحويه» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (17/ 383) و «تبصير المنتبه» (3/ 1084) . [2] انظر «العبر» (3/ 118- 119) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 275- 276) . [3] انظر «العبر» (3/ 119) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 297- 299) وما بين حاصرتين زيادة منهما. [4] تحرّفت نسبته في «سير أعلام النبلاء» إلى «الصحاف» فتصحح فيه، وهو أحمد بن محمد بن إبراهيم المصاحفي. انظر «الأنساب» (11/ 338) . [5] في «آ» و «ط» «المتحقق» وما أثبته من «حلية الأولياء» (10/ 408) و «العبر» .

بالله، فقيها عاملا [1] ، له الحظ الجزيل من الأدب. وقال أبو نعيم أيضا [2] : كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، كان ينكر على المشبّهة من الصوفية [3] وغيرهم فساد مقالتهم في الحلول والإباحة والتشبيه. وفيها أبو عمر الهاشمي، القاسم بن جعفر [4] بن عبد الواحد العبّاسي البصري، الشريف القاضي، من ولد الأمير جعفر بن سليمان، ولد سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وسمع من اللؤلؤي «سنن أبي داود» ومن أبي العبّاسي الأثرم، وعلي بن إسحاق المادرائي [5] ، وطائفة. قال الخطيب: كان ثقة أمينا، ولي قضاء البصرة، ومات بها في ذي القعدة. وفيها الحافظ أبو سعيد النقّاش، محمد بن علي بن عمرو [6] بن مهدي الأصبهاني الحنبلي [7] ، صاحب التصانيف، في رمضان. روى عن ابن فارس، وإبراهيم الهجيمي [8] ، وأبي بكر الشافعي، وطبقتهم، وكان ثقة صالحا. قاله في «العبر» .

_ [1] في «آ» : «عالما» وما أثبته من «ط» . [2] لم يرد هذا النقل في «حلية الأولياء» الذي بين يدي. [3] في «آ» و «ط» : «بالصوفية» وما أثبته من «العبر» . [4] في «آ» و «ط» : «القاسم بن سعد» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (12/ 451) و «العبر» (3/ 119) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 225) . [5] في «آ» «ط» : «المادراي» وفي «تاريخ بغداد» : «المادراني» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» وانظر «الأنساب» (11/ 64) . [6] في «آ» و «ط» : «علي بن عمر» ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «العبر» . (ع) . [7] انظر «العبر» (3/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 307- 308) . [8] تحرّفت نسبته في «آ» و «ط» إلى: «الجهمي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «تذكرة الحفاظ» (3/ 1059- 1060) .

وقال ابن ناصر الدّين [1] : كان حافظا إماما ذا إتقان، رحل وطوّف [وجمع] ، وصنّف [وأملى الكثير] مع الصدق والأمانة والتحرير. وفيها أبو الفتح، هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفّار [2] ببغداد، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن ابن عيّاش القطان، وابن البختري [3] وطائفة. قال الخطيب: صدوق، كتبنا عنه. وفيها أبو زكريا المزكّي، يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري [4] شيخ العدالة ببلده. كان صالحا زاهدا ورعا، صاحب حديث كأبيه أبي إسحاق المزكّي، روى عن الأصمّ وأقرانه، ولقي ببغداد النّجاد وطبقته، وأملى عدة مجالس، ومات في ذي الحجّة.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (114/ آ) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] انظر «تاريخ بغداد» (14/ 75) و «الأنساب» (10/ 428) و «العبر» (3/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 293- 295) . [3] تحرّفت في «آ» إلى «البحيري» وأثبت ما في «ط» وهو الصحيح. [4] انظر «العبر» (3/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 295- 296) .

سنة خمس عشرة وأربعمائة

سنة خمس عشرة وأربعمائة فيها توفي أبو الحسن المحاملي [1] ، شيخ الشافعية، أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضّبّي. تفقه على والده أبي الحسين، وعلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، ورحل به أبوه، فأسمعه بالكوفة من [ابن] أبي السري [2] البكّائي، ومات في ربيع الآخر، عن سبع وأربعين سنة، وكان عديم النظير في الذكاء والفطنة، صنّف عدة كتب. قال الشيخ أبو حامد: هو اليوم أحفظ للفقه [3] مني. وحكي عن ابن الصلاح [4] ، عن الفقيه سليم، أن المحامليّ لما صنّف كتبه «المقنع» و «المجرد» وغير ذلك من كتب أستاذه أبي حامد، ووقف عليها [5] ، قال: بتر كتبي، بتر الله عمره [6] فما عاش إلّا يسيرا [7] ، حتّى مات

_ [1] انظر «العبر» (3/ 121) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 403- 405) . [2] في «آ» و «ط» : (من أبي السر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «تاريخ بغداد» (4/ 372) وهو أبو الحسين علي بن عبد الرحمن البكائي انظر «الأنساب» (2/ 270) . [3] لفظة «للفقه» سقطت من «العبر» فتستدرك فيه. [4] في «ط» : «وحكى ابن الصلاح» . [5] يعني ووقف عليها شيخه أبو حامد. [6] في «آ» و «ط» : «نثر كتبي، نثر الله عمر» والتصحيح من «الأسماء واللغات» للنووي (2/ 210) . [7] في «آ» : «إلا اليسير» وأثبت لفظ «ط» .

ونفذت فيه دعوة الشيخ أبي حامد، ومن تصانيفه «المجموع» قريب من حجم «الروضة» مشتمل على نصوص كثيرة، وكتاب «رؤوس المسائل» مجلدان، وكتاب «عدّة المسافر» وغير ذلك. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى الإشبيلي المعدّل بمصر، في صفر، سمع عثمان بن محمد السمرقندي، وأبا الفوارس الصابوني وطبقتهما، بمصر والشام، وانتقى عليه أبو نصر السّجزي. وفيها القاضي عبد الجبّار بن أحمد أبو الحسن الهمذاني الأسداباذي [1] المعتزلي، صاحب التصانيف، عمّر دهرا في غير السّنّة، وروى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطّان، وعبد الله بن جعفر بن فارس، وطبقتهما. قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» [2] : عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل [3] ، القاضي أبو الحسن الهمذاني، قاضي الرّيّ وأعمالها، وكان شافعي المذهب، وهو مع ذلك شيخ الاعتزال، وله المصنفات الكثيرة في طريقهم [4] ، وفي أصول الفقه. قال ابن كثير في «طبقاته» : ومن أجلّ مصنفاته وأعظمها كتاب «دلائل النبوّة» في مجلدين، أبان فيه عن علم وبصيرة جيدة، وقد طال عمره، ورحل الناس إليه من الأقطار، واستفادوا به، مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة. انتهى كلام ابن شهبة بحروفه.

_ [1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى: «الاسترابادي» والتصحيح من «العبر» (3/ 121) وانظر «الأنساب» (1/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 244- 245) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 176- 177) . [3] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الخليلي» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة و «سير أعلام النبلاء» . [4] تحرّفت في «ط» إلى «طريقم» .

وفيها العيسوي، أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العبّاسي البغدادي [1] قاضي مدينة المنصور، مات في رجب، وحدّث عن أبي جعفر بن البختري [2] وطائفة. وفيها أبو الحسين بن بشران، علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي [3] المعدّل. سمع ابن البختري وطبقة. قال الخطيب: كان صدوقا [ثقة] ثبتا، [حسن الأخلاق] تام المروءة، ظاهر الديانة. ولد في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وتوفي في شعبان، كتبنا عنه. وفيها الجرجرائي- بفتح الجيمين والراء الثانية، نسبة إلى جرجرايا [4] ، بلد بلد بغداد وواسط- محمد بن إدريس بن الحسن بن ذئب [5] ، نزيل بخارى وبها مات، كان من الحفّاظ الأثبات، ودفن ببيكند، ذكره أبو حفص عمر بن محمد النسفي في كتابه «القند في حفّاظ سمرقند» وذكره ابن ناصر الدّين في الحفّاظ، ولكن جزم بوفاته في السنة التي قبلها. قال في «بديعته» : الجرجرائي فتى إدريس ... دار يروم تحفة النّفوس وفيها أبو الحسين القطّان، محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل

_ [1] انظر «العبر» (3/ 121- 122) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 321- 322) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البحتري» . [3] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 98- 99) وما بين حاصرتين مستدرك منه، و «العبر» (3/ 122) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 311- 313) . [4] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «جرجريا» والتصحيح من «الأنساب» و «معجم البلدان» (2/ 123) . [5] كذا في كتابنا و «طبقات الشافعية» للسبكي (4/ 114) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدين (144/ آ) : «ابن ذئب» وفي «الأنساب» (3/ 224) : «ابن زيد» وهو خطأ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 382) .

الأزرق البغدادي [1] الثقة، ولد سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي في رمضان. روى عن إسماعيل الصفّار، ومحمد بن يحيى بن علي بن حرب، وطبقتهما، وكان مكثرا. وفيها أبو عبد الله القيرواني، محمد بن سفيان [2] صاحب كتاب «الهادي في القراءات» تفقه على أبي الحسن القابسي، ورحل فأخذ القراءات عن ابن غلبون وغيره. قال أبو عمرو الداني: كان ذا فهم وحفظ وعفاف.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 122) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 331- 332) . [2] انظر «العبر» (3/ 122) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 380- 381) .

سنة ست عشرة وأربعمائة

سنة ست عشرة وأربعمائة فيها مات السلطان شرف الدولة [1] ونهبت خزائنه، وتسلطن جلال الدولة أبو طاهر ولد بهاء الدولة بن عضد الدولة، وهو يومئذ بالبصرة، فخلع على وزيره علم الدّين شرف الملك أبي سعيد بن ماكولا. ثم إن الجند عدلوا إلى الملك أبي كاليجار [2] ، ونوّهوا باسمه، وكان وليّ عهد أبيه سلطان الدولة، فخطب لهذا ببغداد، واختبط الناس، وأخذت العيارون الناس [نهارا] [3] جهارا، وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل، ويكبسون البيت، ويأخذون صاحبه ويعذبونه، إلى أن يقرّ لهم بذخائره، وأحرقوا دار الشريف المرتضى، ولم يخرج ركب من بغداد. وفيها توفي الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب، أبو الحسين [4] القاضي المصري [5] . حدّث عن أبيه، وعثمان بن السمرقندي، وطائفة.

_ [1] في «العبر» : «مشرف الدولة» . [2] في «ط» : «كالبجار» وهو تصحيف. [3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» . [4] في «آ» «أبو الحسن» وفي «العبر» : «أبو الخير» وكلاهما خطأ، وما أثبته من «ط» و «حسن المحاضرة» . [5] انظر «العبر» (3/ 123) و «حسن المحاضرة» (1/ 372) .

وفيها أبو محمد النّحاس، عبد الرحمن بن عمر المصري البزّاز [1] ، في عاشر صفر، وكان مسند الدّيار المصرية ومحدّثها، عاش بضعها وتسعين سنة، وسمع بمكّة من ابن الأعرابي، وبمصر من أبي الطاهر المديني، وعلي بن عبد الله بن أبي مطر، وطبقتهما، وأول سماعه في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. وفيها أبو الحسن التّهامي [2] ، علي بن محمد الشاعر، له «ديوان» مشهور [3] ، دخل مصر بكتب من حسّان بن مفرج، فظفروا به وقتلوه سرّا في جمادى الأولى. قال ابن بسام الأندلسي في كتاب «الذخيرة» [4] في حقه: كان متميّز [5] الإحسان، ذرب اللسان، مخلّى بينه وبين ضروب البيان، يدل شعره على فوز [6] القدح، دلالة النسيم على الصبح، ويعرب عن مكانه من العلوم إعراب الدّمع عن سرّ الهوى المكتوم. وقال ابن خلّكان [7] : له ديوان شعر صغير، أكثره نخب، ومن لطيف نظمه قوله من جملة قصيدة طويلة يمدح بها الوزير أبا القاسم: قلت لخلّي وثغور الربا ... مبتسمات وثغور الملاح أيّهما أحلى ترى منظرا؟ ... فقال: لا أعلم، كلّ أقاح

_ [1] انظر «العبر» (3/ 123- 124) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 313- 314) . [2] انظر «العبر» (3/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 381- 382) و «غربال الزمان» ص (347) . [3] طبعة المكتب الإسلامي بدمشق منذ سنوات طويلة بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط ومشاركة بعض الأفاضل. [4] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع المجلد الثاني ص (537) . [5] في «الذخيرة» : «مشتهر» . [6] في «آ» : «على نور» ما أثبته من «ط» وهو موافق لما في «الذخيرة» . [7] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 379- 381) وفيه الأبيات.

وله مرثية في ولده وكان قد مات صغيرا، وهي في غاية الحسن، ولم يمنعني من الإتيان بها إلا أن الناس يقولون: هي محذورة [1] فتركتها، ولكن من جملتها بيتان في الحسّاد ومعناهما غريب: إني لأرحم حاسديّ لحرّ ما ... ضمّت صدورهم من الأوغار نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنّة وقلوبهم في نار ومنها في ذمّ الدّنيا: جبلت [2] على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار ومكلّف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفير هار ومنها: جاورت أعدائي وجاور ربّه ... شتّان بين جواره وجواري وتلهّب الأحشاء شيّب مفرقي ... هذا الشعاع شواظ تلك النار وله بيت بديع من قصيدة وهو: وإذا جفاك الدّهر وهو أبو الورى ... طرّا فلا تعتب على أولاده ورآه بعض أصحابه بعد موته [في النوم] [3] ، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: بأي الأعمال؟ قال: بقولي في مرثية ولدي: جاورت أعدائي وجاور ربّه ... شتّان بين جواره وجواري انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «محدودة» . [2] في «وفيات الأعيان» : «طبعت» . [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «وفيات الأعيان» .

وفيها أبو بكر القطّان، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله [1] الطائي الداراني، المعروف أيضا بابن الخلّال [2] . كان زاهدا صالحا ثقة، روى عن خيثمة وجماعة كثيرة. وفيها أبو عبد الله بن الحذاء [3] القرطبي محمد بن يحيى التميميّ [4] المالكيّ المحدّث، عاش ثمانين سنة، وروى عن أبي عيسى اللّيثي، وأحمد بن ثابت، وطبقتهما، وحجّ، فأخذ عن أبي القاسم عبد الرحمن الجوهري، وأبي بكر [بن] المهندس وطبقتهما، وتفقّه على أبي محمد الأصيلي، وألّف في تعبير الرؤيا كتاب «البشرى» في عشرة أسفار، وولي قضاء إشبيلية وغيرها. وفيها مشرّف الدولة، السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة بن السلطان عضد الدولة الدّيلمي [5] ، ولي مملكة بغداد، وكان يرجع إلى دين وتصوف وحياء، عاش ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكان مدة ملكه خمسة أعوام، وخطب بعده لجلال الدولة بن بويه، ثم نودي بعد أيام بشعار أبي كاليجار.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [2] انظر «العبر» (3/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 399) . [3] قال القاضي عياض في «ترتيب المدارك وتقريب المسالك» (4/ 733) : هكذا نسبهم، والحذاء بالذال المعجمة، وحكى ابن عفيف، أنهم يأبون ذلك، ويقولون: هو بدال مهملة، من حدا الإبل، وإن جدّهم الذي ينسبون إليه هو حادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: ولكن لما سكن أوّلنا في ربض الحذائين بقرطبة، تصحّف على الناس نسبنا، لقرب الحرفتين. [4] انظر «العبر» (3/ 124- 125) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 444- 445) و «غربال الزمان» ص (347) . [5] انظر «العبر» (3/ 125) و «الكامل في التاريخ» (9/ 346- 347) .

سنة سبع عشرة وأربعمائة

سنة سبع عشرة وأربعمائة فيها توفي قاضي العراق ابن أبي الشوارب، أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن العبّاس [بن محمد] [1] بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي [2] . قال الخطيب: كان نزها عفيفا، سمع من عبد الباقي بن قانع، ولم يحدّث، وعاش ثمانيا وثمانين سنة، وقد ولي القضاء أربعة وعشرون نفسا من أولاد محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، منهم ثمانية ولّوا قضاء القضاة، هذا آخرهم. وفيها أبو العلاء، صاعد بن الحسن الرّبعي البغدادي [3] اللّغوي الأديب، نزل الأندلس، وصنّف الكتب، وروى عن أبي بكر القطعي وطائفة. قال ابن بشكوال: كان يتّهم بالكذب. وقال ابن خلّكان: صاعد بن الحسن بن عيسى الرّبعي البغدادي

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (5/ 47- 48) و «العبر» (3/ 126) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 344- 345) و «وفيات الأعيان» (2/ 488- 489) - وما بين حاصرتين في النص منه- و «العبر» (3/ 126- 127) .

اللّغوي، صاحب كتاب «الفصوص» روى بالمشرق عن أبي سعيد [1] السّيرافي، وأبي علي الفارسي، وأبي سليمان الخطابي، ودخل الأندلس في أيام هشام بن الحكم، وولاية المنصور بن [أبي] عامر، في حدود ثمانين وثلاثمائة. وأصله من بلاد الموصل، ودخل بغداد، وكان عالما باللغة والأدب والأخبار، وسريع الجواب، حسن الشعر، طيب المعاشرة، [ممتعا] ، فأكرمه المنصور وزاد في الإحسان إليه والإفضال عليه، وكان مع ذلك محسنا للسؤال، حاذقا في استخراج الأموال، وجمع كتاب «الفصوص» نحا فيه منحى القالي في «أماليه» وأثابه عليه خمسة آلاف دينار، وكان يتّهم بالكذب في نقله، فلهذا رفض الناس كتابه. ولما دخل مدينة دانية وحضر مجلس الموفق مجاهد بن عبد الله العامري أمير [2] البلد، وكان في المجلس أديب [3] يقال له بشار، وكان أعمى فقال [4] : يا أبا العلاء، فقال: لبّيك، فقال: ما الجرنفل في كلام العرب فعرف أبو العلاء أنه وضع هذه الكلمة وليس لها أصل في اللغة، فقال له بعد أن أطرق ساعة، هو الذي يفعل بنساء العميان ولا يفعل بغيرهنّ، ولا يكون الجرنفل جرنفلا حتّى لا يتعداهنّ إلى غيرهنّ، فخجل بشار [وانكسر] ، وضحك من كان [حاضرا] [5] ، وتوفي صاعد بصقلية، ولما ظهر للمنصور كذبه في النقل وعدم تثبته، رمى كتاب «الفصوص» في البحر [6] ، لأنه قيل له: جميع ما فيه لا صحة له، فعمل فيه بعض شعراء عصره:

_ [1] في «آ» عن «سعيد» وأثبت ما في «ط» وهو الصواب. [2] في «آ» و «ط» : «أمين» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» : «لبيب» وأثبت ما في «ط» وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [4] لفظة «فقال» سقطت من «ط» . [5] لفظة «حاضرا» سقطت من «آ» . [6] في «وفيات الأعيان» : «في النهر» .

قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا كلّ ثقيل يغوص فلما سمع صاعد هذا البيت أنشد: عاد إلى عنصره إنما ... يخرج من قعر البحور الفصوص وله أخبار كثيرة في الامتحان. انتهى ملخصا. وفيها أبو بكر القفّال المروزي [1] ، [عبد الله بن] [2] أحمد، شيخ الشافعية بخراسان، صار إمام الخراسانيين، كما أن القفّال الكبير الشاشي شيخ طريقة العراقيين، لكن المروزي أكثر ذكرا في كتب الفقه، ويذكر مطلقا، وإذا ذكر الكبير قيّد بالشاشي. قال ابن قاضي شهبة: عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي، الإمام الجليل، أبو بكر القفّال الصغير، شيخ طريقة خراسان، وإنما قيل له: القفّال، لأنه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره، وبرع في صناعتها، حتّى صنع قفلا بآلاته ومفتاحه، وزن أربع حبّات، فلما كان ابن ثلاثين سنة، أحسّ من نفسه ذكاء، فأقبل على الفقه، فاشتغل به على الشيخ أبي زيد وغيره، وصار إماما يقتدى به فيه، وتفقّه عليه خلق من أهل خراسان، وسمع الحديث، وحدّث وأملى. قال الفقيه ناصر العمري: لم يكن في زمان أبي بكر القفّال أفقه منه، ولا يكون بعده مثله، وكنّا نقول: إنه ملك في صورة إنسان. وقال الحافظ أبو بكر السمعاني في «أماليه» أبو بكر القفّال وحيد زمانه، فقها، وحفظا، وورعا، وزهدا، وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من

_ [1] انظر «العبر» (3/ 126- 127) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 405- 408) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 175- 176) و «غربال الزمان» ص (348) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .

أهل عصره، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي، التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة وأكثرها تحقيقا. رحل إليه الفقهاء من البلاد، وتخرّج به أئمة. وذكر القاضي الحسين: أن أبا بكر القفّال كان في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء في الدرس، ثم يرفع رأسه ويقول [1] : ما أغفلنا عما يراد بنا. وقال الشيخ أبو محمد: أخرج القفّال يده، فإذا على كفّه آثار، فقال: هذا آثار عملي في ابتداء شبيبتي، وكان مصابا بإحدى عينيه. انتهى ما أورده ابن شهبة ملخّصا. وفيها الحافظ أبو حازم عمر [2] بن أحمد المسعودي الهذلي النيسابوري الأعرج [3] يوم عيد الفطر، وكان صدوقا، كتب عن عشرة أنفس عشرة آلاف جزء. قاله ابن الأهدل. وقال الخطيب: كان ثقة، صادقا، حافظا، عارفا. انتهى. وفيها أبو محمد السّكّري عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار البغداديّ [4] صدوق مشهور. روى عن إسماعيل الصفّار وجماعة، وتوفي في صفر. وفيها أبو الحسن الحمّامي، مقرئ العراق، علي بن أحمد بن عمر البغدادي [5] . قرأ القراءات على النقّاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وبكّار، وزيد بن أبي بلال، وطائفة، وبرع فيها، وسمع من عثمان بن السّماك

_ [1] في «ط» : «فيقول» . [2] في «آ» و «ط» : «عمرو» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [3] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 272- 273) و «العبر» (3/ 127) و «غربال الزمان» ص (348) . [4] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 199) و «العبر» (3/ 127) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 386- 387) . [5] انظر «العبر» (3/ 127) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 402- 403) .

وطبقته، وانتهى إليه علو الإسناد في القرآن، وعاش تسعا وثمانين سنة، وتوفي في شعبان. وفيها أبو حفص العكبري [1] ، عمر بن أحمد بن عثمان البزاز. روى عن محمد بن يحيى الطائي وجماعة، وعاش سبعا وتسعين سنة، ووثّقه الخطيب. وفيها أبو نصر بن الجندي، محمد بن أحمد بن هارون الغسّاني الدمشقي [2] ، إمام الجامع [3] ، ونائب الحكم، ومحدّث البلد، روى عن خيثمة، وعلي بن أبي العقب، وجماعة. قال الكتّاني: كان ثقة مأمونا، توفي في صفر.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 128) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 360- 361) . [2] انظر «العبر» (3/ 128) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 400- 401) . [3] يعني جامع بني أمية بدمشق.

سنة ثماني عشرة وأربعمائة

سنة ثماني عشرة وأربعمائة قال في «الشذور» : جاء فيها برد وزن البردة رطلان وأكثر. وفيها اجتمعت الحاشية ببغداد، وصمموا على الخليفة، حتّى عزل أبا كاليجار، وأعدت الخطبة لجلال الدولة أبي طاهر. وفيها ورد كتاب الملك محمود بن سبكتكين بما فتحه من بلاد الهند، وكسره صنم سومنات، وأنهم فتنوا به، وكانوا يأتونه من كل فجّ عميق، ويقرّبون له القرابين، حتّى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزانة الصنم بالأموال، وله ألف نفس يخدمونه، وثلاثمائة يحلقون [رؤوس] [1] حجّاجه [ولحاهم] [1] ، وثلاثمائة [رجل وخمسمائة امرأة] [1] يغنون [ويرقصون عند بابه] [1] ، فاستخار العبد [2] [الله] في الانتداب له، ونهض في شعبان، سنة ست عشرة وأربعمائة في ثلاثين ألف فارس، سوى المطوّعة، ووصلنا إلى بلد الصنم وملكنا الصنم والبلد، وأوقدت النيران على الصنم، حتّى تقطع، وقتلنا خمسين ألفا من أهل البلد، وتقدم طرف من ذلك في سنة عشر [3] . وفيها توفي أبو إسحاق الإسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» (5/ 178، 179) . [2] يعني الملك محمود بن سبكتكين. [3] انظر ص (56- 57) من هذا المجلد.

مهران [1] الأصولي المتكلّم الشافعي، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف. روى عن دعلج وطبقته، وأملى مجالس، وكان شيخ خراسان في زمانه، توفي يوم عاشوراء وقد نيّف على الثمانين، وهو شيخ خراسان، يقال: إنه بلغ رتبة الاجتهاد، وله المصنفات الكثيرة، منها «الجامع في أصول الدّين» خمس مجلدات و «تعليقة» في أصول الفقه وغير ذلك، وخرّج له أبو عبد الله الحاكم عشرة أجزاء، وذكره في «تاريخه» لجلالته، وقد مات الحاكم قبله، قال في حقه: قد أقرّ له العلماء بالتقدّم، قال: وبني له مدرسة لم يبن مثلها فدرّس بها، وبه تفقّه القاضي أبو الطيب الطبري، والقشيري، والبيهقي، وكان يقول: أشتهي أن أموت بنيسابور ليصلي عليّ جميع أهلها، فتوفي بها يوم عاشوراء، ثم نقل إلى بلده إسفرايين ودفن في مشهده المعروف. وفيها أبو القاسم المغربي الوزير، واسمه حسين بن علي الشيعي [2] ، لما قتل الحاكم بمصر أباه وعمّه وإخوته، هرب وقصد حسّان بن مفرّج الطائي ومدحه، فأكرم مورده، ثم وزر لصاحب ميّافارقين أحمد بن مروان الكردي، وله شعر رائق، وعدّة تآليف، عاش ثمانيا وأربعين سنة، وكان من أدهى البشر وأذكاهم. وفيها أبو القاسم السرّاج، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري [3] الفقيه. روى عن الأصم وجماعة، وكان من جلّة العلماء، توفي في صفر. وفيها عبد الوهاب بن الميداني [4] محدّث دمشق، وهو أبو

_ [1] انظر «العبر» (3/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 353- 356) و «غربال الزمان» ص (348) و «طبقات الأصوليين» للمراغي (1/ 228- 229) . [2] انظر «العبر» (3/ 130) . [3] انظر «العبر» (3/ 130) . [4] انظر «العبر» (3/ 130) .

الحسين بن جعفر بن علي. [روى عن] [1] أبي علي بن هارون، واتّهم في روايته عنه، وروى عن أبي عبد الله بن مروان وخلق. قال الكتاني: ذكر أبو الحسين أنه كتب بقنطار حبر، وكان فيه تساهل. وفيها أبو بكر النّسائي [2] ، محمد بن زهير، شيخ الشافعية بنسإ، وخطيب البلد. روى عن الأصمّ، وأبي سهل بن زياد القطّان، وطبقتهما. وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن الرّوزبهان البغدادي [3] . روى عن السّتوري، وابن السماك وجماعة، وتوفي في رجب. قال الخطيب: صدوق. وفيها معمر بن أحمد بن محمد بن زياد، أبو منصور الأصبهاني [4] الزاهد، شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان. روى عن الطبراني، وأبي الشيخ، ومات في رمضان. وفيها مكّي بن محمد بن الغمر، أبو الحسن التميمي الدمشقي [5] المؤدّب، مستملي القاضي الميانجي. أكثر عنه وعن أحمد بن البراثي [6] ، وهذه الطبقة، ورحل إلى بغداد، فلقي القطيعي، وكان ثقة. وفيها أبو القاسم اللّالكلائي، هبة الله بن الحسن الطبري [7] الحافظ

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 392) و «العبر» (3/ 131) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 231) و «العبر» (3/ 131) . [4] انظر «العبر» (3/ 131) . [5] انظر «العبر» (3/ 131- 132) . [6] في «آ» و «ط» : «البرامي» والتصحيح من «العبر» . [7] انظر «العبر» (3/ 132) .

الفقيه الشافعي، محدّث بغداد، تفقّه على الشيخ أبي حامد، وسمع من المخلص وطبقته، وبالرّيّ من جعفر بن فنّاكي. قال الخطيب [1] : كان يحفظ ويفهم، صنّف كتابا في شرح السّنّة في مجلدين، وكتاب «رجال الصحيحين» ثم خرج في آخر أيامه إلى الدّينور، فمات بها في رمضان كهلا.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (14/ 70) (14/ 70) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار وتصرّف تبعا للذهبي في «العبر» .

سنة تسع عشرة وأربعمائة

سنة تسع عشرة وأربعمائة فيها توفي ابن العالي، أبو الحسين، أحمد بن محمد بن [1] منصور البوشنجي [2] خطيب بوشنج. روى عن محمد بن أحمد بن ديسم [3] ، وأبي أحمد بن عدي، وطبقتهما، بهراة، وجرجان، ونيسابور، توفي في رمضان. وفيها عبد المحسن بن محمد الصّوري [4] ، شاعر محسن، بديع القول. قال ابن خلّكان [5] : أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب الصّوري، الشاعر المشهور، أحد المتقنين الفضلاء المجيدين الأدباء، شعره بديع الألفاظ، حسن المعاني، رائق الكلام، مليح النظام، من محاسن أهل الشام، له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان، فمن محاسنه: أترى بثأر أم بدين ... علقت محاسنها بعيني في لحظها وقوامها ... ما في المهنّد والرّديني وبوجهها ماء الشبا ... ب خليط نار الوجنتين بكرت عليّ وقالت اخ- ... - تر خصلة من خصلتين إما الصدود أو الفرا ... ق فليس عندي غير ذين

_ [1] لفظة «ابن» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» . [2] انظر «العبر» (3/ 133) ويقال في نسبته أيضا: «الفوشنجي» . انظر «الأنساب» (8/ 318) . [3] في «آ» و «ط» : «وسيم» وهو تحريف والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 381) . [4] انظر «العبر» (3/ 133) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 232- 234) .

فأجبتها ومدامعي ... تنهلّ فوق الوجنتين [1] لا تفعلي، إن حان [2] ص- ... - دّك أو فراقك حان حيني فكأنما [3] قلت انهضي ... فمضت مسارعة لبيني ثم استقلّت أين حلّ- ... ت عيسها رميت بأين ونوائب أظهرن أيّا ... مي إليّ بصورتين سوّدنها وأطلنها [4] ... فرأيت يوما ليلتين ومنها: هل بعد ذلك من يع ... - رّفني النّضار من اللّجين فلقد جهلتهما لبع- ... - د العهد بينهما وبيني متكسبا بالشعر يا ... بئس البضاعة في اليدين كانت كذلك قبل أن ... يأتي عليّ بن الحسين فاليوم حال الشعر ثا ... لثة كحال الشعرتين أغنى وأعفى مدحه ال- ... - عافين عن كذب ومين وهذه القصيدة عملها عبد المحسن في علي بن الحسين والد الوزير أبي القاسم المغربي، ولها حكاية شريفة، وهي أنه كان بمدينة عسقلان رئيس يقال له ذو المنقبتين، فجاءه [5] بعض الشعراء وامتدحه بهذه القصيدة، وجاء في مديحها: ولك المناقب كلّها ... فلم اقتصرت على اثنتين؟

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «مثل المأزمين» وعلّق محقّقه في هامشه بقوله: كتب في المسودة و «م» : «تنهلّ فوق الوجنتين» . [2] في «ط» : «حال» وهو خطأ. [3] في «آ» و «ط» : «وكأنما» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «سوّدتها وأطلتها» . [5] في «آ» و «ط» : «فجاء» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

فأصغى الرئيس إلى إنشاده واستحسنها، وأجزل جائزته، فلما خرج من عنده قال له بعض الحاضرين: هذه القصيدة لعبد المحسن، فقال،: أعلم هذا وأحفظ القصيدة، ثم أنشدها، فقيل له: كيف عملت معه هذا العمل من الإقبال عليه والجائزة السنيّة؟ فقال: لم أفعل ذلك إلّا لأجل البيت الذي ضمنها وهو قوله: ولك المناقب كلّها ... فلم اقتصرت على اثنتين؟ فإن هذا البيت ليس لعبد المحسن، وأنا ذو المنقبتين، فأعلم قطعا أن هذا البيت ما عمل إلّا في، وهو في نهاية الحسن. واجتاز الصّوري يوما بقبر صديق له فأنشد: عجبا لي وقد مررت على قب- ... رك كيف اهتديت قصد الطريق أتراني نسيت عهدك يوما؟ ... صدقوا ما لميّت من صديق انتهى ملخصا. ومن شعره: بالذي ألهم تعذى- ... - بي ثناياك العذابا ما الذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا وفيها أبو الحسن الرزّاز، علي بن أحمد بن محمد بن داود البغدادي [1] توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن السّمّاك وطبقته، وقرأ [القرآن] على أبي بكر بن مقسم [بحرف حمزة] . قال الخطيب: كان كثير السماع والشيوخ، وإلى الصدق ما هو. وفيها أبو بكر الذّكواني، محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 330- 331) وما بين حاصرتين زيادة منه و «العبر» (3/ 134) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 369- 370) .

ابن محمد الهمذاني الأصبهاني [1] المعدّل المحدّث الصّدوق. عاش ستا وثمانين سنة، ورحل إلى البصرة، والكوفة، والأهواز، والرّيّ، والنواحي، وروى عن أبي محمد بن فارس، وأبي أحمد القاضي العسّال، وفاروق الخطابي، وطبقتهم، وله «معجم» وتوفي في شعبان. وفيها أبو عبد الله بن الفخّار، محمد بن عمر بن يوسف القرطبي [2] الحافظ، شيخ المالكية، وعالم أهل الأندلس. روى عن أبي عيسى اللّيثي. وطائفة، وكان زاهدا، عابدا، متألّها [3] ، عارفا بمذاهب العلماء، واسع الدائرة، حافظا ل «المدوّنة» عن ظهر قلب، و «النوادر» لابن أبي زيد، مجاب الدعوة. قال القاضي عياض [4] : كان أحفظ الناس، وأحضرهم علما، وأسرعهم جوابا، وأوقفهم على اختلاف العلماء وترجيح المذاهب [5] ، حافظا للحديث والأثر [6] ، مائلا إلى الحجّة والنظر. وقال الذهبي: عاش ستا وسبعين سنة. وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزّاز [7] ببغداد في ربيع الأول، وله تسعون سنة، وهو آخر من حدّث عن الصّفّار، وابن البختري، وعمر الأشناني. قال الخطيب: كان صدوقا، جميل الطريقة، له أنسة بالعلم و [معرفة بشيء من] الفقه على مذهب أبي حنيفة، والله أعلم.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 134) . [2] انظر «العبر» (3/ 134- 135) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 372- 374) . [3] أي منقطعا إلى الله تعالى. [4] انظر «ترتيب المدارك» (4/ 724) وفيه بعض الاختلاف والزيادة عمّا هنا. [5] في «ترتيب المدارك» : «مرجحا بين المذهبين» . [6] في «آ» و «ط» : «حافظا للأثر» والتصحيح من «ترتيب المدارك» . [7] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 231- 232) و «العبر» (3/ 135) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 370- 371) .

سنة عشرين وأربعمائة

سنة عشرين وأربعمائة فيها وقع برد عظام إلى الغاية، كل واحدة رطل وأكثر، حتّى قيل: إن بردة وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع، فكانت كالثور البارك، وذلك بالنّعمانيّة [1] من العراق، وهبّت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول العاتية من الزيتون والنخيل. وفيها توفي أبو بكر المنقّي، أحمد بن طلحة البغدادي [2] في ذي الحجة، وكان ثقة. روى عن النّجاد، وعبد الصمد الطّستي. وفيها أبو الحسن بن البادا [3] أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي، في ذي الحجة. روى عن أبي سهل بن زياد، وابن قانع، وطائفة. قال الخطيب: كان ثقة [فاضلا] من أهل القرآن، والأدب، والفقه، على مذهب مالك. وفيها صالح بن مرداس، أسد الدولة الكلابي [4] ، كان من أمراء العرب.

_ [1] النعمانية: بلدة كانت على الفضة الغربية لنهر دجلة في العراق بين واسط وبغداد في نصف الطريق. انظر «معجم البلدان» (5/ 294) . [2] انظر «الأنساب» (11/ 504- 505) و «العبر» (3/ 138) . [3] كذا في «آ» و «ط» و «تاريخ بغداد» (4/ 322) : «ابن البادا» وفي «العبر» (3/ 138) : «ابن الباذا» بالذال. [4] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 487- 488) و «العبر» (3/ 138) .

قال ابن خلّكان: كان من عرب البادية، وقصد مدينة حلب. وبها مرتضى الدولة بن [لؤلؤ] الجراحي [1] غلام أبي الفضائل بن سعد الدولة نصر [2] بن سيف الدولة [بن حمدان] نيابة عن الظاهر بن الحاكم العبيدي، صاحب مصر، فاستولى عليها وانتزعها منه، وكان ذا بأس وعزيمة وأهل وعشيرة وشوكة، وكان تملّكه لها في ثالث عشر ذي الحجة، سنة سبع عشرة وأربعمائة، واستقر بها، ورتب أمورها، فجهز إليها الظاهر المذكور أمير الجيوش أنوشتكين [3] الدّزبري في عسكر كثيف- والدّزبري بكسر الدال المهملة، والباء الموحدة، وبينهما زاي، وفي الآخر راء، نسبة إلى دزبر بن دويتم الدّيلمي، وهو بالدال والياء أيضا- وكان بدمشق نائبا عن الظاهر، وكان ذا شهامة وتقدمة ومعرفة بأسباب الحرب، فخرج متوجها إليه، فلما سمع صالح الخبر خرج إليه، وتقدم حتّى تلاقيا على الأقحوانة، فتصافّا، وجرت بينهما مقتلة انجلت عن قتل صالح المذكور في جمادى الأولى، وهو أول ملوك بني مرداس المتملكين بحلب. والأقحوانة: بضم الهمزة، بلدة بالشام من أعمال فلسطين، بالقرب من طبرية. انتهى ملخصا. وفيها الحسين بن علي بن محمد البرذعي الهمذاني [4] ، سكن سمرقند، وكان أحد محدّثيها، وكان سنوطا، والسنوط الذي لا لحية له أصلا. قال ابن ناصر الدّين: لم يكن للبرذعي في وجهه شعرة سوى حاجبيه وأشفار عينيه.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الجراح» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] في «آ» و «ط» : «غلام أبي الفضائل أبي نصر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» : «أبوشكين» وفي «ط» : «أنوشكين» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] مترجم في «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدين (144/ ب) .

وفيها أبو القاسم الطرسوسي، عبد الجبّار بن أحمد، شيخ الإقراء بالديار المصرية، وأستاذ مصنّف «العنوان» . قرأ على أبي أحمد السّامري وجماعة، وألّف كتاب «المجتبى في القراءات» وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو محمد التميمي، عبد الرحمن بن أبي نصر، عثمان بن القاسم بن معروف الدمشقي [1] رئيس البلد، ويعرف بالشيخ العفيف. روى عن إبراهيم بن أبي [2] ثابت، وخيثمة، وطبقتهما، وعاش ثلاثا وتسعين سنة [3] . قال أبو الوليد الدّربندي: كان خيرا من ألف مثله إسنادا وإتقانا وزهدا مع تقدّمه. وقال رشأ بن نظيف: شاهدت سادات، فما رأيت مثل أبي محمد بن أبي نصر، كان قرّة عين. وقال عبد العزيز الكتّاني: توفي في جمادى الآخرة، فلم أر أعظم من جنازته، حضرها جميع أهل البلد، حتّى اليهود والنصارى، وكان عدلا مأمونا ثقة، لم ألق شيخا مثله زهدا وورعا وعبادة ورئاسة، رحمه الله تعالى. وفيها ابن العجوز، عبد الرحيم بن أحمد الكتامي [4] المالكي. قال القاضي عياض: كان من كبار قومه [5] ، وإليه كانت الرحلة بالمغرب، وعليه دارت الفتوى، وفي عقبه أئمة نجباء. أخذ عن ابن أبي زيد، وأبي محمد الأصيلي، وغيرهما.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 366- 368) . [2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» . [3] لفظة «سنة» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» . [4] انظر «ترتيب المدارك» (4/ 720- 721) و «العبر» (3/ 140) وقد تحرّفت نسبته في «آ» إلى «الكتاني» . [5] في «ترتيب المدارك» الذي بين يدي: «كان كبير قومه كتامة» .

وفيها عبد الرحمن بن أحمد الشّيرنخشيري [1] وشيرنخشير [2] من قرى مرو. قاله ابن الأهدل أيضا. وفيها أبو الحسن الرّبعي [3] علي بن عيسى البغدادي [4] شيخ النحو ببغداد. أخذ عن أبي سعيد السّيرافي، وأبي علي الفارسي، وصنّف «شرح الإيضاح» لأبي علي، وشرح «مختصر الجرمي» ونيّف على التسعين، وقيل: إن أبا علي قال: قولوا لعلي [5] البغدادي: لو سرت من المشرق إلى المغرب، لم تجد أحدا أنحى منك، وكان قد لازمه بضع عشرة سنة. وفيها أبو نصر العكبري، محمد بن أحمد بن الحسين البقّال [6] والد أبي منصور محمد بن محمد. روى عن أبي علي بن الصوّاف، وجماعة، وهو ثقة. وفيها أبو بكر الرّباطي [7] ، محمد بن عبد الله بن أحمد. روى عن أبي أحمد العسّال، والجعابي، وطائفة، وأملى مجالس، وتوفي في شعبان. وفيها المسبّحي الأمير المختار، عزّ الملك محمد بن عبيد الله [8] بن

_ [1] ترجم السمعاني في «الأنساب» (7/ 463) لولده محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الشّيرنخشيري ... وقال: وكانت وفاته في حدود سنة ثلاثين وأربعمائة. [2] كذا ورد اسمها أيضا عند السمعاني في «الأنساب» وفي «معجم البلدان» (3/ 382) : شير نخجير» وقال ياقوت: في معرض كلامه عنها: وبعضهم يقول: شيرنخشير يجعل بدل الجيم شينا معجمة. [3] قوله: «أبو الحسن الربعي» سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [4] انظر «العبر» (3/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 392- 393) . [5] لفظة «لعلي» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» . [6] انظر «العبر» (3/ 140) . [7] انظر «العبر» (3/ 140- 141) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 361) . [8] في «آ» و «ط» : «عبد الملك بن محمد بن عبيد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» وقد تحرّفت «عبيد الله» في «العبر» إلى «عبد الله» فتصحّح فيه.

أحمد الحرّاني [1] الأديب العلّامة، صاحب التآليف، وكان رافضيا جاهلا، له كتاب «القضايا الصائبة في التنجيم» في ثلاثة آلاف ورقة، وكتاب «الأديان والعبادات» في ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة، وكتاب «التلويح والتصريح» في الشعر ثلاث مجلدات، وكتاب «تاريخ مصر» وكتاب «أنواع الجماع» في أربع مجلدات، وعاش أربعا وخمسين سنة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 377- 380) و «العبر» (3/ 141) و «الوافي بالوفيات» . (4/ 7- 8) .

سنة إحدى وعشرين وأربعمائة

سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فيها توفي القاضي أبو بكر الحيري، أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرشي [1] النيسابوري الشافعي، في رمضان، وله ست وتسعون سنة، وكان رئيسا محتشما، إماما في الفقه. انتهى إليه علو الإسناد، فروى عن أبي علي الميداني، والأصم، وطبقتهما، وأخذ ببغداد عن أبي سهل القطّان، وبمكّة عن الفاكهي، وبالكوفة، وجرجان، وتفقه على أبي الوليد الفقيه، وحذق في الأصول والكلام، وولي قضاء نيسابور. روى عنه الحاكم في «تاريخه» [2] وآخر من حدّث عنه الشيروي [3] وقد صمّ بأخرة، حتّى بقي لا يسمع شيئا، ووافق شيخه الأصم، وصنّف في الأصول والحديث. وفيها أبو الحسين السّليطي- بفتح المهملة وكسر اللام، نسبة إلى سليط جدّ- أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري [4] العدل والنحوي، في جمادى الأولى. روى عن الأصمّ وغيره.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 143- 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 356- 358) وقد تصحفت «الحرشي» في «آ» و «ط» إلى «الحرسي» . [2] في «العبر» : روى عنه الحاكم في «تاريخه» مع تقدمه. (ع) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «السيروي» وأثبت لفظ «ط» و «العبر» وهو الصواب، وانظر «الأنساب» (4/ 109 و 289) . [4] انظر «العبر» (3/ 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 389) .

وفيها أبو عمر بن درّاج، أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن درّاج الأندلسي القسطلّي [1]- بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الطاء وتشديد اللام، نسبة إلى مدينة بالأندلس، يقال لها: قسطلّة [2]- الشاعر الكاتب الأديب، شاعر الأندلس، الذي قال فيه ابن حزم: لو لم يكن لنا من فحول الشعراء إلّا أحمد بن درّاج لما تأخر عن شأو «حبيب» و «المتنبي» وكان من كتّاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر. وقال الثعالبي: كان بصقع [3] الأندلس، كالمتنبي بصقع [3] الشام، ومن نظمه قصيدته الرائية التي عارض بها أبا نواس، وأول قصيدة ابن درّاج: ألم تعلمي أن الثّواء هو النّوى ... وأن بيوت العاجزين قبور [ولم تزجري طير السرى بحروفها ... فتنبيك إن يمّنّ فهو سرور] [4] يخوّفني [5] طول السّفار وإنه ... لتقبيل كفّ العامريّ سفير دعيني [6] أرد ماء المفاوز آجنا ... إلى حيث ماء المكرمات نمير [واختلس الأيام خلسة فاتك ... إلى حيث لي من عدوهن خفير] [7] فإن خطيرات المهالك ضمّن ... لراكبها أن الجزاء خطير ومنها في وصف وداعه لزوجته وولده الصغير: ولما تدانت للوداع وقد هفا ... بصبري منها أنّه وزفير تناشدني عهد المودّة والهوى ... وفي المهد مبغوم النداء صغير

_ [1] انظر «يتيمة الدهر» (2/ 119- 133) طبع دار الكتب العلمية و «العبر» (3/ 144) و «وفيات الأعيان» (1/ 135- 139) . [2] في «آ» و «ط» : «نسبة إلى قسطلة مدينة بالأندلس يقال لها: قسطلة» . [3] في «آ» و «ط» : «كان مصقع» والتصحيح من «يتيمة الدهر» و «العبر» . [4] هذا البيت لم يرد في «آ» و «ط» و «الوفيات» وأثبته من «يتيمة الدهر» . [5] في «آ» و «ط» : «تخوفني» والتصحيح من «يتيمة الدهر» . [6] في «يتيمة الدهر» : «ذريني» . [7] هذا البيت لم ير في «آ» و «ط» وأثبته من «يتيمة الدهر» .

عييّ بمرجوع الخطاب ولحظه [1] ... بموقع [2] أهواء النفوس خبير تبوّأ ممنوع القلوب ومهّدت ... له أذرع محفوفة ونحور فكل مفدّاة الترائب مرضع ... وكل محيّاة المحاسن ظير [3] عصيت شفيع النّفس فيه وقادني ... رواح لتدآب السّرى وبكور وطار جناح البين بي وهفت بها ... جوانح من ذعر الفراق تطير لئن ودّعت مني غيورا فإنني ... على عزمتي [4] من شجوها لغيور ولو [5] شاهدتني والهواجر [6] تلتظي ... عليّ ورقراق السراب يمور أسلّط حرّ الهاجرات إذا سطا ... على حرّ وجهي والأصيل هجير وأستنشق النكباء وهي لوافح [7] ... واستوطئ [8] الرمضاء وهي تفور وللموت في عين الجبان تلوّن ... وللذّعر في سمع الجريء صفير لبان لها أنّي من البين جازع ... وأنّي على مضّ الخطوب صبور أمير على غول النتائف ماله ... إذا ريع إلّا المشرفيّ وزير [9] ولو بصرت بي [10] والسّرى جلّ عزمتي ... وجرسي لجنّان الفلاة سمير ودارت نجوم القطب حتّى كأنها ... كؤوس مها [11] والى بهنّ مدير وقد خيّلت طرق المجرّة أنها ... على مفرق الليل البهيم قتير وثاقب عزمي والظلام مروّع ... وقد غض أجفان النّجوم فتور [12]

_ [1] في «يتيمة الدهر» : «ولفظة» . [2] في «يتيمة الدهر» : «بموضع» . [3] هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي. [4] في «آ» : «على غربتي» وأثبت لفظ «ط» و «يتيمة الدهر» . [5] في «اليتيمة» : «وما» . «ع» . [6] في «يتيمة الدهر» : «والضواحك» . [7] في «اليتيمة» : «وهي نوازح» . (ع) . [8] كذا في «آ» و «ط» : «واستوطئ» وفي «يتيمة الدهر» : «وأستمطئ» . [9] هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي. [10] في «يتيمة الدهر» : «ولو شاهدتني» . [11] في «يتيمة الدهر» : «كؤوس طلا» . [12] هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي.

لقد أيقنت أنّ المنى طوع همّتي ... وأنّي بعطف العامريّ جدير وهي طويلة، وغالب شعره مستحسن، و «ديوانه» في مجلدين، وكانت ولادته في المحرم سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، ومات ليلة الأحد لست عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة. وفيها أبو إبراهيم إسماعيل بن ينال المروزي المحبوبي [1] ، نسبة إلى جدّه محبوب. سمع «جامع الترمذي» من أستاذهم محمد بن أحمد بن محبوب، وهو آخر من حدّث عنه، توفي في صفر عن سبع وثمانين سنة. قال أبو بكر السمعاني: كان ثقة عالما، أدركت نفرا من أصحابه. وفيها أبو عبد الله المعاذي، الحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري الأصم [2] . والمعاذي: بضم الميم وبالذال المعجمة نسبة إلى معاذ جدّ. سمع من أبي العبّاس الأصم مجلسين فقط، ومات في جمادى الأولى. قال الذهبي: وقع لنا حديثه من طريق شيخ الإسلام [الأنصاري] [3] . وفيها أبو عبد الله الجمّال [4] الحسين بن إبراهيم الأصبهاني. روى عن أبي محمد بن فارس وجماعة، ومات في ربيع الأول، وله جزء معروف. وفيها أبو علي البجّاني- بجّانة الأندلس [5]- الحسين بن عبد الله بن الحسين بن يعقوب المالكي [6] ، وله خمس وتسعون سنة. حمل

_ [1] انظر «العبر» (3/ 144- 145) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 376- 377) . [2] انظر «العبر» (3/ 145) . [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» . [4] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحمال» والتصحيح من «العبر» (3/ 145) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 377) . [5] انظر «معجم البلدان» (1/ 339) . [6] انظر «العبر» (3/ 145- 146) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 377- 379) .

عنه ابن عبد البرّ، وأبو إسماعيل العبّاس العذري، والكبار، وكان أسند من بقي بالمغرب في رواية «الواضحة» لعبد الملك بن حبيب. سمعها من سعيد بن فحلون في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، عن يوسف المغامي عن المؤلف. وفيها حمام بن أحمد القاضي أبو بكر القرطبي [1] . قال ابن حزم: كان واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية، ضابطا [لما قيّده] [2] . أكثر عن أبي محمد الباجي، وأبي عبد الله بن مفرّج، وولي قضاء يابرة، وتوفي في رجب، وله أربع وستون سنة. وفيها أبو سعيد الصّيرفي، محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري [3] . كان ينفق على الأصمّ ويخدمه بماله، فاعتنى به الأصمّ وسمّعه الكثير، وسمع أيضا من جماعة، وكان ثقة، توفّي في ذي الحجّة. وفيها السلطان محمود بن سبكتكين [4] ، سيف الدولة أبو القاسم بن الأمير ناصر الدولة أبي منصور. كان أبوه أميرا للغزاة الذين يغيرون [5] من بلاد ما وراء النهر، على أطراف الهند، فأخذ عدة حصون وقلاع، وافتتح ناحية بست، وكان كرّاميا، وأما محمود فافتتح غزنة، ثم بلاد ما وراء النهر، ثم استولى على سائر خراسان، وعظم ملكه، ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند كل سنة، فافتتح منه بلادا واسعة، وكان ذا عزم وصدق في الجهاد.

_ [1] انظر «الصلة» لابن بشكوال (1/ 155) و «العبر» (3/ 146) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الصلة» و «العبر» . [3] انظر «العبر» (3/ 146) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 350- 351) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 175- 182) و «العبر» (3/ 147) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 483- 495) . [5] في «آ» : «يغزون» .

قال عبد الغافر الفارسي: كان صادق النّية في إعلاء كلمة الله تعالى، مظفّرا في غزواته، ما خلت سنة من سنّي ملكه عن غزوة أو سفرة، وكان ذكيا، بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء. قال ابن خلّكان [1] : وملك بلاد خراسان، وانقطعت الدولة السامانية منها، وذلك في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، واستتب [2] له الملك، وسيّر له الإمام القادر بالله خلعة السلطنة، ولقبه بيمين الدولة وأمين الملّة، وتبوأ سرير المملكة، وقام بين يديه أمراء خراسان، سماطين مقيمين برسم الخدمة، وملتزمين حكم الهيبة، وأجلسهم بعد الإذن العام على مجلس الأنس، وأمر لكل واحد منهم [ولسائر غلمانه وخاصّته ووجوه أوليائه] وحاشيته من الخلع والصّلات ونفائس الأمتعة ما لم يسمع بمثله، واتّسقت الأمور عن آخرها في كنف إيالته، واستوثقت الأعمال في ضمن كفالته، ثم إنه ملك سجستان في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، بدخول قوّادها وولاة أمورها في طاعته من غير قتال. ولم يزل يفتح بلاد الهند إلى أن انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية. ولم تتل به سورة قطّ ولا آية، فدحض [3] عنها أدناس الشرك، وبنى بها مساجد وجوامع، وتفصيل حاله يطول شرحه. وذكر شيخنا ابن الأثير في «تاريخه» أن بعض الملوك بقلاع الهند أهدى له هدايا كثيرة، من جملتها طائر على هيئة القمري من خاصيته أنه إذا حضر الطعام وفيه سم، دمعت عيناه، وجرى منها ماء وتحجّر، فإذا حكّ [4] ووضع

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 177- 181) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] في «آ» و «ط» : «واستثبت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «فرحض» . [4] في «آ» و «ط» : «حلّ» باللام وهو خطأ، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (9/ 334) طبع دار صادر، و «وفيات الأعيان» .

على الجراحات الواسعة ألحمها. وذلك في سنة أربع عشرة وأربعمائة. وذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سمّاه «مغيث الخلق في اختيار الأحق» أن السلطان محمود المذكور، كان على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، كان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي رضي الله عنه، فوقع في خلده حكمة ذلك فصار، شافعيا، وذكر قصة القفّال في الصلاة بين يديه على كلّ من المذهبين. وبالجملة فمناقبه كثيرة وسيرته أحسن السّير، ومولده ليلة عاشوراء، سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وتوفي بغزنة وقبره بها يزار ويدعى عنده، وقد صنّف في حركاته وسكناته وأحواله، لحظة لحظة، رحمه الله تعالى، وتوفي في جمادى الأولى.

سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة

سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة فيها توفي القادر بالله الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر [بالله] جعفر بن المعتضد العباسي [1] توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، وله سبع وثمانون سنة. وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وكان أبيض، كثّ اللحية طويلها، يخضب شيبه. قال الخطيب: كان من [الستر، و] الديانة، وإدامة التهجد [2] [بالليل وكثرة [البرّ و] الصدقات على صفة اشتهرت عنه. صنّف كتابا في الأصول [ذكر] فيه فضائل [3] الصحابة رضي الله عنهم، وتكفير المعتزلة القائلين بخلق القرآن، فكان يقرأ كل جمعة ويحضره الناس مدة. وقال أبو الحسن الأبهريّ: أرسلني بهاء الدولة إلى القادر بالله [في رسالة] [4] فسمعته ينشد: سبق القضاء بكلّ ما هو كائن ... والله يا هذا لرزقك ضامن

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 37- 38) و «الكامل في التاريخ» (9/ 414- 417) و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (411- 415) و «الأعلام» (1/ 95- 96) . [2] في «آ» و «ط» : «التهجيد» والتصحيح من «تاريخ بغداد» وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] في «آ» و «ط» : «فضل» والتصحيح من «تاريخ بغداد» و «تاريخ الخلفاء» . [4] زيادة من «الكامل في التاريخ» مصدر المؤلف في نقله.

تعنى بما يفنى وتترك ما به ... تغنى كأنّك للحوادث آمن أو ما ترى الدّنيا ومصرع أهله ... فاعمل ليوم فراقها يا خائن واعلم بأنّك لا أبا لك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن يا عامر الدّنيا أتعمر منزلا ... لم يبق فيه مع المنيّة ساكن الموت شيء أنت تعلم أنّه ... حقّ وأنت بذكره متهاون إنّ المنيّة لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوما ولا تستأذن فقلت: الحمد لله الذي وفّق أمير المؤمنين لإنشاد مثل هذه الأبيات. فقال: بل لله المنّة إذ ألهمنا [1] لذكره، ووفّقنا لشكره. ألم تسمع قوله الحسن البصريّ في أهل المعاصي؟: هانوا عليه فعصوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم. وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : قال الذهبي: كان في هذا العصر رأس الأشعرية أبو إسحاق الإسفراييني، ورأس المعتزلة القاضي عبد الجبّار، ورأس الرافضة الشّيخ المفيد [3] ، ورأس الكرامية محمد بن الهيصم [4] ورأس القرّاء أبو الحسن الحمامي، ورأس المحدّثين الحافظ عبد الغني بن سعيد، ورأس الصوفية أبو عبد الرحمن السّلمي، ورأس الشعراء أبو عمر بن درّاج، ورأس المجودين ابن البوّاب، ورأس الملوك السلطان محمود بن سبكتكين. قلت [5] : ويضم إلى هذا رأس الزنادقة الحاكم بأمر الله، ورأس اللّغويين الجوهري، ورأس النّحاة ابن جنّي [ورأس البلغاء البديع، ورأس

_ [1] في «الكامل في التاريخ» : «إذا لزمنا» . [2] ص (416- 417) . [3] كذا في «ا» و «ط» : «المفيد» وفي «تاريخ الخلفاء» : «المقتدر» ولم أتمكن من مراجعة النقل في «تاريخ الإسلام» للذهبي (المخطوط) لأنه غير متوفر بين يدي، ولا هو في مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق أيضا، وما هو محفوظ منه فيها إنما هو نزر يسير من أول الكتاب فقط فيما أعلم. [4] في «آ» و «ط» : «محمد بن الهيضم» وفي «تاريخ الخلفاء» : «محمد بن الهيصم» بالصاد المهملة وهو الصواب وهو ما أثبته، وانظر «القاموس المحيط» : (هصم) . [5] القائل الحافظ السيوطي في «تاريخ الخلفاء» .

الخطباء ابن نباتة، ورأس المفسرين أبو القاسم بن حبيب النيسابوري] [1] ورأس الخلفاء القادر [بالله] فإنه من أعلامهم، تفقّه وصنّف، وناهيك بأن الشيخ تقي الدّين بن الصّلاح عدّة من الفقهاء الشافعية، وأورده في طبقاتهم، ومدّته في الخلافة من أطول المدد. انتهى ما أورده السيوطي. وقال الذهبي: لما مات القادر بالله، استخلف ابنه القائم بأمر الله، وله إحدى وثلاثون سنة فبايعه الشريف المرتضى، ثم إن الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر قام وقامت الأتراك على القائم بالرسم الذي للبيعة، فقال: إن القادر لم يخلّف مالا وصدق، لأنه كان من أفقر الخلفاء، وصالحهم على ثلاثة آلاف دينار ليس إلّا، وعرض القائم خانا وبستانا للبيع، وصغر دست الخلافة إلى هذا الحد. انتهى. وفيها أبو القاسم الكتّاني، طلحة بن علي بن الصقر البغدادي [2] . كان ثقة صالحا مشهورا، عاش ستا وثمانين سنة، ومات في ذي القعدة، وروى عن النّجاد، وأحمد بن عثمان الأدمي، ودعلج، وجماعة. وفيها أبو المطرّف بن الحصّار [3] ، قاضي الجماعة بالأندلس، عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن غرسيّة. مات في آخر الكهولة، وكان عالما بارعا ذكيا متفنّنا، ففيه النفس، حاضر الحجّة، صاحب سنّة، توفي في شعبان. وفيها القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر أبو محمد البغدادي [4] المالكي، أحد الأعلام. سمع من عمر بن سنبك [5] وجماعة، وتفقّه على ابن القصّار، وابن الجلّاب، ورأى أبا بكر الأبهري، وانتهت إليه رئاسة المذهب.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «تاريخ الخلفاء» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 352- 353) و «العبر» (3/ 150) . [3] انظر «العبر» (3/ 150- 151) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 473) . [4] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 31- 32) و «وفيات الأعيان» (3/ 119- 222) و «العبر» (3/ 151) . [5] سنبك: بفتح السين المهملة والباء الموحدة وسكون النون. انظر «تبصير المنتبه» (2/ 674) .

قال الخطيب: لم ألق في المالكية أفقه منه. ولي قضاء بادرايا، وتحول في آخر أيامه إلى مصر فمات بها في شعبان. وقد ساق القاضي ابن خلّكان [1] نسب القاضي عبد الوهاب إلى مالك بن طوق التغلبي [2] صاحب الرحبة. قاله في «العبر» . وقال أبو إسحاق الشيرازي [3] : كلامه في النظر، وكان فقيها متأدبا شاعرا، له كتب كثيرة في كل فنّ. وعاش ستين سنة. وذكره ابن بسام في كتاب «الذخيرة» [4] فقال: كان بقية [5] الناس، ولسان أصحاب القياس، وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصبح، وألفاظه أحلى من الظّفر بالنّجح، ونبت به بغداد كعادة البلاد بذوي فضلها، وكحكم الأيام في محسني أهلها، فودّع ماءها وظلّها، وحدّثت أنه شيّعه يوم فصل عنها من أكابرها وأصحاب محابرها، جملة موفورة، وطوائف كثيرة، وأنّه قال لهم: لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كلّ غداة وعشية ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية، وفي ذلك يقول: سلام على بغداد في كلّ موطن ... وحقّ لها مني سلام مضاعف فو الله ما فارقتها عن قلى لها [6] ... وإني بشطّي جانبيها لعارف ولكنها ضاقت عليّ بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه [7] ... وأخلاقه تنأى به وتخالف

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 219- 222) . [2] في «آ» و «ط» : «الثعلبي» وهو تصحيف، والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «العبر» . [3] انظر «طبقات الفقهاء» ص (168- 169) . [4] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع/ المجلد الثاني/ ص (515- 536) . [5] في «آ» و «ط» : «فقيه» وهو تحريف والتصحيح من «الذخيرة» . [6] في «الذخيرة» : «لعمرك ما فارقتها تاليا لها» . [7] في «الذخيرة» : «وصاله» .

واجتاز بطريقه بمعرّة النّعمان، وكان قاصدا مصر، وبالمعرّة يومئذ أبو العلاء، فأضافه، وفي ذلك يقول من أبيات [1] : والمالكيّ ابن نصر زار في سفر ... بلادنا فحمدنا النأي والسّفرا إذا تفقّه أحيا مالكا جدلا ... وينشر الملك الضّليل إن شعرا ثم توجه إلى مصر، فحمل لواءها وملأ أرضها وسماءها واستتبع [2] ساداتها وكبراءها، وتناهت إليه الغرائب، وانثالت في يديه الرغائب، فمات الأول ما وصلها من أكلة اشتهاها فأكلها، وزعموا أنه قال وهو يتقلب [3] ونفسه تتصعد وتتصوب [4] : لا إله إلا الله، إذا عشنا متنا. وله أشعار رائقة ظريفة فمن ذلك قوله: ونائمة قبّلتها فتنبهت ... فقالت: تعالوا فاطلبوا اللصّ بالحدّ فقلت لها: إنّي فديتك غاصب ... وما حكموا في غاصب بسوى الردّ خذيها وكفّي [5] عن أثيم ظلامة [6] ... وإن أنت لم ترضي فألفا على العدّ فقالت: قصاص يشهد العقل أنه ... على كبد الجاني [7] ألذّ من الشهد فباتت يميني وهي هميان خصرها ... وباتت يساري وهي واسطة العقد فقالت: ألم أخبر بأنّك زاهدا ... فقلت: بلى ما زلت أزهد في الزهد وكانت ولادته ببغداد يوم الخميس سابع شوال سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الاثنين رابع عشر صفر بمصر، ودفن بالقرافة الصغرى،

_ [1] انظر «شروح سقط الزند» لأبي العلاء ص (1740) . [2] في «آ» و «ط» : «وأمتع» والتصحيح من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» . [3] في «الذخيرة» : «وهو يقلّب» . [4] في «الذخيرة» ، «وتصوّب» وفي «وفيات الأعيان» : «ويتصوب» . [5] في رواية «الذخيرة» : «وحطي» . [6] في «آ» : «ملامة» وأثبت لفظ «ط» و «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» . [7] في رواية «الذخيرة» : «على المذنب الجاني» .

فيما بين قبة الشافعي رضي الله عنه، وباب القرافة، وكان أبوه من أعيان الشهود ببغداد. وكان أخوه أبو الحسن محمد بن علي بن نصر أديبا فاضلا، صنّف كتاب «المفاوضة» للملك العزيز جلال الدولة أبي منصور بن أبي طاهر بن بويه، جمع فيه ما شاهده، وهو من الكتاب الممتعة في ثلاثين كراسة، وله رسائل، ومولده ببغداد في إحدى الجمادين، سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحمد سابع عشري شهر ربيع الأول، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة بواسط، وكان قد أصعد [1] إليها من البصرة فمات بها. وتوفي أبوهما، أبو الحسن عليّ يوم السبت، ثاني شهر رمضان سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة. قاله ابن خلّكان. وفيها أبو الحسن الطّرازي علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي ثم النيسابوري [2] الأديب. روى عن الأصمّ، وأبي حامد بن حسنويه وجماعة، وبه ختم حديث الأصمّ، توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة. وفيها أبو الحسن بن عبد كويه [3] ، علي بن يحيى بن جعفر، إمام جامع أصبهان في المحرم. حجّ وسمع بأصبهان، والعراق، والحجاز، وحدّث عن أحمد بن بندار الشعّار، وفاروق الخطابي وطبقتهما، وأملى عدة مجالس. وفيها محمد بن مروان بن زهر [4] أبو بكر الإيادي الإشبيلي المالكي [5]

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «صعد» . [2] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 409- 410) . وقال السمعاني في «الأنساب» (8/ 225) : والطّرازي، نسبة لمن يعمل الثياب المطرزة أو يستعملها. [3] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 478- 479) . [4] في «ط» «زاهر» وهو خطأ. [5] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 422- 423) .

أحد أركان المذهب. كان واسع الرواية، عالي الإسناد، عاش ستا وثمانين سنة، وحدّث عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي علي القالي، وطائفة، وهو والد الطبيب عبد الملك، وجدّ الطبيب العلّامة الرئيس أبي العلاء زهر. وفيها محمد بن يوسف القطّان الحافظ، أبو أحمد الأعرج النيسابوري [1] مات كهلا ولم ينشر حديثه. روى عن أبي عبد الله الحاكم وطبقته، ورحل إلى العراق، والشام، ومصر. وفيها أبو نصر المفسّر منصور بن الحسين [2] بنيسابور، مات قبل الطرازي، وحدّث عن الأصم وغيره. وفيها يحيى بن عمّار، الإمام أبو زكريا الشيباني السّجستاني [3] الواعظ، نزيل هراة. روى عن حامد الرّفاء وطبقته، وكان له القبول التام بتلك الدّيار لفصاحته وحسن موعظته وبراعته في التفسير والسّنّة، وخلّف أموالا كثيرة، ومات في ذي القعدة وله تسعون سنة.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 423) . [2] انظر «العبر» (3/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 441- 442) . [3] انظر «العبر» (3/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 481- 483) .

سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فيها سار الملك المسعود بن محمود بن سبكتكين، فدخل أصبهان بالسيف، وقتل عالما لا يحصون، وفعل ما لا تفعله الكفرة. وفيها توفي أبو القاسم الحرفي [1] عبد الرحمن بن عبيد [الله] الحربيّ [2] المحدّث. قال الخطيب: كان صدوقا غير أن سماعه في بعض ما رواه عن النّجاد كان مضطربا. مات في شوال وله سبعون وثمانون سنة. وفيها أبو الحسن النّعيمي، علي بن أحمد بن الحسن بن محمد البصري [3] الحافظ. روى عن طائفة ومات كهلا. قال الخطيب: كان حافظا، حاذقا [4] ، متكلما، شاعرا. وقال ابن ناصر الدّين: كان شديد العصبية في السّنّة والديانة، واتّهم بوضع حديث في صباه، ثم تاب ولازم الثقة والصيانة.

_ [1] في «آ» : «الخرقي» وفي «ط» : «الحرقي» والتصحيح من «الأنساب» (4/ 114) و «العبر» (3/ 154) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 411) . [2] أي ويقال له الحربي أيضا، كما في «سير أعلام النبلاء» (17/ 411) . (ع) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 331- 332) «العبر» (3/ 154) و «التبيان شرح بديعة البيان» (144/ ب- 145/ آ) و «غربال الزمان» ص (350) . [4] في «تاريخ بغداد» : «عارفا» .

وفيها أبو الفضل الكاغذي [1] منصور بن نصر السمرقندي مسند ما وراء النهر. روى عن الهيثم [بن كليب] الشاشي، ومحمد بن محمد بن عبد الله [2] بن حمزة. توفي بسمرقند في ذي القعدة وقد قارب المائة.

_ [1] ضبطه السمعاني في «الأنساب» (10/ 327) وابن الأثير في «الباب» (3/ 76) بالذال «الكاغذي» وضبطه الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (17/ 368) وفي «العبر» (3/ 154) بالدال «الكاغذي» كما في كتابنا. [2] في «آ» و «ط» : «محمد بن عبيد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (17/ 368) و «العبر» (3/ 155) . (ع) .

سنة أربع وعشرين وأربعمائة

سنة أربع وعشرين وأربعمائة فيها- ما قال في «العبر» - اشتد الخطب ببغداد بأمر الحراميّة، وأخذوا أموال الناس عيانا، وقتلوا صاحب الشرطة، وأخذوا لتاجر ما قيمته عشرة آلاف دينار، وبقي النّاس لا يجسرون أن يقولوا: فعل البرجميّ خوفا منه، بل يقولون عنه: القائد أبو علي، واشتهر عنه أنه لا يتعرّض لامرأة، ولا يدع أحدا يأخذ شيئا عليها [1] . وفيها توفي أبو علي الفشيديزجي [2]- بفتح الفساء وكسر المعجمة وتحتيتين ساكنتين وفتح المهملة بينهما، والزاي وجيم، نسبة إلى فشيديزة- بلد الحسين بن الخضر البخاري، قاضي بخارى وشيخ الحنفية في عصره. روى عن محمد بن محمد بن صابر [3] وجماعة. توفي في شعبان وقد خرّج له عدة أصحاب. وفيها أبو طاهر الدّقّاق [4] ، حمزة بن محمد بن طاهر الحافظ، أحد أصحاب الدارقطني. كان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه.

_ [1] انظر رواية الخبر بأطول من هذا عند الذهبي في «العبر» (3/ 155- 156) . [2] كذا ضبط نسبته المؤلف. وهو كذلك عند السمعاني في «الأنساب» (9/ 309) وابن الأثير في «اللباب» (2/ 433) وضبطها الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (17/ 424) بكسر الدال. [3] في «العبر» : «ابن جابر» ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 425) . [4] انظر «العبر» (3/ 157) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 443) .

وفيها الإمام أبو محمد بن ذنّين [1] عبد الله بن عبد الرّحمن بن عثمان الصّدفي الطّليطلي. روى عن أبي جعفر بن عون الله وطبقته، وأكثر عن أبي محمد بن أبي زيد القيرواني، وعن أبي بكر [بن] المهندس، وأبي الطيب بن غلبون [2] بمصر، وكان زاهدا، عابدا، خاشعا، مجاب الدعوة، منقطع القرين، عديم النظير [3] ، مقبلا على الأثر والسّنّة، أمّارا بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم، مع الهيبة والعزّة، وكان يعمل [4] في كرمه بنفسه. وفيها أبو بكر الأردستاني [5]- بفتح الهمزة، فسكون الراء، ففتح المهملة [6] ، فسكون المهملة، ففتح الفوقية، نسبة إلى أردستان، بلد قرب أصبهان، وقيل: بكسر الهمزة والدال [7]- محمد بن إبراهيم الحافظ العبد الصالح. روى «صحيح البخاري» عن إسماعيل بن حاجب، وروى عن أبي حفص بن شاهين وهذه الطبقة.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 156) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 426- 427) . [2] تصحف في «العبر» إلى «غليون» فيصحح فيه. [3] تحرّفت في «ط» إلى «عديم النظر» . [4] في «سير أعلام النبلاء» : «يخدم» . [5] انظر «العبر» (3/ 157- 158) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 428- 429) . [6] وكذا ضبط نسبته السمعاني في «الأنساب» (1/ 177) وابن الأثير في «اللباب» (1/ 41) . وقال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 146) : بكسر الدال. [7] وكذا قال ابن الأثير في «اللباب» .

سنة خمس وعشرين وأربعمائة

سنة خمس وعشرين وأربعمائة فيها كما قال في «الشذور» هبّت ريح سوداء بنصيبين، فقلعت من بساتينها كثيرا، ورمت قصرا مبنيا بآجر، وحجارة، وكلس، ووقع هناك برد في أشكال الأكف، والنامرد [1] ، والأصابع، وزلزلت الرّملة، فهدم نحو من نصفها، وخسف بقرى، وسقط بعض حائط بيت المقدس، وسقطت منارة جامع عسقلان، وجزر البحر نحو ثلاث [2] فراسخ، فخرج الناس يتتبعون [3] السمك والصدف، فعاد الماء، فأخذ قوما منهم. انتهى. وفيها الحافظ الكبير الثقة أبو بكر [4] البرقاني- بالفتح، نسبة إلى برقان، قريبة بخوارزم- أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الفقيه الشافعي. مولده بخوارزم، سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وسمع بها بعد الخمسين من أبي العبّاس بن حمدان وجماعة، وببغداد من أبي علي بن الصوّاف وطبقته، وبهراة، وبنيسابور، وجرجان، ومصر، ودمشق.

_ [1] لفظة «والنامرد» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» . [2] في «ط» : «ثلاثة» . [3] في «آ» : «يتبعون» وأثبت لفظ «ط» . [4] قوله: «أبو بكر» سقط من «ط» وانظر «العبر» (3/ 158- 159) . «سير أعلام النبلاء» 17/ 464- 468) .

قال الخطيب [1] : كان [ثقة] ثبتا ورعا، لم ير [2] في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، كثير التصنيف، ذا حظ من علم العربية، صنّف «مسندا» ضمّنه ما اشتمل عليه «الصحيحان» وجمع حديث الثوري، وحديث شعبة، وطائفة، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمّة إليه. وقال أبو محمد الخلّال: كان البرقاني نسيج وحده. وقال الإسنوي [3] : كان المذكور إماما، حافظا، ورعا، مجتهدا في العبادة، حافظا للقرآن. قال الشيخ في «طبقاته» [4] : تفقه في صباه، وصنّف في الفقه، ثم اشتغل بعلم الحديث، فصار فيه إماما. وقال ابن الصلاح: كان حريصا على العلم، منصرف الهمّة إليه، لم يقطع التصنيف إلى حين وفاته. قال: وعاده الصّوري في آخر جمادى الآخرة، فقال له: سألت الله أن يؤخّر وفاتي، حتّى يهلّ رجب، فقد روي أن فيه لله تعالى عتقاء من النّار فعسى أن أكون منهم [5] ، فاستجيب له. انتهى كلام الإسنوي. وفيها أبو علي بن شاذان البزّاز [6] الحسن [7] بن أبي بكر، أحمد بن

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 374) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [2] كذا في «ط» و «تاريخ بغداد» وفي «آ» و «سير أعلام النبلاء» : «لم نر» . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 231- 232) . [4] يعني «طبقات الفقهاء» للشيرازي. [5] ذكره ابن عراق الكناني في «تنزيه الشريعة» (2/ 333) من رواية الديلمي في «مسند الفردوس» وفي سنده الأصبغ بن نباتة، قال أبو بكر بن عيّاش: كذّاب، وانظر «ميزان الاعتدال» (1/ 271) وما قالوا في أصبغ هذا، فالحديث موضوع، ولفظه عند الدّيلمي: «أكثروا من الاستغفار في شهر رجب فإن للَّه في كل ساعة عتقاء من النار» . [6] تصحفت نسبته في «ط» و «العبر» إلى «البزار» وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 415- 418) . [7] تحرّف في «آ» إلى «الحسين» وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب.

إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي. ولد سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وسمّعه أبوه من أبي عمرو بن السمّاك، وأبي سهل بن زياد، والعبّاداني، وطبقتهم، فأكثر، وطال عمره، وصار مسند العراق. قال الخطيب [1] : كان صدوقا، صحيح السماع [2] ، يفهم الكلام على مذهب الأشعري. سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: أبو علي أوثق من برأ الله في الحديث، وتوفي في آخر يوم من السنة، ودفن من الغد في أول سنة ست وعشرين. وفيها ابن شبانة، العدل، أبو سعيد، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني [3] . روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة، وكان صدوقا. وفيها أبو الحسن الجوبري- بفتح الجيم والموحدة، نسبة إلى جوبر، قرية بدمشق- عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي [4] كان أبوه محدّثا، فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب، وطائفة، وكان أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب. وفيها عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر أبو نصر المرّي [5] الدمشقي [6] ابن الحبّان الشّروطي [7] الحافظ. روى عن أبي عمر بن فضالة وطبقته، وصنّف كتبا كثيرة، قاله الكتاني، ومات في شوال.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 279) . [2] كذا في «آ» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 417) : «صحيح السماع» وفي «تاريخ بغداد» : «صحيح الكتاب» . [3] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» و «العبر» (3/ 159) إلى «الهمداني» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (17/ 432) . [4] انظر «العبر» (3/ 159- 160) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 415) . [5] في «العبر» : «المزي» وهو خطأ. (ع) . [6] انظر «الأنساب» (11/ 268) و «العبر» (3/ 160) . [7] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 321) : الشروطي: هذه النسبة لمن يكتب الصّكاك

وفيها أبو الفضل الهروي [1] الزاهد، عمر بن إبراهيم. روى عن أبي بكر الإسماعيلي، وبشر بن أحمد الإسفراييني وطبقتهما. وكان فقيها عالما ذا زهد، وصدق، وورع، وتبتّل. وفيها أبو بكر بن مصعب التاجر، محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني [2] . روى عن ابن فارس، وأحمد بن جعفر السمسار، وجماعة، وتوفي في ربيع الأول [3] .

_ والسّجلات، لأنها مشتملة على الشروط، فقيل لمن يكتبها: «الشروطي» . [1] انظر «العبر» (3/ 160) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 448- 449) . [2] انظر «العبر» (3/ 160) . [3] قوله: «في ربيع الأول» سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .

سنة ست وعشرين وأربعمائة

سنة ست وعشرين وأربعمائة فيها زاد بلاء الحراميّة، وجاهروا بأخذ الأموال، وبإظهار الفسق والفجور، والفطر في رمضان، حتّى تملّكوا بغداد في المعنى. وفيها أبو عامر بن شهيد، أحمد بن عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين، أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد الأشجعي القرطبي [1] الشاعر، حامل لواء البلاغة والشعر بالأندلس. قال ابن حزم: توفي في جمادى الأولى، وصلى عليه أبو الحزم جهور [2] ولم يخلف له نظيرا في الشعر والبلاغة، وكان سمحا جوادا، عاش بضعا وأربعين سنة. وفيها أبو محمد بن الشقّاق [3] عبد الله بن سعيد، كبير المالكية بقرطبة، ورأس القرّاء، توفي في رمضان، وله ثمانون سنة. أخذ عن أبي عمر بن المكوي وطائفة. وفيها أبو بكر المنيني [4] محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الأسود.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 161) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 501- 502) . [2] في «آ» و «ط» : «أبو الحرم جمهور» وهو خطأ، والتصحيح من «الصلة» لابن بشكوال ص (131) ، و «العبر» (3/ 161) . [3] انظر «العبر» (3/ 161- 162) و «ترتيب المدارك» (2/ 729) . [4] انظر «الأنساب» (11/ 511) و «العبر» (3/ 162) و «معجم البلدان» (5/ 218) .

خطيب منين [1] . روى عن علي بن أبي العقب، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت، وجماعة. قال أبو الوليد الدربندي، لم يكن بالشام من يكتنى بأبي بكر غيره، وكان ثقة. وقال الكتّاني: توفي في جمادى الأولى، وله أربع وثمانون سنة، وكان يحفظ القرآن بأحرف. وفيها أبو عمرو الرّزجاهي- بفتح الراء والجيم، وسكون الزاي، نسبة إلى رزجاه، قرية ببسطام- محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي [2] الفقيه الأديب المحدّث، تفقّه على أبي سهل [3] الصعلوكي، وأكثر عن ابن عدي وطبقته، ومات في ربيع الأول، وله خمس وثمانون سنة، وكان يقرئ العربية. قاله في «العبر» ، والله تعالى أعلم.

_ [1] منين: بلدة كبيرة إلى الشرق من دمشق، خرج منها علماء أفاضل منهم صاحب الترجمة. [2] انظر «الأنساب» (6/ 110) و «العبر» (3/ 162) . [3] في «ط» : «تفقه على أبي سعد» وهو خطأ.

سنة سبع وعشرين وأربعمائة

سنة سبع وعشرين وأربعمائة فيها توفي أبو إسحاق الثّعلبي [1] أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المفسر [2] . روى عن أبي محمد المخلدي وطبقته من أصحاب السّرّاج، وكان حافظا، واعظا، رأسا في التفسير والعربية، متين الديانة. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان [3] : كان أوحد زمانه في علم التفسير، وصنّف «التفسير الكبير» الذي فاق غيره من التفاسير، وله كتاب «العرائس» في قصص الأنبياء، وغير ذلك. ذكره السمعاني وقال: يقال له الثعلبي والثعالبي، وهو لقب له وليس بنسب. قاله بعض العلماء. وقال أبو القاسم القشيري: رأيت ربّ العزّة عزّ وجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرّبّ تعالى اسمه: أقبل الرجل الصالح، فالتفت. فإذا أحمد الثعالبي مقبل. انتهى ما قاله ابن خلّكان مختصرا.

_ [1] في «ط» : «الثعالبي» . قال ابن الأثير في معرض ترجمته له في «اللباب» (1/ 238) : «الثعلبي» ويقال: «الثعالبي» . [2] انظر «العبر» (3/ 163) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 435- 437) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 79- 80) .

وفيها أبو النّعمان، تراب بن عمر بن عبيد المصري الكاتب [1] . روى عن أبي أحمد بن الناصح وجماعة، توفي في ربيع الآخر بمصر، وله خمس وثمانون سنة. وفيها القاسم السّهمي، حمزة بن يوسف الجرجاني [2] ، الثقة الحافظ، من ذرية هشام بن العاص. سمع سنة أربع وخمسين من محمد بن أحمد بن إسماعيل الصّرّام صاحب محمد بن الضريس، ورحل إلى العراق سنة ثمان وستين، فأدرك ابن ماسي، وهو مكثر عن ابن عدي الإسماعيلي، وكان من أئمة الحديث، حفظا، ومعرفة، وإتقانا. وفيها أبو الفضل الفلكي، علي بن الحسين الهمذانيّ [3] الحافظ. رحل الكثير، وروى عن أبي الحسين بن بشران، وأبي بكر الحيري وطبقتهما، ومات شابا قبل أوان الرواية، ولو عاش لما تقدمه أحد في الحفظ والمعرفة لفرط ذكائه، وشدة اعتنائه، وقد صنّف كتاب «المنتهى في الكمال في معروفة الرجال» [4] ألف جزء لم يبيضه. قال شيخ الإسلام الأنصاري: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي الفضل بن الفلكي، ومات بنيسابور، وكان جدّه يلقب بالفلكي لبراعته في الهيئة والحساب [5] .

_ [1] انظر «العبر» (3/ 163) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 502) . [2] انظر «العبر» (3/ 163- 164) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 502- 503) . [3] انظر «العبر» (3/ 164) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 502- 503) . [4] كذا اسم الكتاب في «آ» و «ط» و «العبر» ، وفي «الأنساب» (9/ 330) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 268) و «كشف الظنون» (2/ 1858) : «منتهى الكمال في معرفة الرجال» وفي «سير أعلام النبلاء» : «المنتهى في معرفة الرجال» . [5] قلت: وقد تقدمت ترجمته في حوادث سنة (407) ص (48) فراجعها.

وفيها أبو علي الجيّانيّ، الحسين بن محمد الغسّاني الأندلسي [1] المحدّث له كتاب «تقييد المهمل» أجاد فيه وأحسن، وكان من أفراد الحفّاظ مع معرفة الغريب، والشعر، والنسب، وحسن الخط. وجيّان: بلدة كبيرة بالأندلس [2] . وجيّان أيضا، من أعمال الرّيّ [3] . قاله ابن الأهدل. وفيها الظاهر لإعزاز دين الله، علي بن الحاكم منصور بن العزيز [نزار بن المعز] العبيدي المصري [4] صاحب مصر والشام، بويع بعد أبيه، وشرعت دولتهم في انحطاط منذ ولي، وتغلّب حسّان بن مفرّج الطائي على أكثر الشام، وأخذ صالح بن مرداس حلب، وقوي نائبهم على القيروان، وقد وزر للظاهر، الوزير نجيب الدولة، علي بن أحمد الجرجرائي [5] ، وكان هذا أقطع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم في سنة أربع وأربعمائة، فكان يكتب العلامة عنه القاضي القضاعي. قال ابن خلّكان [6] : قطعت يداه في شهر ربيع الآخر، سنة أربع وأربعمائة على باب القصر البحري بالقاهرة، وحمل إلى داره، وكان يتولى بعض الدواوين، فظهرت عليه خيانة، فقطع بسببها، ثم بعد ذلك ولي ديوان النفقات، سنة تسع وأربعمائة، ثم وزر للظاهر في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وهذا كله بعد أن تنقل [7] في الخدم بالأرياف والصعيد. وكانت علامته في الكتابة: «الحمد لله شكرا لنعمته» واستعمل العفاف والأمانة الزائدة من

_ [1] انظر «مرآة الجنان» (3/ 46) . [2] انظر «معجم البلدان» (2/ 195) . [3] انظر «معجم البلدان» (2/ 195- 196) وفيه قال ياقوت: جيّان: من قرى أصبهان. [4] انظر «العبر» (3/ 164- 165) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [5] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الجرجراي» والتصحيح من «العبر» و «اتعاظ الحنفا» للمقريزي (2/ 183) . [6] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 407- 408) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرّف. [7] في «ط» : «انتقل» .

الاحتراز والتحفّظ، وفي ذلك يقول جاسوس الملك [1] : يا أحمقا اسمع وقل ... ودع الرقاعة والتحامق أأقمت نفسك في الثقا ... ت وهبك فيما قلت صادق فمن الأمانة والتّقى ... قطعت يداك من المرافق وهو منسوب إلى جرجرايا- بفتح الجيمين، قرية من أرض العراق- وكانت ولادة الظاهر يوم الأربعاء عاشر شهر رمضان، سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بالقاهرة، وكانت ولايته بعد فقد أبيه بمدة، لأن أباه لما فقد كان الناس يرجون ظهوره ويتتبعون آثاره، إلى أن تحقق عدمه، فأقاموا ولده المذكور، وتوفي ليلة الأحد منتصف شعبان بالمقس [2] بالموضع المعروف بالدّكة من القاهرة. وتوفي وزيره الجرجرائي [3] سنة ست وثلاثين في سابع شهر رمضان، وكانت وزارته للظاهر ولولده المستنصر سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وثمانية عشر يوما، ولما توفي الظاهر، بايعوا بعده ولده المستنصر وهو صبي. وفيها محمد بن المزكّي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى، أبو عبد الله النّيسابوري، مسند نيسابور في زمانه. روى عن أبيه، وحامد الرّفاء، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي بكر بن الهيثم الأنباري، وطبقتهم، وسمع منه الشّيروي.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «جاسوس الملك» وفي «وفيات الأعيان» : «جاسوس الفلك» . [2] في «آ» و «ط» : «بالمقص» بالصاد، والتصويب من «وفيات الأعيان» وانظر «معجم البلدان» (5/ 175) . [3] في «آ» و «ط» : «الجرجراي» والتصحيح من «العبر» للذهبي و «اتعاظ الحنفا» للمقريزي.

سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

سنة ثمان وعشرين وأربعمائة فيها توفي أبو بكر الأصبهاني اليزدي، أحمد بن علي بن محمد [1] بن منجويه الحافظ، نزيل نيسابور ومحدّثها، صنّف التصانيف الكثيرة، ورحل، ووصل إلى بخارى. وحدّث عن أبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر بن المقرئ، وطبقتهما. روى عنه شيخ الإسلام [2] وقال: هو أحفظ من رأيت من البشر. قاله في «العبر» . وتوفي في المحرم، وله إحدى وثمانون سنة. وقال ابن ناصر الدّين [3] : كان أحمد الحفّاظ المجوّدين، ومن أهل الورع والدّين. ثقة من الأثبات، صنّف على «الصحيحين» و «جامع الترمذي» و «سنن أبي داود» مصنّفات. انتهى. وفيها أبو بكر بن النّمط، أحمد بن محمد بن الصقر، البغدادي، المقرئ، الثقة، العابد. روى عن أبي بكر الشّافعي، وفاروق، وطبقتهما. وفيها أبو الحسين القدوري، أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي الفقيه، شيخ الحنفية بالعراق. انتهت إليه رئاسة المذهب،

_ [1] في «العبر» : «محمد بن علي» وهو خطأ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 438) . (ع) . [2] هو شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الهروي الأنصاري، أبو إسماعيل، المتوفي سنة (481) هـ-. [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (145/ ب) .

وعظم جاهه، وبعد صيته، وكان حسن العبارة في [1] النظم، وسمع الحديث، وروى عنه أبو بكر الخطيب صاحب «التاريخ» وصنّف في المذهب «المختصر» المشهور وغيره، وكان يناظر الشيخ أبا حامد الإسفراييني الفقيه الشافعي، ويبالغ في تعظيمه بحيث حكى عنه ابن خلّكان [2] أنه كان يفضل الإسفراييني على الشافعي، وهذا عجب عجاب، وكانت ولادة القدوري سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحد خامس رجب من هذه السنة ببغداد، ودفن من يومه بداره في درب أبي خلف، ثم نقل إلى تربة في شارع المنصور، فدفن بجانب أبي بكر الخوارزمي الفقيه الحنفي. وفيها أبو علي بن سينا الرئيس، الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، صاحب التصانيف الكثيرة في الفلسفة، والطب، وله من الذكاء الخارق، والذهن الثاقب ما فاق به غيره، وأصله بلخيّ، ومولده ببخارى، وكان أبوه من دعاة الإسماعيلية، فأشغله في الصغر، وحصّل عدة علوم قبل أن يحتلم، وتنقل في مدائن خراسان، والجبال، وجرجان، ونال حشمة وجاها، وعاش ثلاثا وخمسين سنة. قال ابن خلّكان في ترجمة ابن سينا [3] : اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، وردّ المظالم [على من عرفه] وأعتق مماليكه [4] ، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان يوم الجمعة في شهر رمضان. قاله جميعه في «العبر» [5] .

_ [1] لفظة «في» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» . [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 73) وهو مترجم فيه (1/ 78- 79) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 160- 161) وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] في «آ» و «ط» : «وأعتق مماليك» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [5] (3/ 167) .

وقال ابن خلّكان [1] : كان أبوه من العمال الكفاة، تولى العمل بقرية من ضياع بخارى يقال لها خرميثن من أمهات قراها، وولد الرئيس أبو علي وكذلك أخوه بها، واسم أمه ستارة وهي من قرية يقال لها أفشنة بالقرب من خرميثن، ثم انتقلوا إلى بخارى، وتنقل الرئيس بعد ذلك في البلاد، واشتغل بالفنون وحصّل العلوم والفنون [2] ولما بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب، وحفظ أشياء من أصول الدّين وحساب الهندسة [3] والجبر والمقابلة، ثم توجّه نحوهم الحكيم أبو عبد الله النّاتلي فأنزله أبو الرئيس عنده، فابتدأ أبو علي يقرأ عليه «كتاب إيساغوجي» وأحكم عليه علم المنطق، وإقليدس، والمجسطي، وفاقه أضعافا كثيرة، حتّى أوضح له رموزه، وفهّمه إشكالات لم يكن النّاتلي يدريها [4] ، وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد، يقرأ ويبحث ويناظر، ونظر في النصوص [5] والشروح، وفتح الله تعالى عليه أبواب العلوم، ثم رغب بعد ذلك في علم المطب، وتأمل الكتب المصنّفة فيه، وعالج تأدبا لا تكسّبا، وعلّمه حتّى فاق فيه على الأوائل والأواخر في أقل مدة وأصبح فيه عديم القرين، فقيد المثيل [6] ، واختلف إليه فضلاء هذا الفن [وكبراؤه] يقرؤون عليه أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة، وسنّه إذ ذاك نحو ست عشرة سنة. وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع، وصلّى ودعا الله عزّ وجل أن يسهّلها عليه ويفتح مغلقها له.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 157- 162) . [2] في «وفيات الأعيان» : «واشتغل بالعلوم، وحصّل الفنون» . [3] في «ط» : «وحساب الهند» وهو تحريف. [4] في «وفيات الأعيان» : «لم يكن للناتلي يد بها» . [5] في «آ» و «ط» : «في الفصوص» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [6] في «وفيات الأعيان» : «فقيد المثل» ولفظة «وكبراؤه» ومستدركة منه.

وذكر عند الأمير نوح السّاماني صاحب خراسان في مرضه، فأحضره وعالجه حتّى برئ، واتصل به وقرب منه، ودخل إلى [1] دار كتبه، وكانت عديمة المثل، فيها من كل فنّ [من] الكتب المشهورة بأيدي النّاس [وغيرها مما لا يوجد في سواها، ولا سمع باسمه فضلا عن معرفته، فظفر أبو علي فيها بكتب من علم الأوائل] [2] وغيرها، وحصّل نحب فرائدها، وأطّلع على أكثر علومها، واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة، فتفرّد أبو علي بما حصّله من علومها، وكان يقال: إن أبا علي توصل إلى إحراقها ليتفرّد أبو علي بما حصّله من علومها، وكان يقال: إن أبا علي توصل إلى إحرافها ليتفرّد بمعرفة ما حصّله منها وينسبه إلى نفسه. ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلّا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها، وتوفي أبوه وسنّ أبي عليّ اثنتان وعشرون سنة، وكان يتصرف هو ووالده في الأحوال ويتقلدون للسلطان الأعمال. وسار إلى همذان، وتولى الوزارة لشمس الدولة، ثم تشوش العسكر عليه، فأغاروا على داره ونهبوها وقبضوا عليه، وسألوا شمس، الدولة قتله، فامتنع، ثم أطلق، فتوارى، ثم مرض شمس الدولة بالقولنج، فأحضره لمداواته، وأعاده وزيرا، ثم مات شمس الدولة، وتولى تاج الدولة، فلم يستوزره، فتوجه إلى أصبهان، وبها علاء الدولة بن كاكويه [3] فأحسن إليه. وكان أبو علي قويّ المزاج، وتغلب عليه قوة الجماع، حتّى أنهكته ملازمته وأضعفته، ولم يكن يداوي مزاجه، فعرض له قولنج، فحقن نفسه في يوم واحد ثماني مرّات، فقرح بعض أمعائه، وظهر له سحج، واتفق سفره مع علاء الدولة، فحدث له الصرع الحادث عقيب القولنج، فأمر باتخاذ دانقين

_ [1] لفظة «إلى» لم ترد في «ط» . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» : «ابن باكويه» وأثبت لفظ «ط» و «وفيات الأعيان» .

من كرفس في جملة ما يحقن به، فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمسة دراهم [منه] فازداد السحج به من حدّة الكرفس، وطرح بعض غلمانه في بعض أدويته شيئا كثيرا من الأفيون، وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء، فخافوا عاقبة أمره عند برئه وكان منذ حصل له الألم يتحامل ويجلس مرة بعد أخرى ولا يحتمي ويجامع، فكان يصلح أسبوعا ويمرض أسبوعا، ثم قصد علاء الدولة همذان ومعه الرئيس، فحصل له القولنج في الطريق، ووصل إلى همذان وقد ضعف جدا وأشرفت قوته على السقوط، فأهمل المداواة وقال: المدبر الذي في بدني قد عجز عن تدبيره، فلا تنفعني المعالجة، ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء، وردّ المظالم على من عرفه، وأعتق مماليكه، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات في التاريخ المذكور. وكان نادرة عصره في معرفته وذكائه وتصانيفه، وصنّف كتاب «الشفاء» في الحكمة، و «النجاة» و «الإشارات» و «القانون» وغير ذلك ما يقارب مائة مصنّف [1] ما بين مطوّل [ومختصر] ورسالة في فنون شتى، وله رسائل بديعة، منها: رسالة «حيّ بن يقظان» ورسالة «سلامان [وأبسال] » ورسالة «الطير» وغيرها، وانتفع الناس بكتبه، وهو أحد فلاسفة المسلمين. ومن شعره قوله في النفس: هبطت إليك من المحلّ الأرفع ... ورقاء ذات تعزّر وتمنّع محجوبة عن كل مقلة عارف ... وهي التي سفرت ولم تتبرقع وصلت على كره إليك وربما ... كرهت فراقك وهي ذات تفجّع أنفت وما ألفت فلما واصلت ... ألفت مجاورة الخراب البلقع

_ [1] لفظة «مصنف» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .

وأظنّها نسيت عهودا بالحمى ... ومنازلا بفراقها لم تقنع حتّى إذا اتّصلت بهاء هبوطها ... من ميم مركزها بذات الأجرع علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت ... بين المعالم والطلول الخضّع تبكي وقد ذكرت عهودا بالحمى ... بمدامع تهمي ولم تتقطع [1] حتّى إذا قرب المسير إلى الحمى ... ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع وغدت تغرّد فوق ذروة شاهق ... والعلم يرفع كلّ من لم يرفع وتعود عالمة بكل خفية ... في العالمين فخرقها لم يرقع فهبوطها إذا كان ضربة لازم ... لتكون سامعة لما لم تسمع فلأي شيء أهبطت من شاهق ... سام إلى قعر الحضيض الأوضع إن كان أهبطها الإله لحكمة ... طويت عن الفطن اللّبيب الأروع إذا عاقها الشّرك الكثيف فصدّها ... قفص عن الأوج الفسح الأربع فكأنها برق تألّق بالحمى ... ثم انطفى [2] فكأنّه لم يلمع ومن المنسوب إليه قوله: اجعل غذاءك كلّ يوم مرة ... واحذر طعاما قبل هضم طعام واحفظ منيّك ما استطعت فإنه ... ماء الحياة يراق في الأرحام وفضائله كثيرة مشهورة. وكانت ولادته في سنة سبعين وثلاثمائة، في شهر صفر، وتوفي بهمذان يوم الجمعة من شهر رمضان، ودفن بها، وكان الشيخ كمال الدّين بن يونس رحمه الله يقول: إن مخدومه سخط عليه واعتقله، فمات في السجن، وكان يقول:

_ [1] رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «غربال الزمان» ص (353) : تبكي وقد نسيت عهودا بالحمى ... بمدامع تهمي ولمّا تقلع [2] في «وفيات الأعيان» و «غربال الزمان» : «ثم انطوى» .

رأيت ابن سينا يداوي [1] الرّجال ... وفي السّجن مات أخسّ الممات فلم يشف ما نابه بالشّفا ... ولم ينج من موته بالنجاة انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وقال ابن الأهدل: قال اليافعي [2] : طالعت كتابه «الشفا» وما أجدره بقلب الفاء قافا، لاشتماله على فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين، والله أعلم بخاتمته وصحة توبته، وقد كفّره الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال» [3] . وقال ابن الصلاح: لم يكن من علماء الإسلام، بل كان شيطانا من شياطين الإنس. وأثنى عليه ابن خلّكان. انتهى كلام ابن الأهدل أيضا. وقد تقدم ذكره مع ترجمة الفارابي [4] فليراجع. وفيها ذو القرنين، أبو المطاع المطاع بن الحسن بن عبد الله بن حمدان [5] وجيه الدولة بن ناصر الدولة الموصلي، الأديب الشاعر الأمير. ولّي إمرة دمشق سنة إحدى وأربعمائة، وعزل بعد أشهر من جهة الحاكم، ثم وليها لابنه الظاهر سنة اثنتي عشرة وعزل، ثم وليها ثالثة سنة خمس عشرة، فبقي إلى سنة تسع عشرة، وله شعر فائق منه قوله: إني لأحسد «لا» في أسطر الصّحف ... إذا رأيت عناق [6] اللام للألف وما أظنّهما طال اعتناقهما ... إلّا لما لقيا من شدّة الشّغف

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «يعادي» . [2] انظر «مرآة الجنان» (3/ 51) وقد تصرف ابن الأهدل في النقل عنه. [3] انظر ص (47) من طبعته الصادرة عن الدار التونسية للنشر، والمؤسسة الوطنية للكتاب في الجزائر بتحقيق الأستاذ عبد الكريم المرّاق. [4] انظر المجلد الرابع ص (214) وحوادث سنة (339) . [5] كذا في «آ» و «ط» : «أبو المطاع المطاع بن الحسن بن عبد الله بن حمدان» ، وفي «العبر» : «أبو المطاع بن الحسن» وفي «وفيات الأعيان» (2/ 279) و «النجوم الزاهرة» (5/ 27) : «أبو المطاع الحسن بن عبد الله بن حمدان» . [6] كذا في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» ص (354) وفي «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» (3/ 51) «اعتناق» .

وتوفي في صفر. وفيها أبو طاهر البغدادي عبد الغفّار بن محمد المؤدّب. روى عن أبي بكر الشافعي، وأبي علي الصوّاف، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. وفيها أبو عمرو البغدادي، وعثمان بن محمد بن يوسف بن دوست، صدوق. روى عن النّجاد، وعبد الله بن إسحاق الخراساني، وتوفي في صفر. وفيها أبو الحسن الحنّائي، علي بن محمد بن إبراهيم الدمشقي، المقرئ، المحدّث الحافظ الناقد الزاهد. روى عن عبد الوهاب الكلابي وخلق، ورحل إلى مصر، خرّج لنفسه معجما كبيرا. قال الكتّاني: توفي شيخنا وأستاذنا أبو الحسن في ربيع الأول، وكان من العبّاد، وكانت له جنازة عظيمة ما رأيت مثلها، وعاش ثمانيا وخمسين سنة. وفيها أبو علي الهاشمي الحنبلي، محمد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي، صاحب التصانيف، ومن إليه انتهت رئاسة المذهب. أخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره، وحدّث عن ابن المظفر وكان رئيسا رفيع القدر، بعيد الصيت. قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : كان سامي الذكر، له القدم العالي والحفظ الوافر [2] عند الإمامين القادر بالله والقائم بأمر الله. صنّف «الإرشاد» في المذهب، وشرح كتاب الخرقي [3] ، وكانت حلقته

_ [1] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 182- 186) . [2] في «طبقات الحنابلة» : «والحظ الوافي» . [3] يعني «مختصر الخرقي» للإمام أبي القاسم عمر بن الحسين الحنبلي المتوفى سنة (334) وقد تقدم الكلام عنه في الجزء الرابع ص (186) .

بجامع المنصور، يفتي ويشهد. قرأت [1] على المبارك بن عبد الجبّار- من أصله في حلقتنا بجامع المنصور- قلت له: حدّثك القاضي الشريف أبو علي قال: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات. حقيقة الإيمان عند أهل الأديان: الاعتقاد بالقلب، والنطق باللّسان: أن الله عزّ وجل واحد أحد، فرد صمد، لا يغيّره الأبد، ليس له والد ولا ولد، وأنه سميع بصير، بديع قدير، حكيم خبير، عليّ كبير، وليّ نصير، قوي مجير، ليس له شبيه [2] ولا نظير، ولا عون ولا ظهير، ولا شريك ولا وزير، ولا ندّ ولا مشير، سبق الأشياء، فهو قديم لا كقدمها [3] ، وعلم كون وجودها في نهاية عدمها، لم تملكه الخواطر فتكيّفه، ولم تدركه الأبصار فتصفه، ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأيين، ولم يعدمه زمان فينطلق [4] عليه التأوين. ولم يتقدمه دهر ولا حين، ولا كان قبله كون ولا تكوين، ولا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال، ولا يدخل في الأمثال والأشكال، صفاته كذاته، ليس بجسم في صفاته، جلّ أن يشبّه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 42: 11 [الشورى: 11] أراد ما العالم فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه. خلق الخلائق وأفعالهم، وقدّر أرزاقهم وآجالهم، لا سمّي له في أرضه وسماواته، على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وعلمه محيط بالأشياء. كذلك سئل [الإمام] أحمد بن محمد بن حنبل عن قوله عزّ وجل ما يَكُونُ من نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى من ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا 58: 7 [المجادلة: 7] فقال: علمه.

_ [1] تحرّفت في «آ» إلى «قراءة» وأثبت لفظ «ط» و «طبقات الحنابلة» . [2] في «ط» : «شبه» . [3] في «آ» و «ط» : «فهو قديم قدمها» والتصحيح من «طبقات الحنابلة» . [4] في «آ» : «فيطلق» وأثبت لفظ «ط» و «طبقات الحنابلة» .

والقرآن [1] كلام الله تعالى، وصفة من صفات ذاته، غير محدث ولا مخلوق، كلام ربّ العالمين، في صدور الحافظين، وعلى ألسن الناطقين، وفي أسماع السامعين، وبأكف الكاتبين، وبملاحظة الناظرين [2] ، برهانه ظاهر، وحكمه قاهر، ومعجزة باهر. وأن الله تعالى كلّم موسى تكليما، وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما. وأنه خلق النفوس وسوّاها، وألهمها فجورها وتقواها. والإيمان بالقدر خيره وشرّه، وحلوه ومرّه، وأن مع كل عبد [3] رقيبا وعتيدا، وحفيظا وشهيدا، يكتبان حسناته ويحصيان سيئاته، وأن كل مؤمن وكافر وبرّ فاجر، يعاين عمله عند حضور منيّته، ويعلم مصيره قبل ميتته. وأن منكرا ونكيرا إلى كل أحد ينزلان، سوى النبيين، فيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الإيمان [4] . وأن منكرا ونكيرا إلى كل أحمد ينزلان، سوى النبيين، وفيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الإيمان [4] . وأن المؤمن يخبر في قبره بالنعيم، والكافر يعذّب بالعذاب الأليم، وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور، ولن يتجاوز ما خطّ في الألواح المسطور. وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. وأن الله جلّ اسمه يعيد خلقه كما بدأهم، ويحشرهم كما ابتدأهم من صفائح القبور، وبطون الحيتان في تخوم البحور، وأجواف السباع، وحواصل النسور. وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار، فيرونه بالعيون والأبصار.

_ [1] في «آ» و «ط» : «القرآن» وأثبت الواو من «طبقات الحنابلة» . [2] في «طبقات الحنابلة» : «وأكفّ الكاتبين، وملاحظة الناظرين» . [3] في «آ» : «مع كل جسد» وأثبت لفظ «ط» و «طبقات الحنابلة» . [4] في «طبقات الحنابلة» : «من الأديان» .

وأنه يخرج أقواما من النار، فيسكنهم دار القرار، وأنه يقبل شفاعة محمد المختار في أهل الكبائر والأوزار. وأن الميزان حق، توضع فيه أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه نجا من النار، [ومن خفّت موازينه أدخل جهنم وبئس القرار] [1] . وأن الصراط حق، تجوزه الأبرار، وأن حوض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حق يرده المؤمنون ويذاد عنه الكفّار. وأن الإيمان غير مخلوق، وهو قول باللسان، وإخلاص بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالأوزار [2] . وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيين، وأفضل المرسلين، وأمته خير الأمم أجمعين. وأفضلهم القرن الذين شاهدوه، وآمنوا به وصدقوه، وأفضل القرن الذين صحبوه، وأربع عشرة مائة، بايعوه بيعة الرّضوان، وأفضلهم أهل بدر [إذ] نصروه، وأفضلهم أربعون في الدار كنفوه، وأفضلهم عشرة عزّروه ووقروه، شهد لهم بالجنة، وقبض وهو عنهم راض، وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار، والخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار، وأفضل الأربعة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، عليهم الرضوان. وأفضل القرون بعدهم القرن الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يتبعونهم. وأن نتوالى أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم [3] بأسرهم، ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم، ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلّا بأحسن الذكر لهم.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «طبقات الحنابلة» (2/ 184) . [2] في «طبقات الحنابلة» : «وينقص بالعصيان» . [3] في «آ» و «ط» : «عليه السلام» وأثبت لفظ «طبقات الحنابلة» .

وأن نتولى [1] أهل القبلة ممّن ولي حرب المسلمين على ما كان منهم [2] من عليّ، وطلحة، والزّبير، وعائشة، ومعاوية، رضوان الله عليهم، ولا ندخل فيما شجر بينهم، اتباعا لقول ربّ العالمين: وَالَّذِينَ جاؤُ من بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 59: 10 [الحشر: 10] . وذكر أبو علي بن شوكة قال: اجتمعنا جماعة من الفقهاء، فدخلنا على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي، فذكرنا له فقرنا وشدّة ضّرّنا، فقال لنا: اصبروا، فإن الله سيرزقكم ويوسع عليكم. وأحدّثكم في مثل هذا بما تطيب [3] به قلوبكم. أذكر سنة من السنين وقد ضاق بي الأمر [من] شيء عظيم، حتّى بعث رجل داري [4] ونفذ جميعه، ونقضت الطبقة الوسطى من داري، وبعث أخشابها، وتقوّت بثمنها، وقعدت في البيت لم أخرج، وبقيت سنة، فلما كان بعد سنة قالت لي المرأة: الباب يدق، فقلت [لها] : افتحي له الباب، ففعلت فدخلت، فدخل رجل فسلّم عليّ، فلما رأى حالي لم يجلس حتّى أنشدني وهو قائم: ليس من شدّة تصيبك إلّا ... سوف تمضي وسوف تكشف كشفا لا يضق ذرعك الرّحيب فإنّ الن- ... - ار يعلو لهيبها ثمّ تطفأ قد رأينا من كان أشفى على الهلا ... ك فوافت [5] نجاته حين أشفى

_ [1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «نتوالى» . [2] في «طبقات الحنابلة» : «فيهم» . [3] في «آ» و «ط» : «ما تطيب» وأثبت لفظ «طبقات الحنابلة» . [4] في «آ» و «ط» : «رجلا» و «رجل الدار» نصفها. جاء في «لسان العرب» (رجل) وفي حديث عائشة رضي الله عنها: أهدي لنا رجل شاة ... ترديد نصف شاة طولا، فسمتها باسم بعضها. [5] في «آ» : «فواته» وفي «ط» : «فراته» وأثبت لفظ «طبقات الحنابلة» . والأصح لو أنه استبدل لفظة «الهلاك» في البيت ب- «الموت» لكي يستقيم الوزن.

ثم خرج عني ولم يقعد، فتفاءلت بقوله، فلم يخرج اليوم [عنّي] [1] حتّى جاءني رسول القادر بالله، ومعه ثياب، ودنانير، وبغلة بمركب، ثم قال لي: أجب أمير المؤمنين، وسلّم إليّ الدنانير، والثياب، والبغلة، فغيّرت عن [2] حالي، ودخلت الحمّام، وصرت إلى القادر بالله فردّ إليّ قضاء الكوفة وأعمالها، وأثرى [3] حالي، أو كما قال. مولده في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، ووفاته في ربيع الآخر، ودفن بقرب قبر إمامنا [أحمد] . انتهى ما قاله ابن أبي يعلى ملخصا. وفيها أبو علي العكبري، الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب، الفقيه الثقة الأمين. ولد بعكبرا في محرم، سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، وسمع الحديث على كبر السنّ من ابن الصوّاف وطبقته، ولازم أبا عبد الله بن بطة إلى حين وفاته، وله اليد الطولى في الفقه، والأدب، والإقراء، والحديث، والشعر، والفتيا. وقال الخطيب [4] : سمعت البرقاني- وذكر بحضرته ابن شهاب- فقال: ثقة أمين. وقال ابن شهاب: كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضيّة، وكنت أشتري كاغذا بخمسة دراهم، فاكتب فيه «ديوان المتنبي» في ثلاث ليال، وأبيعه بمائتي درهم وأقلّه بمائة وخمسين درهما. وقال ابن شهاب: أقام أخي أبو الخطّاب معي في الدار عشرين سنة، ما كلّمته، وأشار إلى أنه كان ينسب إلى الرفض. وصنّف أبو علي المصنّفات

_ [1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «طبقات الحنابلة» . [2] في «ط» : «من» . [3] في «آ» و «ط» : «وأثر» والتصحيح من «طبقات الحنابلة» . [4] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 329- 330) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار وتصرّف.

في الفقه، والفرائض، والنحو، وتوفي في رجب ودفن بعكبرا. وقال الأزهري: أخذ السلطان من تركة ابن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلّفه من الكروم والعقار، وكان أوصى بثلث ماله لمتفقّهة الحنابلة، ولم يعطوا شيئا، وقيل: إنه صلى سبعين سنة التراويح. وفيها ابن باكويه، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازي الصوفي، أحمد المشايخ الكبار، وصاحب محمد بن خفيف. رحل، وعني بالحديث وكتب بفارس، والبصرة، وجرجان، وخراسان، وبخارى، ودمشق، والكوفة، وأصبهان فأكثر، وحدّث عن أبي أحمد بن عدي، والقطيعي، وطبقتهما. قال أبو صالح المؤذّن: نظرت في أجزائه، فلم أجد عليها آثار السماع، وأحسن ما سمعت عليه الحكايات. قاله في «العبر» [1] . وفيها مهيار بن مرزويه الدّيلمي، أبو الحسن، الكاتب الشاعر المشهور. كان مجوسيا، فأسلم على يد أستاذه في الأدب، الشريف الرّضي، فقال له ابن برهان: يا مهيار! انتقلت من زاوية إلى زاوية في النار، فإنك كنت مجوسيا، ثم صرت سبّابا لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكان شاعرا مجيدا مقدّما على شعراء عصره، وديوانه في ثلاث مجلدات. ذكر ابن الأثير في «تاريخه» [2] أن إسلامه كان سنة أربع وتسعين وثلاثمائة. قال: وكان شاعرا جزل القول مقدما على أهل وقته، وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده.

_ [1] (3/ 169) . [2] انظر «الكامل في التاريخ» (9/ 456) وقد نقل المؤلف ما تقدّم عنه.

وذكره أبو بكر الخطيب في «تاريخ بغداد» [1] وأثنى عليه [2] . وأثنى عليه الباخرزي في كتابه «دمية القصر» [3] فقال في حقه: هو شاعر، له في مناسك الفضل مشاعر، وكاتب تجلى تحت كل كلمتين من كلماته كاعب، وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه بلو، وليت، فهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر [4] الزمان المذنب عن الذنوب. وذكره أبو الحسن علي بن بسام في كتاب «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» [5] وبالغ في الثناء عليه، وذكر شيئا من شعره. ومن غرر قصائده قصيدته التي مطلعها: بكر العارض تحدوه النّعامى ... فسقاك [6] الريّ يا دار أماما ومن ذلك قصيدته المشهورة التي أولها: سقى دارها بالرقمتين وحيّاها [7] وكذلك قوله من قصيدته الطنانة السائرة: بطرفك والمسحور يقسم بالسّحر ... أعمدا رماني أم أصاب ولا يدري تعرض بي في القانصين مسددا ... إشارة مدلول السّهام على النّحر رنا اللحظة الأولى فقلت: مجرب ... وكرّرها أخرى فأحسست بالشرّ فهل ظنّ ما قد حرّم الله من دمي ... مباحا له أم نام قومي عن الوتر؟!

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (13/ 276) . [2] انظر «دمية القصر» (1/ 218) بتحقيق الدكتور سامي مكي العاني. [3] في «دمية القصر» يتعذر. [4] قوله الأول: «وأثنى عليه» سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [5] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع من المجلد الثاني ص (549- 560) . [6] في «آ» و «ط» : «وسقيت» وأثبت لفظ «الذخيرة» . [7] صدر بيت عجزه: ............... ...... ملثّ يحيل الترب في الدّار أمواها انظر «وفيات الأعيان» (5/ 360) .

وهي طويلة حسنة في بابها. ومن نظمه الحسن قصيدته التي أولها، وهو من مطلع البدور: بكى النّار سترا على الموقد ... وغار مغالطة المنجد إلى غير ذلك من نظمه اللطيف.

سنة تسع وعشرين وأربعمائة

سنة تسع وعشرين وأربعمائة فيها توفي أبو عمر الطّلمنكي- بفتحات وسكون النون، نسبة إلى طلمنكة، مدينة بالأندلس- أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى [1] المعافري- بالفتح وكسر الفاء وراء، نسبة إلى المعافر بطن من قحطان- الأندلسي المقرئ المحدّث الحافظ، عالم أهل قرطبة، صاحب التصانيف، وله تسعون سنة. روى عن أبي عيسى اللّيثي، وأحمد بن عون الله، وحجّ، فأخذ بمصر عن أبي بكر الأدفوي، وأبي بكر [بن] المهندس، وخلق كثير، وكان خبيرا في علوم القرآن، تفسيره، وقراءاته، وإعرابه، وأحكامه، ومعانيه، وكان ثقة صاحب سنة، واتباع، ومعرفة بأصول الديانة. قال ابن بشكوال [2] : كان سيفا مجرّدا على أهل الأهواء والبدع، قامعا لهم، غيورا على الشريعة، شديدا في ذات الله تعالى. وفيها أبو يعقوب القرّاب، إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي، ثم الهروي الحافظ، محدّث هراة، وله سبع وسبعون سنة. روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وخلق كثير، وزاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس، وصنّف تصانيف كثيرة، وكان زاهدا صالحا مقلّا من الدّنيا. وفيها يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث، قاضي الجماعة بقرطبة،

_ [1] في «آ» و «ط» : «بن عيسى» والصواب ما أثبتناه. انظر «العبر» (3/ 170) . (ع) . [2] انظر «الصلة» (1/ 44- 45) .

أبو الوليد، ويعرف بابن الصفّار، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي عيسى اللّيثي، والكبار، وتفقّه على أبي بكر بن زرب [1] ، وولي القضاء مع الخطابة والوزارة، ونال رئاسة الدّين والدّنيا، وكان فقيها، صالحا، عدلا، حجّة، علّامة في اللغة، والعربية، والشعر، فصيحا مفوّها، كثير المحاسن، له مصنفات في الزهد وغيره، توفي في رجب. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن ذرب» بالذال وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 570) . [2] (3/ 171) .

سنة ثلاثين وأربعمائة

سنة ثلاثين وأربعمائة فيها قويت شوكة الغزّ، وتملّك بنو سلجوق خراسان، وأخذوا البلاد من السلطان مسعود. وفيها لقّب أبو منصور بن السلطان جلال الدولة، بالملك العزيز، وهو أول من لقّب بهذا النوع من ألقاب ملوك زماننا. قاله في «العبر» [1] . وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ الصوفي الأحوال الشافعي، سبط الزاهد محمد بن يوسف البنّا بأصبهان، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة. اعتنى به أبوه، وسمّعه في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وبعدها [استجاز له خيثمة الأطرابلسي، والأصم، وطبقتهما] [2] ، وتفرّد في الدنيا بعلو الإسناد، مع الحفظ والاستبحار من الحديث وفنونه. روى عن ابن فارس، والعسّال، وأحمد بن معبد السمسار، وأبي علي بن الصوّاف، وأبي بكر بن خلّاد وطبقتهم، بالعراق، والحجاز، وخراسان، وصنّف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار. منها كتاب «حلية الأولياء» . قال ابن ناصر الدّين [3] : ولما صنّف كتاب «الحلية» حملوه إلى نيسابور

_ [1] (3/ 171- 172) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (146/ آ) (مخطوط) .

فأبيع بأربعمائة دينار، ولا يلتفت إلى قول من تكلّم فيه، لأنه صدوق عمدة، كما لا يسمع قول أبي نعيم في ابن منذة، وكلام كلّ منهما في الآخر غير مقبول. انتهى. وقال ابن النجار [1] : هو تاج المحدّثين، وأحد أعلام الدّين. وفيها أبو بكر الأصبهاني، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث التميمي المقرئ النحوي، سكن نيسابور، وتصدّر للحديث ولإقراء العربية، وروى عن أبي الشيخ وجماعة، وروى «السّنن» عن الدّارقطني، وتوفي في ربيع الأول، وله إحدى وثمانون سنة. وفيها أبو عبد الرّحمن الحيري [2] ، إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير المفسّر. روى عن زاهر السرخسي وطبقته، وصنّف التصانيف في القراءات، والتفسير، والوعظ، والحديث، وكان أحد الأئمة. قال الخطيب: قدم علينا حاجّا، ونعم الشيخ كان، علما وأمانة وصدقا وخلقا [3] . ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان معه «صحيح البخاري» فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس. وقال عبد الغافر: كان من العلماء العاملين، نفّاعا للخلق، مباركا. وفيها أبو زيد الدّبّوسي- بفتح الدّال المهملة، وضم الموحدة

_ [1] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (145) تحقيق الأستاذ محمد مولود خلف. [2] تصحّفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الجيزي» والتصحيح من «الأنساب» (4/ 289) و «العبر» (3/ 173) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 539) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (6/ 313- 314) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرّف، وفيه «ونعم الشيخ كان، فضلا، وعلما، ومعرفة، وفهما، وأمانة، وصدقا، وديانة، وخلقا» .

المخففة، ومهملة [نسبة] إلى دبّوسيّة، بلد بين بخارى وسمرقند- عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي القاضي العلّامة. كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، وكان شيخ تلك الدّيار، توفي ببخارى. وفيها أبو القاسم بن بشران، عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي، الواعظ المحدّث، مسند وقته ببغداد، في ربيع الآخر، وله إحدى وتسعون سنة. سمع النّجاد، وأبا سهل القطّان، وحمزة الدّهقان [1] وطبقتهم. قال الخطيب [2] : كان ثقة ثبتا صالحا، وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحدّ ويفوت الإحصاء، رحمه الله تعالى. وفيها أبو منصور الثّعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، الأديب الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا. عاش ثمانين سنة. قال ابن بسام صاحب «الذخيرة» [3] : كان في وقته راعي تلعات [4] العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، وإمام المصنّفين بحكم قرانه [5] ، سار ذكره سير المثل، وضربت إليه آباط الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب، وتآليفه

_ [1] تحرّفت في «العبر» إلى «الدهان» فتصحّح فيه. [2] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 432- 433) وفيه: «وكان صدوقا، ثبتا، صالحا» . [3] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع من المجلد الثاني ص (560) . [4] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «بليغات» والتصحيح من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» (3/ 178) ، والتلعات جمع تلعة، والتلعة: أرض مرتفعة غليظة يتردد فيها السيل، ثم يندفع منها إلى تلعة أسفل منها. انظر «لسان العرب» (تلع) . [5] في «آ» و «ط» : «أقرانه» والتصحيح من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» .

أشهر مواضع، وأبهر مطالع، وأكثر راو لها وجامع، من أن يستوفيها حدّ أو وصف، أو يوفيها حقوقها نظم أو رصف، وذكر له طرفا من النثر وأورد شيئا من نظمه، فمن ذلك ما كتبه إلى الأمير أبي الفضل الميكالي: لك في [1] المفاخر [2] معجزات جمّة ... أبدا لغيرك في الورى لم تجمع بحران: بحر في البلاغة شابه [3] ... شعر الوليد وحسن لفظ [4] الأصمعي كالنّور أو كالسحر أو كالبدر أو ... كالوشي في برد عليه موشّع شكرا فكم من فقرة لك كالغنى ... وافى الكريم بعيد فقر مدقع وإذا تفتّق [5] نور شعرك ناضرا ... فالحسين بين مرصّع ومضرّع أرجلت فرسان الكلام [6] ورضت أف- ... - راس البديع وأنت أمجد [7] مبدع ونقشت في فصّ الزّمان بدائعا ... تزري بآثار الربيع الممرع وله من التآليف «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها، وفيها يقول ابن قلاقس: أبيات أشعار اليتيمة ... أبكار أفكار قديمة ماتوا وعاشت بعدهم ... فلذاك سمّيت اليتيمة وله أيضا كتاب «فقه اللغة» و «سحر البلاغة وسرّ البراعة» وفي كتبه دلالة على كثرة اطّلاعه. وله أشعار كثيرة، وكانت ولادته سنة خمسين وثلاثمائة، وتوفي في هذه السنة أو التي قبلها، ونسبته إلى خياطة جلود الثعالب وعملها، قيل له ذلك لأنه كان فرّاء. وفيها الحوفي أبو الحسن، علي بن إبراهيم بن سعيد، صاحب

_ [1] لفظة «في» سقط من «آ» . [2] في «يتيمة الدهر» : «في المحاسن» . (ع) . [3] في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» : «شأنه» والتصحيح من «الذخيرة» و «يتيمة الدهر» (4/ 408) [4] في «اليتيمة» : «حفظ» . (ع) . [5] في «آ» و «ط» : «تبين» والتصحيح من «الذخيرة» و «اليتيمة» . [6] في «اليتيمة» : «فرسان القريض» . (ع) . [7] في «اليتيمة» : «أفرس» . (ع) .

«إعراب القرآن» في عشر مجلدات. كان إماما في العربية، والنحو، والأدب، وله تصانيف كثيرة. قال في «العبر» [1] : هو تلميذ الأدفوي. انتفع به أهل مصر وتخرّجوا به في النحو. انتهى. وقال السيوطي في «حسن المحاضرة» [2] : هو من قرية يقال لها شبرا [3] من أعمال الشرقية. انتهى. وقال أيضا من «لباب الأنساب» [4] : والحوفي: بالفاء، نسبة إلى حوف، وكنت أظن أنها قرية بمصر، حتى رأيت [5] في «تاريخ البخاري» أنها من عمان. قلت [6] : بل هي ناحية بمصر كبيرة معروفة، فيها قرى كثيرة، وجزم به ياقوت [7] رحمه الله تعالى، وغيره. انتهى. وفيها أبو عمران الفاسي، موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري الغفجومي نسبة إلى غفجوم بطن من زناتة- قبيلة من البربر بالمغرب [8]- شيخ المالكية بالقيروان، وتلميذ أبي الحسن القابسي. دخل الأندلس، وأخذ عن عبد الوارث بن سفيان وطائفة، وحجّ مرّات، وأخذ علم الكلام ببغداد عن ابن الباقلّاني، وقرأ على الحمامي، وكان إمام في القراءات، بصيرا بالحديث، رأسا في الفقه، تخرّج به خلق في المذهب، ومات في شهر رمضان، وله اثنتان وستون سنة.

_ [1] (3/ 174) . [2] انظره (1/ 532) . [3] قلت: وقد شاع نطق اسمها «شبرا» بالضم عند إخواننا المصريين في أيامنا. [4] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» ص (85) مصوّرة مكتبة المثنى ببغداد. [5] في «آ» : «فرأيت» وأثبت لفظ «ط» وهو موافق لما في «لب اللباب» . [6] القائل: السيوطي. [7] انظر «معجم البلدان» (2/ 322) . [8] انظر «ترتيب المدارك» (2/ 702) .

سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة

سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسن، بشرى بن عبد الله الرّومي القاضي، ببغداد، يوم الفطر، وكان صالحا صدوقا. روى عن أبي بكر بن الهيثم الأنباري وخلق. وفيها ابن دوما، أبو علي الحسن بن الحسين [1] النّعالي ببغداد، ضعيف، ألحق نفسه في طباق [2] . روى عن أبي بكر الشافعي، وطائفة. وفيها أبو العلاء الأستوائي، صاعد بن محمد بن النيسابوري الحنفي، قاضي نيسابور، ورئيس الحنفية وعالمهم، توفي في آخر السنة. روى عن إسماعيل بن نجيد وجماعة، وعاش سبعا وثمانين سنة. وفيها ابن الطّبيز أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز الجلبي السرّاج الرّامي، نزل دمشق، وله مائة سنة. روى عن محمد بن عيسى العلّاف، وابن الجعابي، وجماعة. تفرد في الدّنيا عنهم، وهو ثقة، وهو توفي في جمادى الأولى، وفيه تشيع. آخر من روى عنه الفقيه نصر المقدسي.

_ [1] في «آ» : «الحسن بن الحسن» وهو تحريف، وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب. انظر «تاريخ بغداد» (7/ 300) و «العبر» (3/ 175) . [2] وقال الخطيب في «تاريخ بغداد» : «وكان كثير السماع، إلّا أنه أفسد أمره بأن ألحق لنفسه السماع في أشياء لم تكن سماعه» .

وفيها أبو عمرو القسطاني- بالضم، نسبة إلى قسطانة قرية بين الرّيّ وساوة- عثمان بن أحمد القرطبي نزيل إشبيلية. سمّعه أبوه «الموطأ» من أبي عيسى اللّيثي، وسمع من أبي بكر بن السّليم، وابن القوطيّة، وجماعة، وكان خيّرا، ثقة، توفي في صفر، وله ثمانون سنة. وفيها أبو بكر، وأبو حامد، أحمد بن علي [الإسفراييني] . كان من الحفّاظ الأيقاظ، والمحدّثين. قاله ابن ناصر الدّين [1] . وفيها أبو العلاء الواسطي، محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب، القاضي المقرئ المحدّث. قرأ بالروايات على جماعة كثيرة، وجرّد [2] العناية لها، وأخذ بالدّينور عن الحسين بن محمد بن حبش، وروى عن القطيعي ونحوه. حكى عنه الخطيب [3] أشياء توجب ضعفه، ومات في جمادى الآخرة، وله اثنتان وثمانون سنة. وفيها أبو الحسن، محمد بن عوف المزني [4] الدمشقي، وكانت كنيته الأصلية أبا بكر، فلما منعت الدولة الباطنية من التكنّي بأبي بكر، تكنّى بأبي الحسن. روى عن أبي علي الحسن بن منير، والميانجي، وطائفة. قال الكتّاني: كان ثقة نبيلا مأمونا، توفي في ربيع الآخر. وفيها محمد بن الفضل بن نظيف، أبو عبد الله المصري الفرّاء، مسند الدّيار المصرية. سمع أبا الفراس الصابوني، والعبّاس بن محمد الرّافعي وطبقتهما، وأمّ بمسجد عبد الله سبعين سنة، وكان شافعيا، عمّر تسعين سنة وشهرين، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها المسدّد بن علي أبو المعمّر الأملوكي- بضم أوله واللام، نسبة

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (146/ ب) وما بين حاصرتين زيادة مستدركة منه. [2] في «ط» : «جرّد» . [3] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 95- 99) . [4] تحرف في «العبر» إلى المزي.

إلى أملوك بطن من ردمان، قبيلة من رعين- كان خطيب حمص. سمع الميانجي وجماعة، ثم سكن دمشق، وأمّ بمسجد سوق الأحد. قال الكتّاني: فيه تساهل. وفيها المفضل بن إسماعيل بن أبي بكر، أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو معمر [1] الشافعي، مفتي جرجان ورئيسها ومسندها. كان من أذكياء زمانه. روى عن جدّه وطائفة كثيرة، وتوفي في ذي الحجة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الجرجاني المعمر» والتصحيح من «العبر» (3/ 178) مصدر المؤلف، و «سير أعلام النبلاء» (17/ 518) .

سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة

سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فيها توفي المستغفري الحافظ أبو العبّاس جعفر بن محمد بن المعتز [بن محمد] [1] بن المستغفر بن الفتح النّسفي، صاحب التصانيف الكثيرة. روى عن زاهر السرخسي وطبقته. عاش ثمانين سنة، وكان محدّث ما وراء النهر في زمانه. قال ابن ناصر الدّين [2] : كان حافظا مصنفا ثقة مبرزا على أقرانه، لكنه يروي الموضوعات من غير تبيين. وفيها أبو القاسم الطحّان، عبد الباقي بن محمد البغدادي الثقة، عاش ثماني وثمانين سنة، وروى عن ابن الصوّاف وغيره. وفيها أبو حسّان المزّكّي، محمد بن أحمد بن جعفر، شيخ التزكية والحشمة بنيسابور، وكان فقيها ثقة صالحا خيّرا، حدّث عن محمد بن إسحاق الضّبعي، وابن نجيد، وطبقتهما. وفيها أبو طاهر الغباري [3] ، محمد بن أحمد بن محمد الحنبلي، له النبل والفضل، صحب جماعة، منهم: أبو الحسن الجزري، وكانت له

_ [1] ما بين حاصرتين مستدرك من «الأنساب» (11/ 297) و «العبر» (3/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 564) و «التبيان شرح بديعة البيان» . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (146/ ب) . [3] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 188) و «المنهج الأحمد» (2/ 119- 120) .

حلقتان إحداهما بجامع المنصور، والأخرى بجامع الخليفة، وتوفي في ذي القعدة، وله ثمانون سنة. وفيها محمد بن عمر بن بكير [1] النجّار، أبو بكر البغدادي المقرئ، عن ست وثمانين سنة. روى عن أبي بحر البربهاري، وابن خلّاد النّصيبيني، وطائفة.

_ [1] تصحف في «آ» و «ط» إلى «نكير» بالنون، والتصحيح من «العبر» (3/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 472) .

سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة

سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو نصر الكسّار القاضي، أحمد بن الحسين الدّينوري. سمع «سنن النسائي» من ابن السّني، وحدّث بن في شوال من السنة. وفيها أبو الحسين بن فاذشاه، الرئيس أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني الثاني. راوي «المعجم الكبير» عن الطبراني، توفي في صفر، وقد رمي بالتشيّع والاعتزال. وفيها أبو عثمان القرشي، سعيد بن العبّاس الهروي المزكّي الرئيس، في المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن حامد الرفّاء، وأبي الفضل بن خميرويه [1] ، وطائفة، وتفرد بالرواية عن الجماعة. وفيها أبو سعيد النّصرويي [2] عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري، مسند وقته، وراوي «مسند» إسحاق بن راهويه عن السّمّذي. روى عن ابن نجيد، وأبي بكر القطيعي، وهذه الطبقة. توفي في صفر، وهو منسوب إلى جدّه نصرويه.

_ [1] في «آ» و «ط» : «حمرويه» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 553) . [2] في «آ» و «ط» : «أبو سعيد النصروي» وفي «العبر» (3/ 180) : «أبو سعيد النضروي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «اللباب» (3/ 311) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 553) .

وفيها أبو القاسم الزّيدي الحرّاني، علي بن محمد بن علي العلوي الحسيني الحنبلي المقرئ، في شوال بحرّان، وهو آخر من روى عن النقّاش القراءات والتفسير، وهو ضعيف. قال عبد العزيز الكتّاني- وقد سئل عن شيء-: ما يكفي علي بن محمد الزّيدي أن يكذب، حتّى يكذب عليه. قال في «العبر» [1] : وكان صالحا ربانيا. انتهى. وفيها مات الفقيه المشهور سالم بن عبد الله الهروي، المعروف بغويلة، تصغير غول، وهو معدود في طبقة الشيخ أبي محمد، وهو الذي قيل: إنه ما عبر جسر بغداد مثله. قاله ابن الأهدل. وفيها عالم همذان، عبد الله بن عبدان، حكى عنه شيرويه في كتابه «المنامات» أنه قال: رأيت الحق في النوم، فقال لي [2] : ما يدل على أنه يخاف عليّ الإعجاب. قاله بن الأهدل أيضا. فانظر إلى هذا وأضعافه مما وقع لكثير من كبراء الأمة [3] ، كالإمام الأعظم، والإمام أحمد، والإمام القشيري، وصاحب هذه الترجمة، وأضعافهم، من إخبارهم برؤيته تعالى في المنام، وقول المتكلمين بجوازها، حتى قال اللّقاني في «شرح الجوهرة» : وأما رؤيته تعالى مناما فجائزة اتفاقا، وهي حقّ فإن الشيطان لا يتمثل به تعالى، كما لا يتمثل بالأنبياء، وإلى قول بعض الحنفية رضي الله تعالى عنهم: ويكفر من قال رأيت الله في المنام انتهى. ولكن لا ينبغي إطلاق اللسان بالتكفير في مثل هذا. قال التمرتاشي في «شرح تنوير الأبصار» في أول باب المرتد ما لفظه:

_ [1] (3/ 181) . [2] لفظة «لي» لم ترد في «ط» . [3] في «ط» : «مما وقع لكبراء الأمة» .

وفي «فتح القدير» : ومن هزل بلفظ كفر ارتد، وإن لم يعتقد للاستخفاف، فهو ككفر العناد، والألفاظ التي يكفّر بها تعرف في الفتاوى. انتهى. وقد أعرضنا عن ذكرها هنا لأنها أفردت بالتأليف، وأكثر من إيرادها أصحاب الفتاوى، مع أنه لا يفتي بشيء منها بالكفر، إلا فيما اتفق المشايخ عليه، لاتفاق كلمتهم في الفتاوى وغيرها، أنه لا يفتي بتكفير مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة. قال شيخنا: وهو الذي تحرر من كلامهم، ثم قال: فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتي بالتكفير بها، وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها. انتهى كلام التمرتاشي بحروفه. وفيها أبو الحسن بن السّمسار، علي بن موسى الدمشقي، حدّث عن أبيه وأخويه: محمد وأحمد، وعلي بن أبي العقب، وأبي عبد الله بن مروان، والكبار، وروى البخاريّ [1] عن أبي زيد المروزي، وانتهى إليه علو الإسناد بالشام. قال الكتّاني: كان فيه تساهل، ويذهب إلى التشيّع، توفي في صفر، وقد كمّل التسعين. وفيها أبو القاسم المعتمد بن عبّاد القاضي، محمد بن إسماعيل بن عبّاد بن قريش اللّخمي الإشبيلي الذي ملّكه أهل إشبيلية عليهم، عند ما قصدهم الظالم يحيى بن علي الإدريسي، الملقب بالمستعلي، وكانت لصاحب الترجمة أخبار ومناقب وسيرة عالية. قال ابن خلّكان [2] : كان المعتمد المذكور صاحب قرطبة وإشبيلية وما والاهما من جزيرة الأندلس، وفيه وفي أبيه المعتضد يقول بعض الشعراء:

_ [1] يعني «صحيح البخاري» وكانت العبارة في «آ» و «ط» : «وروى عن البخاري عن أبي زيد المروزي» والتصحيح من «العبر» (3/ 181) وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 506) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 21) .

من بني المنذرين وهو انتساب ... زاد في فخره بنو عبّاد فتية لم تلد سواها المعالي ... والمعالي قليلة الأولاد وكان من بلاد الشرق من أهل العريش، المدينة القديمة الفاصلة بين مصر والشام [1] في أول الرمل من جهة الشام، فتوجه به أبوه إلى المغرب فاستوطنا قرية تومين [2] من إقليم طشانة من أرض إشبيلية. ومحمد هذا أول من نبغ في تلك البلاد وتقدم بإشبيلية إلى أن ولي القضاء بها، فأحسن السياسة مع الرعية وتلطف بهم، فوثقته القلوب، وكان يحيى المستعلي صاحب قرطبة، مذموم السيرة، فتوجه إلى إشبيلية محاصرا لها، فلما نزل عليها اجتمع رؤساء إشبيلية وأعيانها، وأتوا القاضي محمدا المذكور، وقالوا له: [أما] ترى ما حلّ بنا من هذا الظالم، وما أفسد من أموال الناس؟ فقم بنا نخرج إليه ونملّكك، ونجعل الأمر لك [3] ، ففعل، ووثبوا على يحيى، فركب إليهم وهو سكران فقتل. وتم الأمر لمحمد، ثم ملك بعد ذلك قرطبة وغيرها. ثم قيل له بعد تملّكه واستيلائه على البلاد: إن هشام بن الحكم في مسجد بقلعة رباح، فأرسل إليه من أحضره، وفوّض الأمر إليه، وجعل لنفسه كالوزير بين يديه، وفي هذه الواقعة يقول الحافظ أبو محمد بن حزم الظاهري في كتابه «نقط العروس» : أعجوبة [4] لم يقع في الدّهر مثلها، فإنه ظهر رجل يقال له خلف الحضري [5] بعد نيّف وعشرين سنة من موت هشام بن الحكم، المنعوت بالمؤيد، وادّعى أنه هشام، فبويع وخطب له على جميع منابر الأندلس في

_ [1] في «ط» : «بين الشام ومصر» . [2] انظر التعليق على «وفيات الأعيان» (5/ 21) . [3] في «وفيات الأعيان» : «إليك» . [4] في «وفيات الأعيان» : «أخلوقة» . [5] في «وفيات الأعيان» : «الحصري» .

أوقات شتى، وسفك الدماء، وتصادمت الجيوش في أمره، وأقام المدّعي أنه هشام نيفا وعشرين سنة، والقاضي محمد بن إسماعيل في رتبة الوزير بين يديه، والأمر إليه، ولم يزل [الأمر] كذلك إلى أن توفي المدعو هشاما، فاستبد القاضي محمد بالأمر بعده، وكان من أهل العلم والأدب والمعرفة التامة بتدبير الدول، ولم يزل ملكا مستقلا إلى [1] أن توفي يوم الأحد، تاسع عشري جمادى الأولى، ودفن بقصر إشبيلية، وقيل: إنه عاش إلى قريب خمسين وأربعمائة، واختلف أيضا في مبدأ استيلائه، فقيل: سنة أربع عشرة [وأربعمائة] وهو الذي ذكره العماد الكاتب في «الخريدة» [2] وقيل: سنة أربع وعشرين. ولما مات محمد القاضي قام مقامه ولده المعتضد بالله عبّاد. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها السلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، تملّك بعد أبيه خراسان، والهند، وغزنة، وجرت له حروب وخطوب، مع بني سلجوق، وظهروا على ممالكه، وضعف أمره، فقتله أمراؤه.

_ [1] لفظة «إلى» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «وفيات الأعيان» . [2] انظر «خريدة القصر» - قسم شعراء المغرب والأندلس- (2/ 25- 43) .

سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

سنة أربع وثلاثين وأربعمائة فيها كانت الزلزلة العظمى بتبريز، فهدمت أسوارها، وأحصي من هلك تحت الردم [1] ، فكانوا أكثر من أربعين ألفا. وفيها توفي أبو ذرّ الهروي، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري، الحافظ الثقة الفقيه المالكي، نزيل مكّة. روى عن أبي الفضل بن خميرويه [2] ، وأبي عمر بن حيّويه، وطبقتهما، وروى «الصحيح» [3] عن ثلاثة من أصحاب الفربري، وجمع لنفسه «معجما» وعاش ثمانيا وسبعين سنة. وكان ثقة متقنا ديّنا عابدا ورعا بصيرا بالفقه والأصول. أخذ علم الكلام عن ابن الباقلاني، وصنّف مستخرجا على الصحيحين، وكان شيخ الحرم في عصره، ثم إنه تزوج بالسّروات [4] ، وبقي يحج كل عام ويرجع. وفيها أبو محمد الهمداني، عبد الله بن غالب بن تمّام المالكي، مفتي أهل سبتة وزاهدهم وعالمهم، دخل الأندلس، وأخذ عن أبي بكر

_ [1] في «العبر» : «الهدم» . [2] تحرّف في «آ» إلى: «حمرويه» وتصحف في «ط» إلى «حميرويه» والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 555) . [3] يعني «صحيح البخاري» . [4] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» وفي «سير أعلام النبلاء» و «نفح الطيب» : «ثم تزوّج في العرب، وسكن السروات» .

الزّبيدي، وأبي محمد الأصيلي، ورحل إلى القيروان، فروى عن أبي محمد بن أبي زيد، وبمصر عن أبي بكر [بن] المهندس، وكان علّامة، متيقظا، ذكيا، متبحرا في العلوم، فصيحا، مفوّها، قليل النظير، توفي في صفر، عن سنّ عالية.

سنة خمس وثلاثين وأربعمائة

سنة خمس وثلاثين وأربعمائة فيها استولى طغرلبك السلجوقي على الرّيّ، وخرّبها [1] عسكره بالقتل والنهب، حتّى لم يبق بها إلّا نحو ثلاثة آلاف نفس، وجاءت رسل طغرلبك إلى بغداد، فأرسل القاضي الماوردي إليه بذم ما صنع في البلاد، ويأمره بالإحسان إلى الرعية، فتلقّاه طغرلبك واحترمه، إجلالا لرسالة الخليفة. واتفق موت جلال الدولة السلطان ببغداد بالخوانيق، وكان ابنه الملك العزيز بواسط. وكان جلال الدولة ملكا جليلا سليم الباطن، ضعيف السلطنة، مصرّا على اللهو والشرب، مهملا لأمر الرعية، عاش اثنتين وخمسين سنة، وكانت دولته سبع عشرة سنة، وخلّف عشرين ولدا بنين وبنات، ودفن بدار السلطنة ببغداد ثم نقل. وفيها توفي أبو الحزم، جهور بن محمد بن جهور، أمير قرطبة ورئيسها وصاحبها، ساس البلد أحسن سياسة، وكان من رجال الدّهر حزما، وعزما، ودهاء، ورأيا، ولم يتسمّ بالملك، وقال: أنا أدبر الناس إلى أن يقوم لهم من يصلح، فجعل ارتفاع الأموال بأيدي الأكابر وديعة، وصيّر العوّام جندا، وأعطاهم أموالا مضاربة، وقرر عليهم السلاح والعدّة، وكان يشهد الجنائز ويعود المرضى، وهو بزيّ الصالحين، لم يتحول من داره إلى دار السلطنة، وتوفي في المحروم، عن إحدى وسبعين سنة، وولي بعده ابنه أبو الوليد.

_ [1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «وخسر بها» والتصحيح من «العبر» .

وفيها أبو القاسم الأزهري، عبيد الله بن أحمد بن عثمان البغدادي الصيرفي الحافظ. كتب الكثير، وعني بالحديث. وروى عن القطيعي وطبقته، توفي في صفر، عن ثمانين سنة. وفيها جلال الدولة، سلطان بغداد، أبو طاهر فيروزجرد بن [الملك] بهاء الدولة أبي نصر بن الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة بن بويه الدّيلمي، وولي بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور، فضعف وخاف، وكاتب ابن عمّه، أبا كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة، فوعده بالجميل، وخطب للاثنين معا. وفيها أبو بكر الميماسي محمد بن جعفر بن علي، الذي روى «الموطأ» عن يحيى بن بكير [1] عن ابن وصيف، توفي في شوال، وهو من كبار شيوخ نصر المقدسي. وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن رزمة البغدادي البزّاز. روى عن أبي بكر بن خلّاد وجماعة. قال الخطيب [2] : صدوق، كثير السماع، مات في جمادى الأولى. وفيها أبو القاسم المهلّب [بن] أحمد بن أبي صفرة [3] الأندلسي الأسدي، قاضي المريّة. أخذ عن أبي محمد الأصيلي، وأبي الحسن القابسي، وطائفة، وكان من أهل الذكاء المفرط، والاعتناء التام بالعلوم، وقد شرح «صحيح البخاري» وتوفي في شوال في سنّ الشيخوخة.

_ [1] في «العبر» : «ابن بكبر» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (2/ 361) . [3] في «آ» و «ط» : «المهلّب أحمد بن أبي صفرة» والصحيح من «الصلة» لابن بشكوال (2/ 626) و «العبر» (3/ 186) .

سنة ست وثلاثين وأربعمائة

سنة ست وثلاثين وأربعمائة فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد، وضربت له الطبول في أوقات الصلوات الخمس، ولم تضرب لأحد قبله إلّا ثلاث مرات. وفيها توفي تمّام بن غالب، أبو غالب بن التّيّاني القرطبي، لغوي الأندلس، بمرسية، له مصنّف بديع في اللغة، وكان علّامة ثقة في نقله، ولقد أرسل إليه صاحب مرسية الأمير أبو الجيش مجاهد، ألف دينار، على أن يزيد في خطبة هذا الكتاب، أنه ألّفه لأجله، فامتنع تورعا، وقال: ما صنفته إلّا مطلقا. وفيها أبو عبد الله الصّيمري- بفتح الصاد المهملة والميم وسكون الياء وراء آخره، نسبة إلى صيمر، نهر بالبصرة عليه عدة قرى- الحسين [1] بن علي الفقيه، أحد الأئمة الحنفية ببغداد. روى عن أبي الفضل الزّهري وطبقته، وولي قضاء ربيع الكرخ، وكان ثقة صاحب حديث، مات في شوال، وله خمس وثمانون سنة. وفيها الشريف المرتضى، نقيب الطالبيين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، أبو طالب علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الحسيني

_ [1] تحرّف في «العبر» إلى «الحسن» فيصحح فيه.

الموسوي، وله إحدى وثمانون سنة، وكان إماما في التشيّع، والكلام، والشعر، والبلاغة، كثير التصانيف متبحرا في فنون العلم. أخذ عن الشيخ المفيد، وروى الحديث عن سهل الدّيباجي الكذّاب، وولي النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرّضي. قال ابن خلّكان [1] : كان إماما في علم الكلام والشعر والأدب، وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في أصول الدّين، وله ديوان شعر، إذا وصف الطيف أجاد فيه، وقد استعمله في كثير من المواضع. وقد اختلف الناس في كتاب «نهج البلاغة» المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هل هو جمعه أم جمع أخيه الرّضي، وقد قيل: إنه ليس من كلام عليّ، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم. وله الكتاب الذي سمّاه «الدّرر والغرر» [2] وهو في مجالس أملاها تشتمل على فنون في معاني الأدب، تكلّم فيها على النحو، واللغة، وغير ذلك، وهو كتاب ممتع، يدل على فضل كثير، وتوسّع في الاطّلاع على العلوم. وذكره ابن بسام في آخر كتاب «الذخيرة» [3] فقال: كان [هذا] الشريف إمام أئمة العراق، على الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها، وحمى سالكها وآنسها [4] ممّن سارت أخباره، وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، إلى تواليفه في الدّين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، مما يشهد له [5] أنّه فرع تلك الأصول، ومن [أهل] ذلك البيت الجليل، وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك قوله:

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 313- 316) . [2] وهو مطبوع باسم «أمالي الشريف المرتضى» . [3] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع، المجلد الثاني ص (465- 475) . [4] في «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» : «وجامع شاردها وآنسها» . [5] في «الذخيرة» : «بما يشهد له» .

ضنّ عني بالنّزر إذ أنا يقظا ... ن وأعطى كثيره في المنام والتقينا كما اشتهينا ولا عي ... ب سوى أنّ ذاك في الأحلام وإذا كانت الملاقاة ليلا ... فالليالي خير من الأيام ومن ذلك أيضا: يا خليلي من ذؤابه قيس ... في التصابي رياضة الأخلاق علّلاني [1] بذكرهم [2] تطرباني ... واسقياني دمعي بكأس دهاق وخذا النوم عن جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق فلما وصلت هذه الأبيات إلى البصري [3] الشاعر قال: المرتضى خلع ما لا يملك على من لا يقبل. ومن شعره أيضا: ولما تفرقنا كما شاءت النّوى ... تبيّن ودّ خالص وتودّد كأني وقد سار الخليط عشية ... أخو جنّة مما أقوم وأقعد وله: قل لمن خدّه من اللحظ دام ... رق لي من جوانح فيك تدمى يا سقيم الجفون من غير سقم ... لا تلمني إن متّ فيهنّ سقما أنا خاطرت في هواك بقلب ... ركب البحر فيك إمّا وإمّا وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التّبريزي اللغوي، أن أبا الحسن علي بن أحمد بن سلّك الفالي- بالفاء، نسبة إلى فالة، بلدة بخوزستان- الأديب كانت له نسخة كتاب «الجمهرة» لابن دريد في غاية

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وفي «الذخيرة» : «غنياني» . [2] في «آ» و «ط» : «يذكركم» وما أثبتناه من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «البصروي» .

الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فباعها واشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفحها فوجد فيها أبياتا بخط الفالي وهي: أنست بها عشرين حولا وبعتها ... لقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظنّي أنني سأبيعها ... ولو خلّدتني في السجون ديوني ولكن لضعف وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهلّ عيوني [1] فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... مقالة مكويّ الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أمّ مالك ... كرائم من مولى [2] بهنّ ضنين فيقال: إنه بعث بها إليه. وملح المرتضى وفضائله كثيرة. وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحد خامس عشري شهر ربيع الأول ببغداد، ودفن في داره عشية ذلك النهار، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا. وفيها أبو عبد الرحمن النّيلي، محمد بن عبد العزيز بن عبد الله شيخ الشافعية بخراسان، وله ثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة. قال الإسنوي [3] : كان إماما في المذهب، أديبا، شاعرا، صالحا، زاهدا، ورعا. سمع، وحدّث، وأملى، وطال عمره. ولد سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وله ديوان، شعر، ومنه: ما حال من أسر الهوى ألبابه ... ما حال من كسر التّصابي نابه نادى الهوى أسماعه فأجابه ... حتّى إذا ما جاز أغلق بابه أهوى لتمزيق الفؤاد فلم يجد ... في صدره قلبا فشقّ ثيابه

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «شؤوني» . [2] في «وفيات الأعيان» : «من ربّ» . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 490- 491) .

انتهى ملخصا. وفيها أبو الحسين البصري، محمد بن علي بن الطّيب، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلامية، وكان من أذكياء زمانه، توفي ببغداد في ربيع الآخر، وكان يقرئ الاعتزال ببغداد، وله حلقة كبيرة. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : كان جيد الكلام، مليح العبارة، غزير المادة، إمام وقته، وله التصانيف الفائقة في الأصول، منها «المعتمد» وهو كتاب كبير، ومنه أخذ فخر الدّين الرّازي كتاب «المحصول» وله «تصفح الأدلة» في مجلدين، و «غرر الأدلة» في مجلد كبير، و «شرح الأصول الخمسة» وكتاب في الإمامة، [وغير ذلك في] [3] أصول الدّين، وانتفع الناس بكتبه، وسكن بغداد وتوفي بها يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر، ودفن بمقبرة الشّونيزيّة [4] ، وصلى عليه القاضي أبو عبد الله الصّيمري. انتهى ملخصا.

_ [1] (3/ 189) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 271) . [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «بمقبرة الشونيز» وفي «وفيات الأعيان» : «بمقبرة الشونيزي» والتصحيح من «معجم البلدان» (3/ 374) .

سنة سبع وثلاثين وأربعمائة

سنة سبع وثلاثين وأربعمائة فيها وقيل في التي قبلها، وبه جزم ابن ناصر الدّين، توفي أبو حامد أحمد بن محمد بن أحيد بن عبد الله بن ماما الأصبهاني، كان حافظا بصيرا بالآثار، وله ذيل على تاريخ بخارى لغنجار. وفيها أبو نصر المنازي [1] أحمد بن يوسف السليكي الكاتب، كان من أعيان الفضلاء، وأماثل الشعراء، وزر لأبي نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ميّافارقين، وديار بكر، أرسله إلى القسطنطينية مرارا، وجمع كتبا كثيرة، ثم وقفها على جامع ميّافارقين، وجامع آمد، وهي موجودة بخزائن الجامعين، ومعروفة بكتب المنازي، وكان قد اجتمع بأبي العلاء المعري بمعرة النّعمان، فشكا أبو العلاء إليه حاله، وأنه منقطع عن الناس. وهم يؤذونه، فقال: ما لهم ولك وقد تركت لهم الدّنيا والآخرة؟ فقال أبو العلاء: والآخرة أيضا، والآخرة أيضا، وجعل يكررها ويتألم لذلك، وأطرق فلم يكلمه إلى أن قام، وكان قد اجتاز في بعض أسفاره بوادي بزاعا، فأعجبه حسنة وما هو عليه، فعمل فيه هذه الأبيات: وقانا لفحة الرّمضاء واد ... وقاه مضاعف الغيث العميم نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنّو المرضعات على الفطيم

_ [1] نسبة إلى «منازجرد» بلد مشهور بين خلاط وبلاد الرّوم يعدّ في إرمينية وأهله أرمن وروم. انظر «معجم البلدان» (5/ 202) و «وفيات الأعيان» (1/ 143- 145) وتقع الآن في تركية.

يصدّ الشمس أنّى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنّسيم [1] يروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النّظيم ذكر أنه عرض هذا القصيد في جماعة من الشعراء على أبي العلاء المعري، فقال له: أنت أشعر من بالشام، ثم بعد خمس عشرة سنة عرض عليه مع جماعة من الشعراء قوله: لقد عرض الحمام لنا بسجع ... إذا أصغى له ركب تلاحى شجى قلب الخلي فقيل غنّى ... وبرّح بالشجيّ فقيل ناحا وكم للشوق في أحشاء صبّ ... إذا اندملت أجدّ لها جراحا ضعيف الصّبر عنك وإن تقاوى ... وسكران الفؤاد وإن تصاحا كذاك بنو الهوى سكرى صحاة ... كأحداق المها مرضى صحاحا [2] فقال له أبو العلاء: ومن العراق، عطفا على قوله السابق: أنت أشعر من بالشام. ومن شعره أيضا: ولي غلام طال في دقّة ... كخطّ إقليدس لا عرض له وقد تناهى عقله خفّة ... فصار كالنقطة لا جزء له والمنازي: بفتح الميم والنون، نسبة إلى منازجرد، بزيادة جيم مكسورة، وهي مدينة عند خرت برت، وهي غير منازكرد القلعة التي من أعمال خلاط [3] .

_ [1] رواية البيت في «وفيات الأعيان» : يراعي الشمس أنّي قابلته ... فيحجبها ويأذن للنّسيم قلت: وبين البيتين الثاني والثالث في «وفيات الأعيان» بيت آخر هو، وأرشفنا على ظمإ زلالا ... ألذّ من المدامة للنديم [2] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (8/ 286) في سياق ترجمته. [3] قلت: هذه من أوهام المؤلف رحمه الله تعالى، بل هي هي، حتى إن ياقوت قال في «معجم البلدان» (5/ 202) : وأهله يقولون: «منازكرد» بالكاف. وانظر بلدان الحلافة الشرقية (148

وفيها أبو محمد القيسي مكي بن أبي طالب حمّوش بن محمد بن مختار القيسيّ [1] المقرئ، أصله من القيروان، وانتقل إلى الأندلس، وسكن قرطبة، وهو من أهل التبحّر في العلوم، خصوصا القرآن، كثير التصنيف والتصانيف، عاش اثنتين وثمانين سنة، ورحل غير مرة، وحجّ وجاور، وتوسع في الرواية، وبعد صيته، وقصده الناس من النواحي لعلمه ودينه، وولي خطابة قرطبة لأبي الحزم جهور، وكان مشهورا بالصلاح وإجابة الدعوة، حسن الفهم والخلق، جيد الدّين والعقل، وحجّ أربع حجج متوالية، ثم رجع من مكّة إلى مصر، ثم إلى القيروان، ثم ارتحل إلى الأندلس، ثم صنّف التصانيف الكثيرة، ومنها: «الهداية إلى بلوغ النهاية» في معاني القرآن الكريم وتفسيره وأنواع علومه، وهو سبعون جزءا، وكتاب «التبصرة في القراءات» [2] في خمسة أجزاء، وهو من أشهر تآليفه، وكتاب «المأثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره» عشرة أجزاء وكتاب «مشكل المعاني والتفسير» خمسة عشر جزءا [3] ، ومصنفاته تفوت العدّ كثرة، ومن نظمه قوله من قصيدة: عليك بإقلال الزّيارة إنها ... إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا ألم تر أنّ الغيث يسأم دائما ... ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا

_ و180) ففيه أشكال أخرى لهذه اللفظة. [1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 274- 277) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 591- 593) ، و «العبر» (3/ 189- 190) . [2] نشره معهد المخطوطات العربية في الكويت بتحقيق الدكتور محيى الدّين رمضان في مجلد واحد. [3] ونشر مجمع اللغة العربية بدمشق كتابه «مشكل إعراب القرآن» في مجلدين بتحقيق الأخ الأستاذ ياسين محمد السوّاس، ثم قامت بتصوير طبعته هذه دار المأمون للتراث بدمشق، ومن ثم صورت في إيران أيضا، ويقوم الأستاذ السوّاس بإعادة تحقيق الكتاب وسيطبع قريبا إن شاء الله وله أخرى كثيرة، انظر كتب «إنباه الرّواة» (3/ 315- 319) .

سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة

سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو علي البغدادي، والحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي، مصنّف «الروضة في القراءات العشر» . وفيها أبو محمد الجويني [1]- نسبة إلى جوين، ناحية كبيرة من نواحي نيسابور، تشتمل على قرى كثيرة- عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيّويه- بمثناتين تحت أولاهما مضمومة مشددة والثانية مفتوحة- شيخ الشافعية، ووالد إمام الحرمين. قال ابن شهبة في «طبقاته» [2] : كان يلقب ركن الإسلام، أصله من قبيلة من العرب. قرأ الأدب بناحية جوين على والده، والفقه على أبي يعقوب الأبيوردي، ثم خرج إلى نيسابور، فلازم أبو الطيب الصّعلوكي، ثم رحل إلى مرو لقصده القفّال، فلازمه حتّى برع عليه خلافا ومذهبا، وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة، وقعد للتدريس والفتوى، وكان إماما في التفسير، والفقه، والأدب، مجتهدا في العبادة، ورعا مهيبا، صاحب جدّ ووقار. قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصّابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقلت إلينا أوصافه، وافتخروا به.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 47- 48) و «العبر» (3/ 190) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 617- 618) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 211- 212) .

وقال أبو سعيد عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري صاحب «الرسالة» : إن المحقّقين من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال، أنه لو جاز أن يبعث الله تعالى نبيّا في عصره لما كان إلّا هو. توفي بنيسابور في ذي القعدة. قال الحافظ أبو صالح المؤذن: غسلته، فلما لففته في الأكفان، رأيت يده اليمنى إلى الإبط منيرة كلون القمر، فتحيرت وقلت: هذه بركة فتاويه، وصنّف تفسيرا كبيرا يشتمل على عشرة أنواع من العلوم، في كل آية، وله «تعليقة» في الفقيه متوسطة، و «الفروق» مجلد ضخم و «السلسلة» مجلد، وكتاب «المختصر» وهو «مختصر مختصر المزني» وكتاب «التبصرة» مجلد لطيف، غالبه في العبادات، وغير ذلك. انتهى كلام ابن شهبة. وقال الإسنوي [1] : وكان له أخ فاضل، يقال له: أبو الحسن [2] علي، رحل وسمع الكثير، وعقد له مجلس الإملاء بخراسان، وكان يعرف بشيخ الحجاز، غلب عليه التصوف، وصنّف فيه كتابا حسنا، سمّاه «كتاب السلوة» مات في ذي القعدة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة. انتهى.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 340) . [2] كذا في كتابنا و «اللباب» (1/ 351) «أبو الحسن» وفي «طبقات الشافعية» للإسنوي: «أبو الحسين» .

سنة تسع وثلاثين وأربعمائة

سنة تسع وثلاثين وأربعمائة فيها توفي أبو محمد الخلّال، الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي الحافظ، في جمادى الأولى، وله سبع وثمانون سنة. روى عن القطيع، وأبي سعيد الحرفي [1] وطبقتهما. قال الخطيب [2] : كان ثقة، له معرفة، [وتنبه] خرّج «المسند على الصحيحين» وجمع أبوابا وتراجم كثيرة. قال في «العبر» [3] : آخر من روى عنه أبو سعد أحمد بن الطّيوري. وفيها علي بن منير بن أحمد الخلّال، أبو الحسن المصري الشاهد، في ذي القعدة. روى عن الذّهلي، وأبي أحمد بن النّاصح. وفيها النّذير الواعظ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي. روى عن إسماعيل بن حاجب الكشّاني، وجماعة، ووعظ ببغداد، فازدحموا عليه وشغفوا به، ورزق قبولا لم يرزقه أحد، صار يظهر الزهد، ثم إنه تنعّم وقبل الصّلات، فأقبلت الدنيا عليه، وكثر مريدوه، ثم إنه حضّ على الجهاد،

_ [1] في «آ» و «ط» و «العبر» : «الحرقي» بالقاف وهو تصحيف، والتصحيح من «تذكرة الحفاظ» (3/ 1110) وانظر «الأنساب» (4/ 113) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 425) وما بين حاصرتين مستدرك من. [3] (3/ 191) .

فسارع إليه الخلق من الأقطار، واستجمع له جيش من المطّوعة، فعسكر بظاهر بغداد، وضرب له الطبل، وسار بهم إلى الموصل، واستفحل أمره، فصار إلى أذربيجان، وضاهى أمير تلك الناحية، ثم خمد سوقه، وتراجع عامّة أصحابه، ثم مات. قاله في «العبر» [1] . وفيها محمد بن عبد الله بن عابد، أبو عبد الله المعافري، محدّث قرطبة. روى عن أبي عبد الله بن مفرّج [2] وطبقته، ورحل، فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وأبي بكر بن المهندس، وطائفة، وكان ثقة عالما جيد المشاركة في الفضائل. توفي في جمادى الأولى، عن بضع وثمانين سنة، وهو آخر من حدّث عن الأصيلي. وفيها محمد بن حامد المعروف بابن جبّار [3] الحنبلي، وكان ينزل بإسكاف، وله قدم في أنواع العلوم، والآداب، والفقه، وكان يشار إليه بالصلاح والزهد. وفيها هبة الله بن محمد بن أحمد أبو الغنائم بن البغدادي، أنفذه والده أبو طاهر إلى أبي يعلى، فدرس عليه، وأنجب، وأفتى، وناظر، وجلس بعد موت أبيه في حلقته.

_ [1] (3/ 191- 192) . [2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «مفرح» والتصحيح من «العبر» وانظر «الصلة» لابن بشكوال (2/ 530) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 615) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن خيار» والتصحيح من «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/ 189) و «المنهج الأحمد» (2/ 123) طبعة عالم الكتب.

سنة أربعين وأربعمائة

سنة أربعين وأربعمائة فيها مات السلطان أبو كاليجار واسمه مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة الدّيلمي البويهي- نسبة إلى بويه- مات بطريق كرمان وفصدوه [1] في يوم ثلاث مرات، وكان معه، نحو أربعة آلاف من التّرك والدّيلم، فنهبت خزائنه، وحريمه، وجواريه، وطلبوا شيراز، فسلطنوا ابنه الملك الرحيم أبا نصر، وكانت مدة أبي كاليجار أربع سنين، وكان مولده بالبصرة، سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، سامحه الله. وفيها أقام المعزّ بن باديس الدعوة بالمغرب للقائم بأمر الله العباسي، وخلع طاعة المستنصر العبيدي، فبعث المستنصر جيشا من العبر يحاربونه، فذلك أول دخول العربان إلى إفريقية، وهم بنو رياح، وبنو زغبة، وتمّت لهم أمور يطول شرحها. وفيها توفي الحليمي [2] ، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الورّاق، يوم الأضحى، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبي الطاهر الذّهلي وغيره. وفيها الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد، الأمير أبو محمد العبّاسي. روى عن مؤدبه أحمد اليشكري، وكان رئيسا ديّنا حافظا

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «وقصدوه» والتصحيح من «العبر» (3/ 193) وانظر «المنتظم» (8/ 136) والفصد: شقّ العرق. انظر «لسان العرب» (فصد) . [2] تحرّفت في «العبر» إلى «الحكيمي» فتصحح فيه.

لأخبار الخلفاء، توفي في شعبان، وله نيّف وتسعون سنة. وفيها أبو القاسم عبيد الله بن أبي حفص، عمر بن شاهين. روى عن أبيه، وأبي بحر البربهاري، والقطيعي، وكان صدوقا عالي الإسناد. توفي في ربيع الأول. وفيها أبو طالب، أحمد بن عبد الله بن سهل، المعروف بابن البقّال [1] الحنبلي، صاحب الفتيا، والنظر، والمعرفة، والبيان، والإفصاح، واللسان. سمع أبا العبّاس عبد الله بن موسى الهاشمي، وأبا بكر بن شاذان في آخرين، ودرس الفقه على أبي عبد الله بن حامد، وكانت له حلقة بجامع المنصور، وله المقامات المشهودة [2] بدار الخلافة، من ذلك قوله بالدّيوان- والوزير يومئذ [ابن] حاجب النّعمان [3]-: الخلافة بيضة والحنبليون حضانها، ولئن انفقست البيضة عن محّ [4] فاسد. الخلافة خيمة والحنبليون أطنابها [5] ولئن سقطت الطّنب لتهوينّ الخيمة، وغير ذلك. وتوفي في شهر ربيع الأول ودفن في مقبرة [6] إمامنا. وفيها علي بن ربيعة أبو الحسن التميمي المصري البزّاز، راوية الحسن بن رشيق، توفي في صفر. وفيها أبو ذر، محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني- بسكون اللام، نسبة إلى صالحان، محلة بأصبهان- الأصبهاني الواعظ. روى عن أبي

_ [1] انظر «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/ 189- 190) و «المنهج الأحمد» (2/ 122) . [2] في «آ» و «المنهج الأحمد» : «المشهورة» . [3] في «آ» و «ط» : «حاجب النعمان» وفي «طبقات الحنابلة» : «ابن صاحب النعمان» والتصحيح من «المنهج الأحمد» وانظر «الأعلام» (4/ 300) . [4] جاء في «لسان العرب» (محح) : المحّ والمحّة: صفرة البيض. [5] في «ط» : «طنابها» . [6] في «ط» و «المنهج الأحمد» : «بمقبرة» وما جاء في «آ» موافق لما في «طبقات الحنابلة» .

الشيخ، ومات في ربيع الأول. وفيها أبو عبد الله الكارزيني، محمد بن الحسين الفارسي المقري، نزيل الحرم، ومسند القرّاء، توفي فيها أو بعدها، وقد قرأ القراءات على المطّوّعي. قرأ عليه جماعة كثيرة، وكان من أبناء التسعين. قال الذهبي [1] : ما علمت فيه جرحا. وفيها مسند أصبهان أبو بكر بن ريذة، محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، راوية أبي القاسم الطبراني، توفي في رمضان، وله أربع وتسعون سنة. قال يحيى بن مندة: ثقة أمين، كان أحد وجوه الناس، وافر العقل، كامل الفضل، مكرما لأهل العلم، حسن الخط، يعرف طرفا من النحو واللغة. وفيها مسند العراق، أبو طالب بن غيلان، محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمداني البغدادي البزّاز. سمع من أبي بكر الشافعي أحد عشر جزءا، وتعرف ب- «الغيلانيات» لتفرّده بها. قال الخطيب [2] : كان صدوقا صالحا ديّنا. وقال الذهبي [3] : مات في شوال، وله أربع وتسعون سنة. وفيها أبو منصور السوّاق، محمد بن محمد بن عثمان البغدادي البندار، وثّقه الخطيب، ومات في آخر العالم، عن ثمانين سنة. وروى عن القطيعي، ومخلد بن جعفر.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 195) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 234- 235) . [3] انظر «العبر» (3/ 196) .

سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

سنة إحدى وأربعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي المعدّل، أحد الأكابر بدمشق. روى عن يوسف الميانجي وجماعة. وفيها أبو الحسن العتيقي أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي التاجر السفّار المحدّث. روى عن علي بن محمد بن سعيد الرزّاز [1] ، وإسحاق بن سعد النّسوي، وطبقتهما، وجمع، وخرّج على الصحيحين، وكان ثقة فهما، توفي في صفر. وفيها أبو العبّاس البرمكي، أحمد بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الحنبلي. سمع أبا حفص بن شاهين وأبا القاسم بن حبابة. قال الخطيب [2] : كتبت عنه وكان صدوقا، سألته عن مولده، فقال: في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، ومات في ليلة الخميس الثالث والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن في مقبرة إمامنا أحمد، وصحب أباه، وقرأ على أبي عبد الله بن حامد [3] .

_ [1] تحرّفت في «آ» إلى «الرازي» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 295- 296) . [3] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 124) .

وفيها أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد بن مزداد [1] الواسطي العطّار، راوي «مسند» مسدّد عن ابن السقا، توفي في شعبان. وفيها أبو القاسم الإفليلي- وإفليل [2] قرية بالشام- ثم القرطبي إبراهيم بن محمد بن زكريا الزّهري الوقّاصي، توفي في ذي القعدة بقرطبة، وله تسع وثمانون سنة. روى عن أبي عيسى اللّيثي، وأبي بكر الزّبيدي، وطائفة، وولي الوزارة لبعض أمراء الأندلس وكان رأسا في اللغة والشعر، أخباريا، علّامة، صادق اللهجة، حسن الغيب، صافي الضمير، عني بكتب جمّة، وشرح «ديوان المتنبي» شرحا جيدا، وهو مشهور. وفيها أبو الحسن بن سختام، الفقيه علي بن إبراهيم بن نصرويه بن سختام بن هرثمة الغزني [3] الحنفي السمرقندي المفتي. رحل ليحجّ، وحدّث ببغداد ودمشق، عن أبيه، ومحمد بن أحمد بن متّ الإشتيخني، وجماعة، وحدّث في هذا العام، وتوفي فيه أو بعده في عشر الثمانين. وفيها ابن حمّصة، أبو الحسن علي بن عمر الحرّاني ثم المصري الصوّاف، عنده مجلس واحد عن حمزة الكتّاني، يعرف بمجلس البطاقة، توفي في رجب. قاله في «العبر» [4] . وفيها قرواش بن مقلّد بن المسيّب، الأمير أبو المنيع، معتمد الدولة

_ [1] في «العبر» : «ابن يزداد» . [2] قال الحميري في «الروض المعطار» ص (50) : إفليل: مدينة برأس عين من أرض الجزيرة ما بين دجلة والموصل، منها أبو القاسم إبراهيم بن محمد الإفليلي، وفي «معجم البلدان» (1/ 232) «إفليلاء» وقال ياقوت: قال ابن بشكوال: إفليلاء: قرية من قرى الشام ينسب إليها أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا بن مفرّج بن يحيى بن زياد بن عبد الله بن خالد بن سعد بن أبي وقاص. انظر «الصلة» لابن بشكوال (1/ 93) . [3] كذا في «آ» و «ط» : «الغزني» وفي «سير أعلام النبلاء» (17/ 604) : «الغزّي» وانظر التعليق عليه. [4] (3/ 198) .

العقيلي، صاحب الموصل. كانت دولته خمسين سنة، وكان أديبا شاعرا نهّابا وهّابا، على دين الأعراب وجاهليتهم وتقدّم الكلام عليه [1] . وفيها أبو الفضل السعدي، محمد بن أحمد بن عيسى البغدادي الفقيه الشافعي، تلميذ أبي حامد الإسفراييني، وراوي «معجم الصحابة» للبغوي عن ابن بطّة، توفي في شعبان، وقد روى عن جماعة كثيرة بالعراق، والشام، ومصر. وفيها أبو عبد الله الصّوري، محمد بن علي بن عبد الله بن رحيم الساحلي الحافظ، أحمد أركان الحديث، توفي ببغداد في جمادى الآخرة، وقد نيّف على الستين. روى عن ابن جميع، والحافظ عبد الغني المصري [2] ولزمه مدة، وأكثر عن المصريين والشاميين، ثم رحل إلى بغداد، فلقي بها ابن مخلد صاحب الصفّار وهذه الطبقة. قال الخطيب [3] : كان من أحرص الناس على الحديث، وأكثرهم كتبا له، وأحسنهم معرفة [به] ، لم يقدم علينا [من الغرباء الذين لقيتهم] أفهم منه، وكان دقيق الخط [صحيح النقل] يكتب ثمانين سطرا في ثم الكاغذ الخراساني، وكان يسرد الصوم [ولا يفطر إلّا يومي العيدين، وأيام التشريق] . وقال أبو الوليد الباجي: هو أحفظ من رأيناه. وقال أبو الحسين بن الطيوري: ما رأيت أحفظ من الصّوري، وكان بفرد عين، وكان متفننا يعرف من كل علم، وقوله حجّة، وعنه أخذ الخطيب علم الحديث. وله شعر فائق. وقال ابن ناصر الدّين [4] : كان آية في الإتقان، مع حسن خلق ومزاح

_ [1] انظر المجلد الرابع حوادث سنة (391) ص (490- 492) من هذا المجلد. [2] يعني الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري المتوفى سنة (409) وقد تقدمت ترجمته انظر ص (54) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 103) وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (1489/ آ) .

مع الطالبين، وكان خطه دقيقا مع التحرير والمعرفة الزائدة. كتب «صحيح البخاري» في سبعة أطباق من الورق البغدادي. وفيها السلطان مودود، صاحب غزنة، ابن السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين، وكانت دولته عشر سنين، ومات في رجب، وله تسع وعشرون سنة. وأقاموا بعده ولده وهو صبي صغير، ثم خلعوه.

سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة

سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة فيها عيّن ابن النّسوي لشرطة بغداد، فاتفقت الكلمة من [1] السّنّة والشيعة، أنّه متى ولي نزحوا عن البلد، ووقع الصلح بهذا السبب بين الفريقين، وصار أهل الكرخ يترحمون على الصحابة، وصلّوا في مساجد السّنّة، وخرجوا كلهم إلى زيارة المشاهد، وتحابّوا وتواددوا [2] ، وهذا شيء لم يعهد من دهر. قاله في «العبر» [3] . وفيها أبو الحسين التُّوزيّ [4] أحمد بن علي البغدادي المحتسب. روى عن ابن لؤلؤ وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث. وفيها الملك العزيز أبو منصور بن الملك جلال الدولة بن بويه، توفي بظاهر ميّافارقين، وكانت مدته سبع سنين، وكان أديبا فاضلا له شعر حسن. وفيها أبو الحسن بن القزويني، علي بن عمر الحربي، الزاهد القدوة، شيخ العراق. روى عن أبي عمر بن حيّويه وطبقته.

_ [1] في «العبر» : «في» . [2] في «العبر» : «وتوادّوا» . [3] (3/ 201) . [4] في «آ» و «ط» : «الثوري» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ بغداد» (4/ 324) و «الأنساب» (3/ 104) و «العبر» (3/ 201) .

قال الخطيب [1] : كان أحمد الزهاد، ومن عباد الله الصالحين، يقرئ ويحدّث، ولا يخرج [من بيته] إلّا إلى الصلاة، وعاش اثنتين وثمانين سنة، توفي في شعبان، وغلّقت جميع بغداد يوم دفنه، ولم أر جمعا أعظم من ذلك الجمع. وقال المناوي في «طبقات الأولياء» : أخذ النحو عن ابن جنّي، وكان شافعيا، تفقّه على الدّاركي، وسمع حديثا كثيرا، ومن كراماته أنّه سمع الشاة تذكر الله تعالى، تقول: لا إله إلّا الله، وكان يتوضأ للعصر، فقال لجماعته: لا تخرج هذه الشاة غدا للمرعى، فأصبحت ميتة. وقال بعضهم: مضيت لزيارة قبره، فحصل ما يذكر الناس عنه من الكرامات، فقلت: ترى أيش منزلته عند الله، وعلى قبره مصحف، ففتحته، فإذا في أول ورقة منه وَجِيهاً في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 3: 45 [آل عمران: 3] . وقال الماوردي: صلّيت خلفه، وعليه ثوب مطرز، فقلت في قلبي: أين المطرز من الزهد، فلما قضى صلاته قال: سبحان الله، المطرز لا ينقص أحكام الزهد، وكرره ثلاثا. وقال ابن هبة: صليت خلفه العشاء بالحربية، فخرج وأنا معه بالقنديل بين يديه، فإذا أنا بموضع أطواف به مع جماعة، ثم عدنا إلى الحربية قبل الفجر، فأقسمت عليه أين كنّا قال: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ 43: 59 [الزّخرف: 59] ذلك البيت الحرام، وله حكايات كثيرة تدل على أن الله أكرمه بطيّ الأرض. وقال ابن الدلّال: كنت أقرأ على ابن فضلان، فقال- وقد جرى ذكر كرامات القزويني-: لا تعتقد أنّ أحدا يعلم ما في قلبك، فخرجت فدخلت

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 43) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» للذهبي وهو بدوره نقل عن «تاريخ بغداد» بتصرف، وما بين حاصرتين زيادة منه.

على القزويني، فقال: سبحان الله مقاومة معارضة. روي عن المصطفى [صلّى الله عليه وسلّم] أنه قال: «إنّ تحت العرش ريحا هفّافة تهبّ إلى قلوب العارفين» [1] . وروى عنه [صلّى الله عليه وسلّم] : « [قد] كان فيمن مضى قبلكم محدّثون، فإن يكن في أمتي [أحد] فعمر» [2] . وقال بعضهم: أصابتني ريح المفاصل، حتّى زمنت لأجلها، فأمرّ القزوينيّ يده عليها من وراء كمّه، فقمت من ساعتي معافي. وقال ابن طاهر: أدركت سفرا وكنت خائفا، فدخلت للقزويني أسأله الدعاء، فقال- قبل أن أسأله-: من أراد سفرا ففزع من عدو أو وحش، فليقرأ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 106: 1 [قريش: 1] فإنها أمان من كل سوء [3] ، فقرأتها، فلم يعرض لي عارض حتّى الآن. ولما مات أغلقت البلد لمشهده، ولم ير في الإسلام بعد جنازة أحمد بن حنبل أعظم من جنازته. انتهى ما أورده الشيخ عبد الرؤوف المناوي ملخصا. وفيها أبو القاسم الثمانيني- بلفظ العدد، نسبة إلى ثمانين، قرية بالموصل، وهي أول قرية بنيت بعد الطوفان، سمّيت بعدد الجماعة الذين خرجوا من السفينة مع نوح عليه السلام، فإنهم كانوا ثمانين، وهي عند الجبل الجودي- عمر بن ثابت الضرير النحوي، أحد أئمة العربية بالعراق. أخذ النحو عن أبي الفتح بن جنّي، وأخذ عنه الشريف أبو المعمر يحيى بن

_ [1] ذكره السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (5/ 264) مرفوعا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم ينسبه لأحد من أصحاب المصادر. [2] حديث صحيح تقدم تخريجه في المجلد الأول ص (177) فراجعه. [3] قلت: أراد- رحمة الله تعالى- قرّاء السورة كلها، لأن قوله تعالى في آخرها: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ من جُوعٍ وَآمَنَهُمْ من خَوْفٍ 106: 3- 4 هو بيت القصيد من وصيته، والله أعلم.

محمد بن طباطبا العلوي الحسني، وكان هو وأبو القاسم بن برهان والعوّام يقرؤون على الثمانيني، وتوفي في ذي القعدة. انتهى ملخصا. وفيها محمد بن عبد الواحد بن زوج الحرّة، أبو الحسن أخو أبي يعلى، وأبي عبد الله، وكان أوسط الثلاثة. روى عن ابن لؤلؤ وطائفة. وفيها أبو طاهر بن العلّاف، محمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ. روى عن القطيعي وجماعة، وكان نبيلا وقورا [1] ، له حلقة للعلم بجامع المنصور.

_ [1] لفظة: «وقورا» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» .

سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة

سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة فيها على ما قاله في «الشذور» ظهر كوكب له ذؤابة، غلب نوره على نور الشمس، وسار سيرا بطيئا، ثم انقضّ. وفيها كما قال في «العبر» [1] في صفر زال الأنس بين السّنّة والشيعة، وعادوا إلى أشدّ ما كانوا عليه، وأحكم [2] الرافضة سوق الكرخ، وكتبوا على الأبراج: محمد وعليّ خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبي فقد كفر. واضطرمت [3] الفتنة، وأخذت ثياب الناس في الطرق، وغلّقت الأسواق، واجتمع للسّنّة جمع لم ير مثله، وهجموا [على] [4] دار الخلافة، فوعدوا بالخير، وثار أهل الكرخ، والتقى الجمعان، وقتل جماعة، [ونهب باب التّبن] [5] ونبشت عدّة قبول للشيعة [وأحرقوا] [5] ، مثل العوني، والناشي [6] ، والجذوعي، وطرحوا النيران في التّرب [7] ، وتم على الرافضة خزي عظيم،

_ [1] (3/ 203) . [2] تحرّفت في «ط» إلى «وأحكموا» . [3] في «آ» : «واضطربت» . [4] لفظة «على» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» . [5] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» . [6] في «آ» و «ط» : «الناسي» بالسين وهو تصحيف، والتصحيح من العبر» وانظر «المنتظم» لابن الجوزي (8/ 150) . [7] في «آ» و «ط» : «في التراب» وما أثبته من «العبر» وانظر «المنتظم» .

فعمدوا إلى خان الحنفية فأحرقوه، وقتلوا مدرّسهم أبا سعد [1] السرخسي رحمه الله. وقال الوزير: إن وأخذنا الكلّ خربت البلد. انتهى. وفيها توفي أبو علي الشّاموخي [2]- بضم الميم وخاء معجمة، نسبة إلى شاموخ قرية بنواحي البصرة- الحسن بن علي المقرئ بالبصرة، وله جزء مشهور، روى فيه عن أحمد بن محمد بن العبّاس صاحب أبي خليفة. وفيها علي بن شجاع الشيباني أبو الحسن المصقلي- بفتح أوله والقاف، نسبة إلى مصقلة [3] جدّ- الأصبهاني الصوفي، في ربيع الأول. روى عن الدّارقطني وطبقته، وأسمع ولديه كثيرا. وفيها أبو القاسم الفارسي، علي بن محمد بن علي، مسند الدّيار المصرية. أكثر عن أحمد بن الناصح، والذهلي، وابن رشيق، وتوفي في شوال. وفيها محمد بن عبد السلام بن سعدان، أبو عبد الله الدّمشقي. روى عن [جمح بن القاسم، وأبي عمر بن فضالة، وجماعة، وتوفي يوم عرفة وعنده ستة أجزاء. وفيها أبو الحسن بن] [4] صخر الأزدي القاضي، محمد بن علي بن محمد البصري، بزبيد، في جمادى الآخرة، عن سن عالية. أملى مجالس كثيرة عن أحمد بن جعفر وخلق.

_ [1] في «آ» : «أبو سعيد» وأثبت لفظ «ط» و «العبر» . [2] انظر «غاية النهاية في طبقات القرّاء» لابن الجزري (1/ 226) . [3] بلد بصقلية. انظر «معجم البلدان» (5/ 143) . [4] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .

سنة أربع وأربعين وأربعمائة

سنة أربع وأربعين وأربعمائة فيها كما قال في «الشذور» كانت بأرّجان، والأهواز، وتلك النواحي زلازل، انقلعت منها الحيطان، فحكى من يعتمد على قوله، أنه كان قاعدا في إيوان داره، فانفرج حتّى رأى السماء من وسطه، ثم رجع إلى حاله. وفيها توفي أبو غانم الكراعي، أحمد بن علي بن الحسين [المروزيّ. روى عن أبي العبّاس عبد الله بن الحسين] [1] النّضري، صاحب الحارث بن أبي أسامة، وكان حافظ خراسان ومسندها في وقته، وآخر من روى عنه حفيده. وفيها أبو علي بن المذهّب، الحسن بن علي بن محمد التميمي البغدادي الواعظ، راوية «المسند» لأحمد. قال الخطيب [2] : كان سماعه للمسند من القطيعي صحيحا إلّا في أجزاء، فإنه ألحق اسمه فيها، وعاش تسعا وثمانين سنة. قال ابن نقطة [3] : لو بيّن الخطيب في أيّ مسند هي لأتى بالفائدة.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» (3/ 207) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 390) . [3] يغلب على الظن أن ابن نقطة قال كلامه هذا في كتاب «الاستدراك» وهو كتاب قيّم، يقوم بتحقيقه الدكتور عبد القيوم عبد رب النّبي، ويجري طبعه في السعودية بجامعة أم القرى.

وقال الذهبي [1] : توفي في تاسع عشري ربيع الآخر. وفيها رشأ [2] بن نظيف ابن ما شاء الله، أبو الحسن الدمشقي المقرئ المحدّث. قرأ بدمشق، ومصر، وبغداد بالروايات، وروى عن أبي مسلم الكاتب، وعبد الوهّاب الكلابي، وطبقتهما. قال الكتّاني: توفي في المحرم، وكان ثقة مأمونا، انتهت إليه الرئاسة في قراءة ابن عامر. وفيها المحدّث أبو القاسم الأزجي، عبد العزيز بن علي الخيّاط. روى عن ابن عبيد [3] العسكري، وعلي بن لؤلؤ وطبقتهما، فأكثر، توفي في شعبان، وله ثمان وثمانون سنة، وكان صاحب حديث وسنّة. وفيها أبو نصر السجزي- نسبة إلى سجستان- الحافظ عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري، نزيل مصر. توفي بمكة في المحرم، وكان متقنا مكثرا، بصيرا بالحديث والسّنّة، واسع الرواية. رحل بعد الأربعمائة، فسمع بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر. وروى عن الحاكم، وأبي أحمد الفرضي، وطبقتهما. قال الحافظ بن طاهر [4] : سألت الحبّال عن الصّوري، والسجزي

_ [1] انظر «العبر» (3/ 207) . [2] في «آ» و «العبر» : «ورشاء» وأثبت لفظ «ط» ، وانظر «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 401) . [3] قلت: في «آ» : «عن أبي عبيد» وما جاء في «ط» موافق لما في «العبر» ولكن يغلب على الظن أن ما جاء في «العبر» هو سبق قلم، فإن «ابن عبيد العسكري» هو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد ... الدقاق، المعروف بابن العسكري كما في «الأنساب» (8/ 455) وهو غير الذي روى عنه المترجم، وأن الصواب «عن أبي عبد الله» وهو الحسين بن علي بن العسكري كما جاء مبيّنا في ترجمة المترجم في «الأنساب» (1/ 197) والله أعلم. [4] انظر «الأنساب المتفقة» ص (164) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

أيّهما [1] أحفظ؟ فقال: السجزي أحفظ من خمسين [ومن ستين] مثل الصّوري، وله كتاب «الإبانة في القرآن» . وفيها أبو عمرو الدّاني، عثمان بن سعيد القرطبي بن الصيرفي، الحافظ المقرئ، أحد الأعلام، صاحب المصنفات الكثيرة، منها «التيسير» توفي بدانية في شوال، وله ثلاث وسبعون سنة. قال: ابتدأت بطلب العلم سنة ست وثمانين وثلاثمائة، ورحلت إلى الشمرق سنة سبع وتسعين، فكتبت بالقيروان، ومصر. قال الذهبي [2] : سمع من أبي مسلم الكاتب، وبمكّة من أحمد بن فراس، وبالمغرب من أبي الحسن القابسي، وقرأ القراءات على عبد العزيز بن جعفر الفارسي، وخلف بن خاقان، وطاهر بن غلبون، وجماعة. وقال ابن بشكوال [3] : كان أحمد الأئمة في علم القرآن، روايته، وتفسيره، ومعانيه، وطرقه، وإعرابه، وله معرفة بالحديث، وطرقه، ورجاله، وكان جيد الضّبط، من أهل الحفظ [والعلم] والذكاء [والفهم] ، والتفنّن [4] ، ديّنا، ورعا، سنّيا. وقال غيره [5] : كان مجاب الدّعوة، مالكي المذهب. وفيها أبو الفتح القرشي، ناصر بن الحسين العمري المروزي الشافعي، مفتي أهل مرو، تفقّه على أبي بكر القفّال، وأبي الطيب

_ [1] في «الأنساب المتفقة» : «أيّما» . [2] انظر «العبر» (3/ 209) . [3] انظر «الصلة» (2/ 406) وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] في «آ» و «ط» : «واليقين» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف في نقله. [5] المقصود بقوله: «غيره» المغامي كما في «الصلة» .

الصّعلوكي، وروى عن أبي سعيد عبد الله الرّازي، صاحب ابن الضّريس، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وعليه تفقّه البيهقي، وكان فقيرا، متعفّفا، متواضعا. قال ابن شهبة [1] : صار عليه مدار الفتوى، والتدريس، والمناظرة، وصنّف كتبا كثيرة. توفي بنيسابور في ذي القعدة.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 250) .

سنة خمس وأربعين وأربعمائة

سنة خمس وأربعين وأربعمائة فيها توفي تاج الأئمة، مقرئ الدّيار المصرية، أبو العبّاس، أحمد بن علي بن هاشم المصري. قرأ على عمر بن عراك، وأبي عديّ، وجماعة، ثم رحل وقرأ على أبي الحسن الحمامي، وتوفي في شوال في عشر التسعين. قال السيوطي في «حسن المحاضرة» [1] : أقرأ الناس دهرا طويلا بمصر، وحدّث عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد الرّازي في مشيخته. وفيها أبو إسحاق البرمكي، إبراهيم بن عمر البغدادي الحنبلي. روى عن القطيعي، وابن ماسي، وطائفة. قال الخطيب [2] : كان صدوقا، ديّنا، فقيها، على مذهب أحمد، له حلقة للفتوى، توفي يوم التروية، وله أربع وثمانون سنة. وقال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [3] : له إجازة من أبي بكر عبد العزيز، وصحب ابن بطة، وابن حامد. قال إبراهيم البرمكي: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدّثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال- وذكره عنده، يعني [عند] أبيه رجل- فقال: يا بني، الفائز من فاز غدا، ولم يكن لأحد عنده تبعة.

_ [1] (1/ 493) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (6/ 139) . [3] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 190- 191) .

ولد البرمكي في شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وتوفي في ذي الحجة، ودفن في مقبرة إمامنا، وكانت حلقته بجامع المنصور. انتهى ملخصا. وفيها أبو سعد السمّان إسماعيل بن علي الرّازي الحافظ. سمع بالعراق، ومكّة، ومصر، والشام، وروى عن المخلّص وطبقته. قال الكتّاني: كان من الحفّاظ الكبار، زاهدا، عابدا، يذهب إلى الاعتزال. وقال الذهبي [1] : كان متبحّرا في العلوم، وهو القائل: من لم يكتب الحديث، لم يتغرغر بحلاوة الإسلام، وله تصانيف كثيرة، يقال: إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ، وكان رأسا في القراءات، والحديث، والفقه، بصيرا بمذهبي أبي حنيفة، والشافعي، لكنه في رؤوس المعتزلة. انتهى كلام الذهبي [2] . وفيها أبو طاهر الكاتب، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم، مسند أصبهان، وراوية أبي الشيخ، توفي في ربيع الآخر، وهو في عشر التسعين، وكان ثقة، صاحب رحلة إلى أبي الفضل الزّهري وطبقته. وفيها أبو عبد الله العلوي، محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكوفي، مسند الكوفة، في ربيع الأول. روى عن البكّائي [3] وطائفة.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 211) وسير أعلام النبلاء 18/ 57. [2] قلت: بل جاء في آخر كلام الذهبي: «وكان يقال: إنه ما رأى مثل نفسه» . [3] في «آ» و «ط» : «المكاي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 212) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 636) .

سنة ست وأربعين وأربعمائة

سنة ست وأربعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي الأهوازي، الحسن بن علي بن إبراهيم، المقرئ المحدّث، مقرئ أهل الشام، وصاحب التصانيف. ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وعني بالقراءات، ولقي فيها الكبار، كأبي الفرج الشّنبوذي، وعلي بن الحسين الغضائري، وقرأ بالأهواز لقالون، في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وروى الحديث عن نصر المرجى، والمعافي الجريري، وطبقتهما، وهو ضعيف اتّهم في لقي بعض الشيوخ، توفي في ذي الحجّة. وفيها أبو يعلى الخليلي، الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني الحافظ، أحد أئمة الحديث. روى عن علي بن أحمد بن صالح القزويني، وأبي حفص الكتّاني، وطبقتهما، وكان أحد من رحل وتعب وبرع في الحديث. قال ابن ناصر الدّين [1] : أبو يعلى القاضي، كان إماما حافظا، من المصنفين، وله كتاب «الإرشاد في معرفة المحدّثين» . وفيها أبو محمد بن اللّبّان التيمي، عبد الله بن محمد الأصبهاني. قال الخطيب [2] : كان أحد أوعية العلم. سمع أبا بكر بن المقرئ، وأبا

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (148/ ب) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 653- 654) .

طاهر المخلص وطبقتهما، وكان ثقة، صحب ابن الباقلاني [1] ، ودرس عليه الأصول، وتفقه على أبي حامد الإسفراييني، وقرأ القراءات [2] ، وله مصنّفات كثيرة. سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، مات بأصبهان في جمادى الآخرة. وفيها محمد بن عبد الرّحمن بن عثمان بن أبي نصر، أبو الحسين التميمي المعدّل الرئيس، مسند دمشق، وابن مسندها. سمع أبا بكر الميانجي، وأبا سليمان بن زبير، وتوفي في رجب.

_ [1] في «تاريخ بغداد» : «صحب القاضي أبا بكر الأشعري» . [2] في «تاريخ بغداد» : «وقرأ القرآن» .

سنة سبع وأربعين وأربعمائة

سنة سبع وأربعين وأربعمائة فيها توفي أبو عبد الله القادسي، الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب البغدادي البزّاز. روى عن أبي بكر القطيعي وغيره، ضعّفه الخطيب [1] وفيه أيضا رفض، توفي في ذي القعدة. وفيها قاضي القضاة، أبو عبد الله بن ماكولا، الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجرباذقاني- بفتح الجيم والموحدة والقاف، وسكون الراء والذال المعجمة، نسبة إلى جرباذقان، بلد بين جرجان واستراباذ وأخرى بين أصبهان والكرج لا أدري إلى أيّهما ينسب- كان شافعي المذهب. قال الإسنوي [2] : هو من ولد الأمير أبي دلف العجلي، ويعرف بابن ماكولا، وهو الأمير أبو نصر، مصنّف «الإكمال في أسماء الرجال» تولى أبو عبد الله المذكور قضاء القضاة ببغداد، سنة عشرين وأربعمائة. قال الخطيب: كان عارفا بمذهب الشافعي، وسمع من ابن مندة بأصبهان، قال: ولم نر قاضيا أعظم نزاهة منه. ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة، ومات في شوال وهو على قضائه. انتهى ما قاله الإسنوي. وفيها حكم بن محمد بن حكم، أبو العاص الجذامي- نسبة إلى

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (8/ 17) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 406- 407) .

جذام قبيلة باليمن- القرطبي مسند الأندلس، حجّ فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وإبراهيم بن علي التمّار، وأبي بكر بن المهندس، وقرأ على عبد المنعم بن غلبون، وكان صالحا، ثقة، ورعا، صلبا في السّنّة، مقلّا، زاهدا، توفي في ربيع الآخر، عن بضع وتسعين سنة. وفيها أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم- بالتصغير فيهما- الرّازي الشافعي المفسّر، صاحب التصانيف والتفسير، وتلميذ أبي حامد الإسفراييني. روى عن أحمد بن محمد البصير [1] وطائفة كثيرة، وكان رأسا في العلم والعمل، غرق في بحر القلزم [2] في صفر بعد قضاء حجّه. قال ابن قاضي شهبة [3] : تفقه وهو كبير، لأنه كان اشتغل في صدر عمره باللغة، والنحو، والتفسير، والمعاني، ثم لازم الشيخ أبا حامد [4] ، وعلّق منه التعليق، ولما توفي الشيخ أبو حامد جلس مكانه، ثم إنه سافر إلى الشام، وأقام بثغر صور مرابطا، ينشر العلم، فتخرّج عليه أئمة، منهم: الشيخ نصر المقدسي، وكان ورعا زاهدا، يحاسب نفسه على الأوقات، لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة. قال الشيخ أبو إسحاق [5] : إنه كان فقيها أصوليا. وقال أبو القاسم بن عساكر: بلغني أن سليما تفقه بعد أن جاوز الأربعين، وغرق في بحر القلزم عند ساحل جدّة، بعد الحج في صفر، ومن تصانيفه «كتاب التفسير» سمّاه «ضياء القلوب» وغير ذلك من الكتب النافعة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «النصير» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 215) وانظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» لابن النجار ص (248) طبع مؤسسة الرسالة. [2] المعروف الآن ب- «البحر الأحمر» . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 233- 234) . [4] يعني الإسفراييني. [5] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (132) .

وسئل ما الفرق بين مصنفاتك ومصنفات رفيقك المحاملي؟ يعرّض السائل بأن تلك أشهر، فقال: الفرق أن تلك صنّفت بالعراق ومصنفاتي صنّفت بالشام. انتهى. وفيها أبو سعيد إسماعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الرّازي. كان حافظا علّامة تاريخ الزمان، وهو معتزلي المذهب، وهو إمام في عدّة علوم، ومن كلامه: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام. قاله ابن ناصر الدّين، وجزم أنه توفي في هذه السنة [1] ، وقد تقدم الكلام عليه في سنة خمس وأربعين قريبا [2] . وفيها عبد الوهاب بن الحسين بن برهان، أبو الفرج البغدادي الغزّال. روى عن أبي عبد الله العسكري، وإسحاق بن سعد، وخلق، وسكن صور، وبها مات في شوال، عن خمس وثمانين سنة. وفيها أبو أحمد الغندجاني- بضم الغين المعجمة، وسكون النون وفتح المهملة، وجيم، نسبة إلى غندجان، مدينة بالأهواز- عبد الوهاب بن علي بن محمد بن موسى. روى «تاريخ البخاري» عن أحمد بن عبدان الشيرازي. وفيها أبو القاسم التّنوخي، علي بن أبي علي المحسّن بن علي البغدادي. روى عن علي بن محمد بن كيسان، والحسين بن محمد العسكري وخلق كثير، وأول سماعه في سنة سبعين. قال الخطيب [3] : صدوق متحفّظ في الشهادة، ولي قضاء المدائن ونحوها.

_ [1] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (148/ ب) . [2] انظر ص (198) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 115) .

وقال ابن خيرون [1] قيل: كان راية [2] الرفض والاعتزال، مات في ثاني المحرم. قاله في «العبر» [3] . وفيها ذخيرة الدّين، ولي العهد، محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بأمر الله أحمد، توفي في ذي القعدة، وله ست عشرة سنة، وكان قد ختم القرآن، وحفظ الفقه، والنحو، والفرائض، وخلّف سرية حاملا، فولدت ولدا سمّاه جدّه عبد الله، فهو المقتدي الذي ولي الخلافة بعد جده. وفيها محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني، ما عنده سوى نسخة أبي مسهر وما معها، توفي في ذي الحجة، وهو ثقة. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] هو الحافظ أبو الفضل محمد بن الحسن بن خيرون. انظر «تبصير المنتبه» (2/ 545) . [2] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 650) : «رأيه» . [3] (3/ 216) . [4] (3/ 217) .

سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

سنة ثمان وأربعين وأربعمائة فيها تزوج القائم بأمر الله، بأخت طغرلبك، وتمكّن القائم، وعظمت الخلافة بسلطنة طغرلبك. وفيها كان القحط الشديد بديار مصر والوباء المفرط، وكانت العراق تموج بالفتن والخوف والنهب، من جماعة طغرلبك، ومن الأعراب، ومن البساسيري. قال ابن الجوزي في «الشذور» : ثم وقع الغلاء والوباء في الناس، وفسد الهواء، وكثر الذباب، واشتد الجوع، حتّى أكلوا الميتة، وبلغ المكوك من بزر البقلة سبعة دنانير، والسفرجلة والرّمانة دينارا، والخيارة واللينوفرة دينارا، وعمّ الغلاء والوباء جميع البلاد، وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا دارا فوجدوا عند الصباح موتى، أحدهم على باب البيت، والثاني على رأس الدرجة، والثالث على الثياب المكورة. انتهى. وفيها توفي عبد الله بن الوليد بن سعيد أبو محمد الأنصاري الأندلسي، الفقيه المالكي. حمل عن أبي محمد بن أبي زيد، وخلق، وعاش ثمانيا وثمانين سنة، وسكن مصر، وتوفي بالشام في رمضان. وفيها أبو الحسين، عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، ثم النيسابوري راوي «صحيح مسلم» عن ابن عمرويه، و «غريب» الخطابي، عن

المؤلّف [1] كمّل خمسا وتسعين سنة، ومات في خامس شوال، وكان عدلا جليل القدر. وفيها أبو الحسن [2] القالي- نسبة إلى قاليقلا من ديار بكر [3]- علي بن أحمد بن علي المؤدّب الثقة. روى عن أبي عمر الهاشمي وطبقته. وفيها أبو الحسن الباقلاني، علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي. روى عن القطيعي وغيره. قال الخطيب [4] : لا بأس به. وفيها أبو حفص بن مسرور، عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد. روى عن ابن نجيد [5] ، وبشر الإسفراييني، وأبي سهل الصّعلوكي، وطائفة. قال عبد الغافر: هو أبو حفص الفاميّ [6] الماوردي، الزاهد الفقيه. كان كثير العبادة والمجاهدة، كانوا يتبركون بدعائه، وعاش تسعين سنة، ومات في ذي القعدة. وفيها ابن الطفّال، أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري، ثم المصري المقرئ البزاز التاج، ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وروى عن ابن حيّويه، وابن رشيق وطبقتهما.

_ [1] يعني عن مؤلّفه الإمام أبي سليمان الخطّابي. انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 19- 20) . [2] كذا في «آ» و «ط» : «أبو الحسن» وفي «معجم المؤلفين» (7/ 20) و «كشف الظنون» (2/ 1389) : «أبو الحسين» . [3] تنبيه: هكذا ضبطه المؤلف «القالي» وهو خطأ، والصواب «الفالي» كما جاء في «العبر» (3/ 218) وهو مصدر المؤلف في نقله، وجاء في «الأنساب» (9/ 233) و «معجم البلدان» (4/ 232) : أنه منسوب إلى «فالة» بلدة قريبة من «أيذخ» من بلاد خوزستان. وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 54) . [4] أنظر «تاريخ بغداد» (11/ 342) . [5] في «آ» : «عن أبي نجيد» وهو خطأ وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب. [6] تحرّف في «ط» إلى «القاص» وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 10) و «العبر» (3/ 219) .

وفيها ابن التّرجمان، محمد بن الحسين بن علي الغزّي، شيخ الصوفية بديار مصر. روى عن محمد بن أحمد الحندري، وعبد الوهاب الكلابي وطائفة، ومات في جمادى الأولى بمصر، وله خمس وتسعون سنة، وكان صدوقا. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي، راوي «السنن» عن الدّارقطني، توفي في جمادى الأولى، وكان ثقة حسن الأصول. وفيها أبو الحسين هلال بن المحسّن بن أبي إسحاق إبراهيم بن زهرون بن حيّون الصابئ الحرّاني الكاتب، وهو حفيد أبي إسحاق الصابئ صاحب الرسائل المشهورة. سمع هلال المذكور أبا علي الفارسي النحوي، وعلي بن عيسى الرّماني وغيرهم، وذكره الخطيب في «تاريخ بغداد» [2] وقال: كتبنا عنه وكان صدوقا، وكان أبوه المحسّن صابئا على دين جدّه إبراهيم، وأسلم هلال المذكور في آخر عمره، وسمع العلماء في حال كفره، لأنه كان يطلب الأدب، وله كتاب «الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان» وهو مجلد، وكان ولده غرس النّعمة، أبو الحسن محمد بن هلال ذا فواضل [3] وتواليف نافعة، منها «التاريخ الكبير» ومنها الكتاب الذي سمّاه «الهفوات النادرة من المغفّلين الملحوظين، والسقطات البادرة من المغفّلين المحظوظين» وكانت ولادة هلال المذكور في شوال، سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الخمسين سابع عشر رمضان، رحمه الله.

_ [1] (3/ 219) وقد تصحفت «الغزّي» في «سير أعلام النبلاء» (18/ 50) إلى «العزّي» فتصحح. [2] (14/ 76) . [3] في «ط» : «فضائل» وكلاهما بمعنى.

سنة تسع وأربعين وأربعمائة

سنة تسع وأربعين وأربعمائة فيها كما قال في «الشذور» بلغت كارة الخشكار- أي النخالة- عشرة دنانير، ومات من الجوع خلق كثير، وأكلت الكلاب، وورد كتاب من بخارى أنه وقع في تلك الدّيار وباء، حتّى أخرج في يوم ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصي من مات إلى تاريخ هذا الكتاب ألف ألف وستمائة وخمسون ألفا، وبقيت الأسواق فارغة والبيوت خالية، ووقع الوباء بأذربيجان وأعمالها، والأهواز وأعمالها، وواسط، والكوفة، وطبق الأرض، حتّى كان يحفر للعشرين والثلاثين زبية [1] فيلقون فيها، وكان سببه الجوع، وباع رجل أرضا له بخمسة أرطال خبز فأكلها ومات في الحال، وتاب الناس كلّهم، وأراقوا الخمور، وكسروا المعازف، وتصدقوا بمعظم أموالهم، ولزموا المساجد، وكان كلّ من اجتمع بامرأة حراما ماتا من ساعتهما، ودخلوا على مريض قد طال نزعه سبعة أيام، فأشار بإصبعه إلى بيت في الدّار، فإذا بجانبه خمر فقلبوها، فمات، وتوفي رجل كان مقيما بمسجد، فخلّف خمسين ألف درهم، فلم يقبلها أحد ورميت في المسجد، فدخل أربعة أنفس ليلا إلى المسجد فماتوا، ودخل رجل على ميت سجي [2] بلحاف فاجتذبه عنه، فمات، وطرفه في يده. انتهى.

_ [1] جاء في «مختار الصحاح» (زبا) : الزبية: الرّابية لا يعلوها الماء. [2] في «ط» : «مسجى» .

وفيها توفي أبو العلاء المعرّي، أحمد بن عبد الله بن سليمان التّنوخي، اللّغوي. الشاعر، صاحب التصانيف المشهورة، والزندقة المأثورة، والذكاء المفرط، والزهد الفلسفي، وله ست وثمانون سنة. جدر [1] وهو ابن ثلاث سنين، فذهب بصره، ولعله مات على الإسلام، وتاب من كفرياته، وزال عنه الشك. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : الشاعر اللغوي، كان متضلعا من فنون الأدب، قرأ النحو واللغة على أبيه بالمعرّة، وعلى محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب، وله التصانيف الكثيرة المشهورة، والرسائل المأثورة، وله من النظم «لزوم ما لا يلزم» وهو كبير، يقع في خمس مجلدات أو ما يقاربها، وله «سقط الزّند» أيضا وشرحه بنفسه، وسمّاه «ضوء السقط» وله كتاب «الهمزة والردف» أكثر من مائة مجلد، وله غير ذلك. أخذ عنه أبو القاسم بن المحسّن التّنوخي، والخطيب أبو زكريا التّبريزي، وغيرهما. وكانت ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس، سابع عشري شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بالمعرّة، وعمي من الجدري أول سنة سبع وستين، غشي يمنى عينيه بياض، وذهبت اليسرى جملة. قال الحافظ السّلفي: أخبرني أبو محمد بن عبد الله بن الوليد بن غريب الإيادي، أنه دخل مع عمّه على أبي العلاء يزوره، فرآه قاعدا على سجّادة لبد، وهو شيخ، قال: فدعا لي ومسح على رأسي، وكان [4] صبيا، قال:

_ [1] يعني أصيب بمرض الجدري. [2] (3/ 220) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 113- 116) . [4] يعني الإيادي.

وكأني أنظر إليه الآن، وإلى عينيه، إحداهما نادرة والأخرى غائرة جدا، وهو مجدّر الوجه، نحيف الجسم. وكان يقول: كأنما نظر المتنبي إليّ بلحظ الغيب حيث يقول: أنا الّذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم [1] وشرح «ديوان أبي تمام» وسمّاه «ذكرى حبيب» و «ديوان البحتري» وسمّاه «عبث الوليد» و «ديوان المتنبي» وسمّاه «معجز أحمد» وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم، وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم والتوجيه في أماكن لخطئهم. ودخل بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، ودخلها ثانيا [2] ، سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى المعرّة ولزم منزله، وشرع في التصنيف، وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراء، وأهل الأقدار، وسمى نفسه رهن المحبسين [3] ، للزومه منزله ولذهاب عينيه، ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تدينا، لأنه كان يرى رأي الحكماء المتقدمين، وهم لا يأكلونه، كيلا يذبحوا [4] الحيوان، ففيه تعذيب له، وهم لا يرون إيلام جميع الحيوانات. وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ومن شعره في «اللزوم» : لا تطلبنّ بآلة لك رفعة [5] ... قلم البليغ بغير جدّ مغزل سكن السما كان السماء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل

_ [1] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (3/ 367) . [2] في «وفيات الأعيان» : «ثانية» . [3] في «آ» و «ط» : «رهن الحبسين» وهو خطأ والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 26) . [4] في «آ» و «ط» : «كيلا يذبحون» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» : «رتبة» .

وتوفي ليلة الجمعة ثالث، وقيل: ثاني شهر ربيع الأول، وقيل: ثالث عشرة، وبلغني أنه أوصى أن يكتب على قبره: هذا جناه أبي عليّ ... وما جنيت على أحد وهو أيضا متعلق باعتقاد الحكماء، فإنهم يقولون إيجاد الولد وإخراجه إلى هذا العالم جناية عليه، لأنه يتعرّض للحوادث والآفات. وكان مرضه ثلاثة أيام، ومات في اليوم الرابع، ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا عنّي، فتناولوا الدّواة [1] والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال القاضي أبو محمد [2] التّنوخي: أحسن الله عزاءكم في الشيخ، فإنه ميت، فمات ثاني يوم. والمعرّيّ: نسبة إلى معرّة النّعمان، بلدة صغيرة بالشام، بالقرب من حماة، وشيزر، وهي منسوبة إلى النّعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وقال ابن الأهدل: حضر مرة مجلس الشريف المرتضى ببغداد، وكان الشريف يغضّ من المتنبي، والمعرّي يثني عليه، فقال المعرّيّ: لو لم يكن من شعره إلّا قوله: لك يا منازل في القلوب منازل [3] لكفاه، فأمر الشريف بإخراجه، وقال: ما أراد القصيدة، فإنها ليست من غرر قصائده، وإنما أراد البيت فيها وهو قوله:

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «الدّويّ» وهي جمع «الدواة» . [2] في «آ» : «القاضي محمد» وهو خطأ، وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب. [3] صدر بيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (3/ 249) من قصيدة مدح بها القاضي أحمد بن عبد الله الأنطاكي، وعجزه: ............ أقفرت أنت وهنّ منك أواهل

وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأنّي كامل [1] انتهى. وقال غيره: قيل: ولد أعمى، وترك أكل البيض، واللّبن، واللّحم، وحرّم إتلاف الحيوان، وكان فاسد العقيدة، يظهر الكفر، ويزعم أن له باطنا وأنه مسلم في الباطن، وأشعاره الدالّة على كفره كثيرة منها: أتى عيسى فأبطل شرع موسى ... وجاء محمد بصلاة خمس وقالوا: لا نبيّ بعد هذا ... فضلّ القوم بين غد وأمس ومهما عشت في دنياك هذي ... فما يخليك من قمر وشمس إذا قلت المحال رفعت صوتي ... وإن قلت الصّحيح أطلت همسي وقال: تاه النّصارى والحنيفية ما اهتدت ... ويهود بطرى والمجوس مضلّلة قسم الورى قسمين هذا عاقل ... لا دين فيه وديّن لا عقل له انتهى. وفيها أبو مسعود البجلي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرّازي الحافظ، وله سبع وثمانون سنة. توفي في المحرم ببخارى، وكان كثير الترحال، طوّف، وجمع، وصنّف الأبواب، وروى عن أبي عمرو بن حمدون، وحسينك التميمي، وطبقتهما. وهو ثقة. قال ابن ناصر الدّين [2] : كان حافظا صدوقا بين الأصحاب تاجرا تقيا، صنّف على الأبواب. وفيها أبو عثمان الصّابوني، شيخ الإسلام، إسماعيل بن عبد الرحمن

_ [1] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (3/ 260) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (148/ ب) .

النيسابوري الشافعي، الواعظ المفسّر المصنّف، أحد الأعلام. روى عن زاهر السّرخسي وطبقته، وتوفي في صفر، وله سبع وسبعون سنة، وأول ما جلس للوعظ وله عشر سنين. قال ابن ناصر الدّين [1] : كان إماما حافظا، عمدة، مقدّما في الوعظ والأدب وغيرهما من العلوم، وحفظه للحديث وتفسير القرآن معلوم، ومن مصنفاته كتاب «الفصول في الأصول» . وقال الذهبي [2] : كان شيخ خراسان في زمانه. وقال ابن قاضي شهبة [3] : [كان أبوه من أئمة الوعظ بنيسابور] فتوفي [4] ولولده هذا تسع سنين، فأجلس مكانه، وحضر أول مجلس أئمة الوقت في بلده، كالشيخ أبي الطيب الصّعلوكي، والأستاذ أبي بكر بن فورك، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، ثم كانوا يلازمون مجلسه، ويتعجبون من فصاحته، وكمال ذكائه، وحسن إيراده. قال عبد الغافر الفارسي: كان أوحد وقته في طريقته [5] ، وعظ المسلمين سبعين سنة، وخطب، وصلّى في الجامع نحوا من عشرين سنة، وكان حافظا كثير السماع والتصنيف، حريصا على العلم. سمع الكثير، ورحل ورزق العزّة والجاه في الدّين والدّنيا، وكان جمالا في البلد، مقبولا عند الموافق والمخالف، مجمعا على أنه عديم النظير، وكان سيف السنّة،

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (149/ آ) . [2] انظر «العبر» (3/ 221) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 231) . [4] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «فقتل» وما بين حاصرتين زيادة منه لتوضيح الكلام. [5] في «آ» و «ط» : «في طريقه» ، وما أثبته من «طبقات ابن قاضي شهبة» .

ودافع [1] أهل البدعة، وقد طوّل عبد الغافر في ترجمته، وأطنب في وصفه. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: شيخ الإسلام صدقا وإمام المسلمين حقا، أبو عثمان الصّابوني. انتهى ملخصا. وفيها ابن بطّال، مؤلف «شرح البخاري» أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن البطّال القرطبي. روى عن أبي المطرّف القنازعي، ويونس بن عبد الله القاضي، وتوفي في صفر. وفيها أبو عبد الله الخبّازي، محمد بن علي بن محمد النيسابوري المقرئ، عن سبع وسبعين سنة. روى عن أبيه القراءات، وتصدّر وصنّف فيها، وحدّث عن أبي محمد الخلدي وطبقته، وكان كبير الشأن، وافر الحرمة، مجاب الدعوة، آخر من روى عنه الفراوي. وفيها أبو الفتح الكراجكي- أي الخيمي- رأس الشيعة، وصاحب التصانيف، محمد بن علي، مات بصور في ربيع الآخر، وكان نحويا لغويا، منجما، طبيبا، متكلّما، متفنّنا، من كبار أصحاب الشريف المرتضى، وهو مؤلّف كتاب «تلقين أولاد المؤمنين» .

_ [1] في «آ» و «ط» : «وأفعى» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات ابن قاضي شهبة» ولفظة «أهل» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .

سنة خمسين وأربعمائة

سنة خمسين وأربعمائة فيها توفي الونّي، صاحب الفرائض، استشهد في فتنة البساسيري، وهو أبو عبد الله [الحسين بن محمد بن عبد الواحد البغدادي. وأبو الطيب الطبري] [1] طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي الشافعي، أحد الأعلام. روى عن أبي أحمد الغطريقي وجماعة، وتفقّه بنيسابور على أبي الحسن الماسرجسي، وسكن بغداد، وعمّر مائة وسنتين. قال الخطيب [2] : كان عارفا بالأصول والفروع، محقّقا، صحيح المذهب. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في «الطبقات» [3] : ومنهم: شيخنا وأستاذنا أبو الطيب الطبري، توفي عن مائة وسنتين، ولم يختلّ عقله، ولا تغيّر فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ، ويقضي ويشهد، ويحضر المواكب، إلى أن مات. تفقه بآمل على الزجاجي [4] ، صاحب ابن القاص، وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي، وأبي القاسم بن كجّ

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» (3/ 224) مصدر المؤلف في نقله. [2] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 359) . [3] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (127- 128) . [4] تحرّف في «آ» إلى «الزجّاج» وأثبت ما في «ط» وهو الصواب.

بجرجان، ثم ارتحال إلى نيسابور، وأدرك أبا الحسن الماسرجسي، وصحبه أربع سنين، ثم ارتحل إلى بغداد، وعلّق على أبي محمد البافي [الخوارزمي] صاحب الداركي، وحضر مجلس أبي حامد [الإسفراييني] . ولم أر ممّن رأيت أكمل اجتهادا، وأشد تحقيقا، وأجود نظرا منه. شرح «مختصر المزني» وصنّف في الخلاف، والمهذب، والأصول، والجدل، كتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها، ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرّست أصحابه في مجلسه بإذنه، ورتبني في حلقته، وسألني أن أجلس في مجلسه [1] للتدريس، ففعلت في سنة ثلاثين وأربعمائة، أحسن الله عني جزاءه ورضي عنه. وقال الخطيب البغدادي [2] : كان أبو الطيب ورعا، عارفا بالأصول والفروع، محقّقا، حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه، وعلّقت عنه الفقه سنين. وقال: سمعت أبا بكر محمد بن محمد المؤدّب، سمعت أبا محمد البافي يقول: أبو الطيب أفقه من أبي حامد الإسفراييني، وسمعت أبا حامد [الإسفراييني] يقول: أبو الطيب أفقه من أبي محمد البافي. وعن القاضي أبي الطيب أنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام، وقال له: «يا فقيه» وأنّه كان يفرح بذلك ويقول: سمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقيها. وقال القاضي أبو بكر الشامي: قلت للقاضي أبي الطيب- وقد عمّر-: لقد متّعت بجوارحك أيّها الشيخ، فقال: ولم لا؟ وما عصيت الله بواحدة منها قطّ، أو كمال قال. وقال ابن الأهدل: بلغ أبو الطيب مبلغا في العلم، والدّيانة، وسلامة الصدر، وحسن السمت والخلق، وعليه تفقّه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وولي القضاء ببغداد بربع الكرخ دهرا طويلا، وعاش مائة وسنتين، ويقال:

_ [1] في «طبقات الفقهاء» : «في مسجد» . [2] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 358- 360) .

وعشرين، ولم يضعف جسده ولا عقله، حتّى حكي أنّه اجتاز بنهر يحتاج إلى وثبة عظيمة، فوثب وقال، أعظما حفظها الله في صغرها، فقوّاها في كبرها، وكان يحضر المواكب في دار الخلافة، ويقول الشعر، ومن شعره من ألغز به على أبي العلاء المعرّي: وما ذالت درّ لا يحلّ لحالب ... تناولها واللّحم منها محلل في أبيات في هذا المعنى، فأجابه المعرّي ارتجالا: جوابان عن هذا السؤال كلاهما ... صواب وبعض القائلين مضلّل فمن ظنّه كرما فليس بكاذب ... ومن ظنّه نخلا فليس يجهّل يكلّفني القاضي الجليل مسائلا [1] ... هي البحر قدرا بل أعزّ وأطول فأجابه القاضي يثني عليه وعلى علمه وبديهته، فأجابه المعرّيّ أيضا: فؤادك معمور من العلم آهل ... وجدّك في كل المسائل مقبل فإن كنت بين النّاس غير مموّل ... فأنت من الفهم المصون مموّل كأنّك من في الشّافعيّ مخاطب ... ومن قلبه تملي فما تتمهّل وكيف يرى علم ابن إدريس دارسا ... وأنت بإيضاح الهدى متكفّل تجمّلت الدّنيا بأنّك فوقها ... ومثلك حقّا من به يتجمّل وفيها أبو الفتح بن شيطا، مقرئ العراق، ومصنّف «التذكار في القراءات العشر» عبد الواحد بن الحسين بن أحمد. أخذ عن الحمامي وطائفة، وحدّث عن محمد بن إسماعيل الورّاق [2] وجماعة، وتوفي في صفر، وله ثمانون سنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «انحلال مسائل» وما أثبته من «مرآة الجنان» (3/ 70) أصل كتاب ابن الأهدل. [2] في «آ» و «ط» : «البراق» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 225) وانظر «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 415) .

وفيها أبو الحسن [1] علي بن بقا المصري الورّاق الناسخ، محدّث ديار مصر. روى عن القاضي أبي الحسن الحلبي وطائفة، وكتب الكثير. وفيها الماوردي أقضى القضاة، أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، مصنّف «الحاوي» و «الإقناع» و «أدب الدّنيا والدّين» وكان إماما في الفقه، والأصول، والتفسير، بصيرا بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستا وثمانين سنة. تفقه على أبي القاسم الصّيمري بالبصرة، وعلى أبي حامد ببغداد، وحدّث عن الحسن الجيلي صاحب أبي خليفة الجمحي وجماعة، وآخر من روى عنه أبو العزّ بن كادش. قال ابن قاضي شهبة [2] : هو أحد أئمة أصحاب الوجوه. قال الخطيب [3] : كان ثقة، من وجوه الفقهاء الشافعيين، وله تصانيف عدّة في أصول الفقه وفروعه، وفي غير ذلك. وكان ثقة، ولي قضاء بلدان شتى، ثم سكن بغداد. وقال ابن خيرون: كان رجلا عظيم القدر، متقدما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن من العلم، وذكره ابن الصلاح في «طبقاته» وأتّهم بالاعتزال في بعض المسائل بحسب ما فهم عنه في «تفسيره» في موافقة المعتزلة فيها، ولا يوافقهم في جميع أصولهم، ومما خالفهم فيه، أن الجنة مخلوقة. نعم يوافقهم في القول في القدر، وهي بلية غلبت [4] على البصريين. توفي في ربيع الأول، سنة خمسين، بعد موت أبي الطيب بأحد عشر يوما عن ست وثمانين سنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «أبو الحسين» والتصحيح من «العبر» (3/ 225) و «حسن المحاضرة» (1/ 374) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 240) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 102) . [4] لفظة «غلبت» سقطت من «ط» .

وذكر ابن خلّكان في «الوفيات» [1] أنه لم يكن أبرز شيئا من مصنفاته في حياته، وإنما أوصى رجلا من أصحابه إذا حضره الموت أن يضع يده في يده، فإن رآه قبض على يده فلا يخرج من مصنفاته شيئا وإن رآه بسط يده أي علامة قبولها، فليخرجها. ومن تصانيفه «الحاوي» . قال الإسنوي [2] : ولم يصنّف مثله، وكتاب «الأحكام السلطانية» وهو تصنيف عجيب مجلد، و «الإقناع» مختصر، يشتمل على غرائب، و «التفسير» ثلاث مجلدات، و «أدب الدّين والدّنيا» وغير ذلك. انتهى ما ذكره ابن شهبة ملخصا. وقال ابن الأهدل: لما خرج المارودي من بغداد إلى البصرة أنشد أبيات ابن الأحنف: أقمنا كارهين لها فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا وما حب البلاد بنا ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا خرجت أقرّ ما كانت لعيني ... وخلّفت الفؤاد بها رهينا وهو منسوب إلى بيع الماورد. انتهى. وفيها أبو القاسم الخفّاف، عمر بن الحسين البغدادي، صاحب المشيخة. روى عن ابن المظفر وطبقته. وفيها أبو منصور السّمعاني، محمد بن عبد الجبّار القاضي المروزي الحنفي، والد العلّامة أبي المظفر السّمعاني، مات بمرو في شوال، وكان إماما، ورعا، نحويا، لغويا، علّامة، له مصنفات.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 282- 284) . [2] قلت: لم يرد ما ذكره ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 387- 388) .

وفيها منصور بن الحسين التّانئ- بالنون، نسبة إلى التنائية [1] وهي الدهقنة، ويقال لصاحب الضياع والعقار- أبو الفتح الأصبهاني المحدّث، صاحب ابن المقرئ. كان من أروى الناس عنه، توفي في ذي الحجّة، وكان ثقة. وفيها الملك الرحيم، أبو نصر بن الملك أبي كاليجار بن الملك سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه الدّيلمي، آخر ملوك الدّيلم، مات محبوسا بقلعة الرّيّ في اعتقال طغرلبك.

_ [1] انظر التعليق الذي كتبه حول هذه النسبة العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله تعالى على «الأنساب» (3/ 13) .

سنة إحدى وخمسين وأربعمائة

سنة إحدى وخمسين وأربعمائة فيها توفي ابن سميق، أبو عمر، أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي، نزيل طليطلة، ومحدّث وقته. روى عن أبي المطرّف بن فطيس، وابن أبي زمنين، وطبقتهما، وكان قوي المشاركة في عدة علوم، حتّى في الطب، مع العبادة والجلالة، وعاش ثمانين سنة. وفيها الأمير المظفّر أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري التّركي، مقدّم الأتراك ببغداد، يقال: إنه كان مملوك بهاء الدولة بن بويه، وهو الذي خرج على الإمام القائم بأمر الله ببغداد، وكان قدّمه على جميع الأتراك، وقلّده الأمور بأسرها، وخطب له على منابر العراق، وخوزستان، فعظم أمره، وهابته الملوك، ثم خرج على الإمام القائم بأمر الله من بغداد، وخطب للمستنصر العبيدي صاحب مصر، فراح الإمام القائم إلى أمير العرب محيي الدّين أبي الحارث مهارش بن المجلّي العقيلي صاحب الحديثة وأعانه [1] ، فآواه، وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة، حتّى جاء طغرلبك السلجوقي، وقاتل البساسيري المذكور، وقتله، وعاد القائم إلى بغداد، وكان دخوله إليها في مثل اليوم الذي خرج منها، بعد حول كامل، وكان ذلك من غرائب [2] الاتفاق، وقصته مشهورة، قتله عسكر السلطان

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «وعانه» . [2] في «آ» و «ط» ، «من غريب» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

طغرلبك السلجوقي ببغداد يوم الخميس، منتصف ذي الحجة، وطيف برأسه في بغداد، وصلب قبالة باب النوبي. والبساسيري: بفتح الباء الموحدة والسين المهملة، وبعد الألف سين مكسورة، ثم ياء ساكنة مثناة من تحتها، وبعدها راء، هذه النسبة إلى بلدة بفارس يقال لها بسا [1] وبالعربية فسا [1] ، والنسبة إليها بالعربية فسوي، ومنها الشيخ أبو علي الفارسي النحوي، وأهل فارس يقولون في النسبة إليها البساسيري، وهي نسبة شاذة على خلاف الأصل، وكان سيد أرسلان المذكور من بسا، فنسب إليه المملوك، واشتهر بالبساسيري. قاله ابن خلّكان [2] . وفيها أبو عثمان النّجيرمي- بفتح النون والراء، وكسر الجيم، نسبة إلى نجيرم، محلة بالبصرة [3]- سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري، محدّث خراسان ومسندها. روى عن جدّه أبي الحسين، وأبي عمرو بن حمدان وطبقتهما، ورحل إلى مرو، وإسفرايين، وبغداد، وجرجان، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو المظفّر عبد الله بن شبيب الضبّي، مقرئ أصبهان، وخطيبها، وواعظها، وشيخها، وزاهدها، أخذ القراءات عن أبي الفضل الخزاعي، وسمع من أبي عبد الله بن مندة وغيره، وتوفي في صفر. وفيها أبو الحسن الزّوزني- بفتح الزايين وسكون الواو، نسبة إلى زوزن، بلد بين هراة ونيسابور- علي بن محمود بن ماخرة، شيخ الصوفية

_ [1] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 412) : بسا: بالفتح، ويعرّبونها فيقولون فسا، مدينة بفارس. [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 192- 193) . [3] وقال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 274) : نجيرم: بليدة مشهورة دون سيراف مما يلي البصرة على جبل هناك على ساحل البحر.

ببغداد، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة. وكان كثير الأسفار، سمع بدمشق عن عبد الوهاب الكلابي وجماعة. وفيها أبو طالب العشاري، محمد بن علي بن الفتح الحربي الصالح. روى عن الدّارقطني وطبقته، وعاش خمسا وثمانين سنة، وكان جسده طويلا، فلقبوه العشاري، وكان فقيها حنبليا، تخرّج على أبي حامد، وقبله على ابن بطة، وكان خيّرا، عالما، زاهدا. قال ابن أبي يعلي في «طبقات الحنابلة» [1] : كان العشاري من الزهّاد، صحب أبا عبد الله بن بطة، وأبا حفص البرمكي، وأبا عبد الله بن حامد. وقال ابن الطيوري: قال في بعض أهل البادية: إنا [2] إذا قحطنا [3] استسقينا بابن العشاري، فنسقى. وقال: لما قدم عسكر طغرلبك، لقي بعضهم ابن العشاري في يوم الجمعة، فقال له: أيش معك يا شيخ؟ قال: ما معي شيء، ونسي أن في جيبه نفقة، ثم ذكر، فنادى بذلك القائل له، وأخرج ما في جيبه وتركه بيده، وقال: هذا معي، فها به ذلك الشيخ، وعظّمه ولم يأخذه. وله كرامات كثيرة. مولده سنة ستين وثلاثمائة، وموته يوم الثلاثاء تاسع عشري جمادى الأولى، سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، ودفن في مقبرة إمامنا بجنب أبي عبد الله بن طاهر، وكان كل واحد منهما، زوجا لأخت الآخر. انتهى ملخصا.

_ [1] (2/ 192) . [2] لفظة «إنّا» لم ترد في «طبقات الحنابلة» الذي بين يدي. [3] في «طبقات الحنابلة» : «قحطتنا» .

سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة

سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فيها توفي الماهر، أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن فضال الحلبي الموازيني [1] الشاعر المفلق بالشام. وفيها علي بن حميد أبو الحسن الذّهلي إمام جامع همذان، وركن السّنّة والحديث بها. روى عن أبي بكر بن لال وطبقته، وقبره يزار ويتبرك به. وفيها القزويني، محمد بن أحمد بن علي المقرئ، شيخ الإقراء بمصر. أخذ عن طاهر بن غلبون، وسمع من أبي الطيب والد طاهر، وعبد الوهاب الكلابي، وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر. قال في «حسن المحاضرة» [2] : وقرأ عليه يحيى الخشّاب، وعلي بن بليمة. انتهى. وفيها ابن عمروس أبو الفضل، محمد بن عبيد الله البغدادي، الفقيه المالكي. قال الخطيب [3] : انتهت إليه الفتوى ببغداد، وكان من القرّاء المجودين. حدّث عن ابن شاهين وجماعة، وعاش ثمانين سنة.

_ [1] انظر «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/ 148- 149) . [2] (1/ 493) . [3] انظر «تاريخ بغداد» (2/ 339) .

سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة

سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة فيها توفي أبو العبّاس بن نفيس، شيخ القرّاء، أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المصري في رجب، وقد نيّف على التسعين، وهو أكبر شيخ لابن الفحّام. قرأ على السّامري، وأبي عديّ عبد العزيز، وسمع من أبي القاسم الجوهري وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات، وقصد من الآفاق. وفيها صاحب ميّافارقين، وديار بكر، نصر الدولة أحمد بن مروان بن دوستك الكردي، أبو نصر، كان عاقلا، حازما، عادلا، لم يفته الصبح، مع انهماكه على اللّذات، وكان له ثلاثمائة وستون سرّية، يخلو كل ليلة بواحدة، وكانت دولته إحدى وخمسين سنة، وعاش سبعا وسبعين سنة، وقام بعده ولده نصر. وقال ابن خلّكان [1] : ملك البلاد بعد أن قتل أخوه أبو سعيد منصور بن مروان في قلعة الهتّاخ [2] ليلة الخميس، خامس جمادى الأولى، سنة إحدى وأربعمائة، وكان رجلا مسعودا، عالي الهمّة، حسن السياسة، كثير الحزم، قضى من اللذات وبلغ من السعادة ما يقصر الوصف عن شرحه. وكان قد قسم أوقاته، فمنها ما ينظر فيه في مصالح دولته، ومنها ما يتوفر فيه على لذّاته والاجتماع بأهله، وخلّف أولادا كثيرة، وقصده شعراء عصره، ومدحوه وخلّدوا مدائحه في دواوينهم.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 177- 178) . [2] قال ياقوت: الهتّاخ: قلعة حصينة في ديار بكر قرب ميّافارقين. انظر «معجم البلدان» (5/ 392) .

ومن جملة سعاداته أنه وزر له وزيران كانا وزيري خليفتين، أحدهما أبو القاسم الحسين بن علي، المعروف بابن المغربي، صاحب «الديوان» - الشعر، والرسائل- والتصانيف، المشهورة. كان وزير خليفة مصر وانفصل عنه، وقدم على الأمير أبي نصر المذكور فوزر له مرتين، والآخر فخر الدولة أبو نصر بن جهير، كان وزير، ثم انتقل إلى وزارة بغداد. ولم يزل على سعادته وقضاء أوطاره إلى أن توفي تاسع عشري شوال. انتهى ملخصا. وفيها أبو مسلم، عبد الرحمن بن غزو النّهاوندي العطّار. حدّث عن أحمد بن فراس العبقسي وخلق، وكان ثقة صدوقا. وفيها أبو أحمد المعلّم عبد الواحد بن أحمد الأصبهاني، راوي مسند أحمد بن منيع، عن عبيد الله بن جميل، وروى عن جماعة، وتوفي في صفر. وفيها علي بن رضوان أبو الحسن المصري الفيلسوف، صاحب التصانيف. كان رأسا في الطب وفي التنجيم، من أذكياء زمانه بديار مصر. وفيها أبو القاسم السّميساطي، واقف الخانكاه قرب جامع بني أمية بدمشق- وسميساط: بضم السين المهملة الأولى وفتح الميم والسين الثانية، بينهما مثناة تحتية، وآخره طاء مهملة، بلد بالشام- علي بن محمد بن يحيى السّلمي الدمشقي. روى عن عبد الوهاب الكلابي وغيره، وكان بارعا في الهندسة، والهيئة، صاحب حشمة وثروة واسعة، عاش ثمانين سنة. قال في «القاموس» [1] : سميساط، كطريبال بسينين، بلد [2] بشاطئ

_ [1] انظر «القاموس المحيط» ص (867) طبع مؤسسة الرسالة، وانظر «معجم البلدان» (3/ 258) . [2] في «آ» : «بلدة» .

الفرات، منه الشيخ أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى السّلمي الدّمشقي السّميساطي، من أكابر الرؤساء والمحدّثين بدمشق، وواقف الخانقاه بها. انتهى. وفيها قريش [1] بن بدران بن مقلّد بن المسيّب العقيلي أبو المعالي، صاحب الموصل، وليها عشر سنين، وذبح عمّه قرواش بن مقلّد صبرا، ومات بالطاعون عن إحدى وخمسين سنة، وقام بعده ابنه شرف الدولة مسلم، الذي استولى على ديار ربيعة ومضر [2] ، وحلب، وحاصر دمشق، فكاد أن يملكها، وأخذ الحمل من بلاد الرّوم. وفيها أبو سعيد الكنجرودي- بفتح الكاف والجيم بينهما نون ساكنة وآخره دال مهملة نسبة إلى كنجرود قرية بنيسابور ويقال لها جنزرود [3]- محمد بن عبد الرحمن بن محمد النيسابوري الفقيه النحوي، الطبيب الفارس. قال عبد الغافر: له قدم في الطب، والفروسية، وأدب السلاح، وكان بارع وقته لاستجماعه فنون العلم. حدّث عن أبي عمرو بن حمدان وطبقته، وكان مسند خراسان في عصره، وتوفي في صفر.

_ [1] تحرّف في «آ» إلى «قرويش» . [2] في «آ» و «ط» : «ومصر» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 232) . [3] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله وهو خطأ، والصواب: «الكنجرودي» نسبة إلى «كنجروذ» وهي قرية على باب نيسابور، في ربضها، وتعرّب، فيقال لها: «جنزروذ» . قاله السمعاني في «الأنساب» (10/ 479) وانظر «معجم البلدان» (4/ 481- 482) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 101) .

سنة أربع وخمسين وأربعمائة

سنة أربع وخمسين وأربعمائة فيها زادت [1] دجلة إحدى وعشرين ذراعا، وغرقت بغداد وبلاد. وفيها التقى صاحب حلب، معز الدولة ثمال بن صالح الكلابي، وملك الرّوم على أرتاح [2] من أعمال حلب، وانتصر المسلمون، وغنموا، وسبوا، حتى بيعت السّرّية الحسناء بمائة درهم، وبعدها بيسير، توفي ثمال بحلب. وفيها توفي أبو سعد بن أبي شمس النيسابوري أحمد بن إبراهيم بن موسى، المقرئ المجود، الرئيس الكامل، توفي في شعبان، وهو في عشر التسعين. روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة، وروى «الغاية في القراءات» عن ابن مهران المصنف [3] . وفيها أبو محمد الجوهري، الحسن بن علي الشيرازي، ثم البغدادي المقنّعي، لأنه كان يتطيلس ويلفّها من تحت حنكه. انتهى إليه علو الرواية في الدّنيا، وأملى مجالس كثيرة، وكان صاحب حديث. روى عن أبي بكر القطيعي، وأبي عبد الله العسكري، وعلي بن لؤلؤ، وطبقتهم، وعاش نيّفا وتسعين سنة، وتوفي في سابع ذي القعدة.

_ [1] في «العبر» : «بلغت» . (ع) . [2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 140) : أرتاح: اسم حصن منيع، كان من العواصم من أعمال حلب. [3] في «آ» و «ط» : «المص» والتصحيح من «العبر» (3/ 233) مصدر المؤلّف.

وفيها أبو نصر، زهير بن الحسن السرخسي، الفقيه الشافعي، مفتي خراسان. أخذ ببغداد عن أبي حامد الإسفراييني ولزمه، وعلّق عنه تعليقة مليحة، وروى عن زاهر السرخسي، والمخلّص وجماعة، وتوفي بسرخس، وقيل: توفي سنة خمس وخمسين. قاله في «العبر» [1] . وقال الإسنوي [2] : ولد بسرخس، بعد السبعين وثلاثمائة، وتفقه على الشيخ أبي حامد، وبرع في الفقه، وسمع الكثير من جماعة، منهم: زاهر السرخسي، ورجع إلى سرخس، ودرّس بها، وأسمع إلى أن مات [3] سنة خمس وخمسين وأربعمائة. انتهى. وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي، أبو الفضل الرّازي، الإمام المقرئ الزاهد، أحد العلماء العاملين. قال أبو سعد السمعاني [4] : كان مقرئا [فاضلا] كثير التصانيف، زاهدا، [متعبّدا] ، خشن العيش، قانعا، منفردا عن الناس، يسافر وحده ويدخل البراري. سمع بمكّة من ابن فراس، وبالرّيّ من جعفر بن فنّاكي، وبنيسابور من السّلمي، وبنسإ من محمد بن زهير النّسوي، وبجرجان من أبي نصر بن الإسماعيلي، وبأصبهان من ابن مندة الحافظ، وببغداد، والبصرة، والكوفة، وحرّان، وفارس، ودمشق، ومصر، وكان من أفراد الدّهر. قاله في «العبر» [5] .

_ [1] (3/ 234) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 42) . [3] في «آ» و «ط» : «إلى زمان» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 137- 138) وما بين حاصرتين مستدرك منه وقد عزا الذهبي النقل إلى «الذيل» للسمعاني. [5] (3/ 234) .

وفيها أبو حفص الزّهراوي، عمر بن عبيد الله الذّهلي القرطبي، محدّث الأندلس، مع ابن عبد البرّ، توفي في صفر، عن ثلاث وتسعين سنة. روى عن عبد الوارث بن سفيان، وأبي محمد بن أسد، والكبار، ولحقته في آخر عمره فاقة، فكان يستعطي، وتغيّر ذهنه. وفيها القضاعي، القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المصري، الفقيه الشافعي، قاضي الدّيار المصرية، ومصنّف كتاب «الشهاب» [1] وكتاب «مناقب الإمام الشافعي وأخباره» وكتاب «الإنباء عن الأنبياء» و «تواريخ الخلفاء» وكتاب «خطط مصر» . قال ابن ماكولا [2] : كان متفنّنا في عدة علوم، لم أر بمصر من يجري مجراه. وقال في «العبر» [3] : روى عن أبي مسلم الكاتب فمن بعده، وذكر السمعاني في «الذيل» في ترجمة الخطيب البغدادي، أنه حجّ سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وحجّ تلك السنة القضاعي المذكور، وسمع منه الحديث. انتهى، وتوفي بمصر في ذي الحجة، وصلّي عليه يوم جمعة بعد العصر. وفيها المعزّ بن باديس بن منصور بن بلكّين الحميري الصنهاجي، صاحب المغرب، وكان الحاكم العبيدي قد لقّبه شرف الدولة، وأرسل له الخلعة والتقليد، في سنة سبع وأربعمائة، وله تسعة أعوام، وكان ملكا جليلا

_ [1] واسمه كما في «كشف الظنون» (2/ 1067) «شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والآداب» وقد نشر في مؤسسة الرسالة ببيروت عام (1405 هـ) باسم «مسند الشهاب» في مجلدين وقام بتحقيقه وتخريج أحاديثه الأستاذ الشيخ حمدي عبد المجيد السّلفي. [2] انظر «الإكمال» (7/ 147) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» للذهبي الذي نقله عنه باختصار. [3] (3/ 235) .

عالي الهمّة، محبّا للعلماء، جوادا، ممدّحا، أصيلا في الإمرة، حسن الديانة، حمل أهل مملكته على الاشتغال بمذهب مالك، وخلع طاعة العبيديين في أثناء أيامه، وخطب لخليفة العراق، فجهز المستنصر لحربه جيشا، وطال حربهم له، وخربوا حصون برقة، وإفريقية، وتوفي في شعبان بالبرص، وله ست وخمسون سنة. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : كان واسطة عقد أهل [3] بيته، وكانت حضرته محط الآمال، وكان مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه بإفريقية أظهر المذاهب، فحمل المعزّ المذكور جميع أهل إفريقية [4] والمغرب على التمسك بمذهب مالك بن أنس رضي الله عنه، وحسم مادة الخلاف في المذاهب، واستمر الحال في ذلك إلى الآن. وكان المعزّ يوما جالسا في مجلسه وعنده جماعة من الأدباء، وبين يديه أترجة ذات أصابع، فأمرهم المعز أن يعملوا فيها شيئا، فعمل أبو الحسن بن رشيق القيرواني الشاعر المشهور بيتين: أترجة سبطة الأطراف ناعمة ... تلقى العيون بحسن غير منحوس كأنما بسطت كفّا لخالقها ... تدعو بطول بقاء لابن باديس انتهى ملخصا.

_ [1] (3/ 236) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 233) . [3] لفظة «أهل» لم ترد في «وفيات الأعيان» . [4] لفظة «إفريقية» هذه لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» .

سنة خمس وخمسين وأربعمائة

سنة خمس وخمسين وأربعمائة فيها دخل السلطان أبو طالب محمد بن ميكال [1] ، سلطان الغزّ، المعروف بطغرلبك بغداد، فنزلوا في دور الناس، وتعرّضوا لحرمهم، حتّى إن قوما من الأتراك صعدوا إلى جامات الحمامات، ففتحوها، ثم نزلوا، فهجموا عليهنّ، وأخذوا من أرادوا منهنّ، وخرج الباقيات عراة. ثم في ليلة الاثنين خامس عشر صفر، زفّت ابنة القائم بأمر الله إلى طغرلبك، وضربت لها سرادق من دجلة إلى الدّار، وضربت البوقات عند دخولها إلى الدّار، فجلست على سرير ملبّس بالذهب، ودخل السلطان، فقبّل الأرض، وخرج من غير أن يجلس، ولم تقم له، ولا كشفت برقعها، ولا أبصرته، وأنفذ لها عقدين فاخرين وقطعة ياقوت حمراء، ودخل من الغد، فقبّل الأرض أيضا وجلس على سرير ملبّس بالفضة بإزائها ساعدة، ثم خرج وأنفذ لها جواهر كثيرة وفرجية مكلّلة بالحب، ثم أخرجها معه من بغداد على كره إلى الرّيّ. قال في «العبر» [2] : وهو أول ملوك السلجوقية، وأصلهم من أعمال

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» ص (364) : «محمد بن ميكال» وفي معظم المصادر الأخرى «محمد بن ميكائيل» فتنبّه. [2] (3/ 237- 238) .

بخارى وهم أهل عمود. أول ما ملك هذا الرّيّ، ثم نيسابور، ثم أخذ أخوه داود بلخ وغيرها، واقتسما الممالك، وملك طغرلبك العراق، وقمع الرافضة، وزال به شعارهم، وكان عادلا في الجملة، حليما، كريما، محافظا على الصلوات، يصوم الخميس والاثنين، ويعمر المساجد. ودخل بابنة القائم وله سبعون سنة، وعاش عقيما ما بشّر بولد، ومات بالرّيّ، وحملوا تابوته، فدفنوه بمرو، عند قبر أخيه داود بن جغريبك [1] . انتهى. وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : وفي سنة أربع وخمسين، زوّج الخليفة ابنته لطغرلبك [3] ، بعد أن دافع بكل ممكن، وانزعج واستعفى، ثم لان لذلك [4] برغم منه، وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه، مع قهرهم للخلفاء وتحكّمهم فيهم [5] . قلت [6] : والآن زوّج خليفة عصرنا ابنته من واحد من مماليك السلطان، فضلاء عن السلطان، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 ثم قدم طغرلبك في سنة خمس [وخمسين] فدخل بابنة الخليفة، وأعاد المواريث والمكوس، وضمن بغداد بمائة وخمسين ألف دينار، ثم رجع إلى الرّيّ فمات بها في رمضان، فلا عفا الله عنه! وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عضد الدولة ألب أرسلان صاحب خراسان، وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد.

_ [1] في «آ» و «ط» : «جعفر بيك» وما أثبته من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (18/ 106) . [2] انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (420) . [3] في «آ» و «ط» : «بنته بطغرلبك» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» . [4] في «آ» و «ط» : «لان الملك» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» . [5] في «آ» و «ط» : «فيه» والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» . [6] القائل الحافظ السيوطي.

قال الذهبي: وهو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد، وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك، وافتتح بلادا كثيرة من بلاد النصارى، واستوزر نظام الملك، فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سبّ الأشعرية، وانتصر [1] للشافعية، وأكرم إمام الحرمين، وأبا القاسم القشيري، وبنى النّظامية، قيل: وهي أوّل مدرسة بنيت للفقهاء. انتهى كلام السيوطي. وطغرلبك: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، وضم الراء، وسكون اللام، وفتح الموحدة، وبعدها كاف، هو اسم تركي مركب من طغرل: وهو بلغة التّرك [اسم] علم لطائر معروف عندهم، وبه سمي الرجل، وبك: معناه أمير [2] . وفيها أحمد بن محمود أبو طاهر الثّقفي الأصبهاني المؤدّب [3] . سمع كتاب «العظمة» من أبي الشيخ، وما ظهر سماعة منه إلّا بعد موته، وكان صالحا ثقة سنّيا، كثير الحديث، توفي في ربيع الأول، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أبي بكر بن المقرئ وجماعة. وفيها سبط بحرويه، أبو القاسم إبراهيم بن منصور السّلمي الكرّاني [4] الأصبهاني. صالح، ثقة، عفيف. روى «مسند أبي يعلى» عن ابن المقرئ، ومات في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة. وفيها أبو يعلى الصّابوني إسحاق بن عبد الرحمن النيسابوري [5] ، أخو شيخ الإسلام أبي عثمان. روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهّاب الرّازي،

_ [1] في «آ» و «ط» : «فانتصر» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» . [2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 68) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 123- 124) . [4] تحرّفت في «آ» إلى «الكيرواني» وفي «ط» إلى «الكيراني» والتصحيح من «الأنساب» (10/ 378) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 73) . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 75- 76) .

وأبي محمد المخلدي، وطبقتهما، وكان صوفيا مطبوعا، ينوب عن أخيه في الوعظ، توفي في ربيع الآخر وقد جاوز الثمانين. وفيها محمد بن محمد بن حمدون السّلمي، أبو بكر النيسابوري، آخر من روى عن أبي عمرو بن حمدان، توفي في المحرم.

سنة ست وخمسين وأربعمائة

سنة ست وخمسين وأربعمائة فيها على ما قاله في «الشذور» غزا السلطان أبو الفتح ملكشاه الرّوم، ودخل بلدا لهم فيه سبعمائة ألف دار وألف بيعة ودير، فقتل ما لا يحصى، وأسر خمسمائة ألف. وفيها نازل ألب أرسلان هراة، فأخذها من عمّه، ولم يؤذه وتسلّم الرّيّ وسار إلى أذربيجان، وجمع الجيوش، وغزا الرّوم، فافتتح عدة حصون، وهابته الملوك. وعظم سلطانه، وبعد صيته، وتوفر الدعاء له، لكثرة ما افتتح من بلاد النصارى، ثم رجع إلى أصبهان ومنها إلى كرمان، وزوّج ابنه ملكشاه بابنة خاقان صاحب ما وراء النهر، وابنه أرسلان شاه بابنة صاحب غزنة، فوقع الائتلاف، واتفقت الكلمة، ولله الحمد. وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم الأستغداديزي- بضم أوله والفوقية وسكون السين المهملة [وضم التاء المثناة] والغين المعجمة ثم مهملتين بينهما ألف، ثم تحتية وزاي، نسبة إلى أستغداديزة من قرى نسف [1]- النّخشبي، ونخشب هي نسف. روى عن جعفر المستغفري وابن غيلان، وطبقتهما، بخراسان، وأصبهان، والعراق،

_ [1] انظر «معجم البلدان» (1/ 175) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

والشام، ومات كهلا، وكان من كبار الحفّاظ الرحّالين، والأئمة المخرّجين المصنّفين. وفيها أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي، صاحب التصانيف. قال الخطيب [1] : كان مضطلعا بعلوم كثيرة، منها: النحو، واللغة، و [معرفة] النسب، وأيام العرب، و [أخبار] المتقدمين، وله أنس شديد بعلم الحديث. وقال ابن ماكولا [2] : سمع من ابن بطة، وذهب بموته عليم العربية من بغداد. وكان أحد [3] من يعرف الأنساب، لم أر مثله وكان فقيها حنفيا، أخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصري، وتقدم فيه. وقال ابن الأثير [4] : له اختيار في الفقه، وكان يمشي [5] في الأسواق مكشوف الرأس، ولا يقبل من أحد شيئا، مات في جمادى الآخرة، وقد جاوز الثمانين، وكان يميل إلى إرجاء المعتزلة [6] ويعتقد أن الكفّار لا يخلّدون في النار. قاله في «العبر» [7] . وفيها ابن رشيق القيرواني، أبو علي الحسن بن رشيق [8] ، أحد الأفاضل البلغاء، له التصانيف الحسنة، منها كتاب «العمدة في صناعة الشعر

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 17) . [2] انظر «الإكمال» (1/ 246- 247) . [3] في «الإكمال» : «آخر» . [4] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 42- 43) . [5] لفظة «يمشي» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «الكامل» . [6] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» وفي «الكامل» : «إلى مذهب مرجئة المعتزلة» . [7] (3/ 239- 240) . [8] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 85- 89) مصدر المؤلف.

ونقده وعيوبه» وكتاب «الأنموذج» والرسائل الفائقة، والنظم الجيد. قال ابن بسام في كتاب «الذخيرة» [1] : بلغني أنه ولد بالمسيلة، وتأدب بها قليلا، ثم ارتحل إلى القيروان سنة ست وأربعمائة. وقال غيره: ولد بالمهدية سنة تسعين وثلاثمائة، وأبوه مملوك رومي من موالي الأزد، وكانت صنعة أبيه في بلده المحمدية الصياغة، فعلّمه أبوه صنعته، وقرأ الأدب بالمحمدية، وقال الشعر، وتاقت نفسه إلى التزيّد منه، وملاقاة أهل الأدب، فرحل إلى القيروان، واشتهر بها، ومدح صاحبها، واتصل بخدمته، ولم يزل بها إلى أن هاجم [2] العرب القيروان، وقتلوا أهلها، وأخربوها، فانتقل إلى جزيرة صقلية، وأقام بها إلى أن مات، ومات في هذه السنة، وقيل: سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وهو الأصح [3] ، ومن شعره: أحبّ أخي وإن أعرضت عنه ... وقلّ على مسامعه كلامي ولي في وجهه تقطيب راض ... كما قطّبت في وجه المدام وربّ تقطّب من غير بغض ... وبغضّ كان من تحت ابتسام ومن شعره: يا ربّ لا أقوى على دفع الأذى ... وبك استعنت [4] على الضعيف الموذي مالي بعثت إليّ ألف بعوضة ... وبعثت واحدة إلى نمروذ؟ ومن شعره ما حكاه ابن بسام: أسلمني حبّ سليمانكم ... إلى هوى أيسره القتل

_ [1] انظر «الذخيرة» في محاسن أهل الجزيرة» لابن بسام القسم الرابع، المجلد الثاني، ص (597) . [2] في «آ» و «ط» : «وهجم» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» : «على الأصح» وأثبت لفظ «ط» . [4] في «الذخيرة» : «استغثت» .

قالت لنا جند ملاحاته ... لما بدا ما قالت النمل؟ [1] قوموا ادخلوا مسكنكم قبل أن ... تحطمكم أعينه [2] النجل ومن لطيف شعره ما نقله الدّميري: فكّرت ليلة وصلها في صدّها ... فجرت بقايا أدمعي كالعندم فطفقت أمسح مقلتي في نحرها ... إذ عادة الكافور إمساك الدّم ومن تصانيفه أيضا «قراضة الذهب» وهو كتاب لطيف الجرم [3] كبير الفائدة، رحمه الله تعالى. وفيها أبو شاكر، عبد الواحد بن محمد التّجيبيّ القبريّ [4] ، نزيل بلنسية، وأجاز له أبو محمد بن أبي زيد، وسمع من أبي محمد الأصيلي، وأبي حفص بن نابل [5] ، وولي القضاء والخطابة ببلنسية، وعمّر. وفيها أبو محمد بن حزم، العلّامة علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الأندلسي القرطبي الظاهري، صاحب المصنّفات. مات مشردا عن بلده من قبل الدولة ببادية لبلة- بفتح اللّامين، وبينهما موحدة، بلدة بالأندلس- بقرية له ليومين بقيا من شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن أبي عمر بن الجسور، ويحيى بن

_ [1] كذا رواية البيت في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (2/ 88) وفي «الذخيرة» القسم الرابع المجلد الثاني ص (612) . لما بدا جند ملاحته ... قال الورى ما قالت النمل [2] في «الذخيرة» : «أجفانه» . [3] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وعلّق محقّقه بقوله: في النسخة «ج» : «لطيف الحجم» وجاء في «لسان العرب» (جرم) : والجرم: بالكسر: الجسد. قلت: ولعلّ ابن خلّكان أراد «لطيف الهيئة والحجم» فعبّر عن ذلك بقوله: «لطيف الجرم» وتبعه ابن العماد، والله أعلم. [4] في «آ» و «ط» : «القنبري» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 240) مصدر المؤلف وانظر «جذوة المقتبس» ص (290) و «الصلة» (2/ 384) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 179) . [5] في «آ» و «ط» : «ابن نابك» وهو خطأ، والتصحيح من «الصلة» و «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .

مسعود، وخلق، وأول سماعه سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكان إليه المنتهى في الذكاء، وحدّة الذهن، وسعة العلم بالكتاب، والسّنّة، والمذاهب، والملل والنّحل، والعربية، والآداب، والمنطق، والشعر، مع الصدق والدّيانة والحشمة، والسؤدد، والرئاسة، والثروة، وكثرة الكتب. قال الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لأبي محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال صاعد [1] في «تاريخه» : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم [معرفة] مع توسعه في علم اللّسان، والبلاغة، والشعر، والسّير، والأخبار، أخبرني ابنه الفضل، أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو أربعمائة مجلد. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : كان حافظا، عالما بعلوم الحديث [وفقهه] ، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسّنّة، بعد أن كان شافعي المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر، وكان متفننا في علوم جمّة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدّنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك، متواضعا، ذا فضائل [جمّة] وتآليف كثيرة، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنفات، والمسندات، شيئا كثيرا، وسمع سماعا جمّا. وألّف في فقه الحديث كتابا سمّاه كتاب «الإيصال إلى فهم كتاب الخصال [4]

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن صاعد» والتصحيح من «العبر» ، وهو صاعد بن أحمد الأندلسي التغلبي أبو القاسم، المتوفى سنة (462) هـ-. انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (3/ 186) . [2] (3/ 241) وما بين حاصرتين استدركته منه. [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 325- 330) . [4] في «آ» و «ط» : «الإيصال إلى الفهم وكتاب الخصال ... » إلخ والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «جذوة المقتبس» ص (308- 309) و «كشف الظنون» (1/ 704) .

الجامعة نحل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسّنّة والإجماع» أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين، وله كتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض، وكتاب «إظهار تبديل اليهود والنصارى التوراة والإنجيل وبيان ناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل» وهذا معنى لم يسبق إليه وكتاب «التقريب بحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية [والأمثلة الفقهية] » إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، وكان له كتاب صغير سمّاه «نقط العروس» جمع فيه كل غريبة ونادرة. وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح [1] : ما رأينا مثله فيما [2] اجتمع له، مع الذّكاء، وسرعة الحفظ، وكرم النّفس، والتديّن. وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، قال: أنشدني لنفسه: لئن أصبحت مرتحلا بجسمي [3] ... فروحي عندكم أبدا مقيم ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم وله: وذو عذل فيمن سباني بحسنة [4] ... يطيل ملامي في الهوى ويقول أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ... ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل؟ فقلت له: أسرفت في اللّوم ظالما ... وعندي ردّ لو أردت طويل ألم تر أنّي ظاهريّ وأنّني ... على ما بدا حتّى يقوم دليل

_ [1] انظر «جذوة المقتبس» ص (309- 310) . [2] في «آ» و «ط» : «مما» والتصحيح من «جذوة المقتبس» و «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» : «بجسمي» وفي «جذوة المقتبس» : «بشخصي» . [4] رواية هذه الشطرة في «وفيات الأعيان» . وذي غذل فيمن سباني حسنه............... .......

وروى له الحافظ الحميدي [1] : أقمنا ساعة ثمّ ارتحلنا ... وما يغني المشوق وقوف ساعه كأن الشّمل لم يك ذا اجتماع ... إذا ما شتّت البين اجتماعه وكان ابن حزم كثير الوقوع في العماء المتقدمين، لا يكاد أحد يسلم من لسانه، فنفرت عنه القلوب، واستملل من فقهاء وقته فمالوا على بغضه [2] وردّوا قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه، فأقصته الملوك، وشردته عن بلاده. وقال ابن العريف: كان لسان ابن حزم، وسيف الحجّاج شقيقين. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها ابن النّرسي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد حسنون البغدادي [3] ، في صفر، عن تسع وثمانين سنة. روى في «مشيخته» عن محمد بن إسماعيل الورّاق، وطبقته. وفيها قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق، الملك شهاب الدولة، وابن عم السلطان طغرلبك. كانت له قلاع وحصون بعراق العجم، فعصى على قرابته، السلطان ألب أرسلان، وواقعة [4] فقتل في المعركة، وهو جدّ سلاطين الرّوم السلجوقية، وكان بطلا شجاعا. وفيها أبو الوليد الدّربندي- نسبة إلى دربند، وهو باب الأبواب- الحسن بن محمد بن علي بن محمد البلخي، طوّف البلاد، وحصّل الإسناد،

_ [1] لم ترد هذه الفقرة في «جذوة المقتبس» الذي بين يدي. [2] في «وفيات الأعيان» : «واستهدف فقهاء وقته، فتمالؤوا على بغضه» . [3] انظر «العبر» (3/ 242) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 84- 85) . [4] في «آ» و «ط» : «ووافقه» والتصحيح من «العبر» (3/ 242) .

وهو حافظ صدوق من المكثرين، لكنه رديء الحفظ [1] بين المحدّثين. قاله ابن ناصر الدّين [2] . وفيها المطرّز، صاحب «المقدمة اللطيفة» [3] محمد بن علي بن محمد بن صالح السّلمي الدمشقي أبو عبد الله، النحوي المقرئ، في ربيع الأول. روى عن تمّام وجماعة، وآخر من حدّث عنه النّسيب [4] في «فوائده» . وفيها أبو سعيد الخشّاب محمد بن علي بن محمد النيسابوري المحدّث، خادم أبي عبد الرحمن السّلمي. روى عن أبي محمد المخلدي، والخفّاف، وطائفة. وفيها عميد الملك [5] ، الوزير أبو نصر محمد بن منصور الكندري، وزير السلطان طغرلبك، وكان من رجال العالم حزما ورأيا وشهامة وكرما، وقد جبّ مذاكيره لأمر، ثم قتله ألب أرسلان، بمرو الرّوذ في آخر العام، وحمل رأسه إلى نيسابور قاله. في «العبر» [6] . وقال ابن خلّكان [7] : الستوزره السلطان طغرلبك السّلجوقي، ونال عنده الرتبة العالية والمنزلة الجليلة، ولم يكن لأحد من أصحابه معه كلام، وهو

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» : «رديء الخط» . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (49/ آ) . [3] وتعرف ب- «المطرّزة» قال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1804) : عزاها السيوطي في «طبقات النحاة» إلى صاحب «المغرب» - يعني لأبي الفتح المطرّزي-. وقال الحافظ الذهبي: إنها ليست له بل مؤلفها دمشقي قديم، وهو أبو عبد الله بن محمد بن علي بن صالح السلمي المطرّز، المتوفي سنة (456) هـ-. [4] يعني علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن بن العباس بن الحسن بن الحسين أبو القاسم العلوي الحسني ويعرف ب- «النّسيب» المتوفي سنة (508) هـ-. انظر «مرآة الزمان» (8/ 33) «مخطوط» و «العبر» (4/ 17) . [5] تحرّفت في «ط» إلى «عبد الملك» . [6] (3/ 242) . [7] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 138- 142) .

أول وزير كان لهذه الدولة، ولو لم تكن له منقبة إلّا صحبة إمام الحرمين أبي المعالي الشافعي على ما ذكره ابن السمعاني في ترجمة أبي المعالي المذكور في كتاب «الذيل» فإنه قال بعد الإطناب في وصف إمام الحرمين وذكر تنقله في البلاد. ثم قال: وخرج إلى بغداد، وصحب العميد الكندري أبا نصر مدة يطوف معه ويلتقي في حضرته بالأكابر من العلماء ويناظرهم [وتحنك بهم] ، حتى تهذب في النظر وشاع ذكره. قال ابن خلّكان: وهذا خلاف ما ذكره شيخنا ابن الأثير في «تاريخه» [1] في سنة ست وخمسين وأربعمائة، فإنه قال: إن الوزير المذكور كان شديد التعصب على الشافعية، كثير الوقيعة في الشافعي رضي الله عنه، حتّى بلغ في تعصبه أنه خاطب السلطان ألب أرسلان السّلجوقي في لعن الرافضة على منابر خراسان، فأذن له في ذلك، فأمر بلعنهم، وأضاف إليهم الأشعرية، فأنت من ذلك أئمة خراسان، منهم أبو القاسم القشيري، وإمام الحرمين الجويني، وغيرهما، ففارقوا خراسان، وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين. يدرّس ويفتي، فلهذا قيل له إمام الحرمين، فلما جاءت الدولة النظامية أحضر من انتزح منهم وأكرمهم وأحسن إليهم، وقيل: إنه تاب عن [2] الوقيعة في الشافعي رحمه الله، فإن صحّ فقد أفلح. وكان عميد الملك ممدّحا مقصدا للشعراء، مدحه جماعة من أكابر شعراء عصره، منهم: الباخرزي [3] وصرّدرّ، وفيه يقول قصيدته النونية [4] :

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 138) . [2] في «آ» : «من» . [3] انظر «دمية القصر» (2/ 138- 147) بتحقيق الدكتور سامي مكي العاني، طبع مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع في الكويت. [4] وقد ذكرها ابن خلكان في «وفيات الأعيان» كاملة وهي سبعة وثلاثون بيتا، وعزاها محققه إلى «ديوانه» ص (53) .

أكذا يجازى ودّ كل قرين ... أم هذه شيم الظباء العين قصّوا عليّ حديث من قتل الهوى ... إن التأسّي روح كلّ حزين ولئن كتمتم مشفقين لقد درى ... بمصارع العذريّ والمجنون ومنها: ووراء ذيّاك المقبّل مورد ... حصباؤه من لؤلؤ مكنون إما بيوت النحل بين شفاههم ... منضودة أو حانة الزرجون ومنها: وخشيت من قلبي الفرار إليهم [1] ... حتّى لقد طالبته بضمين ومنها: يا عين مثل قذاك رأية معشر ... عار على دنياهم والدّين لم يشبهوا الإنسان إلّا أنهم ... متكونون من الحما المسنون نجس العيون فإن رأتهم مقلتي ... طهرتها ونزحت ماء جفوني أنا إن هم حسبوا الذخائر دونهم ... وهم إذا عدّوا الفضائل دوني لا يشمت الحسّاد أن مطامعي ... عادت إليّ بصفقة المغبون لا يستدير البدر إلا بعد ما ... أبصرته في الغيم [2] كالعرجون فإذا عميد الملك حلّى ربعه ... ظفرا بفأل الطائر الميمون وهي طويلة طنّانة آخرها: شهدت علاه أن عنصر ذاته ... مسلك وعنصر غيره من طين ولما قام بالمملكة ألب أرسلان أقرّه على حاله وزاد في إكرامه ورتبته، ثم إنه سيّره إلى خوارزم شاه ليخطب له ابنته، فأرجف أعداؤه أنه خطبها لنفسه، وشاع ذلك بين الناس، فبلغ عميد الملك الخبر، فخاف تغيّر قلب

_ [1] في «آ» و «ط» : «عليهم» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» : «في الضيم» وفي «وفيات الأعيان» : «في الضمر» .

مخدمه عليه، فعمد إلى لحيته فحلقها، وإلى مذاكيره فجبّها، فكان ذلك سبب سلامته من ألب أرسلان. وقيل: إن السلطان خصاه، ثم إن ألب أرسلان عزله ونقله إلى مرو الرّوذ وحبسه في داره [1] ، وكان في حجرة تلك الدّار عياله، وكانت له بنت واحدة لا غير، فلما أحسّ بالقتل دخل الحجرة وأخرج كفنه وودع عياله، وأغلق باب الحجرة واغتسل وصلى ركعتين، وأعطى الذي همّ بقتله مائة دينار نيسابورية، وقال: حقي عليك أن تكفّنني في هذا الثوب الذي غسلته بماء زمزم، وقال لجلّاده، قل للوزير نظام الملك: بئس ما فعلت، علّمت الأتراك قتل الوزراء وأصحاب الديوان، ومن حفر مهواة وقع فيها، ومن سنّ [سنّة] [2] سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة [3] ورضي بقضاء الله المحتوم، وقتل يوم الأربعاء سادس عشري ذي الحجة [4] وعمره يومئذ نيف وأربعون سنة. ومن العجائب أنه دفنت مذاكيره بخوارزم، وأريق دمه بمرو الرّوذ، ودفن جسده بقرية كندر [5] ، وجمجمته ودماغه بنيسابور، وحشيت جلده [6] بالتبن، ونقلت إلى كرمان، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر. وكندر: قرية من قرى طريثيث [7] من نواحي نيسابور. انتهى ملخصا.

_ [1] في «آ» و «ط» : «في دار» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] لفظة «سنة» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «وفيات الأعيان» . [3] اقتباس من حديث طويل رواه مسلم رقم (1017) في الزكاة: باب الحثّ على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، والنسائي (5/ 75 و 76) في الزكاة: باب التحريض على الصدقة من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. [4] في «وفيات الأعيان» : «وقتل يوم الأحد سادس عشر ذي الحجة» . [5] انظر «معجم البلدان» (4/ 482) . [6] في «ط» : «جثته» وفي «وفيات الأعيان» : «سوأته» . [7] في «آ» و «ط» : «طرثيث» وهو خطأ والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «معجم البلدان» (4/ 33) .

سنة سبع وخمسين وأربعمائة

سنة سبع وخمسين وأربعمائة فيها دخل السلطان ألب أرسلان إلى ما وراء النهر، فنازل مدينة [1] جند، وجدّه [سلجوق] [2] مدفون بها، [فنزل صاحبها إلى خدمته، فأحسن إليه وأقرّه بها] [2] . وفيها توفي أحمد بن نعيم أبو عثمان النيسابوري الصّوفي. روى «صحيح البخاري» عن محمد بن عمر بن شبّوية [3] ، وروى عن أبي طاهر بن خزيمة، والمخلدي، والكبار، وانتقى عليه البيهقيّ، وتوفي بغزنة في ربيع الأول، وله مائة سنة وزيادة، وقد رحل بنفسه في الحديث سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.

_ [1] لفظة «مدينة» سقط من «ط» . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» (3/ 243) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن شبّة» وهو خطأ، والتّصحيح من «العبر» مصدر المؤلف، وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 86) .

سنة ثمان وخمسين وأربعمائة

سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فيها كما قال ابن الأثير [1] وابن الجوزي [2] والذهبي [3] والسيوطي [4] ولدت بنت لها رأسان، ورقبتان، ووجهان، على بدن واحد ببغداد بباب الأزج وماتت. وفيها كما قال في «الشذور» ظهر كوكب عظيم كبير، له ذؤابة عرضها نحو ثلاثة أذرع، وطوله أذرع كثيرة، ولبث ليال كثيرة، ثم غاب ثم ظهر، وقد اشتد نوره كالقمر، وبقي عشرة أيام، حتّى اضمحل، ووردت كتب التّجار بأنّه في الليلة الأخيرة من طلوع هذا الكوكب، غرقت ستة وعشرون مركبا، وهلك فيها [5] نحو من ثمانية عشر ألف إنسان، وكان من جملة المتاع الذي فيها عشرة آلاف طبلة كافور، وكانت الزلزلة بخراسان، ولبثت أياما، فتصدعت منها الجبال، وخسف بعدة قرى. انتهى. وفيها توفي البيهقي الإمام العلم، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي- بضم الخاء المعجمة، وسكون السين المهملة، وفتح الراء

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 52) [2] انظر «المنتظم» (8/ 240) [3] انظر «العبر» (3/ 244) [4] انظر «تاريخ الخلفاء» ص (420) [5] لفظة «فيها» سقط من «آ» وأثبتها من «ط» .

الأولى، وكسر الجيم، آخره مهملة، نسبة إلى خسروجرد، قرية ببيهق- الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف. قال ابن ناصر الدّين [1] : كان واحد زمانه، وفرد أقرانه، حفظا وإتقانا وثقة، وعمدة، وهو شيخ خراسان، وله «السنن الكبرى» و «الصغرى» و «المعارف» وكتاب «الأسماء والصفات» و «دلائل النبوّة» و «الآداب والدعوات» و «الترغيب والترهيب» و «الزهد» وغير ذلك [2] . انتهى. وقال في «العبر» [3] : توفي في [4] عاشر جمادى الأولى بنيسابور، ونقل تابوته إلى بيهق، وعاش أربعا وسبعين سنة. لزم الحاكم مدة، وأكثر عن أبي الحسن العلوي، وهو أكبر شيوخه، وسمع ببغداد من هلال الحفّار، وبمكّة والكوفة، وبلغت تصانيفه ألف جزء، ونفع الله بها المسلمين شرقا وغربا لأمانة الرجل [5] ، ودينه، وفضله، وإتقانه، فالله يرحمه. انتهى. وقال ابن قاضي شهبة [6] : قال عبد الغافر في «الذّيل» [7] : كان على سيرة العلماء، قانعا من الدنيا باليسير، متجملا في زهد وورعه. وذكر غيره أنّه سرد الصوم ثلاثين سنة. وقال إمام الحرمين: ما من شافعي إلّا وللشافعي عليه منّة إلّا البيهقي، فإن له على الشافعي منّة لتصانيفه في نصرة مذهبه.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (150/ آ) [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» الذي بين يدي: «وغيرها من المصنفات» [3] (3/ 244) [4] لفظة «في» لم ترد في «العبر» [5] في «العبر» : «الإمامة الرجل» [6] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 226- 227) [7] في «آ» و «ط» : «الدلائل» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، وهو «السّياق لتاريخ نيسابور» وقد جعله تكملة لكتاب «تاريخ نيسابور» للحاكم النيسابوري انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 17) والتعليق عليه.

ومن تصانيفه «المبسوط في جمع [1] نصوص الشافعي» وكتاب «الخلاف» وكتاب «دلائل النبوة» وكتاب «البعث والنشور» و «مناقب الشافعي» و «مناقب أحمد» وكتاب «الاعتقاد» مجلد، وغير ذلك من المصنفات الجامعة المفيدة. انتهى ملخصا. وقال ابن خلّكان [2] : وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات، وكان [من] أكثر الناس نصرا لمذهب الشافعي، وطلب إلى نيسابور لنشر العلم، فأجاب، وانتقل إليها. انتهى ملخصا أيضا. وفيها عبد الرزاق بن عمر بن شمة [3] أبو الطيب الأصفهاني التاجر. روى عن ابن المقرئ. وفيها أبو الحسن بن سيده، علي بن إسماعيل المرسي، العلّامة، صاحب «المحكم في اللغة» وكان أعمى ابن أعمى، رأسا في العربية، حجّة في نقلها. قال أبو عمر الطّلمنكي: أتوني بمرسية ليسمعوا مني «غريب المصنف» فقلت: انظروا من يقرأ لكم، فأتوني برجل أعمى هو ابن سيده، فقرأ من حفظه فعجبت [4] . قال ابن خلّكان [5] : كان إماما في اللغة والعربية، حافظا لهما، وقد جمع في ذلك جموعا، من ذلك كتاب «المحكم» في اللغة، وهو كتاب كبير

_ [1] في «آ» و «ط» «في جميع» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 76) ولفظة «من» مستدركة منه. [3] في «آ» و «ط» : «ابن شماسة» وفي «العبر» : «ابن سمة» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» للذهبي (18/ 149) وانظر التعليق عليه. [4] في «العبر» : «فقرأه، فعجبت من حفظه» وفي «الصلة» : «فقرأه عليّ من أوله إلى آخره، فعجبت من حفظه» . [5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 330) .

جامع مشتمل على أنواع اللغة، وله كتاب «المخصص» في اللغة أيضا، وهو كبير، وكتاب «الأنيق في شرح الحماسة» في ست مجلدات، وغير ذلك من المصنفات. وكان ضريرا، وأبوه ضريرا، وكان أبوه أيضا قيّما بعلم اللغة، وعليه أشغل [1] ولده في أول أمره، ثم على أبي العلاء صاعد البغدادي، وقرأ على أبي عمر الطّلمنكي. وتوفي بحضرة دانية [2] عشية يوم الأحد سادس عشري جمادى الآخرة،: وعمره ستون سنة أو نحوها. رأيت على ظهر مجلد [من «المحكم» ] [3] بخطّ بعض فضلاء الأندلس، أن ابن سيده المذكور، كان يوم الجمعة قبل يوم الأحد المذكور صحيحا سويّا إلى وقت صلاة المغرب، فدخل المتوضأ فأخرج منه وقد سقط لسانه وانقطع كلامه، فبقي على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد، ثم توفي رحمه الله. وسيده: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة. والمرسي: بضم الميم وسكون الراء، وبعدها سين مهملة، نسبة إلى مرسية [وهي] مدينة في شرق الأندلس. انتهى ملخصا. وفيها العبّادي القاضي، أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن عبّاد الهروي، شيخ الشافعية، وصاحب التصانيف. تفقه على القاضي أبي منصور الأزدي، وبنيسابور على أبي عمر البسطامي، وكان دقيق النظر، إماما واسع العلم [4] له «المبسوط» و «أدب القاضي»

_ [1] في «ط» و «الوفيات» : «اشتغل» وكلاهما صحيح. انظر «لسان العرب» (شغل) . [2] مدينة بالأندلس من أعمال بلنسية. انظر «معجم البلدان» (2/ 434) . [3] ما بين حاصرتين استدركته من «وفيات الأعيان» . [4] في «العبر» : «وكان إماما دقيق النظر، واسع العلم» .

و «الهادي» وكتاب «المياه» وكتاب «الأطعمة» وكتاب «الزيادات» و «زيادات الزيادات» وكتاب «طبقات الفقهاء» [1] وأخذ عنه أبو سعيد الهروي، وولده أبو الحسن العبّادي، وغيرهما. قال أبو سعد السمعاني [2] : كان إماما ثبتا [3] مناظرا، دقيق النظر، سمع الكثير، وتفقه، وصنّف كتبا في الفقه، مات في شوال. وفيها أبو يعلى بن الفرّاء، شيخ الحنابلة، القاضي، الحبر، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي، صاحب التصانيف، وفقيه العصر. كان إماما لا يدرك قراره، ولا يشقّ غباره، عاش ثماني وسبعين سنة، وحدّث عن أبي [الحسن علي بن عمر] [4] الحربي، والمخلّص، وطبقتهما، وأملى عدّة مجالس، وولي قضاء الحريم، وتوفي في تاسع عشر رمضان، وتفقه على أبي عبد الله بن حامد وغيره، وجميع الطائفة [5] معترفون بفضله ومغترفون من بحره. قاله في «العبر» [6] .

_ [1] وهو من مصادر المؤلف. [2] انظر «الأنساب» (8/ 336- 337) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [3] في «الأنساب» : «مفتيا» . [4] ما بين حاصرتين مستدرك من «الأنساب» (4/ 99) . [5] يعني جميع أتباع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. [6] (3/ 245- 246) .

سنة تسع وخمسين وأربعمائة

سنة تسع وخمسين وأربعمائة في ذي القعدة منها، فرغت المدرسة النظامية، التي أنشأها [الوزير] نظام الملك ببغداد، وقرّر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق [1] واجتمع الناس فلم يحضر، لأنه لقيه صبيّ، فقال: كيف تدرّس في مكان مغصوب؟ [فوسوسه] ، فاختفى فلما أيسوا من حضوره، درّس ابن الصباغ، مصنف «الشامل» فلما وصل الخبر إلى الوزير، أقام القيامة على العميد أبي سعيد، فلم يزل يرفق بأبي إسحاق حتّى درّس بها، ولكنه كان يصلي في غيرها، لعمله أن أكثر آلاتها غصب. وفيها توفي ابن طوق، أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسين الموصلي، الراوي عن نصر المرجي، صاحب أبي يعلى، توفي بالموصل في رمضان، وله سبع وسبعون سنة. وفيها أبو بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي ثم النيسابوري. روى عن أبي الفضل بن خزيمة وطائفة، وتوفي في رمضان، وكان بزازا. وفيها أبو القاسم الحنّائي، صاحب «الأجزاء الحنائيات» الحسين بن محمد بن إبراهيم الدمشقي المعدّل الصالح، وله ثمانون سنة. روى عن عبد الوهاب الكلابي، والحسن بن محمد بن درستويه، وطائفة.

_ [1] يعني الشيرازي صاحب «طبقات الفقهاء» .

وفيها أبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسّر المعتزلي، محمد بن علي بن محمد [بن مهربزد] [1] ، آخر أصحاب ابن المقرئ موتا، له تفسير في عشرين مجلدا، توفي في جمادى الآخرة، وله ثلاث وتسعون سنة. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (18/ 146) . [2] (3/ 247) .

سنة ستين وأربعمائة

سنة ستين وأربعمائة فيها على ما قال ابن الأثير [1] ، وابن الجوزي [2] واللفظ له، كانت زلزلة بفلسطين وغيرها، أهلكت من أهل الرملة خمسة عشر ألفا، ووقعت شرفتان من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وانشقت الأرض عن كنوز من المال، وانشقت صخرة بيت المقدس، ثم عادت فالتأمت، وغار البحر من الساحل مسيرة يوم، وساح في البر، ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون، فرجع عليهم، فأهلك خلقا كثيرا منهم، وبلغت هذه الزلزلة إلى الرحبة والكوفة. وفيها توفي الباطرقاني- بكسر الطاء المهملة وسكون الراء وبالقاف، نسبة إلى باطرقان من قرى أصبهان- أبو بكر أحمد بن الفضل الأصبهاني المقرئ الأستاذ، توفي في صفر عن ثمان وثمانين سنة، وله مصنفات في القراءات، وكان صاحب حديث وحفظ. روى عن أبي عبد الله بن مندة وطبقته. وفيها ابن القطّان، أبو عمر أحمد بن محمد بن عيسى القرطبي المالكي، رئيس المفتين بالأندلس، وله سبعون سنة. روى عن يونس بن عبد الله القاضي وجماعة.

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 57) . [2] انظر «المنتظم» (8/ 248) .

وفيها خديجة بنت محمد بن علي الشّاهجانيّة، الواعظة ببغداد، كتبت بخطها عن جماعة، وتوفيت في المحرم، عن أربع وثمانين سنة. وفيها عائشة بنت الحسن الوركانية [1] الأصبهانية. روت عن أبي عبد الله بن مندة. وفيها عبد الدائم بن الحسين [2] الهلالي الحوراني ثم الدمشقي، آخر أصحاب عبد الوهاب الكلابي، عن ثمانين سنة.

_ [1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الموركانية» والتصحيح من «العبر» (3/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 302) . [2] في «العبر» : «الحسن» .

سنة إحدى وستين وأربعمائة

سنة إحدى وستين وأربعمائة في نصف شعبان منها، احترق جامع دمشق كله من حرب وقع بين الدولة، فضربوا بالنار دارا مجاورة للجامع، فقضي الأمر، واشتد الخطب، وأتى الحريق على سائره، ودثرت محاسنه، وانقضت مدة ملاحته. قاله في «العبر» [1] . وفيها توفي الفوراني، أبو القاسم، عبد الرحمن بن محمد بن فوران- بالضم- المروزي، شيخ الشافعية وتلميذ القفال، وذو التصانيف الكثيرة، وعنه أخذ أبو سعد [2] المتولّي صاحب «التتمة» ، وكان صاحب «النهاية» يحطّ على الفوراني بلا حجة. قال الإسنوي [3] : تفقه القفّال، وبرع حتّى صار شيخ الشافعية [بمرو] ، وصنّف «الإبانة» وهو كتاب معروف كثير الوجود، و «العميد» [4] وهو غريب عزيز الوجود. انتهى ملخصا.

_ [1] (3/ 249) . [2] في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 305) : «أبو سعيد» وهو تحريف، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 133) و «العبر» (3/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 585) . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 255) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [4] كذا في «آ» و «ط» : «العميد» وفي «طبقات الشافعية الكبرى» (5/ 110) : «العمد» وفي «طبقات الشافعية» للإسنوي: «العمدة» .

وفيها عبد الرحيم التميمي بن أحمد البخاري الحافظ، أبو زكريا، ذو الرحلة الواسعة. سمع ببخارى من الحليمي، وبخراسان من أبي يعلى المهلّبي، وبدمشق من تمّام، وبمصر من عبد الغني، وببغداد من أبي عمر بن مهدي. قال ابن ناصر الدّين [1] : كان من الحفّاظ الثقات، والرحّالين الأثبات. انتهى. وعاش تسعا وسبعين سنة. وفيها أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري. روى بمصر ودمشق عن أبي الحسن الحلبي، ومحمد بن أحمد الإخميمي، وطبقتهما، وتوفي في جمادى الأولى بمصر، وله ست وسبعون سنة، ووثّقه الكتّاني وغيره. وفيها مقرئ مصر، أبو الحسين نصر بن عبد العزيز الفارسي الشّيرازي، شيخ ابن الفحّام. قرأ القراءات على السوسنجردي، وابن الحمّامي، وجماعة. وروى الحديث عن أبي الحسين بن بشران، وحدّث عنه روزبه [2] بن موسى.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (150/ آ) . [2] في «آ» و «ط» : «ودوزبة» والتصحيح من «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 422) ..

سنة اثنتين وستين وأربعمائة

سنة اثنتين وستين وأربعمائة فيها كما قال في «الشذور» كانت زلزلة بالرملة، فذهب أكثرها، وعمّ ذلك بيت المقدس، وانخسفت إيلة كلها، وانجفل البحر وقت الزلزلة، حتّى انكشفت أرضه، ثم عاد. انتهى. وفيها كما قال في «العبر» [1] نزلت [2] جيوش الرّوم، فنزلوا على منبج، واستباحوها، وأسرعوا الكرّة، لفرط القحط، أبيع فيهم رطل الخبز بدينار. وفيها أقيمت الخطبة العباسيّة بالحجاز، وقطعت خطبة المصريين لاشتغالهم بما هم فيه من القحط والوباء الذي لم يسمع في الدهور بمثله، وكاد الخراب يستولي على وادي مصر، حتّى إن صاحب «مرآة الزمان» نقل أن امرأة خرجت وبيدها مدّ جوهر، فقالت: من يأخذه بمدّ برّ، فلم يلتفت إليها أحد، فألقته في الطريق، وقالت: هذا ما نفعني وقت الحاجة، فلا أريده، فلم يلتفت أحد إليه. وفيها توفي القاضي حسين [3] بن محمد بن أحمد أبو علي

_ [1] (3/ 250- 251) . [2] في «العبر» : «أقبلت» . [3] في «آ» و «ط» : «الحسين» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .

المرّوذي [1] المرورّوذي، شيخ الشافعية في زمانه، وأحد أصحاب الوجوه، تفقه على أبي بكر القفّال، وهو والشيخ أبو علي أنجب تلامذته. وروى عن أبي نعيم الإسفراييني. قال عبد الغفار: كان فقيه خراسان، وكان عصره تاريخا به. وقال الرافعي في «التذنيب» [2] : إنه كان كبيرا غوّاصا في الدقائق، من الأصحاب الغرّ الميامين، وكان يلقب بحبر الأمة. وقال النووي في «تهذيبه» [3] : وله «التعليق الكبير» [4] وما أجزل فوائده وأكثر فروعه المستفادة، وله «الفتاوى» المشهورة، وكتاب «أسرار الفقه» وغير ذلك، وممّن أخذ عنه أبو سعد [5] المتولي، والبغوي. قال: ويقال: إنّ أبا المعالي تفقه عليه أيضا. ومتى أطلق القاضي في كتب متأخري المراوزة فالمراد المذكور. وقال ابن الأهدل: متى أطلق القاضي في فروع الشافعية فهو هو، وفي كتب أصول أهل السّنّة فهو الباقلاني، وإذا قالوا: القاضيان فهو هو وعبد

_ فائدة: قال الإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 165) : أعلم أنه متى أطلق القاضي في كتب متأخري الخراسانيين كالنهاية، و «التتمة» و «التهذيب» وكتب الغزالي ونحوها، فالمراد القاضي حسين. ومتى أطلق القاضي في كتب متوسط العراقين، فالمراد القاضي أبو حامد المروذي. ومتى أطلق في كتب الأصول لأصحابنا، فالمراد القاضي أبو بكر الباقلاني الإمام المالكي في الفروع. ومتى أطلق في كتب المعتزلة أو كتب أصحابنا الأصوليين حكاية عن المعتزلة، فالمراد به القاضي الجبّائي، والله أعلم. [1] في «آ» و «ط» : «المروزي» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (18/ 261) وانظر التعليق عليه. [2] واسمه الكامل «التذنيب في الفروع» . انظر «كشف الظنون» (1/ 394) . [3] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 164- 165) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف. [4] في «سير أعلام النبلاء» : «التعليقة الكبرى» . [5] في «آ» و «ط» : «أبو سعيد» والصواب ما أثبته.

الجبّار المعتزلي، وإذا قالوا: الشيخ، فهو أبو الحسن الأشعري، وإذا أطلقه [1] الفقهاء، فهو أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين. انتهى. وفيها أبو غالب بن بشران الواسطي، صاحب اللغة، محمد بن أحمد بن سهل المعدّل الحنفي، ويعرف بابن الخالة، وله اثنتان وثمانون سنة. ولم يكن بالعراق أعلم منه باللغة. روى عن أحمد بن عبيد بن بيري وطبقته. وفيها شعبة النّسفي الحافظ، أبو اللّيث، أحمد بن جعفر بن مدني بن عيسى بن عدنان بن محمود النّسفي الكائني، الملقب شعبة، ختن الإمام جعفر المستغفري، وهو الذي بشعبة لقّبة، لما رأى من حذقه وحفظه وأعجبه. سمع وهو شاب بسمرقند الكثير، وحدّث بها وهو شيخ كبير، وذكره في حفّاظ سمرقند أبو حفص النسفي في كتابه «القند» [2] . قاله ابن ناصر الدّين [3] . وفيها أبو عبد الله محمد بن عتّاب الجذامي مولاهم المالكي، مفتي قرطبة وعالمها ومحدّثها وورعها، توفي في صفر ومشى في جنازته المعتمد بن عبّاد [4] ، وله تسع وسبعون سنة. روى عن أبي المطرّف القنازعي، وخلق.

_ [1] في «ط» : «أطلقته» . [2] واسمه الكامل «القند في تاريخ سمرقند» وهو لأبي حفص نجم الدّين عمر بن محمد النسفي السمرقندي المتوفى سنة (537) هـ-. انظر «كشف الظنون» (2/ 1356) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (150) آ- 150 ب) . [4] في «آ» و «ط» : «أحمد بن عبّاد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 252) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 330) .

سنة ثلاث وستين وأربعمائة

سنة ثلاث وستين وأربعمائة فيها كما قال ابن الأهدل، خرج أرمانوس الرّومي في مائتي ألف فارس من الرّوم، والفرنج، والكزج- بالزّاي والجيم-[1] وأرسل إليه السلطان ألب أرسلان يريد المهادنة، فأبى، فاستعد للشهادة، وعهد إلى ولده ملكشاه، ثم حمل عليهم في خمسة عشر ألف فارس، فأعطاه الله النصر، وقتل ما لا يحصى، وأسير كثيرا، وجيء بملكهم إلى بين يديه، فضربه بيده، ثم فاداه يألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وبكل أسير معهم من المسلمين، ولما أطلقه خلع عليه وهادنه خمسين سنة وزوّده عشرة آلاف دينار، انتهى. وفيها توفي أبو حامد الأزهري، أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الأزهر النيسابوري الشّروطي [2] الثقة. روى عن [أبي] محمد المخلدي، وجماعة، ومات في رجب عن تسع وثمانين سنة، وآخر أصحابه وجيه [3] . وفيها أبو بكر الخطيب، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب التآليف المنتشرة في

_ [1] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله، وهو وهم منه، والصواب: «الكرج» بالراء وهم جيل من الناس نصارى كانوا يسكنون في جبال القبق: وانظر «معجم البلدان» (4/ 446) و «العبر» (3/ 253) و «مرآة الجنان» (3/ 86) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 254- 255) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [3] يعني وجيه بن طاهر الشحامي المتوفى سنة (542) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد السادس إن شاء الله تعالى.

الإسلام. ولد في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وسمع أوّل سنة ثلاث وأربعمائة، وتفقه في مذهب الشافعي على القاضي أبي الطّيب الطبري، وأبي الحسن المحاملي، وغيرهما، وروى عن أبي عمر بن مهدي، وابن الصّلت الأهوازي، وطبقتهما. قال ابن ماكولا: كان أحد الأعيان ممّن شاهدناه، معرفة، وحفظا، وإثباتا، وضبطا لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتفنّنا في علله وأسانيده، وعلما بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره [ومطروحة] [1] . قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله. وقال ابن السمعاني [2] : كان مهيبا، وقورا، ثقة، متحريا، حجّة، حسن الخط [3] ، كثير الضبط، فصيحا، ختم به الحفّاظ. وقال غيره: كان يتلو في كل يوم وليلة ختمة، وكان حسن القراءة، جهوري الصوت، وله «تاريخ بغداد» الذي لم يصنّف مثله. وقال ابن الأهدل: تصانيفه قريب من مائة مصنّف في اللغة، وبرع فيه، ثم غلب عليه الحديث والتاريخ، وكان الشيخ أبو إسحاق [4] يراجعه في الحديث، ويعمل بقوله، وحمل نعشه يوم مات، وكان أبو بكر بن أزهر الصوفي قد أعدّ لنفسه قبرا إلى جانب قبر بشر الحافي، وكان يبيت فيه في الأسبوع مرّة ويقرأ فيه القرآن كله، وكان الخطيب قد أوصى أن يدفن إلى جانب بشر الحافي، فسأل المحدّثون ابن أزهر أن يؤثرهم بقبره للخطيب، فامتنع، فألحّ عليه الشيخ أبو سعيد الصوفي، فسمح، فدفن فيه الخطيب، وكان قد تصدّق بجميع ماله،

_ [1] زيادة من «سير أعلام النبلاء» (18/ 275) وانظر التعليق عليه. [2] نقل المؤلف هذا الخبر عن «الذيل» للسمعاني كما هو مبين في «سير أعلام النبلاء» (18/ 277) . [3] في «آ» : «حسن الحفظ» وما جاء في «ط» موافق لما عند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» . [4] يعني الشيرازي.

وهو مائتا دينار على العلماء والفقراء، وأوصى أن يتصدّق بثيابه، ووقف كتبه على المسلمين، ولم يكن له عقب. انتهى. وفيها ابن زيدون، شاعر الأندلس، أبو الوليد، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي، الشاعر المشهور. قال ابن بسام صاحب «الذخيرة» [1] في حقه: كان أبو الوليد غاية [2] منثور ومنظوم، وخاتمة شعراء بني مخزوم، أحد من جرّ الأيام جرّا، وفات الأنام طرّا، وصرّف السلطان نفعا وضرّا، ووسع البيان نظما ونثرا، إلى أدب ليس للبحر تدفقه، ولا للبدر تألّقه، وشعر ليس للسحر بيانه، ولا للنجوم الزهر اقترانه. وحظ [3] من النثر، غريب المباني، شعري الألفاظ والمعاني. وكان من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة، وبرع [4] أدبه، وجاد شعره، وعلا شأنه، وانطلق لسانه. ثم انتقل من قرطبة إلى المعتمد بن عبّاد صاحب إشبيلية سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، فجعله من خواصه، يجالسه في خلواته، ويركن إلى إشاراته، وكان معه في صورة وزير، وذكر له شيئا كثيرا من الرسائل والنظم فمن ذلك قوله: بيني وبينك ما لو شئت لم يضع ... سرّ إذا ذاعت الأسرار لم يذع يا بائعا حظّه مني ولو بذلت ... لي الحياة بحظي منه لم أبع يكفيك أنّك إن حمّلت قلبي ما ... لا تستطيع قلوب الناس يستطع ته أحتمل واستطل أصبر وعزّ أهن ... وولّ أقبل وقل أسمع ومر أطع

_ [1] انظر المجلد الأول من القسم الأول ص (336- 433) . [2] في «الذخيرة» : «صاحب» وعلق محقّقه الأستاذ الدكتور إسحان عبّاس بقوله: في «ب س» : «غاية» . [3] في «آ» و «ط» : «وخط» والتصحيح من «الذخيرة» . [4] في «الذخيرة» : «وفرّع» .

ومن شعره: ودّع الصبر محبّ ودّعك ... ذائع من سرّه ما استودعك يقرع السّنّ على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطا إذا شيّعك يا أخا البدر سناء وسنا ... حفظ الله زمانا أطلعك إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بتّ أشكو قصر الليل معك وله القصائد الطنّانة ومن بديع قصائده القصيدة النونية التي منها: نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا حالت لبعدكم أيامنا فغدت ... سودا وكانت بكم بيضا ليالينا بالأمس كنّا ولا نخشى تفرقنا ... واليوم نحن وما يرجى تلاقينا وهي طويلة كل أبياتها نخب. وله في ولّادة «الرسالة الطنانة» وكذا «الرسالة الجهورية» وشرح كلّ من رسالتيه هاتين. وما جراياته مع ابن جهور لما حبسه وفرّ منه بعد أن استعطفه بكل ممكن فلم يطلقه، مشهورة فلا نطيل بها. وفيها أبو علي حسّان بن سعيد المنيعي- نسبة إلى منيع جدّ- كان حسّان هذا رئيس مرو الرّوذ الذي عمّ خراسان ببرّه وإفضاله، وأنشأ الجامع المنيعي، وكان يكسي في العام نحو ألف نفس، وكان أعظم من وزير، رحمه الله. روى عن أبي طاهر بن محمش وجماعة، وكان خطيب جامعه إمام الحرمين، وأصل ماله من التجارة، حتّى قال السلطان: في مملكتي من لا يخافني، وإنما يخاف الله عزّ وجل، يعنيه، وكان على قدم من الجدّ والاجتهاد والمعرفة. روى عنه البغوي وجماعة. قال الإسنائي: هو من ذريّة خالد بن الوليد رضي الله عنه.

وفيها أبو عمر المليحي- بالفتح والتحتية، نسبة إلى مليح بلد بمصر- عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم الهروي المحدّث. راوي «الصحيح» عن النّعيمي في جمادى الآخرة، وله ست وتسعون سنة. سمع بنيسابور من المخلدي، وأبي الحسين الخفّاف، وجماعة، وكان [ثقة] صالحا، أكثر عنه محيي السّنّة [1] . وفيها كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم، أمّ الكرام المروزيّة، المجاورة بمكّة. روت «الصحيح» عن الكشميهني، وروت عن زاهر السرخسي، وكانت تضبط كتابها وتقابل بنسخها. لها فهم ونباهة، وما تزوجت قطّ، وقيل: إنها بلغت المائة. قاله في «العبر» [2] . وعدّها ابن الأهدل من الحفّاظ. وفيها أبو الغنائم بن الدّجاجي، محمد بن علي البغدادي. روى عن علي بن عمر الحربي، وابن معروف، وجماعة. توفي في شعبان، وله ثلاث وثمانون سنة. وفيها أبو علي محمد بن وشاح الزّينبي. روى عن أبي حفص بن شاهين، وجماعة. قال الخطيب: كان معتزليا. وقال في «العبر» [3] : توفي في رجب. وفيها العلّامة العلم الحافظ، أبو عمر بن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البرّ بن عاصم النّمري القرطبي، أحد الأعلام،

_ [1] يعني الإمام البغوي صاحب «شرح السّنّة» المطبوع في المكتب الإسلامي بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى. [2] انظر «العبر» (3/ 256) . [3] (3/ 257) .

وصاحب التصانيف، توفي في سلخ ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة وخمسة أيام. روى عن سعيد بن نصر، وعبد الله بن أسد، وابن ضيفون [1] ، وأجاز له من مصر، أبو الفتح بن سيبخت الذي يروي عن أبي القاسم البغوي، وليس لأهل المغرب أحفظ منه، مع الثقة، والدّين، والنزاهة، والتبحّر في الفقه، والعربية، والأخبار. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما. روى بقرطبة عن أبي القاسم خلف بن القاسم الحافظ، وأبي عمر الباجي، وأبي عمر الطّلمنكي وأضعافهم، وكتب إليه من أهل المشرق أبو القاسم السقطي المكّي، وعبد الغني بن سعيد الحافظ، وأبو ذر الهروي، وغيرهم. قال القاضي [أبو] علي بن سكّرة [4] : سمعت شيخنا القاضي أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البرّ في الحديث. قال الباجي أيضا: أبو عمر أحفظ أهل المغرب. وقال أبو علي الحسين الغسّاني الأندلسي: ابن عبد البرّ شيخنا من أهل قرطبة، بها طلب العلم وتفقّه [5] ، ولزم أبا عمر أحمد [6] بن عبد الملك الفقيه الإشبيلي، وكتب بين يديه، ولزم أبا الوليد بن الفرضي الحافظ، وعنه أخذ كثيرا من علم الحديث، ودأب في طلب العلم، وتفنن [7] فيه، وبرع

_ [1] في «آ» : «وابن صفوان» وفي «ط» : «وابن صيفون» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 154) . [2] (3/ 257) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 66- 71) . [4] في «آ» و «ط» : «علي بن سكرة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» : «بها طلب الفقه» . [6] في «وفيات الأعيان» : «ولزم أبا عمر وأحمد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [7] في «وفيات الأعيان» : «وافتنّ» .

براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس، وألّف في «الموطأ» كتبا مفيدة، منها كتاب «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» ورتب أسماء [1] شيوخ مالك على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله، وهو سبعون جزءا. قال أبو محمد بن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه؟ ثم وضع كتاب «الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من المعاني والآثار» شرح فيه «الموطأ» على وجهه، ونسق أبوابه، وجمع في أسماء الصحابة رضي الله عنهم كتابا جليلا مفيدا سمّاه «الاستيعاب» وله كتاب «جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله» [2] وكتاب «الدّرر في اختصار المغازي والسّير» [3] وكتاب «العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم» وكتاب صغير في قبائل العرب وأنسابهم [4] وغير ذلك، وكان موفقا في التأليف، معانا عليه، ونفع الله به، وكان مع تقدمه في علم الأثر، وبصره في الفقه ومعاني الحديث، له بسطة كبيرة في علم النسب. وفارق قرطبة، وجال في غرب الأندلس، وسكن دانية من بلادها، وبلنسية، وشاطبة، في أوقات مختلفة. وتولى قضاء الأشبونة [5] ، وشنترين في

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «ورتبه على أسماء» . [2] وهو مطبوع، وقد قام الشيخ أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي الأزهري المتوفي سنة (1320 هـ-) باختصاره إلى مقدار النصف، وعلّق عليه تعليقات مفيدة، وطبع سنة (1320) هـ- وهو من المختصرات التي تستحق النشر من جديد في طبعة حديثة محققة، ولعلّي أفعل ذلك مستقبلا إن شاء الله تعالى. [3] وقد طبع في دمشق بعناية الأستاذ الدكتور مصطفى البغا حفظه الله تعالى ونفع به، وطبع أيضا في القاهرة وبيروت. [4] وقد طبع في القاهرة سنة (1350) هـ- باسم «القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم» . [5] في «آ» و «ط» : «الأشبون» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «معجم البلدان» (1/ 195) .

أيام ملكها المظفر بن الأفطس، وصنّف كتاب «بهجة المجالس وأنس المجالس» في ثلاثة أسفار، جمع فيه أشياء مستحسنة تصلح للمذاكرة والمحاضرة [1] . انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وذكر ابن عبد البرّ المذكور والده أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد البرّ، وأنه توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمانين وثلاثمائة رحمه الله. وكان ولده أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أهل الأدب البارع والبلاغة، وله رسائل وشعر، فمن شعره: لا تكثرنّ تأملا ... واحبس عليك عنان طرفك فلربما أرسلته ... فرماك في ميدان حتفك قيل: إنه مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة [2] .

_ [1] وهو مطبوع طبعة متقنة مفهرسة بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد مرسي الخولي رحمه الله تعالى، وقد صدرت طبعة مصوّرة عنها حديثا عن دار الكتب العلمية ببيروت. [2] قلت: وما جاء من كلام عن والده وولده نقله المؤلف عن «وفيات الأعيان» (7/ 71- 72) .

سنة أربع وستين وأربعمائة

سنة أربع وستين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسن جابر بن ياسين البغدادي الحنّائي. روى عن أبي حفص الكتّاني، والمخلّص. وفيها المعتضد بالله، أبو عمرو عبّاد بن القاضي محمد بن إسماعيل بن عبّاد اللّخمي، صاحب إشبيلية، ولي بعد أبيه، وكان شهما مهيبا صارما، داهية [1] مقداما، جرس على سنن أبيه، ثم تلقب بأمير المؤمنين، وقتل جماعة صبرا، وصادر آخرين، ودانت له الملوك. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : قال أبو الحسن علي بن بسام صاحب «الذخيرة» في حقه: ثم أفضى الأمر بعد محمد القاضي إلى عبّاد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتسمى أولا بفخر الدولة، ثم بالمعتضد، قطب رحى الفتنة، ومنتهى غاية المحنة، [ناهيك] [4] من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا سلم منه قريب ولا بعيد، جبار أبرم الأمر وهو متناقض، وأسد فرس الطلا،

_ [1] في «آ» و «ط» : «ذا هيبة» والتصحيح من «العبر» . [2] (3/ 258) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 23- 24) . [4] لفظة «ناهيك» لم ترد في «آ» و «وفيات الأعيان» وأثبتها من «ط» .

وهو رابض، متهور [1] يتحاماه الدّهاة، وجبّار [2] لا تأمنه الكماة، متعسّف اهتدى، ومنبت قطع فما أبقى [ثار والناس حرب] ، ضبط شأنه بين قائم وقاعد، حتّى طالبت يده واتسع بلده وكثر عديده، وعدده، وكان قد أوتي أيضا من جمال الصورة، وتمام الخلقة، وفخامة الهيئة، وسباطة البنان، وثقوب الذهن، وحضور الخاطر، وصدق الحدس [3] ، ما فاق على نظرائه، ونظر مع ذلك في الأدب قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان، وأدنى نظر بأذكى طبع، حصل [منه] لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمّد لها ولا إمعان في غمارها ولا إكثار من مطالعتها، ولا منافسة في اقتناء صحائفها، أعطته سجيته على ذلك ما شاء من تحبير الكلام، وقرض قطعا من العشر [ذات طلاوة] وهي في معان أمدّته فيها الطبيعة، وبلغ فيها الإرادة، واكتتبها الأدباء للبراعة، جمع هذه الخلال الظاهرة إلى جود كفّ، بارى السحاب بها. وأخبار المعتضد في جميع أنحائه وضروب أفعاله [4] [غريبة] بديعة. وكان ذا كلف بالنساء فاستوسع في اتخاذهنّ، وخلّط في أجناسهنّ [5] ، فانتهى في ذلك إلى مدّى لم يبلغه أحد من نظرائه، ففشا نسله لتوسعته في النكاح وقوته عليه، فذكر أنّه كان له من الولد نحو العشرين ذكورا، ومن الإناث مثلهم، وأورده له عدة مقاطيع فمن ذلك قوله: شربنا وجفن اللّيل يغسل كحله ... بماء صباح والنسيم رقيق معتّقة كالتبر أما نجارها [6] ... فضخم وأما جسمها فدقيق

_ [1] في «آ» و «ط» : «مشهور» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «جبان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «وصدق الحس» . [4] في «وفيات الأعيان» : «في جميع أفعاله وضروب أنحائه» . [5] في «وفيات الأعيان» : «في جنوسهنّ» . [6] في «آ» و «ط» : «بخارها» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «الذخيرة» في محاسن أهل الجزيرة» القسم الثاني المجلد الأول ص (31) .

ولولده المعتمد فيه من جملة أبيات: سميدع يهب الآلاف مبتدئا ... ويستقلّ عطاياه ومعتذر له يد كلّ جبّار يقبّلها ... لولا نداها لقلنا إنها الحجر ولم يزل في عزّ سلطانه واغتنام مساره، حتّى أصابته علّة الذبحة، فلم تطل مدتها، ولما أحسّ بتداني حمامه، استدعى مغنيا يغنيه ليجعل ما يبدأ به فألا، فأول ما غنى: نطوي الليالي علما أن ستطوينا ... فشعشعيها بماء المزن واسقينا فتطيّر من ذلك ولم يعش بعده سوى خمسة أيام، وقيل: إنه ما غنّى منها إلّا خمسة [1] أبيات، وتوفي يوم الاثنين غرّة جمادى الآخرة، ودفن ثاني يوم بمدينة إشبيلية. وقام بالمملكة بعده ولده أبو القاسم محمد. انتهى ملخصا. وفيها ابن حيد [2] أبو منصور بكر بن محمد بن علي بن محمد [3] بن حيد [2] النيسابوري التاجر، ويلقب بالشيخ المؤتمن. روى عن أبي الحسين الخفاف وجماعة وكان ثقة. حدّث بخراسان والعراق، وتوفي في صفر.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «بخمسة» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن حيدر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 252) . [3] في «آ» و «ط» : «بكر بن محمد بن محمد بن علي بن حيدر» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .

سنة خمس وستين وأربعمائة

سنة خمس وستين وأربعمائة فيها كما قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] اشتدّ الغلاء بمصر، حتّى أكلت امرأة رغيفا بألف دينار. انتهى. وفيها قتل أبو شجاع محمد بن جغريبك [2] داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، الملقب عضد الدولة ألب أرسلان، وهو ابن أخي السلطان طغرلبك وتقدم ذكره، واستولى ألب أرسلان على الممالك بعد عمّه طغرلبك وعظمت مملكته، ورهبت سطوته، وفتح من البلاد ما لم يكن لعمّه، مع سعة ملك عمّه، فقصد هذا بلاد الشام، فانتهى إلى مدينة حلب، وصاحبها يومئذ محمود بن نصر بن صالح بن مرداس [3] الكلابي، فحاصره مدة، ثم جرت المصالحة بينهما، فقال ألب أرسلان: لا بدّ له من دوس بساطي، فخرج إليه محمود ذليلا، ومعه أمه، فتلقاهما بالجميل، وخلع عليهما، وأعادهما إلى البلد، ورحل عنهما. قال المأموني في «تاريخه» : قيل: إنه لم يعبر الفرات في قديم الزمان ولا حديثه في الإسلام ملك تركي قبل ألب أرسلان، فإنه أول من عبرها من ملوك التّرك.

_ [1] ص (422) . [2] في «آ» و «ط» : «جعري بك» وهو تحريف والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (18/ 106) ورسمها ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (5/ 69) «جعفري بك» . [3] في «آ» و «ط» : «فارس» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

ولما عاد عزم على قصد بلاد التّرك، وقد كمل عسكره مائتي ألف فارس أو يزيدون فمدّ [1] على جيحون- النهر المشهور- جسرا، وأقام العسكر يعبر عليه شهرا، وعبر هو بنفسه أيضا، ومدّ السماط في بليدة يقال لها فربر، ولتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون، في سادس ربيع الأول من هذه السنة، فأحضر إليه أصحابه مستحفظ القلعة [2] يقال له يوسف الخوارزمي، كان قد ارتكب جريمة في أمر الحصن، فحمل مقيدا، فلما قرب منه أمر أن تضرب له أربعة أوتاد لتشدّ أطرافه الأربعة إليها ويعذبه ثم يقتله، فقال له يوسف: يا مخنث! مثلي يقتل هذه القتلة؟ فاحتدّ السلطان وأخذ القوس والنشابة، وقال: حلّوه من قيوده، فحلّ، فرماه فأخطأه، وكان مدلّا برميه، قلما يخطئ فيه، وكان جالسا على سريره، فنزل فعثر ووقع على وجهه، فبادره يوسف المذكور، وضربه بسكين كانت معه في خاصرته، فوثب عليه فرّاش [3] أرمني، فضربه في رأسه بمرزبة فقتله، فانتقل ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحا وأحضر وزيره نظام الملك، وأوصى به إليه، وجعل ولده ملكشاه أبو شجاع محمد وليّ عهده، ثم توفي يوم السبت عاشر الشهر المذكور، وكانت ولادته سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وكانت مدة مملكته تسع سنين وأشهرا، ونقل إلى مرو، ودفن عند قبر أبيه داود وعمه طغرلبك، ولم يدخل بغداد ولا رآها، مع أنها كانت داخلة في مملكته، وهو الذي بنى على قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه القبة، وبنى ببغداد مدرسة أنفق عليها أموالا عظيمة. وألب أرسلان: بفتح الهمزة وسكون اللام، وبعدها باء موحدة، اسم

_ [1] في «آ» و «ط» : «فمرّ» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «الحصن» . [3] في «آ» و «ط» : «فارس» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

تركي معناه شجاع أسد، فألب، شجاع، وأرسلان أسد. وقال في «العبر» [1] : كان ألب أرسلان في آخر دولته من أعدل الناس، وأحسنهم سيرة، وأرغبهم في الجهاد، وفي نصر الإسلام، وكان أهل سمرقند قد خافوه، وابتهلوا إلى الله، وقرؤوا الختم ليكفيهم أمر ألب أرسلان، فكفوا. انتهى ملخصا. وفيها ابن المأمون، أبو الغنائم، عبد الصمد بن علي بن محمد الهاشمي العبّاسي البغدادي، في شوال، وله تسع وثمانون سنة. سمع جدّه أبا الفضل بن المأمون، والدارقطني، وجماعة. قال أبو سعد السمعاني: كان ثقة نبيلا مهيبا، تعلوه سكينة ووقار، رحمه الله. وفيها أبو القاسم القشيري عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الصّوفي الزاهد، شيخ خراسان، وأستاذ الجماعة، ومصنّف «الرسالة» [2] توفي في ربيع الآخر، وله تسعون سنة. روى عن أبي الحسين الخفّاف، وأبي نعيم، وطائفة. قال أبو سعد السمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه، في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة، رحمه الله. قاله في «العبر» [3] . وقال السخاوي: عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيري أبو القاسم المفسّر المحدّث، الفقيه الشافعي، المتكلم الأصولي، الأديب النحوي، الكاتب الشاعر، الصوفي، لسان عصره، وسيد وقته، سيد لم ير مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين علمي الشريعة.

_ [1] (3/ 260) . [2] المعروفة ب- «الرسالة القشيرية» وهي مطبوعة. [3] (3/ 261) .

والحقيقة، وصنّف «التفسير الكبير» قبل العشر والأربعمائة، وخرج في رفقة إلى الحجّ، فيها الإمام أبو محمد الجويني، وأحمد بن الحسين البيهقي الإمام، وكان أملح خلق الله، وأظرفهم شمائل. ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة في ربيع الأول، وتوفي في صبيحة يوم الأحد قبل طلوع الشمس، سادس عشر ربيع الآخر، ودفن في المدرسة بجانب شيخه أبي علي الدّقّاق، ولا مسّ أحد ثيابه، ولا كتبه، ولا دخل بيته إلّا بعد سنين، احتراما وتعظيما له. وقال السبكي [1] : ومن تصانيفه «التفسير الكبير» وهو من أجود التفاسير وأوضحها، و «الرسالة» المشهورة المباركة، التي قلّ ما تكون في بيت وينكب و «التّحبير في التّذكير» ، و «أدب الصّوفية» [2] و «لطائف الإشارات» وكتاب «الجواهر» و «عيون الأجوبة في أصول الأسئلة» وكتاب «المناجاة» وكتاب «نكت [3] أولي النّهى» [4] وكتاب «أحكام السّماع» وغير ذلك. ومن شعره: لا تدع خدمة الأكابر واعلم ... أن في عشرة الصّغار الصّغارا وابغ من في يمينه لك يمن ... وترى في اليسار منه اليسارا انتهى ملخصا. وقال ابن خلّكان [5] : توفي أبوه وهو صغير، وقرأ الأدب في صباه،

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (5/ 159) . [2] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «آداب الصوفية» . [3] لفظة «نكت» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» . [4] في «سير أعلام النبلاء» (18/ 230) و «هدية العارفين» (1/ 608) : «المنتهى في نكت أولي النهى» . [5] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 205- 208) .

وكانت له قرية مثقلة الخراج بنواحي أستوا [1] فرأى من الرأي أن يحضر إلى نيسابور يتعلم طرفا من الحساب ليتولى الاستيفاء، ويحمي القرية من الخراج، فحضر نيسابور على هذا العزم، فاتفق حضوره مجلس الشيخ أبي علي الحسين بن علي النيسابوري المعروف بالدقاق، وأقبل عليه وتفرّس فيه النجابة، وجذبه بهمّته، وأشار عليه بالاشتغال بالعلم، فخرج إلى درس أبي بكر محمد بن أبي بكر الطّوسي، وشرع في الفقه حتّى فرغ من تعليقه، ثم اختلف إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وقعد يسمع درسه أياما، فقال له الأستاذ: هذا العلم لا يحصّل بالسماع. ولا بدّ من الضبط بالكتابة، فأعاد عليه جميع ما سمعه في تلك الأيام، فعجب منه، وعرف محلّه، فأكرمه وقال له: ما تحتاج إلى درس، بل يكفيك أن تطالع مصنّفاتي، فقعد وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك، ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر الباقلاني، وهو مع ذلك يحضر مجلس أبي علي الدقاق، وزوّجه ابنته، مع كثرة أقاربها. وبعد وفاة أبي علي سلك مسلك المجاهدة والتجريد، وأخذ في التصنيف. وسمع من جماعة مشاهير الحديث ببغداد والحجاز، وكان له في الفروسية واستعمال السلاح يد بيضاء، وأما مجالس الوعظ والتذكير، فهو إمامها، وعقد لنفسه مجلس الإملاء في الحديث، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. وذكره الباخرزي في كتاب «دمية القصر» [2] فقال: لو قرع الصّخر بسوط [3] تحذيره لذاب، ولو ربط إبليس في مجلسه لتاب.

_ [1] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 175) : أستوا، كورة من نواحي نيسابور، معناه بلسانهم المضحاة والمشرقة، تشتمل على ثلاث وتسعين قرية، وقصبتها خبوشان، وانظر تتمة كلامه فيه. [2] (2/ 246- 248) . [3] في «وفيات الأعيان» : «بصوت» فيصحح فيه.

وذكره الخطيب في «تاريخه» [1] وقال: قدم علينا- يعني إلى بغداد- في سنة ثمان وأربعين [وأربعمائة] ، وحدّث ببغداد، وكتبنا عنه، وكان ثقة، وكان يقصّ، وكان حسن الموعظة، مليح الإشارة، وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعري، والفروع على مذهب الشافعي. ومن شعره: سقى الله وقتا كنت أخلو بوجهكم ... وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك أقمنا زمانا والعيون قريرة ... وأصبحت يوما والجفون سوافك وفي «رسالته» بيتان حسنان وهما: ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة ... فإني من ليلى لها غير ذائق وأكثر شيء نلته من وصالها ... أمانيّ لم تصدق كخطفة بارق وكان ولده [2] أبو نصر عبد الرحيم إماما كبيرا، أشبه أباه في علومه ومجالسه، ثم واظب درس [3] إمام الحرمين أبي المعالي، حتّى حصّل [4] طريقه في المذهب والخلاف، ثم خرج للحجّ [5] ، فوصل إلى بغداد، وعقد بها مجلس وعظ، وحصل له قبول عظيم، وحضر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مجلسه، وأطبق علماء بغداد أنهم لم يروا مثله. وجرى له مع الحنابلة خصام بسبب الاعتقاد، لأنه تعصب للأشاعرة، وانتهى الأمر إلى فتنة، قتل فيها جماعة من الفريقين. وتوفي بنيسابور ضحوة نهار الجمعة سابع عشري جمادى الآخرة، سنة أربع عشرة وخمسمائة، ودفن بالمشهد المعروف بهم.

_ [1] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 83) . [2] في «ط» : «والده» وهو تحريف. [3] في «وفيات الأعيان» : «دروس» . [4] في «آ» و «ط» : «حتى وصل» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 208) . [5] في «ط» : «للجم» وهو تحريف.

والقشيري: بالضم والفتح، نسبة إلى قشير بن كعب، قبيلة كبيرة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها صرّدرّ الشاعر، صاحب «الديوان» أبو منصور علي بن الحسن بن علي بن الفضل الكاتب، الشاعر المشهور، أحد نجباء شعراء عصره. جمع بين جودة السبك وحسن المعنى، وعلى شعره طلاوة [1] رائقة وبهجة فائقة، وله ديوان شعر، وهو صغير، وما ألطف قوله من جملة قصيدة: نسائل عن ثمامات بحزوى ... وبان الرّمل يعلم ما عنينا وقد كشف الغطاء فما نبالي ... أصرّحنا بذكرك أم كنينا ألا لله طيف منك يسعى ... بكاسات الكرى زورا ومينا مطيّته طوال الليل جفني ... فكيف شكا إليك وجى وأينا [2] فأمسينا كأنّا ما افترقنا ... وأصبحنا كأنّا ما التقينا وقوله في الشيب: لم أبك أن رحل الشّباب وإنما ... أبكي لأن يتقارب الميعاد شعر الفتى أوراقه فإذا ذوى ... جفّت على آثاره الأعواد وله في جارية سوداء وهو معنى حسن: علّقتها سوداء مصقولة ... سواد قلبي صفة فيها ما انكسف البدر على تمّه ... ونوره إلّا ليحكيها لأجلها الأزمان أوقاتها ... مؤرخات [3] بلياليها وإنما قيل له صرّدرّ، لأن أباه كان يلقب «صرّبعر» لشحه، فلما نبغ ولده

_ [1] في «آ» و «ط» : «حلاوة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» و «ط» : «وحافينا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» و «ط» : «متزوجات» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 386) .

المذكور، وأجاد في الشعر، قيل له: صرّدرّ. وقد هجاه البيّاضي الشاعر فقال: فقال: لئن لقّب النّاس قدما أباك ... وسمّوه من شحّه صرّبعرا فإنّك تنشر [1] ما صرّه ... عقوقا له وتسمّيه شعرا ولعمري ما أنصف هذا الهاجي، فإن شعره نادر [2] وإنما العدو لا يبالي بما يقول. وكانت وفاته في صفر في قرية بطريق خراسان، وكانت ولادته قبل الأربعمائة. قاله ابن خلّكان [3] . وفيها أبو سعد السّكّري، علي بن موسى بن عبد الله بن عمر النيسابوري السّكّري. كان حافظا مفيدا، من حفّاظ خراسان. قاله ابن ناصر الدّين [4] . وفيها أبو جعفر بن المسلمة، محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن السّلمي البغدادي. كان ثقة نبيلا، عالي الإسناد، كثير السماع، متين الدّيانة. توفي في جمادى الأولى، عن إحدى وتسعين سنة. وهو آخر من روى عن أبي الفضل الزّهري، وأبي محمد بن معروف. وفيها أبو الحسن الآمدي، علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنبلي، ويعرف قديما بالبغدادي. نزل ثغر آمد، وأخذ عن أكابر أصحاب القاضي أبي يعلى. قال ابن عقيل فيه: بلغ من النظر الغاية، وكان له مروءة يحضر عنده

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «تنثر» . [2] في «آ» و «ط» : «بارد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» (3/ 385- 386) . [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (151/ آ) .

الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وأبو الحسن الدامغاني، وكانا فقيهين، فيضيفهما بالأطعمة الحسنة، ويتكلم معهما، إلى أن يمضي من الليل أكثره، وكان هو المتقدم على جميع أصحاب القاضي أبي يعلى. وقال القاضي الحسين [1] وتبعه ابن السمعاني: أحد الفقهاء الفضلاء، والمناظرين الأذكياء. وسمع من أبي القاسم بن بشران، وأبي إسحاق البرمكي، وابن المذهب، وغيرهم. وجلس [2] في حلقة النظر والفتوى بجامع المنصور، في موضع ابن حامد، ولم يزل يدرّس ويفتي ويناظر، إلى أن خرج من بغداد، ولم يحدّث ببغداد بشيء، لأنه خرج منها في فتنة البساسيري في سنة خمسين وأربعمائة، إلى آمد، وسكن بها، واستوطن، ودرّس الفقه، إلى أن مات بها في هذه السنة، والصحيح أنه توفي سنة سبع وستين، أو ثمان وستين، كما جزم به ابن رجب [3] وله كتاب «عمدة الحاضر وكفاية المسافر» وهو كتاب جليل، يقول فيه: ذكر شيخنا ابن أبي موسى، فالظاهر أنه تفقه عليه أيضا. وفيها ابن الغريق الخطيب، أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن محمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق العبّاسي، سيد بني العبّاس في زمانه وشيخهم. مات في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة، وهو آخر من حدّث عن ابن شاهين، والدارقطني، وكان ثقة، نبيلا، صالحا، متبتلا، كان يقال له: راهب بني هاشم، لدينه، وعبادته، وسرده الصوم. وفيها هنّاد بن إبراهيم، أبو المظفر النّسفي، صاحب مناكير

_ [1] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 234) فهو ينقل عنه. [2] في «طبقات الحنابلة» : «وأجلس» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (1/ 9) .

وعجائب. روى عن القاضي أبي عمر الهاشمي، وغنجار، وطبقتهما. وعده ابن ناصر الدّين [1] من الحفّاظ، وقال في حقه: هنّاد بن إبراهيم بن محمد بن نصر أبو المظفر النّسفي القاضي، كان من المحدّثين المكثرين، والحفّاظ المشهورن، لكنه ضعيف مكثر من رواية الموضوعات. وفيها أبو القاسم الهذلي، يوسف بن علي بن جبارة المغربي [2] [المقرئ] المتكلم النحوي، صاحب كتاب «الكامل في القراءات» وكان كثير الترحال حتّى وصل إلى بلاد التّرك في طلب القراءات المشهورة والشاذة.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (151/ آ) . [2] انظر «العبر» (3/ 262) وما بين حاصرتين مستدرك منه، و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 397- 398) .

سنة ست وستين وأربعمائة

سنة ست وستين وأربعمائة فيها كان الغرق الكثير ببغداد، فهلك خلق تحت الردم، وأقيمت الجمعة في الطيّار [1] على ظهر الماء، وكان الموج كالجبال، وبعض المحال غرقت بالكليّة، وبقيت كأن لم تكن، وقيل: إن ارتفاع الماء بلغ ثلاثين ذراعا. وفيها توفي أبو سهل الحفصي، محمد بن أحمد بن عبيد الله المروزي، راوي «الصحيح» عن الكشميهني، كان رجلا عاميّا مباركا. سمع منه نظام الملك، وأكرمه، وأجزل صلته. قاله في «العبر» [2] . وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة [3]- طاهر بن عبد الله أبو الرّبيع الإيلاقي- بالكسر والتحتية نسبة إلى إيلاق، ناحية من بلاد الشّاش- التّركي. قال ابن شهبة: من أصحابنا أصحاب الوجوه، تفقه بمرو على القفّال، وببخارى على الحليمي، وبنيسابور على الزيادي، وأخذ الأصول عن أبي إسحاق الإسفراييني، وتفقه عليه أهل الشّاش، وكان إمام بلاده. وفيها أبو محمد الكتّاني عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي

_ [1] الطيار: نوع من أنواع السفن كان يسير في نهر دجلة آنذاك. انظر حاشية «العبر» (3/ 263) . [2] (3/ 263) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 262) .

الصّوفي الحافظ. روى عن تمّام الرّازي [1] وطبقته، ورحل سنة سبع عشرة وأربعمائة إلى العراق، والجزيرة. قال ابن ماكولا [2] : مكثر متقن. وقال الذهبي [3] : توفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو بكر العطّار، محمد بن إبراهيم بن علي الحافظ الأصبهاني، مستملي الحافظ أبي نعيم. روى عن ابن مروديه، والقاضي أبي عمر الهاشمي، وطبقتهما. قال الدّقاق: كان من الحفّاظ، يملي من حفظه، توفي في صفر. وفيها ابن حيّوس الفقيه أبو المكارم، محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي الفرضي. روى عن خاله أبي نصر الجندي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو بكر يعقوب بن أحمد الصّيرفي النيسابوري المعدّل. روى عن أبي محمد المخلدي والخفّاف، توفي في ربيع الأول.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المرادي» والتصحيح من «العبر» . [2] انظر «الإكمال» (7/ 187) . [3] انظر «العبر» (3/ 263) .

سنة سبع وستين وأربعمائة

سنة سبع وستين وأربعمائة فيها عمل السلطان ملكشاه الرصد، وأنفق عليه أموالا عظيمة. قال السيوطي [1] : فيها جمع نظام الملك المنجمين، وجعلوا النيروز أوّل نقطة من الحمل، وكان قبل ذلك عند دخول [2] الشمس نصف الحوت، وصار ما فعله النظام مبدأ التقاويم. انتهى. وفيها توفي أبو عمر بن الحذّاء محدّث الأندلس، أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي، مولى بني أميّة، حضّه أبوه على الطّلب في صغره، فكتب عن عبد الله بن أسد، وعبد الوارث، وسعيد بن نصر، والكبار، في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وانتهى إليه علو الإسناد بقطره، وتوفي في ربيع الآخر، عن سبع وثمانين سنة. وفيها القائم بأمر الله، أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر العبّاسي، توفي في شعبان، وله ست وسبعون سنة، وبقي في الخلافة أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر، وأمّه أرمنيّة. كان أبيض مليح الوجه مشربا حمرة، ورعا، ديّنا، كثير الصدقة، له علم وفضل، من خير الخلائف [3] ولا سيما بعد عوده إلى الخلافة في نوبة البساسيري، فإنه صار

_ [1] انظر «تاريخ الخلفاء» ص (423- 424) . [2] في «تاريخ الخلفاء» : «عند حلول» . [3] تصحفت في «العبر» إلى «الخلائق» فتصحح فيه.

يكثر الصيام والتهجد، غسّله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى، شيخ الحنابلة، وبويع حفيده المقتدي بأمر الله، عبد الله بن محمد بن القائم. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن الفرات: أول من بايعه الشريف أبو القاسم المرتضى وأنشده: فإما مضى جبل وانقضى ... فمنك لنا جبل قد رسا وإما فجعنا ببدر التّمام ... فقد بقيت منه شمس الضّحى فكم حزن في محل السّرور ... وكم ضحك في خلال البكا وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : ولد القائم في نصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وأمه أم ولد ارمنيّة اسمها بدر الدّجى، وقيل: قطر النّدى. ولي الخلافة بعد موت أبيه سنة اثنتين وعشرين، وكان ولي عهده في الحياة، وهو الذي لقّبه بالقائم بأمر الله. قال ابن الأثير: كان جميلا، مليح الوجه، ورعا، ديّنا، زاهدا، عالما، قوي اليقين بالله، كثير الصدقة والصبر، له عناية بالأدب، ومعرفة حسنة بالكتابة، مؤثرا للعدل والإحسان، وقضاء الحوائج، لا يرى المنع من شيء طلب منه. ولم يزل أمره مستقيما إلى أن قبض عليه في سنة خمسين. وسجنه البساسيري في غاية [3] ، فكتب وهو في السجن قصة وأنفذها إلى مكّة، فعلّقت في الكعبة فيها: إلى الله العظيم من المسكين عبده، اللهمّ إنك

_ [1] (3/ 266) . [2] ص (417- 422) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «عانة» والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» .

العالم بالسرائر، المطّلع على الضمائر، اللهمّ إنك غنيّ بعلمك، واطّلاعك على خلقك، عن إعلامي، هذا عبد قد كفر نعمك وما شكرها، وألغى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك حتّى تعدّى علينا بغيا، وأساء إلينا عتوّا وعدوا. اللهمّ قلّ الناصر، واغترّ الظالم، وأنت المطّلع العالم، والمنصف الحاكم، بك نعتزّ عليه، وإليك نهرب من يديه، فقد تعزز [1] علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز بك، وقد حاكمناه [2] إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك، فاحكم بيننا بالحقّ وأنت خير الحاكمين. ومات القائم ليلة الخميس الثلاث عشر من شعبان، وذلك أنه افتصد [ونام] [3] ، فانحلّ موضع الفصد، وخرج منه دم كثير، فاستيقظ وقد انحلّت قوته، فطلب حفيده ولي عهده عبد الله بن محمد، ووصّاه، ثم توفي. انتهى ملخصا. وفيها أبو الحسن الدّاوودي، جمال الإسلام عبد الرحمن بن محمد بن محمد [4] بن المظفر البوشنجي، شيخ خراسان، علما، وفضلا، وجلالة، وسندا. روى الكثير عن أبي محمد بن حمّويه وهو آخر من حدّث عنه، وتفقّه على القفّال المروزي، وأبي الطيب الصّعلوكي، وأبي حامد الإسفراييني. توفي في شوّال، وله أربع وتسعون سنة، وصحب أبا علي الدقاق، وأبا عبد الرحمن السّلمي، ثم استقر ببوشنج للتصنيف، والتدريس، والفتوى، والتذكير، وصار وجه مشايخ خراسان. بقي أربعين سنة لا يأكل

_ [1] تصحفت في «ط» إلى «تعزر» . [2] في «آ» و «ط» : «قد حاكمنا» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» [3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الخلفاء» و [4] قوله «ابن محمد» الثاني لم يرد في معظم المصادر التي بين يدي. انظر «الأنساب» (5/ 63) و «المنتظم» (8/ 296) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 223) .

اللّحم لمّا نهب التّركمان تلك الناحية، وبقي يأكل السمك، فحكي له أن بعض الأمراء أكل على حافة النهر الذي يصاد منه السمك ونفض في النهر ما فضل، فلم يأكل السمك بعد ذلك. ومن شعره: كان في الاجتماع من قبل نور ... فمضى النّور وادلهمّ الظّلام فسد النّاس والزّمان جميعا ... فعلى النّاس والزّمان السّلام وفيها أبو الحسن الباخرزي، الرئيس الأديب، علي بن الحسن بن أبي الطيب، مؤلف كتاب «دمية القصر» [1] كان رأسا في الكتابة، والإنشاء، والعشر، والفضل، والحائز القصب في نظمه ونثره، وكان في شبابه مشتغلا بالفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، واختصّ بملازمة درس أبي محمد الجويني، ثم شرع في فنّ الكتابة، واختلف إلى ديوان الرسائل، فارتفعت به الأحوال وانخفضت، ورأى من الدهر العجائب سفرا وحضرا، وغلب أدبه على فقهه، فاشتهر بالأدب وعمل الشعر، وسمع الحديث، وصنّف كتاب «دمية القصر وعصرة أهل العصر» وهو ذيل «يتيمة الدّهر» للثعالبي، وجمع فيها خلقا كثيرا. وقد وضع على هذا الكتاب أبو الحسن علي بن زيد كتابا سمّاه «وشاح الدّمية» وهو كالذيل لها، وكالذي سمّاه السمعاني «الذيل» . وللباخرزي ديوان شعر مجلد كبير، والغالب عليه الجودة، فمن معانيه الغريبة قوله: وإني لأشكو لسع أصداغك التي ... عقاربها في وجنتيك تحوم

_ [1] واسمه الكامل «دمية القصر وعصرة أهل العصر» كما سيذكره المؤلف بعد قليل، وقد طبع عدة مرات ولأبي سعد بن علي الخطيري المعروف ب (دلّال الكتب) ذيل عليه سماه «زينة الدّهر» .

وأبكي لدرّ الثغر منك ولي أب ... فكيف يديم الضّحك وهو يتيم وقوله في شدة البرد: كم مؤمن قرصته أظفار الشتا ... فغدا لسكّان الجحيم حسودا وترى طيور الماء في وكناتها ... تختار حر النّار والسّفّودا [1] وإذا رميت بفضل كأسك في الهوى ... عادت عليك من العقيق عقودا يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرّق لنا عودا وحرّك عودا وقوله من جملة أبيات: يا فالق الصّبح من لآلاء غرّته ... وجاعل اللّيل من أصداغه سكنا بصورة الوثن استعبدتني وبها ... فتنتني وقديما هجت لي شجنا لا غرو إن أحرقت نار الهوى كبدي ... فالنّار حقّ على من يعبد الوثنا وقتل الباخرزي في الأندلس، وذهب دمه هدرا. وباخرز: بالباء الموحدة، وفتح الخاء المعجمة، وبعد الراء زاي، ناحية من نواحي نيسابور، تشتمل على قرى ومزارع، خرج منها جماعة من الفضلاء. وفيها أبو الحسن بن صصرى [2] علي بن الحسين [3] بن أحمد بن محمد التغلبي الدمشقي المعدّل. روى عن تمّام الرّازي وجماعة، وتوفي في المحرم. وفيها أبو بكر الخيّاط مقرئ العراق، محمد بن علي بن محمد بن موسى الحنبلي، الرجل الصالح. سمع من إسماعيل بن الحسن الصّرصري، وأبي الحسن المحبّر [4] ، وقرأ على ابن أبي أحمد الفرضي، وأبي الحسين السّوسنجردي وجماعة.

_ [1] جاء في «مختار الصحاح» (سفد) : السّفود بوزن التّنّور، الحديدة التي يشوى بها اللّحم. [2] تحرّفت في «آ» إلى «حصري» وانظر «العبر» (3/ 67) و «النجوم الزاهرة» (5/ 100) . [3] في «العبر» : «علي بن الحسن» . (ع) . [4] في العبر: المجبر.

قال ابن الجوزي [1] : ما يوجد في عصره في القراءات مثله، وكان ثقة صالحا. وقال المؤتمن السّاجي: كان شيخا، ثقة في الحديث والقراءة، صالحا، صبورا على الفقر. وقال أبو ياسر [2] البرداني: كان من البكّائين عند الذكر [قد] أثّرت الدّموع في خدّيه. وقال ابن النجار: كان شيخ القراء في وقته مفردا بروايات، وكان عالما ورعا ديّنا [3] . وذكره الذهبي في «طبقات القراء» فقال: كان كبير القدر، عديم النظير، بصيرا بالقراءات [4] ، صالحا، عابدا، ورعا، ناسكا، بكّاء، قانتا، خشن العيش، فقيرا، متعففا، ثقة، فقيها، على مذهب أحمد، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الكرم الشّهرزري. وقال ابن الجوزي: توفي ليلة الخميس، ثالث جمادى الأولى، سنة ثمان وستين. وفيها محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الأمير عزّ الدولة [5] الكلابي، صاحب حلب، ملكها عشرة أعوام، وكان شجاعا، فارسا، جوادا، ممدّحا، يداري المصريين والعبّاسيين، لتوسط داره بينهما، وولي بعده ابنه نصر، فقلته بعض الأتراك بعد سنة.

_ [1] عبارة «المنتظم» (8/ 297) : «وتوحد في عصره في القراءات» . [2] في «سير أعلام النبلاء» (18/ 436) : «ابن ياسر» وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] في «ط» : «متدينا» . [4] في «ط» : «بالقرآن» . [5] في «آ» : «ابن الأمير عزّ الدولة» وهو خطأ وأثبت ما في «ط» وانظر «العبر» (3/ 268) و «سير» أعلام النبلاء» (18/ 358) .

سنة ثمان وستين وأربعمائة

سنة ثمان وستين وأربعمائة فيها توفي أبو علي غلام الهرّاس، مقرئ واسط، الحسن بن القاسم الواسطي، ويعرف أيضا بإمام الحرمين. كان أحد من عني بالقراءات، ورحل فيها إلى البلاد، وصنّف فيها. قرأ على أبي الحسين [1] السّوسنجردي، والحمامي، وطبقتهما، ورحل القرّاء إليه من الآفاق، وفيه لين. قاله في «العبر» . وفيها عبد الجبّار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة، أبو الفتح الرازي، الواعظ، الجوهري، التاجر. روى عن علي بن محمد القصّار وطائفة، وعاش تسعين سنة، وآخر من حدّث عنه إسماعيل الحمّامي. وفيها أبو نصر التّاجر، عبد الرحمن بن علي النيسابوري المزكّي [2] . روى عن يحيى بن إسماعيل الحربي النيسابوري، وجماعة. وفيها أبو الحسن الواحدي المفسّر، علي بن أحمد النيسابوري،

_ [1] في «آ» و «ط» : و «الأنساب» (7/ 189) و «على أبي الحسن» وهو خطأ، وتحرّف كذلك في حاشية المحققين على «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 428) طبع مؤسسة الرسالة، وجاء على الصواب في أول هذا المجلد من ترجمته ص (11) وفي «العبر» (3/ 80) و «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 363) . [2] قال السمعاني في «الأنساب» (11/ 278) : المزكّي: هذا اسم لمن يزكّي الشهود ويبحث عن حالهم، ويبلغ القاضي حالهم.

تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحمد من برع في العلم، وكان شافعي المذهب. روى في كتبه عن ابن محمش، وأبي بكر الحيري، وطائفة، وكان رأسا في اللغة والعربية. [توفي في جمادى الآخرة، وكان من أبناء السبعين.] قال ابن قاضي شهبة [1] : كان فقيها إماما في النحو واللغة] [2] وغيرهما، شاعرا، وأما التفسير، فهو إمام عصره فيه. أخذ التفسير عن أبي إسحاق الثعلبي، واللغة عن أبي الفضل العروضي صاحب أبي منصور الأزهري، والنحو عن أبي الحسن القهندزي- بضم القاف والهاء وسكون النون، وفي آخره زاي- الضرير. صنّف الواحدي «البسيط» في نحو ستة عشر مجلدا، والوسيط في أربع مجلدات، و «الوجيز» [3] ومنه أخذ الغزّالي هذه الأسماء. و «أسباب النزول» وكتاب «نفي التحريف عن القرآن الشريف» وكتاب «الدعوات» وكتاب «تفسير أسماء النّبيّ صلى الله عليه وسلّم» [4] وكتاب «والمغازي» وكتاب «الإغراب في الإعراب» و «شرح ديوان المتنبي» . وأصله من ساوة، من أولاد التجار، وولد بنيسابور ومات بها بعد مرض طويل في جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين. ونقل عنه في «الروضة» في مواضع من كتاب السير، في الكلام على السلام [5] . وفيها ابن عليّك، أبو القاسم، علي بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري. روى عن أبي نعيم الإسفراييني وجماعة.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 277- 279) وقد تصحفت «القهنذزي» فيه إلى «القهندري» فتصحح وانظر «الأنساب» (11/ 274) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [3] وقد حصلت على نسختين خطيتين نفيستين منه وسوف أشرع بتحقيقه قريبا إن شاء الله تعالى، راجيا من الله العون والتوفيق والسّداد. [4] في «سير أعلام النبلاء» (18/ 341) : «تفسير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم» فتستدرك لفظه «أسماء» فيه. [5] في «آ» و «ط» : «على الإسلام» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

وقال ابن نقطة: حدّث عن أبي الحسين الخفّاف، ومات في رجب بتفليس. وفيها أبو بكر الصّفّار محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس النيسابوري الشافعي، أحد الكبار المتقنين، تفقه على أبي محمد الجويني، وجلس بعده في حلقته، وروى عن أبي نعيم الإسفراييني وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر. قال الإسنوي [1] : وهو جدّ الفقهاء المعروفين في نيسابور بالصّفّارين. كان إماما فاضلا ديّنا خيّرا، سليم الجانب، محمود الطريقة، مكثرا من الحديث والإملاء، حسن الاعتقاد والخلق، بهي المنظر، متجملا، مع قلة ذات اليد، وكان من أبناء المشايخ والبيوتات والمياسير. انتهى. وفيها علي بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن جدّا، أبو الحسن العكبري. ذكره ابن شافع [2] في «تاريخ» فقال: هو الشيخ الزاهد الفقيه، الأمّار بالمعروف، والنّهاء عن المنكر. سمع أبا علي بن شاذان، والبرقاني، وأبا القاسم الخرقي، وابن بشران، وغيرهم. وكان فاضلا، خيّرا، ثقة، صيّنا، شديدا في السّنّة، على مذهب أحمد. وقال القاضي [3] الحسين وابن السمعاني: كان شيخا، صالحا، ديّنا، كثير الصلاة، حسن التلاوة للقرآن [4] ذا لسن وفصاحة في المجالس والمحافل، وله في ذلك كلام منثور وتصنيف مذكور مشهور.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 139) . [2] هو أحمد بن صالح بن شافع الجيلي، المتوفى سنة (565) هـ- وسوف تردد بترجمته في المجلد السادس إن شاء الله تعالى. [3] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 234- 235) فهو ينقل عنه لكن وهم في اسمه. [4] في «آ» : «للقراءة» وأثبت لفظ «ط» و «طبقات الحنابلة» .

وفيها أبو القاسم المهرواني، يوسف بن محمد الهمذاني [1] الصوفي، العبد الصالح، الذي خرّج له الخطيب خمسة أجزاء. روى عن أبي أحمد الفرضي، وأبي عمر بن مهدي، ومات في ذي الحجة. وفيها يوسف بن محمد بن يوسف أبو القاسم الخطيب، محدّث همذان وزاهدها. روى عن أبي بكر بن لال، وأبي أحمد الفرضي، وأبي عمر بن مهدي، وطبقتهم. وجمع ورحل، وعاش سبعا وثمانين سنة. وفيها البيّاضي الشاعر، أبو جعفر [2] مسعود بن عبد العزيز بن المحسّن بن الحسن بن عبد الرزاق المشهور، وهو من الشعراء المجيدين في المتأخرين، وديوان شعره صغير، وهو في غاية الرّقة، وليس فيه من المديح إلّا اليسير، فمن أحسن شعره قصيدته القافية التي أولها: إن غاض دمعك والركاب تساق ... مع ما بقلبك فهو منك نفاق لا تحبسن ماء الجفون فإنّه ... لك يا لديغ هواهم ترياق [3] واحذر مصاحبة العذول فإنّه ... مغر فظاهر عذله إشفاق لا يبعدن زمن مضت أيّامه ... وعلى متون غصونها أوراق أيام نرجسنا العيون ووردنا ... حمر الخدود وخمرنا الأرياق ولنا بزوراء العراق مواسم ... كانت تقام لطيبها أسواق فلئن بكت عيني دما شوقا إلى ... ذاك الزّمان فمثله يشتاق إن الأغيلمة الأولى لولاهم ... ما كان طعم هوى الملاح يذاق وكأنّما أرماحهم بأكفّهم ... أجسامهم ونصولها الأحداق

_ [1] في «آ» و «ط» : «الهمداني» وهو تصحيف، وانظر «العبر» (3/ 270) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 346) . [2] في «آ» : «أبو حفص» والصواب ما في «ط» وانظر «وفيات الأعيان» (5/ 197) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 409) . [3] في «آ» و «ط» : «درياق» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

شنّوا الإغارة في القلوب بأعين ... لا يرتجى لأسيرها إطلاق واستعذبوا ماء الجفون فعذّبوا ال ... أسراء [1] حتّى ذرت الآماق ونمى الحديث بأنّهم نذروا دمي ... أولي دم يوم الفراق يراق وشعره كله على هذا الأسلوب، وقيل له البيّاضي، لأن أحد أجداده كان في مجلس بعض الخلفاء مع جماعة من العبّاسيين، وكانوا قد لبسوا سوادا ما عداه، فإنه لبس بياضا، فقال الخليفة: من ذلك البيّاضي؟ فثبت الاسم عليه، واشتهر به. وفيها ابن جابار [2] ، مكي بن عبد الله الدّينوري، أبو بكر، اجتهد في هذا الشأن، وهو حافظ. قاله ابن ناصر الدّين [3] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «الأسرار» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن حابار» وهو تصحيف والتصحيح من «التبيان شرح بديعة البيان» . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (151/ ب) .

سنة تسع وستين وأربعمائة

سنة تسع وستين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السّلمي، أحد رؤساء دمشق وعدولها. روى عن جدّه أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان، وجماعة. وسمع بمكّة من ابن جهضم، توفي في ربيع الأول، في عشر التسعين. قاله في «العبر» [1] . وفيها حاتم بن محمد بن الطرابلسي أبو القاسم التميمي القرطبي المحدّث المتقن، مسند الأندلس، في ذي القعدة، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن عمر بن نابل [2] وأبي المطرّف بن فطيس، وطبقتهما. ورحل فأكثر عن أبي الحسن القابسي، وسمع بمكّة من ابن فراس العبقسي، وكان فقيها مفتيا. وفيها حيّان بن خلف بن حسين بن حيّان، أبو مروان القرطبي الأديب، مؤرخ الأندلس ومسندها. توفي في ربيع الأول، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع من عمر بن نابل، وله كتاب «المبين في تاريخ الأندلس» ستون مجلدا، وكتاب «المقتبس» في عشر مجلدات، وقد رؤي في النوم، فسئل

_ [1] (3/ 271) . [2] في «آ» : «عن عثمان نابل» وفي «ط» : «عن عثمان بن نابل» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «الصلة» لابن بشكوال (1/ 157) و «العبر» (3/ 272) .

عن التاريخ الذي عمله، فقال: لقد ندمت عليه، إلّا أنّ الله غفر لي بلطفه، وأقالني. وقال ابن خلّكان [1] : ذكره أبو علي الغسّاني فقال: كان عالي السنّ، قوي المعرفة، متبحرا في الآداب، بارعا فيها، صاحب لواء التاريخ بالأندلس، أفصح الناس فيه وأحسنهم نظما له، لزم ابن الحباب النحوي، وصاعد [بن الحسن] الرّبعي، وأخذ عنه كتابه المسمى ب «الفصوص» وسمع الحديث، وسمعته يقول: التهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودّة، والتعزية بعد ثلاث إغراء بالمصيبة. وتوفي يوم الأحد لثلاث بقين من ربيع الأول، ووصفه الغسّاني بالصدق فيما حكاه في «تاريخه» . انتهى ملخصا. وفيها حيدرة بن علي الأنطاكي، أبو المنجّا المعبّر. حدّث بدمشق عن عبد الرحمن بن أبي نصر وجماعة. قال ابن الأكفاني: كان يذكر أنه يحفظ في علم التعبير [2] عشرة آلاف ورقة وأكثر [3] . وفيها أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ المصري الجوهري النحوي، صاحب التصانيف. دخل بغداد تاجرا في الجوهر، وأخذ عن [4] علمائها، وخدم بمصر في ديوان الإنشاء، وكان كتّاب الإنشاء لا يتقدمون بكتبهم حتّى تعرض عليه، وله مرتب على ذلك، ثم تزهد ورغب عن الخدمة، واستغنى بالله تعالى ولزم بيته، فكان ملطوفا به حتّى مات، وسببه أنه شاهد سنّورا أعمى في سطح الجامع يرقى إليه بقوته سنّور آخر ويخدمه،

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 218- 219) . [2] تحرّفت في «آ» إلى «التفسير» . [3] في «العبر» : «وزيادة» . (ع) . [4] في «آ» : «من» .

فكان له فيه عبرة، ومن تصانيفه «المقدّمة» وشرحها، و «شرح الجمل» و «شرح كتاب الأصول» لابن السرّاج، ومسودّات. توفي قبل تمامها قريب من خمسة عشر مجلدا، قيل: إنه مات مترديا من غرفة، وأصله من الدّيلم. وبابشاذ: كلمة أعجمية يتضمن معناها السرور والفرح. وفيها، وجزم ابن ناصر الدّين في التي قبلها [1] ، عمر بن علي بن أحمد بن اللّيث اللّيثي البخاري، أبو مسلم الحافظ الجوّال. تكلم يحيى بن مندة فيه [2] ، وكان فيه تدليس وعجب بنفسه وتيه. وفيها أو في التي قبلها- وهو الصحيح- أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زكريا الجرجاني الزّنجي، كان حافظا ثقة. قاله ابن ناصر الدّين [3] . وفيها كرّكان الزاهد القدوة، أبو القاسم عبد الله بن علي الطّوسي، شيخ الصوفية، وصاحب «الدّويرة والأصحاب» . روى عن حمزة المهلّبي وجماعة، ومات في ربيع الأول. وفيها أبو محمد الصّريفيني، عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هزار مرد [4] ، المحدّث، خطيب صريفين، توفي في جمادى الآخرة، عن خمس وثمانين سنة. روى عن أبي القاسم بن حبابة، وأبي حفص الكتّاني، وكان ثقة.

_ [1] مترجم في «التبيان شرح بديعة البيان» (151/ ب) . [2] قلت: وذلك في كتابه المهم «التنبيه على أحوال الجهال والمنافقين» وهو من الكتب التي لا نعرف مكان وجودها وقد كانت عند الحافظ ابن ناصر الدّين الدّمشقي نسخة خطية منه كما ذكر العلّامة الزركلي في «الأعلام» (8/ 156) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (151/ ب) . [4] في «آ» و «ط» : «ابن هراوذ» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 273) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 330) .

وفيها عبيد الله بن الحسين الفراء أبو القاسم بن القاضي أبي يعلي، ذكره أخوه في «الطبقات» [1] وأنه ولد يوم السبت سابع شعبان، سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. وقرأ بالروايات على أبي بكر الخيّاط، وابن البنّا، وأبي الخطّاب الصّوفي، وغيرهم. وسمع الحديث من والده وجدّه لأمه جابر بن ياسين وغيرهم، ورحل في طلب الحديث والعلم إلى واسط، والبصرة، والكوفة، وعكبرا، والموصل، والجزيرة، وآمد، وغير ذلك. وكان يتكلم مع شيوخ عصره، وكان والده يأتمّ به في صلاة التراويح إلى أن توفي، وكان أكبر أولاد القاضي أبي يعلى، وكان ذا عفة، وديانة وصيانة، حسن التلاوة للقراءة، كثير الدرس، له معرفة بعلومه، وله معرفة بالجرح والتعديل، وأسماء الرجال والكنى، وغير ذلك من علوم الحديث. وله خط حسن، ولما وقعت فتنة ابن القشيري، خرج إلى مكّة، فتوفي في مضيّه إليها بموضع يعرف بمعدن النّقرة [2] ، أواخر ذي القعدة، وله ست وعشرون سنة وثلاثة أشهر ونيّف وعشرون يوما تقريبا، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الحسن البرداني محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين بن هارون الفرضي الأمين، والد الحافظ أبي علي. ولد بالبردان، وسمع الكثير من ابن رزقويه، وابن بشران، وابن شاذان، والبرقاني، وخلق، وروى عنه ولداه أبو علي وأبو ياسر. قال ابن النجار: كان رجلا، صالحا، صدوقا، حافظا لكتاب الله

_ [1] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 235- 236) . [2] في «آ» و «ط» : «بمعدن البقرة» وهو تحريف، والتصحيح من «طبقات الحنابلة» . وقال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 298) : النّقرة: كل أرض متصوّبة في وهدة فهي نقرة، وبها سمّيت النقرة بطريق مكة.

تعالى، عالما بالفرائض وقسمة التركات، كتب بخطه الكثير، وخرّج تخاريج، وجمع فنونا من الأحاديث وغيرها. وقال ابن الجوزي: كان ثقة عالما صالحا أمينا، وتوفي يوم الخميس تاسع عشري ذي القعدة، وله كتاب «فضيلة الذكر والدعاء» .

سنة سبعين وأربعمائة

سنة سبعين وأربعمائة فيها توفي أبو صالح المؤذّن، أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الحافظ، محدّث خراسان في زمانه. روى عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، والحاكم، وخلق، ورحل إلى أصبهان، وبغداد، ودمشق، في حدود الثلاثين وأربعمائة، وله ألف حديث عن ألف شيخ، وثّقه الخطيب وغيره، ومات في رمضان، عن اثنتين وثمانين سنة، وله تصانيف ومسوّدات. وفيها أبو الحسين بن النّقور، أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزّاز، المحدّث الصدوق. روى عن علي الحربي، وأبي القاسم بن حبابة، وطائفة. وكان يأخذ على نسخة طالوت دينارا، أفتاه بذلك الشيخ أبو إسحاق، لأن الطلبة كانوا يفوتونه الكسب لعياله، مات في رجب عن تسعين سنة. وفيها أبو نصر بن طلّاب الخطيب، الحسين بن أحمد بن محمد القرشي مولاهم الدمشقي، خطيب دمشق. روى عن ابن جميع «معجمة» [1] ، وعن أبي بكر بن أبي الحديد. وكان صاحب مال وأملاك، وفيه عدالة وديانة، توفي في صفر، وله إحدى وتسعون سنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «مجمعه» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (17/ 153) و «الأعلام» (5/ 313) وفيه قال العلّامة الزركلي: منه الجزءان الأول والثاني في الأزهر، باسم «معجم الغسّاني» في تراجم شيوخه الذين أجازوه وأخذ عنه.

وفيها عبد الله بن الخلّال [1] أبو القاسم بن الحافظ أبي محمد الحسن بن محمد البغدادي. سمّعه أبوه من أبي حفص الكتّاني، والمخلّص، ومات في صفر، عن خمس وثمانين سنة. قال الخطيب [2] : كان صدوقا. وفيها أبو جعفر بن أبي موسى، شيخ الحنابلة، عبد الخالق بن عيسى بن أحمد. كان ورعا، زاهدا، علّامة، كثير الفنون، رأسا في الفقه، شديدا على المبتدعة، نافذ الكلمة. روى عن أبي القاسم بن بشران، وقد أخذ في فتنة ابن القشيري، وحبس أياما. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن السمعاني: كان إمام الحنابلة في عصره بلا مدافعة، مليح التدريس، حسن الكلام في المناظرة، ورعا، زاهدا، متقنا، عالما بأحكام القرآن والفرائض، مرضي الطريقة. وقال ابن عقيل: كان يفوق الجماعة من مذهبه وغيرهم في علم الفرائض، وكان عند الإمام- يعني الخليفة- معظما، حتّى إنّه وصّى عند موته بأن يغسله تبركا به، وكان حول الخليفة ما لو كان غيره لأخذه، وكان ذلك كفاية عمره، فو الله ما التفت إلى شيء منه، بل خرج ونسي مئزره، حتّى حمل إليه، قال: ولم يشهد منه أنه شرب ماء في حلقته مع شدة الحرّ، ولا غمس يده في طعام أحد من أبناء الدّنيا. وقال ابن رجب: له تصانيف عدّة، منها «رؤوس المسائل» و «شرح

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن الحلال» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 275) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 368) . [2] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 439) . [3] (3/ 275- 276) .

المذهب» وله جزء في أدب الفقه، وفي فضائل أحمد وترجيح مذهبه، وتفقه عليه طائفة من أكابر المذهب، كالحلواني، والقاضي أبي الحسين، وغيرهم. وكان معظما عند الخاصة والعامة، زاهدا في الدنيا إلى الغاية، قائما في إنكار المنكرات بيده ولسانه، مجتهدا في ذلك. وتوفي رحمه الله ليلة الخميس سحرا، خامس شهر صفر، وصلّي عليه يوم الجمعة ضحى بجامع المنصور، وأمّ الناس أخوه الشريف أبو الفضل، ولم يسع الجامع الخلق، ولم يتهيأ لكثير منهم الصلاة، ولم يبق رئيس ولا مرؤوس إلّا حضره إلّا من شاء الله، ودفنوه في قبر الإمام أحمد، وما قدر أحد أن يقول للعوام: لا تنبشوا قبر الإمام أحمد، وادفنوه بجنبه. فقال أبو محمد التميمي- من بين الجماعة-: كيف تدفنونه في قبر الإمام أحمد، وبنت أحمد مدفونة معه؟ فإن جاز دفنه مع الإمام لا يجوز دفنه مع ابنته. فقال بعض العوام: اسكت، فقد زوّجنا بنت أحمد من الشريف، فسكت التميمي. ولزم الناس قبره، فكانوا يبيتون عنده كل ليلة أربعاء، ويختمون الختمات، فيقال: إنه قرئ على قبره تلك الأيام عشرة آلاف ختمة. ورآه بعضهم في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: لما وضعت في قبري، رأيت قبة من درّة بيضاء، لها ثلاثة أبواب، وقائل يقول: هذه لك، أدخل من أيّ أبوابها شئت. وفيها أبو القاسم بن مندة، عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم بن الوليد بن مندة بن بطة بن استندار، واسمه الفيرزان بن جهان بخت العبدي الأصبهاني، الإمام الحافظ، ابن الحافظ الكبير أبي عبد الله بن مندة. ومندة لقب إبراهيم جدّه الأعلى. ذكره ابن الجوزي في «طبقات الحنابلة» وترجمه في «تاريخه» [1] فقال:

_ [1] انظر «المنتظم» (9/ 315) .

ولد سنة ثلاث وثمانين [1] وثلاثمائة، وسمع أباه، وأبا بكر بن مردويه، وخلقا كثيرا، وكان كثير السماع، كبير الشأن، سافر [إلى] البلاد، وصنّف التصانيف، وخرّج التخاريج، وكان ذا وقار وسمت وأتباع، فيهم كثرة، وكان متمسكا بالسّنّة، معرضا عن أهل البدع، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم. وقال ابن السمعاني: كان كبير الشأن، جليل القدر، كثير السماع، واسع الرواية، سافر إلى الحجاز، وبغداد، وهمذان، وخراسان، وصنّف التصانيف. وقال سعد بن محمد الزّنجاني: حفظ الله الإسلام برجلين، أحدهما بأصبهان، والآخر بهراة، عبد الرحمن بن مندة، وعبد الله الأنصاري. وقال يحيى بن مندة: كان عمي سيفا على أهل البدع، وهو أكبر من أن ينبّه عليه مثلي، كان والله آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وفي الغدو والآصال ذاكرا، ولنفسه في المصالح قاهرا، أعقب الله من ذكره بالشرّ الندامة، وكان عظيم الحلم، كبير العلم، قرأت عليه قول شعبة: من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد، فقال: من كتب عنّي حديثا، فأنا له عبد. وقال ابن تيمية: وكان أبو القاسم بن مندة من الأصحاب، وكان يذهب إلى الجهر بالبسملة في الصلاة. وقال ابن مندة في كتابه «الرد على الجهمية» : التأويل عند أصحاب الحديث نوع من الكذب. وقال في «العبر» [2] : كان ذا سمت ووقار، وله أصحاب وأتباع، وفيه

_ [1] في «المنتظم» : «سنة ثمان وثمانين» وفي «سير أعلام النبلاء» (18/ 350) : «سنة إحدى وثمانين» وانظر التعليق عليه. [2] (3/ 276) .

تسنّن مفرط، أوقع بعض العلماء في الكلام في معتقده، وتوهّموا فيه التّجسيم، وهو بريء منه فيما علمت، ولكن لو قصّر من شأنه لكان أولى به، أجاز له زاهر بن أحمد السرخسي، وروى الكثير عن أبيه، وأبي جعفر الأبهري، وطبقتهما، وسمع بنيسابور من أصحاب الأصمّ، وبمكّة من ابن جهضم، وبهمذان، والدّينور، وشيراز، وبغداد، وعاش تسعا وثمانين سنة. انتهى كلام «العبر» . وفيها أبو بكر بن حمّدوية [1] ، أحمد بن محمد بن أحمد بن يعقوب الرزّاز [2] المقرئ الزاهد. ذكره ابن الجوزي في «الطبقات» و «التاريخ» [3] . ولد يوم الأربعاء لثمان عشرة ليلة خلت من صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وحدّث عن خلق كثير، منهم: ابن بشران، وابن القوّاس، وهو آخر من حدّث عن أبي الحسين بن سمعون، وتفقه على القاضي أبي يعلى [4] ، وكان ثقة زاهدا متعبدا، حسن الطريقة، وحدّث عنه الخطيب في «تاريخه» [5] وتوفي يوم السبت رابع عشري ذي الحجة. قال ابن نقطة [6] : حمّدوية: بضم الحاء والميم المشددة أيضا وبالياء.

_ [1] تحرّف في «تاريخ بغداد» إلى «حمدوه» فيصحح. [2] في «آ» : «الدرار» وفي «المنتظم» : «الوزان» وأثبت لفظ «ط» و «تاريخ بغداد» . [3] انظر «المنتظم» (8/ 313) . [4] في «آ» : «أبو علي» . [5] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 381) . [6] في «الاستدراك» (باب حمّدوية، وحمدونة، وحمدوية، وحمديّة) مصور عن مخطوطة دار الكتب الوطنية الظاهرية بدمشق.

سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

سنة إحدى وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي بن البنّا، الفقيه الزاهد، الحسن [1] بن أحمد بن عبد الله الحنبلي البغدادي، الإمام، المقرئ، المحدّث، الفقيه، الواعظ، صاحب التصانيف. ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة، وقرأ القراءات السبع على أبي الحسن الحمامي وغيره، وسمع الحديث على القاضي أبي يعلى، وهو من قدماء أصحابه، وحضر عند ابن أبي موسى، وناظر في مجلسه، وتفقه أيضا على أبي الفضل التميمي، وأخيه أبي الفرج، وقرأ عليه القرآن جماعة، مثل عبد الله البارع، وأبي العز القلانسي، وغيرهما. وسمع منه الحديث خلق كثير، وقرأ عليه الحافظ الحميدي كثيرا. ودرّس الفقه كثيرا، وأفتى زمانا طويلا، وصنّف كتبا في الفقه، والحديث، والفرائض، وأصول الدّين، وفي علوم مختلفات. قال ابن الجوزي: ذكر عنه أنه قال: صنّفت خمسمائة مصنّف. وتراجم كتبه مسجوعة. وقال ابن شافع: كتبت الحديث عن نحو من ثلاثمائة شيخ، ما رأيت فيهم من كتب بخطه أكثر من ابن البنّا. قال: وقال لي هو رحمه الله: ما رأيت

_ [1] تحرّف في «آ» إلى «الحسين» .

بعيني من كتب أكثر مني. قال: وكان طاهر الأخلاق، حسن الوجه والشيبة، محبّا لأهل العلم، مكرما لهم، وتوفي رحمه الله ليلة السبت خامس رجب، ودفن بباب حرب، رحمه الله. وفيها أبو يعلى حمزة بن الكيال البغدادي، الفقيه الحنبلي. ذكره ابن [1] أبي يعلي في «طبقاته» [2] وأنه ممّن تردد إلى والده زمانا مواصلا، وسمع منه علما واسعا، وكان عبدا صالحا. وقيل: إنه كان يحفظ الاسم الأعظم. وقال ابن شافع في «تاريخه» : كان رجلا صالحا ملازما لبيته ومسجده، حافظا للسانه، معتزلا عن الفتن، توفي يوم الأربعاء، سابع عشري شهر رمضان، ودفن بمقبرة باب الدّير. وفيها أبو علي الوخشي- بالفتح والسكون، نسبة إلى وخش، بلد بنواحي بلخ- الحسن بن علي البلخي، الحافظ، الثقة، المكثر الكبير، رحل وطوّف، وجمع وصنّف، وعاش ستا وثمانين سنة. روى عن تمّام الرّازي، وأبي عمر بن مهدي، وطبقتهما، بالشام، والعراق، ومصر، وخراسان، وكان من الثقات. وفيها أبو القاسم الزّنجاني، سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين، شيخ الحرم والحفّاظ، كان حافظا، قدوة، علما، ثقة، زاهدا، نزيل الحرم، وجار بيت الله. روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفرّاء، وعبد الرحمن بن ياسر، وخلق. وسئل محمد بن طاهر المقدسي عن أفضل من رأى؟ فقال: سعد

_ [1] لفظة «ابن» سقطت من «آ» . [2] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 252) .

الزّنجاني، [وشيخ الإسلام الأنصاري، فقيل له: أيّهما أفضل؟ فقال الأنصاري كان متفننا [1] ، وأما الزّنجاني] [2] فكان أعرف بالحديث منه. وسئل إسماعيل التّيمي عنه، فقال: إمام كبير، عارف بالسّنة. وقال ابن الأهدل: كان صاحب كرامات وآيات، يزدحم الناس عليه عند الطواف كازدحامهم على الحجر. وقال غيره: توفي في أول سنة إحدى وسبعين، أو في آخر سنة سبعين، عن تسعين سنة. وفيها عبد الباقي بن محمد بن غالب أبو منصور الأزجي العطّار، وكيل القائم والمقتدي، صدوق، جليل، روى عن المخلّص وغيره، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي، ابن [بنت السّكّري. روى عن المخلّص. وقال عبد الوهاب الأنماطي: هو ثقة. وآخر من روى عنه ابن الطلاية] [3] الزاهد، وتوفي في رجب. وفيها عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، أبو بكر النحوي، صاحب التصانيف، منها «المغني في شرح الإيضاح» ثلاثون مجلدا، وكان شافعيا أشعريا. قاله في «العبر» [4] . وقال ابن قاضي شهبة [5] : كان شافعي المذهب، متكلما، على طريقة الأشعري، وفيه دين، وله فضيلة تامة في النحو، وصنّف كتبا كثيرة، فمن

_ [1] في «مرآة الجنان» (3/ 101) : «كان متقنا» . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [4] (3/ 279) . [5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 271) .

أشهرها كتاب «الجمل» وشرحه [1] ، وكتاب «العمدة» في التصريف وكتاب «المفتاح» و «شرح الفاتحة» في مجلد، وغير ذلك. أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي، ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي، وأخذ عنه علي بن أبي زيد الفصيحي. وذكره السّلفيّ في «معجمه» [2] فقال: دخل عليه لص وهو في الصلاة، فأخذ جميع ما وجد، والجرجانيّ ينظر إليه، ولم يقطع صلاته. وله نظم فمنه: كبّر على العقل لا ترضه [3] ... ومل إلى الجهل ميل هائم وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد في طالع البهائم انتهى ملخصا. وفيها أبو عاصم الفضيلي الفقيه، الفضيل بن يحيى الهروي، شيخ أبي الوقت، توفي في جمادى [الأولى] وله ثمان وثمانون سنة. قاله في «العبر» [4] . وقال الإسنويّ في ترجمة والد هذا [5] : أبو محمد إسماعيل بن الفضيل الهروي المعروف بالفضيل، نسبة إلى جدّ له يسمى الفضيل، تصغير الفضل. ذكره أبو نصر عبد الرحمن الهروي في «تاريخ هراة» فقال: هو الفحل المقرم [6] والإمام المقدّم في فنون الفضل وأنواع العلم، توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

_ [1] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، أنه سمى شرحه «التلخيص» . [2] قلت: واسم معجمه «معجم السفر» وقد طبعه- فيما أعلم- المكتب الإسلامي ببيروت منذ سنوات بتحقيق الدكتور حسن عبد الحميد رحمه الله، وليس بين يدي نسخة منه. [3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «لا ترمه» . [4] (3/ 279) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 271) . [6] في «آ» و «ط» : «المقدّم» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي والمقرم: المكرم. انظر «مختار الصحاح» (كرم) .

قال: وهو والد الإمام أبي عاصم الصغير الهروي، كذا نقله ابن الصلاح في «طبقاته» وأنشد له: تعوّد أيّها المسكين صمتا [1] ... فنعم جواب من آذاك ذاكا وإن عوفيت مما عبت فافتح ... بحمد للذي عافاك فاكا وذكر الذهبي أن أبا عاصم الفضيلي الفقيه، واسمه الفضيل، ممّن توفي سنة إحدى وسبعين، فإن كان كذلك، فيكون الابن قد مات قبل والده بنحو العشرين. انتهى كلام الإسنوي. قلت: وعلى هذا، فالأب جاوز المائة بلا ريب، والله أعلم. وفيها أبو الفضل القومساني، نسبة إلى قومسان، من نواحي همذان، محمد بن عثمان بن زيرك [2] ، شيخ عصره بهمذان، فضلا، وعلما، وجلالة، وزهادة، وتفننا في العلوم، مات عن بضع وسبعين سنة. روى عن علي بن أحمد بن عبدان، وجماعة. وفيها محمد بن أبي عمران، أبو الخير المرندي- بفتحتين، وسكون النون ومهملة، نسبة إلى مرند بلد بأذربيجان [3] الصفّار [4] آخر أصحاب الكشميهني، ومن به ختم سماع البخاري عاليا، ضعفه ابن طاهر.

_ [1] في «آ» و «ط» : «صما» وما أثبته من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [2] في «آ» و «ط» : «ابن زبرك» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 279) و «سير أعلام النبلا» (18/ 433) و «الوافي بالوفيات» (4/ 84) . [3] تنبيه: كذا نسبه المؤلف رحمه الله تعالى وهو خطأ، إنما هو «المروزي» كما جاء على الصواب في «الأنساب» (10/ 437) ضمن ترجمة شيخه محمد بن مكّي بن محمد الكشميهني، وفي «العبر» (3/ 279) . [4] تحرّف في «ط» إلى «الصغار» .

سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة

سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو علي الحسين بن عبد الرحمن الشافعي المكّي الحنّاط المعدّل. روى عن أحمد بن فراس العبقسي، وعبيد الله بن أحمد السقطي، وتوفي في ذي القعدة. وفيها محمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد، أبو عبد الله الفارسي ثم الهروي. روى جزء أبي الجهم وغير ذلك، عن أبي محمد السّريجي [1] في شوال. وفيها أبو منصور العكبري، محمد بن محمد بن أحمد الأخباري النديم عن تسعين سنة، وهو صدوق. روى عن محمد بن عبد الله الجعفي، وهلال الحفّار، وطائفة، وتوفي في شهر رمضان. وفيها هيّاج بن عبيد، الزاهر القدوة، أبو محمد الخطيبي [2] ، نسبة إلى جدّ كان خطيبا [2] . قال هبة الله الشيرازي: أما هيّاج الزاهد الفقيه، ما رأت عيناي مثله في الزهد والورع.

_ [1] في «العبر» : «الشريحي» . [2] تنبيه: كذا نسبه المؤلف رحمه الله تعالى وهو خطأ، إنما هو «الحطّيني» نسبة إلى «حطين» الواقعة الآن في شمال فلسطين العزيزة- ردّها الله تعالى إلى أيدي المسلمين بفضله وكرمه- إلى الشرق من عكا. وانظر «الأنساب» للسمعاني (4/ 170) والعبر (2/ 331) وكلام المؤلف في الصفحة التالية.

وقال ابن طاهر [1] : بلغ من زهده، أنه يوالي [بالصوم] ثلاثة أيام، لكن يفطر على ماء زمزم، فإذا كان اليوم الثالث من أتاه بشيء أكله، وكان قد نيّف على الثمانين، وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجليه، ويدرّس عدة دروس لأصحابه، وكان يزور النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كل سنة من مكّة حافيا ذاهبا وراجعا. روى عن أبي ذر الهروي وطائفة. وقال السخاوي في «طبقاته» : هيّاج بن عبيد بن الحسين أبو محمد الفقيه الحطّيني الزاهد المقيم بالحرم. كان أوحد عصره في الزهد والورع، وكان يصوم ويفطر بعد ثلاث، ولم يكن يدّخر شيئا، ولا يملك غير ثوب واحد، وكان يزور النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كل سنة ماشيا حافيا، وكذلك عبد الله بن عبّاس بالطائف، ويأكل بمكّة أكلة وبالطائف أخرى. ولم يلبس نعلا منذ دخل الحرم، وأقام بالحرم نحو أربعين سنة، لم يحدّث بالحرم، وإنما كان يحدّث بالحلّ حين يخرج للإحرام بالعمرة، وكان قد ناف على مائة سنة. استشهد بمكة في وقعة وقعت بين أهل السّنّة والرافضة، فحمله أميرها محمد بن هاشم وضربه ضربا شديدا على كبر السنّ، ثم حمل إلى منزله بمكّة، فمات. قيل: إنه مات يوم الأربعاء بين الصلاتين. انتهى ملخصا.

_ [1] انظر «الأنساب المتفقة» ص (43- 44) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف، وما في كتابنا قريب مما عند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (18/ 394) فراجعه.

سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة

سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو القاسم الفضل بن عبد الله المحب، الواعظ النيسابوري، آخر أصحاب أبي الحسين الخفّاف موتا. روى عن العلويّ وغيره. وفيها أبو الفتيان بن حيّوس، الأمير مصطفى الدولة، محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس بن محمد بن المرتضى بن محمد بن القاسم بن عثمان، اللّغوي الشاعر المشهور. كان يدعى بالأمير، لأن أباه كان من أمراء العرب، وهو من فحول الشعراء الشاميين المجيدين. له ديوان شعر كبير. لقي جماعة من الملوك والأكابر، ومدحهم وأخذ جوائزهم، وكان منقطعا إلى بني مرداس أصحاب حلب، وله فيهم قصائد نفيسة، وكان قد أثرى وحصلت له نعمة ضخمة من بني مرداس فبنى دارا بمدينة حلب وكتب على بابها من شعره: دار بنيناها وعشنا بها ... في نعمة من آل مرداس قوم نفوا بؤسي ولم يتركوا ... عليّ للأيام من باس قل لبني الدّنيا ألا هكذا ... فليصنع النّاس مع النّاس ومن غرر قصائده السائرة قوله من قصيدة: هو ذاك ربع المالكية فاربع ... واسأل مصيفا عافيا عن مربع واستسق للدّمن [1] الخوالي بالحمى ... غرّ السحائب واعتذر عن أدمعي فلقد فنين أمام دان هاجر ... في قربه، ووراء ناء مزمع

_ [1] في «آ» و «ط» : «للأمن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (4/ 442) مصدر المؤلف.

لو تخبر الركبان عني حدّثوا ... عن مقلة عبرى وقلب موجع ردّي لنا زمن الكثيب فإنّه ... زمن متى يرجع وصالك يرجع لو كنت عالمة بأدنى لوعة ... لرددت أقصى نيلك المسترجع بل لو قنعت من الغرام بمظهر ... عن مضمر بين الحشا والأضلع أغنيت إثر تعتّب ووصلت غ ... - بّ [1] تجنّب وبذلت بعد تمنّع ولو انني أنصفت نفسي صنتها ... عن أن أكون كطالب لم ينجع إني دعوت ندى الكرام فلم يجب ... فلأشكرنّ ندى أجاب وما دعي ومن العجائب والعجائب جمّة ... شكري بطيء عن ندى متسرع وله بيت مفرد في شرف الدولة سالم بن قريش: أنت الذي نفق الثناء بسوقه ... وجرى الندى بعروقه قبل الدّم ولما وصل ابن الخيّاط الشاعر إلى حلب، كتب لأبي الفتيان المذكور: لم يبق عندي ما يباع بدرهم ... وكفاك مني منظري عن مخبري إلّا بقية ماء وجه صنتها ... عن أن تباع وقد وجدتك مشتري فقيل له: لو قال: وأنت نعم المشتري كان أحسن. وكانت ولادة ابن حيّوس يوم السبت سلخ صفر، سنة أربع وسبعين [2] وثلاثمائة، فيكون عمّر تسعة وتسعين سنة [3] وهو شيخ ابن الخيّاط الشاعر المشهور. وحيّوس: بالحاء المهملة، والياء التحتية المشددة، وفي شعراء المغاربة ابن حبّوس بالباء الموحدة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «عقب» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [2] في «سير أعلام النبلاء» (18/ 379) : «توفي سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة» . [3] الذي في «العبر» أنه توفي عن ثمانين سنة (ع) .

سنة أربع وسبعين وأربعمائة

سنة أربع وسبعين وأربعمائة فيها توفي أبو الوليد الباجي، سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التّجيبي القرطبيّ [1] بالمريّة في رجب، عن إحدى وسبعين سنة. روى عن يونس بن عبد الله بن مغيث، ومكّي بن أبي طالب، وجاور ثلاثة أعوام، ولازم أبا ذرّ الهروي، وكان يمضي معه إلى السراة، ثم رحل إلى بغداد، وإلى دمشق. وروى عن عبد الرّحمن بن الطّبيز [2] وطبقته بدمشق، وابن غيلان وطبقته ببغداد، وتفقه على أبي الطيب الطبري وجماعة، وأخذ الكلام بالموصل عن أبي جعفر السّمناني، وسمع الكثير، وبرع في الحديث، والفقه، والأصول، والنظر، وردّ إلى وطنه بعد ثلاث عشرة سنة بعلم جمّ، مع الفقر والقناعة، وكان يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق، ثم فتحت عليه الدّنيا، وأجزلت صلاته، وولي قضاء أماكن، وصنّف التصانيف الكثيرة. قال أبو علي بن سكّرة: ما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه. قاله في «العبر» [3] .

_ [1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (52) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن الطيوري» والتصحيح من «العبر» (3/ 282) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 537) . [3] (3/ 282- 283) .

وقال ابن خلّكان [1] : كان من علماء الأندلس وحفّاظها. سكن شرق الأندلس، ورحل إلى المشرق سنة ست وعشرين وأربعمائة، فأقام بمكّة مع أبي ذرّ الهروي ثلاثة أعوام، وحجّ فيها أربع حجج، ثم رحل إلى بغداد وأقام بها ثلاثة أعوام يدرّس الفقه، ويملي الحديث، ولقي بها سادة من العلماء، كأبي الطيب الطبري، وأبي إسحاق الشيرازي، وأقام بالموصل مع أبي جعفر السّمناني عاما يدرس عليه الفقه، وكان مقامه بالمشرق نحو ثلاثة أعوام، وروى عن الحافظ أبي بكر الخطيب، وروى الخطيب أيضا عنه. وقال أنشدني أبو الوليد الباجي لنفسه: إذا كنت أعلم علما يقينا ... بأنّ جميع حياتي كساعه فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة؟! وصنّف كتبا كثيرة، منها «التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح» وغير ذلك. وممّن أخذ عنه أبو عمر بن عبد البرّ صاحب «الاستيعاب» . وبينه وبين ابن حزم الظاهري مناظرات ومجالس. انتهى ملخصا. وقال ابن ناصر الدّين [2] : أنكروا عليه في [إثباته] قصة الحديبية [2] الكتابة وشنعوا عليه ذلك وقبحوا عند العامة جوابه، وقال قائلهم: برئت ممّن شرى دنيا بآخرة ... وقال: إنّ رسول الله قد كتبا انتهى. وفيها أبو القاسم بن البسري، علي بن أحمد البغدادي البندار.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 408- 409) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (152/ ب) ولفظة «إثباته» مستدركة منه، ولفظة «الحديبية» تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حديثه» .

قال أبو سعد السمعاني: كان صالحا، ثقة، فهما، ورعا، مخلصا، عالما. سمع المخلّص وجماعة، وأجاز له ابن بطة، ونصر المرجي، وكان متواضعا حسن الأخلاق، ذا هيبة ووقار [1] . توفي في سادس رمضان. وفيها- وجزم ابن رجب أنه توفي في التي قبلها- علي بن محمد بن الفرج بن إبراهيم البزّاز الحنبلي، المعروف بابن أخي نصر العكبري. ذكره ابن الجوزي في «الطبقات» وقال: سمع من أبي علي بن بابشاد، والحسن بن شهاب العكبري، وكان له تقدم في القرآن، والحديث، والفقه، والفرائض، وجمع إلى ذلك النّسك والورع. وذكر ابن السمعاني نحو ذلك، ثم قال: كان فقيه الحنابلة بعكبرا، والمفتي بها، وكان خيّرا، ورعا، متزهدا، ناسكا، كثير العبادة. وكان له ذكر شائع في الخير، ومحل رفيع عند أهل بلده. وروى عنه إسماعيل بن السّمرقندي، وأخوه، وغيرهما. وفيها أبو بكر محمد بن المزكّي أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري المزكّي المحدّث، من كبار الطلبة. كتب عن خمسمائة نفس، وأكثر عن أبيه، وأبي عبد الرحمن السّلمي، والحاكم. وروى عنه الخطيب مع تقدمه، وتوفي في رجب، رحمه الله. وفيها، وجزم ابن خلّكان [2] وابن الأهدل أنه في التي قبلها. قال ابن الأهدل: وفي سنة ثلاث وسبعين، أبو الحسن علي بن محمد الصّليحي القائم باليمن. كان أبوه قاضيا باليمن سيء العقيدة، وكان الدّاعي عامر بن عبد الله الرّواحي يتردد إليه لرئاسته وصلاحه، فاستمال الدّاعي ولده المذكور، وهو دون البلوغ، قيل: إنه رأى حليته في «كتاب الصور» وتنقل حاله وما يؤول إليه، وهو عندهم من الذخائر القديمة المظنونة، فأطلعه على

_ [1] في «العبر» : «ذا هيئة ورواء» . (ع) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 413- 414) .

ذلك، وكتمه عن أبيه وأهله، ومات الرّواحيّ على القرب من ذلك، وأوصى له بكتبه، فعكف على درسها مع فطنته، فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علوم الباطنية الضلالية الأوهامية الإسماعيلية متبصرا في علم التأويل المخالف لمفهوم التنزيل، ثم صار يحجّ بالنّاس دليلا في طريق السّررات [1] والطائف خمس عشرة سنة، وشاع في الناس أنه يملك اليمن بأسره، وكان يكره من يقول له ذلك، فلما كان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ارتقى جبل مسور وهو أعلى جبال اليمن ذروة ومعه ستون رجلا قد حالفهم بمكّة على الموت، فلما صعده لم ينتصف النهار حتّى أحاط به عشرون ألف ضارب، وقالوا: إن نزلت وإلّا قتلناك بالجوع، فقال لهم: لم أفعل ذلك إلّا خشية أن يركبه غيرنا ويملكونكم، فإن تركتموني وإلّا نزلت، فانصرفوا عنه، فبنى فيه بعد هذا واستعد بأنواع العدّة، واستفحل أمره، وكان يدعو للمنتصر العبيدي الباطني صاحب مصر خفية، ويخاف من نجاح صاحب تهامة اليمن ويداريه، حتّى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها له بالكدراء، ثم استأذن المنتصر في إظهار الدعوة فأذن له، فطوى البلاد، وافتتح الحصون سريعا، وقال في خطبته في جامع الجند: في مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن، ولم يكن ملكها بعد، فقال بعض من حضر: سبّوح قدّوس [2] فالله أعلم، قالها استهزاء أو تعظيما، وكلا الأمرين لا ينبغي، وإن كان أحدهما أهون من الآخر، فكان

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «السررات» وفي «مرآة الجنان» (3/ 103) : «السّراة» ولعل الصواب «السّرر» وهو موضع قرب مكة على أربعة أميال منها. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 427) أثناء الكلام على (الحجون) و «تاج العروس» للزبيدي (سرر) (12/ 12) طبع الكويت. [2] قلت: وذلك اقتباس من حديث صحيح رواه مسلم رقم (487) في الصلاة: باب ما يقال في الركوع والسجود، وتمامه: عن مطرف بن عبد الله بن الشّخّير، أن عائشة رضي الله عنها نبّأته، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده «سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح» .

كما قال. فقام ذلك الإنسان، وغلا في القول، ودخل في بيعته ومذهبه، واستقر ملكه في صنعاء، وولّى حصون اليمن غير أهلها، وحلف أن لا يولّي تهامة إلّا من وزن له مائة ألف دينار، فوزنتها زوجته أسماء بنت شهاب عن أخيها سعد بن شهاب، فولّاه، وقال: يا مولاتنا! أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ من عِنْدِ الله، إِنَّ الله يَرْزُقُ من يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ 3: 37 [1] ، فتبسم وقال: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا 12: 65. وعزم على الحجّ في سنة ثلاث وسبعين في ألف فارس، منهم من آل الصّليحي مائة وستون شخصا، واستخلف ولده أحمد المكّرم، فننزل بقرب المهجم بضيعة تسمى أمّ البهم، وبئر أمّ معبد، فهجمه سعيد الأحول بن نجاح، الذي كان قتله بالسم، ولم يشعر عسكره ونواحي جيشه إلّا وقد قتل، فانزعروا [2] وفزعوا، وكان أصحاب الأحول سبعين رجلا رجالة، بيد كل واحد منهم جريدة في رأسها مسمار حديد، وتركوا جادة الطريق وسلكوا الساحل، فوصلوا في ثلاثة أيام، وكان الصّليحي قد سمع بهم وأرصد لهم نحو خمسة آلاف من الحبشة، فاختلف طريقهم، ولما رآهم الصّليحيّ مع ما هم فيه من التعب والجوع والحفاء، ظنّ أنهم من جملة عسكره، فقال له أخوه: اركب فهذا والله الأحول، فلم يبرح الصّليحيّ من مكانه، حتّى وصل إليه الأحول، فقتله وقتل أخاه وسائر الصّليحيين، وصالح بقية العسكر، وقال: إنما أخذت بثأري، ثم رفع رأس الصّليحيّ على رأس عود المظلّة، وقرأ القارئ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ من تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ 3: 26 الآية [آل عمران: 26] ورجع الأحول إلى زبيد سالما غانما.

_ [1] قلت: وذلك أيضا اقتباس من سورة آل عمران، الآية (37) أثناء ذكر قصة مريم بنت عمران عليها السلام. [2] «انزعروا» : أي تفرّقوا. نقول: زعر الشّعر والريش والوبر زعرا: قلّ وتفرّق حتى يبدو الجلد. ويقال: زعر المكان: إذا كان قليل النبات، متفرّقه. انظر «لسان العرب» (زعر) .

وكان قد قام بالدعوة الباطنية قبل الصّليحي علي بن فضل من ولد خنفر بن سبأ [1] سنة سبعين ومائتين، وملك تهامة وجبالها، وطرد الناصر بن الهادي، والله أعلم. انتهى ما أورده ابن الأهدل اليمني في «تاريخه» . وفيها قتيبة العثماني، أبو رجاء النّسفي، قتيبة بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان. كان حافظا مشهورا. قاله ابن ناصر الدّين [2] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «جنفر بن سبأ» وهو خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» (3/ 107) وفيه قال اليافعي: خنفر: بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الفاء في آخره راء، ابن سبأ. [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (152/ ب) .

سنة خمس وسبعين وأربعمائة

سنة خمس وسبعين وأربعمائة فيها توفي محدّث أصبهان ومسندها، عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة، أبو عمرو العبديّ الأصبهاني، الثقة المكثر. سمع أباه، وأبا [إسحاق بن] خرّشيذ قوله [1] وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها محمد بن أحمد بن علي السّمسار، أبو بكر الأصبهاني. روى عن إبراهيم بن خرّشيذقوله وجماعة، ومات في شوال وله مائة سنة. وروى عنه خلق كثير. وفيها أبو الفضل المطهّر بن عبد الواحد البزاني [2] الأصبهاني، توفي فيها أو في حدودها. روى عن ابن المرزبان الأبهري جزء لوين، وعن ابن مندة، وابن خرّشيذقوله. وفيها عبد الرحمن بن محمد بن ثابت النّابتي الخرقي- منسوب إلى خرق، بخاء معجمة مفتوحة ثم راء ساكنة، بعدها قاف، قرية من قرى مرو- المعروف بمفتي الحرمين، تفقه أولا بمرو على البوراني ثم بمرو الرّوذ على

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «سير أعلام النبلاء» (18/ 440) . [2] في «آ» و «ط» : «البراني» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 284) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 549) و «توضيح المشتبه» (1/ 409) .

القاضي الحسين، ثم ببخارى على أبي سهل الأبيوردي، ثم ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. وسمع الحديث وأسمع، ثم حجّ وجاور بمكّة سنة، ثم رجع إلى وطنه، وسكن قريته، واشتغل بالزهد والفتوى، إلى أن مات في شهر ربيع الأول.

سنة ست وسبعين وأربعمائة

سنة ست وسبعين وأربعمائة فيها عزم أهل حرّان، وقاضيهم ابن جلبة الحنبلي على تسليم حرّان إلى جنق [1] أمير التّركمان، لكونه سنّيّا، وعصوا على [2] مسلم بن قريش، صاحب الموصل، لكونه رافضيا، ولكونه مشغولا بمحاصرة دمشق مع المصريين. كانوا يحاصرون بها تاج الدولة تتش [3] فأسرع إلى حرّان، ورماها بالمجانيق، وأخذها، وذبح القاضي وولديه رحمهم الله تعالى. قاله في «العبر» [4] . وفيها توفي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي الشافعي، جمال الدّين. أحد الأعلام، وله ثلاث وثمانون سنة. تفقه بشيراز، وقدم بغداد، وله اثنتان وعشرون سنة، فاستوطنها ولزم القاضي أبا الطيب إلى أن صار معيده في حلقته، وكان أنظر أهل زمانه، وأفصحهم وأورعهم، وأكثرهم تواضعا وبشرا، وانتهت إليه رئاسة المذهب في الدّنيا. روى عن أبي علي بن شاذان، والبرقاني، ورحل إليه الفقهاء من الأقطار،

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» ، وفي «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (10/ 130) : «جبق» وأثبت في الباء نقطة تحت السكون إشارة إلى شك الناشر في وجه الصواب في الاسم. [2] لفظة «على» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» . [3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «تنش» والتصحيح من «العبر» . [4] (3/ 285) .

وتخرّج به أئمة كبار، ولم يحجّ ولا وجب عليه، لأنه كان فقيرا متعفّفا، قانعا باليسير. ودرّس بالنظامية، وله شعر حسن. توفي في الحادي والعشرين من جمادى الآخرة. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن قاضي شهبة [2] : قال الشيخ أبو إسحاق: كنت أعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغت أخذت قياسا آخر على هذا، وكنت أعيد كل درس مائة مرة، وإذا كان في المسألة بيت يستشهد به، حفظت القصيدة التي فيها البيت. وكانت الطلبة ترحل من الشرق والغرب إليه، والفتاوى تحمل من البرّ والبحر إلى بين يديه. قال رحمه الله: لما خرجت في رسالة الخليفة إلى خراسان، لم أدخل بلدا ولا قرية إلّا وجدت قاضيها، أو خطيبها، أو مفتيها، من تلامذتي. وبنيت له النظامية ودرّس بها إلى حين وفاته، ومع هذا فكان لا يملك شيئا من الدنيا، بلغ به الفقر حتّى كان لا يجد في بعض الأوقات قوتا ولا لباسا، وكان طلق الوجه، دائم البشر، كثير البسط، حسن المجالسة، يحفظ كثيرا من الحكايات الحسنة والأشعار، وله شعر حسن. قال أبو بكر الشّاشي: الشيخ أبو إسحاق حجّة الله تعالى على أئمة العصر. وقال ابن السمعاني: إن الشيخ أبا إسحاق قال: كنت نائما ببغداد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه أبو بكر وعمر، فقلت [3] : يا رسول الله، بلغني

_ [1] (3/ 285- 286) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 252- 253) . [3] تحرّفت في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة إلى «فقال» فتصحح.

عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، وأريد أن أسمع منك خبرا أتشرف به في الدّنيا، وأجعله ذخيرة للآخرة. فقال لي: «يا شيخ» وسمّاني شيخا، وخاطبني به،- وكان يفرح بهذا- ثم قال: «قل عنّي، من أراد السّلامة فليطلبها في سلامة غيره» . وقد أخذ هذا المعنى بعضهم فنظمه في أبيات هي كالشرح لهذا الخبر، فقال: إذا [1] شئت أن تحيا ودينك سالم ... وحظّك موفور وعرضك صين لسانك لا تذكر به عورة امرئ ... فعندك عورات وللنّاس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايبا ... لقوم فقل: يا عين للنّاس أعين وصاحب بمعروف وجانب من اعتدى ... وفارق ولكن بالتي هي أحسن وقال ابن الأهدل: لما قدم الشيخ نيسابور رسولا من جهة المقتدر، تلقاه النّاس، وحمل إمام الحرمين الغاشية بين يديه وناظره، فغلبه الشيخ بقوة الجدل قيل: [قال] له: ما غلبتني إلّا بصلاحك. ولما شافهه المقتدر بالرسالة، قال له: وما يدريني أنك الخليفة ولم أرك قبلها، فتبسم، وطلب من عرّفه به، وتراكب الناس عليه في بلاد العجم، حتّى تمسحوا بأطراف ثيابه وتراب نعليه. ومن شعره رضي الله عنه: سألت النّاس عن خلّ وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل تمسّك إن ظفرت بودّ حرّ ... فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل وذكر النووي في «تهذيبه» [2] أن الشيخ أبا إسحاق كان طارحا للتكلف.

_ [1] في «آ» : «إن» . [2] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 173) .

وروي أنه جيء بسؤال وهو عند دكان خباز أو بقّال، فأخذ قلمه ودواته وأجاب على السؤال، ثم مسح بالقلم ثوبه. وعلى الجملة فإنه ممّن أطبق الناس على فضله وسعة علمه، وحسن سمته وصلاحه، مع القبول التام من الخاص والعام، وقد أثنى عليه علماء وقته بما يطول شرحه. وقال فيه عاصم بن الحسين: تراه من الذّكاء نحيف جسم ... عليه من توقّده [1] دليل إذا كان الفتى ضخم المعاني ... فليس يضره [2] الجسم النّحيل وله مؤلفات كثيرة شهيرة نافعة، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الوفاء، طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن القوّاس البغدادي، الفقيه الحنبلي، الزاهد الورع. ولد سنة تسعين وثلاثمائة، وقرأ القرآن [3] على أبي الحسن الحمّامي، وسمع الحديث من هلال الحفّار، وأبي الحسين بن بشران، وغيرهما [4] . وتفقه أولا على القاضي [أبي الطيب الطبري الشافعي، ثم تركه، وتفقّه على القاضي] [5] أبي يعلى، ولازمه حتّى برع في الفقه، وأفتى ودرّس، وكانت له حلقة بجامع المنصور للفتوى والمناظرة، وكان يلقي المختصرات من تصانيف

_ [1] في «آ» و «ط» : «توجده» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (1/ 30) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 463) . [2] في «سير أعلام النبلاء» : «يضيره» وكلاهما بمعنى. [3] كذا في «ط» و «طبقات الحنابلة» (2/ 244) و «المنتظم» (9/ 8) ، وفي «آ» : «وقرأ القراءات» . [4] في «ط» : «وغيرهم» . [5] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .

شيخه القاضي أبي يعلى، ويلقي مسائل الخلاف درسا، وكان إليه المنتهى في العبادة، والزهد، والورع. وذكره ابن السمعاني في «تاريخه» فقال: من أعيان فقهاء الحنابلة وزهّادهم، كان قد أجهد نفسه في الطاعة والعبادة، واعتكف في بيت الله خمسين سنة، وكان يواصل الطاعة ليله بنهاره، وكان قارئا للقرآن [1] ، فقيها، ورعا، خشن العيش. انتهى. وكانت له كرامات ظاهرة، ذكر ابن شافع في ترجمة صاحبه أبي الفضل بن العالمة الإسكاف المقرئ، أنّه كان يحكي من كرامات الشيخ أبي الوفاء أشياء عجيبة، منها أنه قال: كنت أحمل معي رغيفين كل يوم فأعبر- يعني في السفينة- برغيف، وأمشي إلى مسجد الشيخ فأقرأ، ثم أعود ماشيا إلى ذلك الموضع، فأنزل بالرغيف الآخر، فلما كان يوم من الأيام أعطيت الملاح الرغيف، فرمى به واستقله، فألقيت إليه الرغيف الآخر، وتشوش قلبي لما جرى، وجئت إلى الشيخ، فقرأت عليه عادتي، وقمت على العادة، فقال لي: قف، ولم تجر عادته قطّ بذلك، ثم أخرج من تحت وطائه قرصا فقال: أعبر بهذا. وفيها عبد الوهاب [2] بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي ثم الحرّاني، الخزّاز أبو الفتح، قاضي حرّان. اشتغل ببغداد، وتفقه بها على القاضي أبي يعلى، وسمع الحديث من البرقاني، وأبي طالب العشاري، وأبي على بن شاذان، وغيرهم. ثم استوطن حرّان، وصحب بها الشريف أبا القاسم الزيدي، وأخذ عنه، وتولى بها القضاء.

_ [1] في «آ» : «للقراءات» . [2] في «آ» و «ط» : «عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الحنابلة» (2/ 245) و «العبر» (3/ 286) و «عبد الوهاب» الثانية لم ترد فيه، و «المنهج الأحمد» (2/ 173) بعناية الأستاذ عادل نويهض.

قال عنه ابن السمعاني: كان فقيها، واعظا، فصيحا. وقال ابن أبي يعلى [1] : كان يلي قضاء حرّان من قبل الوالد، كتب له عهدا بولاية القضاء بحرّان. وكان ناشرا للمذهب، داعيا إليه، وكان مفتي حرّان، وواعظها، وخطيبها، ومدرّسها. وقال ابن رجب [2] : له تصانيف كثيرة. وسمع منه جماعة، منهم: هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، ومكّي الرّميلي وغيرهما. وفي زمانه كانت حرّان لمسلم بن قريش صاحب الموصل، وكان رافضيا، فعزم القاضي أبو الفتح على تسليم حرّان إلى جبق [3] أمير التّركمان لكونه سنيا، فأسرع ابن قريش إلى حرّان، وحصرها، ورماها بالمجانيق، وهدم سورها، وأخذها، ثم قتل القاضي أبا الفتح، وولديه، وجماعة من أصحابه، وصلبهم على السور، وقبورهم بحرّان تزار، رحمة الله عليهم. وذكر ابن تيمية في «شرح العمدة» أن أبا الفتح بن جلبة كان يختار استحباب مسح الأذنين بماء جديد، بعد مسحهما بماء الرأس، وهو غريب جدا. وفيها أبو محمد عبد الله بن عطاء بن عبد الله بن أبي منصور بن الحسن بن إبراهيم الإبراهيمي الهروي، المحدّث الحافظ، أحد الحفّاظ المشهورين الرّحالين. سمع بهراة من عبد الواحد المليحي، وشيخ الإسلام الأنصاري، وببوشنج من أبي الحسن الدّاوودي، وبنيسابور من أبي القاسم القشيري وجماعة، وببغداد من ابن النّقور وطبقته، وبأصبهان من عبد الوهاب، وعبد الرحمن ابني مندة، وجماعة. وكتب بخطه الكثير، وخرّج

_ [1] في «طبقات الحنابلة» (2/ 245) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 43) . [3] في «آ» و «ط» : «جنق» بالنون وهو تصحيف، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 130) .

التاريخ للشيوخ، وحدّث، وروى عنه أبو محمد سبط الخيّاط، وابن الزعفراني، وآخر من روى عنه أبو المعالي بن النّحاس، ووثّقه طائفة، منهم: المؤتمن السّاجي. وقال شهردار الدّيلمي عنه: كان صدوقا، حافظا، متقنا، واعظا، حسن التذكير [1] ، وقد تكلم فيه هبة الله السقطي- والسقطيّ مجروح لا يقبل قوله- وقد ردّ قوله ابن السمعاني، وابن الجوزي، وغيرهما، وتوفي في طريق مكّة بعد عوده منها، على يومين من البصرة. وفيها أبو الخطّاب، علي بن أحمد بن عبد الله المقرئ الصّوفي المؤدب البغدادي. ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وقرأ على أبي الحسن الحمّامي وغيره بالسبع، وقرأ عليه خلق كثير، منهم أبو الفضل بن المهتدي، وروى عنه الحديث أبو بكر بن عبد الباقي وغيره، وله مصنف في السبعة [2] ، وقصيدة في السنّة، وقصيدة في عدد الآي، وكان من شيوخ الإقراء ببغداد المشهورين، ومن حنابلتها المجتهدين، وكان سابقا شافعيا، ثم رأى الإمام أحمد، وسأله عن أشياء، وأصبح وقد تحنبل، وصنّف في معتقدهم. وفيها أبو حكيم [3] الخبري- نسبة إلى خبر بنواحي شيراز- كان فقيها صالحا، وكان يكتب في مصحف، فألقى القلم من يده واستند، وقال: والله إن هذا هو موت هنيّ طيب ثم مات، رحمه الله تعالى. قاله ابن الأهدل. وفيها البكري، أبو بكر، المغربي [4] الواعظ، من دعاة الأشعرية،

_ [1] في «آ» : «التذكرة» . [2] يعني في القراءات السبعة. [3] في «آ» و «ط» : «أبو حليم» وما أثبته من «الأنساب» (5/ 39) . [4] لفظة «المغربي» سقطت من «آ» وتحرّفت في «ط» إلى «المقرئ» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (18/ 561) .

وفد على نظام الملك بخراسان، فنفق عليه، وكتب له سجلا أن يجلس بجوامع بغداد، فقدم وجلس ووعظ، ونال من الحنابلة سبّا وتكفيرا، ونالوا منه، ولم تطل مدته. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد أبي الصّقر اللّخمي الأنباري الخطيب، في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة. سمع بالحجاز، والشام، ومصر، وأكبر مشايخه ابن أبي نصر التميمي. وفيها مقرئ الأندلس في زمانه، أبو عبد الله محمد بن شريح [2] الرّعيني الإشبيلي المقرئ، مصنف كتاب «الكافي» وكتاب «التذكير» توفي في شوال، وله أربع وثمانون سنة، وقد حجّ وسمع من أبي ذرّ الهروي، وجماعة [3] .

_ [1] (3/ 286) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن سريج» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» - وقد ضبطه محققه بفتح الشين وهو خطأ- و «سير أعلام النبلاء» (18/ 554) . [3] قلت: وفيها على الصواب إمام العربية، أبو الحجّاج، يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري الأندلسي. انظر «الصلة» لابن بشكوال (2/ 681) و «وفيات الأعيان» (7/ 81) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 555- 557) والتعليق عليه. وقد وهم المؤلّف ابن العماد- رحمه الله- فأورده في وفيات سنة (495) فليحرر.

سنة سبع وسبعين وأربعمائة

سنة سبع وسبعين وأربعمائة فيها توفي إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني أبو القاسم، صدر، عالم، نبيل، وافر [1] ، له يد في النظم والنثر. روى عن حمزة السّهمي وجماعة، وعاش سبعين سنة، وروى «الكامل» لابن عدي. وفيها بيبى [2] بنت عبد الصمد بن علي أمّ الفضل، وأمّ عزّى [3] الهرثميّة الهرويّة، لها جزء مشهور، ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح، توفيت في هذه السنة أبو في التي بعدها، وقد استكملت تسعين سنة. وفيها أبو سعد، عبد الله بن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، أكبر الإخوة، في ذي القعدة، وله أربع وستون سنة. روى عن القاضي أبي بكر الحيري، وجماعة، وعاشت أمّه فاطمة بنت أبي علي الدّقّاق بعده أربعة أعوام. قال ابن الأهدل: الإمام الكبير البارع، أبو سعيد [4] . كانت فيه أوصاف قلّ أن يحتويها إنسان، أو يعبّر عنها لسان، وكان أبوه يحترمه ويعامله معاملة الأقران لما ظهر له منه.

_ [1] في «العبر» : «وافر الحشمة» . (ع) . [2] قال في «تاج العروس» (بيب) : بيبى كضيزى. ثم ذكر المترجمة. [3] في «آ» و «ط» و «العبر» : «أم عربي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (18/ 403) . [4] في «ط» : «أبو سعيد» وهو خطأ.

وفيها عبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي، آخر أصحاب عبد الرحمن بن أبي شريح [الهروي] موتا [1] ، وهو من كبار شيوخ أبي الوقت. وفيها أبو نصر بن الصّبّاغ، عبد السيّد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي، أحد الأئمة، ومؤلّف «الشامل» [2] كان نظير الشيخ أبي إسحاق [3] ، ومنهم من يقدّمه على أبي إسحاق في نقل المذهب، وكان ثبتا، حجّة، ديّنا، خيّرا، ولي النظامية بعد أبي إسحاق، ثم كفّ بصره. وروى عن محمد بن الحسين القطّان، وأبي علي بن شاذان، وكان مولده في سنة أربعمائة، توفي في جمادى الأولى ببغداد، ودفن في داره. قاله في «العبر» [4] . وقال ابن شهبة [5] . كان ورعا، نزها، ثبتا، صالحا، زاهدا، فقيها، أصوليا، محقّقا. قال ابن عقيل: كملت له شرائط الاجتهاد المطلق. وقال ابن خلّكان: كان ثبتا، صالحا، له كتاب «الشامل» وهو من أصح كتب أصحابنا وأتقنها أدلة. قال ابن كثير [6] : وكان من أكابر أصحاب الوجوه، ومن تصانيفه كتاب «الكامل» في الخلاف بيننا وبين الحنفية، وكتاب «الطريق السالم» و «العمدة في أصول الفقه» .

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» (3/ 289) . [2] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (3/ 217) : وهو من أجود كتب أصحابنا- يعني أتباع الإمام الشافعي- وأصحها نقلا، وأثبتها أدلة، وانظر «كشف الظنون» (2/ 1025) . [3] يعني الشيرازي. [4] (3/ 289- 290) . [5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 270) . [6] يعني في كتابه «طبقات الشافعية» وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما أعلم.

وفيها أبو علي الفارمذي- بفتح الفاء والراء والميم ومعجمة [1] نسبة إلى فارمذ قرية بطّوس- الفضل بن محمد الزاهد، شيخ خراسان. قال عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير، التي لم يسبق إليها في عبارته وتهذيبه، وحسن أدائه، ومليح استعارته، [ودقيق إشارته] ورقة ألفاظه. دخل نيسابور، وصحب القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ، إلى أن قال: وحصل له عند نظام الملك [قبول] [2] خارج عن الحدّ. روى عن أبي عبد الله بن باكويه، وجماعة، وعاش سبعين سنة. توفي في ربيع الآخر. قاله في «العبر» [3] . وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقات الأولياء» : كان عالما، شافعيا، عارفا بمذاهب السّلف، ذا خبرة بمناهج الخلف، وأما التصوف فذاك عشّه الذي منه درج، وغابه الذي ألفه ليثه ودخل وخرج، تفقه على الغزالي الكبير، وأبى عثمان الصّابوني، وغيرهما، وأخذ عنه حجّة الإسلام، وجدّ واجتهد، وكان ملحوظا من القشيري بعين العناية، موفرا عليه منه طريق الهداية، حتّى فتح عليه لوامع من أنواع المجاهدة، وصار من مذكوري الزمان ومشهوري المشايخ، وكان لسان الوقت. وقال السمعاني [4] : كان لسان خراسان، وشيخها، وصاحب الطريقة الحسنة في [5] تربية المريدين، وكان مجلس وعظه روضة ذات أزهار.

_ [1] كذا قال المؤلّف وقد تبع في ذلك السمعاني في «الأنساب» (9/ 218) وقال ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 228) : بالراء الساكنة يلتقي بسكونها ساكنان، وفتح الميم وآخره زال معجمة. [2] لفظة «قبول» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» . [3] (3/ 290) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 565) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [4] انظر «الأنساب» (9/ 219) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف. [5] في «الأنساب» : «من» .

وفيها محمد بن عمّار أبو بكر المهري، ذو الوزارتين، شاعر الأندلس، كان هو وابن زيدون كفرسي رهان وكان ابن عمّار قد اشتمل عليه المعتمد وبلغ الغاية، إلى أن استوزره، ثم جعله نائبا على مرسية، فخرج عليه، ثم ظفر به المعتمد فقتله. قال ابن خلّكان [1] : وكانت ملوك الأندلس تخاف ابن عمّار لبذاءة لسانه وبراعة إحسانه، لا سيما حين اشتمل عليه المعتمد على الله بن عبّاد صاحب غرب الأندلس، وأنهضه جليسا وسميرا، وقدّمه وزيرا ومشيرا، ثم رجّع إليه [2] خاتم الملك، ووجهه أميرا، وقد أتى عليه حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا، فتبعته المواكب، والمضارب، والجنائب، والنجائب، والكتائب، وضربت خلفه الطبول، ونشرت على رأسه الرايات والبنود، فملك مدينة تدمير [3] وأصبح راقي منبر وسرير، مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير، ثم وثب على مالك رقّه، ومستوجب شكره ومستحقه، فبادر إلى عقوقه وبخس [4] حقوقه، فتحيّل المعتمد عليه، وسدّد سهام المكائد إليه، حتّى حصل في يده قنيصا [5] ، وأصبح لا يجد له محيصا، إلى أن قتله المعتمد بيده ليلا في قصره بمدينة إشبيلية. وكانت ولادته في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ولما قتله المعتمد، رثاه صاحبه ابن وهبون الأندلسي بقوله من جملة قصيدة: عجبا له أبكيه ملء مدامعي ... وأقول: لا شلّت يمين القاتل

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 425- 429) . [2] في «وفيات الأعيان» : «ثم خلع عليه» . [3] قال ياقوت: تدمير: كورة بالأندلس، تتصل بأحواز كورة جيّان، وهي شرقي قرطبة، وانظر تتمة كلامه عنها في «معجم البلدان» (2/ 19) . [4] في «آ» و «ط» : «وغش» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «آ» : «محيصا» وما أثبته من «ط» و «وفيات الأعيان» .

ومن مشاهير قصائد ابن عمّار: أدر الزجاجة فالنّسيم قد انبرى ... والنّجم قد صرف العنان عن السّرى والصّبح قد أهدى لنا كافوره ... لما استردّ اللّيل منّا العنبرا ومن مديحها [1] وهي في المعتمد بن عبّاد: ملك إذا ازدحم الملوك بمورد ... ونحاه لا يردون حتّى يصدرا أندى على الأكباد من قطر النّدى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى قدّاح زند المجد لا ينفك عن [2] ... نار الوغى إلّا إلى نار القرى ومن جملة ذنوبه عند المعتمد بيتان هجاه وهجا ابنه المعتضد بهما وهما: مما يقبّح عندي ذكر أندلس ... سماع معتضد فيها ومعتمد أسماء مملكة في غير موضعها ... كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسد وكان أقوى الأسباب على قتله أنه هجاه بشعر ذكر فيه أم بنيه المعروفة بالرّميكية، منها: تخيّرها [3] من بنات الهجان ... رميكيّة [4] لا تساوي عقالا فجاءت بكلّ قصير الذراع ... لئيم النّجارين [5] عمّا وخالا وهذه الرّميكيّة [4] كانت سريّة المعتمد، اشتراها من رميك بن حجّاج، فنسبت إليه، وكان قد اشتراها في أيام أبيه المعتضد، وأفرط في الميل إليها،

_ [1] يعني من أبيات المديح في القصيدة نفسها. [2] في «وفيات الأعيان» : «من» . [3] في «وفيات الأعيان» : «تخيرتها» . [4] قلت: وكانت شاعرة، ماتت سنة (488) هـ-. انظر «الأعلام» للعلّامة الزركلي (1/ 334) . [5] في «آ» و «ط» : «النجادين» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . وقال ابن منظور في «لسان العرب» (نجر) : النّجر والنَّجار والنُّجار: الأصل والحسب.

وغلبت عليه، واسمها اعتماد، وهي التي أغرت المعتمد على قتل ابن عمّار لكونه هجاها. وفيها مسعود بن ناصر السّجزي [1] أبو سعيد الرّكّاب، الحافظ، رحل، وصنّف، وحدّث عن أبي حسّان المزكّي، وعلي بن بشر بن اللّيثي، وطبقتهما، ورحل إلى بغداد، وإصبهان. قال الدّقاق: ولم أر [في المحدّثين] [2] أجود إتقانا ولا أحسن ضبطا منه. توفي بنيسابور في جمادى الأولى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الشحري» وهو تصحيف، والتصحيح من «الأنساب» (7/ 47) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 532) . [2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» .

سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فيها أخذ الأذفونش [1] لعنه الله، مدينة طليطلة من الأندلس، بعد حصار سبع سنين، فطغى وتمرد، وحملت إليه ملوك الأندلس الضريبة، حتّى المعتمد بن عبّاد، ثم استعان المعتمد على حربه بالملثّمين، وأدخلهم الأندلس. وفيها توفي أبو العبّاس العذري، أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث الأندلسي الدّلائي- ودلايه من عمل المريّة- كان حافظا، محدّثا، متقنا، مات في شعبان، وله خمس وثمانون سنة. حج سنة ثمان وأربعمائة مع أبويه، فجاوروا ثمانية أعوام، وصحب هو أبا ذرّ، فتخرّج به، وروى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة، ومن جلالته أن إمامي الأندلس ابن عبد البرّ، وابن حزم، رويا عنه، وله كتاب «دلائل النبوة» . وفيها أبو سعد المتولّي، عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري، شيخ الشافعية، وتلميذ القاضي الحسين، وهو صاحب «التّتمة» تمم به «الإبانة» لشيخه أبي القاسم الفوراني، تفقه بمرو على الفوراني، وبمرو الرّوذ على القاضي حسين، وببخارى على أبي سهل الأبيوردي، وبرع في الفقه، والأصول، والخلاف.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الأدقيش» وفي «العبر» : «الأذفنش» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» (10/ 142) و «البيان المغرب» (4/ 35) .

قال الذهبي: كان فقيها محقّقا، وحبرا مدقّقا. وقال ابن كثير [1] : هو أحد أصحاب الوجوه في المذهب، وصنّف «التتمة» ولم يكمله، وصل فيه إلى القضاء، وأكمله غير واحد، ولم يقع شيء من تكملتهم على نسبته، وصنّف كتابا في أصول الدّين، وكتابا في الخلاف، ومختصرا في الفرائض، ومولده بنيسابور، سنة ست. وقيل: سبع وعشرين وأربعمائة، وتوفي ببغداد في شوال. قال ابن خلّكان [2] : ولم أقف على المعنى الذي سمّي به المتولّي. وفيها أبو المعالي أحمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزّعفراني [3] الحنبلي، المحدّث. سمع الكثير، وطلب بنفسه، وكتب بخطّه. قال أبو علي البرداني: كان همّه [4] جمع الحديث وطلبه، حدّث باليسير عن أحمد بن عمر بن الأحصر، وأبي الحسين العكبري وغيرهم، وروى عنه البرداني، وقال: إنه مات ليلة الثلاثاء، مستهل المحرم. وفيها أبو معشر الطبري، عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطّان المقرئ، نزيل مكّة، وصاحب كتاب «التلخيص» وغيره. قرأ بحرّان على أبي القاسم الزّيدي، وبمكّة على الكارزيني، وبمصر على جماعة، وروى عن أبي عبد الله بن نظيف، وجلس للإقراء بمكّة. وفيها إمام الحرمين، أبو المعالي الجويني، عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف، الفقيه الشافعي ضياء الدّين. أحد الأئمة الأعلام.

_ [1] في «طبقات الشافعية» وهو مخطوط كما ذكرت من قبل. [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 134) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف. [3] انظر «الوافي بالوفيات» (8/ 174- 175) و «المنهج الأحمد» (2/ 179) . [4] في «آ» و «ط» : «همته» والتصحيح من «المنهج الأحمد» .

قال ابن الأهدل: تفقه على والده في صباه، واشتغل به مدته، فلما توفي والده، أتى على جميع مصنّفاته، ونقلها ظهرا لبطن، وتصرّف فيها، وخرّج المسائل بعضها على بعض، ولم يرض بتقليد والده من كل وجه، حتى أخذ في تحقيق المذهب والخلاف، وسلك طريق المباحثة والمناظرة، وجمع الطرق بالمطالعة، حتّى أربى على المتقدمين، وأنسى مصنّفات الأولين. توفي والده وهو دون العشرين سنة، فأقعد مكانه للتدريس، وكان يتردد إلى المشايخ في أنواع العلوم، حتى ظهرت براعته، ولما ظهر التعصب بين الأشعرية والمبتدعة، خرج مع المشايخ إلى بغداد، فلقي الأكابر، وناظر، فظهرت فطنته، وشاع ذكره، ثم خرج إلى مكة، فجاور بها أربع سنين ينشر العلم، ولهذا قيل له: إمام الحرمين، ثم رجع بعد مضي نوبة التعصب إلى نيسابور في ولاية ألب أرسلان السّلجوقي، ثم قدم بغداد، فتولى تدريس النظامية، والخطابة، والتذكير، والإمامة، وهجرت له المجالس، وانغمر ذكر غيره من العلماء، وشاعت مصنفاته وبركاته، وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو ثلاثمائة رجل، من الطلبة، والأئمة، وأولاد الصدور، وحصل له من القبول عند السلطان ما هو لائق بمنصبه، بحيث لا يذكر غيره والمقبول من انتمى إليه وقرأ عليه، وصنّف النظامي والغيّاثي، فقوبل بما يليق به من الشكر، والخلع الفائقة، والمراكب الثمينة، ثم قلّد رعاية الأصحاب، ورئاسة الطائفة، وفوّض إليه أمر الأوقاف، وسار إلى أصبهان بسبب مخالفة الأصحاب، فقابله نظام الملك بما هو لائق بمنصبه، وعاد إلى نيسابور، وصار أكثر عنايته ب- «نهاية المطلب في دراية المذهب» وأودعه من التدقيق والتحقيق ما تعلم به مكانته من العلم والفهم، واعترف أهل وقته بأنه لم يصنّف في المذهب مثله، وصنّف «الشامل في أصول الدّين» و «الإرشاد» و «العقيدة النظامية» و «غياث الأمم» في الإمامة، و «مغيث الخلق في اختيار

الأحق» و «البرهان في أصول الفقه» وغيرها، وكان مع رفعة قدره وجلالته، له حظ وافر من التواضع، فمن ذلك أنه لما قدم عليه أبو الحسن المجاشعي، تلمذ له، وقرأ عليه كتاب «إكسير الذهب في صناعة الأدب» من تصنيفه، وقد تقدم أنه حمل بين يدي الشيخ أبي إسحاق الغاشية، وقد أثنى عليه علماء وقته بما يطول شرحه، من ذلك قول الشيخ أبي إسحاق: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان. وقال له في أثناء كلامه: يا مفيد أهل المشرق والمغرب، أنت إمام الأئمة اليوم. وقال المجاشعي: ما رأيت عاشقا للعلم في أيّ فنّ كان مثل هذا الإمام، وكان لا يستصغر أحدا، حتى يسمع كلامه، ولا يستنكف أن يعزو الفائدة إلى قائلها، ويقول: استفدتها من فلان، وإذا لم يرض كلامه زيّفه، ولو كان أباه. وقال في اعتراض على والده، وهذه زلّة من الشيخ رحمه الله، وكان إذا شرع في حكايات الأحوال، وعلوم الصوفية، ومجالس [1] الواعظ والتذكير، بكى طويلا، حتّى يبكي غيره لبكائه، وربما زعق ولحقه الاحتراق العظيم، لا سيما إذا أخذ في التفكّر. وسمع الحديث من جماعة كثيرة، وأجاز له أبو نعيم صاحب «الحلية» وسمع «سنن الدارقطني» من ابن عليك، وكان يعتمد تلك الأحاديث في مسائل الخلاف، ويذكر الجرح والتعديل في الرواية. وروي أن والده في ابتداء أمره، كان ينسخ بالأجرة، حتّى اجتمع له شيء، فاشترى به جارية صالحة، ووطئها فلما وضعت إمام الحرمين، أوصاها

_ [1] في «ط» : «ومجلس» .

أن لا ترضعه من غيرها، فأرضعته يوما جارة لهم، فاجتهد الشيخ في تقييئها، حتّى تقايأها، وكان ربما لحقته فترة بعد إمامته، فيقول: لعل هذه من بقايا تلك الرضعة، ولما مات لحق الناس عليه ما لا يعهد لغيره، وغلقت أبواب البلد، وكشفت الرؤوس، حتّى ما اجترأ أحد من الأعيان يغطي رأسه، وصلى عليه ولده أبو القاسم بعد جهد عظيم من الزحام، ودفن في داره بنيسابور، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، وكسر منبره في الجامع، وقعد الناس للعزاء أياما، وكان طلبته نحو أربعمائة يطوفون في البلد نائحين عليه، وكان عمره تسعا وخمسين سنة، وآثاره في الدّين باقية، وإن انقطع نسله ظاهرا، فنشر علمه يقوم مقام كل نسب. ومن كلامه في كتابه «الرسالة النظامية» [1] : اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب، وما يصحّ من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الربّ. قال: والذي نرتضيه رأيا، وندين لله [2] به عقدا، اتباع سلف الأمة، والدليل السمعيّ القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجّة متبعة، وهو مستند الشريعة، وقد درج صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ترك التعرّض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملّة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مشروعا أو محتوما، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصرهم على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المتبع، فحق على كل ذي دين أن يعتقد تنزيه الباري عن

_ [1] وتسمى أيضا «العقيدة النظامية» وقد طبعت في القاهرة بتحقيق العلّامة الشيخ محمد زاهد الكوثري عام (1367) هـ-، ولكنها ليست بمتناول يدي. [2] في «ط» : «وندين الله» .

صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الربّ، فليجر آية الاستواء والمجيء، وقوله: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 [ص: 75] وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ 55: 27 [الرحمن: 27] وقوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا 54: 14 [القمر: 14] . وما صحّ من أخبار الرسول، كخبر النزول وغيره كما ذكرنا، انتهى بحروفه. ومن شعر أبي المعالي: نهاية إقدام العقول عقال ... وغاية آراء الرّجال ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وغاية دنيانا أذى ووبال وذكر المناوي في شره على «الجامع الصغير» [1] ما نصه: وقال السمعاني في «الذيل» عن الهمداني: سمعت أبا المعالي- يعني إمام الحرمين- يقول: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى [2] أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحقّ، وهربا من التقليد [3] ، والآن [قد] رجعت من العمل إلى كلمة الحقّ «عليكم بدين العجائز» [4] فإن لم يدركني الحقّ بلطفه، وأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري [عند الرحيل] على الحق، وكلمة الإخلاص، لا إله إلا الله [5] ، فالويل لابن الجويني. انتهى بحروفه، فرحمه الله ورضي عنه.

_ [1] انظر «فيض القدير» (1/ 424) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] في «آ» : «ينهى» . [3] في «آ» و «ط» : «وهو يأمن التقليد» ، والتصحيح من «فيض القدير» . [4] ذكره الحافظ السيوطي في «الدرر المنتثرة» ص (98) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت، وعزاه للديلمي من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بلفظ: «إذا كان آخر الزمان واختلفت الأهواء، فعليكم بدين أهل البادية والنساء» وقال: سنده واه. وقال الصنعاني: موضوع. انظر «الدّر الملتقط في تبيين الغلط» ص (43) طبع دار الكتب العلمية ببيروت. [5] في «آ» و «ط» : «وإلا» وما أثبته من «فيض القدير» .

وفيها أبو علي بن الوليد، شيخ المعتزلة، محمد بن أحمد بن عبد الله ابن أحمد بن الوليد الكرخي، وله اثنتان وثمانون سنة. أخذ عن أبي الحسين البصري، وغيره، وبه انحرف ابن عقيل عن السّنّة قليلا، وكان ذا زهد، وورع، وقناعة، وتعبد، وله عدة تصانيف، ولما افتقر جعل ينقض داره ويبيع خشبها ويتقوت [به] ، وكانت من حسان الدّور ببغداد. قاله في «العبر» [1] . وفيها قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، محمد بن علي بن محمد الحنفي، تفقه بخراسان ثم ببغداد، على القدوري، وسمع من الصّوري وجماعة، وعاش ثمانين سنة. وكان نظير القاضي أبي يوسف في الجاه، والحشمة، والسؤدد، وبقي في القضاء دهرا، ودفن في القبة إلى جانب الإمام أبي حنيفة، رحمهما الله تعالى. وفيها مسلم، الملك شرف الدولة، أبو المكارم بن الملك أبي المعالي قريش بن بدران بن مقلّد العقيلي، صاحب الجزيرة وحلب، وكان رافضيا اتسعت ممالكه، ودانت له العرب، وطمع في الاستيلاء على بغداد عند موت طغرلبك، وكان شجاعا، فاتكا، مهيبا، داهية [2] ، ماكرا، التقى هو والملك سليمان بن قتلمش [3] السلجوقي، صاحب الرّوم، على باب أنطاكية، فقتل في المصاف.

_ [1] (3/ 293- 294) . [2] في «آ» و «ط» : «ذا هيبة» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف في نقله. [3] في «آ» و «ط» : «سلمان بن قتلمش» والتصحيح من «العبر» (3/ 294) وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 138) .

سنة تسع وسبعين وأربعمائة

سنة تسع وسبعين وأربعمائة فيها كانت وقعة الزلّاقة بين الأذفونش [1] والمعتمد بن عبّاد، ومعه الملثّمون، فأتوا الزلّاقة من عمل بطليوس، فالتقى الجمعان، فوقعت الهزيمة على الملاعين، وكانت ملحمة عظيمة، في أول جمعة من رمضان، وجرح المعتمد عدّة جراحات سليمة، وطابت الأندلس للملثّمين، فعمل أميرهم ابن تاشفين على ملكها [2] . وفيها أعيدت الخطبة العبّاسية بالحرمين، وقطعت خطبة العبيديين. وفيها كما قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [3] أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش إلى المعتمد أن يسلطنه، وأن يقلده ما بيده من البلاد، فبعث إليه الخلع، والأعلام، والتقليد، ولقبه بأمير المؤمنين، ففرح بذلك، وسرّ به فقهاء المغرب، وهو الذي أنشأ مدينة مراكش. وفيها توفي أبو سعد النيسابوري، شيخ الشيوخ ببغداد، أحمد بن محمد بن دوست، كان كبير الحرمة في الدولة، له رباط مشهور ومريدون، وكان نظام الملك يعظّمه.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الأذفوش» وهو تحريف والصواب ما أثبته، وانظر التعليق على ص (337) من هذا المجلد. [2] في «العبر» : «على تملكها» . (ع) . [3] لم أقف على هذا النقل في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.

وفيها أبو القاسم إسماعيل بن زاهر النّوقاني- بالفتح والسكون كما قال السيوطي [1] : وبالضم كما قال الإسنوي [1] نسبة إلى نوقان، مدينة بطوس- النيسابوري الشافعي الفقيه، وله اثنتان وثمانون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي، وعبد الله بن يوسف، وابن محمش، وطائفة، ولقي ببغداد أبا الحسن [2] بن بشران وطبقته، وأملى وأفاد. وفيها طاهر بن محمد أبو عبد الرحمن الشّحّامي المستملي، والد زاهر [3] . روى عن الحيري، وطائفة، وكان فقيها صالحا، ومحدّثا عارفا. له بصر تام بالشروط، توفي في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة. وفيها أبو علي التّستري، علي بن أحمد بن علي البصري السّقطي، راوي «السنن» [4] عن أبي عمر الهاشمي. وفيها أبو الحسن علي بن فضّال المجاشعي القيراوني، صاحب المصنفات في العربية، والتفسير، توفي في ربيع الأول، وكان من أوعية العلم، تنقل بخراسان، وصحب نظام الملك. وفيها أبو الفضل محمد بن عبيد الله الصّرّام [5] النيسابوري، الرجل الصالح. روى عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، وطبقتهما، وتوفي في شعبان. وفيهما مسند العراق، أبو نصر الزّينبي [6] محمد بن محمد بن علي

_ [1] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» ص (266) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 493) في آخر ترجمة (ناصر بن إسماعيل النوقاني) أما المترجم فلم يرد له ذكر عنده. [2] في «العبر» : «ولقى ببغداد أبا الحسن» . (ع) . [3] يريد والد (زاهر بن طاهر) والشحامي: نسبة لبيع الشحم. انظر «لب اللباب» ص (151) . [4] يعني «سنن أبي داود» كما جاء مبينا في «سير أعلام النبلاء» (18/ 481) . [5] تحرّفت نسبته في «آ» إلى «الصوّام» . [6] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الزبيبي» والتصحيح من «العبر» (3/ 297) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 443) .

الهاشمي العبّاسي آخر أصحاب المخلّص، ومحمد بن عمر الورّاق [1] توفي في جمادى الآخرة، وله اثنتان وتسعون سنة وأربعة أشهر، وكان ثقة خيّرا. وفيها القاضي أبو علي ناصر بن إسماعيل النّوقاني الحاكم. قال عبد الغافر: كان فاضلا كبيرا من وجوه أصحاب الشافعي، حسن الكلام في المناظرة، درّس سنين بنوقان، وأجرى بها القضاء على وجهه، وقتل بها شهيدا. قاله الإسنوي [2] .

_ [1] واسمه: أبو بكر محمد بن عمر بن زنبور الوراق. انظر «الأنساب» (6/ 346) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 444) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 492- 493) .

سنة ثمانين وأربعمائة

سنة ثمانين وأربعمائة فيها توفي مقرئ الأندلس، عبد الله بن سهل الأنصاري المرسي. أخذ القراءات عن أبي عمر الطّلمنكي، وأبي عبد الله محمد بن سفيان، ومكّي، وجماعة. وفيها شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي أبو محمد، قدم بغداد بعد الثلاثين وأربعمائة، وسمع من أبي علي بن المذهب، والعشاري، وابن غيلان، والقاضي أبي يعلى، وعليه تفقه وكتب معظم تصانيفه في الأصول والفروع، ودرّس الفقه بمسجد الشريف أبي جعفر وخلفه أولاده من بعده في ذلك، حتّى عرف المسجد بهم. قال ابن الجوزي: كان متعففا متقشفا، ذا صلاح. وقال ابن السمعاني: كتب التصانيف في مذهب الإمام أحمد كلها، ودرّس الفقه، وتوفي يوم الثلاثاء سادس عشري صفر. وفيها عبد الله بن نصر الحجازي أبو محمد الزاهد. قال ابن الجوزي [1] : سمع الحديث، وصحب الزّهاد، وتفقه على مذهب أحمد، وكان خشن العيش متعبدا، وحجّ على قدميه بضع عشرة حجة، وتوفي في ربيع الأول.

_ [1] انظر «المنتظم» (9/ 39) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

وفي آخر يوم من هذه السنة- وهو يوم الأحد سلخ ذي الحجة- أبو بكر محمد بن علي بن الحسين بن القيّم الخزاز [1] الحريمي الحنبلي، ودفن بباب حرب. طلب الحديث، وسمع من أبي الغنائم بن المأمون، والعشاري، وغيرهما، وكتب بخطه الحديث والفقه، وحدّث باليسير، وسمع منه أبو طاهر بن الرّحبي القطّان، وأبو المكارم الظاهري. وفيها فاطمة بنت الشيخ أبي علي الحسن بن علي الدّقاق الزاهد [2] ، زوجة القشيري، كانت كبيرة القدر، عالية الإسناد، من عوابد زمانها. روت عن أبي نعيم الإسفراييني، والعلوي، والحاكم، وطائفة. توفيت في ذي القعدة، عن تسعين سنة. وفيها فاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع، أمّ الفضل، البغدادية الكاتبة، التي جوّدوا على خطّها، وكانت تنقل طريقة ابن البوّاب، حكت أنها كتبت ورقة للوزير الكندري، فأعطاها ألف دينار، وقد روت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي. وفيها السيد المرتضى، ذو الشرفين. أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني الحافظ، قتله الخاقان بما وراء النهر مظلوما، وله خمس وسبعون سنة. روى عن أبي علي بن شاذان وخلق، وتخرّج بالخطيب ولازمه، وصنّف التصانيف، وحدّث بسمرقند، وأصبهان، وبغداد، وكان متموّلا، معظّما، وافر الحشمة، كان يفرّق في العام نحو العشرة آلاف دينار، ويقول: هذه زكاة مالي.

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحزار» والتصحيح من «المنهج الأحمد» (2/ 180) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (18/ 479) وفي «العبر» (3/ 298) : «الزاهدة» .

سنة إحدى وثمانين وأربعمائة

سنة إحدى وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو بكر الغورجي- بالضم وفتح الراء وجيم [نسبة] إلى غورة، قرية بهراة- أحمد بن عبد الصمد الهروي، راوي «جامع الترمذي» عن الجرّاحي. توفي في ذي الحجة. وفيها أبو إسحاق الطيّان، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني القفّال، صاحب إبراهيم بن خرّشيذ [1] قوله، توفي في صفر. وفيها أبو إسماعيل الأنصاري، شيخ الإسلام، عبد الله بن محمد بن علي الهروي، الصّوفي القدوة الحنبلي الحافظ، أحد الأعلام، توفي في ذي الحجة وله ثمانون سنة وأشهر. سمع من عبد الجبار الجرّاحي، وأبي منصور محمد بن محمد الأزدي، وخلق كثير، وبنيسابور من أبي سعيد الصّيرفي، وأحمد السليطي، صاحبي الأصم، وكان قذى في أعين المبتدعة، وسيفا على الجهمية، وقد امتحن مرات، وصنّف عدة مصنفات، وكان شيخ خراسان في زمانه غير مدافع. قاله في «العبر» [2] . ومن شعره: سبحان من أجمل الحسنى لطالبها ... حتّى إذا ظهرت في عبده مدحا ليس الكريم الذي يعطي ليمدحه ... إنّ الكريم الذي يثني بما منحا

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «خورشيد» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف في نقله. [2] (3/ 299- 300) .

وفيها عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي- كالمرمي نسبة إلى محم جدّ- أبو عمرو المزكّي بنيسابور، في صفر. روى عن أبي نعيم الإسفراييني، والحاكم. وفيها ابن ماجة الأبهري أبو بكر، محمد بن أحمد بن الحسن الأصبهاني، وأبهر أصبهان قرية، وأما أبهر زنجان، فمدينة- عاش خمسا وتسعين سنة، وتفرّد في الدّنيا بجزء لوين عن ابن المرزبان الأبهري.

سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة

سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة فيها توفي أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد أبو نصر الحنفي، رئيس نيسابور وقاضيها وكبيرها. روى عن جدّه، والقاضي أبي [بكر] الحيري [1] وطائفة، وكان يقال له: شيخ الإسلام، وكان مبالغا في التعصب في المذهب، فأغرى بعضا ببعض، حتّى لعنت الخطباء أكثر الطوائف في دولة طغرلبك، فلما مات طغرلبك خمد هذا ولزم بيته مدة، ثم ولي القضاء. وفيها أبو إسحاق الحبّال، الحافظ إبراهيم بن سعيد النّعماني، مولاهم المصري، عن تسعين سنة. سمع أحمد بن ثرثال [2] ، والحافظ عبد الغني، ومنير بن أحمد، وطبقتهم، وكان يتجر في الكتب، وكانت بنو عبيد قد منعوه من التحديث في أواخر عمره، وكان ثقة، صالحا، حجّة، ورعا، كبير القدر. وفيها الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن أبي الحديد أبو عبد الله السّلمي الدمشقي الخطيب، نائب الحكم بدمشق. روى عن عبد الرحمن بن الطّبيز [3] وطائفة، وعاش ستا وستين سنة.

_ [1] في «ط» : «الحري» وما بين حاصرتين مستدرك من «سير أعلام النبلاء» (19/ 8) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بريال» والتصحيح من «العبر» (3/ 302) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن الطيير» والتصحيح من «العبر» (3/ 302) .

وفيها القاضي أبو منصور بن شكرويه [1] محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني، الحافظ المكثر. توفي في شعبان، وله تسع وثمانون سنة، وهو آخر من روى عن أبي علي البغدادي، وابن خرّشيذقوله، ورحل وأخذ بالبصرة عن أبي عمر الهاشمي بعض «السنن» [2] أو كله، وفيه ضعف. وفيها أبو الخير محمد بن أحمد بن عبد الله بن ورا [3] الأصبهاني. روى عن عثمان البرجي وطبقته، وكان واعظا زاهدا، وأمّ مدة بجامع أصبهان. وفيها الطبسي- بفتح الطاء المهملة والموحدة التحتية ومهملة، نسبة إلى طبس مدينة بين نيسابور، وأصبهان، وكرمان- محمد بن أحمد بن أبي جعفر المحدّث، مؤلّف كتاب «بستان العارفين» روى عن الحاكم وطائفة، توفي في شهر رمضان، وكان صوفيا، عابدا، ثقة، صاحب حديث وسنّة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن سمكويه» والتصحيح من «العبر» (3/ 302) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 493) . [2] يعني «سنن أبي داود» كما جاء مبينا في «سير أعلام النبلاء» (18/ 493) وفيه قال الذهبي: إلّا أنه خلط في كتاب «سنن أبي داود» ما سمعه منه بما لم يسمعه، وحكّ بعض السماع. [3] في «آ» و «ط» : «ابن زر» وما أثبته من «العبر» (3/ 302) .

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فيها كانت فتنة هائلة لم يسمع بمثلها بين السّنّة والرافضة، وقتل بينهم عدد كثير، وعجز والي البلد، واستظهرت السّنّة بكثرة من معهم من أعوان الخليفة، واستكانت الشيعة وذلّوا ولزموا التقية، وأجابوا إلى أن كتبوا على مساجد الكرخ خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر. وفيها توفي خواهر زاده الحنفي، شيخ الطائفة بما وراء النهر، وهو أبو بكر محمد بن الحسين البخاري القديديّ [1]- مصغرا نسبة إلى قديد بين مكّة والمدينة شرّفهما الله تعالى- روى عن منصور الكاغذي وطائفة، وبرع في المذهب، وفاق الأقران، وطريقته أبسط طريقة للأصحاب، وكان يحفظها، وتوفي في جمادى الأولى ببخارى. وفيها عاصم بن الحسن أبو الحسين العاصمي الكرخي، الشاعر المشهور. روى عن ابن المتيّم، وعن أبي عمر بن مهدي، وكان شاعرا، محسنا، ظريفا، صاحب ملح ونوادر، مع الصلاح والعفّة والصدق، مرض في آخر عمره، فغسل ديوان شعره، ومات في جمادى الآخرة، عن ست وثمانين سنة.

_ [1] انظر «الأنساب» (10/ 77) .

وفيها أبو نصر التّرياقي، عبد العزيز بن محمد الهروي، راوي الترمذي [1] سوى آخر جزء منه، عن الجرّاحي [2] ، كان ثقة، أديبا، عاش أربعا وتسعين سنة. وترياق: من قرى هراة. وفيها أبو الحسن علي بن حمد [3] بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين الطبري الرّوياني. نزل بخارى وبها مات، وكان حافظا، مكثرا، أحد النقاد. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو بكر التّفلسي- بفتح فسكون، وبعد اللام سين مهملة، نسبة إلى تفلس بلد بأذربيجان [4]- محمد بن إسماعيل بن محمد النيسابوري المولد الصّوفي المقرئ. روى عن حمزة المهلّبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وطائفة، ومات في شوال. وفيها العلّامة أبو بكر الخجندي- بخاء معجمة مضمومة، ثم جيم مفتوحة، وسكون النون، ومهملة، نسبة إلى خجندة، مدينة بطرف سيحون- محمد بن ثابت بن الحسن الشافعي الواعظ، نزيل أصبهان، ومدرّس نظاميتها، وشيخ الشافعية بها ورئيسها، كان إليه المنتهى في الوعظ، توفي في ذي القعدة.

_ [1] يعني راوي «سنن الترمذي» . [2] تقدمت ترجمته. [3] في «آ» و «ط» : «علي بن أحمد» وما أثبته من «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (154- آ- ب) مصدر المؤلف. وعلق العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني على «الأنساب» (6/ 191) بقوله على ترجمة المترجم: في النسخة «ك» - وهي الأصل الذي اعتمد عليه- «علي بن حمد» كما عند ابن ناصر الدّين في «التبيان» ولكنه أثبت في المتن «علي بن أحمد» متابعا في ذلك السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» . [4] تنبيه: كذا قال المؤلف وهو خطأ، والصواب: «التّفليسي» نسبة إلى «تفليس» وهي آخر بلدة من بلاد أذربيجان مما يلي الثغر. انظر «الأنساب» (3/ 65) و «معجم البلدان» (2/ 35) .

قال الإسنوي [1] : له يد باطشة في النظر والأصول، انتشر علمه في الآفاق، وتخرّج به وبكلامه جماعة، وتفقه على أبي سهل الأبيوردي، وسمع الحديث من جماعة، وحدّث عنهم، وكان حسن السيرة، من رؤساء الأئمة، ذا حشمة ونعمة. وكان له ولد يقال له أبو سعيد أحمد، تفقّه على والده، حتّى برع في المذهب، وسمع وحدّث، ولما مات أبوه فوّض تدريس النظامية إلى غيره، فلزم بيته إلى أن مات في شعبان، سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، عن عثمان وثمانين سنة. قاله ابن السمعاني [2] . وفيها أبو نصر محمد بن سهل السّرّاج الشّاذياخي- بشين معجمة وسكون الذال المعجمة وتحتية وخاء معجمة، نسبة إلى قرية بنيسابور أو إلى شاذياخ [3] ببلخ- آخر أصحاب أبي نعيم عبد الملك الإسفراييني. روى عن جماعة، وكان ظريفا، نظيفا، لطيفا، توفي في صفر عن تسعين سنة. وفيها أبو الغنائم بن أبي عثمان محمد بن علي بن حسن [الدقاق] [4] ، بغدادي، متميّز، صدوق. روى عن أبي عمر بن مهدي وجماعة. وفيها فخر الدولة بن جهير الوزير، أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الثّعلبي، ولي نظر حلب، ثم وزر لصاحب ميّافارقين، ثم وزر للقائم بأمر الله مدّة، وكان من رجال العالم ودهاة بني آدم، وكان رئيسا جليلا، خرج من بيتهم جماعة من الوزراء والرؤساء ومدحهم أعيان الشعراء، فمنهم صرّدرّ

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 478) . [2] انتهى نقل المؤلف عن «طبقات الشافعية» للإسنوي. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شاذخ» والتصحيح من «الأنساب» (7/ 242) و «معجم البلدان» (3/ 305) . [4] زيادة من «العبر» (3/ 306) مصدر المؤلف.

المتقدم ذكره [1] وهي من غرر قصائده ومشاهيرها، وأولها: لجاجة قلب ما يفيق غرورها ... وحاجة نفس ليس يقضى يسيرها وقفنا صفوفا في الدّيار كأنّها ... صحائف [2] ملقاة ونحن سطورها يقول خليلي والظّباء سوانح ... أهذا الذي تهوى؟ فقلت: نظيرها لئن شابهت أجيادها وعيونها ... لقد خالفت أعجازها وصدورها فيا عجبا منها يصدّ [3] أنيسها ... ويدنو على ذعر إلينا نفورها وما ذاك إلّا أن غزلان عامر ... تيقنّ أن الزائرين صقورها ألم يكفها ما قد جنته شموسها ... على القلب حتّى ساعدتها بدورها نكصنا على الأعقاب خوف إناثها ... فما بالها تدعو نزال ذكورها وو الله ما أدري غداة نظرننا ... أتلك سهام أم كؤوس تديرها فإن كنّ من نبل فأين حفيفها ... وإن كنّ من خمر فأين سرورها أيا صاحبيّ استأذنا لي خمارها ... فقد أذنت لي في الوصول خدورها فلا تحسبا قلبي طليقا فإنما ... لها الصّدر سجن وهو فيه أسيرها أراك الحمى قل لي بأيّ وسيلة ... توسلت حتّى قبّلتك ثغورها؟ أعدت إلى جسم الوزارة روحه ... وما كان يرجى بعثها ونشورها أقامت زمانا عند غيرك طامثا [4] ... وهذا رعاك الله وقت طهورها من الحقّ أن يحبى بها مستحقها ... وينزعها مردودة مستعيرها إذا ملك الحسناء من ليس كفأها ... أشار عليها بالطّلاق مشيرها وكانت ولادة فخر الدولة المذكور سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة

_ [1] انظر ترجمته في ص (279- 280) من هذا المجلد. [2] في «آ» و «ط» : «صحيفة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» و «ط» : «يصيد» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» (5/ 129) مصدر المؤلف. [4] في «آ» و «ط» : «ضامنا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

بالموصل، وتوفي بها في رجب، وقيل: في المحرم، ودفن في تل التوبة، وهو تل قبالة الموصل، يفصل بينهما عرض الشطّ. وأما ولده عميد الدولة فقد ذكره محمد بن عبد الملك الهمذاني في «تاريخه» فقال: انتشر عنه الوقار، والهيبة، والعفّة، وجودة الرأي، وخدم ثلاثة من الخلفاء، ووزر لاثنين منهم، وكان عليه رسوم كثيرة وصلات جماعة، وكان نظام الملك يصفه دائما بالأوصاف العظيمة، ويشاهده بعين المكافئ الشهم، ويأخذ رأيه في أهم الأمور، ويقدّمه على الكفاة والصدور، ولم يكن يعاب بأشد من الكبر الزائد، فإنّ كلماته كانت محفوظة مع ضنّه بها، ومن كلّمه بكلمة قامت عنده مقام بلوغ الأمل، فمن جملة ذلك أنه قال لولد الشيخ الإمام أبي نصر بن الصباغ: اشتغل وادأب وإلا كنت صبّاغا بغير أب. انتهى كلام ابن الهمذاني. وكان نظام الملك قد زوّجه بنته زبيدة، وكان قد عزل عن [1] الوزارة ثم أعيد إليها بسبب المصاهرة، وفي ذلك يقول الشريف أبو يعلى بن الهبّارية: قل للوزير ولا تفزعك هيبته ... وإن تعاظم واستولى لمنصبه لولا ابنة الشيخ ما استوزرت ثانية ... فاشكر حرّا صرت مولانا الوزير به [2] ولعميد الدولة شعر ذكره في «الخريدة» لكنه غير مرضي. وذكره ابن السمعاني في كتاب «الذيل» ومدحه خلق كثير من شعراء عصره. وفيه يقول صرّدرّ قصيدته العينية المشهورة التي أولها: قد بان عذرك والخليط مودّع ... وهوى النّفوس مع الهوادج يرفع

_ [1] في «ط» : «من» . [2] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (5/ 132) ولا يستقيم وزن البيت الثاني والأصح أن يقال: ............... ............. ... فاشكر لمن صرت مولانا الوزير به

لك حيثما سمت الركائب لفتة ... أترى البدور بكل واد تطلع في الظّاعنين من الحمى بدر له ال ... أحشاء مرعى والمآقي مكرع ممنوع أطراف الجمال رقيبة ... حذرا عليه من العيون البرقع عهد الحبائل صائدات شبهه ... فارتاع فهو لكل حبل يقطع لم يدر حامي سربه أني إذا ... حرم الكلام له لساني الإصبع وإذا الطّيوف إلى المضاجع أرسلت ... بتحية منه فعيني تسمع وهي طويلة ومن غرر الشعر. وعزل عميد الدولة عن الوزارة في شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة. وجهير: بفتح الجيم وكسر الهاء، وقال ابن السمعاني: بضم الجيم، وهو غلط. يقال: رجل جهير بيّن الجهارة، أي ذو منظر، ويقال: رجل جهير الصوت، بمعنى جهوري الصوت. قاله ابن خلّكان [1] .

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 127- 134) .

سنة أربع وثمانين وأربعمائة

سنة أربع وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن الذّكواني الأصبهاني، يوم عرفة، وله تسعون سنة. روى عن جدّه ابن أبي علي، وعثمان البرجي، وطبقتهما، وكان ثقة. وفيها أبو الحسن طاهر [1] بن مفوّز المعافري الشّاطبي، تلميذ أبي عمر بن عبد البرّ. كان من أئمة هذا الشأن، مع الورع، والتّقي، والاستبحار في العلم. وعدّه ابن ناصر الدّين من الحفّاظ المكثرين الضابطين، وقال: هو أخو عبد الله زاهد زمانه. وتوفي طاهر [1] في شعبان وله خمس وخمسون سنة. وفيها عبد الملك بن علي بن شغبة أبو القاسم الأنصاري البصري، الحافظ الزاهد. استشهد بالبصرة، وكان يروي جملة من «سنن أبي داود» عن أبي عمر الهاشمي، أملى عدة مجالس، وكان من العبادة والخشوع بمحلّ. وفيها أبو طاهر بن دات عبد الرحمن بن أحمد بن علك بن دات- بدال مهملة يليها ألف ثم مثناة فوق- الشّاوي الحافظ، إمام أهل الحديث بسمرقند في زمانه. قاله ابن ناصر الدّين [2] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «ظاهر» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 307) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (154/ ب) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (154/ ب) .

وفيها أبو نصر الكركانجي- بالضم والسكون آخره جيم، نسبة إلى كركانج، وهي مدينة خوارزم- محمد بن أحمد بن علي شيخ المقرئين بمرو ومسند الآفاق، توفي في ذي الحجة، وله أربع وتسعون سنة. وكان إماما في علوم القرآن، كثير التصانيف، متين الديانة. انتهى إليه علو الإسناد، قرأ ببغداد على أبي الحسن الحمّامي، وبحرّان على الشريف الزبيدي، وبمصر على إسماعيل بن عمر الحداد، وبدمشق، والموصل، وخراسان. وفيها أبو منصور المقوّمي- بالضم والفتح وكسر الواو المشددة- محمد بن الحسين بن الهيثم القزويني، راوي «سنن ابن ماجة» عن القاسم بن المنذر [1] ، توفي فيها أو بعدها عن بضع وثمانين سنة. وفي رجب قاضي القضاة [أبو بكر] النّاصحي محمد بن عبد الله بن الحسين النيسابوري. روى عن أبي بكر الحيري وجماعة. قال عبد الغافر: هو أفضل عصره في أصحاب أبي حنيفة، وأعرفهم بالمذهب، وأوجههم في المناظرة، مع حفظ وافر من الأدب والطب، ولم تحمد سيرته في القضاء. قاله في «العبر» [2] . وفيها المعتصم، محمد بن معن بن محمد بن صمادح، أبو يحيى التّجيبي الأندلسي صاحب المريّة، توفي وجيش ابن تاشفين محاصرون له. قال ابن بسام في «الذخيرة» [3] : كانت بين المعتصم وبين الله [سريرة، أو سلفت له] عند الحمام يد مشكورة، فمات وليس بينه وبين حلول الفاقرة به إلّا أيام يسيرة في سلطانه وبلده، وبين أهله وولده.

_ [1] في «العبر» : «القاسم بن أبي المنذر» . (ع) . [2] (3/ 308) . [3] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الأول (المجلد الثاني» ص (734) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

حدّثني من لا أردّ خبره عن أروى بعض [مسانّ] حظايا أبيه قالت: إني لعنده وهو يوصي بشأنه، وقد غلب عليه أكثر يده ولسانه، ومعسكر أمير المؤمنين [1]- يعني يوسف بن تاشفين- يومئذ بحيث نعدّ خيامهم [2] ، ونسمع اختلاط أصواتهم، إذا سمعت [3] وجبة من وجباتهم، فقال: لا إله إلّا الله، نغّص علينا كل شيء حتّى الموت! قالت أروى: فدمعت عينيّ، فلا أنسى طرفا إليّ يرفعه، وإنشاده لي [4] بصوت لا أكاد أسمعه: ترفّق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل انتهى كلام ابن بسام. ومات المعتصم في أثر ذلك عند طلوع الشمس، يوم الخميس ثاني عشري ربيع الأول، بالمريّة، ودفن في تربة له عند باب الخوخة.

_ [1] في «الذخيرة» : «أمير المسلمين» . [2] في «الذخيرة» : «خيماتهم» . [3] في «الذخيرة» : «سمع» . [4] في «الذخيرة» «وإنشاده إياي» .

سنة خمس وثمانين وأربعمائة

سنة خمس وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو الفضل جعفر بن يحيى الحكّاك، محدّث مكّة، وكان متقنا، حجّة، صالحا. روى عن أبي ذرّ الهروي وطائفة، وعاش سبعين سنة. وفيها نظام الملك الوزير أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطّوسي قوام الدّين. كان من جلّة الوزراء. ذكره ابن السمعاني فقال: كعبة المجد، ومنبع الجود. وكان مجلسه عامرا بالقرّاء والفقهاء، أنشأ المدارس بالأمصار، ورغب في العلم، وأملى وحدّث، وعاش ثماني وسبعين سنة. أتاه شاب صوفيّ الشكل من الباطنية، ليلة عاشر رمضان، فناوله قصّة، ثم ضربه بسكين في صدره، فقضى عليه، فيقال: إن ملكشاه دسّ عليه هذا، والله أعلم. وقال ابن السمعاني أيضا في كتاب «الأنساب» [1] في ترجمة الرّاذكان: إنها بليدة صغيرة بنواحي طوس، قيل: نظام الملك كان من نواحيها. وكان من أولاد الدّهاقين، واشتغل بالحديث والفقه، ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ- وكان يكتب له- فكان يصادره في كل سنة، فهرب منه، وقصد داود بن ميكائيل بن سلجوق والد السلطان ألب أرسلان، وظهر له منه النصح والمحبة، فسلّمه إلى ولده ألب أرسلان، وقال:

_ [1] انظر «الأنساب» (6/ 37) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار.

اتخذه والدا، لا تخالفه فيما يشير به، فلما ملك ألب أرسلان، دبّر أمره، فأحسن التدبير، وبقي في خدمته عشر سنين، فلما مات ألب أرسلان وطّد المملكة لولده ملكشاه، فصار الأمر كله لنظام الملك، وليس للسلطان إلّا التخت والصيد، وأقام على هذا عشر سنين [1] . ودخل على الإمام المقتدي بالله، فأذن له بالجلوس بين يديه، وقال له: يا حسن، رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك. وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والصوفية، كثير الإنعام على الصوفية، وسئل عن سبب ذلك فقال: أتاني صوفيّ وأنا في خدمة بعض الأمراء، فوعظني وقال: اخدم من تنفعك خدمته، ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غدا، فلم أعلم معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد، وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء بالليل، فغلبه السكر، فخرج وحده، فلم تعرفه الكلاب، فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك، فأنا أخدم الصوفية لعلّي أظفر بمثل ذلك. وكان إذا سمع الأذان أمسك عن جميع ما هو فيه، وكان إذا قدم عليه إمام الحرمين، والإمام القشيري، بالغ في إكرامهما، وأجلسهما في مستنده، وبنى المساجد والرّبط، وهو أول من أنشأ المدارس، فاقتدى الناس به. وسمع نظام الملك الحديث وأسمعه، وكان يقول: إني أعلم أني لست أهلا لذلك، ولكني أريد أربط نفسي في قطار النّقلة لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ويروى له من الشعر قوله: بعد الثّمانين ليس قوّه ... قد ذهبت شرّة الصّبوّه كأنني والعصا بكفّي ... موسى ولكن بلا نبوّه

_ [1] في «وفيات الأعيان» (2/ 128) مصدر المؤلف: «عشرين سنة» .

وكانت ولادة نظام الملك يوم الجمعة، حادي عشري ذي القعدة، سنة ثمان وأربعمائة بنوقان، إحدى مدينتي طوس، وتوجّه صحبة ملكشاه إلى أصبهان، فلما كانت ليلة السبت عاشر رمضان، أفطر وركب في محفته، فلما بلغ إلى قرية قريبة من نهاوند، يقال لها سحنة، قال: هذا الموضع قتل فيه خلق كثير من الصحابة زمن عمر بن الخطاب، فطوبى لمن كان معهم [1] فاعترضه صبيّ ديلميّ على هيئة الصوفية، معه قصّة، فدعا له وسأله تناولها في يده، فمدّ يده ليأخذها، فضربه بسكين في فؤاده، فحمل إلى مضربه فمات، وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب، فعثر في طنب [2] خيمة فوقع، وركب السلطان إلى معسكره، فسكّنهم وعزّاهم، وحمل إلى أصبهان فدفن بها. وقيل: إن السلطان دسّ عليه من قتله، فإنه سئم طول حياته، واستكثر ما بيده من الإقطاعات، ولم يعش السلطان بعده سوى خمسة وثلاثين يوما، فرحمه الله، فلقد كان من حسنات الدهر. ورثاه أبو الهيجاء البكري- وكان ختنه، لأن نظام الملك زوّجه ابنته- فقال: كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ... نفيسة صاغها الرّحمن من شرف عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردّها غيرة منه إلى الصّدف وقد قيل: إنه قتل بسبب تاج الملك أبي الغنائم المرزبان بن خسرو فيروز، المعروف بابن دارست، فإنه كان عدو نظام الملك، وكان كبير المنزلة عند مخدومه ملكشاه، فلما قتل رتّبه موضعه في الوزارة، ثم إن غلمان نظام الملك وثبوا عليه فقتلوه وقطعوه إربا إربا في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم

_ [1] في «آ» و «ط» : «منهم» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (2/ 130) . [2] الطنب: حبل. انظر «مختار الصحاح» (طنب) .

[من] سنة ست وثمانين وأربعمائة، وعمره سبع وأربعون سنة، وهو الذي بنى على قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. قاله ابن خلّكان [1] . وفيها أبو عبد الله بن المرابط قاضي المريّة وعالمها، محمد بن خلف بن سعيد الأندلسي. روى عن المهلّب بن أبي صفرة وجماعة، وصنّف شرحا للبخاري، وكان رأسا في مذهب مالك، ارتحل الناس إليه، توفي في شوال. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو بكر الشّاشي، محمد بن علي بن حامد، شيخ الشافعية، وصاحب الطريقة المشهورة والمصنفات المليحة. درّس مدة بغزنة، ثم بهراة ونيسابور، وحدّث عن منصور الكاغدي، وتفقه ببلاده على أبي بكر السّنجي، وعاش نيفا وتسعين سنة، وتوفي بهراة. قال ابن قاضي شهبة [3] : ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وتفقه في بلاده على السّنجي، وكان من أنظر أهل زمانه، استوطن غزنة- وهي في أوائل الهند- فأقبلوا عليه وأكرموه، وبعد صيته، وحدّث، وصنّف تصانيف كثيرة، ثم استدعاه نظام الملك إلى هراة، فشقّ على أهل غزنة مفارقته، ولكن لم يجدوا بدّا من ذلك، فجهّزوه، فولّاه تدريس النظامية [بها] وتوفي في شوال. انتهى. وفيها محمد بن عيسى بن فرج أبو عبد الله التّجيبي المغامّي- بالضم [4] ، نسبة إلى مغامة مدينة بالأندلس- الطّليطلي، مقرئ الأندلس. أخذ عن أبي عمرو الدّاني، ومكّي بن أبي طالب، وجماعة، وأقرأ الناس مدة.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 128- 131) . [2] (3/ 310) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 94) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [4] في «معجم البلدان» : (5/ 161) : بالفتح واسم المدينة عنده «مغام» .

وفيها أبو عبد الله البانياسي، مالك بن أحمد بن علي بن الفرّاء البغدادي. احترق في الحريق العظيم الذي وقع في هذه السنة ببغداد، واحترق فيه من الناس عدد كثير، وكان في جمادى الآخرة، وتوفي وله سبع وثمانون سنة، وهو آخر من حدّث عن أبي الحسن بن الصّلت المجبر، وسمع من جماعة. وفيها السلطان ملكشاه، أبو الفتح جلال الدولة بن السلطان ألب أرسلان، محمد بن داود السّلجوقي التّركي، تملك بلاد ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وبلاد الرّوم، والجزيرة، والشام، والعراق، وخراسان، وغير ذلك. قال في «العبر» [1] : ملك من مدينة كاشغر الترك إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية وبلاد الخزر إلى نهر الهند [2] عرضا، وكان حسن السيرة، محسنا إلى الرعية، وكانوا يلقّبونه بالسلطان العادل، وكان ذا غرام بالعمائر والصيد، مات في شوال بعد وزيره النظام بشهر، فقيل: إنه سمّ في خلال، ونقل في تابوت فدفن بأصبهان في مدرسة كبيرة له. وقال ابن الأهدل: كان مغرما بالصيد، حتّى قيل: إنه صاد بيده عشرة آلاف أو أكثر، حتّى بنى من حوافر الحمر وقرون الظباء منارة على طريق الحاج، تعرف بمنارة القرون، وتصدّق عن كل نسمة صادها بدينار، وقال: إني أخاف الله سبحانه وتعالى من إزهاق النفوس بغير فائدة ولا مأكلة، وكان المقتدر قد تزوج بابنته، وكان السفير في زواجها الشيخ أبو إسحاق، وزفّت إليه سنة ثمانين، ورزق منها ولديه، ولما مات السلطان لم يفعل به كسائر السلاطين، ولم يحضر جنازته أحمد ظاهرا ولم تقطع أذناب الخيل لأجله، ولما

_ [1] (3/ 311) . [2] في «العبر» : «بحر الهند» . (ع) .

مات ملكشاه سار أخوه تتش- بتاءين فوقيتين وشين معجمة- من الشام، فالتقاه إبراهيم العقيلي في ثلاثين ألفا، فأسر إبراهيم وقتل صبرا. وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] : وفي سنة أربع وثمانين قدم السلطان ملكشاه بغداد، وأمر بعمل جامع كبير بها، وعمل الأمراء حوله دورا ينزلونها، ثم رجع إلى أصبهان، وعاد إلى بغداد في سنة خمس وثمانين عازما على الشرّ، وأرسل إلى الخليفة يقول: لا بدّ أن تترك لي بغداد وتذهب إلى أيّ بلد شئت، فانزعج الخليفة، وقال: أمهلني ولو شهرا، قال: ولا ساعة واحدة. فأرسل الخليفة إلى وزراء السلطان يطلب المهلة عشرة أيام، فاتفق مرض السلطان وموته، وعدّ ذلك كرامة للخليفة، وقيل: إن الخليفة جعل يصوم، فإذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه، فاستجاب الله دعاءه، وذهب إلى حيث ألقت، ولما مات كتمت زوجته تركان [خاتون] موته، وأرسلت إلى الأمراء سرّا فاستحلفتهم [2] لولده محمود، وهو ابن خمس سنين. فحلفوا له، وأرسلت إلى المقتدي في أن يسلطنه فأجاب، ولقبه ناصر الدّنيا والدّين، ثم خرج عليه أخوه بركياروق بن ملكشاه، فقلده الخليفة، ولقبه بركن الدّين، وذلك في محرم سنة سبع وثمانين، وعلم الخليفة على تقليده، ثم مات الخليفة من الغد فجأة. انتهى كلام السيوطي.

_ [1] ص (425- 426) وما بين حاصرتين زيادة منه. [2] في «آ» : «فاستخلفتهم» .

سنة ست وثمانين وأربعمائة

سنة ست وثمانين وأربعمائة فيها توفي حمد بن أحمد بن الحسن أبو الفضل الأصبهاني الحداد. روى ببغداد وأصبهان عن علي بن ماشاذه وطائفة، وروى «الحلية» ببغداد، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها الملنجي- بالكسر نسبة إلى ملنجة بلد بأصبهان- سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان الأصبهاني الحافظ. قال السمعاني: جمع، وصنّف، وخرّج على «الصحيحين» ، وروى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبي بكر بن مردويه، وخلق، ولقي ببغداد أبا بكر المنقّي وطبقته، وتكلم فيه ابن مندة، وهو مقبول لأنه قد قبله عدّة. وقال ابن ناصر الدّين في «بديعته» : الأصبهاني ذا الملنجي المكثر ... تكلّموا فيه وقوّى الأكثر وتوفي في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة وشهرين. وفيها أبو الفضل الدّقّاق عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري [1] البغدادي الكاتب. روى عن [أبي] الحسين بن بشران، وغيره، وكان صالحا، ثقة.

_ [1] تحرّفت في «العبر» (3/ 314) إلى «ذكرى» فتصحح فيه، ولفظة «أبي» مستدركة منه.

وفيها الشيخ أبو الفرج الشيرازي الحنبلي، عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي، ثم المقدسي، ثم الدمشقي، الفقيه الزاهد الأنصاري السّعدي العبّاسي الخزرجي، شيخ الشام في وقته، الواعظ الفقيه القدوة. سمع بدمشق من أبي الحسن بن السمسار، وأبي عثمان الصابوني، وتفقه ببغداد زمانا على القاضي أبي يعلى، ونشر بالشام مذهب أحمد، وتخرّج به الأصحاب، وكان إماما عارفا بالفقه والأصول، صاحب حال وعبادة وتألّه، وكان تتش صاحب الشام يعظّمه لأنه كاشفه مرّة، وذلك أنه دعاه أخوه السلطان وهو ببغداد، فرعب وسأل أبا الفرج الدعاء له، فقال له: لا تراه ولا تجتمع به، فقال له تتش: هو مقيم ببغداد ولا بدّ من المصير إليه، فقال له: لا تراه، فعجب من ذلك، وبلغ هيت، فجاءه الخبر بوفاة السلطان ببغداد، فعاد إلى دمشق، وزادت حشمة أبي الفرج عنده، ومنزلته لديه. قال ابن رجب [1] : وكان أبو الفرج ناصرا لاعتقادنا، متجردا في نشره، مبطلا لتأويلات أخبار الصفات، وله تصنيف في الفقه، والوعظ، والأصول، ومات في مجلس وعظه شخص لوقع وعظه في القلوب ولإخلاصه. وقال أبو يعلى بن القلانسي في «تاريخه» [2] : كان وافر العلم، متين الدين، حسن المواعظ، محمود السمت، توفي يوم الأحد ثامن عشري ذي الحجة بدمشق، ودفن بمقبرة الباب الصغير وقبره مشهور يزار، وله ذرية فيهم كثير من العلماء يعرفون ببيت ابن الحنبلي. وفيها أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلّاف البغدادي، الرجل الصالح. روى عن أبي الفتح بن أبي الفوارس، وأبي الفرج الغوري، وبه ختم حديثهما، وكان ثقة، مأمونا، خيّرا.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 70) . [2] انظر «تاريخ دمشق» لابن القلانسي ص (206) بتحقيق الدكتور سهيل زكّار، وعنده «حسن الوعظ» .

وفيها شيخ الإسلام الهكّاري، أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف الأموي من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب، وكان زاهدا، عابدا، ربانيا، ذا وقار وهيبة وأتباع ومريدين. رحل في الحديث، وسمع ابن نظيف الفراء، وأبا القاسم بن بشران [وطائفة] . قال ابن ناصر: توفي في أول السنة. وقال ابن عساكر: لم يكن موثقا في روايته. وقال الذهبي [1] : ولد سنة تسع وأربعمائة. وفيها أبو الحسن الأنباري، علي بن محمد بن محمد بن الأخضر الخطيب، في شوال، عن أربع وتسعين سنة. وكان آخر من حدّث عن أبي أحمد الفرضي، وسمع أيضا من أبي عمر بن مهدي وطائفة، وتفقه لأبي حنيفة، وكان ثقة، نبيلا، عالي الإسناد. وفيها أبو المظفّر موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري، مسند خراسان، في ربيع الأول، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي، والحاكم، وكان من كبار الصوفية. وفيها أبو الفتح نصر بن الحسن السّكشي- بكسر السين المهملة والكاف، ومعجمة، نسبة إلى سكة سكش بنيسابور [2]- الشاشي، نزيل سمرقند، وله ثمانون سنة. روى «صحيح مسلم» عن عبد الغافر، وسمع بمصر من الطفّال وجماعة، ودخل الأندلس للتجارة، فحدّث بها، وكان ثقة.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 314- 315) وقد نقل المؤلف الترجمة بكاملها عنه وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] تنبيه: كذا قال المؤلف وهو خطأ، إنما هو «التّنكنتي» نسبة إلى تنكت، وهي مدينة من مدن الشاش من وراء نهر جيحون. انظر «الأنساب» (3/ 88) و «معجم البلدان» (2/ 50) وقد ضبطها ياقوت بضم الكاف، و «العبر» (3/ 316) .

وفيها هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، أبو القاسم، الحافظ، محدّث جوّال. سمع بخراسان، والعراق، وفارس، واليمن، ومصر، والشام، وحدّث عن أحمد بن عبد الباقي بن طوق، وأبي جعفر بن المسلمة، وطبقتهما، ومات كهلا، وكان صوفيا، صالحا، متقشفا.

سنة سبع وثمانين وأربعمائة

سنة سبع وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو بكر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري، مسند خراسان، أحمد بن علي بن عبد الله [بن عمر بن خلف] [1] . روى عن الحاكم، وعبد الله بن يوسف، وطائفة. قال عبد الغافر: هو شيخنا الأديب المحدّث المتقن، الصحيح السماع، ما رأينا شيخا أورع منه، ولا أشدّ إتقانا، توفي في ربيع الأول، وقد نيّف على التسعين. وفيها آق سنقر، قسيم الدولة أبو الفتح، مولى ملكشاه السلطان، وقيل: هو لصيق به، وقيل: اسم أبيه الترعان لما افتتح ملكشاه حلب، استناب عليها آق سنقر في سنة ثمانين وأربعمائة، فأحسن السياسة وضبط الأمور، وتتبّع المفسدين، حتّى صار دخله كل يوم ألفا وخمسمائة دينار. أسر [2] في المصاف ثم قتل، ذبحه تتش صبرا، ودفن هناك، ثم نقله ولده الأتابك زنكي، فدفنه بالمدرسة الزجاجية داخل حلب. وفيها أبو نصر، الحسن بن أسد الفارقي الأديب، صاحب النظم والنثر، وله الكتاب المعروف في الألغاز، توثّب بميّافارقين على الإمرة،

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [2] تحرّفت في «ط» إلى «رأس» وانظر «العبر» (3/ 318) .

ونزل بقصر الإمارة، وحكم أياما، ثم ضعف وهرب، ثم قبض عليه وشنق. وفيها المقتدي بالله أبو القاسم عبد الله بن الأمير ذخيرة الدّين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر العبّاسي، بويع بالخلافة بعد جدّه في ثالث عشر شعبان، سنة سبع وستين، وله تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر. قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] : مات أبوه في حياة القائم- وهو حمل- فولد بعد وفاة أبيه بستة أشهر، وأمه أم ولد اسمها أرجوان. وبويع له بالخلافة عند موت جدّه، وكانت البيعة بحضرة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، والدّامغاني، وظهر في أيامه خيرات كثيرة، وآثار حسنة في البلدان. وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة، بخلاف من تقدمه. ومن محاسنه أنه نفى المغنيات والحواظي [2] ببغداد، وأمر أن لا يدخل أحد الحمّام إلّا بمئزر، وخرّب أبراج الحمام صيانة لحرم الناس. وكان ديّنا، خيّرا، قوي النفس، عالي الهمّة، من نجباء بني العبّاس. انتهى. ومات فجأة في ثامن عشر المحرم، عن تسع وثلاثين سنة، وبويع بعده ابنه المستظهر بالله أحمد، وقيل: إن جاريته [3] سمّته. وقال ابن الجوزي: في «الشذور» : توفي المقتدي، وكان أصحّ

_ [1] انظر «تاريخ الخلفاء» ص (423) . [2] في «تاريخ الخلفاء» : «والخواطي» . [3] في «آ» : «جارته» .

ما كان، بينما هو جالس، قال لقهرمانته: من هؤلاء الأشخاص الذين قد دخلوا علينا بلا إذن، فالتفتت فلم تر أحدا، فسقط إلى الأرض ميتا. وفيها الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن علي بن موسى بن عمران بن إسرافيل النّسفي الحافظ. حصّل العالي من الإسناد. قاله ابن ناصر الدّين [1] . وفيها أبو القاسم بن أبي العلاء المصّيصي علي بن محمد بن علي بن أحمد. قال الإسنوي [2] : كان فقيها، فرضيا، تفقه على القاضي أبي الطيب، وروى الحديث عن جماعة بمصر، والشام، والعراق، واستوطن دمشق، ومات بها، وروى عنه جماعة. وأصله من المصّيصة، وولد بمصر في رجب سنة أربع وأربعمائة، ومات في جمادى الآخرة، ودفن بمقابر باب الفراديس. قال الذهبي [3] : كان فقيها ثقة. وفيها ابن ماكولا، الحافظ الكبير، الإمام أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد بن دلف بن الأمير الجواد أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي، الأمير سعد الملك أبو نصر بن ماكولا، أصله من جرباذقان من نواحي أصبهان، فهو الجرباذقاني ثم البغدادي، النسّابة، صاحب التصانيف، ولم يكن ببغداد بعد الخطيب أحفظ منه. ولد بعكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وزر أبوه للقائم بأمر الله، وتولى عمه [أبو] عبد الله [الحسين] [4] قضاء القضاة.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (155/ آ) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 412- 413) . [3] انظر «العبر» (3/ 319) . [4] في «آ» و «ط» : «وتولى عمّه عبد الله» وفي «العبر» : «وتولى عمه الحسين» وكلاهما خطأ،

وسمع هو من أبي طالب بن غيلان وطبقته. قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلّا وأحالني على الكتاب، وقال: حتّى أكشفه، وما راجعت ابن ماكولا إلّا وأجابني حفظا، كأنه يقرأ من كتاب. وقال أبو سعد السمعاني [1] : كان لبيبا، عارفا، ونحويا مجوّدا، وشاعرا مبرّزا. وقال الذهبي [2] : اختلف في وفاته على أقوال. وقال ابن خلّكان [3] : للأمير أبي نصر المذكور كتاب «الإكمال» وهو في غاية الإفادة في رفع الالتباس والضبط والتقييد، وعليه اعتماد المحدّثين وأرباب هذا الشأن، فإنه لم يوضع مثله- أبي في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسب- وهو في غاية الإحسان. وما يحتاج الأمير المذكور مع هذا الكتاب إلى فضيلة أخرى، ففيه دلالة على كثرة اطّلاعه وضبطه وإتقانه. ومن الشعر المنسوب إليه: قوّض خيامك عن أرض [4] تهان بها ... وجانب الذّلّ إنّ الذّلّ يجتنب [5] وارحل إذا كان في الأوطان منقصة [6] ... فالمندل [7] الرّطب في أوطانه حطب

_ [ (-) ] والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 305) . [1] في «آ» و «ط» : «ابن سعد السمعاني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 319) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 575) ونص النقل عنده أطول مما في كتابنا و «العبر» فراجعه. [2] في «العبر» (3/ 320) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 305) . [4] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف، وفي «سير أعلام النبلاء» (18/ 577) : «عن دار» . [5] في «سير أعلام النبلاء» : «مجتنب» . [6] في «سير أعلام النبلاء» : «مضيعة» . [7] جاء في «لسان العرب» (ندل) : المندل: العود الرّطب. وانظر تتمة كلامه فهو مفيد.

وكانت ولادته في عكبرا، في خامس شعبان، سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وقتله غلمانه بجرجان، وقيل: بخوزستان، وقيل: بالأهواز. قال الحميدي: خرج إلى خراسان ومعه غلمان له ترك، فقتلوه بجرجان وأخذوا ماله وهربوا، وطاح دمه هدرا، رحمه الله. وفيها أبو عامر الأزدي، القاضي، محمود بن القاسم بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد المهلّبي الهروي، الفقيه الشافعي، راوي «جامع الترمذي» عن الجراحي. قال أبو نصر الفامي: هو عديم النظير زهدا، وصلاحا، وعفة. ولد سنة أربعمائة وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها المستنصر بالله، أبو تميم معد بن الظاهر علي بن الحاكم بأمر الله [1] منصور بن العزيز بن المعزّ العبيدي الرافضي، صاحب مصر، وكانت أيامه ستين سنة [وأربعة أشهر، وقد خطب له ببغداد في سنة إحدى وخمسين، ومات في ذي الحجة عن ثمان وستين سنة] [2] وبويع بعده ابنه المستعلي. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن خلّكان [4] : اتفق للمستنصر هذا أمور لم تتفق لغيره، وسردها. منها: أنه أقام في الأمر ستين سنة، وهذا شيء لم يبلغه أحد من أهل بيته، ولا من بني العبّاس. ومنها: أنه ولي وهو ابن سبع سنين.

_ [1] قوله: «بأمر الله» لم يرد في «العبر» . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [3] (3/ 320) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 229) .

ومنها: أنه حدث في أيامه الغلاء العظيم، الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام، وأقام سبع سنين، وأكل الناس بعضهم بعضا. وكانت ولادته صبيحة يوم الثلاثاء سابع عشر [جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة، وتوفي في ليلة الخميس ثامن عشر] [1] ذي الحجة، وهذه الليلة تسمى عيد الغدير، أعني غدير خمّ- بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم، اسم مكان بين مكّة والمدينة- فيه غدير ماء، يقال: إنه غيض [2] هناك، فلما رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حجّة الوداع، ووصل إلى هذا المكان وآخى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «عليّ مني كهارون من موسى» [3] «اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله» [3] وللشيعة فيه تعلّق كبير، وهذا المكان موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحمى. انتهى ملخصا.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [2] في «وفيات الأعيان» : «غيضة» . [3] هذا الحديث ملفق من حديثين أما الشطر الأول منه فقد ذكره صاحب «كنز العمال» (11/ 603) وعزاه لأبي بكر المطيري في «جزئه» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظه عنده: «علي منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنه لا نبيّ بعدي» . وأما الشطر الثاني فقد ذكره بهذا السياق الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (5/ 211) وقال: قال عبد الله بن أحمد: حدّثنا أحمد بن عمير الوكيعي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي، أنبأنا سماك، عن عبيد بن الوليد القيسي قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدّثني أنه شهد عليا في الرحبة قال: أنشد بالله رجلا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشهده يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من قد رآه، فقام اثنا عشر رجلا، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول ... وذكر الحديث بتمامه كما في كتابنا. وذكره الحافظ ابن كثير أيضا في «البداية والنهاية» (5/ 209- 214) بألفاظ عدّة وصيغ مختلفة، فراجعه. وذكره الحاكم في «المستدرك» (3/ 109) مختصرا من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وقال: هذا الحديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله، وسكت عنه الذهبي.

ويقال: إنه صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة توخمت على أصحابه، فإنها كانت من أكثر بلاد الله تعالى حمّى، فأمر صلّى الله عليه وسلّم الحمّى أن تخرج من المدينة إلى خم، وحتّى يقال: إن أكثر أهل خم لم يتجاوزوا الحلم لكثرة الحمّى بها، وحتّى إنه قلّ من يمرّ بها ولا يحمّ.

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة فيها قدم الإمام الغزالي دمشق متزهدا، وصنّف «الإحياء» وأسمعه بدمشق، وأقام بها سنتين، ثم حج وردّ إلى وطنه. وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي الحافظ، في رجب، عن اثنتين وثمانين سنة وشهر. روى عن أبي علي بن شاذان، والبرقاني، وطبقتهما، وكتب ما لا يوصف، وكان ثقة، ثبتا، صاحب حديث. قال أبو منصور بن خيرون: كتب عمي عن أبي علي بن شاذان ألف جزء. وقال السّلفي: كان يحيى بن معين وقته، رحمه الله. وفيها أمير الجيوش بدر الأرمني، ولي إمرة دمشق في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وانفصل بعد عام، ثم وليها والشام كلّه في سنة ثمان وخمسين، ثم سار إلى الدّيار المصرية والمستنصر في غاية الضعف، فشيّد [1] دولته، وتصرّف في الممالك، وولي وزارة السيف والقلم، وامتدّت أيامه، ولما أيس منه، ولي الأمر بعده ابنه الأفضل، وتوفي في ذي القعدة.

_ [1] في «العبر» : «فشدّ» .

وفيها تتش، السلطان تاج الدولة أبو سعيد بن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق التّركي السّلجوقي. كان شهما، شجاعا، مقداما، فاتكا، واسع الممالك، كاد أن يستولي على ممالك أخيه ملكشاه، قتل بنواحي الرّيّ، وتملّك بعده ابناه، بحلب ودمشق. وفيها رزق الله بن عبد الوهّاب بن عبد العزيز بن الحارث الإمام أبو محمد التميمي البغدادي، الفقيه الواعظ، شيخ الحنابلة. قرأ القرآن على أبي الحسن الحمّامي، وتقدم في الفقه، والأصول، والتفسير، والعربية، واللغة، وحدّث عن أبي الحسين بن المتيّم، وأبي عمر بن مهدي، والكبار. وتوفي في نصف جمادى الأولى عن ثمان وثمانين سنة. قال أبو علي بن سكرة: قرأت عليه ختمة لقالون، وكان كبير بغداد وجليلها، وكان يقول: كل الطوائف تدّعيني. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن عقيل: في «فنونه» : ومن كبار مشايخي أبو محمد التميمي، شيخ زمانه، كان حسنة العالم، وماشطة بغداد. وقال: كان سيد الجماعة من [2] أصحاب أحمد بيتا، ورئاسة، وحشمة، أبو محمد التميمي، وكان أحلى الناس عبارة في النظر، وأجرأهم قلما في الفتيا، وأحسنهم وعظا. وفيها يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العكبري البرزبيني- بفتح الباء الموحدة أوله، والزاي ثالثة، ثم باء موحدة مكسورة، وتحتية، نسبة إلى برزبين، قرية ببغداد- القاضي أبو علي، قاضي باب الأزج. قدم بغداد بعد الثلاثين والأربعمائة، وسمع الحديث من أبي إسحاق البرمكي، وتفقه، على القاضي أبي يعلى، حتّى برع في الفقه، ودرّس في حياته، وشهد عند الدّامغاني، هو والشريف أبو جعفر في يوم واحد، سنة ثلاث

_ [1] (3/ 322- 323) . [2] لفظة «من» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» .

وخمسين، وزكّاهما شيخهما القاضي، وتولى يعقوب القضاء بباب الأزج، والشهادة سنة اثنتين وسبعين، ثم عزل نفسه عنهما، ثم عاد إليهما سنة ثمان وسبعين، واستمر إلى موته، وكان ذا معرفة تامة بأحكام القضاء وإنفاذ السجلات، متعففا في القضاء، متشددا في السّنّة. وقال ابن عقيل: كان أعرف قضاة الوقت بأحكام القضاء والشروط، وله المقامات المشهودة بالديوان، حتّى يقال: إنه كعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة من الصحابة في معرفة الرأي. وذكره ابن السمعاني [1] فقال: كانت له يد قوية في القرآن، والحديث، [والفقه] ، والمحاضرة. قرأ عليه عامة الحنابلة ببغداد، وانتفعوا به، وكان حسن السيرة جميل الطريقة. وفيها أبو يوسف القزويني، عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار، شيخ المعتزلة وصاحب التفسير الكبير، الذي هو أزيد من ثلاثمائة مجلد. درس الكلام على القاضي عبد الجبّار بالرّيّ، وسمع منه، ومن أبي عمر بن مهدي الفارسي، وتنقل في البلاد، ودخل مصر، وكان صاحب كتب كثيرة، وذكاء مفرط، وتبحر في المعارف واطّلاع كثير، إلّا أنه كان داعية إلى الاعتزال. مات في ذي القعدة، وله خمس وتسعون سنة وأشهر. وفيها أبو الحسن الحصري، المقرئ الشاعر، نزيل سبتة، علي بن عبد الغني الفهري، وكان مقرئا محقّقا وشاعرا مفلقا. مدح ملوكا ووزراء، وكان ضريرا. قال ابن بسام في حقه [2] : كان بحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم

_ [1] انظر «الأنساب» (2/ 147) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] انظر «الذخيرة» (4/ 1/ 245- 246) .

جماعة، طرأ على جزيرة الأندلس، منتصف المائة الخامسة من الهجرة، بعد خراب وطنه من القيروان، والأدب يومئذ بأفقنا نافق السّوق، معمور الطريق، فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض بالنّسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم، على أنه كان فيما بلغني ضيق العطن، مشهور اللّسن، يتلفت إلى الهجاء تلفت الظمآن إلى الماء، ولكنه طوي على غرّه، واحتمل بين زمانته [1] وبعد قطره، ولما خلع ملوك الطوائف بأفقنا، اشتملت عليه مدينة طنجة، وقد ضاق [2] ذرعه، وتراجع طبعه. وقال ابن خلّكان [3] : وهذا أبو الحسن- أي صاحب الترجمة- ابن خالة أبي إسحاق الحصري صاحب «زهر الآداب» . وذكره ابن بشكوال في كتاب «الصلة» [4]- والحميدي [4] أيضا- وقال: كان عالما بالقراءات وطرقها، وأقرأ الناس القرآن الكريم بسبتة وغيرها، وله قصيدة نظمها في قراءة نافع، عدد أبياتها مائتان وتسعة. وله ديوان شعر، فمن قصائده السائرة القصيدة التي أولها: يا ليل الصّبّ متى غده ... أقيام السّاعة موعده رقد السّمّار فأرّقه ... أسف للبين يردّده وله أيضا: أقول له وقد حيّا بكاس ... لها من مسك ريقته ختام أمن خدّيك تعصر؟ قال: كلّا ... متى عصرت من الورد المدام؟ ولما كان بمدينة طنجة أرسل غلامه إلى المعتمد بن عباد صاحب

_ [1] في «آ» و «ط» : «زمانية» والمثبت من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» و «ط» : «وقد ضاقت» والمثبت من «الذخيرة» و «الوفيات» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 332) . [4] انظر «الصلة» (2/ 432) و «جذوة المقتبس» ص (314) .

إشبيلية واسمها في بلادهم حمص، فأبطأ عنه وبلغه أن المعتمد ما احتفل به فقال: نبّه الرّكب الهجوعا ... ولم الدّهر الفجوعا حمص الجنّة قالت ... لغلامي لا رجوعا رحم الله غلامي ... مات في الجنّة جوعا وقد التزم في هذه الأبيات لزوم ما لا يلزم، رحمه الله تعالى. وفيها المعتمد على الله، أبو القاسم محمد بن المعتضد عبّاد بن القاضي محمد بن إسماعيل اللّخمي الأندلسي، صاحب الأندلس. كان ملكا جليلا، وعالما ذكيا، وشاعرا محسنا، وبطلا شجاعا، وجوادا ممدّحا. كان بابه محطّ الرّحال، وكعبة الآمال، وشعره في الذروة العليا، ملك من الأندلس، من المدائن، والحصون، والمعاقل مائة وثلاثين سورا [1] ، وبقي في المملكة نيفا وعشرين سنة، وقبض عليه أمير المسلمين ابن تاشفين، لما قهره، وغلب على ممالكه، وسجنه بأغمات، حتّى مات في شوال بعد أربع سنين من زوال ملكه [2] ، وخلع من ملكه عن ثمانمائة سرّيّة، ومائة وسبعين ولدا [3] ، وكان راتبه في اليوم ثمانمائة رطل لحم. قاله جميعه في «العبر» [4] . وقال ابن خلّكان [5] : جعل خواص الأمير يوسف بن تاشفين يعظّمون عنده بلاد الأندلس- لأنهم كانوا بمراكش، وهي بلاد بربر وأجلاف العربان- فجعلوا يحسّنون له أخذ الأندلس، ويوغرون [6] قلبه على المعتمد بأشياء

_ [1] في «العبر» : «مسورا» . [2] في «آ» و «ط» : «بعد أربع وستين سنة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف. [3] في «العبر» : «ومائة وثلاثة وسبعين ولدا» (ع) . [4] (3/ 323- 324) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 30) . [6] تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «ويغرون» فتصحح فيه. جاء في «لسان العرب» (وغر) : وغر صدره عليه ... إذا امتلأ غيظا وحقدا.

نقلوها عنه، فتغير عليه وقصده، فلما انتهى إلى سبته، جهز إليه العساكر، وقدّم عليها سير [1] بن أبي بكر الأندلسي، فوصل إلى إشبيلية وبها المعتمد، فحاصره أشد محاصرة، وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله، والناس بالبلد قد استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع، يقطعون سبلها سياحة ويخوضون نهرها سباحة، ويترامون من شرفات الأسوار. فلما كان يوم الأحد عشري رجب سنة أربع وثمانين، هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنّوا فيه الغارات، ولم يتركوا لأحد شيئا، وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم، وقبض على المعتمد وأهله، وكان قد قتل له ولدان قبل ذلك، أحدهما المأمون، كان ينوب عن والده في قرطبة فحصروه بها إلى أن أخذوه وقتلوه، والثاني الرّاضي، كان أيضا نائبا عن أبيه في رندة وهي من الحصون الممتنعة، فنازلوها وأخذوها، وقتلوا الرّاضي، ولأبيهما المعتمد فيهما مراث كثيرة. وبعد ذلك جرى بإشبيلية على المعتمد ما ذكرناه. ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته، وجعل مع أهله في سفينة. قال ابن خاقان في «قلائد العقيان» : ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت، وضمّتهم كأنهم أموات، بعد ما ضاق عنهم القصر، وراق منهم العصر، والناس قد حشروا بضفتي الوادي، يبكون [2] بدموع الغوادي، فساروا والنوح يحدوهم، والبوح باللوعة لا يعدوهم، وفي ذلك يقول ابن اللبانة: تبكي السّماء بدمع رائح غادي ... على البهاليل من أبناء عبّاد يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... في ضم رحلك واجمع فضلة الزّاد

_ [1] تحرّف في «آ» و «ط» إلى «سيرين» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (10/ 189 و 190 و 193) . [2] في «آ» و «ط» : «وبكوا» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

وقال في هذه الحال وصفتها ابن حمديس الصّقلي: ولما رحلتم بالنّدي في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الراسيات تسير وهي أبيات كثيرة. وتألم المعتمد يوما من قيده وضيقه وثقله، فأنشد: تبدّلت من ظل عزّ البنود ... بذلّ الحديد وثقل القيود وكان حديدي سنانا ذليقا ... وعضبا رقيقا صقيل الحديد وقد صالا ذاك وذا أدهما ... يعضعض [1] ساقيّ عضّ الأسود ثم إنهم حملوه إلى الأمير يوسف بمراكش، فأمر بإرسال المعتمد إلى مدينة أغمات، واعتقله بها، فلم يخرج إلى الممات. قال ابن خاقان: ولما أجلي عن بلاده، وأعري من طارفه وتلاده، وحمل في السفين، وأحل في العدوة محلّ الدّفين، تندبه منابره وأعواده، ولا يدنو [2] منه زوّاره ولا عوّاده، بقي آسفا تتصعد زفراته، [وتطرد اطّراد المذانب عبراته، ويخلو بمؤانس، ولا يرى إلا عرينا بدلا من تلك المكانس، ولما يجد سلوّا ولم يؤمل دنوّا، ولم ير وجه مسرّة مجلوّا، وتذكر منازله فشاقته] [3] وتصوّر بهجتها [فراقته] [4] ، وتخيّل استيحاش أوطانه، وإجهاش قصره ورأى [5] إظلام جوّه من أقماره، وخلوه من حرّاسه وسمّاره.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «يعضض» وفي «وفيات الأعيان» : «يعضّ بساقيّ» . [2] في «آ» و «ط» : «ولا تدنو» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [3] ما بين حاصرتين تأخر في «آ» و «ط» إلى عدة أسطر فأعدته إلى مكانه كما في «وفيات الأعيان» (5/ 32) ولفظة «فشاقته» مستدركة منه. [4] لفظة «فراقته» مستدركة من «وفيات الأعيان» . [5] لفظة «رأى» لم ترد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي.

وفي اعتقاله يقول أبو بكر الدّاني قصيدته المشهورة التي أولها: لكلّ شيء من الأشياء ميقات ... وللمنى من مناياهنّ غايات والدّهر في صبغة الحرباء منغمس ... ألوان حالاته فيها استحالات ونحن من لعب الشطرنج في يده ... وربما قمرت بالبيدق الشاة انفض يديك من الدّنيا وساكنها ... فالأرض قد اقفرت والنّاس قد ماتوا وقل لعالمها الأرضي قد كتمت ... سريرة العالم العلوي أغمات وهي طويلة. ودخل عليه يوما بناته السجن، وكان يوم عيد، وكنّ يغزلن للناس بالأجرة في أغمات، حتّى إن إحداهنّ غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه، فرآهنّ في أطمار رثّة وحالة سيئة، فصدعن قلبه، وأنشد: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للنّاس لا يملكن قطميرا [1] برزن نحوك للتّسليم خاشعة ... أبصارهنّ حسيرات مكاسيرا يطأن في الطّين والأقدام حافية ... كأنّها لم تطأ مسكا وكافورا ومنها: قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا ... فردّك الدّهر منهيّا ومأمورا من بات بعدك في دهر [2] يسرّ به ... فإنما بات بالأحلام مغرورا

_ [1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «قمطيرا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 35) . والقطمير: الفوفة التي في النّواة، وهي القشرة الرقيقة، وقيل: هي النّكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة. انظر «مختار الصحاح» (قطمر) . [2] في «وفيات الأعيان» : «في ملك» .

وله: قالت لقد هنّا هنا ... مولاي أين جاهنا قلت لها إلى هنا ... صيّرنا إلهنا ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضّت بساقيه عض الأسود، والتوت عليه التواء الأساور السود، وهو لا يطيق إعمال قدم، ولا يريق دمعا إلّا ممتزجا بدم، بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير، ووسط جنّة وحرير، تخفق عليه الألوية، وتشرق منه الأندية، فلما رآه بكى وأنشد: قيدي أما تعلمني مسلما ... أبيت أن تشفق أو ترحما دمي شراب لك واللّحم قد ... أكلته لا تهشّم الأعظما يبصرني فيك أبو هاشم ... فينثني والقلب قد هشّما ارحم طفيلا طائشا لبّه ... لم يخش أن يأتيك مسترحما وارحم أخيّات له مثله ... جرعتهنّ السمّ والعلقما منهنّ من يفهم شيئا فقد ... خفنا عليه للبكاء العمى والغير لا يفهم شيئا فما ... يفتح إلّا للرضاع الفما وكان قد اجتمع عنده جماعة من الشعراء وألحّوا عليه في السؤال، وهو على تلك الحال فأنشد: سألوا اليسير من الأسير وإنه ... بسؤالهم لأحقّ منهم فاعجب لولا الحياء وعزة لخميّة ... طيّ الحشا لحكاهم في المطلب وأشعار المعتمد وأشعار الناس فيه كثيرة، وكانت ولادته في ربيع الأول، سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة بمدينة باجة من بلاد الأندلس، وملك بعد وفاة أبيه هناك، وتوفي في السجن بأغمات حادي عشر شوال، وقيل: في [ذي] الحجة، رحمه الله.

ومن النادر الغريب أنه نودي في جنازته بالصلاة على الغريب، بعد عظم سلطانه وجلالة شأنه، فتبارك من له البقاء والعزّة والكبرياء، واجتمع عند قبره جماعة من الشعراء، الذين كانوا يقصدونه بالمدائح، ويجزل لهم المنائح، فرثوه بقصائد مطولات، وأنشدوها عند قبره، وبكوا عليه، فمنهم: أبو بحر عبد الصمد شاعره المختص به، رثاه بقصيدة طويلة أجاد فيها وأولها: ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن [1] السماع عوادي لمّا نقلت عن القصور ولم تكن ... فيها كما قد كنت بالأعياد أقبلت [2] في هذا الثّرى لك خاضعا ... وجعلت قبرك موضع الإنشاد ولما فرغ من إنشادها قبّل الثرى، ومرغ جسمه، وعفّر خده، فأبكى كل من حضر. ورأى أبو بكر الدّاني حفيد المعتمد- وهو غلام وسيم- قد اتخذ الصياغة صناعة، وكان يلقب في أيام دولتهم فخر الدولة، وهو من الألقاب السلطانية عندهم، فنظر إليه وهو ينفخ في الفحم بقصبة الصائغ، فقال من جملة قصيدة: شكاتنا فيك يا فخر العلى عظمت ... والرزء يعظم فيمن قدره عظما طوّقت من نائبات الدّهر مخنقة ... ضاقت عليك وكم طوّقتنا نعما وعاد طوقك في دكان قارعة [3] ... من بعد ما كنت في قصر حكى إرما صرفت في آلة الصّياغ أنملة ... لم تدر إلا النّدى والسيف والقلما يد عهدتك للتّقبيل تبسطها ... فتستقلّ الثريا أن تكون فما يا صائغا كانت العليا تصاغ له ... حليا وكان عليه الحليّ منتظما

_ [1] في «آ» و «ط» : «من» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» (5/ 37) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «قبلت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «فارغة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

للنفخ في الصور هول ما حكاه سوى ... أني رأيتك فيه تنفخ الفحما وددت إذ نظرت [1] عيني إليك به ... لو أن عيني تشكوا قبل ذاك عمى ما حطّك الدّهر لما حطّ عن شرف ... ولا تحيّف من أخلاقك الكرما لح في العلا كوكبا إن لم تلح قمرا ... وقم بها ربوة إن لم تقم علما والله لو أنصفتك الشهب لانكسفت ... ولو وفي لك دمع العين لانسجما أبكى حديثك حتّى الدّهر حين غدا ... يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما ويكفي هذا المقدار، ولولا خوف الإطالة لبيّضت الليالي بلآلئ نظامه، ولسوّدت سطور الطّروس بمصابه ونكبة أيامه، فرحمة الله عليه، وعوّضه بنعيم الفردوس لديه. وفيها محمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدبّاس، آخر من روى «الترمذي» عن الجراحي، توفي ببغشور [2] في ذي القعدة، وكان من الفقهاء. وفيها قاضي القضاة الشامي [3] أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشافعي. كان من أزهد القضاة، وأورعهم، وأتقاهم لله، وأعرفهم بالمذهب. ولد بحماة سنة أربعمائة، وسمع ببغداد من عثمان بن دوست وطائفة، وولي بعد أبي عبد الله الدامغاني، وكان من أصحاب القاضي أبي الطيّب الطبري. لم يأخذ على القضاء رزقا، ولا غيّر ملبسه. ولي القضاء سنة ثمان وسبعين، بعد ما امتنع، فألحوا عليه، فاشترط عليهم أن لا يأخذ عليه معلوما،

_ [1] في «آ» و «ط» : «أن نظرت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» و «ط» : «ببشفور» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 324) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 6) . [3] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «المشامي» والتصحيح من «العبر» (3/ 324) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 297) .

وأن لا يقبل من أحد شفاعة، ولا يغيّر ملبسه، فأجابوه، فأجابهم إلى ذلك، وكان يقول: ما دخلت في القضاء حتّى وجب عليّ. وقيل: إنه لم يتبسم قطّ، وكان له أجور من أملاكه تبلغ في الشهر دينارا ونصفا ينتفع بذلك. قال أبو علي بن سكرة: أما العلم فكان يقال: لو رفع المذهب أمكنه أن يمليه من صدره. وقال السمعاني: هو أحد المتقنين لمذهب الشافعي، وله اطّلاع على أسرار الفقه، وكان ورعا، زاهدا، جرت أحكامه على السداد. وقال ابن النجار: صنّف كتاب «البيان في أصول الدّين» وكان على طريقة السلف. وقال غيره: لم يقبل من سلطان عطية، ولا من صديق [1] هدية، وكان يعاب بالحدّة وسوء الخلق. توفي عاشر شعبان ودفن قرب ابن سريج. وفيها أبو عبد الله الحميدي محمد بن [أبي] نصر [2] فتّوح بن عبد الله بن فتّوح بن حميد بن يصل [3] الميورقي- بفتح الميم وضم التحتية، وسكون الراء، وقاف، نسبة إلى ميورقة، جزيرة قرب الأندلس- الأندلسي الحافظ الحجّة العلّامة، مؤلف «الجمع بين الصحيحين» توفي في ذي الحجة، عن نحو سبعين سنة. وكان أحد أوعية العلم، وكان ظاهري المذهب، أكثر عن ابن حزم، وابن عبد البرّ، وحدّث عن خلق، ورحل في حدود الخمسين، فسمع بالقيروان، والحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وكتب عن خلق كثير، وكان دؤوبا على الطلب للعلم، كثير الاطّلاع، ذكيا،

_ [1] ي «آ» و «ط» : «ولا من صديقه» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] في «آ» و «ط» : «محمد بن نصر» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (4/ 233) و «العبر» (3/ 325) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن بطل» وما أثبته من «العبر» (3/ 325) .

فطنا، صيّنا، ورعا، أخباريا، متقنا [1] ، كثير التصانيف، حجة، رحمه الله تعالى [2] . وفيها نجيب بن ميمون [3] أبو سهل الواسطي ثم الهروي. روى عن أبي علي الخالدي وجماعة، وعاش بضعا وتسعين سنة. وفيها هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عمر أبو نصر البغدادي الحافظ. سمع وألّف، وجمع وصنّف، ومات كهلا عن ست وأربعين سنة.

_ [1] في «العبر» : «متفننا» . (ع) . [2] قال العامري في «غربال الزمان» ص (391) في آخر ترجمته: قال أبو بكر بن طرخان: أنشد في نفسه: فأقلل من لقاء النّاس إلّا ... لأخذ العلم أو إصلاح حال [3] في «آ» و «ط» : «محبب بن ميمون» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 326) وانظر «الأنساب» (5/ 25) ضمن ترجمة شيخه (الحسين بن علي الخالدي النيسابوري) .

سنة تسع وثمانين وأربعمائة

سنة تسع وثمانين وأربعمائة فيها توفي أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلّاني الكرخي ثم البغدادي، توفي في ربيع الآخر، وله ثلاث وسبعون سنة. تفرّد بسنن سعيد بن منصور، عن أبي علي بن شاذان، وكان صالحا، زاهدا، منقضبا [1] عن الناس، ثقة، حسن السيرة. وفيها أبو منصور الشّيحي، عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي، المحدّث التاجر السفّار. روى عن ابن غيلان، والعتيقي، وطبقتهما. ولد سنة إحدى وعشرين [2] . وسمع بدمشق، ومصر، والرحبة، وكتب وحصّل الأصول. وفيها عبد الملك بن سراج، أبو مروان الأموي، مولاهم القرطبي، لغويّ الأندلس بلا مدافعة. توفي في ذي الحجّة عن تسعين سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكّي بن أبي طالب، وطائفة، وكان أحد أوعية العلم. وفيها أبو عبد الله الثقفي القاسم بن الفضل بن أحمد، رئيس أصبهان ومسندها، عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وابن محمش، وطبقتهما بأصبهان، ونيسابور، وبغداد، والحجاز.

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «متقبضا» . [2] تحرفت في «ط» إلى «إحدى وعشر» .

وفيها أبو بكر بن الخاضبة، محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي الحافظ، مفيد بغداد. روى عن أبي بكر الخطيب، وابن المسلمة، وطبقتهما، ورحل إلى الشام، وسمع طائفة، وكان كبير القدر، نقّادا، علّامة، محببا إلى الناس كلهم، لدينه، وتواضعه، ومروءته، ومسارعته في قضاء حوائج الناس، مع الصّدق، والورع، والصّيانة التامة، وطيب القراءة. قال ابن طاهر: ما كان في الدنيا أحد [1] أحسن قراءة للحديث منه. وقال أبو الحسن الفصيحي: ما رأيت في المحدّثين أقوم باللغة من ابن الخاضبة. توفي في ربيع الأول. وفيها أبو أحمد القاسم بن مظفّر الشّهرزوري [2] . ولي قضاء إربل، ثم سنجار [3] ، وله أولاد وحفدة أنجبوا [4] . ومن شعره: همتي دونها السّها والثّريا [5] ... قد علت جهدها فما تتوانى [6] وقيل: إنه [7] لولده قاضي الخافقين، وقيل له: قاضي الخافقين لسعة ما تولى. وشهرزور: من أعمال إربل، مات بها الإسكندر ذو القرنين، وقيل: مات

_ [1] في «ط» : «أحدا» وهو خطأ. [2] مترجم في «الأنساب» (7/ 419) و «مرآة الجنان» (3/ 150) . و «غربال الزمان» ص (391) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سيحان» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» . [4] يعني صاروا علماء نجباء. انظر «مرآة الجنان» . [5] تحرّفت في «آ» و «ط» و «مرآة الجنان» إلى «الزبانا» والتصحيح من «غربال الزمان» . [6] في «مرآة الجنان» : «فما ابتدأنا» . [7] يعني البيت المتقدم.

بمدائن كسرى، وحمل إلى الإسكندرية فدفن عند أمه، والله أعلم. وفيها الإمام العلّامة أبو المظفّر السمعاني، منصور بن محمد التميمي المروزي الحنفي، ثم الشافعي. تفقه على والده وغيره، وكان إمام وقته في مذهب أبي حنيفة، فلما حجّ ظهر له بالحجاز ما اقتضى انتقاله إلى مذهب الشافعي، ولما عاد إلى مرو لقي أذى عظيما بسبب انتقاله، وصنّف في مذهب الشافعي كتبا كثيرة، وصنّف في الرّد على المخالفين، وله «الطبقات» أجاد فيه وأحسن، وله تفسير جيد حسن، وجمع في الحديث ألف جزء عن مائة شيخ وسمعان بطن من تميم، ويجوز كسر السين. وفيها أبو عبد الله العميري- مكبرا، نسبة إلى عميرة، بطن من ربيعة- محمد بن علي بن محمد الهروي العبد الصالح. توفي في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة، وأول سماعه سنة سبع وأربعمائة، وقد رحل إلى نيسابور، وبغداد، وروى عن أبي بكر الحيري وطبقته، وكان من أولياء الله تعالى. قال الدقاق: ليس له نظير بهراة. وقال أبو النضر الفامي: توحّد عن أقرانه بالعلم، والزهد في الدّنيا، والإتقان في الرواية، والتجرّد من الدّنيا.

سنة تسعين وأربعمائة

سنة تسعين وأربعمائة فيها قتل أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، صاحب مرو، وبلخ، ونيسابور، وترمذ، وكان جبّارا عنيدا، قتله غلام له، وكان بركياروق قد جهز الجيش مع أخيه سنجر لقتال عمّه أرغون، فبلغهم قتله بالدامغان، فلحقهم بركياروق، فتسلم نيسابور وغيرها بلا قتال، ثم تسلم بلخ، وخطبوا له بسمرقند، ودانت له الممالك، واستخلف سنجر على خراسان، وكان حدثا، فرتب في خدمته من يسوس المملكة، واستعمل على خوارزم محمد بن أفشتكين [1] مولى الأمير ميكائيل السلجوقي، ولقبه خوارزم شاه، وكان عدلا، محبا للعلماء، وولي بعده ابنه أتسز [2] . وفيها توفي أبو يعلى العبدي، أحمد بن محمد، من ذرية الحسن البصري، ويعرف بابن الصوّاف، شيخ مالكية العراق، وله تسعون سنة. تفقه على القاضي علي بن هارون، وحدّث عن البرقاني وطائفة، وكان علّامة، زاهدا، مجتهدا في العبادة، عارفا بالحديث. قال بعضهم: كان إماما في عشرة أنواع من العلوم، توفي في رمضان بالبصرة.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «محمد بن أتستكين» والتصحيح من «العبر» (3/ 329) وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 267) . [2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «أسر» والتصحيح من «العبر» (3/ 329) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (11/ 209) .

وفيها الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم بن [1] جعفر القاسمي، أبو محمد السمرقندي، قوّام السنّة. كان إماما، حافظا، جليلا، رحّالا، ثقة، نبيلا، ومن مصنفاته «بحر الأسانيد في صحاح المسانيد» يشتمل على مائة ألف من الأخبار، وهو في ثمانمائة جزء كبار. قاله ابن ناصر الدّين [2] . وفيها أبو نصر [3] السمسار، عبد الرحمن بن محمد الأصبهاني، توفي في المحرم، وهو آخر من حدّث عن محمد بن إبراهيم الجرجاني. وفيها أبو الفتح عبدوس بن عبيد الله بن محمد بن عبدوس، رئيس همذان ومحدّثها. أجاز له أبو بكر بن لال، وسمع من محمد بن أحمد بن حمدويه الطّوسي، والحسين بن فتحويه، مات في جمادى الآخرة، عن خمس وتسعين سنة. وروى عنه أبو زرعة. وفيها الفقيه نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود، أبو الفتح المقدسي النابلسي الزاهد، شيخ الشافعية بالشام، وصاحب التصانيف. كان إماما، علّامة، مفتيا، محدّثا، حافظا، زاهدا، متبتلا، ورعا، كبير القدر، عديم النظير. سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطّبيز، وأبي الحسن السمسار، وطائفة، وبغزة من أبي جعفر الميماسي [4] ، وبآمد، وصور، والقدس، وأملى وصنّف، وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض له بنابلس، وهو بدمشق، فيخبز له كل ليلة قرص في جانب الكانون، وعاش أكثر من ثمانين سنة، وتوفي يوم عاشوراء. قاله في «العبر» [5] .

_ [1] لفظة «ابن» سقطت من «آ» . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (156/ آ) . [3] في «ط» : «أبو نضر» وهو خطأ. [4] في «آ» و «ط» : «الميماشي» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف. [5] (3/ 331) .

وقال ابن شهبة [1] : تفقه على سليم بن أيوب الرازي، وصحبه بصور أربع سنين، وعلّق عنه تعليقه- قال الذهبي في ثلاثمائة جزء- وسمع الحديث الكثير وأملى وحدّث. أقام بالقدس مدة طويلة، ثم قدم دمشق سنة ثمانين فسكنها وعظم شأنه، مع العبادة، والزهد الصادق، والورع، والعلم، والعمل. قال الحافظ ابن عساكر: لم يقبل من أحد صلة بدمشق، قال: وحكى بعض أهل العلم قال: صحبت إمام الحرمين، ثم صحبت الشيخ أبا إسحاق، فرأيت طريقته أحسن طريقة، ثم صحبت الشيخ نصر، فرأيت طريقته أحسن منها. ولما قدم الغزالي دمشق اجتمع به واستفاد منه، وتفقه به جماعة من دمشق وغيرها، ودفن بباب الصغير، وقبره ظاهر يزار. قال النووي [2] : سمعنا الشيوخ يقولون: الدعاء عند قبره يوم السبت مستجاب. ومن تصانيفه «التهذيب» و «التقريب» وكتاب «المقصود» له وهو أحكام مجردة وكتاب «الكافي» وله شرح متوسط على كتاب «الإشارة» لشيخه سليم، وله كتاب «الحجّة على تارك المحجّة» وغير ذلك، رحمه الله. وفيها أبو القاسم يحيى بن أحمد السّيبي [3] القصري، المقرئ ببغداد، وله مائة وسنتان، قرأ القرآن على أبي الحسن الحمّامي، وسمع أبا

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 302- 303) . [2] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 126) . [3] في «آ» و «ط» : «السبتي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (7/ 216) و «العبر» (3/ 332) .

الحسن بن الصّلت، وأبا الحسين بن بشران، وجماعة، وختم عليه خلق، وكان خيّرا، ثقة، توفي في ربيع الآخر، وكان يمشي ويتصرف في مصالحه في هذا السنّ.

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة فيها خرج الفرنج في ألف ألف وحاصروا أنطاكية سبعة أشهر، وأخذوها [1] عنوة، وخرج إليهم المسلمون وانكسروا، وتبعهم الفرنج إلى المعرّة، وقتلوا، وفتكوا، وأقاموا بها، وقتلوا فيها مائة ألف مسلم، وبعد أربعين يوما ساروا إلى حمص، فصالحهم أهلها، ثم توجهوا إلى القدس. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن عبد الغفّار بن أشته الأصبهاني. روى عن علي بن ميلة، وأبي سعيد النقاش، وطائفة، وعاش اثنتين وثمانين سنة. وفيها سهل بن بشر، أبو الفرج الإسفراييني، ثم الدمشقي، الصّوفى المحدّث. سمع بدمشق من ابن سلوان وطائفة، وبمصر من الطفّال وطبقته. ولد ببسطام في سنة تسع وأربعمائة، ومات بدمشق في ربيع الأول. وفيها أبو الفوارس، طرّاد بن محمد بن علي، النقيب الكامل، الهاشمي العبّاسي الزّينبي البغدادي، نقيب النقباء، ومسند العراق. روى عن هلال الحفّار، وابن رزقويه، وأبي نصر النّرسي، وجماعة، وأملى مجالس كثيرة، وازدحموا عليه، ورحلوا إليه، وكان أعلى الناس منزلة عند الخليفة، توفي في شوال، وله ثلاث وتسعون سنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وأخذوا» وما أثبته يقتضيه السياق.

وفيها أبو الحسن الكرجي [1] مكّي بن منصور بن محمد بن علّان الرئيس [السّلّار] ، نائب [2] الكرخ ومعتمدها، توفي بأصبهان في جمادى الأولى، عن بضع وتسعين سنة. رحل، وسمع من الحيري، والصّيرفي، وأبي الحسين بن بشران، وجماعة، وكان محمود السيرة، وافر الحرمة. وفيها هبة الله بن عبد الرزاق، أبو الحسن الأنصاري البغدادي، رئيس، جليل، خيّر، توفي في ربيع الآخر، عن تسع وثمانين سنة. روى عن هلال وجماعة، وهو آخر من حدّث عن أبي الفضل عبد الواحد التميمي. وفيها محمد بن الحسين بن محمد الجرمي أبو سعد المكّي، نزيل هراة، كان إماما، حافظا، من العلماء، قدوة، معدودا من الأولياء. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» : محمد فتى الحسين الجرمي ... تم صلاح أمره الأشم

_ [1] في «آ» و «ط» : «الكرخي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 333) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 71) وما بين حاصرتين زيادة منهما. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «باب» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف.

سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة فيها انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وأعمالها، وقويت شوكتهم، وأخذت الفرنج بيت المقدس، بكرة الجمعة لسبع بقين من شعبان، بعد حصار شهر ونصف. قال ابن الأثير [1] : قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا. وقال ابن الجوزي في «الشذور» : أخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا فضة، كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنّور فضة وزنه أربعون رطلا، وأخذوا نيفا وعشرين قنديلا من ذهب. وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي اليوسفي. ثقة جليل القدر، روى عن ابن شاذان وطبقته، وتوفي في شعبان، وله إحدى وثمانون سنة. وفيها أبو القاسم الخليلي، أحمد بن [محمد] الدّهقان [2] ، عن مائة سنة وسنة، حدّث ببلخ بمسند الهيثم بن كليب، عن أبي القاسم الخزاعي عنه، وتوفي في صفر.

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 283) . [2] تحرّفت في «ط» إلى «الداهقان» ولفظة «محمد» زيادة من «العبر» (3/ 335) .

وفيها أبو تراب المراغي، عبد الباقي بن يوسف، نزيل نيسابور. قال السمعاني: عديم النظير في فنه، بهي النظر، سليم النفس، عامل بعلمه، نفّاع للخلق، ففيه النفس، قوي الحفظ، تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب [1] وسمع أبا علي بن شاذان، وكان شافعيا، وتوفي في ذي القعدة، وله إحدى وتسعون سنة. وفيها القاضي الخلعي، أبو الحسن، علي بن الحسن المصري، الفقيه الشافعي، وله ثمان وثمانون سنة. سمع عبد الرحمن بن عمر النحّاس، وأبا سعيد الماليني وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر. قال ابن سكرة: فقيه له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوما واستعفى، وانزوى بالقرافة، توفي في ذي الحجة. وكان يوصف بدين وعبادة [2] . وقال ابن قاضي شهبة [3] : ذكروا له كرامات وفضائل، وأنه كان لا يبالي بالحرّ، ولا بالبرد، بسبب منام رآه. قال ابن الأنماطي: قبره بالقرافة يعرف بإجابة الدعاء عنده، وخرّج له أبو نصر الشيرازي عشرين جزءا وسمّاها «الخلعيات» ومن تصانيفه «المغني» في الفقه، في أربعة أجزاء، وهو حسن. وفيها- أو في التي قبلها، وجزم به ابن رجب- عبد الوهاب بن رزق الله بن عبد الوهاب أبو الفضل التميمي.

_ [1] في «آ» و «ط» : «تفقه ببغداد على أبي علي الطبري» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 170) . [2] قاله الذهبي في «العبر» (3/ 336) وقد نقل المؤلف الترجمة بتمامها عنه. [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 294- 295) .

ذكره ابن السمعاني فقال: كان حنبليا، فاضلا، متقنا، واعظا، جميل المحيا. سمع أبا طالب بن غيلان. وذكر أبو الحسين في «الطبقات» [1] أنه كان يحضر بين يدي أبيه في مجالس وعظه، بمقبرة الإمام أحمد، وينهض بعد كلامه قائما على قدميه، ويورد فصولا مسجوعة [2] . وفيها أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيّوب البزاز [3] ببغداد، في يوم عرفة، عن اثنتين وثمانين سنة. روى عن أبي علي بن شاذان، والحرفي [4] . وفيها مكّي بن عبد السلام أبو القاسم بن الرّميلي المقدسي الحافظ، أحد من استشهد بالقدس. رحل، وجمع، وعني بهذا الشأن، وكان ثقة، متحريا. روى عن محمد بن يحيى بن سلوان المازني، وأبي عثمان بن ورقاء، وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهم، وعاش ستين سنة.

_ [1] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 250) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [2] في «طبقات الحنابلة» : «مجموعة» . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البزار» والتصحيح من «العبر» (3/ 336) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 145) . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحرقي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة فيها توفي العبّاداني، أبو طاهر جعفر بن محمد القرشي البصري. روى عن أبي عمر الهاشمي أجزاء ومجالس، وكان شيخا، صالحا، أميّا، معمّرا. وفيها النّعالي، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمّامي، رجل عاميّ من أولاد المحدّثين، عمّر دهرا، وانفرد بأشياء، وروى عن أبي عمر بن مهدي، وأبي سعد الماليني، وطائفة، وتوفي في صفر. وفيها زياد [بن علي] بن هارون أبو القاسم الجيلي الفقيه الحنبلي [1] ، نزيل بغداد. سمع بها من أبي مسلم اللّيثي البخاري، وحدّث عنه بكتاب «الوجيز» لابن خزيمة. سمعه منه أبو الحسن الزّعفراني [2] ، وأبو الحسين بن الأبنوسي، وتوفي زياد هذا في طاعون. وفيها سليمان بن عبد الله بن الفتى أبو عبد الله النّهرواني [3] النحوي

_ [1] مترجم في «المنهج الأحمد» (2/ 206) بعناية نويهض، وما بين حاصرتين استدركته منه. [2] كذا في «آ» و «المنهج الأحمد» وفي «ط» : «الزاغوني» . [3] انظر «إنباه الرواة» (2/ 26- 28) .

اللغوي، صاحب التصانيف، من ذلك كتاب «القانون» في اللغة، عشر مجلدات، وكتاب في التفسير، تخرّج به أهل أصبهان، وروى عن أبي طالب بن غيلان وغيره، وهو والد الحسن مدرّس النظامية. وفيها عبد الله بن جابر بن ياسين أبو محمد الحنّائي الحنبلي، تفقه على القاضي أبي يعلى، وروى عن أبي علي بن شاذان، وكان ثقة نبيلا. قاله في «العبر» [1] . وفيها عبد الباقي بن حمزة بن الحسين الحداد الحنبلي الفرضي أبو الفضل. ولد سنة خمس وعشرين وأربعمائة. قال ابن السمعاني: شيخ صالح خيّر، كان قد قرأ الفقه، وكانت له يد في الفرائض، والحساب. سمع أبا محمد الجوهري وغيره. وقال ابن ناصر: هو ثقة خيّر، وروى عنه سعيد بن الرزّاز الفقيه، وسبط الخيّاط، وغيرهم، وتوفي يوم السبت، رابع عشر شعبان، وله كتاب «الإيضاح» في الفرائض، صنّفه على مذهب أحمد، وحرّر فيه نقل المذهب تحريرا جيدا، ومما ذكر فيه في باب توريث ذوي الأرحام في ثلاث عمّات مفترقات المال بينهم [2] على خمسة، قال: وهذا هو المنصوص عن أحمد. وفيها عبد القاهر بن عبد السلام أبو الفضل العبّاسي النقيب المكّي المقرئ. أخذ القراءات عن أبي عبد الله الكارزيني، وتصدّر للإقراء ببغداد. وفيها أبو الفضل عبد الكريم بن المؤمّل السّلمي الكفر طابي، ثم الدمشقي البزاز. روى جزءا عن عبد الرحمن بن أبي نصر.

_ [1] (3/ 338) . [2] في «ط» : «بينهنّ» .

وفيها عميد الدولة أبو منصور، محمد بن فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، الوزير ابن الوزير [وزر للمقتدي بالله سنة اثنتين وسبعين، ثم عزل بعد خمس سنين بالوزير] [1] أبي شجاع، ثم وزر سنة أربع وثمانين إلى أن مات، وكان رئيسا، كافيا، شجاعا، مهيبا، فصيحا، مفوّها، أحمق، صودر قبل موته وحبس، ثم قتل سرّا. قاله في «العبر» [2] وقد تقدم ذكره عند ذكر أبيه.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [2] (3/ 339) .

سنة أربع وتسعين وأربعمائة

سنة أربع وتسعين وأربعمائة فيها كثرت الباطنية بالعراق والجبل، وزعيمهم الحسن بن صباح، فملكوا القلاع، وقطعوا السبيل، وأهمّ النّاس شأنهم، واستفحل أمرهم لاشتغال أولاد ملكشاه بنفوسهم. وفيها حاصر كند فري [1]- الذي أخذ القدس- عكّا، فأصابه سهم فقتله. وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدّمشقي. روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر وجماعة، ولكنه رافضيّ معتزلي، وله كتب موقوفة بجامع دمشق. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو الفرج الزّاز- بالزاي المكررة- عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن زاز بن حميد الأستاذ السرخسي، ثم المروزي، فقيه مرو، وتلميذ القاضي حسين. مولده سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وتفقه على القاضي حسين.

_ [1] علّق الأستاذ فؤاد سيد على «العبر» (3/ 340) بقوله: كذا بالأصول العربية، وهو الدوق جودفري LGodfrey سيد بويون Bouillon وهي مقاطعة صغيرة في بلجيكا، وكان يجمع بين صفات الجندي والراهب، شديد التعصب لدينه، وكان على رأس الجيوش الصليبية الأولى عند غزوها للشرق وبلاد الإسلام. «قصة الحضارة» المجلد الرابع ص (20- 21) . [2] (3/ 341) .

قال ابن السمعاني في «الذيل» : كان أحد أئمة الإسلام، وممّن يضرب به المثل في الآفاق في حفظ مذهب الشافعي، رحلت إليه الأئمة من كل جانب، وكان ديّنا، ورعا، محتاطا في المأكول والملبوس. قال: وكان لا يأكل الأرز لأنه يحتاج إلى ماء كثير، وصاحبه قلّ أن لا يظلم غيره، ومن تصانيفه كتاب «الأمالي» . قال الإسنوي في «المهمات» : إن غالب نقل الرافعي من ستة تصانيف غير كلام الغزالي المشروح، «التهذيب» و «النهاية» و «التتمة» و «الشامل» و «تجريد ابن كج» و «أمالي أبي الفرج السرخسي» يعني صاحب الترجمة. وفيها أبو سعيد عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري، كان صالحا، عالما، كثير الفضل. روى عن علي بن محمد الطرازي وجماعة، وسماعه حضورا في الرابعة من الطرازي، توفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو الحسن المديني علي بن أحمد بن الأخرم النيسابوري، المؤذن الزاهد، أملى مجالس عن أبي زكريا المزكّي، وأبي عبد الرحمن السّلمي، وأبي بكر الحيري، وتوفي في المحرم. وفيها أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك [1] بن منصور الجيلي، القاضي المعروف بشيذلة، الفقيه الشافعي الواعظ. كان فقيها، فاضلا، واعظا، ماهرا، فصيح اللسان، حلو العبارة، كثير المحفوظات، صنّف في الفقه، وأصول الدّين، والوعظ، وجمع كثيرا من أشعار العرب، وتولى القضاء بمدينة بغداد بباب الأزج، وكانت في أخلاقه حدّة، وسمع الحديث الكثير من جماعة كثيرة، وكان يناظر بمذهب الأشعري، ومن كلامه: إنما قيل لموسى

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» : (3/ 259) و «العبر» (3/ 341) : «عزيزي بن عبد الملك» وهو الصواب وفي «مرآة الجنان» (3/ 157) و «البداية والنهاية» (12/ 160) و «غربال الزمان» ص (393) : «عزيز بن عبد الملك» وهو خطأ.

عليه السلام: لَنْ تَرانِي 7: 143، لأنه لما قيل له: انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ 7: 143 نظر إليه، فقيل له: يا طالب النظر إلينا لم تنظر إلى سوانا: يا مدّعي بمقاله ... صدق المحبة والإخاء لو كنت تصدق في المقا ... ل لما نظرت إلى سوائي فسلكت سبل محبتي ... واخترت غيري في الصّفاء هيهات أن يهوى الفؤا ... د محبتين على استواء وقال أنشدني والدي عند خروجه من بغداد إلى الحج: مددت إلى التّوديع كفّا ضعيفة ... وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي فلا كان هذا العهد آخر عهدنا ... ولا كان ذا التّوديع آخر زادي وتوفي يوم الجمعة سابع عشر صفر. قاله ابن خلّكان [1] . وفيها أبو الخطّاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر [2] البزّاز، مسند بغداد. روى عن أبي محمد بن البيّع، وابن رزقويه، وطائفة، وتوفي في ربيع الأول، عن ست وتسعين سنة، وكان صحيح السماع، انفرد برواية عن جماعة.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 259- 260) . [2] في «آ» و «ط» : «النظر» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 342) مصدر المؤلف، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 46) .

سنة خمس وتسعين وأربعمائة

سنة خمس وتسعين وأربعمائة فيها توفي المستعلي بالله أبو القاسم، أحمد بن المستنصر صاحب مصر، ولي الأمر بعد أبيه ثماني سنين، ومات في صفر وله تسع وعشرون سنة، وفي أيامه انقطعت دولته من الشام، واستولى عليها الأتراك والفرنج، ولم يكن له مع الأفضل حلّ ولا ربط، بل كان الأفضل أمير الجيوش، هو الكلّ، وفي أيامه هرب أخوه نزار، الذي تنسب إليه الدعوة النّزارية بقلعة الألموت [1] ، فدخل الإسكندرية وبايعه أهلها، وساعده قاضيها ابن عمّار، ومتولّيها أفتكين، فنازلهم الأفضل، فبرز لحربه أفتكين وهزمه، ثم نازلهم ثانيا، وظفر بهم، ورجع إلى القاهرة بأفتكين ونزار، فذبح أفتكين، وبنى على نزار حائطا فهلك. وفيها أبو العلاء صاعد بن سيّار الكنانيّ قاضي هراة [2] . روى عن أبي سعيد الصّيرفي، والطرازي، وطائفة. وفيها سعيد بن هبة الله أبو الحسن، شيخ الأطباء بالعراق، وكان صاحب تصانيف في الفلسفة، والطب، والمنطق، وله عدة أصحاب. وفيها عبد الواحد بن عبد الرحمن الزّبيري الوركي الفقيه. قال السمعاني: عمر مائة وثلاثين سنة، وكتب إملاء عن أبي ذرّ

_ [1] انظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص (256) . [2] في «العبر» : «قاضي القضاة بهراة» .

عمّار بن محمد، صاحب يحيى بن محمد بن صاعد، وقال: زرت قبره بوركة على فرسخين من بخارى. وقال الذهبي [1] : ما كان في الدنيا له نظير، في علو الإسناد، ولم يضعّفه أحد. انتهى. وفيها أبو عبد الله الكامخي، محمد بن أحمد بن محمد. روى عن أبي بكر الحيري، وهبة الله اللّالكائي، وطائفة، وتوفي بها ظنا. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو ياسر الخيّاط [3] محمد بن عبد العزيز البغدادي، رجل خيّر. روى عن أبي علي بن شاذان، وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو الحجّاج يوسف بن سليمان الأعلم النحوي [4] . رحل إلى قرطبة، وأخذ عن جماعة، ورحل إليه الناس من كل وجه، وممّن أخذ عنه أبو علي الحسين بن محمد الغسّاني الجيّاني، وشرح «جمل الزجاجي» وشرح شعره شرحا مفردا، وكفّ بصره في آخر عمره، وسمّي الأعلم لكونه مشقوق الشفّة العليا، ويقال لمشقوق السفلى: أفلح، وكان عنترة العبسي المشهور يلقب بالفلحاء لفلحة كانت به، وإنما أنّثوا لأنهم أرادوا الشفة، وكان سهيل بن عمرو أعلم، ولذلك قال عمر: يا رسول الله، دعني أنزع ثنيته، فلا يقوم عليك خطيبا بعده، لأنه كان مشقوق الشفة العليا، وإذا نزعت ثنيته تعذّر كلامه مع الفصاحة. قاله ابن الأهدل.

_ [1] انظر «العبر» (3/ 344) . [2] (3/ 344) . [3] في «آ» و «ط» : «الحناط» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 344) وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 417) ضمن ترجمة شيخه ابن شاذان. [4] قلت: الصواب أن وفاته كانت سنة (476) هـ- كما ذكرت في تعليقي على ص (330) من هذا المجلد.

سنة ست وتسعين وأربعمائة

سنة ست وتسعين وأربعمائة فيها توفي ابن سوّار، مقرئ العراق، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوّار، مصنّف «المستنير في القراءات» . كان ثقة مجوّدا، أقرأ خلقا، وسمع الكثير، وحدّث عن ابن غيلان، وطبقته. وفيها أبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي، مولى المؤيد بالله الأموي، مقرئ الأندلس، وصاحب أبي عمرو الدّاني، وهو أنبل أصحابه، وأعلمهم، وأكثرهم تصانيف، توفي في رمضان، عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها أبو الحسن بن الرّوش، علي بن عبد الرحمن الشّاطبي المقرئ. قرأ القراءات على أبي عمرو الدّاني، وسمع من ابن عبد البرّ، وتوفي في شعبان. وفيها أبو الحسين بن البيّاز [1] يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي. قرأ على أبي عمرو الدّاني، ومكّي. قال ابن بشكوال [2] : لقي بمصر القاضي عبد الوهاب، وأخذ عنه كتابه

_ [1] في «آ» و «ط» و «العبر» (3/ 346) : «البيار» وفي «الصلة» لابن بشكوال: «ابن البيان» وما أثبته من «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 448) و «ميزان الاعتدال» (4/ 360) و «غاية النهاية في معرفة القراء» (2/ 364) . [2] انظر «الصلة» ص (670) وما بين حاصرتين استدركته منه.

«التلقين» وأقرأ الناس [القرآن] وعمّر، وأسنّ، وسمعت بعضهم ينسبه إلى الكذب. توفي في المحرم، وقد اختلط في آخر عمره، وعاش تسعين سنة. وفيها أبو العلاء محمد بن عبد الجبّار الفرساني الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي علي المعدّل، وجماعة. وفيها الفانيدي، أبو سعد الحسين بن الحسين البغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، وتوفي في شوال. وفيها أبو ياسر، محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي المحدّث. كتب الكثير وتعب، وكان قارئ أهل بغداد بعد ابن الخاضبة. روى عن أبي محمد الجوهري، وخلق. وفيها أبو البركات محمد بن المنذر بن طيبان الكرخي، كذّبه [1] ابن ناصر، وقد روى عن عبد الملك بن بشران، ومات في صفر. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «كنيته» والتصحيح من «العبر» (3/ 347) مصدر المؤلف. [2] (3/ 347) .

سنة سبع وتسعين وأربعمائة

سنة سبع وتسعين وأربعمائة فيها أخذت الفرنج جبيل [1] صلحا، ونكثوا وأخذوا عكّا بالسيف، وهرب متولّيها زهر الدولة بنا الجيوشي [2] ، وهرب في البحر، ونزلت [3] الفرنج حرّان، فالتقاهم سقمان [4] ومعه عشرة آلاف، فانهزموا وتبعهم الفرنج فرسخين، ثم نزل النصر، وكبّر المسلمون، فقتلوهم كيف شاءوا، وكان فتحا عظيما. وفيها توفي أبو ياسر أحمد بن بندار البقال، أخو ثابت. روى عن بشرى الفاتني وطائفة، ومات في رجب. قاله في «العبر» [5] . وفيها أبو بكر الطّريثيثي- بضم المهملة أوله، وفتح الراء وسكون التحتية، ومثلثتين، بينهما تحتية، نسبة إلى طريثيث، ناحية بنيسابور- أحمد بن علي بن حسين بن زكريا، ويعرف بابن زهراء [6] الصّوفي البغدادي،

_ [1] في «آ» و «ط» : «جبل» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 347) وجبيل تصغير جبل، بلدة مشهورة شرقي بيروت. انظر «معجم البلدان» (2/ 109) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن الجيوشي» والتصحيح من «العبر» (3/ 347) وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 373) . [3] في «العبر» : «ونازلت» . [4] ويقال له أيضا: سكمان. انظر التعليق على «العبر» (3/ 347) . [5] (3/ 348) . [6] في «آ» و «ط» : «ابن زهر» وفي «العبر» : «ابن زهيرا» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 160) و «الوافي بالوفيات» (7/ 202) .

من أعيان الصوفية ومشاهيرهم. روى عن أبي الفضل القطّان، واللالكائي، وطائفة، وهو ضعيف، عاش ستا وثمانين سنة. وفيها أبو علي الجاجرمي- بفتح الجيمين وسكون الراء، نسبة إلى جاجرم، بلد بين نيسابور وجرجان- إسماعيل بن علي النيسابوري، الزاهد، القدوة، الواعظ، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن عبد الله بن باكويه وعدة. قال السخاوي: حضر درس زين الإسلام القشيري وخدمه مدة، ثم اشتغل بالعزلة، وكان يجلس في الأسبوع يوما للتذكير. قال إسماعيل: كان والدي دعا بمكة اللهمّ ارزقني ولدا لا يكون وصيا، ولا صاحب وقف، ولا قاضيا، ولا خطيبا. قال: فقلت له: يا أبت، وما للخطيب؟ قال: يا بني أليس يدعو للظلمة. وتوفي إسماعيل في عصر يوم الخميس ثامن عشر المحرم، وصلّي عليه يوم الجمعة العصر تاسع عشرة، ودفن في مشهد الإمام محمد بن خزيمة. وفيها دقاق، شمس الملوك أبو نصر بن تاج الدولة تتش بن السلطان ألب أرسلان السّلجوقي، صاحب دمشق، ولي دمشق بعد أبيه عشر سنين، ومرض مدة، ومات في رمضان، وقيل: سمّوه في عنب، ودفن بخانكاه الطواويس. وفيها أبو عبد الله بن البسري، الحسين بن علي بن أحمد بن محمد البندار [البغدادي] [1] توفي في جمادى الآخرة وله ثمان وثمانون سنة. قال السّلفي: لم يرو لنا عن عبد الله بن يحيى السّكّريّ سواه.

_ [1] زيادة من «العبر» (3/ 349) مصدر المؤلف.

وفيها أبو ياسر الطباخ، طاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي المواقيتي. روى عن عبد الملك بن بشران وغيره، وتوفي في رجب. وفيها أحمد بن بشرويه الأصبهاني. كان صالحا من الأعيان. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» : وأحمد بن بشرويه صالح ... ذا الأصبهاني زانه تصافح وفيها أبو مسلم السّمناني عبد الرحمن بن عمر، شيخ بغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، ومات في المحرم. وفيها أبو الخطّاب بن الجرّاح، علي بن عبد الرحمن بن هارون البغدادي الشافعي، المقرئ الكاتب الرئيس. روى عن عبد الملك بن بشران، وكان لغوي زمانه له منظومة في القراءات، توفي في ذي الحجة، وقد قارب التسعين. وفيها أبو مكتوم، عيسى بن الحافظ أبي ذرّ عبد الرحمن بن أحمد الهروي ثم السّروي الحجازي. ولد سنة خمس عشرة بسراة بني شبابة، وروى عن أبيه «صحيح البخاري» وعن أبي عبد الله الصنعاني جملة من تآليف عبد الرزاق. وفيها أبو منصور الخياط محمد بن أحمد بن عبد الرزاق، الشيرازي الأصل، البغدادي الصّفّار، الحنبلي المقرئ الزاهد. ولد سنة إحدى وأربعمائة في شوال- أو في ذي القعدة- وقرأ القرآن [1] على أبي نصر أحمد بن عبد الوهاب بن مسرور وغيره، وسمع الحديث في

_ [1] في «آ» و «ط» : «القراءات» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

كبره [1] من أبي القاسم بن بشران، وأبي منصور بن السوّاق وغيرهما. وتفقه على القاضي أبي يعلى، وصنّف كتاب «المهذب في القراءات» وروى الحديث الكثير. وروى عنه سبطه أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ، وأخوه أبو عبد الله بن الحسين، وابن الأنماطي، وابن ناصر السّلفي، وغيرهم. وكان إماما بمسجد ابن جردة ببغداد، بحريم دار الخلافة. اعتكف فيه مدة طويلة يعلّم العميان القرآن لوجه الله تعالى، ويسأل لهم، وينفق عليهم، فختم عليه القرآن خلق كثير، حتى بلغ عدد من أقرأهم القرآن من العميان سبعين ألفا. قال ابن النجار: هكذا رأيته بخط أبي نصر اليونارتي الحافظ، وقد زعم بعض الناس أن هذا كلام مستحيل، وأنه من سبق القلم، وإنما أراد سبعين نفسا، وهذا كلام ساقط، فإن أبا منصور قد تواتر عنه إقراء الخلق الكثير في السنين الطويلة. قال ابن الجوزي: أقرأ الخلق السنين الطويلة، وختم عليه القرآن ألوف من الناس. وقال القاضي أبو الحسين: أقرأ بضعا وستين سنة، ولقن أمما، وهذا موافق لما قاله أبو نصر. وهذا أمر مشهور عن أبي منصور. قال ابن الجوزي: كان أبو منصور من كبار الصالحين الزاهدين المتعبدين، كان له ورد بين العشاءين، يقرأ فيه سبعا من القرآن قائما وقاعدا، حتّى طعن في السنّ.

_ [1] في «آ» و «ط» : «في كثرة» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

وقال ابن ناصر عنه: كان شيخا صالحا زاهدا صائما أكثر وقته، ذا كرامات ظهرت له بعد موته. قال عبد الوهاب الأنماطي: توفي الشيخ الزاهد أبو منصور، في يوم الأربعاء، وقت الظهر، السادس عشر من المحرم. قال ابن الجوزي: مات وسنّه سبع وتسعون سنة، ممتعا بسمعه وبصره وعقله، وحضر جنازته ما لا يعدّ [1] من الناس. قال السّلفي: وختم في ثاني جمعة من وفاة الشيخ على قبره مائتان وإحدى وعشرون ختمة، وحكى السّلفي أيضا، أن يهوديا استقبل جنازة الشيخ فرأى كثرة الزحام والخلق، فقال: أشهد أن هذا الدّين هو الحق، وأسلم. وذكر ابن السمعاني، أن الشيخ أبا منصور الخيّاط رؤي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتعليم الصبيان فاتحة الكتاب. والصحيح أنه توفي سنة تسع وتسعين وأربعمائة. قاله جميعه ابن رجب [2] . وفيها أبو مطيع، محمد بن عبد الواحد المديني المصري الأصل، الصحّاف الناسخ، وانتهى إليه علو الإسناد بأصبهان. روى عن أبي بكر بن مردويه، والنّقاش، وابن عقيل البارودي، وطائفة، وعاش بضعا وتسعين سنة. وفيها أبو عبد الله بن الطّلّاع محمد بن فرج [3] ، مولى محمد بن يحيى الطّلّاع القرطبي المالكي، مفتي الأندلس ومسندها، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكّي [بن أبي طالب] القيسي، وخلق، وكان رأسا في العلم والعمل، قوّالا بالحقّ. رحل الناس إليه من الأقطار لسماع «الموطأ» و «المدونة» .

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما لا يحدّ» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 95- 98) بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله. [3] تصحف في «العبر» (3/ 351) إلى «ابن فرح» .

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة فيها توفي بركياروق، الملقب ركن الدّين بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، أحد الملوك السلجوقية. ولي المملكة بعد موت أبيه، وكان أبوه قد ملك ما لم يملكه غيره، وكان بركياروق مسعودا، عالي الهمّة، لم يكن فيه عيب سوى ملازمته للشراب والإدمان عليه، ومولده سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وتوفي في ثاني عشر ربيع الآخر، وقيل: الأول ببروجرد، وأقام في السلطنة اثنتي عشرة سنة. قاله ابن خلّكان [1] . وفيها الحافظ أبو علي البرداني- بفتحات ودال مهملة، نسبة إلى بردان، قرية ببغداد- أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، الثقة المصنف الحنبلي، مات عن اثنتين وسبعين سنة في شوال. روى عن ابن غيلان، وأبي الحسن القزويني، وطبقتهما، وكان بصيرا بالحديث، محقّقا، حجّة. وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي علي وطائفة، وكان ثقة نبيلا، حدّث قديما.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 268- 269) .

وفيها ثابت بن بندار أبو المعالي البقال، المقرئ ببغداد. روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، وهو ثقة فاضل، توفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو عبد الله الطبري، الحسين بن علي بن الحسين، الفقيه الشافعي، محدّث مكّة ونزيلها، توفي في شعبان، وله ثمانون سنة. روى «صحيح البخاري» عن عبد الغافر بن محمد، وكان فقيها مفتيا، تفقه على ناصر بن الحسين العمري، وجرت له فتن وخطوب مع هيّاج ابن عبيد، وأهل السّنّة بمكّة، وكان عارفا بمذهب الأشعري. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن قاضي شهبة [2] : تفقه على ناصر العمري بخراسان، وعلى القاضي أبي الطيب الطبري ببغداد، ثم لازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، حتّى برع في المذهب والخلاف، وصار من عظماء أصحابه، ودرّس بنظامية بغداد قبل الغزالي، وكان يدعى إمام الحرمين، لأنه جاور بمكّة نحوا من ثلاثين سنة، يدرّس ويفتي ويسمع، وتوفي بها في شعبان، وكتابه «العدّة» خمسة أجزاء ضخمة. وفيها أبو علي الغسّاني الحسين بن محمد الجيّاني- بالفتح والتشديد ونون، نسبة إلى جيّان بلد بالأندلس-، الأندلسي. أحد أركان الحديث بقرطبة. روى عن حكم الجذامي، وحاتم بن محمد، وابن عبد البرّ، وطبقتهم، وكان كامل الأدوات في الحديث، علّامة في اللغة، والشعر، والنّسب، حسن التصنيف، نقّادا، توفي في شعبان عن اثنتين وسبعين سنة، وأصابته في الآخر زمانة. وفيها سقمان بن أرتق بن أكسب التّركماني، صاحب ماردين، وجدّ

_ [1] (3/ 353) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 287) .

ملوكها. كان أميرا، جليلا، فارسا، موصوفا، حضر عدة حروب، وتوفي بالشام. وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن قيداس [1] أبو طاهر التّوثي [2]- بضم الفوقية وآخره مثلثة، نسبة إلى توث، قرية بمرو [3]- الخطّاب سمع أبا علي بن شاذان، والحرقي، وأجاز له أبو الحسين بن بشران، وتوفي في المحرم. وفيها محمد بن عبد السّلام الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز، بغدادي، جليل، صالح. روى عن البرقاني، وابن شاذان، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي النيسابوري. ثقة صالح، عالي الإسناد. روى عن أبي عبد الرحمن السّلمي، والحيري، وطائفة.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «منداس» والتصحيح من «العبر» (3/ 354) و «توضيح المشتبه» (1/ 658) ، و «تاج العروس» (قدس) (16/ 358) . [2] تنبيه: تصحف في «تاج العروس» إلى «البوني» فيصحح فيه. [3] ونسبه ابن ناصر الدّين في «توضيح المشتبه» (1/ 658) إلى «توثة» محلة متصلة بالشونيزية.

سنة تسع وتسعين وأربعمائة

سنة تسع وتسعين وأربعمائة فيها ظهر بنهاوند رجل ادّعى النّبوّة، وكان ساحرا، صاحب مخاريق، فتبعه خلق، وكثرت عليهم الأموال، وكان لا يدّخر شيئا، فأخذ وقتل، ولله الحمد. وفيها ظفر طغتكين بالفرنج مرتين، فأسر وقتل، وزيّنت دمشق. وفيها أخذت الفرنج [حصن] فامية، وأما طرابلس ففتحت الحصار، وجعل [1] المسلمون يخرجون منها، وينالون من الفرنج، ومرض ملك الفرنج صنجيل [2] ومات، وحمل ودفن بالقدس، وأقامت الفرنج غيره. وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق الطّوسي، أخو نظام الملك. سمع أبا حسّان المزّكّي، وأبا حفص بن مسرور، وعاش خمسا وثمانين سنة. وفيها أبو البركات بن الوكيل، محمد بن عبد الله بن يحيى الخبّاز الدبّاس الكرخي الشافعي. قرأ بالروايات على [3] أبي علي [4] الواسطي،

_ [1] لفظة «جعل» سقطت من «العبر» (3/ 355) فتستدرك فيه ولفظة «حصن» مستدركة منه. [2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «صخيل» والتصحيح من «العبر» . وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 411) . [3] في «آ» و «ط» : «عن» وما أثبته من «العبر» . [4] في «العبر» : «أبو العلا» . (ع) .

والحسن بن الصّقر، وجماعة، وتفقه على أبي الطّيب الطبري، وسمع من عبد الملك بن بشران، وكان يتّهم بالاعتزال، ثم تاب وأناب، وتوفي في ربيع الأول، عن ثلاث وتسعين سنة. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو البقاء الحبّال، المعمّر بن محمد بن علي الكوفي الخزّاز. روى عن جناح [2] بن نذير المحاربي وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة بالكوفة.

_ [1] (3/ 356) . [2] في «سير أعلام النبلاء» (19/ 209) : «نجاح» . (ع) .

سنة خمسمائة

سنة خمسمائة فيها غزا السلطان محمد بن ملكشاه الباطنية، وأخذ قلعتهم [1] بأصبهان، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطّاش، وكان قد تملكها اثنتي عشرة سنة، وهي من بناء ملكشاه، بناها على رأس جبل، وغرم عليها ألفي ألف دينار. وفيها غرق قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، صاحب قونية ووجد قد انتفخ. وفيها توفي أبو الفتح الحداد، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني الشافعي التاجر الخوافي- وخواف قرية من أعمال نيسابور- كان ورعا، ديّنا، كثير الصدقات. توفي في ذي القعدة، عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن أبي مظفر الشافعي، وكان من ملازمي الإمام، وبه تفقه، وحظي عنده، وكان إمام الحرمين معجبا بفصاحته وحسن كلامه، ثم درّس في حياة الإمام، وولي قضاء طوس، ثم صرف، وكما رزق الغزالي السعادة في حسن التصنيف، رزق هذا السعادة في المناظرة، والعبارة الحسنة المهذّبة، والتصنيف على الخصم.

_ [1] ذكر ابن الأثير في «الكامل في التاريخ» (10/ 430) أن اسم هذه القلعة «شاه دز» وانظر تتمة الخبر عنده.

قال الذهبي: وكان أعلم أهل طوس مع الغزالي، وكان من أنظر أهل زمانه. وفيها أو بعدها الفقيه الإمام الفرضي، إسحاق بن يوسف بن يعقوب الصّردفي [1] نسبة إلى صردف [2] بلد باليمن. صنّف كتاب «الكافي» في الفرائض، وهو كتاب لم يسبق إلى تدريجه للمبتدئ، وهو من الكتب المباركة النافعة. قيل: اشتري مرة بوزنه، واستغني به عن كتب الفن جميعها، وأصل الشيخ من المعافر، وسكن صردف [3] وكان له ابنتان، زوّج إحداهما واسمها ملكة الفقيه زيد بن عبد الله اليفاعي، فأولدها هندة [4] أم محمد بن سالم الإمام بجامع ذي أشرق، ولذلك صارت كتب زيد اليفاعي بأيديهم، لأنه لم يرثه غير أمهم هذه، وتزوّج الأخرى إمام مسجد الجند حسّان بن محمد، فأولدها ولد، فصار إليه بعض كتب جدّه [5] إسحاق. قاله ابن الأهدل. وفيها جعفر بن أحمد بن حسين، أبو محمد البغدادي الحنبلي السرّاج، المعروف بالقارئ. كان حافظ عصره، وعلّامة زمانه، وله التصانيف العجيبة، منها: كتاب «مصارع العشاق» وغيره، وحدّث عن أبي علي بن شاذان، وأبي القاسم بن شاهين، والخلّال، والبرمكي، وغيرهم وأخذ عنه خلق كثير، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السّلفي، وكان يفتخر بروايته عنه [6] مع أنه لقي أعيان ذلك الزمان، وأخذ عنهم. وله شعر حسن، فمنه:

_ [1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الصروفي» والتصحيح من «غربال الزمان» للعامري ص (396) . [2] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «ضروف» والتصحيح من «معجم البلدان» (3/ 401) . [3] في «آ» و «ط» : «صروف» والتصحيح من «غربال الزمان» . [4] في «غربال الزمان» : «هندا» . [5] تحرفت لفظة «جده» في «غربال الزمان» إلى «أبي» فتصحح فيه. [6] لفظة «عنه» لم ترد في «وفيات الأعيان» .

بان الخليط فأدمعي ... وجدا عليهم تستهلّ وحدا بهم حادي الفرا ... ق عن المنازل فاستقلّوا قل للذين ترحّلوا ... عن ناظري والقلب حلّوا ودمي بلا جرم أتى ... ت غداة بينهم استحلّوا ما ضرّهم لو أنهلوا ... من ماء وصلهم وعلّوا ومن شعره أيضا: وعدت بأن تزوري كلّ شهر ... فزوري قد تقضّى الشهرزوري وشقة بيننا نهر المعلى ... إلى البلد المسمّى شهرزور وأشهر هجرك المحتوم صدق ... ولكن شهر وصلك شهر زور وأورد له العماد الكاتب: ومدّع شرخ شباب وقد ... عمّمه الشّيب على وفرته يخضب بالوشمة [1] عثنونه ... يكفيه أن يكذب في لحيته وكان مولده ببغداد سنة ست عشرة وأربعمائة، وتوفي بها ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر. قاله ابن خلّكان [2] . وفيها أبو غالب الباقلّاني [3] محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي الفامي، الرجل الصالح. روى عن ابن شاذان، والبرقاني، وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر، عن ثمانين سنة. وفيها أبو الحسين بن الطّيوري، المبارك بن عبد الجبّار بن أحمد بن قاسم الصّيرفي البغدادي المحدّث. سمع أبا علي بن شاذان فمن بعده.

_ [1] في «آ» و «ط» : «بالوثمة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 357- 358) . [3] تحرفت في «ط» إلى «الباقلاقي» .

قال ابن السمعاني: كان مكثرا، صالحا، أمينا، صدوقا، صحيح الأصول، ديّنا، صيّنا، وقورا، كثير الكتابة. وقال غيره: توفي في ذي العقدة عن تسع وثمانين سنة، وكان عنده ألف جزء بخط الدّارقطني. قاله في «العبر» [1] . وفيها المبارك بن فاخر أبو الكرم الدبّاس الأديب، من كبار أئمة اللّغة والنحو ببغداد، وله مصنّفات. روى عن القاضي أبي الطّيب الطبري، وأخذ اللغة عن عبد الواحد بن برهان، ورماه ابن ناصر بالكذب في الرواية، وتوفي في ذي القعدة عن سبعين سنة. وفيها يوسف بن تاشفين أبو يعقوب، أمير المسلمين وملك الملثمين، وهو الذي اختطّ مدينة مرّاكش، وكان عظيم الشأن، كبير السلطان، معتدل القامة، أسمر اللون، نحيف الجسم، خفيف العارضين، دقيق الصوت، وكان يخطب لبني العبّاس، وهو أول من تسمى بأمير المسلمين، ولم يزل على حاله وعزة سلطانه إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث محرم هذه السنة، وعاش تسعين سنة، ملك منها خمسين سنة. قال ابن الأثير في «تاريخه» [2] : كان حسن السيرة، خيّرا، عادلا، يميل إلى أهل العلم والدّين، ويكرمهم، ويحكّمهم في بلاده ويصدر عن رأيهم، وكان يحبّ العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أنّ ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر زوجته [3] وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده، وتمنى الآخر عملا [يعمل فيه] [4] ،

_ [1] (3/ 358) . [2] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 417- 418) . [3] في «الكامل في التاريخ» : «زوجته النفراوية» . [4] ما بين حاصرتين تكملة من «الكامل في التاريخ» .

فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمنّي المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي تمنّى زوجته: يا جاهل! ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه، ثم أرسله إليها فتركته في خيمة ثلاثة أيام يحمل إليه [1] في كلّها طعام واحد، ثم أحضرته وقالت له: ما أكلت في هذه الثلاثة أيام، فقال: طعاما واحدا، فقالت: كل النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته. وقال ابن الأهدل: يوسف بن تاشفين أبو يعقوب البربري الملثم. كان أعظم ملوك الدّنيا في عصره، وكان عديم الرفاهية، تملّك الأندلس، واختطّ مرّاكش، وجعلها دار الإمارة، وفي آخر أيامه بعث إليه الخليفة من بغداد الخلع والتقليد واللّواء، فأقيمت الخطبة العباسية بمملكته، وكان أولا مقدّم أبي بكر بن عمر الصنهاجي، وكان الصنهاجي مقدّم الملثمين من ملوك حمير المغرب، واختلف لم سمّوا بذلك. وفيهم يقول الشاعر: قوم لهم درك العلا في حمير ... وإن انتموا صنهاجة فهم هم لما علوا أحرار كل قبيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثموا [2] وعهد ابن تاشفين بالأمر إلى ولده تومرت. انتهى. وفيها عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد الفارسي الفامي، أبو محمد الفقيه الشافعي المفتي. ولد سنة أربع عشرة، واشتغل في العلوم، وصنّف سبعين مصنّفا، وله تفسير ضمّنه مائة ألف بيت شعر [على ما ذكر] ، وكان بارعا في معرفة المذهب. قدم بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقد أملى بجامع القصر،

_ [1] في «الكامل في التاريخ» : «تحمل إليه» . [2] رواية البيت في «مرآة الجنان» (3/ 167) . لما حووا إحراز كل فضيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثموا

وحفظت عليه غلطات في الحديث، وإسقاط رجال، وتصحيف فاحش. أورد منه ابن السمعاني أشياء كثيرة. وقال يحيى بن مندة: هو أحفظ من رأيناه لمذهب الشافعي. صنّف كتاب «تاريخ الفقهاء» ومات بشيراز في رمضان. قاله ابن قاضي شهبة [1] .

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 292- 293) وما بين حاصرتين في الترجمة زيادة منه.

تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد الخامس من كتاب «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي في الخامس عشر من شهر شعبان عام (1408) هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأسأل الله تعالى أن يعيننا على الانتهاء من تحقيق بقية مجلداته بحوله وقوته، إنه خير مسؤول. محمود الأرناؤوط

المجلد السادس

[المجلد السادس] كلمة حول منتخب شذرات الذهب لابن شقدة الحمد لله وحده، والصلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وبعد: فقد سبقت الإشارة في الكلمة التي كتبتها بين يدي المجلد الخامس من الكتاب، إلى أنني رمزت للنسخة الخطية المعتمدة في تحقيق الكتاب بحرف «آ» وإلى النسخة المطبوعة سابقا في مصر بحرف «ط» وإلى «منتخب شذرات الذهب» ب «المنتخب» ابتداء من المجلد السادس، وذلك في المواطن التي رجعت فيها إليه للتثبت من حال بعض الألفاظ. وأجدني الآن- وقد أنهيت تحقيق المجلد السادس- مضطرّا إلى تعريف القراء ب «منتخب» ابن شقدة وصاحبه. فكتاب «منتخب شذرات الذهب» ليس بمنتخب لكتاب «شذرات الذهب» وحسب كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل إنه يضم في ثناياه إضافات وتعقيبات وفوائد ذوات أهمية كبرى، فقد جاء في مقدمة ابن شقدة له ما نصه: «أما بعد: فإني وقفت على كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للشيخ عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد، الملقب بأبي الفلاح الحنبلي- سقى الله ثراه طيّب الرّحمة والرّضوان، وأسكنه أعلى فراديس الجنان- فوجدته تاريخا ظريفا، جامعا لذكر من سلف من العلماء، والأولياء، والصالحين، وغيرهم. وبعض قصصهم وأيّامهم ونوادرهم وأخبارهم، ما هو فوق المراد، لكن في حجمه كبر على بعض العباد، فاختصرته إلى نحو نصفه،

وانتخبت منه التراجم الظريفة، الحاوية للنّكت والفوائد الشريفة، وحذفت منه نحو النّصف، وذلك طلبا لتسهيل المراجعة والمطالعة، وتقريب الوصول إلى المقصود، بإعانة ربّنا الواحد المعبود، وضممت إليه بعض نكت وحكايات وتراجم وجدتها في بعض كتب التاريخ، ميّزتها بقولي في أولها: قلت، وفي آخرها: انتهى» . وتتألف مخطوطة «منتخب شذرات الذهب» من ثلاثمائة وإحدى وثلاثين ورقة، وقد جاء في آخرها ما نصه: «نقلت من نسخة غالبها من خطّ المؤلّف- رحمه الله- أفقر العباد أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد [بن] العماد، غفر الله له ولمن ستر عيبا رآه، وأصلح فيه خللا أبصرته عيناه. وقد اختصره قريبة الفقير عبد الرحيم بن الشيخ مصطفى بن أحمد بن محمد [بن] شقدة إلى نحو نصفه بعد أن نخبه ونقّاه، وسمّاه منتخب شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لطلب تسهيل المراجعة والمطالعة، وذلك في أواخر شعبان سنة أربعين ومائة وألف» . وأما مؤلّف «المنتخب» العلّامة المؤرخ البارع الشيخ عبد الرحيم بن مصطفى ابن شقدة الدّمشقي الصّالحي [1]- فهو كشيخه ابن العماد- لا يمكن التعريف به تعريفا وافيا إلّا من خلال استقراء شامل لكتابه، بل لمجمل آثاره [2] . وختاما أسأل الله- عزّ وجلّ- أن يعينني على الانتهاء من تحقيق بقيّة الكتاب، وأن يمدّني ويمدّ والدي [3]- المشرف على تحقيق الكتاب- بعونه وتأييده، إنه نعم المولى ونعم النّصير. دمشق الشام في التاسع عشر من شهر ربيع الأول لعام 1410 هـ. محمود الأرناؤوط

_ [1] انظر ترجمته في «سلك الدّرر» للمرادي (3/ 5) و «الأعلام» للزركلي (3/ 348- 349) الطبعة الرابعة. [2] وذلك ما سأقوم به وقت دفع «المنتخب» للطبع إن شاء الله تعالى. [3] تنويه: كل تعليق مختوم بحرف (ع) من الحواشي هو مما تفضل بإضافته والدي حفظه الله أثناء مراجعته للكتاب قبل دفعه للطبع، جزّاه الله عني كل خير.

راموز الصفحة الأولى من منتخب شذرات الذهب

راموز الصفحة الأخيرة من منتخب شذرات الذهب

سنة إحدى وخمسمائة

بسم الله الرّحمن الرّحيم سنة إحدى وخمسمائة فيها كانت وقعة كبيرة بالعراق، بين سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس، أمير العرب، وبين السلطان محمّد، فالتقيا، فقتل صدقة يوم الجمعة، سلخ جمادى الآخرة، وقتل معه ثلاثة آلاف فارس، وأسر ابنه دبيس، وصاحب جيشه سعيد بن حميد، وكان صدقة شيعيّا له محاسن، ومكارم، وحلم، وجود، ملك العرب بعد أبيه اثنتين وعشرين سنة، وهو الذي اختطّ الحلّة السيفية [1] سنة خمس وتسعين وأربعمائة، ومات جده دبيس سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. وفيها توفي تميم بن المعزّ بن باديس، السلطان أبو يحيى الحميري، صاحب القيروان، ملك بعد أبيه، وكان حسن السّيرة، محبا للعلماء، مقصدا للشعراء، كامل الشجاعة، وافر الهيبة، عاش تسعا وسبعين سنة، وامتدت أيّامه، وكانت دولته ستا وخمسين سنة، وخلّف أكثر من مائة ولد، وتملّك بعده ابنه يحيى. قاله في «العبر» [2] . وساق العماد الكاتب في «الخريدة» [3] نسبه إلى نوح عليه السّلام.

_ [1] أي مدينة الحلّة وقد نسبت إليه لأنه كان أول من عمرها. انظر خبرها في «معجم البلدان» (2/ 294- 295) . [2] انظر «العبر» (4/ 1) . [3] (1/ 141- 142) (قسم شعراء المغرب) . قلت: ونقله عنه ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (1/ 304) فراجعه.

وقال ابن خلّكان [1] : ملك إفريقية وما والاها بعد أبيه المعزّ، وكان حسن السيرة، محمود الآثار. ومن شعره: إن نظرت مقلتي لمقلتها ... تعلم ممّا أريد نجواه كأنّها في الفؤاد ناظرة ... تكشف أسراره وفحواه [1] وله أيضا: سل المطر العام الذي عمّ أرضكم ... أجاء بمقدار الذي فاض من دمعي [2] إذا كنت مطبوعا على الصدّ والجفا ... فمن أين لي صبر فأجعله طبعي وله: فكّرت في نار الجحيم وحرّها ... يا ويلتاه ولات حين مناص فدعوت ربّي أنّ خير وسيلتي ... يوم المعاد شهادة الإخلاص وأشعاره وفضائله كثيرة، وكان يجيز الجوائز السنية، ويعطي العطاء الجزل [3] ، وكانت ولادته بالمنصورية، التي تسمى صبرة [4] من بلاد إفريقية، يوم الاثنين ثالث عشر رجب، سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وفوّض إليه أبوه ولاية المهديّة في صفر، سنة خمس وأربعين، ولم يزل بها إلى أن توفي والده في شعبان، سنة خمس وأربعين، فاستبد بالملك، ولم يزل إلى أن توفي ليلة السبت، منتصف رجب، وخلّف من البنين أكثر من مائة، ومن البنات ستين، على ما ذكره حفيده عبد العزيز بن شدّاد في كتاب «أخبار القيروان» .

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 304) وانظر رواية البيتين في «الخريدة» (1/ 159) . [2] في «آ» : «مدمعي» ولا يستوي بها الوزن وأثبت لفظ «ط» وهو موافق لما في «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «الجزيل» . [4] بلد قريب من مدينة القيروان. انظر «معجم البلدان» (3/ 391) .

وفيها أبو علي التّككيّ، الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي، في رمضان. روى عن أبي علي بن شاذان. وفيها أبو محمد الدّوني- بضم المهملة، نسبة إلى دون قرية بهمذان [1]- عبد الرحمن بن حمد [2] الصوفي، الرجل الصالح، راوي «السنن» [3] عن أبي نصر الكسّار. كان زاهدا عابدا، سفيانيّ المذهب، توفي في رجب. وفيها أبو سعد الأسديّ، محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر بن أسد البغدادي المؤدّب. روى عن أبي علي بن شاذان، وضعّفه ابن ناصر. وفيها أبو الفرج القزويني، محمد ابن العلّامة أبي حاتم محمود بن حسن الأنصاري، فقيه صالح، استملى عليه السّلفي مجلسا مشهورا، وتوفي في المحرم.

_ [1] انظر «اللباب في تهذيب الأنساب» لابن الأثير (1/ 517) و «معجم البلدان» (2/ 490) وترجمته فيه. [2] في «آ» و «ط» و «معجم البلدان» (2/ 490) : «ابن محمد» وما أثبتناه من «اللباب في تهذيب الأنساب» (1/ 517) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 239) . (ع) . [3] يعني «سنن النسائي» كما صرح بذلك ابن الأثير في «اللباب» وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» : كان آخر من روى كتاب «المجتبى من سنن النسائي» .

سنة اثنتين وخمسمائة

سنة اثنتين وخمسمائة فيها قتلت الباطنية بهمذان قاضي قضاة أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي. وقتلت بأصبهان يوم عيد الفطر أبا العلاء صاعد بن محمد البخاري، وقيل: النيسابوري الحنفي المفتي، أحد الأئمة عن خمس وخمسين سنة. وقتلت بجامع آمل يوم الجمعة في المحرم فخر الإسلام القاضي أبا المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الرّوياني، شيخ الشافعية، وصاحب التصانيف، وشافعيّ الوقت. أملى مجالس عن أبي غانم الكراعي، وأبي حفص بن مسرور، وطبقتهما، وعاش سبعا وثمانين سنة. قال ابن قاضي شهبة [1] : كانت له الوجاهة والرئاسة والقبول التام عند الملوك فمن دونها. أخذ عن والده وجدّه، وبميّافارقين عن محمد بن بيان [الكازروني] ، وبرع في المذهب، حتّى كان يقول: لو احترقت كتب الشافعيّ لأمليتها من حفظي، ولهذا كان يقال له: شافعي زمانه. ولي قضاء طبرستان، وبنى مدرسة بآمل، وكان فيه إيثار للقاصدين إليه. ولد في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة، واستشهد بجامع آمل

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 318- 319) وما بين الحاصرتين زيادة منه.

عند ارتفاع النهار بعد فراغه من الإملاء يوم الجمعة حادي عشر المحرم، ومن تصانيفه «البحر» وهو بحر كاسمه، و «الكافي» و «الحلية» مجلد متوسط، فيه اختيارات كثيرة، وكثير منها يوافق [1] مذهب مالك، وكتاب «المبتدي» - بكسر الدال- وكتاب «القولين والوجهين» مجلدان. انتهى ملخصا. وعظم الخطب بهؤلاء الملاعين، وخافهم كل أمير وعالم، لهجومهم على الناس. وفيها أبو القاسم الرّيفي علي بن الحسين الفقيه الشافعي المعتزلي، ببغداد. روى عن أبي الحسن بن مخلد، وابن بشران، وتوفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة. وفيها محمد بن عبد الكريم بن خشيش أبو سعد البغدادي، في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة. روى عن ابن شاذان. وفيها أبو زكريا التّبريزيّ الخطيب، صاحب اللغة، يحيى بن علي ابن محمد الشيباني، صاحب التصانيف. أخذ اللغة عن أبي العلاء المعرّي، وسمع من سليم بن أيوب بصور، وكان شيخ بغداد في الأدب. توفي في جمادي الآخرة عن إحدى وثمانين سنة. وقال ابن خلّكان [2] : سمع الحديث من سليم الرّازي وغيره من الأعيان، وروى عنه الخطيب الحافظ البغدادي، صاحب «تاريخ بغداد» والحافظ ابن ناصر، وغيرهما من الأعيان، وتخرّج عليه خلق كثير وتلمذوا له. ذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في كتاب «الذيل» وكتاب «الأنساب» وعدّد فضائله، ثم قال: سمعت أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون المقرئ يقول: أبو زكريا يحيى بن علي التّبريزي ما كان بمرضيّ

_ [1] في «آ» و «ط» : «موافق» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 191- 196) .

الطريقة، وذكر عنه أشياء، ثم قال: وتذاكرت [1] أنا مع أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيرون المقرئ، فسكت وكأنه ما أنكر ما قال، ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة، وما كان ينقله. وصنّف في الأدب كتبا مفيدة، منها: «شرح الحماسة» و «شرح ديوان المتنبي» و «شرح سقط الزّند» و «شرح اللّمع» لابن جني، و «شرح مقصورة ابن دريد» [2] و «شرح المعلقات السبع» وله «تهذيب غريب الحديث» و «تهذيب الإصلاح» و «الملخص في إعراب القرآن» في أربع مجلدات، وغير ذلك من الكتب الحسنة المفيدة. وكان، قد دخل مصر في عنفوان شبابه، فقرأ عليه بها ابن بابشاذ النحوي شيئا من اللغة، ثم عاد إلى بغداد واستوطنها إلى الممات، وكان يروي عن أبي الحسن محمد بن المظفر بن نحرير [3] البغدادي جملة من شعره، فمن ذلك قوله- وهي من أشهر أشعاره-: خليليّ ما أحلى صبوحي بدجلة ... وأطيب منه بالصّراة غبوقي شربت على الماءين من ماء كرمة ... فكانا كدرّ ذائب وعقيق على قمري أفق وأرض تقابلا ... فمن شائق حلو الهوى ومشوق فما زلت أسقيه وأشرب ريقه ... وما زال يسقيني ويشرب ريقي وقلت لبدر التّمّ تعرف ذا الفتى؟ ... فقال: نعم هذا أخي وشقيقي. وهذه الأبيات من أملح الشعر وأظرفه. وكانت ولادة يحيى هذا سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وتوفي فجاءة [4] يوم الثلاثاء ثامن عشري جمادى الآخرة ببغداد.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «وذاكرت» . [2] قوله: «وشرح اللمع» لابن جنّي، و «شرح مقصورة ابن دريد» لم يرد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي. [3] كذا في «آ» : «ابن نحرير» و «وفيات الأعيان» ، وفي «ط» : «ابن محيريز» . [4] في «وفيات الأعيان» : «فجأة» وكلاهما بمعنى. انظر «مختار الصحاح» (فجأ) .

سنة ثلاث وخمسمائة

سنة ثلاث وخمسمائة فيها أخذت الفرنج طرابلس [1] بعد حصار سبع سنين. وفيها توفي أحمد بن علي بن أحمد العلثي [2] أبو بكر الزاهد الحنبلي. قال ابن الجوزي في «طبقاته» [3] : هو أحد المشهورين بالزهد والصلاح، سمع الحديث على القاضي أبي يعلى، وقرأ عليه شيئا من المذهب. وكان يعمل بيده تجصيص [4] الحيطان، ثم ترك ذلك، ولازم المسجد يقرئ القرآن ويؤم الناس، وكان عفيفا لا يقبل من أحد شيئا، ولا يسأل أحدا حاجة لنفسه من أمر الدّنيا، مقبلا على شأنه ونفسه، مشتغلا بعبادة

_ [1] يعني طرابلس الشام كما هو مبين في «الكامل في التاريخ» (10/ 475) . [2] في «آ» و «ط» : «العلبي» والتصحيح من «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/ 255) و «المنتظم» لابن الجوزي (9/ 163) و «المنهج الأحمد» (2/ 222) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 104) . [3] ذكر ابن الجوزي في هذا الكتاب- أي «الطبقات» - مناقب الصحابة والتابعين والأكابر من الزهاد والصالحين، طبقة بعد طبقة، وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم، ويقع في (293) ورقة، وهو محفوظ بدار الكتب الوطنية بتونس برقم (2434) ويحتفظ معهد المخطوطات العربية في الكويت بمصورة عنه برقم (226) وانظر «طبقات الحنابلة» (2/ 255- 257) . و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 104- 105) . [4] كذا في «آ» و «ط» : «تجصيص» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «يجصص» .

ربّه، كثير الصوم والصلاة، مسارعا إلى قضاء حوائج المسلمين، مكرّما عند الناس أجمعين. وكان يذهب بنفسه كل ليلة إلى دجلة، فيأخذ في كوز له ماء يفطر عليه. وكان يمشي بنفسه في حوائجه ولا يستعين بأحد، وكان إذا حجّ يزور القبور بمكّة، ويجيء إلى قبر الفضيل بن عياض، ويخطّ بعصاه، ويقول: يا ربّ هاهنا، يا ربّ ها هنا، فاتفق أنه خرج في سنة ثلاث وخمسمائة إلى الحجّ، وكان قد وقع من الجمل في الطريق دفعتين، فشهد عرفة محرما ومعه بقية من ألم الوقوع. وتوفي عشية ذلك اليوم- يوم الأربعاء، يوم عرفة- في أرض عرفات، فحمل إلى مكّة، فطيف به البيت، ودفن يوم النحر إلى جنب قبر الفضيل بن عياض، رضي الله عنهما. وممن روى عنه ابن ناصر، والسّلفي. قاله ابن رجب [1] . وفيها أبو بكر أحمد بن المظفّر بن سوسن التمّار، ببغداد. روى عن الحرفي [2] ، وابن شاذان، وضعفه شجاع الذّهلي، وتوفي في صفر عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها أبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الدّهستاني- بكسر الدال المهملة والهاء وسكون المهملة وفوقية، نسبة إلى دهستان مدينة عند مازندران [3]- الحافظ الرّوّاسي.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 104- 105) . [2] في «آ» و «ط» : «الحرقي» وهو تصحيف، والتصحيح من «الأنساب» (4/ 112) وهو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي. [3] تحرفت في «آ» إلى «مازندران» وأثبت ما جاء في «ط» وهو الصواب. انظر «الأنساب» (5/ 379) و «معجم البلدان» (5/ 41) .

طوّف خراسان، والعراق، والشام، ومصر، وكتب ما لا يوصف، وروى عن أبي عثمان الصّابوني وطبقته، وتوفي بسرخس. قال ابن ناصر الدّين [1] : كان ثقة في نقله، لكنه حدّث بطوس ب «صحيح مسلم» من غير أصله. وفيها أبو سعد المطرّز محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني [2] ، في شوال، عن نيف وتسعين سنة. سمع الحسين بن إبراهيم الحمّال، وأبا علي غلام محسن، وابن عبد كويه، وهو أكبر شيخ للحافظ أبي موسى المديني. سمع منه حضورا.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (157/ آ) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 254- 255) .

سنة أربع وخمسمائة

سنة أربع وخمسمائة فيها أخذت الفرنج بيروت بالسيف، ثم أخذوا صيدا بالأمان. وفيها توفي إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري أبو عبد الله. روى عن أبي حسّان [1] المزكّي، وعبد الرحمن ابن حمدان النّصروي، وطبقتهما، ورحل فأدرك أبا محمد الجوهريّ ببغداد. توفي في ذي القعدة عن إحدى وثمانين سنة. وفيها أبو يعلى حمزة بن محمّد بن علي البغداديّ، أخو طراد الزّينبي، توفي في رجب، وله سبع وتسعون سنة، والعجب كيف لم يسمع من هلال الحفّار. روى عن أبي العلاء محمد بن علي الواسطي وجماعة. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو الحسن إلكيا الهرّاسي- وإلكيا بهمزة مكسورة ولام ساكنة، ثم كاف مكسورة، بعدها ياء مثناة من تحت، معناه الكبير بلغة الفرس. والهرّاسي: براء مشدّدة وسين مهملة، لا تعلم نسبته لأي شيء-. علي بن محمد بن علي الطبرستاني الشافعي عماد الدّين، شيخ

_ [1] في «آ» و «ط» : «عن أبي حيّان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (19/ 262) . [2] (4/ 8) .

الشافعية ببغداد، تفقه على إمام الحرمين، وكان فصيحا، مليحا، مهيبا، نبيلا، قدم بغداد، ودرّس بالنّظاميّة وتخرّج به الأصحاب، وعاش أربعا وخمسين سنة. قال ابن خلّكان [1] : ذكره الحافظ عبد الغافر في «تاريخ نيسابور» فقال: كان من رؤوس معيدي إمام الحرمين في الدرس، وكان ثاني أبي حامد الغزالي، بل أفضل وأصلح وأطيب في الصوت والنظر، ثم اتصل بخدمة مجد الملك [2] بركياروق بن ملكشاه السلجوقي، وحظي عنده بالمال والجاه، وارتفع شأنه، وتولى القضاء بتلك الدولة، وكان محدّثا يستعمل الأحاديث في مناظراته ومجالسته. ومن كلامه: إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح، طارت رؤوس المقاييس في مهابّ الرياح. وحدّث الحافظ أبو طاهر السّلفي [قال] : استفتيت شيخنا إلكيا الهرّاسي ما يقول الإمام- وفقه الله تعالى- في رجل أوصى بثلث ماله للعلماء والفقهاء، أتدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية أم لا؟ فكتب الشيخ تحت السؤال: نعم، كيف لا، وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: «من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما» [3] . وسئل إلكيا أيضا عن يزيد بن معاوية فقال: إنه لم يكن من الصحابة، لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأما قول السّلف، فقيه

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 286- 288) . [2] في «آ» و «ط» : «محمد الملك» وهو تصحيف، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] رواه جماعة من الأئمة الحفّاظ من رواية عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، وقال الإمام النووي: اتفق الحفّاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه. انظر «شرح الأربعين النووية» ص (12- 13) طبع دار ابن كثير، وانظر كلام الحافظ السخاوي عليه في «المقاصد الحسنة» ص (411) .

لأحمد قولان، تلويح وتصريح، ولمالك فيه قولان، تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان، تلويح وتصريح، ولنا قول واحد، تصريح دون التلويح، وكيف لا يكون كذلك، وهو اللاعب بالنرد، والمتصيد بالفهود، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم ومنه قوله: أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنّم خذوا بنصيب من نعيم ولذة ... وكلّ وإن طال المدى يتصرّم وكتب فصلا طويلا ثم قلب الورقة وكتب: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل، وقد أفتى الإمام أبو حامد الغزالي في مثل هذه المسألة بخلاف ذلك. قال ابن الأهدل: أفتى الغزالي بخلاف جواب إلكيا، وتضمن جوابه، أنه وإن غلب الظن بقرائن حاله أنه رضي قتل الحسين، أو أمر به، فلا يجوز لعنه، ويجعل كمن فعل كبيرة. وأفتى ابن الصلاح بنحوه، وأقرهما اليافعي. قلت: الحاصل من ذلك أن يزيد إن صحّ عنه ما جرى منه على الحسين وآله من المثلة وتقلّب [1] الرأس الكريم بين يديه، وإنشاده الشعر في ذلك مفتخرا، فذلك دليل الزندقة والانحلال من الدّين، فإنّ مثل هذا لا يصدر من قلب سليم، وقد كفّره بعض المحدّثين، وذلك موقوف على استحلاله لذلك، والله أعلم. وقال الإمام التّفتازاني: أمّا رضا يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فمما يقطع به، وإن كان تفصيله آحادا فلا يتوقف في كفره، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. انتهى كلام ابن الأهدل.

_ [1] في «ط» : «وتقليب» .

وقال ابن خلّكان: كانت ولادة إلكيا في ذي القعدة، سنة خمسين وأربعمائة، وتوفي يوم الخميس وقت العصر، مستهل المحرم، سنة أربع وخمسمائة ببغداد، ودفن في تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزّينبي، وقاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني، وكانا مقدّمي الطائفة الحنفية، وكان بينه وبينهما في حال الحياة منافسة، فوقف أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال ابن الدامغانيّ متمثلا: وما تغني النّوادب والبواكي ... وقد أصبحت مثل حديث أمس وأنشد الزّينبيّ متمثلا: عقم النساء فلم [1] يلدن شبيهه ... إنّ النّساء بمثله عقم انتهى ملخصا. وقال السبكي [2] : له كتاب «شفاء المسترشدين» و «نقض مفردات [الإمام] أحمد» وكتب [3] في أصول الفقه. وفيها أبو الحسين الخشّاب، يحيى بن علي بن الفرح المصري، شيخ [الإقراء] [4] . قرأ بالروايات على ابن نفيس، وأبي الطاهر إسماعيل بن خلف، وأبي الحسين الشيرازي، وتصدر للإقراء.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «فما» . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 232) . [3] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «وكتاب» وجاء في حاشية التحقيق فيه ما نصه: «وفي الطبقات الوسطى: «كتابان» . [4] مستدركة من «العبر» (4/ 8) مصدر المؤلف.

سنة خمس وخمسمائة

سنة خمس وخمسمائة فيها توفي أبو محمد بن الآبنوسي، عبد الله بن علي البغدادي، الوكيل المحدّث، أخو الفقيه أحمد بن علي. سمع من أبي القاسم التّنوخي، والجوهري، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها أبو الحسن العلّاف، علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي، الحاجب، مسند العراق، وآخر من روى عن الحمّامي، وكان يقول: ولدت في المحرم سنة ست وأربعمائة، وسمعت من أبي الحسين بن بشران، وتوفي في المحرم عن مائة إلّا سنة، وكان أبوه واعظا مشهورا. وفيها الإمام [الغزّالي] [1] زين الدّين، حجّة الإسلام، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطّوسي [2] الشافعي، أحد الأعلام. تلمذ لإمام الحرمين، ثم ولّاه نظام الملك تدريس مدرسته ببغداد، وخرج له أصحاب، وصنّف التصانيف، مع التصوّن والذكاء المفرط والاستبحار في

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» مصدر المؤلف. قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (1/ 98) : الغزّالي: بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي المعجمة وبعد الألف لام، هذه النسبة إلى الغزّال، على عادة أهل خوارزم وجرجان، فإنهم ينسبون إلى القصار القصّاري، وإلى العطار العطّاري، وقيل: إن الزاي مخففة، نسبة إلى غزالة وهي قرية من قرى طوس، وهو خلاف المشهور، لكن هكذا قاله السمعاني في كتاب «الأنساب» والله أعلم. قلت: ولم أقف على نسبة الغزّالي في «الأنساب» المطبوع واستدركها المحقق في الحاشية (9/ 140) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 322- 346) و «الأمصار ذوات الآثار» ص (79) طبع دار ابن كثير.

العلم، وبالجملة ما رأى الرجل مثل نفسه. توفي في رابع عشر جمادى الآخرة بالطّابران، قصبة بلاد طوس، وله خمس وخمسون سنة. والغزّالي: هو الغزّال، وكذا العطّاري والخبّازي [1] ، على لغة أهل خراسان. قاله في «العبر» [2] . وقال الإسنوي في «طبقاته» [3] : الغزّالي إمام باسمه تنشرح الصدور، وتحيا النفوس، وبرسمه تفتخر المحابر وتهتزّ الطّروس، وبسماعه تخشع الأصوات وتخضع الرؤوس. ولد بطوس، سنة خمسين وأربعمائة، وكان والده يغزل الصّوف ويبيعه في حانوته، فلما احتضر أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له صوفي صالح، فعلمهما الخطّ وأدبهما، ثم نفد منه ما خلّفه أبوهما، وتعذّر عليه القوت، فقال: لكما أن تلجئا إلى المدرسة، قال الغزالي: فصرنا إلى المدرسة نطلب الفقه لتحصيل القوت، فاشتغل بها مدة ثم ارتحل إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرجان، ثم إلى إمام الحرمين بنيسابور، فاشتغل عليه ولازمه، حتّى صار أنظر أهل زمانه، وجلس للإقراء في حياة إمامه، وصنّف. وكان الإمام في الظاهر يظهر التبجح به، وفي الباطن عنده منه شيء لما يصدر منه من سرعة العبارة وقوة الطبع. وينسب إليه تصنيفان ليسا له بل وضعا عليه، وهما «السرّ المكتوم» و «المضنون به على غير أهله» وينسب إليه شعر، فمن ذلك ما نسبه إليه ابن السمعاني في «الذيل» والعماد الأصبهاني في «الخريدة» : حلّت عقارب صدغه في خدّه ... قمرا فجلّ به عن التّشبيه ولقد عهدناه يحلّ ببرجها ... فمن العجائب كيف حلّت فيه

_ [1] تصحفت في «آ» إلى «الجنازي» وأثبت لفظ «ط» . [2] (4/ 10) . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 242- 245) .

وأنشد العماد له أيضا: هبني صبوت كما ترون بزعمكم ... وحظيت منه بلثم ثغر أزهر إني اعتزلت فلا تلوموا أنّه ... أضحى يقابلني بوجه أشعري فلما مات إمامه خرج إلى العسكر وحضر مجلس نظام الملك [وكان مجلسه محطّ رحال العلماء، ومقصد الأئمة والفصحاء، فوقع للغزّاليّ أمور تقتضي علو شأنه من ملاقاة الأئمة ومجاراة الخصوم اللّد، ومناظرة الفحول، ومناطحة الكبار، فأقبل عليه نظام الملك وحلّ منه] [1] محلا عظيما، فعظمت منزلته، وطار اسمه في الآفاق، وندب للتدريس بنظاميّة بغداد، سنة أربع وثمانين، فقدمها في تجمل كبير، وتلقاه النّاس، ونفذت كلمته، وعظمت حشمته، حتّى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء، وضرب به المثل، وشدت إليه الرّحال، إلى أن شرفت نفسه عن رذائل الدّنيا فرفضها واطّرحها، وأقبل على العبادة والسياحة، فخرج إلى الحجاز في سنة ثمان وثمانين، فحجّ ورجع إلى دمشق واستوطنها عشر سنين بمنارة الجامع، وصنّف فيها كتبا، يقال إن «الأحياء» منها، ثم صار إلى القدس والإسكندرية، ثم عاد إلى وطنه بطوس، مقبلا على التصنيف والعبادة، وملازمة التّلاوة، ونشر العلم، وعدم مخالطة الناس. ثم إن الوزير فخر الدّين بن نظام الملك حضر إليه وخطبه إلى نظامية نيسابور، وألحّ عليه كل الإلحاح، فأجاب إلى ذلك، وأقام عليه مدة، ثم تركه وعاد إلى وطنه، على ما كان عليه، وابتنى إلى جواره خانقاه للصوفية، ومدرسة للمشتغلين، ولزم الانقطاع، ووظف أوقاته على وظائف الخير، بحيث لا يمضي لحظة منها إلّا في طاعة من التلاوة، والتدريس،

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي.

والنظر في الأحاديث، خصوصا البخاري، وإدامة الصيام، والتهجّد، ومجالسة أهل القلوب، إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى، وهو قطب الوجود، والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن، يتقرب إلى الله تعالى به كل صديق، ولا يبغضه إلّا ملحد أو زنديق، قد انفرد في ذلك العصر عن أعلام الزمان كما انفرد في هذا الفصل، فلم يترجم فيه معه في الأصل لإنسان. انتهى كلام الإسنوي [1] . وقال ابن قاضي شهبة [2] : ومن تصانيفه «البسيط» وهو كالمختصر للنهاية، و «الوسيط» ملخص منه، وزاد فيه أمورا من «الإبانة» للفوراني، ومنها أخذ هذا الترتيب الحسن الواقع في كتبه، وتعليق القاضي حسين، و «المهذّب» واستمداده منه كثير، كما نبّه عليه في المطلب، ومن تصانيفه أيضا «الوجيز» و «الخلاصة» مجلد دون «التنبيه» وكتاب «الفتاوى» له مشتمل على مائة وتسعين مسألة، وهي غير مرتبة وله فتاوى أخرى غير مشهورة، أقل من تلك، وصنّف في الخلاف المآخذ جمع مأخذ [3] ، ثم صنّف كتابا آخر في الخلاف سماه «تحصيل المأخذ» [4] وصنّف في المسألة السريجية مصنفين، اختار في أحدهما عدم وقوع الطلاق وفي الآخر الوقوع، وكتاب «الإحياء» وهو الأعجوبة العظيم الشأن، و «بداية الهداية» في التصوف، و «المستصفى» في أصول الفقه، و «إلجام العوام عن علم الكلام» ، و «الرد على الباطنية» ، و «مقاصد الفلاسفة» ، و «تهافت الفلاسفة» و «جواهر القرآن» و «شرح الأسماء

_ [1] أقول: كلام الإسنوي في مدح الإمام الغزالي فيه مبالغات لا يرضاها الشرع، ولا يقرها الغزالي نفسه. (ع) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 327- 328) . [3] في «آ» : «المآجد جمع ماجد» وأثبت لفظ «ط» وهو موافق لما في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [4] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «تحصين المأخذ» .

الحسنى» ، و «مشكاة الأنوار» و «المنقذ من الضلال» وغير ذلك. انتهى. وذكر الشيخ علاء الدّين علي بن الصيرفي في كتابه «زاد السالكين» أن القاضي أبا بكر بن العربي قال: رأيت الإمام الغزالي في البريّة وبيده عكازة، وعليه مرقعة، وعلى عاتقه ركوة، وقد كنت رأيته ببغداد يحضر مجلس درسه نحو أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم، يأخذون عنه العلم. قال: فدنوت منه وسلّمت عليه، وقلت له: يا إمام! أليس تدريس العلم ببغداد خير من هذا؟ قال: فنظر إلي شزرا [1] وقال: لما طلع بدر السعادة في فلك الإرادة- أو قال سماء الإرادة- وجنحت شمس الوصول في مغارب الأصول: تركت هوى ليلى وسعدى [2] بمعزل ... وعدت إلى تصحيح أول منزل ونادت بي الأشواق مهلا فهذه ... منازل من تهوى رويدك فانزل غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد ... لغزلي نسّاجا فكسّرت مغزلي انتهى.

_ [1] قال في «مختار الصحاح» (شزر) : نظر إليه شزرا، وهو نظر الغضبان بمؤخر عينيه. [2] في «آ» : «وشعري» ..

سنة ست وخمسمائة

سنة ست وخمسمائة فيها توفي أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد الهمذاني العدل. روى عن أبي سعيد عبد الرحمن بن شبانة [1] وجماعة، أو توفي في العام الآتي. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو القاسم إسماعيل بن الحسن السّنجبستي- بفتح السين [3] المهملة والجيم والموحدة، وسكون النون والمهملة الثانية وفوقية، نسبة إلى سنجبست، منزل بين نيسابور وسرخس- الفرائضي. توفي في صفر بسنجبست. روى عن أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وعاش خمسا وتسعين سنة. وفيها الفضل بن محمد بن عبيد القشيري النيسابوريّ الصّوفيّ العدل. روى عن أبي حسّان المزّكّي، وعبد الرحمن بن النّصرويي [4] ، وطائفة، وعاش خمسا وثمانين سنة، وهو أخو عبيد القشيري. وفيها أبو سعد المعمّر بن علي بن المعمّر بن أبي عمامة [5] البقّال

_ [1] في «آ» و «ط» : «شبابة» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 272) . [2] (4/ 11) . [3] وكذا في «الأنساب» (7/ 162) و «اللباب» (2/ 146) وضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (3/ 263) بكسر السين. [4] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» (19/ 293) : «النصروي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (12/ 91) و «اللباب» (3/ 311) . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عمارة» والتصحيح من «العبر» (4/ 11) و «سير أعلام النبلاء»

البغدادي، الحنبلي، الفقيه، الواعظ، ريحانة البغداديين. ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع من ابن غيلان، والخلّال، والجوهري، والأزجي، وغيرهم. وكان فقيها مفتيا واعظا بليغا فصيحا، له قبول تام، وجواب سريع، وخاطر حاد، وذهن بغداديّ، وكان يضرب به المثل في حدة الخاطر، وسرعة الجواب بالمجون، وطيب الخلق، وله كلمات في الوعظ حسنة، ورسائل مستحسنة، وجمهور وعظه [1] حكايات السلف، وكان يحصل بوعظه نفع كثير [2] ، وكان في زمن أبي علي بن الوليد شيخ المعتزلة، يجلس في مجلسه، ويلعن المعتزلة. وخرج مرة فلقي مغنية قد خرجت من عند تركي، فقبض على عودها، وقطّع أوتاره، فعادت إلى التّركي فأخبرته، فبعث من كبس دار أبي سعد وأفلت هو، فاجتمع بسبب ذلك الحنابلة، وطلبوا من الخليفة إزالة المنكرات كلها، فأذن لهم في ذلك. وكان أبو سعد يعظ بحضرة الخليفة [المستظهر] والملوك، ووعظ يوما نظام الملك الوزير بجامع المهدي، فقال من جملة ما قال: لما تقلدت أمور البلاد وملكت أزمّة العباد، اتخذت الأبواب والبواب، والحجاب والحجّاب، ليصدّوا عنك القاصد، ويردّوا عنك الوافد؟ فاعمر قبرك كما عمّرت قصرك، وانتهز الفرصة ما دام الدهر [أمّرك، فلا تعتذر، فما ثمّ من] يقبل عذرك. وهذا ملك الهند، وهو عابد صنم، ذهب سمعه، فقال: ما حسرتي (19/ 451) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 107) .

_ [1] يعني ومعظم وعظه. [2] في «آ» و «ط» : «كبير» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف، وقد نقل عنه بتصرف، وما بين حاصرتين في الترجمة مستدرك منه.

لذهاب هذه الجارحة من بدني، ولكن تأسفي لصوت المظلوم لا أسمعه فأغيثه [1] ثم قال: إن كان ذهب سمعي فما ذهب بصري، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتّى، إذا رأيته عرفته فأنصفته [2] . وهذا أنوشروان، قال له رسول الرّوم: لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل الوصول إليك، فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة، وأقضي حاجة. وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثره، وأولى بهذه وأحرى، فأعدّ جوابا [3] لتلك المسألة، فإن السائل الله تعالى، الذي تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ 19: 90 [مريم: 90] في موقف ما فيه إلّا خاشع، أو خاضع، أو مقنع، فينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرّب، ويعظم فيه الكرب، ويشيب فيه الصغير، ويعزل فيه الملك والوزير، يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى 89: 23 [الفجر: 23] يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ من سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً 3: 30 [آل عمران: 30] . وقد استجلبت لك الدعاء، وخلدت لك الثناء، مع براءتي من التهمة، فليس لي- بحمد الله تعالى- في أرض الله ضيعة ولا قرية، ولا بيني وبين أحد خصومة، ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة. فلما سمع، نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديدا، وأمر له بمائة دينار، فأبى أن يأخذها، [وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين، ومن يكن في ضيافة أمير المؤمنين يقبح عليه أن يأخذ عطاء غيره] ، فقال [له] : فصلها [4] إلى الفقراء، فقال هم على بابك أكثر منهم على بابي، ولم يأخذ شيئا.

_ [1] في «آ» و «ط» : «فأعينه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] في «آ» و «ط» : «فأنصفه» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وأحرى، من أعدّ» . [4] كذا في «آ» و «ط» : «فصلها» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «فضها» .

وتوفي أبو سعد يوم الاثنين ثامن عشري ربيع الأول، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى. وفيها جعفر بن الحسن الدّرزيجاني- بفتح الدال المهملة وسكون الراء وكسر الزاي، وتحتية ساكنة، وجيم، نسبة إلى درزيجان، قرية ببغداد- المقرئ الفقيه الزاهد. ذكره القاضي أبو الحسين [1] فيمن تفقه على أبيه، وسمع الحديث. وقال ابن شافع: هو الأمّار بالمعروف، والنهّاء على المنكر، ذو المقامات المشهودة في ذلك، والمهيب بنور الإيمان واليقين لدى الملوك والمتصرفين. صحب القاضي أبا يعلى، وتفقه عليه، ثم تمّم على صاحبه الشريف أبي جعفر، وختم عليه القرآن خلق لا يحصون كثرة. وكان من عباد الله الصالحين، لا تأخذه في الله لومة لائم، مهيبا، وقورا، له حرمة عند الملوك والسلاطين، ولا يتجاسر أحد أن يقدم عليه إذا أنكر منكرا. وله المقامات المشهودة في ذلك، مداوما للصيام والتهجد والقيام، وله ختمات كثيرة جدا، كل ختمة منها في ركعة واحدة. وسمع الحديث من أبي علي بن البناء، وتوفي في الصلاة ساجدا في شهر ربيع الآخر بدرزيجان، رحمه الله تعالى.

_ [1] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 257) .

سنة سبع وخمسمائة

سنة سبع وخمسمائة فيها توفي أبو بكر الحلواني أحمد بن علي بن بدران، ويعرف بخالوه [1] . ثقة زاهد متعبد. روى عن القاضي أبي الطّيب الطبري وطائفة. وفيها رضوان، صاحب حلب ابن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقي، ومنه أخذت الفرنج أنطاكية، وملك بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس. وفيها الحافظ شجاع بن فارس أبو غالب الذّهلي السّهروردي- بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء ومهملة، نسبة إلى سهرورد بلد عند زنجان [2]- ثم البغدادي، وله تسع وسبعون سنة. نسخ ما لا يدخل تحت الحصر من التفسير، والحديث، والفقه، لنفسه وللناس، حتّى إنه كتب شعر ابن الحجّاج سبع مرّات، وروى عن ابن غيلان، وعبد العزيز الأزجي، وخلق، وتوفي في جمادى الأولى. قال ابن ناصر الدّين [3] : هو حافظ عمدة إمام.

_ [1] في «آ» و «ط» : «بحالويه» وهو تحريف. والتصحيح من «العبر» (4/ 13) مصدر المؤلف، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 380) . [2] انظر «معجم البلدان» (3/ 289- 290) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (157/ ب) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

وفيها عبد الله بن مرزوق أبو الخير الأصم الهروي، مولى شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري. كان من الحفّاظ الزهّاد المتقنين. قاله ابن ناصر الدّين [1] . وفيها الشّاشي المعروف بالمستظهري، فخر الإسلام أبو بكر محمد ابن أحمد بن الحسين، شيخ الشافعية. ولد بميّافارقين سنة تسع وعشرين، وتفقه على محمد بن بيان الكازروني، ثم لزم ببغداد الشيخ أبا إسحاق [2] ، وابن الصباغ، وصنّف وأفتى، وولي تدريس النظامية، وتوفي في شوال، ودفن عند الشيخ أبي إسحاق، وقيل: معه في قبر واحد. ومن تصانيفه «حلية العلماء» وسماه «المستظهري» وغيره، وانتهت إليه رئاسة الشافعية بعد انقراض مشايخه، فكان ينشد: خلت الدّيار فسدت غير مسوّد ... ومن العناء تفرّدي بالسؤدد [3] ذكره في بعض دروسه ووضع المنديل على عينيه وبكى بكاء شديدا. قال ابن شهبة [4] : كان مهيبا، وقورا، متواضعا، ورعا، وكان يلقب بين الطلبة في حداثته بالجنيد، لشدة ورعه، وله شعر حسن. وقع بينه وبين الدامغاني، فأنشأ فيه الشاشي: حجاب [5] وإعجاب وفرط تصلف ... ومدّ يد نحو العلا بتكلّف ولو كان هذا من وراء كفاية ... لهان ولكن من وراء تخلّف

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (158/ آ) . [2] يعني الشيرازي. [3] البيت في «الوافي بالوفيات» (2/ 73) . [4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 324) . [5] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، وفي «طبقات الشافعية» للإسنوي: «عجاب» .

ومن تصانيفه «الشافي في شرح الشامل» في عشرين مجلدا، ومات وقد بقي منه نحو الخمس [1] وكتاب «الحلية» في مجلدين، وذكر فيه خلافا كثيرا للعلماء، صنفه للخليفة المستظهر بالله، ولذلك يلقب بالمستظهري، وتصنيف لطيف في [المسألة] السريجية واختار فيه عدم الوقوع. انتهى ملخصا. وفيها أبو منصور علي بن محمد بن علي بن إسماعيل الأنباري، القاضي الفقيه الحنبلي الواعظ. ولد يوم الخميس خامس عشري ذي الحجة، سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وقرأ القرآن على ابن الشّرمقاني [2] . وسمع الحديث من أبي طالب بن غيلان، والجوهري وأبي إسحاق البرمكي، وأبي بكر بن بشران، وغيرهم. وسمع من القاضي أبي يعلى، وتفقه عليه حتّى برع في الفقه، وأفتى ووعظ، وكان مظهرا للسّنّة في مجالسه. وشهد عند ابن [3] الدامغاني، وأبي بكر السّامي، وغيرهما. وولي القضاء بباب الطاق، وحدّث وانتشرت الرواية عنه. روى عنه عبد الوهاب الأنماطي، والسّلفي، وغيرهما، وتوفي يوم السبت رابع عشري جمادى الآخرة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، وتبعه من الخلق ما لا يحصى كثرة، ولا يعدّهم إلّا أسرع الحاسبين. قاله ابن رجب [4] .

_ [1] في «آ» : «نحو الخمسين» . [2] هو أبو علي الحسن بن أبي الفضل الشرمقاني، المقرئ المؤدّب، المتوفى سنة (451) هـ. انظر «الأنساب» (7/ 326- 327) ووقع اسمه في «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 412) طبع مؤسسة الرسالة: «الحسن بن الفضل» وانظر التعليق عليه. [3] لفظة «ابن» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «عند أبي عبد الله بن الدامغاني» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 110- 111) .

وفيها أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي الحافظ القيسراني، ذو الرحلة الواسعة، والتصانيف والتعاليق، عاش ستين سنة، وسمع بالقدس أولا من ابن ورقاء، وببغداد من أبي محمد الصّريفيني، وبنيسابور من الفضل بن المحب، وبهراة من بيبى [1] ، وبأصبهان، وشيراز، والرّي، ودمشق، ومصر، من هذه الطبقة، وكان من أسرع الناس كتابة، وأذكاهم وأعرفهم بالحديث، والله يرحمه ويسامحه. قاله الذهبي [2] . وقال إسماعيل محمد بن الفضل الحافظ: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر. وقال السّلفي: سمعت ابن طاهر يقول: كتبت البخاريّ، ومسلم، وأبا داود، وابن ماجة سبع مرات بالوراقة. وقال الحافظ ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا، مكثرا، جوّالا في البلاد، كثير الكتابة، جيد المعرفة، ثقة في نفسه، حسن الانتقاد ولولا ما ذهب إليه من إباحة السماع لا نعقد على ثقته الإجماع. وفيها أبو المظفّر الأبيوردي- بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء التحتية وفتح الواو وسكون الراء وبعدها دال مهملة، نسبة إلى أبيورد، ويقال لها: أبا ورد وباورد، وهي بلدة بخراسان [4]- محمد بن أبي العبّاس أحمد بن إسحاق الأموي المعاوي اللّغوي الشاعر الأخباري النسابة، صاحب

_ [1] جاء في «تاج العروس» (بيب) (2/ 54) طبع الكويت: بيبى كضيزى، أم الفضل بيبى بنت عبد الصمد بن علي بن محمد الهرثميّة، ذكرها الذهبي في «التاريخ الكبير» يعني «تاريخ الإسلام» . [2] انظر «العبر» (4/ 14) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (157/ ب) . [4] انظر «معجم البلدان» (1/ 86 و 333) .

التصانيف والبلاغة والفصاحة، وكان رئيسا عالي الهمة، ذا بأو وتيه وصلف، توفي [1] بأصبهان مسموما. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : كان من الأدباء المشاهير، راوية، نسابة، شاعرا ظريفا، قسم ديوانه إلى أقسام، منها: «العراقيات» ومنها «الوجديات» ، ومنها «النجديات» وغير ذلك، وكان من أخبر الناس بعلم الأنساب، نقل عنه الحفاظ الأثبات الثقات. وقد روى عنه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في غير موضع من كتابه الذي وضعه في «الأنساب» [4] وقال في حقه في ترجمة المعاوي [5] : إنه كان أوحد أهل زمانه في علوم عدّة، وقد أوردنا عنه في غير موضع من هذا الكتاب أشياء، وكان يكتب في نسبه [6] المعاوي، وأليق ما وصف به بيت أبي العلاء المعري: وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل انتهى كلام المقدسي. وذكره أبو زكريا بن مندة في «تاريخ أصبهان» فقال: فخر الرؤساء أفضل الدولة، حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، يتصرف [7] ، في فنون جمة من العلوم، عارف بأنساب العرب، فصيح الكلام، حاذق في تصنيف الكتب، وافر العقل، كامل الفضل، فريد دهره ووحيد عصره. وكان فيه تيه وكبر وعزة

_ [1] في «ط» : «وتوفي» . [2] (4/ 14) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 445- 449) وما بين حاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [4] وهو المعروف ب «الأنساب المتفقة» . [5] انظر «الأنساب المتفقة» ص (151) . [6] في «الأنساب المتفقة» : «في نسبته» . [7] في «وفيات الأعيان» : «متصرف» .

نفس، وكان إذا صلى يقول: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها. وذكر عنه ابن السمعاني أنه كتب رقعة إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله، وعلى رأسها الخادم المعاوي، فكره الخليفة النسبة إلى معاوية، فحكّ الميم ورد الرقعة إليه، فصار العاوي. ومن محاسن شعره: ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ... لنا رغبة أو رهبة عظماؤها فلما انتهت أيامنا علقت بنا ... شدائد أيام قليل رخاؤها [1] وكان إلينا في السّرور ابتسامها ... فصار علينا في الهموم بكاؤها وصرنا نلاقي النائبات بأوجه ... رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت ... علينا الليالي لم يدعنا حياؤها وقوله أيضا: تنكّر بي دهري ولم يدر أنني ... أعزّ وأحداث الزّمان تهون فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبتّ أريه الصّبر كيف يكون ومن شعره: وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني ... عليها ويغريني بها أن أعيبها أميل بإحدى مقلتيّ إذا بدت ... إليها وبالأخرى أراعي رقيبها وقد غفل الواشي فلم يدر أنني ... أخذت لعيني من سليمى نصيبها ومن معانيه البديعة قوله من جملة أبيات في وصف الخمرة: ولها من ذاتها طرب ... فلهذا يرقص الحبب وله من قصيدة:

_ [1] في «آ» و «ط» : «قليل رجاؤها» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

فسد الزمان فكلّ من صاحبته ... راج [1] ينافق أو مداج خاشي وإذا اختبرتهم ظفرت بباطن ... متجهّم [2] وبظاهر هشّاش وله تصانيف كثيرة، منها «تاريخ أبيورد ونسا» و «المختلف والمؤتلف» [و «طبقات كل فنّ» و «ما اختلف وائتلف] في أنساب العرب» . وله في اللغة مصنفات لم يسبق إلى مثلها، وكان حسن السيرة، جميل الأثر [3] . وكانت وفاته يوم الخميس بين الظهر والعصر عشري ربيع الأول مسموما بأصبهان. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها ابن اللّبانة، أبو بكر محمد بن عيسى اللّخمي الأندلسي الأديب، من جلّة [4] الأدباء وفحول الشعراء، له تصانيف عديدة في الآداب، وكان من شعراء دولة المعتمد بن عبّاد. قاله في «العبر» [5] . وفيها المؤتمن بن أحمد بن علي بن نصر الرّبعي البغدادي الحافظ، ويعرف بالسّاجي، حافظ محقّق، واسع الرحلة، كثير الكتابة، متين الورع والديانة. روى عن أبي الحسين بن النّقور، وأبي بكر الخطيب، وطبقتهما بالشام، والعراق، وأصبهان، وخراسان، وتفقه وكتب «الشامل» عن مؤلّفه ابن الصبّاغ، وتوفي في صفر عن اثنتين وستين سنة، وكان قانعا متعففا. وفيها كما قال السيوطيّ في «تاريخ الخلفاء» [6] : جاء صاحب الأندلس

_ [1] في «آ» و «ط» : «داج» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» و «ط» : «متهجم» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «آ» و «ط» : «جميل الأمر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «من جملة» وما أثبته من «العبر» . [5] (4/ 15) . [6] انظر «تاريخ الخلفاء» ص (430) .

مودود بعسكر ليقاتل ملك الفرنج، الذي بالقدس، فوقع بينهم معركة هائلة، ثم رجع مودود إلى دمشق، فصلى الجمعة يوما في الجامع، وإذا بباطني وثب عليه فجرحه فمات من يومه، فكتب ملك الفرنج إلى صاحب دمشق كتابا فيه: وإنّ أمّة قتلت عميدها في يوم عيدها في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها. انتهى كلام السيوطي. ومودود هذا غير مودود الأعرج صاحب الموصل أيضا، فإن ذاك توفي سنة خمس وستين وخمسمائة، كما يأتي إن شاء الله تعالى [1] .

_ [1] انظر ص (358) .

سنة ثمان وخمسمائة

سنة ثمان وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» ورد كتاب أنه حدث زلزلة، فوقع من سور الرّها ثلاثة عشر برجا وبعض سور حرّان، وخسف بسميساط، وتساقط في بالس نحو مائة دار، وقلب نصف القلعة. وفيها هلك بغدوين صاحب القدس من جراحة أصابته يوم مصافّ طبريّة. وفيها مات أحمديل [1] ، صاحب مراغة، وكان شجاعا جوادا، وعسكره خمسة آلاف، فتكت به الباطنية. وفيها أحمد بن محمد بن غلبون، أبو عبد الله، الخولاني القرطبي ثم الإشبيلي، وله تسعون سنة. سمّعه أبوه معه من عثمان بن أحمد القيشاطي [2] وطائفة، وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث، وأبو عمر

_ [1] في «ط» : «أحمد بك» وهو كذلك في «المنتظم» (9/ 185) وما جاء في «آ» موافق لما في «تاريخ دمشق» لابن القلانسي ص (315) وقد جعله من وفيات سنة (510) و «الكامل في التاريخ» (10/ 487) و «العبر» (4/ 15) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 383) و «النجوم الزاهرة» (5/ 208) . [2] في «آ» : «القسطالي» وقال ناشر «ط» الأستاذ حسام الدّين القدسي رحمه الله تعالى: والذي حرره العلّامة المحقق الشيخ أحمد رافع الطّهطاوي () في «ثبته» أنه «القيشاطي» نسبة إلى قيشاطة، بفتح القاف، وسكون المثناة التحتية، بعدها شين معجمة، وهي مدينة بالأندلس من أعمال جيّان، ويقال لها قيجاطة، بالجيم بدل الشين، وعلى الأول اقتصر الصاغاني في () كان من أفاضل علماء عصره في مصر، صنّف مصنفات عدة تدل على فضله وسعة علمه في الفقه، والتفسير، والأدب. مات سنة (1355 هـ) . انظر «الأعلام للزركلي» (1/ 124) .

الطّلمنكي، وأبو ذرّ الهروي، والكبار [1] ، وكان صالحا خيّرا، عالي الإسناد، منفردا. وفيها أبو حازم إسماعيل بن المبارك [2] بن أحمد بن محمد بن وصيف البغدادي [3] ، الفقيه الحنبلي. ولد سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلى، وسمع من ابن العشاري [4] والجوهري، وروى عنه أبو معمر [5] الأنصاري وبالإجازة ابن كليب، وتوفي في رجب. وفيها أبو العباس المخلّطي- بالضم وفتح الخاء واللام المشددة، نسبة إلى بيع المخلّط، وهو الفاكهة اليابسة- أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي [6] ، الفقيه الحنبلي. صحب القاضي أبا يعلى، وتفقه عليه، ولازمه، وسمع منه الحديث، وكتب الخلاف وغيره من تصانيفه. وسمع أيضا من أبي الحسين [7] بن المهتدي، وابن المسلمة، وغيرهم، وحدّث عنهم.

_ «التكملة» وأصحاب «القاموس» و «معجم البلدان» و «لب اللباب» والثاني هو الموجود في تواريخ المغرب، وقد ذكره كثير من أئمة اللغة، ولا مخالفة بينهما، لأن الجيم فيه فارسية مشوبة بالشين المعجمة، فيجوز رسمها جيما تحتها ثلاث نقط، ورسمها شينا. [1] في «آ» و «ط» : «والأبار» وما أثبته من «العبر» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن المبرك» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 112) . [4] في «آ» و «ط» : «سمع من أبي العشاري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] في «آ» و «ط» : «ابن المعمري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «الأنساب» (11/ 190) . [6] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 112- 113) . [7] كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» (2/ 151 و 204 و 283) وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 112) : «من أبي الحسن» .

قال ابن ناصر الحافظ: وسمعت منه، قال: وكان رجلا صالحا من أهل القرآن والسّتر والصيانة، ثقة مأمونا، توفي ليلة الأربعاء ثاني عشر جمادى الأولى، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى. وفيها أبو علي إسماعيل بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني الخيّاط [1] الفقيه الحنبلي. دخل بغداد سنة سبع وخمسمائة، وحدّث بها عن والده وعن أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجة، وأبي مطيع المصري وغيرهم. سمع منه أبو منصور محمد بن ناصر البردني، وقال: كان من الأئمة الكبار، وهو أخو أبي سعد محمد بن أحمد بن داود. قال ابن النجار: قرأت بخط أخيه أبي سعيد، توفي أخي أبو علي إسماعيل في العشر الآخر من جمادى الآخرة، سنة ثمان وخمسمائة، رحمه الله تعالى. وفيها ألب أرسلان، صاحب حلب، وابن صاحبها، رضوان بن تتش السلجوقيّ التركيّ، تملّك وله ست عشرة سنة، فقتل أخويه بتدبير البابا لؤلؤ، وقتل جماعة من الباطنية، وكانوا قد كثروا في دولة أبيه. ثم قدم دمشق ونزل بقلعتها، ثم رجع وفي خدمته طغتكين، وكان سيّئ السيرة، فاسقا، فقتله البابا وأقام أخا له طفلا له ست سنين، ثم قتل البابا سنة عشر. وفيها أبو الوحش، سبيع بن المسلّم الدّمشقي، المقرئ الضرير، ويعرف بابن قيراط. قرأ لابن عامر على الأهوازيّ، ورشأ، وروى الحديث عنهما، وعن عبد الوهاب بن برهان، وكان يقرئ من السّحر إلى الظهر. توفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة. وفيها النّسيب أبو القاسم، علي بن إبراهيم بن العبّاس الحسيني

_ [1] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 230) .

الدمشقي، الخطيب، الرئيس، المحدّث، صاحب «الأجزاء العشرين» التي خرّجها له الخطيب، توفي في ربيع الآخر، عن أربع وثمانين سنة. قرأ على الأهوازي، وروى عنه، وعن سليم، ورشأ [1] وخلق، وكان ثقة، نبيلا، محتشما، مهيبا، سديدا، شريفا، صاحب حديث وسنّة. وفيها السلطان علاء الدولة مسعود، صاحب الهند وغزنة، ولد السلطان إبراهيم بن السلطان مسعود بن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين، مات في شوال، وتملّك بعده ولده أرسلان شاه.

_ [1] لفظة «ورشأ» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» .

سنة تسع وخمسمائة

سنة تسع وخمسمائة فيها توفي ابن ملّة [1] أبو عثمان إسماعيل بن محمد الأصبهاني الواعظ المحتسب، صاحب تلك المجالس. قال ابن ناصر [2] : وضع حديثا وكان يخلّط. وقال الذهبي [3] : روى [4] عن ابن ريذة وجماعة. وفيها أبو شجاع الدّيلمي، شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فنّا خسرو- بفاء ونون، وخاء معجمة، وسين وراء مهملتين، بعدهما واو- الهمذاني الحافظ، صاحب كتاب «الفردوس» و «تاريخ همذان» وغير ذلك، توفي في رجب عن أربع وسبعين سنة. وغيره أتقن منه. سمع الكثير من يوسف بن محمد المستملي وطبقته. وقال ابن شهبة في «طبقات الشافعية» [5] : وهو من ولد الضحّاك بن فيروز الصحابي. ذكره ابن الصلاح فقال: كان محدّثا، واسع الرحلة، حسن الخلق

_ [1] في «آ» و «ط» و «العبر» : «ابن مسلمة» وهو تحريف، والتصحيح من «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (198) بتحقيق الأستاذ محمد مولود خلف، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 381) . [2] في «آ» : «ابن ناصر الدين» ، وما أثبته من «ط» وهو الصواب كما في «العبر» . [3] في «العبر» (4/ 18) . [4] في «ط» : «وروى» . [5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 316) .

والخلق، ذكيا، صلبا في السّنّة، قليل الكلام، صنّف تصانيف اشتهرت عنه، منها «كتاب الفردوس» وكتاب في حكايات المنامات، وكتابا في تاريخ همذان. ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وتوفي في رجب، سنة تسع وخمسمائة. انتهى. وفيها غيث بن علي أبو الفرج الصّوري [الأرمنازي [1] ، خطيب صور] ومحدّثها. روى عن أبي بكر الخطيب، ورحل إلى دمشق ومصر، وعاش ستا وستين سنة. وفيها الشريف أبو يعلى بن الهبّارية [2]- بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة، وبعد الألف راء، نسبة إلى هبّار جد أبي يعلى المذكور- محمد بن محمد بن صالح الهاشمي، الشاعر المشهور الهجّاء، الملقب نظام الدّين البغدادي. كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد، لكنه خبيث اللسان، كثير الهجاء والوقوع في الناس، لا يكاد يسلم من لسانه أحد. ذكره العماد الكاتب في «الخريدة» فقال: من شعراء نظام الملك، غلب على شعره الهجاء، والهزل، والسخف، وسبك في قالب ابن حجّاج، وسلك أسلوبه، وفاقه في الخلاعة. والنظيف من شعره في غاية الحسن [3] . انتهى كلام العماد. وكان ملازما لخدمة نظام الملك وولده ملكشاه.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 18) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 453- 457) . [3] في «آ» و «ط» : «والتلطف في شعره، وشعره في غاية الحسن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.

ومن معاني شعره الغريبة قوله: قالوا أقمت وما رزقت وإنما ... بالسير يكتسب اللّبيب ويرزق فأجبتهم ما كلّ سير نافعا ... الحظّ ينفع لا الرحيل المقلق كم سفرة نفعت وأخرى مثلها ... ضرّت [1] ويكتسب الحريص ويخفق كالبدر يكتسب الكمال بسيره ... وبه إذا حرم السعادة يمحق وله أيضا: خذ جملة البلوى ودع تفصيلها ... ما في البرية كلها إنسان وإذا البياذق في الدّسوت تفرزنت ... فالرأي أن يتبيذق الفرزان وله على سبيل الخلاعة والمجون: يقول أبو سعيد إذ رآني ... عفيفا منذ عام ما شربت على يد أي شيخ تبت قل لي ... فقلت على يد الإفلاس تبت وله في المعنى أيضا: رأيت في الليل عرسي وهي ممسكة ... ذقني وفي يدها شيء من الأدم [2] معوّج الشكل مسودّ به نقط ... لكنّ أسفله في هيئة القدم حتى تنبّهت محمّر القذال ولو ... طال المنام على الشيخ الأديب عمي وله كتاب «نتائج الفطنة [3] في نظم كليلة ودمنة» وديوان شعره [كبير] يدخل في أربع مجلدات، ومن غرائب نظمه كتاب «الصادح والباغم» نظمه على أسلوب «كليلة ودمنة» وهو أراجيز، وعدد بيوته ألفا بيت، نظمها في عشر

_ [1] في «ط» : «خسرت» . [2] رواية الشطرة الثانية من البيت في «وفيات الأعيان» : أذني، وفي كفها شيء من الأدم [3] في «آ» و «ط» : «تاريخ الفطنة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «كشف الظنون» (2/ 1924) .

سنين، ولقد أجاد فيه كل الإجادة، وسيّر الكتاب على يد ولده إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور الأسدي، صاحب الحلّة، وختمه بهذه الأبيات: هذا كتاب حسن ... تحار فيه الفطن أنفقت فيه مدّه ... معشر سنين عدّه منذ سمعت باسمكا ... وضعته برسمكا بيوته ألفان ... جميعها معاني لفضل كلّ شاعر [1] ... وناظم وناثر كعمر نوح التالد ... في نظم بيت واحد من مثله لما قدر ... ما كل من قال شعر أنفذته مع ولدي ... بل مهجتي وكبدي وأنت عند ظني ... أهل لكل من وقد طوى إليكا ... توكلا عليكا مشقة شديده ... وشقة بعيده ولو تركت جيت [2] ... سعيا وما ونيت إن الفخار والعلى ... إرثك من دون الورى فأجزل صلته وأسنى جائزته. وتوفي ابن الهبّارية بكرمان. وفيها أبو البركات بن السّقطي، هبة الله بن المبارك البغدادي [3] الحنبلي، اتهمه بالوضع ابن حجر في كتابه «تبيين العجب بما ورد في شهر رجب» وقال عن السقطي: هذا آفة، يعني في وضع الأحاديث.

_ [1] رواية الشطرة الأولى من البيت في «وفيات الأعيان» : لو ظل كل شاعر ... [2] في «ط» : «جئت» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 114- 115) و «المنهج الأحمد» (2/ 231- 232) .

قال في «العبر» [1] : أحد المحدّثين الضعفاء. له «معجم» في مجلد. كذّبه ابن ناصر. وفيها أبو البركات العسّال [2] ، محمد بن سعد بن سعيد المقرئ الحنبلي ابن الحنبلي. ولد في ربيع الآخر، سنة ستين وأربعمائة، وقرأ بالروايات على رزق الله التميمي وغيره، وسمع من أبي نصر الزّينبي، وأبي الغنائم، وغيرهما، وعلّق الفقه على ابن عقيل. وكان من القراء المجوّدين الموصوفين بحسن الأداء وطيب النغمة، يقصد في رمضان لسماع قراءته في صلاة التراويح، من الأماكن البعيدة، وكان ديّنا صالحا ورعا [3] صدوقا، وسمع منه ابن ناصر، والسّلفي، وقال: كتب الحديث الكثير معنا وقبلنا، وهو حنبلي المذهب، علّق الفقه على ابن عقيل، وتوفي يوم الثلاثاء سابع رمضان. وفيها يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس، السلطان أبو طاهر الحميري صاحب إفريقية، نشر العدل وافتتح عدة حصون لم يتهيأ لأبيه فتحها، وكان جوادا ممدّحا، عالما، كثير المطالعة، توفي فجأة يوم الأضحى، وخلّف ثلاثين ابنا، فتملك بعده ابنه عليّ ستة أعوام، ومات، فملّكوا بعده ابنه الحسن بن علي وهو مراهق، فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف، سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فخاف وفرّ من المهدية، والتجأ إلى عبد المؤمن. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] (4/ 19) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 113) . [3] لفظة «ورعا» لم ترد في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] (4/ 19) .

سنة عشر وخمسمائة

سنة عشر وخمسمائة فيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي- نسبة إلى الحوز، قرية قرب واسط- الحافظ، محدّث واسط، رحل وسمع ببغداد من أبي القاسم ابن البسري، وكان عالما فاضلا ثقة شاعرا. وفيها أبو بكر الشّيروي [1]- بالكسر والضم، نسبة إلى شيرويه جدّ- عبد الغفّار [2] بن محمد بن الحسين [3] بن علي بن شيرويه- النيسابوري التاجر. مسند خراسان، وآخر من حدّث عن الحيري، والصّيرفي، صاحبي الأصم. توفي في ذي الحجة، عن ست وتسعين سنة. قال السمعاني: كان صالحا عابدا، رحل إليه من البلاد. وفيها أبو القاسم الرزّاز علي بن أحمد بن محمد بن بيان، مسند العراق، وآخر من حدّث عن أبي مخلد البزاز [4] وطلحة الكتاني، والحرفي. توفي في شعبان عن سبع وتسعين سنة. وفيها الغسّال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي [5] ، المقرئ

_ [1] ويقال «الشيرويي» بياءين أيضا. انظر «الأنساب» (7/ 467) «سير أعلام النبلاء» (19/ 246- 248) . [2] في «آ» و «ط» : «عبد الغافر» والتصحيح من «الأنساب» و «سير أعلام النبلاء» . [3] في «آ» و «ط» : «حسين» وما أثبته من «الأنساب» و «سير أعلام النبلاء» . [4] تصحفت في «ط» إلى «البزار» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 257) . [5] انظر «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 465) .

الأديب، شيخ الإقراء ببغداد، قرأ على أبي بكر محمد بن علي الخيّاط وجماعة، وبواسط على غلام الهرّاس، وحدّث عن أبي محمد الخلّال وجماعة، ومات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة. وفيها أبو الخطّاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذانيّ [1]- بفتح أوله والواو ومعجمة وسكون اللام، نسبة إلى كلواذي قرية ببغداد- ثم الأزجي، شيخ الحنابلة، وصاحب التصانيف. كان إماما علّامة، ورعا صالحا، وافر العقل، غزير العلم، حسن المحاضرة، جيد النظم، تفقه على القاضي أبي يعلى، وحدّث عن الجوهري، وتخرّج به أئمة. روى عنه ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري، وغيرهم. وقرأ عليه الفقه جماعة من أئمة المذهب، منهم: عبد الوهاب بن حمزة، وأبو بكر الدّينوري، والشيخ عبد القادر الجيلي الزاهد صاحب «الغنية» وغيرهم. قال أبو بكر بن النقور: كان إلكيا الهرّاسي إذا رأى الشيخ أبا الخطّاب مقبلا قال: قد جاء الفقه. وقال السّلفيّ: أبو الخطّاب من أئمة أصحاب أحمد، يفتي في [2] مذهبه ويناظر. وكان عدلا رضيا [3] ثقة. وذكر ابن السمعاني: أن أبا الخطّاب جاءته فتوى في بيتي شعر وهما: قل للإمام أبي الخطّاب مسألة ... جاءت إليك وما يرجى سواك لها

_ [1] تنبيه: كذا ضبطه المؤلف وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (2/ 258) وابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 116) . «الكلوذاني» وضبطه ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 477) «الكلواذي» وضبطه «السمعاني» في «الأنساب» (10/ 461) والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (19/ 348) و «العبر» (4/ 21) «الكلواذاني» فليحرر. [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «على» . [3] في «آ» : «رضي» وفي «ط» : «رضا» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 117) .

ماذا على رجل رام الصلاة فمذ ... لاحت لناظره ذات الجمال لها؟ فكتب عليها أبو الخطاب: قل للأديب الذي وافى بمسألة ... سرّت فؤادي لمّا أن أصخت لها إنّ التي فتنته عن عبادته ... خريدة ذات حسن فانثنى ولها إن تاب ثمّ قضى عنه عبادته ... فرحمة الله تغشى من عصى ولها توفي- رحمة الله تعالى عليه- في آخر يوم الأربعاء عشري جمادى الآخرة، وترك يوم الخميس، وصلّي عليه يوم الجمعة في جامع القصر، ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد. قال ابن رجب [1] : قرأت بخطّ أبي العبّاس بن تيمية [2] في تعاليقه القديمة: رؤي الإمام أبو الخطّاب في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فأنشد: أتيت ربي بمثل هذا ... فقال ذا المذهب الرّشيد محفوظ نم في الجنان حتّى ... ينقلك السائق الشهيد وفيها أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنّاء البغدادي [3] الواعظ. ولد في حادي عشري صفر، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. وسمع من الجوهري، وأبي بكر بن بشران، والعشاري، ووالده، وغيرهم، وتفقه على أبيه. وروى عنه أبو المعمر الأنصاري، وابن ناصر، وأثنى عليه ووثقه، وكان

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 118) وقد نقل المؤلف الترجمة كلها عنه. [2] يعني شيخ الإسلام تقي الدّين أبي العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرّاني الدمشقي، طيّب الله ثراه. [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 115- 116) .

من أهل الدّين، والصدق، والعلم، والمعرفة، وخلف أباه في حلقتيه بجامع القصر وجامع المنصور، وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشر ربيع الأول، ودفن بباب حرب. وفيها أبو طاهر الحنّائي، محمد بن الحسين بن محمد الدمشقي [1] من بيت الحديث والعدالة. سمع أباه أبا القاسم، ومحمد وأحمد ابني عبد الرحمن بن أبي نصر، وابن سعدان، وطائفة، وتوفي في جمادى الآخرة، عن سبع وسبعين سنة. وفيها أبي النّرسيّ، أبو الغنائم، محمد بن علي بن ميمون [2] الكوفي، الحافظ القارئ. لقب أبيا لجودة قراءته، وكان ثقة مكثرا ذا إتقان. روى عن محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي وطبقته بالكوفة، وعن أبي إسحاق البرمكي وطبقته ببغداد، وناب في خطابة الكوفة، وكان يقول: ما بالكوفة من أهل السّنّة والحديث إلّا أنا. وقال ابن ناصر [3] : كان [ثقة] حافظا متقنا ما رأينا مثله، كان يتهجّد، ويقوم الليل. وكان أبو عامر العبدري [4] يثني عليه ويقول: ختم به هذا الشأن. توفي في شعبان، عن ست وثمانين سنة، وكان ينسخ ويتعفف. وفيها أبو بكر السمعانيّ [5] ، تاج الإسلام، محمد بن العلّامة أبي

_ [1] انظر «العبر» (4/ 21- 22) . [2] انظر «العبر» (4/ 22) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 274- 276) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 275) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [4] تصحفت نسبته في «آ» إلى «العندري» وفي «ط» إلى «الغندري» والتصحيح من «تذكرة الحفاظ» (4/ 1261) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 275) و «العبر» (4/ 22) . [5] انظر «العبر» (4/ 22- 23) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 371- 373) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 31- 32) .

المظفّر منصور بن محمد التميمي المروزي الحافظ، والد الحافظ أبي سعد. كان بارعا في الحديث ومعرفته، والفقه ودقائقه- وكان شافعيا- والأدب وفنونه، والتاريخ والنسب والوعظ. روى عن محمد بن أبي عمران الصفّار، ورحل فسمع ببغداد من ثابت بن بندار وطبقته، وبنيسابور من نصر الله الخشنامي وطبقته، وبأصبهان، والكوفة، والحجاز، وأملى الكثير، وتقدم على أقرانه، وعاش ثلاثا وأربعين سنة. قال عبد الغافر في «الذيل» : هو الإمام ابن الإمام ابن الإمام، ووالد الإمام، شاب نشأ في عبادة الله تعالى وفي التحصيل من صباه، حتّى أرضى أباه، حظي [1] من الأدب والعربية، وتميّز فيهما [2] ، نظما ونثرا بأعلى المراتب، ثم برع في الفقه، مستدرا خلافة [3] من أبيه، بالغا في المذهب والخلاف أقصى مراميه، وزاد على أقرانه وأهل عصره بالتبحر في علم الحديث، ومعرفة الرجال والأسانيد، وحفظ المتون، وجمعت فيه الخلال الجميلة من الإنصاف والتواضع والتودد، وأطال في وصفه كثيرا. وذكره ولده في «الذيل» وقال، من جملة كلام طويل: صنف في الحديث [4] تصانيف كثيرة. ولد سنة ست وستين وأربعمائة، وتوفي بمرو في صفر، سنة عشر وخمسمائة، وله شعر كثير، قيل إنه غسله قبل موته، وأن الذي ينسب إليه ما كان محفوظا عنه.

_ [1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «إلى أن أرضى أباه، حتى من الأدب ... » . [2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «بها» . [3] كذا في «آ» وفي «ط» : «خلافة» وفي «طبقات الشافعية» للإسنوي: «أخلاقه» . [4] في «ط» : «الأحاديث» .

سنة إحدى عشرة وخمسمائة

سنة إحدى عشرة وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» زلزلت بغداد يوم عرفة، فكانت الحيطان تذهب وتجيء، وكان عقيبها موت المستظهر. انتهى. وفيها كما قال في «الدول» [1] : جاء سيل عظيم عرم على سنجار، هدم أسوارها، وغرق خلق، وحمل باب البلد مسيرة نصف يوم، وطمره السيل سنوات، وحمل السيل سريرا فيه طفل فعلق بزيتونة وعاش الطفل وكبر. وفيها مات بغدوين، الذي افتتح القدس، وكان جبّارا خبيثا، شجاعا، همّ بأخذ مصر، وسار في جموعه حتّى وصل بلبيس، ثم رجع عليلا، فمات بسبخة بردويل [2] ، فشقّوه وصبّروه، ورموا حشوته هناك، فهي ترجم إلى اليوم، ودفن بقمامة، وتملّك القدس بعده القمص صاحب الرّها، وكان قدم القدس زائرا، فوصى بغدوين له بالملك بعده. انتهى كلام صاحب «الدول» . وفيها كما قال في «العبر» [3] : ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لمّا بلغهم موت السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن

_ [1] في «آ» : «الذيل» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في «ط» وهو الصواب، فهو ينقل عن «دول الإسلام» للذهبي (2/ 38) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب. [2] في «آ» و «ط» : «بصنجة بردويل» وما أثبته من «دول الإسلام» وجاء في حاشيته: سبخة بردويل: تقع في الجنوب الغربي من مدينة العريش، وتطل على ساحل بحيرة بردويل من البحر الأبيض المتوسط. [3] (4/ 23) .

جغريبك بن ميكائيل بن سلجوق التركي غياث الدّين أبو شجاع [1] . كان فارسا شجاعا فحلا، ذا برّ ومعروف، استقلّ بالملك بعد موت أخيه بركياروق وقد تمّت لهما حروب عديدة، وخلّف محمد أربعة قد ولّوا السلطنة: محمود ومسعود [2] ، وطغرلبك، وسليمان، ودفن في ذي الحجة بأصبهان في مدرسة عظيمة للحنفية، وقام بعده ابنه محمود ابن أربع عشرة سنة، ففرّق الأموال. وقد خلّف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل، وعاش ثماني وثمانين سنة، سامحه الله تعالى. انتهى. وفيها توفي حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن معروف الهمذاني الأعمش، أبو العلاء. كان ثقة عمدة حافظا. قاله ابن ناصر الدّين [3] . وفيها أبو نصر الكاساني- بمهملة، نسبة إلى كاسان، بلد وراء الشّاش- أحمد بن إسماعيل [4] بن نصر بن أبي سعيد. أخذ عن جماعة من الأعيان بالعراق والحجاز، وسمرقند، وخراسان. وفيها أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي [5] راوي «سنن الدارقطني» عن أبي بكر بن بشران عنه، وكان رئيسا وافر الجلالة، توفي في شوال، عن ست وسبعين سنة [6] .

_ [1] انظر «العبر» (4/ 23- 24) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 506- 507) . [2] في «آ» و «ط» : «وسعود» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 200) و «العبر» (4/ 24) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (159/ آ) . [4] كذا في «آ» و «ط» . وفي «الأنساب» (10/ 320) : «أحمد بن سليمان بن نصر» ولعله المترجم في كتابنا، والله أعلم. [5] انظر «العبر» (4/ 24) . [6] لفظة «سنة» لم ترد في «آ» .

وفيها أبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي- وبرج من قرى أصبهان- سمع أبا نعيم الحافظ، وأجاز له ابن شاذان، والحسين الجمّال، وكان صدوقا فاضلا، توفي في ذي القعدة، عن أربع وتسعين سنة. وفيها أبو علي بن نبهان الكاتب، محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي، مسند العراق. روى عن ابن شاذان [1] وبشرى [2] الفاتني، وابن دوما، وهو آخر أصحابهم. قال ابن ناصر: فيه [3] تشيع وسماعه صحيح، بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم، وذلك من أول سنة إحدى عشرة، وتوفي في شوال وله مائة سنة كاملة، وله شعر وأدب. وفيها أبو الفضل محمد بن علي [بن طالب] بن محمد بن زببيا [4] الخرقي البزّار، الفقيه الحنبلي. ولد في العشر الأخير من المحرم، سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وسمع من القاضي أبي يعلى، والجوهري، وابن المذهب، وغيرهم، وحدّث وروى عنه السّلفيّ وجماعة كثيرة، منهم: ابن ناصر [5] ، وذكر عنه أنه كان يعتقد عقيدة الفلاسفة تقليدا عن غير معرفة، نسأل الله العافية. وقال ابن الجوزي: قال شيخنا ابن ناصر: لم يكن بحجة، كان على غير السمت المستقيم، توفي ليلة السبت تاسع شوال، سامحه الله ورحمه.

_ [1] في «آ» : «عن شاذان» وما أثبته من «ط» وهو الصواب. [2] هو بشرى بن مسيس الرّومي الفاتني أبو الحسن. انظر «تاريخ بغداد» (7/ 135) و «الأنساب» (9/ 208) والتعليق عليه لصديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد حفظه الله تعالى ونفع به. [3] لفظة «فيه» سقطت من «آ» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 137- 138) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [5] في «آ» : «ابن ناصر الدين» وهو خطأ.

وفيها أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحاق بن مندة العبدي الأصبهاني [1] الحافظ الحنبلي، صاحب «التاريخ» . روى الكثير عن جماعة، منهم: أبوه وعماه، وابن ريذة- وسمع منه «المعجم الكبير» للطبراني- وخلق. وسمع منه الكبار، منهم: الحافظ أبو القاسم إسماعيل التيمي، ومحمد بن عبد الواحد الدقّاق، وخلق لا يحصون، وقدم بغداد حاجّا في الشيخوخة، فأملى وحدّث بها، وأسمع بها أبا منصور الخيّاط، وأبا الحسين بن الطّيوري، وهما [2] أسنّ منه، وأقدم إسنادا، وسمع منه بها أيضا ابن ناصر، وعبد الوهاب الأنماطي، والشيخ عبد القادر الجيلي، وابن الخشّاب، والحافظ السّلفي، وقال فيه يمدحه: إنّ يحيى فديته من إمام ... حافظ متقن تقي حليم جمع النّبل والأصالة والعق ... ل وفي العلم فوق كلّ عليم وقال عبد الغافر في «تاريخ نيسابور» : هو رجل فاضل، من بيت العلم والحديث، المشهور في الدّنيا. سمع من مشايخ أصبهان، وسافر، ودخل نيسابور، وأدرك المشايخ، وسمع منهم، وجمع وصنّف على «الصحيحين» وعاد إلى بلده. وقال ابن السمعاني في حقه: جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، ثقة، حافظ، فاضل، مكثر، صدوق، كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد التكلف، أوحد بيته في عصره، صنف «تاريخ أصبهان» وغيره من المجموع.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 395- 396) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (431- 433) طبع مؤسسة الرسالة. [2] لفظة «وهما» سقطت من «آ» .

قال ابن رجب [1] : صنّف مناقب العبّاس في أجزاء كثيرة، ومناقب أحمد- رضي الله عنه- في مجلد كبير، وتوفي في ذي الحجة، وله أربع وسبعون سنة، وآخر أصحابه الطّرسوسي.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 129- 137) .

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة في الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر، توفي الإمام المستظهر بالله أبو العبّاس، أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم [1] العبّاسي، وله اثنتان وأربعون سنة. وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكان قوي الكتابة، جيد الأدب والفضيلة، كريم الأخلاق، مسارعا في أعمال البرّ، توفي بالخوانيق، وغسّله ابن عقيل شيخ الحنابلة، وصلّى عليه ابنه المسترشد بالله، وخلّف جماعة أولاد. وتوفيت جدّته أرجوان بعده بيسير، وهي سرّية محمد الذخيرة. قاله في «العبر» [2] . وقال السيوطيّ في «تاريخ الخلفاء» [3] : ولد في شوال سنة سبعين وأربعمائة، وبويع له عند موت أبيه وله ستّ عشرة سنة. قال ابن الأثير [4] : كان لين الجانب، كريم الأخلاق، يسارع في أعمال البرّ، حسن الخطّ، جيد التوقيعات، لا يقاربه فيها أحد، يدلّ على فضل غزير، وعلم واسع، سمحا، جوادا، محبا للعلماء والصلحاء، ولم تصف له الخلافة، بل كانت أيامه مضطربة، كثيرة الحروب، ومن شعره:

_ [1] تحرف في «ط» إلى «القاسم» . [2] (4/ 26) . [3] ص (426- 431) . [4] انظر «الكامل في التاريخ» (10/ 536) .

أذاب حرّ الهوى في القلب ما جمدا ... لمّا [1] مددت إلى رسم الوداع يدا وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق في مهوى [2] الهوى قددا إن كنت أنقض عهد الحبّ يا سكني [3] ... من بعد حبي [4] فلا عاينتكم [5] أبدا انتهى كلام السيوطي ملخصا. وفيها شمس الأئمة أبو الفضل، بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري الزّرنجري- بفتح الزاي والراء والجيم، وسكون النون، نسبة إلى زرنجرى [6] ، قرية ببخارى- الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر، وعالم تلك الدّيار، ومن كان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة. ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وتفقه على شمس الأئمة محمد بن أبي سهل السّرخسي، وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني، وسمع من أبيه، ومن أبي مسعود البجلي وطائفة. وروى «البخاري» عن أبي سهل الأبيوردي، عن ابن حاجب الكشّاني. وفيها نور الهدى أبو طالب، الحسين بن محمد الزّينبي [7] ، أخو طراد، توفي في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. وكان شيخ الحنفية ورئيسهم بالعراق. روى عن ابن غيلان وطبقته، وحدّث بالصحيح غير مرة، عن كريمة المروزية، وكان صدرا نبيلا علّامة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «يوما» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» و «الكامل في التاريخ» . [2] في «آ» و «ط» : «من يهوى» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» و «الكامل في التاريخ» . [3] في «الكامل في التاريخ» : «في خلدي» . [4] في «الكامل في التاريخ» و «تاريخ الخلفاء» : «من بعد هذا» . [5] في «آ» : «عاتبتكم» وفي «الكامل في التاريخ» : «عاينته» وما أثبته من «ط» و «تاريخ الخلفاء» . [6] كذا في «آ» و «ط» و «معجم البلدان» (3/ 138) وفيه قال ياقوت: وربما قيل لها زرنكرى. وفي «سير أعلام النبلاء» (19/ 415) : «زرنجر» . [7] انظر «العبر» (4/ 27) .

وفيها أبو القاسم الأنصاري، العلّامة سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري [1] الشافعي المتكلم، تلميذ إمام الحرمين، وصاحب التصانيف، وكان صوفيّا زاهدا، من أصحاب القشيري. روى الحديث عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة. قال ابن شهبة [2] : كان فقيها، إماما في علم الكلام والتفسير، زاهدا، ورعا، يكتسب من خطّه، ولا يخالط أحدا، وشرح «الإرشاد» للإمام [3] ، وله كتاب «الغنية» . أصابه في آخر عمره ضعف في بصره ويسير وقر في أذنه [4] . انتهى ملخصا. وفيها أبو البركات العاقولي [5] ، طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد ابن الحسين بن سليمان، الفقيه الحنبلي القاضي. ولد يوم الجمعة بعد صلاتها، ثالث عشري شعبان، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بدير العاقول، وهي على [6] خمسة عشر فرسخا من بغداد، ودخل بغداد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، واشتغل بالعلم سنة اثنتين وخمسين، وسمع من أبي محمد الجوهري سنة ثلاث وخمسين، ومن القاضي أبي يعلي، وأبي الحسين بن حسنون وغيرهم.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 27- 28) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 314) . [3] أي إمام الحرمين، وهو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني أبو المعالي ركن الدين، لقب بإمام الحرمين، من العلماء المتأخرين من أصحاب المذهب الشافعي، من مؤلفاته «الإرشاد» في أصول الدين، وقد مضت ترجمته في المجلد الخامس ص (338- 343) فراجعها. (ع) . [4] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «في أذنه» وفي «آ» : «في أذنيه» . [5] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 248- 249) . [6] لفظة «على» لم ترد في «آ» .

قال ابن الجوزي: قرأ الفقه على القاضي يعقوب، وهو من متقدمي أصحابه، وكان عارفا بالمذهب، حسن المناظرة. وقال ابن شافع: سماعه صحيح، وكان ثقة أمينا، ومضى على السلامة والستر. وقال ابن رجب: روى عنه ابن ناصر، والشيخ عبد القادر بالإجازة. وتوفي طلحة العاقولي ليلة الثلاثاء، ثاني أو ثالث شعبان. وفيها عبيد بن محمد بن عبيد أبو العلاء القشيري [1] التاجر، مسند نيسابور. روى عن أبي حسّان المزّكّي، وعبد الرحمن النّصرويي [2] ، وطائفة، ودخل المغرب للتجارة، وحدّث هناك، توفي في شعبان، وله خمس وتسعون سنة. وفيها أبو القاسم بن الشوا [3] ، يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان بن عبد الله البيع الأزجي [4] الفقيه الحنبلي. ولد في شوال، سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات، وسمع من ابن المهتدي، وابن المسلمة، والجوهري، والقاضي أبي يعلى، وغيرهم. وتفقه على القاضي أبي يعلى، ثم على القاضي يعقوب، وكان فقيها حسنا، صحيح السماع، وحدّث بشيء يسير، وروى عنه ابن المعمّر الأنصاري في «معجمه» وتوفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 28) . [2] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» (19/ 293) : «النصروي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب» (12/ 91) و «اللباب» (3/ 311) . [3] في «ط» : «ابن الشرا» وهو تحريف. [4] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 248) .

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة قال في «العبر» [1] : فيها ظهر قبر إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام، وإسحاق ويعقوب، ورآهم جماعة لم تبل أجسادهم وعندهم في تلك المغارة قناديل من ذهب وفضّة. قاله حمزة بن القلانسي في «تاريخه» . انتهى. وفيها توفي أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظّفري [2] ، شيخ الحنابلة، وصاحب التصانيف، ومؤلّف كتاب «الفنون» الذي يزيد على أربعمائة مجلد، وكان إماما مبرزا، كثير العلوم، خارق الذكاء، مكبّا على الاشتغال والتصنيف، عديم النظير. روى عن أبي محمد الجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبّان. قال السّلفي: ما رأيت مثله، وما كان أحد يقدر أن يتكلّم معه لغزارة علمه، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، توفي في جمادى الأولى، وله ثلاث وثمانون سنة. قاله جميعه في «العبر» [3] .

_ [1] (4/ 29) وانظر الخبر بروايته الكاملة في «تاريخ» ابن القلانسي ص (321) بتحقيق الدكتور سهيل زكّار، فهو مفيد. [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 443- 451) . [3] (4/ 29- 30) .

وقال ابن رجب في «طبقاته» [1] : ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، في جمادى الآخرة، كذا نقله [عنه] ابن ناصر، والسّلفي، وحفظ القرآن، وقرأ بالقراءات والروايات على أبي الفتح بن شيطا، [وكان يقول: شيخيّ في القراءة: ابن شيطا] ، وفي الزهد: أبو بكر الدّينوري، وأبو بكر بن زيدان، وأبو الحسين القزويني، وذكر جماعة غيرهم من الرجال والنساء. وفي آداب [2] التصوف: أبو منصور صاحب الزيادة العطار، وأثنى عليه. وفي الحديث: ابن النّوري، وأبو بكر بن بشران، والعشاري، والجوهري، وغيرهم. وفي الشعر والترسل: ابن شبل، وابن الفضل. وفي الفرائض [3] : أبو الفضل الهمذاني، وفي الوعظ: أبو طاهر بن العلّاف صاحب ابن سمعون، وفي الأصول: أبو الوليد وأبو القاسم بن التبّان. وفي الفقه: القاضي أبو يعلى المملوء عقلا وزهدا وورعا، قرأت عليه سنة سبع وأربعين ولم أخل بمجالسه وخلواته التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيا، وفي ركابه إلى أن توفي. وحظيت من قربه بما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني. والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إمام الدّنيا وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها. كان يعلمني المناظرة، وانتفعت بمصنفاته. ومن مشايخي أبو محمد التميمي، كان حسنة العالم، وماشطة بغداد. ومنهم: أبو بكر الخطيب، كان حافظ وقته. وكان [4] أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء. وكان ذلك يحرمني علما نافعا.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 142- 162) وما بين حاصرتين في النص مستدرك منه. [2] في «ط» : «في أدب» . [3] قوله: «وفي الفرائض» سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [4] في «ط» : «كان» .

ثم قال: وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولا أزاحم فقيها في حلقة ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلبت عليّ الدول، فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما اعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي، حتّى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس- فيا من خفت الكلّ لأجله لا تخيب ظني فيك- وعصمني الله تعالى في عنفوان [1] شبابي بأنواع [من] العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت لعّابا قطّ، ولا عاشرت إلا [2] أمثالي من طلبة العلم. والأذية التي ذكرها من أصحابه له، وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء، نذكر بعض شرحها، وذلك: أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبّان [3] شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السرّ علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السّنّة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات، رحمه الله. ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحّم على الحلّاج، وغير ذلك. ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، واصطلحوا، ولم يحضر الشريف أبو جعفر. فمضى ابن عقيل إلى بيته وصالحه وكتب خطّه بالتبري من موالاة

_ [1] في «آ» : «عنوان» وهو خطأ. [2] في «ط» : «من» . [3] في «ط» : «وابن التباني» .

أهل البدع، والترحم على أمواتهم، وعلى الحلّاج وأمثاله، وأشهد عليه جماعة كثيرة من الشهود والعلماء. قال ابن الجوزي وأفتى ابن عقيل، ودرّس وناظر الفحول، واستفتي في الديوان في زمن القائم في زمرة من الكبار. وجمع علم الفروع والأصول، وصنّف فيها الكتب الكبار، وكان دائم التشاغل بالعلم، حتّى إني رأيت بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتّى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطرح [1] فلا أنهض إلّا وقد خطر لي ما أسطره. وقال ابن الجوزي أيضا: وكان ابن عقيل قويّ الدّين، حافظا للحدود. وكان كريما ينفق ما يجد، فلم يخلّف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار كفنه، وأداء دينه. انتهى. وكان- رحمه الله تعالى- بارعا في الفقه وأصوله. له في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة. وله تصانيف كثيرة في أنواع العلم، وأكبر تصانيفه كتاب «الفنون» وهو كبير جدا، فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصول [2] والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات. وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره، ونتائج فكره قيّدها فيه. قال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مائتا مجلد. وقال عبد الرزاق الرسعني في «تفسيره» : قال لي أبو البقاء اللّغوي: سمعت الشيخ أبا حكيم النّهرواني يقول: وقفت على السّفر الرابع بعد الثلاثمائة من كتاب «الفنون» .

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «منطرح» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «مستطرح» . [2] كذا في «آ» : «والأصول» وفي «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «والأصلين» .

وقال الحافظ الذهبي في «تاريخه» : لم يصنّف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب. حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة. وقال بعضهم: هو ثمانمائة مجلد [1] . وله في الفقه كتاب «الفصول» ويسمى «كفاية المفتي» في عشر مجلدات، وله كتب كثيرة غير ذلك. قال السّلفي: ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حججه، ولقد تكلم يوما مع شيخنا أبي الحسن إلكيا الهرّاسي في مسألة، فقال له شيخنا: ليس هذا بمذهبك. فقال: أنا لي اجتهاد، متى طالبني خصمي بحجة، كان عندي ما أدفع به عن نفسي، وأقول له بحجتي. انتهى. وكان ابن عقيل كثير التعظيم للإمام أحمد وأصحابه، والردّ على مخالفيهم. وله مسائل كثيرة ينفرد بها. منها: أن الرّبا لا يجري إلّا في الأعيان الستة المنصوص عليها. ومنها: أن المشروع في عطية الأولاد التسوية بين الذكور والإناث. ومنها أنه يجوز استئجار الشجر المثمر تبعا للأرض، لمشقة التفريق بينهما. ومنها: أن الزروع [2] والثمار التي تسقى بماء نجس طاهرة مباحة، وإن لم تسق بعده بماء طاهر. ومنها: أنه لا يجوز وطء المكاتبة، وإن اشترط وطأها في عقد الكتابة.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مجلدة» . [2] في «ط» : «الزرع» .

ومنها: أنه لا زكاة في حليّ المواشط المعد للكراء. إلى غير ذلك. وتوفي أبو الوفاء- رحمه الله تعالى- بكرة الجمعة، ثاني عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه في جامعي القصر والمنصور. وكان الجمع يفوت الإحصاء. قال ابن ناصر: حزرتهم بثلاثمائة ألف. ودفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه. وقبره ظاهر، رضي الله عنه. وقال ابن الجوزي: حدثني بعض الأشياخ: أنه لما احتضر ابن عقيل، بكى النساء، فقال: قد وقّعت عنه [1] خمسين سنة، فدعوني أتهنأ بلقائه. انتهى ما أورد ابن رجب ملخصا كثيرا. ثم قال [2] : وكان لابن عقيل ولدان ماتا في حياته، أحدهما: أبو الحسن عقيل. كان في غاية الحسن، وكان شابا فهما، ذا خطّ حسن. قال ابن القطيعي: حكى والده أنه ولد ليلة حادي عشري [3] رمضان، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. وحكى غيره أنه سمع من هبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وعلي بن حسين بن أيوب، وغيرهما. وتفقه على أبيه، وناظر في الأصول والفروع. وسمع الحديث الكثير، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن ابن

_ [1] يعني عن الله تعالى. [2] القائل ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 163- 165) . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «حادي عشر» .

الدامغاني، فقبل قوله. وكان فقيها فاضلا، يقول الشعر، وكان يشهد مجلس الحكم، ويحضر الموكب. وتوفي- رحمه الله- يوم الثلاثاء، منتصف محرم، سنة عشر، وقيل سنة ثلاث عشرة، قبل والده بشهر واحد، وكان له من العمر سبع وعشرون سنة، ودفن في داره [بالظفرية] ، فلما مات أبوه نقل معه إلى دكة الإمام أحمد. قال والده: مات ولدي عقيل، وكان قد تفقّه وناظر، وجمع أدبا حسنا فتعزّيت بقصة عمرو بن عبد ودّ الذي قتله علي رضي الله عنه، فقالت أمّه ترثيه: لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد لكنّ قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد فأسلاها وعزاها جلالة القاتل، وفخرها بأن ابنها مقتوله. فنظرت إلى قاتل ولدي الحكيم المالك، فهان عليّ القتل والمقتول لجلالة القاتل، وأكب عليه وقبّله، وهو في أكفانه. وقال: يا بني استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه. الرّبّ خير لك مني، ثم مضى وصلى عليه. ومن شعر عقيل هذا: شاقه والشوق من غيره ... طلل عاف سوى أثره مقفر إلّا معالمه ... واكف بالودق من مطره فانثنى والدمع منهمل ... كانسلال السلك عن درره طاويا كشحا على نوب ... سبحات لسن من وطره رحلة الأحباب عن وطن ... وحلول الشّيب في شعره شيم للدّهر سالفة ... مستبينات لمختبره وقبول الدّر مبسمها ... أبلج يفترّ عن خصره

هزّ عطفيها الشباب كما ... ماس غصن البان في شجره ذات فرع فوق ملتمع ... كدجى أبدى سنا قمره خصرها يشكو روادفها ... كاشتكاء الصبّ من سهره نصبت قلبي لها غرضا ... فهو مصمى بمعتوره والآخر: أبو منصور هبة الله. ولد في ذي الحجة، سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وحفظ القرآن، وتفقه، وظهر منه أشياء تدل على عقل غزير ودين عظيم. ثم مرض وطال مرضه، وأنفق عليه أبوه مالا في المرض وبالغ. قال أبو الوفاء: قال لي ابني لما تقارب أجله: يا سيدي قد أنفقت وبالغت في الأدوية، والطب والأدعية [1] ، ولله تعالى في اختيار، فدعني مع اختياره. قال: فو الله ما أنطق الله سبحانه وتعالى ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قول إسحاق لإبراهيم [2] : افْعَلْ ما تُؤْمَرُ 37: 102 [الصافات: 103] إلّا وقد اختاره للحظوة.

_ [1] قوله: «والطب والأدعية» سقط من «آ» . [2] قلت: اختلف العلماء في الذّبيح على قولين. أحدهما أنه إسماعيل، والآخر أنه إسحاق، عليهما السلام، والأول هو الصحيح. قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/ 14) : قال تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ 37: 101 وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السّلام، فإنه أول ولد بشّر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نص كتابهم أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة. وولد إسحاق وعمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة. وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة أخرى بكره، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب، فحسدوهم، فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره، فإن إسماعيل كان [إبراهيم قد] ذهب به وبأمه إلى مكة، وهو تأويل وتحريف باطل، فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره، وأيضا فإن أول ولد ولد له بعزّه ما ليس لمن بعده من الأولاد، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار.

توفي- رحمه الله تعالى- سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وله نحو أربع عشرة سنة. وحمل أبو الوفاء- رحمه الله تعالى- في نفسه من شدة الألم أمرا عظيما، ولكنه تصبّر ولم يظهر جزعا، وكان يقول: لولا أن القلوب توقن باجتماع ثان لانفطرت المرائر لفراق المحبوبين. انتهى ملخصا أيضا. وفيها قاضي القضاة، أبو الحسن الدّامغاني [1] ، علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الحنفي، ولي القضاء بضعا وعشرين سنة، وكان ذا حزم، ورأي، وسؤدد، وهيبة وافرة، وديانة ظاهرة. روى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة، وتفقّه على والده، وتوفي في المحرم، عن أربع وستين سنة. وفيها أبو سعد المخرّمي، المبارك بن علي بن الحسن بن بندار البغدادي [2] . الفقيه الحنبلي. روى عن القاضي أبي يعلى، وابن المهتدي، وابن المسلمة، والصّريفيني، وابن النّقور، وغيرهم. وسمع من القاضي أبي وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق، وحكي ذلك عن طائفة من السلف، حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضا، وليس ذلك في كتاب ولا سنّة، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أخبار أهل الكتاب، وأخذ ذلك مسلّما من غير حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى إسماعيل، فإنه ذكر البشارة بغلام حليم، وذكر أنه الذبيح، ثم قال بعد ذلك: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا من الصَّالِحِينَ 37: 112 ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ 15: 53. انتهى كلام ابن كثير. أقول: وقال الإمام ابن قيم الجوزية في «زاد المعاد» (1/ 71) طبع مؤسسة الرسالة: وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده. (ع) .

_ [1] انظر «العبر» (4/ 30) . [2] انظر «العبر» (4/ 31) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 166- 171) .

يعلى شيئا من الفقه، ثم تفقه على صاحبه الشريف أبي جعفر، ثم القاضي يعقوب، ثم القاضي البرزبيني. وأفتى ودرّس، وجمع كتبا كثيرة لم يسبق إلى جمع مثلها. وكان حسن السيرة، جميل الطريقة، سديد الأقضية، وتوفي في [ثاني] عشر المحرم، ودفن إلى جانب أبي بكر الخلّال عند رجلي الإمام أحمد، رضي الله عنه. وفيها أبو الفضل بن الموازيني، محمد بن الحسن بن الحسين السّلمي الدمشقي [1] العابد، أخو أبي الحسن. روى عن أبي عبد الله بن سلوان وجماعة. وفيها أبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التّركي ثم البغدادي [2] ، الشافعي، المحدّث النحوي، أحد الفضلاء. روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته، وتفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وكان ينسخ بالأجرة، وفيه زهد وورع تام. وفيها خوروست، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني [3] المجلّد. روى عن أبي الحسين بن فاذشاه، وابن ريذة، وتوفي في جمادي الأولى. وفيها محمد بن عبد الباقي، أبو عبد الله الدّوريّ [4] ، السّمسار الصالح. روى عن الجوهري، وأبي طالب العشاري، ومات في صفر، عن تسع وسبعين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 30) . [2] انظر «العبر» (4/ 30) . [3] انظر «العبر» (4/ 30) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 419- 420) . [4] انظر «العبر» (4/ 31) .

سنة أربع عشرة وخمسمائة

سنة أربع عشرة وخمسمائة فيها توفي أبو علي بن بلّيمة، الحسن بن خلف القيرواني [1] المقرئ، مؤلّف «تلخيص العبارات في القراءات» توفي في رجب، في الإسكندرية، وهو في عشر التسعين. قرأ على جماعة، منهم: أبو العبّاس أحمد بن نفيس. وفيها الطّغرائي، الوزير مؤيد الدّين أبو إسماعيل، الحسين بن علي الأصبهاني، صاحب «ديوان الإنشاء» للسلطان محمد بن ملكشاه، واتصل بابنه مسعود ثم أخذ الطّغرائي أسيرا وذبح بين يدي الملك محمود، في ربيع الأول، وقد نيّف على الستين. وكان من أفراد الدّهر، وحامل لواء النظم والنثر، وهو صاحب «لامية العجم» . قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : ذكره ابن السمعاني وأثنى، عليه وأورد [4] قطعة من شعره في صفة الشمعة. وللطغرائي المذكور ديوان شعر جيد، ومن محاسن شعره قصيدته

_ [1] انظر «معرفة القراء الكبار» (1/ 469- 470) . [2] انظر «العبر» (4/ 32) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 185- 190) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [4] في «ط» : «وأورد له» .

المعروفة ب «لامية العجم» وكان عملها ببغداد، في سنة خمس وخمسمائة، يصف حاله ويشكو زمانه، وهي التي أولها: أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل ومن رقيق شعره قوله: يا قلب ما لك والهوى من بعد ما ... طاب السلوّ وأقصر العشاق أوما بدا لك في الإفاقة والألى [1] ... نازعتهم كأس الغرام أفاقوا مرض النّسيم فصحّ والدّاء الذي ... تشكوه [2] لا يرجى له إفراق وهدا خفوق البرق والقلب الذي ... تطوى عليه أضالعي خفّاق وله أيضا: أجمّا البكا يا مقلتيّ فإننا ... على موعد للبين لا شكّ واقع إذا جمع العشاق موعدهم غدا ... فوا خجلتا إن لم تعنّي المدامع [3] وذكر العماد الكاتب في كتاب «نصرة الفترة وعصرة القطرة [4] » أن الطّغرائيّ المذكور، كان ينعت بالأستاذ، وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل، وأنه لما جرى بينه وبين أخيه السلطان محمود المصافّ بالقرب من همذان، وكانت النصرة [5] لمحمود، فأول من أخذ الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود، فأخبر به وزير محمود، وهو الكمال نظام الدّين أبو طالب [علي] بن أحمد بن حرب السّميرمي، فقال الشهاب أسعد- وكان طغرائيا في ذلك الوقت، نيابة عن النصير الكاتب: هذا الرجل ملحد، يعني

_ [1] في «آ» و «ط» : «والأولى» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] تحرفت في «آ» إلى «ترجوه» . [3] في «وفيات الأعيان» : «مدامعي» . [4] في «وفيات الأعيان» : «الفطرة» وهو تصحيف، وانظر «كشف الظنون» (2/ 1956) . [5] كذا في «آ» و «وفيات الأعيان» : «النصرة» وفي «ط» : «الظفرة» .

الأستاذ، فقال وزير محمود: من يكن ملحدا يقتل، فقتل ظلما. وقد كانوا خافوا منه، و [قيل] قتل سنة أربع عشرة [وقيل ثمان عشرة] [1] وقد جاوز ستين سنة، وفي شعره ما يدلّ على أنه بلغ سبعا وخمسين سنة، لأنه قال: وقد جاءه مولود: هذا الصغير الذي وافى على كبري ... أقرّ عيني ولكن زاد في فكري سبع وخمسون لو مرّت على حجر ... لبان تأثيرها في ذلك الحجر والله تعالى أعلم بما عاش بعد ذلك. وقتل الكمال السّميرمي، الوزير المذكور، يوم الثلاثاء سلخ صفر، سنة ست عشرة وخمسمائة، في السوق ببغداد، عند المدرسة النظامية، قيل: قتله عبد أسود كان للطّغرائي المذكور، لأنه قتل أستاذه. والطّغرائي: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، نسبة إلى من يكتب الطّغرى [2] ، وهي الطّرّة التي تكتب فوق البسملة في أعلى الكتب بالقلم الغليظ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، وهي لفظة أعجمية. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها أبو علي بن سكّرة، الحافظ الكبير، حسين بن محمد [3] بن فيرّه بن حيّون الصّدفي السرقسطي الأندلسي. سمع من أبي العبّاس بن دلهاث وطائفة، وحجّ سنة إحدى وثمانين، فدخل على الحبّال، وسمع ببغداد من مالك البانياسي وطبقته، وأخذ «التعليقة الكبرى» عن أبي علي الشّاشي

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» . [2] في «آ» و «ط» : «الطغراء» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وانظر «تاج العروس» (طغر) (12/ 430) طبع الكويت. [3] في «آ» و «ط» : «ابن محمود» وهو خطأ، والتصحيح من «الصلة» (1/ 144) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 376) و «العبر» (4/ 32) .

المستظهري. وأخذ بدمشق عن الفقيه نصر المقدسي، وردّ إلى بلاده بعلم جمّ، وبرع في الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف، وقد أكره على القضاء، فوليه ثم اختفى حتّى أعفي واستشهد في مصافّ قتندة، في ربيع الأول، وهو من أبناء الستين، وأصيب المسلمون يومئذ. قال ابن ناصر الدّين [1] : هو حافظ متقن كبير ثقة مأمون. وفيها توفي بالجند- كما قال ابن الأهدل [2]- الفقيه الإمام زيد بن عبد الله بن جعفر اليفاعي اليمني- نسبة إلى يفاعة مكان باليمن- تفقه على الشيخ الإمام أبي بكر بن جعفر المخائي- والمخا من سواحل اليمن [3]- وكانت وفاة المخائي سنة خمسمائة، وقد تخرّج به جماعة، وكان يحفظ «المجموع» للمحاملي و «الجامع في الخلاف» لأبي جعفر، وتفقه زيد اليفاعي بأبي إسحاق الصّردفي [4] وزوّجه الصّردفي [4] ابنته كما تقدم، ثم ارتحل زيد إلى مكّة المرّة الأولى، فقرأ على تلميذ الشيخ أبي إسحاق ارتحل زيد إلى مكّة المرّة الأولى، فقرأ على تلميذ الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: الحسين بن علي الشّاشي، مصنّف «العدة» وغيره، ثم رجع إلى الجند، واجتمع عليه الموافق والمخالف من أهل اليمن، وقرأ عليه الإمام يحيى صاحب «البيان» نكت الشيخ أبي إسحاق في الخلاف، وعدة كتب، وقرأ عليه أيضا عبد الله الهمداني، وعبد الله بن يحيى الصّعبي، وذلك في دولة أسعد بن أبي الفتوح الحميري، الذي قتله أصحابه بحصن تعز ودفنوه فيه، ونبشه سيف الإسلام أبو أيوب، ودفنه في مقابر المسلمين. وكان زيد صغير الجسم، وله مهابة عظيمة.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (159/ آ) . [2] انظر «مرآة الجنان» (3/ 205- 206) و «غربال الزمان» ص (405- 406) . [3] وقال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 67) : المخا: موضع باليمن بين زبيد وعدن بساحل البحر. [4] كذا في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» : «الصردفي» وفي «مرآة الجنان» : «الصروفي» .

وسئل زيد عن الفقيه إبراهيم بن علي بن الإمام الحسين بن علي الطبري صاحب «العدة» كيف حاله في العلم، فقال: هو مجوّد لولا أنه اشتغل بالعبادة [مع الصوفية، فقيل له: هذه طريقة غير ملومة، فقال: كان جدّه الحسين الطبري يكره ذلك ويقول: اشتغال العالم بالعبادة] [1] فرار من العلم. وقد نص الشافعيّ- رحمه الله تعالى- أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة [2] ، وحديث «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا» [3] دليل على ذلك. وعلم الباطن هو نتيجة العلم الظاهر، [لأن الأنبياء قادة الخلق إلى الله، والعلماء ورثتهم، ولم يرثوا غير العلم الظاهر] [4] ، فمن استعمل رسوم الشريعة الظاهرة كما جاءت عن الأنبياء فقد اهتدى وهدى، وهم المشار إليهم بقوله تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا 21: 73 [الأنبياء: 71] ، ولا شكّ أن العالم بأحكام الله إذا استبطن التقوى واستشعر العمل، أورثه ذلك العلم بالله الذي هو أجلّ العلوم، والمراد بالعلم بالله علم التوحيد الذي هو إثبات وحدانيته بنفي الشريك والأضداد، إيمانا جازما، وإثبات [5] الصفات، والملائكة، والأنبياء، والكتب المنزلات. وأفضل العلوم بعده علم الفقه، الذي يستفاد من الكتاب والسّنّة اللذين

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «غربال الزمان» المطبوع فيستدرك من هنا. [2] في «آ» و «ط» : «النفل» وأثبت لفظ «غربال الزمان» . [3] قطعة من حديث طويل رواه البخاري رقم (3701) في فضائل الصحابة: باب مناقب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، ومسلم رقم (2406) في فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه أبو داود رقم (3661) مختصرا في العلم: باب فضل نشر العلم، كلهم من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. [4] ما بين حاصرتين سقط من «غربال الزمان» المطبوع فيستدرك من هنا. [5] في «ط» و «آيات الصفات» .

ضمن الله العصمة في جانبهما، ولم يضمنها في جانب الكشف والإلهام والمشاهدة [1] . كذا نقله صاحب الأصل [2] عن غير واحد من المحقّقين، منهم: الشيخ القطب أبو الحسن الشاذلي نفع الله به. انتهى كلام ابن الأهدل بحروفه. وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم أبي القاسم بن هوازن القشيري، وكان إماما، مناظرا، مفسّرا، أديبا، علّامة، متكلّما. وهو الذي [كان] أصل الفتنة ببغداد بين الأشاعرة والحنابلة، ثم فتر أمره. وقد روى عن أبي حفص بن مسرور وطبقته، وآخر من روى عنه سبطه أبو سعيد ابن الصفّار. توفي في جمادى الآخرة، وهو في عشر الثمانين، وأصابه فالج في آخر عمره. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن الأهدل [4] : ولما توفي دفن بمشهدهم المعروف بهم. وفيه يقول إمام الحرمين: يميس بغصن إذا ما بدا ... ويبدو كشمس ويرنو كريم معاني النجابة مجموعة ... لعبد الرحيم بن عبد الكريم وحكايته عنه في «النهاية» من أعظم الإنصاف. ومنه قوله في ولده فضل الله: كم حسرة لي في الحشا ... من ولدي حين نشا كنّا نشا فلاحه ... فما نشا كما نشا انتهى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «والمشاهد» وما أثبته من «غربال الزمان» . [2] يعني اليافعي صاحب «مرآة الجنان» الذي اختصر ابن الأهدل كتابه وأضاف إليه إضافات كثيرة في مواطن عديدة. [3] (4/ 33) . [4] انظر «مرآة الجنان» (3/ 210- 211) .

وفيها أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي بن القطّاع [1] ، المصري الدّار والوفاة، اللغوي. كان أحد أئمة الأدب، خصوصا اللغة، وله تصانيف نافعة، منها كتاب «الأفعال» أحسن فيه كل الإحسان، وهو أجود [2] من «الأفعال» لابن القوطيّة. وكان ذاك قد سبقه إليه، وله كتاب «أبنية الأسماء» جمع فيه فأوعى [3] ، وفيه دلالة على كثرة اطلاعه، وله عروض حسن جيد، وله كتاب «الدّرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة» وكتاب «لمح الملح» جمع فيه خلقا كثيرا من شعراء الأندلس، وكانت ولادته في عاشر صفر، سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة بصقلية. وقرأ الأدب على فضلائها، كابن عبد البرّ وأمثاله، وأجاد النحو غاية الإجادة، ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج، ووصل إلى مصر في حدود سنة خمسمائة [4] ، وبالغ أهل مصر في إكرامه، وكان ينسب إلى التساهل في الرواية، ونظم الشعر في سنة ست وأربعين، ومن شعره في ألثغ: وشادن في لسانه عقد ... حلّت عقودي وأوهنت جلدي عابوه جهلا بها فقلت لهم ... أما سمعتم بالنّفث في العقد وله في غلام اسمه حمزة: يا من رمى النّار في فؤادي ... وأمطر [5] العين بالبكاء اسمك تصحيفه بقلبي ... وفي ثناياك برء دائي

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 322- 324) . [2] في «آ» : «أجد» وفي «ط» : «أجدى» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «فأوعب» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «خمسين» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «وفيات الأعيان» : «وأنبط» أي أنبع. انظر «مختار القاموس» (نبط) .

اردد سلامي فإنّ نفسي ... لم يبق منها سوى الذّماء [1] وارفق بصبّ أتى ذليلا ... قد مزج اليأس بالرجاء أنهكه [2] في الهوى التّجنّي ... فصار في رقة الهواء وكانت ولادته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. هكذا ذكره في كتابه «الدّرة الخطيرة في شعراء الجزيرة» عند ذكر ترجمة نفسه، رحمه الله تعالى، في أواخر الكتاب المذكور، وتوفي بمصر. قاله ابن خلّكان [3] . وفيها أبو الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي المرييّ [4] ، المقرئ، تلميذ عبد الله بن سهل. تصدّر للإقراء مدة، وحدّث عن ابن عبد البرّ وجماعة، وفي روايته عن ابن عبد البرّ كلام. توفي في عشر التسعين. وفيها أبو الحسن بن الموازيني، علي بن الحسن السّلمي، أخو محمد. روى عن ابن سعدان، وابني عبد الرحمن بن أبي نصر، وطائفة، وعاش أربعا وثمانين سنة. وفيها محمود بن إسماعيل أبو منصور الأصبهاني الصيرفي الأشقر، راوي «المعجم الكبير» عن ابن فاذشاه، عن مؤلّفه الطبراني، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في ذي القعدة. قال السّلفي: كان صالحا.

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الدماء» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والذّماء: بقية النفس. انظر «مختار القاموس» (ذمي) . [2] في «آ» و «ط» : «أنحله» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 322- 324) . [4] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» (4/ 33) : «المريّي» وفي «غاية النهاية في طبقات القراء» . (1/ 394) : «المريّ» بياء واحدة.

سنة خمس عشرة وخمسمائة

سنة خمس عشرة وخمسمائة فيها احترقت دار السلطنة ببغداد، وذهب ما قيمته ألف ألف دينار. وفيها توفي أبو علي الحدّاد الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني المقرئ المجوّد، مسند الوقت. توفي في ذي الحجة، عن ست وتسعين سنة. وكان مع علو إسناده أوسع أهل وقته رواية. حمل عن أبي نعيم، وكان خيّرا، صالحا، ثقة. وفيها الأفضل أمير الجيوش، شاهنشاه [1] أبو القاسم ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمنيّ. وكان في الحقيقة هو صاحب الديار المصرية. ولي بعد أبيه، وامتدت أيامه. وكان شهما، مهيبا، بعيد الغور فحل الرأي. ولي وزارة السيف والقلم للمستعلي، ثم للآمر. وكانا معه صورة بلا معنى. وكان قد أذن للناس في إظهار عقائدهم، وأمات شعار دعوة الباطنيّة، فمقتوه لذلك. وكان مولده بعكّا سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وخلّف من الأموال ما يستحيا [2] من ذكره. وثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه. وحمل بآخر رمق، وقيل: [إن] الآمر دسّهم عليه بتدبير أبي عبد الله

_ [1] في «آ» و «ط» : «شاه شاه» والتصحيح من «العبر» (4/ 34) و «دول الإسلام» (2/ 42) . [2] في «العبر» : «ما يستحى» . وكلاهما صواب.

البطائحي الذي وزر بعده ولقّب بالمأمون. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو سعد عبد الوهاب بن حمزة بن عمر البغدادي، الفقيه الحنبلي المعدّل. ولد في أحد الربيعين، سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وسمع من ابن النّقور، والصريفيني، وابن البسري، والحميدي، وتفقه على أبي الخطّاب، وأفتى، وبرع في الفقه، وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن ابن الدامغاني. وكان مرضي الطريقة جميل السيرة من أهل السنة، وهو شيخ أبي حكيم النهرواني، الذي تفقّه عليه. وروى عنه حكاية، ولم يحدّث إلا باليسير. توفي ليلة الثلاثاء ثالث شعبان، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. قاله ابن رجب [2] . وفيها أبو بكر بن الدّنف، محمد بن علي بن عبيد بن الدّنف البغدادي، المقرئ الزاهد، أبو بكر. ولد في صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة. وسمع الحديث من ابن المسلمة، وابن المهتدي، والصريفيني، وابن النّقور، وطبقتهم. وتفقّه على الشريف أبي جعفر، وحدّث بشيء يسير. سمع منه ابن ناصر، وروى عنه المبارك بن خضير، و [ذاكر] ابن كامل، وابن بوش وغيرهم. وكان من الزهاد الأخيار، ومن أهل السّنّة. انتفع به خلق كثير، ذكره ابن الجوزي وتوفي يوم الاثنين سابع شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. والدّنف: بفتح الدال المهملة، وكسر النون، وآخره فاء. قاله ابن رجب [3] . وفيها أبو علي بن المهدي، محمد بن محمد بن عبد العزيز

_ [1] (4/ 35) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 172) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 172- 173) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

الخطيب. روى عن ابن غيلان، والعتيقي، وجماعة. وكان صدوقا، نبيلا، ظريفا، توفي في شوال، عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها هزارسب بن عوض، أبو الخير الهرويّ الحافظ. توفي في ربيع الأول، وكان عالما صاحب حديث وإفادة بليغة، وحرص على الطلب. سمع من طراد ومن بعده، ومات قبل أوان الرواية.

سنة ست عشرة وخمسمائة

سنة ست عشرة وخمسمائة فيها توفي إيل غازي بن أرتق [1] بن أكسب نجم الدّين التركماني، صاحب ماردين، وليها بعد أخيه سقمان، وكانا من أمراء تتش صاحب الشام، وكان إيل غازي قد استولى على حلب بعد موت أولاد تتش، واستولى على ميّافارقين، وكان فارسا شجاعا كثير الغزو كثير العطاء، ولّى بعده بماردين ابنه حسام الدّين تمرتاش. وفيها الباقرحي- بفتح القاف وسكون الراء، ثم مهملة، نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد- أبو علي الحسن بن محمد بن إسحاق. روى عن أبي الحسن القزويني، والبرمكي، وخلق، وتوفي في رجب. وفيها البغوي محيي السّنّة أبو محمد. الحسين بن مسعود بن محمد ابن الفراء، ويعرف تارة بالفراء [2] ، الشافعي المحدّث المفسّر، صاحب التصانيف، وعالم أهل خراسان. روى عن أبي عمر المليحي، وأبي الحسن الداودي، وطبقتهما. وكان سيدا، زاهدا، قانعا يأكل الخبز وحده، فليم [3] في ذلك، فصار يأكله بالزيت. وكان أبوه يصنع الفراء. وتوفي ركن الدّين محيي السّنّة بمرو الرّوذ في شوال، ودفن عند شيخه القاضي حسين. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «رائق» والتصحيح من «دول الإسلام» للحافظ الذهبي. (ع) . [2] انظر «العبر» (4/ 37) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 439- 443) والتعليق عليه. [3] في «المنتخب» (106/ ب) : «فلاموه» . [4] (4/ 37) .

وقال ابن الأهدل هو صاحب الفنون الجامعة، والمصنّفات النافعة، مع الزهد، والورع، والقناعة، وتفقّه بالقاضي حسين ولازمه، وسمع الحديث على جماعة، ثم برع، فصنّف التصانيف النافعة، منها «معالم التنزيل» [1] و «الجمع بين الصحيحين» و «المصابيح» [2] وغيرها. وصنّف في الفقه «التهذيب» و «شرح السّنّة» [3] وكان لا يلقي الدرس إلّا على طهارة. ونسبته إلى بغ [4] قرية بقرب هراة. انتهى. وقال السبكي في «تكملة شرح المهذب» : قلّ أن رأيناه يختار شيئا إلّا وإذا بحث عنه وجد أقوى من غيره. هذا مع اختصار كلامه، وهو يدل على نبل كثير، وهو حري بذلك، فإنه جامع لعلوم القرآن، والسّنّة، والفقه. انتهى. قال الذهبي: ولم يحج، وأظنه جاوز الثمانين، رحمه الله تعالى. وفيها أبو محمد السمرقندي الحافظ، عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، أخو إسماعيل. ولد بدمشق، وسمع بها من أبي بكر الخطيب، وابن طلّاب، وجماعة. وببغداد من أبي الحسين بن النّقور، ودخل إلى نيسابور، وأصبهان، وعني بالحديث، وخرّج لنفسه «معجما» في مجلد،

_ [1] طبع في بيروت بعناية الأستاذين خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار، وصدر عن دار المعرفة في أربع مجلدات كبار. [2] طبع عدة مرات أفضلها التي صدرت عن دار المعرفة ببيروت في ثلاث مجلدات بتحقيق الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي. [3] طبع أول مرة في المكتب الإسلامي بدمشق بين عامي (1390- 1399) هـ، وانفرد بتحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه الأستاذ المحقّق الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصدر في خمسة عشر جزءا، ثم أتبع بجزء فهرست فيه أحاديث الكتاب تمّ إعداده وطبعه في المكتب الإسلامي ببيروت. [4] قلت: ويقال لها أيضا «بغشور» . انظر «معجم البلدان» (1/ 467- 468) .

وعاش اثنتين وسبعين سنة. قال ابن ناصر الدّين [1] : كان من الثقات النّقاد. وفيها أبو القاسم بن الفحّام الصقلي، عبد الرحمن بن أبي بكر، عتيق بن خلف، مصنف «التجريد في القراءات» كان أسند من بقي بالدّيار المصرية في القراءات. قرأ على ابن نفيس وطبقته، ونيّف على التسعين، وتوفي في ذي القعدة. وفيها أبو طالب اليوسفي، عبد القادر بن محمد بن عبد القادر البغدادي، في ذي الحجة، وهو في عشر التسعين. روى الكتب الكبار عن ابن المذهب، والبرمكي، وكان ثقة، عدلا، رضيا، عابدا. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو طالب السّميرمي [3] ، علي بن أحمد الوزير، وزر ببغداد للسلطان محمود، وظلم، وفسق، وتجبّر، ومرق، حتّى قتل على يدي الباطنية. قاله في «العبر» أيضا [4] . وفيها أبو محمد الحريري، صاحب «المقامات» القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري، الأديب، حامل لواء البلاغة، وفارس النظم والنثر، وكان من رؤساء بلده. روى الحديث عن أبي تمّام محمد بن الحسين وغيره، وعاش سبعين سنة، وتوفي في رجب، وخلّف ولدين: النجم عبد الله، وضياء الإسلام عبيد الله، قاضي البصرة. قاله في «العبر» [5] .

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (160/ آ) . [2] (4/ 37- 38) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السّمناني» والتصحيح من «العبر» (4/ 38) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 432) . [4] (4/ 38) وانظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 386- 387) . [5] (4/ 38) .

وقال ابن خلّكان [1] : كان أحد أئمة عصره، ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات، واشتملت على شيء كثير من كلام العرب، من لغاتها، وأمثالها، ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حقّ معرفتها، استدل بها على فضل هذا الرجل، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته، وكان سبب وضعها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله، قال: كان أبي جالسا في مسجد بني حرام، فدخل شيخ ذو طمرين، عليه أهبة السفر، رثّ الحال، فصيح الكلام، حسن العبارة، فسألته الجماعة: من أين الشيخ؟ فقال: من سروج، فاستخبروه عن كنيته فقال: أبو زيد، فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية، وهي الثامنة والأربعون، وعزاها إلى أبي زيد المذكور، واشتهرت عنه [2] فبلغ خبرها الوزير شرف الدّين أنو شروان بن خالد بن محمد القاشاني، وزير الإمام المسترشد بالله، فلما وقف عليها أعجبته، فأشار إلى والدي أن يضم إليها غيرها، فأتمها خمسين، وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة المقامات بقوله: فأشار من إشارته حكم، وطاعته غنم، إلى أن أنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديع، وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع. فهذا كان مستنده في نسبها إلى أبي زيد السروجي. وذكر القاضي جمال الدّين بن الحسن بن علي الشيباني القفطي وزير حلب، في كتابه المسمى «إنباه الرواة على أنباء [3] النحاة» [4] أن أبا زيد المذكور اسمه المطهّر بن سلّار كان [5] بصريا [6] ، نحويا، لغويا، صحب

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 63- 68) . [2] لفظة «عنه» لم ترد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي. [3] في «آ» و «ط» : «ألباب» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] انظر «إنباه الرواة على أنباء النحاة» (3/ 276) ترجمة المطهر بن سلار. [5] لفظة «كان» لم ترد في «آ» . [6] في «آ» و «ط» : «بصيرا» وما أثبتناه من «إنباه الرواة» و «وفيات الأعيان» .

الحريري المذكور، واشتغل عليه بالبصرة وتخرّج به، وروى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن المندائيّ [1] الواسطي ملحة الإعراب وذكر أنه سمعها منه عن الحريري، وقال: قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، فسمعنا منه، وتوجه منها مصعدا إلى بغداد، فوصلها وأقام بها مدة يسيرة، وتوفي بها، وكذا ذكره السمعاني في «الذيل» والعماد في «الخريدة» وأما تسميته الراوي [لها] بالحارث بن همّام، فإنما عنى به نفسه وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: «كلّكم حارث وكلّكم همّام» [2] فالحارث الكاسب، والهمّام الكثير الاهتمام، وما من شخص إلّا وهو حارث وهمّام، لأنّ كل أحد كاسب ومهتم بأموره. وقد اعتنى بشرحها خلق كثير، فمنهم: من طوّل ومنهم من اختصر. ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري لما عمل «المقامات» عملها أربعين مقامة، وحملها من البصرة إلى بغداد، وادعاها فلم يصدقه جماعة من أدباء بغداد، وقالوا: إنها ليست من تعليقه [3] بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة، مات بالبصرة، ووقعت أوراقه إليه فادعاها، فاستدعاه الوزير إلى الديوان، وسأله عن صناعته، فقال: أنا رجل منشئ، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عيّنها، فانفرد في ناحية من الديوان، وأخذ الدواة والورقة،

_ [1] في «آ» و «ط» : «المندالي» وهو خطأ، والتصحيح من «إنباه الرواة» و «وفيات الأعيان» . [2] لا يعرف بهذا اللفظ، ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» رقم (1945) وقال: قال- يعني ابن الدّيبع- في «التمييز» : ليس بحديث، ويقرب منه «أصدق الأسماء حارث وهمّام» وقال النجم تبعا ل «المقاصد» : ذكره الحريري في صدر «مقاماته» وجعله مقولة، والوارد ما عند البخاري في «الأدب المفرد» وأبي داود، والنسائي عن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة: «تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمّام، وأقبحها حرب ومرة» : وإنما كان «حارث وهمّام» أصدق الأسماء لأن الحارث الكاسب، والهمّام الذي يهيم مرة بعد أخرى، وكل الناس لا ينفك عن هذين، والله أعلم. [3] في «وفيات الأعيان» : «إنها ليست من تصنيعه» .

ومكث زمانا فلم يفتح الله عليه بشيء من ذلك، فقام وهو خجلان، وكان في جملة من أنكر دعواه في عملها أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر، فلما لم يعمل الحريري الرسالة التي اقترحها الوزير أنشد ابن أفلح: شيخ لنا من ربيعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس أنطقه الله بالمشان كما ... رماه وسط الديوان بالخرس وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس، وكان مولعا بنتف لحيته عند الفكرة، وكان يسكن في مشان البصرة، فلما رجع إلى بلده عمل عشر مقامات أخر وسيّرها [1] ، واعتذر من عيه وحصره بالديوان، مما لحقه من المهابة. وللحريري تآليف حسان، منها: «درة الغواص في أوهام الخواص» ومنها «ملحة الإعراب» وشرحها، وله ديوان رسائل، وشعر كثير، غير شعره الذي في «المقامات» فمن ذلك قوله وهو معنى حسن: قال العواذل ما هذا الغرام به ... أما ترى الشّعر في خدّيه قد نبتا فقلت والله لو أن المفنّد لي ... تأمّل الرشد في عينيه ما ثبتا ومن أقام بأرض وهي مجدبة ... فكيف يرحل عنها والرّبيع أتى وذكر له العماد الكاتب في «الخريدة» : كم ظباء بحاجر ... فتنت بالمحاجر ونفوس نفائس ... خدرت بالمخادر وتثنّ لخاطر ... هاج وجدا لخاطري وعذار لأجله ... عاذلي فيه [2] عاذري

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «وسيرهن» . [2] في «وفيات الأعيان» : «عاد» .

وشجون تضافرت [1] ... عند كشف الضّفائر ويحكى أنه كان ذميما قبيح المنظر، فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئا، فلما رآه استزرى شكله، ففهم الحريري ذلك منه، فلما التمس منه أن يملي عليه، قال له: اكتب: ما أنت أول سار غرّه قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدّمن فانظر [2] لنفسك غيري إنني رجل ... مثل المعيديّ فاسمع بي ولا ترني فخجل الرجل منه وانصرف عنه. وكانت ولادة الحريري في سنة ست وأربعين وأربعمائة. وتوفي بالبصرة في سكة بني حرام، وخلّف ولدين. قال أبو منصور الجواليقي: أجازني «المقامات» نجم الدّين عبد الله، وقاضي قضاة البصرة ضياء الإسلام عبيد الله، عن أبيهما منشئها. والمشان: بليدة فوق البصرة، كثيرة النخل، موصوفة بشدة الوخم [3] ، وكان أهل الحريري منها، ويقال: إنه كان له بها ثمانية عشر ألف نخلة، وأنه كان من ذوي اليسار. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. ويحكى أن الحريريّ جاءه رجل يقرأ عليه «مقاماته» فلما وصل إلى قوله: يا أهل ذا المغني وقيتم شرّا ... ولا لقيتم ما بقيتم ضرّا قد دفع اللّيل الذي اكفهرّا ... إلى حماكم [4] شعثا مغبرّا [5]

_ [1] في «آ» و «ط» : «تظافرت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «فاختر» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الرخم» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] في نسخة «المقامات المطبوعة التي بين يدي» : «ذراكم» . [5] البيتان في «مقامات الحريري» ص (32- 33) طبعة البابي الحلبي.

فصحفها «سغبا معترّا» فقال له الحريري الرواية: «شعثا مغبرّا» ولكن والله لولا أني كتبت خطي على أكثر من خمسمائة نسخة، وطارت في الآفاق لأصلحت البيت، وجعلته كما أنشدته أنت، فإن الطارق ليلا المناسب له أن يكون «سبغا معترّا» لا «شعثا مغبرّا» وعكسه الآتي نهارا. وبالجملة فالشيخ- رحمه الله تعالى- كان أعجوبة الدّهر ونادرة الزمان، فرحمه الله تعالى وأجزل له الغفران، آمين. وفيها الدّقّاق أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الحافظ الرحّال، عن ثمانين سنة. روى عن عبد الله بن شبيب الخطيب، والباطرقاني، وعبد الرحمن بن أحمد الرّازي [1] ، وعني بهذا الفن، وكتب عمّن دبّ ودرج، وكان محدّثا، أثريا، فقيرا، متقللا. توفي في شوال.

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «المرارة» وفي «ط» إلى «المراري» والتصحيح من «العبر» (4/ 39) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 474) .

سنة سبع عشرة وخمسمائة

سنة سبع عشرة وخمسمائة في أولها التقى الخليفة المسترشد بالله، ودبيس الأسدي، وكان دبيس قد طغى وتمرّد، ووعد عسكره بنهب بغداد، فجرد المسترشد يومئذ سيفه، ووقف على تلّ، فانهزم جمع دبيس، وقتل خلق منهم، وقتل من جيش الخليفة نحو العشرين، وعاد مؤيدا منصورا. وذهب دبيس فعاث ونهب، وقتل بنواحي البصرة. وفيها توفي ابن الطّيوري أبو سعد، أحمد بن عبد الجبّار الصيرفي، ببغداد، في رجب، عن ثلاث وثمانين سنة، وكان صالحا أكثر بإفادة أخيه المبارك، وروى عن ابن غيلان، والخلّال، وأجاز له الصّوري، وأبو علي الأهوازي. وفيها ابن الخيّاط الشاعر المشهور أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة التّغلبي [1] الدمشقي الكاتب، كان من الشعراء المجيدين، طاف البلاد، وامتدح الناس، ودخل بلاد العجم، وامتدح بها، ولما اجتمع بأبي الفتيان بن حيّوس، الشاعر بحلب، وعرض عليه شعره، قال: قد نعاني هذا الشاب إلى نفسي، فقلما نشأ ذو صناعة مهر فيها إلا وكان دليلا على موت الشيخ من أبناء جنسه.

_ [1] تصحفت في في «آ» و «ط» و «المنتخب» إلى «الثعلبي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (1/ 145) و «العبر» (4/ 39) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 476) .

وشعره في الذّروة العليا، ولو لم يكن له إلّا قصيدته البائية لكفاه، فكيف وأكثر قصائده غرر، وهي: خذا من صبا نجد أمانا لقلبه ... فقد كاد ريّاها يطير بلبّه وإياكما ذاك النّسيم فإنه ... متى هبّ كان الوجد أيسر خطبه خليليّ لو أحببتما لعلمتما ... محلّ الهوى من مغرم القلب صبّه تذكّر والذّكرى تشوق وذو الهوى ... يتوق ومن يعلق به الحبّ يصبه غرام على يأس الهوى ورجائه ... وشوق على بعد المزار وقربه وفي الرّكب مطويّ الضلوع على جوى ... متى يدعه داعي الغرام يلبّه إذا خطرت من جانب الرمل نفحة ... تضمّن منها داءه دون صحبه ومحتجب بين الأسنّة معرض ... وفي القلب من إعراضه مثل حجبه أغار إذا آنست في الحيّ أنّة ... حذارا وخوفا أن تكون لحبّه وهي طويلة. وله بيتان من قصيدة: وبالجزع حيّ كلما عنّ ذكرهم ... أمات الهوى مني فؤادا وأحياه تمنّيتهم [1] بالرقمتين ودارهم ... بوادي الغضا يا بعد ما أتمنّاه قال صاحب «العبر» [2] : يعرف ابن الخياط بابن سني الدولة [3] الطرابلسي، عاش سبعا وستين سنة، وكتب أولا لبعض الأمراء، ثم مدح الملوك والكبار، وبلغ في النظم الذّروة العليا. أخذ يحدّث عن أبي الفتيان محمد بن حيّوس، وأخذ عنه ابن القيسراني.

_ [1] في «آ» و «ط» : «تمنيهم» والتصحيح من «المنتخب» و «وفيات الأعيان» . [2] (4/ 39- 40) . [3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (107/ آ) : «سناء الدولة» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .

قال السّلفي: كان شاعر الشام في زمانه، قد اخترت من شعره مجلّدة لطيفة فسمعتها منه. قال ابن القيسراني: وقّع الوزير هبة الله بن بديع لابن الخيّاط مرّة بألف دينار، توفي في رمضان بدمشق. وفيها حمزة بن العبّاس العلوي أبو محمد الأصبهاني الصوفي. روى عن أبي الطاهر بن عبد الرّحيم، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها ظريف بن محمد بن عبد العزيز أبو الحسن الحيري النيسابوري. روى عن أبي حفص بن مسرور وطائفة، وكان ثقة من أولاد المحدّثين. توفي في ذي القعدة، وله ثمان وثمانون سنة. وفيها أبو محمد الشّنتريني- بفتح المعجمة أوله والفوقية، وسكون النون وكسر الراء، نسبة إلى شنترين، مدينة من عمل باجة. قاله السيوطي [1] . وقال ابن خلّكان [2] : هي بلدة في غرب جزيرة الأندلس- عبد الله بن محمد بن سارة [3] البكري، الشاعر المفلق اللغوي، وله ديوان معروف. قال ابن خلّكان [4] : كان شاعرا ماهرا، ناظما ناثرا، إلّا أنه كان قليل الحظ، إلّا من الحرمان لم يسعه مكان، ولا اشتمل عليه سلطان، ذكره صاحب «قلائد العقيان» وأثنى عليه ابن بسام في «الذخيرة» وقال: إنه تتبع المحقرات، وبعد جهد ارتقى إلى كتابة بعض الولاة، فلما كان من خلع

_ [1] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» ص (157) مصورة مكتبة المثنى ببغداد. [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 95) . [3] ويقال: «ابن صارة» أيضا. انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 459) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 93- 95) .

الملوك ما كان، أوى إلى إشبيلية أوحش حالا من الليل وأعثر [1] انفرادا من سهيل، وتبلّغ بالوراقة، وله منها جانب، وبها بصر ثاقب، فانتحلها على كساد سوقها، وخلو [2] طريقها، وفيها يقول: أمّا الوارقة فهي أنكد [3] حرفة ... أوراقها وثمارها الحرمان شبّهت صاحبها بصاحب إبرة ... تكسو العراة وجسمها عريان وله أيضا: ومعذّر راقت [4] حواشي حسنه ... فقلوبنا وجدا عليه رقاق لم يكس عارضة السواد وإنما ... نفضت عليه سوادها الأحداق وله في غلام أزرق العينين: ومهفهف أبصرت في أطواقه [5] ... قمرا بأطراف [6] المحاسن يشرق تقضي على المهجات منه صعدة ... متألّق فيها سنان أزرق وأورد له صاحب [كتاب] «الحديقة» : أسنى ليالي الدّهر عندي ليلة ... لم أخل فيها الكأس من أعمالي فرّقت فيها بين جفني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال وله في الزهد: يا من يصيخ إلى داعي السّفاه [7] وقد ... نادى به النّاعيان: الشّيب والكبر

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «وأعثر» وفي «وفيات الأعيان» : «وأكثر» . [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «وخلق» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «أيكة» . [4] في «وفيات الأعيان» : «رقّت» . [5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «في أطرافه» وفي «وفيات الأعيان» : «في أطواقه» وهو ما أثبته. [6] في «وفيات الأعيان» : «بآفاق» . [7] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «السقاة» والمثبت من «وفيات الأعيان» .

إن كنت لا تسمع الذّكرى ففيم ثوى ... في رأسك الواعيان: السّمع والبصر ليس الأصمّ ولا الأعمى سوى رجل ... لم يهده الهاديان: العين والأثر لا الدّهر يبقى ولا الدّنيا ولا الفلك ال ... أعلى ولا النّيّران الشمس والقمر ليرحلنّ عن الدّنيا وإن كرها ... فراقها الثّاويان: البدو والحضر وله ديوان شعر أكثره جيد، وكانت وفاته بمدينة المريّة من جزيرة الأندلس. وفيها أبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني، الحافظ مؤلف «أطراف الصحيحين» كان عجبا في الإحسان إلى الرحّالة وإفادتهم، مع الزهد، والعبادة، والفضيلة التامة. روى عن عبد الوهاب بن مندة، ولقي بنيسابور أبا المظفر موسى بن عمران وطبقته، وبهراة العميري، وببغداد النّعالي [1] ، توفي في جمادى الأولى، عن أربع وخمسين سنة. وفيها أبو سعد محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني [2] ، ويعرف بالخيّاط الحنبلي، من أهل أصبهان. قدم بغداد واستوطنها مدة طويلة، وسمع من مشايخها، وانتخب وعلّق، وكتب بخطه كثيرا، وحصّل الأصول والنّسخ، وجمع كثيرا جدا من الحديث، والفقه، وأنفذه إلى أصبهان، وأدركه أجله ببغداد. حدّث ببغداد عن أبي القاسم بن مندة إجازة، وعن غيره سماعا، وكتب عنه ابن عامر العبدريّ [3] وابن ناصر.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنعالي» والتصحيح من «العبر» (4/ 41) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 486) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 173) . [3] في «آ» و «ط» : «الغندري» وهو تصحيف، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

قال ابن النجار: كان من أهل السّنّة المحقّقين، المبالغين، المشدّدين، ظاهر الصلاح، قليل المخالطة للناس. كان حنبليا متعصبا لمذهبه، مشددا في ذلك. توفي يوم الخميس سادس عشري ذي الحجة، ودفن بباب حرب، ولم يخلّف وارثا ولم يتزوج قطّ. وفيها أبو الغنائم بن المهتدي بالله محمد بن محمد بن أحمد [1] الهاشمي الخطيب. روى عن أبي الحسن القزويني، والبرمكي، وطائفة، وتوفي في ربيع الأول. وفيها أبو الحسن الزّعفراني، محمد بن مرزوق البغدادي، الحافظ التاجر، أكثر عن ابن المسلمة، وأبي بكر الخطيب، وسمع بدمشق [2] ، ومصر، وأصبهان، وتوفي في صفر، عن خمس وسبعين سنة، وكان متقنا ضابطا، يفهم ويذاكر. وفيها أبو صادق، مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري. روى عن ابن حمّصة، وأبي الحسن الطّفّال، وعلي بن محمد الفارسي، وعدة، وكان أسند من بقي بمصر، مع الثقة والخير، توفي في ذي القعدة، عن سنّ عالية.

_ [1] «ابن محمد» الثانية سقطت من «العبر» طبع الكويت (4/ 41) وفي «العبر» (2/ 409) طبع بيروت: «محمد بن أحمد بن محمد» وهو خطأ. وانظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 469) و «مرآة الجنان» (3/ 221) . [2] لفظة «بدمشق» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» .

سنة ثمان عشرة وخمسمائة

سنة ثمان عشرة وخمسمائة فيها أخذت الفرنج صور بالأمان، وبقيت في أيديهم إلى سنة تسعين وستمائة [1] . وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق، المعروف بابن الخازن، الكاتب الشاعر، الدّينوري الأصل، البغدادي المولود والوفاة، كان فاضلا نادر الخط [2] ، أوحد وقته فيه، وهو والد أبي الفتح نصر الله الكاتب المشهور. ومن شعر أحمد صاحب الترجمة قوله: من يستقم يحرم مناه ومن يزغ ... يختصّ بالإسعاف والتمكين انظر إلى الألف استقام ففاته ... عجم وفاز به اعوجاج النّون قال ابن خلّكان [3] : وجل شعره مشتمل على معان حسان. وكانت وفاته في صفر سنة ثمان عشرة وخمسمائة. وكان ولده أبو الفتح نصر الله المذكور حيّا في سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ولم أقف على تاريخ وفاته. انتهى.

_ [1] انظر «دول الإسلام» للذهبي (2/ 44) . [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 149) مصدر المؤلف: «نادرة في الخط» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 151) .

وفيها أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري، الأديب اللغوي، اختص بصحبة الواحدي المفسر، وقرأ عليه، وله في اللغة تصانيف مفيدة، منها كتاب «الأمثال» لم يعمل مثله [1] ، وكتاب «السامي في الأسامي» وسمع الحديث، وكان ينشد: تنفّس صبح الشّيب في ليل عارضي ... فقلت عساه يكتفي بعذاري فلما فشا عاتبته فأجابني ... ألا هل [2] ترى صبحا بغير نهار. قاله ابن الأهدل. وقال ابن خلّكان [3] : توفي يوم الأربعاء خامس عشري شهر رمضان، سنة ثمان عشرة وخمسمائة، رحمه الله، بنيسابور، ودفن على باب ميدان زياد. والميداني: بفتح الميم، وسكون المثناة من تحتها، وفتح المهملة، وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى ميدان زياد، وهي محلّة في نيسابور. وابنه أبو سعد سعيد بن أحمد، كان أيضا فاضلا ديّنا، وله كتاب «الأسمى في الأسماء» وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله. انتهى. وفيها داود ملك الكرج، الذي أخذ تفليس من قريب، وكان عادلا في الرعية، يحضر [يوم] الجمعة ويسمع الخطبة ويحترم المسلمين [4] .

_ [1] قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» (7/ 326) : وفيه ستة آلاف مثل ... قال: ولما صنف «الأمثال» وقف عليه الزمخشري فحسده، وزاد في لفظة «الميداني» نونا قبل الميم فصارت «النميداني» وهو بالفارسية الذي لا يعرف شيئا، فعمد المصنف إلى تصنيف الزمخشري وزاد في نسبته وعمل الميم نونا، فصارت الزنخشري، وهو بالفارسية بائع زوجته. [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» و «مرآة الجنان» (3/ 223) : «أيا» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 148) . [4] انظر «العبر» (4/ 42) وما بين حاصرتين زيادة منه.

وفيها الحسن بن صبّاح [1] صاحب الألموت، وزعيم الإسماعيلية، وكان داهية، ماكرا، زنديقا، من شياطين الإنس. وفيها أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسي الشافعي. الفقيه. قال السّلفي: كان من أفقه الفقهاء بمصر، عليه تفقه أكثرهم. وقال الذهبي [2] : أخذ عن نصر المقدسي، وسمع من أبي بكر الخطيب وجماعة، وعاش ستا وسبعين سنة. توفي في هذه السنة أو في التي تليها. وقال ابن شهبة [3] : تفقّه على نصر المقدسي. قال الإسنوي [4] : وعلى سلامة المقدسي، وبرع في المذهب، ودخل مصر بعد السبعين، وسمع بها، وكان من أفقه الفقهاء بمصر، وعليه قرأ أكثرهم. وروى عن السّلفي وغيره وصنف كتابا في أحكام التقاء الختانين. قال ابن نقطة: توفي سنة خمس وثلاثين. انتهى. وفيها أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمّام بن عطيّة المحاربي الغرناطي الحافظ. توفي في جمادى الآخرة بغرناطة، عن سبع وسبعين سنة. روى عن الأندلسيين [5] ، ورحل سنة تسع وستين، وسمع «الصحيحين» بمكّة.

_ [1] في «العبر» بطبعتيه «الحسين بن الصباح» وهو خطأ فيصحح، وانظر «الكامل في التاريخ» (10/ 625) و «ميزان الاعتدال» (1/ 500) و «الأعلام» (2/ 193) . [2] انظر «العبر» (4/ 43) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 312) . [4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 422) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [5] في «آ» و «ط» : «عن الأندلسي» والتصحيح من «العبر» (4/ 43) .

قال ابن بشكوال [1] : كان حافظا للحديث وطرقه وعلله، عارفا برجاله ذاكرا لمتونه ومعانيه، قرأت بخط بعض أصحابي أنه كرر « [صحيح] البخاري» سبعمائة مرة، وكان أديبا شاعرا ديّنا لغويا. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] انظر «الصلة» (2/ 458) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار تبعا للذهبي في «العبر» . [2] (4/ 43) .

سنة تسع عشرة وخمسمائة

سنة تسع عشرة وخمسمائة فيها توفي الإمام الحافظ ألب أرسلان أبو علي الحسن بن الحسين الزّركراني [1] . كان إماما حافظا مؤتمنا، وعاش مائة سنة وتسعا وثلاثين سنة. قاله ابن ناصر الدّين [2] . وفيها أبو الحسن بن الفرّاء الموصلي ثم المصري علي بن الحسين ابن عمر. راوي «المجالسة» عن عبد العزيز بن الضرّاب، وقد روى عن كريمة وطائفة، وانتخب عليه السّلفي مائة جزء، مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. وفيها ابن عيذون [3] الهذلي التونسي أبو الحسن علي بن عبد الجبّار، لغوي المغرب. وفيها أبو عبد الله بن البطائحي محمد بن المأمون، وزير الديار المصرية للآمر. كان أبوه جاسوسا للمصريين فمات وربي محمد هذا يتيما، فصار يحمل في السوق، فدخل مع الحمّالين إلى دار أمير الجيوش، فرآه شابا ظريفا فأعجبه، فاستخدمه مع الفراشين، ثم تقدم عنده، ثم آل أمره إلى

_ [1] قال ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» : «وزركران من قرى سمرقند» وانظر «معجم البلدان» (3/ 137) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (160/ آ- 160/ ب) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن عبدون» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 531) .

أن ولي الأمر بعده، ثم إنه مالأ أخا الآمر على قتل الآمر [1] ، فأحس الآمر بذلك، فأخذه وصلبه. وكانت أيامه ثلاث سنين. وفيها أبو البركات بن البخاري- يعني المبخّر- البغدادي [2] المعدّل، هبة الله بن محمد بن علي. توفي في رجب، عن خمس وثمانين سنة. روى عن ابن غيلان، وابن المذهب والتنوخي.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ثم إنه أخر عامل على قتل الآمر» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (4/ 45) مصدر المؤلف. [2] انظر «العبر» (4/ 45) .

سنة عشرين وخمسمائة

سنة عشرين وخمسمائة فيها توفي أبو الفتوح الغزّالي أحمد بن محمد الطّوسي الواعظ، شيخ مشهور فصيح مفوّه، صاحب قبول تامّ لبلاغته وحسن إيراده وعذوبة لسانه. وهو أخو الشيخ أبي حامد. وعظ مرّة عند السلطان محمود، فأعطاه ألف دينار. ولكنه كان رقيق الديانة متكلّما في عقيدته، حضر يوسف الهمذاني عنده، فسئل عنه فقال: مدد كلامه شيطانيّ لا رباني. ذهب دينه والدنيا لا تبقى له. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن قاضي شهبة [2] : كان فقيها، غلب عليه الوعظ والميل إلى الانقطاع والعزلة، وكان صاحب عبارات وإشارات، حسن النظر، درّس بالنظامية ببغداد لما تركها أخوه زهدا فيها، واختصر «الأحياء» في مجلد سمّاه «لباب الإحياء» وله مصنف آخر سمّاه «الذخيرة في علم البصيرة» توفي بقزوين سنة عشرين وخمسمائة، وقد تكلّم فيه غير واحد وجرّحوه. انتهى بحروفه. وذكره ابن النجار في «تاريخ بغداد» [3] فقال: كان قد قرأ القارئ بحضرته قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ 39: 53 [الزمر: 53] الآية، فقال: شرّفهم بياء الإضافة إلى نفسه، بقوله يا عبادي، ثم أنشد:

_ [1] (4/ 45- 46) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 309- 310) . [3] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (186) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.

وهان عليّ اللّوم في جنب حبّها ... وقول الأعادي إنه لخليع أصمّ إذا نوديت باسمي وإنني ... إذا قيل لي يا عبدها لسميع انتهى. وفيها آق سنقر البرسقي، قسيم الدولة، ولي إمرة الموصل والرحبة للسلطان محمود، ثم ولي بغداد، ثم سار إلى الموصل ثم كاتبه الحلبيون، فملك [1] حلب ودفع عنها الفرنج، قتلته الإسماعيلية وكانوا عشرة، وثبوا عليه يوم جمعة بالجامع في ذي القعدة، وكان ديّنا عادلا عالي الهمّة. قتل خلقا من الإسماعيلية. وفيها أبو بحر الأسدي سفيان بن العاص الأندلسي، محدّث قرطبة. روى عن ابن عبد البرّ، وأبي العبّاس العذري، وأبي الوليد الباجي، وكان من جلّة [2] العلماء. عاش ثمانين سنة. وفيها صاعد بن سيّار أبو العلاء الإسحاقي- نسبة إلى إسحاق جدّ- الهروي الدهّان. قرأ عليه ابن ناصر ببغداد «جامع الترمذي» عن أبي عامر الأزدي. قال السمعاني [3] : كان حافظا متقنا، كتب الكثير، وجمع الأبواب، وعرف الرّجال. وقال ابن ناصر الدّين [4] : كان حافظا، متقنا، مكثرا، حسن الحال.

_ [1] في «العبر» : «فتملك» . [2] في «آ» : «جملة» . [3] قلت: ذكر هذا النقل الذهبي في «العبر» (4/ 47) وفي «سير أعلام النبلاء» (19/ 590) بزيادة «واسع الرواية» وقد وهم محققه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله، فأحال على «الأنساب» (1/ 223) ولم يصب في ذلك، فإن هذا النقل أخذه الذهبي عن «الذيل» وليس عن «الأنساب» وما جاء في «الأنساب» إنما هو أول النقل فقط. [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (160/ ب) .

وفيها أبو محمد بن عتّاب عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب القرطبي، مسند الأندلس. أكثر عن أبيه، وعن حاتم الطرابلسي، وأجاز له مكي بن أبي طالب والكبار، وكان عارفا بالقراءات، واقفا على كثير من التفسير، واللغة، والعربية، والفقه، مع الحلم، والتواضع، والزهد، وكانت الرحلة إليه. توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة. وفيها أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان- بفتح الباء- الشافعي [1] . ولد ببغداد في شوال، سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وتفقه على الغزالي، والشّاشي، وإلكيا [2] الهرّاسي، وبرع في المذهب، وفي الأصول، وكان هو الغالب عليه، وله فيه التصانيف المشهورة، منها «البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز» وغيرها. درّس بالنظامية شهرا واحدا، وكان ذكيا يضرب به المثل في حلّ [3] الإشكال. قال المبارك بن كامل: كان خارق الذكاء، لا يكاد يسمع شيئا إلّا حفظه، ولم يزل يبالغ في الطلب، والتحقيق، وحلّ المشكلات، حتى صار يضرب به المثل في تبحره في الأصول والفروع، وصار علما من أعلام الدّين. قصده الطلاب من البلاد، حتّى صار جميع نهاره وقطعة من ليله يستوعب في الإشتغال وإلقاء الدروس. توفي سنة عشرين وخمسمائة. كذا قاله ابن خلّكان [4] . والمعروف أنه توفي سنة ثمان عشرة، قيل: في ربيع الأول، وقيل: في

_ [1] لفظة «الشافعي» لم ترد في «آ» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] أقول: ضبطوه بهمزة مكسورة، ولام ساكنة، ثم كاف مكسورة بعدها ياء، ومعناه: الكبير القدر، بلغة الفرس، وهو علي بن محمد بن علي الطبري، الملقب بعماد الدين. كبير علماء الشافعية في عصره. (ع) . [3] لفظة «حلّ» لم ترد في «آ» . [4] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 99) .

جمادى الأولى نقل عنه في «الروضة» [1] في كتاب القضاء أن العامي لا يلزمه التقيد بمذهب [2] معيّن، ورجحه الإمام [3] . قاله جميعه ابن قاضي شهبة [4] . وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكيّ، قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها. روى عن أبي علي الغسّاني، وأبي مروان بن سرّاج، وخلق، وكان من أوعية العلم. له تصانيف مشهورة، عاش سبعين سنة. قاله في «العبر» [5] . وفيها أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال الصّعيدي المصري، النحوي اللغوي، البحر الحبر، وله مائة سنة وثلاثة أشهر. توفي في ربيع الآخر. روى عن عبد العزيز الضرّاب، والقضاعي، وسمع «البخاريّ» من كريمة بمكّة. قاله في «العبر» [6] . وفيها أبو بكر الطّرطوشي- وطرطوشة من نواحي الأندلس- محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي المالكي، المعروف بابن أبي زيد. نزيل الإسكندرية، وأحد الأئمة الكبار. أخذ عن أبي الوليد الباجي، ورحل فأخذ «السنن» [7] عن أبي على التّستري، وسمع ببغداد من رزق الله التميمي وطبقته، وتفقه على أبي بكر الشّاشي.

_ [1] انظر «روضة الطالبين» للإمام النووي (11/ 117) بتحقيقي بالاشتراك مع زميلي الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبع المكتب الإسلامي بدمشق. (ع) . [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (107/ ب) : «التقليد لمذهب» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 208) . [3] يعني الإمام النووي. [4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 307- 309) . [5] (4/ 47) . [6] (4/ 47) . [7] يعني «سنن أبي داود» كما جاء ذلك مبينا في «سير أعلام النبلاء» (19/ 490) .

قال ابن بشكوال [1] : كان إماما، عالما، زاهدا، ورعا، [ديّنا] متقشفا، متقللا [من الدنيا] راضيا باليسير. وقال ابن خلّكان [2] : كان يقول: إذا عرض لك أمران، أمر دنيا وأمر أخرى، فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا والأخرى. وسكن الشام مدّة، ودرّس بها، وكان كثيرا ما ينشد: إنّ لله عبادا فطنا ... طلّقوا الدّنيا وخافوا ألفتنا فكّروا فيها فلمّا علموا ... أنها ليست لحيّ وطنا جعلوها لجّة واتّخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا ولما دخل على الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش، بسط مئزرا كان معه تحته، وجلس عليه، وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني، فوعظ الأفضل حتّى بكى، وأنشده: يا ذا الذي طاعته قربة ... وحقّه مفترض واجب إنّ الذي شرّفت من أجله ... يزعم هذا أنّه كاذب وأشار إلى النصراني، فأقامه الأفضل من موضعه. وكان الأفضل قد أنزل الشيخ في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد، وكان يكرهه، فلما طال مقامه [به] ضجر وقال لخادمه: إلى متى نصبر؟ اجمع لي المباح، فجمع له، فأكله ثلاثة أيام، فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه: رميته الساعة، فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل، وولي بعده المأمون ابن البطائحي، فأكرم الشيخ إكراما كثيرا، وصنّف له كتاب «سراج الملوك» وهو حسن في بابه.

_ [1] انظر «الصلة» (2/ 575) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 262- 264) .

وله غيره. وله طريقة في الخلاف، ومن المنسوب إليه: إذا كنت في حاجة مرسلا ... وأنت بإنجازها مغرم فأرسل بأكمه خلّابة ... به صمم أفطس [1] أبكم ودع عنك كل رسول سوى ... رسول يقال له الدّرهم وقال الطّرطوشي: كنت ليلة نائما في بيت المقدس، فبينما أنا في جنح الليل، إذ سمعت صوتا حزينا [2] ينشد: أخوف ونوم إنّ ذا لعجيب ... ثكلتك من قلب فأنت كذوب أما وجلال الله لو كنت صادقا ... لما كان للإغماض منك نصيب قال: فأيقظ النوّام وأبكى العيون. وكانت ولادة الطّرطوشي المذكور سنة إحدى وخمسين وأربعمائة تقريبا، وتوفي ثلث الليل الآخر سادس عشري جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة بثغر الإسكندرية، وصلى عليه ولده محمد. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «أغطش» . [2] في «آ» و «ط» : «صوت حزين» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.

سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

سنة إحدى وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو السعادات أحمد بن أحمد بن عبد الواحد [1] الهاشمي العبّاسي المتوكلي. شريف صالح خيّر. روى عن الخطيب، وابن المسلمة، وعاش ثمانين سنة. ختم التراويح ليلة سبع وعشرين في رمضان، ورجع إلى منزله فسقط من السطح فمات، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الحسن الدّينوري علي بن عبد الواحد. روى عن القزويني، وأبي محمد الخلّال وجماعة، وهو أقدم شيخ لابن الجوزي. توفي في جمادي الآخرة. وفيها أبو الحسن بن الفاعوس علي بن المبارك بن علي البغدادي الحنبلي الإسكاف الزاهد. كان يقصّ يوم الجمعة، وللناس فيه عقيدة لصلاحه وتقشّفه وإخلاصه. روى عن القاضي أبي يعلى وغيره، وسمع منه أبو المعمر الأنصاري، وكان يأتي ساقي الماء في مجلس إملائه فيتناول منه ليوهم الحاضرين أنه مفطر وأنه يشرب، ويكون صائما غالبا. توفي ابن الفاعوس ليلة السبت تاسع عشر شوال وصلّي عليه من الغد بجامع القصر، وكان يوما مشهودا، ودفن قريبا من قبر الإمام أحمد، رضي الله

_ [1] في «آ» : «ابن عبد الوهاب» وهو خطأ.

عنه. وغلّقت في ذلك اليوم أسواق بغداد، وكان أهل بغداد يصيحون في جنازته: هذا يوم سنّيّ حنبليّ، رحمه الله تعالى. وفيها أبو العزّ القلانسيّ محمد بن الحسين بن بندار الواسطي، مقرئ العراق، وصاحب التصانيف في القراءات. أخذ عن أبي يعلى غلام الهرّاس، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وفيه ضعف وكلام. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة. وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد البطليوسي- بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بطليوس مدينة بالأندلس- النحوي كان عالما بالآداب واللغات، متبحرا فيها متبحرا في معرفتها وإتقانها، سكن مدينة بلنسية، وكان الناس يجتمعون إليه، ويقرؤون عليه، ويقتبسون منه، وكان حسن التعليم، جيد التفهيم، ثقة، ضابطا، ألّف كتبا نافعة ممتعة، منها كتاب «المثلث» في مجلدين أتى فيه بالعجائب، ودلّ على اطلاع عظيم [1]- فإن مثلثة قطرب في كراسة واحدة، واستعمل فيها الضرورة وما لا يجوز وغلط في بعضها- وله كتاب «الاقتضاب في شرح أدب الكتاب» وشرح «سقط الزند» لأبي العلاء [المعري شرحا استوفى فيه المقاصد، وهو أحسن من شرح أبي العلاء] [2] صاحب «الديوان» وله كتاب في الحروف الخمسة [3] وهي السين والصاد والضاد والظاء والدال، جمع فيه كل غريب، وله كتاب «الحلل في شرح أبيات الجمل» و «الخلل في أغاليط الجمل» أيضا وكتاب «التنبيه على

_ [1] وقد طبع القسم الأول منه في وزارة الثقافة والإعلام في العراق بتحقيق الدكتور صلاح مهدي الفرطوسي. [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [3] واسمه «الفرق بين الحروف الخمسة» وقد نشر أول مرة في مكتبة المتنبي في القاهرة عام 1402 هـ بتحقيق الدكتور حمزة عبد الله النشرتي، وهي نشرة سقيمة كثيرة الخطأ، ثم نشر نشرة جيدة في دار المأمون للتراث بدمشق بتحقيق الأستاذ عبد الله الناصري.

الأسباب الموجبة لاختلاف الأمة» وكتاب «شرح الموطأ» وغير ذلك. وقيل: إنه لم يخرج من المغرب. وبالجملة فكل شيء تكلم فيه ففي غاية الجودة، وله نظم حسن، فمن ذلك قوله: أخو العلم حيّ خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التّراب رميم وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ... يظنّ من الأحياء وهو عديم وله في طول الليل: أرى [1] ليلنا شابت نواصيه كبرة [2] ... كما شبت أم في الجوّ روض بهار كأنّ الليالي السّبع في الجوّ جمّعت ... ولا فصل فيما بينها لنهار ومولده سنة أربع وأربعين وأربعمائة بمدينة بطليوس، وتوفي في منتصف رجب بمدينة بلنسية.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (3/ 97) : «ترى» . [2] في «آ» و «ط» : «كرة» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (3/ 97) .

سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة فيها توفي طغتكين أتابك ظهير الدّين، وكان من أمراء تتش السلجوقي بدمشق، فزوّجه بأم ولده دقاق ثم إنه صار أتابك دقاق، ثم تملّك دمشق، وكان شهما، شجاعا، مهيبا، مدبرا، سائسا، له مواقف مشهورة [1] مع الفرنج توفي في صفر، ودفن بتربته قبل المصلّى. وملك بعده ابنه تاج الملوك بوري، فعدل ثم ظلم. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو محمد الشّنتريني الإشبيلي الحافظ، عبد الله بن أحمد. روى «الصحيح» [3] عن ابن منظور [4] ، عن أبي ذرّ. وسمع من حاتم بن محمد وجماعة. قال ابن بشكوال [5] : كان حافظا للحديث وعلله، عارفا برجاله، وبالجرح والتعديل، ثقة، كتب الكثير، واختص بأبي علي الغسّاني، وله تصانيف في الرجال. توفي في صفر، عن ثمان وسبعين سنة.

_ [1] كذا في «ط» و «العبر» : «مشهورة» وفي «آ» : «مشهودة» بالدال. [2] (4/ 51) . [3] يعني «صحيح البخاري» كما جاء ذلك مبينا في «سير أعلام النبلاء» (19/ 578) . [4] تحرف في «ط» إلى «ابن منصور» . [5] انظر «الصلة» (1/ 293) .

وفيها الوزير أبو علي الحسن بن علي بن صدقة جلال الدّين، وزير المسترشد، كان ذا حزم وعقل ودهاء ورأي وأدب وفضل. وفيها أبو القاسم النشادري [1] موسى بن أحمد بن محمد النشادري [1] ، الفقيه الحنبلي. كان يذكر أنه من أولاد أبي ذرّ الغفاري، رضي الله عنه. سمع الحديث الكثير، وقرأ بالروايات، وتفقّه على أبي الحسن بن الزّاغوني وناظر. قال ابن الجوزي [2] : رأيته يتكلم كلاما حسنا. توفي رابع رجب، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.

_ [1] في «ط» : «النشاوري» وفي «المنتظم» لابن الجوزي: «السّامري» وما جاء في «آ» موافق لما في «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 176) و «المنهج الأحمد» (2/ 274) . [2] انظر «المنتظم» (10/ 10) .

سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة فيها قتل بدمشق نحو ستة آلاف ممن كان يرمى بعقيدة الإسماعيلية، وكان قد دخل الشام بهرام الأسدآباذي وأضل خلقا، ثم إن طغتكين ولّاه بانياس، فكان سيئة من سيئات طغتكين، وأقام بهرام له داعيا بدمشق، فكثر أتباعه بدمشق، وملك هو عدة حصون بالشام، منها القدموس. وسلّم بهرام بانياس للفرنج. وفيها توفي جعفر بن عبد الواحد أبو الفضل الثقفي الأصبهاني، الرئيس. روى عن ابن ريذة [1] وطائفة، وعاش تسعا وثمانين سنة. وفيها المردغاني، الوزير كمال الدّين طاهر بن سعد، وزير تاج الملوك بوري بن طغتكين، قتله وعلّق رأسه على القلعة. وفيها أبو سعد النّسفي عبد الله بن أبي المظفّر بن أبي نعيم بن أبي تمّام بن الحارث، القاضي الحافظ. أحد حفّاظ سمرقند وما والاه. قاله ابن ناصر الدّين [2] . وفيها أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن الإمام أبي بكر البيهقي.

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «ابن زيدة» وفي «العبر» بطبعتيه إلى «ابن مندة» والصواب ما جاء في «ط» وانظر «التحبير في المعجم الكبير» (1/ 160) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 527) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (160/ ب) وقد ترجم له هناك بأطول مما هنا.

سمع الكتب من جدّه، ومن أبي يعلى الصابوني، وجماعة، وحدّث ببغداد، وكان قليل الفضيلة، توفي في جمادى الأولى، وله أربع وسبعون سنة. وفيها يوسف بن عبد العزيز أبو الحجّاج الميورقيّ [1] ، الفقيه العلّامة. نزيل الإسكندرية، وأحد الأئمة الكبار، تفقّه ببغداد على إلكيا الهرّاسي، وأحكم الأصول والفروع، وروى «البخاري» عن واحد عن أبي ذرّ، و «مسلما» عن أبي عبد الله الطبري، وله «تعليقة» في الخلاف. توفي في آخر السنة. قال السّلفي: حدّث ب «الترمذي» وخلّط في إسناده.

_ [1] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المنورقي» والتصحيح من «العبر» (4/ 54) و «النجوم الزاهرة» (5/ 235) .

سنة أربع وعشرين وخمسمائة

سنة أربع وعشرين وخمسمائة فيها كما قال في «العبر» [1] : ظهرت ببغداد عقارب طيّارة، قتلت جماعة أطفال. وفيها أبو إسحاق الغزّيّ إبراهيم بن عثمان، شاعر العصر، وحامل لواء القريض، وشعره كثير سائر متنقل في بلد الجبال، وخراسان. وتوفي بناحية بلخ، وله ثلاث وثمانون سنة. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن النجّار في «تاريخ بغداد» [3] : هو إبراهيم بن عثمان بن عيّاش بن محمد بن عمر بن عبد الله الأشهبي الغزّي الكلبي، الشاعر المشهور، شاعر محسن. وذكره الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» [4] فقال: دخل دمشق [5]

_ [1] (4/ 55) . [2] (4/ 55) . [3] هو «ذيل تاريخ بغداد» طبعت منه بعض الأجزاء في حيدر أباد الدكن بالهند تضم تراجم من (حرف العين) فقط. [4] نقل المؤلف كلام الحافظ ابن عساكر عن «وفيات الأعيان» (1/ 57- 62) وهو في «تاريخ دمشق» (2/ 469- 470) مصورة دار البشير بعمّان مختصرا ولعل ابن خلّكان قد اطلع على نسخة أخرى من «تاريخ دمشق» والله أعلم. [5] قوله: «فقال: دخل دمشق» سقط من «آ» .

وسمع بها من الفقيه نصر المقدسي، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، ورحل إلى بغداد، وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة، ومدح ورثى غير واحد من المدرسين بها وغيرهم، ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها، وانتشر شعره هناك، وذكر له عدة مقاطيع من الشعر، وأثنى عليه. انتهى. وله ديوان شعر اختاره بنفسه وذكر في خطبته أنه ألف بيت. وقال العماد الكاتب: جاب [1] البلاد، وأكثر النّقل والحركات، وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان، ولقي الناس، ومدح ناصر الدّين مكرم بن العلاء، وزير كرمان بقصيدته البائية التي يقول فيها، ولقد أبدع: حملنا من الأيام ما لا نطيقه ... كما حمل العظم الكسير العصائبا ومنها في قصر الليل وهو معنى لطيف: وليل رجونا أن يدبّ عذاره ... فما اختطّ حتّى صار بالفجر شائبا ومن جيد شعره المشهور قوله: قالوا هجرت الشّعر قلت ضرورة ... باب الدّواعي والبواعث مغلق خلت الدّيار فلا كريم يرتجى ... منه النّوال ولا مليح يعشق ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق [2] ومن شعره وفيه صناعة حسنة: وخز الأسنّة والخضوع لناقص ... أمران في ذوق النّهى مرّان

_ [1] في «آ» : «جال» . [2] رواية البيت في «مختصر تاريخ دمشق» (4/ 82) اختصار وتحقيق الأستاذ الفاضل إبراهيم الصالح، طبع دار الفكر بدمشق: ومن العجائب أنه لا يشترى ... ومع الكساد يخان فيه ويسرق

والرّأي أن يختار فيما دونه ال ... مرّان وخز أسنّة المرّان وله: وجفّ النّاس حتّى لو بكينا ... تعذّر ما تبلّ به الجفون فما يندى لممدوح بنان ... ولا يندى لمهجوّ جبين ولد الغزّيّ هذا بغزة هاشم سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وتوفي ما بين مرو وبلخ من بلاد خراسان، ونقل إلى بلخ ودفن بها، ونقل عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر لي ربي لثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي، وأني شيخ كبير، وأني غريب، رحمه الله تعالى وحقّق رجاءه. وفيها الإخشيذ إسماعيل بن الفضل الأصبهاني السرّاج التاجر. قرأ القرآن على جماعة وروى الكثير عن ابن عبد الرحيم، وأبي القاسم بن أبي بكر الذكواني، وطائفة، وعمّر ثمانيا وثمانين سنة. وفيها البارع، وهو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي الدبّاس، المقرئ الأديب الشاعر، وهو من ذريّة أبي القاسم بن عبيد الله [1] وزير المعتضد. قرأ القرآن على أبي بكر محمد بن علي الخيّاط وغيره، وروى عن أبي جعفر بن المسلمة، وله مصنفات وشعر فائق. قال ابن خلّكان [2] : كان نحويّا لغويّا مقرئا، حسن المعرفة بصنوف من الآداب، وأفاد خلقا كثيرا، خصوصا بإقراء القرآن الكريم. وهو من بيت الوزارة، فإن جدّه القاسم كان وزير المعتضد والمكتفي

_ [1] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «عبد الله» فتصحح، وانظر «معرفة القراء الكبار» (1/ 476) طبع مؤسسة الرسالة. [2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 181- 184) .

بعده، وهو الذي سمّ ابن الرّومي الشاعر، وعبيد الله كان وزير المعتضد أيضا قبل ابنه القاسم، وسليمان بن وهب الوزير تغني شهرته عن ذكره. والبارع المذكور من أرباب الفضائل، وله مؤلفات حسان وتأليف غريبة، وديوان شعر جيد. وكان بينه وبين ابن الهبّارية مداعبات لطيفة، فإنهما كانا رفيقين ومتّحدين في الصحبة. ومن شعر البارع: أفنيت ماء الوجه من طول ما ... أسأل من لا ماء في وجهه أنهي إليه شرح حالي الذي ... يا ليتني متّ ولم أنهه فلم ينلني كرما رفده ... ولم أكد أسلم من جبهه والموت من دهر نحاريره ... ممتدة الأيدي إلى بلهه وكانت ولادته في عاشر صفر سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ببغداد. وتوفي يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة، وقيل: الأولى، وكان قد عمي في آخر عمره، رحمه الله. وفيها ابن الغزال أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن الغزال المصري [1] المجاور، شيخ صالح مقرئ، قد سمع السّلفيّ في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة من إسماعيل الحافظ عنه. سمع القضاعي، وكريمة [2] ، وعمّر دهرا. وفيها فاطمة الجوزدانية أم إبراهيم بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم ابن عقيل الأصبهانية. سمعت من ابن ريذة «معجمي» الطبراني [3] سنة خمس

_ [1] انظر «العقد الثمين» (5/ 242- 243) . [2] سمع منها «صحيح البخاري» كما جاء ذلك مبينا في «العقد الثمين» . [3] وهما «المعجم الكبير» و «المعجم الصغير» ذكر ذلك الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (19/ 504) .

وثلاثين، وعاشت تسعا وتسعين سنة، وتوفيت في شعبان. وفيها أبو الأعزّ قراتكين بن الأسعد الأزجي. روى عن الجوهري وجماعة، وكان عاميّا، توفي في رجب ببغداد. وفيها أبو عامر العبدري [1] محمد بن سعدون بن مرجّى الميورقي، الحافظ الفقيه الظاهري. نزيل بغداد. أدرك أبا عبد الله البانياسي، والحميدي، وهذه الطبقة. قال ابن عساكر: كان فقيها على مذهب داود، وكان أحفظ شيخ لقيته. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: هو أنبل من لقيته. وقال ابن ناصر: كان فهما، عالما، متعففا مع فقره. وقال السّلفيّ: كان من أعيان علماء الإسلام، متصرفا في فنون من العلوم. وقال ابن عساكر: بلغني أنه قال: أهل البدع يحتجّون بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [الشورى: 11] أي في الإلهية، فأما في الصّورة، فمثلنا. ثم يحتج بقوله تعالى: [يا نِساءَ النَّبِيِ] لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ 33: 32 أي في الحرمة. وقال ابن ناصر الدّين [2] : كان من أعيان الحفّاظ، لكن تكلم في مذهبه في القرآن ابن ناصر، وحطّ عليه بما لا يثبت عنه [3] ابن عساكر.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العبدوي» والتصحيح من «العبر» (4/ 57) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 579) وانظر تتمة ترجمته فيه. [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (161/ آ) وتمام قوله فيه: «كان فقيها ظاهريا من أعيان الحفاظ والأئمة العلماء المتقنين الأيقاظ. [3] لفظة «عنه» سقطت من «آ» .

وفيها محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، المدعي أنه علويّ، حسنيّ، وأنه المهدي. رحل إلى المشرق، ولقي الغزالي وطائفة، وحصّل فنونا [1] من العلم، والأصول، والكلام، وكان رجلا ورعا ساكنا ناسكا في الجملة. زاهدا متقشفا شجاعا جلدا عاقلا، عميق الفكر، بعيد الغور، فصيحا مهيبا، لذته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، ولكن جرّه إقدامه وجرأته على حب الرئاسة والظهور وارتكاب المحظور، ودعوى الكذب والزور، من أنه حسنيّ، وهو هرغيّ [2] بربريّ وأنّه إمام [3] معصوم، وهو بالإجماع مخصوم. فبدأ أولا في الإنكار بمكّة، فآذوه، فقدم مصر وأنكر، فطردوه، فأقام بالثغر مدّة فنفوه، وركب البحر، فشرع ينكر على أهل المركب ويأمر وينهى، ويلزمهم بالصلاة. وكان مهيبا وقورا بزيق الفقر، فنزل بالمهديّة في غرفة، فكان لا يرى منكرا أو لهوا إلّا غيره بيده ولسانه، فاشتهر وصار له زبون وشباب يقرؤون عليه في الأصول، فطلبه أمير البلد يحيى بن باديس وجلس له، فلما رأى حسن سمته وسمع كلامه احترمه وسأله الدعاء. فتحول إلى بجاية، وأنكر بها، فأخرجوه، فلقي بقرية ملّالة عبد المؤمن بن علي شابا مختطا مليحا. فربطه عليه، وأفضى إليه بسرّه وأفاده جملة من العلم، وصار معه نحو خمسة [4] أنفس، فدخل مرّاكش، وأنكر كعادته، فأشار مالك بن وهيب الفقيه على علي بن يوسف بن تاشفين بالقبض عليهم سدّا للذريعة، وخوفا من الغائلة، وكانوا بمسجد داثر بظاهر مرّاكش،

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «فنا» . [2] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (5/ 55) : الهرغيّ: بفتح الهاء وسكون الراء، وبعدها غين معجمة، هذه النسبة إلى هرغة، وهي قبيلة كبيرة من المصامدة في جبل السوس في أقصى المغرب تنسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، يقال: إنها نزلت في ذلك المكان عند ما فتح المسلمون البلاد على يد موسى بن نصير. [3] لفظة «إمام» سقطت من «ط» . [4] في «ط» : «خمس» .

فأحضرهم وعقد لهم مجلسا حافلا، فواجهه ابن تومرت بالحقّ المحض ولم يحابه [1] ، ووبّخه ببيع الخمر جهارا وبمشي الخنازير التي للفرنج بين أظهر المسلمين، وبنحو ذلك من الذنوب، وخاطبه بكيفية ووعظ، فذرفت عينا الملك وأطرق، فقويت التهمة عند ابن وهيب وأشباهه من العقلاء، وفهموا مرام ابن تومرت. فقيل للملك: إن لم تسجنهم وتنفق عليهم كل يوم دينارا وإلّا أنفقت عليهم خزائنك [2] ، فهوّن الوزير أمرهم لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 [الأنفال: 42] . فصرفه الملك وطلب منه الدعاء، واشتهر اسمه وتطلعت النفوس إليه، وسار إلى أغمات، وانقطع بجبل تينملّ [3] ، وتسارع إليه أهل الجبل يتبرّكون به. فأخذ يستميل الشباب الأغتام [4] والجهلة الشجعان، ويلقي إليهم ما في نفسه، وطالت مدته، وأصحابه يكثرون، وهو يأخذهم بالديانة والتقوى، ويحضهم على الجهاد وبذل النفوس في الحق، وورد أنه كان حاذقا في ضرب الرّمل، قد وقع بجعفر فيما قيل، واتفق لعبد المؤمن أنّه كان قد رأى أنه يأكل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطف [5] الصحفة منه، فقال له المعبّر: هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك،

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «يجابه» بالجيم، ومعنى «ولم يحابه» من المحاباة، والله تعالى أعلم. [2] في «العبر» بطبعتيه: «خزانتك» . [3] في «العبر» بطبعتيه: «اتينمل» وقد جاءت عند المؤلف بلام واحدة كما هي عند ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (5/ 48) وقد ضبطها فيه (5/ 55) بكسر التاء المثناة من فوقها، وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون ثم ميم مفتوحة ولام مشددة. وفي «معجم البلدان» (2/ 69) وعند المقري في «نفح الطيب» (1/ 615) : «تينملل» بلامين، وقال ياقوت: الميم مفتوحة، واللام الأولى مشددة مفتوحة. [4] في «آ» و «ط» : «الأغنام» وهو تصحيف، والأغتام، جمع غتمي. جاء في «لسان العرب» (غتم) : الغتمة عجمة في المنطق، ورجل أغتم وغتمي: لا يفصح شيئا، وامرأة غتماء، وقوم غتم وأغتام، وانظر «أساس البلاغة» للزمخشري (غتم) . وقد تفضّل بكتابة هذا التعليق صديقي الفاضل الأستاذ المحقق يحيى مير علم حفظه الله تعالى وزاده توفيقا. [5] في «العبر» بطبعتيه: «ثم اختطفت» .

بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين، ثم يغلب على الأمر. وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها، وكان أهل المغرب على طريقة السلف ينافرون الكلام وأهله. ولما كثرت أصحابه أخذ يذكر المهديّ ويشوّق إليه، ويروي الأحاديث التي وردت فيه. فتلهفوا على لقائه، ثم روى ظمأهم وقال: أنا هو، وساق لهم نسبا ادّعاه وصرّح بالعصمة، وكان على طريقة مثلي لا تنكر [1] معها العصمة، فبادروا إلى متابعته، وصنّف لهم مصنفات مختصرات، وقوي أمره في سنة خمس عشرة وخمسمائة. فلما كان في [سنة] سبع عشرة جهّز عسكرا من المصامدة أكثرهم من أهل تينملّ، والسّوس، وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين [من] المرابطين، فادعوهم إلى إزالة البدع والإقرار بالإمام المعصوم، فإن أجابوكم وإلّا فقاتلوهم. وقدم عليهم عبد المؤمن، فالتقاهم الزّبير ولد أمير المسلمين، فانهزمت المصامدة [2] ونجا عبد المؤمن، ثم التقوهم مرّة أخرى فنصرت الصامدة واستفحل أمرهم، وأخذوا في شنّ الإغارات على بلاد ابن تاشفين، وكثر الداخلون في دعوتهم، وانضم إليهم كل مفسد ومريب، واتّسعت عليهم الدّنيا، وابن تومرت في ذلك كله لون واحد من الزهد، والتقلل، والعبادة، وإقامة السّنن والشعائر، لولا ما أفسد القضية بالقول بنفي الصفات كالمعتزلة، وبأنّه المهدي، وبتسرعه في الدماء، وكان ربما كاشف أصحابه ووعدهم بأمور فتوافق، فيفتنون به، وكان كهلا أسمر عظيم الهامة ربعة حديد النظر، مهيبا، طويل الصمت، حسن الخشوع والسمت، وقبره مشهور معظّم، ولم

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «لا ينكر» . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المصادمة» والتصحيح من «العبر» (4/ 61) .

يملك شيئا من المدائن، إنما مهّد الأمور وقرّر القواعد فبغته الموت، وكانت الفتوحات والممالك لعبد المؤمن. قاله في «العبر» [1] . وفيها الآمر بأحكام الله أبو علي منصور بن المستعلي بالله أحمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر بن الحاكم العبيدي الرافضي، صاحب مصر. كان فاسقا مشتهرا ظالما، امتدت دولته، ولما كبر وتمكّن قتل وزيره الأفضل، وأقام في الوزارة البطائحيّ المأمون، ثم صادره وقتله. ولي الخلافة سنة خمس وتسعين، وهو ابن خمس سنين فانظر إلى هذه الخلافة الباطلة من وجوه: أحدها: السنّ. الثاني: عدم النسب، فإن جدّهم دعيّ في بني فاطمة بلا خلاف. الثالث: أنهم خوارج على الإمام. الرابع: خبث المعتقد الدائر بين الرفض والزندقة. الخامس: تظاهره بالفسق. وكانت أيامه ثلاثين سنة [2] . خرج في ذي القعدة إلى الجيزة فكمن له قوم بالسلاح، فلما مر على الجسر نزلوا عليه بالسيوف، ولم يعقّب، وبايعوا بعده ابن عمّه الحافظ عبد المجيد ابن الأمير محمد بن المستنصر، فبقي إلى عام أربعة وأربعين، وكان الآمر ربعة شديد الأدمة، جاحظ العينين، عاقلا، ماكرا [3] مليح الخطّ. ولقد ابتهج الناس بقتله لفسقه وجوره وسفكه الدماء، وإدمان الفواحش. وفيها أبو محمد بن الأكفاني هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري

_ [1] (4/ 57- 62) . [2] لفظة «سنة» سقطت من «آ» . [3] لفظة «ماكرا» سقطت من «العبر» طبع الكويت، واستدركت في «العبر» طبع بيروت.

الدمشقي، الحافظ، وله ثمانون سنة. سمع أباه، وأبا القاسم الحنّائي، وأبا بكر الخطيب، وطبقتهم، ولزم أبا محمد الكتّاني مدة. وكان ثقة فهما، شديد العناية بالحديث والتاريخ، كتب الكثير، وكان من كبار العدول، توفي في سادس المحرم. وفيها أبو سعد المهراني هبة الله بن القاسم بن عطاء النيسابوري. روى عن عبد الغافر الفارسي، وأبي عثمان الصابوني، وطائفة، وعاش ثلاثا وتسعين سنة، وكان ثقة جليلا خيّرا. توفي في جمادى الأولى.

سنة خمس وعشرين وخمسمائة

سنة خمس وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو السعود بن المجلّي أحمد بن علي البغدادي البزّاز، شيخ مبارك عامّيّ. روى عن القاضي أبي يعلى، وابن المسلمة، وطبقتهما. وفيها أبو المواهب بن ملوك الورّاق، أحمد بن محمد بن [عبد الملك البغدادي، عن خمس وثمانين سنة، وكان صالحا خيّرا، روى عن القاضي أبي الطيب، والجوهري] [1] . وفيها أبو نصر الطّوسي أحمد بن محمد بن عبد القاهر الفقيه، نزيل الموصل. تفقه على الشيخ أبي إسحاق، وسمع من عبد الصمد بن المأمون وطائفة. وفيها الشيخ حمّاد بن مسلم [2] بن ددّوة الدّبّاس أبو عبد الله الرّحبي الزاهد، شيخ الشيخ عبد القادر الكيلاني. نشأ ببغداد، وكان له معمل للدّبس، وكان أمّيا لا يكتب. له أصحاب وأتباع وأحوال وكرامات. دوّنوا كلامه في مجلدات، وكان شيخ العارفين في زمانه، وكان ابن عقيل يحطّ عليه ويؤذيه. قاله في «العبر» [3] .

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» (4/ 64) مصدر المؤلف. [2] قوله: «ابن مسلم» سقط من «آ» . [3] (4/ 64) .

وقال السخاوي: كان قد سافر وتغرّب، ولقي المشايخ، وجاهد نفسه بأنواع المجاهدات، وزاول أكثر المهن والصنائع في طلب الحلال، والتورع في الكسب، والتحري، ثم فتح له بعد ذلك خير كثير، وأملى في الآداب، والأعمال، والعلوم المتعلقة بالمعرفة وتصحيح المعاملات شيئا كثيرا، وكان كأنه مسلوب الاختيار، مكاشفا بأكثر الأحوال، ومن كلامه: انظر إلى صنعه تستدل عليه ولا تنظر إلى صنع غيره فتعمى عنه. اللّسان ترجمان القلب والنظر، فإذا زال ما في القلب والنظر من الهوى، كان نطقه حكمة. والحساب على أخذك من ماله، وهو الحلال، والعقاب [1] على أخذك من مالهم وهو الحرام. وقال- رضي الله عنه-: من هرب من البلاء لا يصل إلى باب الولاء. وقال- رضي الله عنه-: ما لأحد في مأكول عليّ منّة، فإنّي بالغت في طلب الرزق الحلال بكد يميني، وعملت في كلّ شيء إلّا أني ما كنت غلاما لقصاب، ولا لوقاد، ولا لكنّاس، فإن هذه الحرف تؤدي إلى إسقاط المروءة. وكان الشيخ يأكل من النذر، كأن يقول بعضهم: إن سلم مالي، أو ولدي، أو قرابتي، فلله عليّ أن أعطي حمّادا كذا، ثم ترك ذلك لأنه بلغه حديث النّبي- صلّى الله عليه وسلم-: «النّذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل» [2]

_ [1] سبق قلم ناسخ النسخة «آ» فكتب «والحساب» هنا أيضا وقد وردت في السطر الذي سبقه. [2] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (6692) في الأيمان والنذور: باب الوفاء بالنذر، وقوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ 76: 7 [الإنسان: 7] ، و (6608) في القدر: باب إلقاء العبد النذر إلى القدر، ومسلم رقم (1639) (4) في النذر: باب النهي عن النذور أنه لا يرد شيئا، وأبو داود رقم (3287) في الأيمان والنذور: باب النهي عن النذور، والترمذي رقم (1538) في النذور والأيمان: باب في كراهية النذر، وأحمد في «المسند» (2/ 61 و 235 و 301 و 412 و 463) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

فكره أكل مال البخيل، وصار يأكل بالمنامات، كأن يرى الإنسان في النوم أن قائلا يقول له: أعط حمّادا كذا، فيصبح، ويحمل الذي قيل له إلى الشيخ. توفي- رحمه الله تعالى- ليلة السبت، الخامس من شهر رمضان، ودفن في الشونيزية، وكان مسلوب الاختيار، تارة زيه زيّ الأغنياء، وتارة زيّ الفقراء، متلون كيف أدير دار، أي شيء كان في يده جاد به، وكانت المشايخ بين يديه كالميت بين يدي الغاسل. انتهى كلام السخاوي ملخصا [1] . وفيها أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان [بن] زهر الإيادي الإشبيلي، طبيب الأندلس، وصاحب التصانيف. أخذ عن أبيه، وحدّث عن أبي علي الغسّاني، وجماعة، ونال دنيا عريضة ورئاسة كبيرة، وله شعر رائق، نكب في الآخر من الدولة. قال ابن الأهدل: له شعر رائق، ورئاسة عظيمة، وأموال عميمة، وهو أحد شيوخ أبي الخطّاب بن دحية، وكان يحفظ شعر ذي الرّمّة، وهو ثلث اللغة، مع معرفة الطب التامة، وأهل بيته كلهم وزراء علماء. انتهى. وفيها عين القضاة الهمذاني أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي- بالفتح وفتح النون، نسبة إلى ميانة بلد بأذربيجان- الفقيه العلّامة الأديب، وأحد من كان يضرب به المثل في الذكاء. دخل في التصوف ودقائقه ومعاني إشارات القوم، حتى ارتبط عليه الخلق، ثم صلب بهمذان على تلك الألفاظ الكفرية، نسأل الله العفو. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو عبد الله الرّازي، صاحب «السداسيات» و «المشيخة» .

_ [1] قلت: وعقب ابن شقدة في «المنتخب» (108/ آ) بقوله: قلت: وترجمه الشيخ محمود البصروي في «تاريخه» ثم سرد ترجمته عنده. [2] (4/ 65) .

محمد بن أحمد بن إبراهيم الشاهد، المعروف بابن الحطّاب [1] ، مسند الدّيار المصرية وأحد عدول الإسكندرية. توفي في جمادى الأولى، عن إحدى وتسعين سنة. سمّعه أبوه الكثير من [2] مشيخة مصر: ابن حمّصة، والطّفّال، وأبي القاسم الفارسي، وطبقتهم. وفيها أبو غالب الماوردي محمد بن الحسن [3] بن علي البصريّ، في رمضان ببغداد، وله خمس وسبعون سنة. روى عن أبي علي التّستري، وأبي الحسن بن النّقور، وطبقتهما. وكان ناسخا فاضلا صالحا. رحل إلى أصبهان، والكوفة، وكتب الكثير، وخرّج «المشيخة» . وفيها الشيخ الفقيه محمد بن عبدويه المدفون بجزيرة كمران من اليمن ببحر القلزم [4] تفقّه بالشيخ أبي إسحاق ببغداد، وقرأ عليه كتابه «المهذب» ونكته في الأصول والجدل، وهو أول من دخل ب «المهذب» إلى [5] اليمن، وكان سكن عدن، ثم انتقل إلى زبيد في دولة الحبشة، فلما دخل مفضل بن أبي البركات بعسكر من العرب انتهب مالا لابن عبدويه، كان يتجر فيه في جملة من انتهب، ثم خرج إلى كمران وأقام بها إلى أن توفي وقبره هناك مشهور مزور، وكان زاهدا ورعا لا يأكل إلّا رزا يأتي من بلاد الهند، وكان عبيده يسافرون إلى الحبشة، والهند، ومكة، وعدن، للتجارة، فأخلفه الله مالا عن ماله المنهوب، وكان ينفق على طلبة العلم، وكانت طريقته سنّية سنية، وله تصنيف في أصول الفقه يسمى «الإرشاد» وكان له ولد عالم في الأصول والفقه، يسمى عبد الله، تفقّه بأبيه، ومات قبله، وله ذرية

_ [1] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 375) . [2] لفظة «من» سقطت من «آ» . [3] لفظة «الحسن» سقطت من «آ» . [4] يعني البحر الأحمر. انظر «صفة جزيرة العرب» للهمداني ص (92) و (232) . [5] لفظة «إلى» لم ترد في «ط» و «المنتخب» (108/ ب) .

بمشهده، أخيار أبرار، وابتلي بذهاب بصره، فأتي بقداح [1] فأنشد: وقالوا قد دهى عينيك سوء ... فلو عالجته بالقدح زالا فقلت الرّبّ مختبري بهذا ... فإن أصبر أنل منه النّوالا وإن أجزع حرمت الأجر منه ... وكان خصيصتي منه الوبالا وإني صابر راض شكور ... ولست مغيّرا ما قد أنالا صنيع مليكنا حسن جميل ... وليس لصنعه شيء مثالا وربّي غير متصف بحيف ... تعالى ربّنا عن ذا تعالى روي [2] أنه لما قال هذه الأبيات أعاد الله عليه بصره. قاله ابن الأهدل. وفيها السلطان محمود بن السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السّلجوقي، الملقب مغيث الدّين. ولي بعد أبيه سنة اثنتي عشرة، وخطب له ببغداد وغيرها، ولعمه سنجر معا، وكان له معرفة بالشعر، والنحو، والتاريخ، وكان متوقدا ذكاء، قوي المعرفة بالعربية، حافظا للأشعار والأمثال، عارفا بالتواريخ والسّير، شديد الميل إلى أهل العلم والخير، وكان حيص بيص [3] الشاعر قد قصده من العراق، ومدحه بقصيدته الدالية المشهورة، التي أولها: ألق الحدائج تلق [4] الضّمّر القود ... طال السّرى وتشكّت وخدك البيد يا ساري الليل لا جدب ولا فرق ... فالنبت أغيد والسلطان محمود قيل تألفت الأضداد خيفته ... فالمورد الضنك فيه الشاء والسيّد وهي طويلة من غرر القصائد، وأجازه عليها جائزة سنية.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «بقراح» . [2] في «المنتخب» (108/ ب) : «وروي» . [3] سترد ترجمته في وفيات سنة (574) ص (408- 409) من هذا المجلد. [4] في «وفيات الأعيان» (5/ 182) : «ترع» .

وكانت السلطنة في آخر [1] أيامه قد ضعفت وقلّت أموالها، حتّى عجزوا عن إقامة وظيفة الفقاعي، فدفعوا له يوما بعض صناديق الخزانة حتّى باعها وصرف ثمنها في حاجته، وكان في آخر مدته قد دخل بغداد، ثم خرج منها [2] فمرض في الطريق، واشتد به المرض، وتوفي يوم الخميس منتصف شوال بباب أصبهان، ودفن بها. وفيها أبو القاسم بن الحصين هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العبّاس بن الحسين الشيباني البغدادي، الكاتب الأزرق، مسند العراق. ولد في ربيع الأول، سنة اثنتين وثلاثين، وسمع ابن غيلان، وابن المذهب، والحسن بن المقتدر، والتنوخي، وهو آخر من حدّث عنهم، وكان ديّنا صحيح السماع، توفي في رابع عشر شوال. وفيها يحيى بن المشرف بن علي أبو جعفر المصري التمّار. روى عن أبي العبّاس بن نفيس، وكان صالحا من أولاد المحدّثين. توفي في رمضان.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «أواخر» . [2] في «آ» و «ط» : «عنها» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .

سنة ست وعشرين وخمسمائة

سنة ست وعشرين وخمسمائة فيها كانت الوقعة بناحية الدّينور بين السلطان سنجر وبين ابني [1] أخيه سلجوق ومسعود. قال ابن الجوزي [2] : كان مع سنجر مائة وسبعون ألفا، ومع مسعود ثلاثون ألفا، وبلغت القتلى أربعين ألفا، وقتلوا قتلة جاهلية على الملك لا على الدّين، وقتل قراجا [3] أتابك سلجوق، وجاء مسعود لما رأى الغلبة إلى بين يدي سنجر فعفا عنه، وأعاده إلى كنجة، وقرر سلطنة بغداد لطغربك [4] ورجع إلى خراسان. وفيها توفي الملك الأكمل أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري. سجن بعد قتل أبيه مدّة إلى أن قتل الآمر وأقيم الحافظ. فأخرجوا الأكمل وولي وزارة السيف والقلم، وكان شهما مهيبا عالي الهمّة كأبيه وجده، فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور، وأخذ أكثر ما في القصر، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية، لأنه كان سنّيا كأبيه،

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن» والتصحيح من «العبر» (4/ 67) . [2] انظر «المنتظم» (10/ 26) وفيه: «مائة ألف وستون ألفا» . [3] في «آ» : «فواجا» وفي «ط» : «ثراجا» والتصحيح من «المنتظم» و «العبر» . [4] كذا في «آ» و «ط» و «دول الإسلام» (2/ 48) : «طغربك» وفي «المنتظم» : «تغرل» وفي «الكامل في التاريخ» (10/ 678) : «طغرل» .

لكنه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر [1] ، وأبطل من الأذان (حيّ على خير العمل) وأبطل [2] قواعد القوم، فأبغضه الدعاة والقوّاد، وعملوا عليه. فركب للعب الكرة في المحرم، فوثبوا عليه، وطعنه مملوك الحافظ [بحربة] [3] ، وأخرجوا الحافظ، ونزل إلى دار الأكمل، واستولى على خزائنه، واستوزر يانس مولاه، فهلك بعد عام. وفيها أبو العزّ بن كادش [4] أحمد بن عبيد الله بن محمد السّلمي العكبري، في جمادى الأولى، عن تسعين سنة. وهو آخر من روى عن القاضي أبي الحسن الماوردي، وروى عن الجوهري، والعشاري، والقاضي أبي الطيب، وكان قد طلب الحديث بنفسه، وله فهم. قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلّطا. وفيها تاج الملوك، بوري، صاحب دمشق وابن صاحبها طغتكين، مملوك تاج الدولة تتش السلجوقي، وكانت دولته أربع سنين، قفز عليه الباطنية فجرح وتعلّل أشهرا، ومات في رجب، وولي بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل، وكان شجاعا مجاهدا جوادا كريما، سدّ مسدّ أبيه، وعاش ستا وأربعين سنة. وفيها عبد الله بن أبي جعفر المرسي العلّامة أبو محمد المالكي، انتهت إليه رئاسة المالكية، وتوفي في رمضان، وقد روى عن أبي حاتم بن محمد، وابن عبد البرّ، والكبار، وسمع بمكة «صحيح مسلم» من أبي عبد الله الطبري.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنتصر» والتصحيح من «العبر» (4/ 68) . [2] في «العبر» : «وغيّر» . [3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» . [4] في «ط» : «كاوش» وهو تحريف.

وفيها عبد الكريم بن حمزة أبو محمد السّلمي الدمشقي الحداد، مسند الشام. روى عن أبي القاسم الحنّاني، والخطيب، وأبي الحسين بن مكّي، وكان ثقة توفي في ذي القعدة. وفيها القاضي أبو الحسين بن الفرّاء محمد بن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين البغدادي الحنبلي، وله أربع وسبعون سنة. سمع أباه، وعبد الصمد بن المأمون، وطبقتهما، وكان مفتيا مناظرا عارفا بالمذهب ودقائقه، صلبا في السّنّة، كثير الحطّ على الأشاعرة، استشهد ليلة عاشوراء، وأخذ ماله، وقتل قاتله، وألّف «طبقات الحنابلة» . قاله في «العبر» [1] . وقال ابن رجب [2] : كان عارفا بالمذهب، متشددا في السنّة، وله تصانيف كثيرة في الفروع والأصول وغير ذلك، منها «المجموع في الفروع» ، «رؤوس المسائل» ، «المفردات في أصول الفقه» ، «التمام لكتاب الروايتين والوجهين» الذي لأبيه، «المفردات في أصول الفقه» ، «طبقات الأصحاب» ، «إيضاح الأدلة في الردّ على الفرق الضالة المضلة» ، «الرد على زائغي [3] الاعتقادات في منعهم من سماع الآيات» ، «المفتاح في الفقه» . وغير ذلك. وقرأ عليه جماعة كثيرة، منهم عبد المغيث الحربي، وغيره. وحدّث عنه، وسمع منه خلق كثير من الأصحاب وغيرهم، منهم: ابن ناصر، ومعمر ابن الفاخر، وابن الخشّاب، وأبو الحسين البراندسي الفقيه، وابن المرحب البطائحي، وابن عساكر الحافظ، وغيرهم. وبالإجازة أبو موسى المديني، وابن كليب. وكان للقاضي أبي الحسين بيت في داره بباب المراتب يبيت فيه

_ [1] (4/ 69- 70) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 176- 177) . [3] في «آ» : «زائفي» .

وحده، فعلم بعض من كان يخدمه ويتردد إليه بأن له مالا، فدخلوا عليه ليلا وأخذوا المال وقتلوه ليلة الجمعة-[ليلة] عاشوراء- ودفن عند أبيه بمقبرة باب حرب، وكان يوما مشهودا. وقدر الله سبحانه وتعالى ظهور قاتليه، فقتلوا كلهم. وفيها علي بن الحسن الدّواحي أبو الحسن [1] ، الواعظ، تفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وسمع منه الحديث، وتوفي ليلة الجمعة خامس شوال، ودفن بباب حرب.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 178) .

سنة سبع وعشرين وخمسمائة

سنة سبع وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو غالب بن البناء أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي، مسند العراق، وله اثنتان وثمانون سنة. توفي في صفر. سمع الجوهري وأبا يعلى بن الفرّاء، وطائفة، وله «مشيخة» مرويّة. وفيها أبو العبّاس بن الرّطبي أحمد بن سلامة بن عبد الله بن مخلد الكرخيّ، برع في مذهب الشافعي وغوامضه على الشيخين أبي إسحاق، وابن الصبّاغ، حتّى صار يضرب به المثل في الخلاف والمناظرة، ثم علّم أولاد الخليفة. قاله في «العبر» [1] . وفيها العلّامة مجد الدّين أبو الفتح، وأبو سعيد، أسعد بن أبي النصر ابن الفضل الميهنتيّ- بكسر الميم- وقيل بفتحها- ثم مثناة، ثم هاء مفتوحة، ثم نون مفتوحة، وفي آخره تاء التأنيث [2] ، نسبة إلى ميهنة قرية بقرب طوس بين سرخس وأبيورد- صاحب «التعليقة» تفقّه بمرو، وشاع فضله، وبعد صيته، وولي نظامية بغداد مرتين، وخرج له عدة تلامذة، وكان يتوقد ذكاء، تفقّه على أبي المظفر السمعاني، والموفق الهروي، وكان يرجع إلى دين

_ [1] (4/ 71) . [2] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله تعالى، وتبعه ابن شقدة في «المنتخب» (108/ آ) وقد وهما في ذلك، والصواب «الميهني» بكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء وفي آخرها نون، كما في «الأنساب» (11/ 580) و «العبر» (4/ 71) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 633) .

وخوف. ولد بميهنة، سنة إحدى وستين وأربعمائة، ورحل إلى غزنة- بغين معجمة من نواحي الهند- واشتهر بتلك النواحي، وشاع فضله، ثم ورد إلى بغداد، وانتفع الناس به وبطريقته الخلافية، ثم توجه من بغداد رسولا إلى همذان، فتوفي بها. وفيها الحافظ أبو نصر اليونارتي- بضم التحتية، ونون مفتوحة، وسكون الراء، وفوقية، نسبة إلى يونارت، قرية بأصبهان- الحسن بن محمد ابن إبراهيم الحافظ. سمع أبا بكر بن ماجة، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، وطبقتهما، ورحل إلى هراة، وبلخ، وبغداد، وعني بهذا الشأن، وكان جيد المعرفة، متقنا. توفي في شوال، وقد جاوز الستين. وفيها ابن الزّاغوني أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السّريّ [1]- كذا نسبه ابن شافع وابن الجوزي- الفقيه الحنبلي، شيخ الحنابلة، وواعظهم، وأحد أعيانهم. ولد في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات، وطلب الحديث بنفسه، وقرأ وكتب بخطه، وسمع من أبي الغنائم ابن المأمون، وأبي جعفر بن المسلمة، وابن النّقور، وغيرهم، وقرأ الفقه على القاضي يعقوب البرزبيني [2] . وقرأ الكثير من كتب اللغة [3] ، والنحو، والفرائض، وكان متقنا في علوم شتى، من الأصول، والفروع، والوعظ، والحديث، وصنّف في ذلك كله.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 605- 607) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 180- 184) . [2] في «آ» : «البرنسي» وفي «ط» : «البرنشي» وفي «المنتظم» (10/ 32) : «البرزباني» وذلك كله من التحريف الذي لحق بنسبته على أيدي النسّاخ والله أعلم، والصواب: «البرزبيني» كما في «الأنساب» (2/ 147) و «اللباب» (1/ 137) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 180) وهو ما أثبته. [3] تحرفت في «ط» إلى «الفقه» .

قال ابن الجوزي: كان له في كل فنّ من العلم حظ وافر، ووعظ مدة طويلة. قال [1] : وصحبته زمانا، فسمعت منه الحديث، وعلّقت عنه من الفقه والوعظ، وكانت له حلقة بجامع المنصور، يناظر فيها يوم الجمعة قبل الصلاة، ثم يعظ فيها بعد الصلاة، ويجلس يوم السبت أيضا. وذكر ابن ناصر أنه كان فقيه الوقت، وكان مشهورا بالصلاح، والدّيانة، والورع، والصيانة. وقال ابن السمعاني: ذكر بعض الناس ممن يوثق بهم، أنّه رأى في المنام ثلاثة، يقول واحد منهم: اخسف، وواحد يقول: أغرق، وواحد يقول: أطبق، يعني البلد، فأجاب بعضهم لا، لأن بالقرب منا ثلاثة: أبو الحسن ابن الزّاغوني، والثاني أحمد بن الطلاية، والثالث محمد بن فلان من الحربية. ولابن الزّاغوني تصانيف كثيرة، منها في الفقه «الإقناع» و «الواضح» و «الخلاف الكبير» و «المفردات» في مجلدين، وهي مائة مسألة وله «التخليص» في الفرائض، ومصنف في الدّور والوصايا، وله «الإيضاح» في أصول الدّين مجلد، و «غرر البيان في أصول الفقه» مجلدات عدة، وله ديوان خطب [أنشأها] [2] ، ومجالس في الوعظ، وله «تاريخ» على السنين [من أول ولاية المسترشد إلى حين وفاته هو] [2] ومناسك الحج، وفتاوى، ومسائل في القرآن، وغير ذلك. قال الحافظ ابن رجب: كان ثقة، صحيح السماع، صدوقا، حدّث بالكثير، وروى عنه ابن ناصر، وابن عساكر، وابن الجوزي، وابن طبرزد، وغيرهم، وتفقّه عليه جماعة، منهم صدقة بن الحسين، وابن الجوزي،

_ [1] القائل ابن الجوزي. [2] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 181) .

وتوفي يوم الأحد سادس عشر المحرم، ودفن بمقبرة الإمام أحمد، وكان له جمع عظيم يفوت الإحصاء. انتهى ملخصا. وفيها محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبيد الله الشيباني المزرفي [1] ، المقرئ الفرضي، أبو بكر. ولد في سلخ سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات على جماعة من أصحاب الحمامي، منهم أبو بكر بن موسى الخيّاط، وسمع من ابن المسلمة وخلائق. ذكر ابن ناصر أنه كان مقرئ زمانه، قرأ القراءات [2] عليه جماعة، منهم: أبو موسى المديني الحافظ، وعلي بن عساكر، وغيرهما. وحدّث عنه ابن ناصر، وابن عساكر، وابن الجوزي [وغيرهم. قال ابن الجوزي] [3] : كان ثقة عالما ثبتا، حسن العقيدة، حنبليا، توفي يوم السبت مستهل السنة فجأة، وقيل: إنه توفي في سجوده، ودفن بباب حرب. والمزرفي: [نسبة إلى المزرفة] [3] بين بغداد وعكبرا، وهي بتقديم الزاي على الراء، وبالقاف، ولم يكن منها إنما نقل أبوه إليها أيام الفتنة فأقام بها مدة. وفيها محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن الفرّاء [4] ، الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو خازم، ابن القاضي الإمام أبي يعلى، وأخو القاضي أبي الحسين.

_ [1] تنبيه: في «آ» و «ط» : «المزرقي» بالقاف، وهو تصحيف، والصواب «المزرفي» بالفاء وهو ما أثبته: انظر «المنتظم» (10/ 33) و «العبر» (4/ 72) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 484) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 631) والمرزفة: على ثلاثة فراسخ فوق بغداد. انظر «بلدان الخلافة الشرقية» ص (71) . [2] في «آ» : «القرآن» . [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 184- 185) .

ولد في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وسمع الحديث من ابن المسلمة، وابن المأمون، وغيرهما. وذكر ابن نقطة أنّه حدّث عن أبيه وما أظنه إلّا بالإجازة، فإنه ولد قبل موت والده بسنة. وذكر أخوه أن والده أجاز له ولأخيه. وقرأ محمد هذا الفقه على القاضي يعقوب. ولازمه، وعلّق عنه، وبرع في معرفة المذهب، والخلاف، والأصول، وصنّف تصانيف مفيدة، وله كتاب «التبصرة» في الخلاف، وكتاب «رؤوس المسائل» و «شرح مختصر الخرقي» وغير ذلك. وكان من الفقهاء الزاهدين، والأخيار الصالحين. وحدّث وسمع منه جماعة، منهم ابناه [1] وأبو المعمر الأنصاري، ويحيى بن بوش [2] ، وتوفي يوم الاثنين تاسع عشري صفر، ودفن بداره بباب الأزج، ونقل في سنة أربع وثلاثين إلى مقبرة الإمام أحمد فدفن عند أبيه. وأبو خازم: بالخاء والزاي المعجمتين. وفيها محمد بن أحمد بن صاعد أبو سعيد النيسابوري الصّاعدي، وله ثلاث وثمانون سنة. وكان رئيس نيسابور، وقاضيها، وعالمها، وصدرها. روى عن أبي الحسين بن عبد الغافر، وابن مسرور.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «ابناه» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابنته» وفي «الوافي بالوفيات» (1/ 160) : «روى عنه أولاده: أبو يعلى محمد، وأبو الفرج علي، وأبو محمد عبد الرحيم» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن يونس» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «ذيل طبقات الحنابلة» .

سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

سنة ثمان وعشرين وخمسمائة فيها توفي أبو الوفاء أحمد بن علي الشيرازي الزاهد الكبير، صاحب الرباط [1] ، والأصحاب، والمريدين ببغداد، وكان يحضر السماع. وفيها أبو الصّلت أميّة بن عبد العزيز بن أبي الصّلت الدّاني الأندلسي، صاحب الفلسفة، وكان ماهرا في علوم الأوائل الطبيعي، والرياضي، والإلهي، كثير التصانيف، بديع النظم، عاش ثماني وستين سنة، وكان رأسا في معرفة الهيئة، والنجوم، والموسيقا. تنقل في البلاد ومات غريبا، وذكره العماد الكاتب في «الخريدة» وأثنى عليه، وذكر شيئا من نظمه، ومن جملة ما ذكر قوله [2] : وقائلة ما بال مثلك خاملا ... أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز فقلت لها ذنبي إلى القوم أنّني ... لما لم يحوزوه من المجد حائز وما فاتني شيء سوى الحظّ وحده ... وأمّا المعالي فهي عندي غرائز وله أيضا [3] :

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «الرباني» . [2] الأبيات في «الخريدة» (قسم شعراء المغرب) (1/ 226) النشرة الثالثة، طبع الدار التونسية للنشر، و «وفيات الأعيان» (1/ 244) و «نفح الطيب» (3/ 356- 357) . [3] الأبيات في «الخريدة» (قسم شعراء المغرب) (1/ 204) و «وفيات الأعيان» (1/ 244) و «نفح الطيب» (3/ 357) ولم يرد عنده البيت الرابع.

جدّ بقلبي وعبث ... ثمّ مضى وما اكترث وا حربا [1] من شادن ... في عقد الصّبر نفث يقتل من شاء بعيني ... هـ ومن شاء بعث فأيّ ودّ لم يخن ... وأيّ عهد ما نكث وله أيضا [2] : دبّ العذار بخدّه ثم انثنى ... عن لثم مبسمه البرود الأشنب لا غرو إن خشي الردى في لثمه ... فالرّيق سمّ قاتل للعقرب ومن شعره أيضا [3] : ومهفهف تركت [4] محاسن وجهه ... ما مجّه في الكأس من إبريقه ففعالها من مقلتيه ولونها ... من وجنتيه وطعمها من ريقه وأورد له أيضا في كتاب «الخريدة» [5] : عجبت من طرفك في ضعفه ... كيف يصيد البطل الأصيدا يفعل فينا وهو في غمده ... ما يفعل السيف إذا جرّدا وشعره كثير وجيد، وآخر شعر قاله أبيات أوصى أن تكتب على قبره وهي [5] : سكنتك يا دار الفناء مصدّقا ... بأني إلى دار البقاء أصير وأعظم ما في الأمر أنّي صائر ... إلى عادل في الحكم ليس يجور فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها ... وزادي قليل والذنوب كثير

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (1/ 244) و «نفح الطيب» (3/ 357) : «وا حربا» وفي «الخريدة» : «وا حزني» . [2] البيتان في «الخريدة» (1/ 199) . [3] البيتان في «وفيات الأعيان» (1/ 245) و «نفح الطيب» (2/ 107) . [4] في «وفيات الأعيان» : «شركت» وفي «نفح الطيب» : «شربت» . [5] لم أجد هذه الأبيات في «خريدة القصر» (قسم شعراء المغرب) .

فإن أك مجزيّا بذنبي فإنني ... بشرّ عقاب المذنبين جدير وإن يك عفو منه عني ورحمة ... فثمّ نعيم دائم وسرور ولما اشتد مرض موته قال لولده عبد العزيز: عبد العزيز خليفتي ... ربّ السماء عليك بعدي أنا قد عهدت إليك ما ... تدريه فاحفظ فيه عهدي فلئن عملت به فإن ... ك لا تزال حليف رشد ولئن نكثت لقد ضلل ... ت وقد نصحتك حسب جهدي وقال ابن خلّكان [1] : وجدت في مجموع لبعض المغاربة، أن أبا الصّلت المذكور مولده في دانية مدينة من بلاد الأندلس في قران سنة ستين وأربعمائة، وأخذ العلم عن جماعة من أهل الأندلس كأبي الوليد الوقّشي قاضي دانية وغيره، وقدم الإسكندرية مع أمه في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ونفاه الأفضل شاهنشاه [2] من مصر سنة خمس وخمسمائة، وتردّد بالإسكندرية إلى أن سافر سنة ست وخمسمائة، فحلّ بالمهدية، ونزل من صاحبها علي بن يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس، منزلة جليلة، وولد له بها ولد سمّاه عبد العزيز، وكان شاعرا ماهرا، له في الشطرنج يد بيضاء. وتوفي هذا الولد ببجاية في سنة ست وأربعين وخمسمائة. وصنف أمية وهو في اعتقال الأفضل بمصر رسالة «العمل بالأسطرلاب» وكتاب «الوجيز» في علم الهيئة، وكتاب «الأدوية المفردة» وكتابا في المنطق سماه «تقويم الأذهان» [3] وغير ذلك. ولما [4] صنّف «الوجيز» للأفضل عرضه

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 246- 247) . [2] في «آ» و «ط» : «شاهان شاه» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «تقويم الذهن» وهو كذلك في «كشف الظنون» (1/ 469) . [4] في «ط» : «وبها» .

على منجمه أبي عبد الله الحلبي، فلما وقف عليه قال له: هذا الكتاب لا ينتفع به المبتدئ، ويستغني عنه المنتهي. وله من أبيات: كيف لا تبلى غلائله ... وهو بدر وهي كتّان انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا. وفيها أبو علي الفارقي، الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون، شيخ الشافعية. ولد بميّافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتفقّه على محمد بن بيان [1] الكازروني، ثم ارتحل إلى الشيخ أبي إسحاق وحفظ عليه «المهذب» وتفقّه على ابن الصباغ، وحفظ عليه «الشامل» . وكان ورعا زاهدا صاحب حقّ، مجوّدا لحفظ الكتابين، يكرر عليهما. وقد سمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة، وولي قضاء واسط مدّة. وبها توفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة، وعليه تفقّه القاضي أبو سعد بن أبي عصرون. وفيها عبد الله بن المبارك، ويعرف بعسكر بن الحسن العكبري، المقرئ الفقيه، أبو محمد، ويعرف بابن نبال [2] الحنبلي. سمع من أبي نصر الزّينبي، وأبي الحسين العاصمي، وغيرهما، وتفقّه على أبي الوفاء بن عقيل، وأبي سعد البرداني، وكان يصحب شافعا الجيلي [3] ، فأشار عليه

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «عيان» . [2] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (109/ آ) و «المنتظم» (10/ 38) : «ابن نبال» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 185) و «المنهج الأحمد» (2/ 281) : «ابن نيال» . [3] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» في ترجمة المترجم إلى «الحنبلي» وجاءت على الصواب في ترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 49) و «المنهج الأحمد» (2/ 179) .

بشراء كتب ابن عقيل، فباع ملكا له واشترى بثمنه كتاب «الفنون» وكتاب «الفصول» ووقفهما [1] على المسلمين. وكان خيّرا من أهل السّنّة، وحدّث. وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشري جمادى الأولى عن نيف وسبعين سنة. ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها عبد الواحد بن شنيف بن محمد بن عبد الواحد الدّيلمي البغدادي، الفقيه الحنبلي، أبو الفرج، أحد أكابر الفقهاء. تفقّه على أبي علي البرداني، وبرع، وكان مناظرا مجوّدا وأمينا من قبل القضاة، ويباشر بعض الولايات، وله دنيا واسعة. وكان ذا فطنة، وشجاعة، وقوة قلب، وعفة، ونزاهة، وأمانة. قال ابن النجار [2] : كان مشهورا بالديانة وحسن الطريقة، ولم تكن له رواية في الحديث. توفي- رحمه الله تعالى- ليلة السبت حادي عشري شعبان، وصلى عليه الشيخ عبد القادر، ودفن بمقبرة الإمام أحمد، رضي الله عنه. وفيها أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن أبي زرعة الطبري، المقرئ المحدّث، الفقيه الحنبلي الزاهد، من أهل آمل طبرستان. ذكره ابن السمعاني فقال: شيخ صالح خيّر ديّن كثير العبادة والذكر، مستعمل السنن [3] مبالغ فيها جهده. وكان مشهورا بالزهد والديانة، رحل بنفسه في طلب الحديث إلى أصبهان، وسمع بها جماعة من أصحاب أبي نعيم الحافظ، كأبي سعد المطرّز [4] ، وأبي علي الحداد، وغيرهما. وسمع.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «ووقفها» . [2] انظر «ذيل تاريخ بغداد» (1/ 238- 239) . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : (2/ 188) «للسنن» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المطرب» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

ببلده آمل من أبي المحاسن الرّوياني الفقيه، وأبي بكر بن الخطّاب، وتوفي بالعسيلة [1] بعد فراغه من الحج، والعمرة، والزيارة، في المحرم ودفن بها. انتهى. وفيها أبو القاسم هبة الله بن أحمد الواسطي الشّروطي. روى عن الخطيب وابن المسلمة، وتوفي في ذي الحجة.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (4/ 125) .

سنة تسع وعشرين وخمسمائة

سنة تسع وعشرين وخمسمائة فيها هجم على سرادق المسترشد بالله أبي منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد بن القائم الهاشمي العبّاسي، سبعة عشر من الباطنية فقتلوه وقتلوا بظاهر مراغة، وكانت ولادته في ربيع الأول، سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وبويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وكان ذا همة عالية، وشهامة زائدة، وإقدام، ورأي، وهيبة شديدة. ضبط الأمور- أي أمور الخلافة- ورتبها أحسن ترتيب، وأحيا رميمها، ونشر عظامها، وشيّد أركان الشريعة، وطرّز أكمامها، وباشر الحروب بنفسه، وخرج عدة نوب إلى الحلّة، والموصل، وطريق خراسان، إلى أن خرج النّوبة الأخيرة وكسر جيشه بقرب همذان، وأخذ أسيرا إلى أذربيجان في هذه السنة. وكان قد سمع الحديث من أبي القاسم بن بيان، وعبد الوهاب بن هبة الله السبتي. وروى عنه محمد بن عمر بن مكّي الأهوازي، ووزيره علي ابن طراد، وإسماعيل بن طاهر الموصلي. وذكره ابن الصلاح في «طبقات الشافعية» وناهيك بذلك، فإنه قال: هو الذي صنّف له أبو بكر الشاشي كتابه «العمدة» في الفقه، وبلقبه اشتهر الكتاب، فإنه كان حينئذ يلقب عمدة الدّنيا والدّين.

وذكره ابن السبكي في «طبقات الشافعية» [1] فقال: كان في أول أمره تنسّك، ولبس الصوف، وانفرد في بيت للعبادة، وكان مولده يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة، وخطب له أبوه بولاية العهد، ونقش اسمه على السكّة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، وكان مليح الخط، ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله، يستدرك على كتّابه ويصلح أغاليط في كتبهم. وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه، فأمر أشهر من الشمس. ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك، إلى أن خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق، فكسر [2] وأخذ، ورزق الشهادة. وقال الذهبي: مات السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه سنة خمس وعشرين، فأقيم ابنه داود مكانه، فخرج عليه عمه مسعود بن محمد، فاقتتلا ثم اصطلحا على الاشتراك بينهما، ولكلّ مملكة، وخطب لمسعود بالسلطنة ببغداد ومن بعده لداود، وخلع عليهما، ثم وقعت بين الخليفة ومسعود، وحشة [3] فخرج لقتاله، فالتقى الجمعان، وغدر بالخليفة أكثر عسكره، فظفر به مسعود، وأسر الخليفة وخواصّه، فحبسهم بقلعة بقرب همذان، فبلغ أهل بغداد ذلك، فحثوا في الأسواق على رؤوسهم التراب، وبكوا وضجوا، وخرج النساء حاسرات يندبن الخليفة، ومنعوا الصلاة والخطبة. قال ابن الجوزي: وزلزلت بغداد مرارا كثيرة، ودامت كل يوم خمس مرّات أو ست مرات، والناس يستغيثون، فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول: ساعة وقوف الولد غياث الدّنيا والدّين على هذا المكتوب، يدخل على أمير المؤمنين، ويقبّل الأرض بين يديه، ويسأله العفو والصفح،

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 258) . [2] في «تاريخ الخلفاء» ص (432) وهو مصدر المؤلف: «وانكسر» . [3] لفظة «وحشة» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.

ويتنصل غاية التنصل، فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلا عن المشاهدة: من العواصف، والبروق، والزلازل، ودوام [1] ذلك عشرين يوما، وتشويش العساكر، وانقلاب البلدان. ولقد خفت على نفسي من جانب الله، وظهور آياته، وامتناع الناس من الصلوات في الجوامع، ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحمله، فالله الله، تتلافى [2] أمرك وتعيد أمير المؤمنين إلى مقرّ [3] عزّة، وتحمل الغاشية [4] بين يديه كما جرت عادتنا وعادة آبائنا، ففعل مسعود جميع ما أمر به، وقبّل الأرض بين يدي الخليفة، ووقف يسأل العفو. ثم أرسل سنجر رسولا آخر ومعه عسكر يستحثّ مسعود على إعادة الخليفة إلى مقرّ عزّة، فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية، فذكر أن مسعودا ما علم بهم، وقيل: بل هو الذي دسّهم، فهجموا على الخليفة في مخيّمه [5] ففتكوا به، وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فما شعر بهم العسكر إلّا وقد فرغوا من شغلهم، فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله، وجلس السلطان للعزاء، وأظهر المساءة بذلك، ووقع النحيب والبكاء، وجاء الخبر إلى بغداد، فاشتد ذلك على الناس، وخرجوا حفاة مخرّقين الثياب، والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقلن المراثي، لأن المسترشد كان محببا فيهم [ببرّه] ، ولما فيه [6] من الشجاعة والعدل والرّفق بهم.

_ [1] في «تاريخ الخلفاء» : «ودام» . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بتلاقي» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 47) و «تاريخ الخلفاء» ص (433) . [3] في «المنتظم» : «مستعر» وفي «تاريخ الخلفاء» : «منرّ» وهي محرّفة من «مقرّ» . [4] في «آ» و «ط» : «الفاشية» وهو تحريف، والتصحيح من «المنتظم» و «تاريخ الخلفاء» . [5] في «تاريخ الخلفاء» : «خيمته» . [6] لفظة «ببرّه» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الخلفاء» وقوله: «لما فيه» تحرف في «ط» إلى «بمرة شافية» .

وقتل المسترشد بمراغة يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة. وقال الذهبي: وقد خطب المسترشد [1] بالناس يوم عيد أضحى، فقال: الله أكبر ما سحّت [2] الأنواء، وأشرق الضياء، وطلعت ذكاء، وعلت على الأرض السماء، الله أكبر ما همع [3] سحاب، ولمع سراب، وأنجح طلاب، وسرّ قادما إياب. وذكر خطبة بليغة ثم جلس، ثم قام فخطب وقال: اللهم أصلحني في ذريتي وأعني على ما ولّيتني وأوزعني شكر نعمتك، ووفقني وانصرني، فلما فرغ منها وتهيأ للنزول بدره أبو المظفر الهاشمي فأنشده: عليك سلام الله يا خير من علا ... على منبر قد حفّ أعلامه النّصر وأفضل من أمّ الأنام وعمّهم ... بسيرته الحسنى وكان له الأمر وهي طويلة. وبالجملة فإنه كان من حسنات الخلفاء، رحمه الله تعالى. وفيها، أو في التي قبلها، الحسن بن أحمد بن جكّينا [4] ، الشاعر المشهور. قال العماد الكاتب: أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة طبعه، وكان يلقب بالبرغوث ومن شعره: لافتضاحي في عوارضه ... سبب والنّاس لوّام كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمّام وله أيضا:

_ [1] لفظة «المسترشد» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي. [2] كذا في «آ» و «ط» : «ما سحّت» أي ما سالت الأمطار وفي «تاريخ الخلفاء» : «ما سبحت» . [3] في «آ» : «ماهع» وفي «تاريخ الخلفاء» : «ما همى» . وجاء في «مختار الصحاح» (همع) : وسحاب همع، أي ماطر. [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «حكّينا» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (11/ 387) و «فوات الوفيات» (1/ 319) .

لمّا بدا خطّ العذا ... ريزين عارضه [1] بمشق وظننت أنّ سواده ... فوق البياض كتاب عتقي [2] فإذا به من سوء حظ ... ي عهدة كتبت برقّي وفيها- أو في التي قبلها- علي بن عطية اللّخمي البلنسي، الشاعر المشهور، عرف بابن الزقّاق. كان شاعرا مفلقا حسن السبك رشيق العبارة. ومن شعره قوله في غلام أصابته جراحة في وجنته: وما شق وجنته عابثا ... ولكنها آية للبشر جلاها لنا الله كيما نرى ... بها كيف كان انشقاق القمر وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم ابن خلّكان وابن شهبة [3]- محمد ابن عبد الله بن أحمد أبو نصر الأرغياني- بالفتح، فالسكون، فكسر المعجمة، وفتح التحتية، نسبة إلى أرغيان، من نواحي نيسابور- الشافعي صاحب «الفتاوى» المعروفة، وهي في مجلدين ضخمين، يعبر عنها تارة ب «فتاوى الأرغياني» وتارة ب «فتاوى إمام الحرمين» لأنها أحكام مجرّدة، أخذها مصنّفها من «النهاية» . قرأ على إمام الحرمين. وسمع من أبي الحسن الواحدي المفسر، وروى عنه في تفسير قوله تعالى: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ 12: 94 [يوسف: 94] فقال: إن ريح الصبا استأذنت ربها أن تأتي يعقوب عليه السّلام بريح يوسف عليه السلام، قبل أن يأتيه البشير بالقميص، فأذن لها فأتته بذلك، فلذلك يتروح كل محزون بريح الصبا، وهي من ناحية المشرق إذا هبّت على الأبدان نعمتها ولينتها، وهيّجت الأشواق إلى الأوطان والأحباب. انتهى.

_ [1] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «يزين خدّيه» . [2] في «آ» و «ط» : «عتق» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 221- 222) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 348- 349) .

قال ابن السمعاني: ولد المذكور بأرغيان سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وقدم نيسابور، وتفقّه على إمام الحرمين، وبرع في الفقه، وكان إماما متنسكا، كثير العبادة، حسن السيرة، مشتغلا بنفسه، توفي في ذي القعدة بنيسابور وله شعر. وفيها طراد السّلمي السّنبسي البلنسي، عرف بزربول الأدب، وفيه يقول بعضهم، وقد أرسل معه كتاب جراب الدولة لصديق له يداعبه: وما يهدى مع الزّربول يوما ... إلى خلّ بأظرف من جراب ومن شعره هو: بادروا بالفرار من مقلتيه ... قبل أن تخسروا النّفوس عليه واعلموا أنّ للغرام ديونا ... ما لها الدّهر منقذ من يديه وفيها شمس الملوك، أبو الفتح إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين، ولي دمشق بعد أبيه، وكان وافر الحرمة، موصوفا بالشجاعة، كثير الإغارة على الفرنج. أخذ منهم عدة حصون، وحاصر أخاه ببعلبك مدّة، لكنه كان ظالما مصادرا، جبّارا [مسودنا] . رتّبت أمّه زمرّد خاتون من وثب عليه من قلعة دمشق في ربيع الأول، وكانت دولته نحو ثلاث سنين، وترتّب بعده في الملك أخوه محمود، وصار أتابكه معين الدّين أنر الطّغتكيني، فبقي أربع سنين وقتله غلمانه. قاله في «العبر» [1] . وفيها الحسن بن الحافظ لدّين الله عبد المجيد العبيدي المصري، ولي عهد أبيه ووزيره، ولي ثلاثة أعوام، فظلم، وغشم، وفتك، حتّى إنه قتل في ليلة أربعين أميرا، فخافه أبوه، وجهز لحربه جماعة، فالتقاهم واختبطت مصر، ثم دسّ عليه أبوه من سقاه سمّا فهلك.

_ [1] (4/ 77- 78) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

وفيها دبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو الأعزّ [1] ولد الأمير سيف الدولة الأسدي، صاحب الحلّة. كان فارسا، شجاعا، مقداما، جوادا، ممدحا، أديبا، كثير الحروب والفتن، خرج على المسترشد بالله غير مرة، ودخل خراسان، والشام، والجزيرة، واستولى على كثير من العراق، وكان مسعّر حرب وجمرة بلاء. قتله السلطان مسعود بمراغة في ذي الحجة، وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد، فلله الحمد على قتله. وله نظم حسن منه: تمتّع بأيام السّرور فإنما ... عذار الأماني بالهموم يشيب ونسب العماد الكاتب في «الخريدة» إليه الأبيات اللّامية التي من جملتها: أسلمه حبّ سليمانكم ... إلى هوى أيسره القتل وفيها ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني أبو المنصور الجذامي الإسكندري، المعروف بالحداد، الشاعر المشهور. كان من الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر أكثره [2] جيد، ومدح جماعة من المصريين، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السّلفي وغيره من الأعيان، ومن مشهور شعره قوله: لو كان بالصبر الجميل ملاذه ... ما سحّ وابل دمعه ورذاذه ما زال جيش الحبّ يغزو قلبه ... حتّى وهي وتقطّعت أفلاذه لم يبق فيه مع الغرام بقيّة ... إلّا رسيس يحتويه جذاذه من كان يرغب في السلامة فليكن ... أبدا من الحدق المراض عياذه

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (19/ 612) : «أبو الأعز» وفي «المنتظم» (10/ 52) ، و «وفيات الأعيان» (2/ 263) و «العبر» (4/ 78) طبع الكويت، و (2/ 435) طبع بيروت، و «النجوم الزاهرة» (5/ 256) : «أبو الأغرّ» . [2] كذا في «ط» و «وفيات الأعيان» (2/ 540) : «أكثره» وفي «آ» : «كثيره» .

لا تخدعنّك بالفتور فإنّه ... نظر يضرّ بقلبك استلذاذه يا أيها الرّشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حبّ القلوب نفاذه درّ يلوح بفيك من نظّامه؟ ... خمر يجول عليه من نبّاذه وقناة ذاك القدّ كيف تقوّمت؟ ... وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه؟ رفقا بجسمك لا يذوب فإنني ... أخشى بأن يجفو عليه لاذه هاروت يعجز عن مواقع سحره ... وهو الإمام فمن ترى أستاذه؟ تالله ما علقت محاسنك امرأ ... إلّا وعزّ على الورى استنقاذه أغريت حبّك بالقلوب فأذعنت ... طوعا وقد أودى بها استحواذه ما لي أتيت الحظّ من أبوابه ... جهدي فدام نفوره ولواذه إيّاك من طمع المنى فعزيزه ... كذليله وغنيّه شحّاذه ذالّية ابن دريد استهوى بها ... قوما [1] غداة نبت به بغداذه دانوا [2] لزخرف قوله فتفرّقت ... طمعا بهم صرعاه أو جذّاذه من قدّر الرزق السنيّ لك آنما [3] ... قد كان ليس يضرّه إنفاذه وهذه القصيدة من غرر القصائد. ومن شعره: رحلوا فلولا أنّني ... أرجو الإياب قضيت نحبي والله ما فارقتهم ... لكنني فارقت قلبي وذكره علي بن ظافر بن أبي المنصور في كتابه «بدائع البدائه» وأثنى

_ [1] في «آ» و «ط» : «قوم» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 541) . [2] في «آ» و «ط» : «دانت» وأثبت لفظ «ديوانه» ص (129) بتحقيق الدكتور حسين نصّار، و «وفيات الأعيان» . [3] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وفي «ديوانه» : «أينما» .

عليه، وأورد فيه عن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين الآمدي النائب. كان في الحكم بثغر الإسكندرية، قال: دخلت على الأمير السعيد بن ظفر أيام ولايته الثغر، فوجدته يقطر دهنا على خنصره، فسألته عن سببه، فذكر ضيق خاتمه عليه، وأنّه ورم بسببه، فقلت له: الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر به، فقال: اختر من يصلح لذلك، فاستدعيت أبا المنصور ظافر الحداد فقطع الحلقة وأنشد بديها: قصّر عن أوصافك العالم ... وكثّر [1] الناثر والناظم من يكن البحر له راحة ... يضيق عن خنصره الخاتم فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة، وكانت من ذهب. وكان بين يدي الأمير غزال مستأنس، وقد ربض وجعل رأسه في حجره، فقال ظافر بديها: عجبت لجرأة هذا الغزال ... وأمر تخطّى له واعتمد وأعجب به إذ بدا جاثما ... وكيف اطمأن وأنت الأسد فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان، وتأمل ظافر شيئا على باب المجلس يمنع الطير من دخولها فقال: رأيت ببابك هذا المنيف ... شباكا فأدركني بعض شكّ وفكرت [2] فيما رأى خاطري ... فقلت البحار مكان الشبك ثم انصرف وتركنا متعجبين من حسن بديهته، رحمه الله تعالى. وكانت وفاته بمصر في المحرم. قاله ابن خلّكان [3] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «وأكثر» وفي «النجوم الزاهرة» (5/ 376) : «فاعترف» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 543) و «ديوانه» ص (299) . [2] في «وفيات الأعيان» : «وفكّر» . [3] في «وفيات الأعيان» (2/ 540- 543) .

وفيها ثابت بن منصور بن المبارك الكيلي [1] المقرئ المحدّث الحنبلي أبو العزّ. سمع من أبي محمد التميمي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وغيرهما. وعني بالحديث، وسمع الكثير، وكتب الكثير، وخرّج تخاريج لنفسه عن شيوخه في فنون، وحدّث وسمع منه جماعة، وروى عنه السّلفي، والمبارك ابن أحمد، وابن الجوزي، وغيرهم. وقال أبو الفرج: كان ديّنا ثقة صحيح الإسناد، ووقف كتبه قبل موته. وقال السّلفيّ عنه: فقيه مذهب أحمد. كتب كثيرا، وسمع معنا وقبلنا على شيوخ، وكان ثقة وعر الأخلاق. وتوفي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة. قال ابن رجب: قيل توفي سنة ثمان وعشرين، ورأيت جماعة من المحدّثين وغيرهم نعتوه في طباق السماع بالإمام الحافظ، رحمه الله. وهو منسوب إلى كيل [2] قرية على شاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط ويقال لها جيل أيضا. انتهى. ومنها [3] الشيخ عبد القادر [4] . وفيها أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي، الحافظ الأديب، صاحب «تاريخ نيسابور» ومصنّف «مجمع الغرائب» ومصنّف «المفهم في شرح مسلم» كان إماما في الحديث، واللغة،

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 93- 94) . [2] انظر «معجم البلدان» (4/ 498) . [3] يعني من «كيل» ، أو من «جيل» . [4] هو شيخ الشيوخ الإمام عبد القادر الكيلاني، ويقال: الجيلاني، المتوفى سنة (561) هـ، وسوف ترد ترجمته في ص (329- 335) من هذا المجلد.

والأدب، والبلاغة، فقيها شافعيا، أكثر الأسفار، وحدّث عن جدّه لأمه أبي القاسم القشيري وطبقته، وأجاز له أبو محمد الجوهري وآخرون. وتفقّه بإمام الحرمين، لازمه أربع سنين، وأخذ عنه الخلاف والفقه، ورحل فأكثر الأسفار، ولقي العلماء، ثم رجع إلى نيسابور، وولي خطابتها، وأخذ التفسير والأصول عن خالية أبي سعيد عبد الله، وأبي سعيد عبد الواحد، ابني أبي القاسم القشيري، ومات بنيسابور عن ثمان وسبعين سنة. وفيها قاضي الجماعة أبو عبد الله بن الحاج التّجيبي القرطبي [1] المالكي، محمد بن أحمد بن خلف. روى عن أبي علي الغسّاني وطائفة، وكان من جلّة العلماء وكبارهم، متبحرا في العلوم والآداب، ولم يكن أحد في زمانه أطلب للعلم منه، مع الدّين، والخشوع، قتل ظلما بجامع قرطبة في صلاة الجمعة، عن إحدى وسبعين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 79) .

سنة ثلاثين وخمسمائة

سنة ثلاثين وخمسمائة فيها كبس عسكر حلب بلاد الفرنج بالساحل، فأسروا، وسبوا، وغنموا، وشرع أمر الفرنج يتضعضع. وفيها حصل بين السلطان مسعود وبين الخليفة الراشد بالله خلف، وجمعت العساكر من الفريقين، وذهب الخليفة إلى الموصل، ودخل السلطان مسعود بغداد، واحتوى على دار الخلافة [1] ، واستدعى الفقهاء، وأخرج خطّ والد الخليفة المسترشد أنّه من خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة، فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه، فخلعه في [2] يوم الاثنين، سادس عشر ذي القعدة بحكم الحاكم، وفتيا الفقهاء، واستدعى بعمه المقتفي بن المستظهر بالله، فبويع له بالخلافة. قال ابن الجوزي في «الشذور» : وقد ذكر الصولي شيئا فتأملته، فإذا هو عجيب. قال الناس: إن كل سادس يقوم بأمر النّاس منذ أول الإسلام لا بد أن يخلع، فاعتبرت أنا هذا فوجدته كذلك، انعقد الأمر لنبينا محمد- صلّى الله عليه وسلم- ثم قام أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن، وخلع، ثم معاوية، ويزيد ابن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان، وعبد الملك، وابن الزّبير، فخلع وقتل. ثم لم ينتظم لبني أميّة أمر، فولي السفّاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، فخلع وقتل، ثم المأمون، والمعتصم، والواثق،

_ [1] في «آ» : «الخليفة» . [2] لفظة «في» سقطت من «آ» .

والمتوكل، والمنتصر، والمستعين، فخلع وقتل، ثم المعتز، ثم المقتدي، ثم المعتمد، ثم المعتضد، ثم المكتفي، ثم المقتدر، فخلع، ثم ردّ ثم قتل، ثم القاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع. فخلع، ثم القادر، والقائم، والمقتدي، والمستظهر، والمسترشد، والراشد، فخلع، ثم ولي المقتفي. وفيها توفي أبو منصور البأآر- كالقفّال- نسبة إلى عمل البئر- إبراهيم ابن الفضل الأصبهاني الحافظ. روى عن أبي الحسين بن النّقور وخلق. قال ابن السمعاني: رحل وسمع، وما أظن أحدا بعد ابن طاهر المقدسي رحل وطوّف مثله، أو جمع الأبواب كجمعه، إلّا أن البأآر لحقه الإدبار [1] في آخر الأمر، فكان يقف في سوق أصبهان ويروي من حفظه بسنده، وسمعت أنه يضع في الحال. وقال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: أشكر الله كيف ما لحقته. وأما ابن طاهر المقدسي فجرب عليه الكذب مرّات. قاله في «العبر» [2] . وفيها سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز زين القضاة أبو المكارم القرشي الدمشقي. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة وناب في القضاء عن أبيه ووعظ وأفتى. وفيها علي بن أحمد بن منصور بن قيس الغسّاني أبو الحسن المالكي، النحوي الزاهد، شيخ دمشق ومحدّثها. روى عن أبي القاسم السميساطي، وأبي بكر الخطيب، وعدة. قال السّلفي: لم يكن في وقته مثله بدمشق، كان زاهدا عابدا، ثقة.

_ [1] لفظة «الإدبار» سقطت من «آ» . [2] (4/ 81- 82) .

وقال ابن عساكر: كان متحرّزا، متيقظا، منقطعا في بيته بدرب النقاشة [1] أو ببيته الذي في المنارة الشرقية بالجامع، مفتيا يقرئ الفرائض والنحو. وفيها أبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني المزكّي. راوي «مسند البرقاني» عن أبي الفضل الرازي، توفي في ذي القعدة. وفيها أبو عبد الله محمد بن حمّويه الجويني الزاهد، شيخ الصوفية بخراسان. له مصنّف في التصوف، وكان زاهدا، عارفا، قدوة، بعيد الصيت. روى عن موسى بن عمران الأنصاري وجماعة، وعاش اثنتين وثمانين سنة، وهو جدّ بني حمّويه. قال السخاوي: دفن في داره ببحيراباذا، إحدى قرى جوين، وقرأ الفقه والأصول على إمام الحرمين، ثم انجذب إلى الزهد وحجّ مرّات، وكان مستجاب الدعاء، وصنّف كتاب «لطائف الأذهان في تفسير القرآن» و «سلوة الطالبين في سيرة سيد المرسلين» صلّى الله عليه وسلم» وكتابا في علم الصوفية، وغير ذلك. ولد سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وأخذ طريقة التصوف عن أبي الفضل علي بن محمد الفارمذي عن أبي القاسم الطّوسي عن أبي عثمان سعيد بن سلام المغربي عن الزجاجي، عن الجنيد. انتهى. وفيها أبو بكر محمد بن علي بن أبي ذرّ [2] الصالحاني، مسند

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «النقاسة» والتصحيح من «العبر» (4/ 82) وعلّق عليه الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد فقال: ما يزال حتى اليوم ويسمى حارة النقاشة، وأحال على كتابه «معجم الأماكن الطبوغرافية» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن شاذان» وهو خطأ، فابن شاذان هو محمد بن عبد الله بن الحسين بن مهران بن شاذان بن يزيد الفامي الصالحاني، مات سنة (440) هـ. انظر «الأنساب» (8/ 13) ، وما أثبته من «العبر» (4/ 83) طبع الكويت، و (2/ 438) طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 585) .

أصبهان في زمانه، وآخر من حدّث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم الكاتب. كان صالحا صحيح السماع، توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وتسعين سنة، وآخر أصحابه عين الشمس. قاله في «العبر» [1] . وفيها [أبو] عبد الله الفراوي- بضم الفاء، نسبة إلى فراوة بلد قرب خوارزم- محمد بن الفضل بن أحمد الصّاعدي النيسابوري، راوي «صحيح مسلم» عن الفارسي، ومسند خراسان، وفقيه الحرم. كان شافعيا مفتيا مناظرا، صحب إمام الحرمين مدّة، وعاش تسعين سنة. قال ابن شهبة [2] : يعرف بفقيه الحرم، لأنه أقام بالحرمين مدة طويلة، ينشر العلم، ويسمّع الحديث، ويعظ الناس، ويذكّرهم. أخذ الأصول والتفسير عن أبي القاسم القشيري، وتفقّه بإمام الحرمين، وسمع من خلق كثير، وتفرّد ب «صحيح مسلم» . وقال ابن السمعاني: هو إمام مفت، مناظر، واعظ، حسن الأخلاق والمعاشرة، جواد، مكرم للغرباء، ما رأيت في شيوخنا مثله. ثم حكي عن بعضهم [3] أنه قال: الفراوي ألف راوي [4] . قال الذهبي: وقد أملى أكثر من ألف مجلس، توفي في شوال، ودفن إلى جانب ابن خزيمة. وفيها كافور النبويّ [5] من خدّام النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، كان أسود، خصيا، طويلا، لا لحية له.

_ [1] (4/ 83) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 352) . [3] أقول: هو عبد الرشيد بن علي الطبري كما في «سير أعلام النبلاء» (19/ 618) . (ع) . [4] أقول: أي يقدّر بألف راو. (ع) . [5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (109/ ب) ولم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

ومن شعره: حتّام همّك في حلّ وترحال ... تبغي العلا والمعالي مهرها غالي يا طالب المجد دون المجد ملحمة ... في طيّها تلف للنّفس والمال ولليالي صروف قلّما انجذبت ... إلى مراد امرئ يسعى لآمال

سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو البركات أحمد بن علي بن عبد الله بن الأبرادي [1] البغدادي، الفقيه الحنبلي الزاهد. سمع من أبي الغنائم بن أبي عثمان، وأبي الحسن بن الأخضر الأنباري وخلق، وقرأ الفقه على ابن عقيل، وصحب الفاعوس وغيره من الصالحين. وتعبد ووقف دارا بالبدرية شرقي بغداد على أصحاب أحمد. وسمع منه جماعة منهم: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم ابن عساكر، ورويا عنه، وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر رمضان ودفن بباب أبرز. وفيها إسماعيل بن أبي القاسم [بن أبي بكر] القارئ [2] أبو محمد النيسابوري. روى عن أبي الحسين عبد الغافر، وأبي حفص بن مسرور، وكان صوفيّا صالحا، ممن خدم أبا القاسم القشيري، ومات في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة. وقد روى «صحيح مسلم» كلّه. وفيها تميم بن أبي سعيد [3] أبو القاسم الجرجاني. روى عن أبي

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الإيرادي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 188) و «المنهج الأحمد» (2/ 284) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغازي» والتصحيح من «العبر» (4/ 84) طبع الكويت و (2/ 439) طبع بيروت، و «النجوم الزاهرة» (5/ 260) وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 20) .

حفص بن مسرور، وأبي سعد الكنجروذي، والكبار، وكان مسند هراة في زمانه، توفي في هذه السنة أو قبلها. قاله في «العبر» [1] . وفيها طاهر بن سهل بن بشر أبو محمد الإسفراييني الدمشقي الصائغ، عن إحدى وثمانين سنة. سمع أباه، وأبا بكر الخطيب، وأبا القاسم الحنّائي، وطائفة، وكان ضعيفا. قال ابن عساكر: حكّ اسم أخيه وكتب بدله اسمه. وفيها الحسن بن يحيى بن روبيل الدمشقي الأبّار. كان يبيع الإبر، وكان صالحا ناسكا مغرى بهجاء زوجته، لأنها أشارت عليه أن يمدح كبيرا فما نفع، فهجاه فصفع، فقال: لولا زوجتي لما صفعت ولولا تغريرها [2] في لما وقعت. وفيها أبو جعفر الهمذاني محمد بن أبي علي الحسن بن محمد، الحافظ الصدوق، رحل وروى عن ابن النّقور، وأبي صالح المؤذّن، والفضل ابن المحبّ، وطبقتهم بخراسان، والعراق، والحجاز، والنواحي. قال ابن السمعاني: ما أعرف أن أحدا في عصره سمع أكثر منه. توفي في ذي القعدة. وقال ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا من المكثرين. وفيها أبو القاسم بن الطّبر هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي المقرئ. قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن موسى الخيّاط [4] ،

_ [1] (4/ 85) . [2] في «ط» : «تعذيرها» وهو تحريف. [3] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» (161/ ب) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحنّاط» والتصحيح من «العبر» (4/ 86) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 485) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 593) .

وهو آخر أصحابه. وسمع من أبي إسحاق البرمكي وجماعة، وكان ثقة صالحا ممتعا بحواسه. توفي في جمادى الآخرة عن ست وتسعين سنة. وفيها أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن أحمد بن البنّاء البغدادي الحنبلي. روى عن أبي الحسين بن الأبنوسي، وعبد الصمد بن المأمون، وكان ذا علم وصلاح، وهو أخو أبي نصر المتقدم ذكره. قال ابن رجب [1] : ولد يوم الجمعة رابع عشري ذي القعدة، سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، وبكّر به أبوه في السماع، فسمع من أبي الحسين بن المهتدي، وابن الأبنوسي، وابن النّقور، ووالده أبي علي بن البنا، وغيرهم. وحدّث وروى عنه جماعة من الحفّاظ، منهم: ابن عساكر، وابن الجوزي، وابن بوش. وروى عنه ابن السمعاني إجازة. وقال: كان شيخا صالحا، حسن السيرة، واسع الرواية، حسن الأخلاق، متودّدا، متواضعا، برا، لطيفا بالطلبة، مشفقا عليهم، وتوفي ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الأول.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 189) .

سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو نصر الغازي أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني الحافظ. قال ابن السمعاني: ثقة حافظ، ما رأيت في شيوخي أكثر رحلة منه. سمع أبا القاسم ابن مندة، وأبا الحسين بن النّقور، والفضل بن المحبّ، وطبقتهم. وكان جماعة من أصحابنا يفضّلونه على إسماعيل التيمي الحافظ. توفي في رمضان. وقال الذهبيّ [1] : عاش ثلاثا وثمانين سنة. وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن الحافظ بقي بن مخلد أبو القاسم القرطبي المالكي، أحد الأئمة. روى عن أبيه، وابن الطّلاع، وأجاز له أبو العبّاس بن دلهاث، وتوفي في سلخ العام عن سبع وثمانين سنة. وفيها الفقيه الحنبلي أبو بكر الدّينوري أحمد بن أبي الفتح محمد بن أحمد، من أئمة الحنابلة ببغداد. تفقّه على أبي الخطّاب، وبرع في الفقه، وتقدم في المناظرة على أبناء جنسه، حتّى كان أسعد الميهني شيخ الشافعية يقول: ما اعترض أبو بكر الدّينوري على دليل أحد إلّا ثلم فيه ثلمة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 87) .

وله تصانيف في المذهب، منها كتاب «التحقيق في مسائل التعليق» وتخرّج به أئمة منهم: أبو الفتح بن المنّي، والوزير ابن هبيرة. قال ابن الجوزي: حضرت درسه بعد موت شيخنا ابن الزّاغوني [1] نحوا من أربع سنين. قال: وأنشدني- أي لنفسه-: تمنّيت أن تمسي [2] فقيها مناظرا ... بغير عناء والجنون فنون وليس اكتساب المال دون مشقّة ... تلقّيتها فالعلم كيف يكون وقال ابن الجوزي: كان يرق عند ذكر الصالحين ويبكي، ويقول: للعلماء عند الله قدر، فلعل الله أن يجعلني منهم. توفي يوم السبت غرة جمادى الأولى، ودفن عند رجلي [3] أبي منصور الخيّاط، قريبا من قبر الإمام أحمد، رضي الله عنه. وفيها إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك، المؤذّن الفقيه، أبو سعد النيسابوري الشافعي. روى عن أبيه، وأبي حامد الأزهري، وطائفة، وتفقّه على إمام الحرمين، وبرع في الفقه، ونال جاها ورئاسة عند سلطان كرمان. وتوفي ليلة الفطر وله نيّف وثمانون سنة. وفيها سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي [منصور] بكر أبو الفرج الأصبهاني الصّيرفي الخلّال السّمسار [4] . توفي في صفر عن سنّ عالية، فإنه

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «الزعفراني» . [2] في «آ» و «ط» : «أن أمسي» وما أثبتناه من «المنتظم» (10/ 73) و «البداية والنهاية» (12/ 213) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 190) و «المنهج الأحمد» (2/ 285) . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «رجل» . [4] انظر «العبر» (4/ 87- 88) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 622) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

سمع سنة ست وأربعين من أحمد بن محمد بن النّعمان القصّاص، وروى «مسند أحمد بن منيع» و «مسند العدني [1] » و «مسند أبي يعلى» وأشياء كثيرة، وكان صالحا ثقة. وفيها عبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو المظفّر القشيري النيسابوري، آخر أولاد الشيخ وفاة، عاش سبعا وثمانين سنة، وحدّث عن سعيد البحيري، والبيهقي، والكبار، وأدرك ببغداد أبا الحسين بن النّقور وجماعة. وفيها أبو الحسن الجذامي علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهوب الأندلسي، أحد الأئمة، أجاز له أبو عمر بن عبد البرّ، وأكثر عن أبي العبّاس بن دلهاث العذري، وصنّف تفسيرا وكتابا في الأصول، وعمّر إحدى وتسعين سنة. وفيها علي بن علي بن عبيد الله أبو منصور الأمين، والد عبد الوهاب ابن سكينة. روى «الجعديات» عن الصّريفيني، وكان خيّرا زاهدا، يصوم صوم داود، وكان أمينا على أموال الأيتام ببغداد، عاش أربعا وثمانين سنة. وفيها فاطمة بنت علي بن المظفّر بن زعبل [2] ، أم الخير، البغدادية الأصل، النيسابورية المقرئة. روت «صحيح مسلم» و «غريب» الخطابي عن أبي الحسين الفارسي، وعاشت سبعا وتسعين سنة، وكانت تلقن النساء، وقيل: توفيت في العام المقبل. قاله في «العبر» [3] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغربي» والتصحيح من «العبر» (4/ 88) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 622) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دعبل» والتصحيح من «العبر» (4/ 89) و «سير أعلام النبلاء» (19/ 625) . [3] (4/ 89) .

وفيها أبو الحسن الكرجي محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر، الفقيه الشافعي، شيخ الكرج وعالمها ومفتيها. قال ابن السمعاني: إمام ورع فقيه مفت محدّث أديب. أفنى عمره في طلب العلم ونشره. وروى عن مكّي السلّار وجماعة، وله القصيدة المشهورة في السّنّة نحو مائتي بيت، شرح فيها عقيدة السلف، وله تصانيف في المذهب والتفسير. وقال ابن كثير في «طبقاته» : له كتاب «الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول» حكى فيه عن أئمة عشرة من السلف، الأئمة الأربعة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، واللّيث، وإسحاق بن راهويه أقوالهم في أصول العقائد. انتهى. كذا قال، ولم يذكر العاشر، وله مختصر في الفقه يقال له «الذرائع في علم الشرائع» وله تفسير، وكان لا يقنت في الفجر، ويقول: لم يصح في ذلك حديث، وقد قال الشافعي: إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط. وقال ابن شهبة [1] : ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وتوفي في شعبان. والكرجيّ: بكاف وراء مفتوحتين، وبالجيم. انتهى [2] . وفيها الراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العبّاسي، خطب له بولاية العهد أكثر أيام والده وبويع بعده، وكان شابا أبيض، مليح الوجه، تام

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 351) . [2] قلت: وكان شاعرا أيضا، وقد أورد الإسنويّ من شعره هذين البيتين في «طبقات الشافعية» (2/ 349) : كلّ العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلّا الحديث وإلّا الفقه في الدّين العلم ما كان فيه قال حدّثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين

الشكل، شديد البطش، شجاع النفس، حسن السيرة، جوادا كريما، شاعرا فصيحا، لم تطل دولته. خرج من بغداد إلى الجزيرة وأذربيجان، فخلعوه لذنوب ملفّقة، فدخل مراغة وعسكر فيها، وسار إلى أصبهان ومعه السلطان داود بن محمود، فحاصرها وتمرّض هناك، فوثبت عليه جماعة من الباطنية فقتلوه وقتلوا، وقيل: قتلوه صائما يوم سادس عشري رمضان، وله ثلاثون سنة. وخلّف نيفا وعشرين ابنا. وقد غزا أهل همذان وعبرها في أيام عزله، وظلم وعسف وقتل كغيره. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو شروان بن خالد الوزير أبو نصر القاشاني [2] ، وزر للمسترشد والسلطان محمود، وكان من عقلاء الرجال ودهاتهم، وفيه دين وحلم وجود، مع تشيّع قليل. وكان محبا للعلماء موصوفا بالجود والكرم، أرسل إليه القاضي الأرجاني يطلب منه خيمة، فلم يكن عنده، فجهز له خمسمائة دينار، وقال: اشتر بهذه خيمة، فقال: لله درّ ابن خالد رجلا ... أحيا لنا الجود بعد ما ذهبا سألته خيمة ألوذ بها ... فجاد لي ملء خيمة ذهبا وكان هو السبب في عمل «مقامات الحريري» وإيّاه عنى الحريريّ في أول «مقاماته» [3] بقوله: فأشار عليّ من إشارته حكم وطاعته غنم. وفيها القاضي الأعز محمد بن هبة الله بن خلف التميمي، ولي بانياس، وكان ذا كرم ومروءة، ومات بدمشق، وهو الذي يكثر هجوه ابن منير الشاعر، من ذلك قوله من قصيدة:

_ [1] (4/ 89- 90) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغاسّاني» والتصحيح من «العبر» (4/ 90) وتحرفت «أنوشروان» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «نوشروان» . فتصحح وانظر «النجوم الزاهرة» (5/ 261) . [3] انظر «مقامات الحريري» ص (4) طبعة البابي الحلبي، ولفظة «عليّ» لم ترد فيها.

هو قاض كما يقول ولكن ... ما عليه من القضاء علامة عمّة تملأ الفضاء عليه ... فوق وجه كعشر عشر القلامة وعليها من التّصاوير ما لم ... يجمع القدس مثله والقمامة وفيها أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله بن مغيث القرطبي [1] العلّامة. أحد الأئمة بالأندلس. كان رأسا في الفقه، واللغة، والأنساب، والأخبار، وعلو الإسناد. روى عن أبي عمر بن الحذّاء، وحاتم بن محمد، والكبار، وتوفي في جمادى الآخرة عن خمس وثمانين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 90) .

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» كانت زلزلة بجنزة [1] أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفا فأهلكتهم، وكانت الزلزلة عشرة فراسخ. وفيها توفي الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي. روى عن جماعة وانفرد بالإجازة عن أبي عمرو الدّاني. وفيها زاهر بن طاهر أبو القاسم الشّحّامي النيسابوري، المحدّث المستملي الشّروطي، مسند خراسان. روى عن أبي سعد الكنجروذي، والبيهقي، وطبقتهما، ورحل في الحديث أولا وآخرا، وخرّج التخاريج [2] ، وأملى نحوا من ألف مجلس، ولكنه كان يخلّ بالصلوات، فتركه جماعة لذلك. توفي في ربيع الآخر. قاله في «العبر» [3] . وفيها جمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلّم بن محمد بن علي السّلمي الدمشقي، الفقيه الشافعي الفرضي، مدرس الغزالية والأمينية، ومفتي الشام في عصره، وهو أول من درّس بالأمينية المنسوبة لأمين الدولة سنة أربع

_ [1] في «آ» و «ط» : «بخبزة» وهو تصحيف، والتصحيح من «المنتظم» (10/ 78) و «العبر» بطبعتيه. وجنزة: اسم أعظم مدينة بأرّان، وهي بين شروان وأذربيجان. انظر «معجم البلدان» (2/ 171) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «التاريخ» وما أثبتناه من «العبر» . [3] (4/ 91- 92) .

عشرة وخمسمائة، وصنّف في الفقه، والتفسير، وتصدّر للاشتغال والرواية، فحدّث عن أبي نصر بن طلاب، وعبد العزيز الكتاني، وطائفة، وتفقّه على ابن عبد الجبّار المروزي، ثم على نصر المقدسي، ولزم الغزالي مدة مقامه بدمشق، ودرّس في حلقة الغزالي مدّة. قال الحافظ ابن عساكر: بلغني أن الغزالي قال: خلّفت بالشام شابا إن عاش كان له شأن، قال: فكان كما تفرس فيه، سمعنا منه الكثير، وكان ثقة ثبتا عالما بالمذهب والفرائض، وكان حسن الخطّ، موفقا في الفتاوى، وكان على فتاويه عمدة أهل الشام، وكان يكثر من عيادة المرضى وشهود الجنائز، ملازما للتدريس والإفادة، حسن الأخلاق، ولم يخلّف بعده مثله. انتهى. وفيها أبو جعفر الكلواذي [1]- بفتح أوله والواو والمعجمة وسكون اللام، نسبة إلى كلواذى قرية ببغداد- محمد بن محفوظ بن محمد بن الحسن ابن أحمد، وهو ابن الإمام أبي الخطّاب الحنبلي. المتقدم ذكره [2] . ولد سنة خمسمائة، وتفقّه على أبيه، وبرع في الفقه، وصنّف كتابا سمّاه «الفريد» . قاله ابن القطيعي. وفيها أبو بكر محمد بن باجه السّرقسطي، عرف بابن الصائغ [3] ، الفيلسوف الشاعر، ذكره صاحب كتاب «قلائد [4] العقيان» فقال: هو رمد جفن الدّين [5] ، وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سخفا وجنونا، وهجر [6] مفروضا

_ [1] تحرفت نسبته إلى «الكلوذاني» في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 191) مصدر المؤلف، وما جاء في «ط» هو الصواب. [2] انظر وفيات سنة (510) هـ ص (45- 46) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 429- 431) و «نفح الطيب» (7/ 17) وما بعدها. [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «فرائد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «آ» و «ط» : «العين» وما أثبتناه من «نفح الطيب» . [6] في «آ» و «ط» : «وهجا» والتصحيح من «نفح الطيب» .

ومسنونا، فما يتشرّع، ولا يأخذ في غير الأباطيل [1] ولا يشرع إلى غير ذلك من كلام كثير. وفيها محمود بن بوري بن طغتكين، الملك شهاب الدّين، صاحب دمشق، ولي بعد قتل أخيه شمس الملوك إسماعيل، وكانت أمّه زمرّد هي الكلّ، فلما تزوّج بها الأتابك زنكي وسارت إلى حلب، قام بتدبير المملكة معين الدّين أنر [2] الطغتكيني، ووثب على محمود هذا جماعة من المماليك فقتلوه في شوال، وأحضروا أخاه محمدا من مدينة بعلبك فملّكوه. وفيها هبة الله بن سهل السّيّدي أبو محمد البسطامي ثم النيسابوري. فقيه صالح متعبد، عالي الإسناد. روى عن أبي حفص بن مسرور، وأبي يعلى الصّابوني، والكبار، وتوفي في صفر. وفيها هبة الله بن الحسين [3] بن يوسف، وقيل: أحمد، المنعوت بالبديع الأسطرلابي- نسبة إلى الأسطرلاب، بفتح الهمزة، وسكون السين، وضم الطاء، كلمة يونانية معناها ميزان الشمس. وقال بعضهم: «اللاب» اسم الشمس بلسان اليونان، فكأنه قيل: أسطر الشمس إشارة إلى الخطوط التي فيه، قيل: إن أوّل من وضعه بطليموس صاحب المجسطي- كان صاحب الترجمة شاعرا مشهورا، أحد الأدباء الفضلاء، وكان وحيد زمانه في عمل الآلات الفلكية، متقنا لهذه الصناعة، وحصل له من جهة عملها مال جزيل في خلافة المسترشد.

_ [1] في «نفح الطيب» : «الأضاليل» . [2] في «آ» و «ط» و «الكامل في التاريخ» (11/ 22 و 38 و 305) و «وفيات الأعيان» (1/ 297) «أنز» بالزاي، وفي «وفيات الأعيان» (5/ 184) و «العبر» (4/ 92) طبع الكويت، و (2/ 445) طبع بيروت و «سير أعلام النبلاء» (20/ 229) : «أنر» بالراء وهو ما أثبته. [3] تحرف في «آ» و «ط» إلى «الحسن» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (6/ 50) و «معجم الأدباء» (19/ 273) و «مرآة الجنان» (3/ 261) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 52) .

وذكره العماد في «الخريدة» وأثنى عليه، وأورد له مقاطيع من شعره، فمن ذلك قوله: أهدي لمجلسه الكريم [1] وإنما ... أهدي له ما حزت من نعمائه كالبحر يمطره السحاب وما له ... من عليه [2] لأنّه من مائه وقوله أيضا: أذاقني حمرة المنايا ... لمّا اكتسى خضرة العذار وقد تبدّى السّواد فيه ... وكارتي بعد في العيّار وقوله أيضا: قال قوم عشقته أمرد [3] الخ ... د وقد قيل: إنّه نكريش قلت فرخ الطاووس أحسن ما كا ... ن إذا ما علا عليه الريش قوله نكريش: لفظة عجمية، والأصل فيها نيك ريش، معناه لحية جيدة، فنيك: جيد، وريش: لحية. وله أيضا: ولمّا بدا خطّ بخدّ معذّبي ... كظلمة ليل في ضياء نهار خلعت عذاري في هواه فلم أزل ... خليع عذار في جديد عذار قال ابن خلّكان: وكان كثير الخلاعة، يستعمل المجون في أشعاره، حتى يفضي به إلى الفاحش في اللفظ، وكان ظريفا في جميع حركاته، توفي بعلة الفالج، ودفن بمقبرة الوردية من بغداد. انتهى ملخصا.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (6/ 51) : «لمجلسه الكريم» ، وفي «معجم الأدباء» (19/ 275) : «لمجلسك الشريف» . [2] في «وفيات الأعيان» و «معجم الأدباء» : «فضل عليه» . [3] في «آ» و «ط» : «أمر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

سنة أربع وثلاثين وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» خسف بجنزة [1] ، وصار مكان البلد ماء أسود، وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهلهم. وفيها توفي محمد بن أحمد بن علي، ويعرف بزفره، ويقال: ابن زفره، كان إماما جليلا حافظا عمدة. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» : محمد بن أحمد بن زفره ... درّ له ثناؤه المسرّه [2] وفيها عبد الجبّار بن محمد الخواري [3]- بالضم والتخفيف وراء، نسبة إلى خوار، بلد الرّيّ- كان إماما جليلا، سمع الواحدي وغيره. وفيها أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي الهروي العدل. روى عن أبي عمر المليحي، ومحلم الضبي، وتوفي في صفر.

_ [1] في «آ» و «ط» : «بخبزة» وهو تصحيف، والصواب ما أثبته، وانظر التعليق على ص (168) . [2] قلت: وقال ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (161/ ب) : سمع من محدّثين عدة، منهم: محمد بن أحمد بن محمد الفارسي، ويحيى بن عبد الوهاب بن مندة، وكان أحد من عني بهذا الشأن- يعني علم الحديث-. [3] قلت: وترجم له ياقوت ترجمة مفيدة أثناء كلامه في «معجم البلدان» (2/ 394) على من أنجبتهم «خوار» من العلماء، وذكر بأنه مات سنة (536) ، فيحسن بالقارئ الوقوف عليها، وقد تحرفت نسبته في «غربال الزمان» ص (430) إلى «الخوارزمي» وتحرفت «خوار» إلى «خوارزم» .

وفيها محمد بن بوري بن طغتكين جمال الدّين [1] . كان ظالما سيئ السيرة، ولي دمشق عشرة أشهر ومات في شعبان، وأقيم بعده ابنه آبق صبي مراهق. وفيها يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي المنتجب أبو الفضل القرشي زكي الدّين، قاضي دمشق وأبو قاضيها، المعروف بابن الصائغ، الدمشقي الشافعي. قال الإسنوي [2] : كان فاضلا، رحل إلى بغداد فتفقه على الشاشي، وقرأ العربية على أبي علي الفارسي [3] ، وتولى القضاء بدمشق، وكان محمود السيرة. ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. انتهى. وتوفي في ربيع الأول. وكان له ولد يقال له منتجب الدّين محمد، خال الحافظ ابن عساكر، ووالده [4] القاضي الزكي. تفقّه على الشيخ نصر المقدسي، وناب عن والده لما حجّ سنة عشر وخمسمائة، ثم اشتغل بالحكم لما كبر والده وبعد موته أيضا، وكان نزها عفيفا، صلبا في الأحكام، وقورا، متوددا، شفوقا، حسن النظر. ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. ذكره ابن عساكر في «تاريخه» . وفيها يحيى بن بطريق الطّرسوسي [ثم] الدّمشقي [5] . روى عن أبي بكر الخطيب، وأبي الحسين محمد بن مكّي، وتوفي في رمضان.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 296- 297) و «النجوم الزاهرة» (5/ 266) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 141- 142) . [3] قلت: وهو وهم تابع فيه المؤلف الإسنويّ، إذ أن وفاة أبي علي الفارسي كانت سنة (377) هـ. [4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «ووالد» . [5] انظر «العبر» (4/ 94) وما بين حاصرتين زيادة منه.

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة فيها توفي إسماعيل بن محمد بن الفضل، الحافظ الكبير، قوام السّنّة، أبو القاسم التّيمي الطّلحي الأصبهاني [1] الشافعي. روى عن أبي عمرو بن مندة وطبقته بأصبهان، وأبي نصر الزّينبي ببغداد، ومحمد بن سهل السرّاج بنيسابور. ذكره أبو موسى المديني فقال: أبو القاسم إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السّنّة في زمانه، أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين، ثم فلج بعد مدة، وتوفي بكرة يوم عيد الأضحى، وكان مولده سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وقال ابن السمعاني: هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت [2] هذا القدر. وهو إمام في التفسير، والحديث، واللغة، والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، أملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس. وقال أبو عامر العبدري [3] : ما رأيت شابا ولا شيخا قطّ مثل إسماعيل التّيمّي. ذاكرته فرأيته حافظا للحديث، عارفا بكل علم، متفننا.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 80) . [2] في «آ» و «ط» : «وعنه أحدّث» وما أثبته من «العبر» (4/ 95) طبع الكويت و (2/ 447) طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 84) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الغندري» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، و «سير أعلام النبلاء» . (20/ 85) .

وقال أبو موسى: صنّف شيخنا إسماعيل «التفسير» في ثلاثين مجلدة كبار، وسماه «الجامع» وله «الإيضاح» في التفسير أربع مجلدات، و «الموضح» في التفسير ثلاث مجلدات، وله «المعتمد» في التفسير عشر مجلدات، و «تفسير» بالعجمي عدة مجلدات، رحمه الله تعالى. وقال ابن شهبة [1] : له كتاب «الترغيب والترهيب» و «شرح صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» وكان ابنه شرع [2] فيهما فمات في حياته، فأتمهما، وله كتاب «دلائل النبوة» وكتاب «التذكرة» نحو ثلاثين جزءا، وغير ذلك. وقال ابن مندة: في «الطبقات» : ليس في وقتنا مثله، وكان أئمة بغداد يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه، ولم ينكر أحد شيئا من فتاويه قطّ. وأما ولده فهو أبو عبد الله محمد. ولد في حدود سنة خمسمائة، ونشأ في طلب العلم، فصار إماما، مع الفصاحة، والذكاء، وصنّف تصانيف كثيرة، مع صغر سنه. اخترمته المنية بهمذان سنة ست وعشرين وخمسمائة. وفيها رزين بن معاوية، أبو الحسن العبدري الأندلسي السّرقسطي، مصنّف «تجريد الصحاح» [3] . روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم بن أبي ذرّ، وكتاب مسلم عن الحسين الطبري [4] ، وجاور بمكّة دهرا، وتوفي في المحرم.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 338- 339) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شرح» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 85) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 360) . [3] جمع فيه بين «الموطأ» للإمام مالك، و «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» و «سنن أبي داود» و «سنن الترمذي» و «المجتبى من سنن النسائي» ورتبه الإمام المبارك بن الأثير بعد ذلك وسماه «جامع الأصول في أحاديث الرسول» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الطري» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 205) و «العقد الثمين» (4/ 399) .

وفيها أبو منصور القزّاز عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي، ويعرف بابن زريق. روى عن الخطيب، وأبي جعفر بن المسلمة، والكبار، وكان صالحا كثير الرواية، توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة. وفيها عبد الوهاب بن شاه أبو الفتوح الشّاذياخي النيسابوري التاجر. سمع من القشيري «رسالته» ومن أبي سهل الحفصي «صحيح البخاري» ومن طائفة، وتوفي في شوال. وفيها أبو نصر الفتح بن محمد بن خاقان القيسي الإشبيلي، صاحب كتاب «قلائد العقيان» . له عدة تصانيف، منها الكتاب المذكور، وقد جمع فيه من شعراء المغرب [1] طائفة كثيرة، وتكلّم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن عبارة وألطف إشارة، وله أيضا كتاب «مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس» وهو ثلاث نسخ: كبرى، ووسطى، وصغرى، وهو كتاب كثير الفائدة، لكنه قليل الوجود، وكلامه في هذه الكتب يدل على فضله وغزارة مادته، وكان كثير الأسفار، سريع التنقلات، وتوفي قتيلا بمدينة مرّاكش في الفندق. قاله ابن خلّكان [2] . وقال غيره: مات بمراكش قتيلا ذبح بمسكنه في فندق من فنادقها، وكان يتكلم على الشعراء في كتابه «قلائد العقيان» بألفاظ كالسحر الحلال والماء الزلال، يقال: إنه أراد أن يفضح الشعراء الذين ذكرهم بنشره، وكان يكتب إلى المغاربة ورؤسائها يعرّف كلا على انفراده أنه عزم على كتاب «القلائد» وأن يبعث إليه بشيء من شعره ليضعه في كتابه، وكانوا يخافونه ويبعثون إليه الذي طلب، ويرسلون له الذهب والدنانير، فكل من أرضاه أثنى

_ [1] في «آ» و «ط» : «الغرب» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 23- 24) .

عليه، وكل من قصّر هجاه وثلبه، وممن تصدى له وأرسل إليه ابن باجه وزير صاحب المريّة، وهو أحد الأعيان في العلم والبيان، يشبهونه في المغرب بابن سينا في المشرق، فلما وصلته رسالة ابن خاقان تهاون بها ولم يعرها طرفه، فذكره ابن خاقان بسوء ورماه بداهية. وفيها أبو الحسن بن توبة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبّار ابن توبة الأسدي العكبري [1] الشافعي المقرئ. روى عن أبي جعفر بن المسلمة، وأبي بكر الخطيب، وطائفة وتوفي في صفر. وتوفي أخوه عبد الجبّار بعده بثلاثة أشهر، وروى عن أبي محمد الصّريفيني، وجماعة، وكان الأصغر. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد- يتصل نسبه بكعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلّفوا ثم تاب الله عليهم- القاضي أبو بكر الأنصاري البغدادي الحنبلي البزّاز [3] ، مسند العراق، ويعرف بقاضي المارستان. حضر أبا إسحاق البرمكي، وسمع من علي بن عيسى الباقلاني، وأبي محمد الجوهري، وأبي الطيب الطبري، وطائفة، وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وبرع في الحساب والهندسة، وشارك في علوم كثيرة، وانتهى إليه علو الإسناد في زمانه، توفي في رجب وله ثلاث وتسعون سنة وخمسة أشهر. قال ابن السمعاني: ما رأيت أجمع للفنون منه، نظر في كل علم، وسمعته يقول: تبت من كل علم تعلمته إلّا الحديث وعلمه. قاله في «العبر» .

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «الطبري» وما جاء في «آ» هو الصواب. انظر «سير أعلام النبلاء» . (20/ 34) و «العبر» (4/ 96) طبع الكويت و (4/ 448) طبع بيروت. [2] (4/ 96) . [3] انظر «العبر» (4/ 96- 97) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 23- 28) و «البداية والنهاية» . (12/ 217- 218) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 192- 198) .

ومن شعره قوله: احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال ما استطعت ومذهب فعلى الثّلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفّر وبحاسد ومكذّب وكان يقول: من خدم المحابر خدمته المنابر. وقال ابن رجب في «طبقاته» [1] : ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وسمع على خلائق، وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وقرأ الفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والهندسة، وبرع في ذلك، وله فيه تصانيف، وشهد عند الدّامغاني، وتفنن في علوم كثيرة. قال ابن السمعاني: كان حسن الكلام، حلو المنطق، مليح المحاورة، ما رأيت أجمع للفنون منه. نظر في كل علم، وكان سريع النسخ، حسن القراءة للحديث، سمعته يقول: ما ضيّعت ساعة من عمري في لهو أو لعب. قال: وسمعته يقول أسرتني الرّوم وبقيت في الأسر سنة ونصفا، وكان خمسة أشهر الغلّ في عنقي والسلاسل على يدي ورجلي، وكانوا يقولون لي: قل المسيح ابن الله! حتّى نفعل ونصنع في حقك، فامتنعت وما قلت، ووقت أن حبست كان ثم معلّم يعلم الصبيان الخط بالرومية، فتعلمت في الحبس الخطّ الرّوميّ. وسمعته يقول: حفظت القرآن ولي سبع سنين، وما من علم في عالم الله إلّا وقد نظرت فيه وحصّلت منه كله أو بعضه، ورحل إليه المحدّثون من البلاد. وقال ابن الجوزي: ذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولد أبو بكر بن

_ [1] يريد «ذيل طبقات الحنابلة» والنقل عنده (1/ 193) .

عبد الباقي، فأجمعا أن عمره اثنتان وخمسون سنة. قال: وها أنا قد تجاوزت التسعين. قال: ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد. ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال: قد نزلت في أذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوا من شهرين، ثم زال ذلك وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على العادة، وأن يكتب عليه قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ 38: 67- 68 [ص: 68- 69] وبقي ثلاثة أيام قبل موته لا يفتر من قراءة القرآن، إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني رجب، ودفن بباب حرب إلى جانب أبيه قريبا من بشر الحافي، رحمه الله. وقال ابن الخشاب: كان مع تفرّده بعلم الحساب والفرائض، وافتنانه في علوم عديدة [1] صدوقا ثبتا في الرواية، متحريا فيها. وقال ابن ناصر: لم يخلّف بعده من يقوم مقامه في علمه. وقال ابن شافع: ما رأيت ابن الخشاب يعظم أحدا من مشايخه تعظيمه له. وقال ابن أبي الفوارس: سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي يقول: كنت مجاورا بمكة- حرسها الله تعالى- فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة إبريسم أيضا، فأخذته وجئت إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار، وهو يقول: هذا لمن يردّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا

_ [1] في «آ» : «كثيرة» .

جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس، فقلت له: تعال [إليّ] [1] ، وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ، وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه. فسلّم إليّ خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بد أن تأخذ، وألح عليّ كثيرا، فلم أقبل، فتركني ومضى، وخرجت من مكّة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدّة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق أحد إلّا جاءني [2] وقال: علمني القرآن، فحصل لي منهم شيء كثير من المال. ثم رأيت [في ذلك المسجد] [3] أوراقا من مصحف، فأخذتها، فقالوا: تحسن تكتب؟ فقلت: نعم، فقالوا: علمنا الخطّ، وجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، وكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لا بد، والزموني، فأجبتهم فلما زفوها مددت عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلّا النظر إليه، فقالوا: يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد، فصاحوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما كهذا الذي ردّ عليّ هذا العقد، وكان يدعو

_ [1] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «جاء إليّ» . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 197) .

ويقول: اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي، والآن قد حصلت، فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين. ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولدي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار، وهذا المال الذي ترون معي [1] من بقايا ذلك المال. وقد تضمنت هذه القصة: أنه لا يجوز قبول الهدية على ردّ الأمانات، لأنه يجب عليه ردّها بغير عوض، وهذا إذا كان لم يلتقطها بنيّة أخذ الجعل المشروط، وقد نص أحمد، رضي الله عنه، على مثل ذلك في الوديعة، وأنه لا يجوز لمن ردّها إلى صاحبها قبول هديته إلّا بنية المكافأة. انتهى ما أورده ابن رجب ملخصا. وفيها أبو يعقوب يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، شيخ الصوفية بمرو، وبقية مشايخ الطريق العاملين. تفقّه على الشيخ أبي إسحاق فأحكم مذهب الشافعي، وبرع في المناظرة، ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه. وروى عن الخطيب، وابن المسلمة، والكبار، وسمع بأصبهان، وبخارى، وسمرقند، ووعظ، وخوّف، وانتفع به الخلق، وكان صاحب أحوال وكرامات. توفي في ربيع الأول، عن أربع وتسعين سنة. قاله في «العبر» [2] . وقال السخاوي في «طبقاته» وابن الأهدل: أبو يعقوب الهمذاني، الفقيه الزاهد، العالم العامل الرباني، صاحب المقامات والكرامات. قدم بغداد في صباه بعد ستين وأربعمائة، ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، وتفقّه عليه، حتّى برع في الأصول، والمذهب، والخلاف، ثم زهد في

_ [1] لفظة «معي» سقطت من «آ» . [2] (4/ 97) .

ذلك، واشتغل بالزهد، والعبادة، والرياضة [1] ، والمجاهدة، حتّى صار علما من أعلام الدّين، يهتدي به الخلق إلى الله، ثم قدم بغداد في سنة خمس وخمسمائة وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة النظامية، وصادف بها قبولا عظيما من الناس، وكان قطب وقته في فنّه. وذكر ابن النجار في «تاريخه» أن فقيها يقال له ابن السّقّاء سأله عن مسألة وأساء معه الأدب، فقال له الإمام يوسف: اجلس فإني أجد- ويروى أشم- من كلامك رائحة الكفر، وكان أحد القراء حفظة القرآن، فاتفق أنه [2] تنصّر ومات عليها، نعوذ بالله من سوء الخاتمة، وذلك أنه خرج إلى بلد الرّوم رسولا من الخليفة، فافتتن بابنة الملك، فطلب زواجها فامتنعوا إلّا أن يتنصّر، فتنصّر، ورؤي في القسطنطينية مريضا وبيده خلق مروحة يذب بها الذباب عن وجهه، فسئل عن القرآن، فذكر أنه نسيه إلّا آية واحدة وهي رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ 15: 2 [الحجر: 2] وذكرت حكاية ابن السّقّاء في «البهجة» المصنفة في مناقب الشيخ عبد القادر، وأن ابتلاءه كان بسبب [3] إساءته إلى بعض الأولياء، يقال له: الغوث، فالله أعلم.

_ [1] في «آ» : «والرئاسة» . [2] أي السائل. [3] في «آ» : «سبب» .

سنة ست وثلاثين وخمسمائة

سنة ست وثلاثين وخمسمائة فيها كانت ملحمة عظيمة بين السلطان سنجر وبين التّرك الكفرة بما وراء النهر، أصيب [فيها] [1] المسلمون، وأفلت سنجر في نفر يسير، بحيث أنه وصل بخل في ستة أنفس، وأسرت زوجته وبنته، وقتل من جيشه مائة ألف أو أكثر، وكانت التّرك في ثلاثمائة ألف فارس. وفيها توفي أبو سعد الزّوزني- بفتح الزايين وسكون الواو، نسبة إلى زوزن، بلد بين هراة ونيسابور- أحمد بن محمد بن الشيخ أبي الحسن علي ابن محمود بن ماخوّة الصوفي. روى عن القاضي أبي يعلى، وأبي جعفر بن المسلمة، والكبار، وتوفي في شعبان عن سبع وثمانين سنة. قال ابن ناصر: كان متسمّحا، فرأيته في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأنا في الجنّة. وفيها أبو العبّاس بن العريف أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي الصوفي الزاهد. قال ابن بشكوال [2] : كان مشاركا في أشياء، ذا عناية في القراءات،

_ [1] لفظة «فيها» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «العبر» . [2] انظر «الصلة» (1/ 81) .

وجمع الروايات والطرق وحملتها، وكان متناهيا في الفضل والدّين، وكان الزهاد والعبّاد يقصدونه. وقال الذهبي [1] : لما كثر أتباعه توهّم السلطان، وخاف أن يخرج عليه، فطلبه، فأحضر إلى مرّاكش، فتوفي في الطريق قبل أن يصل، وقيل: توفي بمرّاكش، وله ثمان وسبعون سنة، وكان من أهل المريّة. وفيها إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو القاسم بن السمرقندي الحافظ. ولد بدمشق سنة أربع وخمسين، وسمع بها من الخطيب، وعبد الدائم الهلالي، وابن طلّاب، والكبار، وببغداد من الصّريفيني فمن بعده. قال أبو العلاء الهمذاني: ما أعدل به أحدا من شيوخ العراق، وهو من شيوخ ابن الجوزي، توفي في ذي القعدة. وفيها إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد الإمام أبو سعد البوشنجي، نزيل هراة. ولد سنة إحدى وستين وأربعمائة، وكان شافعيا عالما بالمذهب، درّس، وأفتى، وصنّف. قال ابن السمعاني: كان فاضلا غزير الفضل حسن المعرفة بالمذهب، جميل السيرة، مرضي الطريقة، كثير العبادة، ملازما للذكر، قانعا باليسير، خشن العيش، راغبا في نشر العلم، ملازما للسنّة غير ملتفت إلى الأمراء وأبناء الدنيا. وقال عبد الغافر: شاب نشأ في عبادة الله، مرضي السيرة على منوال أبيه، وهو فقيه مناظر مدرس زاهد.

_ [1] انظر «العبر» (1/ 99) .

وقال الرافعي في كتاب «الخلع [1] » : هو إمام غوّاص متأخرّ، لقيه من لقيناه. توفي بهراة. وله كتاب سمّاه [2] «المستدرك» وقف عليه الرّافعي ونقل عنه في مواضع. قاله ابن قاضي شهبة [3] . وفيها عبد الجبّار بن محمد بن أحمد أبو محمد الخواري [4]- بضم الخاء والتخفيف، نسبة إلى خوار بلد بالرّي- الشافعي المفتي إمام جامع نيسابور، تفقّه على إمام الحرمين وسمع البيهقي، والقشيري، وجماعة، وتوفي في شعبان عن إحدى وتسعين سنة. وفيها ابن برّجان أبو الحكم، عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللّخمي الإفريقي ثم الإشبيلي العارف، شيخ الصوفية، مؤلّف «شرح الأسماء الحسنى» توفي غريبا بمرّاكش. قال [ابن] الأبّار: كان من أهل المعرفة بالقراءات، والحديث، والتحقيق، بعلم الكلام والتصوف، مع الزهد والاجتهاد في العبادة، وقبره بإزاء قبر ابن العريف. وفيها شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج الحنبلي عبد الواحد بن محمد الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي [5] الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة بالشام بعد والده ورئيسهم وهو باني مدرسة الحنبلية [6] داخل

_ [1] تحرف في «ط» إلى «الجامع» وانظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 209) . [2] في «ط» : «أسماه» . [3] انظر «طبقات الشافعية» (1/ 336- 337) . [4] سبق للمؤلف أن ذكره في وفيات سنة (534) انظر ص (172) . [5] انظر «العبر» (4/ 100) . [6] في «ط» «مدرسة الحنابلة» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «العبر» وانظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 64) .

باب الفراديس، سكنها الشيخ محمد الأسطواني من سنة خمس وأربعين وتسعمائة إلى نيف وسبعين وتسعمائة. كذا رأيته على هامش «طبقات» ابن رجب. وقال ابن رجب في «الطبقات» [1] : توفي والد عبد الوهاب وهو صغير فاشتغل بنفسه، وتفقّه، وبرع، وناظر، وأفتى، ودرّس الفقه والتفسير، ووعظ، واشتغل عليه خلق كثير، وكان فقيها بارعا وواعظا فصيحا وصدرا معظما، ذا حرمة، وحشمة، وسؤدد ورئاسة ووجاهة وهيبة وجلالة، كان ينشد على الكرسي بجامع دمشق إذا طاب وقته قوله: سيّدي علّل الفؤاد العليلا ... وأحيني قبل أن تراني قتيلا إن تكن عازما على قبض روحي ... فترفّق بها قليلا قليلا ولشرف الإسلام تصانيف في الفقه، والأصول، منها «المنتخب في الفقه» في [2] مجلدين، و «المفردات» و «البرهان في أصول الدّين» وغير ذلك، وحدّث عن أبيه وغيره، وسمع منه ببغداد ابن كامل. توفي- رحمه الله- في ليلة الأحد سابع عشر صفر، سنة ست [وثلاثين وخمسمائة] ودفن عند والده بمقابر الشهداء من مقابر الباب الصغير. وفيها أبو عبد الله المازري محمد بن علي بن عمر المالكي المحدّث، مصنّف «المعلم في شرح مسلم» كان من كبار أئمة زمانه. قال ابن الأهدل: نسبة إلى مازر بفتح الزاي وكسرها، بلدة بجزيرة صقلية [3] ، وكان ذا فنون من أئمة المالكية وله «المعلم بفوائد مسلم» ومنه أخذ القاضي عياض شرحه «الإكمال» .

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 198- 200) . [2] لفظة «في» سقطت من «آ» . [3] انظر «معجم البلدان» (5/ 40) .

توفي بالمهدية، عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاووس أبو محمد البغدادي إمام جامع دمشق. ثقة، مقرئ، محقّق، ختم عليه خلق، وله اعتناء بالحديث. روى عن أبي العبّاس بن قبيس [1] ، وأبي عبد الله بن أبي الحديد، وببغداد من البانياسي وطائفة، وبأصبهان من ابن شكرويه [2] وطائفة، وآخر أصحابه ابن أبي لقمة. وفيها يحيى بن علي أبو محمد [3] بن الطرّاح المدبّر. روى عن عبد الصمد بن المأمون وأقرانه، وكان صالحا ساكنا، توفي في رمضان.

_ [1] تحرف في «آ» و «ط» إلى «ابن قيس» والتصحيح من «العبر» (4/ 101) طبع الكويت و (2/ 451) طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 98) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سكرويه» بالسين المهملة، والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، و «سير أعلام النبلاء» . [3] في «آ» : «ابن محمد» وهو خطأ وانظر «العبر» (4/ 101) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 77- 78) .

سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

سنة سبع وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي المختار، الشريف العلوي النّوبندجاني، شاعر مفلق. ومن شعره: اخضرّ بالزّغب المنمنم خدّه ... فالخدّ ورد بالبنفسج معلم يا عاشقيه تمتّعوا بعذاره ... من قبل أن يأتي السّواد الأعظم وفيها توفي صاحب ملطية محمد بن الدانشمند، واستولى على مملكة مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية. وفيها الحسين بن علي سبط الخيّاط البغدادي المقرئ، أبو عبد الله. قال ابن السمعاني: شيخ صالح ديّن حسن الإقراء، يأكل من كدّ يده. سمع الصّريفيني، وابن المأمون، والكبار. وفيها أبو الفتح بن البيضاوي، القاضي عبد الله بن محمد بن محمد ابن محمد، أخو قاضي القضاة أبي القاسم الزّينبي لأمه. سمع أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وكان متحرّيا في أحكامه، توفي في جمادى الأولى ببغداد. وفيها علي بن يوسف بن تاشفين، أمير المسلمين، صاحب المغرب، كان يرجع إلى عدل ودين وتعبّد وحسن طويّة وشدّة إيثار لأهل

العلم، وتعظيم لهم، وذمّ للكلام وأهله. ولما وصلت إليه كتب أبي حامد [1] أمر بإحراقها وشدّد في ذلك، ولكنه [كان] [2] مستضعفا مع رؤوس أمرائه، فلذلك ظهرت مناكير وخمور في دولته، فتغافل وعكف على العبادة، وتوثب عليه ابن تومرت، ثم صاحبه عبد المؤمن. توفي في رجب عن إحدى وستين سنة، وتملّك بعده ابنه تاشفين. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن الأهدل: كان من أئمة الهدى علما وعملا. وفيها عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النّسفي السمرقندي الحنفي الحافظ، ذو الفنون، يقال: له مائة مصنّف. روى عن إسماعيل بن محمد النّوحي فمن بعده، وله أوهام كثيرة. قاله في «العبر» [4] . وقال غيره: كان فاضلا مفسرا أديبا، صنّف كتبا في التفسير، والفقه، ونظم «الجامع الصغير» لمحمد بن الحسن [5] ، وقدم بغداد وحدّث بكتاب «تطويل الأسفار لتحصيل الأخبار» من جمعه، وروى عنه عامة مشايخه. وفيها كوخان [6] سلطان التّرك والخطا، الذي هزم المسلمين وفعل

_ [1] يعني الغزالي. [2] مستدركة من «العبر» مصدر المؤلف، وقد سبقني إلى استدراكها الأستاذ حسام الدّين القدسي ناشر الطبعة السابقة رحمه الله دون أن يشير إلى المصدر الذي استدركها عنه. [3] (4/ 102) . [4] (4/ 102) . [5] يعني الإمام محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189) هـ رحمه الله، وكتابه «الجامع الصغير» في فقه الإمام أبي حنيفة النعمان، جمع فيه أربعين كتابا مشتملة على مسائل الفقه ولم يبوب الأبواب لكل كتاب منها، ثم إن القاضي أبا طاهر بن الدبّاس بوبه ورتبه ليسهل على المتعلمين حفظه ودراسته، وقد طبع في إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي بالباكستان مع شرحه «النافع الكبير» للكنوي، وذلك عام (1407) هـ. [6] في «آ» : «كوخان خان» وفي «ط» : «كوخان خال» وما أثبته من «العبر» بطبعتيه. وقال ابن الأثير في «الكامل» (11/ 83) : «كو» بلسان الصين، لقب لأعظم ملوكهم، و «خان» لقب

الأفاعيل في السنة الماضية، واستولى على سمرقند وغيرها، هلك في رجب ولم يمهله الله، وكان ذا عدل على كفره، وكان مليح الشكل، حسن الصورة، كامل الشجاعة، لا يمكّن أميرا من إقطاع بل يعطيهم من خزانته، ويقول: إن أخذوا الإقطاعات ظلموا الناس. وكان يعاقب على السّكر، ولا ينكر الزّنا ولا يستقبحه، وتملّكت ابنته بعده، ولم تطل مدتها، وتملّكت أمّها [1] بعدها، فحكمت على الخطا وما وراء النهر. وفيها محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز، القاضي المنتجب، أبو المعالي القرشي الدمشقي الشافعي، قاضي دمشق، وابن قاضيها القاضي الزكي. سمع أبا القاسم بن أبي العلاء وطائفة، وسمع بمصر من الخلعي، وتفقّه على نصر المقدسي وغيره، وتوفي في ربيع الأول عن سبعين سنة. وفيها مفلح بن أحمد أبو الفتح الرّومي ثم البغدادي الورّاق. سمع من أبي بكر الخطيب، والصّريفيني، وجماعة. توفي في المحرم. لملوك الترك، فمعناه أعظم الملوك.

_ [1] في «آ» و «ط» : «أمّه» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، وانظر «الكامل في التاريخ» (11/ 86) .

سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي الصفّار المقرئ. روى عن ابن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون. وفيها أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي الحافظ الحنبلي، مفيد بغداد. سمع الصّريفيني ومن بعده. قال أبو سعد [1] : حافظ، متقن، كثير السماع. وقال ابن رجب [2] : ولد في رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وسمع الكثير من خلق كثير، وكتب بخطه الكثير، وسمع العالي والنازل، حتى إنه قرأ على ابن الطيّوري جميع ما عنده. قال ابن ناصر عنه: كان بقية الشيوخ، وكان ثقة ولم يتزوج قطّ. وقال الحافظ أبو موسى المديني في «معجمه» : هو حافظ عصره ببغداد. وذكره ابن السمعاني فقال: حافظ، ثقة، متقن، واسع الرواية، دائم البشر، سريع الدمعة عند الذكر، حسن المعاشرة، جمع الفوائد، وخرّج

_ [1] يعني السمعاني، وقد نقل المؤلف كلامه عن «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 202) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 201- 203) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

التخاريج، لعله ما بقي جزء مروي إلّا وقد قرأه، وكان متفرغا للتحديث إما أن يقرأ عليه، أو ينسخ [شيئا] . وذكره تلميذه ابن الجوزي في عدة مواضع من كتبه، كمشيخته، و «طبقات الأصحاب المختصرة» و «التاريخ» و «صفة الصفوة» و «صيد الخاطر» وأثنى عليه كثيرا، وقال: كان ثقة ثبتا ذا دين وورع، وكنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان على طريقة السلف، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره، ودخلت عليه في مرضه وقد بلي وذهب لحمه، فقال: إن الله- عزّ وجلّ- لا يتّهم في قضائه. وما رأينا في مشايخ الحديث أكثر سماعا منه، ولا أكثر كتابة للحديث منه، مع المعرفة به، ولا أصبر على الإقراء، ولا أكثر دمعة وبكاء، مع دوام البشر وحسن اللقاء، وكان لا يغتاب أحدا ولا يغتاب عنده أحد. وكان سهلا في إعارة الأجزاء، لا يتوقف. توفي- رحمه الله- يوم الخميس حادي عشر المحرم، ودفن من الغد بالشونيزية وهي مقبرة أبي القاسم الجنيد، غربي بغداد. وفيها علي بن طراد، الوزير الكبير، أبو القاسم الزّينبي العبّاسي، وزير المسترشد والمقتفي. سمع من عمه أبي نصر الزّينبي، وأبي القاسم بن البسري، وكان صدرا مهيبا نبيلا، كامل السؤدد، بعيد الغور، دقيق النظر، ذا رأي ودهاء وإقدام، نهض بأعباء بيعة المقتفي وخلع الراشد في نهار واحد، وكان الناس يتعجبون من ذلك، ولما تغيّر عليه المقتفي وهمّ بالقبض عليه، احتمى منه بدار السلطان مسعود، ثم خلّص ولزم داره، واشتغل بالعبادة والخير، إلى أن مات في رمضان، وكان يضرب المثل بحسنه في صباه. وفيها محمد بن الخضر بن أبي المهزول المعروف بالسّابق [1] من

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 39- 41) و «فوات الوفيات» (3/ 347- 349) .

أهل المعرّة، كان شاعرا مجوّدا، دخل بغداد، وجالس ابن ناقيا [1] ، والأبيوردي، وأبا زكريا التبريزي، وأنشدهم، ولقي ابن الهبّارية، وعمل رسالة لقبها «تحية الندمان» . ومن شعره في مليح حلقوا رأسه: وجهك المستنير قد كان بدرا ... فهو شمس لنفي صدغك عنه ثبتت آية النهار عليه ... إذ محا القوم آية الليل منه وفيها أبو البركات محمد بن علي بن صدقة بن جلب، الصائغ الحنبلي [2] ، أمين الحكم بباب الأزج. سمع من أبي محمد التميمي، وقرأ الفقه على القاضي أبي خازم. وذكر ابن القطيعي عن أبي الحسين بن أبي البركات الصائغ قال: سمعت أبي قال: جاءت فتوى إلى القاضي أبي خازم وفيها مكتوب: ما يقول الإمام أصلحه اللّ ... هـ[إلهي] وللسبيل هداه في محبّ أتى إليه حبيب ... في ليالي صيامه فأتاه أفتنا هل صباح ليلته أف ... طر أم لا وقل لنا ما تراه قال: فقال لي القاضي أبو خازم: أجب يا أبا البركات، فكتبت الجواب، وبالله التوفيق: أيها السائلي عن الوطء في لي ... لة الصيام الذي إليه دعاه وجده بالذي أحب وقد أح ... رق نار الغرام منه حشاه كيف يعصي ولو تفكّر في قد ... رة ربّي مفكّرا ما عصاه

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن ماقيا» وفي «الوافي بالوفيات» : «ابن باقيا» وهو خطأ، والتصحيح من «فوات الوفيات» و «وفيات الأعيان» (3/ 98- 99) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 204) و «المنهج الأحمد» (2/ 292- 293) .

أأمنت الذي دحا الأرض أن يط ... بق دون الورى عليك سماه ليس فيما أتيت ما يبطل الصو ... م جوابي فاعلم هداك الله توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر رجب، ودفن بباب حرب، وسبب موته أن زوجته سمّته في طعام قدمته له، وأكل معه منه رجلان، فمات أحدهما من ليلته والآخر من غده، وبقي أبو البركات مريضا مديدة، ثم مات، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الفتوح الإسفراييني محمد بن الفضل بن محمد، ويعرف أيضا بابن المعتمد، الواعظ المتكلم. روى عن أبي الحسن بن الأخرم المديني، ووعظ ببغداد، وجعل شعاره إظهار مذهب الأشعري، وبالغ في ذلك، حتى هاجت فتنة كبيرة بين الحنابلة والأشعرية، فأخرج من بغداد، فغاب مدة ثم قدم وأخذ يثير الفتنة ويبث اعتقاده ويذم الحنابلة، فأخرج من بغداد، وألزم بالإقامة ببلده، فأدركه الموت ببسطام في ذي الحجة، وكان رأسا في الوعظ أوحد في مذهب الأشعري، له تصانيف في الأصول والتصوف. قال ابن عساكر: أجرأ من رأيته لسانا وجنانا، وأسرعهم جوابا، وأسلسهم خطابا. لازمت حضور مجلسه، فما رأيت مثله واعظا ولا مذكّرا. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو القاسم الزّمخشري، محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي النحوي اللغوي المفسر المعتزلي، صاحب «الكشاف» و «المفصّل» عاش إحدى وسبعين سنة، وسمع ببغداد من ابن البطر [2] ، وصنّف عدة تصانيف،

_ [1] (4/ 105) . [2] في «ط» : «ابن الطبر» وهو خطأ.

وسقطت رجله، فكان يمشي في جاون خشب، وكان داعية إلى الاعتزال، كثير الفضائل. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن خلّكان [2] : الإمام الكبير في التفسير، والحديث، والنحو، واللغة، وعلم البيان. كان إمام عصره من غير مدافع، تشد إليه الرحال في فنونه. أخذ النحو عن أبي مضر [3] منصور، وصنّف التصانيف البديعة، منها «الكشاف» في تفسير القرآن العظيم، لم يصنّف قبله مثله، و «الفائق» في تفسير [4] الحديث، و «أساس البلاغة» في اللغة، و «ربيع الأبرار وفصوص الأخبار» و «متشابه أسامي الرواة» و «النصائح الكبار» و «النصائح الصغار» و «ضالة الناشد» و «الرائض في علم الفرائض» و «المفصل» في النحو، وقد اعتنى بشرحه خلق كثير، و «الأنموذج» في النحو، و «المفرد والمؤلّف» في النحو، و «رؤوس المسائل» في الفقه، و «شرح أبيات سيبويه» و «المستقصى في أمثال العرب» و «صميم العربية» و «سوائر الأمثال» و «ديوان التمثيل» [5] و «شقائق النعمان» [6] و «شافي العيّ [7] من كلام الشافعي» و «القسطاس» في العروض، و «معجم الحدود» و «المنهاج» في الأصول، و «مقدمة من الآداب» و «ديوان الرسائل» و «ديوان الشعر» و «الرسالة الناصحة» والأمالي في كل فنّ، وغير ذلك.

_ [1] (4/ 106) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 168- 174) . [3] تحرفت في «آ» إلى «مظفر» . [4] لفظة «تفسير» سقطت من «ط» . [5] في «آ» و «ط» و «كشف الظنون» : «ديوان التمثل» وما أثبته من «معجم الأدباء» لياقوت (19/ 134) و «وفيات الأعيان» . [6] واسمه الكامل كما في «معجم الأدباء» (19/ 135) و «وفيات الأعيان» : «شقائق النعمان في حقائق النّعمان» وقد خصصه للكلام على مناقب أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى. [7] في «آ» و «ط» : «العيي» وما أثبته من «معجم الأدباء» و «وفيات الأعيان» .

وكان قد سافر إلى مكّة- حرسها الله تعالى- وجاور بها زمانا، فصار يقال له «جار الله» لذلك، فكان هذا الاسم علما عليه. وسمعت من بعض المشايخ أن إحدى رجليه كانت ساقطة [1] و [أنّه] كان يمشي في جاون خشب، وكان سبب سقوطها أنه في بعض أسفاره في بلاد خوارزم أصابه ثلج كثير وبرد شديد في الطريق فسقطت منه رجله، وأنه كان بيده محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك، خوفا من أن يظن من لم [2] يعلم الحال أنها قطعت لريبة. ورأيت في تاريخ [بعض] المتأخرين، أن الزّمخشري لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن [سبب] قطع رجله، فقال: دعاء الوالدة، وذلك أنني في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي، فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فقالت والدتي: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلما وصلت إلى سنّ الطلب رحلت [3] إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي، وعملت عليّ عملا [4] أوجب قطعها. وكان الزّمخشري المذكور معتزلي الاعتقاد متظاهرا به، حتّى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب. وأول ما صنّف كتاب «الكشّاف» استفتح الخطبة بقوله: «الحمد لله الذي خلق القرآن» فيقال: إنه قيل متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه، فغيّره بقوله:

_ [1] في «آ» و «ط» : «سقطت» وما أثبته من «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] لفظة «لم» سقطت من «ط» . [3] في «آ» و «ط» «دخلت» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «عمل» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» .

«الحمد لله الذي جعل القرآن» وجعل عندهم بمعنى خلق. ورأيت في كثير من النسخ «الحمد لله الذي أنزل القرآن» وهذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنّف. وكان الحافظ أبو الطاهر السّلفي كتب إليه من الإسكندرية وهو يومئذ مجاور بمكة يستجيزه في مسموعاته ومصنفاته، فردّ جوابه بما لا يشفي الغليل، فلما كان في العام الثاني كتب إليه أيضا مع بعض الحجّاج استجازة أخرى، ثم قال في آخرها: ولا يحوج- أدام الله توفيقه- إلى المراجعة، فالمسافة بعيدة، وقد كاتبه في السنة الماضية فلم يجبه بما يشفي الغليل، وفي ذلك الأجر الجزيل. فكتب [إليه] الزّمخشري جوابه بأفصح عبارة وأبلغها، ولم يصرح له بمقصوده. ومن شعره السائر قوله: ألا قل لسعدى ما لنا فيك [1] من وطر ... وما النّجل [2] من أعين البقر فإنّا اقتصرنا بالذين تضايقت ... عيونهم والله يجزي من اقتصر مليح ولكن عنده كلّ [3] جفوة ... ولم أر في الدّنيا صفاء بلا كدر ولم أنس إذ غازلته قرب روضة ... إلى جنب حوض فيه للماء منحدر [4] فقلت له: جئني بورد وإنما ... أردت به ورد الخدود وما شعر فقال: انتظرني رجع طرف أجئ به ... فقلت له: هيهات ما لي منتظر فقال: ولا ورد سوى الخدّ حاضر ... فقلت له: إنّي قنعت بما حضر

_ [1] في «آ» و «ط» : «فيه» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» و «ط» : «وما بطنين النحل» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «العقد الثمين» (7/ 147) والنجل: سعة فتحة العين. ورواية البيت في «سير أعلام النبلاء» (20/ 155) : ألا قل لسعدى ما لنا فيك من وطر ... وما تطّبينا النّجل من أعين البقر [3] لفظة «كل» سقطت من «آ» . [4] في «آ» و «ط» : «منحصر» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» .

ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر [1] منصورا: وقائلة: ما هذه الدّرر التي ... تساقط من عينيك سمطين سمطين؟ فقلت لها: الدّر الذي كان قد حشا ... أبو مضر أذني تساقط من عيني ومن شعره: أقول لظبي مرّ بي وهو راتع ... أأنت أخو ليلى فقال: يقال فقلت وفي حكم الصبابة والهوى ... يقال أخو ليلى فقال: يقال فقلت وفي ظل الأراكة والحمى ... يقال ويستسقي فقال: يقال ومما أنشد لغيره في كتاب «الكشّاف» [2] في سورة البقرة، عند قوله تعالى: إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها 2: 26 [البقرة: 26] فإنه قال: أنشدت لبعضهم: يا من يرى مدّ البعوض جناحها ... في ظلمة اللّيل البهيم الأليل ويرى مناط عروقها في نحرها ... والمخّ في تلك العظام النّحل اغفر لعبد تاب عن فرطاته ... ما كان منه في الزمان الأول وكانت ولادة الزمخشري يوم الأربعاء سابع عشري رجب، سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر، وتوفي ليلة عرفة بجرجانيّة خوارزم، بعد رجوعه من مكّة. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا [3] . وقال ابن الأهدل: كان من أئمة الحنفية، معتزلي العقيدة، عظم صيته في علوم الأدب، وسلّم مناظروه له. انتهى ملخصا أيضا.

_ [1] لفظة «مضر» سقطت من «آ» . [2] انظر «الكشاف» (1/ 265) مصورة دار المعرفة ببيروت. [3] لفظة «ملخصا» لم ترد في «آ» .

سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

سنة تسع وثلاثين وخمسمائة فيها توفي أبو البدر الكرخي إبراهيم بن محمد بن منصور [1] . ثقة ذو مال، حدّث عن ابن سمعون، وعن خديجة الشاهجانية، وسمع أيضا من الخطيب وطائفة، وتوفي في ربيع الأول. وفيها تاشفين [2] صاحب المغرب، أمير المسلمين، ولد علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي البربري الملثّم، ولي بعد أبيه سنتين وأشهرا، وكانت دولته في ضعف وانتقال، وزوال، مع وجود عبد المؤمن، فتحصّن بمدينة وهران، فصعد ليلة في رمضان إلى مزار بظاهر وهران، فبيّته أصحاب عبد المؤمن، فلما أيقن بالهلكة ركض فرسه فتردّى به إلى البحر، فتحطم وتلف، ولم يبق لعبد المؤمن منازع، فأخذ تلمسان. وفيها ولّى جقر [3] بالموصل رجلا ظالما يقال له القزويني، فسار سيرة قبيحة، وشكا الناس إليه، فولّى مكانه عمر بن شكله، فأساء السيرة أيضا، فقال الحسن بن أحمد الموصلي:

_ [1] انظر «العبر» (4/ 106) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 79- 80) . [2] انظر «العبر» (4/ 106- 107) و «النجوم الزاهرة» (5/ 275) . [3] هو أبو سعيد جقر بن يعقوب الهمذاني، الملقب نصير الدّين. كان نائب عماد الدّين زنكي صاحب الجزيرة والموصل والشام، استنابه عنه بالموصل، وكان جبارا عسوفا، سفاكا للدماء، مستحلا للأموال. مات يوم الخميس التاسع من ذي القعدة سنة (539) هـ. انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 100- 101) و «وفيات الأعيان» (1/ 364- 365) .

يا نصير الدّين يا جقر ... ألف قزويني ولا عمر لو رماه الله في سقر ... لاشتكت من ظلمه سقر وفيها توفي أبو منصور بن الرزّاز، سعيد بن محمد بن عمر البغدادي، شيخ الشافعية، ومدرّس النظامية، تفقّه على الغزالي، وأسعد الميهني، وإلكيا الهرّاسي، وأبي بكر الشاشي، وأبي سعد المتولي. وروى عن رزق الله التميمي، وبرع وساد، وصار إليه رئاسة المذهب، وكان ذا سمت ووقار وجلالة، كان مولده سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفي في ذي الحجة، ودفن بتربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. وفيها أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرّعيني الإشبيلي، خطيب إشبيلية ومقرئها ومسندها. روى عن أبيه، وأبي عبد الله بن منظور، وأجاز له ابن حزم، وقرأ القراءات على أبيه وبرع فيها، ورحل الناس إليه من الأقطار للحديث والقراءات، ومات في شهر جمادى الأولى عن تسع وثمانين سنة. وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدّين [1]- أبو المعالي عبد الله بن أحمد بن أحمد بن محمد المروزي الحلواني- بفتح الحاء [المهملة] ، نسبة إلى الحلوى- البزّاز. كان حافظا فقيها عالما نبيها. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها علي بن هبة الله بن عبد السلام، أبو الحسن الكاتب البغدادي. سمع الكثير بنفسه، وكتب، وجمع، وحدّث عن الصريفيني، وابن النّقور، وتوفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة. وفيها أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد الزّيدي الكوفي النحوي

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (162/ آ) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

الحنفي. أجاز له محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وسمع من أبي بكر الخطيب وخلق، وسكن الشام مدة، وله مصنفات في العربية، وكان يقول: أفتي برأي أبي حنيفة ظاهرا، وبمذهب جدّي زيد بن علي تديّنا. وقال أبيّ النّرسي: كان جاروديا [1] لا يرى الغسل من الجنابة. وقال في «العبر» [2] : قلت: وقد اتهم بالرفض، والقدر، والتجهّم. توفي في شعبان، وله سبع وتسعون سنة، وشيّعه نحو ثلاثين ألفا، وكان مسند الكوفة. انتهى. وفيها فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادية أم البهاء الواعظة، مسندة أصبهان. روت عن أبي الفضل الرازي [3] وسبط بحرويه [4] ، وأحمد ابن محمود الثقفي، وسمعت «صحيح البخاري» من سعيد العيّار. وتوفيت في رمضان، ولها أربع وتسعون سنة. وفيها القاسم بن المظفّر علي بن القاسم الشهرزوري، والد قاضي الخافقين أبي بكر محمد، والمرتضى أبي محمد عبد الله، وأبي منصور المظفّر، وهو جد بيت الشهرزوري، قضاة الشام، والموصل، والجزيرة، وكلهم إليه ينتسبون. كان حاكما بمدينة إربل مدة، وبمدينة سنجار مدة، وكان من أولاده وحفدته أولاد علماء نجباء كرماء، نالوا المراتب العلية، وتقدموا

_ [1] نسبة أبي الجارود زياد بن المنذر الهمذاني، وقيل الثقفي، ويقال النهدي الأعمى. كان رافضيا يضع الحديث في الفضائل والمثالب، وإليه ينسب الجارودية، ويقولون: إن عليا- رضي الله عنه- أفضل الصحابة، وتبرءوا من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وزعموا أن الإمامة مقصورة على ولد فاطمة رضي الله عنها، وبعضهم يرى الرجعة ويبيح المتعة. قال ابن معين: كذّاب عدوّ الله. عن «ميزان الاعتدال» للذهبي (2/ 93- 94) باختصار. [2] (4/ 108) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المرازي» والتصحيح من «العبر» (4/ 109) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 148) . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «نحرويه» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .

عند الملوك، وتحكموا وقضوا، ونفقت أسواقهم، خصوصا حفيده القاضي كمال الدّين محمد، ومحيي الدّين بن كمال الدّين، وقدم بغداد غير مرّة، وذكره جماعة وأثنوا عليه، منهم: أبو البركات المستوفي في «تاريخ إربل» [1] وأورد له شعرا، فمن ذلك قوله: همّتي دونها السّها والزّبانا ... قد علت جهدها فما تتدانى فأنا متعب معنىّ إلى أن ... تتفانى الأيام أو نتفانى هكذا وجدت هذه الترجمة في «تاريخ الإسلام» لابن شهبة. والصحيح أن البيتين لولده أبي بكر محمد قاضي الخافقين، فإنه المتوفى في هذا التاريخ. وأما والده القاسم فذكر ابن خلّكان [2] أن وفاته سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وهذا غاية البعد والوهم، وكانت ولادة قاضي الخافقين بإربل سنة ثلاث أو أربع وخمسين وأربعمائة، وتوفي في جمادى الآخرة ببغداد، ودفن بباب أبرز، وإنما قيل له قاضي الخافقين لكثرة البلاد التي وليها، وممن سمع منه، السمعاني، وقال في حقه: إنه اشتغل بالعلم على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وولي القضاء بعدة بلاد، ورحل إلى العراق، وخراسان، والجبال، وسمع الحديث الكثير. وأما أخو قاضي الخافقين المرتضى، فهو أبو محمد عبد الله بن القاسم بن المظفّر والد القاضي كمال الدّين، كان أبو محمد المذكور مشهورا بالفضل والدّين، مليح الوعظ، مع الرشاقة والتجنيس، أقام ببغداد مدة يشتغل بالحديث والفقه، ثم رحل إلى الموصل، وتولى بها القضاء، وروى

_ [1] انظر «تاريخ إربل» (1/ 203) بتحقيق الأستاذ سامي الصقار. [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 69) .

الحديث، وله شعر رائق، فمن ذلك قصيدته التي على طريقة الصوفية، ولقد أحسن فيها، ومنها: لمعت نارهم وقد عسعس اللي ... ل وملّ الحادي وحار الدليل فتأمّلتها وفكري من البي ... ن عليل ولحظ عيني كليل وفؤادي ذاك الفؤاد المعنّى ... وغرامي ذاك الغرام الدخيل ثم قابلتها وقلت لصحبي ... هذه النّار نار ليلى فميلوا فرموا نحوها لحاظا صحيحا ... ت وعادت خواسئا وهي حوّل ثم مالوا إلى الملام وقالوا ... خلّب ما رأيت أم تخييل فتنحّيتهم وملت إليها ... والهوى مركبي وشوقي الزميل وهي طويلة. ومن شعره قوله: يا ليل ما جئتكم زائرا ... إلّا وجدت الأرض تطوى لي ولا ثنيت العزم عن بابكم ... إلّا تعثرت بأذيالي وكانت ولادته في شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة وتوفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وخمسمائة بالموصل ودفن بالتربة المعروفة بهم. وأما أخوه المظفّر، فإن السمعاني ذكره في «الذيل» فقال: ولد بإربل، ونشأ بالموصل، وورد بغداد وتفقّه بها على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ورجع إلى الموصل، وولي قضاء سنجار على كبر سنه وسكنها، وكان قد أضرّ، ثم قال: سألته عن مولده فقال: ولدت في جمادى الآخرة- أو رجب- سنة سبع وخمسين وأربعمائة بإربل، ولم يذكر وفاته، والله أعلم. وفيها أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري [1] ،

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 93) وما بين حاصرتين زيادة منه.

راوي «السّنن الكبير» عن البيهقي وراوي « [صحيح] البخاري» عن [سعيد] العيّار، توفي في جمادى الآخرة، وله إحدى وتسعون سنة. وفيها [أبو عبد الله] محمد بن عبد العزيز السّوسي [ثم البصري] الشاعر [1] . كان ظريفا [ماجنا] ، له منظر حسن، ورث من أبيه مالا جزيلا فأنفقه في اللهو وافتقر، فعمل قصيدته الظريفة المعروفة بالسّوسية، التي أولها الحمد لله ليس [لي] بخت ... ولا ثياب يضمّها تخت وفيها أبو المنصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن محمد بن خيرون البغدادي المقرئ الدبّاس، مصنّف «المفتاح» و «الموضح في القراءات» أدرك أصحاب أبي الحسن الحمّامي، وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة، والخطيب، والكبار، وتفرّد بإجازة أبي محمد الجوهري. توفي في رجب، وله خمس وثمانون سنة. وفيها أبو المكارم المبارك بن علي السّمّذي- بكسرتين وتشديد الميم، نسبة إلى السّمّذ، وهو الخبز الأبيض، يعمل للخواص- البغدادي سمع الصريفيني وطائفته، ومات يوم عاشوراء.

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 261) وما بين حاصرتين في الترجمة منه.

سنة أربعين وخمسمائة

سنة أربعين وخمسمائة فيها توفي أبو سعد البغدادي الحافظ أحمد بن محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن الأصبهاني. ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وسمع من عبد الرحمن، وعبد الوهاب ابني مندة وطبقتهما، وببغداد من عاصم بن الحسن. قال [أبو] سعد بن السمعاني: حافظ، ديّن، خيّر، يحفظ «صحيح مسلم» وكان يملي من حفظه. وقال الذهبي [1] : حجّ مرّات، ومات في ربيع الآخر بنهاوند، ونقل إلى أصبهان. وقال ابن ناصر الدّين [2] : كان ثقة متقنا ديّنا خيّرا واعظا، و «صحيح مسلم» من بعض حفظه. وفيها أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري. روى عن القشيري، وأحمد بن منصور المغربي. توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 110) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (162/ ب) .

وفيها [أبو الفتح] محمد بن محمد بن الخشّاب الكاتب [1] ، أحد الفضلاء. فمن شعره: أراك اتّخذت سواكا أراكا ... لكيما أراك وأنسى سواكا سواك فما أشتهي أن أرى ... فهب لي رضابا وهب لي سواكا ومن هنا أخذ القائل: ما أردت الأراك إلّا لأني ... إن ذكرت الأراك قلت أراكا وهجرت السواك إلّا لأني ... إن ذكرت السواك قلت سواكا وقال الآخر: طلبت منك سواكا ... وما طلبت سواكا وما طلبت أراكا ... إلّا أردت أراكا وكان حسن الخطّ [والعبارة] والتّرسل، له حظ [وافر] من العربية، وكان يضرب به المثل في الكذب ووضع الخيالات [2] والحكايات المستحيلات، منهمكا على الشرب مع كبر سنه. وفيها [أبو عبد الله] محمد بن مزّاح الأزدي [3] . من شعره في ثقيل: لنا صديق زائد ثقله ... فظفره كالجبل الرّاسي تحمل منه الأرض أضعاف ما ... تحمله من سائر النّاس ولبعض الأندلسيين: ليس بإنسان ولكنّه ... يحسبه النّاس من النّاس

_ [1] انظر «الأنساب» (5/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 76- 77) و «الوافي بالوفيات» (1/ 165) وما بين حاصرتين زيادة منه. [2] في «الوافي بالوفيات» : «ووضع المحالات» . [3] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 17) وما بين حاصرتين زيادة منه.

أثقل في أنفس إخوانه ... من جبل راس على راس وفيها أبو إسحاق الضرير، إبراهيم بن محمد الطّليطلي، وهو القائل: أتاك العذار على غرّة ... فإن كنت في غفلة فانتبه وقد كنت تأبى زكاة الجمال ... فصار شجاعا تطوّقت به وفيها أبو الحسن محمد بن الحسن أبو علي بن أبي جعفر الطّوسي [1] ، شيخ الرافضة [2] وعالمهم، وابن شيخهم وعالمهم، رحلت إليه طوائف الشيعة من كل جانب إلى العراق وحملوا إليه، وكان ورعا عالما كثير الزهد. وأثنى عليه السمعاني. وقال العماد الطبري: لو جازت على غير الأنبياء صلاة صليت عليه. وفيها أبو منصور بن الجواليقي، موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن البغدادي الحنبلي [3] . قال ابن رجب [4] : هو شيخ أهل اللغة في عصره. ولد في ذي الحجة سنة خمس وستين وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير من أبي القاسم بن البسري، وأبي طاهر بن أبي الصّقر، وابن الطّيوري، وخلق، وبرع في علم اللغة والعربية، ودرّس العربية في النظامية بعد شيخه أبي زكريا مدة، ثم قرّبه المقتفي لأمر الله تعالى، فاختص بإمامته في الصلوات، وكان المقتفي يقرأ عليه شيئا من الكتب، وانتفع به، وبان أثره في توقيعاته، وكان من أهل السّنّة المحامين عنها، ذكر ذلك ابن شافع. وقال ابن السمعاني في حقه: إمام اللغة والأدب، وهو من مفاخر

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (2/ 349) . [2] في «ط» و «الوافي بالوفيات» : «شيخ الشيعة» . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 89- 91) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 204- 206) .

بغداد، وهو متدين ثقة ورع، غزير الفضل، كامل العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنّف التصانيف وانتشرت عنه، وشاع ذكره، ونقل بخطه الكثير. وكذلك قال عنه تلميذه ابن الجوزي. وقال: وقرأت عليه كتابه «المعرّب» [1] وغيره من تصانيفه. وقال ابن خلّكان [2] : صنف التصانيف، وانتشرت عنه، مثل «شرح كتاب أدب الكاتب» وكتاب «المعرّب» و «تتمة درّة الغوّاص» للحريري. وكان يصلي بالمقتفي بالله، فدخل عليه- وهو أول ما دخل- فما زاد على أن قال: السلام على أمير المؤمنين. فقال: ابن التلميذ النصراني- وكان قائما وله إدلال الخدمة والطب-: ما هكذا يسلّم على أمير المؤمنين يا شيخ، فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي، وقال: يا أمير المؤمنين: سلامي هو ما جاءت به السّنّة النبوية. وروى الحديث، ثم قال: يا أمير المؤمنين لو حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه [المرضي] لما لزمته كفّارة، لأن الله تعالى ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلّا الإيمان، فقال: صدقت وأحسنت [3] وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة أدبه. وقال المنذري: سمع منه جماعة، منهم: ابن ناصر، وابن السمعاني، وابن الجوزي، وأبو اليمن الكندي، وتوفي سحر يوم الأحد خامس عشر المحرم، ودفن بباب حرب عند والده، رحمهما الله تعالى.

_ [1] وهو مطبوع في دار الكتب المصرية بالقاهرة بتحقيق العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى. [2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 342- 343) . [3] لفظة «وأحسنت» سقطت من «آ» .

سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

سنة إحدى وأربعين وخمسمائة فيها أخذت الفرنج طرابلس المغرب بالسيف ثم عمروها. وفيها توفي أبو البركات إسماعيل بن الشيخ أبي أحمد بن محمد النيسابوري [1] ثم البغدادي، شيخ الشيوخ، وله ست وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة. وكان مهيبا جليلا وقورا متصوّفا [2] . وفيها حنبل بن علي أبو جعفر البخاري [السّجزي] الصوفي. سمع من شيخ الإسلام [3] بهراة، وصحبه، وببغداد من أبي عبد الله النّعالي، توفي بهراة في شوال. وفيها زنكيّ الأتابك عماد الدّين [4] ، صاحب الموصل وحلب، ويعرف أبوه بالحاجب قسيم الدولة آق سنقر التّركي. ولي شحنكيّة بغداد في آخر دولة المستظهر بالله، ثم نقل إلى الموصل، وسلّم إليه السلطان محمود ولده فروخشاه الملقّب بالخفاجي ليربيه، ولهذا قيل له أتابك. وكان فارسا شجاعا ميمون النقيبة، شديد البأس، قوي المراس، عظيم الهيبة، فيه ظلم وزعارة،

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 160- 161) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (9/ 336- 337) . [2] في «آ» و «ط» : «مصونا» وما أثبته من «العبر» (4/ 111) طبع الكويت و (2/ 459) طبع بيروت. [3] يعني الإمام القدوة أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، كما جاء مبينا في «الأنساب» (7/ 47) ولفظة «السّجزي» التي بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه. [4] انظر «العبر» (4/ 112) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 189- 191) .

ملك الموصل، وحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، والرّها، والمعرّة. قتله بعض غلمانه وهو نائم وهربوا إلى قلعة جعبر، ففتح لهم صاحبها عليّ بن مالك العقيلي، وكان زنكي- سامحه الله- حسن الصورة، أسمر، مليح العينين، قد وخطه الشيب، وجاوز الستين، قتل في ربيع الآخر، وتملّك الموصل بعده ابنه غازي، وتملّك حلب وغيرها ابنه الآخر نور الدّين محمود. وفيها أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي، البلنسي المحدّث. رحل إلى المشرق، وسافر في التجارة إلى الصين، وكان فقيها عالما متقنا. سمع أبا عبد الله النّعالي، وطراد بن محمد، وطائفة، وسكن أصبهان مدة ثم بغداد، وتفقّه على الغزالي، وتوفي في المحرم. وفيها سبط الخيّاط الإمام أبو محمد عبد الله بن علي البغدادي، المقرئ الفقيه، الحنبلي النحوي، شيخ المقرئين بالعراق، وصاحب التصانيف. ولد سنة أربع وستين وأربعمائة، وسمع من أبي الحسين بن النّقّور وطائفة، وقرأ القرآن على جدّه الزاهد أبي منصور، والشريف عبد القادر، وطائفة، وبرع في العربية على ابن فاخر، وأمّ بمسجد [ابن] جردة بضعا وخمسين سنة، وقرأ عليه خلق. وكان من أندى الناس صوتا بالقرآن، توفي في ربيع الآخر، وكان الجمع في جنازته يفوت الإحصاء. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن الجوزي: قرأت عليه القرآن والحديث الكثير، ولم أسمع قارئا قطّ أطيب صوتا منه، ولا أحسن أداء على كبر سنه، وكان كثير التلاوة، لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظرافة وحسن المعاشرة للعوام والخواص، قويا في السّنّة، وكان طول عمره منفردا في مسجده.

_ [1] (4/ 113) .

وقال ابن شافع: سار ذكر سبط الخيّاط في الأغوار والأنجاد، ورأس أصحاب الإمام أحمد، وصار واحد وقته ونسيج وحده، لم أسمع في جميع عمري من يقرأ الفاتحة أحسن ولا أفصح منه. وكان جمال العراق بأسره، ظريفا كريما لم يخلّف مثله في أكثر فنونه. وقال ابن نقطة: كان شيخ العراق، يرجع إلى دين وثقة وأمانة، وكان ثقة صالحا من أئمة المسلمين، وله شعر حسن، فمنه: يا من تمسّك بالدنيا ولذتها ... وجدّ في جمعها بالكدّ والتعب هلّا عمرت لدار سوف تسكنها ... دار القرار وفيها معدن الطلب فعن قليل تراها وهي داثرة ... وقد تمزّق ما جمّعت من نشب وقوله أيضا: أيّها الزائرون بعد وفاتي ... جدثا ضمّني ولحدا عميقا سترون الذي رأيت من المو ... ت عيانا وتسلكون الطريقا وقوله أيضا: الفقه علم به الأديان ترتفع ... والنحو عزّ به الإنسان ينتفع ثم الحديث إذا ما رمته فرج ... من كل معنى به الإنسان يبتدع ثم الكلام فذره فهو زندقة ... وخرّقه فهو خرق ليس يرتقع قال ابن الجوزي: توفي بكرة الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر، وتوفي في غرفته التي في مسجده فحطّ تابوته بالحبال من سطح المسجد، وأخرج إلى جامع القصر، فصلى عليه عبد القادر، وما رأيت جمعا أكثر من جمعه ودفن في دكة الإمام أحمد عند جده أبي منصور. وفيها أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحّامي، أخو زاهر، توفي في جمادي الآخرة عن ست وثمانين سنة. سمع القشيري، وأبا حامد

الأزهري، ويعقوب الصّيرفي، وطبقتهم، وطائفة، بهراة، وببغداد، والحجاز، وأملى مدة، وكان خيّرا متواضعا متعبدا لا كأخيه، وتفرّد في عصره. قاله في «العبر» [1] .

_ [1] (4/ 113) .

سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة فيها غزا نور الدّين محمود بن زنكي، فافتتح ثلاثة حصون للفرنج بأعمال حلب. وفيها كان الغلاء المفرط- بل وقبلها بسنوات- بإفريقية [حتى أكلوا لحوم الآدميين] [1] . وفيها توفي أبو الحسن بن الأبنوسي أحمد بن أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي الشافعي الوكيل. سمع أبا القاسم بن البسري وطبقته، وتفقّه وبرع، وقرأ الكلام والاعتزال، ثم لطف الله به، وتحوّل سنّيا. توفي في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة. وفيها أبو جعفر البطروجي [2] أحمد بن عبد الرحمن الأندلسي، أحد الأئمة. روى عن أبي عبد الله الطّلّاعي، وأبي علي الغسّاني، وطبقتهما، وكان إماما حافلا [3] بصيرا بمذهب مالك ودقائقه، إماما في الحديث ومعرفة

_ [1] ما بين حاصرتين تكملة من «العبر» مصدر المؤلف. [2] جاء في هامش «ط» ما نصه: «البطروجي: لا أدري نسبته لأي شيء، وما رأيت من تكلم عليه. (المؤلف) » . قلت: وكذا ضبط الذهبيّ نسبته في «العبر» (4/ 114) : «البطروجي» وتابعه المؤلف، وقال في «سير أعلام النبلاء» (20/ 116) : «البطروجي» ويقال: «البطروشي» وانظر «معجم البلدان» (1/ 447) . [3] في «ط» : «عاقلا» .

رجاله وعلله، له مصنّفات مشهورة، ولم يكن في وقته بالأندلس مثله، ولكنه كان قليل العربية، رثّ الهيئة، خاملا. توفي في المحرم. وفيها أبو بكر بن الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلّال. روى عن المهتدي بالله، والصّريفيني، وكان خيّرا، صحيح السماع، توفي في صفر. وفيها دعوان [1] بن علي بن حمّاد بن صدقة الجبّائي، ويقال له الجبّي أيضا- نسبة إلى قرية [2] بسواد بغداد عند العقر على طريق خراسان- المقرئ الفقيه الحنبلي أبو محمد. ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة بالجبة المذكورة، وقدم بغداد فسمع بها من أبي محمد التميمي، وأبي عبد الله بن البسري وجماعة، وقرأ بالروايات على الشريف عبد القاهر المكّي، وابن سوار، وتفقّه على أبي سعد المخرّمي، وأحكم [3] الفقه، وأعاد لشيخه المذكور، وأقرأ القرآن، وحدّث وانتفع به الناس. قرأ عليه جماعة، وحدّث عنه آخرون، منهم: ابن السمعاني. قال ابن الجوزي: كان خيّرا [4] ، ديّنا ذا ستر وصيانة وعفاف وطرائق محمودة [5] على سبيل السلف الصالح. توفي يوم الأحد سادس عشري ذي القعدة، ودفن من الغد بمقبرة أبي بكر غلام الخلّال إلى جانبه. وفيها علي بن عبد السيّد أبو القاسم بن العلّامة أبي نصر بن الصبّاغ

_ [1] في «آ» و «ط» : «عوان» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 127) و «العبر» بطبعتيه. [2] وهي قرية «جبّى» كما جاء ذلك مبينا في «معجم البلدان» (2/ 97) . [3] لفظة «وأحكم» سقطت من «آ» . [4] لفظة «خيرا» لم ترد في «المنتظم» المطبوع. [5] في «المنتظم» : «وطريق محمودة» .

الشاهد. سمع من الصريفيني كتاب «السبعة» لابن مجاهد، وعدة أجزاء، وكان صالحا حسن الطريقة، توفي في جمادى الأولى. وفيها عمر بن ظفر أبو حفص المغازليّ، مفيد بغداد. سمع أبا القاسم ابن البسري فمن بعده، وأقرأ القرآن مدة، وكتب الكثير. توفي في شعبان. وفيها أبو عبد الله الجلّابي [1] القاضي، محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الواسطي المغازلي. سمع من محمد بن محمد بن مخلد الأزدي، والحسن بن أحمد الغندجاني، وطائفة، وأجاز له أبو غالب بن بشران اللغوي وطبقته، وكان ينوب في الحكم بواسط. وفيها أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصّيصي ثم اللّاذقي ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري. سمع من أبي بكر الخطيب، وتفقه على الفقيه نصر المقدسي، وسمع ببغداد من رزق الله، وعاصم. وبأصبهان من ابن شكرويه، ودرّس بالغزالية، ووقف وقوفا، وأفتى وأشغل، وصار شيخ دمشق في وقته، توفي في ربيع الأول، وله أربع وتسعون سنة، وآخر أصحابه ابن أبي لقمة. قال ابن شهبة [2] : كان منقبضا عن الدخول على السلاطين، ودفن بمقابر باب الصغير. وفيها أبو السعادات بن الشّجريّ، هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الشريف العلوي الحسيني البغدادي النحوي، صاحب التصانيف. قال ابن خلّكان [3] : كان إماما في النحو واللغة وأشعار العرب وأيامها

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحداني» والتصحيح من «الأنساب» (3/ 400) و «العبر» بطبعتيه. [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 372) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 45- 50) .

وأحوالها، كامل الفضائل، متضلعا من الأدب، صنّف فيه عدة تصانيف، فمن ذلك كتاب «الأمالي» وهو أكبر تآليفه وأكثرها إفادة، أملاه في أربعة وثمانين مجلسا، وهو يشتمل على فوائد جمّة من فنون الأدب، وختمه بمجلس قصره على أبيات من شعر المتنبي، تكلّم عليها، وذكر ما قاله الشرّاح فيها، وزاد من عنده ما سنح له، وهو من الكتب الممتعة، ولما فرغ من إملائه حضر إليه أبو محمد بن الخشّاب، والتمس منه سماعه عليه، فلم يجبه إلى ذلك، فعاداه وردّ عليه في مواضع من الكتاب، ونسبه فيها إلى الخطأ، فوقف أبو السعادات على ذلك الردّ، فردّ عليه في ردّه وبيّن وجوه غلطه وجمعه كتابا سماه «الانتصار» وهو على صغر حجمه مفيد جدا، وسمعه عليه الناس، وجمع أيضا كتابا سماه «الحماسة» ضاهى به «حماسة أبي تمام» وهو كتاب غريب أحسن فيه، وله في النحو عدة تصانيف، وله «ما اتفق لفظه واختلف معناه» ، وشرح «اللمع» لابن جنّي وشرح «التصريف المملوكي» . وكان حسن الكلام، حلو الألفاظ، فصيحا، جيد البيان والتفهيم، وقرأ الحديث بنفسه على جماعة، منهم ابن المبارك الصيرفي، وابن نبهان الكاتب، وغيرهما. وحكى أبو البركات عبد الرحمن بن الأنباري في كتاب «مناقب الأدباء» أنّ العلّامة الزّمخشري لما قدم بغداد قاصدا للحج، مضى إلى زيارته [1] شيخنا أبو السعادات بن الشّجري ومضينا إليه معه، فلما اجتمع به أنشده قول المتنبي [2] : وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلما التقينا صغّر الخبر الخبر ثم أنشده بعد ذلك:

_ [1] تحرفت في «وفيات الأعيان» إلى «زيارة» فتصحح فيه. [2] انظر «ديوانه» بشرح العكبري (2/ 155) .

كانت مساءلة الرّكبان تخبرني ... عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأطيب [1] مما قد رأى بصري وهذان البيتان منسوبان لابن هانئ الأندلسي. قال ابن الأنباري: فقال العلّامة الزّمخشري: روي عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- أنه لما قدم عليه زيد الخيل قال له: «يا زيد! ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلّا رأيته دون ما وصف لي، غيرك» [2] . قال ابن الأنباري: فخرجنا من عنده ونحن نعجب كيف يستشهد الشريف بالشعر والزّمخشريّ بالحديث، وهو رجل أعجمي. وكان أبو السعادات نقيب الطالبيين بالكرخ نيابة عن والده الطاهر، وله شعر حسن، فمن شعره قوله في ابن جهير الوزير: هذي السّديرة والغدير الطافح ... فاحفظ فؤادك إنني لك ناصح يا سدرة الوادي الذي إن ضلّه ال ... ساري هداه نشره المتفاوح هل عائد قبل الممات لمغرم ... عيش تقضّى في ضلالك صالح ما أنصف الرشأ الضنين بنظرة ... لما دعا مصغي الصبابة طامح شطّ المزار به وبوّئ منزلا ... بصميم قلبك فهو دان نازح غصن يعطّفه النسيم وفوقه ... قمر يحفّ به ظلام جانح وإذا العيون تساهمته لحاظها ... لم يرو منه الناظر المتراوح ولقد مررنا بالعقيق وشاقنا ... فيه مراتع للمها ومسارح ظلنا به نبكي فكم من مضمر ... وجدا أذاع هواه دمع سافح برت الشئون رسومها فكأنّما ... تلك العراص المقفرات نواضح

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «بأحسن» . [2] ذكره عماد الدّين بن الأثير في «أسد الغابة» (2/ 301) وابن حجر في «الإصابة» (3/ 35) مصورة دار الكتب العلمية ببيروت.

يا صاحبيّ تأمّلا حييتما ... وسقى دياركما الملثّ الرائح أدمى بدت لعيوننا أم ربرب ... أم خرّد أكفالهنّ رواجح أم هذه مقل الصّوار [1] بدت لنا ... خلل البراقع أم قنا وصفائح لم تبق جارحة وقد واجهننا ... إلّا وهنّ لهابهنّ [2] جوارح كيف ارتجاع القلب من أسر الهوى ... ومن الشقاوة أن يراض القارح ثم خرج إلى المديح. وكان بينه وبين ابن جكّينا الشاعر تنافس جرت العادة به بين أهل الفضائل، فلما وقف على شعره عمل فيه: يا سيدي والذي أراحك من ... نظم قريض يصدى به الفكر مالك من جدّك النّبيّ سوى ... أنك ما ينبغي لك الشعر وكانت ولادته في شهر رمضان سنة خمسين وأربعمائة، وتوفي يوم الخميس ثاني عشري رمضان، ودفن من الغد في داره بالكرخ من بغداد، رحمه الله تعالى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الصرار» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف. [2] في «آ» و «ط» : «لبازهن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة في ربيع الأول نازلت الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف راجل، فخرج المسلمون من دمشق للمصاف، فكانوا مائة وثلاثين ألف رجل وعسكر البلد. فاستشهد نحو المائتين، ثم برزوا في اليوم الثاني فاستشهد جماعة، وقتل من الفرنج عدد كثير، فلما كان في اليوم الخامس وصل غازي بن أتابك، وأخوه نور الدّين في عشرين ألفا إلى حماه، وكان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرّع إلى الله تعالى، وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع، وضجّ الناس والنساء والأطفال [مكشّفي الرؤوس، وصدقوا الافتقار إلى الله] [1] فأغاثهم، وركب قسيس الفرنج وفي عنقه صليب وفي يديه صليبان، وقال: أنا قد وعدني المسيح إلى أن [2] آخذ دمشق، فاجتمعوا حوله، وحمل على البلد، فحمل عليه المسلمون فقتلوه وقتلوا جماعة [3] وأحرقوا الصلبان، ووصلت النجدة، فانهزمت الفرنج، وأصيب منهم خلق. وفيها كان شدة القحط بإفريقية، فانتهز رجّال صاحب صقلية الفرصة، فأقبل في مائتين وخمسين مركبا، فهرب منه صاحب المهدية،

_ [1] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» بطبعتيه. [2] لفظة «أن» سقطت من «ط» . [3] في «العبر» بطبعتيه: «وقتلوا حماره» .

فأخذها الملعون بلا ضربة ولا طعنة، وصار للفرنج من طرابلس المغرب إلى قريب تونس. وفيها توفي أبو تمّام أحمد بن أبي العزّ محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي العبّاسي البغدادي السفّار، نزيل خراسان. سمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره، وتوفي في ذي القعدة بنيسابور عن بضع وتسعين سنة. وفيها أبو إسحاق الغنوي- نسبة إلى غني بن أعصر [1]- إبراهيم بن محمد بن نبهان الرّقّي الصوفي، الفقيه الشافعي. سمع رزق الله التميمي، وتفقّه على الغزالي وغيره، وكان ذا سمت ووقار وعبادة، وهو راوي خطب ابن نباتة. توفي في ذي الحجة عن خمس وثمانين سنة. وفيها قاضي العراق أبو القاسم الزّينبي [2] علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العبّاسي الحنفي. سمع من أبيه وعمه وطراد، وكان ذا عقل ووقار ورزانة وعلم وشهامة ورأي. أعرض عنه في الآخر المقتفي وجعل معه في القضاء ابن المرخّم، ثم مرض ومات يوم الأضحى. وفيها صالح بن شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي الحنبلي [3] الفقيه المعدل، أبو المعالي. ولد ليلة الجمعة لست خلون من المحرم سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وسمع من أبي منصور الخيّاط، و [ابن] الطيوري، وغيرهما. وصحب ابن عقيل وغيره من الأصحاب، وتفقّه ودرّس.

_ [1] في «الأنساب» (9/ 184) : «وهو غني بن يعصر وقيل أعصر، واسمه منبه بن سعد بن قيس ابن عيلان بن مضر» وانظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (20/ 175- 176) . [2] انظر «الجواهر المضية» (2/ 568) والمصادر المذكورة في حاشيته. [3] انظر «الوافي بالوفيات» (16/ 258) و «المنهج الأحمد» (2/ 302- 303) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 213- 214) .

قال ابن الميداني [1] في «تاريخ القضاة» : كان فقيها زاهدا من سروات الناس. وقال المنذري: كان أحد الفضلاء والشهود، وحدّث عنه الحافظان أبو القاسم الدمشقي، وأبو سعد بن السمعاني، توفي يوم الأربعاء سادس عشر رجب، ودفن في دكة الإمام أحمد. وذكر ابن الجوزي أنه دفن على ابن عقيل. وفيها المبارك بن كامل بن أبي غالب محمد بن أبي طاهر الحسين ابن محمد البغدادي الطّفري [2] المحدّث الحنبلي، مفيد العراق، أبو بكر، ويعرف أبوه بالخفّاف. ولد يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث الكثير، وأول سماعه سنة ست وخمسمائة، وعني بهذا الشأن. سمع من أبي القاسم بن بيان [3] ، وابن نبهان، وغيرهما. قال ابن الجوزي: وما زال يسمع العالي والنازل، ويتتبع الأشياخ في الروايات وينقل السماعات، فلو قيل: إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لما ردّ القائل. وجالس الحفّاظ وكتب بخطه الكثير، وانتهت إليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا والإجازات، إلّا أنه كان قليل التحقيق فيما ينقل من السماع

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «ابن الميداني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «ابن المنذري» . [2] في «آ» و «ط» : «الطغري» وهو تحريف، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 214) و «المنهج الأحمد» (2/ 301) وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 299) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (163/ آ) . [3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «ابن تبان» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «ذيل طبقات الحنابلة» .

مجازفة لكونه يأخذ عن ذلك ثمنا، وكان فقيرا إلى ما يأخذ، وكان كثير التزويج والأولاد، وله كتاب «سلوة الأحزان» نحو ثلاثمائة جزء وأكثر، وكان صدوقا. توفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى ودفن بالشونيزية. وفيها الجوزقاني الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الهمذاني. كان حافظا عالما بما يحويه. ومن مصنفاته كتاب «الموضوعات» أجاد فيه. قاله ابن ناصر الدّين [1] . وفيها ابن بجنّك أحمد بن محمد بن الفضل بن عمر بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني، حافظ مشهور عمدة. نقله ابن ناصر الدّين أيضا [2] . وفيها أبو الدرّ ياقوت الرّومي التاجر، عتيق ابن البخاري. حدّث بدمشق، ومصر، وبغداد، عن الصريفيني بمجالس المخلّص وغير ذلك. توفي بدمشق في شعبان. وفيها أبو الحجّاج الفندلاوي [3] يوسف بن دوناس [4] المغربي المالكي. كان فقيها عالما صالحا، حلو المجالسة، شديد التعصب للأشعرية، صاحب تحرّق على الحنابلة. قتل في سبيل الله في حصار الفرنج لدمشق مقبلا غير مدبر بالنّيرب أول يوم جاءت الفرنج، وقبره يزار بمقبرة باب الصغير. خرج راجلا مع أصحابه لقتال الفرنج، فقال له معين الدّين: يا شيخ إن الله قد عذرك، ليس لك قوة على القتال أنا أكفيك، فقال: قد بعت وأشتري، لا أقيله ولا أستقيله، وقرأ: إِنَّ الله اشْتَرى 9: 111 الآية [التوبة:

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (162/ ب- 163/ آ) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (163/ آ) . [3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «القندلاوي» والتصحيح من «العبر» (4/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 209) . [4] تصحف في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «دوباس» والتصحيح من «اللباب في تهذيب الإنسان» (2/ 442) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 209) .

111] ومضى نحو الرّبوة، فالتقاه طلّب الفرنج فقتلوه، وحمل إلى باب الصغير، وقبره من جانب المصلى قريبا من الحائط، وعليه بلاطة منقورة فيها شرح حاله. ورآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في جنّات مع قوم على سرور متقابلين [1] .

_ [1] اقتباس من قوله تعالى في الآية (46) من سورة الحجر: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 15: 47.

سنة أربع وأربعين وخمسمائة

سنة أربع وأربعين وخمسمائة فيها توفي القاضي ناصح الدّين أبو بكر الأرّجاني أحمد بن محمد ابن الحسين، قاضي تستر، وحامل لواء الشعر بالمشرق، وله ديوان مشهور. روى عن ابن ماجة الأبهري، وتوفي في ربيع الأول، وقد شاخ. وأرّجان: مشدّد [1] ، بلد صغير من عمل الأهواز. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن خلّكان [3] : منبت شجرته أرّجان، وموطن أسرته تستر وعسكر مكرم من خوزستان، وهو وإن كان في العجم مولده، فمن العرب محتده، سلفه القديم من الأنصار، لم تسمح [4] بنظيره سالف الأعصار، أوسيّ الأسّ خزرجيّه، قسّيّ النطق إياديّه، فارسيّ القلم وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أبناء فارس الذين نالوا العلم المتعلق [5] بالثّريا، جمع بين العذوبة والطيب في الرّي والرّيّا. انتهى كلام العماد [6] . وقال ابن خلّكان أيضا: وكان فقيها شاعرا، وفي ذلك يقول: أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ... في العصر، أو أنا أفقه الشعراء

_ [1] في «آ» و «ط» : «مشددا» وما أثبتناه من «العبر» . [2] (4/ 121) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 152- 154) . [4] في «آ» : «لم تسمع» وفي «وفيات الأعيان» : «لم يسمح» . [5] كذا في «آ» : «المعلق» وفي «ط» و «وفيات الأعيان» : «المتعلق» . [6] يريد انتهى نقل ابن خلّكان عن «الخريدة» للعماد الأصبهاني.

شعري إذا ما قلت دوّنه الورى ... بالطبع لا بتكلّف الإلقاء كالصوت في ظلّ [1] الجبال إذا علا ... للسمع هاج تجاوب الأصداء ومن شعره أيضا: شاور سواك إذا نابتك نائبة ... يوما، وإن كنت من أهل المشورات فالعين تنظر منها ما نأى ودنا [2] ... ولا ترى نفسها إلا بمرآة ومن شعره وهو معنى غريب: رثى لي وقد ساويته في نحوله ... خيالي لمّا لم يكن لي راحم فدلّس بي حتّى طرقت مكانه ... وأوهمت إلي أنه بي حالم وبتنا ولم يشعر بنا الناس ليلة ... أنا ساهر في جفنه وهو نائم وله أيضا: لو كنت أجهل ما علمت لسرّني ... جهلي كما قد ساءني ما أعلم كالصّعو [3] يرتع في الرياض وإنما ... حبس الهزار لأنه يترنّم وله ديوان شعر فيه كل معنى لطيف، ومولده سنة ستين وأربعمائة، وتوفي بمدينة تستر، وقيل بعسكر مكرم، رحمه الله تعالى. وفيها أبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق الهروي الحنفي، العبد الصالح، راوي «الصحيح» [4] و «الدارمي» [5] و [ «عبد» ] [6] عن الداودي، عاش خمسا وثمانين سنة.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «في ملل» . [2] في «وفيات الأعيان» : «ما رنا ونأى» . [3] في «آ» و «ط» : «كالصقر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» (3/ 281) والصّعو: طائر. [4] يعني «صحيح البخاري» كما جاء مبينا في «سير أعلام النبلاء» (20/ 212) . [5] يعني «سنن الدارمي» . [6] ما بين حاصرتين مستدرك من «العبر» (4/ 121) ويعني ب «عبد» «مستند عبد بن حميد» .

وفيها الأمير معين الدّين أنر [1] الطّغتكيني، مقدّم جيش دمشق، ومدبّر الدولة، وكان عاقلا سايسا، حسن الديانة، ظاهر الشجاعة، كثير الصدقات، وهو مدفون بقبته التي بين دار البطيخ والشامية، توفي في ربيع الآخر وله مدرسة بالبلد. وفيها الحافظ لدين الله، أبو الميمون، عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي، صاحب مصر، بويع يوم مصرع ابن عمه الآمر، فاستولى عليه أحمد بن الأفضل أمير الجيوش، وضيّق عليه، فعمل عليه الحافظ وجهز من قتله واستقلّ بالأمور، وعاش سبعا وسبعين سنة، وكان يعتريه القولنج، فعمل شيرماه الدّيلمي طبلا مركبا من المعادن السبعة، إذا ضربه من به داء القولنج خرج منه ريح متتابع واستراح. مات في جمادى الأولى، وكانت دولته عشرين سنة إلّا خمسة أشهر، وقام بعده ابنه الظافر. وفيها أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض، العلّامة اليحصبي السّبتيّ المالكي الحافظ، أحد الأعلام. ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة، وأجاز له أبو علي الغسّاني، وأبو محمد بن عتّاب، وطبقتهما. ولي قضاء سبتة مدة، ثم قضاء غرناطة، وصنّف التصانيف البديعة، وسمع من أبي علي بن سكّرة وغيره، ومن مصنّفاته «الشفاء» الذي لم يسبق إلى مثله، ومنها «مشارق الأنوار» [2] في غريب «الصحيحين» و «الموطأ» ، وكان إمام وقته في علوم شتى، مفرطا في الذكاء، وله شعر حسن، منه قوله: الله يعلم أني منذ لم أركم ... كطائر خانه ريش الجناحين

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 286) . [2] وهو من خيرة كتبه أيضا.

فلو قدرت ركبت البحر نحوكم ... فإنّ بعدكم عنّي جنى حيني وقوله: انظر إلى الزرع وخاماته ... تحكي وقد ماست أمام الرياح كتيبة خضراء مهزومة ... شقائق النّعمان فيها جراح وبالجملة فإنه كان عديم النظير، حسنة من حسنات الأيام، شديد التعصب للسّنّة والتمسك بها، حتّى أمر بإحراق كتب الغزالي لأمر توهمه منها، وما أحسن قول من قال فيه: ظلموا عياضا وهو يحلم عنهم ... والظلم بين العالمين قديم جعلوا مكان الراء عينا في اسمه ... كي يكتموه وإنه معلوم لو لاه ما فاحت [1] أباطح سبتة ... والنّبت حول خبائها [2] معدوم وفيها أبو بكر عبد الله بن عبد الباقي بن التّبّان الواسطي ثم البغدادي أبو بكر [3] ، الفقيه الحنبلي ويسمى محمد وأحمد أيضا. قال ابن الجوزي: كان من أهل القرآن، سمع من أبي الحسين بن الطيوري، وتفقّه على ابن عقيل، وناظر، وأفتى، ودرّس، وكان أمّيّا لا يكتب، توفي في شوال عن تسعين سنة، ودفن بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى. انتهى. وقال ابن شافع: كان مذهبيا جيدا، وخلافيا مناظرا، ومن أهل القرآن. بقي على حفظه لعلومه إلى أن مات، وله تسعون سنة أو أزيد. وقال ابن النجّار: سمع منه المبارك بن كامل، وأبو الفضل بن شافع.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «ما فاحت» وفي «وفيات الأعيان» (3/ 485) : «ما ناحت» . [2] في «وفيات الأعيان» : «والروض حول فنائها» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 216) .

وفيها غازي [1] السلطان سيف الدّين، صاحب الموصل، وابن صاحبها زنكي بن آق سنقر. كان فيه دين وخير وشجاعة وإقدام. توفي في جمادى الآخرة، وقد نيّف على الأربعين، وتملّك بعده أخوه قطب الدّين مودود.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «غاز» والتصحيح من «العبر» (4/ 123) .

سنة خمس وأربعين وخمسمائة

سنة خمس وأربعين وخمسمائة فيها أخذت العربان ركب العراق، وراح للخاتون أخت السلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار، وتمزّق الناس، ومات خلق جوعا وعطشا. وفيها توفي الرئيس أبو علي الحسين بن علي الشحّامي النيسابوري. روى عن الفضل بن المحب وجماعة، توفي بمرو في شعبان. وفيها أبو المفاخر الحسن بن ذي النّون [1] الواعظ. كان يعيد الدرس خمسين مرّة، ويقول لمن لم يعد كذلك، لم يستقر، جلس ببغداد وأنشد: أهوى عليّا وإيماني محبته ... كم مشرك دمه من سيفه وكفى إن كنت ويحك لم تسمع مناقبه ... فاسمعه من هل أتى يا ذا الغبي وكفى وفيها عبد الملك بن أبي نصر الجيلاني ثم البغدادي [2] الشافعي. كان صالحا يأوي الخرب، ليس له مسكن معلوم ولا قوت مفهوم، تفقّه على الرّوياني وغيره. قاله ابن الأهدل. وفيها أبو بكر محمد بن عبد العزيز بن علي الدّينوري ثم البغدادي

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن الليث» والتصحيح من «المنتظم» (10/ 143) و «الكامل في التاريخ» (11/ 153) و «النجوم الزاهرة» (5/ 298) و «البداية والنهاية» (12/ 228) . [2] انظر «غربال الزمان» ص (426) .

البيّع. سمع أبا نصر الزّينبي، وعاصم بن الحسن وجماعة، وتوفي [في المحرم، وله سبعون سنة. وفيها المبارك بن أحمد الكندي البغدادي الخبّاز، شيخ فقير يخبز بيده ويبيعه. سمع أبا نصر الزّينبي وعاصم بن الحسن، وطائفة، وتوفي] [1] في شوال.

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «ط» .

سنة ست وأربعين وخمسمائة

سنة ست وأربعين وخمسمائة فيها انفجر بثق النهروان الذي أصلحه بهزور. وفيها توفي أبو نضر الفامي عبد الرحمن بن عبد الجبّار الحافظ، محدّث هراة، وله أربع وسبعون سنة، وكان خيّرا متواضعا صالحا [1] ، فاضلا ثقة، مأمونا مؤرّخا. سمع شيخ الإسلام [2] ونجيب بن ميمون، وطبقتهما. وفيها زاكي بن [كامل بن] علي القطيعي أبو الفضائل، قتيل الرّيم وأسير الهوى [3] . من شعره: عيناك لحظهما أمضى من القدر ... ومهجتي منهما أضحت على خطر يا أحسن النّاس لولا أنت أبخلهم ... ماذا يضرّك لو متّعت بالنّظر جد بالخيال وإن ضنّت يداك به ... لا تبتلي مقلتي بالدّمع والسّهر وفيها أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري، خطيب نيسابور ومسندها. سمع من جدّه حضورا، ومن جدّته

_ [1] لفظة «صالحا» سقطت من «ط» . [2] يعني أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري. انظر «الأنساب» (9/ 235) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 296) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1309) . [3] انظر «فوات الوفيات» (2/ 27- 28) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

فاطمة بنت الشيخ أبي علي الدقّاق، ويعقوب بن أحمد الصّيرفي، وطائفة. روى الكتب الكبار ك «البخاري» و «مسند أبي عوانة» ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة. وفيها القاضي أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي المالكي الحافظ، أحد الأعلام، وعالم أهل الأندلس ومسندهم. ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة، ورحل مع أبيه سنة خمس وثمانين، ودخل الشام، فسمع من الفقيه نصر المقدسي، وأبي الفضل بن الفرات، وببغداد من أبي طلحة النّعالي، وطراد، وبمصر من الخلعي، وتفقّه على الغزالي، وأبي بكر الشّاشي، والطرطوشي، وكان من أهل اليقين في العلوم والاستبحار فيها، مع الذكاء المفرط. ولي قضاء إشبيلية مدة وصرف، فأقبل على نشر العلوم وتصنيفه في التفسير، والحديث، والفقه، والأصول. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن ناصر الدّين [2] : رحل مع أبيه أبي محمد الوزير، فسمع من خلق كثير. كان من الثقات الأثبات والأئمة المشهورين [3] . وله عدة مصنفات. وقال ابن بشكوال في كتاب «الصلة» [4] : هو الإمام [العالم] الحافظ المتبحر [5] ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها. لقيته بمدينة إشبيلية ضحوة يوم الاثنين ثاني جمادى الآخر سنة ست عشرة وخمسمائة، فأخبرني

_ [1] (4/ 125) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (163/ آ) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» : «وكان أحد الحفّاظ المشهورين والأئمة المعتبرين من الثقات الأثبات» . [4] (2/ 590- 591) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [5] كذا في «آ» و «ط» : «المتبحر» وفي «الصلة» : «المستبحر» .

أنه رحل إلى المشرق مع أبيه يوم الأحد مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وأنه دخل الشام ولقي بها أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، وتفقّه عنده. ودخل بغداد وسمع بها من جماعة من أعيان مشايخها، ثم دخل الحجاز فحجّ في موسم سنة تسع وثمانين ثم عاد إلى بغداد، وصحب بها أبا بكر الشّاشي، وأبا حامد الغزالي، وغيرهما من العلماء والأدباء، ثم صدر عنهم. ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدّثين، فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم، ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق. وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، متقدما [1] في المعارف كلها، متكلما في أنواعها، ناقدا في جميعها، حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق، مع حسن المعاشرة ولين الكنف، وكثرة الاحتمال وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الودّ. واستقضي ببلده فنفع الله به أهله [2] لصرامته وشدّته، ونفوذ أحكامه. وكانت له في الظالمين صورة [3] مرهوبة، ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه. وسألته عن مولده فقال: ولدت يوم [4] الخميس ثاني عشري شعبان، سنة ثمانين وأربعمائة، وتوفي بالغدوة [5] ودفن بمدينة فاس في شهر ربيع الآخر، رحمه الله تعالى. انتهى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «مقدما» وما أثبته من «الصلة» . [2] في «آ» و «ط» : «أهلها» وما أثبتناه من «الصلة» . [3] في «الصلة» : «سورة» . [4] في «الصلة» : «ليلة» . [5] كذا في «آ» و «ط» : «بالغدوة» بالغين المعجمة، وفي «الصلة» : «بالعدوة» بالعين المهملة، وعند المقري في «نفح الطيب» (2/ 28) : «توفي بمغيلة بمقربة من مدينة فاس» .

وقال ابن خلّكان [1] : وهذا الحافظ له مصنفات، منها كتاب «عارضة الأحوذي في شرح الترمذي» وغيره من الكتب. وتوفي والده بمصر منصرفا عن المشرق في السفرة التي كان ولده [2] المذكور صحبه، وذلك في المحرم سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة [ومولده سنة خمس وثلاثين وأربعمائة] [3] وكان من أهل الآداب الواسعة والبراعة والكتابة، رحمه الله تعالى. ومعنى «عارضة الأحوذي» فالعارضة: القدرة على الكلام، يقال: فلان شديد العارضة، إذا كان ذا قدرة على الكلام. والأحوذيّ: الخفيف في المشي [4] لحذقه. وقال الأصمعي: الأحوذي المشمّر في الأمور القاهر لها، الذي لا يشذّ عليه منها شيء. انتهى كلام ابن خلّكان ملخصا. فيها نوشتكين الرّضواني، مولى ابن رضوان المرسي [5] شيخ صالح متودّد. روى عن علي بن البسري، وعاصم، وتوفي في ذي القعدة، عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها أبو الوليد بن الدبّاغ يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر ابن فيرّه اللّخمي الأندلسي الأندي- بالضم وسكون النون، نسبة إلى أندة، مدينة بالأندلس [6]- محدّث الأندلس، كان حافظا متقنا مصنفا ثقة نبيلا متقننا

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 297) . [2] في «ط» : «والده» . [3] ما بين حاصرتين سقط من «ط» . [4] في «وفيات الأعيان» : «الخفيف في الشيء» . [5] كذا في «آ» و «ط» : «المرسي» وفي «العبر» بطبعتيه: «المراتبي» . [6] انظر «العبر» (4/ 126) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 220) .

إماما رأسا في الحديث وطرقه ورجاله، وهو تلميذ أبي علي بن سكرة، عاش خمسا وستين سنة. وفيها الجنيد بن يعقوب بن الحسن بن الحجّاج بن يوسف الجيلي [1] الفقيه الحنبلي الزاهد أبو القاسم. ولد [سنة إحدى] وخمسين [2] وأربعمائة بناحية من أرض جيلان [3] ثم قدم بغداد وأقام بباب الأزج، وقرأ الفقه على يعقوب الزّينبي، والأدب على ابن الجواليقي، وسمع الحديث من أبي محمد بن التميمي، والقاضي أبي الحسين، وغيرهما. وحدّث باليسير، وكتب بخطّه الكثير، وكان فاضلا، ديّنا حسن الطريقة، جمع كتابا كبيرا في استقبال القبلة ومعرفة أوقات الصلاة، وروى عنه ابن عساكر، والسمعاني. قال ابن لبيدة عنه: كان صادقا زاهدا ثبتا، لم يعرف عليه إلّا خير، وتوفي يوم الأربعاء سادس عشري جمادى الآخرة، وصلى عليه الشيخ عبد القادر [4] . وفيها- أو في التي قبلها، وجزم به ابن رجب [5]- عبد الملك بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي، القاضي بهاء الدّين بن شرف الإسلام بن الشيخ أبي الفرج، وقد تقدّم ذكر أبيه وجدّه، تفقّه ودرّس، وأفتى وناظر، وكان إماما مناظرا مستقلا متفننا على مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة، بحكم ما كان عليه عند إقامته

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 216- 217) و «المنهج الأحمد» (2/ 306- 307) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «جيلا» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» . [4] يعني الجيلاني، رحمه الله. [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 219) .

بخراسان لطلب العلم والتقدم، وكان يعرف اللّسان الفارسي مع العربي، وهو حسن الحديث في الجدّ والهزل، توفي يوم الاثنين سابع رجب، وكان له يوم مشهود، ودفن في جوار أبيه في مقابر الشهداء بالباب الصغير. قاله حمزة بن القلانسي في «ذيل تاريخ دمشق» [1] . وفيها عبد الله بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن السّامري، الفقيه الحنبلي، أبو الفتح. ولد يوم الاثنين ثاني عشري ذي الحجة، سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وسمع الكثير من ثابت بن بندار، وابن خشيش، وجعفر السرّاج، وغيرهم، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وحدّث اليسير، وروى عنه جماعة، توفي في ليلة الاثنين ثالث عشري محرم، سنة خمس وأربعين وخمسمائة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب. قاله ابن رجب [2] . وفيها أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الأواني الرّاذاني [3]- بالراء والمعجمة، نسبة إلى راذان، قرية ببغداد- ثم البغدادي، الفقيه الحنبلي، الواعظ الزاهد. ولد بأوانا- قرية على عشرة فراسخ من بغداد-. سمع من ابن بيان، وابن خشيش، وابن ناصر، ولازمه إلى أن مات، وتفقّه على أبي سعد المخرّمي، ووعظ وتقدّم، ولما توفي ابن الزاغوني أخذ حلقته [4] بجامع

_ [1] انظر ص (483) منه بتحقيق الدكتور سهيل زكار. [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 219) . [3] انظر «الأنساب» (6/ 37) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 220) . [4] في «آ» و «ط» : «أخذ عنه حلقته» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 220) مصدر المؤلف و «المنهج الأحمد» (2/ 305) .

المنصور في النظر والوعظ، وطلبها ابن الجوزي فلم يعطها لصغر سنه، وسمع منه ابن السمعاني وأثنى عليه. قال ابن الجوزي: توفي يوم الأربعاء رابع صفر، ودفن من الغد إلى جانب ابن سمعون [1] بمقبرة الإمام أحمد، وكان موته فجأة، فإنه دخل إلى بيته ليتوضأ لصلاة الظهر، فقاء فمات. وكان قد تزوّج وعزم تلك الليلة على الدخول بزوجته. وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفتح محمد بن علي بن محمد الحلواني [2] الفقيه الحنبلي الإمام، وقد سبق ذكر أبيه. ولد سنة تسعين وأربعمائة، وتفقّه على أبيه، وأبي الخطّاب، وبرع في الفقه، وله «تفسير القرآن» في أحد وأربعين جزءا، وروى عن أبيه وعلي بن أيوب البزّار، والمبارك بن عبد الجبّار، وخلق. وذكره ابن شافع، وابن النجار وأثنيا عليه. وذكره ابن الجوزي وقال: كان يتّجر في الخلّ ويقتنع به، ولم يقبل من أحد شيئا، وتوفي يوم الاثنين سلخ ربيع الأول، وصلى عليه من الغد الشيخ عبد القادر [3] .

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن شمعون» وما أثبتناه من «المنتظم» (10/ 146) و «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 221) و «المنهج الأحمد» (2/ 305- 306) . [3] يعني الجيلاني رحمه الله.

سنة سبع وأربعين وخمسمائة

سنة سبع وأربعين وخمسمائة فيها توفي أمية بن عبد العزيز بن أبي الصّلت الأندلسي [1] ، نزيل إسكندرية. كان أديبا فاضلا، حكيما فيلسوفا، ماهرا في الطب، ورد القاهرة واتصل بوزير الآمر، ثم نقم عليه وحبسه ثم أطلقه، فقصد يحيى بن تميم صاحب القيروان فحسنت حاله عنده، ومن تصانيفه كتاب «الأدوية المفردة» و «الانتصار» في أصول الفقه، وغير ذلك. ومن شعره: قد كنت جارك والأيام ترهبني ... ولست أرهب غير الله من أحد فنافستني الليالي فيك ظالمة ... وما حسبت الليالي من ذوي الحسد وفيها أبو عبد الله بن غلام الفرس محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد الدّاني [2] المقرئ الأستاذ. أخذ القراءات عن أبي داود [3] وابن الدّش [4] ، وأبي الحسن بن شفيع، وغيرهم، وسمع من أبي علي الصدفي،

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 243- 247) و «الوافي بالوفيات» (9/ 402- 406) . [2] انظر «معرفة القراء الكبار» (1/ 505- 506) و «العبر» (4/ 126) و «غاية النهاية» (2/ 121) . [3] في «آ» و «ط» إلى «ابن داود» وما أثبتناه من المصادر المذكورة في التعليق السابق. [4] كذا كتبها المؤلف والذهبي في «العبر» (4/ 126) : «ابن الدّش» أخذا برأي من يحذف الواو لالتقاء الساكنين، وكتبها الذهبي في «معرفة القراء الكبار» (1/ 451) و (1/ 505) : «ابن

وتصدّر للإقراء مدة، ولتعليم العربية، وكان مشاركا في علوم جمّة، صاحب تحقيق وإتقان، وولي خطابة بلده، ومات في المحرم، عن خمس وسبعين سنة. وفيها القاضي الأرموي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف، الفقيه الشافعي. ولد ببغداد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وسمع أبا جعفر بن المسلمة، وابن المأمون، وابن المهتدي، ومحمد بن علي الخيّاط، وتفرّد بالرواية عنهم، وكان ثقة صالحا، تفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وانتهى إليه علو الإسناد بالعراق، توفي في رجب، وقد تولى قضاء دير العاقول في شبيبته، وكان يشهد في الآخر. وفيها محمد بن منصور الحرضي النيسابوري، شيخ صالح، سمع القشيري ويعقوب الصيرفي والكبار، ومات في شعبان. وفيها السلطان مسعود غياث الدّين أبو الفتح بن محمد بن ملكشاه ابن ألب أرسلان بن جغر بيك [1] السلجوقي. ربّاه بالموصل الأمير مودود ثم آق سنقر البرسقي [2] ثم جوش بك [3] فلما تمكّن أخوه السلطان محمود طمّعه جوش بك [3] في السلطنة، فجمع وحشد، والتقى أخاه، فانكسر مسعود، ثم الدّوش» وابن الجزري في «غاية النهاية» (1/ 548) و (2/ 121) بإثبات الواو، وقيدها الأخير بقوله: بضم الدال المهملة، بعدها واو ساكنة، بعدها شين معجمة ساكنة، وربما تحذف الواو لالتقاء الساكنين.

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «ابن طغربيك» وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 384- 386) و (18/ 414) والمصادر المذكورة في هامشه. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أفسق القرسقي» . [3] في «آ» و «ط» : «جوس بك» وفي «سير أعلام النبلاء» : «خوش بك» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (5/ 200) و «العبر» بطبعتيه.

تنقّلت به الأحوال، واستقل بالملك سنة ثمان وعشرين وامتدت أيامه، وكان منهمكا في اللهو واللعب، كثير المزاح، ليّن العريكة، سعيدا في دنياه، سامحه الله تعالى. عاش [1] خمسا وأربعين سنة، ومات في جمادى الآخرة، وكان قد آذى المقتفي في الآخر فقنت عليه شهرا، فمات. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] في «ط» : «وعاش» . [2] (4/ 127- 128) .

سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فيها توفي ابن الطّلّاية أبو العبّاس أحمد بن أبي غالب بن أحمد البغدادي [1] الحنبلي، الورّاق الزاهد العابد. سمع من عبد العزيز الأنماطي وغيره، وانفرد بالجزء التاسع من «المخلّصيّات» حتّى أضيفت عليه، وقد زاره السلطان مسعود في مسجده بالحربية، فتشاغل عنه بالصلاة، وما زاده على أن قال له: يا مسعود، اعدل، وادع لي، الله أكبر، وأحرم بالصلاة، فبكى السلطان وأبطل المكوس والضرائب وتاب، وكان الشيخ من أعاجيب دهره في الاستقامة، لازم مسجده سبعين سنة لم يخرج منه إلا للجمعة، وكان متقللا من الدّنيا، متعبدا، لا يفتر ليلا ولا نهارا، لم يكن في زمنه أعبد منه، لازم ذلك حتّى انطوى طاقين، قانعا بثوب خام، وجرة ماء، وكسر يابسة، رحمه الله تعالى. وفيها الرّفّاء عين الزّمان [2] أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي، الشاعر المشهور. كان رافضيا [3] هجّاء فائق النظم، له

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 260- 263) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 224) و «المنهج الأحمد» (2/ 309- 310) . [2] في «آ» و «ط» : «عين النهار» وما أثبتناه من «وفيات الأعيان» (1/ 156) و «الوافي بالوفيات» (8/ 193) . [3] في «ط» : «شيعيا» .

ديوان شعر، وكان أبوه ينشد الأشعار ويغني في أسواق طرابلس، ونشأ أبو الحسين المذكور، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم اللغة والآداب، وقال الشعر، وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضيا [1] كثير الهجاء، خبيث اللّسان، ولما كثر ذلك منه سجنه بوري بن أتابك طغتكين، صاحب دمشق مدة، وعزم على قطع لسانه، ثم شفعوا فيه فنفاه، وكان بينه وبين ابن القيسراني مكاتبات وأجوبة ومهاجاة، وكانا مقيمين بحلب ومتنافسين في صناعتهما كما جرت عادة المتماثلين. ومن شعره من جملة قصيدة: وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزل فالحزم أن يترحّلا كالبدر لمّا أن تضاءل جدّ في ... طلب الكمال فحازه متنقّلا سفها لحلمك أن رضيت بمشرب ... رنق [2] ورزق الله قد ملأ الملا ساهمت عيسك مرّ عيشك قاعدا ... أفلا فليت بهنّ ناصية الفلا فارق ترق كالسيف سلّ فبان في ... متنيه ما أخفى القراب وأخملا لا تحسبنّ ذهاب نفسك ميتة ... ما الموت إلّا أن تعيش مذلّلا للقفر لا للفقر هبها إنما ... مغناك ما أغناك أن تتوسّلا لا ترض من دنياك ما أدناك من ... دنس وكن طيفا جلا ثمّ انجلى وهي طويلة كلها حسن. ومن محاسن شعره القصيدة التي أولها: من ركّب البدر في صدر الرّديني ... وموّه [3] السّحر في حدّ اليمانيّ

_ [1] في «ط» : «شيعيا» . [2] في «آ» و «ط» : «زيف» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» . [3] في «ط» : «ومره» .

وأنزل النّيّر الأعلى إلى فلك ... مداره في القباء الخسروانيّ طرف رنا أم قراب سلّ صارمه ... وأغيد ماس أم أعطاف خطّيّ أذلّني بعد عزّ والهوى أبدا ... يستعبد اللّيث للظبي الكناسيّ [ومنها أيضا] [1] : وما يجنّ [2] عقيقيّ الشفاه من ال ... ريق الرّحيقيّ والثّغر الجمانيّ لو قيل للبدر من في الأرض تحسده ... إذا تجلّى لقال ابن الفلانيّ أربى عليّ بشتّى [3] من محاسنه ... تألّفت بين مسموع ومرئيّ إباء فارس في لين الشآم مع الظّ ... رف العراقيّ والنّطق الحجازيّ وما المدامة بالألباب أفتك من ... فصاحة البدر في ألفاظ تركيّ وله أيضا: أنكرت مقلته سفك دمي ... وعلا وجنته فاعترفت [4] لا تخالوا خاله في خدّه ... قطرة من دم جفني نطفت ذاك من نار فؤادي جذوة ... فيه ساخت وانطفت ثم طفت وكانت ولادته سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس، ووفاته في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بحلب، ودفن بجبل جوشن، وزرت قبره ورأيت [5] عليه مكتوبا: من زار قبري فليكن موقنا ... أن الذي ألقاه يلقاه فيرحم الله امرءا زارني ... وقال لي: يرحمك الله

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» . [2] في «آ» و «ط» : «وما يحن» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» . [3] في «آ» و «ط» : «بشيء» وما أثبته من «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» . [4] في «آ» و «ط» : «فاحترقت» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» . [5] في «ط» : «ووجدت» .

ومنير: بضم الميم وكسر النون، وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها راء. انتهى ما قاله ابن خلّكان ملخصا. وفيها رجّار [1] الفرنجي، صاحب صقلية، هلك في ذي القعدة بالخوانيق، وامتدت أيامه. وفيها أحمد [2] بن عبد الرحمن بن محمد الأزجي القاضي أبو علي. سمع من أبي محمد التميمي وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وولي قضاء المدائن وغيرها. ذكره ابن السمعاني فقال: أحد فقهاء الحنابلة وقضاتهم، كتبت عنه يسيرا. توفي يوم السبت سابع عشر شعبان. وفيها أبو الفتح الكروخي- بالفتح وضم الراء، آخره معجمة، نسبة إلى كروخ، بلد بنواحي هراة- عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي، الرجل الصالح، راوي «جامع الترمذي» . كان ورعا ثقة، كتب بالجامع نسخة ووقفها، وكان يعيش من النسخ، حدّث ببغداد، ومكّة، وعاش ستا وثمانين سنة، توفي في ذي الحجّة. وفيها أبو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد، درّس بالصّادريّة، ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة، وقام عليه الحنابلة لأنّه تكلّم فيهم، وكان يلقّب برهان الدّين، وكان زاهدا معرضا عن الدّنيا، وهو الذي قام في إبطال (حيّ على خير العمل) من حلب، وكان معظما

_ [1] تصحف في «آ» و «ط» إلى «رحار» والتصحيح من «الكامل في التاريخ» (11/ 187) و «وفيات الأعيان» (6/ 218) و «العبر» (4/ 130) . [2] في «آ» و «ط» : «حمد» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 223) و «المنهج الأحمد» (2/ 309) .

مفخما في الدولة، درّس أيضا بمسجد خاتون ومدرسته داخل الصدرية. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي محدّث بغداد، كان خيّرا متواضعا متقنا مكثرا، صاحب حديث وإفادة. روى عن أبي نصر الزّينبي وخلق، وتوفي في المحرم، عن أربع وثمانين سنة. وفيها القاضي أبو المعالي الحسن بن محمد بن أبي جعفر البلخي الشافعي، تفقّه على البغوي، وروى عنه أبو سعد بن السمعاني، وأثنى عليه، وذكر أنه توفي في رمضان. قاله الإسنوي [2] . وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسين بن محمد ابن عمر بن زيد عماد الدين أبو محمد النّيهي [3]- بكسر النون، وسكون التحتية، وهاء، نسبة إلى نيه، بلدة صغيرة بين سجستان وإسفرايين- الشافعي. قال ابن السمعاني في «الأنساب» [4] : كان إماما فاضلا عالما عاملا، حافظا للمذهب، راغبا في الحديث ونشره، ديّنا مباركا، كثير الصلاة والعبادة، حسن الأخلاق، تفقّه على البغوي، وتخرّج عليه جماعة كثيرة من العلماء، وروى الحديث عن جماعة، وحضرت مجالس أماليه بمرو مدة مقامي.

_ [1] (4/ 131) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 252) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 359- 360) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 475- 476) . [4] انظر «الأنساب» (12/ 189) وقد نقل المؤلف كلامه عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

وقال غيره: كان شيخ الشافعية بتلك الدّيار، وله كتاب في المذهب وقف عليه ابن الصلاح وانتخب منه غرائب، وتوفي في شعبان. وفيها عبد الرحمن بن محمد البوشنجي الخطيبي [1] الفقيه الشافعي، تفقّه على أبي نصر بن القشيري وغيره. احترق في فتنة الغزّ بمرو في المنارة. قاله ابن الأهدل. وفيها الملك العادل علي بن السلّار الكردي ثم المصري، وزير الظافر. أقبل من ولاية الإسكندرية إلى القاهرة ليأخذ الوزارة بالقهر، فدخل وحكم، ففرّ الوزير نجم الدّين سليم بن [محمد بن] مصال [2] ، وجمع العساكر وجاء، فجهز ابن السلّار جيشا لحربه، فالتقوا بدلاص [3] . فقتل ابن مصال وطيف برأسه في سنة أربع وأربعين، وكان ابن السلّار سنّيا شافعيا شجاعا مقداما، بنى للسّلفيّ مدرسة معروفة، لكنه جبار عنيد، ظالم، شديد البأس، صعب المراس، وكان زوج أم عبّاس بن باديس، فقتله نصر بن عبّاس هذا على فراشه بالقاهرة في المحرم، وولي عبّاس الملك. وفيها الشهرستاني الأفضل، محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشافعي المتكلم، صاحب التصانيف، أخذ علم النظر والأصول عن أبي القاسم الأنصاري، وأبي نصر بن القشيري، ووعظ ببغداد، وظهر له القبول التام. قال في «العبر» [4] : واتهم بمذهب الباطنية. وقال ابن قاضي شهبة [5] : صنّف كتبا كثيرة، منها «نهاية الإقدام في علم

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 211- 212) . [2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «وفيات الأعيان» (3/ 416) وحاشية «النجوم الزاهرة» (5/ 295) . [3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 459) : دلاص، كورة بصعيد مصر على غربي النيل. [4] (4/ 132) . [5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 366- 368) .

الكلام» ، وكتاب «الملل والنّحل» و «تلخيص الأقسام لمذاهب الأعلام» . وقال ابن خلّكان [1] : كان إماما، مبرّزا، فقيها، متكلما، واعظا، توفي في شعبان. وقال ابن الأهدل [2] : سمع الحديث من ابن المديني، وكتب عنه ابن السمعاني، وعظم صيته في الدّنيا. وشهرستان: اسم لثلاث مدن. الأولى: بين نيسابور وخوارزم. والثانية: قصبة ناحية نيسابور. والثالثة: مدينة على نحو ميلين من أصبهان. انتهى. وفيها أبو علي محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي [3] الشافعي المعروف بإمام بغداد. كان فقيها مناظرا، وشاعرا مجيدا، تفقّه على إلكيا الهرّاسي، وسمع من ابن العلّاف، ولم يحدّث شيئا، وتوفي ببلخ [4] [سنة] ثمان وأربعين وخمسمائة. ذكره ابن السمعاني. وفيها أبو طاهر السّنجي- بالكسر والسكون، نسبة إلى سنج بجيم قرية بمرو- محمد بن محمد بن عبد الله المروزي [5] الحافظ، خطيب مرو، تفقّه على أبي المظفّر السمعاني، وعبد الرحمن البزّاز. وسمع من طائفة، ولقي ببغداد ثابت بن بندار وطبقته، ورحل مع أبي بكر بن السمعاني، وكان ذا معرفة وفهم، مع الثقة والفضل والتعفف، توفي في شوال، عن بضع وثمانين سنة.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 273) ولفظة «واعظا» لم ترد فيه. [2] انظر «مرآة الجنان» لليافعي (3/ 290) . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 253) و «الوافي بالوفيات» (3/ 333) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سلخ» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي ولفظة «سنة» مستدركة منه. [5] انظر «الأنساب» (7/ 166) و «العبر» (4/ 132- 133) .

وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني المروزي الخطيب، شيخ الصوفية ببلده، وآخر من روى عن محمد بن أبي عمران «صحيح البخاري» عاش ستا وثمانين سنة. وفيها أبو عبد الله بن القيسراني محمد بن نصر بن صغير [1] بن خالد الأديب، حامل لواء الشعر في عصره، تولى إدارة الساعات التي بدمشق مدة، ثم سكن حلب، وكان عارفا بالهيئة، والنجوم، والهندسة، والحساب، مدح الملوك والكبار، وعاش سبعين سنة، ومات بدمشق. قال ابن خلّكان [2] : كان [هو، و] ابن منير ينسب إلى التحامل على الصحابة، رضوان الله عليهم، ويميل إلى التشيع، فكتب إليه ابن القيسراني، وقد بلغه أنه هجاه، قوله: ابن منير هجوت مني ... حبرا أفاد الورى صوابه ولم تضيّق بذاك صدري ... فإن لي أسوة الصحابة ومن محاسن شعره قوله: كم ليلة بتّ من كأسي وريقته ... نشوان أمزج سلسالا بسلسال وبات لا تحتمي عنّي [3] مراشفه ... كأنّما ثغره ثغر بلا وال وقوله في مدح خطيب: شرح المنبر صدرا ... لتلقّيك رحيبا أترى ضمّ خطيبا ... منك أم ضمخ طيبا وقوله في الغزل: بالسفح من لبنان لي ... قمر منازله القلوب

_ [1] تصحف في «ط» إلى «صعير» . [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 458- 461) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [3] في «آ» و «ط» : «عنه» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وفي «الوافي بالوفيات» (5/ 114) : «منّي» .

حملت تحيته الشما ... ل فردّها عنّي الجنوب فرد الصفات غريبها ... والحسن في الدّنيا غريب لم أنس ليلة قال لي ... لما رأى جسمي [1] يذوب بالله قل لي من أعلّ ... ك يا فتى؟ قلت: الطبيب وكانت ولادته بعكا سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي ليلة الأربعاء حادي عشري شعبان بدمشق، ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفيها محمد بن يحيى العلّامة أبو سعد [2] النيسابوري محيي الدّين، شيخ الشافعية، وصاحب الغزالي، انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان [3] وقصده الفقهاء من البلاد، وصنف التصانيف، منها «المحيط في شرح الوسيط» . وهو القائل: وقالوا يصير الشّعر في الماء حيّة ... إذا الشمس لاقته فما خلته صدقا [4] فلمّا التوى صدغاه في ماء وجهه ... وقد لسعا قلبي تيقّنته حقّا [5] توفي في رمضان شهيدا على يد الغزّ- قبحهم الله- عن اثنتين وسبعين سنة، ورثاه جماعة، منهم: علي البيهقي فقال: يا سافكا دم عالم متبحّر ... قد طار في أقصى الممالك صيته

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «جسدي» . [2] انظر «وفيات الأعيان» (223- 224) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (7/ 25- 28) بتحقيق الطناحي والحلو، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 312- 315) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 369- 370) وقد كنّي في بعض المصادر بأبي سعيد. [3] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه، و «مرآة الجنان» (3/ 291) : «انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان» وفي المصادر الأخرى: «وانتهت إليه رئاسة المذهب بنيسابور» . [4] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «فما خلته حقا» . [5] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «تيقنته صدقا» .

بالله قل لي يا ظلوم ولا تخف ... من كان محيي الدّين [1] كيف تميته وفيها محمود بن الحسين بن بندار، أبو نجيح، الطّلحي [2] الواعظ المحدّث الحنبلي. سمع الحديث الكثير، وطلبه بنفسه، وقرأ وسمع بأصبهان كثيرا من يحيى بن مندة الحافظ وغيره، ورحل إلى بغداد وسمع بها من ابن الحصين، والقاضي أبي الحسين، وكتب بخطه كثيرا، وخطه حسن متقن، ووعظ وقال الشعر، وسمع منه ابن سعدون القرطبي. وحدّث عنه محمد بن مكّي الأصبهاني بها وغيره. وفيها نصر بن أحمد بن مقاتل السّوسي ثم الدمشقي [3] . روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة، وكان شيخا مباركا، توفي في ربيع الأول. وفيها هبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب [4] ، مات ببغداد في صفر. سمع من أبي الحسين بن النّقور، وكان حشريا مذموما. وفيها أبو الحسين المقدسي [5] الزاهد، صاحب الأحوال والكرامات، دوّن الشيخ الضياء سيرته في جزء، وقبره بحلب يزار.

_ [1] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «يحيي الدّين» . [2] انظر «المنهج الأحمد» (2/ 308) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 222- 223) . [3] انظر «العبر» (4/ 134) . [4] انظر «العبر» (4/ 134) . [5] انظر «العبر» (4/ 134) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 380- 384) ولا يعرف اسمه.

سنة تسع وأربعين وخمسمائة

سنة تسع وأربعين وخمسمائة فيها في صفر أخذ نور الدّين دمشق من مجير الدّين أبق بن محمد ابن بوري بن طغتكين، على أن يعوّضه بحمص، فلم يتم، وأعطاه بالس [1] ، فغضب وسار إلى بغداد، وبنى بها دارا فاخرة، وبقي بها مدة، وكانت الفرنج قد طمعوا في دمشق بحيث أن نوّابهم استعرضوا من بدمشق من الرقيق، فمن أحب المقام تركوه، ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهرا، وكان لهم على أهل دمشق القطيعة كلّ سنة، فلطف الله، واستمال نور الدّين أحداث دمشق، فلما جاء ونازلها استنجد أبق بالفرنج، وسلّم إليه النّاس البلد من شرقيه، وحاصر أبق في القلعة، ثم نزل بعد أيام، وبعث المقتفي عهدا بالسلطنة لنور الدّين وأمره بالمسير إلى مصر، وكان مشغولا بحرب الفرنج. وفيها توفي الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدّين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي الرافضي. بقي في الولاية خمسة أعوام، ووزر له ابن مصال، ثم ابن السلّار، ثم عبّاس، ثم إن عبّاسا وابنه نصرا قتلا الظافر غيلة في دارهما وجحداه في شعبان، وأجلس عباس في الدست الفائز عيسى بن الظافر صغيرا، وكان الظافر شابا لعّابا منهمكا في

_ [1] بالس: بلدة بين حلب والرّقّة على عشرين فرسخا من حلب. انظر «الأنساب» (2/ 54) و «معجم البلدان» (1/ 328) .

الملاهي والقصف، فدعاه نصر إليه، وكان يحبّ نصرا. فجاءه متنكّرا معه خويدم، فقتله وطمره. وكان من أحسن أهل زمانه، عاش اثنتين وعشرين سنة. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : بنى الظّافر الجامع الظّافري داخل باب زويلة، ودعاه عبّاس- وكان خصيصا به- إلى داره التي هي اليوم مدرسة الحنفية، وتعرف بالسيفية، فقتله ومن معه ليلا، وأقام ولده الفائز عيسى، ثم اطلع أهل القصر على القصة، فكاتبوا الصالح، فقصد القاهرة ومعه جيش، فهرب نصر بن عبّاس وأبوه، وكان قد دبّر ذلك أسامة بن منقذ، فخرج معهما، ودخل الصالح القاهرة، وأتوا إلى الدار، فأخرجوا الظافر من تحت بلاطة وحملوه إلى تربتهم التي في القصر، وكاتبت أخت الظافر الفرنج بعسقلان وشرطت لهم مالا على إمساك عباس، فخرجوا عليه، فصادفوه فقتلوه، وأمسكوا نصرا وجعلوه في قفص من حديد، وأرسلوه إلى القاهرة، فقطعوا يديه وقرضوا جسمه بالمقاريض، وصلبوه على باب زويلة، وبقي سنة ونصفا مصلوبا. انتهى. وفيها أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي صفي الدّين النيسابوري. سمع من جدّه ومن جدّه لأمه طاهر الشحامي، ومحمد بن عبيد الله الصرّام، وطبقتهم، وكان رأسا في معرفة الشروط. حدّث ب «مسند أبي عوانة» ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغزّ، وله خمس وسبعون سنة. قاله في «العبر» [1] . وفيها عبيد الله بن المظفّر الباهلي الأندلسي [2] . خدم السلطان

_ [1] (4/ 136- 137) . [2] انظر «خريدة القصر» (قسم شعراء المغرب) ص (289- 299) و «وفيات الأعيان» (3/ 123- 124) و «نفح الطيب» (2/ 133- 135) .

محمد بن ملكشاه، وأنشأ له مرستانا يحمل على الجمال في الأسفار، وكان شاعرا خليعا، له ديوان شعر سماه «نهج الوضاعة» [1] يذكر فيه مثالب الشعراء الذين كانوا بدمشق، وكان يهاجي أهل عصره ويرثي من يموت. حبّابا للمجون والهزل، وكان يجلس على دكان بجيرون للطب [2] ، ويدمن شرب الخمر، ولما مات ابن القيسراني رثاه بقوله: مذ توفي محمد القيسراني ... هجرت لذّة الكرا أجفاني لم يفق بعده الفؤاد من الحز ... ن ولا مقلتي من الهملان في أبيات كثيرة فيها مجون. ولما مات رثاه عرقلة الدمشقي بقوله: يا عين سحّي بدمع ساكب ودم ... على الحكيم الذي يكني أبا الحكم قد كان لا رحم الرّحمن شيبته ... ولا سقى قبره من صيّب الدّيم شيخا يرى الصلوات الخمس نافلة ... ويستحل دم الحجّاج في الحرم وفيها عبد الخالق بن زاهر بن طاهر، أبو منصور الشحّامي الشروطي المستملي. سمع من جدّه، وأبي بكر بن خلف، وطبقتهما، وهلك في العقوبة والمطالبة في فتنة الغزّ، وله أربع وسبعون سنة. وكان يملي ويستملي في الآخر. وفيها الحافظ دادا النّجيب، أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحسين ابن محمد بن دادا الجرباذقاني المنعوت بالمنتجب. كان ذا علم ودين [وتعفف متين] أثنى عليه ابن نقطة وغيره. قاله ابن ناصر الدّين [3] .

_ [1] واسمه الكامل: «نهج الوضاعة لأولي الخلاعة» كما في «الخريدة» و «نفح الطيب» . [2] في «آ» : «للطلب» . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ آ) وما بين حاصرتين زيادة منه.

وفيها أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي الدمشقي. سمع أبا القاسم المصّيصي. وصحب [1] نصر المقدسي مدة. وفيها أبو الفتح الهروي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي، الملقب بالشيرازي. أحد الذين جاوزوا المائة، صحب شيخ الإسلام وغيره، وكان من كبار الصالحين. وفيها أبو المعمّر الأنصاري المبارك بن أحمد الأزجي الحافظ. سمع أبا عبد الله النّعالي فمن بعده، وله «معجم» في مجلد، وكان سريع القراءة معتنيا [2] بالرواية. وفيها المظفّر بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن جهير الوزير ابن الوزير، أبو نصر بن أبي القاسم. ولي وزارة المقتفي سبع سنين، وعزل سنة اثنتين وأربعين، وتوفي في ذي الحجة، عن نيف وستين سنة. وفيها مؤيّد الدولة ابن الصّوفي الدمشقي، وزير صاحب دمشق أبق. كان ظلوما غشوما، فسرّ الناس بموته، ودفن بداره [3] بدمشق. وفيها أبو المحاسن البرمكي نصر بن المظفّر الهمذاني، ويعرف بالشخص العزيز. سمع أبا الحسين بن النّقور، وعبد الوهاب بن مندة، وتفرّد في زمانه، وقصده الطلبة.

_ [1] في «آ» و «ط» «وسمع نصر» وما أثبتناه من «العبر» بطبعتيه. [2] في «العبر» بطبعتيه: «معنيا» . [3] في «آ» : «في داره» .

سنة خمسين وخمسمائة

سنة خمسين وخمسمائة فيها توفي أبو العبّاس الأقليشي أحمد بن معد بن عيسى التّجيبي الأندلسي الدّانيّ [1] . سمع أبا الوليد بن الدبّاغ وطائفة، وبمكّة من الكروخي، وكان زاهدا عارفا علّامة متقنا، صاحب تصانيف، وله شعر في الزهد ومن تصانيفه كتاب «النجم» . وفيها أحمد الحريزي، كان عاملا للمقتفي على نهر الملك، وكان من أظلم العالم، يظهر الدين ويجلس على السجادة وبيده سبحة [2] يسبّح بها، ويقرأ القرآن، ويعذب الناس بين يديه، يعلّق الرجال بأرجلهم والنساء بثديهنّ، ويومئ إلى الجلّاد الرأس الوجه، دخل إلى الحمام، فدخل عليه ثلاثة فضربوه بالسيوف حتّى قطّعوه، فحمل إلى بغداد ودفن بها، فأصبح وقد خسف بقبره. قاله ابن شهبة. وفيها أبو عثمان العصائديّ [3] إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري. روى عن طاهر بن محمد الشحّامي وطائفة، وكان ذا رأي وعقل، عمّر تسعين سنة.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 358) . [2] في «ط» : «مسبحة» . [3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الغضائري» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه، و «النجوم الزاهرة» (5/ 321) .

وفيها سعيد بن أحمد بن الإمام أبي محمد الحسن بن أحمد [بن البنّاء] البغدادي أبو القاسم الحنبلي. سمع ابن البسري، وأبا نصر الزّينبي، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. توفي في ذي الحجة. وفيها أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب. سمع رزق الله التميمي، والحميدي، ومات في صفر. وفيها محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر الحافظ الثقة البغدادي السلامي أبو الفضل [1] محدّث العراق. ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع علي بن البسري، وأبا طاهر بن أبي الصقر، والبانياسي، وطبقتهم، وأجاز له من خراسان أبو صالح المؤذّن، والفضل بن المحب، وأبو القاسم بن عليّك وطبقتهم، وعني بالحديث بعد أن برع في الفقه [2] وتحول من مذهب الشافعي إلى مذهب الحنابلة. قال ابن النجار: كان ثقة ثبتا، حسن الطريقة، متدينا، فقيرا، متعففا، نظيفا، نزها، وقف كتبه، وخلّف ثيابا خلقة وثلاثة دنانير، ولم يعقب. وقال فيه أبو موسى المديني الحافظ: هو مقدّم أصحاب الحديث في وقته ببغداد. وقال ابن رجب [3] : كان والده شابا تركيا، محدّثا فاضلا، من أصحاب أبي بكر الخطيب الحافظ. توفي في شبيبته، وأبو الفضل هذا صغير، فكفله جده لأمه أبو حكيم الحيري الفرضي، فأسمعه في صغره شيئا يسيرا من الحديث، وأشغله بحفظ القرآن، والفقه على مذهب الشافعي. ثم إنه صحب

_ [1] انظر «العبر» (4/ 139) و «النجوم الزاهرة» (5/ 321) . [2] في «العبر» بطبعتيه: «في اللغة» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 225- 229) .

أبا زكريا التبريزي اللغوي، وقرأ عليه الأدب واللغة، حتى مهر في ذلك. ثم جدّ في سماع الحديث، وصاحب ابن الجواليقي. وكان في أول الأمر أبو الفضل أميل إلى الأدب، وابن الجواليقي أميل إلى الحديث، وكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغوي بغداد، وابن الجواليقي محدّثها، فانعكس الأمر فصار ابن ناصر محدّث بغداد، وابن الجواليقي لغويها، وخالط ابن ناصر الحنابلة، ومال إليهم وانتقل إلى مذهبهم لمنام رأى فيه النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له: «عليك بمذهب الشّيخ أبي منصور الخيّاط» . قال السّلفي: سمع ابن ناصر معنا كثيرا، وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع، ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان، وهو ثبت إمام. وقال ابن الجوزي: كان حافظا ضابطا مفتيا ثقة، من أهل السّنّة، لا مغمز فيه، وكان كثير الذكر، سريع الدمعة، وهو الذي تولى تسميعي الحديث، وعنه أخذت ما أخذت من علم الحديث. [وقال أيضا] : قرأت عليه ثلاثين سنة، ولم أستفد من أحد كاستفادتي منه. وقال ابن رجب: ومن غرائب ما حكي عن ابن ناصر، أنه كان يذهب إلى أن السلام على الموتى، يقدم فيه لفظة «عليكم» فيقال عليكم السلام، لظاهر حديث أبي جريّ الهجيميّ [1] وذكر في بعض تصانيفه أن

_ [1] قلت: في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «لظاهر حديث أبي حري الهجيمي» ، وهو تصحيف والتصحيح من «سنن أبي داود» رقم (4084) و «عمل اليوم والليلة» للنسائي رقم (318) ونص الحديث عند أبي داود: «حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن أبي عفار، حدثنا أبو تميمة الهجيمي عن أبي جريّ جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر الناس

الإحداد [1] على الميت بترك الطيب والزينة لا يجوز للرجال [بحال] [2] ويجوز للنساء على أقاربهم ثلاثة أيام دون زيادة عليها، ويجب على المرأة على زوجها المتوفى [عنها] [2] أربعة أشهر وعشرا. انتهى. وفيها عبد الملك بن محمد بن عبد الملك اليعقوبي المؤدّب أبو الكرم [3] . ولد بعد السبعين والأربعمائة، وسمع من أبي الثرى، وأبي الغنائم بن المهتدي، وغيرهما، وحدّث، وسمع منه ابن الخشّاب، وابن شافع، وكان رجلا صالحا من خيار أصحابنا الحنابلة، تفقّه على ابن عقيل، وسمع الحديث الكثير. ومن شعره: يا أهل ودّي ويا أهلا [4] دعوتكم ... بالحقّ لكنّها العادات والنّوب أشبهتم الدّهر في تلوين صبغته ... فكلكم حائل الألوان منقلب وفيها أبو الكرم الشّهرزوري [5] ، المبارك بن الحسن البغدادي [6] عن رأيه، لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلت: عليك السلام يا رسول الله، مرتين، قال: «لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك ... » وهو كذلك عند النسائي في «عمل اليوم والليلة» . وأبو جريّ اسمه جابر بن سليم، أو سليم بن جابر، وانظر «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» للمزي (9/ 138) و (2/ 144- 145) .

_ [1] في «ط» : «الحداد» وكلاهما بمعنى. انظر «لسان العرب» (حدد) . [2] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 229- 230) و «المنهج الأحمد» (2/ 313) . [4] في «آ» و «ط» : «وما أهلا» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» . [5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «السهروردي» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [6] انظر «العبر» (4/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 289- 291) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 506- 508) .

شيخ المقرئين، ومصنّف «المصباح في القراءات العشر» [1] كان خيّرا صالحا، قرأ عليه خلق كثير. أجاز له أبو الغنائم بن المأمون، والصّريفيني، وطائفة. وسمع من إسماعيل بن مسعدة، ورزق الله التميمي، وقرأ القراءات على عبد السيد بن عتّاب، وعبد القاهر العبّاسي، وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها مجلّي [2] بن جميع، قاضي القضاة بالدّيار المصرية، أبو المعالي القرشي المخزومي الشافعي الأرسوفي [3] الأصل المصري، تفقّه على الفقيه سلطان المقدسي تلميذ الشيخ نصر، وبرع وصار من كبار الأئمة. وقال الحافظ زكي الدّين المنذري: إن أبا المعالي تفقّه من غير شيخ وتفقّه عليه جماعة، منهم: العراقي شارح «المهذب» وتولى قضاء الدّيار المصرية سنة سبع وأربعين، ثم عزل لتغير الدولة [4] في أوائل سنة تسع وأربعين، ومن تصانيفه «الذخائر» . قال الإسنوي [5] : وهو كثير الفروع والغرائب، إلّا أن ترتيبه غير معهود متعب [6] لمن أراد استخراج المسائل منه، وفيه أيضا أوهام. وقال الأذرعي: إنه كثير الوهم، قال: ويستمد من كلام الغزالي ويعزوه إلى الأصحاب. قال: وذلك عادته، ومن تصانيفه أيضا «أدب القضاء» سمّاه

_ [1] واسم الكتاب في «سير أعلام النبلاء» و «معرفة القراء الكبار» : «المصباح الزاهر في العشرة البواهر» . [2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «محلي» والتصحيح من «العبر» (4/ 141) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 325) . [3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «الأرشوفي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «حسن المحاضرة» (1/ 405) . [4] في «ط» : «الدول» . [5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 512) . [6] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «صعب» .

«العمدة» ومصنّف في الجهر بالبسملة، وله مصنّف في المسألة السّريجية، اختار فيه عدم الوقوع، وله مصنّف في جواز اقتداء بعض المخالفين ببعض في الفروع. قاله ابن شهبة [1] . وتوفي في ذي القعدة.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 365) .

سنة إحدى وخمسين وخمسمائة

سنة إحدى وخمسين وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» كثر الحريق ببغداد في المحالّ ودام. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن الفرج بن راشد بن محمد المدني الورّاق البغدادي الحنبلي [1] ، الحجّة القاضي، من أهل المدينة، قرية فوق الأنبار [2] . ولد في عشر ذي الحجّة سنة تسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالرّوايات على مكّي بن أحمد الحنبلي وغيره [وتفقّه على عبد الواحد بن سيف. وسمع من أبي منصور محمد بن أحمد الخازن وغيره، وشهد عند قاضي القضاة الزّينبي، وولي القضاء بدجيل مدة. وحدّث، وروى عنه ابن السمعاني، وغيره] [3] وتوفي يوم السبت سادس ذي الحجة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب. وفيها أبو القاسم الحمّامي إسماعيل بن علي بن الحسين النيسابوري ثم الأصبهاني الصوفي، مسند أصبهان، وله أكثر من مائة سنة. سمع سنة

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 230) . [2] قال ياقوت في «المشترك وضعا» ص (389) : ومدينة الأنبار مجاورة لها، بناها السّفّاح وسكنها لما ولي الخلافة. [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .

تسع وخمسين وأربعمائة من أبي مسلم محمد بن مهربرود [1] ، وتفرّد بالسماع من جماعة، وسمع منه السّلفي. وقال يوسف بن أحمد الحافظ: أخبرنا الشيخ المعمّر الممتع بالعقل، والسمع، والبصر، وقد جاوز المائة أبو القاسم الصوفي، ومات في سابع صفر. وفيها أبو القاسم بن البنّ الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي الدمشقي، تفقّه على نصر المقدسي، وسمع من أبي القاسم المصّيصي، والحسن بن أبي الحديد، وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة. وفيها عبد القاهر بن عبد الله الوأواء الحلبي [2] ، الشاعر، شرح «ديوان المتنبي» . وفيها أبو بكر عتيق بن أحمد الأزدي الأندلسي الأوريولي [3] . حجّ فسمع [بمكّة] من طراد الزّينبي، وهو آخر من حدّث عنه بالمغرب. توفي بأوريولة، وله أربع وثمانون سنة. وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن ميمون بن عبد الله الكوفني [4] المالكاني. وكوفن: بكاف مضمومة وواو ساكنة بعدها نون، قرية من أبيورد. ومالكان: قيل: إنها اسم قرية أيضا.

_ [1] تحرف في «ط» إلى «مهريرد» . [2] انظر «إنباه الرواة» (2/ 186- 187) و «الأعلام» (4/ 49) . [3] انظر «العبر» (4/ 143) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [4] في «آ» و «ط» : «الكوفن» والتصحيح من «الأنساب» (10/ 496) و «معجم البلدان» (4/ 490) .

وقال ابن السمعاني: كان فقيها شافعيا [1] فاضلا [مبرّزا] ، له باع طويل في المناظرة والجدل، ومعرفة تامة بهما، تفقّه على والدي، وسمع [الحديث معه و] منه. ولد في حدود سنة تسعين وأربعمائة. قال ابن باطيش: ومات بأبيورد ليلة الاثنين ثامن ذي القعدة. وفيها- أو في التي قبلها وبه جزم الإسنوي [2]- علي بن معصوم بن أبي ذر المغربي الشافعي. قال ابن السمعاني: إمام فاضل عالم بالمذهب، بحر في الحساب. ولد بقلعة بني حمّاد من بلاد بجاية، سنة تسع وثمانين وأربعمائة، واستوطن العراق، وتفقّه على الفرج الخويي [3] ثم انتقل إلى خراسان، ومات بأسفرايين [4] في شعبان. وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمويه اليزدي [5] الشافعي، المقرئ الزاهد، نزيل بغداد. قرأ بأصبهان على أبي الفتح الحدّاد، وأبي سعد المطرّز، وغيرهما، وسمع من ابن مردويه، وببغداد من أبي القاسم الرّبعي، وأبي الحسين بن الطّيوري، وبرع في القراءات والمذهب، وصنّف

_ [1] لفظة «شافعيا» لم ترد في «الأنساب» وما بين حاصرتين في الترجمة زيادة منه. [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 435) . [3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الخريني» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي، وانظر «الإكمال» (2/ 228) و «الأنساب» (5/ 213) وهو أبو الروح الفرج بن عبيد الله بن خلف الخوييّ مترجم في «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 482) . [4] في «آ» و «ط» : «باسفرائن» وما أثبتناه من «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (295) و «معجم البلدان» (1/ 177) . [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البرذي» والتصحيح من «العبر» (4/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 334) .

في القراءات، والزهد، والفقه، وكان رأسا في الزهد والورع، توفي في جمادى الآخرة، وقد قارب الثمانين. وفيها علي بن الحسين الغزنويّ [1] الواعظ، الملقب بالبرهان. كان فصيحا وله جاه عريض، وكان شيعيا، وكان السلطان مسعود يزوره وبنى له رباطا بباب الأزج، واشترى له قرية من المسترشد وأوقفها عليه. قال ابن الجوزي [2] : سمعته ينشد: كم حسرة لي في الحشا ... من ولد إذا نشا وكم أردت رشده ... فما نشا كما نشا وكان يعظم السلطان ولا يعظم الخليفة، فلما مات السلطان مسعود أهين الغزنويّ ومنع من الوعظ، وأخذ جميع ما كان بيده، فاستشفع إلى الخليفة في القرية الموقوفة عليه، فقال: ما يرضى أن يحقن دمه، وكان يتمنى الموت مما لاقى من الذلّ بعد العزّ، وألقى كبده قطعا مما لاقى. وفيها الفقيه الزاهد الصالح، عمر بن عبد الله بن سليمان بن السّري اليمني [3] توفي بمكّة حاجّا. روى طاهر بن يحيى المعمراني أنه كان قد أصابه بثرات [4] في وجهه، فارتحل إلى جبلة [5] متطببا، فرأى ليلة قدومه إليها عيسى بن مريم- صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا روح الله! امسح وجهي، فمسحه فأصبح معافى. قاله ابن الأهدل.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 324- 325) و «النجوم الزاهرة» (5/ 323- 324) . [2] انظر «المنتظم» (10/ 167) والبيتان أيضا في «النجوم الزاهرة» وتقدما في ص (73) . [3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 297) و «غربال الزمان» ص (430) وفيهما وفاته سنة (550) . [4] جاء في «مختار الصحاح» (بثر) : البثر والبثور: خراج صغار واحدتها بثرة. [5] في «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» : «إلى ذي الجبلة» وهو خطأ، وجبلة: جبل ضخم في اليمن، على مقربة من أضاخ، بين الشّريف، ماء لبني نمير، وبين الشّرف، ماء لبني كلاب. انظر «معجم ما استعجم» (1/ 365) و «معجم البلدان» (2/ 104) .

وفيها أبو عبد الله بن الرّطبي، محمد بن عبيد الله بن سلامة الكرخي- كرخ جدّان- المعدّل. روى عن أبي القاسم بن البسري، وأبي نصر الزّينبي، وتوفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها أبو البيان نبأ بن محمد بن محفوظ القرشي [1] الشافعي اللّغوي الدمشقي الزاهد، شيخ الطائفة البيانية بدمشق، ويعرف بابن الحوراني. كان كبير القدر، عالما عاملا، زاهدا، تقيا، خاشعا، ملازما للعلم والعمل والمطالعة، كثير العبادة والمراقبة، سلفيّ المعتقد، كبير الشأن، بعيد الصيت، ملازما للسّنّة، صاحب أحوال ومقامات. سمع أبا الحسن علي بن الموازيني وغيره، وله تآليف ومجاميع، ورد على المتكلمين وأذكار مسجوعة وأشعار مطبوعة، وأصحاب ومريدون، وفقراء بهديه يقتدون. كان هو والشيخ رسلان شيخي دمشق في عصرهما وناهيك بهما. قاله في «العبر» [2] . ودخل يوما إلى الجامع الأموي، فرأى جماعة في الحائظ الشمالي يثلبون أعراض الناس، فقال: اللهم كما أنسيتهم ذكرك فأنسهم ذكري. وقال السخاوي: قبره يزار بباب الصغير. ولم يذكره ابن عساكر في «تاريخه» ولا ابن خلّكان في «الأعيان» . توفي في وقت الظهر يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأول، ودفن من الغد وشيّعه خلق عظيم. انتهى.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 326- 327) . [2] (4/ 144- 145) .

سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة

سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» وقعت زلازل في الشام، تهدمت منها ثلاثة عشر بلدا من بلاد الإسلام: حلب، وحماة، وشيزر، وكفر طاب، وفامية، وحمص، والمعرّة، وتل حرّان. وخمسة من بلاد الكفر: حصن الأكراد، وعرقة [1] ، واللاذقية، وطرابلس، وأنطاكية. فأما حماة فهلك أكثرها. وأما شيزر فما سلم منها إلّا امرأة وخادم لها وهلك الباقون. وأما حلب فهلك منها خمسمائة نفس. وأما كفر طاب فما سلم منها أحد. وأما فامية فهلكت وساخت قلعتها. وهلك من حمص خلق كثير. وهلك بعض المعرة. وأما تل حرّان فإنه انقسم نصفين، وظهر من وسطه نواويس وبيوت. وأما حصن الأكراد وعرقة [1] فهلكتا جميعا. وهلكت اللاذقية فسلم منها نفر، ونبع فيها حومة ماء حمئة. وهلك أكثر أهل طرابلس، وأكثر أنطاكية. انتهى. وفيها كما قال في «العبر» [2] . خرجت الإسماعيلية على حجّاج خراسان، فقتلوا وسبوا، واستباحوا الركب، وصبّح الضعفاء والجرحى إسماعيلي [3] شيخ ينادي: يا مسلمين ذهبت الملاحدة فأبشروا، ومن هو

_ [1] قال ياقوت في «المشترك وضعا» ص (307) : عرقة: بلد من سواحل الشام شرقي طرابلس على أربعة فراسخ. [2] (4/ 146) . [3] في «آ» و «ط» : «إسماعيل» والتصحيح من «العبر» .

عطشان سقيته، فبقي إذا كلّمه أحد جهز عليه، فهلكوا إلى رحمة الله كلهم. واشتدّ القحط بخراسان، وتخربت بأيدي الغزّ، ومات سلطانها سنجر، وغلب كل أمير على بلد واقتتلوا، وتعثرت الرعية الذين نجوا من القتل. وفيها هزم نور الدّين الفرنج على صفد، وكانت وقعة عظيمة. [وفيها انقرضت دولة الملثّمين. بالأندلس، لم يبق منهم إلّا جزيرة ميورقة] [1] . وفيها أخذ نور الدّين من الفرنج غزّة وبانياس. وملك شيزر من بني منقذ [2] . وفيها توفي القاضي أبو بكر بن محمد بن عبد الله اليافعي [3] . حضر موته صاحب «البيان» [4] وقال [حين نعي] [5] : ماتت المروءة. أخذ الفقه عن زيد اليفاعيّ [6] . وكان عالما شاعرا. روى عن أبيه وجدّه [7] كتاب «رسالة الشافعي» و «مختصر المزني» وولي قضاء اليمن، وكان له ولد يقال له محمد، مات في حياته، فرثاه وقال: جوار الله خير من جواري ... له دار لكلّ خير دار وكان للقاضي أبي بكر جاه عظيم عند الملوك، خلّص فقهاء اليمن من

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [2] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 219- 221) و «دول الإسلام» (2/ 68) و «العبر» (4/ 146) . [3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 300- 301) و «غربال الزمان» ص (431- 432) . [4] وهو الإمام يحيى بن أبي الخير بن سالم اليماني. سترد ترجمته في وفيات سنة (558) انظر ص (308) . [5] ما بين حاصرتين زيادة من «مرآة الجنان» . [6] في «آ» و «ط» : «البقاعي» وما أثبته من «غربال الزمان» و «طبقات فقهاء اليمن» للجعدي ص (150 و 175 و 213) . [7] في «آ» و «ط» : «عن ابنه وخاله» وما أثبته من «غربال الزمان» .

الخراج والمظالم. ولما قدم القاضي الرشيد من مصر إلى اليمن أكرمه كرامة عظيمة. قاله ابن الأهدل. وفيها أبو علي الخرّاز أحمد بن أحمد بن علي الحريمي [1] . سمع أبا الغنائم محمد بن علي الدقاق، ومالكا البانياسي، وتوفي في ذي الحجة. وعوّضه نصيبين فتملّكها إلى أن مات في [شعبان، وطالت أيامه بها، وخلّف ذرية فخملوا.] [2] . وفيها أحمد سنجر السلطان الأعظم معز الدّين أبو الحارث، ولد السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك السلجوقي صاحب خراسان، وأجلّ ملوك العصر وأعرقهم نسبا، وأقدمهم ملكا وأكثرهم جيشا. واسمه بالعربي أحمد بن الحسن بن محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وخطب له بالعراق، والشام، والجزيرة، وأذربيجان، وأرّان، والحرمين، وخراسان، وما وراء النهر، وغزنة، وعاش ثلاثا وسبعين سنة. قال ابن خلّكان [3] : أول ما ناب في المملكة عن أخيه بركياروق سنة تسعين وأربعمائة، ثم استقلّ بالسلطنة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ولقب حينئذ بالسلطان، وكان قبل ذلك يلقّب بالملك المظفّر. وكان وقورا مهيبا ذا حياء وكرم وشفقة على الرعية. وكان مع كرمه المفرط من أكثر الناس مالا. اجتمع في خزانته من الجوهر ألف وثلاثون رطلا، وهذا ما لم يملكه خليفة ولا ملك فيما نعلم. توفي في ربيع الأول ودفن في [4] قبّة بناها وسمّاها دار

_ [1] انظر «العبر» (4/ 147) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 327) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 427- 428) وقد نقل المؤلف كلامه باختصار وتصرف تبعا لصاحب «العبر» . [4] لفظة «في» سقطت من «آ» .

الآخرة. وقد تضعضع ملكه في آخر أيامه وقهرته الغزّ، ورأى الهوان، ثم من الله عليه وخلص. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو عبد الله بن خميس الحسين بن نصر الموصلي الجهني [2] الملقب بتاج الإسلام. أخذ الفقه عن الغزالي، وقضى برحبة ملك بن طوق، ثم رجع إلى الموصل، وصنّف كثيرا، وسكن قرية في الموصل، وراء القرية التي فيها العين المعروفة بعين القيّارة [3] التي ينفع الاستحمام بها من الفالج والريح الباردة [4] مشهورة هناك. قاله ابن الأهدل. وفيها عبد الصبور بن عبد السلام أبو صابر الهرويّ [5] التاجر. روى «جامع الترمذي» ببغداد عن أبي عامر الأزدي، وكان صالحا خيّرا. وفيها عبد الملك بن مسرّة أبو مروان اليحصبي الشّنتمري [6] ثم القرطبي. أحد الأعلام. قال ابن بشكوال [7] : كان ممن جمع الله له الحديث والفقه، مع الأدب البارع، والدّين، والورع، والتواضع. أخذ «الموطأ» عن أبي عبد الله بن الطلّاع سماعا، وغيره، وتوفي في شعبان. وفيها عثمان بن علي البيكندي [8] أبو عمرو، مسند بخارى. كان

_ [1] (4/ 147- 148) وانظر «النجوم الزاهرة» (5/ 326- 327) . [2] انظر «مرآة الجنان» (3/ 302- 303) و «غربال الزمان» ص (432) . [3] في «آ» و «ط» : «بعين الفتاوة» وفي «غربال الزمان» : «بعين العيادة» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (2/ 139) و «مرآة الجنان» وانظر «تاج العروس» (قير) (13/ 500) . [4] في «آ» و «ط» : «البارد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» . [5] انظر «العبر» (4/ 148) . [6] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المستثمري» والتصحيح من «العبر» (4/ 148) . [7] انظر «الصلة» (2/ 367) . [8] تحرفت نسبته في «ط» إلى «السكندري» .

إماما ورعا عالما عابدا متعففا، تفرّد بالرواية عن أبي المظفّر عبد الكريم الأبرقي، وسمع من عبد الواحد الزّبيري المعمّر، وطائفة، ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة. وفيها عمر بن عبد الله الحربيّ [1] المقرئ أبو حفص. سمع الكثير، وروى عن طراد وطبقته، وتوفي في شعبان. وفيها صدر الدّين أبو بكر الخجندي محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلّبي الأزدي ثم الأصفهاني [2] . كان إماما فاضلا مناظرا شافعيا، صدر العراق في زمانه على الإطلاق، جوادا مهيبا متقدما عند السلاطين، يصدرون عن رأيه، ورد بغداد، وتولّى تدريس النظامية، ووعظ بها وبجامع القصر، وكان كوزير ذا حشمة أشبه منه بالعلماء، يمشي والسيوف حوله مشهورة، خرج من بغداد إلى أصبهان، فنزل بقرية بين همذان والكرخ، فنام وهو في عافية، فأصبح ميتا، وذلك في شوال، فحمل إلى أصبهان ودفن بسيلان. ذكره ابن السمعاني والذهبي. وأما ولده عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف [3] ، فكان رئيس أصبهان في العلم، وكان فقيها فاضلا مقدّما معظما عند الرعايا والسلاطين [4] تفقّه على أبيه، ودرّس بعده، وأفتى ووعظ وأنشأ، وسمع وحدّث. مات بهمذان بعد عوده من الحجاز في أحد الربيعين سنة ثمانين.

_ [1] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحري» والتصحيح من «العبر» (4/ 149) و «معرفة القراء الكبار» (1/ 509) . [2] انظر «العبر» (4/ 149) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 386- 387) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 490) . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 491) . [4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «عند الوزراء والسلاطين» .

وخمسمائة، وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وحمل إلى أصبهان ودفن بها. ذكره التفليسي. وأما حفيده فهو: أبو بكر محمد بن عبد اللطيف [1] الشافعي كان فقيها بارعا، رئيسا كبيرا، عريقا في الفضل والرئاسة. انتهى إليه رئاسة الشافعية بأصبهان بعد موت أبيه، وورد بغداد فأنعم عليه الخليفة بما لم ينعم به على أحد من أمثاله، ورتّب له ما يفوت الحصر، وتولى نظر النظامية، والنظر في أحوال الفقهاء، ثم خرج مع الوزير إلى أصبهان واستولى عليها، وولى الخليفة بها سنقر الطويل من أمراء بغداد، وأذن لابن الخجندي في المقام بها، فجرت بينه وبين الأمير سنقر وحشة، فيقال: إنه دسّ عليه من قتله، وذلك في أحد الجمادين سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع شيئا من الحديث، إلّا أنه لم يبلغ سن الرواية عنه. ذكره ابن باطيش وغيره. وفيها أبو المظفّر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعدان الحنبلي الأزجي [2] الفقيه. سمع الحديث من القاضي الحسين، وأبي العزّ ابن كادش، وتفقّه على القاضي أبي الحسين، وأبي بكر الدّينوري، ولازمه. وروى عنه أحمد بن طارق، وكتب عنه المبارك بن كامل [حكاية] بغير إسناد في «معجمه» . قال صدقة بن الحسين في «تاريخه» : كان فقيها كيسا من أصحاب أبي بكر الدّينوري. توفي في ذي القعدة ودفن بباب حرب. وفيها محمد بن خذاداذ [3] بن سلامة بن خذاداذ [3] العراقي المأموني

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 491- 492) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 230) وما بين حاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «خذداذ» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (3/ 36) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 231) و «المنهج الأحمد» (2/ 314) .

المباردي الحداد، الكاتب الفقيه الحنبلي الأديب، أبو بكر بن أبي محمد، ويعرف بنقّاش المبارد. سمع من نصر بن البطر [1] ، والحسين بن طلحة، وأبي نصر الزّينبي، وأبي الخطّاب. وكتب خطا حسنا. قال ابن النجار: كان فقيها مناظرا أصوليا تفقّه على أبي الخطّاب، وعلّق عنه مسائل الخلاف، وقرأ الأدب، وقال الشعر، وكان صدوقا، وتوفي ليلة الخميس مستهل جمادى الآخرة، وصلّي عليه من الغد، ودفن بباب حرب. وقيّد ابن نقطة [2] «خذاداذ» بدال مهملة بين ذالين معجمتين. وفيها أبو بكر بن الزّاغوني محمد بن عبيد الله بن نصر البغدادي [3] المجلّد. سمع أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزّينبي، والكبار، وصار مسند العراق، وكان صالحا مرضيا، إليه المنتهى في التجليد، اصطفاه الخليفة لتجليد خزانة كتبه. توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة. وفيها أبو الحسن محمد بن المبارك وكنيته أبو البقاء بن محمد بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن الخلّ [4] . الفقيه الشافعي البغدادي، تفقّه على أبي بكر الشّاشي، وبرع في العلم، وكان يجلس في مسجده الذي بالرحبة شرقي بغداد لا يخرج منه إلّا بقدر الحاجة، يفتي ويدرّس، وكان قد تفرّد بالفتوى بالمسألة السّريجيّة ببغداد، وصنّف كتابا سمّاه «توجيه التنبيه»

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن النضر» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 46) . [2] في «تكملة الإكمال» باب (خذاداذ وخذادار) (2/ 413) طبع جامعة أم القرى بمكّة المكرمة. [3] انظر «العبر» (4/ 150) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 227- 228) و «العبر» (4/ 150) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 486- 487) .

على صورة الشرح، لكنه مختصر، وهو أول من شرح «التنبيه» لكن ليس فيه طائل، وله كتاب في أصول الفقه، وسمع الحديث من أبي عبد الله الحسين ابن أحمد بن أبي طلحة، وأبي عبد الله الحسين البسري، وغيرهما. وروى عنه الحافظ أبو سعد السمعاني وغيره، وكان يكتب خطا جيدا منسوبا، وكانت الناس يحتالون على أخذ خطه في الفتاوى من غير حاجة إليها، بل لأجل الخطّ لا غير، فكثرت عليه الفتوى، وضيقت عليه أوقاته، ففهم ذلك، فصار يكسر القلم ويكتب جواب الفتوى به، فانصرفوا عنه [1] وقيل: إن صاحب الخطّ المليح هو أخوه، والله أعلم. وتوفي ببغداد ونقل إلى الكوفة ودفن بها. وكان أخوه أبو الحسين أحمد بن المبارك فقيها فاضلا وشاعرا ماهرا، ذكره العماد الكاتب في كتابه «خريدة القصر» وأثنى عليه، وأورد له مقاطيع شعر [2] ، ودو بيت، فمن ذلك قوله في بعض الوعاظ: ومن الشقاوة أنهم ركنوا إلى ... نزغات ذاك الأحمق التّمتام شيخ يبهرج دينه بنفاقه ... ونفاقه منهم على أقوام وإذا رأى الكرسيّ تاه بنفسه [3] ... أي أن هذا منصبي ومقامي ويدق صدرا ما انطوى إلّا على ... غلّ يواريه بكفّ عظام ويقول أيش أقول من حصر به ... لا لازدحام عبارة وكلام وله دو بيت: هذا ولهي وكم [4] كتمت الولها ... صونا لوداد من هوى النفس لها

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «فأقصروا عنه» . [2] في «ط» : «مقاطيع من شعره» . [3] في «وفيات الأعيان» : «تاه بأنفه» . [4] في «آ» و «ط» : «وقد» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

يا آخر محنتي ويا أوّلها ... آيات غرامي فيك من أوّلها وله: ساروا وأقام في ودادي الكمد ... لم يلق كما لقيت منهم أحد شوق وجوى ونار وجد تقد ... ما لي جلد ضعفت ما لي جلد وله: ما ضرّ حداة عيسهم لو رفقوا ... لم يبق غداة بينهم لي رمق قلب قلق وأدمع تستبق ... أوهى جلدي من الفراق الفرق وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. قاله ابن خلّكان [1] . وفيها أبو القاسم نصر بن نصر العكبري [2] الواعظ. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة، وتوفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (4/ 227- 228) . [2] تحرفت في «ط» إلى «الطبري» وانظر «العبر» (4/ 150) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 296- 297) .

سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة فيها كما قال ابن الأثير [1] نزل ألف وسبعمائة من الإسماعيلية على روق [2] كبير التركمان [فجازوه] [3] ، فأسرع عسكر التركمان فأحاطوا بهم ووضعوا فيهم السيف، فلم ينج منهم إلّا تسعة أنفس، فلله الحمد. وفيها توفي مسند الدّنيا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السّجزي ثم الهروي الماليني [4] الصوفي الزاهد. سمع «الصحيح» [5] و «مسندي [6] » الدّارمي وعبد بن حميد، من جمال الإسلام الداودي في سنة خمس وستين وأربعمائة، وسمع من أبي عاصم الفضيل [7] ، ومحمد بن أبي مسعود، وطائفة، وصحب شيخ الإسلام الأنصاري وخدمه، وعمّر إلى هذا الوقت، وقدم بغداد فازدحم الخلق عليه، وكان خيّرا متواضعا متودّدا، حسن السمت،

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 238) والمؤلف ينقل عن «العبر» (4/ 151) وقد تصرف الذهبي أثناء النقل. [2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «زوق» والروق: بيت كالفسطاط يحمل على سطاع واحد في وسطه، والجمع أروقة. انظر «لسان العرب» (روق) . [3] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 303- 311) . [5] يعني «صحيح البخاري» انظر «الأنساب» (7/ 47) . [6] في «آ» و «ط» : «ومسند» والتصحيح من «العبر» . [7] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «الفضيلي» فتصحح، وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 304) .

متين الديانة، محبا للرواية. توفي سادس ذي القعدة ببغداد وله خمس وتسعون سنة. قاله في «العبر» [1] . وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : حمله أبوه من هراة إلى بوشنج، فسمع «صحيح البخاري» وغيره من جمال الإسلام الداودي. عزم على الحجّ وهيأ ما يحتاج إليه فأصبح ميتا، وكان آخر كلمة قالها: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ 36: 26- 27 [يس 26- 27] ودفن بالشونيزية وعمّر حتّى ألحق الأصاغر بالأكابر. انتهى. وفيها أبو الفتح سالم بن عبد الله بن عبد الملك الشيباني [2] الفقيه الحنبلي الزاهد. صحب أبا بكر الدّينوري، وسمع من الشريف أبي العزّ بن المختار، وأبي الغنائم النّرسي، وغيرهما. قال ابن شافع: كان فقيها زاهدا مخمولا ذكره عند أبناء الدّنيا رفيعا عند الله وصالحي عباده. توفي ليلة الأربعاء سابع شعبان، ودفن بباب حرب. وفيها الإمام العلّامة عبد الله بن يحيى الصّعبي [3] عن ثمان وسبعين، أو إحدى وثمانين سنة. وكان مدرّس سهفنة [4] وقد تفقّه عليه خلق باليمن، وكان صاحب «البيان» يحبه ويقول له: شيخ الشيوخ، وحضر جنازته يوم مات. روي أن أناسا وقعوا عليه في طريق فضربوه بالسيوف فلم تقطع سيوفهم، فسئل عن ذلك فقال: كنت أقرأ سورة يس. قال ابن سمرة: والمشهور أنه كان يقرأ قوله تعالى:

_ [1] (4/ 151- 152) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 232) . [3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 306- 307) و «غربال الزمان» ص (433) . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سهقنة» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» وقد جاء في حاشية الأخير: وسهفنة من قرى ذي السفال من محافظة إب.

وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 2: 255 [البقرة: 255] فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 12: 64 [يوسف، 64] وَحِفْظاً من كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ 37: 7 [الصّافّات، 7] وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 41: 12 [فصّلت: 12] إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ 85: 12 [البروج: 12] إلى آخر السورة، وتسمى آيات الحفظ، وسببه أنه وجدها معلقة في عنق شاة والذئاب تلاعبها لا تضرها. صنّف الصّعبيّ كتاب «التعريف» في الفقه و «احتراز المذهب» وكان يقوم بكفايته وما يحتاج إليه رجل من مشايخ بني يحيى من يافع. قال اليافعي- رحمه الله تعالى-[1] : [أهل] يافع يقولون: أهل يحيى وأهل عيسى وأهل موسى، ثلاثة بطون لهم [2] عز وشرف، فأهل موسى أخوالي، وفيهم الكرم والمشيخة، وأهل يحيى أخوال بني عمي، وفيهم العزّ والنجدة، ولا تزال الحرب بينهم وبين أعدائهم. وفيهم الفقيه الولي أبو بكر البحيري [3] الذي كان السلطان المؤيد في طوعه، واستدرك الفقيه حسين على اليافعي وغلّطه في ثنائه عليه، ونسبه- أي البحيري- إلى الزندقة لكونه من أتباع ابن عربي، والله أعلم بحاله. قاله ابن الأهدل. وفيها كوتاه الحافظ أبو مسعود عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني. توفي في شعبان عن سبع وسبعين سنة، وحدّث عن رزق الله التميمي، وأبي بكر بن ماجة الأبهري، وخلق. قال أبو موسى المديني: أوحد وقته في علمه وطريقته [4] وتواضعه، حدثنا لفظا وحفظا على منبر وعظه.

_ [1] انظر «مرآة الجنان» (3/ 307) وما بين حاصرتين مستدرك من «غربال الزمان» . [2] في «مرآة الجنان» : «وفيهم» . [3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (115/ ب) : «البحيري» وفي «غربال الزمان» : «اليحيوي» . وفي «مرآة الجنان» : «التغزي» . [4] في «العبر» بطبعتيه: «مع طريقته» .

وقال غيره: كان جيّد المعرفة، حسن الحفظ، ذا عفّة وقناعة وإكرام للغرباء. وقال ابن ناصر الدّين [1] : كان إماما حافظا من أولاد المحدّثين، كان ابن عساكر يفخّم أمره [ويصفه بالحفظ والإتقان] وأثنى عليه ابن السمعاني وغيره [من الأعيان] . انتهى. وفيها علي بن عساكر بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الخشّاب [2] . صحب الفقيه نصر المقدسي [مدّة] وسمع منه سنة سبعين وأربعمائة، ثم سمع بدمشق من أبي عبد الله بن أبي الحديد. توفي في سنّ أبي الوقت، صحيح الذهن والجسم، وتوفي في شوال. وفيها العلّامة أبو حفص الصفّار عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري [3] . روى عن أبي بكر بن خلف، وأبي المظفّر موسى بن عمران وطائفة، ولقبه عصام الدّين. كان من كبار الشافعية يذكر مع محمد بن يحيى ويزيد عليه بالأصول. قال ابن السمعاني، إمام بارع مبرّز جامع لأنواع من العلوم الشرعية، سديد السيرة، مكثرا، مات يوم عيد الأضحى. وفيها الفقيه الإمام الورع الزاهد عمر بن إسماعيل بن يوسف اليمني. أخذ عن الإمام زيد بن الحسن الفايشي [4] «المهذب» وأصول الفقه، وصحب يحيى بن أبي الخير صاحب «البيان» في الطلب. قاله ابن الأهدل. وفيها نصر بن منصور الحرّاني، عرف بابن العطار [5] . كان تاجرا

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ آ) وما بين حاصرتين زيادة منه. [2] انظر «العبر» (4/ 152) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [3] انظر «العبر» (4/ 153) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 142- 143) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغايشي» والتصحيح من «طبقات فقهاء اليمن» ص (155) . [5] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 239) و «البداية والنهاية» (12/ 238) .

كبيرا كثير المال، قارئا للقرآن، يكسو العراة، ويفك الأسرى، ويسمع الحديث، ويزور الصالحين. قال العكبري: رأيت النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم، فقلت: امسح بيدك على عيني فإنها تؤلمني، فقال: «امض إلى أبي نصر بن العطّار يمسح على عينك» فقلت في نفسي: أدع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأروح إلى رجل من أبناء الدّنيا! وعاودته القول، وقلت: يا رسول الله، امسح على عيني، فقال: أما سمعت الحديث «إن الصّدقة لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد السّائل» [1] «وهذا نصر قد صافحت يده يد الحقّ- سبحانه وتعالى- امض إليه» فانتبهت ومضيت إليه، فلما رآني قام حافيا وقال: ما الذي رأيته في المنام، ومسح على عيني وقرأ المعوذات، فذهب الألم. قال: وذهبت إحدى عيني نصر. قال: فخرجت يوما إلى جامع السلطان لأصلي الجمعة، فجلست على جانب دجلة لأتوضأ، وإذا بفقير عليه أطمار رثة، فتقدمت إليه وقلت له: امسح على عيني، فمسح عليها فعادت صحيحة، فدفعت إليه منديلا فيه دنانير، فقال: ما لي به حاجة، إن كان معك رغيف خبز، فقمت واشتريت له خبزا، ورجعت فلم أره، فكان نصر بعد ذلك لا يمشي إلّا وفي كمه الخبز إلى أن مات. وفيها يحيى بن سلامة الحصكفي الخطيب [2] صاحب ديوان الشعر

_ [1] رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 114) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفا عليه، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 111) وعزاه للطبراني في «المعجم الكبير» من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: وفيه عبد الله بن قتادة المحاربي ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات، وقد ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 141) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر هذا الأثر أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 375) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والحكيم الترمذي، وابن أبي حاتم، وهو موقوف على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. [2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 205- 210) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 320- 321) وانظر التعليق التالي.

والخطب، الفقيه الشافعي معين الدّين، المعروف بالخطيب. قال ابن خلّكان: والحصكفي بكسر الحاء المهملة [1] نسبة إلى حصن كيفا، قلعة حصينة. [ولد] بطنزة- بطاء مهملة مفتوحة ونون ساكنة وزاي معجمة- وهي بلدة صغيرة بديار بكر فوق الجزيرة. انتهى. نشأ معين الدّين هذا بحصن كيفا، وقدم بغداد فقرأ الفقه حتّى أجاد فيه، وقرأ الأدب على الخطيب أبي زكريا التبريزي شارح «المقامات» ثم رجع إلى بلاده واستوطن ميّافارقين، وتولى بها الخطابة، وانتصب للإفتاء والاشتغال، وانتفع عليه الناس [2] . قال العماد في «الخريدة» : كان علّامة الزمان في علمه، ومعريّ العصر في نثره ونظمه، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. قاله الإسنوي [3] . وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : له الترصيع البديع، والتجنيس النفيس، والتطبيق والتحقيق، واللفظ الجزل الرقيق، والمعنى السهل العميق، والتقسيم المستقيم، والفضل السائر المقيم، فمن قوله في مليح في خصره زنار: قد شدّ بالميم الألف ... من جسمه ميم ألف فقلت إذ مرّ بنا ... بخوط بان منعطف بالله يا زنّاره ... رفقا به لا ينقصف

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي، والذي في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي: «بفتح الحاء وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف، وفي آخرها فاء» وهو كذلك في «اللباب» (1/ 369) . [2] في «وفيات الأعيان» : «واشتغل عليه الناس وانتفعوا بصحبته» . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 438- 439) .

وكان الحصكفي يتشيع، وله الخطب المليحة والرسائل المنتقاة. انتهى [1] .

_ [1] قلت: وفيها مات بمصر محمود بن إسماعيل بن حميد الدمياطي، أبو الفتح، المعروف بابن قادوس. الشاعر المنشئ. كان القاضي الفاضل يلقبه بذي البلاغتين (النثر والشعر) له ديوان شعر في مجلدين. انظر «حسن المحاضرة» (2/ 233) و «كشف الظنون» (1/ 767) و «الأعلام» (7/ 166) .

سنة أربع وخمسين وخمسمائة

سنة أربع وخمسين وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» وقع في قرى بغداد برد كان في البردة خمسة أرطال، ووزنوا واحدة فبلغت تسعة أرطال، وانفتح القورج [1] وجاء الماء فأحاط بالسور، ثم فتح فتحة ودخل فأغرق كثير من محال من نهر معلّى [2] ، وهدم ما لا يحصى من الدّور، وغرقت مقبرة الإمام أحمد بن حنبل، وكانت آية عجيبة. وفيها سار عبد المؤمن في مائة ألف، فنازل المهديّة برّا وبحرا فأخذها من الفرنج بالأمان، ولكن ركبوا البحر، وكان شتاء، فغرق أكثرهم. وفيها أقبلت الرّوم في جموع عظيمة وقصدوا الشام، فالتقاهم المسلمون وانتصروا، ولله الحمد، وأسر ابن أخت ملك الرّوم. وفيها توفي ابن قفرجل أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي

_ [1] القورج: نهر بين القاطول وبغداد، منه يكون غرق بغداد كل وقت تغرق. انظر «معجم البلدان» (4/ 412) . [2] نهر المعلّى: مدينة ببغداد كانت بها قصور الخلافة، وتنسب المدينة إلى النهر الذي يخترقها، وهو بدوره منسوب إلى المعلّى بن طريف مولى المهدي. انظر «معجم البلدان» (5/ 324) . و «الروض المعطار» ص (406) .

البغدادي الذّهبي القطّان. روى عن عاصم بن الحسن وجماعة. وفيها أبو جعفر العبّاسي أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكّي [1] ، نقيب الهاشميين بمكّة. روى عن أبي علي الشافعي، وحدّث ببغداد وأصبهان، وكان صالحا متواضعا فاضلا مسندا، توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وثلاثة أشهر، وسماعه في الخامسة من أبي علي. وفيها أحمد بن معالي- ويسمى عبد الله أيضا- ابن بركة الحربي الحنبلي [2] . تفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وبرع في النظر. قال ابن الجوزي: كان له فهم حسن وفطنة في المناظرة. وسمعت درسه مدة، وكان قد انتقل إلى مذهب الشافعي، ثم عاد إلى مذهب أحمد ووعظ. وقال صدقة [بن الحسين] : كان شيخا كبيرا قد نيف [3] على الثمانين، فقيها مناظرا عارفا، له مخالطة مع الفقهاء، ومعاشرة مع الصوفية، وكان يتكلم كلاما حسنا إلّا أنه كان متلونا في المذهب. توفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، وصلى عليه الشيخ عبد القادر [4] ، ودفن بمقبرة باب حرب.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 331- 332) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 232- 233) و «المنهج الأحمد» (2/ 316) . [3] في «ط» : «وقد نيف» . [4] يعني الجيلاني.

وكان سبب موته أنه ركب دابة فانحنى في مضيق [1] ليدخل، فاتكأ بصدره على قربوس السّرج فأثّر فيه، وانضم إلى ذلك إسهال فضعفت القوة، وكان مرضه يومين أو ثلاثة، رحمه الله تعالى. وله تعليقة في الفقه. وفيها أحمد بن مهلهل بن عبيد الله بن أحمد البرداسي [2] الحنبلي. قال ابن النجار: هو من قرية برداس [3]- بسكون الراء من بلد إسكاف- المقرئ الزاهد الضرير، أبو العبّاس. كان من أهل القرآن والزهد والعبادة. روى عن أبي طالب اليوسفي وغيره، وكان أبو الحسن بن البرداسي [4] يقول: كان هذا الشيخ يصلي في كل يوم أربعمائة ركعة. وتوفي يوم الخميس غرة جمادى الأولى، ودفن بباب حرب. وقال ابن النجار: كان منقطعا في مسجده [5] لا يخالط أحدا، مشتغلا بالله عزّ وجل، وكان الإمام المقتفي يزوره، وكذلك وزيره ابن هبيرة. والناس كافة يتبركون به، وكان قد قرأ طرفا صالحا من الفقه على أبي الخطّاب الكلوذاني، ثم على أبي بكر الدّينوري، وسمع الحديث من أبي غالب الباقلاني وغيره، وحدّث باليسير، وروى عنه ابن شافع والباقداري. قاله ابن رجب.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في ضيق» وهو خطأ. [2] كذا في «آ» و «ط» «البرادسي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 236) و «المنهج الأحمد» (2/ 316) : «البرداني» . [3] كذا في «آ» و «ط» : «برداس» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «برد» . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البراندسي» . [5] في «آ» و «ط» : «في مسجد» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .

وفيها أبو زيد جعفر بن زيد بن جامع الحموي الشامي [1] مؤلّف رسالة «البرهان» التي رواها عنه ابن الزّبيدي، وكان صالحا عابدا، صاحب سنّة وحديث، روى عن ابن الطيوري، واليوسفي، وغيرهما، وتوفي في ذي الحجة، وقد شاخ. وفيها أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله العبّاسي الهاشمي [2] المقرئ الأديب الحنبلي. ولد في حادي عشر شوال سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقرأ القرآن، وسمع قديما من أبي غالب البقّال الباقلاني [3] وابن العلّاف، وغيرهما، وكان فيه لطف وظرف وأدب، ويقول الشعر الحسن، مع دين وخير، وجمع سيرة المسترشد وسيرة المقتفي، وجمع لنفسه مشيخة، وجمع كتابا سمّاه «سرعة الجواب ومداعبة الأحباب» أحسن فيه. وقال ابن النجار: كان أديبا فاضلا صالحا متدينا صدوقا. روى عنه ابن الأخضر وغيره. وذكره ابن السمعاني [وقال: كان صالحا، فاضلا، له معرفة بالأدب والشعر] [4] ومن شعره ما كتبه: أجزت للسادة الأخيار ما سألوا ... فليرووا عنّي بلا بخس ولا كذب

_ [1] انظر «العبر» (4/ 155) . [2] انظر «العبر» (4/ 155) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 387- 388) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 233) وقد تحرفت فيه «الحسن» إلى «الحسين» فتصحح، و «المنهج الأحمد» (2/ 317- 320) . [3] تقدمت ترجمته في المجلد الخامس حوادث سنة (500) ص (426) وانظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 235- 236) و «الوافي بالوفيات» (11/ 414) . [4] ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» .

مما [1] أحبوه من شعر ومن خبر ... ومن جميع سماعاتي من الكتب وليحذروا السّهو والتصحيف من غلط ... ويسلكوا سنّة الحفّاظ في الأدب ومن شعره أيضا: يا ذا الذي أضحى يصول ببدعة ... وتشيّع وتمشعر [2] وتمعزل لا تنكرنّ تحنبلي وتسنّني [3] ... فعليهما يوم المعاد معوّلي إن كان ذنبي حبّ مذهب أحمد ... فليشهد الثقلان أني حنبلي قاله ابن رجب. وفيها أبو عبد الله سعيد بن الحسين بن شنيف بن محمد الدّيلمي الدّارقزي [4] الأمين الحنبلي. ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وسمع من أبي عبد الله الحسين بن محمد السرّاج الفقيه، والحسين بن طلحة النّعالي [5] وابن الطيوري، وغيرهم، لا من أبي الخطّاب الكلوذاني. وسمع الحديث من أبي غالب الباقلاني وغيره، وحدّث باليسير. وروى عنه ابن شافع، وتفقّه في المذهب، وكان إماما بجامع دار القز، وأمينا للقاضي بمحلته [6] [وما يليها] ، وكان شيخا صالحا ثقة، وروى عنه جماعة، منهم، ابنه أبو عبد الله الحسين.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «مهما» . [2] كذا في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وتمشعر» وفي «المنهج الأحمد» : «وتجهّم» . [3] في «آ» و «ط» : «لا تنكرن الحنبلي ونسبتي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 237) و «المنهج الأحمد» (2/ 320- 321) . [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «النعال» . [6] في «آ» و «ط» : «بمجلسه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وما بين حاصرتين مستدرك منه.

وتوفي ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الحسن بن أبي البركات محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن الأبرادي البغدادي [1] الفقيه الحنبلي. تفقّه على ابن عقيل، وسمع منه، ومن أبيه، وابن الفاعوس وحدّث باليسير. وسمع من أبي الفضل بن شافع. وتوفي يوم الجمعة خامس شعبان، وقد اشتبه على بعض الناس وفاته بوفاة أبيه. وفيها محمد شاه بن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، أخو ملكشاه السلجوقي [2] توفي بعلة السلّ، وله ثلاث وثلاثون سنة، وكان كريما عاقلا، وهو الذي حاصر بغداد من قريب، واختلف الأمراء من بعده، فطائفة لحقت بأخيه ملكشاه، وطائفة لحقت بسليمان شاه.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 236) و «المنهج الأحمد» (2/ 320) . [2] انظر «العبر» (4/ 155) .

سنة خمس وخمسين وخمسمائة

سنة خمس وخمسين وخمسمائة فيها تملّك سليمان شاه همذان، وذهب ملكشاه إلى أصبهان فمات بها. وفيها توفي [1] المقتفي لأمر الله، أبو عبد الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم العبّاسي، أمير المؤمنين. كان عالما فاضلا دينا حليما شجاعا مهيبا خليقا للإمارة، كامل السؤدد، كان لا يجري في دولته أمر وإن [2] صغر إلّا بتوقيعه، وكتب أيام خلافته ثلاث ربعات، ووزر له علي بن طراد، ثم أبو نصر بن جهير، ثم علي ابن صدقة، ثم ابن هبيرة، وحجبه أبو المعالي بن الصاحب ثم جماعة بعده، وكان أدم اللون بوجهه أثر جدري، مليح الشيبة، عظيم الهيبة، ابن حبشية. كانت دولته خمسا وعشرين سنة. توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة، وقد جدّد باب الكعبة، واتخذ لنفسه من العقيق تابوتا دفن فيه. قاله في «العبر» [3] . وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [4] : بويع له بالخلافة عند خلع أخيه وعمره أربعون سنة، وسبب تلقبه بالمقتفي أنه رأى في منامه قبل أن يستخلف

_ [1] لفظة «توفي» سقطت من «ط» . [2] لفظة «وإن» سقطت من «آ» . [3] (4/ 158- 159) . [4] ص (437) .

بستة أيام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له: «سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي» فلقب المقتفي لأمر الله. وبعث السلطان مسعود [1] بعد أن أظهر العدل ومهد بغداد، فأخذ جميع ما في دار الخلافة من دوابّ وأثاث وذهب وستور وسرادق، ولم يترك في إصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس وثمانية أبغال برسم الماء، فيقال: إنهم بايعوا المقتفي على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر. وكان صاحب سياسة، جدد معالم الإمامة، ومهّد رسوم الخلافة، وباشر الأمور بنفسه، وغزا غير مرّة، وامتدت أيامه. وقال أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي في كتاب «المناقب العباسية» : كانت أيام المقتفي نضرة بالعدل، زهرة بفعل الخيرات، وكان على قدم من العبادة قبل إفضاء الأمر إليه، وكان في أول أمره متشاغلا بالدّين، ونسخ العلوم، وقراءة القرآن، ولم ير مع سماحته ولين جانبه ورأفته بعد المعتصم خليفة، في شهامته وصرامته وشجاعته، مع ما خص به من زهده وورعه وعبادته، ولم تزل جيوشه منصورة حيث يممت. وقال ابن الجوزي: من أيام المقتفي عادت بغداد والعراق إلى يد الخلفاء، ولم يبق لها منازع، وقبل ذلك من دولة المقتدر إلى وقته كان الحكم للمتغلبين من الملوك وليس للخليفة معهم إلّا اسم الخلافة. ومن سلاطين دولته السلطان سنجر صاحب خراسان، والسلطان نور الدّين الشهيد محمود صاحب الشام، وكان شجاعا كريما، محبا للحديث وسماعه، معتنيا بالعلم، مكرما لأهله. ولما دعا المقتفي الإمام أبا منصور بن الجواليقي النحوي ليجعله إماما يصلي به، دخل عليه فما زاد على أن قال: السلام على

_ [1] في «آ» و «ط» : «السلطان محمود» والتصحيح من «تاريخ الحلفاء» وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 401) .

أمير المؤمنين ورحمة الله، وكان ابن التلميذ النصراني الطبيب قائما فقال: ما هكذا يسلّم على أمير المؤمنين يا شيخ، فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي، وقال: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السّنّة النبوية. وروى الحديث، ثم قال: لو حلف حالف أن نصرانيا أو يهوديا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه لما لزمته كفّارة، لأن الله ختم على قلوبهم، ولن يفك ختم الله إلّا الإيمان. فقال المقتفي: صدقت وأحسنت، وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع غزارة أدبه [1] . وفيها توفي الفائز صاحب مصر، وأقيم بعده العاضد [2] . وفيها أبو بكر أحمد بن غالب بن أحمد بن غالب بن عبد الله الحربي [3] الفقيه الحنبلي الفرضي المعدل. سمع الحديث من ابن قريش وغيره، وتفقّه وبرع في المذهب. قال ابن النجار: كان أحد الفقهاء، حافظا لكتاب الله تعالى، له معرفة بالفرائض، والحساب، والنجوم، وأوقات الليل والنهار، وشهد عند قاضي القضاة الزّينبي، وتولى قضاء دجيل مدة، ثم عزل. حدّث باليسير، وسمع منه عبد المغيث الحربي وغيره. وتوفي يوم الأحد يوم عيد الأضحى، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها العميد بن القلانسي [4] صاحب «التاريخ» أبو يعلى حمزة بن راشد التميمي الدمشقي الكاتب، صاحب «تاريخ دمشق» [5] . انتهى به إلى هذه

_ [1] سبق أن أورد المؤلف خبر ابن الجواليقي في ترجمته من حوادث سنة (540) ص (208) فراجعه. [2] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 331) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238) و «المنهج الأحمد» (2/ 322) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 388- 389) . [5] نشرته دار الإحسان بدمشق بتحقيق الأستاذ الدكتور سهيل زكّار.

السنة. حدّث عن سهل بن بشير الإسفراييني، وولي رئاسة البلد مرتين، وكان يسمى أيضا المسلم. توفي في ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة. وفيها أبو يعلي بن الحبوبي [1] حمزة بن علي بن هبة الله الثعلبي [2] الدمشقي البزّاز. سمع أبا القاسم المصيصي، ونصر المقدسي. مات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة، وكان لا بأس به. قاله في «العبر» [3] . وفيها ثقة الملك الحلبي الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة [4] . سافر إلى مصر وتقدم عند الصالح بن زرّيك [5] وناب فيها. ومن شعره قوله من أبيات: يفنى الزّمان وآمالي مصرّمة ... ومن أحبّ على مطل وإملاق واضعية العمر لا الماضي انتفعت به ... ولا حصلت على شيء من الباقي وفيها خسر شاه، سلطان غزنة، تملّك بعد أبيه بهرام شاه بن مسعود ابن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين، وكان عادلا سايسا مقربا للعلماء، وكانت دولته تسع سنين، وتملّك بعده ولده ملكشاه. وفيها أبو جعفر الثقفي، قاضي العراق، عبد الواحد بن أحمد بن محمد، وقد ناهز الثمانين. ولي قضاء الكوفة مدة، وسمع من أبي النّرسي [6] ، ثم ولّاه المستنجد في هذا العام قضاء القضاة [7] فتوفي في آخر العام، وولي بعده ابنه جعفر.

_ [1] في «ط» : «الجبّري» وهو خطأ، وانظر «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (20/ 357) . [2] في «آ» و «ط» : «التغلبي» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [3] (4/ 156- 157) . [4] انظر «النجوم الزاهرة» (5/ 331- 332) . [5] في «آ» و «ط» : «ابن رزيل» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» . [6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النشري» والتصحيح من «العبر» (4/ 157) . [7] في «آ» و «ط» : «قاضي القضاة» وما أثبتناه من «العبر» .

وفيها الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي. أقيم في الخلافة بعد قتل أبيه وله خمس سنين. فحمله الوزير عبّاس على كتفه. وقال: يا أمراء، هذا ولد مولاكم، وقد قتل مولاكم أخواه فقتلتهما كما ترون، فبايعوا هذا الطفل. فقالوا: سمعنا وأطعنا. وضجّوا ضجة واحدة. ففزع الصبيّ وبال واختل عقله، فيما قيل: من تلك الضجة، وصار يتحرّك ويصرع، وتوفي في رجب في هذه السنة. وكان الحلّ والرّبط لعبّاس، فلما هرب عبّاس وقتل، كان الأمر للصالح طلائع بن رزّيك. وفيها علوي الإسكاف [1] الحنبلي. كان شيخا صالحا من أصحاب أبي الحسن بن الزّاغوني، وكان يقرأ في كتاب الخرقي. توفي في يوم الجمعة رابع عشري جمادى الآخرة. وفيها الشريف الخطيب أبو المظفّر محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن التّريكي [2] العبّاسي الهاشمي الحنبلي المعدّل. كان مولده سنة سبعين وأربعمائة، وروى عن طراد، وأبي نصر الزّينبي، والعاصمي، وغيرهم، وحدّث، وسمع منه جماعة، وكان جليل القدر من رجالات الهاشميين، ذا أدب وعلم، وله نظم. قاله ابن رجب [3] . وفيها أبو الفتوح الطائي، محمد بن أبي جعفر محمد بن علي

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238- 239) . [2] في «آ» و «ط» : «النويلي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «البرمكي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «المنتظم» (10/ 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 359) ، و «النجوم الزاهرة» (5/ 333) و «المنهج الأحمد» (2/ 321) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 238) .

الهمذاني [1] صاحب «الأربعين» سمع فيد بن عبد الرحمن الشعراني، وإسماعيل بن الحسن الفرائضي، وطائفة، بخراسان، والعراق، والجبال، وتوفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 159) و «النجوم الزاهرة» (5/ 333) .

سنة ست وخمسين وخمسمائة

سنة ست وخمسين وخمسمائة فيها توفي أبو حكيم النّهرواني إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النّهرواني الرزّاز [1] ، الفقيه الحنبلي، الفرضي الزاهد، الحكيم الورع. ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وسمع الحديث من أبي الحسن بن العلّاف، وأبي عثمان بن ملّة، وأبي الخطّاب، وبرع في المذهب، والخلاف، والفرائض، وأفتى وناظر. وكانت له مدرسة بناها بباب الأزج، وكان يدرّس ويقيم بها، وفي آخر عمره فوضت إليه المدرسة التي بناها ابن الشمحل [2] بالمأمونية ودرّس بها أيضا. وقرأ عليه العلم خلق كثير وانتفعوا به، منهم: ابن الجوزي، وقال: قرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض. وممن قرأ عليه السّامري صاحب «المستوعب» ونقل عنه في تصانيفه. قال ابن الجوزي: وكان زاهدا، عابدا، كثير الصوم، يضرب به المثل في الحلم والتواضع، من العلماء العاملين مؤثرا للخمول، ما رأينا له نظيرا

_ [1] انظر «العبر» (4/ 159) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 239- 241) و «المنهج الأحمد» (2/ 322- 325) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن السمحل» بالسين المهملة، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» .

في ذلك. يقوم الليل ويصوم النهار، ويعرف المذهب والمناظرة، وله الورع العظيم. وكان يكسب [1] بيده وإذا خاط ثوبا فأعطي الأجرة مثلا قيراطا، أخذ منه حبّة ونصفا وردّ الباقي، وقال: خياطتي لا تساوي أكثر من هذا [2] . ولا يقبل من أحد شيئا. وقال ابن رجب: صنّف تصانيف في المذهب والفرائض، وشرح «الهداية» كتب منه تسع مجلدات، ولم يكمله. وحدّث، وسمع منه جماعة، منهم: ابن الجوزي، وعمر بن علي القرشي الدمشقي، وله نظم حسن منه، قوله: يا دهر إن جارت صروفك واعتدت ... ورميتني في ضيقة وهوان أنّى أكون عليك يوما ساخطا ... وقد استفدت معارف الإخوان وتوفي يوم الثلاثاء بعد الظهر، ثالث عشر جمادى الآخرة، ودفن قريبا من بشر الحافي، رحمهما الله تعالى. وفيها علاء الدّين الحسين بن الحسين الغوري [3] سلطان الغور، وتملّك بعده ولده سيف الدّين محمد. وفيها سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي [4] . كان أهوج أخرق فاسقا بل زنديقا يشرب الخمر في نهار رمضان، قبض [5] عليه الأمراء في العام الماضي، ثم خنق في ربيع الآخر من السنة.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «يكتب» . [2] في «ط» : «هذه» . [3] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 271) و «العبر» (4/ 160) . [4] انظر «العبر» (4/ 160) . [5] في «ط» : «فقبض» .

وفيها طلائع بن رزّيك الأرمني ثم المصري [1] ، الملك الصالح، وزير الدّيار المصرية. غلب على الأمور في سنة تسع وأربعين، وكان أديبا شاعرا فاضلا شيعيا جوادا ممدّحا. ولما بايع العاضد زوّجه بابنته ونقّص أرزاق الأمراء، فعملوا عليه بإشارة العاضد وقتلوه في الدهليز في رمضان، وكان في نصر التشيع كالسكة المحماة. كان يجمع الفقهاء ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر. وله مصنّف في ذلك سمّاه «الاجتهاد في الردّ على أهل العناد» قرر فيه قواعد الرفض [2] ، وجامع الصالح الذي بباب زويلة منسوب إليه، وبنى آخر بالقرافة وتربة إلى جانبه، وهو مدفون بها. ومن شعره: ومهفهف ثمل القوام سرت إلى ... أعطافه النّشوات من عينيه ماضي اللحاظ كأنّما سلّت يدي ... سيفي غداة الروع من جفنيه قد قلت إذ خطّ العذار بمسكة ... في خده ألفين [3] لا لاميه ما الشّعر دبّ بعارضيه وإنما ... أصداغه نفضت على خدّيه النّاس طوع يدي وأمري نافذ ... فيهم وقلبي الآن طوع يديه فاعجب لسلطان يعمّ بعدله ... ويجوز سلطان الغرام عليه والله لولا اسم الفرار وأنّه ... مستقبح لفررت منه إليه وفيها أبو الفتح بن الصّابوني عبد الوهاب بن محمد المالكي [4] المقرئ الخفّاف، من قرية المالكية [5] . روى عن النّعالي، وابن البطر،

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 526- 529) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 397- 399) و «العبر» (4/ 160) . [2] في «ط» : «التشيع» . [3] في «وفيات الأعيان» : «ألفيه» . [4] انظر «العبر» (4/ 160- 161) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 354- 355) . [5] قرية على الفرات بالعراق. أنظر «معجم البلدان» (5/ 43) .

وطبقتهما، وكتب، وحصّل، وجمع أربعين حديثا. وقرأ القراءات على [ابن] بدران [1] الحلواني، وتصدّر للإقراء، وكان قيّما بالفنّ. توفي في صفر عن أربع وسبعين سنة. وفيها الوزير جلال الدّين أبو الرضا محمد بن أحمد بن صدقة [2] ، وزر للراشد بالله، وكان فيه خير ودين. توفي في شعبان، عن ثمان وخمسين سنة. وفيها ابن المادح [3] أبو محمد، محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي البغدادي. روى عن أبي نصر الزّينبي وجماعة، وتوفي في ذي القعدة. وفيها الخاقان محمود بن محمد التّركي [4] سلطان ما وراء النهر، وابن بنت السلطان ملكشاه السلجوقي. سار بالغزّ في وسط السنة، وغزا نيسابور شهرين، وكان كالمقهور مع الغزّ، فهرب منهم إلى صاحب نيسابور المؤيد ثم خلّاه المؤيّد قليلا وسملة وحبسه.

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «زيدان» والتصحيح من «العبر» و «السير» وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [2] انظر «العبر» (4/ 161) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن المارح» بالراء وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» (4/ 161) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 391- 392) . [4] انظر «العبر» (4/ 161) .

سنة سبع وخمسين وخمسمائة

سنة سبع وخمسين وخمسمائة فيها توفي أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس بن كروّس السّلمي الدمشقي [1] . روى عن نصر المقدسي، ومكّي الرّميلي وجماعة، وكان شيخا مباركا حسن السمت. توفي في صفر عن أربع وثمانين سنة، وتفرّد برواية «الموطأ» . وفيها زمرّد خاتون المحترمة [2] صفوة الملوك بنت الأمير جاولي، أخت الملك دقاق صاحب دمشق لأمه، وزوجة تاج الملك بوري، وأمّ ولديه شمس الملوك إسماعيل، ومحمود. سمعت من أبي الحسن بن قبيس، واستنسخت الكتب، وحفظت القرآن، وبنت المدرسة الخاتونية بصنعاء دمشق، ثم تزوّجها أتابك زنكي، فبقيت معه تسع سنين، فلما قتل حجّت وجاورت بالمدينة ودفنت بالبقيع، وهي التي ساعدت على قتل ولدها إسماعيل، لما كثر فساده وسفكه للدماء ومواطأته الفرنج على بلاد المسلمين، ولما جاورت بالمدينة المنورة قلّ ما بيدها، فكانت تغربل القمح والشعير، وتطحن وتتقوت بأجرتها، وكانت كثيرة البرّ، والصدقة، والصوم، والصلاة، رحمها الله تعالى.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 162) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 392- 393) و «النجوم الزاهرة» (5/ 362) . [2] انظر «العبر» (4/ 162) و «البداية النهاية» (12/ 245- 246) .

وأما خاتون بنت أنر زوجة الملك نور الدّين، فتأخرت، ولها مدرسة بدمشق وخانقاه معروفة على نهر بانياس [1] . وفيها عبد الرحمن بن سالم التّنوخي، الواعظ، اجتمعت له الفصاحة والصباحة، ومواعظه مبكية مضحكة، وكلماته بالوعد والوعيد مهلكة، إذا وعظ كانت عباراته أرق من عبرات الباكين، وإذا أنشد كانت غرره مثل ثغور الضاحكين، فهو كما قال الحريري يقرّع الأسماع بزواجر وعظه، ويطبع الأسجاع بجواهر لفظه، وكان شحاذا حوّاشا قلما يخلو شركه من صيد، حتّى لو رآه الحريري لم يذكر أبا زيد. أنشد في عزاء صدر الدّين إسماعيل شيخ الشيوخ ببغداد: يا أخلّائي وحقّكم ... ما بقا من بعدكم فرح أيّ صدر في الزّمان لنا ... بعد صدر الدّين ينشرح قال ابن عساكر: كان أبوه منجما، وكان عبد الرحمن ينشد الشعر في الأسواق، خرج إلى بغداد وأظهر الزهد وعاد إلى دمشق، وصعد إليه على المنبر طفل فأمده على يديه وقال: هذا صغير ما جنى صغيرة ... فهل كبير يركب الكبائرا فضج الناس بالبكاء، مات بدمشق، ودفن بقاسيون. قاله ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» . وفيها أبو مروان عبد الملك بن زهر [2] بن عبد الملك الإشبيلي، طبيب عبد المؤمن وصاحب التصانيف. أخذ عن والده وبرع في الصناعة، وهو الذي صنّف «الدرياق السبعيني» صنّفه لعبد المؤمن.

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «على نهر بأناس» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن زهير» والتصحيح من «العبر» (4/ 163) .

وفيها الشيخ عديّ بن مسافر بن إسماعيل الشامي ثم الهكّاري الزاهد، قطب المشايخ وبركة الوقت، وصاحب الأحوال والكرامات، صحب الشيخ عقيلا المنبجي [1] ، والشيخ حمّاد الدبّاس، وعاش تسعين سنة، ولأصحابه فيه عقيدة تتجاوز الحدّ. قاله في «العبر» [2] . وقال ابن الأهدل: له كرامات عظيمة، منها أنه إذا ذكر على الأسد وقف، وإذا ذكر على موج البحر سكن. وإلى ذلك أشار الشيخ العارف الصّدّيق أبو محمد، المقرئ المعروف والده بالمدوّخ في «وسيلته الجامعة» فقال: بجاه عديّ ذلك ابن مسافر ... به تسكن الأمواج في لجج البحر وإن قلته للّيث لم يخط خطوة ... ولا الشبر من قاع ولا البعض من شبر [3] وقال السّخاوي: أصله من قرية بشوف الأكراد تسمى بيت فار. ولد بها، والبيت الذي ولد فيه يزار إلى اليوم، وصحب الشيخ عقيل المنبجي [4] والشيخ حمّاد الدّباس، وأبا النجيب السهروردي، وعبد القادر الجيلي، وأبا الوفاء الحلواني، وأبا محمد الشنبكي [5] . وقال ابن شهبة في «تاريخه» : كان فقيها عالما، وهو أحد أركان الطريقة، سلك في المجاهدة وأحوال البداية طريقا صعبا تعذّر على كثير من المشايخ سلوكه، وكان الشيخ عبد القادر يثني عليه كثيرا ويشهد له بالسلطنة

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المنيحي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 254) و «العبر» . [2] (4/ 163) . [3] أقول: هذا من الغلو الذي لا يجوز في الإسلام (ع) . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المنيحي» وانظر التعليق رقم (1) . [5] في «آ» : «السنبكي» .

على الأولياء، وكان في أوّل أمره في الجبال مجردا سائحا، وانتمى إليه عالم عظيم. قال عمر بن محمد: خدمت الشيخ عدي سبع سنين، شهدت له فيها خارقات، أحدها أني صببت على يديه ماء، فقال لي: ما تريد؟ قلت: أريد تلاوة القرآن ولا أحفظ منه غير الفاتحة وسورة الإخلاص، فضرب بيده في صدري، فحفظت القرآن كله في وقتي وخرجت من عنده وأنا أتلوه بكماله. وقال لي يوما: اذهب إلى الجزيرة السادسة بالبحر المحيط تجد بها مسجدا فادخله تر فيه شيخا، فقل له: يقول لك الشيخ عدي بن مسافر احذر الاعتراض ولا تختر لنفسك أمرا لك فيه إرادة، فقلت يا سيدي، وأنى لي بالبحر المحيط؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بجزيرة والبحر محيط بها، وثمّ مسجد، فدخلته فرأيت شيخا مهيبا يفكر، فسلّمت عليه وبلّغته الرسالة، فبكى، وقال: جزاه الله خيرا، فقلت: يا سيدي ما الخبر؟ فقال: اعلم أنّه [1] أحد السبعة الخواص في النزع. وطمحت نفسي وإرادتي أن أكون مكانه، ولم تكمل خطرتي حتّى أتيتني، فقلت له: يا سيدي، وأنّى لي بالوصول إلى جبل هكّار، فدفعني بين كتفي، فإذا أنا بزاوية الشيخ عدي، فقال لي: هو من العشرة الخواص. ذكر ذلك القطب اليونيني في «ذيله» [2] . وفيها أبو نصر محمد الفرّوخي [3] الكاتب. كان أديبا فاضلا. من شعره: يا ربّ عفوك إنّني في معشر ... لا أبتغي منهم سواك ملاذا هذا ينافق ذا وذا يغتاب ذا ... ويسبّ هذا ذا ويشتم ذا ذا

_ [1] في «ط» : «أن» وهو تحريف. [2] قلت: وهذا الذي قاله عمر بن محمد من مبالغات الصوفية التي لا يقرها العقل بله الشرع! [3] انظر «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (57- 62) طبع دار ابن كثير.

وفيها الشيخ الإمام المحدّث، سيد الحفاظ، سراج الدّين أبو الحسن، علي بن أبي بكر بن حمير اليمني الهمداني [1] . روى عنه الإمام يحيى بن أبي الخير [صاحب «البيان» ] وجماعة من ذي أشرق [2] «البخاري» و «سنن أبي داود» وانتشر عنه الحديث بقطر اليمن، وعنه أخذ أحمد بن عبد الله القريظي. قال الإمام يحيى بن أبي الخير: ما رأيت ولا سمعت بمثله، وله كتاب «الزلازل والأشراط» . قاله ابن الأهدل. وفيها هبة الله بن أحمد الشّبلي بن المظفّر. القصّار المؤذّن. توفي في سلخ السنة، عن ثمان وثمانين سنة، وبه ختم السماع من أبي نصر الزّينبي. وفيها أبو بكر هبة الله بن أحمد الحفّار. روى عن رزق الله التميمي، وتوفي في شوال كلاهما ببغداد.

_ [1] انظر «مرآة الجنان» (3/ 313- 314) و «غربال الزمان» ص (435) وما بين حاصرتين زيادة منه. [2] في «آ» و «ط» : «من ذي أشرف» بالفاء وهو تصحيف، والتصحيح من «غربال الزمان» . وانظر «العقود اللؤلؤية» (1/ 58) وما بعدها بعناية الأكوع.

سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

سنة ثمان وخمسين وخمسمائة فيها سار جيش المستنجد فالتقوا آل دبيس الأسديّين أصحاب الحلّة، فالتقوهم، فخذلت بنو أسد [1] وقتل من العرب نحو أربعة آلاف، وقطع دابرهم، فلم تقم لهم بعدها قائمة. وفيها سار نور الدّين الشهيد لقتال الفرنج، وكانوا عزموا على حمص، فترفعوا وفرق في يوم مائتي ألف دينار، وكتب إليه النّواب أن الصدقات كثيرة، للفقهاء، والفقراء، والصوفية، فلو استعنت بها ثم تعوضهم عنها، فغضب وكتب إليهم: إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ 13: 11 [الرعد: 11] وهل أرجو النصر إلّا بهؤلاء، و «هَلْ تُنْصَرُونَ إِلَّا بضُعَفَائِكُمْ» [2] فكتبوا إليه فنقترض من أرباب الأموال ثم نوفيهم، فبات مفكرا، فرأى في منامه إنسانا ينشد:

_ [1] في «ط» : «فخذلت أسد» . [2] وذلك محاكاة لحديث رواه البخاري رقم (2896) في الجهاد: باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقّاص رحمه الله، ولفظه: «هل تنصرون إلّا بضعفائكم» ورواه أحمد في «المسند» (1/ 173) . وهو قطعة من حديث صحيح رواه أبو داود (2594) في الجهاد: باب في الانتصار برذل الخيل والضعفة، والترمذي رقم (1702) في الجهاد: باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين، والنسائي (6/ 45 و 46) في الجهاد: باب الاستنصار بالضعيف، ولفظه بتمامه: «أبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

أحسنوا ما دام أمركم ... نافذا في البدو والحضر واغنموا أيام دولتكم ... إنّكم منها على خطر فقام مرعوبا مستغفرا مما خطر له، وكتب: لا حاجة لي بأموال النّاس، وعاد الفرنج إلى بلادهم. وفيها توفي الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة [1] الزاهد، والد الشيخ أبي عمر، والشيخ الموفق. وله سبع وستون سنة. وكان خطيب جمّاعيل، ففرّ بدينه من الفرنج مهاجرا إلى الله، ونزل بمسجد أبي صالح، الذي بظاهر باب شرقي، ثم صعد إلى الجبل لتوخم ناحية باب شرقي عليهم، ونزل هو وولداه بسفح قاسيون، وكانوا يعرفون بالصالحية لنزولهم [2] بمسجد أبي صالح، فسميت الصالحية بهم، وكانت تسمى أولا قرية الجبل، وقيل: قرية النخل، لنخل كان بها كثيرا، وكان زاهدا صالحا قانتا لله، صاحب جدّ وصدق وحرص على الخير، وهو الذي بنى الدّير بالصالحية. وفيها أحمد بن جعفر الدبيثي- مصغرا [3] نسبة إلى دبيثا [4] قرية بواسط- البيّع، ابن عم الحافظ أبي عبد الله الدّبيثي. قدم بغداد، وكان قد ضمن البيع بواسط، ثم عطل عنه وصودر، وروى ببغداد شيئا من شعره، وأورد له ابن النجار في «تاريخه» قوله: يروم صبرا وفرط الوجد يمنعه ... وسلوه ودواعي الشّوق تردعه إذا استبان طريق الرّشد واضحة ... عن الغرام فيثنيه ويرجعه مشحونة بالجوى والشوق أضلعه ... ومفعم القلب بالأحزان مترعه

_ [1] انظر «العبر» (4/ 164) . [2] في «ط» : «لنزلهم» . [3] لفظة «مصغرا» لم ترد في «آ» . [4] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 438) : بفتح أوله وثانيه وياء ساكنة ... وربما ضمّ أوله.

ومنها: عاثت يد البين في قلبي تقسّمه ... على الهوى وعلى الذكرى توزّعه كأنّما آلت الأيام جاهدة ... لمّا تبدّد شملي لا تجمّعه روّعت يا دهر قلبي كم تذوّقه ... من الأسى وفؤادي كم تجرّعه وهي طويلة. والظاهر أنه عارض فيها قصيدة ابن زريق المشهورة. وفيها شهردار بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه الدّيلمي [1] المحدّث الشافعي، أبو منصور. قال ابن السمعاني: كان حافظا عارفا بالحديث، فهما عارفا بالأدب، ظريفا. سمع أباه، وعبدوس بن عبد الله، ومكّي السّلّار، وطائفة، وأجاز له أبو بكر بن خلف الشيرازي، وعاش خمسا وسبعين سنة. خرّج أسانيد لكتاب والده المسمى ب «الفردوس» في ثلاث مجلدات ورتبه ترتيبا حسنا [2] وسمّاه «الفردوس الكبير» . وفيها عبد المؤمن الكوميّ التلمساني [3] صاحب المغرب والأندلس. كان أبوه صانعا في الفخّار فصار أمره إلى ما صار. وكان أبيض مليحا، ذا جسم عمّ تعلوه حمرة، أسود الشعر، معتدل القامة، وضيئا، جهوري الصوت، فصيحا، عذب المنطق، لا يراه أحد إلّا أحبه بديهة. وكان في الآخر شيخا أنقى. وقد سبق شيء من أخباره في ترجمة ابن تومرت [4] وكان ملكا عادلا سايسا، عظيم الهيبة، عالي الهمّة، كثير المحاسن، متين الدّيانة،

_ [1] انظر «العبر» (4/ 164- 165) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 375- 378) . [2] انظر «الرسالة المستطرفة» للكتاني ص (75- 76) طبع دار البشائر الإسلامية. [3] انظر «العبر» (4/ 165) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 366- 375) . [4] انظر حوادث سنة (524) ص (117- 120) .

قليل المثل، وكان يقرأ كل يوم سبعا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير، ويصوم الاثنين والخميس، ويهتمّ بالجهاد والنظر في الملك كأنما خلق له، وكان سفّاكا لدماء من خالفه. سأل أصحابه مسألة ألقاها عليهم فقالوا: لا علم لنا إلّا ما علّمتنا [1] ، فلم ينكر ذلك عليهم، فكتب بعض الزهاد هذين البيتين ووضعهما تحت سجادته وهما: يا ذا الذي قهر الأنام بسيفه ... ماذا يضرّك أن تكون إلها الفظ بها فيما لفظت فإنّه ... لم يبق شيء أن تقول سواها فلما رآها وجم وعظّم أمرهما، وعلم أن ذلك بكونه لم ينكر على أصحابه قولهم: لا علم لنا إلّا ما علّمتنا، فكان عبد المؤمن يتزيّا بزي العامة ليقف على الحقائق، فوقعت عيناه على شيخ عليه سيما الخير، فتفرّس فيه أنه قائل البيتين، فقال له: أصدقني أنت قائل البيتين، قال: أنا هو، قال: لم فعلت ذلك؟ قال: قصدت إصلاح دينك، فدفع إليه ألف دينار فلم يقبلها. ومن شعره وقد كثر الثوار عليه: لا تحفلنّ بما قالوا وما فعلوا ... إن كنت تسمو إلى العليا من الرّتب وجرّد السيف فيما أنت طالبه ... فما تردّ صدور الخيل بالكتب ومات غازيا بمدينة سلا في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن عمّار بن أحمد بن علي ابن عبدوس الحرّاني [2] الفقيه الحنبلي الزاهد العارف الواعظ. ولد سنة عشر- أو إحدى عشرة- وخمسمائة. وسمع ببغداد من ابن

_ [1] وذلك تشبها بجواب الملائكة المكرمين لله عزّ وجل في الآية (32) من سورة البقرة: قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 2: 32 نعوذ بالله من سوء العاقبة ونسأله تعالى أن يلهمنا حسن الختام بفضله وكرمه. [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 241- 244) و «المنهج الأحمد» (2/ 325- 328) .

ناصر وغيره، وتفقّه وبرع في الفقه، والتفسير، والوعظ، والغالب على كلامه التذكير وعلوم المعاملات. وله تفسير كبير مشحون بهذا الفنّ، وله كتاب «المذّهب في المذهب» ومجالس وعظية، فيها كلام حسن. قرأ عليه قرينه [1] أبو الفتح نصر الله بن عبد العزيز، وجالسه الشيخ فخر الدّين بن تيمية في أول اشتغاله، وقال عنه: كان نسيج وحده في علم التذكير والاطلاع على علم التفسير، وله فيه التصانيف البديعة والمبسوطات الوسيعة. وسمع منه الحديث أبو المحاسن عمر بن علي القرشي الدمشقي بحرّان، وقال: هو إمام الجامع بحرّان، من أهل الخير والصلاح والدّين. قال: وأنشدني لنفسه: سألت حبيبي وقد زرته ... ومثلي في مثله يرغب فقلت حديثك مستظرف ... ويعجب منه الذي يعجب أراك ظريفا مليح الجواب ... فصيح الخطاب فما تطلب [2] ؟ فهل فيك من خلّة تزدري ... بها الصد والهجر هل يقرب؟ فقال أما قد سمعت المقال ... مغنّية الحيّ ما تطرب؟ وقوله: قرّة عيني [3] من صدق ... بعزمه عن الصّدف

_ [1] في «آ» و «ط» : «قرنه» وفي «المنهج الأحمد» : «قريبه» وما أثبتناه من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] رواية البيت في «ذيل طبقات الحنابلة» . أراك مليح الجواب ... فصيح الخطاب فما تطلب؟ وفي «المنهج الأحمد» : أراك مليحا ظريف الجواب ... فصيح الخطاب فما تطلب؟ [3] في «آ» و «ط» : «قرة عين» وما أثبته من «المنهج الأحمد» وجعل محقق «ذيل طبقات الحنابلة» البيتين بيتا واحدا رسمه على هذا النحو: قرة عين من صدف بعزمه عن الصدف ... ثم اقتنى الدر الذي من ناله نال الشرف

ثمّ اقتنى الدّرّ الذي ... من ناله نال الشّرف توفي- رحمه الله تعالى- في آخر نهار عرفة، وقيل: ليلة عيد النحر، سنة تسع وخمسين وخمسمائة، كما جزم به ابن رجب. وفيها سديد الدولة ابن الأنباري، صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، وهو محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني [1] ، الكاتب البليغ. أقام في الإنشاء خمسين سنة، وناب في الوزارة، ونفذ رسولا، وكان ذا رأي وحزم وعقل. عاش نيفا وثمانين سنة. وكانت رسائله بديعة المعاني، متينة المباني، عذبة المجاني. ومدحته الشعراء منهم الأرّجاني بقصيدة أولها: إلى خيال خيال في الظلام سرى ... نظيره في خفاء الشخص إذ نظرا ومنها: معقرب الصّدغ تحكي نور غرّته ... بدر بدا بظلام اللّيل معتكرا مذ سافر القلب من صدري إليه هوى ... ما عاد قطّ ولم أسمع له خبرا وهو المسيء اختيارا إذ نوى سفرا ... وقد رأى طالعا في العقرب القمرا وكانت بينه وبين الحريري مكاتبات ومراسلات. وفيها الجواد جمال الدّين أبو جعفر محمد بن علي الأصبهاني [2] ، وزير صاحب الموصل أتابك زنكي. كان رئيسا نبيلا مفخّما دمث الأخلاق سمحا كريما مفضالا، متنوعا في أفعال البرّ والقرب، مبالغا في ذلك. وقد وزر أيضا لولد زنكي سيف الدّين غازي، ثم لأخيه قطب الدّين مدة، ثم قبض عليه في هذه السنة وحبسه، ومات في العام الآتي فنقل ودفن بالبقيع. ولقد حكى ابن الأثير [3] في ترجمة الجواد هذا مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 165- 166) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 350- 351) . [2] انظر «العبر» (4/ 166) . [3] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 306- 310) .

وفيها المؤيد محمد الألوسي- بفتح الهمزة وضم اللام ومهملة، نسبة إلى ألوس [1] ، ناحية عند حديثة الفرات، وقال ابن السمعاني عند طرسوس [2]- كان يتزيا بزي الأجناد، وله المعاني المبتكرة، فمن ذلك قوله في قلم: قلم يفلّ الجيش وهو عرمرم ... والبيض ما سلت من الأغماد وهبت له الآجام حين نشا بها ... كرم السيول وهيبة الآساد وما أظن أنه قيل في القلم أحسن منهما. وفيها يحيى بن سعيد النصراني. أوحد زمانه في معرفة الطب والأدب، له ستون مقامة ضاهى بها «مقامات الحريري» ومن شعره في الشيب: نفرت هند من طلائع شيبتي ... واعترتها سآمة من وجومي هكذا عادة الشياطين ينفر ... ن إذا ما بدت رجوم النّجوم وفيها أبو زكريا [3] العمراني، يحيى بن أبي الخير بن سالم اليماني، صاحب «البيان» . ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وتفقّه على جماعات، منهم زيد اليفاعي [4] ، وكان شيخ الشافعية ببلاد اليمن، وكان إماما زاهدا ورعا عالما خيّرا، مشهور الاسم، بعيد الصيت، عارفا بالفقه وأصوله، والكلام والنحو،

_ [1] وكذا ضبطت في «معجم البلدان» (1/ 246) بفتح الهمزة، وضبطها السمعاني في «الأنساب» (1/ 343) بضم الهمزة. [2] وكذلك ياقوت في «معجم البلدان» . [3] في «آ» و «ط» : «أبو الخير» وما أثبتناه من «مرآة الجنان» (3/ 318) و «غربال الزمان» ص (436) . [4] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «البقاعي» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» .

من أعرف أهل الأرض بتصانيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ويحفظ «المهذب» عن ظهر قلب، وقيل: إنه كان يقرؤه في كل ليلة، وكان ورده في كل ليلة أكثر من مائة ركعة بسبع القرآن العظيم، ورحل إليه الطلبة من البلاد، ومن تصانيفه «البيان» في نحو عشر مجلدات، وهو كاسمه، وفيه قيل: لله شيخ من بني عمران ... قد شاد قصر العلم بالأركان يحيى لقد أحيا الشريعة هاديا ... بزوائد وغرائب وبيان هو درّة اليمن الذي ما مثله ... من أول في عصرنا أوثان وكان حنبلي العقيدة، شافعي الفروع، كما قال ابن الأهدل كالآجري [1] صاحب كتاب «الشريعة» . قال ابن شهبة [2] وغيره: وله في علم الكلام كتاب «الانتصار في الرد على القدرية الأشرار» ينصر فيه عقيدته وتحامل فيه على الأشاعرة واختصر «الإحياء» وله كتاب «السؤال عما في المهذّب من الإشكال» وانتقل في آخر أمره من سير إلى ذي سفال، ثم مات بها مبطونا شهيدا، وما ترك فريضة في جملة مرضه، ونازع ليلتين، وهو يسأل عن أوقات الصلاة، ومحاسنه ومصنفاته كثيرة، رحمه الله تعالى.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «كاجري» والتصحيح من «غربال الزمان» . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 373) .

سنة تسع وخمسين وخمسمائة

سنة تسع وخمسين وخمسمائة فيها كسر نور الدّين الشهيد الفرنج، وأسر صاحب أنطاكية، وصاحب طرابلس، وفتح حارم [1] . وفيها سار أسد الدّين شير كوه من دمشق إلى مصر بأمر نور الدّين إعانة للأمير شاور، ومعه ابن أخيه صلاح الدّين يوسف بن نجم الدّين أيوب، وهو الذي صار إليه ملك مصر كما سيأتي، وكان نجم الدّين أيوب بن شاذي السعدي، وأخوه شير كوه من بلد العجم، أصلهم أكراد، وكانوا من بلد يقال له دوين، ونجم الدّين الأكبر. قدما العراق، وخدما مجاهد الدّين بهروز، ولما تمّ لزنكي أمره، ذهب إليه نور الدّين وأخوه، فلما قتل زنكي وقصد نور الدّين دمشق، كاتبهما أن يساعداه، وكانا صارا من أكابر أمراء دمشق، ووعدهما بأشياء، فساعداه على فتحها، ووفى لهما، وصارا عنده في منزلة عالية، خصوصا نجم الدّين، فلما وصل إلى مصر بالعساكر، وخرج إليهما ضرغام، فالتقوا على باب القاهرة في هذه السنة، فقتل ضرغام واستقام أمر شاور، ثم ظهر من شاور الغدر، وكتب إلى الفرنج يستنجدهم، فجاؤوا إلى بلبيس، وحصروا أسد الدّين شيركوه، ولم يقدروا عليه، خصوصا لما جاءهم الصريخ بما تمّ على دين الصليب بوقعة حارم، فصالحوا أسد الدّين، وردوا، ورجع

_ [1] انظر «دول الإسلام» (2/ 74) .

هو إلى الشام، ثم لا زالت تتنقل به وبابن أخيه الأحوال إلى أن صار ابن أخيه ملك مصر. وفيها توفي أبو سعد عبد الوهاب بن الحسن الكرماني، بقية شيوخ نيسابور. روى عن أبي بكر بن خلف، وموسى بن عمران، وأبي سهل عبد الملك الدّشتي [1] وتفرّد عنهم، وعاش تسعا وسبعين سنة. وفيها أبو المعالي الحسن [بن محمد] الوركاني [2]- بالفتح والسكون، نسبة إلى وركان، محلّة بأصبهان- الفقيه الشافعي، كان سريا مفتيا للفريقين، وله طريقة في الخلاف. وفيها السيد أبو الحسن علي بن حمزة العلوي الموسوي [3] ، مسند هراة. سمع أبا عبد الله العمري، ونجيب بن ميمون، وأبا عامر الأزدي، وطائفة، وعاش نيفا وتسعين سنة. وفيها أبو الخير الباغبان- بفتح الموحدتين وسكون المعجمة، نسبة إلى حفظ الباغ، وهو البستان- محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني [4] المقدّر. سمع عبد الوهاب بن مندة وجماعة، وكان ثقة مكثرا، توفي في شوال. وفيها الزّاغولي الحافظ محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب المروزي. كان حافظا ثقة عمدة، له

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الرسي» والتصحيح من «العبر» (4/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 339) . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 66- 67) و «النجوم الزاهرة» (5/ 365) وما بين حاصرتين زيادة منهما. [3] انظر «العبر» (4/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 394- 395) . [4] انظر «العبر» (4/ 168) و «دول الإسلام» (2/ 74) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 378) .

مؤلفات، منها مؤلّف واحد في أكثر من أربعمائة مجلد [1] . قاله ابن ناصر الدّين [2] . والزّاغولي: بضم المعجمة، نسبة إلى زاغولة، قرية من قرى بنج ديه [3] . وفيها نصر بن خلف، السلطان أبو الفضل [4] ، صاحب سجستان، عمّر مائة سنة، ملك منها ثمانين سنة، وكان عادلا حسن السيرة، مطيعا للسلطان سنجر.

_ [1] اسمه «قيد الأوابد» كما في «تذكرة الحفاظ» و «التبيان شرح بديعة البيان» . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (164/ ب) وقد جاء في ترجمته هناك أيضا مما يجد ذكره: حدّث عن محيي السّنّة البغوي، ونصر بن إبراهيم الحنفي، وعدة، وعنه أبو سعد السمعاني وغيره. وانظر «الأنساب» (6/ 221- 222) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1337- 1338) . [3] فائدة: بنج ديه: قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 498) : معناه بالفارسية الخمس قرى، وهي كذلك خمس قرى متقاربة من نواحي مرو الرّوذ، ثم من نواحي خراسان، عمّرت حتى اتصلت العمارة بالخمس قرى وصارت كالمحالّ بعد أن كانت كل واحدة مفردة، فارقتها في سنة (617) قبل استيلاء التتر على خراسان، ولا أدري إلى أي شيء آل أمرها، وقد تعرّب فيقال: فنج ديه، وينسبون إليها فنجديهي، وقد نسب إليها السمعاني خمقري من الخمس قرى نسبة، وقد يختصرون فيقولون بندهي. [4] انظر «العبر» (4/ 169) و «غربال الزمان» ص (438) .

سنة ستين وخمسمائة

سنة ستين وخمسمائة فيها وقعت فتنة هائلة بأصبهان بين صدر الدّين عبد اللطيف بن الخجندي وغيره من أصحاب المذاهب، سببها التعصب للمذاهب [1] ، فخرجوا للقتال وبقي الشرّ والقتل ثمانية أيام، قتل فيها خلق كثير، وأحرقت أماكن كثيرة. وفيها فوّض نور الدّين دمشق إلى صلاح الدّين يوسف بن أيوب، فأظهر السياسة وهذّب الأمور. وفيها فتح نور الدّين بانياس عنوة. وفيها توفي أبو العبّاس بن الحطيئة [2] أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللّخمي الفاسي، المقرئ الصالح الناسخ. ولد سنة ثمان وسبعين، وحجّ، وقرأ القراءات على ابن الفحّام، وبرع فيها، وكان لأهل مصر فيه اعتقاد كثير، توفي في المحرم ودفن بالقرافة. وفيها أمير ميران أخو السلطان نور الدّين [3] . أصابه سهم في عينه على حصار بانياس، فمات منه بدمشق، رحمه الله تعالى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «للمذهب» وما أثبتناه من «العبر» (4/ 169) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحطية» وفي «العبر» «الحطئة» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 344) وانظر التعليق عليه. [3] انظر «العبر» (4/ 169) و «النجوم الزاهرة» (5/ 367) .

وفيها أبو النّدى حسّان بن تميم الزّيّات [1] . رجل حاج صالح. روى عن نصر المقدسي، وتوفي في رجب عن بضع وثمانين سنة، وروت عنه كريمة. وفيها أبو المظفّر الفلكي [2] سعيد بن سهل، الوزير النيسابوري ثم الخوارزمي، [وزير خوارزم] شاه [3] . روى مجالس عن أحمد المديني، ونصر الله الخشنامي، وحجّ وتزهد، وأقام بدمشق بالسميساطيّة، وكان صالحا متواضعا، توفي في شوال. وفيها أبو المعمّر الهاطر حذيفة بن سعد الأزجي الوزّان [4] . روى عن أبي الفضل بن خيرون وجماعة، وتوفي في رجب. وفيها رستم بن علي بن شهريار صاحب مازندران. استولى في العام الماضي على بسطام، وقومس، واتسعت مملكته، مات في ربيع الأول، وتملّك بعده ابنه علاء الدّين حسن. وفيها عبد الله بن سعد بن الحسين بن الهاطر العطار الحنبلي، وهو حذيفة المتقدم. كان اسمه حذيفة فغيّره، وصار يكتب عبد الله. قرأ القرآن بالروايات على أبي الخطّاب بن الجرّاح وغيره، وسمع الحديث من ابن طلحة وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وحدّث، وروى عنه أبو جعفر السهروردي وغيره. توفي يوم الاثنين ثامن رجب، وصلى عليه الشيخ عبد القادر الكيلاني من الغد، ودفن بباب حرب.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 170) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 397) و «النجوم الزاهرة» (5/ 367) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العلكي» والتصحيح من «العبر» (4/ 170) و «النجوم الزاهرة» (5/ 370) . [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» . [4] انظر «العبر» (4/ 170) .

وفيها أبو الحسين اللبّاد علي بن أحمد الأصبهاني. سمع أبا بكر بن ماجة، ورزق الله التميمي وطائفة، وأجاز له أبو بكر بن خلف، وتوفي في شوال. وفيها أبو القاسم بن البزري، عمر بن محمد الشافعي جمال الإسلام، إمام جزيرة ابن عمر وفقيهها ومفتيها ومدرّسها. رحل إلى بغداد، وأخذ عن الغزالي وإلكيا [1] وجماعة، وبرع في المذهب ودقائقه، وصنّف كتابا في حلّ مشكلات «المهذّب» وكان من أهل العلم والدّين بمحلّ رفيع. قال ابن خلّكان [2] : كان أحفظ من بقي في الدّنيا على ما يقال لمذهب الشافعي، انتفع به خلق كثير، ولم يخلّف بالجزيرة مثله. ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وتوفي في أحد الربيعين. والبزري: منسوب إلى عمل البزر، وهو الدّهن من حبّ الكتان. وفيها أبو عبد الله الحرّاني محمد بن عبد الله بن العبّاس المعدّل [3] ببغداد. سمع رزق الله التميمي، وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وطراد ابن محمد [الزّينبي] ، وكان أديبا فاضلا ظريفا. توفي في جمادى الأولى. وفيها القاضي أبو يعلى الصغير الحنبلي محمد بن أبي خازم محمد ابن القاضي أبي يعلى الكبير بن الفراء البغدادي [4] شيخ المذهب، تفقّه على أبيه وعمه أبي الحسين، وكان مناظرا فصيحا مفوّها ذكيا، ولي قضاء واسط مدة، ثم عزل منها، فلزم منزله وأضرّ بأخرة.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «والكبار» وإلكيا لقب الإمام علي بن محمد بن علي الهرّاسي، وقد تقدمت ترجمته في حوادث سنة (504) انظر ص (14- 17) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 445) . [3] انظر «العبر» (4/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 352- 353) وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 353- 354) ، و «العبر» (4/ 171- 172) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 244- 250) و «المنهج الأحمد» (2/ 328- 330) .

قال ابن رجب: ولد يوم السبت لثمان عشرة من شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وسمع الحديث من أبي البركات العاقولي، وأبي علي الثّككيّ [1] وغيرهما، وأجازه الحريري صاحب «المقامات» ودرّس وناظر في شبيبته، وكان ذا ذكاء مفرط وذهن ثاقب وفصاحة وحسن عبارة [2] ، ظهر علمه في الآفاق، ورأى من تلاميذه من ناظر ودرّس وأفتى في حياته. ومما كتبه [3] إلى بعض العلماء: فلو أن للكرم [4] مقلة لكان هو إنسانها، أو للمجد [5] لغة لكان هو لسانها، أو للسؤدد دهرا لكان هو ربيع أزمانه، وللشرف عمرا لكان [هو] صفو ريعانه، وللأجواد شهبا لكان هو الشمس التي إذا ظهرت خفيت الكواكب لظهورها، وإذا تأمّلها الراؤون ردّت أبصارهم عن شعاعها ونورها. ولابن الجوزي فيه مدائح كثيرة، وله مصنفات كثيرة، منها: «المفردات» و «التعليقة» في مسائل الخلاف، و «شرح المذهب» وكتاب «النّكت والإشارات» . وقرأ عليه المذهب جماعة كثيرة، منهم أبو إسحاق الصقّال، وأبو العبّاس القطيعي، وأبو البقّال العكبري، ويحيى بن الرّبيع الشافعي، وسمع منه جماعة كثيرة أيضا، وتوفي ليلة السبت سحر خامس جمادى الأولى. وفيها أبو طالب العلويّ الشريف محمد بن محمد بن محمد بن أبي

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الثكلى» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (19/ 259) و «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] في «ط» : «حسن العبارة» . [3] في «آ» : «ومن كتبه» . [4] كذا في «آ» و «ط» : «للكرم» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «الكرم» . [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» و «المنهج الأحمد» : «المجد» .

زيد الحسني البصري [1] ، نقيب الطالبيين بالبصرة. روى عن أبي علي التّستري، وجعفر العبّاداني، وجماعة، واستقدمه [2] ابن هبيرة لسماع «السنن» [3] . توفي في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة. وفيها أبو الحسن بن التلميذ، أمين الدولة هبة الله بن صاعد المصري البغدادي، شيخ قومه وقسّيسهم- لعنهم الله- وشيخ الطب وجالينوس العصر، وصاحب التصانيف. مات في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة. قاله في «العبر» [4] . وقال صاحب «أنموذج الأعيان» : كان شيخا زيني المنظر، عذب المجتلى والمجتنى، لطيف الرّوح، ظريف الشخص، مصنّف الفكر، حازم الرأي، والله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يريد بعدله، وله لغز في ميزان: ما واحد مختلف الأسماء ... يعدل في الأرض وفي السماء يحكم بالقسط بلا مراء [5] ... أعمى يري الإرشاد كل راء أخرس لا من علّة وداء ... يغني عن التصريح بالإيماء يجيب إن ناداه ذو امتراء ... بالخفض والرّفع عن النداء يفصح إن علّق في الهواء وقوله مختلف الأسماء: يعني ميزان الشمس الأسطرلاب، وميزان الكلام النحو، وميزان الشعر العروض.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 72) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 423- 425) . [2] في «آ» و «ط» : «واستفاد به» والتصحيح من «العبر» . [3] يعني «سنن أبي داود» كما في «سير أعلام النبلاء» . [4] انظر «العبر» (4/ 172) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 354) . [5] في «وفيات الأعيان» (6/ 69) : «بلا رياء» .

وفيها ياغي [1] أرسلان بن الداشمند صاحب ملطية، جرى بينه وبين جاره قلج أرسلان حروب عديدة، ثم مات وولى بعده ابن أخيه إبراهيم بن محمد، فصالح قلج أرسلان. وفيها الوزير عون الدّين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد الشيباني [2] وزير المقتفى وابنه. ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بالسواد، ودخل بغداد شابا فطلب العلم وتفقّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وسمع الحديث، وقرأ القراءات، وشارك في الفنون، وصار من فضلاء زمانه. ثم احتاج فدخل في الكتابة، وولي مشارفة الخزانة، ثم ترقّى وولي ديوان الخواص [3] ثم استوزره المقتفي، فبقي وزيرا إلى أن مات، وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه وتواضعه ومعرفته. روى عن أبي عثمان بن ملّة وجماعة، ولما ولّاه المقتفي امتنع من لبس خلعة الحرير وحلف أن لا يلبسها، وذا شيء لا يفعله قضاة زماننا ولا خطباؤهم [4] وكان مجلسه معمورا بالعلماء والفقهاء، والبحث وسماع الحديث، شرح «صحيحي» البخاري ومسلم، وألّف كتاب «العبادات في مذهب أحمد» ومات شهيدا مسموما في جمادى الأولى، ووزر بعده شرف الدّين أبو جعفر بن البلدي. قاله في «العبر» . وقال ابن رجب [5] : صحب أبا عبد الله محمد بن يحيى الزّبيدي الواعظ الزاهد من حداثته، وكمّل عليه فنونا من العلوم الأدبية وغيرها، وأخذ عنه التأله والعبادة، وانتفع بصحبته حتّى إن الزبيدي كان يركب جملا ويعتم

_ [1] في «آ» و «ط» : «باغي» بالباء الموحدة، وما أثبته من «العبر» (4/ 172) . [2] انظر «العبر» (4/ 172- 173) . [3] في «العبر» بطبعتيه: «ديوان الخاص» . [4] في «العبر» بطبعتيه: «وخطباؤه» . [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 251- 289) .

بفوطة، ويلويها تحت حنكه، وعليه جبّة صوف، وهو مخضوب بالحناء، فيطوف بأسواق بغداد ويعظ الناس، وزمام جمله بيد [أبي المظفّر] بن هبيرة، وهو أيضا معتم بفوطة من قطن، قد لواها تحت حنكه، وعليه قميص قطن خام، قصير الكم والذيل، وكلما وصل الزّبيدي موضعا أشار ابن هبيرة بمسبحته، ونادى برفيع صوته: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. وقال ابن الجوزي: كانت له معرفة حسنة بالنحو، واللغة، والعروض، وصنّف في تلك العلوم، وكان شديدا في اتباع السّنّة وسير السلف. وقال ابن رجب: صنّف الوزير أبو المظفّر كتاب «الإفصاح عن معاني الصحاح» في عدة مجلدات، وهو شرح «صحيحي» البخاري ومسلم، ولما بلغ فيه إلى حديث: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» [1] شرح الحديث، وتكلّم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى ذكر [2] مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين، وقد أفرده الناس من الكتاب وجعلوه بمفرده مجلدة وسموه بكتاب «الإفصاح» وهو قطعة منه، وهذا الكتاب صنّفه في ولايته الوزارة، واعتنى به، وجمع عليه أئمة المذاهب، وأوفدهم من البلدان إليه لأجله، بحيث أنفق على ذلك مائة ألف دينار، وثلاثة عشر ألف دينار، وحدّث به، واجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه.

_ [1] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (71) في العلم: باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدّين، و (3116) في فرض الخمس: باب قول الله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ 8: 41 [الأنفال: 41] و (7312) في الاعتصام: باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم» ومسلم رقم (1037) (2/ 718) في الزكاة: باب النهي عن المسألة. و (1037) (175) (3/ 1524) باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم» من حديث معاوية رضي الله عنه. [2] في «آ» : «إلى أن ذكر» .

واشتغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم. واستدعاه المقتفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة إلى داره، وقلّده الوزارة، وخلع عليه، وخرج في أبهة عظيمة، ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب كلهم [1] بين يديه، وهو راكب. وحضر القراء والشعراء، وكان يوما مشهودا. وقرئ عهده، وخوطب فيه بالوزير العالم العادل عون الدّين جلال الإسلام صفي الإمام، شرف الأنام، معزّ الدولة، مجير الملّة، عماد الأمة مصطفى الخلافة، تاج الملوك والسلاطين، صدر الشرق والغرب، سيد الوزراء. وقال يوما: لا تقولوا في ألقابي سيد الوزراء، فإن الله تعالى سمّى هارون وزيرا، وجاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّ وزيريه من أهل السّماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر» [2] . وقال مرّة في وزارته: والله لقد كنت أسأل الله الدنيا لأخدم بما يرزقنيه منها العلم وأهله. وكان سبب هذا أنه ذكر في مجلسه مفردات الإمام أحمد، التي تفرّد

_ [1] لفظة «كلهم» سقطت من «ط» . [2] أقول: وذلك فيما رواه الترمذي رقم (3680) في المناقب: باب رقم (17) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وإسناده ضعيف وذكره أيضا أبو نعيم في «حلية الأولياء» (8/ 160) والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (3/ 298) والهيثمي في «مجمع الزوائد» . (9/ 51) من حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما بلفظ: «إن الله عزّ وجل أيدني بأربعة وزراء نقباء» قلنا يا رسول الله من هؤلاء الأربع؟ قال: «اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض» فقلت: من الاثنين من أهل السماء؟ قال: «جبريل وميكائيل» قلنا من الاثنين من أهل الأرض؟ قال: «أبو بكر وعمر» وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه محمد بن محبب الثقفي وهو كذاب، ورواه البزار بمعناه، وفيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول وهو كذاب، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وهذا من تساهله، رحمه الله تعالى.

بها [1] عن الثلاثة [2] فادعى أبو محمد الأشيري [3] المالكي: أنها رواية عن مالك، ولم يوافقه على ذلك أحد، وأحضر الوزير كتب مفردات أحمد، وهي منها، والمالكي مقيم على دعواه، فقال له الوزير: بهيمة أنت؟ أما تسمع هؤلاء يشهدون بانفراد أحمد بها، والكتب المصنّفة، وأنت تنازع، وتفرّق المجلس، فلما كان المجلس الثاني، واجتمع الخلق للسماع، أخذ ابن شافع في القراءة، فمنعه الوزير، وقال: كان الفقيه أبو محمد جريء في مسألة أمس على ما لا يليق به من العدول عن الأدب والانحراف عن نهج النظر، حتى قلت تلك الكلمة- أي قوله أنت بهيمة- وها أنا فليقل لي كما قلت له، فلست بخير منكم، ولا أنا إلّا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء، وأخذ الأشيري يعتذر ويقول: أنا المذنب والأولى بالاعتذار من مولانا الوزير، ويقول القصاص القصاص، فقال يوسف الدمشقي: إذا فالفداء، فقال له الوزير: له حكمه، فقال الأشيري: نعمك عليّ كثيرة، فأيّ حكم بقي لي؟ فقال: قد جعل الله لك الحكم علينا، فقال: على بقية دين منذ كنت بالشام، فقال الوزير: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته وذمتي، فأحضرت له. وقال ابن الجوزي: كان يتحدث بنعم الله عليه، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، فيقول: نزلت يوما إلى دجلة، وليس معي رغيف أعبر به. ودخل عليه يوما تركي، فقال لحاجبه: أما قلت [4] لك: أعط هذا

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مفردة للإمام أحمد تفرّد بها» ولفظة «بها» أثبتها منه وكانت في «آ» و «ط» : «لها» . [2] يعني عن الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي، رحمهم الله تعالى. [3] في «آ» : «الأشير» وفي «ط» : «الأشيري» وهو ما أثبته وهو الصواب، وانظر سير أعلام النبلاء (20/ 466) و «اللباب في تهذيب الأنساب» (1/ 68) . [4] في «آ» و «ط» : «ما قلت» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

عشرين دينارا، وكرّا [1] من الطعام، وقل له: لا تحضر هاهنا فقال: قد أعطيناه. فقال: عد وأعطه، وقل له: لا تحضر، ثم التفت إلى الجماعة فقال: هذا كان شحنة [2] في القرى، فقتل قتيل قريبا [3] من قريتنا، فأخذ مشايخ القرى وأخذني مع الجماعة، وأمشاني مع الفرس، وبالغ في أذاي وأوثقني ثم أخذ من [كل] واحد شيئا وأطلقه، ثم قال لي: أي شيء معك؟ قلت: ما معي شيء [4] [، فانتهرني، وقال: اذهب. فأنا لا أريد اليوم أذاه، وأبغض رؤيته، وذكر: أن الوزير قال:] [5] وما نقمت عليه إلّا أني سألته في الطريق أن يمهلني حسبما أصلي الفرض، فما أجابني وضربني [على رأسي وهو مكشوف عدة مقارع] [6] . وقال ابن الجوزي: كنا نجلس إلى ابن هبيرة فيملي علينا كتابه «الإفصاح» فبينا نحن كذلك إذ قدم علينا رجل ومعه رجل ادعى عليه أنه قتل أخاه، فقال له عون الدّين [7] : أقتلته؟ قال: نعم. جرى بيني وبينه كلام فقتلته، فقال الخصم: سلّمه إلينا حتّى نقتله فقد أقرّ بالقتل، فقال عون الدّين: أطلقوه ولا تقتلوه، قالوا: كيف ذلك، وقد قتل أخانا؟ قال: فتبيعونيه، فاشتراه منهم بستمائة دينار، وسلّم الذهب إليهم وذهبوا، وقال للقاتل: اقعد عندنا

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : و «كذا» والكرّ: واحد أكرار الطعام، والكرّ ستّون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. انظر «لسان العرب» (كرر) . [2] في «آ» و «ط» : «سجنه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . وانظر التعليق على «دول الإسلام» (2/ 76) . [3] في «آ» و «ط» : «قريب» . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما معي شيئا» . [5] ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» وأثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [6] ما بين حاصرتين تقدم في «آ» و «ط» إلى عدة أسطر من النص فأعدته إلى مكانه كما في «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [7] يعني ابن هبيرة، وعون الدّين لقبه كما تقدم أول الترجمة.

لا تبرح. قال: فجلس عندهم وأعطاه الوزير خمسين دينارا. قال: فقلنا للوزير: لقد أحسنت إلى هذا وعملت معه أمرا عظيما وبالغت في الإحسان إليه. فقال الوزير: منكم أحد يعلم أن عيني اليمنى لا أبصر بها شيئا؟ فقلنا: معاذ الله، فقال: بلى والله. أتدرون ما سبب ذلك؟ قلنا: لا. قال: هذا الذي خلّصته من القتل جاء إليّ وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه أقرأ فيه ومعه سلّة فاكهة، فقال: احمل هذه السلّة، قلت له: ما هذا شغلي فاطلب غيري، فشاكلني، ولكمني، فقلع عيني ومضى، ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا. فذكرت ما صنع بي فأردت أن أقابل إساءته إليّ بالإحسان مع القدرة. وقال صاحب سيرته: كنا عنده يوما والمجلس غاص بولاة الدّين والدّنيا، والأعيان [1] الأماثل، وابن شافع يقرأ عليه الحديث، إذ فجأنا من باب السّتر وراء ظهر الوزير صراخ بشع وصياح مرتفع، فاضطرب له المجلس، فارتاع الحاضرون والوزير ساكن ساكت، حتى أنهى ابن شافع قراءة الإسناد ومتنه، ثم أشار الوزير إلى الجماعة أن على رسلكم، وقام ودخل السّتر، ولم يلبث أن خرج فجلس وتقدم بالقراءة، فدعا له ابن شافع والحاضرون، وقالوا: قد أزعجنا ذلك الصياح، فإن رأى مولانا أن يعرّفنا سببه؟ فقال الوزير: حتى ينتهي المجلس، وعاد ابن شافع إلى القراءة حتّى غابت الشمس وقلوب الجماعة متعلقة بمعرفة الحال، فعاودوه، فقال: كان لي ابن صغير مات حين سمعتم الصياح عليه ولولا تعين الأمر عليّ بالمعروف في الإنكار عليهم ذلك الصياح لما قمت عن مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعجب الحاضرون من صبره. وقال في كتابه «الإفصاح» في الخضر الذي لقيه موسى عليه السّلام:

_ [1] في «آ» و «ط» : «وأعيان» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

قيل: كان ملكا وقيل بشرا وهو الصحيح، ثم قيل: إنه عبد صالح ليس بنبيّ وقيل: بل نبيّ هو الصحيح. والصحيح عندنا أنه حيّ، وأنه يجوز أن يقف على باب أحدنا مستعطيا له، أو غير ذلك. وقال ابن الجوزي: أنشدنا لنفسه: يلذّ بهذا العيش من ليس يعقل ... ويزهد فيه الألمعيّ المحصّل ما عجب نفس أن ترى الرأي إنما ال ... عجيبة نفس مقتضى الرأي تفعل إلى الله أشكو همّة دنيوية ... ترى النصّ إلّا أنها تتأوّل ينهنهها موت الشباب فترعوي ... ويخدعها روح الحياة فتغفل وفي كل جزء ينقضي من زمانها ... من الجسم جزء مثله يتحلل فنفس الفتى في سهوها وهي تنقضي ... وجسم الفتى في شغله وهو يعمل قال: وأنشدنا لنفسه: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع قال: وأنشدنا لنفسه أيضا: الحمد لله هذا العين لا الأثر ... فما الذي باتّباع الحقّ ينتظر وقت يفوت وأشغال معوّقة ... وضعف عزم ودار شأنها الغير والنّاس ركضى إلى مهوى مصارعهم ... وليس عندهم من ركضهم خبر تسعى بها خادعات من سلامتهم ... فيبلغون إلى المهوى وما شعروا والجهل أصل فساد النّاس كلهم ... والجهل أصل عليه يخلق البشر وإنما العلم عن ذي الرشد يطرحه ... كما عن الطفل يوما تطرح السّرر وأصعب الداء داء لا يحس به ... كالدّقّ يضعف حسّا وهو يستعر وإنما لم يحسّ المرء موقعها [1] ... لأن أجزاءه قد عمّها الضرر

_ [1] في «آ» و «ط» : «وإنما لم تحس النفس موبقها» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

وذكر ياقوت الحموي في «معجمه» بإسناد له أن الوزير عرضت عليه جارية فائقة الحسن، وأظهر له في المجلس من أدبها وحسن كتابتها وذكائها وظرفها ما أعجبه، فأمر فاشتريت له بمائة وخمسين دينارا، وأمر أن يهيأ لها منزل وجارية، وأن يحمل لها من الفرش والآنية والثياب ما تحتاج إليه، ثم بعد ثلاثة أيام جاءه الذي باعها وشكا له ألم فراقها، فضحك وقال له: لعلك تريد ارتجاع الجارية؟ قال: إي والله، وهذا الثمن بحاله لم أتصرف فيه وأبرزه، فقال الوزير: ولا نحن تصرفنا في المثمّن، ثم قال لخادمه: ادفع إليه الجارية وما عليها وجميع ما في حجرتها، ودفع إليه الخرقة التي فيها الثمن، وقال استعينا به على شأنكما، فأكثرا من الدعاء له، فأخذها وخرج. وحكي عنه أنه كان إذا مدّ السماط أكثر ما يحضره الفقراء والعميان، فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا، بقي رجل ضرير يبكي ويقول: سرقوا متاعي وما لي غيره، وو الله ما أقدر على ثمن مداس، فقام الوزير من مجلسه، ولبس مداسه وجاء إلى الضرير، فوقف عنده وخلع مداسه والضرير لا يعرف، وقال له: البس هذا وأبصره قدر رجلك؟ فلبسه وقال: نعم كأنه مداسي، ومضى الضرير ورجع الوزير إلى مجلسه وهو يقول: سلمت منه أن يقول: أنت سرقته. وأخبار الوزير- رحمه الله تعالى- ومناقبه كثيرة جدا. وقد مدحه الشعراء فأكثروا. منهم الحيص بيص، وابن بختيار الأبله، وابن التّعاويذي، والعماد الكاتب، وخلق كثير. قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسف على ما مضى من زمانه، ويندم على ما دخل فيه، ثم صار يسأل الله عزّ وجلّ الشهادة، ونام ليلة الأحد ثالث عشر جمادى الأولى في عافية، فلما كان وقت السحر، حضر طبيب كان يخدمه، فسقاه شيئا، فيقال: إنه سمّ فمات، وسقي الطبيب بعده بنحو ستة

أشهر سما، فكان يقول: سقيت كما سقيت. وحملت جنازة الوزير إلى جامع القصر وصلّي عليه، ثم حمل إلى مدرسته التي أنشأها بباب البصرة، فدفن بها، وغلّقت يومئذ أسواق بغداد، وخرج جمع لم نره لمخلوق قطّ، وكثر البكاء عليه، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

سنة إحدى وستين وخمسمائة

سنة إحدى وستين وخمسمائة فيها ظهر ببغداد الرفض والسبّ وعظم الخطب. وفيها أخذ نور الدّين من الفرنج حصن صافيتا [1] . وفيها توفي القاضي الرشيد أبو الحسن أحمد بن القاضي الرشيد أبي الحسن علي الغسّاني الأسواني- بضم الهمزة على الصحيح-[2] الشافعي كان من ذوي الفضل والرئاسة- وأسوان قرية بصعيد مصر- وله ديوان شعر ومصنفات، ولأخيه القاضي المهذّب ديوان شعر أيضا، والمهذّب أشعر، والرشيد أعلم بسائر الفنون. قتله الوزير شاور ظلما، وذلك أنه لما دخل اليمن رسولا، مدح ملوكها فقال في علي بن حاتم الهمداني قصيدته التي يقول فيها: وإن جهلت حقّي زعانف خندف ... فقد عرفت فضلي غطاريف همدان

_ [1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (117/ ب) . وفي جميع المصادر الأخرى التي بين يدي: «حصن المنيطرة» انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 322) و «الروضتين في أخبار الدولتين» (1/ 141) و «دول الإسلام» (2/ 75) وتصحفت «المنيطرة» فيه إلى «المنيظرة» بالظاء فتصحح، و «العبر» (4/ 174) و «البداية والنهاية» (12/ 251) . قال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 217) : المنيطرة- مصغر بالطاء المهملة-: حصن بالشام قريب من طرابلس. [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 160- 164) و «مرآة الجنان» (3/ 367- 369) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 116- 118) و «غربال الزمان» ص (442- 443) وسيكرر المؤلف ترجمته في السنة التالية فتنبه.

فكتب بذلك داعي الإسماعيلية إلى صاحب مصر، فأخذ جميع موجودة ثم قتله شاور. وفيها الحسن بن علي القاضي المهذّب [1] ، صنّف كتاب «الأنساب» في عشرين مجلدا، ومن شعره: أقصر فديتك عن لومي وعن عذلي ... أولا فخذ لي أمانا من ظبا المقل من كلّ طرف مريض الجفن ينشد لي [2] ... يا ربّ رام بنجد من بني ثعل إن كان فيه لنا وهو السقيم شفا ... فربما صحّت الأجساد بالعلل وفيها الحسن بن العبّاس [3] الأصفهاني [4] ، الشيخ الصالح، كان كثير البكاء، ولم يكن بأصبهان أزهد منه. قال: وقفت على علي بن ماشاذه [5] وهو يتكلم على الناس، فلما كان الليل رأيت ربّ العزة في المنام، فقال: يا حسن [6] ! وقفت على مبتدع وسمعت كلامه، لأحرمنك النظر في الدّنيا، فاستيقظ وعيناه مفتوحتان لا يبصر بهما شيئا، ومات. قال الحميدي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: من وقّر صاحب بدعة

_ [1] انظر «فوات الوفيات» (1/ 337- 341) . [2] في «فوات الوفيات» : «ينشدني» . [3] في «آ» و «ط» : «الحسن بن عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [4] انظر «المنتظم» (10/ 219) و «الكامل في التاريخ» (11/ 323) و «العبر» (4/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 432- 435) و «الوافي بالوفيات» (12/ 61) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 64) و «البداية والنهاية» (12/ 251) . [5] في «آ» و «ط» : «علي ابن شاده» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 434) و (17/ 297) و «ما شاذة» لقب عرف به والده واسمه محمد. انظر «ذكر أخبار أصبهان» (2/ 24) . [6] في «آ» و «ط» : «يا أبا حسين» وما أثبته من «المنتظم» (10/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 434) .

أورثه الله تعالى العمى قبل موته. وفيها الحسن بن عبّاس الأصبهاني [1] ، الفقيه الشافعي، مسند أصبهان. سمع أبا عمرو ابن مندة، ومحمود الكوسج، وطائفة، وتفرّد ورحل إليه، وكان زاهدا ورعا بكاء خاشعا فقيها مفتيا [2] محقّقا، تفقّه به جماعة. وفيها عبد الله بن رفاعة بن غدير الشافعي أبو محمد السّعدي المصري [3] قاضي الحيرة. كان فقيها ماهرا في الفرائض والمقدرات، صالحا ديّنا، تفقّه على القاضي الخلعي ولازمه، وهو آخر من حدّث عنه، ثم ترك القضاء واعتزل في القرافة مشتغلا بها بالعبادة. قال في «العبر» : توفي في ذي القعدة، عن أربع وتسعين سنة كاملة، وقد ولي القضاء بمصر وطلب أن يعفى فأعفي. وفيها أبو محمد الأشيري- كالكريمي، نسبة إلى أشير، حصن بالمغرب- عبد الله بن محمد المقرئ الصنهاجي [4] الفقيه المالكي الحافظ. روى عن أبي الحسن الجذامي، والقاضي عياض، وكان عالما بالحديث وطرقه، وبالنحو، واللغة، والنسب، كثير الفضائل، وقبره ظاهر ببعلبك. وفيها أبو طالب بن العجمي، عبد الرحمن بن الحسن الحلبي [5] ، الفقيه الشافعي، تفقّه ببغداد على الشّاشي، وأسعد الميهني، وسمع من ابن بيان، وله بحلب مدرسة كبيرة، عاش إحدى وثمانين سنة، ومات في شعبان. وفيها الشيخ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست بن أبي عبد الله [بن] عبد الله بن يحيى بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله

_ [1] تنبيه: هذه الترجمة مكررة عن التي سبقتها، ولم ينتبه لذلك المؤلف رحمه الله تعالى. [2] في «آ» : «نقيبا» . [3] انظر «العبر» (4/ 174- 175) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 54) . [4] انظر «العبر» (4/ 174- 175) و «مرآة الجنان» (3/ 347) و «النجوم الزاهرة» (5/ 372) . [5] انظر «العبر» (4/ 175) .

ابن موسى الحوزي بن عبد الله المحصن بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الجيلاني [1] ، نسبة إلى جيل، وهي بلاد متفرقة من وراء طبرستان، وبها ولد، ويقال لها أيضا جيلان وكيلان. وهو سبط أبي عبد الله الصومعي من جلّة مشايخ جيلان، أمّه أم الخير بنت أبي عبد الله، وأخوه الشيخ أبو أحمد عبد الله أصغر منه سنا، نشأ في العلم والخير، ومات بجيلان شابا وعمته الصالحة أم عائشة استسقى بها أهل جيلان فلم يسقوا، فكنست رحبة بيتها وقالت: يا ربّ كنّست رحبة بيتي فرّش أنت، فمطروا كأفواه القرب. كان شيخ الشيوخ الشيخ عبد القادر نحيف الجسم، عريض الصدر، عريض اللّحية، أسمر، مدور الحاجبين، ذا صوت جهوريّ وسمت بهيّ. ولما ترعرع وعلم [2] أن طلب العلم فريضة، شمّر ساق الاجتهاد في تحصيله، وسارع في تحقيق فروعه وأصوله، بعد أن اشتغل بالقرآن حتّى أتقنه. ثم تفقّه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، على أبي الوفاء بن عقيل، وأبي الخطّاب، وأبي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى، والمبارك المخرّمي. وسمع الحديث من جماعة، وعلوم الأدب من آخرين. وصحب حماد الدبّاس، وأخذ عنه علم الطريقة بعد أن لبس الخرقة من

_ [1] انظر «المنتظم» (10/ 219) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (304- 307) طبع مؤسسة الرسالة، و «سير أعلام النبلاء» (20/ 439- 451) و «فوات الوفيات» (2/ 373- 374) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 290- 301) ولفظة «ابن» التي بين حاصرتين مستدركة منه، و «الأعلام» للزركلي (4/ 47) وفيه: «عبد القادر بن موسى» . [2] لفظة «وعلم» سقطت من «آ» .

أبي سعد المبارك المخرّمي، وفاق أهل وقته في علوم الديانة، ووقع له القبول التّام، مع القدم الراسخ في المجاهدة وقطع دواعي الهوى والنفس. ولما أراد الله إظهاره أضيف إلى مدرسة أستاذه أبي سعد [1] المخرّمي، فعمرها وما حولها، وأعانه الأغنياء بأموالهم والفقراء بأنفسهم، فكملت في سنة ثمان وعشرين، ثم تصدّر فيها للتدريس، والوعظ، والتذكير، وقصد بالزيارات والنذور من الآفاق، وصنّف وأملى، وسارت بفضله الركبان، ولقب بمجمع الفريقين، وموضح الطريقين، وكريم الجدّين، ومعلّم العراقين، وتلمذ له أكثر الفقهاء في زمنه، ولبس منه الخرقة المشايخ الكبار، وصار قطب الوجود، وأكبر شيوخ اليمن وغيرها تنتسب إليه، وكراماته تخرج عن الحدّ وتفوت الحصر والعدّ، وله نظم فائق رائق. وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم معظم اليهود والنصارى على يديه. قال الشيخ موفق الدّين- وقد سئل عن الشيخ عبد القادر-: أدركناه في آخر عمره، فأسكننا مدرسته، إلى أن قال: ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدا يعظمه الناس من أجل الدّين أكثر منه. وقال الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام: ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلّا الشيخ عبد القادر. وقال ابن النجار: قال الشيخ عبد القادر: فتشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أودّ لو كانت الدّنيا بيدي فأطعمها الجياع. وقال: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجاب عن ربّك، ما دمت

_ [1] أقول: وهو المبارك بن علي شيخ الحنابلة، توفي سنة (513) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 428) (ع) .

ترى الخلق لا ترى نفسك، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربّك. وقال ابن السمعاني: هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح ديّن خيّر، كثير الذّكر، دائم الفكر، سريعة الدمعة، كتبت عنه، وكان يسكن بباب الأزج في المدرسة التي بنيت له. وقال ابن رجب [1] : ظهر الشيخ عبد القادر للناس، وجلس للوعظ بعد العشرين وخمسمائة، وحصل له القبول التام من الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه، وانتفعوا [به و] بكلامه، وانتصر أهل السّنّة بظهوره، واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته، وهابه الملوك فمن دونهم. وصنّف الشّطنوفي [2] المصري في أخبار عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات، ذكر فيه بإسناده إلى موسى ابن الشيخ عبد القادر قال: سمعت والدي يقول: خرجت في بعض سياحاتي إلى البرّيّة ومكثت أياما لا أجد ماء فاشتد بي العطش، فأظلّتني سحابة ونزل عليّ منها شيء يشبه النّدى فرويت، ثم رأيت نورا أضاء به الأفق، وبدت لي صورة، ونوديت منها يا عبد القادر أنا ربّك وقد حللّت لك المحرمات- أو قال ما حرّمت على غيرك- فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا لعين، فإذا ذلك النور ظلام وتلك الصورة دخان، ثم خاطبني وقال: يا عبد القادر نجوت مني بعلمك بحكم ربّك وقوتك في أحوال منازلاتك، ولقد أضللت بهذه الواقعة سبعين من أهل

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 291- 292) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] في «آ» : «الصطنوفي» وفي «ط» : «السطيوفي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 585) و «الدرر الكامنة» (4/ 167) و «حسن المحاضرة» (1/ 506) و «الأعلام» (5/ 34) وهو علي بن يوسف بن حريز اللّخمي الشّطنوفي، شيخ الإقراء بالديار المصرية في عصره. مات سنة (713) هـ، واسم كتابه الذي ألمح إليه المؤلف «بهجة الأسرار ومعادن الأنوار» وهو مطبوع كما ذكر الزركلي رحمه الله.

الطريق، فقلت: لربّي الفضل والمنّة. قال: فقيل له: كيف علمت أنه شيطان؟ قال: بقوله: قد حلّلت لك المحرمات. وذكر فيه أيضا الحكاية المعروفة عن الشيخ عبد القادر أنه قال قدمي هذه على رقبة كل وليّ لله، ساقها عنه من طرق متعددة. قال ابن رجب: أحسن ما قيل في هذا الكلام ما ذكره السهروردي في «عوارفه» أنه من شطحات الشيوخ التي لا يقتدى بهم فيها، ولا تقدح في مقاماتهم ومنازلهم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلّا المعصوم [صلى الله عليه وسلم] . وقال ابن رجب أيضا: وكان الشيخ عبد القادر متمسكا في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسّنّة، مبالغا في الردّ على من خالفها. قال في كتابه «الغنية» [1] المشهور: وهو بجهة العلو، مستو على العرش، محتو على الملك، يحيط [2] علمه بالأشياء إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 [فاطر: 10] . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ من السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 32: 5 [السجدة: 5] ولا يجوز وصفه بأنه في كلّ مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] وذكر آيات وأحاديث إلى أن قال: وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش. قال: وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كلّ نبيّ أرسل بلا كيف. وذكر كلاما طويلا، وذكر نحو هذا في سائر الصفات. وذكر الشيخ أبو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري، الشاعر المشهور،

_ [1] انظر «الغنية» (1/ 54- 55) مصورة دار الألباب بدمشق، ولكن نقل المؤلف عن «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 296) ووقع في النقل عند ابن رجب تصرف واختصار. [2] في «الغنية» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «محيط» .

عن شيخه العارف علي بن إدريس، أنه سأل الشيخ عبد القادر فقال: يا سيدي هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ فقال: ما كان، ولا يكون. انتهى ما أورده [1] ابن رجب. ونقل عن الشيخ عبد القادر أنه قال: كنت أقتات الخرنوب والشوك، وقامة البقل، وورق الخس من جانب النهر والشطّ، وبلغت بي الضائقة في غلاء نزل ببغداد إلى أن بقيت أياما لم آكل فيها طعاما، بل كنت أتتبع المنبوذات أطعمها، فخرجت يوما من شدة الجوع إلى الشطّ لعلي أجد ورق الخس أو البقل أو غير ذلك، فأتقوت به، فما ذهبت إلى موضع إلّا وغيري قد سبقني إليه، وإذا وجدت الفقراء يتزاحمون عليه فأتركه حياء، فرجعت أمشي وسط البلد فلا أدرك منبوذا إلّا وقد سبقت إليه، حتى وصلت إلى مسجد بسوق الريحانيين ببغداد، وقد أجهدني الضعف وعجزت عن التماسك، فدخلت إليه وقعدت في جانب منه، وقد كدت أصافح الموت، إذ دخل شاب أعجمي ومعه خبز رصافي وشواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلما رفع يده باللقمة أن أفتح في من شدة الجوع، حتّى أنكرت ذلك على نفسي وقلت: ما هذا! إذ التفت إليّ العجمي فرآني، فقال: باسم الله يا أخي، فأبيت، فأقسم عليّ، فبادرت نفسي فخالفتها، وأقسم أيضا فأجبته، فأكلت، فأخذ يسائلني من أين أنت وبمن تعرف؟ فقلت: أنا متفقّه من جيلان، فقال: وأنا من جيلان، فهل تعرف شابا جيلانيا يسمى عبد القادر يعرف بأبي عبد الله الصومعي الزاهد؟ فقلت: أنا هو، فاضطرب وتغير وجهه، وقال: والله لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك فلم يرشدني أحد، ونفدت نفقتي، ولي ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلّا مما كان لك معي، وقد حلّت لي الميتة، وأخذت من وديعتك هذا الخبز والشواء، فكل طيبا، فإنما هو لك وأنا ضيفك

_ [1] في «ط» : «ما أورد» .

الآن بعد أن كنت ضيفي، فقلت له: وما ذاك؟ فقال: أمّك وجهت لك معي ثمانية دنانير، فاشتريت منها هذا للاضطرار وأنا معتذر إليك، فسكّنته وطيّبت نفسه، ودفعت إليه باقي الطعام وشيئا من الذهب برسم النفقة فقبله وانصرف. قال: وكنت أشتغل بالعلم فيطرقني الحال فأخرج إلى الصحارى ليلا أو نهارا وأصرخ وأهج على وجهي، فصرخت ليلة فسمعني العيّارون ففزعوا، فجاؤوا فعرفوني، فقالوا: عبد القادر المجنون أفزعتنا، وكان ربما أغشي عليّ فيلفوني ويحسبون أني مت من الحال التي تطرقني. وربما أردت الخروج من بغداد فيقال لي: ارجع فإن للناس فيك منفعة. وقال ابن النجار: سمعت عبد الرزاق [1] بن الشيخ عبد القادر يقول: ولد والدي تسعا وأربعين ولدا، سبع وعشرون ذكورا، والباقي إناث. ومات الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى بعد عتمة ليلة السبت عاشر ربيع الآخر، وفرغ من تجهيزه ليلا، وصلى عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه وتلامذته، ثم دفن في رواق مدرسته ولم يفتح باب المدرسة حتّى علا النهار، وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته، وكان يوما مشهودا. انتهى. وبلغ تسعين سنة.

_ [1] تحرف في «ط» إلى «عبد الرزاق» .

سنة اثنتين وستين وخمسمائة

سنة اثنتين وستين وخمسمائة فيها سار أسد الدّين شيركوه المسير الثاني إلى مصر بمعظم جيش نور الدّين، فنازل الجزيرة شهرين، واستنجد وزير مصر شاور بالفرنج، فدخلوا في النيل من دمياط، والتقوا، فانتصر أسد الدّين وقتل ألوف من الفرنج. قال ابن الأثير [1] : هو من أعجب ما ورّخ، أنّ ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج. وقال في «العبر» : ثم استولى أسد الدّين على الصعيد وتقوّى بخراجها، وأقامت الفرنج بالقاهرة حتى استراشوا [2] ، ثم قصدوا الإسكندرية وقد أخذها صلاح الدّين، فحاصروه أربعة أشهر، ثم كرّ أسد الدّين منجدا له، فترحلت الملاعين [بعد أن استقرّ لهم بالقاهرة شحنة وقطيعة مائة ألف دينار في العام] [3] وصالح شاور أسد الدّين على خمسين ألف دينار أخذها ونزل إلى الشام. وفيها على الصحيح، توفي أحمد بن علي الغسّاني الأسواني، عرف

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 326) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» (4/ 176) . [2] في «الكامل في التاريخ» : «وأما المصريون والفرنج فإنهم عادوا واجتمعوا على القاهرة، وأصلحوا حال عساكرهم، وجمعوا وساروا إلى الإسكندرية ... » . [3] ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» وأثبته من «العبر» .

بالرشيد- وتقدم الكلام عليه في السنة الماضية [1] والصحيح وفاته هنا- الكاتب الشاعر الفقيه، النحويّ اللغويّ، المنطقي المهندس، الطبيب الموسيقي المنجم. كان مفتيا وألّف تآليف التحق فيها بالأوائل، منها كتاب «منية الألمعي وبينة المدّعي» يشتمل على علوم كثيرة، ومنها «المقامات» على نسق «مقامات» الحريري، وغير ذلك. قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : وكان مع جلالته أسود الجلد، ذا شفة غليظة، سمج الخلق، قصيرا. حكى ياقوت عنه أنه انقطع عن أصحابه يوما، فحكى لهم أنه مرّ بموضع وإذا امرأة شابة حسنة نظرت إليه نظر مطمع له في نفسها، فتوهم أنه وقع منها بموقع، فأشارت إليه بطرفها، فتبعها حتى دخلت دارا، وأشارت إليه فدخل، وكشفت عن وجهها، فإذا هي كالقمر ليلة تمامه، ثم نادت يا ست الدّار، فنزلت إليها طفلة كفلقة القمر، فقالت لها: إن عدت تبولين في الفراش خلّيت سيدنا القاضي يأكلك، ثم قالت: لا أعدمني الله فضلك يا سيدنا القاضي، فخرجت وأنا خزيان. قال فيه محمود بن قادوس: إن قلت من نار خلق ... ت وفقت كلّ النّاس فهما قلنا صدقت فما الذي ... أطفاك [2] حتّى صرت فحما ذهب رسولا إلى اليمن فأقام وتولى القضاء بها، وضربت له السكة على الوجه الواحد قل هو الله أحد وعلى الآخر الإمام أبو الخير [3] أحمد، ثم قبض عليه وأنفذ مكبلا في الحديد إلى قوص، فحبسه ابن طرخان في المطبخ، ثم ورد كتاب الصالح بالإحسان إليه وأحضره مكرّما، فلما نزل شيركوه

_ [1] انظر ص (327- 328) من هذا المجلد. [2] في «وفيات الأعيان» (1/ 163) : «أضناك» . [3] المعروف أن كنيته «أبو الحسن» انظر ذلك في ترجمته ص (327) .

بالإسكندرية خرج بين يدي صلاح الدّين وقاتل بين يديه، وبلغ ذلك شاور فطلبه، فلما حضر أركبه على جمل وعلى رأسه طرطور ووراؤه نفاط ينادي عليه والرشيد ينشد: إن كان عندك يا زمان بقيّة ... ممّا تهين به الكرام فهاتها ثم يتلو القرآن، ثم أمر به أن يصلب شنقا، فلما أحضر للشنق جعل يقول للذي تولى [1] ذلك عجّل عجّل فلا رغبة لكريم في حياة بعد هذه الحال، فصلب ثم بعد حين قتل شاور، فلما أرادوا دفنه حفروا له قبرا فوجدوا الرشيد مدفونا فيه، فدفنا معا، ثم نقل كل واحد منهما إلى تربة بالقرافة. وكان الساعي في صلبه الفقيه عمارة اليمني، وقال: هذا أبو الفتن، ثم إن الفقيه عمارة صلب كما سيأتي، فإن المجازاة من جنس العمل، والمرء مقتول بما قتل به، ولما كان باليمن كتب إليه أخوه المهذّب: يا ربع أين ترى الأحبة يمموا ... هل أنجدوا من بعدنا أم أتهموا نزلوا من العين السّواد وإن نأوا ... ومن الفؤاد مكان ما أتكلّم رحلوا وفي القلب المعنّى بعدهم ... وجد على مرّ الزّمان مخيم رحلوا وقد لاح الصّباح وإنّما ... تسري إذا جنّ الظّلام الأنجم وهي طويلة. فأجابه الرشيد: رحلوا فلا خلت المنازل منهم ... ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم ... وضياء نور الشّمس ما لا يكتم وتبدّلوا أرض العقيق عن الحمى ... روّت جفوني أي أرض يمّموا نزلوا العذيب وإنما هي مهجتي ... نزلوا وفي قلبي المعنّى خيّموا

_ [1] في «ط» : «يولى» .

ما ضرّهم لو ودّعوا من أودعوا ... نار الغرام وسلّموا من أسلموا هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا ... أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهموا لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى ... أني حفظت العهد لمّا خنتم فأقمت حين ظعنتم وعدلت لم ... اجرتم وسهرت لمّا بنتم وفيها خطيب دمشق أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الدمشقي [1] الفقيه الشافعي. درّس بالغزالية والمجاهدية، وبنى له نور الدّين مدرسته التي عند باب الفرج، فدرّس بها، وتعرف الآن بالعمادية لأنه درّس بها بعده العماد الكاتب فاشتهرت به. قرأ على أبي الوحش سبيع، صاحب الأهوازي، وسمع من أبي الحسن بن الموازيني، وأخذ عنه ابن عساكر، وقال: كان سديد الفتوى، واسع الحفظ، ثبتا في الرواية، ذا مروءة [2] ظاهرة. وكان عالما بالمذهب ويتكلم في الأصول والخلاف. مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بباب الفراديس. وفيها عبد الجليل بن أبي أسعد الهروي أبو محمد المعدّل [3] ، مسند هراة، تفرّد بالرواية عن عبد الرحمن كلار، وغيره، وعاش اثنتين وتسعين سنة، وهو أكبر شيخ للحافظ عبد القادر الرّهاوي. وفيها الحافظ أبو سعد السّمعاني تاج الإسلام عبد الكريم بن محمد ابن منصور المروزي [4] الشافعي، محدّث المشرق، وصاحب التصانيف

_ [1] انظر «العبر» (4/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 592) و «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (8/ 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 109) . [2] في «آ» و «ط» : «ذا ثروة ظاهرة» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «مختصر تاريخ دمشق» . [3] انظر «العبر» (4/ 177- 178) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 451- 452) . [4] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (308- 310) طبع مؤسسة الرسالة، و «العبر» (4/ 178- 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 456- 465) .

الكثيرة، والفوائد الغزيرة، والرحلة الواسعة، عمل معجم شيوخه في عشر مجلدات كبار. قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد. قال: وكان ظريفا حافظا، واسع الرحلة، صدوقا ثقة، ديّنا، جميل السيرة، مليح التصانيف. وسرد ابن النجار تصانيفه، وذكر أنه وجدها بخطه، فمنها «الذيل على تاريخ الخطيب» أربعمائة طاقة، «تاريخ مرو» خمسمائة طاقة، «طراز الذّهب في أدب الطلب» مائة وخمسون طاقة، وغير ذلك. انتهى. ولد في شعبان سنة ست وخمسمائة، وتوفي في غرّة ربيع الأول بمرو. وفيها أبو شجاع البسطاميّ عمر بن محمد بن عبد الله [1] الحافظ المفسّر الواعظ المفتي الأديب المتفنّن، وله سبع وثمانون سنة. سمع أبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي وجماعة، وانتهت إليه مشيخة بلخ، وتفقّه عليه جماعة، مع الدّين والورع. تفرّد برواية «الشمائل» و «مسند الهيثم ابن كليب [2] » . ومن تصانيفه كتاب «لقطات العقول» . وفيها قيس بن محمد بن عاصم السّويقي الأصبهاني [3] المؤذن الصوفي. رحل وسمع ببغداد من أبي غالب بن الباقلاني، وابن الطيوري، وجماعة. وفيها ابن اللحّاس أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد بن

_ [1] انظر «العبر» (4/ 178- 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 452- 454) . [2] في «آ» و «ط» : «مسند الهيثم وابن كليب» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (73) طبع دار البشائر الإسلامية. [3] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 491- 492) .

الجبّان [1] الحريمي العطّار [2] . سمع من طراد وطائفة، وهو آخر من روى بالإجازة عن أبي القاسم بن البسري، وكان صالحا ثقة ظريفا لطيفا، توفي في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. وفيها محمد بن الحسن بن حمدون [3] صاحب «التذكرة الحمدونية» . ولّاه المستنجد ديوان الزّمام، ووقف المستنجد على كتابه فوجد فيه حكايات توهم غضاضة من الدولة، فأخذ من دست منصبه وحبس إلى أن رمس [4] . وفيها أبو طالب بن خضير المبارك بن علي البغدادي الصّيرفيّ [5] المحدّث. كتب الكثير عن أبي الحسن بن العلّاف وطبقته، وبدمشق عن هبة الله بن الأكفاني، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في ذي الحجة. وفيها مسند الآفاق مسعود الثقفيّ الرئيس المعمّر أبو الفرج بن الحسن بن الرئيس المعتمد أبي عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني [6] رحلة العصر [7] ، توفي في رجب وله مائة سنة. أجاز له عبد الصمد بن المأمون، وأبو بكر الخطيب، وسمع من جدّه، وعبد الوهاب بن مندة، وطبقتهما. وفيها هبة الله الحسن بن هلال الدقّاق [8] مسند العراق البغدادي. سمع عاصم بن الحسن، وأبا الحسن الأنباري، وعمّر نحوا من تسعين سنة. توفي في المحرم، وكان شيخا لا بأس به، متدينا. قاله في «العبر» .

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن الحيان» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [2] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 465- 466) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) و «النجوم الزاهرة» (5/ 374- 375) . [4] أي: إلى أن دفن. [5] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 487- 489) . [6] انظر «العبر» (4/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 469- 471) . [7] في «العبر» بطبعتيه: «مسند العصر ورحلة الآفاق» . [8] انظر «العبر» (4/ 180) و «دول الإسلام» (2/ 76) .

وفيها الصائن العساكري [1] هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن الحسين الدمشقي [2] الحافظ الفقيه الشافعي. كان ثقة عمدة، وجزم ابن ناصر الدّين بوفاته في التي بعدها. قال في «بديعته» : ساد الفقيه الصّاين العساكري ... ثناؤه ذا جامع المآثر [3]

_ [1] تنبيه: كذا سماه المؤلف «العساكري» وقد أخذ ذلك عن منظومة ابن ناصر الدّين المسماة: «بديعة البيان عن موت الأقران» وإنما سماه ابن ناصر الدّين فيها كذلك مراعاة لوزن البيت، وأما اسمه في «طبقات الشافعية» للإسنوي و «التبيان شرح بديعة البيان» فهو: «هبة الله بن الحسن ابن هبة الله بن عساكر» . [2] انظر «العبر» (4/ 184) وقد ذكره في حوادث سنة (563) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 215) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (166/ آ) . [3] قلت: وفي هذه السنة على الصواب مات ابن حمدون صاحب «التذكرة» . محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون أبو المعالي بن أبي سعد، الكاتب المعدّل، الملقب كافي الكفاة. وقد وهم الإمام الذهبي في «العبر» فذكره في عداد وفيات سنة (608 هـ) وتبعه الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (13/ 62- 63) والمؤلف ابن العماد، فتنبه. انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) و «فوات الوفيات» (3/ 323- 324) و «الوافي بالوفيات» (2/ 357) و «الأعلام» (6/ 85) .

سنة ثلاث وستين وخمسمائة

سنة ثلاث وستين وخمسمائة فيها أعطى نور الدّين حمص وأعمالها لنائبه أسد الدّين، فبقيت بيد أولاده مائة سنة. وفيها توفي الباجسرائي- بكسر الجيم وسكون المهملة، نسبة إلى باجسرا، بلد بنواحي بغداد- التّاني- بمثناة فوقية وبالنون، نسبة إلى التنائية [1] ، وهي الدهقنة، ويقال لصاحب الضياع والعقار- أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة [2] . روى عن أبي البطر وطائفة، توفي في رمضان وكان ثقة. وفيها أبو العبّاس أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف القطيعي [3] الفقيه الحنبلي الواعظ. ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة تقريبا، وسمع الحديث بنفسه بعد ما كبر من عبد الخالق بن يوسف، والفضل بن سهل الإسفراييني، وابن ناصر الحافظ، وغيرهم، وتفقّه على القاضي أبي حازم ولازمه، حتّى برع في الفقه، وأفتى، وناظر، ووعظ ودرّس، وأشغل الطلبة وأفاد.

_ [1] تنبيه: كذا ضبطه المؤلف: نسبة إلى التنائية. وفي «الأنساب» (3/ 13) و «اللباب» (1/ 204) : نسبة إلى التناية، وانظر تعليق العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني- رحمه الله تعالى- على «الإكمال» (1/ 578- 560) و «تاج العروس» (تنأ) . [2] انظر «العبر» (4/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 472- 473) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 301- 302) .

وقال ابن النجار: برع في الفقه وتكلّم في مسائل الخلاف، وكان حسن المناظرة، جريئا في الجدل، ويعظ الناس على المنبر. توفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان، ودفن بالحلّة شرقي بغداد، وهو والد أبي الحسن القطيعي صاحب «التاريخ» ولم يسمع من والده هذا إلّا حديثا واحدا، وذكر أن له مصنفات كثيرة. قال ابن رجب: منها كتاب «الشمول [1] في [أسباب] النزول» . وفيها أبو بكر أحمد بن المقرّب الكرخي [2] . روى عن النّعالي، وطراد، وطائفة، وكان ثقة متودّدا. توفي في ذي الحجة، وله ثلاث وثمانون سنة. وفيها قاضي القضاة أبو البركات جعفر بن قاضي القضاة أبي جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي [3] . ولي قضاء العراق سبع سنين، ولما مات ابن هبيرة ناب في الوزارة مضافا إلى القضاء، فاستفظع ذلك، وقد روى عن أبي الحصين، وعاش ستا وأربعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها شاكر بن أبي الفضل الأسواري الأصبهاني [4] . سمع أبا الفتح السّوذرجاني [5] ، وأبا مطيع، وجماعة، وتوفي في أواخر رمضان. وفيها أبو محمد الطّامذي عبد الله بن علي الأصبهاني [6] المقرئ

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «النحول» وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] انظر «العبر» (4/ 180- 181) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 473) . [3] انظر «العبر» (4/ 181) . [4] انظر «العبر» (4/ 181) . [5] في «آ» و «ط» : «السودرحاي» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» وانظر في ضبط نسبته «الأنساب» (7/ 185) . [6] انظر «العبر» (4/ 181) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 473- 475) .

العالم الزاهد المعمّر. روى عن طراد، وجعفر بن محمد العبّاداني، والكبار، وتوفي في شعبان. والطّامذي: بفتح الطاء المهملة والميم وبمعجمة، نسبة إلى طامذ قرية بأصبهان. وفيها أبو النّجيب السّهرورديّ [1] عبد القاهر بن عبد الله محمد بن عموية- والسّهروردي، بضم السين المهملة، وسكون الهاء، وفتح الراء والواو، وسكون الراء الثانية ومهملة، نسبة إلى سهرورد، بلد عند زنجان- الصوفيّ القدوة الواعظ العارف الفقيه الشافعي، أحد الأعلام. قدم بغداد، وسمع علي بن نبهان وجماعة، وكان إماما في الشافعية وعلما في الصوفية. قال ابن الأهدل: هو البكريّ القرشيّ، بينه وبين أبي بكر الصّدّيق إثنا عشر رجلا، بلغ مبلغا في العلم حتّى لقّب مفتي العراقين، وقدوة الفريقين، وكان شرح أحوال القوم، ويتطيلس ويلبس لباس العلماء، ويركب البغلة، وترفع بين يديه الغاشية، مرّ يوما على جزار وقد علّق شاة مسلوخة، فوقف الشيخ وقال: إن هذه الشاة تقول إنها ميتة، فغشي على الجزار وتاب على يد الشيخ. انتهى. وقال ابن قاضي شهبة [2] : حرّر المذهب، وأفتى وناظر، وروى الحديث عن جماعة، ثم مال إلى المعاملة، فصحب الشيخ حماد الدبّاس، وأحمد الغزالي، وبنى ببغداد رباطا ومدرسة، واشتغل بالوعظ والتذكير والدعاء إلى الله تعالى والتحذير [3] ودرّس بالنظامية سنتين، وكانت له محافيظ جيدة في التفسير وفي الفقه وأصوله وأصول الدّين. وأخذ عنه خلائق. مولده

_ [1] انظر «العبر» (4/ 181- 182) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 475- 478) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 10) . [3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «والتحديث» .

في صفر سنة تسعين وأربعمائة تقريبا، وتوفي في جمادى الآخرة. انتهى. وقال الإسنوي [1] : ظهرت بركته على أصحابه، وصار شيخ العراق في وقته، وبنى الخربة التي كان يأوي إليها رباطا وسكّنه جماعة من صالحي أصحابه، وبنى إلى جانبه مدرسة، وصار ملاذا يعتصم به الخائف من الخليفة فمن دونه [2] وتوجه إلى الشام سنة سبع وخمسين وخمسمائة لزيارة بيت المقدس، فلم يتفق له ذلك لانفساخ [3] الهدنة بين المسلمين والفرنج- خذلهم الله تعالى- فأقام بدمشق مدة يسيرة، وعقد له مجلس الوعظ، وأكرم الملك العادل مورده، وعاد إلى بغداد، فتوفي بها يوم الجمعة وقت العصر سابع جمادى الآخرة، ودفن بكرة الغد في مدرسته. انتهى. وفيها زين الدّين صاحب إربل علي كوجك [4] بن بكتكين التركماني [5] الفارس المشهور، والبطل المذكور، ولقّب بكوجك وهو بالعربي اللطيف القدّ والقصير، وكان مع ذلك معروفا بالقوّة المفرطة والشهامة، وهو ممن حاصر المقتفي وخرج عليه، ثم حسنت طاعته، وكان جوادا معطاء، فيه عدل وحسن سيرة. ويقال: إنه تجاوز المائة، وتوفي في ذي الحجّة [6] .

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 65) . [2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «من الخليفة والسلطان ومن دونهما» . [3] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «لانفتاح» . [4] في «آ» و «ط» : «علي بن كوجك» وهو خطأ، وما أثبته من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [5] انظر «العبر» (4/ 182) و «دول الإسلام» (2/ 76) و «النجوم الزاهرة» (5/ 378- 379) . [6] قال ابن تغري بردي في سياق ترجمته في «النجوم الزاهرة» : وكان أولا بخيلا مسيكا، ثم إنه جاد في آخر عمره، وبنى المدارس والقناطر والجسور. وحكي أن بعض الجند جاءه بذنب فرس وقال له: مات فرسي، فأعطاه عوضه، وأخذ ذلك الذنب آخر وجاءه به وقال له: مات فرسي، فأعطاه عوضه، ولا زال يتداول الذنب إثنا عشر رجلا، وهو يعلم أنه الأول ويعطيهم الخيل، فلما أعجزوه أنشد:

وفيها أبو الحسن بن تاج القرّاء علي بن عبد الرحمن الطّوسي ثم البغدادي [1] . روى عن أبي عبد الله البانياسي وجماعة، وكان صوفيا كبيرا، توفي في صفر عن سنّ عالية. وفيها أبو الحسن بن الصابئ محمد بن إسحاق بن محمد بن هلال ابن المحسّن [2] البغدادي [3] من بيت كتابة وأدب. سمع النّعالي وغيره، وكان ثقة، توفي في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الحميد [4] السّمرقندي، صاحب «التعليقة» و «المعترض والمختلف» على مذهب أبي حنيفة، وكان من فرسان الكلام، شحيحا بكلامه، كانوا يوردون عليه الأسئلة وهو عالم بجوابها، فلا يذكره شحا لئلا يستفاد منه، وينقطع ولا يذكرها، ترك المناظرة إلى أن مات. وفيها الجيّاني أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن ياسر الأنصاريّ الأندلسيّ [5] . تفقّه بدمشق على نصر الله المصّيصي وأدّب بها. قال ابن عساكر: ثم زاملني إلى بغداد، وسمع من ابن الحسين، وبمرو من أبي منصور الكراعي، وبنيسابور من سهل المسجدي [6] وطائفة، ثم سكن

_ ليس الغبيّ بسيّد في قومه ... لكنّ سيّد قومه المتغابي فعلموا أنه علم فتركوه. [1] انظر «العبر» (4/ 182) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 478- 480) و «النجوم الزاهرة» (5/ 380) . [2] في «آ» : «الحسن» وهو خطأ. [3] انظر «العبر» (4/ 182- 183) و «النجوم الزاهرة» (5/ 380) . [4] في «آ» و «ط» : «عبد المجيد» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (5/ 379) وانظر التعليق عليه. [5] انظر «العبر» (4/ 183) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 509- 510) و «النجوم الزاهرة» (5/ 380) . [6] كذا في «ط» و «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» : «المسجدي» وفي «آ» : «المستجدي» .

في الآخر حلب، وكان ذا معرفة جيدة بالحديث. وفيها الشريف الخطيب أبو الفتوح ناصر بن الحسن [1] الحسيني المصري [2] شيخ الإقراء. قرأ [3] على أبي الحسين الخشّاب وغيره، وتصدّر للإقراء، وحدّث عن محمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي. توفي [4] يوم عيد الفطر، وله إحدى وثمانون سنة. وفيها نفيسة البزّازة، واسمها أيضا فاطمة بنت محمد بن علي البغدادية [5] . روت عن النّعالي، وطراد، وتوفيت في ذي الحجّة. وفيها الصائن أبو الغنائم [6] هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي التّغلبي. سمع الكثير ومات بدمشق، ودفن بباب توما عند أهله، وكان صالحا ثقة. وفيها هبة الله بن أبي عبد الله بن كامل بن حبيش البغدادي [7] الصوفي الفقيه الحنبلي أبو علي. سمع من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي وغيره، وتفقّه على أبي علي بن القاضي، وتقدم على جماعة من المتصوفة، وكان من أهل الدّين. توفي في المحرم ودفن بمقبرة الإمام أحمد قريبا من بشر الحافي. ذكره ابن الجوزي وغيره.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ناصر بن الحسين» والتصحيح من «غاية النهاية» و «حسن المحاضرة» . [2] انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 329) و «حسن المحاضرة» (1/ 495) . [3] لفظة «قرأ» سقطت من «آ» . [4] في «آ» : «وتوفي» . [5] انظر «العبر» (4/ 183) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 489) . [6] في «آ» و «ط» : «أبو الحسين» وهو خطأ، والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (5/ 380) . [7] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 302) .

سنة أربع وستين وخمسمائة

سنة أربع وستين وخمسمائة فيها سار أسد الدّين سيره الثالث إلى مصر، وذلك أن الفرنج قصدوا الدّيار المصرية وملكوا بلبيس واستباحوها، ثم حاصروا القاهرة، وأخذوا كلّ ما كان خارج السور. فبذل شاور لملك الفرنج مرّي ألف ألف دينار ويعجّل له بعضها. فأجاب، فحمل إليه مائة ألف دينار، وكاتب نور الدّين واستصرخ به وسوّد كتابه، وجعل في طيّه ذوائب نساء القصر، وواصل الكتب يستحثّه، وكان بحلب، فساق إليه أسد الدّين من حمص، فأخذ يجمع العساكر، ثم توجّه في عسكر لجب، يقال كانوا سبعين ألفا من بين فارس وراجل، فتقهقر الفرنج، ودخلوا القاهرة في ربيع الآخر، وجلس أسد الدّين في دست الملك [1] ، وخلع عليه العاضد خلع السلطنة، وعهد إليه بوزارته، وقبض على شاور، فأرسل إليه العاضد يطلب رأس شاور، فقطع وأرسل إليه، فلم ينشب [أن مات] أسد الدّين شيركوه- ومعناه بالعربي الجبل- بن شادي بن مروان الملك المنصور بعد شهرين. أقام في الوزارة شهرين وأياما، وكان أحد الأبطال، يضرب بشجاعته المثل، وكان الفرنج يهابونه، ولقد حاصروه ببلبيس ولها سور، فلم يجسروا أن يناجزوه خوفا منه، وكان كثير الأكل للحوم الغليظة، فكانت تورث عليه التخم والخوانيق، فاعتراه خانوق فمات منه فجأة، ودفن بظاهر القاهرة إلى أن توفي أخوه نجم الدّين أيوب، فحملا جميعا إلى مدينة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم-

_ [1] في «ط» : «الحكم» وما أثبته من «آ» و «العبر» (4/ 185) وما بين حاصرتين زيادة منه.

وقلّد العاضد منصبه ابن أخيه صلاح الدّين يوسف [1] بن نجم الدّين ولقّبه بالملك الناصر. وفيها آبق الملك المظفّر محيي الدّين صاحب دمشق قبل نور الدّين، وابن صاحبها جمال الدّين محمد بن تاج الملوك بوري التّركي ثم الدمشقي. ولد ببعلبك في إمرة أبيه عليها، وولي دمشق بعد أبيه خمس عشرة سنة، وملّكوه وهو دون البلوغ، وكان المدبّر لدولته أنر، فلما مات أنر انبسطت يد آبق ودبّر الأمور الوزير الرئيس أبو الفوارس المسيّب بن علي بن الصوفي، ثم غضب عليه وأبعده إلى صرخد، واستوزر أخاه أبا البيان حيدرة مدة، ثم أقدم عطاء بن حفاظ من بعلبك وقدّمه على العسكر، وقتل حيدرة، ثم قتل عطاء. ولما انفصل عن دمشق توجّه إلى بالس، ثم إلى بغداد، فأقطعه المقتفي خبزا وأكرم مورده. وفيها شاور بن مجير بن نزار [الهوازني] [2] السعدي أبو شجاع، ولّاه ابن رزّيك إمرة الصعيد فتمكن، وكان شهما شجاعا مقداما، ذا هيبة، فحشد وجمع، وتوثب على مملكة الديار المصرية، وظفر بالعادل رزّيك بن الصالح طلائع بن رزّيك، وزير العاضد فقتله، ووزر بعده، فلما خرج عليه ضرغام فرّ إلى الشام، فأكرمه نور الدّين وأعانه على عوده إلى منصبه، فاستعان بالفرنج على دفع أسد الدّين عنه، وجرت له أمور طويلة، وفي الآخر وثب عليه جرديك [3] النّوري فقتله في جمادى الأولى، لأن أسد الدّين تمارض فعاده شاور، فقبضوا عليه وقتلوه كما تقدم.

_ [1] في «آ» و «ط» : «صلاح الدّين بن يوسف» وهو خطأ فحذفت لفظة «ابن» من السياق ليصح. [2] زيادة من «العبر» (4/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 514) . [3] في «آ» و «ط» : «خردبك» وفي «العبر» بطبعتيه: «جردبك» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (2/ 448) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 515) .

وفيها أبو محمد عبد الخالق بن أسد الدمشقي الحنفي المحدّث، مدرّس الصادرية والمعينيّة [1] . روى عن عبد الكريم بن حمزة، وإسماعيل بن السمرقندي، وطبقتهما، ورحل إلى بغداد وأصبهان، وخرّج لنفسه «المعجم» . ومن شعره: قال العواذل ما اسم من ... أضنى فؤادك قلت أحمد قالوا أتحمده وقد ... أضنى فؤادك قلت أحمد [2] وفيها سعد الله بن نصر بن سعيد، المعروف بابن الدجّاجي، وبابن الحيواني [3] الفقيه الحنبلي المقرئ الواعظ، الصوفي الأديب، أبو الحسن، ويلقّب مهذّب الدّين. ولد في رجب سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وقرأ بالروايات على أبي الخطاب الكلوذاني وغيره، وتفقّه على أبي الخطّاب حتّى برع. وروى عن ابن عقيل كتاب «الانتصار لأهل السّنّة» . قال ابن الخشاب: هو فقيه واعظ، حسن الطريقة، سمعت منه. وقال ابن الجوزي: تفقّه ودرّس، وناظر ووعظ، وكان لطيف الكلام حلو الإيراد، ملازما لمطالعة العلم إلى أن مات. وقال ابن نقطة: حدثنا عنه جماعة من شيوخنا، وكان ثقة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «المعتبية» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» (20/ 497) . [2] البيتان في سياق ترجمته في «النجوم الزاهرة» (5/ 381) وأورد له الذهبي بيتان آخران في «سير أعلام النبلاء» يحسن ذكرهما وهما: قلّ الحفاظ فذو العاهات محترم ... والشّهم ذو الفضل يؤذى مع سلامته كالقوس يحفظ عمدا وهو ذو عوج ... وينبذ السّهم قصدا لاستقامته [3] انظر «تكملة الإكمال» (2/ 524) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 302- 305) .

وقال ابن الجوزي: سئل في مجلس وعظه- وأنا أسمع- عن أخبار الصفات، فنهى عن التعرض [لها] ، وأمر بالتسليم، وأنشد: أبى العاتب [1] الغضبان يا نفس أن يرضى ... وأنت التي صيّرت طاعته فرضا فلا تهجري من لا تطيقين هجره ... وإن همّ بالهجران خدّيك والأرضا ومن شعره: ملكتم مهجتي بيعا ومقدرة ... فأنتم اليوم أغلالي وأغلى لي علوت فخرا ولكني ضنيت هوى ... وأنتم اليوم أعلالي وأعلى لي أوصى لي البين أن أسقى بحبكم ... فقطّع البين أوصالي وأوصى لي توفي يوم الاثنين ثاني عشر شعبان، ودفن بمقبرة الرباط، ثم نقل بعد خمسة أيام فدفن على والديه بمقبرة الإمام أحمد. وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسيّ [2] شيخ المقرئين بالأندلس. ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وقرأ القراءات على ابن داود ولازمه أكثر من عشر سنين، وكان زوج أمّه، فأكثر عنه، وهو أثبت الناس فيه. وروى «الصحيحين» و «سنن أبي داود» وغير ذلك. قال [ابن] الأبّار: كان منقطع القرين في الفضل والزهد والورع، مع العدالة والتواضع والإعراض عن الدّنيا والتقلل منها، صوّاما قوّاما، كثير الصّدقة، انتهت إليه الرئاسة في صناعة الإقراء، وحدّث عن جلّة لا يحصون، وتوفي في رجب.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الغائب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 304) . [2] انظر «العبر» (4/ 187- 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 506- 507) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 573) .

وفيها القاضي زكيّ الدّين أبو الحسن علي بن القاضي المنتجب [1] أبو المعالي، محمد بن يحيى القرشي [2] قاضي دمشق، هو وأبوه وجدّه، واستعفى من القضاء فأعفي، وسار فحجّ من بغداد وعاد إليها فتوفي بها، وله سبع وخمسون سنة. وفيها أبو الفتح بن البطّي الحاجب محمد بن عبد الباقي بن أحمد ابن سليمان البغدادي [3] ، مسند العراق، وله سبع وثمانون سنة، أجاز له أبو نصر الزّينبي، وتفرّد بذلك، وبالرواية عن البانياسي، وعاصم بن الحسن، وعلي بن محمد بن محمد الأنباري، والحميدي، وخلق. وكان ديّنا، عفيفا، محبا للرواية، صحيح الأصول، توفي في جمادى الأولى. وفيها أبو عبد الله الفارقي الزاهد محمد بن عبد الملك [4] نزيل بغداد. كان يعظ ويذكّر من [غير] كلفة. وللناس فيه اعتقاد [عظيم] وكان صاحب أحوال وكرامات، ومجاهدات ومقامات، عاش ثمانين سنة. وفيها القاضي أبو المعالي محمد بن علي بن الحسن القرشي العثماني [5] صاحب الفنون في أنواع العلم. هنأ صلاح الدّين بن أيوب بفتح حلب بقصيدة هائلة، منها: وفتحك القلعة الشهباء في صفر ... مبشّر بفتوح القدس في رجب فكان كما قال. قاله ابن الأهدل.

_ [1] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «المنتخب» فتصحح. [2] انظر «العبر» (4/ 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 519) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 9- 10) . [3] انظر «العبر» (4/ 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 481- 484) . [4] انظر «العبر» (4/ 188- 189) وما بين حاصرتين مستدرك منه و «سير أعلام النبلاء» (20/ 500- 501) . [5] انظر «مرآة الجنان» (3/ 374- 375) .

وفيها محمد بن المبارك بن الحسين [1] بن إسماعيل البغدادي [2] الفقيه الحنبلي القاضي، أبو البركات، المعروف بابن الحصري. ذكره ابن الجوزي وقال: صديقنا، ولد سنة عشر وخمسمائة، وقرأ القرآن، وسمع الحديث من ابن البناء وغيره، وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وناظر، وولّي القضاء بقرية عبد الله من واسط. توفي- رحمه الله تعالى- فجأة في رجب. وفيها معمر بن عبد الواحد الحافظ أبو أحمد بن الفاخر القرشي العبشمي الأصبهاني [3] المعدّل. عاش سبعين سنة. سمع من أبي الفتح الحدّاد، وأبي المحاسن الرّوياني وخلق، وببغداد من أبي الحصين، وعني بالحديث وجمعه، ووعظ بأصبهان وأملى، وقدم بغداد مرّات يسمّع [4] أولاده، وتوفي في ذي القعدة بطريق الحجاز، وكان ذا قبول ووجاهة.

_ [1] في «آ» : «ابن الحسن» . [2] انظر «المنتظم» (10/ 229) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 305- 306) . [3] انظر «العبر» (4/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 485- 487) . [4] في «العبر» : «فسمّع» .

سنة خمس وستين وخمسمائة

سنة خمس وستين وخمسمائة في شوال منها كانت الزلزلة العظمى بالشام، وقع معظم دمشق وشرفات جامع بني أميّة، ووقع نصف قلعة حلب والبلد، وهلك من أهلها ثمانون ألفا، ووقعت قلعة حصن الأكراد، ولم يبق لسورها أثر. وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي ثم البغدادي [1] الحافظ الفقيه الحنبلي، أحد العلماء المعدّلين والفضلاء والمحدّثين. سمع قاضي المارستان وطبقته، وقرأ القراءات على أبي محمد سبط الخيّاط وغيره، ولازم أبا الفضل الحافظ ابن ناصر، وكان يقتفي أثره ويسلك مسلكه. قال ابن النجار: كان حافظا، متقنا، ضابطا، محقّقا، حسن القراءة، صحيح النقل، ثبتا، حجّة، نبيلا، ورعا، متدينا، تقيا، متمسكا بالسّنّة على طريق السلف، صنّف «تاريخا» على السنين، بدأ فيه بالسنة التي توفي فيها أبو بكر الخطيب، وهي سنة ثلاث وستين وأربعمائة، إلى بعد الستين وخمسمائة. انتهى. وتوفي يوم الأربعاء بعد الظهر ثالث شعبان، وكان مرضه البرسام [2]

_ [1] انظر «العبر» (4/ 190) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 572- 573) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 311- 313) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السرسام» . جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 49) : البرسام: ذات الجنب، وهو التهاب الغشاء المحيط بالرئة.

والبرسام ستة أيام، أسكت منها ثلاثة أيام ودفن على أبيه في دكة [قبر] الإمام أحمد، وله خمس وأربعون سنة. وفيها أبو بكر بن النّقور عبد الله بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد البغدادي البزّاز [1] ثقة محدّث، من أولاد الشيوخ. سمع العلّاف، وابن الطيوري، وطائفة، وطلب بنفسه، مع الدّين، والورع، والتحري، وتوفي في شعبان، وله اثنتان وثمانون سنة. وفيها أبو المكارم بن هلال، عبد الواحد بن أبي طاهر محمد بن المسلم بن الحسن [2] بن هلال الأزدي. سمع من عبد الكريم الكفرطابي [3] ومن النّسيب وغيرهما، وكان رئيسا جليلا، كثير العبادة والبرّ، وتوفي في جمادى الآخرة، وأجاز له الفقيه نصر. وفيها علي بن بردوان [4] بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير الكندي البغدادي، النحوي الأديب الحنبلي، شمس الدّين. سمع أبا الحسن ابن عم الشيخ تاج الدّين، وقرأ وكتب الطباق بخطه على يحيى بن البنا وغيره، وقرأ النحو واللغة على ابن الجواليقي، ثم قدم دمشق، وأدرك شرف الإسلام ابن الحنبلي [5] وصحبه، وكان أعلم باللغة والنحو من ابن عمه أبي اليمن.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 190- 191) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 498- 499) . [2] قوله «ابن الحسن» سقط من «آ» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الكوطائي» والتصحيح من «العبر» وضبطت في «سير أعلام النبلاء» بفتح الكاف وسكون الفاء وهو خطأ فتصحح. وانظر «الأنساب» (10/ 448) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «روان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 313) مصدر المؤلف. [5] في «آ» و «ط» : «ابن الجيلي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي، المعروف بابن الحنبلي. انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 198) و «المنهج الأحمد» (2/ 290) .

ومن شعره: درّت عليك غوادي المزن يا دار ... ولا عفت منك آيات وآثار دعاء من لعبت أيدي الغرام به ... وساعدتها صبابات وتذكار وفيها- على ما قاله ابن الأهدل- ابن عدي [1] مصنف كتاب «الكامل في الضعفاء» . كان حافظ وقته، وإليه المنتهى في فنّه خلا أن فيه لحنا، لأنه كان فيه عجمة ولا يعرف العربية. انتهى. وفيها فورجة أبو القاسم محمود بن عبد الكريم الأصبهاني [2] التاجر. روى عن أبي بكر بن ماجة، وسليمان الحافظ، وأبي عبد الله الثقفي، وغيرهم، وتوفي بأصبهان في صفر، وبه ختم «جزء» لوين. وفيها مودود السلطان قطب الدّين الأعرج [3] صاحب الموصل وابن صاحبها، أتابك زنكي، تملّك بعد أخيه سيف الدّين غازي، فعدل وأحسن السيرة، توفي في شوال عن نيّف وأربعين سنة، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة، وكان محببا إلى الرعية.

_ [1] كذا قال المؤلف رحمه الله تعالى، وقد تبع في ذلك ابن الأهدل في «تاريخه» الذي اختصر فيه «مرآة الجنان» لليافعي، وتبعه على ذلك أيضا العامري في «غربال الزمان» ص (445) وهو وهم، والصواب أنه مات سنة (365) هـ كما مرّ في وفيات السنة المذكورة من المجلد الرابع ص (344- 345) فراجعه. [2] انظر «العبر» (4/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 501- 502) . [3] انظر «العبر» (4/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 521- 522) .

سنة ست وستين وخمسمائة

سنة ست وستين وخمسمائة فيها سار نور الدّين إلى سنجار ففتحها وسلّمها إلى ابن أخيه عماد الدّين زنكي، ثم سار وفتح الموصل، وأعطى الشيخ عمر ستين ألف دينار وأمره بعمارة الجامع النّوري وسط البلد. وفيها قتل الوزير أبو جعفر بن البلدي، لأن المستضيء الخليفة لما ولي الخلافة في هذا العام استوزر أبا [الفرج] [1] محمد بن عبد الله بن رئيس الرؤساء، فانتقم من ابن البلدي وقتله وألقي في دجلة. وفيها أبو زرعة طاهر بن الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ثم الهمذاني. ولد بالرّيّ سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع بها من المقوّمي، وبالدّون من عبد الرحمن بن أحمد الدّوني، وبهمذان من عبدوس، وبالكرج [2] من السّلّار مكّي [3] وبساوة من الكامخي، وروى الكثير، وكان رجلا جيدا عريا من العلوم. قاله في «العبر» . توفي بهمذان في ربيع الآخر. وفيها أبو مسعود الحاجّي عبد الرحيم بن أبي الوفاء علي بن أحمد

_ [1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» (2/ 192) . [2] في «آ» و «ط» : «وبالكرخ» وما أثبتناه من «العبر» (4/ 193) . [3] هو مكي بن منصور الكرجي. تقدمت ترجمته في المجلد الخامس ص (400) .

الأصبهاني [1] . الحافظ المعدّل. سمع من جدّه غانم البرجي، ورحل فسمع بنيسابور من الشّيروي [2] ، وببغداد من ابن الحصين، توفي في شوال في عشر الثمانين. وفيها محمد بن حامد بن حمد بن عبد الواحد بن علي بن أبي مسلم الأصبهاني [3] الواعظ الحنبلي، أبو سعيد، ويعرف بسرمس [4] . سمع أبا مسعود [5] السّوذرجاني [6] ، ويحيى ابن مندة، وغيرهما، وحدّث ببغداد وغيرها، وكان من أعيان الوعاظ، وله القبول التام عند العوام، توفي في سلخ شعبان. وفيها النّفيس بن مسعود بن أبي الفتح بن سعيد بن علي المعروف بابن صعوة [7] السلامي [8] الفقيه الحنبلي، أبو محمد. قرأ القرآن [9] ، وتفقّه على أبي الفتح بن المنّي، ووعظ، واحتضر في شبابه، فتوفي يوم الثلاثاء تاسع شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. قال المنذري: تكلم في مسائل الخلاف، وسمع من غير واحد. قال: وصعوة: بفتح الصاد وسكون العين المهملتين [10] وبعدها تاء تأنيث، لقب لجدّه.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 193) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 575- 576) وفيه «علي بن حمد الأصبهاني» . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «السيروي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 314) . [4] في «آ» و «ط» : «ويعرف برمس» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] لعل الصواب: «سمع أبا سعد» انظر «الأنساب» (7/ 185) . [6] في «آ» : «السوردجاني» وفي «ط» : «السورحاني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «السودرجاني» وما أثبته من «الأنساب» . [7] في «آ» : «ابن صفوة» وهو تحريف. [8] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 314) . [9] في «ط» : «القراءات» . [10] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بفتح الصاد والعين المهملتين» وزاد هو لقب لجدّه مسعود.

وفيها فتيان بن مباح بن حمد بن حمد بن سليمان بن المبارك بن الحسين السلمي الحرّاني [1] الضرير، الفقيه الحنبلي، أبو الكرم. قدم بغداد، وسمع الحديث من أبي البركات الأنماطي، وصالح بن شافع، وغيرهما، وتفقّه بمذهب الإمام أحمد، وعاد إلى بلده، فأفتى ودرّس به إلى أن مات، وسمع منه أبو المحاسن القاضي القرشي، وفخر الدّين بن تيمية، وقال في أول «تفسيره» - وقد ذكر شيوخه في العلم، فأول ما قال-: كنت برهة مع شيخنا الإمام الورع أبو الكرم فتيان بن مباح، وكان طويل الباع في علم اللغة والإعراب، لا يشق غباره في علم القرآن [2] ومعاناة المعاني، فهما في الأحكام ومواقع الحلال والحرام. انتهى. وفيها محمد بن أسعد بن محمد بن نصر الفقيه الحنفي، المعروف بابن الحليم [3] البغدادي الواعظ. درّس بالطرخانية والصادرية، وبنى له معين الدّين مدرسة. شرح «المقامات» ودفن بباب الصغير. ومن شعره: الدّهر يوضع عامدا ... فيلا ويرفع قدر نمله فإذا تنبّه للمنا ... م وقام للنّوّام نم له [4] وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة المرسي [5] نزيل

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 315- 316) وفيه «فتيان بن مياح» . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في علم القراءات» . [3] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الحكيم» وفي «الجواهر المضية» (2/ 32) طبع حيدر أباد: «عرف بابن حكيم» والتصحيح من «تبصير المنتبه» (1/ 448) وحاشية العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني على «الإكمال» (3/ 81) . [4] رواية البيت في «الجواهر المضية» : فإذا تنبه لليا ... م ونام نوام فنم له [5] انظر «العبر» (4/ 193) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 508) .

شاطبة، مكثر عن أبي علي الصّدفي [1] وإليه صارت عامة أصوله، وسمع أيضا من أبي محمد بن عتّاب [2] ، وحجّ [3] فسمع من ابن غزال، ورزين العبدري [4] . قال [ابن] الأبّار: كان عارفا بالأثر، مشاركا في التفسير، حافظا للفروع، بصيرا باللغة والكلام، فصيحا، مفوّها، مع الوقار والسمت، والصيام والخشوع، ولي قضاء شاطبة، وحدّث وصنّف، ومات في أول العام، وله سبعون سنة. وفيها يحيى بن ثابت بن بندار أبو القاسم البغدادي البقّال [5] . سمع من طراد والنّعالي وجماعة، وتوفي في ربيع الأول وقد نيّف على الثمانين. وفيها المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المقتفي لأمر الله محمد ابن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي العبّاسي [6] . خطب له أبوه بولاية العهد سنة سبع وأربعين، واستخلف سنة خمس وخمسين، وعاش ثمانيا وأربعين سنة، وأمّه طاووس الكرجية أدركت دولته. قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [7] : كان موصوفا بالعدل والرفق، أطلق من المكوس شيئا كثيرا بحيث لم يترك بالعراق مكسا، وكان شديدا على المفسدين، سجن رجلا كان يسعى بالناس مدة، فحضر [8] رجل وبذل

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصوفي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «نفح الطيب» (2/ 158) . [2] في «سير أعلام النبلاء» : «ابن عبّاسة» . [3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «وجمع» فتصحح. [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الغندري» . [5] انظر «العبر» (4/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 505- 506) . [6] انظر «العبر» (4/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 412- 418) . [7] ص (443) . [8] في «تاريخ الخلفاء» : «وحضره» .

فيه عشرة آلاف درهم، فقال: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار ودلّني على آخر مثله لأحبسه وأكفّ [1] شره. وقال ابن النجار [2] : كان المستنجد موصوفا بالفهم الثاقب، والرأي الصائب، والذكاء الغالب، والفضل الباهر، والعدل الظاهر، له نظم بديع، ونثر بليغ، ومعرفة بعمل آلات الفلك والأسطرلاب، وغير ذلك. ومن شعره في بخيل: وباخل أشعل في بيته ... تكرمة منه لنا شمعه فما جرت من عينها دمعة ... حتّى جرت من عينه دمعه توفي في ثامن ربيع الآخر. وفيها ابن الخلّال القاضي الأديب موفق الدّين يوسف بن محمد المصري [3] ، صاحب دواوين الإنشاء للخلفاء، وهو شيخ القاضي الفاضل. ومن شعره: عذبت ليال بالعذيب خوال ... وحلت مواقف بالوصال حوال ومضت لذاذات تقضّى ذكرها ... تصبي الخليّ وتستهيم السّالي وجلت مورّدة الخدود فأوثقت ... في الصّبوة الخالي بحسن الخال قالوا سراة بني هلال أصلها ... صدقوا كذاك البدر فرع هلال توفي في جمادى الآخرة، وقد شاخ وولّي بعده القاضي الفاضل.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وألف» وهو تحريف، والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 418) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 219- 225) و «العبر» (4/ 194) و «نكت الهميان» ص (314- 316) .

سنة سبع وستين وخمسمائة

سنة سبع وستين وخمسمائة فيها تجاسر صلاح الدّين بن أيوب وقطع خطبة العاضد العبيدي، وكان قبل هذا كالمتحكم له، وخطب للخليفة العبّاسي المستضيء، فمات العاضد عقيب ذلك. قيل: إنه مات غبنا، وأظهر صلاح الدّين الحزن عليه، وجلس للعزاء، ثم تسلّم القصر وما حوى، ثم حوّل أولاد المعتضد وخاصته إلى مكان آخر ورتّب لهم كفايتهم، ولما وصل أبو سعد بن أبي عصرون رسولا بذلك إلى بغداد، زيّنت، وكان يوما مشهودا، وكانت الخطبة العبّاسية قد قطعت من مصر منذ مائتي سنة وتسع سنين بخطبة بني عبيد أهل المذهب الرديء، ثم أرسل الخليفة بالخلع الفائقة الرائقة لنور الدّين محمود بن زنكي، ولنائبه صلاح الدّين، وكان فيما أرسل لنور الدّين طوق ذهب وزنه ألف مثقال، وحصانان وسيفان، قلد بهما، إشارة إلى الجمع له بين مصر والشام. وفيها وقعت الوحشة بين نور الدّين وصلاح الدّين، وعزم على قصده، فكتب إليه صلاح الدّين بالطاعة، فزالت الوحشة بينهما. وفيها اتخذ نور الدّين الحمام الهوادي في جميع البلاد في الأبراج، تنقل الأخبار، فكانت من بلاد النوبة إلى همذان، وكان أهم ما عنده قلع الفرنج من السواحل.

وفيها توفي أحمد بن محمد الحريمي العطّار [1] . روى عن النّعالي وجماعة، ومات في صفر عن خمس وثمانين سنة. وفيها حسّان بن نمير [الكلبيّ] ، عرف بعرقلة [2] . كان شيخا خليعا مطبوعا، أعور العين، منادما. اختص بصلاح الدّين. وكان قد وعده صلاح الدّين أنه إذا أخذ مصر يعطيه ألف دينار، فلما أخذها كتب إليه: قل للصلاح معيني عند إعساري ... يا ألف مولاي أين الألف دينار أخشى من الأسر إن حاولت [3] أرضكم ... وما تفي جنّة الفردوس بالنّار فجد بها عاضديّات موفّرة ... من بعض ما خلّف [4] الطاغي أخو العاري حمرا كأسيافكم غرّا كخيلكم ... عتقا ثقالا كأعدائي وأطماري فجهز له ألفا وأخذ له من إخوته مثلها، فجاءه الموت فجأة فلم ينتفع بفجأة الغنى [5] . ومن شعره: يقولون لم أرخصت شعرك في الورى ... فقلت لهم إذ مات أهل المكارم أجازى [6] على الشعر الشعير وإنّه ... كثير إذا حصّلته [7] من بهائم وفيها العلّامة أبو محمد بن الخشّاب عبد الله بن أحمد بن أحمد بن

_ [1] انظر «العبر» (4/ 196) . [2] انظر «فوات الوفيات» (1/ 313- 318) و «النجوم الزاهرة» (6/ 64) . [3] في «فوات الوفيات» : «إن وافيت» وانظر التعليق عليه. [4] في «آ» : «أخلف» . [5] في «آ» و «ط» : «الغناء» وهو تحريف والتصحيح من «فوات الوفيات» . [6] في «فوات الوفيات» : «أجاز» . [7] في «فوات الوفيات» : «إذا خلّصته» وانظر التعليق عليه.

عبد الله بن نصر البغدادي [1] النحوي المحدّث الفقيه الحنبلي. ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وسمع من علي بن الحسين الرّبعي، وابن النّرسي، ثم طلب بنفسه، وأكثر عن أبي الحصين وطبقته، وقرأ الكثير، وكتب بخطه المليح المتقن، وأخذ العربية عن ابن الشّجري، وابن الجواليقي، وأتقن العربية واللغة والهندسة وغير ذلك، وصنّف التصانيف، وكان إليه المنتهى في حسن القراءة وسرعتها وفصاحتها، مع الفهم والعذوبة، وانتهت إليه الإمامة في النحو، وكان ظريفا مزّاحا قذرا، وسخ الثياب، يستقي في جرة مكسورة، وما تأهل قطّ ولا تسرى. توفي في رمضان. قاله في «العبر» . وقال ابن النجار [2] : كان أعلم أهل زمانه بالنحو، حتّى يقال: إنه كان في درجة أبي علي الفارسي. قال: وكانت له معرفة بالحديث، واللغة، والمنطق، والفلسفة، والحساب، والهندسة، وما من علم من العلوم إلّا كانت [3] له فيه يد حسنة. وقال ياقوت الحموي: رأيت قوما من نحاة بغداد يفضلونه على أبي علي الفارسي. قال: وسمع الحديث الكثير، وتفقّه فيه، وعرف صحيحه من سقيمه، وبحث عن أحكامه وتبحر في علومه. وقال ابن الأخضر: دخلت عليه يوما وهو مريض، وعلى صدره كتاب ينظر فيه، قلت: ما هذا؟ قال: ذكر ابن جنّي مسألة في النحو، واجتهد أن يستشهد عليها ببيت من الشعر فلم يحضره، وإني لأعرف على هذه المسألة

_ [1] انظر «العبر» (4/ 196- 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 523- 528) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 316- 323) . [2] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» للدمياطي ص (257) طبع مؤسسة الرسالة. [3] لفظة «كانت» سقطت من «آ» .

سبعين بيتا من الشعر، كلّ بيت من قصيدة. وكان عالما بالتفسير، والحديث، والفرائض، والحساب، والقراءات. وقال ابن القطيعي: انتهت [1] إليه معرفة علوم جمّة، أنهاها، وشرح الكثير من علومه، وكان ضنينا بها مع لطف مخالطة وعدم تكبر، واطّراح تكلّف، مع تشدّد في السّنّة، وتظاهر بها في محافل علومه، ينتصر لمذهب أحمد، ويصرّح ببراهينه وحججه على ذلك. وقال مسعود بن البادر: كنت يوما بين يدي المستضيء، فقال لي: كلّ من نعرفه [2] قد ذكّرنا بنفسه، ووصل إليه برّنا إلّا ابن الخشّاب، فاعتذرت عنه بعذر اقتضاه الحال، ثم خرجت، فعرّفت ابن الخشّاب ذلك، فكتب إليه هذين البيتين: ورد الورى سلسال جودك فارتووا ... فوقفت دون الورد وقفة حائم ظمآن أطلب خفّة من زحمة ... والورد لا يزداد غير تزاحم قال ابن البادر: فعرضتهما على المستضيء، فأرسل إليه بمائتي دينار، وقال: لو زادنا زدناه. وقال ابن رجب: ويقال: إنه كان بخيلا مقترا على نفسه، وكان يعتمّ العمّة، فيبقي معتّما أشهرا تتسخ أطرافها من عرقه، فتسود وتتقطع من الوسخ، وترمي عليها العصافير ذرقها، وكان إذا رفعها عن رأسه ثم أراد لبسها تركها على رأسه كيف اتفق، فتجيء عذبتها تارة من تلقاء وجهه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله [3] ، ولا يغيرها، فإذا قيل له في ذلك يقول: ما استوت العمّة على رأس عاقل قطّ.

_ [1] في «ط» : «انتهى» . [2] تصحفت في «ط» إلى «تعرفه» . [3] في «آ» : «عن يساره» .

وكان- رحمه الله تعالى- ظريفا، مزّاحا، ذا نوادر. فمن نوادره أن بعض أصحابه سأله يوما، فقال: القفا يمد أو يقصر؟ فقال: يمد ثم يقصر. ولابن الخشّاب شعر كثير حسن، فمنه ما ألغزه في كتابه: وذي أوجه لكنه غير بائح ... بسرّ وذو الوجهين للسرّ يظهر [1] تناجيك [2] بالأسرار أسرار وجهه ... فتسمعها ما دمت بالعين تبصر [3] ومنه لغز في شمعة: صفراء لا من سقم مسّها ... كيف وكانت أمّها الشافية؟ عارية باطنها مكتس ... فاعجب لها عارية كاسيه قال ابن الجوزي: مرض ابن الخشّاب نحوا من عشرين يوما، فدخلت عليه قبل موته بيومين وقد يئس من نفسه، فقال لي: عند الله أحتسب نفسي. وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان، ودفن بمقبرة الإمام أحمد قريبا من بشر الحافي، رضي الله عنهما. وفيها أبو محمد عبد الله بن منصور بن الموصلي البغدادي [4] المعدّل. سمع من النّعالي، وتفرّد ب «ديوان المتنبي» عن أبي البركات الوكيل، وعاش ثمانين سنة. وفيها العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي

_ [1] في «آ» و «ط» : «ليس يطهر» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] في «ط» : «تناديك» . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «تنظر» . [4] انظر «العبر» (4/ 197) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 529) و «النجوم الزاهرة» (6/ 66) .

المصري [1] الرافضي، خاتمة خلفاء الباطنية. ولد في أول سنة ست وأربعين وخمسمائة، وأقامه الصالح بن رزّيك، بعد هلاك الفائز. وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المستنصر العبيدي في جموع من الغرب [2] ، فلما قرب غدر به أصحابه وقبضوا عليه، وحملوه إلى العاضد فذبحه صبرا. ورد أن موت العاضد كان بإسهال مفرط، وقيل: مات غما لما سمع بقطع خطبته، وقيل: بل كان له خاتم مسموم فامتصه وخسر نفسه، وعاش إحدى وعشرين سنة. وفيها أبو الحسن بن النّعمة علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري الأندلسي المرّيي ثم البلنسي [3] أحد الأعلام. توفي في رمضان، وهو في عشر الثمانين. روى عن أبي علي بن سكّرة وطبقته، وتصدر ببلنسية لإقراء القراءات، والفقه، والحديث، والنحو. قال [ابن] الأبّار: كان عالما حافظا للفقه والتفاسير ومعاني الآثار، مقدّما في علم اللّسان، فصيحا مفوّها ورعا فاضلا معظّما، دمث الأخلاق. انتهت إليه رئاسة الفتوى والإقراء، وصنّف كتابا كبيرا في «شرح سنن النسائي» بلغ فيه الغاية، وكان خاتمة العلماء بشرق الأندلس. وفيها أبو المطهّر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد بن الفضل

_ [1] انظر «العبر» (4/ 197- 198) و «سير أعلام النبلاء» (15/ 207- 215) و «النجوم الزاهرة» (5/ 334- 357) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «العرب» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» وفي «العبر» : «المغرب» . [3] انظر «العبر» (4/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 584- 585) .

الأصبهاني الصّيدلاني [1]- بفتح أوله وسكون الياء التحتية، نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير- روى عن رزق الله التميمي، والقاسم بن الفضل الثقفي، وتوفي في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين. وفيها أبو عبد الله بن الفرس محمد بن عبد الرحيم الأنصاري الخزرجي الغرناطي [2] . تفقّه على أبيه، وقرأ عليه القراءات، وسمع أبا بكر بن عطيّة، وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتّاب وطبقته، وصار رأسا في الفقه، والحديث، والقراءات، توفي في شوال ببلنسية وله ست وستون سنة. وفيها أبو حامد البرّوي الطّوسي [3] الفقيه الشافعي محمد بن محمد تلميذ محمد بن يحيى وصاحب «التعليقة» المشهورة في الخلاف. كان إليه المنتهى في معرفة الكلام والنظر والبلاغة والجدل، بارعا في معرفة مذهب الأشعري. قدم بغداد وشغّب على الحنابلة، وأثار الفتنة، ووعظ بالنظامية، وبعد صيته، فأصبح ميّتا، فيقال: إنّ الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلوى مسمومة، وقيل: إن البرّوي قال: لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية. قاله في «العبر» . والبرّوي: بفتح الموحدة وتشديد الراء المضمومة، نسبة إلى برّوية جدّ. وفيها أبو المكارم الباذرائي [4] المبارك بن محمد بن المعمّر، الرجل الصالح. روى عن ابن البطر، والطّرثيثي، وتوفي في جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 199) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 528- 529) . [2] انظر «العبر» (4/ 199) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 529) و «الوافي بالوفيات» (3/ 245) . [3] انظر «العبر» (4/ 200) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 260- 263) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الباوراي» والتصحيح من «العبر» (4/ 200) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 494) .

وفيها أبو جعفر مكّي بن محمد بن هبيرة البغدادي [1] الأديب الحنبلي. كان فاضلا عارفا بالأدب، نظم «مختصر الخرقي» وقرئ [2] [عليه] مرّات. [توفي] بنواحي الموصل. قال ابن رجب: وأظنه أخا [3] الوزير أبي المظفر. وكان يلقب فخر الدولة، وكأنه [4] خرج من بغداد بعد موت الوزير. وفيها أبو الفتوح [5] نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن قلاقس [6] الأزهري الإسكندري [7] ، الملقب القاضي الأعز، كان سناطا [8] لا لحية له. وكان شاعرا مجيدا مدحه السّلفيّ، وصحب السّلفيّ وانتفع بصحبته، ودخل اليمن وامتدح أمير عدن فأجزل عطيته، ثم غرق ما معه وعاد إليه عريانا، فأنشده قصيدته التي أولها: صدرنا وقد نادى السّماح ببادئ ... فعدنا إلى مغناك والعود أجمل فأحسن إليه أيضا. ومن شعره: الفكر في الرّزق كيف يأتي ... شيء به تتعب القلوب

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 323) . [2] في «آ» و «ط» : «وقرأ» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وما بين حاصرتين مستدرك منه. [3] في «آ» و «ط» : «أخو» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وكان» . [5] في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» ص (448) «أبو الفتح» والتصحيح من مصادر الترجمة. [6] في «آ» و «ط» : «ابن ملامس» وفي «غربال الزمان» إلى «قلانس» والتصحيح من مصادر الترجمة. [7] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 385- 389) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 546) و «مرآة الجنان» (3/ 383) و «البداية والنهاية» (12/ 269- 270) و «حسن المحاضرة» (1/ 564) . [8] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سباطا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والسّناط: الكوسج الذي لا لحية له أصلا وكذا السّنوط والسّنوطي. انظر «مختار الصحاح» (سنط) .

وحامل الهمّ ذو دعاء ... في علم ما تحجب الغيوب فإن ألمّت بك الرّزايا ... أو قرعت بابك الخطوب فجانب النّاس وادع من لا ... تكشف إلّا به الكروب من يسأل النّاس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب وفيها الإمام أبو بكر يحيى بن سعدون الأزدي القرطبي [1] المقرئ النحوي، نزيل الموصل وشيخها. قرأ القراءات على جماعة، منهم ابن الفحّام بالإسكندرية، وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتّاب، وبمصر من أبي صادق المديني، وببغداد من ابن الحصين، وقد أخذ عن الزمخشري، وبرع في العربية والقراءات، وتصدّر فيهما، وكان ثقة ثبتا، صاحب عبادة وورع وتبحر في العلوم. توفي يوم الفطر عن اثنتين وثمانين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 200- 201) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 546- 548) .

سنة ثمان وستين وخمسمائة

سنة ثمان وستين وخمسمائة فيها دخل قراقوش [1] مملوك تقي الدّين عمر بن شاه شاه ابن أخي السلطان صلاح الدّين بن أيوب المغرب، فنازل طرابلس المغرب وافتتحها، وكانت للفرنج. وفيها سار شمس الدولة أخو صلاح الدّين، فافتتح اليمن وقبض على المتغلب عليها عبد النّبيّ الزنديق، وقام صيت الدولة الأيوبية. قال في «السمط الغالي الثمن في أخبار ملوك اليمن» : وهم- أي بنو أيوب- سبعة: الملك المعظم توران بن أيوب، والملك العزيز أخوه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، والملك المعز ولده إسماعيل، وسيف الإسلام أتابك سنقر بحكم الأتابكية لولد سيده الملك الناصر أيوب، ثم الملك الناصر أيوب بعده، ثم الملك المعظم سليمان بن تقي الدّين، ثم الملك المسعود صلاح الدّين يوسف بن الملك الكامل، فهؤلاء سبعة، ستة منهم من بني أيوب والسابع مملوكهم. انتهى. وفيها التقى قلج [2] بن لاون الأرمني والرّوم فهزمهم، وكان نور الدّين قد استخدم ابن لاون وأقطعه سيس، وظهر له نصحه، وكان الكلب شديد

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «قراوش» والتصحيح من «العبر» (4/ 201) و «دول الإسلام» (2/ 81) و «غربال الزمان» ص (448) . [2] كذا في «آ» و «ط» «قلج» وفي «الكامل في التاريخ» (11/ 387) و «العبر» (4/ 201) و «دول الإسلام» (2/ 81) : «مليح» .

النصح لنور الدّين، معينا له على الفرنج، ولما ليم نور الدّين في إعطائه سيس، قال: أستعين به وأريح عسكري وأجعله سدّا بيننا وبين صاحب القسطنطينية. وفيها سار نور الدّين، فافتتح [بهسنا و] [1] مرعش، ثم دخل الموصل قلج أرسلان. وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن شنيف الدّارقزّي [2]- نسبة إلى دار القزّ محلة ببغداد [3]- الحنبلي المقرئ أسند من بقي في القراءات، لكنه لم يكن ماهرا بها. قرأ على ابن سوار، وثابت بن بندار، وعاش ستا وتسعين سنة. وفيها أرسلان خوارزم شاه بن أتسز [4] خوارزم شاه بن محمد نوشتكين [5] . ردّ من قتال الخطا فمرض ومات، فتملّك بعده ابنه محمود، فغضب ابنه الأكبر خوارزم شاه علاء الدّين تكش [6] ، وقصد ملك الخطا فبعث معه جيشا، فهرب محمود واستولى هو على خوارزم، فالتجأ محمود إلى صاحب نيسابور المؤيّد فنجده، فالتقيا، فانهزم هؤلاء، وأسر المؤيد وذبح بين يدي تكش [6] صبرا، وقتل أمّ أخيه، وذهب محمود إلى غياث الدّين صاحب الغور [7] فأكرمه.

_ [1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «العبر» (4/ 202) و «دول الإسلام» (2/ 82) . [2] انظر «العبر» (4/ 202) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 512) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 323- 324) وضبط السمعاني نسبته في «الأنساب» (5/ 301) بفتح الدال المهملة وسكون الراء وفتح القاف والزاي. [3] انظر «معجم البلدان» (2/ 422) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أنس» والتصحيح من «العبر» (4/ 202) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 322) . [5] مستدركة من «العبر» . [6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «تكس» بالسين، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [7] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفور» والتصحيح من «العبر» .

وفيها ألدكز ملك أذربيجان وهمذان. كان عاقلا حميد السيرة [1] واسع المملكة [2] ، وكان ابن امرأته أرسلان شاه بن طغرل السلجوقي هو السلطان وألدكز أتابكه، لكنه كان من تحت حكمه، وولي بعده ابنه محمد البهلوان. وفيها الأمير نجم الدّين أيوب بن شادي الدّويني [3]- بضم الدال المهملة وكسر الواو، وتحتية، ونون، نسبة إلى مدينة بأذربيجان- وهو والد الملوك صلاح الدّين، وسيف الدّين، وشمس الدولة، وسيف الإسلام، وشاه شاه، وتاج الملوك بوري، وست الشام، وربيعة خاتون، وأخو الملك أسد الدّين. شبّ به فرسه، فحمل إلى داره ومات بعد أيام في ذي الحجّة، وكان يلقّب بالأجلّ الأفضل، وكان أول ولاية تولاها قلم تكريت بتولية عتّاب ابن مسعود السلجوقي، فقتل أخوه أسد الدّين رجلا فأخرجا منها، فخرجا إلى الموصل، فأحسن إليهما عماد الدّين بن زنكي الأتابك- والأتابك اسم لمن يربي الملك- وهو والد نور الدّين، وهو يومئذ متحكم السلجوقية، فولى نجم الدّين قلعة بعلبك، فبنى بها نجم الدّين خانقاه للصوفية، وهي المعروفة اليوم بالمنجمية، وكان نجم الدّين صالحا، حسن السيرة، كريم السريرة، ولما تولى [4] ولده صلاح الدّين مصر استدعى أباه وكان بدمشق في خدمة نور الدّين محمود بن زنكي، فاستأذنه فأذن له، فلما قدم على ولده صلاح الدّين أراد أن يخلع الأمر إليه فكره، ولما مات نجم الدّين دفن عند أخيه بالقاهرة، ثم نقلا سنة تسع وسبعين إلى المدينة النبوية.

_ [1] في «العبر» (4/ 203) : «جيد السيرة» . [2] في «العبر» : «واسع الممالك» . [3] انظر «العبر» (4/ 203- 204) و «النجوم الزاهرة» (6/ 67- 68) . [4] تحرفت في «آ» إلى «توفي» .

وفيها المؤيد أبي به بن عبد الله السّنجري [1] ، صاحب نيسابور، قتل في هذا العام. وفيها جعفر بن عبد الله بن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن عليّ الدّامغاني الحنفي أبو منصور. روى عن أبي مسلم السّمناني، وابن الطّيوري، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها ملك النّحاة أبو نزار الحسن بن صافي البغدادي [2] الفقيه الأصولي المصنّف في الأصلين، والنحو، وفنون الأدب. استوطن دمشق آخرا، وتوفي بها عن ثمانين سنة. وكان لقّب نفسه ملك النّحاة، ويغضب على من لا يدعوه بذلك، وله ديوان شعر، ومدح النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- بقصيدة طنّانة، واتفق أهل عصره على فضله ومعرفته. قال في «العبر» : كان نحويّا بارعا، وأصوليا متكلما، وفصيحا متفوها، كثير العجب والتيه، قدم دمشق واشتغل بها، وصنّف في الفقه والنحو والكلام، وعاش ثمانين سنة، وكان رئيسا ماجدا. انتهى. وكان شافعيا. قال ابن شهبة: تفقّه على أحمد الأشنهي، تلميذ المتولي، وقرأ أصول الفقه على ابن برهان، وأصول الدّين على أبي عبد الله القيرواني، والخلاف على أسعد الميهني، والنحو على الفصيحي وبرع فيه، وسافر إلى خراسان والهند، ثم سكن واسط مدة، وأخذ عنه جماعة من أهلها، ثم استوطن دمشق، وصنّف في النحو كتبا كثيرة، وصنّف في الفقه كتابا سمّاه

_ [1] انظر «العبر» (4/ 204) . [2] انظر «إنباه الرواة على أنباء النحاة» (1/ 340- 345) و «العبر» (4/ 204) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 4- 5) .

«الحاكم» ومختصرين في الأصلين. وتوفي بدمشق في شوال ودفن بباب الصغير. وفيها الحافظ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهاني أبو الخير [1] . كان من الأئمة الحفّاظ الأمجاد، ومن محفوظه فيما قيل «الصحيحان» بالإسناد. تكلّم فيه أبو موسى المديني وغيره من النّقّاد. قاله ابن ناصر الدّين [2] . وفيها أبو جعفر الصّيدلاني محمد بن الحسن الأصبهاني [3] له إجازة من بيبى الهرثميّة تفرّد بها، وسمع من شيخ الإسلام وطبقته بهراة، ومن سليمان الحافظ وطبقته بأصبهان، توفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «المستفادة من ذيل تاريخ بغداد» ص (291- 292) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 573- 575) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (166/ آ) . [3] انظر «العبر» (4/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 530- 531) .

سنة تسع وستين وخمسمائة

سنة تسع وستين وخمسمائة فيها ثارت الفرنج لموت نور الدّين الملك العادل أبو القاسم محمود ابن زنكي ابن آق سنقر [1] . تملّك حلب بعد أبيه ثم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة، وكان مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وكان أجلّ ملوك زمانه، وأعدلهم، وأدينهم، وأكثرهم جهادا، وأسعدهم في دنياه وآخرته، هزم الفرنج غير مرّة. وأخافهم وجرّعهم المرّ، وكان أولا متحكما لملوك السلاجقة، ثم استقلّ، وكان في الإسلام زيادة ببقائه. افتتح من بلاد الرّوم عدة حصون، ومن بلاد الفرنج ما يزيد على خمسين حصنا، وكان أسمر، طويلا، مليحا، تركي اللحية، نقي الخدّ، شديد المهابة، حسن التواضع، طاهر اللّسان، كامل العقل والرأي، سليما من التكبر، خائفا من الله. قلّ أن يوجد في الصلحاء مثله، فضلا عن الملوك. ختم الله له بالشهادة ونوله الحسنى إن شاء وزيادة، وخطب له في الدّنيا، وأزال الأذان ب (حيّ على خير العمل) وبنى المدارس وسور دمشق، وأسقط ما كان يؤخذ من جميع المكوس، وبنى المكاتب للأيتام ووقف عليها الأوقاف، وبنى الرّبط والبيمارستان، وأقطع العرب الإقطاعات لئلا يتعرضوا للحاج، وبنى الخانات [2] ، وكان حسن الخطّ، كثير المطالعة، مواظبا على الصلوات

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 184- 188) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 531- 539) . [2] في «ط» : «الخانات والرّبط» وقد تقدمت الإشارة إلى بنائه الرّبط قبل قليل كما ترى.

الخمس، كثير تلاوة القرآن، لم تسمع منه كلمة فحش، ذو عقل متين، يحب الصالحين ويزورهم في أماكنهم. قال ابن الأثير [1] : طالعت تواريخ [2] الملوك المتقدّمين- قبل الإسلام وإلى يومنا هذا- فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز، ملكا أحسن سيرة منه، ولا أكثر تحريا للعدل والإنصاف. ثم ذكر زهده، وعدله، وفضله، وجهاده، واجتهاده، وكان لا يأكل، ولا يشرب، ولا يتصرف في شيء يخصه إلّا من ملك اشتراه من سهمه من غنائم الكفّار، ولم يلبس حريرا قطّ ولا ذهبا ولا فضة، وكان كثير الصيام، وله أوراد في الليل والنهار [3] ، وكان يقدم أشغال المسلمين عليها، ثم يتمم، وكان يلعب بالكرة في ميدان دمشق، فجاء رجل فوقف بإزائه، فقال للحاجب: سله ما حاجته؟ فقال: لي مع نور الدّين حكومة، فرمى الصولجان من يده وجاء إلى مجلس القاضي كمال الدّين الشّهرزوري، وقال له: لا تنزعج، واسلك معي ما تسلكه مع آحاد الناس، فلما حضر سوى بينه وبين خصمه وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حقّ، وكان يدعي ملكا [4] في يد نور الدّين، فقال نور الدّين للقاضي: هل ثبت له عليّ حقّ؟ قال: لا. قال: فاشهدوا أني قد وهبت الملك له، وقد كنت أعلم أنه لا حقّ له عندي، وإنما حضرت معه لئلا يقال عنّي أني طلبت إلى مجلس الشرع فأبيت. وبنى دار العدل، وكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام، ويحضر عنده الفقهاء، ويأمر بإزالة الحجّاب والبوّاب حتّى يصل إليه الشيخ الكبير

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (11/ 403) . [2] في «الكامل» : «سير» . [3] في «ط» : «في النهار والليل» . [4] يعني شيئا من أملاكه.

والضعيف، ويسأل الفقهاء عما أشكل، وإذا حضر الحرب شد تركشين [1] وحمل قوسين، وبنى جامعه بالموصل، وفوّض أمره إلى الشيخ عمر الملّا، وكان من الأخيار، وإنما قيل الملّا لأنه كان يملأ أتون الآجر ويتقوت بالأجرة، وليس عليه غير قميص ولا عمامة، ولا يملك شيئا، فقيل له: إن هذا لا يصح لمثل هذا العمل، فقال: إذا وليت بعض الأجناد لا يخلو من الظلم وهذا الشيخ لا يظلم، فإن ظلم كان الظلم عليه، فدفع إلى الشيخ ستين ألف دينار، وقيل: ثلاثمائة ألف دينار، فتم بناؤه في ثلاث سنين، فلما دخل نور الدّين إلى الموصل دخله وصلى فيه، ووقف عليه قرية، فدخل عليه الملّا وهو جالس على دجلة، وترك بين يديه دفاتر الخرج، وقال: يا مولانا أشتهي أن تنظر فيها، فقال نور الدّين: يا شيخ، نحن عملنا هذا لله تعالى، دع الحساب ليوم الحساب، ثم رمى الورق إلى دجلة. ووقع في يده ملك من ملوك الفرنج، فبذل في نفسه مالا عظيما، فشاور الأمراء، فأشاروا ببقائه في الأسر خوفا من شرّه، فقال له نور الدّين أحضر المال، فأحضر ثلاثمائة ألف دينار، فأطلقه، فلما وصل إلى بلده مات. وطلب الأمراء سهمهم، فقال: ما تستحقون شيئا لأنكم أشرتم بغير الفداء، وقد جمع الله تعالى بين الحسنيين الفداء وموت اللعين، فبنى بذلك الفداء المارستان الذي بدمشق، والمدرسة، ودار الحديث، ووقف عليها الأوقاف. وذكر المطري [2] في كتابه «تاريخ المدينة» أن السلطان محمود رأى

_ [1] في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (20/ 531) : «تركاشين» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» وهو الصواب. جاء في «معجم الألفاظ الفارسية المعربة» لادي شير ص (36) : التّلكش تعريب «تركش» وهو الجعبة. [2] هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن خلف الخزرجي الأنصاري السعدي المدني المطري، المتوفى سنة (741) هـ، واسم كتابه الذي ألمح إليه المؤلف «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» . انظر «لحظ الألحاظ» ص (110) و «الأعلام» (5/ 325- 326) .

النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في ليلة واحدة ثلاث مرات، وهو يقول له في كل واحدة منها: «يا محمود أنقذني من هذين الشّخصين» لشخصين أشقرين تجاهه، فاستحضر وزيره قبل الصبح فأخبره، فقال له [1] : هذا أمر حدث في مدينة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- ليس له غيرك، فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك، حتّى دخل المدينة على غفلة، فلما زار طلب الناس عامة للصدقة، وقال: لا يبقى بالمدينة أحد إلّا جاء، فلم يبق إلّا رجلان مجاوران من أهل الأندلس، نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة- رضي الله عنهم- قالا: نحن في كفاية، فجدّ في طلبهما، حتّى جيء بهما، فلما رآهما قال للوزير: هما [2] هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما، فقالا لمجاورة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- فكرر السؤال عليهما، حتّى أفضى إلى العقوبة، فأقرا أنهما من النصارى، وصلا لكي ينقلا النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- من هذه الحجرة الشريفة، ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي يجعلان التراب في بئر عندهما في البيت، فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- خارج المسجد، ثم أحرقا، وركب متوجها إلى الشام راجعا، فصاح به من كان نازلا خارج السور واستغاثوا وطلبوا أن يبني لهم سورا يحفظهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم [3] ومثل هذا لا يجري إلّا على يد وليّ الله تعالى. توفي- رحمه الله تعالى- بعلة الخوانيق، وأشار عليه الأطباء بالفصد فامتنع، وكان مهيبا، فما روجع، ودفن في بيت كان يخلو فيه بقلعة دمشق، ثم نقل إلى مدرسته التي

_ [1] لفظة «له» لم ترد في «آ» . [2] لفظة «هما» سقطت من «آ» . [3] ولم يعد لذلك السور أثر الآن، وليت ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية يبادرون إلى إعادة بناء ذلك السور في مكانه الأول إحياء لذكر نور الدّين العظيم.

عند سوق الخواصين، وروي أن الدعاء عند قبره مستجاب [1] ويقال: إنه دفن معه ثلاث شعرات من شعرات [2] لحيته- صلى الله عليه وسلم- فينبغي لمن زاره أن يقصد زيارة شيء منه- صلى الله عليه وسلم- ولما مات كان عمره نيفا وخمسين سنة. وقام بعده بالملك ولده الصالح إسماعيل، ولما استظهر السلطان صلاح الدّين بن أيوب على بلاد الشام كلها تركه في حلب حتّى توفي سنة سبع وسبعين، وكان لموته وقع عظيم في قلوب الناس لصلاحه أيضا. وفيها النقيب أبو عبد الله [3] أحمد بن علي الحسيني [4] الأديب، نقيب الطالبين. روى عن أبي الحسين بن الطّيوري وجماعة، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها أبو إسحاق بن قرقول الحافظ إبراهيم بن يوسف الوهراني الحمزي- وحمزة اسم قريته [5]- سمع الكثير وعاش أربعا وستين سنة، وكان من أئمة أهل المغرب، فقيها، مناظرا، متفننا [6] حافظا للحديث، بصيرا بالرجال. قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة مأمونا. وفيها الحافظ أبو العلاء العطّار الحسن بن أحمد الهمذاني [7]

_ [1] قلت: وذلك من مبالغات المتأخرين. [2] في «ط» : «من شعر» . [3] في «آ» : «عبد الله» وهو خطأ. [4] انظر «العبر» (4/ 205) . [5] في «آ» و «ط» «الجمري، وجمرة اسم قريته» وهو تصحيف، صوابه: الحمزي- نسبة إلى حمزة مدينة بالمغرب- وهو ما أثبته انظر «وفيات الأعيان» (1/ 62- 63) و «العبر» (4/ 205) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 520) و «الوافي بالوفيات» (6/ 171) و «معجم البلدان» (2/ 302) و «التبيان شرح بديعة البيان» (167/ آ) . [6] في «آ» : «متقنا» . [7] انظر «العبر» (4/ 206) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 324- 329) .

المقرئ الحنبلي، الأستاذ، شيخ همذان وقارئها وحافظها. رحل وحمل القراءات والحديث عن الحدّاد، وقرأ بواسط على القلانسي، وببغداد على جماعة، وسمع من ابن بيان وطبقته، وبخراسان من الفراوي وطبقته. قال الحافظ عبد القادر الرّهاوي: شيخنا أبو العلاء، أشهر من أن يعرّف، بل يتعذّر وجود مثله في أعصار كثيرة، وأول سماعه الدّوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، برع على حفّاظ زمانه في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب، والتواريخ، والأسماء، والكنى، والقصص، والسير، وله التصانيف في الحديث [والقراءات] والرقائق. وله في ذلك مجلدات كبيرة منها: كتاب «زاد المسافر» في الحديث والقراءات، خمسون مجلدا. قال: وكان إماما في العربية سمعت أنّ من جملة ما حفظ في اللغة كتاب «الجمهرة» وخرج له تلامذة في العربية أئمة، منهم إنسان كان يحفظ كتاب «الغريبين» للهروي، ثم أخذ عبد القادر يصف مناقب أبي العلاء ودينه وكرمه وجلالته، وأنه أخرج جميع ما ورثه، وكان أبوه تاجرا وأنه سافر مرّات ماشيا يحمل كتبه على ظهره، ويبيت في المساجد، ويأكل خبز الدّخن [1] إلى أن نشر الله ذكره في الآفاق. وقال ابن رجب: ولد بكرة يوم السبت رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وقال ابن السمعاني في حقه: حافظ متقن مقرئ فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النّفس، سخيّ بما يملك، مكرم للغرباء، يعرف القراءات، والحديث، والأدب، معرفة حسنة. سمعت منه.

_ [1] جاء في «المعجم الوسيط» (دخن) : الدّخن: نبات عشبيّ من النجيليات، حبّه صغير أملس كحب السمسم، ينبت برّيّا ومزروعا.

وذكره ابن الجوزي في «طبقات الأصحاب» وذكر في آخر [1] كتابه «التلقيح» أن أبا العلاء كان هو محدّث عصره ومقرئه. وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكّن أحدا أن يعمل في محلته منكرا ولا سماعا، وتوفي ليلة الخميس لسبع عشرة بقيت من جمادى الأولى ببغداد. وفيها دهبل بن علي بن منصور بن إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن كاره البغدادي الحريمي الخباز أبو الحسن [2] الحنبلي. ولد سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وسمع من ابن البسري، وابن نبهان، وغيرهما. قال الشيخ موفق الدّين [المقدسي] : كان فقيها من فقهاء أصحابنا، وكان شيخا صالحا. وقال أبو المحاسن القرشي [3] : كان فقيها حسنا فاضلا زاهدا صادقا ثقة. وذكر غيره أنه أضرّ بأخرة. وقال ابن رجب: روى عنه ابن الأخضر وجماعة، وتوفي ليلة الثلاثاء لليلتين خلتا من المحرم، ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها أبو محمد بن الدهّان سعيد بن المبارك البغدادي النحوي، ناصح الدّين [4] ، صاحب التصانيف الكثيرة. ألّف شرحا ل «الإيضاح» في ثلاث

_ [1] لفظة «آخر» سقطت من «آ» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 329) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 46) . [3] في «آ» و «ط» : «العرسي» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] انظر «إنباه الرواة» (2/ 47- 51) و «العبر» (4/ 207) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 581- 582) .

وأربعين مجلدة [1] ، وسكن الموصل، وأضرّ بأخرة، وكان سيبويه زمانه. تصدّر للاشتغال [2] خمسين سنة [وعاش بضعا وسبعين سنة] [3] . وفيها أبو محمد عبد الصمد بن بديل بن الخليل الجيلي [4] المقرئ الحنبلي. قال ابن القطيعي: قدم بغداد، ونزل باب الأزج، وقرئ عليه القرآن بالروايات الكثيرة، ورواها عن أبي العلاء الهمذاني [5] وكان عالما ثقة ثبتا فقيها مفتيا، وكان اشتغاله بالفقه على والدي رحمه الله. وناظر، ودرّس، وأفتى، وكتب إليّ وأنا مسافر كتابا ذكر لي فيه ما أحببت ذكره لبركته: الله الله، كن مقبلا مديما على شؤونك مشتغلا، بما أنت بصدده، ولا تكن مضيعا أنفاسا معدودة وأعمارا محسوبة، واجعل ما لا يعنيك دبر أذنك، وأغمض عينيك [6] عما ليس من حظها، واطلب من ريحانه ما حلّ لك، ودع ما حرّم عليك، وبذلك تغلب شيطانك [7] ، وتحوز مطالبك، والسلام. توفي- رحمه الله- سنة تسع وستين [8] وخمسمائة، ودفن بمقبرة أحمد بالقرب من بشر الحافي، رضي الله عنهما. انتهى. وقال ابن النجار: صحب القاضي أبا يعلى، وتفقّه عليه، وكان خصيصا

_ [1] قلت: وشرح أيضا كتاب «اللّمع» لابن جنّي في مجلدين، قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (2/ 382) : ولم أر مثله مع كثرة شروح هذا الكتاب. [2] في «آ» و «ط» : «للاشتغال» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف. [3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 329- 330) . [5] تصحفت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الهمداني» والتصحيح من ترجمته في «معرفة القراء الكبار» (2/ 542) . [6] في «آ» و «ط» : «عينك» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [7] تحرفت في «آ» إلى «سليمانك» . [8] تحرفت في «آ» إلى «وخمسين» .

به، وأنه توفي يوم السبت سلخ ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وفيها أبو بكر عبد الرحمن المقرئ بن الأسعد الغيّاثي [1] الفقيه الحنبلي، ويعرف بالأعزّ البغدادي. كان في ابتداء أمره يغنّي، وله صوت حسن، ثم تاب وحسنت توبته. وقرأ القرآن في زمن يسير، وتعلّم الخطّ في أيام قلائل، وحفظ كتاب الخرقي وأتقنه، وقرأ مسائل الخلاف على جماعة من الفقهاء، وكان ذكيا جدا يحفظ في يوم واحد ما لا يحفظ غيره في شهر. وسمع من عبد الوهاب الأنماطي، وسعد الخير الأنصاري [2] ، وتكلّم في مسائل الخلاف، وسافر إلى الشام، وسكن دمشق مدة، وأمّ بالحنابلة في جامعها، ثم توجه إلى ديار مصر، فاستوطنها إلى حين وفاته، وكان فقيها فاضلا قارئا مجوّدا، طيب النغمة. قال ابن اللّيثي [3] : كان قويا في دين الله، متمسكا بالآثار، لا يرى منكرا أو يسمع به إلّا غيّره، لا يحابي في قول الحقّ أحدا. قال: وصحبته وسمعت عليه معتقدا في السّنّة. قاله ابن رجب. وفيها عبد النّبيّ بن المهدي [4] الذي كان تغلّب على اليمن، ويلقب بالمهدي، وكان أبوه أيضا قد استولى على اليمن، فظلم، وغشم، وذبح الأطفال، وكان باطنيا من دعاة المصريين، فهلك سنة ست وستين، وقام بعده ولده [5] هذا فاستباح الحرائر، وتمرد على الله، فقتله شمس الدولة كما ذكرنا.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 330- 331) وفيه: «عبد الرحمن بن النفيس بن الأسعد» . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأنماطي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن اللتي» بالتاء، ولم أظفر بترجمة له فيما بين يديّ من المصادر والمراجع. [4] انظر «العبر» (4/ 207) و «غربال الزمان» ص (453) . [5] في «العبر» : «الولد» .

وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني القرطبي [1] ، نزيل فاس. سمع «الموطأ» من أبي عبد الله بن الطلّاع [2] ، وأخذ القراءات عن أبي الحسن العبسي، وسمع من حازم بن محمد والكبار، وحجّ سنة خمسمائة، ولقي الكبار وعمّر دهرا. ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة، وتصدّر للإقراء مدة. وفيها الفقيه عمارة بن علي بن زيدان أبو محمد الحكمي المذحجي اليمني [3] الشافعي الفرضي، نجم الدّين، نزيل مصر، وشاعر العصر. قال ابن خلّكان [4] : كان شديد التعصب للسّنّة، أديبا، ماهرا، لم يزل ماشي الحال في دولة المصريين إلى أن ملك صلاح الدّين، فمدحه ثم إنه شرع في أمور، وأخذ في اتفاق مع الرؤساء في التعصب للعبيديين وإعادة دولتهم، فنقل أمرهم- وكانوا ثمانية- إلى صلاح الدّين فشنقهم في رمضان. انتهى. وقال الإسنوي [5] : حجّ سنة تسع وأربعين، وسيّره قاسم بن هاشم أمير مكّة- شرفها الله تعالى- رسولا إلى الدّيار المصرية، فدخلها في ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة، والخليفة يومئذ الفائز بن الظافر، والوزير الصالح بن رزّيك، فمدحهما بقصيدة منها: الحمد للعيس بعد العزم والهمم ... حمدا يقوم بما أولت [6] من النّعم [7]

_ [1] انظر «العبر» (4/ 208) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 56- 57) . [2] في «سير أعلام النبلاء» : «الكلاعي» . [3] انظر «العبر» (4/ 208) و «غربال الزّمان» ص (453- 454) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 433) . [5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 565- 568) . [6] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (3/ 432) : «بما أولت» وفي «طبقات الشافعية» للإسنوي: «بما أوليت» . [7] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «من نعم» .

لا أجحد الحقّ عندي للركاب يد ... تمنّت اللّجم فيها رتبة الخطم قرّبن بعد مزار العزّ من نظري ... حتّى رأيت إمام العصر من أمم ورحن [1] من كعبة البطحاء مجتهدا [2] ... وفدا إلى كعبة المعروف والكرم حيث الخلافة مضروب سرادقها ... بين النقيضين من عفو ومن نقم فاستحسنا قصيدته وأجزلا صلته، وأقام إلى شوال من سنة خمسين في أرغد عيش وأعزّ جانب، ثم فارق مصر وتوجه إلى مكّة- حرسها الله تعالى- ثم إلى زبيد في صفر سنة إحدى وخمسين، ثم حجّ من عامه، فأرسله قاسم صاحب مكة إلى مصر في رسالة ثانية، فاستوطنها ولم يفارقها بعد، فأحسن إليه الصالح ومن يتعلق به كل الإحسان، وصحبوه مع اختلاف العقيدة وشدة التعصب للسّنّة، ولما لطف الله بإزالة ملك الدولة، كان عمارة مقيما بها، فرثاهم بقصيدة لامية طنّانة، ثم شرع في الاتفاق مع جماعة من رؤساء البلد على إعادة الدولة المصرية، فعلم بهم السلطان، وكانوا ثمانية من الأعيان، ومن جملتهم الفقيه عمارة المذكور، فأمر بشنق الجميع، فشنقوا في يوم السبت ثاني شهر رمضان، وكفى الله شرّهم. ولما قبض على المذكور وأخذ للشنق تحيّل على المرور على باب القاضي الفاضل، فغيّب عنه، وامتنع من رؤيته، فأنشد: عبد الرحيم قد احتجب ... إن الخلاص من العجب وكان ذلك آخر شيء نظمه. انتهى ما ذكره الإسنويّ. وقيل: إنه صلب منكسا، وأنه أنشد في هذه الحالة: وما تعلّقت بالسرياق منتكسا ... لعلة أوجبت تعذيب ناسوتي

_ [1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وأرحن» . [2] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي: «مجتهدا» وفي «وفيات الأعيان» : «والحرم» .

لكنّني مذ نفثت السّحر من كلمي ... عذّبت تعذيب هاروت وماروت فالله أعلم. وفيها هبة الله بن كامل المصري التّنوخي [1] قاضي القضاة، وداعي الدّعاة أبو القاسم، قاضي الخليفة العاضد. كان أحد الثمانية الذين سعوا في إعادة دولة بني عبيد، فشنقهم صلاح الدّين، رحمه الله تعالى. وفيها أبو البركات يحيى بن نجاح بن مسعود بن عبد الله اليوسفي [2] المؤدّب، الأديب الشاعر الحنبلي. سمع من أبي العز بن كادش وغيره. وقال ابن الجوزي: سمع الحديث الكثير، ثم قرأ النحو، واللغة، وكان غزير الفضل، يقول الشعر الحسن. وقال ابن القطيعي: كان من أهل الأدب والعلم [وفيه فضل] ، له خطّ حسن وشعر رقيق. سمع منه جماعة من الطلبة، وكان حنبلي المذهب، حسن الاعتقاد. ومن شعره: أقلى منك ذا الجفا أم دلال ... كلّ يوم يروعني منك حال أعذول يغريك أم عزّة المع ... شوق أم هكذا يتيه الجمال نظرة كنت يوم ذاك فإني ... صرت في القلب عثرة لا تقال أنا عرّضت يوم سلع بنفسي ... للهوى فالغرام داء عضال [3] عبثا تقتل النّفوس ولا تح ... سب إلّا أن الدّماء حلال

_ [1] انظر «العبر» (4/ 209) و «دول الإسلام» (2/ 84) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 331- 332) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [3] رواية البيت في «ذيل طبقات الحنابلة» : أنا عرضت مهجتي يوم سلع ... للهوى فالغرام داء عضال

من عجيب أن لا يطيش لها سه ... م ولم تدر قطّ كيف النّضال وهي طويلة. توفي- رحمه الله تعالى- يوم السبت لإحدى عشرة مضت من شوال، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد.

سنة سبعين وخمسمائة

سنة سبعين وخمسمائة فيها قدم صلاح الدّين، فأخذ دمشق بلا ضربة ولا طعنة، وسار الصالح إسماعيل بن نور الدّين الشهيد في حاشيته إلى حلب، ثم سار صلاح الدّين، فحاصر حمص بالمجانيق، ثم سار فأخذ حماة في جمادى الآخرة، ثم سار فحاصر حلب، وأساء العشرة في حقّ آل نور الدّين، ثم ردّ وتسلّم حمص، ثم عطف إلى بعلبك فتسلّمها، ثم كرّ فالتقى عز الدّين مسعود ابن مودود بن صاحب الموصل وأخو صاحبها، فانهزم المواصلة على قرون حماة أسوأ هزيمة، ثم استناب أخاه بدمشق سيف الإسلام، وكان بمصر أخوه العادل. وفيها توفي أحمد بن المبارك المرقّعاتي [1] . روى عن جدّه لأمّه ثابت بن بندار، وكان يبسط المرقّعة للشيخ عبد القادر [2] على الكرسي، توفي في صفر. وفيها خديجة بنت أحمد بن الحسين النّهرواني [3] . روت عن أبي عبد الله النّعالي، وكانت صالحة، توفيت في رمضان.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 210) . [2] يعني الجيلاني. [3] انظر «العبر» (4/ 210) .

وفيها حامد بن محمود بن حامد بن محمد [1] بن أبي عمرو الحرّاني [2] ، الخطيب الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو الفضل، المعروف بابن أبي الحجر، ويلقب تقي الدّين، شيخ حرّان، وخطيبها ومدرسها ومفتيها. ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة بحرّان كما قال ابن تيمية، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من عبد الوهاب الأنماطي الحافظ وغيره، وتفقّه بها، وبرع وناظر، ولقي بها الشيخ عبد القادر ولازمه، فرآه الشيخ يوما يمشي على سجادته- على بساط للشيخ- فقال الشيخ عبد القادر: كأني بك وقد دست على بساط السلطان، فكان كما قال. وقال ابن الجوزي: صديقنا، قدم بغداد، وتفقّه وناظر، وعاد إلى حرّان، وأفتى ودرّس، وكان ورعا به وسوسة في الطهارة. وذكر ابن القطيعي نحوا من ذلك، وقال: كان تاليا للقرآن، كتبت عنه، وكان ثقة. انتهى. وقال [ناصح الدّين] بن الحنبلي: كان شيخ حرّان في وقته، بنى نور الدّين محمود المدرسة في حرّان لأجله، ودفعها إليه ودرّس بها، وتولى عمارة جامع حرّان فما قصّر فيه. وقال ابن رجب: أخذ عنه العلم جماعة من أهل حرّان، منهم: الخطيب فخر الدّين بن تيمية، وابن عبدوس، وغيرهما. وسمع منه الحديث بحرّان جماعة، منهم: أبو المحاسن القرشي الدمشقي، وابن القطيعي. وروى عنه في «تاريخه» وقال: توفي لسبع خلون من شوال بحرّان.

_ [1] قوله: «ابن محمد» سقط من «آ» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 332- 334) .

وفيها شملة [1] التركماني. تملّك بلاد فارس، وجدّد قلاعا، وحارب الملوك، ونهب المسلمين، وكان يخطب للخليفة. التقاه البهلوان [بن إيلدكز] [2] ومعه عسكر من التركمان لهم ثأر على شملة [1] فانهزم جيشه، وأصابه سهم وأسر فمات، وكان ظالما جبّارا، فرح الناس بمصرعه، وكانت أيّامه عشرين سنة. قاله في «العبر» . وفيها قايماز الملك قطب الدّين المستنجدي [3] . عظم في دولة مولاه، وصار مقدّم الجيش في دولة المستضيء، واستبد بالأمور إلى أن همّ بالخروج، فسار بعسكره نحو الموصل، فمات في ذي الحجّة، وكان فيه كرم وقلة ظلم. وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي اللّبلي [4] نزيل فاس [5] ثم مرّاكش. روى عن ابن الطلّاع [6] ، وحازم بن محمد. وسمع «صحيح مسلم» من أبي علي الغسّاني. قال [ابن] الأبّار: كان من أهل الرواية والدراية، لازم مالك بن وهيب مدة. وفيها أبو شجاع عمر بن محمد البسطامي البلخي [7] كان فقيها فاضلا.

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سملة» والتصحيح من «العبر» (4/ 211) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 64- 65) و «البداية والنهاية» (12/ 291) . [2] زيادة من «الكامل في التاريخ» (11/ 267) و «العبر» و «النجوم الزاهرة» (6/ 74) واسمه محمد، وكان يلقب بالبهلوان. [3] انظر «العبر» (4/ 211) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 66) . [4] انظر «العبر» (4/ 211) و «النجوم الزاهرة» (6/ 75) . [5] تحرفت في «آ» إلى «فارس» . [6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن الطلاح» والتصحيح من «العبر» . [7] انظر «الأنساب» (2/ 214) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 452- 454) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 248- 250) .

ومن شعره: وجرّبت أبناء الزّمان بأسرهم ... فأيقنت أنّ القلّ في عدّهم كثر وخبرت طغواهم ولوم فعالهم ... فلما التقينا صغّر الخبر الخبر وفيها أبو الفضل يحيى بن جعفر [1] صاحب المخزن، ونائب الوزارة. كان حافظا للقرآن، فاضلا، عادلا، محبا للصالحين والعلماء، وذكره مأوى لهم. سمع الحديث الكثير. قام إليه الحيص بيص وهو في نيابة الوزارة، فقال: لكلّ زمان من أماثل أهله ... برامكة يمتارهم كلّ معشر [2] أبو الفضل يحيى مثل يحيى بن خالد ... يدا [3] وأبوه جعفر مثل جعفر فقام ناشب [4] الواعظ، فأنشد: وفي الجانب الشّرقيّ يحيى بن جعفر ... وفي الجانب الغربيّ موسى بن جعفر فذاك إلى الله الكريم شفيعنا ... وهذا إلى المولى الكريم المطهّر أراد جعفر الصّادق.

_ [1] انظر «المنتظم» (10/ 256) و «وفيات الأعيان» (6/ 243- 244) و «الكامل في التاريخ» (11/ 426) و «النجوم الزاهرة» (6/ 74- 75) . [2] رواية «النجوم الزاهرة» : «كل معسر» . [3] في «آ» و «ط» : «ندى» وأثبت لفظ «النجوم الزاهرة» . [4] في «النجوم الزاهرة» : «ثابت» .

سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

سنة إحدى وسبعين وخمسمائة فيها سار صلاح الدّين، فأخذ منبج، ثم نازل قلعة عزاز مدة، وقفز على الإسماعيلية فجرحوه في فخذه، وأخذوا فقتلوا، وافتتح القلعة. وفيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب «التاريخ» الثمانين مجلدة [1]

_ [1] واسمه الكامل «تاريخ دمشق حماها الله وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأوائل، أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها» وهو من أحسن ما كتب في تاريخ البلدان، ترجم فيه ابن عساكر للأعيان والمحدّثين والقادة وسواهم من مشاهير الزمان منذ عصر الصحابة وحتى الزمن الذي عاش فيه، وقد رتب الأسماء على حروف المعجم مع تقديم تراجم من سمي ب «أحمد» على من سواهم. وقد شرع المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية) في عهد رئيسه الأول العلّامة المؤرخ الأستاذ محمد كرد علي بنشر هذا الكتاب العظيم فأخرج المجلدتين الأولى والثانية بتحقيق الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد، والمجلدة العاشرة بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد أحمد دهمان، وبعد فترة طويلة تابع المجمع نشر الكتاب فأخرج مجلدة أخرى تضم تراجم (عاصم- عائذ) بتحقيق الأستاذ الدكتور شكري فيصل ومشاركة بعض الأساتذة، وتلتها مجلدة أخرى ضمت تراجم (عبادة بن أوفى- عبد الله بن ثوب) وقد تولى تحقيقها الأستاذ الدكتور شكري فيصل والأستاذان رياض عبد الحميد مراد وروحية النحاس، ثم تلتها مجلدة أخرى ضمت تراجم (عبد الله بن جابر- عبد الله بن زيد) تولى تحقيقها الأستاذ الدكتور شكري فيصل والأستاذان سكينة الشهابي ومطاع الطرابيشي، ثم صدرت المجلدة الأخيرة من الكتاب المشتملة على تراجم النساء وقد تولت تحقيقها الأستاذة سكينة الشهابي، ثم صدرت بعض المجلدات الأخرى من الكتاب بتحقيق عدد من الأفاضل، وقد ترامى إلى سمعي أن مؤسسة الرسالة في بيروت تزمع على إعادة نشر الكتاب كاملا بتحقيق جديد ومنهج جديد.

أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله الدمشقي [1] محدّث الشام، ثقة الدّين. قال ابن شهبة [2] : فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب «تاريخ دمشق» وغيره من المؤلفات المفيدة المشهورة. مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة. رحل إلى بلاد كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، وتفقّه بدمشق وبغداد، وكان ديّنا خيّرا يختم في كل جمعة، وأما في رمضان ففي كل يوم، معرضا عن المناصب بعد عرضها عليه، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قليل الالتفات إلى الأمراء وأبناء الدنيا. قال الحافظ أبو سعد السمعاني في «تاريخه» : هو كثير العلم غزير الفضل، حافظ، ثقة، متقن، ديّن، خيّر، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت، محتاط، رحل وبالغ في الطلب، إلى أن جمع ما لم يجمع غيره، وصنّف التصانيف، وخرّج التخاريج. وقال أبو محمد عبد القادر الرّهاوي: رأيت الحافظ السّلفي والحافظ أبا العلاء الهمذاني، والحافظ أبا موسى المديني، ما رأيت فيهم مثل ابن عساكر. توفي في رجب ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي الحجرة التي فيها معاوية، رضي الله عنه. ومن تصانيفه المشهورة: «التاريخ الكبير» ثمانمائة [جزء في ثمانين وقد قام الإمام ابن منظور باختصار الكتاب إلى نحو الربع، وتقوم دار الفكر بدمشق بطبع هذا المختصر بتحقيق عدد من الأساتذة وقد صدرت معظم أجزائه. وقام العلّامة الشيخ عبد القادر بدران الدّوماني الدمشقي بتهذيب هذا «التاريخ» وقد طبع من تهذيبه سبع مجلدات، اعتنى بإخراج السادس والسابع منها الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 309- 311) و «العبر» (4/ 212- 213) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 554- 571) وكتابي «عناقيد ثقافية» ص (45- 51) طبع دار المأمون للتراث بدمشق. [2] انظر «طبقات الشافعية» (2/ 13- 15) .

مجلدا [1] ، «الموافقات» اثنان وسبعون جزءا، «الأطراف للسنن الأربعة» ] [2] ثمانية وأربعون جزءا، «معجم شيوخه» [3] اثنا عشر جزءا، «مناقب الشبان» خمسة عشر جزءا، «فضل أصحاب الحديث» أحد عشر جزءا، «تبيين كذب المفتري على الشيخ أبي الحسن الأشعري» مجلدة. وقال الذهبي: ومن تصفّح «تاريخه» عرف منزلة الرجل في الحفظ. وله شعر حسن، منه: ألا إنّ الحديث أجلّ علم ... وأشرفه الأحاديث العوالي وأنفع كلّ نوع [4] منه عندي ... وأحسنه الفرائد [5] والأمالي وإنّك لن ترى للعلم شيئا ... يحقّقه كأفواه الرّجال فكن يا صاح ذا حرص عليه ... وخذه من الرّجال بلا ملال ولا تأخذه من صحف فترمى ... من التّصحيف بالدّاء العضال وفيها حفدة العطّاري [6] ، الإمام مجد الدّين أبو منصور، محمد بن أسعد بن محمد الطّوسي، الفقيه الشافعي، الأصولي الواعظ، تلميذ محيي السّنّة البغوي، وراوي كتابيه «شرح السّنّة» و «معالم التنزيل» وقد دخل إلى

_ [1] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «مجلدة» . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [3] وهو مخطوط لم يطبع بعد ويقع في مجلدين. وله أيضا «المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل» وقد قامت بطبعه لأول مرة دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذة سكينة الشهابي. [4] في «آ» و «ط» : «كل يوم» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [5] في «آ» و «ط» : «الفوائد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (3/ 310) . [6] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (121/ ب) إلى «العطاردي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (4/ 238- 239) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 539- 540) و «العبر» (4/ 213) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 76) . قال ابن خلّكان: وحفدة: بفتح الحاء المهملة والفاء والدال المهملة، ولا أعلم لم سمي بهذا الاسم مع كثرة كشفي عنه.

بخارى [وتفقه بها] [1] ثم عاد إلى أذربيجان والجزيرة، وبعد صيته في الوعظ. أنشد يوما على الكرسي من جملة أبيات: تحية صوب [2] المزن يقرؤها الرّعد ... على منزل كانت تحلّ به هند نأت فأعارتها [3] القلوب صبابة ... وعارية العشّاق ليس لها ردّ قال ابن خلّكان: توفي في ربيع الآخر، ثم قال: وقيل سنة ثلاث وسبعين. وفيها أبو النجم المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي [4] الفرضي الحنبلي، المعروف بابن القابلة. ولد سنة خمس وخمسمائة تقريبا، وسمع من طلحة العاقولي سنة عشر، وهو أقدم سماع وجد له، ومن القاضي أبي الحسين بن الفرّاء، وأبي غالب الماوردي، وغيرهم. قال ابن الجوزي: كان عارفا بعلم الفرائض والحساب والدور، حسن العلم بالجبر والمقابلة، وغامض الوصايا والمناسخات، أمّارا بالمعروف، شديدا على أهل البدع، عارفا بمواقيت الشمس والقمر. توفي ليلة السبت لعشر بقين من جمادى الأولى ودفن بمقبرة الطبري بقرية الزادمان [5] ظاهر بغداد. وفيها أبو المحاسن المجمعي محمد بن عبد الباقي بن هبة الله بن حسين بن شريف المجمعي الموصلي الحنبلي [6] .

_ [1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «صوت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «فأعرناها» . [4] انظر «المنتظم» (10/ 261) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 334- 335) . [5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتظم» : «الزادمان» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «الزاويان» . [6] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 335) .

ذكره ابن القطيعي فقال: أحد فقهاء الحنابلة المواصلة، ورد بغداد وتفقّه على القاضي أبي يعلى، وسمع بها الحديث والأدب، وكان تاليا لكتاب الله تعالى، وجمع كتابا اشتمل على طبقات الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد. قال: وكان بالموصل عمر الملّا مقدّما في بلده، فاتهم [1] بشيء من ماله، وكان خصيصا به، فضربه إلى أن أشفى على التلف، ثم أخرجه إلى بيته، وبقي أياما يسيرة، وتوفي في رجب- أو شعبان- بالموصل. وعمر هذا [2] كان يظهر الزهد والديانة، وأظنه كان يميل إلى المبتدعة، وقد تبين بهذه الحكاية أيضا، ظلمه وتعديه. قاله ابن رجب.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فاتهمه» . [2] في «آ» : «وهذا محمد» وفي «ط» : «وهذا عمر» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة فيها أمر صلاح الدّين ببناء السور الكبير المحيط بمصر والقاهرة من البرّ، وطوله تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالقاسمي، فلم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدّين وأنفق عليه أموالا لا تحصى، وكان مشيد بنائه قراقوش، وأمر أيضا بإنشاء قلعة الجبل، ثم توجه إلى الإسكندرية، وسمع الحديث من السّلفي. قاله في «العبر» [1] . وفيها كانت وقعة الكنز، جمع الكنز الأسود مقدّم السودان خلقا وجيّش بالصعيد ليعيد دولة العبيديين، وسار إلى القاهرة في مائة ألف، فخرج لحربه نائب مصر سيف الدّين أبو بكر العادل، فالتقوا، فانكسر الكنز وقتل في المصاف. قال أبو المظفر بن الجوزي: قيل: إنه قتل منهم ثمانون ألفا، يعني من السودان. وفيها توفي أبو محمد صالح بن المبارك بن الرّخلة الكرخي [2] المقرئ القزاز. سمع النّعالي وغيره، وتوفي في صفر. وفيها العثماني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي

_ [1] (4/ 213- 214) . [2] انظر «العبر» (4/ 214) .

الدّيباجي، محدّث الإسكندرية بعد السّلفي في الرتبة. روى عن أبي القاسم ابن الفحّام وغيره، ويعرف بابن أبي اليابس. كان ثقة صالحا يقرئ النحو واللغة، وكان السّلفيّ يؤذيه ويرميه بالكذب، فكان يقول: كل من بيني وبينه شيء فهو في حلّ إلّا السّلفي، فبيني وبينه وقفة بين يدي الله تعالى. توفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة. قاله في «العبر» [1] . وفيها أبو الحسن علي بن عساكر بن المرحّب بن العوّام البطائحي [2] الضرير المقرئ الحنبلي الأستاذ. قرأ القراءات على أبي العز القلانسي، وأبي عبد الله البارع، وطائفة، وتصدّر للإقراء، وأتقن الفنّ، وحدّث عن أبي طالب بن يوسف وطائفة. قال الشيخ موفق الدّين بن قدامة: كان مقرئ [3] أهل بغداد في وقته، وكان عالما بالعربية، إماما في السّنّة. قرأ عليه القراءات جماعة من الكبار، منهم: عبد العزيز بن دلف، وابن الحميري. وحدّث عنه جماعة، منهم ابن الأخضر، وعبد الغني المقدسي، وعبد القادر الرّهاوي، وغيرهم. توفي ليلة الثلاثاء ثامن عشري شعبان، وصلّى عليه من الغد الجواليقي، ودفن بباب حرب. وفيها محمد بن أحمد بن ماشاذه [4] أبو بكر الأصبهاني، المقرئ

_ [1] (4/ 213- 214) . [2] انظر «العبر» (4/ 215) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 335- 337) . [3] تحرفت في «آ» إلى «يقرئ» . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ماساده» والتصحيح من «العبر» (4/ 215) .

المحقّق. قرأ القراءات، وتفرّد بالسماع من سليمان بن إبراهيم الحافظ، ومات في عشر المائة. وفيها الأديب الرّفّاء أبو عبد الله محمد بن غالب الأندلسي [1] الشاعر المشهور، ديوانه كله ملح. ومن شعره في غلام نسّاج: قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي ... لم ذا تهيم بمذّال ومبتذل [2] فقلت لو كان [3] أمري في الصّبابة لي ... لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي أحببته [4] حببيّ الثّغر عاطره ... حلو اللّمى ساحر الأجفان والمقل غزيّل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر في الغزل جذلان تلعب بالمحواك [5] أنمله ... على السّدى لعب الأيام بالدّول [6] جذبا [7] بكفّيه أو فحصا بأخمصه ... تخبّط الظّبي في أشراك محتبل وفيها أبو المعالي محمد بن مسعود [8] . خرج إلى الحجّ فمات. ومن شعره: ولمّا أن تولّيت القضايا ... وفاض الجور من كفّيك فيضا ذبحت بغير سكّين وإنّي ... لأرجو الذّبح بالسكّين أيضا

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 432- 433) و «رايات المبرزين» ص (211- 213) بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد رضوان الداية، و «سير أعلام النبلاء» (21/ 74) . [2] رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «رايات المبرزين» : قالوا وقد أكثروا في حبه عذلي ... لو لم تهم بمذال القدر مبتذل [3] في «رايات المبرزين» : «لو أن» . [4] في «رايات المبرزين» : «غلقته» . [5] في «ط» : «المحراك» . [6] في «رايات المبرزين» : «بالأمل» . [7] في «رايات المبرزين» : «ضما» . [8] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 79) .

وفيها أبو الفضل بن الشهرزوري [1] قاضي القضاة كمال الدّين محمد ابن عبد الله بن القاسم بن المظفّر الموصلي الشافعي. ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتفقّه ببغداد على أسعد الميهني، وسمع من نور الهدى الزّينبي، وبالموصل من جدّه لأمه علي بن طوق. وولي قضاء بلده لأتابك زنكي، ثم وفد على نور الدّين فبالغ في تبجيله، وركن إليه وصار قاضيه ووزيره ومشيره، ومن جلالته أن السلطان صلاح الدّين لما أخذ دمشق وتمنّعت عليه القلعة أياما، مشى إلى دار القاضي كمال الدّين فانزعج وخرج لتلقّيه، فدخل وجلس. وقال: طب نفسا فالأمر أمرك والبلد بلدك. قال ابن قاضي شهبة [2] : ولّاه نور الدّين قضاء دمشق سنة خمس وخمسين، وهو الذي أحدث الشبّاك الكمالي الذي يصلي فيه نواب السلطنة اليوم، وبنى مدرسة بالموصل، ومدرستين بنصيبين، ورباطا بالمدينة المنورة، ووقف الهامة [3] على الحنابلة، وحكم في البلاد الشامية، واستناب ولده محيي الدّين بحلب، وابن أخيه أبي القاسم في قضاء حماة، وابن أخيه الآخر في قضاء حمص. قال ابن عساكر: وكان يتكلم في الأصول كلاما حسنا، وكان أديبا شاعرا، فكه المجالسة. وقال صاحب «المرآة» [4] : لما قدم أحمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر

_ [1] انظر «العبر» (4/ 215- 216) و «النجوم الزاهرة» (6/ 79- 80) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 16) . [3] الهامة: قرية صغيرة إلى الشمال الغربي من دمشق، ذات مناخ معتدل، يخترق أراضيها نهر بردى، يقصد بساتينها أهل دمشق في فصل الصيف للتنزه والاستجمام، وقد شهدت في السنوات العشر الأخيرة توسعا في العمران أتى على خيرة أراضيها الزراعية الخصبة. ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان. [4] يعني «مرآة الزمان» وهو مترجم فيه (8/ 215- 216) .

إلى دمشق، خرج إليه القاضي كمال الدّين ومعه ألف دينار، فعرضها عليه فلم يقبلها، فاشترى بها قرية الهامة، ووقف نصفها على الشيخ أحمد والمقادسة، ونصفها [الآخر] على الأنباري [1] . انتهى. ومن شعر الشهرزوري: وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا ... بجسمي من داء الصّبابة ألوان فقالوا وكلّ معظم بعض ما يرى ... أصابتك عين قلت عين [2] وأجفان وفيها مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم بن أحمد بن النحّاس البزّار البغدادي المأموني [3] الفقيه الحنبلي، أبو عبد الله بن أبي البركات، ويعرف بابن جوالق- بضم الجيم-. ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وسمع من أبي علي بن نبهان، وتفقّه على أبي الخطّاب الكلوذاني، وناظر وروى عنه ابن الأخضر. توفي يوم الأحد عشري ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها أبو الفتح نصر بن سيّار [4] بن صاعد بن سيّار الكتّاني الهروي الحنفي [5] القاضي شرف الدّين. كان بصيرا بالمذهب، مناظرا، ديّنا متواضعا. سمع الكثير من جدّه القاضي أبي العلاء، والقاضي أبي عامر الأزدي، ومحمد بن علي العميري، والكبار، وتفرّد في زمانه، وعاش سبعا وتسعين سنة، وتوفي يوم عاشوراء، وهو آخر من روى «جامع الترمذي» عن أبي عامر. قاله في «العبر» .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأساري» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] في «آ» و «ط» : «قل أن» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 337) . [4] تحرفت في «آ» إلى «يسار» . [5] انظر «العبر» (4/ 261) و «الجواهر المضية» (3/ 195) .

سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة فيها كانت وقعة الرّملة، سار صلاح الدّين من مصر، فسبى وغنم ببلاد عسقلان، وسار إلى الرّملة فالتقى الفرنج، فحملوا على المسلمين وهزموهم وثبت [1] السلطان وابن أخيه تقي الدّين عمر، ودخل الليل، واحتوت الفرنج على المعسكر بما فيه، وتمزّق العسكر وعطشوا في الرمال، واستشهد جماعة [وتحيّز صلاح الدّين] [2] ونجا، ولله الحمد. وقتل ولد لتقيّ الدّين عمر، وله عشرون سنة، وأسر الأمير الفقيه عيسى الهكّاري، وكانت نوبة صعبة، ونزلت الفرنج على حماة وحاصرتها أربعة أشهر لاشتغال السلطان بلم شعث العسكر. وفيها توفي أرسلان [شاه] بن طغرل [3] بن محمد بن ملكشاه السلجوقي، سلطان أذربيجان. كان له السكّة والخطبة، والقائم بدولته زوج أمه إلدكز [4] ، ثم ابنه البهلوان، فلما توفي خطبوا لولده طغرل [5] الذي قتله خوارزم شاه.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «وثبت» وفي «العبر» بطبعتيه: «وبيت» وانظر «الكامل في التاريخ» (11/ 442- 443) . [2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» بطبعتيه. [3] في «آ» و «ط» : «ابن طغربك» وفي «العبر» بطبعتيه: «ابن طغريل» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» (11/ 446) وعند ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (5/ 208) : «ابن طغرلبك» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى: «الزكر» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه. [5] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «العبر» بطبعتيه: «طغربل» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» (11/ 446) .

وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس ابن سيف الدّينوري ثم البغدادي ويعرف بابن أبي العز، وبابن الحمّامي [1] الفقيه الحنبلي، الزاهد العابد، قرأ بالروايات على جماعة، وسمع من ابن كادش وغيره، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وكان رفيق ناصح الإسلام بن المنيّ [2] وبنى مدرسة ببغداد ودرّس بها، وتفقّه عليه جماعة، منهم: الشيخ فخر الدّين بن تيمية. وروى عنه الشيخ موفق الدّين، وكان متزوجا بابنة ابن الجوزي. وتوفي يوم الثلاثاء خامس صفر، وكان له يوم مشهود وتوفي شابا. وفيها صدقة بن الحسين بن بختيار بن الحداد البغدادي [3] الفقيه الحنبلي، الأديب الشاعر المتكلم الكاتب المؤرخ، أبو الفرج. ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وقرأ بالروايات، وسمع الحديث من أبي السعادات المتوكل وغيره، وتفقّه على ابن عقيل وابن الزّاغوني، وبرع في الفقه وفروعه وأصوله، وقرأ علم الكلام والمنطق والفلسفة والحساب ومتعلقاته من الفرائض وغيرها، وكتب خطا حسنا صحيحا، وقال الشعر الحسن، وأفتى، وتردد إليه الطلبة في فنون العلم، وروى عنه ابن شافع، وابن ريحان، وغيرهما. قال ابن النجار: وله مصنفات حسنة في الأصول، وجمع تاريخا على السنين، بدأ فيه من وفاة شيخه ابن الزاغوني سنة سبع وعشرين وخمسمائة، مذيلا به على تاريخ شيخه، ولم يزل يكتب فيه إلى قريب وفاته، وكان قوته

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 338) . [2] في «آ» : «ابن المثنى» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 339- 342) .

من أجرة نسخه، ولم يزل قليل الحظّ منغّص العيش، وحطّ عليه ابن الجوزي في «تاريخه» [1] ونسبه إلى الحيرة والشك. وفيها الوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفّر بن رئيس الرؤساء الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة [2] . روى عن ابن الحصين وجماعة، ووزر للمستضيء، ولقّب عضد الدّين. وكان جوادا سريّا معظّما مهيبا، خرج للحجّ في تجمل عظيم، فوثب عليه واحد من الباطنية فقتله في أوائل ذي القعدة عن تسع وخمسين سنة. وفيها أبو محمد بن المأمون الأديب، صاحب «التاريخ» هارون بن العبّاس بن محمد العبّاسي المأموني البغدادي [3] الأديب. روى عن قاضي المارستان وشرح «مقامات الحريري» . توفي في ذي الحجّة كهلا. وفيها لاحق بن علي بن كاره، أخو دهبل البغدادي [4] . روى عن أبي القاسم بن بيان وغيره، وتوفي في نصف شعبان عن ثمان وسبعين سنة. وفيها أبو شاكر السّقلاطوني يحيى بن يوسف بن بالان الخباز [5] . روى عن ثابت بن بندار، والحسين بن البسري وجماعة، وتوفي في شعبان.

_ [1] انظر «المنتظم» (10/ 276) . [2] انظر «العبر» (4/ 217) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 75- 77) . [3] انظر «العبر» (4/ 217- 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 52- 53) . [4] انظر «العبر» (4/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 77) . [5] انظر «العبر» (4/ 218) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 64) .

سنة أربع وسبعين وخمسمائة

سنة أربع وسبعين وخمسمائة فيها أخذ ابن قرايا الرافضي، الذي ينشد في الأسواق ببغداد، فوجدوا في بيته سبّ الصحابة، فقطعت يده ولسانه، ورجمته العامة، فهرب وسبح، فألحّوا عليه بالآجر فغرق فأخرجوه وحرقوه [1] ، ثم وقع التقبح على الرافضة وأحرقت كتبهم وانقمعوا حتّى صاروا في ذلة اليهود، وهذا شيء لم يتهيأ ببغداد من نحو مائتين وخمسين سنة. وفيها خرج نائب دمشق فرخ شاه ابن أخي السلطان، فالتقى الفرنج فهزمهم، وقتل مقدمهم هنفري [2] الذي كان يضرب به المثل في الشجاعة. وفيها توفي أبو أحمد أسعد بن بلدرك البغدادي البواب المعمّر [3] في ربيع الأول، عن مائة وأربع سنين، ولو سمع في صغره لبقي مسند العالم. سمع من أبي الخطّاب بن الجرّاح، وأبي الحسين بن العلّاف. وفيها أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى بن شيخون الأبرودي الجبابيني- نسبة إلى الجبابين بكسر الموحدة الثانية وتحتية ونون،

_ [1] انظر رواية مقتله عند ابن كثير في «البداية والنهاية» (12/ 300) فقد توسع في الكلام عليه هناك. [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «هنقري» بالقاف، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» (11/ 537) و «وفيات الأعيان» (7/ 176) و «العبر» (4/ 219) . [3] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أسعد بن بلدرك» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 578) .

قرية ببغداد [1]- الفقيه الحنبلي الضرير. دخل بغداد في صباه، وحفظ القرآن، وقرأ بالروايات على أبي محمد سبط الخيّاط، وسمع منه الحديث، ومن سعد الخير الأنصاري، ومن جماعة دونهما، وقرأ الفقه وحصّل منه طرفا صالحا، وكان صالحا صدوقا، توفي يوم الجمعة عاشر رجب، وصلّي عليه يومئذ ودفن بمقبرة الإمام أحمد عن نيف وأربعين سنة. وفيها الحيص بيص شهاب الدّين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد ابن صيفيّ التّميمي [2] الشاعر المشهور، وله ديوان معروف. كان وافر الأدب، متضلعا من اللغة، بصيرا بفقه الشافعية والمناظرة. قال ابن خلّكان: كان لا يخاطب أحدا إلّا باللغة العربية، ويلبس على زي العرب، ويتقلد سيفا، فرأى الناس في حركة مزعجة فقال: ما للناس حيص بيص، فلقّب بذلك. وقال: تفقّه بالرّيّ على القاضي محمد بن عبد الكريم المعروف بالوزّان، وتميّز فيه، وتكلّم في الخلاف، إلّا أنه غلب عليه [الأدب، ونظم] [3] الشعر. سمع الحديث، وحدّث. وقال: توفي في سادس شعبان ودفن من الغد غربي بغداد بمقابر [4] قريش. انتهى. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : وسموا ابنه هرج مرج، وابنته دخل خرج. حكى نصر بن مجلّي- وكان من أهل السّنّة- أنه رأى عليّ بن أبي طالب- كرّم الله وجهه- في النوم، فقال له: يا أمير المؤمنين! تفتحون مكّة

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 343) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 362- 365) و «العبر» (4/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 61- 62) و «البداية والنهاية» (12/ 301- 302) . [3] زيادة من «وفيات الأعيان» (2/ 263) . [4] في «آ» : «بمقبرة» .

فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطفّ ما تمّ؟ فقال: أما سمعت أبيات ابن صيفي في هذا المعنى؟ فقلت: لا. قال: أسمعها منه. فاستيقظت، فأتيت إلى دار الحيص بيص فذكرت له المنام، فشهق وبكى، وحلف أنها ما خرجت من فمه لأحد، ولم ينظمها إلّا في ليلته، ثم أنشدني: ملكنا فكان العفو منّا سجية ... فلمّا ملكتم سال بالدّم أبطح وحلّلتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمنّ [1] ونصفح وحسبكم هذا التّفاوت بيننا ... وكلّ وعاء بالذي فيه ينضح وقال غيره: خرج حيص بيص ليلة ثملا، فرأى في طريقه جرو كلب، فضربه بسيفه فقتله، فعمد بعض الظرفاء إلى أبيات وعلقها في عنق أمه، وأدخلها ديوان الوزير هيئة مشتكية، ففضّت الورقة، فإذا فيها: يا أهل بغداد إن الحيص بيص أتى ... بخزية أكسبته العار في البلد أبدى شجاعته في اللّيل مجترئا ... على جريّ ضعيف البطش والجلد فأنشدت أمّه من بعد ما احتسبت ... دم الأبيلق عند الواحد الصّمد لا أعتب الدّهر والأيام ما صنعت ... كلتا يديّ أصابتني ولم أرد كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي يشير إلى قول [2] أعرابية قتل أخوها ولدها، والله أعلم. وفيها شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدّينوري ثم البغدادي [3] الكاتبة المسندة، فخر النساء. كانت ديّنة عابدة صالحة. سمّعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق، وروت عن طراد، وابن البطر، وطائفة، وكانت ذات

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «نعفّ» . [2] تحرفت في «آ» إلى «قتل» . [3] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 542- 543) .

برّ وخير، توفيت في رابع عشر المحرم، عن نيف وتسعين سنة. وفيها أبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني [1] ، آخر من بقي بأصبهان من أصحاب الرئيس الثّقفي. وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي [2] أخو عبد الحق. روى عن ابن بيان وجماعة، وكان خيّاطا ديّنا، توفي بمكّة وله سبعون سنة. وفيها أبو الخطّاب العليميّ عمر بن محمد بن عبد الله الدمشقي [3] التّاجر السفّار. طلب بنفسه، وكتب الكثير في تجارته بالشام، ومصر، والعراق، وما وراء النهر. روى عن نصر الله المصّيصي، وعبد الله بن الفراوي، وطبقتهما، وتوفي في شوال عن أربع وخمسين سنة. وفيها أبو عبد الله بن المجاهد، الزاهد القدوة، محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي [4] عن بضع وثمانين سنة. قرأ العربية، ولزم أبا بكر بن العربي مدة. قال [ابن] الأبّار: كان المشار إليه في زمانه بالصلاح، والورع، والعبادة، وإجابة الدعوة، وكان أحد أولياء الله الذين تذكر به رؤيتهم. آثاره مشهورة وكراماته معروفة، مع الحظّ الوافر من الفقه والقراءات. وفيها محمد بن عبد نسيم العيشوني [5] . روى عن ابن العلّاف، وابن نبهان، وقع من سلّم فمات في الحال في جمادى الآخرة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 576) . [2] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 48- 49) . [3] انظر «العبر» (4/ 220) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 49- 50) . [4] انظر «العبر» (4/ 220- 221) . [5] انظر «العبر» (4/ 221) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 543) .

سنة خمس وسبعين وخمسمائة

سنة خمس وسبعين وخمسمائة فيها كما قال في «الشذور» وقعت زلزلة فوق بلاد إربل فتصادمت منها الجبال، وكان هناك نهر أحمر ماؤه من دماء الهالكين. وفيها نزل صلاح الدّين على بانياس، وأغارت سراياه على الفرنج، ثم أخبر بمجيء الفرنج، فبادر في الحال وكبسهم، فإذا هم في ألف قنطارية وعشرة آلاف راجل، فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم [1] ثم حمل المسلمون فهزموهم ووضعوا فيهم السيف، ثم أسروا مائتين وسبعين أسيرا، منهم مقدّم الدّيويّة [2] فاستفكّ نفسه بألف أسير وبجملة من المال، وأما ملكهم فانهزم جريحا. وفيها توفي أحمد بن أبي الوفاء عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن محمد بن الصائغ البغدادي [3] الفقيه الحنبلي الإمام، أبو الفتح، نزيل حرّان. ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة، ولزم أبا الخطّاب الكلوذاني وخدمه وتفقّه عليه، وسمع منه ومن ابن بيان، وسافر إلى حلب وسكنها، ثم استوطن

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «فبيتوا لهم» . [2] قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» : ويسمون أيضا: «الداوية» وهم المسلمون بالفرنسية. [3] انظر «العبر» (4/ 222) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 347- 348) .

حرّان إلى حين وفاته، وكان هو المفتي والمدرّس بها، وقرأ عليه الفقه جماعة، منهم: الشيخ فخر الدّين بن تيمية، وسمع منه جماعة، منهم: ابن عبدوس، والعماد المقدسي، وأبو الحسن بن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» . قال: وأنشدني أبو الخطّاب الكلوذاني لنفسه: أنا شيخ وللمشايخ بالآ ... داب علم يخفى على الشبّان فإذا ما ذكرتني فتأدّب ... فهو فرض يردّ بالميزان وفيها إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد بن الجواليقي [1] الأديب بن الأديب أبو محمد بن أبي منصور الحنبلي. ولد في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وسمع من أبي الحصين، وأبي الحسين بن الفرّاء وغيرهما، وقرأ القرآن والأدب على أبيه، وكان عالما باللغة، والعربية، والأدب، وله سمت حسن، وقام مقام أبيه في دار الخلافة. قال ابن الجوزي: ما رأينا ولدا أشبه أباه مثله، حتّى في مشيه وأفعاله، وتوفي يوم الجمعة منتصف شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وقال ابن النجار: كان من أعيان العلماء بالأدب، صحيح النقل، كثير المحفوظ، حجّة ثقة نبيلا، مليح الخطّ. وفيها أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي [2] المقرئ. أخذ القراءات عن أبيه، وأبي الحسن شريح، وطائفة، وأقرأ بالإسكندرية، والقاهرة، واستملى عليه السلطان صلاح الدّين، وقرّبه واحترمه، وكان فقيها

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 346- 347) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 91) . [2] انظر «العبر» (4/ 222) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 544- 545) .

مفتيا محدّثا مقرئا نسابة أخباريا، بديع الخطّ، وقيل: هو أول من خطب بالدعوة العباسية بمصر، توفي في رجب. وفيها تجنّي الوهبانية [1] أم عتب [2] . آخر من روى في الدّنيا بالسماع عن طراد، والنّعالي. توفيت في شوال. وفيها المستضيء بأمر الله، أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العبّاسي [3] بويع بعد أبيه في ربيع الآخر سنة ست وستين، ونهض بخلافته الوزير عضد الدّين ابن رئيس الرؤساء فاستوزره، وكان ذا دين وحلم وأناة ورأفة ومعروف زائد، وأمه أرمنية، عاش خمسا وأربعين سنة، وخلّف ولدين أحمد الناصر وهاشما. قال ابن الجوزي في «المنتظم» : أظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا، وفرّق مالا عظيما في الهاشميين وفي المدارس، وكان ليس للمال عنده وقع. وقال الذهبي: كان يطلب ابن الجوزي ويأمر بعقد مجلس الوعظ، ويجلس بحيث يسمع ولا يرى، وفي أيامه اختفى الرفض [ببغداد ووهى، وأما بمصر والشام فتلاشى، وزالت دولة العبيديين أولي الرفض] [4] وخطب له بديار مصر وبعض المغرب واليمن. وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» : ولما استخلف خلع على أرباب الدولة وغيرهم فحكى خيّاط المخزن أنه فصل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم،

_ [1] انظر «العبر» (4/ 223) - وقد تحرفت «الوهبانية» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «الوهّابية» - و «سير أعلام النبلاء» (20/ 550- 551) . [2] في «مشتبه النسبة» للذهبي (1/ 110) : «ويقال: أم الحباء» . [3] انظر «العبر» (4/ 223- 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 68- 72) و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (444- 448) . [4] ما بين حاصرتين سقط من «آ» .

وخطب له على منابر بغداد، ونثرت الدنانير كما جرت العادة، وولّى روح الحديثي القضاء، وأمر سبعة عشر مملوكا. وللحيص بيص فيه: يا إمام الهدى علوت عن الجو ... د بمال وفضّة ونضار فوهبت الأعمار والأمن والبل ... دان في ساعة مضت من نهار فبماذا نثني عليك وقد جا ... وزت فضل البحور والأمطار [1] إنما أنت معجز مستقلّ ... خارق للعقول والأفكار جمعت نفسك الشريفة بالبأ ... س وبالجود بين ماء ونار قال ابن الجوزي: واحتجب المستضيء عن أكثر الناس فلم يركب إلّا مع الخدم، ولم يدخل عليه غير قيماز، وفي خلافته انقضت، دولة بني عبيد، وخطب له بمصر وضربت السكة باسمه، وجاء البشير بذلك، فغلّقت الأسواق ببغداد، وعملت القباب، وصنّفت كتابا سميته «النصر على مصر» . هذا كلام ابن الجوزي. وللعماد الكاتب قصيدة في ذلك منها: قد خطبنا للمستضيء بمصر ... نائب المصطفى إمام العصر وخذلنا لنصره العضد العا ... ضد والقاصر الذي بالقصر وتركنا الدّعيّ [2] يدعو ثبورا ... وهو بالذّل تحت حجر وحصر وتوفي المستضيء في ذي القعدة عن ست وثلاثين سنة. وفيها أبو الحسين عبد الحقّ بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفيّ [3] الشيخ الثقة، عن إحدى وثمانين سنة. أسمعه أبوه الكثير من أبي القاسم

_ [1] في «آ» : «والأقطار» . [2] في «آ» : «المدعي» وهو تحريف، وأثبت لفظ «ط» و «تاريخ الخلفاء» . [3] انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 552- 554) و «دول الإسلام» (2/ 88) .

الرّبعي، وابن الطّيوري، وجعفر السرّاج، وطائفة، ولم يحدّث بما سمعه حضورا تورعا، وكان فقيرا، صالحا، متعففا، كثير التلاوة جدا، توفي في جمادى الأولى. وفيها أبو الفضل عبد المحسن بن تريك [1] الأزجي البيّع. روى عن ابن بيان وجماعة. توفي يوم عرفة. وفيها أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي القرشي الزّبيري الدمشقي [2] القاضي الحافظ، نزيل بغداد، وسمع من أبي الدّرّ ياقوت الرّومي وطائفة بدمشق، ومن أبي الوقت والناس ببغداد، وصحب أبا النجيب السّهروردي، وولي قضاء الحريم. توفي في ذي الحجّة وله خمسون سنة. قال ابن ناصر الدّين [3] : هو حافظ رحال ثقة مأمون. وفيها أبو هاشم الدّوشابي- بضم الدال المهملة ومعجمة وباء موحدة، نسبة إلى الدّوشاب وهو الدّبس- عيسى بن أحمد الهاشمي العبّاسي البغدادي الهرّاس [4] . روى عن الحسين بن البسري وغيره، وتوفي في رجب. وفيها أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللّمتوني الإشبيلي [5] ، المقرئ الحافظ، صاحب شريح. فاق الأقران في ضبط القراءات، وسمع الكثير من أبي مروان الباجي، وابن العربي، وخلق، وبرع

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن نزيك» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (4/ 224) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) . [2] انظر «العبر» (4/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 105- 106) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (168/ آ) . [4] انظر «العبر» (4/ 225) و «النجوم الزاهرة» (6/ 86) . [5] انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 85- 86) .

أيضا في الحديث، واشتهر بالإتقان وسعة المعرفة بالعربية. توفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة. قال ابن ناصر الدّين [1] : لم يكن له نظير في الإتقان. وفيها أبو بكر الباقداري- بكسر القاف بعد الموحدة والألف وبإهمال الدال والراء، نسبة إلى باقدارى بالقصر من قرى بغداد [2]- محمد بن أبي غالب ابن أحمد بن أحمد بن مرزوق بن أحمد الضرير [3] الحافظ. سمع أبا محمد سبط الخيّاط فمن بعده، وبرع في الحديث حتّى صار ابن ناصر يسأله ويرجع إلى قوله، وكان حنبليّ المذهب. قال ابن الدّبيثي [4] : انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد فيه، توفي كهلا لخمس بقين من ذي الحجّة ببغداد. وفيها أبو عبد الله الوهراني محمد بن محرز ركن الدّين وقيل جمال الدّين [5] المقرئ الأديب الكاتب، صاحب المزاح والدعابة والمنام الطويل، الذي جمع أنواعا من المجون والأدب. مات في رجب بدمشق. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان: هو أحد الفضلاء الظرفاء، قدم من بلاده إلى البلاد المصرية في أيام السلطان صلاح الدّين- رحمه الله تعالى- وفنّه الذي يمتّ به صناعة الإنشاء، فلما دخل البلاد رأى بها القاضي الفاضل، وعماد الدّين الأصبهاني الكاتب، وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس في طبقتهم ولا تنفق سلعته مع وجودهم، فعدل عن طريق الجدّ وسلك طريق الهزل، وعمل

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (167/ ب) . [2] انظر «معجم البلدان» (1/ 327) وهو مترجم فيه. [3] انظر «العبر» (4/ 225) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 146) . [4] في «آ» و «ط» : «ابن الزّينبي» وهو تحريف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 385- 386) و «العبر» (4/ 225- 226) .

المنامات والرسائل المشهورة والمنسوبة إليه، وهي كثيرة بأيدي الناس، وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه، ولو لم يكن فيها إلّا المنام الكبير لكفاه، فإنه أتى فيه بكل حلاوة، ولولا طوله لذكرته، ثم إن الوهراني المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا، وتوفي في رجب. ونقلت من خطّ القاضي الفاضل: وردت الأخبار من دمشق في سابع عشر رجب بوفاة الوهراني، رحمه الله تعالى. والوهراني: بفتح الواو وسكون الهاء وفتح الراء وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى وهران مدينة كبيرة على أرض القيروان، بينها وبين تلمسان مسافة يوم وهي على البحر الشامي [1] ، خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم. وفي بعض نسخ ابن خلّكان، ثم إن الوهرانيّ المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا، وتولى الخطابة بداريّا، وهي قرية على باب دمشق في الغوطة، وتوفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة بداريّا، ودفن على باب تربة الشيخ أبي سليمان الدّاراني، رحمه الله تعالى. انتهى ما أورده ابن خلّكان. وفيها أبو محمد بن الطبّاخ المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله ابن محمد الطبّاخ البغدادي [2] نزيل مكّة وإمام الحنابلة بالحرم، المحدّث الحافظ. سمع الكثير ببغداد من ابن الطّيوري، وابن كادش وغيرهما، وتفقّه بالقاضي أبي الحسين، وابن الزّاغوني، وكان صالحا دينا ثقة، حافظ مكّة في زمانه والمشار إليه بالعلم بها، وأخذ عنه ابن عبدوس وغيره، وتوفي في ثاني شوال بمكّة، وكان يوم جنازته مشهودا، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الفضل متوجهر بن محمد بن تركانشاه [3] الكاتب. كان أديبا

_ [1] قلت: وهي الآن في الجزائر المعاصرة إلى الشمال الغربي منها على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. [2] انظر «العبر» (4/ 226) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 554) . [3] في «العبر» (4/ 226) : «ابن تركشاه» ولم يرد للفظة ذكر في «مرآة الجنان» (3/ 402) .

فاضلا، مليح الإنشاء، حسن الطريقة، كتب للأمير قايماز المستنجدي، وروى «المقامات» عن الحريري مرارا، وروى عن هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة، وتوفي في جمادى الأولى، وله ست وثمانون سنة. وفيها أبو منصور المظفّر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين ابن محمد بن خلف بن الفرّاء [1] . ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وسمع الحديث، وبرع في مذهب الحنابلة أصولا وفروعا، وناظر وتأدب، وقال الشعر الجيد. ومن شعره: لست أنسى من سليمى قولها ... يوم جدّ البين مني وبكت قطع الله يد الدّهر لقد ... قرطست إذ بالنّوى شملي رمت فجرى دمعي لمّا سمعت [2] ... ووعت أذناي منها ما وعت يا لها من قولة عن ناظري ... نومة طول حياتي قد نفت توفي في عنفوان شبابه يوم الجمعة، لخمس عشرة خلت من شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها أبو عمر بن عيّاد الأستاذ المقرئ المحقّق، يوسف بن عبد الله ابن سعيد [3] الأندلسي الحافظ. قدم بلنسية وأخذ القراءات عن أبي مروان بن الصّيقل [4] ، وابن هذيل، وسمع من طارق بن يعيش وجماعة، وعني بصناعة الحديث، وكتب العالي والنازل، وبرع في معرفة الرجال، وصنّف التصانيف الكثيرة، وعاش سبعين سنة.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 343- 344) . [2] في «آ» و «ط» : «لما قد سمعت» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] في «آ» و «ط» : «ابن سعد» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 181) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصقيل» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» .

سنة ست وسبعين وخمسمائة

سنة ست وسبعين وخمسمائة فيها نزل السلطان صلاح الدّين على حصن من بلاد الأرمن فافتتحه وهدمه، ثم رجع فوافاه التقليد وخلع السلطنة بحمص من النّاصر لدّين الله، فركب بها هناك، وكان يوما مشهودا. وفيها أبو طاهر السّلفيّ الحافظ العلّامة الكبير، مسند الدّنيا، ومعمّر الحفّاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواءاني- وجرواءان [1] محلّة بأصبهان. وسلفة، بكسر المهملة لقب جدّه أحمد، ومعناه غليظ الشفة- سمع من أبي عبد الله الثقفي، وأحمد بن عبد الغفّار بن أشته، ومكّي السلّار، وخلق كثير بأصبهان، خرّج عنهم في «معجم» [2] وحدّث بأصبهان في سنة اثنتين وتسعين. قال: وكنت ابن سبع عشرة سنة، أكثر أو أقل، ورحل سنة ثلاث فأدرك أبا الخطاب بن البطر ببغداد، وتفقه بها بإلكيا الهرّاسي، وأبي بكر الشّاشي، وغيرهما، وعمل «معجما» لشيوخ بغداد،

_ [1] وكذا ضبطها السمعاني في «الأنساب» (3/ 236) وضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 130) : «جرواءان» بالضم ثم السكون، وواو، وألفين بينهما همزة وآخره نون. [2] واسمه الكامل «معجم السّفر» وقد نشره- أو نشر قسما منه فيما أعلم- المكتب الإسلامي ببيروت بتحقيق الدكتور حسن عبد الحميد رحمه الله تعالى.

ثم حجّ، وسمع بالحرمين، والكوفة، والبصرة، وهمذان، وزنجان [1] والرّيّ، والدّينور، وقزوين، وأذربيجان [2] ، والشام، ومصر، فأكثر وأطاب، وتفقّه فأتقن مذهب الشافعي، وبرع في الأدب وجوّد القرآن بالرّوايات، واستوطن الإسكندرية بضعا وستين سنة، مكبا على الاشتغال، والمطالعة، والنسخ، وتحصيل الكتب، وقد أفردت أخباره في «جزء» وجاوز المائة بلا ريب، وإنما النزاع في مقدار الزيادة، ومكث نيفا وثمانين سنة يسمع عليه. قال الذّهبيّ [3] : ولا أعلم أحدا مثله في هذا. وقال ابن عساكر [4] : سمع السّلفيّ ممن لا يحصى، ومات يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر، وتزوّج بالإسكندرية امرأة ذات يسار، [فسلّمت إليه مالها] وحصلت له ثروة بعد فقر، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السّلّار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية. وقال ابن السمعاني: هو ثقة ورع متقن متثبت حافظ فهم، له حظّ من العربية. وفيها شمس الدولة الملك المعظم توران شاه- ومعناه ملك المشرق- بن أيوب بن شاذي، وكان أسنّ من أخيه السلطان صلاح الدّين، وكان يحترمه ويتأدّب معه، سيّره فغزا النوبة، فسبى وغنم، ثم بعثه فافتتح اليمن، وكانت بيد الخوارج الباطنية، وأقام بها ثلاث سنين، ثم اشتاق إلى طيب الشام ونضارتها، فقدم وناب بدمشق لأخيه، وكان أرسله أخوه قبل فتحه اليمن إلى بلاد الرّوم ليفتحها، فوجدها لا تساوي التعب فرجع عنها بغنائم

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «زنجار» . [2] تكرر ذكر «زنجان» هنا مرة أخرى فحذفته. [3] انظر «العبر» (4/ 228) . [4] انظر «تاريخ دمشق» (7/ 180) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف، وما بين حاصرتين زيادة منه.

كثيرة ورقيق كثير، وتحول من الشام إلى مصر في سنة أربع وسبعين ثم مات بالإسكندرية في صفر هذه السنة، فنقلته أخته ستّ الشام ودفنته في مدرستها المعروفة بها بمحلّة العونيّة، ودفنت هي معه وولدها، وكان توران من أجود النّاس وأسخاهم، غارقا في اللّذات، مات وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدّين. قال الفاضل مهذب الدّين أبو طالب محمد بن علي الخيمي، نزيل مصر: رأيته في النّوم فمدحته وهو في القبر، فلف كفنه ورماه إليّ وقال: لا تستقلّنّ معروفا سمحت به ... ميتا وأصبحت منه عاري البدن [1] ولا تظننّ جودي شابه بخل ... من بعد بذلي ملك الشّام واليمن إني خرجت من الدّنيا وليس معي ... من كلّ ما ملكت كفّي سوى كفني وفيها أبو الحسن علي بن محمد [2] بن المبارك بن أحمد بن بكروس الحنبلي البغدادي الفقيه، أخو أبي العبّاس أحمد. ولد يوم الاثنين ثالث رجب، سنة أربع وخمسمائة، وسمع الحديث من ابن الحصين، وابن السمرقندي، وغيرهما. وتفقّه في المذهب، وبرع، وأفتى، وناظر ودرّس بمدرسة أخيه آخرا، وصنّف في المذهب، وله كتاب «رؤوس المسائل» وكتاب «الأعلام» وحدّث وسمع منه جماعة، منهم: ابن القطيعي، وروى عنه في «تاريخه» ولزم بيته في آخر عمره لمرض حصل له إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.

_ [1] في «وفيات الأعيان» (1/ 309) : «فأمسيت منه عاريا بدني» . [2] في «آ» و «ط» : «عبد الله بن محمد» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 348) .

وفيها أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر الدّمشقي. ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وعني بالحديث. أسمعه أبوه الكثير من النّسيب، وأبي طاهر الحنّائي [1] وطبقتهما، ولعب في شبابه، وباع أصول أبيه في شبابه بالهوان. توفي في رجب على طريقة حسنة. وفيها أبو المفاخر المأموني، راوي «صحيح مسلم» بمصر سعيد بن الحسين بن سعيد العبّاسي. روى الحديث هو وابنه وحفيده ونافلته. وفيها أبو الفهم بن أبي العجائز الأزدي الدمشقي، واسمه عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد، وهو راوي حديث سحنام عن أبي طاهر الحنّائي. وفيها أبو الحسن بن العصّار النّحوي علي بن عبد الرحيم السّلمي الرّقّي ثم البغدادي. كان علّامة في اللغة، حجّة في العربية. أخذ عن ابن الجواليقي، وكتب الكثير بخطه الأنيق، وروى عن أبي الغنائم بن المهتدي بالله وغيره، وخلّف مالا طائلا، وإليه انتهى علم اللغة، توفي في المحرم عن ثمان وستين سنة. وفيها السلطان غازي سيف الدّين، صاحب الموصل وابن صاحبها قطب الدّين مودود بن أتابك زنكي التّركي الأتابكي. توفي في صفر بعلّة السّلّ وله ثلاثون سنة، وكان شابا مليحا أبيض طويلا عاقلا وقورا قليل الظلم. قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من أحسن الناس صورة، غيورا، ما يدع خادما بالغا يدخل على حريمه، طاهر اللّسان، عفيفا عن أموال

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «الحساني» وفي «ط» إلى «الحسباني» والتصحيح من «العبر» (4/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 93) .

النّاس، قليل السّفك للدماء، استسقى الناس [1] وهو معهم، فاستعانوا [2] عليه، وقالوا: كيف يستجاب لنا وفينا الخمور والحواطين بيننا، فقال: قد أبطلتها، فرجعوا إلى البلد، وفيهم أبو الفرج الدّقّاق الرجل الصالح، فأراق الخمور، ونهب العامة دكاكين الخمّارين، فاستدعى الدّقّاق إلى القلعة، وقال: أنت جرّأت العامة عليّ وضربه على رأسه فانكشف، فنزل مكشوف الرأس، فقيل له غطّه، فقال: لا أغطيه حتّى ينتقم الله لي ممن ظلمني، فمات الدوادار الذي ضربه بعد قليل، ومرض سيف الدّين وتوفي. انتهى. وفيها محمد بن محمد بن مواهب أبو العزّ بن الخراساني البغدادي الأديب، صاحب النوادر، والعروض، والديوان الشعر، الذي هو في مجلدات، كان صاحب ظرف [3] ، ومجون، وذكاء مفرط، وتفنن في الأدب. روى عن أبي الحسن بن الطّيوري، وأبي سعد بن حشيش، وجماعة، وتغيّر ذهنه قبل موته بيسير، توفي في رمضان وله اثنتان وثمانون سنة. قاله في «العبر» [4] .

_ [1] لفظة «الناس» سقطت من «آ» . [2] في «ط» : «واستعانوا» . [3] كذا في «ط» و «العبر» : «ظرف» وفي «آ» : «طرف» . [4] (4/ 230) .

سنة سبع وسبعين وخمسمائة

سنة سبع وسبعين وخمسمائة فيها توفي الملك الصالح أبو الفتح إسماعيل بن السلطان نور الدّين محمود بن زنكي، ختنه أبوه [وعمل] وقتا باهرا، وزيّنت دمشق لختانه، ثم مات أبوه بعد ختانه بأيّام، وأوصى له بالسلطنة، فلم تتم له، وبقيت له حلب، وكان شابا ديّنا عاقلا محببا إلى الحلبيين إلى الغاية، بحيث إنهم قاتلوا عن حلب صلاح الدّين قتال الموت، وما تركوا شيئا من مجهودهم، ولما مرض بالقولنج في رجب ومات أقاموا عليه المآتم [1] وبالغوا في النوح والبكاء، وفرشوا الرّماد في الطّرق، وكان له تسع عشرة سنة، وأوصى بحلب لابن عمّه عز الدّين مسعود بن مودود فجاء وتملّكها. ولما كان إسماعيل بالقولنج وصف له الأطباء قليل خمر، فقال: لا أفعل حتّى أسأل الفقهاء، فسأل الشافعية فأفتوه بالجواز، وسأل العلاء الكاساني فأفتاه بالجواز أيضا، فقال له: إن كان الله قرّب أجلي يؤخره شرب الخمر؟ فقال: لا، فقال: والله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرّم عليّ، ومات ولم يشربه، رحمه الله تعالى. وفيها الكمال بن الأنباري النّحويّ العبد الصالح أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الشافعي، تفقّه بالنظامية على ابن الرزّاز،

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «المأتم» .

وأخذ النحو عن ابن الشّجري واللغة عن ابن الجواليقي، وبرع في الأدب حتّى صار شيخ العراق. توفي في شعبان وله أربع وستون سنة. وكان زاهدا عابدا مخلصا ناسكا تاركا للدّنيا، له مائة وثلاثون مصنفا في الفقه [1] ، والأصول، والزهد، وأكثرها في فنون العربية، منها كتاب «أسرار العربية» وهو سهل المأخذ، كثير الفوائد [2] ، وكتاب «الميزان» في النحو أيضا، وكتاب «طبقات الأدباء المتقدمين والمتأخرين» مع صغر حجمه، ثم انقطع في آخر عمره في بيته، واشتغل بالعلم والعبادة، وترك الدّنيا ومجالسة أهلها، وكان لا يسرج في بيته، مع خشونة الملبس والفراش، ولا يخرج إلّا يوم الجمعة، وحمل إليه المستضيء خمسمائة دينار فردّها، فقال: أتركها لولدك، فقال: إن كنت خلقته فأنا أرزقه، وأنجب كلّ من اشتغل عليه، ودفن في تربة أبي إسحاق الشيرازي. والأنبار: قرية قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. وفيها شيخ الشيوخ أبو الفتح عمر بن علي بن الزاهد محمد بن علي ابن حمّويه الجويني [3] الصّوفي، وله أربع وستون سنة. روى عن جدّه، والفراوي، وولّاه نور الدّين مشيخة الشيوخ بالشام، وكان وافر الحرمة.

_ [1] في «ط» : «في اللغة» . [2] في «ط» : «الفائدة» . [3] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 19- 20) و «العبر» (4/ 232) .

سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

سنة ثمان وسبعين وخمسمائة فيها سار صلاح الدّين، فافتتح حرّان، وسروج، وسنجار، ونصيبين، والرّقّة، ونازل الموصل فحاصرها، وتحيّر من حصانتها، ثم جاءه رسول الخليفة يأمره بالترحل عنها، فرحل ورجع، فأخذ حلب من عز الدّين مسعود الأتابكي وعوّضه بسنجار. وفيها مات نائب دمشق فرّوخشاه، وولي بعده شمس الدّين محمد بن المقدّم. وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد ابن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة، الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي- والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة- كان شافعي المذهب، فقيها. قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» [1] : وهو مغربي الأصل. ولد في المحرم سنة خمسمائة، وتخرّج بخاله الشيخ الزاهد منصور. قال ابن خلّكان: كان رجلا صالحا شافعيا فقيها، انضم إليه خلق من الفقراء، وأحسنوا فيه الاعتقاد، وهم الطائفة الرفاعية، ويقال لهم الأحمدية

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 1- 3) .

والبطائحية، ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيّات حيّة، والنزول إلى التنانير وهي تضّرم نارا، والدخول إلى الأفرنة، وينام الواحد منهم في جانب الفرن والخباز يخبز في الجانب الآخر، وتوقد لهم النّار العظيمة، ويقام السماع فيرقصون عليها إلى أن تنطفئ النار، ويقال: إنهم في بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه. انتهى. وعن الشيخ أحمد أنه قال: سلكت كل الطرق الموصلة، فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الافتقار والذّل والانكسار، فقيل له: يا سيدي! فكيف يكون؟ قال: تعظم أمر الله وتشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة سيدك رسول الله. وقد صنّف الناس في مناقب الشيخ أحمد- رحمه الله تعالى- وأفردوا ترجمته وذكروا من كراماته ومقاماته أشياء حسنة، وكان فقيها شافعيا قرأ «التنبيه» وله شعر حسن. توفي في جمادى الأولى. قال ابن كثير: ولم يعقب، وإنما المشيخة في ابني أخيه. انتهى كلام ابن قاضي شهبة. وقال في «العبر» [1] : وقد كثر الزّغل في أصحابه، وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق، من دخول النيران، وركوب السباع، واللّعب بالحيّات، وهذا لا يعرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم. انتهى. وقال سبط ابن الجوزي [2] : [حكى لي بعض أشياخنا قال:] حضرت عنده ليلة نصف شعبان وعنده نحو مائة ألف إنسان، فقلت له: هذا جمع

_ [1] انظر «العبر» (4/ 233) . [2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 236) وما بين حاصرتين زيادة منه.

عظيم فقال: جسرت مجسر [1] هامان [2] ، أنى [3] خطر ببالي أني مقدم هذا الجمع؟. وكان متواضعا، سليم الصدر، مجردا من الدّنيا، ما ادخر شيئا قطّ. رآه بعض أصحابه في المنام مرارا في مقعد صدق ولم يخبره، وكان للشيخ أحمد امرأة بذيئة اللّسان تسفه عليه وتؤذيه، فدخل عليه الذي رآه في مقعد صدق يوما فرآه وفي يد امرأته محراك التّنّور، وهي تضربه على أكتافه، فاسود ثوبه وهو ساكت، فانزعج الرجل وخرج من عنده [فاجتمع بأصحاب الشيخ] ، وقال: يا قوم يجري على الشيخ من هذه الامرأة هذا وأنتم سكوت؟ فقال بعضهم: مهرها خمسمائة دينار وهو فقير، فمضى الرجل وجمع خمسمائة دينار وجاء بها إلى الشيخ، فقال: ما هذا؟ قال: مهر هذه الامرأة السفيهة التي فعلت بك كذا وكذا، فتبسّم وقال: لولا صبري على ضربها ولسانها ما رأيتني في مقعد صدق. وعن يعقوب ابن كراز، أن الشيخ كان لا يقوم لأحد من أبناء الدّنيا، ويقول: النظر في وجوههم يقسي القلب، وكان يترنم بهذا البيت: إن كان لي عند سليمى قبول ... فلا أبالي ما يقول العذول وكان يقول: ومستخبري عن سرّ ليلى تركته ... بعمياء من ليلى بغير يقين يقولون خبّرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبّرتهم بأمين وذكر ابن الجوزي، أن سبب وفاته- رضي الله عنه- أبيات أنشدت بين يديه، تواجد عند سماعها تواجدا كان سبب مرضه الذي مات فيه، وكان

_ [1] في «آ» و «ط» : «حشرت محشر» والتصحيح من «مرآة الزمان» والمعنى أقدمت مقدم هامان. انظر «مختار الصحاح» (جسر) . [2] في «مرآة الزمان» : «ماهان» . [3] في «آ» و «ط» : «إن» والتصحيح من «مرآة الزمان» .

المنشد لها الشيخ عبد الغني بن نقطة حين زاره وهي: إذا جنّ ليلي هام قلبي بذكركم ... أنوح كما ناح الحمام المطوّق وفوقي سحاب يمطر الهمّ والأسى ... وتحتي بحار بالأسى تتدفّق سلوا أمّ عمرو كيف بات أسيرها ... تفكّ الأسارى دونه وهو موثق فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا هو مأسور يفكّ فيطلق فمفهوم كلام ابن الجوزي أن الأبيات لغيره، مع أن ابن خلّكان [1] ذكر أنها من نظمه. وفيها أبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس الدّمشقي المقرئ. آخر من قرأ على أبي الوحش سبيع، وآخر من سمع على الشريف النّسيب، توفي في شوال وله ست وثمانون سنة. وفيها أبو القاسم بن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى الأنصاري القرطبي، الحافظ. محدّث الأندلس ومؤرّخها ومسندها. سمع أبا محمد بن عتّاب، وأبا بحر بن العاص، وطبقتهما، وأجاز له أبو علي الصّدفي، وسمع العالي والنازل، وكان سليم الباطن، كثير التواضع، ألّف خمسين تأليفا في أنواع العلوم، منها «الحكايات المستغربة» و «غوامض الأسماء المبهمة» [2] و «معرفة العلماء الأفاضل» و «القربة إلى الله بالصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم» و «جزء» ذكر فيه من روى «الموطأ» عن مالك، رتبهم على حروف المعجم، فبلغوا ثلاثة وسبعين رجلا، وكتاب «المستعينين عند المهمات والحاجات وما يسرّ الله لهم من الإجابات» وغير ذلك، وولي قضاء بعض جهات إشبيلية، ثم اقتصر على إسماع العلم، وتوفي في ثامن رمضان، وله أربع وثمانون سنة.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 172) . [2] وقد طبع حديثا في مكتبة عالم الكتب ببيروت طبعة متقنة محررة في مجلدين.

وفيها خطيب الموصل، أبو الفضل، عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر [1] الطّوسي ثم البغدادي. ولد في صفر سنة سبع وثمانين، وسمع حضورا من طراد، والنّعالي، وغيرهما، وسمع من ابن البطر، وأبي بكر الطّريثيثي، وخلق، وكان ثقة في نفسه. توفي في رمضان. قال ابن النجّار: وقرأ الفقه- أي فقه الشافعي- والأصول على إلكيا الهرّاسي، وأبي بكر الشّاشي، والأدب على أبي زكريا التّبريزي، وولي خطابة الموصل زمانا، وتفرّد في الدّنيا، وقصده الرّحّالون [2] . وفيها أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن حمنيس [3] البغدادي السّرّاج. سمع أبا الحسن بن العلّاف، وأبا سعد بن خشيش، وجماعة. قال ابن الأخضر: كان لا يحسن يصلي، ولا أن يقول التحيات، وتوفي في رجب. قاله في «العبر» [4] . وفيها عز الدّين فرّوخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي، صاحب بعلبك وأبو صاحبها، الملك الأمجد، ونائب دمشق لعمه صلاح الدّين، وكان ذا معروف وبرّ، وتواضع، وأدب، وكان للتاج الكندي به اختصاص، توفي بدمشق ودفن في قبته التي بمدرسته المطلّة على الميدان في الشرق الشمالي

_ [1] في «آ» و «ط» و «العبر» طبع الكويت: «عبد القادر» والتصحيح من «العبر» طبع بيروت، و «سير أعلام النبلاء» (21/ 87) . [2] كذا في «آ» و «العبر» (4/ 234) وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 89) : «الرّحّالون» . وفي «آ» : «الراحلون» . [3] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «حمنيس» وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 89) : «حمتيس» . [4] (4/ 235) .

في جمادى الأولى، وهو أخو صاحب حماة تقي الدّين. وله شعر حسن، منه: إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ... وتوقع حكم العدل أحسن موقعه فلا تصنع المعروف مع غير أهله ... فظلمك وضع الشّيء في غير موضعه وفيها القطب النّيسابوري، الفقيه العلّامة، أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود الطّريثيثي- بضم الطاء المهملة، وفتح الراء، وسكون التحتية، ومثلثة، نسبة إلى طريثيث، ناحية بنيسابور- الشافعي. ولد سنة خمس وخمسمائة، وتفقّه على محمد بن يحيى صاحب الغزالي، وتأدّب على أبيه، وسمع من هبة الله السّيدي وجماعة، وبرع في الوعظ، وحصل له القبول ببغداد، ثم قدم دمشق سنة أربعين، وأقبلوا عليه، ودرّس بالمجاهدية والغزالية، ثم خرج إلى حلب، ودرّس بالمدرستين اللتين بناهما نور الدّين، وأسد الدّين، ثم ذهب إلى همذان فدرّس بها، ثم عاد بعد مدة [1] إلى دمشق، ودرّس بالغزالية، وانتهت إليه رئاسة المذهب بدمشق، وكان حسن الأخلاق، قليل التصنّع، مطّرحا للتكلّف، صنّف مختصرا في الفقه سمّاه «الهادي» وتوفي بدمشق في شهر رمضان، ودفن بمقابر الصوفية. وفيها أبو محمد بن الشّيرازي، هبة الله بن محمد بن هبة الله بن جميل [2] البغدادي المعدّل الصوفي الواعظ. سمع أبا علي بن نبهان وغيره، وقدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة وهو شاب، فسكنها وأمّ بمشهد عليّ وفوّض إليه عقد الأنكحة، توفي في ربيع الأول وهو في عشر الثماني، وأمّ بعده في المشهد ابنه القاضي شمس الدّين أبو نصر محمد.

_ [1] قوله: «بعد مدة» لم يرد في «آ» . [2] كذا في «آ» و «ط» : «ابن جميل» وفي «العبر» بطبعتيه: «ابن مميل» .

وفيها أبو الفضل وفاء بن أسعد التّركي الخبّاز. روى عن أبي القاسم ابن بيان وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر، وكان شيخا صالحا. وفيها ممدود الذّهبي البغدادي المجاب الدّعوة. اتّهم بسرقة فأتي به إلى باب المتولّي [1] ، ومدّ ليضرب، فرفع النّقيب يده ليضربه فيبست يده، فقال له صاحب الباب: ما لك؟ قال: قد يبست يدي، فرفعوه عن الأرض، فعادت يده صحيحة، فعاد النّقيب ليضربه فيبست يده، فعل ذلك ثلاث مرّات، فبكى صاحب الباب، وقام إليه وأجلسه إلى جانبه واعتذر إليه. وفيها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن [2] صاحب المغرب، كان حسن السيرة، مجاهدا في سبيل الله تعالى، أغار الفنش [3] ملك طليطلة على بلاد الأندلس، فعدا إليه يوسف في مائتي ألف فارس وثمانين ألفا، فنزل على بلاد الفنش [3] ، فخامر عليه وزيره ابن المالقي، وقال للعساكر: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تعدوا إلى مراكش، فبقي في نفر يسير، وأرسل إلى الفنش [3] يقول له: ادهمه، فليس معه عسكر، فجاء الفنش [3] ، فالتقاه يوسف فطعن في جنبه فمات بعد يومين وحمل إلى إشبيلية، وكانت إمارته اثنتين وعشرين سنة، وقدّموا ولده يعقوب وبايعوه، ولقّبوه [4] بالمنصور، ولم يكن في ولد عبد المؤمن [5] مثل يعقوب. وفيها أبو الحسن علي بن أبي المعالي المبارك، وقيل أحمد بن أبي

_ [1] في «ط» : «النوبي» . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 98- 102) . [3] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» (21/ 100) : «الفنش» وفي بعض المصادر: «الأذفنش» . [4] في «ط» : «ولقّب» . [5] في «ط» : «في بني عبد المؤمن» .

الفضل بن أبي القاسم بن الأحدب [1] الورّاق الدّارقزي المحوّلي [2] الفقيه الحنبلي، المعروف بابن غريبة. ولد في منتصف رمضان سنة ست وخمسمائة، وسمع الكثير من أبي القاسم بن الحصين وغيره ببغداد وغيرها من البلاد، وتفقّه في المذهب على ابن سيف وغيره، وقرأ الفرائض على القاضي أبي بكر، وكان ثقة صحيح السماع، ذا عقل وتجربة، ولّاه الوزير ابن هبيرة رفع المظالم، وانقطع في آخر عمره بالمحوّل إلى أن مات، وأفلج قبل موته بشهور، وسمع منه جماعة، منهم: ابن الحنبلي، وابن القطيعي، وغيرهما، وروى عنه ابن الجوزي، وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى بالمحوّل وحمل على أعناق الرجال، فدفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها أبو القاسم عبيد الله [3] بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفرّاء القاضي ابن القاضي ابن القاضي أبي يعلى. ولد ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجّة سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وأسمعه أبوه الكثير في صباه من جماعة أعيان، وسمع هو بنفسه من ابن ناصر الحافظ، وأبي بكر بن الزّاغوني وغيرهما، وبالغ في السماع والإكثار، وتفقّه وكتب، وكانت داره مجمعا لأهل العلم وينفق عليهم بسخاء نفس وسعة صدر، وسمع منه جماعة، منهم: ابن القطيعي، وجمع، وصنّف أنواعا من العلوم، وحمله بذل يده وكرم طبعه على أن استدان ما لا يمكنه وفاؤه، فغلبه الأمر حتّى باع معظم كتبه، وخرج عن يده أكثر أملاكه، واختفى في بيته من

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن الأديب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 349) . [3] كذا في «آ» و «ط» : «عبيد الله» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 351) : «عبد الله» .

الديون، وبلغ به الحال إلى أن اغتيل في شهادة على امرأة بتصريف بعض الحاضرين، فأنكرت المرأة المشهود عليها ذلك الإشهاد، فكان سببا لعزله من الشهادة، فهو عدل في روايته ضعيف في شهادته، وتوفي يوم الجمعة يوم عيد الأضحى في هذه السنة أو في سنة ثمانين كما صححه بل جزم به ابن رجب.

سنة تسع وسبعين وخمسمائة

سنة تسع وسبعين وخمسمائة فيها توفي تاج الملوك مجد الدّين بوري [1] ، أخو السلطان صلاح الدّين، وله ثلاث وعشرون سنة. كان أديبا شاعرا، له ديوان صغير، وجمع الله فيه محاسن الأخلاق ومكارمها، مع الشجاعة والفصاحة. ومن شعره: أقبل من أعشقه راكبا ... من جهة الغرب على أشهب فقلت: سبحانك يا ذا العلى ... أشرقت الشمس من المغرب ومنه أيضا: أيا حامل الرّمح الشبيه بقدّه ... ويا شاهرا سيفا على لحظه عضبا ذر الرّمح واغمد ما سللت فربّما ... قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا أصابت ركبته طعنة على حلب مات منها بعد أيام [2] . وفيها تقيّة بنت غيث بن علي الأرمنازي [3] الشاعرة المحسنة، لها شعر سائر، وكانت امرأة برزة جلدة، مدحت تقي الدّين عمر صاحب حماة والكبار، وعاشت أربعا وسبعين سنة، ولها ابن محدّث معروف. [صحبت

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 290- 292) وفيه: «وبوري معناه بالعربية ذئب» و «العبر» (4/ 237) . [2] راجع هذه الفقرة عند ابن خلّكان في «الوفيات» (1/ 292) فهي أوضح وأتم هناك. [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 297- 300) وما بين حاصرتين في الترجمة زيادة منه لا بد منها، و «العبر» (4/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 94- 95) .

الحافظ السّلفي زمانا بثغر الإسكندرية، وذكرها في بعض تعاليقه، وأثنى عليها، وكتب بخطّه] عثرت يوما [في منزل سكناي] فانجرحت، فشقّت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبت به جرحي [1] فقالت: لو وجدت السّبيل جدت بخدّي ... عوضا عن خمار تلك الوليدة كيف لي أن أقبّل اليوم رجلا ... سلكت دهرها الطّريق الحميدة وفيها أبو الفتح الخرقي عبد الله بن أحمد بن أبي [الفتح] الأصبهاني [2] مسند أصبهان. سمع أبا مطيع المصري، وأحمد بن عبد الله السّوذرجانيّ وانفرد بالرواية عن جماعة. توفي في رجب وله تسع وثمانون سنة، وكان رجلا صالحا. وفيها الأبله الشاعر صاحب الديوان أبو عبد الله محمد بن بختيار البغدادي [3] شاب ظريف، وشاعر مفلق، جمع شعره بين الصناعة والرّقّة، وسمي الأبله لذكائه من باب تسمية الشيء بضده كما يقال للأسود كافور. أنشد الأبله لابن الدّوامي [4] الحاجب يوما قوله: زار من أحيا بزورته ... والدّجى في لون طرّته قمر يثني معاطفه ... بانة في طيّ بردته بتّ أستجلي المدام على ... غرّة الواشي وغرّته

_ [1] في «آ» و «ط» : «جرحها» وما أثبته يقتضيه السياق. [2] انظر «العبر» (4/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 90- 91) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [3] انظر «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (235- 236) طبع دار ابن كثير، و «وفيات الأعيان» (4/ 463- 465) و «العبر» (4/ 238) و «الوافي بالوفيات» (2/ 244- 246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 95- 96) . [4] هو عزّ الكفاة الحسن بن هبة الله الدوامي البغدادي، سترد ترجمته في وفيات سنة (645) من المجلد السابع إن شاء الله تعالى.

آه من خصر له وعلى ... رشفة من برد ريقته يا له في الحسن من صنم ... كلّنا من جاهليّته فقال له ابن الدّوامي: يا حجّة العرب! هي لك؟ قال: نعم، فصاح صائح: يكذب، ما هي له، ففتشوا فلم يجدوا أحدا، فقال: أنشدني غيرها. فأنشده غيرها، كل ذلك والقائل يقول له تكذب- ثلاث مرات- فقال الأبله في الثالثة: فما هي لي فهي لمن؟ فقال القائل: هي لي، قال: ومن أنت؟ قال شيطانك الذي أعلمك قول الشعر، قال له: صدقت، الله يحفظك عليّ. قال أبو الدرّ الرّومي الشاعر: مرض الأبله فعدته، فقال: ما بقيت أقدر أنظم، قلت: فما سببه؟ قال: مات تابعي، وتوفي بعد ذلك ومن شعره أيضا: دارك يا بدر الدّجى جنّة ... بغيرها نفسي ما تلهو وقد روي في خبر أنه ... أكثر أهل الجنّة البله وله: يا ذا الذي كفل اليتيم ... وقصده كفل اليتيم إن كنت ترغب في النّعيم ... فقد حصلت على الجحيم قال الذهبي: مات وخلّف ثمانية آلاف دينار، ولم يكن له وارث، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو العلاء البصري محمد بن جعفر البصري ثم البغدادي [1] المقرئ، قرأ القراءات [2] على أبي الخير الغسّال [3] وسمع من ابن بيان، وأبي النّرسي، وعاش ثلاثا وتسعين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 238) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 91) . [2] كذا في «آ» و «العبر» : «القراءات» وفي «ط» : «القرآن» . [3] تصحف في «آ» و «ط» إلى «العسّال» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (1/ 465) .

وفيها قاضي زبيد الإمام الفاضل البارع المحمود السيرة، علي بن الحسين السّيري [1]- بفتح السين وبالراء المهملتين- توفي بمخلاف الساعد قافلا من مكّة، وكان ممن أجمع على فضله الموافق والمخالف، يقال: إنه أجاب عن ألف مسألة امتحنه بها أهل زبيد، وفضائله يتعجب منها السامع، كما قال ابن سمرة [2] . وفيها أبو طالب الكتّاني محمد بن علي بن أحمد الواسطي [3] المحتسب. توفي في المحرّم، وله أربع وتسعون سنة. سمع من أبي الصقر الشاعر، وأبي نعيم الجمّاري وطائفة، وانفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي، [و] الباقلّاني، وجماعة، ورحل إلى بغداد فلحق بها أبا الحسن بن العلّاف، وكان ثقة ديّنا. وفيها يونس بن محمد بن منعة الإمام رضي الدّين الموصلي [4] الشافعي، والد العلّامة كمال الدّين موسى، وعماد الدّين محمد، تفقّه على الحسين بن نصر بن خميس، وببغداد على أبي منصور الرزاز، ودرّس، وأفتى، وناظر، وتفقّه به جماعة، وكان مولده بإربل سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وتوفي في المحرم.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «السير» وتصحفت في «طبقات فقهاء اليمن» إلى «البشري» ، وانظر «مرآة الجنان» (3/ 415) و «غربال الزمان» ص (463) . [2] في «طبقات فقهاء اليمن» ص (243) وهو عمر بن علي بن سمرة الجعدي أبو الخطاب، مؤرخ يماني، من القضاة، مات بعد سنة (586) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (5/ 55) . [3] انظر «العبر» (4/ 238) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [4] انظر «العبر» (4/ 238) و «النجوم الزاهرة» (6/ 96) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 25- 26) .

سنة ثمانين وخمسمائة

سنة ثمانين وخمسمائة فيها توفي إيلغازي بن ألبي [1] بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق، الملك قطب الدّين التركماني، صاحب ماردين، وليها بعد أبيه مدة، وكان موصوفا بالشجاعة والعدل، توفي في جمادى الآخرة. وفيها [محمد بن حمزة] بن أبي الصّقر [2] أبو عبد الله القرشي الدّمشقي الشّروطي المعدّل. توفي في صفر وله إحدى وثمانون سنة، وكان ثقة صاحب حديث. سمع من هبة الله بن الأكفاني وطائفة، ورحل فسمع من ابن الطّبري [3] ، وقاضي المارستان، وكتب الكثير وأفاد، وكان شروطي البلد.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن المني» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (5/ 207) و «النجوم الزاهرة» (6/ 97) والضبط عنه. [2] ما بين حاصرتين لم يرد في «آ» وهو مترجم في «العبر» (4/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 109) . [3] في «آ» : «ابن الطير» وفي «ط» و «العبر» : «ابن الطبر» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» .

سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

سنة إحدى وثمانين وخمسمائة فيها نازل صلاح الدّين الموصل، وقد سارت إلى خدمته ابنة الملك نور الدّين محمود زوجة عز الدّين صاحب البلد، وخضعت له، فردّها خائبة، وحصر الموصل، فبذل أهلها نفوسهم، وقاتلوا أشدّ قتال، فندم وترحّل عنهم لحصانتها، ثم نزل على ميّافارقين فأخذها بالأمان، ثم ردّ إلى الموصل وحاصرها أيضا، ثم وقع الصلح على أن يخطبوا له، وأن يكون صاحبها طوعه، وأن يكون لصلاح الدّين شهرزور وحصونها، ثم رحل، فمرض واشتد مرضه بحرّان، حتّى أرجفوا بموته، وسقط شعر لحيته ورأسه. وفيها استولى ابن عائنة الملثّم على أكثر بلاد إفريقية، وخطب للناصر العبّاسي، وبعث رسوله يطلب التقليد بالسلطنة. وفيها توفي صدر الإسلام أبو الطاهر بن عوف إسماعيل بن مكّي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزّهري الإسكندراني المالكي [1] في شعبان، وله ست وتسعون سنة، تفقّه على أبي بكر الطّرطوشي، وسمع منه ومن أبي عبد الله الرّازي، وبرع في المذهب، وتخرّج به الأصحاب، وقصده السلطان صلاح الدّين وسمع منه «الموطأ» .

_ [1] انظر «العبر» (4/ 242) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 122- 123) .

وفيها محمد البهلوان بن إلدكز [1] الأتابك، شمس الدّين، صاحب أذربيجان، وعراق العجم، توفي في هذه السنة، وقام بعده أخوه قزل، وكان السلطان طغرل [2] السلجوقي من تحت حكم البهلوان كما كان أبوه أرسلان شاه من تحت حكم أبيه إلدكز [1] وكان له خمسة آلاف مملوك. وفيها الشيخ الكبير، الولي الشهير، حياة بن قيس الحرّاني [3] ، أحد الأربعة الذين قال فيهم أبو عبد الله القرشي: رأيت أربعة من المشايخ يتصرفون في قبورهم كحياتهم، الشيخ معروف الكرخي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ عقيل المنبجي، والشيخ حياة بن قيس الحرّاني، رضي الله عنهم، تخرّج بالشيخ حياة كثير من المريدين وأنجبوا، وله من الكرامات أحوال تذهل العقول، منها ما حكاه الشيخ الصالح غانم بن يعلى، قال: انكسرت بنا سفينة في بحر الهند، فنجوت إلى جزيرة فوجدت فيها مسجدا فيه أربعة نفر متوجهون إلى الله تعالى، فلما كان وقت العشاء دخل الشيخ حياة الحرّاني فتبادروا للسلام، وتقدم فصلى بهم، ثم صلوا الفجر، وسمعته يقول في مناجاته: يا حبيب التائبين، ويا سرور العارفين، ويا قرّة عين العابدين، ويا أنس المنفردين، ويا حرز اللاجئين، ويا ظهير المنقطعين، يا من حنّت إليه قلوب الصّدّيقين، وأنست به أفئدة المحبين، وعلّقت عليه همة الخائفين. ثم بكى، فرأيت الأنوار قد حفّت بهم، ثم خرج من المسجد وهو يقول:

_ [1] في «آ» و «ط» : «الزكر» والتصحيح من «العبر» (4/ 242) . [2] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «العبر» : «طغرل» وهو ما أثبته، وفي «سير أعلام النبلاء» (21/ 145) : «طغريل» . [3] انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 181- 182) و «مرآة الجنان» (3/ 419- 422) و «طبقات الأولياء» ص (430- 431) و «غربال الزمان» ص (465) .

سير المحبّ إلى المحبوب زلزال ... والقلب فيه من الأهوال بلبال [1] أطوي المهامة [2] من قفر على قدم ... إليك تدفعني [3] سهل وأجبال فقالوا لي: اتبع الشيخ، فتبعته، فكانت الأرض تطوى لنا، فوافينا حرّان وهم يصلون الصبح. سكن- رحمه الله تعالى- حرّان إلى أن توفي. قاله ابن الأهدل. وفيها أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التّنوخي المعرّي ثم الدّمشقي [4] ، صاحب ديوان الإنشاء في الدولة النّورية، عاش خمسا وثمانين سنة. وفيها المهذّب بن الدّهّان عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي [5] الفقيه الشافعي الأديب الشاعر النحوي، ذو الفنون، دخل يوما على نور الدّين الشهيد، فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت كما لا يريد الله ولا رسوله، ولا أنت ولا أنا، ولا ابن عصرون، فقال نور الدّين: كيف ذلك؟ فقال: لأن الله ورسوله يريدان مني الإعراض عن الدّنيا والإقبال على الآخرة ولست كذلك، وأنت تريد منّي أن لا أسألك شيئا ولست كذلك، وأنا أريد من نفسي أن أكون أسعد الناس ولست كذلك، وابن عصرون يريد مني أن أكون مقطّعا إربا إربا ولست كذلك، فضحك منه وأمر له بصلة. وقال العماد الكاتب: لما وصل السلطان صلاح الدّين إلى حمص، خرج إلينا ابن الدّهّان، فقدّمته وقلت: هذا الذي يقول في قصيدة يمدح بها ابن رزّيك:

_ [1] البلبال: الهم ووسواس الصدر. انظر «مختار الصحاح» (بلل) . [2] المهامه: المفاوز. انظر «مختار الصحاح» (مهه) . [3] في «غربال الزمان» : «ترفعني» . [4] انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 145) . [5] انظر «العبر» (4/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 176- 177) .

أأمدح التّرك أبغي الفضل عندهم ... والشّعر ما زال عند التّرك متروكا فأعطاه السلطان مائة دينار، وقال: حتى لا تقول إنه متروك عند التّرك، فامتدحه بقصيدته العينية التي يقول فيها: أعلمت بعدك وقفتي بالأجرع ... ورضا طلولك عن دموعي الهمّع لا قلب لي فأعي الكلام فإنني ... أودعته بالأمس عند مودّعي قل للبخيلة بالسلام تورّعا ... كيف استبحت دمي ولم تتورّعي هل تسمحين ببذل أيسر نائل ... أن أشتكي وجدي إليك وتسمعي أو سائلي جسدي ترى أين العنا ... أو فاسألي إن شئت شاهد أدمعي فالسّقم آية ما أجنّ من الجوى ... والدّمع بيّنة على ما أدّعي وله في غلام لسبته [1] نحلة في شفته: بأبي من لسبته نحلة ... آلمت أكرم شيء وأجل أثّرت لسبتها في شفة ... ما براها الله إلّا للقبل حسبت أنّ بفيه بيتها ... إذ رأت ريقته مثل العسل توفي بحمص في شعبان، وكان مدرسا بها. وفيها عبد الحقّ بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الإشبيلي [2] الحافظ، ويعرف بابن الخرّاط، أحد الأعلام، ومؤلف «الأحكام الكبرى» و «الصغرى» و «الجمع بين الصحيحين» وكتاب «الغريبين في اللغة» وكتاب «الجمع بين [الكتب] الستة» [3] وغير ذلك. روى عن أبي الحسن شريح وجماعة، نزل بجاية، وولي خطابتها، وبها توفي بعد محنة لحقته من

_ [1] جاء في «لسان العرب» (لسب) : لسبته الحيّة والعقرب الزّنبور ... لدغته. [2] انظر «العبر» (4/ 243- 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 198- 202) . [3] تصحفت لفظة «الستة» في «آ» و «ط» إلى «السنة» ولفظة «الكتب» سقطت منهما والتصحيح من «العبر» و «كشف الظنون» (1/ 600) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 199) .

الدولة في ربيع الآخر عن إحدى وسبعين سنة، وكان مع جلالته في العلم قانعا متعفّفا موصوفا بالصلاح والورع ولزوم السّنّة. وفيها الإمام السّهيلي أبو زيد، وأبو القاسم، وأبو الحسن، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلّامة الأندلسي [1] المالقي النّحوي، الحافظ العلم، صاحب التصانيف، منها «الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام» و « [التعريف و] الإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام» [2] وكتاب «نتائج الفكر» [3] ومسألة رؤية الله- عزّ وجل- في المنام، وروية النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومسألة السرّ في عور الدّجال، ومسائل كثيرة، وله أبيات الفرج المشهورة. قال ابن دحية أنشدنيها، وقال: ما يسأل الله بها أحد حاجة إلّا أعطاه إيّاها، وهي: يا من يرى ما في الضّمير ويسمع ... أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع يا من يرجّى للشدائد كلّها ... يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن ... أمنن فإنّ الخير عندك أجمع ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأي باب أقرع [4]

_ [1] انظر «إنباه الرواة» (2/ 162- 164) و «وفيات الأعيان» (3/ 143- 144) و «العبر» (4/ 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) و «البداية والنهاية» (12/ 318- 319) . [2] نقوم بتحقيقه أنا وصديقي الأستاذ حسن مروة بالاعتماد على نسختين خطيتين، ونرجو الله عزّ وجل أن يعيننا على الانتهاء منه ودفعه إلى الطبع قريبا إن شاء الله تعالى. ولابن عسكر كتاب سمّاه «التكملة والإتمام لكتاب التعريف والإعلام» استدرك به ما فات السّهيلي ذكره، وفي النية تحقيقه عقب الفراغ من تحقيق «التعريف والإعلام» إن شاء الله تعالى. [3] تحرف اسم الكتاب في «آ» و «ط» إلى «نتائج النظر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «البداية والنهاية» . [4] تأخر هذا البيت في «وفيات الأعيان» و «البداية والنهاية» إلى ما بعد البيت الذي يليه.

ما لي سوى فقري إليك وسيلة ... وبالافتقار إليك فقري أدفع من ذا الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع حاشا لمجدك أن تقنّط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب أوسع [1] وله أشعار كثيرة نافعة، وكان مالكيا ضريرا، أخذ القراءات عن جماعة، وروى عن ابن العربي والكبار، وبرع في العربية واللغات والأخبار والأثر، وتصدّر للإفادة، وكان مشهورا بالصلاح، والورع، والعفاف، والقناعة بالكفاف، وأقام ببلده إلى أن نمى خبره إلى مرّاكش، فطلبه وإليها وأحسن إليه، وأقبل [بوجه الإقبال] عليه، وأقام بها نحو ثلاثة أعوام. وهو منسوب إلى السّهيل، قرية بالقرب من مالقة بالأندلس. وتوفي في شعبان في اليوم الذي توفي فيه شيخ الإسكندرية أبو الطاهر ابن عوف، وعاش اثنتين وسبعين سنة. وفيها عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدّمشقي النجّار [2] . روى عن ابن الموازيني وغيره، وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة. وفيها ابن شاتيل أبو الفتح، عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا الدّبّاس [3] مسند بغداد. سمع الحسين بن البسري، وأبا غالب بن الباقلاني وجماعة، وتفرّد بالرواية عن بعضهم، ووهم من قال: إنه سمع من [ابن] البطر، توفي في رجب عن تسعين سنة. وفيها عصمة الدّين الخاتون [4] بنت الأمير معين الدّين أنر زوجة

_ [1] وزاد ابن فرحون في «الدّيباج المذهب» ص (151) طبع دار الكتب العلمية: ثم الصّلاة على النّبيّ وآله ... خير الأنام ومن به يتشفّع [2] انظر «العبر» (4/ 244) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 130) . [3] انظر «العبر» (4/ 244- 245) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «سير أعلام النبلاء» (21/ 117- 118) . [4] انظر «العبر» (4/ 245) .

نور الدّين ثم صلاح الدّين، وواقفة المدرسة التي بدمشق للحنفية، وبنت خانقاه للصوفية على الشرف القبلي خارج باب النصر، وبنت تربة بقاسيون على نهر يزيد تجاه قبة جركس ودفنت بها، وهي في يومنا هذا داخل جامع الجديد بالصالحية، وأوقفت على هذه الأماكن أوقافا كثيرة. وفيها الميّانشي [1] أبو حفص، عمر بن عبد المجيد القرشي، شيخ الحرم، تناول من أبي عبد الله الرّازي، وسمع من جماعة، وله كرّاس في علم الحديث. توفي بمكّة. وفيها أبو المجد البانياسي الفضل بن الحسين الحميري عفيف الدّين الدمشقي [2] . روى عن أبي القاسم الكلابي، وأبي الحسن بن الموازيني. توفي في شوال وله ست وثمانون سنة. وفيها صاحب حمص الملك ناصر الدّين محمد بن الملك أسد الدّين شيركوه [3] ، وابن عم السلطان صلاح الدّين. كان فارسا شجاعا جريئا متطلعا إلى السلطنة، قيل: إنه قتله الخمر، وقيل: بل سقي السّمّ، مات يوم عرفة. وفيها أبو سعد الصّائغ محمد بن عبد الواحد الأصبهاني [4] المحدّث. روى عن غانم البرجي، والحداد، وخلق.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الماشي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (4/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) و «منتخب مخطوطات الحديث في الظاهرية» للأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني ص (416) . [2] انظر «العبر» (4/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 157) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 480) و «العبر» (4/ 246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) . [4] انظر «العبر» (4/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 129- 130) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .

وفيها أبو موسى المدينيّ [1] محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ، صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة. سمع من غانم البرجي وجماعة من أصحاب أبي نعيم، ولم يخلّف بعده مثله. مات في جمادى الأولى، وكان مع براعته في الحفظ والرّجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 152- 159) و «النجوم الزاهرة» (6/ 101) .

سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة قال العماد الكاتب: أجمع المنجمون في هذا العام في جميع البلاد على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الرّيح، وخوّفوا بذلك الأعاجم والرّوم، فشرعوا في حفر مغارات، ونقلوا إليها الماء والزّاد [1] وتهيئوا، فلما كانت الليلة التي عيّنها المنجمون لمثل ريح عاد، ونحن جلوس عند السلطان، والشموع توقد فلا تتحرك، ولم نر ليلة مثل ركودها. وفيها توفي العلّامة عبد الله بن برّي أبو محمد المقدسي ثم المصري [2] النّحوي، صاحب التصانيف، وله ثلاث وثمانون سنة. روى عن أبي صادق المديني وطائفة، وانتهى إليه علم العربية في زمانه، وقصد من البلاد لتحقيقه وتبحّره، ومع ذلك فله حكايات في التغفّل [3] وسذاجة الطبع، كان يلبس الثياب الفاخرة، ويأخذ في كمّه العنب [مع الحطب] والبيض، فيقطر على رجله ماء العنب، فيرفع رأسه ويقول: العجب! إنها [4] تمطر مع

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «والأزواد» . [2] انظر «إنباه الرواة» (2/ 110- 111) و «العبر» (4/ 247- 248) وما بين حاصرتين في الترجمة مستدرك منه و «سير أعلام النبلاء» (21/ 136- 137) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفضل» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه. [4] في «آ» و «ط» : «إنما» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.

الصحو، وكان يتحدث ملحونا، ويتبرم بمن يخاطبه بإعراب، وهو شيخ الجزولي. وفيها أبو السعود أحمد بن المبارك الزاهد الحريمي [1] . كان عطّارا فأقامه الله، فانقطع إليه، وصحب الشيخ عبد القادر الكيلاني، وله كرامات، وكان لا يأكل حتّى يطعم، ولا يشرب حتّى يسقي، ولا يلبس ثوبا حتّى يجعل في عنقه، ولا يتكلم إلّا جوابا، ولا يزال على طهارة، مستقبل القبلة، وقع عليه سقف، فجاء جذع فكسر رؤوس أضلاعه فلم يتحرك، حتى جاء أصحابه فأزالوا السقف عنه، فأقام عشرين سنة لا يعلم أحد أن أضلاعه مكسّرة حتّى مات، فوجدوها على المغتسل مكسّرة. وفيها عبد الرّحمن بن جامع بن غنيمة بن البنّاء البغدادي الأزجي الميداني [2] الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو الغنائم، ويسمى أيضا غنيمة. ولد سنة خمسمائة تقريبا، وسمع الحديث من أبي طالب اليوسفي وغيره، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وقرأ الخلاف على أسعد الميهني، وبرع، وأفتى، وناظر، ودرّس بمسجده، وكان عارفا بالمذهب، صالحا، تقيا. قال ابن النجار: كان فقيها فاضلا ورعا زاهدا، مليح المناظرة، حسن المعرفة بالمذهب والخلاف. وحدّث عنه الشيخ موفق الدّين وغيره، وتوفي ليلة الاثنين ثامن شوال ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها علي بن مكّي [3] بن عبد الله أبو الحسن الضرير المقرئ الفقيه

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 502) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 353- 354) . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن عكبر» .

الحنبلي الأزجي [1] . قرأ القرآن، وسمع الحديث الكثير من ابن ناصر، وابن البطي، وغيرهما، وتفقّه على أبي حكيم النّهرواني، وكان من أهل الدّين والصلاح. توفي ليلة الأربعاء عاشر شوال، ودفن بباب حرب إلى جانب شيخه أبي حكيم.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 354) .

سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فيها افتتح صلاح الدّين بالشام فتحا مبينا، ورزق نصرا متينا، وهزم الفرنج وأسر ملوكهم، وكانوا أربعين ألفا، ونازل القدس وأخذه، وكان المنجمون قد قالوا له: تفتح القدس وتذهب عينك الواحدة، فقال: رضيت أن أفتحه وأعمى، فافتتحها بعد أن كانت بأيدي الفرنج أكثر من تسعين سنة [1] ثم أخذ عكا، ثم جال فافتتح عدة حصون، ودخل على المسلمين سرور لا يعلمه إلّا الله تعالى. وفيها قتل ابن الصّاحب [2] ببغداد، ولله الحمد، فذلّت الرافضة. وفيها توفي عبد الجبّار بن يوسف البغدادي [3] ، شيخ الفتوة وحامل لوائها، كان قد علا شأنه بكون الناصر الخليفة يمضي إليه، توفي حاجّا بمكّة. وفيها عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي [4] المحدّث الزاهد أبو العزّ [5] بن [أبي] حرب [6] الحنبلي، محدّث بغداد.

_ [1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي وتعليقي عليه ص (22) طبع دار ابن كثير. [2] انظر «العبر» (4/ 248) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 164- 165) واسمه هبة الله وكنيته مجد الدّين. [3] انظر «العبر» (4/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 133) . [4] انظر «العبر» (4/ 249) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 354- 358) . [5] في «آ» و «ط» : «أبو العزيز» والتصحيح من «العبر» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [6] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .

ولد سنة خمسمائة تقريبا، وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وابن كادش، وغيرهما، وعني بهذا الشأن، وحصّل الأصول، ولم يزل يسمع حتّى سمع من أقرانه، وتفقّه على القاضي أبي الحسين بن الفرّاء، وكان صالحا متدينا صدوقا أمينا، حسن الطريقة، جميل السيرة، حميد الأخلاق، مجتهدا في اتباع السّنّة والآثار، منظورا إليه بعين الديانة والأمانة، وجمع وصنّف وحدّث، ولم يزل يفيد الناس إلى حين وفاته، وبورك له، حتى حدّث بجميع مروياته، وسمع منه الكبار. قال الدّبيثي: عني بطلب الحديث وسماعه، وجمعه من مظانه، وخرّج وصنّف، وكان ثقة صالحا صاحب طريقة حميدة، وكتبنا عنه ونعم الشيخ كان، وروى عنه الشيخ موفق الدّين، والحافظ عبد الغني، وغيرهما، وقدم دمشق وحدّث بها. وقال ابن الحنبلي: سمعت من عبد المغيث، وكان حافظا زاهدا ورعا، كنت إذا رأيته خيّل إليّ أنه أحمد بن حنبل غير أنه كان قصيرا، وتوفي ليلة الأحد ثالث عشر [1] المحرم، ودفن بتكة قبر الإمام أحمد. قال الذهبي: صنف جزءا في «فضائل يزيد» أتى فيه بالموضوعات. وفيها قاضي القضاة ابن الدّامغاني أبو الحسن علي بن أحمد ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي [2] وله سبعون سنة، وكان ساكنا وقورا محتشما، حدّث عن ابن الحصين وطائفة، وولي القضاء بعد موت قاضي القضاة أبي القاسم الزّينبي ثم عزل عند موت المقتفي، فبقي معزولا إلى سنة سبعين، ثم ولي إلى أن مات.

_ [1] في «ط» : «ثالث عشري» . [2] انظر «العبر» (4/ 249) و «الجواهر المضية» (2/ 538- 540) .

وفيها ابن المقدّم الأمير الكبير شمس الدّين محمد بن عبد الملك [1] كان من أعيان أمراء الدولتين، وهو الذي سلّم سنجار إلى نور الدّين ثم تملّك بعلبك، وعصى على صلاح الدّين مدة، فحاصره ثم صالحه، وناب له بدمشق، وكان بطلا شجاعا محتشما عاقلا، شهد في هذا العام الفتوحات. وحجّ فلما حلّ بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدّين وضرب الكوسات، فأنكر عليه أمير ركب العراق [2] طاشتكين، فلم يلتفت [إليه] ، وركب في طلبه، وركب طاشتكين، فالتقوا، وقتل جماعة من الفريقين، وأصاب ابن المقدّم سهم في عينه فخرّ صريعا، وأخذ طاشتكين ابن المقدّم فمات من الغد بمنى [3] ، وهو باني المدرسة المقدّمية، والتربة والخان داخل باب الفراديس. وفيها مخلوف بن علي بن جارة أبو القاسم المغربي ثم الإسكندراني [4] المالكي، أحد الأئمة الكبار، تفقّه به أهل الثغر زمانا. وفيها أبو السعادات القزّاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني الحريمي [5] مسند بغداد. سمع جدّه أبا غالب القزّاز، وأبا القاسم الرّبعي، وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها أبو بكر محمد بن نصر الخرقي القاشاني، الحافظ الثقة،

_ [1] انظر «العبر» (4/ 250) و «النجوم الزاهرة» (6/ 105) . [2] لفظة «العراق» سقطت من «العبر» المطبوع في الكويت واستدركت في المطبوع في بيروت، ولفظة «إليه» التي بين حاصرتين مستدركة من الطبعتين. [3] ضبطها محقق «العبر» طبع الكويت بضم الميم وهو خطأ، وتبعه محقق طبعة بيروت فتصحح فيهما. [4] انظر «العبر» (4/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 134) . [5] انظر «العبر» (4/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 132- 134) و «النجوم الزاهرة» (6/ 106) .

الناقد النبيل، كما قال ابن ناصر الدّين [1] . وفيها أبو الفتح بن المنّي ناصح الإسلام نصر بن فتيان بن مطر النّهرواني ثم البغدادي [2] الحنبلي، فقيه العراق، وشيخ الحنابلة على الإطلاق. روى عن أبي الحسن بن الزّاغوني وطبقته، وتفقّه على أبي بكر الدّينوري، وكان ورعا زاهدا متعبدا، على منهاج السلف الصالح، تخرّج به أئمة. قال الشيخ ناصح الدّين بن الحنبلي: رحلت إليه فوجدت مسجده بالفقهاء والقراء معمورا، وكل فقيه عنده من فضله وإفضاله مغمورا، فأنخت راحلتي بربعه، وحططت زاملة بغيتي على شرعة شرعه، فوجدت الفضل الغزير، والدّين القويم المنير، [والفحر المستطيل المستطير، والعالم الخبير] [3] ، فتلقاني بصدر بالأنوار قد شرح، ومنطق بالأذكار قد ذكر ومدح، وبباب إلى كل باب من الخيرات قد شرع وفتح، فتح الله تعالى عليه. حفظ القرآن العظيم وهو في حداثة من سنّه، ولاحت عليه أعلام المشيخة، فرجح منه على كل فنّ [4] بفضل الله ومنّه. ثم قال: لم ننقل [عنه] أنه لعب ولا لها، ولا طرق باب طرب، ولا مشى إلى لذّة ومشتهى. وقال: قال لي ابن المنّي: تقدمت في زمن أقوام ما كنت أصلح أن أقدّم مداسهم. وقال لي- رحمه الله تعالى-: ما أذكر أحدا قرأ عليّ القرآن إلّا حفظه، ولا سمع درس الفقه إلّا انتفع.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (169/ آ) . [2] انظر «العبر» (4/ 251) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 137- 138) و «النجوم الزاهرة» (6/ 106) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 358- 365) . [3] ما بين حاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] في «آ» و «ط» : «على كلّ من» والمثبت من «ذيل طبقات الحنابلة» .

ثم قال: هذا حظي من الدّنيا. قال ابن الحنبلي: وما تزوّج ولا تسرى، ولا ركب بغلة ولا فرسا، ولا ملك مملوكا، ولا لبس الثياب الفاخرة إلّا لباس التقوى، وكان أكثر طعامه يشرب في قدح ماء الباقلّاء. وكان إذا فتح عليه بشيء فرّقه بين أصحابه. وكان لا يتكلم في الأصول، ويكره من يتكلم فيه، سليم الاعتقاد، صحيح الانتقاد في الأدلة الفروعية. وقال ابن رجب: (صرف همته طول عمره إلى الفقه أصولا وفروعا، مذهبا وخلافا، واشتغالا وإشغالا ومناظرة، وتصدّر للدرس والاشتغال [1] والإفادة وطال عمره وبعد صيته، وقصده الطلبة من البلاد، وشدت إليه الرّحال في طلب الفقه، وتخرّج به أئمة كثير، منهم: ابن الجوزي، وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه) لأن فقهاء زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة [الشيوخ و] الكتب إلى الشيخين: موفق الدّين المقدسي، ومجد الدّين بن تيمية الحرّاني. فأما الشيخ الموفق فهو تلميذ ابن المنّي، وعنه أخذ الفقه. وأما ابن تيمية، فهو تلميذ تلميذه أبي بكر بن الحلاوي. وكان مرض ابن المنّي الإسهال، وذلك من تمام السعادة، لأن مرض البطن شهادة، وتوفي به يوم السبت رابع شهر رمضان، ودفن يوم الأحد، ونودي في النّاس بموته، فانثال من الخلائق والأمم عدد لا يحصى، وازدحم الناس، وخيف من الفتن فنفّذ الولاة الأجناد والأتراك بالسلاح، ومات عن اثنتين وثمانين سنة، ولم يخلّف مثله.

_ [1] في «ط» : «والإشغال» وما بين القوسين لم أره في «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي.

وفيها الزاهد عبد الغني [بن أبي بكر] بن شجاع البغدادي [1] الحنبلي، المعروف بابن نقطة [2] . قال السخاوي: هو مشهور بالتقلل والإيثار والزهد، وكان له ببغداد زاوية يأوي إليها الفقراء، ولم يكن في عصره من يقاومه في التجريد. كان يفتح عليه قبل غروب الشمس بألف دينار فيفرّقها والفقراء صيام، فلا يدّخر لهم منها شيئا، ويقول: نحن لا نعمل بأجرة، يعني لا نصوم وندخر ما نفطر عليه، وزوّجته أم الخليفة الناصر بجارية من خواصها، وجهزتها بعشرة آلاف دينار، فما حال الحول وعنده سوى هاون، فجاء فقير فوقف على الباب، وقال: لي ثلاثة أيام ما أكلت شيئا، فأخرج إليه الهاون وقال: لا تشنّع على الله، كل بهذا ثلاثين يوما. وقال ابن شهبة في «تاريخه» : وكان له أخ مزكلش ينشد كان وكان ومواليا في الأسواق، ويسحر الناس في رمضان، فقيل له: أخوك زاهد العراق وأنت هكذا؟ فأنشد مواليا: قد خاب من شبّه الجزعة إلى درّه ... وسام قحبة إلى مستحسنة حرّه أنا مغنّي وخي زاهد إلى مرّه ... بيرين في دار ذي حلوة وذي مرّة انتهى. وتوفي في رابع جمادى الآخرة ببغداد، ويأتي ذكر ولده محمد في سنة ثمان وعشرين وستمائة، إن شاء الله تعالى.

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (125/ آ) : «عبد الغني بن شجاع أبو بكر البغدادي» والتصحيح من ترجمة ولده الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني في «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 300) و «وفيات الأعيان» (4/ 392) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 347) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الثالثة والستون) ص (344) طبع مؤسسة الرسالة. [2] أقول: قال الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (22/ 349) : «سئل أبو بكر عن نقطة، فقال: هي جارية عرفنا بها، ربت شجاعا جدّنا. (ع) .

وفيها مجد الدّين ابن الصّاحب، هبة الله بن علي. ولي أستاذ داريّة [1] المستضيء، ولما ولي النّاصر رفع منزلته وبسط يده، وكان رافضيّا سبّابا، تمكّن وأحيا شعار الإمامية، وعمل كلّ قبيح، إلى أن طلب إلى الديوان فقتل، وأخذت حواصله، فمن ذلك ألف ألف دينار، وعاش إحدى وأربعين سنة. قاله في «العبر» [2] .

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (125/ آ) «راية» وهو خطأ، وما أثبته من «العبر» وفي «سير أعلام النبلاء» : «أستاذ دار» . [2] (4/ 251) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 164- 165) .

سنة أربع وثمانين وخمسمائة

سنة أربع وثمانين وخمسمائة دخلت وصلاح الدّين يصول ويجول بجنوده على الفرنج، حتّى دوّخ بلادهم، وبثّ سراياه، وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان في رمضان، وسلّموها لفرط القحط. وفيها توفي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، الأمير الكبير، مؤيد الدولة، أبو المظفر، الكناني الشّيزري [1] . كان من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر [2] وعلمائهم وشجعانهم، له تصانيف عديدة في فنون الأدب والأخبار والنظم، وفيه تشيع. قال العماد الكاتب في «الخريدة» : سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم، فانتقل إلى مصر، فبقي فيها مؤمّرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام الصالح بن رزّيك، ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا، فأقام به حتّى ملك السلطان صلاح الدّين دمشق، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين. وقال ابن خلّكان [3] : له ديوان شعر في جزأين موجود بأيدي الناس، ورأيته بخطّه ونقلت منه:

_ [1] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الشيرازي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [2] قال ياقوت: «شيزر» قلعة تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة. انظر «معجم البلدان» (3/ 383) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 196- 199) وقد نقل المؤلف كلام العماد الكاتب المتقدم عنه.

لا تستعر جلدا على هجرانهم ... فقواك تضعف عن صدود دائم واعلم بأنّك إن رجعت إليهم ... طوعا وإلّا عدت عودة راغم وله جواب عن أبيات كتبها أبوه إليه: وما أشكو تلوّن أهل ودّي ... ولو أجدت شكيّتهم شكوت مللت [1] عتابهم ويئست منهم ... فما أرجوهم فيمن رجوت إذا أدمت قوارضهم فؤادي ... كظمت على أذاهم وانطويت ورحت عليهم طلق المحيّا ... كأنّي ما سمعت ولا رأيت تجنّوا لي ذنوبا ما جنتها ... يداي ولا أمرت ولا نهيت ولا والله ما أضمرت غدرا ... كما قد أظهروه ولا نويت ويوم الحشر موعدنا فتبدو ... صحيفة ما جنوه وما جنيت وله وقد قلع ضرسه، وقال: عملتهما ونحن بظاهر خلاط، وهو معنى غريب، ويصلح أن يكون لغزا في الضرس: وصاحب لا أملّ الدّهر صحبته ... يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد لم ألقه مذ تصاحبنا فمذ وقعت ... عيني عليه افترقنا فرقة الأبد [2] توفي يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان، ودفن من الغد شرقي جبل قاسيون. وفيها عبد الرّحمن بن محمد بن حبيش القاضي أبو القاسم الأنصاري المريّيّ [3] ، نزيل مرسية، عاش ثمانين سنة، وقرأ القراءات على

_ [1] في «آ» و «ط» : «ملكت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وديوانه ص (115) . [2] رواية البيت في «وفيات الأعيان» : لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا ... لناظريّ افترقنا فرقة الأبد [3] في «آ» و «ط» : «المري» والتصحيح من «العبر» (4/ 252) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 119) .

جماعة، ورحل بعد ذلك، فسمع بقرطبة من يونس بن محمد بن مغيث والكبار، وكان من أئمة الحديث، والقراءات، والنحو، واللغة، ولي خطابة مرسية وقضاءها مدة، واشتهر ذكره وبعد صيته، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وقد صنّف كتاب «المغازي» في عدة مجلدات [1] . وفيها عمر بن بكر بن محمد بن علي القاضي عماد الدّين بن الإمام شمس الأئمة الجابريّ [2] الزّرنجري- بفتح الزاي والراء الأولى والجيم، وسكون النون، نسبة إلى زرنجرا قرية ببخارى [3]- شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر، ومن انتهت إليه رئاسة الفقه، توفي في شوال عن نحو تسعين سنة. وفيها التّاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي [4]- بفتح الموحدة وسكون النون، وفتح الجيم، وبعد الدال المهملة تحتية، نسبة إلى بنج دية خمس قرى بمرو الرّوذ [5]- الخراساني الصّوفي الشافعي، الرحّال الأديب، مات عن اثنتين وثمانين سنة بدمشق، وسمع من أبي الوقت وطبقته، وأملى بمصر مجالس، وعني بهذا الشأن، وكتب وسعى، وجمع فأوعى، وصنّف شرحا طويلا للمقامات. قال يوسف بن خليل الحافظ: لم يكن في نقله بثقة. وقال بن النجار: كان من الفضلاء في كلّ فنّ، في الفقه، والحديث، والأدب، وكان من أظرف المشايخ وأجملهم.

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» : «في خمس مجلدات» . [2] في «آ» و «ط» : «الخابوري» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [3] انظر «العبر» (4/ 253) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 172- 173) و «الجواهر المضية» (2/ 640- 641) . [4] انظر «العبر» (4/ 253) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 173- 175) . [5] انظر «معجم البلدان» (1/ 498) .

وفيها أبو الفتح بن التّعاويذي [1] محمد بن عبيد الله [2] ، الكاتب الشاعر المشهور، نسب إلى التّعاويذي لأنه نشأ في حجره، وهو جدّه لأمه، كان شاعرا لطيفا، عذب الكلام، سهل الألفاظ، سار نظمه في الآفاق، وتقدم على شعراء العراق وعمي في آخر عمره، وجمع ديوانه بنفسه. قال ابن خلّكان: كان شاعر وقته، لم يكن فيه مثله، جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وهو في غاية الحسن والحلاوة، وفيما أعتقده لم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه، وله في عماه أشياء كثيرة يرثي عينيه وزمان شبابه ونضرته. وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل العمى، وعمل له خطبة ظريفة، ورتبه أربعة فصول، وكل ما جدده بعد ذلك سماه الزيادات، فلهذا يوجد ديوانه خاليا من الزيادات، وفي بعضها مكملا بالزيادات، ولما عمي كان باسمه راتب في الديوان، فالتمس أن ينقل باسم أولاده فنقل، وكان وزير الديوان ابن البلدي قد عزل أرباب الدواوين وحبسهم وحاسبهم وصادرهم وعاقبهم، فقال فيه ابن التّعاويذي: يا ربّ أشكو إليك ضرّا ... أنت على كشفه قدير أليس صرنا إلى زمان ... فيه أبو جعفر وزير وكانت ولادة ابن التّعاويذي في العاشر من رجب يوم الجمعة، سنة تسع عشرة وخمسمائة، وتوفي في ثاني شوال. والتّعاويذي: نسبة إلى كتب التّعاويذ وهي الحروز. وفيها أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم، المعروف

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 466- 473) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 175- 176) و «العبر» (4/ 253) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» والتصحيح من مصادر الترجمة المذكورة في التعليق السابق.

بالحازمي- بالحاء المهملة نسبة إلى جدّه- الهمذاني [1] الشافعي الملقب زين الدّين. كان فقيها حافظا زاهدا ورعا متقشفا، حافظا للمتون والأسانيد، غلب عليه علم الحديث، وصنّف فيه تصانيفه المشهورة، منها «الناسخ والمنسوخ» في الحديث، لم يصنّف في فنّه مثله، وكتاب «المشتبه» وكتاب «سلسلة الذهب» فيما روى الإمام أحمد عن الشافعي، وفي شروط الأئمة وغيرها من التصانيف النافعة، واستوطن بغداد، ولازم الاشتغال والتعبد إلى أن مات ليلة الاثنين الثامن والعشرين من جمادى الأولى، ودفن في الشونيزية مقابل الجنيد، وكان قد فرّق كتبه على أصحاب الحديث. قال الإسنوي [2] : ولا نعلم أحدا ممن ترجمنا له توفي أصغر سنا منه، [وذلك] عكس القاضي أبي الطيب، وأبي طاهر الزّيّادي. نقل عنه في «الروضة» في أثناء كتاب القضاء، أن الذين أدركتهم من الحفّاظ كانوا يميلون إلى جواز إجازة غير المعين بوصف العموم، كأجزت [3] للمسلمين ونحوه، ثم صحّحه النّووي. انتهى. وفيها ابن صدقة الحرّاني [4] أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة، التّاجر السفّار. راوي «صحيح مسلم» عن الفراوي. شيخ صالح صدوق، كثير الأسفار، سمع في كهولته الكتاب المذكور، وعمّر سبعا وتسعين سنة، توفي في ربيع الأول بدمشق، وله بها أوقاف وبرّ. وفيها يحيى بن محمود بن سعد الثقفي أبو الفرج الأصبهاني [5]

_ [1] انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 167- 172) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 414) وما بين حاصرتين مستدرك منه. [3] تحرفت في «طبقات الشافعية» للإسنوي إلى «كأجرة» فتصحح من هنا. [4] انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 193- 194) . [5] انظر «العبر» (4/ 254) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 134- 135) .

الصوفي، حضر في أول عمره على الحداد وجماعة، وسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي، وفاطمة الجوزدانية، وجدّه لأمه أبي القاسم، صاحب «الترغيب والترهيب» . وروى الكثير بأصبهان، والموصل، وحلب، ودمشق، وتوفي بنواحي همذان، وله سبعون سنة.

سنة خمس وثمانين وخمسمائة

سنة خمس وثمانين وخمسمائة فيها توفي أبو العبّاس [التّرك] أحمد بن أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني [1] شيخ صوفيّة بلده ومسندها. سمع أبا مطيع، وعبد الرحمن الدّوني، وببغداد أبا علي بن نبهان، وتوفي في شعبان في عشر المائة. وفيها ابن الموازيني أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسين علي بن الحسن السّلمي [2] . سمع من جدّه، ورحل إلى بغداد في الكهولة، فسمع من أبي بكر بن الزّاغوني وطبقته، وكان صالحا خيّرا محدّثا فهما، توفي في المحرم، وهو في عشر التسعين. وفيها ابن أبي عصرون [3] ، قاضي القضاة. فقيه الشام، شرف الدّين أبو سعد، عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهّر بن علي بن أبي عصرون التّميمي الحديثي [4] ثم الموصلي، أحد الأعلام، ومولده في ربيع الأول سنة

_ [1] انظر «العبر» (4/ 255) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 124- 125) و «النجوم الزاهرة» (6/ 110) وما بين حاصرتين مستدرك منها جميعا. [2] انظر «العبر» (4/ 255- 256) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 161- 162) و «النجوم الزاهرة» (6/ 110) . [3] انظر «العبر» (4/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 125- 129) . [4] نسبة إلى حديثة الفرات، وتعرف بحديثة النورة، وهي على فراسخ من الأنبار. انظر «معجم البلدان» (2/ 230- 231) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 33- 36) .

اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين وأربعمائة. تفقّه بالموصل وسمع بها من أبي الحسن بن طوق، ثم رحل إلى بغداد، فقرأ القراءات على أبي عبد الله البارع، وسبط الخيّاط، وسمع من أبي الحصين وطائفة، ودرس النحو والأصلين، ودخل واسط وتفقّه بها، ورجع إلى الموصل بعلوم جمّة، ودرّس بها وأفتى، ثم سكن سنجار مدة، ثم قدم حلب ودرّس بها، وأقبل عليه نور الدّين، فقدم معه عند ما افتتح دمشق، وولي القضاء لصلاح الدّين سنة ثلاث وسبعين، وله مصنفات كثيرة، منها: «الانتصار» في أربع مجلدات، و «صفوة المذهب في نهاية اختصار نهاية المطلب» في سبع مجلدات، وغير ذلك. قال الشيخ موفق الدّين بن قدامة: كان ابن أبي عصرون إمام أصحاب الشافعي. وقال ابن الصلاح في «طبقاته» : كان من أفقه أهل عصره، وإليه المنتهى في الفتاوى والأحكام، وتفقّه به خلق كثير. انتهى. وبنى له نور الدّين المدارس بحلب، وحماه، وحمص، وبعلبك، وبنى هو لنفسه مدرسة بحلب وأخرى بدمشق، وتوفي في شهر رمضان، وله ثلاث وتسعون سنة. وفيها أبو طالب الكرخي [1] ، صاحب ابن الخلّ، واسمه المبارك بن المبارك، شيخ الشافعية بوقته في بغداد، وصاحب الخطّ المنسوب، ومؤدّب أولاد الناصر لدين الله. درّس بالنظامية بعد أبي الخير القزويني، وتفقّه به جماعة، وحدّث عن ابن الحصين، وكان ربّ علم وعمل ونسك وورع، وكان أبوه مغنيا فتشاغل الابن بضرب العود، حتّى شهدوا له أنه في طبقة

_ [1] انظر «العبر» (4/ 257) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 224) .

معبد، ثم أنف من ذلك، فجوّد الكتابة حتّى زاد بعضهم، وقال هو: أكتب من ابن البوّاب، ثم اشتغل بالفقه فبلغ في العلم الغاية. وفيها محمود بن علي بن أبي طالب أبو طالب التّميمي الأصفهاني الشافعي. قال ابن خلّكان [1] : تفقّه على محمد بن يحيى، وبرع في علم الخلاف، وصنّف فيه تعليقة [2] مشهورة، وكانت عمدة المدرسين في إلقاء الدروس، ويعدون تاركها قاصر الفهم عن إدراكها، واشتغل عليه خلق كثير، فصاروا أئمة، وكان خطيبا واعظا، له اليد الطولى في الوعظ، ودرّس بأصبهان مدة. وقال الذهبي: كان ذا يقين في العلوم، وله تعليقة جمّة المعارف، وتوفي في شوال. وفيها- كما قال ابن ناصر الدّين [3]- يوسف بن أحمد الشيرازي. كان حافظا نقّادا بارعا، شيخ الصوفية ببغداد. انتهى. وفيها البحراني [4] الشاعر المشهور، تفنن في الأدب، واشتغل بكتب الأوائل، وحلّ كتاب إقليدس، وهو منسوب إلى البحرين بليدة فوق هجر، لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الإحساء قدرها ثلاثة أميال، وكرهوا أن يقولوا البحري فيشتبه بالنسبة إلى البحر. قاله ابن الأهدل في «تاريخه» .

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 174) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار. [2] في «آ» و «ط» : «طريقة» وما أثبته موافق لما في «وفيات الأعيان» . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (169/ ب) . [4] هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن قائد، الملقب موفق الدّين الإربلي أصلا ومنشأ البحراني. انظر «وفيات الأعيان» (5/ 9- 12) و «مرآة الجنان» (3/ 431- 432) .

سنة ست وثمانين وخمسمائة

سنة ست وثمانين وخمسمائة دخلت والفرنج محدقون بعكا، والسلطان في مقاتلتهم، والحرب مستعر، فتارة يظهر هؤلاء، وتارة يظهر هؤلاء، وقدمت عساكر الأطراف مددا لصلاح الدّين، وكذلك الفرنج أقبلت في البحر من الجزائر البعيدة، وفرغت السنة والناس كذلك. وفيها توفي أبو المواهب، الحسن بن هبة الله بن محفوظ، الحافظ الكبير، ابن صصرى التّغلبي الدمشقي [1] . سمع من جدّه، ونصر الله المصّيصي وطبقتهما، ولزم الحافظ ابن عساكر وتخرّج به، ثم رحل وسمع بالعراق من ابن البطّي وطبقته، وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وعدة، وبأصبهان من ابن ماشاذه وطبقته، وبالجزيرة والنواحي، وبرع في هذا الشأن، وجمع وصنّف، مع الثقة، والجلالة، والكرم، والرئاسة عاش تسعا وأربعين سنة وكان ثبتا. وفيها أبو القاسم سيف الدّين عبد الله بن عمر بن أبي بكر [المقدسي] [2] الفقيه الحنبلي الإمام. ولد سنة تسع وخمسين وخمسمائة بقاسيون، ورحل إلى بغداد، فسمع

_ [1] انظر «العبر» (4/ 258) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 264- 266) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 371- 373) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

بها من جماعة، وتفقّه، وبرع في معرفة المذهب والخلاف والمناظرة، وقرأ النحو على أبي البقاء، وحفظ «الإيضاح» [1] لأبي علي، وقرأ العروض، وله فيه تصنيف. قال الحافظ الضياء: اشتغل بالفقه، والخلاف، والفرائض، والنحو، وصار إماما عالما ذكيا فطنا فصيحا، مليح الإيراد، حتّى إنني سمعت بعض الناس يقول عن بعض الفقهاء: ما اعترض السيف على دليل إلّا ثلم دليله. قاله ابن رجب. وكان حسن الخلق والخلق، أنكر منكرا ببغداد، فضربه الذي أنكر عليه، فكسر ثنيته، ثم إنه مكّن من ذلك الرجل، فلم يقتص منه، وغزا مع صلاح الدّين، وسافر إلى حرّان، فتوفي بها شابا في حياة أبيه، وتوفي في شوال، رحمه الله تعالى. وفيها أبو العلاء نجم الدّين عبد الوهاب بن شرف الإسلام عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي الأصل الأنصاري [2] شيخ الحنابلة بالشام في وقته. قال ولده ناصح الدّين عبد الرحمن: ولد والدي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وأفتى ودرّس وهو ابن نيف وعشرين سنة إلى أن مات، وما زال محترما معظما قويا، ولما مرض مرض الموت، رآني وقد بكيت، فقال: أيش بك؟ قلت: خيرا، قال: لا تحزن عليّ أنا ما توليت قضاء ولا شحنكية، ولا حبست ولا ضربت، ولا دخلت بين الناس، ولا ظلمت أحدا، فإن كان لي ذنوب فبيني وبين الله عزّ وجلّ، ولي ستون سنة أفتي الناس، والله

_ [1] في «آ» و «ط» : «الإفصاح» وهو خطأ، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو لأبي علي الفارسي. [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 368- 371) .

ما حابيت في دين الله تعالى. وكان الشيخ الموفق وأخوه أبو عمر إذا أشكل عليهما شيء سألا والدي، وتوفي ثاني عشري ربيع الآخر، ودفن بسفح قاسيون. وفيها عز الدّين عبد الهادي بن شرف الإسلام الحنبلي. كان فقيها واعظا شجاعا، حسن الصوت بالقرآن، شديد القوى، شديدا في السّنّة، تحكى عنه حكايات عجيبة في شدة قوته، منها أنه بارز فارسا من الفرنج، فضربه بدبوس فقطع ظهره وظهر الفرس فوقعا جميعا، وكان في صحبة أسد الدّين شيركوه إلى مصر، وشاهده جماعة رفع الحجر الذي على بئر جامع دمشق فمشى به خطوات ثم رده إلى مكانه، وبنى مدرسة بمصر، ومات قبل تمامها، وتوفي بمصر. وهو أخو نجم الدّين المذكور قبله. وفيها علي بن محمد بن علي بن الزّيتوني [1] الفقيه الحنبلي، المقرئ الضرير، أبو الحسن، المعروف بالبرابدسي وبرابدس [2] قرية من قرى بغداد. قال ابن القطيعي: سألته عن مولده فقال: ما أعلم، ولكني ختمت القرآن سنة ثمان وخمسمائة. قال: وسمع من ابن الحصين وغيره، وتفقّه، وناظر، وأفتى، ودرّس. وقال المنذري في «وفياته» : مولده سنة ثمانين وأربعمائة. انتهى. وفيها أبو بكر بن الجدّ محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي [3] الحافظ النحوي. ختم «كتاب سيبويه» على أبي الحسن بن

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 131- 132) بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، طبع مؤسسة الرسالة و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 366- 368) . [2] كذا في «آ» و «ط» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «بالبراندسي، وبراندس ... » . [3] انظر «العبر» (4/ 258) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 177- 179) .

الأخضر، وسمع «صحيح مسلم» من أبي القاسم الهوزني [1] ، ولقي بقرطبة أبا محمد بن عتّاب وطائفة، وبرع في الفقه، والعربية، وانتهت إليه الرئاسة في الحفظ، وقدم للشورى [2] في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وعظم جاهه وحرمته، وتوفي في شوال، وله تسعون سنة. وفيها محيي الدّين قاضي القضاة أبو حامد محمد بن قاضي القضاة كمال الدّين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن الشّهرزوري [3] الشافعي، تفقّه ببغداد على أبي منصور بن الرزّاز، وناب بدمشق عن أبيه، ثم ولي قضاء حلب، ثم الموصل، وتمكن من صاحبها عز الدّين مسعود إلى الغاية. قال ابن خلّكان: قيل: إنه أنعم في ترسله مرة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار على الفقهاء، والأدباء، والشعراء، ويقال: إنه في مدة حكمه بالموصل لم يعتقل غريما على دينارين فما دونها، بل يوفي ذلك عنه، وتحكى [4] عنه رئاسة ضخمة ومكارم كثيرة. ومن شعره في وصف جرادة: لها فخذا بكر وساقا نعامة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبتها أفاعي الرّمل بطنا وأنعمت ... عليها جياد الخيل بالرأس والفم وتوفي بالموصل في جمادى الأولى، وله اثنتان وستون سنة. وفيها محمد بن المبارك بن الحسين أبو عبد الله [5] بن أبي السعود

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الهوازني» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [2] تحرفت في «ط» إلى «للستوري» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 246- 248) و «العبر» (4/ 259) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 101- 102) و «مرآة الجنان» (3/ 432) . [4] في «وفيات الأعيان» : و «يحكى» . [5] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» .

الحلاوي الحربي [1] المقرئ. روى بالإجازة عن أبي الحسين بن الطّيوري وجماعة، ثم ظهر سماعه بعد موته من جعفر السرّاج وغيره، وعاش ثلاثا وتسعين سنة. وفيها أبو الفضل مسعود بن علي بن النّادر البغدادي [2] . قرأ على أبي بكر المزرفي، وسبط الخيّاط، وكتب عن قاضي المارستان فمن بعده فأكثر، ونسخ مائة وإحدى وعشرين ختمة، وعاش ستين سنة، وتوفي في المحرم. وفيها ابن الكيّال أبو الفتح، نصر الله بن علي [3] الفقيه الحنفي، مقرئ واسط. أخذ العشرة عن علي بن علي بن شيران [4] ، وأبي عبد الله البارع، وأخذ العربية عن ابن الشّجري، وابن الجواليقي، وتفقّه، ودرّس، وناظر، وولي قضاء واسط، توفي في جمادى الآخرة، عن أربع وثمانين سنة، وحدّث عن ابن الحصين. وفيها زين الدّين يوسف بن زين الدّين علي بن كوجك [5] ، صاحب إربل وابن صاحبها، مظفر الدّين، مات مرابطا على عكا. وفيها الفقيه نجم الدّين محمد بن الموفق الصّوفي الزاهد الشافعي الخبوشاني [6] . تفقّه على محمد تلميذ الغزالي، وكان يستحضر كتابه «المحيط في شرح الوسيط» وصنّف عليه كتابا سماه «تحقيق المحيط» ستة

_ [1] انظر «العبر» (4/ 259- 260) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 131 و 150) . [2] انظر «العبر» (4/ 260) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 150) . [3] انظر «العبر» (4/ 260) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 559- 560) و «الجواهر المضية» (2/ 198) طبعة حيدر أباد. [4] تحرفت في «ط» إلى «بشران» . [5] انظر «العبر» (4/ 260) . [6] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (7/ 14- 21) و «مرآة الجنان» (3/ 433) .

عشر مجلدا، وكان صلاح الدّين يعتقد فيه ويبالغ في احترامه [1] ، وعمّر له مدرسة الشافعي، فعمد إلى قبر ابن الكيراني الظاهري، وهو من غلاة أهل السّنّة فنبشه من عند الشافعي، وقال: لا يكون صدّيق وزنديق في موضع واحد، فثارت عليه الحنابلة بمصر، ووقع فتنة بسبب ذلك، ودفن نجم الدّين تحت رجلي الشافعي بينهما شباك، وكان يوصف بسلامة الباطن وقلة المعرفة بأحوال أهل الدّنيا. قاله ابن الأهدل.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وكان صلاح الدين يعتقده» وما أثبته من «مرآة الجنان» .

سنة سبع وثمانين وخمسمائة

سنة سبع وثمانين وخمسمائة فيها توفي الموفق أسعد بن المطران [1] الطبيب. كان نصرانيا فأسلم، وكان غزير المروءة، حسن الأخلاق، متعصبا للناس عند السلطان، وكان يتوالى أهل البيت، وكان يحب صبيا اسمه عمر، فقال ابن عنين: قالوا الموفّق شيعيّ فقلت لهم ... هذا خلاف الذي للنّاس منه ظهر وكيف يصبح دين الرّفض مذهبه ... وما دعاه إلى الإسلام غير عمر وكان يعود المرضى من الفقراء، ويحمل إليهم الأشربة من عنده والأدوية، حتى أجرة الحمّام، وكان مليح الصورة، ومات بدمشق ودفن بقاسيون على قارعة الطريق عند دار زوجته واسمها جوزه، وبنت إلى جانب تربته مسجدا ويعرف بدار جوزه. وفيها الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللّخمي الدمشقي الخرقي [2] الشافعي. روى عن ابن الموازيني، وعبد الكريم بن حمزة وجماعة، وكان فقيها متعبدا يتلو كلّ يوم وليلة ختمة، أعاد مدة بالأمينية، وتوفي في ذي القعدة وسنّه ثمان وثمانون سنة.

_ [1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 263- 264) (مخطوط) وفيه: «ابن البطران» و «الأعلام» للزركلي (1/ 300) الطبعة الرابعة، ولقبه عندهما «موفق الدّين» . [2] انظر «العبر» (4/ 261) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 196- 197) .

وفيها الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور [1] الشّاطبي الكاتب، وهو آخر من سمع من أبي علي بن سكّرة، وسمع أيضا من جماعة، وكان منشئا بليغا مفوها شاعرا، وتوفي في صفر. وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المريّيّ [2] أبو محمد عبد الله [3] المقرئ الصالح. كان حافظا غاية في الورع والصلاح والعدالة، برع في هذا الشأن. قاله ابن ناصر الدّين [4] . وفيها أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن المظفّر الفراوي النيسابوري [5] ، مسند خراسان. سمع من جدّه، وأبي بكر الشيروئي [6] وجماعة، وتفرّد في عصره، وتوفي في أواخر شعبان عن سنّ عالية. وفيها تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المظفّر [7] ، صاحب حماة وأحد الأبطال الموصوفين. كان عمه صلاح الدّين يحبه ويعتمد عليه، وكان يتطاول للسلطنة ولا سيما لما مرض صلاح الدّين، فإنه

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن مفاوز» والتصحيح من «العبر» (4/ 261) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 150) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المري» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» و «التبيان شرح بديعة البيان» . [3] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» وما أثبته هو الصواب. [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (170/ آ) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 251- 255) . [5] انظر «العبر» (4/ 262) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 179- 180) . [6] في «آ» و «ط» و «العبر» : «الشيروي» وما أثبته من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 158) و «سير أعلام النبلاء» . [7] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 456- 458) و «العبر» (4/ 262) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 202- 203) و «دول الإسلام» (2/ 99) .

كان نائبه على مصر، سار إلى ميّافارقين، وإلى خلاط فأخذهما، وحاصر منازكرد فمرض في رمضان ومات يوم الجمعة، وكان معه ولده المنصور محمد فكتم موته إلى ميّفارقين [1] وبنيت له مدرسة بظاهر حماة ودفن بها، واستقر ولده محمد المنصور بحماة. وفيها قزل أرسلان بن إلدكز [2] ملك أذربيجان، وأرّان، وهمذان، وأصبهان، والرّيّ بعد أخيه البهلوان محمد، قتل غيلة على فراشه في شعبان. وفيها السّهروردي الفيلسوف المقتول شهاب الدّين يحيى بن حبش ابن أميرك [3] . أحد أذكياء بني آدم. كان رأسا في معرفة علوم الأوائل، بارعا في علم الكلام، مناظرا محجاجا متزهدا زهد مردكة وفراغ، مزدريا للعلماء مستهزئا، رقيق الدّين. قدم حلب واشتهر اسمه، فعقد له الملك الظاهر غازي ولد السلطان صلاح الدّين مجلسا، فبان فضله وبهر علمه، فارتبط عليه الظاهر واختص به، وظهر للعلماء منه زندقة وانحلال، فعملوا محضرا بكفره وسيّروه إلى صلاح الدّين وخوّفوه من أن يفسد عقيدة ولده، فبعث إلى ولده بأن يقتله بلا مراجعة، فخيّره السلطان فاختار أن يموت جوعا، لأنه كان له عادة بالرياضة [4] ، فمنع من الطعام حتّى تلف، وعاش ستا وثلاثين سنة. قاله في «العبر» . وقال السيف الآمدي: رأيته كثير العلم، قليل العقل، قال لي: لا بد لي أن أملك الأرض.

_ [1] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» : وقيل: بل توفي ما بين خلاط وميّافارقين. [2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 209) و «العبر» (4/ 262) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 268- 274) و «العبر» (4/ 263- 265) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 207- 211) . [4] في «العبر» بطبعتيه: «بالرياضيات» .

وقال ابن خلّكان [1] : هو يحيى بن حبش، وقيل اسمه أحمد، وقيل اسمه كنيته، أبو الفتوح، وقيل عمر، والأول أصح، كان من علماء عصره. قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدّين الجيلي بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان، إلى أن برع فيهما، وهذا مجد الدّين الجيلي هو شيخ فخر الدّين الرازي، وعليه تخرّج وبصحبته انتفع، وكان إماما في فنونه. قال في «طبقات الأطباء» [2] : كان السّهروردي أوحد أهل زمانه في علوم الحكمية، جامعا للفنون الفلسفية [3] ، بارعا في أصول الفقه مفرط الذكاء، [فصيح العبارة] ، وكان علمه أكثر [4] من عقله. قال: ويقال عنه إنّه كان يعرف علم السيمياء. حكى بعض فقهاء العجم: أنه كان في صحبته، وقد خرجوا من دمشق، قال: فلما وصلنا إلى القابون، الذي هو على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب، لقينا قطيع غنم مع تركماني، فقلنا للشيخ: يا مولانا نريد من هذا الغنم رأسا نأكله، فقال: هذه عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم، فاشترينا من أحدهم رأسا ومشينا قليلا، فلحقنا رفيق لمن باعنا وقال: ردوا هذا الرأس وخذوا أصغر منه، فإن هذا ما عرف يبيعكم، وتقاولنا نحن وإيّاه، فلما عرف الشيخ ذلك قال لنا: خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه [5] وأرضيه، فتقدمنا نحن، وبقي الشيخ يتحدث معه ويطيّب قلبه، فلما مضينا قليلا تركه وتبعنا، وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه، ولما لم

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 268- 272) . [2] يعني «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» والكلام فيه ص (641 وما بعدها) طبع مكتبة دار الحياة ببيروت. [3] في «آ» و «ط» : «في العلوم الحقيقية والفلسفة» والتصحيح من «عيون الأنباء» و «وفيات الأعيان» وما بين حاصرتين زيادة منهما. [4] في «آ» و «ط» : «أكبر» وما أثبته من «عيون الأنباء» و «وفيات الأعيان» . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وأضيعه» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وإذا بيد الشيخ انخلعت من عند كتفه وبقيت بيد التركماني. ودمها يجري، فبهت التركماني وتحيّر في أمره، ورمى اليد وخاف، فأخذ الشيخ اليد بيده اليمنى ولحقنا، فلما وصل إلينا رأينا في يده اليمنى منديلا لا غير. ويحكى عنه أشياء مثل هذه كثيرة، والله أعلم بصحتها. وله تصانيف، فمن ذلك «التنقيحات» في أصول الفقه، و «التلويحات» و «الهياكل» وغير ذلك. وله أشعار، فمن ذلك ما قاله في النفس على مثال أبيات ابن سينا: خلعت هياكلها بجرعاء الحمى ... وصبت لمغناها القديم تشوقا وتلفّتت نحو الدّيار فشاقها ... ربع عفت أطلاله فتمزّقا وقفت تسائله فردّ جوابها ... رجع الصدى أن لا سبيل إلى اللّقا فإذا بها برق تألّق بالحمى ... ثم انطفى [1] فكأنه ما أبرقا ومن شعره المشهور أيضا: أبدا تحن إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والرّاح وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى لذيذ لقائكم ترتاح وا رحمتا للعاشقين تكلّفوا ... ستر المحبة والهوى فضّاح وهي طويلة. وله في النظم والنثر أشياء لطيفة، وكان شافعي المذهب، وكان يتّهم بانحلال العقيدة والتعطيل، ويعتمد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «ثم انطوى» .

وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان دنيء الهمّة، زري الخلقة، دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوبا ولا جسما ولا يدا، ولا يقصّ ظفرا ولا شعرا، وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعى على ثيابه، وكل من يراه يهرب منه، وهذه الأشياء تنافي الحكمة والعقل والشرع. وقال ابن الأهدل: قيل: قتل وصلب أياما، وقيل: خيّر في أنواع القتل، فاختار القتل بالجوع، لاعتياده الرياضة [1] ، فمنع من الطعام حتّى تلف. وقال ابن شدّاد: أقمت بحلب فرأيت أهلها مختلفين فيه، منهم من يصدقه ومنهم من يزندقه، والله أعلم. وفيها أبو طاهر يحيى بن مقبل بن أحمد بن بركة بن عبد الملك التيمي القرشي الحريمي البغدادي [2] الحنبلي، المعروف بابن الصدر، وهو لقب جده عبد الواحد، ويعرف أيضا بابن الأبيض. ولد في شعبان سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع من ابن الحصين، وأبي بكر الأنصاري، وغيرهما، وتفقّه في المذهب، وناظر في حلق الفقهاء وحدّث. قال ابن القطيعي: كتبت عنه وكان ثقة، قال: وتوفي يوم الاثنين في شهر شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد.

_ [1] في «ط» : «الرياضات» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 373- 374) .

سنة ثمان وثمانين وخمسمائة

سنة ثمان وثمانين وخمسمائة فيها أخذ سيف الدّين يافا بالسيف، ثم هادن الفرنج ثلاثة أعوام وثمانية أشهر. وفيها توفي أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي المقرئ أبو العبّاس، المعروف بالعراقي [1] نزيل دمشق. قرأ القرآن على أبي محمد سبط الخيّاط، وسمع الحديث من ابن سهلون وغيره، ومهر في علم القراءات، ولقي المهذّب بن منير الشاعر بحلب وروى عنه، وقدم دمشق فسكنها من سنة أربعين إلى أن مات، وقعد للإقراء تحت قبة النسر، وكان حنبليا. قال الشيخ موفق الدّين: كان إماما في السّنّة، داعيا إليها، إماما في القراءة، وكان ديّنا يقول الشعر الحسن. وروى عنه الشيخ موفق الدّين وغيره، وتوفي في شعبان. وفيها الجنزوي [2] أبو الفضل إسماعيل بن علي الشافعي الشّروطي

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 180) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 561) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 376- 377) وعنه نقل المؤلف الترجمة. [2] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «الخبزوي» وهو خطأ والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 234) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 370) و «النجوم الزاهرة» (6/ 119) ويقال

الفرضي من أعيان المحدّثين بدمشق وبها ولد. تفقّه على جمال الإسلام بن المسلم وغيره، وسمع من هبة الله بن الأكفاني وطبقته، ورحل إلى بغداد، فسمع أبا علي بن الباقرحي، وابن مرزوق والزّعفراني والكبار، وكتب الكثير، وكان بصيرا بعقد الوثائق والسجلات، وتوفي في جمادى الأولى عن تسعين سنة. وفيها موفق الدّين خالد بن الأديب [1] البارع محمد بن نصر القيسراني أبو البقاء [2] الكاتب، صاحب الخط المنسوب. كان صدرا نبيلا وافر الحشمة، وزر للسلطان نور الدّين الشهيد، وسمع بمصر من عبد الله بن رفاعة، وتوفي بحلب. وفيها أبو جعفر بن السّمين عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي الورّاق [3] الحنبلي المقرئ المحدّث الزاهد، نزيل الموصل. ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وسمع الكثير من أبي منصور القزّاز وغيره، وتفقّه على أبي الحسن، وأبي بكر ابني الزّاغوني، وغيرهما، وحدّث بالكثير ببغداد والموصل، وكان صالحا ثقة ديّنا صدوقا، من أهل التقشف والصلاح والنسك، يأكل من كسب يده، توفي في العشر الأخير من شهر رمضان بالموصل، ودفن بتل توبه. وفيها أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبّة البغدادي الطحّان [4] . روى عن ابن الحصين، وزاهر، وقدم حرّان، فورى بها «المسند» في نسبته: «الجنزي» أيضا نسبة إلى «جنزة» بلدة من العجم، بين أذربيجان وإرمينية، وهي التي يقال لها «كنجة» .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الوليد» والتصحيح من «العبر» . [2] انظر «العبر» (4/ 266) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 175) . [4] انظر «العبر» (4/ 266- 267) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 227- 229) .

وكان فقيرا صبورا، توفي في ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة. وحبّة: بباء موحدة. وفيها علي بن مكّي بن جرّاح بن علي البغدادي [1] الفقيه الحنبلي الزاهد، أبو الحسن، تفقّه على أبي الفتح بن المنّي وأبي يعلى بن أبي خازم، وبرع في الفقه، وأفتى وناظر، وكان زاهدا عابدا، توفي في حادي عشري صفر ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها أبو الحسن علي بن أبي العزّ بن عبد الله الباجرّائي- بفتح الموحدة والجيم، وتشديد الراء، نسبة إلى باجرّا قرية بالجزيرة [2]- الفقيه الحنبلي الزاهد. كان يسكن بمدرسة الشيخ عبد القادر، وسمع الكثير من أبي الوقت، وابن البطي، وغيرهما، وحدّث باليسير، وسمع منه جماعة من الفقهاء، وكان صالحا ورعا متدينا، ذا عبادة وزهد، وجمع كتابا في تفسير القرآن الكريم في أربع مجلدات، وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة، ودفن بباب حرب. وفيها الأمير سيف الدّين المشطوب، مقدّم الجيوش، علي بن أحمد ابن صاحب قلاع الهكّارية أبي الهيجاء الهكّاري [3] ، نائب عكا. لما أخذت الفرنج عكا أسروه، ثم اشتري بمبلغ عظيم، وكان شجاعا صابرا في الحرب، مطاعا في قبيلته، دخل مع أسد الدّين شيركوه إلى مصر، وشهد فتحها، وأقطعه السلطان نابلس، فجار نوابه على أهلها فشكوا إلى السلطان

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 378) . [2] وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «الباجسرائي» وهي نسبة إلى «باجسرا» قرية كبيرة بنواحي بغداد. انظر «الأنساب» (2/ 17) . [3] انظر «العبر» (4/ 267) .

وهو مار بهم واستغاثوا، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: يتظلمون من ابن المشطوب وأصحابه، وهو راكب بين يديه، فقال له السلطان: لو كان هؤلاء يدعون لك هيهات أن يسمع الله، فكيف وهم يدعون عليك؟ ثم أقطعه صلاح الدّين القدس، فتوفي بها في شوال، وكان ابنه عماد الدّين بن المشطوب من كبراء الأمراء بمصر. وفيها راشد الدّين أبو الحسن سنان بن سلمان [1] ، مقدّم الإسماعيلية، وصاحب الدعوة بقلاع الشام، وأصله من البصرة. قدم إلى الشام في أيام نور الدّين الشهيد، وأقام في القلاع ثلاثين سنة، وجرت له مع السلطان صلاح الدّين وقائع وقصص، ولم يعط طاعة قطّ، وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج، وكان قد قرأ كتب الفلسفة والجدل. قال المنتجب: أرسلني السلطان إلى سنان مقدّم الإسماعيلية ومعي القطب النيسابوري، وأرسل معنا تخويفا وتهديدا فلم يجبه، بل كتب على طرّة كتاب السلطان: يا ذا الذي بقراع السيف هدّدني ... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه قام الحمام على البازي يهدّده [2] ... وكشّرت لأسود الغاب أضبعه إنّا منحناك عمرا كي تعيش به ... فإن رضيت وإلّا سوف ننزعه أضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ماذا تلاقي منه أصبعه

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 182- 190) و «دول الإسلام» (2/ 100) وفيهما مات سنة (589) وراجع ما كتبه العلّامة الزركلي في هامش ترجمته من كتابه «الأعلام» (3/ 141) فهو مفيد نافع. [2] رواية هذه الشطرة في «سير أعلام النبلاء» : جاء الغراب إلى البازي يهدده ولكنها أدرجت في سياق الكلام النثري والأصح أن تفصل في سطر مستقل وأن تثبت نقط مكان الشطرة الثانية من البيت ويثبت قول المؤلف: «وذكر الأبيات» في سطر مستقل، ثم يثبت قوله: «وقال: هذا جوابه إلخ» في سطر جديد.

ثم كتب بعد الأبيات خطبة بليغة مضمونها عدم الخوف والطاعة، فلما يئس صلاح الدّين منه، جنح إلى صلحه فصالحه، ودخل في مرضاته. قال اليونيني في «تاريخه» : إن سنانا سيّر رسولا وأمره أن لا يؤدي رسالته إلّا خلوة، ففتشه السلطان صلاح الدّين فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى له المجلس إلّا نفرا يسيرا، فامتنع من أداء الرسالة حتّى يخرجوا، فخرجوا كلهم غير مملوكين صغيرين، فقال: هات رسالتك، فقال: أمرت أن لا أقولها إلّا في خلوة، فقال: هذان ما يخرجان، قال: ولم؟ قال: لأنهما مثل أولادي، فالتفت الرسول إليهما وقال: إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان تقتلانه؟ قالا: نعم. وجذبا سيفهما، فبهت السلطان، وخرج الرسول وأخذهما معه، فجنح صلاح الدّين إلى الصلح وصالحه ودخل في مرضاته. انتهى. وفيها قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ابن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التّركي السلجوقي [1] صاحب الرّوم، وحمو الناصر لدين الله. امتدت أيامه وشاخ وقويت [2] عليه أولاده وتصرفوا في ممالكه في حياته، وهي قونية، وأقسر، وسيواس، وملطية، وعاش سلطانا أكثر من ثلاثين سنة، وتملّك بعده ابنه غياث الدّين. وفيها ابن مجبر [3] الشاعر أبو بكر بن يحيى بن عبد الجليل الفهري ثم الإشبيلي، صاحب الأندلس في عصره، وهو كثير القول في يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 267) و «دول الإسلام» (2/ 100) و «النجوم الزاهرة» (6/ 117) . [2] في «العبر» بطبعتيه: «وقوي» . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن مجير» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 215) و «فوات الوفيات» (4/ 275) و «نفح الطيب» (3/ 237) .

وفيها أبو المرهف وأبو الفتح أيضا، نصر بن منصور بن الحسن النّميري [1] الأديب الشاعر الحنبلي. ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة بالرافقة بقرب رقّة الشام، وكان من أولاد أمراء العرب. نشأ بالشام وخالط أهل الأدب، وقال الشعر الفائق وهو مراهق، وأصابه جدري، وله أربع عشرة سنة فضعف بصره حتّى كان لا يبصر إلّا ما قرب منه، ثم قدم بغداد لمعالجة بصره، فأيس [2] الأطباء منه، فعمي، وأقام ببغداد، وسكن باب الأزج، فحفظ القرآن العظيم، وسمع الحديث من أبي الحصين، والقاضي أبي بكر، وابن ناصر، وغيرهم، وتفقّه وقرأ العربية والأدب على ابن الجواليقي، وصحب العلماء والصالحين، كالشيخ عبد القادر وغيره، ومدح الخلفاء والوزراء، وله ديوان شعر حدّث به، وكان فصيح القول، حسن المعاني، ذا دين وصلاح وتصلب في السّنّة، وسمع منه القطيعي وغيره، وروى عنه جماعة. ومن شعره- وقد سئل عن مذهبه واعتقاده-: أحبّ عليا والبتول وولدها ... ولا أجحد الشيخين حقّ التّقدّم وأبرأ ممّن نال عثمان بالأذى ... كما كنت أبرا من ولاء ابن ملجم ويعجبني أهل الحديث بصدقهم ... فلست إلى قوم سواهم بمنتمي [3]

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 213- 214) و «البداية والنهاية» (12/ 353) و «النجوم الزاهرة» (6/ 118) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 374) - 376) . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فآيسه» . [3] كذا هي الشطرة الثانية من البيت في «آ» و «ط» و «البداية والنهاية» و «ذيل طبقات الحنابلة» . وفي «سير أعلام النبلاء» : مدى الدهر في أفعالهم والتكلّم

ومن شعره أيضا: سبرت شرائع العلماء طرّا ... فلم أر كاعتقاد الحنبليّ فكن من أهله سرّا وجهرا ... تكن أبدا على النهج السّويّ هم أهل الحديث وما عرفنا ... سوى القرآن والنّص الجليّ ومنه أيضا: وزهّدني في جميع الأنا ... م قلّة إنصاف من يصحب هم النّاس ما لم تجرّبهم ... وطلس الذئاب إذا جرّبوا ولم تك تسلم عند البعا ... د منهم، فكيف إذا قرّبوا [1] توفي يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد.

_ [1] في «آ» و «ط» : «إذا تقرّبوا» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» .

سنة تسع وثمانين وخمسمائة

سنة تسع وثمانين وخمسمائة وتسمى سنة الملوك. فيها توفي بكتمر السلطان سيف الدّين صاحب خلاط، توفي في جمادى الأولى، وكان فيه دين وإحسان إلى الرّعية، وله همّة عالية، ضرب لنفسه الطبل في أوقات الصلوات الخمس، قتله بعض الإسماعيلية. قاله في «العبر» [1] . وفيها صاحب مكّة داود بن عيسى بن فليتة بن أبي هاشم العلوي الحسني [2] ، وكانت مكّة تكون له تارة ولأخيه مكثّر تارة. وفيها محمود سلطان شاه أخو الملك علاء الدّين خوارزم شاه ابنا أرسلان بن محمد الخوارزمي [3] . تملّك بعد أبيه سنة ثمان وسبعين، ثم قوي عليه [4] أخوه وحاربه، وتنقّلت به الأحوال، ثم وثب على مدينة مرو، وكان نظيرا لأخيه في الجلالة والشجاعة، دفع الغزّ عن مرو، ثم تجمعوا له وحاربوه وقتلوا رجاله ونهبوا خزائنه، فاستعان على حربهم بالخطا، وجاء

_ [1] (4/ 268) وانظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 277- 278) . [2] انظر «العبر» (4/ 268) و «العقد الثمين» (4/ 354- 356) . [3] انظر «العبر» (4/ 268- 269) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 218- 219) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «على» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.

بجيش عرمرم، واستولى على مملكة مرو، وسرخس، ونسا، وأبيورد، ووردت الخطا بمكاسب عظيمة من مال المسلمين، ثم أغار على بلاد الغوري، وظلم وعسف، ثم التقى هو والغوريّة فهزموه، ووصل إلى مرو في عشرين فارسا، وجرت له أمور طويلة، وتوفي في سلخ رمضان. وفيها الحضرمي قاضي الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد [1] المالكي [2] . روى عن محمد بن أحمد الرّازي وغيره. وفيها صاحب الموصل السلطان عز الدّين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر. قال ابن الأثير [3] : بقي عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين وبالتلاوة، ورزق خاتمة خير، وكان كثير الخير والإحسان، يزور الصالحين ويقرّبهم ويشفّعهم، وفيه حلم وحياء ودين. انتهى. ودفن بمدرسته التي أنشأها بالموصل تجاه دار السلطنة، وتمكن بعده ولده نور الدّين. وفيها السلطان صلاح الدّين الملك الناصر أبو المظفّر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدّويني الأصل [4] أول دولة الأكراد وملوكهم. قال ابن خلّكان [5] : اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من دوين

_ [1] قوله: «ابن محمد» سقط من «آ» . [2] انظر «العبر» (4/ 269) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 216- 217) . [3] انظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 101- 102) . [4] انظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 95- 97) و «العبر» (4/ 270) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 278- 291) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 139) .

- بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون، وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان من جهة أرّان وبلاد الكرج [1]- وإنهم أكراد رواديّة- بفتح الراء والواو وبعد الألف دال مهملة ثم ياء مثناة من تحتها مشددة وبعدها هاء، والروادية بطن من الفذّانيّه [2] بفتح الفاء والذال المعجمة، وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة مثناة من تحتها وبعدها هاء [3] ، قبيلة كبيرة من الأكراد- انتهى. وقال الذهبي: هو تكريتيّ المولد. ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وكان أبوه شحنة تكريت، ملك البلاد ودانت له العباد، وأكثر من الغزو وأطاب، وكسر الفرنج مرّات، وكان خليقا بالملك، شديد الهيبة، محببا إلى الأمة، عالي الهمّة، كامل السؤدد، جمّ المناقب، ولي السلطنة عشرين سنة، وتوفي بقلعة دمشق في السابع والعشرين من صفر، وارتفعت الأصوات في البلد بالبكاء، وعظم الضجيج، حتّى إن العاقل يتخيل أن الدّنيا كلها تصيح صوتا واحدا، وكان أمرا عجيبا، فرحمه الله ورضي عنه. انتهى. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان شجاعا، سمحا، جوادا، مجاهدا في سبيل الله، يجود بالمال قبل الوصول إليه، وكان مغرما بالإنفاق في سبيل الله، وما كان يلبس إلّا ما يحل له لبسه، ومن جالسه لا يعلم أنه جليس سلطان، وكان شديد الرغبة في سماع الحديث. ادعى رجل عليه أن سنقر الخلاطي مملوكه مات على رقّه، فتزحزح عن طرّاحته وساواه في

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الكرد» والتصحيح من «وفيات الأعيان» والكرج: مدينة بين همذان وأصبهان. انظر «معجم البلدان» . [2] كذا في «آ» و «ط» وفي هامش «ط» علّق الأستاذ حسام الدّين القدسي رحمه الله بقوله: في ابن خلّكان: «الهذانية» وأما في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي فاللفظة طبعت على هذا النحو: «الهذبانية» فلتحرر. [3] لفظة «هاء» سقطت من «آ» .

الجلوس، وادعى الرجل، فرفع السلطان رأسه وقال: لمن تعرفون سنقر؟ قالوا: نشهد أنه مملوكك مات على رقّك، ولم يكن للرجل بيّنة فأسقط في يده، ثم إن السلطان وهب له خلعة ونفقة وبغلة. وما شتم أحدا قطّ، ولا كتب بيده ما فيه أذى مسلم، وكان الحجّاب يزدحمون على طرّاحته، فجاء سنقر الخلاطي وقدّم له رقعة [1] يعلّم عليها، وكان السلطان قد مدّ يده اليمنى على الأرض ليستريح، فداس عليها سنقر ولم يعلم، وقال له: علّم لي على هذه القصة، وكرر القول، والسلطان لا يرد عليه، فقال له السلطان: أعلّم بيدي أو برجلي؟ فنظر سنقر فرأى يد السلطان تحت رجله، فخجل، وتعجب الحاضرون من حلمه. وأول ما فتح الدّيار المصرية، والحجاز، ومكّة، والمدينة، واليمن من زبيد إلى حضرموت، متصلا بالهند، ومن الشام: دمشق، وبعلبك، وحمص، وبانياس، وحلب، وحماة. ومن الساحل: بلاد القدس، وغزة، وتل الصافية، وعسقلان، ويافا، وقيسارية، وحيفا، وعكا، وطبرية، والشّقيف، وصفد، وكوكب، والكرك، والشّوبك، وصيدا، وبيروت، وجبلة، واللّاذقية، والشّغر، وصهيون، وبلاطنس، ومن الشرق حرّان، والرّها، والرّقّة، ورأس عين، وسنجار، ونصيبين، وسروج، وديار بكر، وميّافارقين، وآمد، وحصونها، وشهرزور، ويقال: إنه فتح ستين حصنا، وزاد على نور الدّين بمصر، والمغرب، والحجاز، واليمن، والقدس، والساحل، وبلاد الفرنج، وديار بكر، ولو عاش لفتح الدّنيا شرقا وغربا، وبعدا وقربا، ولم يبلغ ستين سنة، وكذا نور الدّين، وكان له ستة عشر ولدا ذكرا وبنت واحدة، وأكبرهم الأفضل علي، وابنته مؤنسة خاتون، تزوّج بها الكامل بن العادل، وبنى الملك الأفضل قبة شمالي الجامع الأموي في جواره شباك إلى الجامع ونقله

_ [1] لفظة «رقعة» سقطت من «آ» .

إليها في يوم عاشوراء، سنة اثنتين وتسعين، ومشى الأفضل بين يدي تابوته، وأراد العلماء والفقهاء حمله على أعناقهم، فقال الأفضل: تكفي أدعيتكم الصالحة، وحمله مماليكه وأخرج من القلعة وأدخل إلى [1] الجامع، ووضع قدّام باب النسر، وصلّى عليه القاضي محيي الدّين بن الزّكي، ثم حمل على الرؤوس إلى بطن ملحده، ثم لحده الأفضل وجلس ثلاثة أيام للعزاء، وأنفقت ستّ الشام أخت السلطان في هذه الأيام أموالا عظيمة، وقد رأى بعض الصالحين النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في جماعة من أصحابه رضي الله عنهم وقد زاروا قبر صلاح الدّين، ولما مات اختلفت اخوته، وطمع الفرنج فأخذوا جبيلا حاصروها وبها جماعة من الأكراد فباعوها للفرنج. انتهى ما أورده ابن شهبة ملخصا. وفيها أبو المظفّر منصور بن المبارك الواعظ، الملقب جرادة [2] . كان ظريفا كيّسا. ذكر يوما في وعظه حديث: «من قتل حيّة كان له قيراطان من الأجر، ومن قتل عقربا كان له قيراط» [3] فقام رجل فقال: يا سيدي، ومن قتل جرادة؟ قال: صلب على باب المسجد.

_ [1] لفظة «إلى» سقطت من «آ» . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 197) . [3] ذكره سبط ابن الجوزي في «مرآة الزمان» (8/ 272) في معرض ترجمته ولم يعزه لأحد، ولم أجده بهذا اللفظ، وفي معناه حديث «من قتل حية فكأنما قتل كافرا» ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (2/ 234) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإسناده ضعيف، وانظر «ميزان الاعتدال» للحافظ الذهبي (4/ 492 و 493) .

سنة تسعين وخمسمائة

سنة تسعين وخمسمائة فيها سار بنارس أكبر ملوك الهند، وقصد الإسلام، فطلبه شهاب الدّين الغوري، فالتقى الجمعان على نهر ماحون [1] . قال ابن الأثير [2] : وكان مع الهنديّ سبعمائة فيل، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس، فصبر الفريقان، وكان النصر لشهاب الدّين، وكثر القتل في الهنود، حتّى جافت منهم الأرض، وأخذ شهاب الدّين تسعين فيلا وقتل بنارس ملك الهند، وكان قد شدّ أسنانه بالذهب، فما عرف إلّا بذلك، ودخل شهاب الدّين بلاد بنارس وأخذ من خزانته ألفا وأربعمائة حمل، ومن جملة الفيلة فيل أبيض حدّثني من رآه. وفيها توفي القزويني العلّامة رضي الدّين أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطّالقاني، الفقيه الشافعي الواعظ. ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وتفقّه على الفقيه ملكداذ العمركيّ [3] ، وقرأ بالرّوايات على إبراهيم بن عبد الملك القزويني، وفاق

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» (4/ 270) وفي «الكامل» لابن الأثير (12/ 105) : «نهر ماجون» وفي «سير أعلام النبلاء» (22/ 215) : «نهر ماخون» . [2] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 105- 106) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف تبعا للذهبي في «العبر» . [3] في «آ» و «ط» : «ملكدار القزويني» وهو خطأ، وتحرفت «ملكداذ» في «العبر» بطبعتيه إلى «ملكدار» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» (21/ 191) .

الأقران، وسمع من الفراوي، وزاهر [الشّحاميّ] [1] وخلق، ثم قدم بغداد قبل الستين ودرّس بها ووعظ، ثم قدمها قبل السبعين، ودرّس بالنظامية، وكان إماما في المذهب، والخلاف، والأصول، والتفسير، والوعظ، وروى كتبا كبارا، ونفق كلامه على الناس لحسن سمته، وحلاوة منطقه، وكثر محفوظاته، وكان صاحب قدم راسخ في العبادة، عديم النظير، كبير الشأن، رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى أن مات في المحرم. قال ابن شهبة [2] : صنّف كتاب «البيان في مسائل القرآن» ردا على الحلولية [3] والجهمية، وصار رئيس الأصحاب، وكان يتكلم يوما وابن الجوزي يوما، ويحضر الخليفة من وراء الأستار، وتحضر الخلائق والأمم. انتهى. وفيها طغرل بك شاه بن أرسلان شاه بن طغرل بك بن محمد شاه السّلجوقي [4] السلطان، صاحب أذربيجان. طلب السلطنة من الخليفة، وأن يأتي بغداد ويكون على قاعدة الملوك السلجوقية سوى صاحب الرّوم، وكان سفاكا للدماء، قتل خلقا كثيرا. قال السبط: رأيته وكأن وجهه القمر، ولم ير في زمانه أحسن صورة منه، قصده خوارزم شاه والتقيا على الرّيّ، فجاءته نشّابة في عينه فضربه مملوك له بالسيف فقتله وقطع رأسه، وحمله إلى خوارزم شاه، وهو آخر [الملوك] [5] السلجوقية، وعدتهم نيف وعشرون ملكا، ومدة ملكهم مائة وستون سنة.

_ [1] زيادة من «سير أعلام النبلاء» . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 28- 29) . [3] تحرفت في «آ» إلى «الحولية» . [4] انظر «العبر» (4/ 272) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 267- 268) . [5] ما بين حاصرتين تكملة من «مرآة الزمان» (8/ 284) و «سير أعلام النبلاء» .

وفيها عبد الخالق بن فيروز الجوهري الهمذاني الواعظ، أكثر الترحال، وروى عن زاهر والفراوي وطائفة، ولم يكن ثقة ولا مأمونا. قاله في «العبر» [1] . وفيها عبد الوهّاب بن علي القرشي الزّبيري الدمشقي الشّروطي، ويعرف بالحبقبق، والد كريمة. روى عن جمال الإسلام أبي الحسن السّلمي وجماعة، وتوفي في صفر. وفيها الشّاطبي أبو محمد القاسم بن فيرّه- بكسر الفاء وسكون التحتية وتشديد الراء المضمومة، معناه بالعربي الحديد- بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرّعيني- بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبعدها نون، نسبة إلى ذي رعين، أحد أقيال اليمن- الشّاطبي الضرير المقرئ، صاحب القصيدة التي سمّاها «حرز الأماني ووجه التهاني» في القراءات وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قرّاء هذا الزمان في نقلهم، ولم يسبق إلى أسلوبها. روي عنه أنه كان يقول: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلّا وينفعه الله عزّ وجل، لأنني نظمتها لله تعالى مخلصا في ذلك، ونظم قصيدة دالية خمسمائة بيت، من حفظها أحاط علما بكتاب «التمهيد» لابن عبد البرّ، وكان عالما بكتاب الله تعالى، قراءة، وتفسيرا، وبحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مبرزا فيه، وكان إذا قرئ عليه «صحيح» البخاري ومسلم، و «الموطأ» يصحح النسخ من حفظه ويملي النّكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحد في علم النحو واللغة، عارفا بعلم الرؤيا، حسن المقاصد، مخلصا فيما يقول ويفعل. قرأ القرآن العظيم بالروايات على ابن هذيل الأندلسي وغيره، وسمع الحديث من ابن سعادة

_ [1] (4/ 272) وانظر «ميزان الاعتدال» (2/ 543) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 243) .

وغيره، وانتفع به خلق كثير، وكان يتجنب فضول الكلام، ولا ينطق في سائر أوقاته إلّا بما تدعو إليه ضرورة، ولا يجلس للإقراء إلّا على طهارة في هيئة حسنة، وتخشّع واستكانة، وكان يعتل العلّة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه، وإذا سئل عن حاله قال: العافية، لا يزيد على ذلك، وكان كثيرا ما ينشد هذا اللغز في نعش الموتى: أتعرف شيئا في السماء نظيره ... إذا سار صاح النّاس حيث يسير فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا ... وكلّ أمير يعتليه أسير يحضّ على التّقوى ويكره قربه ... وتنفر منه النفس وهو نذير ولم يستزر عن رغبة في زيارة ... ولكن على رغم المزور يزور وكانت ولادته سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وكان ثقة في نفسه، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بتربة القاضي الفاضل بالقرافة، وقبره مشهور مزور، وكان شافعي المذهب كما ذكره ابن شهبة في «طبقاته» [1] . وفيها أبو مدين الأندلسيّ [2] الزاهد العارف شيخ أهل المغرب، شعيب بن الحسين، سكن تلمسان، وكان من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين في العبادة والنسك، بعيد الصيت، ويسميه الشيخ محيي الدّين بن عربي بشيخ الشيوخ، ونشر الله ذكره، وتخرّج به جماعة من الفضلاء، كأبي عبد الله القرشي وغيره، وانتهى إليه كثير من العلماء المحقّقين وفضلاء الصالحين، كابن عربي، وله في الحقائق كلام واسع. ومن شعره: يا من علا فرأى ما في الغيوب وما ... تحت الثّرى وظلام الليل منسدل

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 43- 45) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 219- 220) .

أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه ... أنت الدّليل لمن حارت به الحيل إنّا قصدناك والآمال واثقة ... والكلّ يدعوك ملهوف ومبتهل فإن عفوت فذو فضل وذو كرم ... وإن سطوت فأنت الحاكم العدل طلبه سلطان المغرب، فلما وصل إلى تلمسان قال: ما لنا وللسلطان، نزور الإخوان، ثم نزل واستقبل القبلة وتشهّد وقال: ها قد جئت ها قد جئت وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 20: 84 [طه: 84] فمات، ودفن في جبّانة العبّاد، وقد قارب الثمانين، وقبره بها مشهور مزور. وفيها ابن الفخّار أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلف الأنصاري المالقي [1] الحافظ، صاحب أبي بكر بن العربي. أكثر عنه، وعن شريح وخلق، وكان إماما ثقة مأمونا معروفا يسرد المتون والأسانيد، عارفا بالرجال واللغة، جليل القدر، طلبه السلطان ليسمع منه بمرّاكش فمات بها في شعبان وله ثمانون سنة. وفيها محمد بن عبد الملك بن بونة العبدري [2] المالقي، ابن البيطار نزيل غرناطة، وآخر من روى بالإجازة عن أبي علي بن سكّرة. سمع أبا محمد بن عتّاب، وأبا بحر بن العاص، وعاش أربعا وثمانين سنة. وفيها فخر الدّين بن الدّهّان محمد بن علي بن شعيب البغدادي الفرضي [3] الحاسب الأديب، النحوي الشاعر، جال في الجزيرة، والشام، ومصر، وصنّف الفرائض على شكل المنبر، فكان أول من اخترع ذلك، وله «تاريخ» [4] وألّف كتاب «غريب الحديث» في مجلدات، وصنّف في النجوم،

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 209- 210) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 241- 243) . [2] في «آ» و «ط» «ابن بويه الغندري» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» (4/ 274) . [3] انظر «العبر» (4/ 274) . [4] تحرفت في «آ» إلى «تاريخا» .

والزيج، وكان أحد أذكياء العالم، مات فجأة بالحلّة. وفيها مصلح الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن محمد ابن عبد الله ابن عبد الملك الأصبهاني الحمّامي [1] الحنبلي العابد الأديب الجورتاني- نسبة إلى جورتان [2] من قرى أصبهان-. ولد سنة خمسمائة في رجب، وسمع من أبي علي الحداد وغيره. قال ابن النجّار: كان فقيها فاضلا كامل المعرفة بالأدب، وأكثر أدباء أصبهان من تلامذته، وكان متدينا حسن الطريقة صدوقا. انتهى. وكان يقول لما بلغ عقد الثمانين: أسأل الله تعالى أن يمهلني إلى التسعين، وأن يوفقني كل يوم لختمة، فاستجيبت دعوته. وقال ابن النجار: سمعت أبا البركات الرّويدشتيّ [3] بأصبهان يقول: توفي محمد بن أحمد الحنبلي- يعرف بالحمامي- أستاذ الأئمة يوم الأربعاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر. وقال ابن رجب: توفي قبله بيسير ولده أبو بكر أحمد، وكان سمع سعيد ابن أبي الرجاء وغيره، وكان يلقب أمين الدّين. انتهى. وفيها أبو عبد الله، ويقال أبو الفتح، محمد بن عبد الله بن الحسين ابن علي بن أبي طلحة نصر بن أحمد بن محمد بن جعفر البرمكي الهروي الإشكيذباني- بكسر الهمزة، وسكون الشين المعجمة، وكسر الكاف، وسكون الياء التحتية، وفتح الذال المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة، وبعد

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 204- 205) و «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدبيثي (1/ 129- 131) و «الوافي بالوفيات» (2/ 108) و «ذيل طبقات الحنابلة» . (1/ 380- 381) . [2] انظر «معجم البلدان» (2/ 180) . [3] تحرفت في «آ» إلى «الدويسي» وفي «ط» إلى «الدويدسي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «معجم البلدان» (3/ 105) .

الألف نون. قاله المنذري [1]- كان حنبليا محدّثا، نزل مكّة، فكان عظيم الحنابلة بها. ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وسمع بهمذان من أبي الوقت، وأبي الفضل بن حمّان [2] وغيرهما، وببغداد من ابن النحّاس وغيره، وبمصر من أبي الطاهر الزيّات، وبالإسكندرية من الحافظ السّلفي، وحدّث بمكة، ومصر، والإسكندرية، وأقام بمكة في آخر عمره وأمّ بها في موضع الحنابلة. قال ابن الحنبلي ناصح الدّين: سمعت منه بقراءته جزءا بمكة، وكان في عزمي أنني أدخل اليمن، وقد هيأت هدية لصاحبها من طرف دمشق، فاستشرته فقال: أنت أعلم. ثم قال: قرأنا ها هنا جزءا من أيام فجاء فيه عن بعض السلف علامة قبول الحجّ: أن الإنسان لا ينصرف عن مكّة طالبا للدّنيا، فزهدت في اليمن ورجعت عن ذلك العزم. وفيها الشيخ الأجل إمام الحرم مكيّ بن نابت- بالنون- بن أبي زهرة الحنبلي [الغضاري] [3] ، بمصر ليلة السادس من شهر ربيع الآخر. ذكره المنذري ولم يزد عليه. وفيها أبو الكرم علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء العطّار العبّاسي الهمذاني [4] مسند همذان. حدّث سنة خمس وثمانين عن أبي غالب العدل، وفيد الشعراني [5] .

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 213- 215) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 381- 382) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حماز» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 203- 204) وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 110) . [5] في «آ» و «ط» : «وقيل الشعراني» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» وخبر وفاته فيه (19/ 208- 209) .

وفيها جاكير الزاهد القدوة، أحد شيوخ العراق، واسمه محمد بن رستم [1] الكردي الحنبلي، له أصحاب وأتباع وأحوال وكرامات. قاله في «العبر» . وقال السخاوي: له كرامات ولم يتزوج، وله زاوية وضريح براذان، وهي على بريد من سامرا [2] وأن أخاه الشيخ أحمد قعد بعده في المشيخة. وقال ابن الأهدل: لما شاع ذكره بعث إليه تاج العارفين أبو الوفاء طاقيته من الشيخ علي الهيتي ولم يكلفه الحضور، فقال الشيخ علي الهيتي: سألت الله أن يكون جاكير من مريديّ فوهبه لي، وكان يفتخر به وينوه بذكره، وكان ربما عرف ما في بطون البهائم المنذورة له ومن يذبحها ومن يأكلها. سكن صحراء من صحاري العراق على يوم من سامرا ومات بها، فبني إلى جانبه قرية بنيت للتبرك به. انتهى.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دشتم» والتصحيح من «العبر» (4/ 275) و «المنهج الأحمد» (2/ 220) . [2] انظر «معجم البلدان» (3/ 13) .

سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

سنة إحدى وتسعين وخمسمائة فيها كانت وقعة الزلّاقة بالأندلس [بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وبين ألفنش [1] المتغلب على أكثر جزيرة الأندلس] [2] فدخل يعقوب وعديّ من زقاق سبته في مائة ألف وأما المطوّعة فقل ما شئت، وأقبل ألفنش [1] في مائتي ألف وأربعين ألفا، فانتصر الإسلام وانهزم الكلب في عدد يسير، وقتل من الفرنج كما أرخ أبو شامة [3] وغيره مائة ألف وستة وأربعون ألفا، وأسر ثلاثون ألفا، وغنم المسلمون غنيمة لم يسمع بمثلها، حتّى أبيع السّيف بنصف درهم، والحصان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم، وذلك في شعبان. وفيها توفي أبو الحسن إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن إبراهيم بن محمد الأصبهاني المحدّث، ويعرف بطاهريته [4] الحنبلي. سمع الكثير، وحصّل الأصول، وحدّث ببغداد، قدمها حاجّا عن فاطمة الجوزدانية، وفاطمة

_ [1] في «آ» و «ط» : «الفيش» وما أثبته من «العبر» (4/ 275) و «دول الإسلام» (2/ 102) و «النجوم الزاهرة» (6/ 137) والضبط عنهما. [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» . [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (7- 8) . [4] في «آ» و «ط» : «ويعرف بطاهرنية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 219) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 383) .

بنت محمد بن أحمد بن البغدادي، وسمع منه أبو الفتوح بن الحصري وغيره، وكان شيخا صالحا صدوقا، توفي في صفر. وفيها ذاكر بن كامل الخفّاف البغدادي [1] أخو المبارك. سمّعه أخوه من أبي علي الباقرحيّ، وأبي علي بن المهدي، وأبي سعيد بن الطّيوري، والكبار، وكان صالحا خيّرا صوّاما، توفي في رجب. وفيها أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي، المصري [2] المقرئ الفقيه المالكي النحوي. قرأ القراءات على ابن الحطيئة [3] ، وسمع من جماعة، وتصدّر بجامع مصر، وتوفي في ربيع الآخر، وآخر أصحابه الكمال الضرير. وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المريّيّ [4] ، الحافظ الزاهد القدوة، أحد الأعلام. ولد سنة خمس وخمسمائة، وقرأ «صحيح البخاري» على شريح، وسمع فأكثر عن أبي الحسن بن مغيث، وابن العربي، والكبار، وتفنن في العلوم، وبرع في الحديث، وطال عمره وشاع ذكره، وكان قد سكن سبتة، فدعاه السلطان إلى مرّاكش ليسمع منه، وكان غاية في العدالة في هذا الشأن، توفي في أول صفر. وفيها أبو محمد عبد المؤمن بن عبد الغالب بن محمد بن طاهر بن

_ [1] انظر «العبر» (4/ 276) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 250- 251) . [2] «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 220- 221) وانظر «العبر» (4/ 276- 277) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 575- 576) . [3] تحرفت في «ط» إلى «الخطية» وفي «العبر» بطبعتيه إلى «الحطئة» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «معرفة القراء الكبار» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المري» والتصحيح من «العبر» (4/ 277) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 251) .

خليفة بن محمد بن حمدان الشيباني البغدادي الورّاق [1] الفقيه الحنبلي. ولد في شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع ببغداد من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي، وابن الطّلّاية، وابن الزّاغوني وغيرهم، وبهمذان من أبي الخير الباغبان وغيره، وحدّث وسمع منه ابن القطيعي، وقال: كان له صلاح ودين زائد، وروى عنه ابن خليل الحافظ وغيره، وتوفي يوم عرفة ودفن بباب حرب. وفيها أبو الحسن علي بن هلال بن خميس الواسطي الفاخراني- نسبة إلى بيع الفخّار [2]- الضرير ويلقب معين الدّين. ذكره المنذري [3] فقال: تفقّه على مذهب الإمام أحمد، وسمع من أبي الحسين بن عبد الخالق، وأبي الفرج بن صدقة، وخديجة بنت أحمد النّهرواني، وغيرهم، وحدّث، وهو منسوب إلى الفخرانية قرية من سواد واسط، توفي في حادي عشري ذي الحجة. انتهى.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 234) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 383) . [2] قلت: وذلك ما أشار إليه ابن الأثير في «اللباب في تهذيب الأنساب» (2/ 401) في كلامه عمن عرف بهذه النسبة ولكن المترجم منسوب إلى «الفخرانية» كما ذكر المنذري في «التكملة» وابن رجب في «الذيل» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 235- 236) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 384) .

سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة فيها التقى يعقوب صاحب المغرب وألفنش [1] فهزمه أيضا يعقوب، ولله الحمد، وساق وراءه إلى طليطلة وحاصره، وضربها بالمجانيق، فخرجت والدة ألفنش [1] وحريمه، وبكين بين يدي يعقوب، فرقّ لهنّ ومن عليهنّ، ولولا ابن غانية الملثم وهيجه ببلاد المغرب لافتتح يعقوب عدة مدن للفرنج، لكنه رجع لحرب غانية. وفيها هبّت ريح سوداء عمّت الدّنيا، وذلك بعد خروج الناس من مكة، ووقع على الناس رمل أحمر، ووقع من الركن اليمانيّ قطعة، وتحرك البيت الحرام [مرارا] ، وهذا شيء لم يعهد [منذ بناه عبد الله بن الزّبير، رضي الله عنهما] [2] . وفيها ظهر ببوصير- قرية بصعيد مصر- بيت هرمس الحكيم [3] ، وفيه

_ [1] في «آ» و «ط» : «الفيش» والتصحيح من «دول الإسلام» (2/ 102) و «النجوم الزاهرة» . (6/ 137) وقال صديقي الأستاذ عدنان عبد ربّه وتلفظ في الإسبانية ب «القنس» بالسين المهملة آخر الحروف. [2] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 139) وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] قال السيوطي في «حسن المحاضرة» (1/ 62) : هو هرمس المثلث، ويقال له: إدريس عليه الصلاة والسلام، كان نبيّا، وحكيما، وملكا. وهرمس لقب ... قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلويّة من الحركات النجومية، وأول من بنى الهياكل، ومجّد الله فيها، وأول من نظر في الطب وتكلم فيه، وأنذر بالطوفان، وكان يسكن صعيد مصر، فبنى هناك

أمثلة كباش، وضفادع، وقوارير، كلها كاس، وفيه أموات لم تبل ثيابهم. وفيها توفي أبو الرّضا أحمد بن طارق الكركي ثم البغدادي، التاجر المحدّث. سمع من ابن ناصر، وأبي الفضل الأرموي، وطبقتهما فأكثر، ورحل إلى دمشق ومصر، وهو من كرك نوح، وكان شيعيّا جلدا. قاله في «العبر» [1] . وفيها نجيب الدّين أبو عبد الله حامد بن محمد بن حامد الصفّار الأصفهاني [2] ، الفقيه الحنبلي، المحدّث الإمام. سمع أباه أبا جعفر محمد، وأبا طاهر بن نصر، وجماعة بأصبهان، وبهمذان أبا زرعة المقدسي، وأبا العلاء العطّار [3] ، وقدم بغداد حاجّا سنة ثمان وثمانين، وسمع بها من جماعة، وقرأ على ابن الجوزي مناقب الإمام أحمد، وحدّث بها باليسير، وكتب عنه ابن النّفيس. قال ابن النجّار: كان فقيها حنبليا فاضلا، له معرفة بالحديث. انتهى. وفيها الإمام فخر الدّين قاضي خان [الحسن بن منصور] [4] بن

_ الأهرام والبراني، وصوّر فيها جميع الصناعات، وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منه على تخليد العلوم بعده، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، ورفعه إليه مكانا عليا. أقول: وقال المرتضى الزّبيدي في «تاج العروس» (17/ 32) : وهرمس الهرامسة، يعنون به سيدنا إدريس عليه السلام وهو النبي المثلث. (ع) . [1] (4/ 378- 379) وانظر «النجوم الزاهرة» (6/ 140) وهو منسوب إلى «كرك» قرية في أصل جبل لبنان كما في «معجم البلدان» (4/ 452) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 384) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القطّان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «الأنساب» (8/ 474) . [4] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .

محمود بن عبد العزيز الأوزجندي [1] الإمام الكبير، بقية السلف، مفتي الشرق، من طبقة المجتهدين في المسائل. أخذ عن الإمام ظهير الدّين المرغيناني، وإبراهيم بن إسماعيل الصفّار، وتفقّه عليه شمس الأئمة الكردري [2] ، وله «الفتاوى» و «شرح الجامع الصغير» . قاله ابن كمال باشا في «طبقاته» [3] . وفيها تقي الدّين أبو الفضل إلياس بن حامد بن محمود بن حامد بن محمد ابن أبي الحجر الحرّاني [4] الفقيه الحنبلي المحدّث. سمع ببغداد من شهدة وغيرها. قال ناصح الدّين بن الحنبلي: وكان رفيقي في درس شيخنا ابن المنّي، وسكن الموصل إلى أن توفي بها في سلخ شوال، وولي مشيخة دار الحديث بها، وكان حسن الطريقة، وسمع منه بدل التبريزي. وفيها سعد بن أحمد بن مكّي النّيلي [5]- بكسر النون نسبة إلى نيل بلد على الفرات [6]- المؤدب الشاعر، أكثر شعره مديح في أهل البيت. قال العماد: كان غاليا في التشيع حاليا بالتورع، عالما بالأدب.

_ [1] قلت: ويقال أيضا: «الأزكندي» نسبة إلى «أوزكند» ويقال: «أزجند» أيضا بلد بما وراء النهر من نواحي فرغانة. قال ياقوت: وخبّرت أن «كند» بلغة أهل تلك البلاد معناه القرية كما يقول أهل الشام «الكفر» وانظر «معجم البلدان» (1/ 280) . [2] نسبة إلى «كردر» ناحية من نواحي خوارزم أو ما يتاخمها من نواحي الترك. انظر «معجم البلدان» (4/ 450) . [3] يعني في كتابه «طبقات المجتهدين» وهو مخطوط لم ينشر بعد فيما أعلم. انظر «الأعلام» للعلّامة الزركلي- طيّب الله ثراه- (1/ 133) . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 387) . [5] انظر «معجم الأدباء» (11/ 190- 191) وقد أرّخ وفاته سنة (565) و «فوات الوفيات» (2/ 50- 51) وفيه «سعيد» بدل «سعد» . [6] انظر «معجم البلدان» (5/ 334) .

ومن شعره: قمر أقام قيامتي بقوامه ... لم لا يجود لمهجتي بذمامه ملّكته كبدي فأتلف مهجتي ... بجمال بهجته وحسن كلامه وبمبسم عذب كأنّ رضا ... به شهد مذاب في عبير [1] مدامه وهي طويلة. وفيها الشيخ السّديد، شيخ الطبّ بالدّيار المصرية، شرف الدّين عبد الله بن علي [2] . أخذ الصناعة عن الموفّق بن المعين، وخدم العاضد صاحب مصر، ونال الحرمة والجاه العريض، وعمّر دهرا، وأخذ عنه نفيس الدّين بن الزّبير. وحكى بعضهم أن الشيخ السّديد حصل له في يوم ثلاثون ألف دينار. وحكى عنه ابن الزّبير تلميذه، أنه طهّر ولدي الحافظ لدّين الله، فحصل له من الذّهب نحو خمسين ألف دينار. وفيها عبد الخالق بن عبد الوهّاب بن محمد الصّابوني المالكي الخفّاف [3] الحنبلي أبو محمد الضرير. سمّعه أبوه من أبي علي الباقرحي، وعلي بن عبد الواحد الدّينوري، وطائفة، وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» . ومن شعره: دع النّاس طرّا واصرف الودّ عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح فشيئان معدومان في الأرض درهم ... حلال وخلّ في الحقيقة ناصح

_ [1] في «آ» و «ط» : «في عتيق» وما أثبته من «معجم الأدباء» و «فوات الوفيات» . [2] انظر «العبر» (4/ 279) و «حسن المحاضرة» (1/ 540) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 268- 269) و «العبر» (4/ 279) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 274- 275) .

وفيها أبو الغنائم بن المعلّم، شاعر العراق، محمد بن علي بن فارس بن علي بن عبد الله بن الحسين بن القاسم الواسطي الهذلي، الملقب نجم الدّين [1] الشاعر المشهور. كان شاعرا رقيق الشعر، لطيف حاشية الطبع، يكاد شعره يذوب من رقته، وهو أحد من سار شعره وانتشر ذكره ونبه بالشعر قدره وحسن به حاله وأمره وطال في نظم القريض عمره، وساعده على قوله زمانه ودهره. يغلب على شعره وصف الشوق والحب، وذكر الصّبابة والغرام. وذكر بعضهم أن سبب لطافة شعر ابن المعلّم حفظ المنتسبين للشيخ أحمد بن الرفاعي لشعره واعتناؤهم به في سماعاتهم، فعادت عليه بركة أنفاسهم. قال ابن خلّكان: وبالجملة فشعره يشبه النّوح، لا يسمعه من عنده أدنى هوى إلّا فتنة وهاج غرامه، وكان بينه وبين ابن التّعاويذي تنافس. ومن شعر ابن المعلّم قوله من قصيدة: ردّوا عليّ شوارد الأظعان ... ما الدار إن لم تغن من أوطاني [ومنها:] ولكم بذاك الجذع من متمنّع ... هزأت معاطفه بغصن البان وقوله: كم قلت إيّاك العقيق فإنّه ... ضربت جآذره بصيد أسوده وأردت صيد مها الحجاز فلم يسا ... عدك القضاء فرحت بعض صيوده وله من قصيدة:

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 5- 9) و «العبر» (4/ 279) .

أجيرتنا إنّ الدّموع التي جرت ... رخاصا على أيدي النّوى لغوالي أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة ... كلوث إزار أو كحلّ عقال فكم ثمّ لي من وقفة لو شريتها ... بنفسي لم أغبن فكيف بمالي وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة، وتوفي رابع رجب بالهرث- بضم الهاء وسكون الراء وبعدها ثاء مثلثة قرية من أعمال نهر جعفر بينها وبين واسط نحو عشرة فراسخ- وكانت وطنه ومسكنه إلى أن توفي بها. وفيها ابن القصّاب الوزير الكبير مؤيد الدّين أبو الفضل محمد بن علي البغدادي [1] المنشئ البليغ، وزر [وسار بالعساكر، ففتح همذان وأصبهان، وحاصر الرّيّ، وصارت له هيبة عظيمة في النّفوس. توفي] بظاهر همذان في شعبان، وقد نيّف على السبعين [2] وردّ العسكر [3] ، فلما جاء خوارزم شاه نبشه [4] وحزّ رأسه وطوّف به بخراسان. وفيها المجير الإمام أبو القاسم محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي [5] ، الفقيه الشافعي، أحد الأذكياء والمناظرين. ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وتفقّه بالنظامية على أبي منصور بن الرزّاز وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني، وصار المشار إليه في زمانه، والمقدّم على أقرانه. حدّث عن

_ [1] انظر «العبر» (4/ 279- 280) وما بين حاصرتين استدركته منه. و «سير أعلام النبلاء» (21/ 323- 324) . [2] في «آ» و «ط» : «على التسعين» والتصحيح من «العبر» وفي «سير أعلام النبلاء» : «وقد جاوز سبعين سنة» كما في كتابنا. [3] في «ط» «المعسكر» وفي «آ» «العساكر» وما أثبته من «العبر» وهو الصواب. [4] في «العبر» بطبعتيه إلى «بيّته» . [5] انظر «العبر» (4/ 280) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 255- 256) .

أبي الحسين وجماعة، ودرّس بالنظامية، وكان ذكيا طوالا غوّاصا على المعاني. قدم دمشق وبنيت له مدرسة جاروخ [1] ثم توجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة، ثم أحضره ابن القصّاب وقدّمه. قال ابن شهبة [2] : قال ابن الدّبيثي: ما رأينا أجمع لفنون العلم منه، مع حسن العبارة. قال: وخرج رسولا إلى خوارزم شاه إلى أصبهان، فمات بهمذان في ذي القعدة. وفيها يوسف معالي الأطرابلسي ثم الدّمشقي الكتّاني البزّار [3] المقرئ. روى عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة، وتوفي في شعبان.

_ [1] وكانت تعرف بالمدرسة الجاروخية، وهي داخل بابي الفرج والفراديس، لصيقة الإقبالية الحنفية، شمالي الجامع الأموي والظاهرية الجوانية، بناها جاروخ التركماني الملقب ب سيف الدّين. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» للنعيمي (1/ 225- 232) . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 62) . [3] انظر «العبر» (4/ 280) .

سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة في شوال افتتح العادل يافا [1] عنوة، وكانت لها [2] مدّة في يد الفرنج. وفيها أخذت الفرنج من المسلمين بيروت، وهرب أميرها عز الدّين سامة [3] إلى صيدا. وفيها توفي سيف الإسلام الملك العزيز طغتكين بن أيوب بن شاذي [4] ، أرسله أخوه صلاح الدّين، فتملّك اليمن، وكان بها نوّاب أخيهما شمس الدولة، وبقي بها بضع عشرة سنة، وكان شجاعا سايسا فيه ظلم، رحل إليه ابن عنين إلى اليمن لما نفاه صلاح الدّين لهجوه للناس، فامتدحه بقصيدة لامية، ومدح فيها دمشق أولها [5] :

_ [1] في «آ» و «ط» : «باقا» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (4/ 281) و «دول الإسلام» (2/ 103) . [2] في «آ» و «ط» : «له» والتصحيح من «العبر» . [3] في «آ» و «ط» : «شامة» وما أثبته من «العبر» و «دول الإسلام» . [4] انظر «ذيل الروضتين» ص (11) و «وفيات الأعيان» (2/ 523- 525) و «العبر» (4/ 281) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 333) و «دول الإسلام» (2/ 103) . [5] انظر «ديوان ابن عنين» ص (68- 72) بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك، رحمه الله، طبع دار صادر ببيروت.

حنين إلى الأوطان ليس يزول ... وقلب عن الأشواق ليس يحول ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وظلّك في مقرى [1] عليّ ظليل دمشق فبي شوق إليها مبرّح ... وإن لجّ واش أو ألحّ عذول بلاد [2] بها الحصباء درّ وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصحّ نسيم الرّوض وهو عليل وفي كبدي من قاسيون حرارة ... تزول رواسيه وليس تزول وو الله ما فارقتها عن ملالة ... سواي عن العهد القديم يحول ولكن أبت أن تحمل الضّيم همّتي ... ونفس لها فوق السّماك حلول فإنّ الفتى يلقى المنايا مكرّما ... ويكره طول العمر وهو ذليل [3] وكيف أخاف الدّهر [4] أو أحرم الغنى ... ورأي ظهير الدّين في جميل فتى الجدّ [5] أمّا جاره فمكرّم [6] ... عزيز وأمّا ضدّه فذليل من القوم أمّا أحنف فمسفّه ... لديه وأمّا حاتم فبخيل [7]

_ [1] في «ديوانه» : «يا مقرى» وعلق محققه بقوله: «مقرى ورد في معجم البلدان أنها قرية من نواحي دمشق. وعيّن ابن طولون الصالحي مكانها بقوله في رسالته «ضرب الحوطة على الغوطة» : مقرى كانت قرية فخربت شرقي الصالحية أدركت فيها السبع قاعات، والآن باق بها مسجد ومئذنة عند طاحونها على نهر ثورا» . [2] في «ديوانه» : «ديار» . [3] في «آ» و «ط» : «وهو ظليل» والمثبت من «ديوانه» . [4] في «ديوانه» : «الفقر» . [5] في «ديوانه» : «المجد» . [6] في «ديوانه» : «فممنّع» . [7] تقدم هذا البيت في ديوانه إلى ما قبل البيت السابق.

وأمّا عطايا كفّه فسوابغ ... عذاب وأما ظلّه فظليل فأجزل صلته واكتسب من جهته مالا وافرا، وخرج به من اليمن وسلطانها يومئذ الملك العزيز عثمان بن صلاح الدّين، فألزمه بدفع الزكاة من المتاجر التي وصلت معه من اليمن فقال [1] : ما كلّ من يتسمّى بالعزيز لها ... أهل ولا كلّ برق سحبه غدقه [2] بين العزيزين بون في فعالهما ... هذاك يعطي وهذا يأخذ الصّدقه وكان طغتكين صاحب الترجمة، محمود السيرة مع ظلم وعسف، ولما كثر عليه الذهب سبكه وجعله مثل الطواحين، ومات بالمدينة التي أنشأها باليمن، يقال لها المنصورة، وقام من بعده ولده إسماعيل الذي سفك الدماء، وقال: إنه أمويّ وادّعى الخلافة. وفيها تقي الدّين أبو محمد طلحة بن مظفر [3] بن غانم بن محمد العلثي- بفتح العين المهملة وسكون اللام ومثلثة، نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرّا- الفقيه الحنبلي الخطيب المحدّث الفرضي النظّار المفسر الزاهد الورع [4] العارف. نشأ في العلث، وحفظ الكتاب العزيز، وقرأ على البطائحي، والبرهان ابن الحصري، وغيرهما. وقرأ الفقه على ابن المنّي، وسمع الحديث الكثير، وقرأ «صحيح مسلم» .

_ [1] انظر «ديوانه» ص (223) . [2] في «آ» و «ط» : «ولا كل سحب في الورى غدقه» وأثبت لفظ «ديوانه» . [3] في «آ» و «ط» : «طلحة بن عبد بن مظفّر» وما أثبته موافق لما عند ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 146) والمنذري في «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 295) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 390) و «طبقات المفسرين» (1/ 219- 221) . [4] تحرفت في «ط» إلى «الورف» .

وكان متواضعا لطيفا أديبا في مناظرته لا يسفه على أحد، فقيرا مجردا، ويرحم الفقراء ولا يخالط الأغنياء، وروى عن ابن الجوزي ولازمه وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه، وكان أديبا شاعرا فصيحا، واشتهر اسمه ورزق القبول من الخلق، وكثر أتباعه وانتفع به الناس، وروى عنه [1] ابن الجوزي في «تاريخه» حكاية فقال: حدثني طلحة بن مظفّر الفقيه أنه ولد عندهم بالعلث مولود لستة أشهر، فخرج وله أربعة أضراس. قال المنذري: توفي في ثالث عشر ذي الحجة بالعلث ودفن بزاويته هناك. وفيها الوزير جلال الدّين عبيد الله [2] بن يونس بن أحمد بن عبيد الله ابن هبة الله البغدادي الأزجي، الفقيه الحنبلي الفرضي، الأصولي المتكلم، وزير الخليفة الناصر جلال الدّين، تفقّه في الأصلين، والحساب، والهندسة، والجبر، والمقابلة، ورحل في طلب العلم إلى همذان، وصنّف وعني بالحديث، والفرائض، والحساب، وسمع ممن لا يحصى، وسمع منه جماعة لا تحصر، منهم: ابن دلف، وابن القطيعي، وبالغ في مدحه والثناء عليه. وذكر ابن النجار: أنه لم يكن في ولايته محمودا، وقد علمت أن الناس لا يجتمعون على حمد شخص ولا ذمه. وأما أبو شامة [3] فإنّه بالغ في ذمه والحطّ عليه بأمور لم يقم عليها حجّة. وكذلك ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» قال بعد أن أثنى عليه: غير أنه

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عن» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «طبقات المفسرين» . [2] في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 392) : «عبد الله» والتصحيح من «العبر» (4/ 281) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 299) ، وورد في «آ» و «ط» : «ابن يونس مسعود بن أحمد» وأبقيت الكلام كما في «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (12) وكذلك ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (6/ 142) .

شان فضيلته برأيه الفاسد وأفعاله السيئة، فإنه خرّب بيت الشيخ عبد القادر الكيلاني وشتّت أولاده، ويقال: إنه بعث في الليل من نبش قبر الشيخ عبد القادر الكيلاني ورمى عظامه في اللّجّة [1] وقال: هذا وقف ما يحلّ أن يدفن فيه أحد [2] . ولما اعتقله الخليفة كتبوا فيه فتاوى أنه كان سبب هزيمة العسكر، فذكروا أشياء فأفتوا بإباحة دمه، فسلّم إلى الوزير ابن القصّاب واعتقله في بيت للسلاح، فأخرج منه ميتا. انتهى. وفيها أبو بكر بن الباقلّاني [3] مقرئ العراق، عبد الله بن منصور بن عمران الرّبعي الواسطي، تلميذ أبي العزّ القلانسي، وآخر أصحابه، روى الحديث عن خميس الحوزيّ [4] ، وأبي عبد الله البارع، وطائفة، وتوفي في سلخ ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وثلاثة أشهر. وفيها أبو محمد عبد الوهّاب بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي الأزجي [5] الفقيه الحنبلي الواعظ. ولد في ثاني شعبان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. ذكر أبو شامة: أنه سمع من ابن الحصين، وابن السمرقندي.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دجلة» والتصحيح من «ذيل الروضتين» و «النجوم الزاهرة» . [2] قلت: وعقب ابن تغري بردي على فعلته هذه في «النجوم الزاهرة» بقوله: قلت: وما فعله هو بعظام الشيخ أقبح من أن يدفن بعض المسلمين في بعض أوقاف المسلمين، وما ذاك إلا الحسد من الشيخ عبد القادر وعظم شهرته، حتى وقع منه ما وقع، ولهذا كان موته على أقبح وجه، بعد أن قاسى خطوبا ومحنا، وحبس سنين، حتى أخرج من الحبس ميتا، وهذا ما وقع له في الدنيا، وأما الآخرة فأمره إلى الله تعالى، وبالجملة فإنه كان من مساوئ الدّهر. [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 277- 278) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 246- 248) و «العبر» (4/ 281) . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الجوزي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» . [5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 288- 289) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 388- 390) .

وذكر ابن القادسي: أنه سمع من ابن الحصين، وابن الزّاغوني، وابن البنا، وغيرهم. وأسمعه والده في صباه من أبي غالب بن البنا وغيره. وقرأ الفقه على والده حتّى برع، ودرّس نيابة عن والده بمدرسته، وهو حيّ وقد نيّف على العشرين من عمره، ثم استقلّ بالتدريس بها بعده، ثم نزعت منه لابن الجوزي، ثم ردّت إليه، وتولى المظالم للناصر سنة ثلاث وثمانين، وكان كيّسا ظريفا من ظرفاء أهل بغداد، ولم يكن في أولاد أبيه أفقه منه. كان فقيها فاضلا، له كلام حسن في مسائل الخلاف، فصيحا في الوعظ وإيراد الملح مع عذوبة الألفاظ، مليح النّادرة، ذا مزح ودعابة وكياسة. قال أبو شامة: قيل له يوما على مجلس وعظه: ما تقول في أهل البيت؟ فقال: قد أعموني، وكان أعمش أجاب عن بيت نفسه. وروى عنه ابن الدّبيثي، وابن الغزّال الواعظ، وابن خليل [1] وأجاز لمحمد بن يعقوب، وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشري شوال. وفيها قاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن البخاري [2] البغدادي الشافعي. سمع من أبي الوقت، وولي القضاء سنة اثنتين وثمانين، ثم عزل، ثم أعيد سنة تسع وثمانين. وفيها محمد بن حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد أبو المعمّر الحسيني الزّيدي الكوفي [3] . سمع من جدّه، وهو آخر من حدّث عن أبي النّرسي، وكان رافضيا.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «خيل» . [2] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «النجاري» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 281) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) . [3] انظر «العبر» (4/ 282) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) .

وفيها أبو البركات، ويقال أبو الثناء، محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحربي الحذّاء [1] . سمع من ابن الطّلّاية، وعبد الخالق بن يوسف، وغيرهما، وتفقّه في مذهب أحمد، وأقرأ الفقه وحدّث، وتوفي في شهر ربيع الآخر ببغداد. وفيها أبو إسحاق، ويقال أبو الحزم، مكّي بن أبي القاسم بن عبد الله بن معالي بن عبد الباقي بن العرّاد البغدادي المأموني [2] ، الفقيه الحنبلي المحدّث. ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع من ابن ناصر، والأرموي، وابن البنا، وغيرهم، واعتنى بهذا الشأن، ولم يزل يقرأ ويسمع إلى آخر عمره، وهو ثقة صحيح السماع، وقد نسبه القطيعي إلى التساهل والتسامح. وروى عنه ابن خليل، والبلداني، وغيرهما، وتوفي ليلة الجمعة سادس المحرم ببغداد، ودفن بباب حرب مجاورا قبر بشر الحافي. وفيها ناصر بن محمد أبو الفتح الأصبهاني القطّان [3] . روى الكثير عن جعفر الثقفي، وإسماعيل بن الإخشيذ، وخلق، وتوفي في ذي الحجّة، وأكثر عنه الحافظ ابن خليل. وفيها أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش الأزجي الحنبلي الخبّاز [4] سمع الكثير من أبي طالب اليوسفي، وأبي سعد بن الطّيوري، وأبي علي الباقرحي، وطائفة، وكان عاميّا. مات شهيدا غصّ بلقمة فمات في ذي القعدة، عن بضع وثمانين سنة، وله إجازة [من] ابن بيان. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 278- 279) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 391) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 387- 388) . [3] انظر «العبر» (4/ 282) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 306- 307) وفيهما: «ويعرف بالويرج» . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 243- 244) و «العبر» (4/ 283) و «النجوم الزاهرة» . (6/ 143) .

سنة أربع وتسعين وخمسمائة

سنة أربع وتسعين وخمسمائة فيها استولى علاء الدّين بن خوارزم شاه تكش على بخارى، وكانت لصاحب الخطا لعنه الله، وجرى له معه حروب وخطوب ثم انتصر تكش وقتل خلق من الخطا. وفيها توفي أبو علي الفارسي [1] ، الزاهد، واسمه الحسن بن مسلم الحنبلي الفارسي، من قرية بنهر عيسى يقال لها الفارسية. كان أحد الأبدال وزاهد العراق. سمع وتفقّه بأبي ذرّ الكرخي، وكان متبتلا أقام أربعين سنة لا يكلّم أحدا من الناس، صائم الدّهر، قائم الليل، يقرأ كل يوم وليلة ختمة. وكانت السباع تأوي إلى زاويته، والخليفة وأرباب الدولة يمشون إلى زيارته. حكي أن فقيرا احتلم بزاويته في ليلة باردة، فنزل إلى النهر ليغتسل، فجاء السبع فنام على جبته، وكاد الفقير يموت من البرد والخوف، فخرج الشيخ حسن وجاء إلى السبع فضربه بكمه وقال: يا مبارك لم تتعرض لضيفنا، فقام السبع يهرول، وتوفي بالفارسية في المحرم وقد بلغ التسعين.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 283) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 301- 302) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 395- 396) وهو غير أبي عليّ الفارسي الإمام النحوي الشهير.

وفيها جرديك [1] أحد أكابر أمراء الدولتين النّورية والصّلاحية. حضر جميع الفتوحات، وهو الذي قتل شاور بمصر، وابن الخشّاب بحلب، وكان فارس الإسلام. وفيها صاحب سنجار الملك عماد الدّين زنكي بن قطب الدّين مودود ابن أتابك زنكي [2] تملّك حلب بعد ابن عمه الصالح إسماعيل فسار السلطان صلاح الدّين فنازله، ثم أخذ منه حلب وعوّضه بسنجار فملكها إلى هذا الوقت، ونجد صلاح الدّين على عكا، وكان عادلا متواضعا موصوفا بالبخل، وتملّك بعده ابنه قطب الدّين محمد. وفيها تقي الدّين أبو الحسين وأبو الخير، سلامة بن إبراهيم بن سلامة الحدّاد [3] القبّاني الدّمشقي المحدّث الفقيه الحنبلي. سمع من ابن هلال، وابن الموازيني، وغيرهما من مشايخ دمشق، وعني بالحديث، وأمّ بحلقة الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة صالحا، وابن نقطة الحافظ يعتمد على خطّه وينقل عنه في «استدراكه» . قال ابن الحنبلي: كان حسن السمت، يحفّ شاربه ويقصّر ثوبه، ويأكل من كسب يده، ويعمل القبابين ويعتمد عليه في تصحيحها. وروى عنه ابن خليل في «معجمه» وتوفي سابع عشري ربيع الآخر. وفيها أبو الفضائل الكاغدي الخطيب، عبد الرحيم بن محمد

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (13) و «النجوم الزاهرة» (6/ 143) واسمه جرديك بن عبد الله النّوري. [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (13) و «العبر» (4/ 283- 284) و «النجوم الزاهرة» (6/ 144) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» للذهبي ص (244) بتحقيق الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، وعبد الجبّار زكار، طبع مكتبة دار العروبة بالكويت، و «الوافي بالوفيات» (15/ 331- 332) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 397) وقد تحرفت «الحداد» إلى «الحذاء» في «آ» و «ط» .

الأصبهاني [1] المعدّل. روى عن أبي علي الحدّاد وعدة، وتوفي في ذي القعدة. وفيها أبو طاهر الأصبهاني علي بن سعيد بن فاذشاه [2] . روى عن الحداد [3] أيضا ومات في ربيع الأول. وفيها أبو الهيجاء مقدّم الأكراد، ويعرف بالسّمين [4] ، بعثه الخليفة إلى همذان فلم يتمّ أمره وتفرّق عنه أصحابه، فاستحيا أن يعود إلى بغداد، فطلب الشام فلما وصل إليها مرض، وكان نازلا على تلّ، فقال: ادفنوني فيه، فلما مات حفر له قبر على رأس التلّ فظهرت بلاطة عليها اسم أبيه فدفنوه عليه. وفيها أبو الحسن علي بن موسى بن محمد بن خلف الأنصاري [5] نزيل فاس وخطيبها ومصنّف «شذور الذهب» في صنعة الكيمياء، الذي لم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه، حتّى قيل إنه إن لم يعلمك صنعة الذّهب علّمك صنعة الأدب، وإن فاتك ذهبه لم يفتك أدبه، ويعرف بابن أرفع رأس [6] ويقال: هو شاعر الحظ، حكيم الشعر. وفيها مجاهد الدّين قايماز الخادم الرّومي [7] الحاكم على الموصل، وهو الذي بنى الجامع المجاهدي، والمدرسة، والرّباط، والمارستان بظاهر

_ [1] انظر «العبر» (4/ 284) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 246) . [2] انظر «العبر» (4/ 284) . [3] يعني عن أبي علي الحداد المتقدم ذكره في الترجمة السابقة. [4] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 145) . [5] انظر «فوات الوفيات» (3/ 106- 109) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 581- 582) . و «كشف الظنون» (2/ 1029) و «الأعلام» للزركلي (5/ 26) . [6] في «الأعلام» : «ويعرف بابن أرفع رأسه» . [7] انظر «مرآة الزمان» (8/ 294) و «النجوم الزاهرة» (6/ 144) .

الموصل على دجلة، وأوقف عليه الأوقاف، وكان عليه رواتب كثيرة بحيث لم يدع في الموصل بيت فقير إلّا وأغنى أهله، وكان ديّنا صالحا يتصدق كل يوم خارجا عن الرواتب بمائة دينار، وكان يصوم في السنة ستة أشهر، ومدحته الشعراء، منهم ابن التّعاويذي بقصيدة أولها: عليل الشّوق فيك متّى يصحّ ... وسكران بخبل كيف يصحو فأعطاه ألف دينار. وفيها قوام الدّين بن زبادة يحيى بن سعيد بن هبة الله الواسطي ثم البغدادي [1] صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، ومن انتهت إليه صناعة التّرسل مع معرفته بالفقه، والأصول، والكلام، والنحو، والشعر. أخذ عن ابن الجواليقي، وحدّث عن علي بن الصبّاغ، والقاضي الأرّجاني، وولي نظر واسط، ثم ولي حجابة الحجّاب وغير ذلك، وتوفي في ذي الحجّة. ومن شعره: باضطراب الزّمان ترتفع الأن ... ذال فيه حتّى يعمّ البلاء وكذا الماء ساكنا فإذا حرّ ... ك ثارت من قعره الأقذاء وله أيضا: لا تغبطنّ وزيرا للملوك وإن ... أناله الدّهر منهم فوق همّته واعلم بأنّ له يوما تمور به ال ... أرض الوقور كما مارت لهيبته هارون وهو أخو موسى الشقيق له ... لولا الوزارة لم يأخذ بلحيته

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 244- 249) و «العبر» (4/ 284) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 336- 337) .

سنة خمس وتسعين وخمسمائة

سنة خمس وتسعين وخمسمائة فيها كانت فتنة فخر الدّين الرّازي، صاحب التصانيف، وذلك أنه قدم هراة ونال إكراما عظيما من الدولة، فاشتد ذلك على الكراميّة، فاجتمع يوما هو والزاهد مجد الدّين بن القدوة، فاستطال فخر الدّين على ابن القدوة وشتمه وأهانه، فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدّين فوعظ الناس، وقال: رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 3: 53 [آل عمران: 53] أيها الناس! لا نقول إلّا ما صحّ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأما قول أرسطو، وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذبّ عن دين الله، وبكى فأبكى الناس وضجت الكراميّة وثاروا من كل ناحية، وحميت الفتنة، فأرسل السلطان الجند فسكّنهم، وأمر الرّازي بالخروج. قاله في «العبر» [1] . وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغني [2] ، وكان أمّارا بالمعروف، داعية إلى السّنّة، فقام عليه الأشعرية وأفتوا بقتله، فأخرج من دمشق طريدا. قاله في «العبر» [3] أيضا. وفيها مات العزيز صاحب مصر أبو الفتح عثمان بن السلطان

_ [1] (4/ 285) . [2] يعني المقدسي. [3] (4/ 286) وانظر الخبر بتوسع في «ذيل الروضتين» ص (16) .

صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] ، توفي في المحرّم عن ثمان وعشرين سنة. وكان شابا مليحا ظريف الشمائل قويا ذا بطش وأيد وكرم وحياء وعفة، بلغ من كرمه أنه لم تبق له خزانة، وبلغ من عفته أنه كان له غلام بألف دينار، فحلّ لباسه، ثم وفّق فتركه وأسرع إلى سريّة له فافتضّها، وأمر الغلام بالتستّر. وأقيم بعده ولده علي فاختلفت الأمراء، وكاتب بعضهم الأفضل، فصار من صرخد إلى مصر وعمل نيابة السلطنة، ثم سار بالجيوش ليأخذ دمشق من عمه، فأحرق العادل الحواضر والسّرب، ووقع الحصار، ثم دخل الأفضل من باب السلامة، وفرحت به العامة وحوصرت القلعة مدة، وكان سبب موت العزيز أنّه خرج إلى الفيّوم يتصيّد فتقنطرت به فرسه فأصابته حمى فمات بعد يومين ودفن بالقرافة قرب الإمام الشافعي، وكان عمره سبعا وعشرين سنة، وخلّف عشرة أولاد أكبرهم ناصر الدّين محمد. وفيها صلب بدمشق الذي زعم أنه عيسى بن مريم وأضلّ طائفة، فأفتى العلماء بقتله. وفيها عبد الخالق بن هبة الله أبو محمد الحريمي بن البندار [2] الزّاهد. روى عن ابن الحصين وجماعة. قال ابن النجار: كان يشبه الصحابة، ما رأيت مثله، توفي في ذي القعدة. وفيها ابن رشد الحفيد، هو العلّامة أبو الوليد محمد بن أحمد بن العلّامة المفتي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي [3] المالكي. أدرك من حياة جده شهرا سنة عشرين، وتفقّه وبرع، وسمع الحديث وأتقن الطب

_ [1] انظر «العبر» (4/ 286) و «النجوم الزاهرة» (6/ 146) . [2] انظر «العبر» (4/ 286) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 328- 330) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 321- 322) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 307- 310) .

وأقبل على الكلام والفلسفة حتّى صار يضرب به المثل فيها، وصنّف التصانيف، مع الذكاء المفرط والملازمة للاشتغال ليلا ونهارا، وتآليفه كثيرة نافعة، في الفقه، والطب، والمنطق، والرياضي، والإلهي، وتوفي في صفر بمرّاكش. وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك [1] بن إسماعيل بن عبد الملك بن إسماعيل بن علي الأصبهاني [2] الواعظ الحنبلي. ولد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي علي الحمّامي، والباغبان، وغيرهما. وببغداد من هبة الله بن الشّبلي وخلق، وكان له قبول كثير عند أهل بلده، وقدم بغداد غير مرّة وأملى بها، وسمع منه ابن القطيعي، وابن النجّار، وقال: كان فاضلا صدوقا. وتوفي ليلة الرابع والعشرين من ذي الحجّة. وفيها أبو بكر [3] بن زهر [3] محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي الإشبيلي [4] شيخ الطب وجالينوس العصر. ولد سنة سبع وخمسمائة، وأخذ الصناعة عن جدّه أبي العلاء زهر بن عبد الملك، وبرع ونال تقدّما وحظوة عند السلاطين، وحمل الناس عنه تصانيفه.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن عبد الله» والتصحيح من مصادر الترجمة المذكورة في التعليق التالي. [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 342- 343) و «الوافي بالوفيات» (4/ 43) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 397- 398) . [3] في «آ» و «ط» : «أبو بكر بن خيرون بن زهر» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [4] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 434- 437) و «العبر» (4/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 325- 327) .

وكان جوادا ممدحا محتشما كثير العلوم. قيل: إنه حفظ «صحيح البخاري» كلّه. قال ابن دحية: كان شيخنا أبو بكر يحفظ شعر ذي الرّمّة، وهو ثلث لغة العرب، مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب، توفي بمرّاكش في ذي الحجّة. وفيها أبو جعفر الطّرسوسي محمد بن إسماعيل الأصبهاني [1] الحنبلي. سمع أبا علي الحدّاد، ويحيى بن مندة، وابن طاهر، وطائفة، وتفرّد في عصره، وتوفي في جمادى الآخرة عن أربع وتسعين سنة. وفيها أبو الحسن الجمّال مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخيّاط [2] . روى عن الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وحضر غانما البرجي، وأجاز له عبد الغفّار الشّيروي، وتوفي في شوال. وفيها أبو الفضل الصّوفي منصور بن أبي الحسن الطّبري [3] الواعظ. تفقّه وتفنّن، وسمع من زاهر الشّحّامي وغيره، وهو ضعيف في روايته [4] لمسلم [5] عن الفراوي توفي بدمشق في ربيع الآخر. وفيها جمال الدّين أبو القاسم يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله [6] ، العلّامة البغدادي، شيخ الشافعية بها، ويعرف بابن فضلان. ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وتفقّه على أبي منصور بن الرزّاز

_ [1] انظر «العبر» (4/ 287- 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 245- 246) . [2] انظر «العبر» (4/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 268) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) . [3] انظر «العبر» (4/ 288- 289) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) . [4] في «ط» : «في رواية» . [5] قال الذهبي في ترجمته في «ميزان الاعتدال» (4/ 183) : «أخذ يروي «صحيح مسلم» عن الفراوي، فتقدم ابن خليل وبيّن للجماعة أن الثبت مزوّر، فقاموا» . [6] انظر «العبر» (4/ 154) و «النجوم الزاهرة» (6/ 154) .

ببغداد، وبنيسابور على محمد بن يحيى تلميذ الغزالي، وسمع جماعة، وانتفع به خلق كثير، واشتهر اسمه وطار صيته، وكان إماما في الفقه، والأصول، والخلاف، والجدل، مشارا إليه في ذلك، وكان يجري له وللمجير البغدادي بحوث ومحافل، ويشنّع كل منهما على الآخر، وتوفي في شعبان. وفيها المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي [1] الملقب بأمير المؤمنين. بويع سنة ثمانين وخمسمائة بعد أبيه وسنّه اثنتان وثلاثون سنة، وكان صافي اللّون، جميلا، أعين، أفوه، أقنى، أكحل، مستدير اللّحية، ضخما، جهوريّ الصوت، جزل الألفاظ، كثير الإصابة بالظنّ والفراسة، خبيرا، ذكيا، شجاعا، مقداما، محبا للعلوم، كثير الجهاد، ميمون التقيّة، ظاهري المذهب، معاديا لكتب الفقه والرأي [2] ، أباد منها شيئا كثيرا بالحريق، وحمل الناس على التشاغل بالأثر. قاله في «العبر» . وقال ابن الأهدل: طاب حاله وأظهر بهجة ملك عبد المؤمن، وتنصّل للجهاد، وأجرى الأحكام على قانون الشرع، ولقّب أمير المؤمنين كأبيه وجدّه. رحل إلى الأندلس، ورتّب قواعدها، وعزم عليهم في الجهر بالبسملة [3] في أول الفاتحة، ثم عاد إلى مرّاكش وهي كرسي ملكهم، فجاءه كتاب ملك الفرنج يتهدده، من جملة كتابه: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، وصلّى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته، فمزّق يعقوب الكتاب، وكتب على ظهر قطعة منه: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ 27: 37 [النّمل: 37] الجواب ما ترى لا ما تسمع، وأنشد:

_ [1] انظر «العبر» (4/ 289) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 311- 319) . [2] في «آ» و «ط» : «لكتب الفقه والفقه» والتصحيح من «العبر» . [3] في «آ» و «ط» : «بالتسمية» والتصحيح من «مرآة الجنان» (3/ 480) .

ولا كتب إلّا المشرفيّة عندنا ... ولا رسل إلّا الخميس العرمرم [1] ثم سار إليهم وعبر بحر سبتة إلى الأندلس، ثم رحل منها فدخل بلادهم وأوقع بهم وقعة لم يسمع بمثلها، ولم ينج منهم إلّا ملكهم في عدد يسير، وبلغت الدّروع من المغنم ستين ألف درع ولم يحص عدد الدواب، وكان من عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم، ثم عاد إلى إشبيلية والتمس الفرنج صلحهم فصالحهم، ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة. وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم والتحسين، بناها على جانب البحر المحيط، وسمّاها دار الفتح، ثم رجع إلى مرّاكش، وكان محبا للعلم والعلماء، يصلّي بالناس الخمس ويلبس الصوف، وكان على قدم التواضع وإليه تنسب الدنانير اليعقوبية، وكان قد عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم. قال ابن خلّكان [2] : أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج، مثل أبي الخطّاب بن دحية، وأخيه أبي عمر، ومحيي الدّين بن عربي الطائي نزيل دمشق، وغيرهم، وتوفي يعقوب بمرّاكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق لتترحم عليه المارّة، وقيل: إنه تجرّد من الملك وذهب إلى المشرق فمات خاملا. قال اليافعي [3] : سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن

_ [1] البيت للمتنبي وهو في «ديوانه» بشرح العكبري (3/ 352) وفيه «عنده» مكان «عندنا» . قال العكبري: المشرفية: السيوف، تنسب إلى موضع تطبع فيه السيوف، وهي المشارف. والخميس: الجيش العظيم. والعرمرم: الكثير. [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 10) . [3] انظر «مرآة الجنان» (3/ 483) .

شيوخ المغرب راموا أن يعارضوا «رسالة» القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة فذكروا إبراهيم بن أدهم، وقالوا: لا تتم لنا المعارضة إلّا بملك مثله، فلما تزهد يعقوب وانسلخ عن الملك تمّ لهم ذلك. وبويع بعد يعقوب لولده محمد الناصر فاسترجع المهدية من الملثم.

سنة ست وتسعين وخمسمائة

سنة ست وتسعين وخمسمائة قال ابن كثير [1] : في هذه السنة والتي بعدها، كان بديار مصر غلاء شديد، فهلك الغنيّ والفقير، وعمّ الجليل والحقير، وهرب الناس منها نحو الشام، ولم يصل منهم إلّا القليل من الفيام [2] وتخطفتهم الفرنج من الطرقات وغرّوهم [3] في أنفسهم واغتالوهم بالقليل من الأقوات. وفيها توفي أبو جعفر [4] القرطبي أحمد بن علي بن أبي بكر المقرئ الشافعي إمام الكلّاسة وأبو إمامها. ولد سنة ثمان وعشرين بقرطبة، وسمع بها من أبي الوليد بن الدبّاغ [5] ، وقرأ القراءات على أبي بكر بن صاف [6] ثم حجّ وقرأ القراءات على ابن سعدون القرطبي، ثم قدم دمشق فأكثر عن الحافظ ابن عساكر، وكتب

_ [1] انظر «البداية والنهاية» (13/ 22) . [2] في «ط» : «الفئام» والفيام: الجماعة من الناس. انظر «لسان العرب» (فيم) وقوله: «من الفيام» لم يرد في «البداية والنهاية» الذي بين يدي. [3] في «ط» و «المنتخب» (129/ ب) : «وعزوهم» وفي «آ» : «وغزوهم» وفي «البداية والنهاية» : «وغروهم» وهو ما أثبته وهو الصواب إن شاء الله تعالى. [4] في «آ» : «جعفر» وهو خطأ، وهو مترجم في «العبر» (4/ 291) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 303- 304) . [5] في «سير أعلام النبلاء» : «سمع منه «الموطأ» بقراءة والده» . [6] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «ابن صيف» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 555) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 304) وهو محمد بن خلف الإشبيلي أبو بكر.

الكثير، وكان عبدا صالحا خبيرا بالقراءات. وفيها أبو إسحاق العراقي [1] العلّامة إبراهيم بن منصور بن المسلّم، الفقيه الشافعي المصري، المعروف بالعراقي. ولد بمصر سنة عشر وخمسمائة، ولقّب بالعراقي لاشتغاله ببغداد، وتفقّه بها على أبي بكر الأرموي تلميذ أبي إسحاق الشيرازي وغيره، وبمصر على القاضي مجلّي، وشرح «المهذب» [2] في نحو خمسة عشر جزءا متوسطة [3] ، وتخرّج به جماعة، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها إسماعيل بن صالح بن ياسين أبو الطاهر الشّارعيّ [4] المقرئ الصالح. روى عن أبي عبد الله الرزّاز «مشيخته» و «سداسياته» وتوفي في ذي الحجّة. وفيها أبو سعيد الرّاراني [5]- براءين مهملتين، نسبة إلى راران قرية بأصبهان- خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الصّوفي. ولد سنة خمسمائة، وروى عن الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وطائفة. وتوفي في ربيع الآخر، وتفرّد بعدة أجزاء. وفيها علاء الدّين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان [6] بن

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 33- 36) و «العبر» (4/ 291) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 304- 305) . [2] لأبي إسحاق الشيرازي. [3] في «الوافي بالوفيات» (6/ 151) : «في عشرة أجزاء» . [4] في «آ» و «ط» : «الساعي» وهو تحريف، والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 367) و «العبر» (4/ 291) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 270) . [5] انظر «العبر» (4/ 291- 292) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 269) . [6] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه، و «النجوم الزاهرة» (6/ 159) : «خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان» وفي «الكامل في التاريخ» (12/ 156) : «خوارزم شاه تكش بن ألب

آتز [1] بن محمد بن نوشتكين [2] ، سلطان الوقت، ملك من السّند، والهند، وما وراء النهر، إلى خراسان، إلى بغداد. وكان جيشه مائة ألف فارس. وهو الذي أزال دولة بني سلجوق، وكان حاذقا بلعب العود، ذهبت عينه في بعض حروبه، وكان شجاعا فارسا عالي الهمّة، تغيرت نيته للخليفة، وعزم على قصد العراق، فجاءه الموت فجأة بدهستان في رمضان، وحمل إلى خوارزم، وقيل كان عنده أدب ومعرفة بمذهب الإمام أبي حنيفة، مات بالخوانيق. وقام بعده ولده قطب الدّين محمد ولقبوه بلقب أبيه. وفيها مجد الدّين طاهر بن نصر الله بن جهبل الكلابي الحلبي [3] الشّافعي الفرضي، مدرس مدرسة صلاح الدّين بالقدس. سمع الحديث من جماعة، وحدّث وصنّف للسلطان نور الدّين الشهيد كتابا في فضل الجهاد، وهو والد بني جهبل الفقهاء الدمشقيون، وأحد من قام على السّهروردي الفيلسوف، وأفتى بقتله، مات بالقدس عن أربع وستين سنة. وفيها القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللّخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محيي الدّين [4] صاحب «ديوان الإنشاء» وشيخ البلاغة. ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة. قيل: إن مسودّات رسائله لو جمعت لبلغت مائة مجلد. قال عبد اللطيف البغدادي في «تاريخه» : كان ثلاثة إخوة أصلهم من

_ أرسلان» وفي «ذيل الروضتين» ص (17) : «خوارزم شاه تكش بن أرسلان شاه» وفي «سير أعلام النبلاء» : «خوارزم شاه تكش بن أرسلان» . [1] في «آ» و «ط» : «بن أطر» والتصحيح من «ذيل الروضتين» و «سير أعلام النبلاء» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن بوستكين» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» . [3] انظر «العبر» (4/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 31) . [4] انظر «العبر» (4/ 293) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 338- 344) .

بيسان، وكان أحدهم بالإسكندرية وبها مات، وخلّف من الخواتم صناديق ومن الحصر والقدور والخزف بيوتا مملوءة، وكان متى رأى خاتما أو سمع به اجتهد في تحصيله واشتراه. وأما الأخ الثاني فكان له هوس مفرط في تحصيل الكتب، وكان عنده مائتا ألف كتاب، ومن كل كتاب نسخ كثيرة حتّى من «الصحاح» ثمان عشرة نسخة. وأما الثالث فالقاضي الفاضل، وكان يحب الكتابة، فقصد مصر ليشتغل بالأدب، فاشتغل به، وحفظ القرآن، وقال الشعر والمراسلات، وخدم الأكابر، فلما ملك أسد الدّين احتاج إلى كاتب فأحضر إليه فأعجبه نفاده وسمته ودينه ونصحه، فلما تملّك صلاح الدّين استخلصه لنفسه، وحسّن اعتقاده فيه ووجد البركة في رأيه، ولذلك لم يكن أحد في منزلته، وكان نزها عفيفا نظيفا، قليل اللّذات، كثير الحسنات، دائم التهجد، ملازم القرآن والاشتغال بعلوم الأدب، غير أنه كان خفيف البضاعة من النحو لا عريا منه، لكن قوة الدّربة توجب له عدم اللّحن، وكتب ما لم يكتبه أحد، ولما عظم شأنه أنف من قول الشعر، وكان لباسه لا يساوي دينارين، وثيابه البياض، ولا يركب معه أحد ولا يصحبه سوى غلام له، ويكثر زيارة القبور، ويشيّع الجنائز ويعود المرضى، وكان له صدقات ومعروف كثير في الباطن، وكان ضعيف البنية رقيق الصورة، له حدبة يسترها الطيلسان، وفيه سوء خلق، لا يضر أحدا، ولأصحاب الفضائل عنده موقع، يحسن إليهم ولا يمنّ عليهم، ويؤثر أرباب البيوت ومن كان خملا من ذوي النباهة، ويحب الغرباء، ولم يكن له انتقام من أعدائه بل يحسن إليهم، وكان دخله كل سنة من إقطاعه ورباعه وضياعه خمسون ألف دينار، هذا سوى التجارات من الهند والمغرب وغير ذلك، وسوى ضيعة من السلطان تسمّى ترنجه تعمل اثني عشر ألف دينار، وكان

يقتني الكتب من كل فنّ ويجتلبها من كل جهة، وله نسّاخ لا يفترون ومجلّدون لا يسأمون. قال لي بعض من يخدمه في الكتب: إن عدد كتبه قد بلغ مائة ألف كتاب وأربعة عشر ألف كتاب، هذا قبل أن يموت بعشرين سنة. وحكى لي ابن صورة الكتبي [1] قال: إن ابنه التمس مني نسخة «حماسة» ليقرأها، فقلت للفاضل، فاستدعى من الخادم أن يحضر شدات «الحماسة» فأحضر خمسا وثلاثين نسخة، يقول: هذه بخطّ فلان، وهذه بخط فلان، حتّى أتى على الجميع، ثم قال: ليس فيها ما تبتذله الصبيان، فاشترى له نسخة، ولم يزل معظّما بعد موت صلاح الدّين عند ولده العزيز، ثم الأفضل، ومات فجأة أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال واستيلاء الإدبار، كان أمر بإصلاح الحمّام وقت السحر فأصلح، وجاءت ابنته تخبره بذلك فوجدته جالسا ساكتا فهابته لأنه كان مهابا، فطال سكوته حتّى ارتابت، فقدمت قليلا قليلا فلم تر عليه أثر حركة، فوضعت يدها عليه فخرّ صريعا وأخذ في النزع، وقبض وقت الظهر وقت رجوع عسكر مصر مهزوما، ودخل الملك الأفضل فصلّى عليه ودفن بالقرافة، وكان له يوم مشهود. وفي حدبة القاضي الفاضل يقول ابن سناء الملك: حاشا لعبد الرحيم سيّدنا ال ... فاضل ما تقوّله السفل يكذب من قال إنّ حدبته ... في ظهره من عبيده حبل هذا قياس في غير سيّدنا ... يصحّ لو كان يحبل الرّجل وحدثني من أثق به أن الفاضل دخل مع أبيه مصر لطلب الإنشاء، وكان إذ ذاك المقدّم بها فيه ابن عبد الظاهر فقصده وطلب منه الاشتغال عليه

_ [1] انظر التعريف به في تعليقي على آخر أحداث سنة (607) من المجلد السابع.

بذلك، فقال له: ما أعددت للإنشاء؟ قال: ديواني الطائيين، يعني أبا تمّام الطائي والبحتري الطائي، فقال مختبرا لقابليته: اذهب فانثرهما فذهب ونثرهما في ليلة واحدة وعرضهما عليه، فقال له: يقرب أن تصير كاتب إنشاء. انتهى. وقال ابن شهبة في «تاريخه» : كان له بمصر ربع [1] عظيم يؤجّر بمبلغ كثير، فلما عزم على الحجّ ركب ومرّ به ووقف وقال: اللهم إنك تعلم أن هذا الرّبع ليس شيء أحبّ إليّ منه. اللهم فاشهد أني وقفته على فكاك الأسرى، وهو إلى يومنا هذا وقف، وهو الذي زاد في الكلّاسة بدمشق مثلها. ولما حفرها وجد تحت الأرض أعمدة رخام قائمة على قواعد رخام وفوقها مثلها وأثر العمارة متصل تحت الأرض، ليس له نهاية، وكأنه [2] كان معبدا ووجد فيه قبلة نحو الشمال، وله مدرسة بالقاهرة هي أول مدرسة بنيت بالقاهرة، وكان صلاح الدّين يقول: ما فتحت البلاد بالعساكر إنما فتحتها بكلام الفاضل، وله مائتان وخمسون ألف بيت من الشعر. انتهى ملخصا. وفيها تاج الدّين أبو منصور عبد العزيز بن ثابت بن طاهر البغدادي المأموني السّمعي- بكسر السين المهملة والسكون [3] نسبة إلى السّمع بن مالك بطن من الأنصار- الخيّاط [4] المقرئ الفقيه الحنبلي الزاهد. قال أبو الفرج بن الحنبلي: كان رفيقنا في سماع درس ابن المنّي، وبلغ من الزهد والعبادة إلى حد يقال به تمسك بغداد، وكان لطيفا في صحبته، توفي يوم الأربعاء تاسع عشري شعبان، ودفن بباب حرب.

_ [1] الرابع: الدار وجمعها رباع. انظر «مختار الصحاح» (ربع) . [2] لفظة «كأنه» لم ترد في «آ» . [3] وقال السمعاني في «الأنساب» (7/ 147) : بكسر السين المهملة، وفتح الميم، وقيل بسكونها. وانظر «الإكمال» لابن ماكولا (4/ 458) . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 360) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 398) .

وفيها عبد اللطيف بن أبي البركات إسماعيل بن أبي سعد النيسابوري ثم البغدادي [1] ابن شيخ الشيوخ [2] . كان صوفيّا عامّيّا. روى عن قاضي المارستان، وابن السمرقندي، وحجّ فقدم دمشق فمات بها في ذي الحجّة. وفيها ابن كليب، مسند العراق أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب ابن سعد الحرّاني ثم البغدادي [3] الحنبلي التّاجر. ولد في صفر سنة خمسمائة، وسمع من ابن بيان، وابن نبهان، وابن زيدان الحلواني، وطائفة، ومات في ربيع الأول ممتّعا بحواسه. قاله في «العبر» . وفيها الأثير محمد بن محمد بن أبي الطّاهر بن محمد بن بيان الأنباري ثم المصري [4] الكاتب. روى عن أبي صادق مرشد [5] المديني وغيره، وروى ببغداد «صحاح» الجوهري عن أبي البركات العراقي، وعمّر وزالت رئاسته، وتوفي في ربيع الآخر وله تسع وثمانون سنة. وفيها الشهاب الطّوسي أبو الفتح محمد بن محمود بن محمد بن شهاب الدّين [6] ، نزيل مصر، وشيخ الشافعية. توفي بمصر عن أربع وسبعين سنة، ودرّس وأفتى ووعظ، وتخرّج به الأصحاب، وكان يركب بالغاشية

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 370) و «العبر» (4/ 293) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 334- 336) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «التكملة» و «العبر» : «ابن شيخ الشيوخ» . وفي «سير أعلام النبلاء» : «أخو شيخ الشيوخ» . [3] انظر «العبر» (4/ 293) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 258- 260) . [4] انظر «العبر» (4/ 294) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 220- 223) . [5] في «آ» و «ط» : «عن أبي صادق ومرشد» وهو خطأ. [6] انظر «العبر» (4/ 294) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 387- 389) .

والسيوف المسلولة، وبين يديه ينادى: هذا ملك العلماء. وبنى له الملك عمر ابن شاهنشاه المدرسة المعروفة بمنال العزّ، وانتفع به جماعة كثيرة، وكان جامعا لفنون كثيرة، معظما للعلم وأهله، غير ملتفت إلى أبناء الدّنيا، ووعظ بجامع مصر مدة. ذكر أبو شامة [1] أنه لما قدم بغداد كان يركب بسنجق والسيوف مسلّلة، والغاشية على رأسه، والطوق في عنق بغلته، فمنع من ذلك، فذهب إلى مصر ووعظ وأظهر مذهب الأشعري ووقع بينه وبين الحنابلة. وقال غيره [2] : كان معظما عند الخاص والعام، طويلا مهيبا مقداما يرتاع منه كلّ أحد ويرتاع هو من الخبوشاني، وعليه مدار الفتوى في مذهب الشافعي، وتوفي في ذي القعدة. وفيها ابن زريق الحدّاد أبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي [3] شيخ الإقراء. ولد سنة تسع وخمسمائة، وقرأ على أبيه وعلى سبط الخيّاط، وسمع من أبي علي الفارقي، وعلي بن علي بن شيران، وأجاز له خميس الحوزيّ [4] وطائفة وتوفي في رمضان.

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (18- 19) . [2] في «سير أعلام النبلاء» : «وقال عبد اللطيف- يعني البغدادي-» . [3] انظر «العبر» (4/ 295) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 327- 328) . [4] تصحفت في «ط» إلى «الجوزي» .

سنة سبع وتسعين وخمسمائة

سنة سبع وتسعين وخمسمائة فيها كان الجوع المفرط والموت بالدّيار المصرية، وجرت أمور تتجاوز الوصف، ودام ذلك إلى نصف العام الآتي، فلو قال قائل: مات ثلاثة أرباع أهل الإقليم لما أبعد. وأكلت لحوم الآدميين. وفي شعبان كانت الزلزلة العظمى التي عمّت أكثر الدّنيا. قال أبو شامة [1] : مات بمصر خلق [كثير] تحت الهدم. قال: ثم تهدمت نابلس. وذكر خسفا عظيما، إلى أن قال: وأحصي من هلك في هذه السنة فكان ألف ألف ومائة ألف. وفيها توفي اللبّان القاضي العدل أبو المكارم، أحمد بن محمد بن محمد التّميمي الأصبهاني [2] مسند العجم، مكثر عن أبي علي الحدّاد، وله إجازة من عبد الغفّار الشّيروي [3] ، توفي في آخر العام. وفيها أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجيّ الأزجي [4] الحنبلي، مفيد بغداد ومحدّثها. كتب الكثير وعني بهذا الشأن، وحدّث عن

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (20) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «العبر» (4/ 296) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 362- 363) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (246) و «النجوم الزاهرة» (6/ 179) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السروي» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» . [4] انظر «العبر» (4/ 297) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .

أبي بكر بن الزّاغوني وطبقته، وسمع منه ابن النجّار، وتكلّم فيه هو وشيخه ابن الأخضر، وأجاز للحافظ المنذري، وتوفي يوم السبت ثالث جمادى الآخرة عن أربع وخمسين سنة ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها ظافر بن الحسين أبو منصور الأزدي المصري [1] شيخ المالكية. كان منتصبا للإفادة والفتيا، وانتفع به بشر كثير وتوفي بمصر في جمادى الآخرة. وفيها أبو محمد بن الطّويلة عبد الله بن أبي بكر المبارك بن هبة الله البغدادي [2] . روى عن ابن الحصين وطائفة، وتوفي في رمضان. وفيها أبو الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله ابن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- القرشي التّيمي البكري البغدادي [3] الحنبلي الواعظ المتفنّن، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، والزهد، والوعظ، والأخبار، والتاريخ، والطب، وغير ذلك. ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها، وسمع من علي بن عبد الواحد الدّينوري، وابن الحصين، وأبي عبد الله البارع، وتتمّة سبعة وثمانين نفسا. ووعظ من صغره وفاق فيه الأقران، ونظم الشعر المليح، وكتب بخطّه ما لا

_ [1] انظر «العبر» (4/ 297) و «حسن المحاضرة» (1/ 454) . [2] انظر «العبر» (4/ 297) . [3] انظر «العبر» (4/ 297- 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 365- 387) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 399- 433) ومقدمة كتابه «زاد المسير في علم التفسير» تحقيق الشيخين شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط. طبع المكتب الإسلامي بدمشق وبيروت. وكتابي «زهرات الياسمين» ص (91) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت.

يوصف، ورأى من القبول والاحترام ما لا مزيد عليه. وحكي غير مرّة أن مجلسه حزر بمائة ألف، وحضر مجلسه الخليفة المستضيء مرّات من وراء الستر. وذكر هو أنه منسوب إلى محلّة بالبصرة تسمّى محلّة الجوز. ولما ترعرع حملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر- وهو خاله- فاعتنى به وأسمعه الحديث، وحفظ القرآن وقرأه على جماعة من القرّاء بالروايات. وسمع بنفسه الكثير، وعني بالطلب، ونظر في جميع الفنون وألّف فيها، وعظم شأنه في ولاية ابن هبيرة. قال في آخر كتاب «القصّاص والمذكّرين» له: ما زلت أعظ النّاس وأحرّضهم على التّوبة والتّقوى، فقد تاب على يدي [1] إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل، وقد قطعت من شعور الصبيان اللّاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة، وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف. قال: ولا يكاد يذكر لي حديث إلّا ويمكنني [أن] أقول: صحيح، أو حسن، أو محال. ولقد أقدرني الله على أن أرتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ. وقال سبطه أبو المظفّر [2] : كان زاهدا في الدّنيا متقللا منها. وما مازح أحدا قطّ، ولا لعب مع صبيّ، ولا أكل من جهة لا يتيقّن حلّها. وما زال على ذلك الأسلوب إلى أن توفاه الله تعالى. وقال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصوت، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه

_ [1] قوله: «فقد تاب على يدي» سقط من «آ» . [2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 311) .

مائة ألف أو يزيدون، لا يضيّع من زمانه شيئا. يكتب في اليوم أربع كراريس، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدا إلى ستين، وله في كل علم مشاركة. وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة، يعتاض عن الفاكهة بالمفاكهة. لباسه الأبيض الناعم المطيّب. ونشأ يتيما على العفاف والصلاح، وله مجون لطيف ومداعبات حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء. وذكر غير واحد أنه شرب حبّ البلادر فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جدا، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات. وصنّف في جواز الخضاب بالسواد مجلدا وسئل عن عدد تصانيفه فقال: زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفا، منها ما هو عشرون مجلدا وأقل. وقال الحافظ الذهبي: ما علمت أن أحدا من العلماء صنّف ما صنّف هذا الرجل. وقال يوما في مناجاته: إلهي لا تعذب لسانا يخبر عنك، ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدما تمشي إلى خدمتك، ولا يدا تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلني النّار، فقد علم أهلها أني كنت أذبّ عن دينك. وقال ابن رجب [1] : نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم [2] عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن [خبيرا] بحلّ شبه المتكلمين وبيان فسادها، وكان معظما لأبي الوفاء ابن عقيل، متابعا لأكثر ما يجده من كلامه، وإن كان قد ردّ [3] عليه في بعض

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 414) . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «نكرهم» ولفظة «خبيرا» مستدركة منه. [3] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ورد» فتصحح.

المسائل، وكان ابن عقيل بارعا في الكلام. ولم يكن تامّ الخبرة بالحديث والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب وتتلون فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون. قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنّف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، وكان يدرّس الفقه ويصنف فيه، وكان حافظا للحديث، وصنّف فيه، إلّا أننا لم نرض تصانيفه في السّنّة ولا طريقته فيها. انتهى. توفي ليلة الجمعة بين العشاءين من شهر رمضان، وكان في تموز فأفطر بعض من حضر جنازته لشدة الزحام والحرّ. وفيها ابن ملّاح الشطّ عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي [1] . روى عن ابن الحصين وطبقته، ومات في عشر المائة. وفيها عمر بن علي الحربي الواعظ أبو علي البغدادي [2] . روى عن ابن الحصين أيضا والكبار، وتوفي في شوال. وفيها قراقوش الأمير الكبير الخادم بهاء الدّين الأبيض [3] فتى الملك أسد الدّين شيركوه، وقد وضعوا عليه خرافات لا تصحّ، ولولا وثوق صلاح الدّين بعقله لما سلّم إليه عكا وغيرها، وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة. قال ابن شهبة: أسر في عكا ففداه السلطان بستين ألف دينار، وهو الذي بنى قلعة القاهرة والسور على مصر والقاهرة، والقنطرة التي عند

_ [1] انظر «العبر» (4/ 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 310- 311) . [2] انظر «العبر» (4/ 298) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 353- 354) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 91- 92) و «العبر» (4/ 298- 299) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) .

الأهرام، وله مع المصريين وقعات عجيبة، حتّى صنّفوا له كتاب «الفافوش في أحكام قراقوش» . انتهى. وفيها الكرّاني أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخبّاز [1] المعمّر، توفي في شوال وقد استكمل مائة عام، وسمع الكثير من الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وغيرهما. وكرّان محلّة معروفة بأصبهان [2] . وفيها العماد الكاتب، الوزير العلّامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني ويعرف بابن أخي العزيز [3] . ولد سنة تسع عشرة بأصبهان، وتفقّه ببغداد في مذهب الشافعي على ابن الرزّاز، وأتقن الفقه، والخلاف، والعربية، وسمع من علي بن الصبّاغ وطبقته، وأجاز له ابن الحصين والفراوي، ثم تعانى الكتابة والترسّل والنظم، ففاق الأقران، وحاز قصب السبق، وولاه ابن هبيرة نظر واسط وغيرها، ثم قدم دمشق بعد الستين وخمسمائة وخدم في ديوان الإنشاء، فبهر الدولة ببديع نثره ونظمه، وترقّى إلى أعلى المراتب، ثم عظمت رتبته في الدولات الصلاحيّة وما بعدها، وصنّف التصانيف الأدبية، وختم به هذا الشأن. وكانت بينه وبين القاضي الفاضل مطارحات ومداعبات [4] . قال يوما للقاضي الفاضل: سر فلا كبا بك الفرس. وكانا تلاقيا في الطريق وإنما أراد أنه يقرأ طردا وعكسا، فأجابه الفاضل في الحال: دام علا العماد، وهو أيضا يقرأ طردا وعكسا.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 299) و «النجوم الزاهرة» (6/ 180) . [2] انظر «معجم البلدان» (4/ 444) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 147- 152) و «العبر» (4/ 299) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 345- 350) و «الوافي بالوفيات» (1/ 132- 140) . [4] في «وفيات الأعيان» : «مكاتبات ومحاورات» .

واجتمعا يوما في موكب [1] السلطان وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان، فأنشد العماد: أمّا الغبار فإنّه ... ممّا أثارته السّنابك والجوّ منه مظلم ... لكن أنار به السّنا [2] بك يا دهر لي عبد الرحي ... م فلست أخشى مسّ نابك ولما صنّف «خريدة القصر» أرسلها إلى [القاضي] الفاضل، فوقف عليها فلم تعجبه، وكانت في ثمانية أجزاء، فقال: أين الآخران لأنه سمّاها «خريدة» يعني خرى عشرة، وهذه ثمانية لأن ده بالعجمي عشرة، ومن ها هنا أخذ ابن سناء الملك قوله: خريدة أفّيّة من نتنها ... كأنّها من بعض أنفاسه فنصفها الأول في ذقنه ... ونصفها الآخر في رأسه توفي العماد- رحمه الله تعالى- في أول رمضان، ودفن بمقابر الصوفية. وفيها ابن الكيّال أبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون البغدادي ثم الحليّ البزّار [3] . أحد القراء الأعيان. ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وقرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم الشّهرزوري، وأقرأ بالحلّة زمانا، وتوفي في ذى الحجّة. وفيها أبو شجاع بن المقرون محمد [بن أبي محمد] بن أبي المعالي البغدادي [4] ، أحد أئمة القراء. قرأ على سبط الخيّاط، وأبي الكرم، وسمع

_ [1] في «ط» : «في مجلس» . [2] جاء في «مختار الصحاح» (سنا) : السّنا، مقصور ضوء البرق. [3] انظر «العبر» (4/ 300) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 256- 257) . [4] انظر «العبر» (4/ 300) وما بين الحاصرتين زيادة منه.

من أبي الفتح بن البيضاوي وطائفة، ولقن خلقا لا يحصون، وكان صالحا عابدا ورعا، مجاب الدعوة، يتقوت من كسب يده، وكان من الآمرين بالمعروف النّاهين عن المنكر، توفي في ربيع الآخر. وفيها أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرّحمن بن غصن الإشبيلي [1] . أخذ القراءات عن شريح وجماعة، وحدّث عن ابن العربي، وتصدّر للإقراء، وكان آخر من قرأ القراءات على شريح، توفي في هذا العام أو في حدوده. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (4/ 300) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 570) .

سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فيها تغلّب قتادة بن إدريس الحسيني على مكّة، وزالت دولة بني فليتة. وفيها جاءت زلزلة عظيمة في شعبان شقّت قلعة حمص، ورمت المنظرة التي على القلعة وأخربت ما بقي من نابلس. وفيها شرع الشيخ أبو عمر شيخ المقادسة في بناء الجامع بالجبل، وكان بقاسيون رجل فاميّ يقال له أبو داود محاسن، فوضع أساسه وبقي قامة، وأنفق عليه ما كان يملكه، وبلغ مظفّر الدّين كوكبوري صاحب إربل فبعث إلى الشيخ أبي عمر مالا فتممه، وأوقف عليه وقفا، وبعد ذلك أراد مظفر الدّين [أن] يسوق إليه ماء من برزة [1] وبعث إليه الماء، فقال [الملك] المعظم عيسى [بن العادل] : طريق الماء كلها قبور، كيف يجوز نبش عظام المسلمين اعملوا مدارا على بغل، ولا تؤذوا أحدا، واشتروا بالباقي وقفا، ففعلوا ذلك [2] . وفيها توفي أحمد بن ترمش الخيّاط البغدادي [3] نقيب القاضي.

_ [1] برزة: قرية كبيرة من قرى الغوطة إلى الشمال الشرقي من دمشق. انظر «معجم البلدان» (1/ 382- 383) . قلت: وأصل الماء الذي يرد إلى برزة من قرية منين، يخترق أراضي قريتي حرنة ومعربة قبل أن يصل إليها. [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (29) وما بين حاصرتين زيادة منه. [3] انظر «العبر» (4/ 121) .

روى عن قاضي المارستان، والكروخي، وجماعة، وتوفي بحلب. وفيها أسعد بن أحمد بن أبي غانم الثّقفي الأصبهاني [1] الضرير. سمع هو وأخوه زاهر الثقفي «مسند أبي يعلى» من أبي عبد الله الخلّال، وسمع هو من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وجماعة، وكان فقيها معدّلا. وفيها المؤيد أبو المعالي أسعد بن العميد بن أبي يعلى بن القلانسي التّميمي الدمشقي [2] الوزير. روى عن نصر الله المصّيصي وغيره، ومات في ربيع الأول، وكان صدر البلد. وفيها الملك المعزّ إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدّين أيوب [3] ، صاحب اليمن وابن صاحبها. كان مجرما مصرا على الخمر والظلم، ادعى أنه أموي وخرج وعزم على الخلافة، فوثب عليه أخوان من أمرائه فقتلاه، ويقال: إنه ادعى النبوّة ولم يصحّ، وولي بعده أخ له صبيّ اسمه الناصر أيوب. قاله في «العبر» . وفيها الخشوعيّ، مسند الشام، أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدّمشقي الأنماطي [4] . ولد في صفر سنة عشر، وأكثر عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة، وأجاز له الحريري، وأبو صادق المديني، وخلق من العراقيين والمصريين والأصبهانيين، وعمّر وبعد صيته، ورحل إليه، وكان صدوقا. توفي في سابع صفر. وفيها أبو الثّناء حمّاد بن هبة الله بن حمّاد بن الفضل بن الفضيلي [5]

_ [1] انظر «العبر» (4/ 301) . [2] «ذيل الروضتين» ص (31) وانظر «العبر» (4/ 301) . [3] انظر «العبر» (4/ 301) . [4] انظر «العبر» (4/ 302) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 355- 358) . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفضلي» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو مترجم فيه (1/ 434- 435) وفي «العبر» (4/ 302) .

الحرّاني التّاجر السفّار المحدّث الحافظ الحنبلي المؤرخ. ولد في ربيع الأول سنة إحدى عشرة بحرّان، وسمع ببغداد من أبي القاسم بن السمرقندي، وأبي بكر بن الزّاغوني، وجماعة. وبهراة، ومصر، والإسكندرية من الحافظ السّلفي وغيره. وجمع «تاريخا» لحرّان [1] ، وحدّث به، وجمع جزءا فيمن اسمه حمّاد، وله شعر جيد، وحدّث بمصر، والإسكندرية، وبغداد، وحرّان. وممن روى عنه الشيخ موفق الدّين، وعبد القادر الرّهاوي، والعلم السّخاوي [2] المقرئ، والحافظ الضياء، وغيرهم، وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشري ذي الحجّة بحرّان. وفيها أبو محمد الحربي عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الإسكاف [3] . روى «المسند» [4] عن ابن الحصين ببغداد وبالموصل، واشتهر ذكره، وتوفي في المحرم. وفيها أبو بكر عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية المحاربي الغرناطي [5] المالكي المفتي، تفرّد بإجازة غالب بن عطية أخو جدّهم، وأبي محمد بن عتّاب، وسمع من القاضي عياض والكبار، وهو من بيت علم ورواية. وفيها أبو الحسن العمري عبد الرحمن بن أحمد بن محمد البغدادي [6] القاضي. أجاز له أبو عبد الله البارع، وسمع من ابن الحصين وطائفة، وناب في الحكم، وتوفي في رمضان. وفيها زين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي

_ [1] في «آ» و «ط» : «بحرّان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] تحرفت في «آ» إلى «السنجاري» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 409- 410) و «العبر» (4/ 302) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 361- 362) . [4] يعني «مسند الإمام أحمد» كما جاء مبينا في «سير أعلام النبلاء» . [5] انظر «العبر» (4/ 302- 303) . [6] انظر «العبر» (4/ 303) .

الدّمشقي [1] الشافعي. سمع من جدّه أبي الفضل القاضي يحيى الزّكي وجماعة، وأجاز له زاهر الشحامي وجماعة، وكان نعم الرجل فقها وفضلا ورئاسة وصلاحا، توفي في ذي الحجّة، رحمه الله. وفيها عبد الرحيم بن أبي القاسم الجرجاني [2] أبو الحسن، أخو زينب الشعرية، ثقة صالح مكثر. روى «مسلما» [3] عن الفراوي، و «السنن والآثار» عن عبد الجبّار الخواري [4] و «الموطأ» عن السّيّدي [5] و «السنن الكبير» عن عبد الجبّار الدّهّان، وتوفي في المحرم. وفيها الدّولعي- نسبة إلى الدّولعيّة، قرية بالموصل [6]- خطيب دمشق ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن يس التغلبي الموصلي الشافعي وله إحدى وتسعون سنة. تفقّه بدمشق وسمع من الفقيه نصر الله المصيصي وببغداد من الكروخي، وكان مفتيا خبيرا بالمذهب. خطب دهرا ودرس بالغزالية وولي الخطابة بعده سبعا وثلاثين سنة ابن أخيه. قال النووي في «طبقاته» : كان عبد الملك شيخ شيوخنا وكان أحد الفقهاء المشهورين والصلحاء الورعين. توفي في ربيع الأول ودفن بباب الصغير ونقل عنه في «الروضة» . وفيها علي بن محمد بن علي بن يعيش، سبط ابن الدامغاني. روى عن

_ [1] انظر «العبر» (4/ 303) و «النجوم الزاهرة» (6/ 181) . [2] انظر «العبر» (4/ 303) و «النجوم الزاهرة» (6/ 181) . [3] يعني «صحيح مسلم» . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحواري» بالحاء المهملة، والتصحيح من «العبر» وهو عبد الجبّار بن محمد الخواري البيهقي. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (20/ 71- 72) . [5] هو أبو محمد هبة الله بن سهل البسطامي النيسابوري، المعروف بالسّيّدي. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (20/ 14- 15) . [6] انظر «معجم البلدان» (2/ 486) .

ابن الحصين وزاهر وتوفي في صفر، وكان متميزا جليلا. لقيه ابن عبد الدائم. وفيها لؤلؤ الحاجب العادلي [1] من كبار الدولة. له مواقف حميدة بالسواحل، وكان مقدم المجاهدين المؤيدين الذين ساروا لحرب الفرنج الذين قصدوا الحرم النبوي في البحر وظفروا بهم. قيل إن لؤلؤا سار جازما بالنصر وأخذ معه قيودا بعدد الملاعين وكانوا ثلاثمائة وشيء، كلهم من الأبطال من كرك الشوبك مع طائفة من العرب المرتدة، فلما بقي بينهم وبين المدينة يوم أدركهم لؤلؤ وبذل الأموال للعرب فخامروا معه وذلّت الفرنج واعتصموا بجبل فترجل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس، وقيل بل صعد في تسعة أنفس، فهابوه وسلّموا أنفسهم، فصفّدهم وقيّدهم كلّهم، وقدم بهم مصر، وكان يوم دخولهم يوما مشهودا، وكان لؤلؤ شيخا أرمنيا من غلمان القصر، فخدم مع صلاح الدّين، فكان أينما توجّه فتح ونصر، ثم كبر وترك، وكان يتصدق كل يوم بعدة قدور طعام وباثني عشر ألف رغيف، ويضعف ذلك في رمضان. توفي في صفر، رحمه الله تعالى. وفيها ابن الوزّان عماد الدّين محمد بن الإمام أبي سعد عبد الكريم ابن أحمد الرّازي [2] شيخ الشافعية بالرّيّ، وصاحب «شرح الوجيز» . قال ابن السمعاني: عالم محقق مدقق، تفقّه على والده، ثم على أبي بكر الخجندي، وجالس الشيخ أبا إسحاق. وفيها ابن الزّكي قاضي الشّام محيي الدّين أبو المعالي محمد بن قاضي القضاة منتجب الدّين محمد بن يحيى القرشي [3] من ذريّة عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، الشافعي.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 304- 305) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 384- 385) . [2] انظر «العبر» (4/ 305) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 47- 48) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 229- 237) و «العبر» (4/ 305) و «البداية والنهاية»

ولد سنة خمسين وخمسمائة، وروى عن الوزير الفلكي وجماعة، وكان فقيها إماما طويل الباع في الإنشاء والبلاغة، فصيحا، مفوّها، كامل السؤدد. قال ابن خلّكان: كان ذا فضائل عديدة، من الفقه والأدب وغيرهما، وله النظم المليح والخطب والرسائل، وتولى القضاء بدمشق، وكذلك أبوه زكي الدّين، وجده مجد الدّين، وجد أبيه زكي الدّين، وهو أول من ولي من بيتهم، وولده زكي الدّين أبو العبّاس الطّاهر، ومحيي الدّين أبو الفضل يحيى، كانوا قضاتها، وكانت له عند السلطان صلاح الدّين المنزلة العالية، ولما فتح السلطان المذكور حلب ثامن صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة أنشده القاضي محيي الدّين قصيدة بائية من جملة أبياتها: وفتحك القلعة الشهباء في صفر ... مبشّر بفتوح القدس في رجب فكان كما قال، فإن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة [1] ، فقيل لمحيي الدّين: من أين لك هذا؟ قال: أخذته من تفسير ابن برّجان [2] في قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ 30: 1- 4 [الرّوم: 1- 4] وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك، وخطبته يوم فتح القدس [3] من أبلغ الخطب وأشهرها، فلا نطوّل بذكرها [4] ، وتوفي في سابع شعبان (13/ 32- 33) و «النجوم الزاهرة» (6/ 181- 182) .

_ [1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (22) وتعليقي عليه، طبع دار ابن كثير. [2] هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللّخمي الإفريقي الإشبيلي، المعروف بابن برّجان، المتوفى سنة (536) هـ، قال العلّامة الزركلي- طيّب الله ثراه-: وأكثر كلامه في «تفسيره» على طريق الصوفية، ولم يكمله. انظر «فوات الوفيات» (2/ 323) و «الأعلام» (4/ 6) . [3] تحرفت في «ط» إلى «المقدس» . [4] قلت: وقد ذكرها بتمامها ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» فيحسن بالقارئ الرجوع إليه للاطلاع عليها.

بدمشق، ودفن من يومه بسفح قاسيون. وفيها محمود بن عبد المنعم التّميمي الدّمشقي [1] . روى «معجم ابن جميع» عن جمال الإسلام، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها السبط أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن أبي سعيد الهمذاني [2] سبط ابن لال. روى عن أبيه وابن الحصين، وخلق. توفي في المحرم. وفيها البوصيري أبو القاسم هبة الله بن علي بن سعود الأنصاري [الخزرجي المنستيري] [3] ، الكاتب الأديب، مسند الدّيار المصرية. ولد سنة ست وخمسمائة، وسمع من أبي صادق المديني، ومحمد بن بركات السعيدي، وطائفة، وتفرّد في زمانه، ورحل إليه [4] ، توفي في ثاني صفر. وفيها أبو غالب هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد السّامري ثم البغدادي الحريمي ثم الأزجي [5] الفقيه الحنبلي الواعظ. سمع أبي البدر الكرخي وغيره، ولازم أبا الفرج بن الجوزي، وتفقّه وتكلّم، وأفتى ووعظ. قال القادسي: كان فقيها مجوّدا واعظا دينا خيّرا. سمع منه ابن القطيعي، وروى عنه ابن خليل في «معجمه» وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر المحرم، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد قريبا من بشر الحافي، رضي الله عنهم أجمعين.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 424) و «العبر» (4/ 305- 306) . [2] انظر «العبر» (4/ 306) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 352- 353) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 67- 69) و «العبر» (4/ 306) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 390) . [4] قال ابن خلّكان: وهو آخر من روى عن أبي الفتح سلطان بن إبراهيم بن مسلم المقدسي في الأرض كلها. [5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 410) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 433- 434) .

سنة تسع وتسعين وخمسمائة

سنة تسع وتسعين وخمسمائة في ليلة السبت سلخ المحرم ماجت [1] النجوم في السماء شرقا وغربا، وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا، ودام [2] ذلك إلى الفجر، وانزعج الخلق، وضجّوا بالدعاء، ولم يعهد مثل ذلك إلّا عام البعث. قاله السيوطي في «حسن المحاضرة» [3] . وفيها توفي أبو علي بن أشنانة [4] الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني ثم البغدادي الصوفي. روى عن ابن الحصين وغيره، وتوفي في صفر. وفيها أبو محمد بن عليّان عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي [5] . روى عن ابن الحصين وجماعة، وتغيّر من السوداء في آخر عمره مديدة. وفيها أبو الفتح القاشاني إسماعيل بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن الخليل المرّوذي الحافظ ابن أبي نصر. كان عالما فاضلا حافظا من المكثرين.

_ [1] في «آ» و «ط» : «هاجت» وما أثبته من «حسن المحاضرة» و «مرآة الجنان» . [2] في «آ» و «ط» : «وأقام» والتصحيح من «حسن المحاضرة» و «مرآة الجنان» . [3] (2/ 293) وفي «مرآة الجنان» (3/ 496) : «ولم يعهد ذلك إلا عند ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم» وذلك ما أراده السّيوطي أيضا من قوله عام البعث- يعني بعثته صلى الله عليه وسلم. [4] في «آ» و «ط» : «شنانة» والتصحيح من «العبر» (4/ 307) . [5] انظر «العبر» (4/ 307) .

قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [1] : ثمّ الفتى إسماعيل ذا القاشاني ... ثبت صدوق طيّب اللّسان وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد [2] بن الصقّال الطيبي ثم البغدادي الأزجي [3] الفقيه الحنبلي، مفتي العراق، ويلقب موفق الدّين. ولد في خامس عشري شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وسمع من ابن الطّلّاية، وابن ناصر، وأبي بكر بن الزّاغوني، وغيرهم. وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلى الصغير، وأبي حكيم النّهرواني، وقيل: وعلى ابن المنّي أيضا. وبرع في الفقه مذهبا وخلافا وجدلا، وأتقن علم الفرائض والحساب، وكتب خطّا حسنا، وأفتى ودرّس وناظر، وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة وأعيان المفتين المعتمد على أقوالهم في المحافل والمجالس، متين الديانة، حسن المعاشرة، طيب المفاكهة. وسمع منه القطيعي، وروى عنه ابن الدّبيثي، والحافظ الضياء، وابن النجار. وتوفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجّة، ودفن بباب حرب. وهو منسوب إلى الطّيب: بلدة قديمة بين واسط والأهواز [4] وينسب إليها الطّيبي شارح «الكشاف» أيضا. وفيها أبو بكر مجد الدّين عبيد الله بن علي بن نصر بن حمرة بن

_ [1] في «بديعة البيان عن موت الأعيان» (23) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب. [2] كذا في «آ» و «ط» : «إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصقال» وفي «التكملة» : «إبراهيم بن محمد بن أحمد بن الصقال» وفي «الوافي بالوفيات» : «إبراهيم بن محمد بن الصقال» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 467) و «الوافي بالوفيات» (6/ 137- 138) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 440- 442) . [4] انظر «معجم البلدان» (4/ 52- 53) .

علي بن عبيد الله البغدادي التيمي [1] ، المعروف بابن المرستانية [2] الفقيه الحنبلي الأديب المحدّث المؤرخ. كان يذكر أنه من ولد أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، ويذكر نسبا متصلا إليه، وذكر أنه ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وسمع الحديث من أبي المظفّر بن الشبلي، وابن البطي، وابن بندار، وشهدة، وغيرهم. وقرأ كثيرا على المشايخ المتأخرين بعدهم، وحصّل الأصول، وعني بهذا الفنّ، وتفقّه في المذهب، وصنّف كتابا سمّاه «ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام» قسّمه ثلاثمائة وستين كتابا، وله غير ذلك. قال ابن النجار: كان قد قرأ كثيرا من علم الطب، والمنطق، والفلسفة، وكانت بينه وبين عبيد الله بن يونس صداقة، فلما أفضت [3] إليه الوزارة اختصّ به وقوي جاهه، وبنى دارا بدرب الشاكرية وسمّاها دار العلم، وجعل فيها [4] خزانة كتب وأوقفها على طلاب العلم، ورتب ناظرا على أوقاف المارستان العضدي، فلم تحمد سيرته، فقبض عليه وسجن في المارستان مدة مع المجانين مسلسلا وبيعت داره [5] دار العلم بما فيها من الكتب مع سائر أمواله وأطلق فصار يطبب الناس ويدور على المرضى في منازلهم، وصادف قبولا في ذلك فأثرى وعاد إلى حالة حسنة، وحصّل كتبا كثيرة، وكان القبض عليه بعد عزل ابن يونس والقبض عليه، وتتبع أصحابه. وفي تلك الفتنة كانت محنة ابن الجوزي أيضا. وبالغ ابن النجار في الحطّ عليه بسبب ادعائه النسب إلى أبي بكر الصّدّيق ونسبه إلى أنه روى عن

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «التميمي» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 442- 446) . [3] في «ط» : «أفضيت» . [4] في «آ» و «ط» : «وحصل فيه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] لفظة «داره» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي.

مشايخ لم يدركهم واختلق طباقا على الكتب بخطوط مجهولة تشهد بكذبه وتزويره. قاله ابن رجب ثم انتصر له. وفيها زين الدّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدّمشقي الفقيه الحنبلي الواعظ المفسر المعروف بابن نجية [1] نزيل مصر، سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الجيلي. ولد بدمشق سنة ثمان وخمسمائة فيما ذكره ابن نقطة، والمنذري، وغيرهما، وقال ابن الحنبلي: سنة عشر، وسمع بدمشق من أبي الحسن علي ابن أحمد بن قيس، وسمع درس خاله شرف الإسلام عبد الوهاب، وتفقّه، وسمع التفسير، وأحب الوعظ، وغلب عليه واشتغل به [2] . قال ناصح الدّين: قال لي حفّظني خالي مجلس وعظ وعمري يومئذ عشر سنين، ثم نصب لي كرسيا في داره، وأحضر لي جماعة، وقال: تكلّم، فتكلمت، فبكى. قال: وكان ذلك المجلس يذكره وهو ابن تسعين سنة، وكان بطيء النسيان، يعظ بالعربية وغيرها، بعثه نور الدّين الشهيد رسولا إلى بغداد سنة أربع وستين وخلع عليه خلعة سوداء، فكان يلبسها في الأعياد، وسمع هناك الحديث من سعد الخير ابن محمد الأنصاري، وصاهره على ابنته فاطمة ونقلها معه إلى مصر، وسمع من غيره ببغداد، واجتمع بالشيخ عبد القادر [3] وغيره من الأكابر. وقال سبط ابن الجوزي: كان ابن نجية قد اقتنى أموالا عظيمة، وتنعم تنعما زائدا، بحيث أنه كان في داره عشرون جارية للفراش تساوي كل جارية ألف دينار، وأما الأطعمة فكان يعمل في داره ما لا يعمل في دور الملوك،

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 436- 442) . [2] في «آ» : «واشتهر به» . [3] يعني الجيلاني.

وتعطيه الملوك والخلفاء أموالا عظيمة كثيرة. قال: ومع هذا مات فقيرا، كفّنه بعض أصحابه. وذكر ابن الحنبلي: أن ابن نجا المذكور ضاق صدره في عمره من دين عليه وأن الملك العزيز عثمان لما عرف ذلك أعطاه ما يزيد على أربعة آلاف دينار مصرية. قال: وقال لي: ما احتجت في عمري إلّا مرتين. وقال ناصح الدّين: قال لي والدي زين الدّين- أي صاحب الترجمة- أنا أسعد بدعاء والدتي، كانت صالحة حافظة، تعرف التفسير. قال زين الدّين: كنا نسمع من خالي التفسير ثم أجيء إليها فتقول: أيش فسّر أخي اليوم، فأقول: سورة كذا وكذا، فتقول: ذكر قول فلان، ذكر الشيء الفلاني؟ فأقول: لا، فتقول: ترك هذا، وكانت تحفظ كتاب «الجواهر» . مجلدة تأليف والدها. وسمع من ابن نجية خلق، منهم الحافظ عبد الغني [1] ، وابن خليل، والضياء المقدسي، وجماعات، وأجاز للمنذري وغيره، وتوفي في شهر رمضان ودفن في سفح المقطم. وفيها عبد الوهّاب الحنفي أبو محمد بن النحّاس، المعروف بالبدر [2] . قال ابن العديم: تفقّه وبرع في المذهب [3] ، وأفتى، وكان مجيدا في مناظرته، فريدا في محاورته، ناظر الفحول الواردين من وراء النهر وخراسان. قدم القاهرة ودرّس بالسيوفيّة، ومات بها. قاله في «حسن المحاضرة» .

_ [1] يعني المقدسي. [2] في «آ» و «ط» : «المجرد» والتصحيح من «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (2/ 488) . و «حسن المحاضرة» (1/ 464) . [3] في «الجواهر المضية» : «وبرع في الفقه» .

وفيها علي بن حمزة أبو الحسن البغدادي الكاتب [1] حاجب باب النوبيّ. حدّث بمصر عن ابن الحصين، وتوفي في شعبان. وفيها غياث الدّين الغوري سلطان غزنة أبو الفتح محمد بن سام بن حسين [2] ملك جليل عادل [3] محبّب إلى رعيته، كثير المعروف والصدقات، تفرّد بالممالك بعده أخوه السلطان شهاب الدّين. وفيها ابن الشّهرزوري، قاضي القضاة، أبو الفضائل القاسم بن يحيى ابن أخي قاضي الشام كمال الدّين [4] ولي قضاء الشام بعد عمه قليلا، ثم لما تملّك العادل سار إلى بغداد، فولي بها القضاء والمدارس والأوقاف، وارتفع شأنه عند الناصر لدين الله إلى الغاية، ثم إنه خاف الدوائر فاستعفى، وتوجّه إلى الموصل، ثم قدم حماة، فولي قضاءها فعيب عليه ذلك، وكان جوادا ممدّحا، له شعر جيد ورواية عن السّلفيّ. توفي بحماة في رجب عن خمس وستين سنة، وحمل إلى دمشق فدفن بها. وفيها الزّاهد أبو عبد الله القرشي محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي [5] الصوفي أحد العارفين وأصحاب الكرامات والأحوال. نزل بيت المقدس وبه توفي عن خمس وخمسين سنة، وقبره مقصود بالزيارة. وفيها أبو بكر بن أبي جمرة محمد بن أحمد بن عبد الملك الأموي مولاهم القرشي [6] المالكي القاضي، أحد أئمة المذهب. عرض «المدونة» . على والده، وله منه إجازة كما لأبيه إجازة من أبي عمرو الدّاني، وأجاز له أبو

_ [1] انظر «العبر» (4/ 308) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 396- 397) . [2] انظر «العبر» (4/ 308) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 320- 322) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عال» والتصحيح من «العبر» . [4] انظر «العبر» (4/ 308) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 393) . [5] انظر «العبر» (4/ 309) و «النجوم الزاهرة» (6/ 184) . [6] انظر «العبر» (4/ 309) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 398- 399) .

بحر بن العاص، وأفتى ستين سنة، وولي قضاء مرسية وشاطبة دفعات، وصنّف التصانيف، وكان أسند من بقي بالأندلس، توفي في المحرم. وفيها الغزنوي الفقيه بهاء الدّين أبو الفضل محمد بن يوسف الحنفي [1] المقرئ. روى عن قاضي المارستان وطائفة، وقرأ القراءات على سبط الخيّاط، قرأ عليه بطرق «المنهج» السخاويّ [2] وغيره، ودرّس المذهب، وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول. وفيها أبو عبد الله محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الباقي ابن العكبري البغدادي الظّفري [3]- نسبة إلى الظّفريّة محلّة ببغداد [4]- الفقيه الحنبلي المحدّث الواعظ. قال ابن النجار: جارنا بالظّفريّة. حفظ القرآن في صباه، وقرأه بالرّوايات على أبي بكر بن الباقلاني الواسطي وغيره، وتفقّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقرأ العربية على أبي البركات الأنباري، وابن الخشّاب، وصحب شيخنا أبا الفرج بن الجوزي، وقرأ عليه شيئا من مصنفاته في الوعظ وغيره، وسمع الحديث من أبي العبّاس أحمد بن محمد بن المرقّعاتي، وشهدة الكاتبة، وخلق كثير، وكان يجلس للوعظ ثم انقطع ببيته لا يخرج إلّا إلى الجمعة والجماعة، وكان يكثر الجلوس في المقابر. سمعت منه، وكان يسمع بقراءتي على مشايخنا، وكان صدوقا متدينا عفيفا، قليل المخالطة للناس، محبا للخلوة. وقال: ذكر أن مولده في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى.

_ [1] انظر «العبر» (4/ 309- 310) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 579) . [2] في «ط» : «للسخاوي» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 456) و «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 435- 436) . [4] انظر «معجم البلدان» (4/ 61) .

وفيها ابن المعطوش [1] مسند العراق أبو طاهر، المبارك بن المبارك ابن هبة الله الحريمي العطّار. ولد سنة سبع وخمسمائة، وسمع من أبي علي بن المهدي، وأبي الغنائم بن المهتدي بالله، وبه ختم حديثهما، وسمع «المسند» كله ورواه، وتوفي في عاشر جمادى الأولى. وفيها البرهان الحنفي أبو الموفق مسعود بن شجاع الأموي الدمشقي [2] مدرس النّورية والخاتونية، وقاضي العسكر. كان صدرا معظما مفتيا رأسا في المذهب. ارتحل إلى بخارى، وتفقّه هناك وعمّر دهرا. توفي في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة، وكان لا تغسل له فرجية بل يهبها ويلبس جديدة. وفيها ابن الطّفيل أبو يعقوب يوسف بن هبة الله بن محمود الدمشقي [3] الصّوفي، شيخ صالح، له عناية بالرواية. رحل إلى بغداد، وسمع من أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وطبقتهما، وأسمع ابنه عبد الرّحيم من السّلفي. وفيها أبو بكر جمال الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن منصور المقدسي [4] الزاهد، أخو البهاء عبد الرحمن الآتي ذكره إن شاء الله تعالى. ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وسمع الحديث بدمشق، ودخل مع

_ [1] في «آ» و «ط» : «أبو المعطوس» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (4/ 310) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 400) . [2] انظر «العبر» (4/ 310) و «مرآة الجنان» (3/ 496) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 457) و «العبر» (4/ 310) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 442) .

أخيه بغداد وسمع بها وأقام بها مدة، واشتغل وحصّل فنونا من العلم ثم عاد. وكان فقيها ورعا زاهدا، كثير الخشية والخوف من الله تعالى، حتّى كان يعرف بالزّاهد، وكان يبالغ في الطهارة وأمّ بدمشق بمسجد دار البطيخ، وهو مسجد السلاطين، وحجّ في آخر عمره، ثم توجّه إلى القدس، فأدركه أجله بنابلس. قاله ابن رجب.

سنة ستمائة

سنة ستمائة فيها أخذت الفرنج فوّة [1] عنوة واستباحوها دخلوا من فم رشيد في النيل، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم. وفيها توفي العلّامة أبو الفتوح العجلي منتخب [2] الدّين أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الأصبهاني [3] الشافعي الواعظ، شيخ الشافعية. عاش خمسا وثمانين سنة، وروى عن جماعة، وكان يقنع وينسخ، وله كتاب «مشكلات الوجيز» و «تتمة التتمة» وترك الوعظ وألّف كتابا سماه «آفات الوعّاظ» . قال ابن شهبة [4] : ولد بأصبهان في أحد الربيعين، سنة خمس عشرة وخمسمائة، وكان فقيها مكثرا من الرواية، زاهدا، ورعا، يأكل من كسب يده، يكتب ويبيع ما يتقوت [5] به لا غير. وكان عليه المعتمد بأصبهان في الفتوى، وتوفي في صفر بأصبهان.

_ [1] فوّة: بليدة على شاطئ النيل من نواحي مصر قرب رشيد، بينها وبين البحر نحو خمسة فراسخ أو ستة، وهي ذات أسواق ونخل كثير. انظر «معجم البلدان» (4/ 280) . [2] وفي بعض المصادر: «منتجب» . [3] انظر «العبر» (4/ 311- 312) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 402- 403) . [4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 30) . [5] في «آ» و «ط» : «يتقوت» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

وفيها بقاء بن عمر بن حنّد [1] أبو المعمر الأزجي الدقّاق، ويسمى أيضا المبارك. روى عن ابن الحصين وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو الفرج بن اللّحية جابر بن محمد بن يونس الحموي ثم الدمشقي [2] التاجر. روى عن الفقيه نصر المصّيصي وغيره. وفيها ابن شرقيني أبو القاسم شجاع بن معالي البغدادي العرّاد القصباني [3] . روى عن ابن الحصين وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو سعد بن الصّفّار عبد الله بن العلّامة أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري الشافعي [4] فقيه متبحر أصولي، عامل بعلمه. ولد سنة ثمان وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمه أبي نصر بن القشيري، وسمع «سنن الدارقطني» بفوت من أبي القاسم الأبيوردي، وسمع «سنن أبي داود» من عبد الغافر بن إسماعيل. وسمع من طائفة كتبا كبارا. توفي في شعبان أو رمضان وله اثنتان وتسعون سنة. وفيها الإمام تقي الدّين أبو محمد الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد ابن علي بن سرور المقدسي الجمّاعيلي [5] الحنبلي. ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهاجر صغيرا إلى دمشق بعد الخمسين، فسمع أبا المكارم بن هلال، وببغداد أبا الفتح بن البطّي وغيره،

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن جند» وما أثبته من «العبر» (4/ 312) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 414) . [2] انظر «العبر» (4/ 312) . [3] انظر «العبر» (4/ 312) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 414) وفيه: «ابن شدقيني الغراد» . [4] انظر «العبر» (4/ 313) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 403- 404) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 144) . [5] انظر «العبر» (4/ 313) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 443- 471) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 5- 34) ومقدمتي لكتابه «عمدة الأحكام» ص (17- 23) .

وبالإسكندرية من السّلفي. وهذه الطبقة، ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين، وصنّف التصانيف الكثيرة الكبيرة الشهيرة، ولم يزل يسمع ويكتب إلى أن مات. وإليه انتهى حفظ الحديث متنا وإسنادا ومعرفة بفنونه، مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيرته في جزءين ألّفها الحافظ الضياء. قال ابن ناصر الدّين [1] : هو محدّث الإسلام وأحد الأئمة المبرّزين الأعلام، ذا ورع وعبادة وتمسك بالآثار، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، له كتاب «المصباح» في ثمانية وأربعين جزءا وغيره من المصنفات. وقال ابن رجب: امتحن الشيخ ودعي إلى أن يقول لفظي [2] بالقرآن مخلوق، فأبى، فمنع من التّحديث، وأفتى أصحاب التأويل بإراقة دمه، فسافر إلى مصر وأقام بها إلى أن مات. وقال فيه أبو نزار ربيعة بن الحسن: يا أصدق النّاس في بدو وفي حضر ... وأحفظ النّاس فيما قالت الرّسل إن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم ... هم الغثاء وأنت السّيّد البطل وقال الضياء: ما أعرف أحدا من أهل السّنة رأى الحافظ عبد الغني إلّا أحبّه حبّا شديدا، ومدحه مدحا كثيرا. وكان إذا مر بأصبهان يصطفّ [3] الناس في السوق فينظرون إليه، ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها من حبهم له ورغبتهم فيه، ولما وصل إلى مصر أخيرا كان إذا خرج يوم الجمعة إلى الجامع لا يقدر يمشي من كثرة الخلق يتبركون به ويجتمعون حوله.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (171/ آ) . [2] لفظة «لفظي» سقطت من «آ» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «يعطف» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

وقال الشيخ موفق الدّين: كان جوادا يؤثر بما تصل إليه يده سرّا وعلانية. قال ولده الحافظ أبو موسى ابن بنت الشيخ أبي عمر بن قدامة زوجة الحافظ عبد الغني: قال لي والدي في مرضه الذي مات فيه: يا بني أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته، فجاء جماعة يعودونه فسلّموا عليه فردّ عليهم السلام وجعلوا يتحدثون، ففتح عينيه وقال: ما هذا الحديث؟ اذكروا الله وقولوا: لا إله إلا الله، فقالوها ثم قاموا، فجعل يذكر الله ويحرّك شفتيه بذكره، ويشير بعينه، فدخل رجل فسلّم عليه وقال له: ما تعرفني يا سيدي، فقال: بلى، فقمت لأناوله كتابا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرون من ربيع الأول، ودفناه يوم الثلاثاء بالقرافة مقابل [1] قبر الشيخ أبي عمرو بن مرزوق. وفيها أبو الفضل ركن الدّين عزيز بن محمد [2] بن العراقي القزويني الشافعي المعروف بالطاووسي [3] . كان إماما فاضلا مناظرا محجاجا قيّما في علم الخلاف، ماهرا فيه، اشتغل فيه على الشيخ رضي الدّين النيسابوري الحنفي صاحب «الطريقة» في الخلاف وبرز فيه، وصنّف ثلاث تعاليق «مختصرة» في الخلاف وثانية وثالثة مبسوطة، واجتمع عليه الطلبة بمدينة همذان، وقصدوه من البلاد البعيدة، وعلّقوا تعاليقه، وبنى له الحاجب جمال الدّين بهمذان مدرسة تعرف بالحاجبية، و «طريقته» الوسطى أحسن من «طريقتيه» الأخريين، لأن فقهها كثير وفوائدها غزيرة جمّة، وأكثر اشتغال الناس في هذا الزمان بها، واشتهر صيته في البلاد، وحملت طرائقه إليها، وتوفي

_ [1] في «ط» : «مقابلة» . [2] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» : «عزيز بن محمد» وفي المصادر الأخرى «عرافي بن محمد» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 258- 259) و «العبر» (4/ 313- 314) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 353) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 176- 178) .

بهمذان رابع عشر جمادى الآخرة. ولعله منسوب إلى طاووس بن كيسان التابعي. قاله ابن خلّكان. وفيها فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكريم [1] . ولدت بأصبهان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وسمعت حضورا من فاطمة الجوزدانية، ومن ابن الحصين، وزاهر الشحّامي، ثم سمعت من هبة الله بن الطّبر وخلق، وتزوّج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ. روت الكثير بمصر، توفيت في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة. وفيها القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن المحدّث أبو محمد بن عساكر الدمشقي الشافعي [2] . قال ابن شهبة: ولد في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وكان محدّثا، حسن المعرفة، شديد الورع، ومع ذلك كان كثير المزاح، وتولى مشيخة دار الحديث النّورية بعد والده، فلم يتناول من معلومها [3] شيئا بل كان يرصده للواردين من الطلبة، حتّى قيل: لم يشرب من مائها ولا توضأ. وقال الذهبي: سمع من جدّ أبويه القاضي الزّكي يحيى بن علي القرشي، وجمال الإسلام بن مسلم، وطبقتهما. وأجاز له الفراوي، وقاضي المارستان، وطبقتهما. وكان محدّثا فهما، كثير المعرفة، شديد الورع، صاحب مزاح وفكاهة، وخطّه ضعيف عديم الإتقان، وتوفي في صفر. وفيها محمد بن صافي أبو المعالي البغدادي النقّاشي [4] . روى عن

_ [1] انظر «العبر» (4/ 314) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 412- 413) . [2] انظر «العبر» (4/ 314) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 405- 411) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 42- 43) . [3] يعني من وقفها. [4] انظر «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدبيثي (1/ 293- 294) و «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 24) و (2/ 224) و «العبر» (4/ 315) .

أبي بكر المرزفي [1] وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو البركات محمد بن أحمد التّكريتي الأديب، يعرف بالمؤيد [2] . كان في زمنه شخص نحويّ يعرف بالوجيه النّحوي حنبلي المذهب، فآذاه الحنابلة، فتحنّف، فآذاه الحنفية فانتقل إلى مذهب الشافعي، فجعلوه مدرّس النظامية في النحو، فعمل فيه المؤيد التّكريتي: ألا مبلغ [3] عنّي الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي إليه الرسائل تمذهبت للنّعمان بعد ابن حنبل ... وذلك لمّا أعوزتك المآكل وما اخترت رأي الشّافعيّ تديّنا ... ولكنما تهوى الذي هو حاصل وعمّا قليل أنت لا شكّ صائر ... إلى مالك فافهم [4] لما أنا قائل وفيها المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحّان بن السّيبيّ [5] . روى عن ابن الحصين وجماعة، وتوفي في شوال. وفيها صنيعة الملك القاضي أبو محمد هبة الله بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري، ويعرف بابن مشير المعدّل [6] . راوي كتاب «السّيرة» توفي في ذي الحجة. وفيها، وجزم السيوطي أنه في التي قبلها، قال في «حسن

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «المزني» وفي «ط» إلى «المرزبي» والتصحيح من «ذيل تاريخ بغداد» و «العبر» . [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (36) - وفيه: «محمد بن أحمد بن سعيد البكري» - و «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» ص (50- 51) طبع دار ابن كثير، وحاشية «إنباه الرواة» (3/ 255) . [3] وفي رواية: «ومن مبلغ» . [4] في «ذيل الروضتين» و «المحمدون» : «فافطن» . [5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى: «الشبيبي» وتصحفت في «العبر» (4/ 315) إلى «الشيبي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 41) . [6] انظر «العبر» (4/ 315) و «حسن المحاضرة» (1/ 376) .

المحاضرة» [1] : أبو القاسم هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي الشافعي، المعروف بابن البوري- نسبة إلى بورة، بلد قرب دمياط ينسب إليها السمك البوري [2]- تفقّه على ابن أبي عصرون، وابن الخلّ، ثم استقرّ بالإسكندرية، ودرّس بمدرسة السّلفي. انتهى. وفيها لاحق بن أبي الفضل بن علي بن حيدرة [3] . روى «المسند» كلّه عن ابن الحصين، وتوفي في المحرم عن ثمان وثمانين سنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ [1] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 408) . [2] انظر «معجم البلدان» (1/ 506) . [3] في «العبر» (4/ 9315) : «بن قندرة» .

تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد السادس من كتاب «شذرات الذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي والمؤذن يؤذن لصلاة عصر يوم الخميس في غرة شهر شعبان المعظم لعام 1409 هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأسأله تعالى أن ينفع بأعمالنا جميعها وأن يجعلها حجّة لنا يوم نعرض عليه عزّ وجل، وأن يعيننا على إتمام تحقيق بقية الكتاب بتأييد من لدنه جلّ جلاله. محمود الأرناؤوط

المجلد السابع

[المجلد السابع] بسم الله الرّحمن الرّحيم سنة إحدى وستمائة فيها تغلّبت الفرنج على مملكة القسطنطينيّة، وأخرجوا الرّوم منها بعد حصار طويل، وحروب كثيرة. قاله في «العبر» [1] . وفيها خرجت الكرج فعاثوا ببلاد أذربيجان [2] ، وقتلوا وسبوا، ووصلت زعازعهم [3] إلى عمل خلاط، فانتدب لحربهم عسكر خلاط، وعسكر أرزن [4] الرّوم، فالتقوهم، ونصر الله الإسلام، وقتل في المصافّ ملك الكرج. وفيها جاءت الفرنج إلى حماة بغتة، وأخذوا النّساء الغسّالات من باب البلد، وخرج إليهم الملك المنصور، وقاتل قتالا حسنا، وكسر الفرنج

_ [1] (5/ 1) . [2] قلت: كذا ضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 128) بفتح الهمزة، وسكون الذال، وفتح الراء، وكسر الباء الموحدة، وياء ساكنة، وجيم. وقال: وقد فتح قوم الذال، وسكّنوا الراء، ومدّ آخرون الهمزة مع ذلك. وأضاف: وروي عن المهلّب- ولا أعرف المهلّب هذا- آذريبجان، بمد الهمزة، وسكون الذال، فيلتقي الساكنان، وكسر الراء، ثم ياء ساكنة، وباء موحدة مفتوحة، وجيم، وألف، ونون. [3] كذا في «آ» و «ط» : «زعازعهم» وهي الكتائب. انظر «لسان العرب» (زعع) وفي «العبر» : «عياراتهم» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أردن» والتصحيح من «العبر» ، وقال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 150) : أرزن مدينة مشهورة قرب خلاط.

عسكره، ووقف على السّاقة [1] من الرّقيطا [1] إلى باب حماة، ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا [2] . وفيها ولدت امرأة ولدا له رأسان وأربعة أرجل وأيد، ومات من يومه. قاله ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» . وفيها توفي السّكّر المحدّث أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي [3] المقرئ المفيد، عن نيف وستين سنة. قرأ القراءات على أحمد بن محمد ابن شنيف وجماعة، وسمع من سعيد بن البنّا، وابن البطّي فمن بعدهما، وكان ثقة، مكثرا، صاحب قرآن وتهجد وإفادة للطلبة، توفي في صفر. وفي حدودها وما يقرب، أبو الآثار وأبو الأمانة جبريل بن صارم بن علي بن سلامة الصّعبيّ [4] الأديب الحنبلي. قدم بغداد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو فقير، فتفقّه في المذهب، وقرأ الخلاف، وجالس النّحاة، وحصّل طرفا صالحا من الأدب، وسمع الحديث من ابن الجوزي وغيره، ومدح الخليفة الناصر بعدّة قصائد، وأثرى ونبل مقداره، واشتهر ذكره، فنفذ من الديوان في رسالة إلى خوارزم شاه، وسمع الحديث من مشايخ خراسان، وحصّل نسخا بما سمع، ثم عاد إلى بغداد وقد صار له الغلمان التّرك والمراكب، ولم يزل يرسل من الديوان إلى خوارزم شاه إلى أن قبض عليه لسبب ظهر منه، فسجن بدار الخلافة، وانقطع خبره عن النّاس.

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (132/ آ) : «ووقف في السّاقة» وما أثبته من «النجوم الزاهرة» (6/ 187) وجاء في حاشيته: الرقيطاء: قرية بحماة كما في «تاريخ حماة» للصابوني ص (27) وساقة الجيش: مؤخّره انظر «تاج العروس» (سوق) . [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (51) وانظر رواية أخرى للخبر في «تاريخ الإسلام» للذهبي (الطبقة الحادية والستون) ص (45) طبع مؤسسة الرسالة. [3] انظر «العبر» (5/ 1) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 580) و «النجوم الزاهرة» (6/ 188) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 38- 39) .

ومما أنشد له ابن القطيعي: لا غرو إن أضحت الأيّام توسعني ... فقرا وغيري بالإثراء موسوم فالحرف في كلّ حال غير منتقص ... ويدخل الاسم تصغير وترخيم وفيها عبد الرّحيم بن محمد بن أحمد بن حمّويه الأصبهاني [1] الرجل الصّالح، نزيل همذان. روى بالحضور «معجم الطبراني» عن عبد الصمد العنبري، عن ابن ريذة. وفيها أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلّاح [2] . آخر من سمع من أبي العزّ بن كادش، وسمع أيضا من ابن الحصين. توفي في ربيع الأول. وفيها نجم الدّين أبو محمد عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور ابن هبة الله النّهري الحرّاني [3] . الفقيه الحنبلي الواعظ، من أهل حرّان. رحل إلى بغداد في صباه سنة ثمان وسبعين لطلب العلم، فسمع من أبي السّعادات القزّاز وغيره. وتفقه على أبي الفتح بن المنّي، حتّى حصّل طرفا صالحا من المذهب والخلاف، ثم عاد إلى حرّان، ثم قدم بغداد مرة أخرى سنة ست وتسعين ومعه ولداه النّجيب عبد اللطيف، والعزّ عبد العزيز، فسمع، وأسمعهما الكثير، وقرأ على الشيوخ. وكتب وحصّل وناظر في مجالس الفقهاء وحلق المناظرين، ودرّس وأفاد الطلبة، واستوطن بغداد وعقد بها مجلس الوعظ بعدّة أماكن.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 1- 2) . [2] انظر «العبر» (5/ 2) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 419- 420) وزاد في نسبته: البقلي البستبان، وقال: وتفسيره النّاطور. [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 36- 38) .

ذكره ابن النجار وقال: كان مليح الكلام في الوعظ، رشيق الألفاظ، حلو العبارة، كتبنا عنه شيئا يسيرا، وكان ثقة، صدوقا، متحرّيا، حسن الطّريقة، متديّنا، متورّعا، نزها، عفيفا، عزيز النّفس، مع فقر شديد، وله مصنفات حسنة، وشعر جيد، وكلام في الوعظ بليغ. وكان حسن الأخلاق، لطيف الطبع، متواضعا. وقال سبط ابن الجوزي: كان كثير الحياء، يزور جدّي ويسمع معنا الحديث. وذكر أنه استوطن بغداد لوحشة جرت بينه وبين خطيب حرّان ابن تيمية، فإنه خشي منه أن يتقدم عليه، وكان يقصد التجانس في كلامه، وسمعته ينشد: وأشتاقكم يا أهل ودّي وبيننا ... كما زعم البين المشتّ فراسخ فأمّا الكرى عن ناظري فمشرّد ... وأما هواكم في فؤادي فراسخ وقال ابن النجّار أيضا: توفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول. وفيها شميم الحلّيّ أبو الحسن علي بن الحسن بن عنتر [1] النّحوي اللّغوي الشاعر. تأدب بابن الخشّاب، وكان ذا تيه وحمق ودعاوى كثيرة، تزري بكثرة فضائله. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان [2] : كان أديبا، فاضلا، خبيرا بالنحو واللغة وأشعار العرب، حسن الشعر، وكان اشتغاله ببغداد على ابن الخشّاب ومن في طبقته من أدباء ذلك الوقت، ثم سار إلى ديار بكر والشام، ومدح الأكابر، وأخذ جوائزهم، واستوطن الموصل، وله عدة تصانيف، وجمع من نظمه كتابا سمّاه «الحماسة» ورتّبه على عشرة أبواب، وضاهى به كتاب «الحماسة» لأبي تمّام. وكان جمّ الفضيلة، إلّا أنه كان بذيء اللّسان، كثير الوقوع في الناس،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 2) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 411- 412) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 339- 340) .

متعرّضا لثلب أعراضهم [1] لا يثبت لأحد في الفضل شيئا. وسئل لم سمي شميما؟ قال: أقمت مدة آكل كل يوم شيئا من الطّين [2] ، فإذا وضعته عند قضاء الحاجة شممته فلا أجد له رائحة، فسمّيت [3] بذلك شميما. وشميم: بضم الشين المعجمة، وفتح الميم، وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها ميم، وهو من الشمّ. انتهى ملخصا. وقال ياقوت الحموي [4] : قدمت آمد فقصدته فوجدته شيخا كبيرا نحيف الجسم، وبين يديه جمدان [5] مملوء كتبا من تصانيفه، فقال: من أين قدمت؟ قلت: من بغداد، فهشّ لي، وأقبل يسألني عنها. وقلت له: إنما جئت لأقتبس من علومك [6] شيئا، فقال: وأيّ علم تحبّ؟ قلت: الأدب، فقال: إنّ تصانيفي في الأدب كثيرة، وكلما أجمع الناس على استحسان شيء، أنشأت فكرتي من جنسه ما أدحض به المتقدم [7] . ورأيت النّاس مجمعين على خمريّات أبي نواس، فعملت كتاب «الخمريات» من نظمي، لو عاش أبو نواس لاستحيا أن يذكر شعر نفسه. ورأيتهم مجمعين على خطب ابن نباتة، فصنّفت كتاب الخطب، وليس للناس اليوم إلّا الاشتغال بخطبي. وجعل يزري على المتقدمين ويمدح نفسه، ويجهّل الأوائل، فعجبت منه، وقلت: أنشدني شيئا من شعرك، فأنشدني:

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «مسلطا على ثلب أعراضهم» . [2] سيرد التعريف بالطّين في حاشية الصفحة (11) . [3] في «آ» و «ط» : «فسمّي» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف. [4] انظر «معجم الأدباء» (13/ 50- 59) وقد نقل عنه بتصرف واختصار. [5] في «معجم الأدباء» : «جامدان» ولعله أراد بقوله: «جمدان» أي «وعاء» . انظر التعليق الذي كتبه العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر على «المعرّب» للجواليقي ص (95) . [6] في «معجم الأدباء» : «من علوم الموالي» . [7] في «ا» و «ط» : «المتقدمين» وما أثبته من «معجم الأدباء» .

امزج بمسبوك اللّجين ... ذهبا حكته دموع عيني لمّا نعى ناعي [1] الفرا ... ق ببين [2] من أهوى وبيني كانت ولم تقدر لشي ... ء قبلها إيجاب كوني فأخالها [3] التّحريم لم ... اشبّهت بدم الحسين خفقت لنا شمسان من ... لآلائها في الخافقين وبدت لنا في كأسها ... من لونها في حلّتين فاعجب هداك الله من ... كون اتّفاق الضّرّتين في ليلة جاء [4] السّرو ... ر بها يطالبنا بدين ومضى طليق الرّاح من ... قد كان مغلول اليدين هي [5] زينة الأحياء في ال ... دّنيا وزينة كلّ زين فاستحسنت ذلك، فقال: ويلك يا جاهل [6] ، ما عندك غير الاستحسان؟ قلت: فما أصنع؟ قال: اصنع هكذا، ثم قام يرقص ويصفّق إلى أن تعب ثمّ جلس، وقال: ما أصنع بهؤلاء الذين لا يفرّقون بين الدّرّ والبعر، والياقوت والحجر؟ فاعتذرت إليه. وسألته عمن تقدّم من العلماء، فلم يحسن الثّناء على أحد منهم، فسألته عن أبي العلاء المعرّي، فغضب وقال: ويلكم كم تسيئون [7] الأدب بين يديّ، من هو ذاك الكلب الأعمى حتّى يذكر بحضرتي؟ قلت: يا سيدي! أنا رجل محدّث وأحبّ أن أسألك عن شيء، فقال: هات

_ [1] في «معجم الأدباء» : «لما دعا داعي» . [2] البين: البعد. [3] في «معجم الأدباء» : «وأحالها» . [4] في «معجم الأدباء» : «بدأ» . [5] في «معجم الأدباء» : «ذي» . [6] لفظة «يا جاهل» لم ترد في «معجم الأدباء» . [7] في «معجم الأدباء» : «ويلك كم تسيء» .

مسألتك. فقلت: لم سمّيت شميما؟ فشتمني ثم ضحك وقال: بقيت مدّة من عمري لا آكل إلّا الطّين [1] . بحيث تنشفت الرّطوبة، فإذا جاءني الغائط كان مثل البندقة، فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه شمّه فإنه لا رائحة له، فكثر ذلك مني، فلقّبت بذلك. انتهى. توفي بالموصل في رجب عن سنّ عالية. وفيها أبو محمد محمد بن حمد بن حامد بن مفرّج بن غياث الأنصاري الأرتاحي المصري [2] الحنبلي. ولد سنة سبع وخمسمائة تخمينا. وسمع بمصر من أبي الحسن علي ابن نصر بن محمد بن عفير الأرتاحي العابد وغيره، وبمكّة من المبارك بن الطبّاخ، وأجاز له أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفرّاء الموصلي، وتفرّد بإجازته. قال المنذري: كتب عنه جماعة من الحفّاظ وغيرهم من أهل البلد والواردين عليها، وحدّثوا عنه، وهو أول شيخ سمعت منه الحديث، ونعته بالشيخ الأجل الصالح أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل الصالح أبي الثّناء حمد. قال: وهو من بيت القرآن والحديث والصلاح، حدّث من بيته غير واحد، وروى عنه ابن خليل في «معجمه» ونعته بالصالح وبالإمام. توفي في عشري شعبان بمصر، ودفن بسفح المقطّم.

_ [1] في «معجم الأدباء» : «الطيب» . وقال الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس في تعليقه على «وفيات الأعيان» (3/ 339) : قال آدم متز: وكان من الأطعمة المحبوبة الطّين الذي يؤكل في آخر الطعام، وأحسنه ما كان يجلب من ناحية كرّان، وهو أخضر كالسلق وأشرق منه ولا نظير له، وكذلك ورد ذكر الطّين الأبيض العادي في كلام الشعراء، وكان الأخضر يجلب بكثرة من بلاد قوهستان، وكان يجلب من نيسابور طين يسمى بالنقل يحمل إلى أداني البلاد وأقاصيها ويتحف به الملوك والسادة، وكان الرطل منه ربما يباع في مصر وبلاد المغرب بدينار ... على أن كثيرا من الفقهاء حرّموا أكل الطّين. [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 72) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 38) .

وفيها ابن الخصيب [1] أبو المفضّل محمد بن الحسن بن أبي الرّضا القرشي الدمشقي. روى عن جمال الإسلام، وعلي بن أبي عقيل الصّوري، وضعّفه ابن خليل. وفيها يوسف بن سعيد البناء الأزجي البعلي [2] الفقيه الحنبلي المحدّث. سمع كثيرا، وكتب بخطّه. توفي يوم السبت سلخ السنة، ودفن يوم الأحد مستهل السنة التي بعدها. وفيها أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل الخفّاف البغدادي [3] . سمّعه أبوه الحافظ أبو بكر الكثير من القاضي أبي بكر الأنصاري، وابن زريق القزّاز، وطائفة، وكان عامّيّا لا يكتب، توفي في ربيع الأول.

_ [1] تصحف في «آ» و «ط» و «المنتخب» (133/ آ) إلى: «الحصيب» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 54) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 442) و «العبر» (5/ 2) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 49) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 60- 61) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 417- 418) و «النجوم الزاهرة» (6/ 188) .

سنة اثنتين وستمائة

سنة اثنتين وستمائة فيها كما قال في «العبر» [1] وجد بإربل خروف وجهه وجه آدميّ. وفيها كثرت الغارات من الكلب ابن ليون صاحب سيس على بلاد حلب، يسبي ويحرق، فسار لحربه عسكر حلب فهزمهم. انتهى. وفيها وجد التّقيّ الأعمى [2] مدرّس الأمينية مشنوقا في المنارة الغربية، ابتلي بأخذ ماله من بيته فاتّهم شخصا كان يقرأ عليه ويقوده من الجامع إلى بيته ومن بيته إلى الجامع، فأنكر المتهم ذلك، وتعصب له أقوام عند والي البلد، فوقع الناس في عرض التّقيّ لكونه اتّهم من ليس من أهل التّهم، ولكونه جمع المال وهو وحيد غريب، وأنه ليس بصادق فيما ادعاه، فغلب عليه هم من ضياع ماله والوقع في عرضه، ففعل بنفسه ذلك، وامتنع الناس من الصلاة عليه، وقالوا: قتل نفسه، فتقدم الشيخ فخر الدّين بن عساكر وصلّى عليه، فاقتدى الناس به. ودرّس بعده في الأمينية الجمال المصري وكيل بيت المال. وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة بن فارس بن

_ [1] (5/ 3) وذكره الذهبي أيضا في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (91) . [2] هو عيسى بن يوسف بن أحمد الغرّافي. انظر «ذيل الروضتين» ص (54- 55) و «تاريخ الإسلام» (61/ 105- 107) وقد تحرفت نسبته في «البداية والنهاية» (13/ 44) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 185) إلى «العراقي» فتصحح.

القبّيطي [1] البغدادي المقرئ [2] . قرأ القراءات على سبط الخيّاط، والشّهرزوري. وسمع منهما [3] ، ومن أبي عبد الله السلّال وطائفة. وكان خبيرا زاهدا، بصيرا بالقراءات، حاذقا بها. توفي في ذي الحجّة. وفيها عثمان بن عيسى بن درباس القاضي العلّامة ضياء الدّين أبو عمرو الكردي الهذباني المارانيّ [4] ثم المصري. تفقه في مذهب الشافعي على أبي العبّاس الخضر بن عقيل، وابن أبي عصرون، والخضر بن شبل، وساد وبرع، وتقدم في المذهب، وشرح «المهذّب» في عشرين مجلدا إلى كتاب الشهادات، وشرح «اللّمع» في مجلدين، وناب عن أخيه صدر الدّين عبد الملك. قال ابن خلّكان: كان من أعلم الفقهاء في وقته بمذهب الشافعي، ماهرا في أصول الفقه. توفي بالقاهرة في ذي القعدة وقد قارب تسعين سنة، ودفن بالقرافة الصغرى. قاله ابن قاضي شهبة في «طبقاته» [5] . وفيها [السلطان شهاب الدّين الغوري] [6] محمد بن سام، صاحب غزنة. قتلته [7] الإسماعيلية في شعبان بعد قفوله من غزو الهند، وكان ملكا

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القسطي» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 92) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 264) و «النجوم الزاهرة» (6/ 191) . [3] في «آ» : «وروى وسمع منهما» وآثرت لفظ «ط» . [4] تحرفت نسبته في «آ» إلى «الحارثي» وفي «ط» إلى «الحاراني» والتصحيح من التكملة لوفيات النقلة» (2/ 90) و «وفيات الأعيان» (3/ 242) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 337) . [5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 75- 76) . [6] ما بين حاصرتين سقط من «ط» وتقدم في «آ» إلى ما قبل ترجمة (عثمان بن عيسى) السابقة، وهو مترجم في «العبر» (5/ 4) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 320- 322) . [7] في «آ» : «قتله» .

جليلا مجاهدا، واسع الممالك، حسن السيرة، وهو الذي حضر عنده فخر الدّين الرّازي فوعظه، وقال: يا سلطان العالم! لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرّازي يبقى، وإنّ مردّنا إلى الله، فانتحب السلطان بالبكاء. وفيها ضياء بن أبي القاسم أحمد بن علي بن الخريف البغدادي النجّار [1] . سمع الكثير من قاضي المارستان، وأبي الحسين محمد بن الفرّاء وكان أمّيّا. توفي في شوال. وفيها أبو العزّ عبد الباقي بن عثمان الهمذاني الصّوفي [2] . روى عن زاهر الشّحّامي وجماعة، وكان ذا علم وصلاح. وفيها أبو زرعة اللّفتواني- بفتح اللّام وسكون الفاء وضم الفوقية، نسبة إلى لفتوان قرية بأصبهان [3]- عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني [4] . أسمعه أبوه الكثير من الحسين الخلّال، وحضر على ابن أبي ذرّ الصالحاني، وبقي إلى هذه السنة، وانقطع خبره بعدها. وفيها طاشتكين أمير الحاج العراقي ويلقب بمجير الدّين [أبو سعيد المستنجدي] [5] . حجّ بالنّاس ستا وعشرين سنة، وكان شجاعا، سمحا، قليل الكلام، حليما، يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم. استغاث إليه رجل فلم يكلّمه، فقال له الرجل: الله كلّم موسى، فقال له: وأنت موسى؟ فقال له الرجل: وأنت الله! فقضى حاجته. وكان قد جاوز التسعين، واستأجر وقفا

_ [1] انظر «العبر» (5/ 5) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 418- 419) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (112- 113) طبع مؤسسة الرسالة. [2] انظر «العبر» (5/ 5) . [3] انظر «معجم البلدان» (5/ 20) . [4] انظر «العبر» (5/ 5) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (117) . [5] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (113) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «النجوم الزاهرة» (6/ 190) واسمه فيه: «طاشتكين بن عبد الله المقتفوي» .

مدة ثلاثمائة سنة على جانب دجلة ليعمره دارا، وكان ببغداد رجل محدّث يقال له فتيحة، فقال: يا أصحابنا نهنّيكم، مات ملك الموت، فقالوا: وكيف ذلك؟ فقال [1] : طاشتكين عمره تسعون سنة، واستأجر أرضا ثلاثمائة سنة، فلو لم يعرف أنّ ملك الموت قد مات لم يفعل ذلك، فضحك النّاس. قاله ابن شهبة في «تاريخه» .

_ [1] لفظة «فقال» سقطت من «آ» .

سنة ثلاث وستمائة

سنة ثلاث وستمائة فيها تمّت عدّة حروب بخراسان، قوي فيها خوارزم شاه، واتّسع ملكه، وافتتح بلخ وغيرها. وفيها قبض الخليفة على الرّكن [1] عبد السّلام بن الشيخ عبد القادر [2] وأحرقت كتبه، وحكم بفسقه، وهو الذي وشى على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، حتّى نكب، فلقاه الله تعالى. وفيها توفي جمال الدولة، واقف الإقباليتين، إقبال الخادم [3] بالقدس، بعد أن وقف داره بدمشق مدرستين شافعية وحنفية، ووقف عليها مواضع: الثلثان على الشافعية، والثلث على الحنفية. وفيها ايتامش [4] مملوك الخليفة الناصر، كان أقطعه الخليفة دجيل وقوفا وبها رجل نصراني من جهة الوزير ابن مهدي يؤذي المسلمين ويركب ويتجبّر على المسلمين، فسقى ايتامش سما فمات، فأمر الخليفة أن يسلّم ابن ساوة النصراني لمماليك ايتامش، فكتب الوزير إلى الخليفة يقول: إن

_ [1] في «آ» و «ط» : «الركني» وما أثبته من «ذيل الروضتين» ص (55) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (49) . [2] أقول: هو الركن عبد السلام بن عبد الوهّاب بن الشيخ عبد القادر الجيلاني كان فاسد العقيدة. انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 55) و «البداية والنهاية» (13/ 68) وستأتي ترجمته صفحة (83) من هذا الجزء (ع) . [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (59) . [4] انظر «ذيل الروضتين» ص (61) وقد ذكره في وفيات سنة (604) .

النصارى بذلوا في ابن ساوة مائة ألف دينار على أن لا يقتل، فكتب الخليفة على رأس الورقة: إنّ الأسود أسود الغاب همّتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السّلب فسلّم إلى المماليك فقتلوه وأحرقوه. وفيها داود بن محمد بن محمود بن ماشاذه، أبو إسماعيل الأصبهاني [1] [في شعبان] [2] . حضر فاطمة الجوزدانيّة، وسمع زاهر الشّحّامي، وغانم بن خالد وجماعة. وفيها سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطّاف أبو القاسم المؤدّب [3] ببغداد. روى عن قاضي المارستان، وأبي القاسم بن السّمرقندي، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها عبد الرزّاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح [الجيليّ] [4] الحافظ الثقة الحنبلي، أبو بكر. أسمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي وطبقته، ثم سمع هو بنفسه. قال الضياء: لم أر ببغداد في تيقظه وتحرّيه مثله. وقال ابن نقطة: كان حافظا ثقة مأمونا. وقال ابن النجار: كان حافظا ثقة متقنا، حسن المعرفة بالحديث، فقيها على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ورعا متدينا، كثير العبادة، منقطعا في منزله عن النّاس، لا يخرج إلّا في الجمعات، محبا للرواية، مكرما لطلاب

_ [1] انظر «العبر» (5/ 6) . [2] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» . [3] انظر «العبر» (5/ 6) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (130) . [4] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (133- 134) وما بين الحاصرتين زيادة منه.

العلم، سخيا بالفائدة، ذا مروءة، مع قلّة ذات يده، وأخلاق حسنة، وتواضع وكيس. وكان خشن العيش، صابرا على فقره، عزيز النّفس، عفيفا، على منهاج السلف. وقال أبو شامة في «تاريخه» [1] : كان زاهدا عابدا ورعا، لم يكن في أولاد الشيخ مثله، وكان مقتنعا من الدّنيا باليسير، ولم يدخل فيما دخل فيه غيره من إخوته. وقال ابن رجب [2] : ولد يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ببغداد. وسمع الكثير بإفادة والده وبنفسه، وتوفي ليلة السبت سادس شوال، وصلّي عليه بمواضع متعددة، وكان يوما مشهودا، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وقال الذهبي [3] : حدّث عنه أبو عبد الله الدّبيثي، وابن النجّار، والضياء المقدسي، والنّجيب عبد اللطيف، والتّقي اليلداني، وابنه قاضي القضاة أبو صالح، وآخرون. وفيها أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القاسم الخضر [بن] محمد بن تيميّة أبو محمد بن الشيخ فخر الدّين [4] ، وسيأتي ذكر والده. ولد المترجم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وسمع الحديث ببغداد من ابن كليب [5] ، وابن المعطوش [6] ، وابن الجوزي، وغيرهم.

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (58) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 40- 41) . [3] انظر «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (134) . [4] مترجم في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 39- 40) . [5] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «ابن كلب» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [6] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «ابن المعطوس» والتصحيح من «سير

وأقام ببغداد مدة طويلة، وقرأ الفقه على مذهب الإمام أحمد، وأتقن الخلاف، والأصول، والحساب، والهندسة، والفلسفة، والعلوم القديمة. ذكر ذلك ابن النجّار. وسمع منه الحافظ ضياء الدّين وغيره، وتوفي في سادس شوال بحرّان. وذكر والده في كتابه «الترغيب» أن لولده عبد الحليم هذا كتابا سمّاه «الذخيرة» وذكر عنه فروعا في دقائق الوصايا وعويص المسائل. وفيها أبو الفرج علي بن عمر بن فارس الحدّاد الباجسرائي [1] ثم البغدادي الأزجي الفرضي الحنبلي. تفقه على أبي حكيم النّهرواني، وقرأ الفرائض والحساب، وكان فيه فضل ومعرفة، وتقلب في الخدم الديوانية. ذكره المنذري وقال: توفي ليلة رابع شعبان ببغداد. وفيها أبو الحسن علي بن فاضل بن سعد الله بن صمدون [2] الحافظ الصّوري ثم المصري [3] . قرأ القراءات على أحمد بن جعفر الغافقي، وأكثر عن السّلفي، وسمع بمصر من الشريف الخطيب، وكان رأسا في هذا الشأن، وكتب الكثير. توفي في صفر. وفيها أبو جعفر الصّيدلاني- نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير- محمد ابن أحمد بن نصر الأصبهاني [4] سبط حسين بن مندة. أعلام النبلاء» (21/ 400) و «ذيل طبقات الحنابلة» .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ آ) إلى «الباجرائي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 109) مصدر المؤلف. [2] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ابن حمدون» فتصحح. [3] انظر «العبر» (5/ 6) و «تاريخ الإسلام» (الطبقة الحادية والستون) ص (137) و «حسن المحاضرة» (1/ 354) . [4] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 138- 139) و «العبر» (5/ 7) .

ولد في ذي الحجّة سنة تسع وخمسمائة، وحضر الكثير على الحدّاد، ومحمود الصّيرفي، وسمع من فاطمة الجوزدانية، وانتهى إليه علو الإسناد في الدّنيا، ورحلوا إليه. توفي في رجب. وفيها محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التّنوخي الدّمشقي [1] . سمع من طاهر بن سهل الإسفراييني، ومات في ربيع الأول. وممن حدّث عنه الفخر بن البخاري. وفيها مخلص الدّين [2] أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي الأصبهاني [3] . ولد سنة عشرين وخمسمائة، وأسمعه والده حضورا من فاطمة الجوزدانية، وجعفر الثّقفي، وسمع من [محمد بن علي بن] أبي ذرّ، وزاهر [الشّحّامي] ، وخلق. وكان عارفا بمذهب الشافعي، وبالنحو والحديث، قويّ المشاركة، محتشما ظريفا وافر الجاه. توفي في ربيع الآخر. وفيها صائن الدّين أبو الحرم مكّي بن ريّان بن شبّة، العلّامة الماسكيني [4]- بكسر الكاف وبالمهملة نسبة إلى ماكسين مدينة بالجزيرة [5]- ثم الموصلي الضرير المقرئ النحوي، صاحب ابن الخشّاب. قرأ القراءات على يحيى بن سعدون، وبرع في القراءات، والعربية، واللغة، وغير ذلك، ولم يكن لأهل الجزيرة في وقته مثله.

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 142- 143) . [2] ويلقب ب «فخر الدّين» أيضا. انظر حاشية «تاريخ الإسلام» . [3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 143- 144) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه، و «العبر» (5/ 7) . [4] انظر «ذيل الروضتين» ص (58- 59) و «وفيات الأعيان» (5/ 278- 280) و «تاريخ الإسلام» (61/ 145- 146) و «العبر» (5/ 8) وقد تصحفت «ريّان» فيه إلى «ربّان» فتصحح. [5] انظر «معجم البلدان» (5/ 43) .

روى عن خطيب الموصل، وسمع منه الفخر علي [1] والنّاس. توفي بالموصل وقد شاخ. وفيها الشيخ الكبير الشهير أبو الحسن علي بن عمر بن محمد، المعروف بالأهدل، وقيل: توفي سنة سبع، واقتصر عليه الجزري في «تاريخه» . كان من أعيان المشايخ أهل الكرامات والإفادات، قدم جدّه محمد من العراق على قدم التصوف، وهو شريف حسينيّ، ونشأ ابن ابنه عليّ نشوءا حسنا، وبلغ من الحال والشهرة مبلغا. قيل: ولم يكن له شيخ، وقيل: بل صحبه رجل سائح من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني. وقيل: رأى أبا بكر الصّدّيق [رضي الله عنه] وأخذ عنه مناما، وقيل: أخذ من الخضر، وكان يقول: أنا نبات الرحمن. وبه تخرّج أبو الغيث بن جميل وتهذّب، وكان يقول: خرجت من عند ابن أفلح لؤلؤا بهما، فثقبني سيدي علي الأهدل. وأما والد الشيخ، فكان سائحا، ونعاه ولده الشيخ علي إلى أصحابه يوم مات، وصلوا عليه، وتوفي الشيخ علي بأحواف السودان من سهام، ولذريته كرامات وبركات. قاله ابن الأهدل في «تاريخه» .

_ [1] هو ابن أخت الحافظ ضياء الدّين المقدسي كما جاء مبينا في «تاريخ الإسلام» .

سنة أربع وستمائة

سنة أربع وستمائة فيها سار خوارزم شاه محمد بن تكش بجيوشه وقصد الخطا، فحشدوا له والتقوه، فجرى لهم وقعات، وانهزم المسلمون، وأسر جماعة، منهم السلطان خوارزم شاه، واختبطت البلاد، وأسر معه أمير من أمرائه، فأظهر خوارزم شاه أنه مملوك لذلك الأمير، ثم قال الأمير: أريد أن أبعث رجلا بكتابي إلى أهلي ليستفكوني بما أردت. قال: ابعث غلامك بذلك، وقرر عليه مبلغا كثيرا، فبعث مملوكه- يعني خوارزم شاه- وخلّص بهذه الحيلة، ووصل، وزيّنت [1] البلاد، ثم قال الخطائي [2] لذلك الأمير: [إن] سلطانكم قد عدم. قال: أوما تعرفه؟ قال: لا. قال: هو الذي قلت لك إنه مملوكي. قال: هلّا عرّفتني حتّى كنت أخدمه وأسير به إلى مملكته فأسعد به؟ قال: خفتك عليه. قال: فسر بنا إليه، فسارا إليه. وفيها تملّك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط بعد حرب جرت بينه وبين صاحبها بليان ثم قتل بليان بعد ذلك. وفيها توفي أبو العبّاس الرّعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الإشبيلي المقرئ [3] . آخر من روى القراءات عن أبي الحسن شريح، وسمع

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «ورتبت» وهو خطأ فتصحح وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 51) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «الخطاي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» . [3] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 585) و «تاريخ الإسلام» (61/ 149) و «العبر» (5/ 9- 10) .

منه ومن أبي [بكر بن] العربي وجماعة، وكان من الأدب والزّهد بمكان. أخذ الناس عنه كثيرا، وتوفي بين العيدين عن سبع وثمانين سنة. وفيها حنبل بن عبد الله الرّصافي [1] أبو عبد الله المكبّر. راوي «المسند» بكماله عن ابن الحصين. كان دلّالا في الأملاك، وسمع «المسند» في نيّف وعشرين مجلسا بقراءة ابن الخشّاب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. توفي في رابع المحرم بعد عوده من دمشق، وما تهنّى بالذهب الذي ناله وقت سماعهم عليه. قاله في «العبر» . وفيها ستّ الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطرّاح [2] روت الكثير بدمشق عن جدّها، وتوفيت في ربيع الأول. وفيها عبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي [3] . سمّعه عمّه عبد المغيث بن عبد الله من أحمد بن يوسف ومن جماعة، وكان كثير التلاوة جدّا. توفي بحماة في سلخ المحرم. وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرّحمن بن عيسى بن أبي الحسن علي بن الحسين البزوري البابصري [4] ، الواعظ الحنبلي. ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، وهبة الله بن الشّبلي [5] وغيرهما. وقرأ الوعظ، والفقه، والحديث، على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 151- 152) . [2] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 153- 154) . [3] انظر «العبر» (5/ 10) و «تاريخ الإسلام» (61/ 158) . [4] انظر: «تاريخ الإسلام» (61/ 156- 157) و «البداية والنهاية» (13/ 50) - وقد تحرفت «البزوري» فيه إلى «المروزي» - و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 41- 43) . [5] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» المطبوع إلى «السبكي» فتصحح.

وكان خصيصا به، ثم تهاجرا، وتباينا إلى أن فرّق الموت بينهما. قال سبط ابن الجوزي: ثم حدّثته نفسه بمضاهاة جدّي وتكنى بكنيته، واجتمع إليه سفساف أهل باب البصرة، وانقطع عن جدّي، ولما جاء من واسط، ما جاء إليه، ولا زاره، وتزوّج صبيّة وهو في عشر السبعين، فاغتسل في ماء بارد فانتفخ ذكره فمات [1] . وقال ابن رجب: هو منسوب إلى بزور [2] قرية بدجيل. وقال ابن النجار: تفقّه على مذهب أحمد، ووعظ، وكان صالحا، حسن الطريقة، خشن العيش، غزير الدمعة عند الذّكر. كتبت عنه، وهو الذي جمع سيرة ابن المنّي، وطبقات أصحابه، وذكر فيها أنه لزمه، وقرأ عليه، وكلامه فيها يدل على فصاحة ومعرفة [3] بالفقه والأصول والحديث [4] . وقد ذكره الحافظ الضياء، فقال: شيخنا الإمام الواعظ أبو محمد، ولكن ابن الجوزي وأصحابه يذمونه. توفي ليلة الاثنين السادس من شعبان ودفن بباب حرب. وفيها أبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيّع [5] المقرئ الأستاذ. قرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (134/ ب) : «ومات» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ آ) : «بزورا» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» وهو الصواب وانظر «أحسن التقاسيم» ص (237) . وذكره ابن نقطة في «تكملة الإكمال» الشهير ب «الاستدراك» (1/ 401) بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد ربّ النّبيّ (باب البزوري والبزروي) وضبط نسبته ولم يذكر إلى أي شيء نسب. [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «على فصاحته ومعرفته» . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والجدل» . [5] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 584) .

الشّهرزوري، وسمع منهما ومن الأرموي. وأقرأ القراءات، وكان ديّنا صالحا، توفي في ربيع الأول. وفيها ابن السّاعاتي الشاعر المفلق بهاء الدّين علي بن محمد بن رستم [1] ، صاحب ديوان الشعر. قال ابن خلّكان: له ديوان شعر يدخل في مجلدين، أجاد فيه كلّ الإجادة، وآخر لطيف سماه «مقطّعات النّيل» نقلت منه: لله يوم في سيوط وليلة ... صرف الزّمان بأختها لا يغلط بتنا وعمر اللّيل في غلوائه ... وله بنور البدر فرع أشمط والطّلّ في سلك الغصون كلؤلؤ ... رطب يصافحه النّسيم فيسقط والطّير يقرأ والغدير صحيفة ... والرّيح يكتب والغمام ينقّط [2] وهذا تقسيم بديع. ونقلت منه أيضا: ولقد نزلت بروضة حزنيّة [3] ... رتعت نواظرنا [4] بها والأنفس وظللت أعجب حيث يحلف صاحبي ... والمسك من نفحاتها [5] يتنفّس ما الجوّ إلّا عنبر والدّوح إلّا ... جوهر والرّوض إلّا سندس سفرت شقائقها فهمّ الأقحوا ... ن بلثمها فرنا إليه النّرجس فكأنّ ذا خدّ وذا ثغر يحا ... وله وذا أبدا عيون تحرس

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 395- 397) و «العبر» (5/ 11) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 471- 472) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» : «ينقّط» وفي «وفيات الأعيان» : «تنقط» . [3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «خزية» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «نواظرها» والتصحيح من «المنتخب» و «وفيات الأعيان» . [5] في «ط» : «نفحائها» .

وله كل معنى مليح. أخبرني ولده بالقاهرة المحروسة، أن أباه توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم، وعمره إحدى وخمسون سنة وستة أشهر واثنا عشر يوما. انتهى. وفيها أبو ذرّ الخشني، مصعب بن محمد بن مسعود الجيّاني [1] النّحويّ اللّغويّ، الفقيه المالكي، ويعرف أيضا بابن أبي ركب. صاحب التصانيف، وحامل لواء العربية بالأندلس. ولي خطابة إشبيلية مدة، ثم قضاء جيّان، ثم تحوّل إلى فاس [2] ، وبعد صيته وسارت الرّكبان بتصانيفه. توفي بفاس، وله سبعون سنة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 11) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 477- 478) . [2] تحرفت في «آ» إلى «فارس» .

سنة خمس وستمائة

سنة خمس وستمائة فيها نازلت الكزج [1] مدينة أرجيش [2] فافتتحوها بالسّيف وأحرقوها. قال ابن الأهدل: والكزج بالزّاي والجيم [1] . وفيها توفي ابن القارص [3] الحسين بن أبي نصر بن الحسين [4] بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي [5] المقرئ الضرير. روى عن ابن الحصين، وعمّر دهرا، وتوفي في شعبان. وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد الكرخي الكاتب [6] . روى عن

_ [1] قلت: وهو وهم منه ومخالف لما جاء في المصادر الأخرى. قال الزّبيدي في «تاج العروس» (كرج) : الكرج، بالضم جيل من النصارى. وقال اليافعي في «مرآة الجنان» (4/ 5) : الكرج: بالراء والجيم. ويخيل إليّ بأن ابن الأهدل توهم بأن السكون التي على الراء نقطة فقيدها بالزاي دون الرجوع إلى المصادر التي تحدثت عنهم وهي كثيرة. [2] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ آ) إلى (ارحلس) والتصحيح من «العبر» (5/ 11) و «دول الإسلام» (2/ 111) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (135/ آ) و «العبر» طبع بيروت إلى «ابن الفارض» والتصحيح من «العبر» طبع الكويت و «سير أعلام النبلاء» و «تبصير المنتبه» و «النجوم الزاهرة» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حسن» والتصحيح من «المنتخب» (135/ آ) و «العبر» و «سير أعلام النبلاء» و «النجوم الزاهرة» . [5] انظر «العبر» (5/ 12) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 433- 434) و «تبصير المنتبه» (3/ 1065) - وقد تحرفت «الحريمي» فيه إلى «الجرمي» - و «النجوم الزاهرة» (6/ 196) . [6] انظر «العبر» (5/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 173) .

قاضي المارستان، وأبي منصور بن زريق. مات في ذي القعدة. وفيها صاحب الجزيرة العمرية الملك سنجرشاه بن غازي بن مودود ابن أتابك زنكي [1] . قتله ابنه غازي وحلفوا له، ثم وثب عليه من الغد خواصّ أبيه فقتلوه، وملّكوا أخاه الملك المعظم، وكان سنجر سيىء السيرة ظلوما. وفيها الجبّائي الإمام السّنّي أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج [2] . قال المنذري: ابن أبي الفضل، بدل ابن أبي الفرج، والأول أصح. قال القطيعي: سألته عن مولده فقال: سنة إحدى وعشرين وخمسمائة تقريبا، وسألته عن نسبه فقال: نحن من قرية يقال لها الجبّة [3] من ناحية بشرى من أعمال طرابلس، وكنا قوما نصارى فتوفي أبي ونحن صغار، وكان أبي من علماء النصارى، وهم يعتقدون فيه أنه يعلم الغيب، فلما مات نفذت إلى المعلّم، فقالت والدتي: ولدي الكبير للكسب وعمارة أرضنا، وولدي الصغير يضعف عن الكسب، وأشارت إليّ، ولنا أخ أوسط، فقال المعلّم: أمّا هذا الصغير- يعنيني- فما يتعلم، ولكن هذا- وأشار إلى أخي- فأخذه وعلّمه ليكون مقام أبي، فقدّر الله أن وقعت حروب، فخرجنا من قريتنا. فهاجرت من بينهم. وكان في قريتنا جماعة من المسلمين يقرؤون القرآن، وإذا سمعتهم أبكي، فلما دخلت أرض الإسلام أسلمت وعمري بضع عشرة سنة،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 154) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 153- 155) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 488) و «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 201- 202) و «العبر» (5/ 12- 13) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 44- 47) والقسم الذي نشره الدكتور إحسان عبّاس من كتاب «الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد» ضمن كتابه «شذرات من كتب مفقودة» ص (186- 187) وفيه بعض الخلاف عما في كتابنا. [3] وقال ابن نقطة أيضا: قال لي محمد بن عبد الواحد المقدسي: إنه من قرية من أعمال طرابلس الشام يقال لها «الجبّة» .

ثم بلغني إسلام أخي الكبير، وتوفي مرابطا، ثم أسلم أخي الذي كان يعلّمه المعلّم، ودخلت بغداد في سنة أربعين وخمسمائة. وقال ابن رجب: وأصابه سباء [1] فاسترق. وقال أبو الفرج ابن الحنبلي: كان مملوكا، فقرأ القرآن في حلقة الحنابلة بجامع دمشق، فحفظه وحفظ شيئا من عبادات المذهب الحنبلي، فقام قوم إلى الشيخ زين الدّين علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ، وهو على منبر الوعظ، فقالوا: هذا الصبيّ قد حفظ القرآن وهو على خير، نريد أن نشتريه ونعتقه، فاشتري من سيده وأعتق، وسافر عن دمشق، وطلب همذان، ولقي الحافظ أبا العلاء الهمذاني، فأقام عنده. وقرأ عليه القرآن، وسمع الحديث، وصار عند الحافظ مصدّرا يقرئ الناس ويأخذ عليه، واشتهر بالخير والعلم، ودخل العجم. وسمع الكثير، ورجع إلى بغداد، وسمع حديثها، ولقي مشايخها. قال: ولقيته ببغداد واستزارني إلى بيته، وقال لجماعته [2] : أنا مملوك بيت الحنبلي، ثم سافر إلى أصبهان. وقال الشيخ موفق الدّين: كان رجلا صالحا، وهو من جبّة طرابلس. سبي من طرابلس صغيرا، واشتراه ابن نجية وأعتقه، فسافر إلى بغداد ثم إلى أصبهان، وكان يسمع معنا الحديث. انتهى. سمع المترجم من ابن ناصر وأضرابه، وتفقّه على أبي حكيم النّهرواني، وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي مدة، مائلا إلى الزهد والصلاح، وانتفع به.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «سبي» . [2] في «ط» : «وقال جماعته» وهو خطأ.

قال ابن النجّار: كتب إليّ عبد الله بن أبي الحسن الجبّائي قال: كنت أسمع كتاب «حلية الأولياء» على شيخنا ابن ناصر، فرقّ قلبي، وقلت في نفسي: أشتهي [1] أن أنقطع عن الخلق وأشتغل بالعبادة، ومضيت وصلّيت خلف الشيخ عبد القادر، فلما صلى، جلسنا بين يديه، فنظر إليّ وقال: إذا أردت الانقطاع فلا تنقطع حتّى تتفقّه، وتجالس الشيوخ وتتأدّب بهم، فحينئذ يصلح لك الانقطاع، وإلّا فتمضي وتنقطع قبل أن تتفقه، وأنت فريخ ما ريّشت، فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك، وتسأل الناس عن أمر دينك؟ ما يحسن بصاحب [2] الزاوية أن يخرج من زاويته، ويسأل الناس عن أمر دينه. ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره. قال: وكان الشيخ يتكلم يوما في الإخلاص، والرّياء، والعجب، وأنا حاضر في المجلس، فخطر في نفسي: كيف الخلاص من العجب؟ فالتفت إليّ الشيخ وقال: إذا رأيت الأشياء من الله تعالى، وأنه وفقك لعمل الخير، وأخرجت [نفسك] من الشّين [3] ، سلمت من العجب. وقال ابن الحنبلي: كانت حرمة الشيخ عبد الله [الجبّائي] كبيرة ببغداد وبأصبهان، وكان إذا مشى في السوق قام له أهل السوق. وله رياضات ومجاهدات. وروى عنه ابن خليل في «معجمه» وتوفي ثالث جمادى الآخرة بأصبهان. وفيها عبد الواحد بن أبي المطهّر القاسم بن الفضل الصّيدلاني

_ [1] في «آ» و «ط» : «اشتهيت» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] في «آ» و «ط» : «ما أحسن صاحب» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (135/ ب) : «البين» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» ولفظة «نفسك» زيادة منه. والشّين ضد الزّين.

الأصبهاني [1] في جمادى الأولى، عن إحدى وتسعين سنة. سمع من جعفر الثّقفي، وفاطمة الجوزدانية، وغيرهم. وفيها أبو الحسن المعافري، خطيب القدس، علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي [2] المالكي. سمع كتاب «الأحكام» من مصنّفه عبد الحق، وسمع بالشام من يحيى الثقفي وجماعة، وكتب وحصّل، ونال رئاسة وثروة مع الدّين والخير. وفيها علي بن ربيعة بن أحمد بن محمد بن حينا الحربوي، من أهل حربا من سواد بغداد [3] . قدم بغداد في صباه، وصحب عمّه لأمّه أبا المقال سعد بن علي الخاطري، وقرأ عليه الأدب، وحفظ القرآن، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد، وسمع الحديث من أبي الوقت، وسعيد بن البنا، وأبي بكر بن الزّاغوني، وغيرهم، وشهد عند الحكّام، وتوكل للخليفة الناصر، ورفع قدره ومنزلته، ثم عزل عن الوكالة. وكان ذا طريقة حسنة [4] حميدة، وحسن سمت، واستقامة وعفّة ونزاهة، فاضلا، خيّرا، يكتب خطا حسنا على طريقة ابن مقلة. وسمع منه إسحاق العلثي، وكان يكره الرواية ويقل مخالطة الناس. ذكره ابن النجار [5] وقال: توفي يوم السبت ثامن شوال، ودفن بباب حرب، وأظنه قارب السبعين.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 13) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 435- 436) . [2] انظر «العبر» (5/ 13) و «النجوم الزاهرة» (6/ 197) . [3] وقال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 237) و «ابن نقطة» في «تكملة الإكمال» (2/ 130) والمنذري في «التكملة لوفيات النقلة» : حربا: قرية من أعمال دجيل بالعراق مما يلي الموصل. [4] لفظة «حسنة» سقطت من «ط» . [5] تنبيه: سقطت ترجمته من «ذيل تاريخ بغداد» لابن النجار الجزء الرابع من المطبوع في حيدرآباد فحقها أن تكون فيه، فقد جاء في آخر الجزء الثالث من المطبوع: آخر المجلد

وفيها أبو الجود غياث بن فارس اللّخمي [1] مقرئ الدّيار المصرية. ولد سنة ثمان وخمسمائة، وسمع من ابن رفاعة، وقرأ القراءات على الشريف الخطيب، وأقرأ النّاس دهرا، وآخر من مات من أصحابه إسماعيل المليجي، توفي في رمضان. وفيها أبو الفتح المندائي [2] محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعدّل، مسند العراق. ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وأسمعه أبوه القاضي أبو العبّاس من ابن الحصين، وأبي عبد الله البارع، وغيرهما، وتفقّه على سعيد بن الرزّاز، وتأدب على ابن الجواليقي. توفي في شعبان، وكان من خيار النّاس. وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة- محمد بن أحمد بن أبي سعد [3] الإمام أبو الخطاب، رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجدّه وجدّ جدّه. قال السبكي في «الطبقات الكبرى» : كان عالم تلك البلاد، وإمامها، ومحقّقها، وزاهدها، وعابدها. وقال عفيف الدّين المطري: هو مجتهد زمانه، وعلّامة أقرانه، لم تر العيون مثله، ولا رأى مثل نفسه. انتهى.

_ العاشر من هذه النسخة، وهو آخر المجلد العشرين من الأصل، ويتلوه في الذي يليه- إن شاء الله تعالى- «علي بن الحسين بن أبي الحمراء» وواقع الحال أن الجزء الذي تلاه بدئ بترجمة «علي بن محمد» !. [1] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 182- 184) و «العبر» (5/ 13- 14) و «غاية النهاية» (2/ 4) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الميداني» والتصحيح من «العبر» (5/ 14) و «تاريخ الإسلام» (61/ 184) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن سعد» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 43) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 79) .

قال السبكي: وهو مصنّف «الملخص» [1] وكتاب «المصباح» كلاهما في الفقه. وفيها أبو بكر بن مشّق المحدّث العالم، محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيّع [2] . عاش ثنتين وسبعين سنة. وروى عن القاضي الأرموي وطبقته، وكان صدوقا متودّدا، بلغت أثبات مسموعاته ست مجلدات.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المخلص» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] انظر «العبر» (5/ 14) و «تاريخ الإسلام» (61/ 188- 189) .

سنة ست وستمائة

سنة ست وستمائة فيها جلس سبط ابن الجوزي بجامع دمشق ووعظ وحثّ على الغزاة، وكان الناس من باب الساعات إلى مشهد زين العابدين، واجتمع عنده شعور عظيمة [1] كثيرة، وذكر حكاية أبي قدامة الشّامي مع تلك المرأة التي قطعت شعرها وبعثت به إليه وقالت: اجعله قيدا لفرسك في سبيل الله، فعمل من الشعور التي عنده مجتمعة شكلا لخيل المجاهدين، ولما صعد المنبر أمر بإحضارها، فكانت ثلاثمائة شكال، فلما رآها الناس صاحوا صيحة واحدة، وقطعوا مثلها، وكان والي دمشق حاضرا والأعيان، فلما نزل عن المنبر، قام والي دمشق ومشى مع السبط وركب وركب الناس، وخرجوا إلى باب المصلّى، وكانوا خلقا لا يحصون كثرة، وساروا إلى نابلس لقتال الفرنج، فأسروا، وهزموا، وهدموا، وقتلوا، ورجعوا سالمين غانمين. وفي سابع شوال شرعوا في عمارة المصلّى بظاهر دمشق المجاورة لمسجد النّارنج [2] برسم صلاة العيدين، وفتحت له الأبواب من كل جانب، وبني له منبر كبير عال. وفيها جدّدت أبواب الجامع [الأموي] الغربية من جهة باب البريد بالنّحاس الأصفر.

_ [1] لفظة «عظيمة» لم ترد في «ط» . [2] اسمه «مسجد الحجر» ويعرف ب «مسجد النارنج» . انظر «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (128) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 361) .

وفيها توفي إدريس بن محمد أبو القاسم العطّار، المعروف بآل والويه. روى عن محمد بن علي بن أبي ذرّ الصّالحاني، وتوفي في شعبان. قيل: إنه جاوز المائة. وفيها أسعد- ويسمّى محمد- ابن المنجّى بن بركات بن المؤمل التّنوخي المعرّيّ ثم الدمشقي [1] الحنبلي القاضي، وجيه الدّين، أبو المعالي، ويقال في أبيه أبو المنجّى، وفي جدّه أبو البركات. ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة، وسمع بدمشق من أبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل السّوسي، وببغداد من أبي الفضل الأرموي، وأبي العبّاس الماندائي [2] وغيرهم، وهو واقف الوجيهية التي برأس باب البريد، وهي مدرسة قريبة من مدرسة الخاتونية الجوانية، وبها خلاو كثيرة، ولها وقف كثير اختلس. قال المنذري: وتفقّه ببغداد على مذهب الإمام أحمد. وقال الذهبي [3] : ارتحل إلى بغداد وتفقّه بها، وبرع في المذهب، وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر الجيلي وغيره، وتفقه بدمشق على شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج [الحنبلي] ، وأخذ عنه الشيخ الموفّق بن روى عنه جماعة. وقال ناصح الدّين بن الحنبلي: كان أبو المعالي بن المنجّى يدرّس في المسمارية يوما وأنا يوما، ثم استقليت بها في حياته. وكان له اتصال بالدولة

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 176- 177) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (249) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 49- 51) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180- 181) . [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (136/ آ) : «المايداي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «المايدائي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» وعلّق محققه الدكتور بشار عواد معروف بقوله: تكتب «الماندائي» و «المندائي» . [3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 195) .

وخدمة السلاطين، وأسنّ وكبر، وكفّ بصره في آخر عمره. وله تصانيف منها كتاب «الخلاصة في الفقه» و «العمدة» و «النهاية في شرح الهداية» في بضعة عشر مجلدا. وسمع منه جماعة، منهم: الحافظ المنذري، وابن خليل، وابن البخاري، وتوفي في ثامن [1] عشري ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الطّاهر إسماعيل [بن عمر] بن نعمة بن يوسف بن شبيب الرّؤبي [2] المصري العطّار الأديب البارع ابن أبي حفص [3] . ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة تقديرا. وكان بارعا في الأدب، حنبلي المذهب، له مصنفات أدبية، وله مماليك [4] منها مائة جارية ومائة غلام، وغير ذلك، وكان بارعا في معرفة العقاقير. ذكره المنذري وقال: رأيته ولم يتفق لي السماع منه، وتوفي في عشري المحرم بمصر، ودفن إلى جنب أبيه بسفح المقطّم على جانب الخندق، وكان أبوه رجلا صالحا مقرئا، وأخوه مكّي هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني [5] . وفيها عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد بن [أمّ] هانئ الفارفانية [6] الأصبهانية.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (136/ ب) : «ثامن» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 50) : «ثاني» . [2] تحرفت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الرّومي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (61/ 197) وانظر التعليق عليه فهو مفيد نافع، وما بين الحاصرتين مستدرك منه ومن «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 48) . [4] قوله: «وله مماليك» لم يرد في «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] يعني المقدسي. [6] نسبة إلى «فارفان» من قرى أصبهان. انظر «معجم البلدان» (4/ 228) وهي مترجمة في

ولدت سنة عشر وخمسمائة، وهي آخر من روى عن عبد الواحد [الدّشتج] ، صاحب أبي نعيم، ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة، وسمعت من فاطمة «المعجمين» الكبير والصغير للطبراني. توفيت في ربيع الآخر. وفيها القاضي الأسعد أبو المكارم، أسعد بن الخطير أبي سعد مهذّب بن مينا [1] بن زكريا بن أبي قدامة بن أبي مليح ممّاتي المصري، الكاتب الشاعر. كان ناظر الدواوين بالدّيار المصرية، وفيه فضائل، وله مصنفات عديدة، ونظم سيرة السلطان صلاح الدّين، ونظم كتاب «كليلة ودمنة» . وله ديوان شعر منه: تعاتبني وتنهى عن أمور ... سبيل النّاس أن ينهوك عنها أتقدر أن تكون كمثل عيني ... وحقّك ما عليّ أضرّ منها وله في ثقيل رآه بدمشق: حكى نهرين ما في الأر ... ض من يحكيهما أبدا حكى في خلقه ثوري ... وفي ألفاظه [2] بردى

_ [ (-) ] «العبر» (5/ 17) و «تاريخ الإسلام» (61/ 199- 200) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 481- 483) . [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (136/ ب) : «ابن ميناس» وما أثبته من «وفيات الأعيان» (1/ 210) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 485) وانظر مصادر ترجمته الأخرى في حاشيته. [2] في «وفيات الأعيان» : «وفي أخلاقه» ونهر «ثوري» أحد الأنهار المتفرعة من نهر بردى الشهير بدمشق، ويجري في شمال المدينة القديمة، وتروى منه إلى الآن أراضي عدة قرى من الغوطة الشرقية.

وله في غلام نحويّ: وأهيف أحدث لي نحوه ... تعجّبا يعرب عن ظرفه علامة التأنيث في لفظه ... وأحرف العلّة في طرفه توفي يوم الأحد سلخ جمادى الأولى عن اثنتين وستين سنة، وكانت وفاته في حلب. وفيها الحسن بن أحمد بن جكّينا [1] الشاعر الأديب. قال العماد: أجمع أهل بغداد على أنّه لم يرزق أحد من الشعراء [2] لطافة شعره ومنه: لافتضاحي في عوارضه ... سبب والنّاس لوّام كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمّام وقوله: لمّا بدا خطّ العذا ... ر يزين [3] عارضه بمشق وظننت أنّ سواده ... فوق البياض كتاب عتقي [4] فإذا به من سوء حظ ... ي عهدة كتبت برقّي وفيها أبو عبد الله المرادي محمد بن سعيد المرسي [5] . أخذ

_ [1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أحمد بن حكينا» وهو خطأ، والتصحيح من المجلد السادس من كتابنا هذا ص (146) فقد سبق له أن ترجمه هناك في موضعه الصحيح، وأما إيراد ترجمته هنا أيضا فهو وهم منه تبع فيه ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (6/ 197) . [2] في «ط» : «من الشعر» وهو خطأ. [3] في «آ» و «ط» : «بريش» والتصحيح من المجلد السادس ص (147) . [4] في «آ» و «ط» : «عتق» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» (11/ 390) و «فوات الوفيات» (1/ 320) . [5] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 203) و «العبر» (5/ 21) .

القراءات عن ابن هذيل، وسمع من جماعة، وتوفي في رمضان. وفيها الإمام فخر الدّين الرّازي العلّامة أبو عبد الله، محمد بن عمر ابن حسين القرشي الطّبرستاني الأصل، الشافعي المفسّر المتكلّم، صاحب التصانيف المشهورة. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، واشتغل على والده الإمام ضياء الدّين خطيب الرّيّ، صاحب محيي السّنّة البغوي، وكان فخر الدّين ربع القامة، عبل الجسم، كبير اللّحية، جهوري الصوت، صاحب وقار وحشمة، له ثورة ومماليك وبزّة حسنة وهيئة جميلة. إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير، والفقه، والكلام، والأصول، والطّبّ، وغير ذلك. وكان فريد عصره، ومتكلّم زمانه، رزق الحظوة في تصانيفه، وانتشرت في الأقاليم. وكان له باع طويل في الوعظ، فيبكي [1] كثيرا في وعظه. سار إلى شهاب الدّين الغوري سلطان غزنة، فبالغ في إكرامه، وحصلت له منه أموال طائلة، واتصل بالسلطان علاء الدّين خوارزم شاه، فحظي لديه، وكان بينه وبين الكراميّة السيف الأحمر، فينال منهم وينالون منه، سبّا وتكفيرا، حتّى قيل: إنّهم سمّوه فمات، وخلّف تركة ضخمة، منها ثمانون ألف دينار. توفي بهراة يوم عيد الفطر. قاله جميعه في «العبر» [2] . وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «تفسير كبير» - لم يتمه [3]-، في

_ [1] في «آ» و «العبر» : «فبكى» وما أثبته من «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (137/ آ) . [2] (5/ 18- 19) وانظر «تاريخ الإسلام» (21/ 204- 215) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 500- 501) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2- 84) . [3] قلت: وأتمه فيما بعد الإمام العلّامة نجم الدّين أحمد بن محمد المخزومي القمولي، المتوفى سنة (727) . انظر «طبقات المفسرين» (1/ 86- 87) و «كشف الظنون» (2/ 1756) .

اثني عشر مجلدا كبارا، سمّاه «مفاتيح الغيب» وكتاب «المحصول» و «المنتخب» و «نهاية العقول [1] » و «تأسيس التقديس» و «العالم في أصول الدّين» و «المعالم في أصول الفقه» و «الملخص» في الفلسفة و «شرح سقط الزّند» لأبي العلاء، وكتاب «الملل والنّحل» . ومن تصانيفه على ما قيل: كتاب «السّرّ المكتوم في مخاطبة الشمس والنّجوم» على طريقة من يعتقده، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته. انتهى ملخصا. وقال ابن الصلاح: أخبرني القطب الطّوعاني مرّتين، أنه سمع فخر الدّين الرّازي يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام، وبكى. وروي عنه أنه قال: لقد اختبرت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فلم أجدها تروي غليلا، ولا تشفي عليلا، ورأيت أصحّ الطرق طريقة القرآن. أقرأ في التنزيل [2] وَالله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ 47: 38 [محمّد: 38] ، وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [الشورى: 11] ، وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [الإخلاص: 1] ، وأقرأ في الإثبات: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [طه: 5] ، يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ 16: 50 [النّحل: 50] ، وإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ 35: 10 [فاطر: 10] ، وأقرأ إن الكلّ من الله قوله: قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله 4: 78 [النّساء: 78] ، ثم قال: وأقول من صميم القلب، من داخل الرّوح: إني مقرّ بأن كلّ ما هو الأكمل الأفضل الأعظم [3] الأجلّ، فهو لك، وكلّ ما هو [4] عيب ونقص فأنت [5] منزّه عنه. انتهى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «نهاية المعقول» والتصحح من «وفيات الأعيان» (4/ 249) و «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] تحرفت في «ط» إلى «التنزيه» . [3] لفظة «الأعظم» سقطت من «آ» . [4] لفظة «هو» سقطت من «آ» . [5] لفظة «فأنت» سقطت من «آ» .

وقال ابن الأهدل: ومن شعره [1] : نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وأنشد يوما معاتبا لأهل هراة [2] : المرء ما دام حيّا يستهان به ... ويعظم الرّزء فيه حين يفتقد انتهى. وفيها العلّامة [3] مجد الدّين أبو السّعادات ابن الأثير المبارك بن محمد ابن محمد بن عبد الكريم الشّيباني الجزريّ ثم الموصلي [4] الشافعي الكاتب. مصنّف «جامع الأصول» [5] ...

_ [1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (4/ 250) و «تاريخ الإسلام» (61/ 209) و «مرآة الجنان» (4/ 10) . [2] البيت في «وفيات الأعيان» (4/ 252) و «مرآة الجنان» (4/ 11) . [3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «والعلاء» فتصحح. [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 191- 192) و «وفيات الأعيان» (4/ 141- 143) و «العبر» (5/ 19) و «تاريخ الإسلام» (61/ 216- 217) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 488- 489) و «مرآة الجنان» (4/ 11- 13) . [5] واسمه الكامل «جامع الأصول في أحاديث الرسول» وقد طبع أول مرة في مطبعة أنصار السّنّة المحمدية بمصر، وقام بتحقيقه الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي، رحمه الله، بإشراف العلّامة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الدّيار المصرية آنذاك، رحمه الله، لكنه لم يخرّج أحاديثه ولم يبيّن درجة كل حديث ذكره المؤلف من خارج «الصحيحين» من جهة الصحة والضعف. ثم قام بتحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط من جديد تحقيقا علميا، خرّج فيه الأحاديث، وبيّن درجة كل حديث من الأحاديث التي أوردها المؤلف من «السنن» و «موطأ مالك» وقامت بطبعه بدمشق مكتبة الحلواني، ومطبعة الملّاح، ومكتبة دار البيان، وذلك بين عامي (1389- 1394 هـ) وقد كتب الله عزّ وجلّ لهذه الطبعة القبول والانتشار، فأعيد طبعها مصورة عدة مرّات في بيروت.-

و «النهاية في غريب الحديث» [1] ولد سنة أربع وأربعين، وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي، وخطيب الموصل. قال ابن شهبة في «طبقاته» [2] : ولد بجزيرة ابن عمر، ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل، وسمع الحديث، وقرأ الفقه والحديث والأدب والنحو، ثم اتصل بخدمة السلطان، وترقت به المنازل، حتّى باشر كتابة السّرّ، وسأله صاحب الموصل أن يلي الوزارة، فاعتذر بعلو السنّ والسهو [3] بالعلم، ثم حصل له نقرس، أبطل حركة يديه ورجليه، وصار يحمل في محفّة. ويقوم والدي الآن بمراجعة كاملة للكتاب لتصحيح ما وقع فيه من الأخطاء المطبعية وغير المطبعية، مضيفا إليها ما وقع عليه من الملاحظات أثناء المراجعة فيه خلال العشرين سنة التي مضت على طبعه، وسوف تصدر هذه الطبعة المنقحة والمزيدة من التحقيق والضبط والتخريج قريبا إن شاء الله تعالى. وللكتاب «تتمة» لم تطبع حتى الآن أقوم بتحقيقها بالاشتراك مع الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد أديب الجادر، بإشراف والدي حفظه الله تعالى، وهي تضم فهرسا رائدا في الدلالة على الألفاظ الخفية التي يشكل أمر الوصول إليها على المحدّثين المتمرسين، بله الباحثين الجدد وسواهم من القراء، وسوف يضمه الجزء الثاني عشر، وتضم «التتمة» كذلك سيرة مختصرة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولآل بيته الكرام، ثم للعشرة المبشرين بالجنة، ثم تراجم وافية مفيدة لكل من ذكر في الكتاب من الأعلام تمتاز بالسبق والدّقة وضبط الأنساب وتقييدها بالحركات، وسوف يضم قسم التراجم الأجزاء الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وسنتبع هذه الأجزاء- إن شاء الله تعالى- بجزء يضم فهارس تفصيلية ل «التتمة» سيتولى إعداده الأستاذ عدنان عبد ربّه، فنسأل الله عزّ وجلّ العون على الانتهاء من تحقيق «التتمة» في أقرب وقت ودفعها إلى الطبع على الفور لكي يعم الانتفاع بها، إنه تعالى خير مسؤول.

_ [1] طبع في مصر طبعة متقنة بتحقيق الأستاذين طاهر أحمد الزاوي، والدكتور محمود محمد الطناحي، ثم صورت طبعته عدة مرات. [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 76- 78) . [3] في «آ» و «ط» : «بعلو السند والشهرة» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

وقال ابن خلّكان [1] كان فقيها، محدّثا، أديبا، نحويا، عالما بصنعة الحساب والإنشاء، ورعا، عاقلا، مهيبا، ذا برّ وإحسان. وذكره ابن المستوفي، والمنذري، وأثنى كل واحد منهما عليه. وذكره ابن نقطة [2] وقال: توفي آخر يوم من سنة ست وستمائة برباطه في قرية من قرى الموصل، ودفن به. وقال ابن الأهدل: له مصنفات بديعة وسيعة، منها: «جامع الأصول الستة الصحاح أمّهات الحديث» وضعه على كتاب رزين بن معاوية الأندلسي إلّا أن فيه زيادات كثيرة، ومنها: «النهاية في غريب الحديث» وكتاب «الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشّاف» في تفسير القرآن العظيم، أخذه من الثّعلبي والزّمخشري، وله كتاب «المصطفى المختار في الأدعية والأذكار» وكتاب «صنعة الكتابة» و «شرح أصول ابن الدهّان» [3] في النحو، وكتاب «شافي العي [4] في شرح مسند الشافعي» وغير ذلك، وعرض له فالج أبطل نصفه، وبقي مدة تغشاه الأكابر من العلماء، وأنشأ رباطا، ووقف أملاكه عليه. وداره التي يسكنها، وحكي أن تصنيفه كلّه في حال تعطله، لأنّه كان عنده طلبة يعينونه على ذلك، وحكى أخوه أبو الحسن [5] : جاءه طبيب وعالجه بدهن قارب أن يبرأ، فقال: أنا [6] في راحة من صحبة هؤلاء القوم وحضورهم، وقد

_ [1] تنبيه: نقل المؤلف هذا النقل عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، ولم أقف عليه في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي. [2] انظر «تكملة الإكمال» (1/ 123) بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد رب النّبي. [3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (137/ ب) : «وشرح أصول ابن الدهّان» وفي «مرآة الجنان» : «وكتاب البديع في شرح الفصول في النحو» لابن الدهان. [4] في «آ» و «ط» : «الشافعي» والتصحيح من «كشف الظنون» (2/ 1683) . [5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (137/ ب) : «أبو الحسين» وهو خطأ والصواب ما أثبتناه. [6] في «ط» : «إني» .

سكنت نفسي إلى الانقطاع [1] فدعني أعش باقي عمري سليما من الذّل، وترك. انتهى. وفيها ابن الإخوة مؤيّد الدّين أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن أحمد [بن محمد بن الإخوة البغدادي ثم الأصبهاني [2] المعدّل. سمع حضورا من أبي ذرّ، وزاهر، وسمع] [3] من أبي عبد الله الخلّال وطائفة، وروى كتبا كبارا. توفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو زكريا الأواني يحيى بن الحسين [4] . قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري، ودعوان، وسمع بواسط من أبي عبد الله الجلّابي وغيره، وتوفي في صفر. وفيها مجد الدّين يحيى بن الرّبيع العلّامة أبو علي الشّافعي [5] . ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بواسط. تفقّه أولا على أبي النّجيب السّهروردي، ورحل إلى محمد بن يحيى، فتفقّه عنده سنتين ونصف، وسمع من نصر الله بن الجلخت، وببغداد من ابن ناصر، وبنيسابور من عبد الله بن الفراوي [6] ، وولي تدريس النّظّامية، وكان إماما في القراءات، والتفسير، والمذهب، والأصلين، والخلاف، كبير القدر، وافر الحرمة. توفي في ذي القعدة.

_ [1] قوله: «إلى الانقطاع» لم يرد في «آ» . [2] انظر «العبر» (5/ 19) . [3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [4] انظر «العبر» (5/ 20) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 591) . [5] انظر «العبر» (5/ 20) و «تاريخ الإسلام» (61/ 223- 224) . [6] قلت: ضبطها محققو «تاريخ الإسلام» بفتح الفاء وهو وهم منهم، والصواب بضمها. انظر «الأنساب» (9/ 256) .

سنة سبع وستمائة

سنة سبع وستمائة فيها خرجت الفرنج من البحر من غربي دمياط، وساروا في البرّ، فأخذوا قرية نورة واستباحوها وردّوا في الحال. وفيها توفي صاحب الموصل الملك العادل نور الدّين أرسلان شاه بن عزّ الدّين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي التّركي [1] . ولي بعد أبيه ثمان عشرة سنة، وكان شهما، شجاعا، سايسا، مهيبا، مخوفا. قال أبو السعادات بن الأثير وزيره: ما قلت له في فعل خير إلّا وبادر إليه. وقال أبو شامة: كان عقد نور الدّين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على بنت من بيت المال على مهر ثلاثين ألف دينار، ثم بان أنه قد مات من أيام. وقال أبو المظفّر [سبط ابن] الجوزي [2] : كان جبّارا، سافكا للدماء، بخيلا. وقال ابن خلّكان [3] : كان شهما عارفا بالأمور، تحوّل شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه، وله مدرسة قلّ أن يوجد مثلها في الحسن. توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين من رجب في شبارة بالشطّ ظاهر الموصل.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 21) . [2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 356) وقد نقل عنه بتصرف واختصار. [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 193- 194) .

والشبارة عندهم هي الحرّاقة [1] بمصر، وكتم موته حتى دخل به دار السلطنة بالموصل، ودفن بتربته التي بمدرسته المذكورة. وخلّف ولدين، هما الملك القاهر عز الدّين مسعود، والملك المنصور عماد الدّين زنكي. وقام بالمملكة بعده ولده القاهر، وهو أستاذ الأمير بدر الدّين أبي الفضائل لؤلؤ الذي تغلب على الموصل وملكها في سنة ثلاثين وستمائة في أواخر شهر رمضان، وكان قبل نائبا بها ثم استقلّ. وفيها أبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن روح الأصبهاني [2] ، التاجر، رحلة وقته. ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع «المعجم الكبير» للطبراني بفوت و «المعجم الصغير» من فاطمة [3] ، وكان آخر من سمع منها. وسمع من زاهر [4] وسعيد بن أبي الرجاء. توفي في ذي الحجة، وآخر من سمع منه وروى عنه بالإجازة تقي الدّين ابن الواسطي. وفيها تقيّة [5] بنت محمد بن آموسان. روت عن أبي عبد الله الخلّال، وغانم بن خالد. توفيت في رجب بأصبهان.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الحرافة» والتّصحيح من «المنتخب» (137/ ب) و «وفيات الأعيان» والحرّاقة: ضرب من السّفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ في البحر. انظر «المعجم الوسيط» (حرق) . [2] انظر «العبر» (5/ 21- 22) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 491- 492) . [3] يعني الجوزدانية كما في «سير أعلام النبلاء» . [4] يعني الشّحّامي. [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بقية» والتصحيح من «العبر» (4/ 22) و «تاريخ الإسلام» (61/ 230) .

وفيها أخوها جعفر بن آموسان [1] الواعظ أبو محمد الأصبهاني. سمع من فاطمة بنت البغدادي وجماعة، وروى الكثير، وحجّ فأدركه الأجل بالمدينة النبوية في المحرم. وفيها زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني [2] . ولد سنة إحدى وعشرين، وسمع من محمد بن علي بن أبي ذرّ، وسعيد بن أبي [3] الرجاء، وزاهر بن طاهر، وطائفة، وروى حضورا عن جعفر ابن عبد الله الثقفي. توفي في ذي القعدة. وفيها عائشة بنت معمر بن الفاخر أم حبيبة الأصبهانية [4] . حضرت فاطمة الجوزدانية، وسمعت من زاهر [بن طاهر] وجماعة. قال ابن نقطة: سمعنا منها «مسند أبي يعلى» بسماعها من سعيد الصّيرفي. توفيت في ربيع الآخر. وفيها أبو أحمد بن سكينة الحافظ ضياء الدّين عبد الوهاب بن الأمين علي بن علي البغدادي [5] الصّوفي الشافعي، مسند العراق، وسكينة جدّته. ولد سنة تسع عشرة، وسمع من ابن الحصين، وزاهر الشّحّامي وطبقتهما، ولازم ابن السمعاني، وسمع الكثير من قاضي المارستان وأقرانه،

_ [1] في «تاريخ الإسلام» (61/ 231) : «جعفر بن أبي سعيد بن أبي محمد، المعروف جده بآموسان» . [2] انظر «العبر» (5/ 22) . [3] لفظة «أبي» سقطت من «آ» . [4] انظر «العبر» (5/ 22- 23) و «تاريخ الإسلام» (61/ 235) . [5] انظر «العبر» (5/ 23- 24) و «تاريخ الإسلام» (61/ 236- 239) .

وقرأ القراءات على سبط الخيّاط وجماعة ومهر فيها، وقرأ العربية على ابن الخشّاب، وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور الرّزّاز، وصحب جدّه لأمه أبا البركات إسماعيل بن أسعد، وأخذ علم الحديث عن ابن ناصر ولازمه. قال ابن النجار: هو شيخ العراق في الحديث، والزهد، والسمت، وموافقة السّنّة. كانت أوقاته محفوظة لا تمضي له ساعة إلّا في تلاوة، أو ذكر، أو تهجد، أو تسميع، وكان يديم الصيام غالبا، ويستعمل السّنّة في أموره، إلى أن قال: وما رأيت أكمل منه، ولا أكثر عبادة، ولا أحسن سمتا، صحبته وقرأت عليه القراءات، وكان ثقة نبيلا من أعلام الدّين. وقال ابن الدّبيثي: كان من الأبدال. وقال الذّهبي: آخر من له إجازته، الكمال المكبّر. توفي في تاسع ربيع الآخر. وفيها ابن طبرزد، مسند العصر، أبو حفص موفق الدّين عمر بن محمد بن معمر الدّراقزّيّ [1] المؤدّب. ولد سنة ست عشرة وخمسمائة، وسمع من ابن الحصين، وأبي غالب ابن البنّا، وطبقتهما. فأكثر. وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة، وروى الكثير، ثم قدم دمشق في آخر أيامه فازدحموا عليه، وقد أملى مجالس بجامع المنصور، وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر، وكان ظريفا، كثير المزاح. توفي في تاسع رجب ببغداد. وفيها أبو موسى الجزولي- بضم الزاي، نسبة إلى جزولة [2] بطن من

_ [1] انظر «العبر» (5/ 24) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 507- 512) . [2] قال القفطي في «إنباه الرواة» : وربما قالوا: «كزولة» بالكاف.

البربر بالمغرب- عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربريّ المراكشيّ [1] النحويّ العلّامة. حجّ وأخذ العربية عن ابن برّي بمصر، وسمع الحديث من أبي [محمد بن] عبيد الله [2] . وإليه انتهت الرئاسة في علم النحو، وولي خطابة مرّاكش مدة، وكان بارعا في الأصول، والقراءات. قال ابن خلّكان [3] : كان إماما في علم النحو، كثير الاطلاع على دقائقه وغريبه وشاذّه، وصنّف فيه المقدّمة التي سمّاها «القانون» ولقد أتى فيها بالعجائب، وهي في غاية الإيجاز مع الاشتمال على شيء كثير من النحو، ولم يسبق إلى مثلها، واعتنى بها جماعة من الفضلاء فشرحوها، ومنهم من وضع لها أمثلة، ومع هذا كله لا تفهم حقيقتها، وأكثر النّحاة يعترفون بقصور أفهامهم عن إدراك مراده منها، فإنها كلها رموز وإشارات، وبالجملة فإنه أبدع فيها. وله أمال في النحو لم تشتهر، ونسبت «الجمل» إليه لأنها من نتائج خواطره، وكان يقول: هي ليست من تصنيفي، لأنه كان متورّعا، وكان استفادها من شيخه ابن برّي، وإنما نسبت إليه لأنه انفرد بترتيبها، وانتفع به خلق كثير، وتوفي بأزمّورة [4] من عمل مراكش. ويللبخت: بفتح التحتية المثناة واللام الأولى، وسكون الثانية، وفتح الباء الموحدة، وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة فوقية، اسم بربريّ. وفيها الشيخ أبو عمر المقدسي الزّاهد محمد بن أحمد بن محمد بن

_ [1] انظر «إنباه الرواة» (2/ 378- 380) و «العبر» (5/ 24) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 497) . [2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «سير أعلام النبلاء» وقد سمع منه «صحيح البخاري» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 488- 490) . [4] في «آ» و «ط» ، «بأزمور» والتصحيح من «معجم البلدان» (1/ 169) وقال: بلد بالمغرب في جبال البربر.

قدامة بن مقدام الحنبلي [1] القدوة الزّاهد، أخو العلّامة موفق الدّين. ولد بجمّاعيل سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وهاجر [مع والده] إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة، وسمع الحديث من أبي المكارم عبد الواحد بن هلال وطائفة كثيرة، وكتب الكثير بخطّه، وحفظ القرآن، والفقه، والحديث، وكان إماما، فاضلا، مقرئا، زاهدا، عابدا، قانتا لله، خاشعا من الله، منيبا إلى الله، كثير النفع لخلق الله، ذا أوراد وتهجّد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات [2] من الصّلاة، والصّيام، والذّكر، وتعلّم العلم، والفتوّة والمروءة والخدمة والتواضع، رضي الله عنه وأرضاه. فلقد كان عديم النظير في زمانه. خطب بجامع الجبل إلى أن مات. قاله في «العبر» [3] . وقال ابن رجب في «طبقاته» [4] : هاجر به والده وبأخيه الشيخ الموفق وأهلهم إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة، فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي، فأقاموا به مدة نحو سنتين، ثم انتقلوا إلى الجبل. قال أبو عمر: فقال الناس: الصالحية، الصالحية، ينسبونا إلى مسجد أبي صالح، لا أنّا صالحون. حفظ الشيخ أبو عمر القرآن، وقرأه بحرف أبي عمرو. وسمع الحديث من والده وخلائق، وقدم مصر وسمع بها من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسن بن المأموني، وأبي محمد بن برّي النحوي. وخرّج له الحافظ عبد الغني المقدسي أربعين حديثا من رواياته، وحدّث بها. وسمع منه جماعة، منهم: الضياء، والمنذري، وروى عنه ابن خليل، وولده

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 5- 9) وعبارة «مع والده» التي بين الحاصرتين زيادة منه. [2] في «العبر» : «على الطاعة» . [3] (5/ 25) وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 247- 259) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 52- 61) .

شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن قاضي القضاة، وحفظ «مختصر الخرقي [1] » في الفقه. وتفقّه في المذهب، وكتب بخطّه كثيرا، من ذلك «الحلية» لأبي نعيم، و «تفسير البغوي» و «المغني» في الفقه لأخيه الشيخ موفق الدّين، و «الإبانة» لابن بطّة. وكتب مصاحف كثيرة لأهله، وكتب [2] «الخرقي» [3] للناس والكلّ بغير أجرة، وكان سريع الكتابة، وربما كتب في اليوم كرّاسين بالقطع الكبير. وقال الحافظ الضياء: وكان الله قد جمع له معرفة الفقه، والفرائض، والنحو، مع الزّهد، والعمل، وقضاء حوائج الناس. قال: وكان لا يكاد يسمع دعاء إلّا حفظه ودعا به [ولا يسمع ذكر صلاة إلّا صلّاها] [4] ولا يسمع حديثا إلّا عمل به، وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته، وقلّل الأكل في مرضه قبل موته، حتّى عاد كالعود، ومات وهو عاقد على أصابعه يسبّح. قال: وحدّثت عن زوجته قالت: كان يقوم الليل، فإذا جاءه النوم عنده قضيب يضرب به على رجله [5] فيذهب عنه النوم. وكان كثير الصيام سفرا وحضرا. وقال [ولده] [6] عبد الله: إنه في آخر عمره سرد الصّوم [7] ، فلامه أهله،

_ [1] جاء في هامش «المنتخب» لابن شقدة: قال ابن حجر: الخرقي: هو بخاء معجمة مكسورة، شيخ الحنابلة، منسوب إلى «خرق» قرية على بريد من مرو. «تاريخ العدوي» . [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (138/ ب) : «ويكتب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] يعني «مختصر الخرقي» . [4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «رجله» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «رجليه» . [6] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [7] أقول: أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما، ويفطر يوما. (ع) .

فقال: أغتنم أيامي، وكان لا يسمع بجنازة إلّا حضرها، ولا مريض إلّا عاده، ولا بجهاد إلّا خرج فيه، وكان يقرأ في الصلاة كل ليلة سبعا مرتّلا، ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر، وكان يقرئ [1] ويلقن إلى ارتفاع النهار، ثم يصلي الضحى طويلة، وكان يصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسبيح [ويطيلها] [2] ، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 [3] . وكان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة، وله أوراد كثيرة. وكان يزور القبور كل جمعة بعد العصر، ولا ينام إلّا على وضوء، ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه. وكان لا يترك غسل الجمعة، ولا يخرج إلى الجمعة إلّا ومعه شيء يتصدق به. وكان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم، ويتصدق كثيرا ببعض ثيابه، حتى يبقى في الشتاء بجبة بغير قميص. وكانت عمامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير، قطع منها. وكان يلبس الخشن وينام على الحصير. وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكمّه إلى رسغه. ومكث مدة لا يأكل أهل الدّير إلّا من بيته. يجمع الرجال ناحية، والنساء ناحية، وكان إذا جاء شيء إلى بيته فرّقه على الخاص والعام. وكان يقول: لا علم إلّا ما دخل مع صاحبه القبر. ويقول: إذا لم تتصدقوا لا يتصدق أحد عنكم، وإذا لم تعطوا السائل أنتم أعطاه غيركم. وكان إذا خطب ترقّ القلوب وتبكي النّاس بكاء كثيرا. وكانت له هيبة عظيمة في القلوب. واحتاج الناس إلى المطر سنة، فطلع إلى مغارة الدّم [4] ومعه

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «يقرئ» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «يقرأ» . [2] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] أقول: هذه الصلاة بهذه الكيفية لم ترد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (ع) . [4] حول مغارة الدّم راجع كتاب «حدائق الإنعام في فضائل الشام» ص (96) بتحقيق الأستاذ يوسف بديوي.

نساء من محارمه، واستسقى ودعا، فجاء المطر حينئذ، وجرت الأودية شيئا لم يره الناس من مدة طويلة [1] . وقال عبد الله بن النحاس: كان والدي يحب الشيخ أبا عمر، فقال لي يوم جمعة: أنا أصلي الجمعة خلف الشيخ، ومذهبي أن بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 من الفاتحة، ومذهبه أنها ليست من الفاتحة، فمضينا إلى المسجد، فوجدنا الشيخ، فسلّم على والدي وعانقه، وقال: يا أخي صلّ وأنت طيب القلب، فإنني ما تركت بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 في فريضة ولا نافلة مذ أممت بالناس. وله كرامات كثيرة، وقد أطال الضياء ترجمته، وكذلك سبط ابن الجوزي في «المرآة» [2] وقال: كان معتدل القامة، حسن الوجه، عليه أنوار العبادة، لا يزال متبسما، نحيل الجسم من كثرة الصيام والقيام. وكان يحمل الشّيخ من الجبل إلى بيوت الأرامل واليتامى، ويحمل إليهم في الليل الدراهم والدقيق ولا يعرفونه. ولا نهر أحدا [3] ولا أوجع قلب أحد. وكان أخوه الموفق يقول: هو شيخنا، ربّانا وأحسن إلينا، وعلّمنا وحرص علينا، وكان للجماعة كالوالد يقوم بمصالحهم، ومن غاب منهم خلفه في أهله، وهو الذي هاجر بنا وسفّرنا إلى بغداد، وبنى الدّير. ولما رجعنا من بغداد زوّجنا وبنى لنا دورا خارجة عن الدّير وكفانا هموم الدّنيا. وكان يؤثرنا ويدع أهله محتاجين، وبنى المدرسة والمصنع بعلو همته، وكان مجاب الدعوة، وما كتب لأحد ورقة للحمّى إلّا وشفاه الله تعالى. وذكر جماعة أن الشيخ قطب، [وأقام قطب الوقت] [4] قبل موته بست سنين.

_ [1] لفظة «طويلة» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 356- 361) . [3] في «مرآة الزمان» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وما نهر أحدا» وهو أجود. [4] زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 58) لا يتم المعنى بدونها.

وقال سبط ابن الجوزي: كان على مذهب السّلف الصالح، حسن العقيدة، متمسكا بالكتاب والسّنّة والآثار المروية وغيرها [1] كما جاءت من غير طعن على أئمة الدّين وعلماء المسلمين، وينهى عن صحبة المبتدعين، ويأمر بصحبة الصالحين. قال: وأنشدني لنفسه: أوصيكم في القول بالقرآن ... بقول أهل الحقّ والإيقان [2] ليس بمخلوق ولا بفان ... لكن كلام الملك الدّيّان آياته مشرقة المعاني ... متلوّة في اللفظ باللّسان محفوظة في الصّدر والجنان ... مكتوبة في الصّحف بالبنان والقول في الصّفات يا إخواني ... كالذّات والعلم مع البيان إمرارها من غير ما كفران [3] ... من غير تشبيه ولا عدوان ولما كان عشية الاثنين ثامن عشري ربيع الأول، جمع أهله واستقبل القبلة، ووصاهم بتقوى الله تعالى ومراقبته، وأمرهم بقراءة يس وكان آخر كلامه إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 2: 132 [البقرة: 132] . وتوفي- رحمه الله- وغسّل في المسجد، ومن وصل إلى الماء الذي غسّل به، نشّف [به] النساء [مقانعهن] والرجال عمائمهم [4] ، وكان يوما مشهودا، ولما خرجوا بجنازته من الدّير كان يوما شديد الحرّ، فأقبلت غمامة

_ أقول: وهذه الألقاب من قطب وغيرها، ليست ألقابا صحيحة، ولم يذكرها العلماء المتقدمون، وليس في الإسلام قطب ولا غوث ولا غيرهما. (ع) . [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (139/ آ) : «ويمرها» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والإيقاف» . [3] في «آ» «من غير كفران» وهذه الأبيات لم ترد في «مرآة الزمان» . [4] في «آ» و «ط» . «نشّف النساء والرجال به عمائهم» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 60) .

فأظلت الناس إلى قبره. وكان يسمع منها دوىّ كدويّ النّحل، ولولا [المبارز المعتمد، والشجاع بن محارب، وشبل] الدولة [الحسامي] [1] أحاطوا به بالسيوف، لما وصل من كفنه إلى قبره شيء. ولمّا دفن رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وهو يقول: «من زار أبا عمر ليلة الجمعة، فكأنّما زار الكعبة، فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه» [2] . ومات عن ثمانين سنة، ولم يخلّف قليلا ولا كثيرا. وذكر الضياء عن عبد المولى بن محمد، أنه كان يقرأ عند قبر الشيخ سورة البقرة، وكان وحده، فبلغ إلى قوله تعالى: لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ 2: 68 [البقرة: 68] ، قال: فغلطت، فردّ عليّ الشيخ من القبر. قال: فخفت وارتعدت وقمت، ثم مات القارئ بعد ذلك بأيام. قال: وقرأ بعضهم عند قبره سورة الكهف، فسمعه من القبر يقول: لا إله إلّا الله [3] ، ورؤيت له منامات كثيرة، ودفن بسفح قاسيون إلى جانب والده، رحمهما الله تعالى. وفيها محمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج [4] الوكيل عند قضاة بغداد. أجاز له ابن الحصين، وسمع من أبي غالب بن البنّا وطائفة، وروى الكثير، وكان ماهرا في الحكومات. توفي في رجب. وفيها المظفّر بن إبراهيم أبو منصور بن البرتي- بكسر الموحدة

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] أقول: لا تؤخذ الأحاديث والأحكام من المنامات. (ع) . [3] قلت: هذا وما سبقه من مبالغات محبيه المغالين في الإطراء، هو مما نهى الشرع الحنيف عنه، ولو حصل لأحد لحصل لسيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأصحابه المكرمين رضي الله عنهم أجمعين، ولكن لا يصح شيء من ذلك. [4] انظر «العبر (5/ 26) و «تاريخ الإسلام» (61/ 260) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 10- 11) .

وفوقية، نسبة إلى برت قرية بنواحي بغداد [1]- الحربي. آخر من حدّث عن أبي الحسين محمد بن الفرّاء توفي في شوال. وفيها أبو القاسم المبارك بن أنوشتكين [2] بن عبد الله النّجمي السّيدي البغدادي [3] المعدّل الأديب الحنبلي. سمع من أبي المظفّر ابن التّركي الخطيب وخلق، وشهد عند قاضي القضاة أبي القاسم بن الشّهرزوري، وكان وكيل الخليفة الناصر بباب طراد، وبقي على ذلك إلى موته. قال ابن نقطة: سمعت منه، وكان ثقة عالما فاضلا. وروى عنه ابن خليل في «معجمه» . توفي في حادي عشر صفر، ودفن بباب حرب. وفيها أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح بن عمر بن الطبّاخ الحرّاني [4] الضرير المقرئ [5] ، الفقيه الحنبلي. رحل وقرأ القرآن بواسط بالروايات على هبة الله الواسطي وغيره، وسمع بها الحديث من ابن الكتّاني، وسمع ببغداد من ابن الخشّاب، وشهدة في آخرين، وتفقّه ببغداد، ورجع إلى حرّان وحدّث بها، وسمع منه سبط ابن الجوزي وغيره، وتوفي في شوال بحرّان. وفيها صفي الدّين أبو زكريا يحيى بن المظفّر بن علي بن نعيم

_ [1] تنبيه: كذا قال المؤلف- رحمه الله تعالى-. وضبط ابن نقطة نسبته في «إكمال الإكمال» (1/ 375) بالحروف «البرني» بفتح الباء وسكون الراء بعدها نون مكسورة، ومثله المنذري في «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 57) ، وقال ابن نقطة: سمعت منه، وكان شيخا صالحا، صحيح السماع. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن أبي سكين» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ابن أبي شتكين» والتصحيح من «تكملة الإكمال» (باب السّندي والسيدي) مصورة عن مخطوطة الظاهرية. [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 51- 52) . [4] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 264) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 62) . [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «المقدسي» .

البغدادي البدري، الزاهد الحنبلي، المعروف بابن الحبير [1] . ولد في محرم سنة أربعين وخمسمائة، وسمع الحديث من ابن ناصر، وأبي الوقت، وغيرهما. وتفقّه في المذهب، وكان يسافر في التجارة إلى الشام ثم انقطع في بيته بالبدرية محلّة من محال بغداد الشرقية. وكان كثير العبادة، حسن الهيئة والسمت، كثير الصلاة والصيام والتنسك، ذا مروءة وتفقد للأصحاب وتودّد إليهم، وانتفع به جماعة من مماليك الخليفة، وبنيت له دكّة [2] في آخر عمره لقراءة الحديث عليه. وتوفي في يوم الاثنين ضحى تاسع عشري ذي الحجّة، ودفن بباب حرب. وكان له ابن [3] يقال له: أبو بكر محمد، كان فقيها فاضلا في المذهب، فانتقل إلى مذهب الشافعيّ لأجل الدّنيا، وولي القضاء وقيلت فيه الأشعار. قاله ابن رجب [4] .

_ [1] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 12) و «تاريخ الإسلام» (61/ 264) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 62- 63) . قال ابن رجب: و «الحبير» بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وبالراء المهملة. وقال ابن نقطة: أوله حاء مهملة مضمومة، تصغير حبر. [2] في «آ» و «ط» : «وثبتت له ذكر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف، وجاء في الخبر عنده أيضا: «بأمر الخليفة بجامع القصر» . قال ابن منظور في «لسان العرب» : والدّكّة، بناء يسطّح أعلاه. [3] لفظة «ابن» سقطت من «آ» . [4] قلت: وفي هذه السنة أيضا توفي الوجيه أبو الفتوح ناصر بن أبي الحسن علي بن خلف الأنصاري، المعروف بابن صورة. كان سمسار الكتب بمصر، وله في ذلك حظّ كبير، وكان يجلس في دهليز داره لذلك، ويجتمع عنده في يومي الأحد والأربعاء أعيان الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع، ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق، فلما مات السّلفيّ سار إلى الإسكندرية لبيع كتبه. مات في السادس عشر من شهر ربيع الآخر، سنة سبع وستمائة بمصر، ودفن بقرافتها، رحمه الله تعالى. انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 201) و «وفيات الأعيان» (1/ 197) .

سنة ثمان وستمائة

سنة ثمان وستمائة فيها قدم رسول جلال الدّين حسن صاحب الألموت بدخول قومه في الإسلام، وأنهم قد تبرّؤوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع، وصاموا رمضان، ففرح الخليفة بذلك. وفيها وثب قتادة الحسني [1] أمير مكّة على الركب العراقي بمنى، فنهب النّاس، وقتل جماعة، فقيل: راح للناس ما قيمته ألف ألف دينار. ولم ينتطح فيها عنزان. قاله في «العبر» [2] . وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر هدمت دورا كثيرة بالقاهرة، ومات خلق كثير تحت الهدم. قاله السيوطي [3] . وفيها توفي أبو العبّاس العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقاء [4] المقرئ. قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري، وسمع من أبي منصور القزّاز، وابن خيرون، وطائفة. وتوفي يوم التّروية، عن ثلاث وثمانين سنة.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسيني» والتصحيح من «الكامل في التاريخ» (12/ 401) و «العبر» وانظر «العقد الثمين» (6/ 39) . [2] (5/ 26- 27) . [3] انظر «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة» للسيوطي ص (115) بتحقيق الأستاذ عبد الرحمن ابن عبد الجبّار الفريوائي، طبع مكتبة الدار بالمدينة المنورة. [4] انظر «العبر» (5/ 27) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 598) .

وفيها جهاركس، ويقال جركس، الأمير الكبير فخر الدّين الصلاحي [1] . أعطاه العادل بانياس والشّقيف، فأقام هناك مدّة، وكان أحد أمراء صلاح الدّين. شهد الغزوات كلّها، وتوفي في رجب بدمشق ودفن بقاسيون في تربته التي وقف عليها [2] قرية بوادي بردى تسمّى الكفر [3] وعشرين قيراطا من جميع قرية بيت سوا، سوى أحكار بيوت بالصالحية، وعلى قبره قبة عظيمة على جادة الطريق. قال ابن خلّكان: كان كريما، نبيل القدر، عالي الهمّة، بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه. رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون: لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بنائها، وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلّقا. وجهاركس: بكسر الجيم، معناه بالعربي أربعة أنفس. وفيها ابن حمدون صاحب «التذكرة» أبو سعد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن حمدون البغدادي، كاتب الإنشاء للدولة. قاله في «العبر» [4] فكناه بأبي سعد، وجزم بوفاته في هذه السنة. وقال ابن خلّكان [5] : أبو المعالي محمد بن أبي سعد الحسن بن محمد [ابن] علي بن حمدون الكاتب، الملقب كافي الكفاة، بهاء الدين البغدادي. كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة، من بيت مشهور بالرئاسة، هو،

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 381) و «تاريخ الإسلام» (61/ 267- 268) و «العبر» (5/ 27) . [2] لفظة «عليها» سقطت من «آ» . [3] قلت: لعلها «كفر مدير» وهي في الغوطة الشرقية لدمشق. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله ص (178) . [4] (5/ 27) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 380- 382) وذكره ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» (3/ 323- 324) والصفدي في «الوافي بالوفيات» (2/ 357) .

وأبوه، وأخواه أبو نصر وأبو المظفّر. وسمع أبو المعالي من أبي القاسم إسماعيل بن الفضل الجرجاني وغيره، وصنّف كتاب «التذكرة» وهو من أحسن المجاميع، يشتمل على التاريخ، والأدب، والنوادر، والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله، وهو مشهور بأيدي النّاس، كثير الوجود، وهو من الكتب الممتعة. ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في «الخريدة» فقال: كان عارض العسكر المقتفوي [1] ثم صار صاحب ديوان الزّمان المستنجدي، وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد، وفيه فضل ونبل، وله على أهل الأدب ظل وأكفّ [2] . وألّف كتابا سمّاه «التذكرة» وجمع فيه الغثّ والسمين، والمعرفة والنكرة، فوقف الإمام المستنجد [3] على حكايات ذكرها نقلا من التواريخ، توهم في الدولة غضاضة، فأخذ من دست منصبه وحبس، ولم يزل في نصبه إلى أن رمس، وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة. وأورد له: يا خفيف الرّأس والعقل معا ... وثقيل الرّوح أيضا والبدن تدّعي أنّك مثلي طيّب ... طيّب أنت ولكن بلبن [4] انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا، فانظر التناقض بين كلامه وكلام «العبر» . وفيها أسباه مير بن محمد بن نعمان الجيلي، الفقيه الحنبلي، أبو

_ [1] في «آ» و «ط» : «المقتدي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [2] لفظة «وأكف» لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المستنجدي» والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وهو الخليفة العبّاسي المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المقتفي المتوفى سنة (566 هـ) . انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (442- 443) . [4] علق الصفديّ على ذلك بقوله: يريد أنه قرع.

عبد الله [1] . تفقّه ببغداد على الشيخ عبد القادر، ونزل عنده، ولازم الاشتغال بمدرسته إلى آخر عمره. وسمع من ابن المادح، وحدّث عنه باليسير، وعمّر. وسمع منه ابن القطيعي وجماعة. وكان أصابه صمم شديد في آخر عمره. قال ابن النجار: كان شيخا صالحا [2] مشتغلا بالعلم والخير، مع علو سنّه، وأظنه ناطح المائة. وقال ابن رجب: توفي ليلة الجمعة حادي عشري ربيع الأول، ودفن بباب حرب. وفيها الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السّروجي المعبّر [3] . سمع من نصر الله المصّيصي، وببغداد من الحسين سبط الخيّاط. توفي في شوال. وفيها عبد الرحمن الرّومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي [4] . قرأ على أبي الكرم الشّهرزوري، وروى «صحيح البخاري» بمصر والإسكندرية، عن أبي الوقت [السّجزي] . توفي في ذي القعدة وقد شاخ. وفيها ابن نوح الغافقيّ العلّامة أبو عبد الله محمد بن أيوب بن محمد ابن وهب الأندلسي البلنسي [5] . ولد سنة ثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن هذيل، وسمع من

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 223) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 63) . [2] لفظة «صالحا» سقطت من «آ» . [3] انظر «العبر» (5/ 27) و «تاريخ الإسلام» (61/ 269) . [4] انظر «العبر» (5/ 28) و «تاريخ الإسلام» (61/ 271) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [5] انظر «العبر» (5/ 28) و «تاريخ الإسلام» (61/ 276- 277) .

جماعة، وتفقّه وبرع على مذهب مالك، ولم يبق له في وقته نظير بشرق الأندلس تفنّنا واستبحارا. كان رأسا في الفقه، والقراءات، والعربية، وعقد الشروط. قال [ابن] الأبّار: تلوت عليه، وهو أغزر من لقيت علما وأبعدهم صيتا. توفي في شوال. وفيها عماد الدّين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلّامة أبو حامد [الإربلي] الشافعي [1] . تفقّه على والده، وببغداد على يوسف بن بندار وغيره، ودرّس في عدة مدارس بالموصل، واشتهر، وقصده الطلبة من البلاد. قال ابن خلّكان [2] : كان إمام وقته في المذهب، [والأصول، والخلاف، وكان له صيت عظيم في زمانه، صنّف «المحيط» جمع فيه بين «المهذّب» ] [3] و «الوسيط» وكان ذا ورع ووسواس في الطهارة، بحيث إنه يغسل يده من مس القلم، وكان كالوزير لصاحب الموصل نور الدّين، وما زال به حتى نقله إلى الشافعية، وتوجّه إلى بغداد، وتفقّه بالمدرسة النظامية على السّديد محمد، وسمع بها الحديث من الكشميهنيّ وغيره. وعاد إلى الموصل ودرّس بها في عدّة مدارس، منها النّورية، والعزّية، والزّينبية، والبقشية [4] ، والعلائية. وقال ابن شهبة [5] : كان لطيف المحاورة، دمث الأخلاق. وكان مكمّل

_ [1] انظر «العبر» (5/ 28- 29) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 253- 254) وقد نقل المؤلف كلامه عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [4] في «ط» : «والبغشية» . [5] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 85) وراجع ترجمته في «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 97- 98) .

الأدوات، لم يرزق سعادة في تصانيفه، فإنها ليست على قدر فضله. توفي في جمادى الآخرة. انتهى. وقال الذّهبي [1] : هو جدّ مصنّف «التعجيز» تاج الدّين عبد الرحيم [2] بن محمد بن محمد الموصلي. وفيها منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله بن فقيه الحرم محمد بن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القاسم [3] . ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع من جدّه وجدّ أبيه، وعبد الجبّار الخواري، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، وروى الكتب الكبار، ورحلوا إليه، وتوفي في ثامن شعبان بنيسابور. وفيها ابن سناء الملك، القاضي أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرّشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري [4] الأديب، صاحب «الديوان» المشهور، والمصنّفات الأدبية. قرأ [القرآن] [5] على الشريف الخطيب [6] ، وقرأ النحو على ابن برّي، وسمع من السّلفيّ، وكتب بديوان الإنشاء مدة، وكان بارع التّرسّل والنظم.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 29) وراجع «تاريخ الإسلام» (61/ 280- 282) . [2] تحرفت في «ط» إلى «عبد الرحمن» وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 282) . [3] انظر «العبر» (5/ 29) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 61- 66) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 480- 481) و «العبر» (5/ 29- 30) و «تاريخ الإسلام» (61/ 284- 486) . [5] سقطت لفظة «القرآن» من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (139/ ب) ومن «العبر» بطبعتيه، واستدركتها من «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» . [6] هو الإمام أبو الفتوح ناصر بن الحسن الزّيدي، مقرئ الدّيار المصرية في عصره. انظر ترجمته في «معرفة القراء الكبار» (2/ 525- 526) وقد تحرفت «الزّيدي» إلى «الزّيري» في حاشية «سير أعلام النبلاء» (1/ 480) فتصحح.

قال ابن خلّكان: كان كثير التخصص [1] والتنعّم، وافر السعادة، محظوظا من الدّين، اختصر كتاب «الحيوان» للجاحظ، وسمّى المختصر «روح الحيوان» وهي تسمية لطيفة. وله ديوان جميعه موشحات سماه «دار الطّراز [2] » . وجمع شيئا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل، وفيه كل معنى مليح. واتفق في عصره جماعة من الشعراء المجيدين، وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها. ودخل في ذلك الوقت إلى مصر شرف الدّين بن عنين، فعملوا له الدعوات، وكانوا يجتمعون على أرغد عيش، وكانوا يقولون: هذا شاعر الشام، وجرت لهم محافل سطّرت عنهم. ومن شعر ابن سناء الملك [3] . لا الغصن يحكيك ولا الجؤذر ... حسنك مما ذكروا [4] أكثر يا باسما أبدى لنا ثغره ... عقدا ولكن كلّه جوهر قال لي اللّاحي ألا تسمع [5] ... فقلت يا لاحي ألا تبصر وله يتغزل بجارية عمياء [6] : شمس بغير الشّعر لم تحجب ... وفي سوى العينين لم تكسف

_ [1] في «آ» و «ط» : «كثير التخصيص» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [2] تحرف اسمه في «آ» و «ط» إلى «درّ الطّراز» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وهو مطبوع بتحقيق الدكتور جودت الركابي وانظر «كشف الظنون» (1/ 732) . [3] انظر «ديوانه» ص (344) طبع دار الجيل ببيروت. [4] في «آ» و «ط» : «مما أكثروا» وفي «وفيات الأعيان» : «مما كثروا» والتصحيح من «ديوانه» . [5] في «آ» و «ط» : «ألا تستمع» والتصحيح من «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [6] انظر «ديوانه» ص (484- 485) .

مغمدة المرهف لكنّها ... تجرح في الجفن [1] بلا مرهف رأيت منها الخلد [2] في جؤذر ... ومقلتي يعقوب في يوسف وله في غلام ضرب ثم حبس [3] : بنفسي من لم يضربوه لريبة ... ولكن ليبدو الورد في سائر الغصن ولم يودعوه السّجن إلّا مخافة ... من العين أن تعدو على ذلك الحسن وقالوا له شاركت في الحسن يوسفا ... فشاركه أيضا في الدّخول إلى السّجن وله أيضا [4] : وما كان تركي حبّه عن ملالة ... ولكن لأمر يوجب القول بالتّرك [5] أراد شريكا في الذي كان بيننا ... وإيمان قلبي قد نهاني عن الشّرك وقال العماد الكاتب في «الخريدة» : كنت عند القاضي الفاضل في خيمته، فأطلعني على قصيدة كتبها إليه ابن سناء الملك، وكان سنّه لم يبلغ عشرين سنة، فعجبت منها، وأولها [6] : فراق قضى للهمّ والقلب بالجمع ... وهجر تولّى صلح عيني مع الدّمع وتوفي ابن سناء الملك في العشر الأول من شهر رمضان بالقاهرة، عن بضع وستين سنة.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» وفي «ديوانه» : «تقتل بالغمد» . [2] في «آ» و «ط» : «الجلد» بالجيم، وما أثبته من «ديوانه» و «وفيات الأعيان» . [3] انظر «ديوانه» ص (783- 784) . [4] انظر «ديوانه» ص (528) . [5] كذا رواية البيت في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وروايته في «ديوانه» : تركت حبيب القلب لا عن ملالة ... ولكن لذنب أوجب الأخذ بالترك [6] البيت في «وفيات الأعيان» (6/ 65) .

وفيها يونس بن يحيى الهاشمي أبو محمد البغدادي القصّار، نزيل مكّة. روى عن أبي الفضل الأرموي، وابن الطّلّاية، وطبقتهما. قاله في «العبر» [1] .

_ [1] (5/ 30) وانظر «تاريخ الإسلام» (61/ 288- 289) .

سنة تسع وستمائة

سنة تسع وستمائة فيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بين النّاصر محمد بن يعقوب ابن يوسف وبين الفرنج، ونصر الله الإسلام واستشهد بها عدد كثير، وتعرف بوقعة العقاب. وفيها توفي أبو جعفر الحصّار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الدّاني، المقرئ المالكي، نزيل بلنسية. قرأ القراءات على ابن هذيل، وسمع من جماعة، وتصدّر للإقراء، ولم يكن أحد يقارنه في الضبط والتحرير، ولكن ضعّفه الأبّار وغيره لروايته عن ناس كأنّه ما لقيهم [1] . توفي في صفر. قاله في «العبر» [2] . وفيها أبو عمر بن عات أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النّقري- بضم النون والقاف [3] وراء- نسبة إلى نقر بطن من أحمس-

_ [1] في «آ» و «ط» و «العبر» : «ما كأنه لقيهم» وما أثبته يقتضيه السياق. [2] (5/ 30) وانظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 593- 594) . [3] تنبيه: وهم محقق «العبر» طبع الكويت فضبطها بضم النون وسكون القاف، وأحال على «اللباب» ! وفي «اللباب» بضم النون والقاف كما في كتابنا، وتبعه محقق «العبر» طبع بيروت!!. أقول: والذي في «سير أعلام النبلاء» (22/ 13) : «النّفزي» وجاء في التعليق عليه: وضبطها المنذري بالحروف، قال: ونفزة، بفتح النون وسكون الفاء وفتح الزاي وبعدها تاء تأنيث. قبيلة كبيرة. (ع) .

الشّاطبي الحافظ. سمع أباه العلّامة أبا محمد، وابن هذيل. ولما حجّ [سمع] من السّلفيّ، وكان عجبا في سرد المتون ومعرفة الرجال والأدب [وكان زاهدا، سلفيا، متعفّفا، عدم في وقعة العقاب في صفر. قال ابن ناصر الدّين [1]] [2] : كان زاهدا ورعا حافظا ثقة مأمونا. انتهى. وفيها الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب [3] . تملّك خلاط خمس سنين، وكان ظلوما غشوما [4] سفّاكا لدماء الأمراء. مات في ربيع الأول. وفيها أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي اليمني الصّنعاني [5] الشافعي المحدّث. ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وتفقّه بظفار، ورحل إلى العراق وأصبهان، وسمع من أبي المطهّر الصيدلاني، ورجاء بن حامد المعداني [6] وطائفة، وكان مجموع الفضائل، كثير التعبّد والعزلة. قال ابن ناصر الدين [7] : أبو نزار الذّماري ربيعة بن الحسن بن علي الحضرمي الصّنعاني أبو نزار الحافظ الفقيه الشافعي. كان إماما حافظا فقيها ماهرا لغويا أديبا شاعرا. انتهى. توفي في جمادى الآخرة.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف. [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [3] انظر «العبر» (5/ 31) . [4] لفظة «غشوما» لم ترد في «ط» و «العبر» . [5] انظر «العبر» (5/ 31) و «تاريخ الإسلام» (61/ 294- 296) . [6] في «آ» : «العدائي» وما أثبته من «ط» و «تاريخ الإسلام» . [7] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) .

وفيها أبو شجاع زاهر بن رستم الأصبهانيّ الأصل ثم البغدادي [1] ، الفقيه الشافعي الزاهد. قرأ القراءات على سبط الخيّاط، وأبي الكرم، وسمع منهما ومن الكروخي وجماعة، وجاور، وأمّ بمقام إبراهيم إلى أن عجز وانقطع. توفي في ذي القعدة، وكان ثقة بصيرا بالقراءات. وفيها أبو الفضل بن المعزّم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمذاني [2] الفقيه. توفي في ربيع الآخر، وسمع من أبي جعفر محمد بن علي الحافظ، وعبد الصبور الهروي، وطائفة. وكان مكثرا، صحيح السماع. وفيها علي بن يحيى الحمّامي [3] . قال ابن ناصر الدّين [4] : معدود في الحفّاظ الفضلاء والمحدّثين العلماء. انتهى. وفيها أبو الحسن بن النجّار علي بن محمد بن حامد اليغنوي- بفتح الياء التحتية والنون وسكون الغين المعجمة، نسبة إلى يغنى قرية بنسف [5]- الفقيه الحنبلي. قرأ الفقه والخلاف على الفخر إسماعيل صاحب ابن المنّي، وتكلم في مسائل الخلاف فأجاد، وقرأ طرفا صالحا من الأدب، وقال الشعر وكان يكتب خطا حسنا، وسافر عن بغداد ودخل ديار بكر، وولي القضاء بآمد، وأقام بها إلى حين وفاته، وكان صهرا لعبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر

_ [1] انظر «العبر» (5/ 31- 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 296) . [2] انظر «العبر» (5/ 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 300) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 258- 259) . [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (172/ آ) . [5] انظر «معجم البلدان» (5/ 438) و «اللباب» (3/ 415) وقد تحرفت نسبته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 65) إلى «البغوي» فتصحح.

الكيلاني على ابنته، وتوفي بآمد في رمضان وقد جاوز الأربعين. قال ابن النجار: أنشدت له: لو صبّ ما ألقى على صخرة ... لذابت الصّخرة من وجدها أو ألقيت نيران قلبي على ... دجلة لم يقدر على وردها أو ذاقت النّار غرامي بكم ... لم تتوار النّار في زندها لو لم ترجّ الرّوح روح اللقا ... لكان روح الرّوح في فقدها وفيها ابن القبّيطيّ [1] أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة أخو حمزة [2] الحرّاني ثم البغدادي. روى عن الحسين، وأبي محمد، سبطي الخيّاط [3] وأبي منصور بن خيرون، وطائفة، وكان متيقظا، حسن الأخلاق. وفيها محمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي [4] . سمع من زاهر الشحّامي بأصبهان. وفيها ناصر الدّين أبو الثناء وأبو الشكر، محمود بن عثمان بن مكارم النعّال البغدادي الأزجي [5] ، الفقيه الحنبلي، الواعظ الزاهد. ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ببغداد، وقرأ القرآن، وسمع

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (140/ آ) إلى «القسطي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 249) و «تاريخ الإسلام» (61/ 310) و «العبر» (5/ 32) . [2] في «آ» و «ط» : «أبو حمزة» وهو تحريف، والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق. [3] في «التكملة لوفيات النقلة» : «سمع من أبي عبد الله الحسين، وأبي محمد عبد الله ابني علي ابن أحمد المقرئين سبطي الشيخ أبي منصور الخياط» . [4] انظر «العبر» (5/ 32) و «تاريخ الإسلام» (61/ 311 و 312) . [5] انظر «ذيل الروضتين» ص (82) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 63- 64) .

الحديث، من أبي الفتح بن البطّي [1] ، وحدّث، وحفظ «مختصر الخرقي» ، وقرأ على أبي الفتح بن المنّي، وصحب الشيخ عبد القادر مدة، وتأدّب به، وكان يطالع الفقه والتفسير، ويجلس في رباطه للوعظ، وكان رباطه مجمعا للفقراء وأهل الدّين والفقهاء الغرباء، الذين يرحلون إلى أبي الفتح بن المنّي، وكان الاشتغال في رباطه بالعلم أكثر من الاشتغال في سائر المدارس. سكنه الشيخ موفق الدّين المقدسي، والحافظ عبد الغني [وأخوه الشيخ العماد، والحافظ عبد القادر الرّهاوي، وغيرهم من أكابر الرحّالين لطلب العلم] [2] . قال أبو الفرج بن الحنبلي [3] : ولما قدمت بغداد سنة اثنتين وسبعين نزلت الرّباط، ولم يكن فيه بيت خال، فعمرت به بيتا وسكنته، وكان الشيخ محمود وأصحابه ينكرون المنكر، ويريقون الخمور، ويرتكبون الأهوال في ذلك، [حتّى إنه أنكر على جماعة من الأمراء، وبدّد خمورهم، وجرت بينه وبينهم فتن] وضرب مرات، وهو شديد في دين الله، له إقدام وجهاد. وكان كثير الذّكر، قليل الحظّ من الدنيا، وكان يسمّى شيخ الحنابلة. قال: وكان يهذّبنا ويؤدّبنا، وانتفعنا به كثيرا. وقال أبو شامة: كانت له رياضات وسياحات [4] ومجاهدات، وساح في بلاد الشام وغيرها، وكان يؤثر أصحابه، وانتفع به خلق كثير، وكان مهيبا، لطيفا، كيّسا، باشّا، مبتسما، يصوم الدّهر، ويختم القرآن كل يوم وليلة [5] ، ولا يأكل إلّا من غزل عمّته.

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «البعلي» وهو أبو الفتح محمد بن عبد الباقي البغدادي الحاجب ابن البطّي. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» (20/ 481- 484) . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [3] انظر كتاب «شذرات من كتب مفقودة» للدكتور إحسان عبّاس ص (200) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [4] لفظة «سياحات» لم ترد في «ذيل الروضتين» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] أقول: صيام الدّهر، وختم القرآن كل يوم وليلة خلاف السنة. (ع) .

توفي ليلة الأربعاء عاشر صفر عن أزيد من ثمانين سنة ودفن برباطه. وفيها أبو زكريا يحيى بن سالم بن مفلح البغدادي [1] نزيل الموصل، الحنبلي. سمع ببغداد من أبي الوقت، وتفقّه بها على صدقة بن الحسين بن الحداد، وحدّث بالموصل، وتوفي بها في شهر رمضان، ودفن بمقبرة الجامع العتيق.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 64- 65) .

سنة عشر وستمائة

سنة عشر وستمائة فيها ظهرت بلاطة وهم يحفرون خندق حلب، وقلعت فوجد تحتها سبع عشرة قطعة من ذهب وفضة على هيئة اللّبن، فوزنت، فكانت ثلاثة وستين رطلا بالحلبي، وعشرة أرطال ونصف، وأربعة وعشرين فضة، ثم وجد حلقة من ذهب وزنها رطلان ونصف، فكمّل الجميع قنطارا. وفيها كما قال أبو شامة [1] : ورد الخبر بخلاص خوارزم شاه من أسر التتار. أي وذلك أنه كان صاحب إقدام، فكان من خبره أنه نازل التتار بجيوشه، فخطر له أن يكشفهم، فتنكر ولبس زيهم هو وثلاثة، ودخلوا فيهم، فأنكرتهم التتار وقبضوا عليهم، وقرّروهم، فمات اثنان تحت الضرب ولم يقرّا، ورسموا على خوارزم شاه ورفيقه فهربا في الليل. وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي [2] الفقيه الحنبلي المعدّل، ويلقب شمس الدّين. ولد ليلة ثامن عشري جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وخمسمائة. ذكر [ابن] القادسي، أن أباه سمّاه عبد الرحمن، فرأى في منامه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يسمّيه إبراهيم ويكنيه أبا محمد، وقرأ القرآن على عمه، وسمع من

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (83) و «العبر» (5/ 33) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 69- 70) .

أبيه وعمّه، ومن أبي الفتح بن البطّي وجماعة كثيرة، واشتغل بالمذهب على أبيه وعمه، وبالخلاف على أبي الفتح بن المنّي ولازمه مدة، وشهد عند قاضي القضاة ابن الشّهرزوري، وولي نظر وقوف الجامع، ثم ولي النيابة بباب النّوبي [1] سنة أربع وستمائة، فغيّر لباسه، وتغيرت أحواله، وأساء السيرة بكثرة الأذى والمصادرة والجنايات على الناس والسعي بهم. قال ابن القادسي: حدثني عبد العزيز بن دلف، قال: كان ابن بكروس يلازم قبر معروف الكرخي، فسمعته يدعو أكثر الأوقات: اللهم مكّني من دماء المسلمين ولو يوما واحدا. قال: فمكّنه الله تعالى من ذلك. وقال ابن السّاعي [2] : حدثني عبد العزيز الناسخ، أنه وعظ ابن بكروس يوما فقال: يا شيخ! اعلم أني قد فرشت حصيرا في جهنم، فقمت متعجّبا من قوله، ولم يزل على ذلك إلى أن قبض عليه في ربيع الآخر، وضرب حتّى تلف فمات ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى. قال ابن القادسي: قرأ سورة يس فلما بلغ إلى قوله تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ 36: 53 [يس: 53] جعل يكررها إلى أن مات. انتهى. وفيها أبو الفضل تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدّمشقي المعدّل ابن عساكر [3] ، والد العزّ النسّابة. ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وسمع من نصر بن أحمد بن مقاتل، وأبي القاسم بن البنّ، وعمّيه الصائن، والحافظ، وطائفة، وسمع بمكّة

_ [1] في «آ» و «ط» : «بباب النوى» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [2] تحرفت في «ط» إلى «اللياعي» . [3] انظر «العبر» (5/ 33) و «الأعلام» (1/ 217) .

من أحمد بن المقرّب، وخرّج لنفسه «مشيخة» وكتب وجمع، وخدم في جهات كبار. توفي في رجب. وفيها أبو الفضل التّركستاني أحمد بن مسعود بن علي [1] شيخ الحنفية بالعراق وعالمهم ومدرّس مشهد أبي حنيفة الإمام. توفي في ربيع الآخر. وفيها الفخر فخر الدّين إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني الفقيه الحنبلي أبو محمد، ويعرف بابن الرّفّاء المناظر، ويعرف أيضا بغلام ابن المنّي [2] . ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، ولازم أبا فتح نصر بن المنّي مدة، وسمع من شهدة، وكانت له حلقة كبيرة للمناظرة والاشتغال بعلم الكلام والجدل، ولم يكن في دينه بذاك، وتخرّج به جماعة، وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش المقرئ. وولاه الخليفة الناصر النظر في قراه وعقاره الخاص، ثم صرفه. وقد حطّ عليه أبو شامة، ونسبه إلى الظلم في ولايته، وكذلك ابن النجّار، مع أنه قال: كان حسن العبارة، جيد الكلام في المناظرة، مقتدرا على ردّ الخصوم، وكانت الطوائف مجمعة على فضله وعلمه. قال: ورتّب ناظرا في ديوان المطبق مديدة فلم تحمد سيرته، فعزل واعتقل مدة بالديوان ثم أطلق، ولزم منزله. قال: ولم يكن في دينه بذاك. ذكر لي ولده أبو طالب عبد الله في معرض المدح، أنه قرأ المنطق والفلسفة على ابن مرقيس [3] الطبيب

_ [1] انظر «الجواهر المضية» (1/ 331- 333) بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، و «البداية والنهاية» (13/ 65) . [2] انظر «العبر» (5/ 34) و «البداية والنهاية» (13/ 65) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 66- 68) . [3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (140/ ب) وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن مرقش» .

النصراني، ولم يكن في زمانه أحد [1] أعلم منه بتلك العلوم، وأنه كان يتردد إليه إلى بيعة النصارى. قال: وسمعت من أثق به من العلماء أنه صنّف كتابا سماه «نواميس الأنبياء» يذكر فيه أنهم كانوا حكماء، كهرمس، وأرسطاطاليس. قال: وسألت بعض تلامذته الخصيصين به [عن ذلك] [2] فما أثبته ولا أنكره. وقال: كان متسمحا في دينه، متلاعبا به، ولم يزد على ذلك. قال: وكان دائما يقع في الحديث، وفي رواته، ويقول: هم جهّال لا يعرفون العلوم العقلية ولا معاني الحديث الحقيقية، بل هم مع اللفظ الظاهر، ويذمهم ويطعن عليهم. ومما أنشده ابن النجّار من شعره: دليل على حرص ابن آدم أنّه ... ترى كفّه مضمومة وقت وضعه ويبسطها وقت الممات إشارة ... إلى صفرها مما حوى بعد جمعه وتوفي- كما قال أبو شامة، وابن القادسي- في ربيع الأول. وقال ابن النجار: يوم الثلاثاء ثامن ربيع الآخر، ودفن من يومه بداره بدرب الجب، ثم نقل إلى باب حرب، سامحه الله. وفيها أيدغمش [3] السلطان شمس الدّين صاحب همذان وأصبهان والرّيّ. كان قد تمكّن وكثرت جيوشه واتّسعت ممالكه، بحيث إنّه حصر ولد

_ [1] لفظة «أحد» لم ترد في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] ما بين حاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «دول الإسلام» (2/ 115) و «تاريخ الإسلام» (61/ 322) و «العبر» (5/ 34) .

أستاذه أبا بكر بن البهلوان بأذربيجان إلى أن خرج عليه منكلي بالتركمان وحاربه، واستعان عليه بالمماليك البهلوانية، فهرب إلى بغداد، فسلطنه الخليفة وأعطاه الكوسات في العام الماضي، فلما كان في المحرم كبسته التركمان وقتلوه وحملوا رأسه إلى منكلي. وفيها الحسين بن سعيد بن شنيف [1] أبو عبد الله الأمين. سمع من هبة الله بن الطبر، وقاضي المارستان وجماعة، وتوفي في المحرم ببغداد. وفيها زينب بنت إبراهيم القيسي زوجة الخطيب ضاء الدّين الدّولعي أم الفضل [2] . سمعت من نصر الله المصّيصي، وأجاز لها أبو عبد الله الفراوي وخلق. توفيت في ربيع الأول. وفيها ابن حديدة الوزير معز الدّين أبو المعالي سعيد بن علي الأنصاري البغدادي [3] وزر للناصر في سنة أربع وثمانين وخمسمائة، فلما عزل بابن مهدي صودر، فبذل للمترسّمين ذهبا وهرب، وحلق لحيته [4] والتفّ في إزار، وبقي بأذربيجان مدة، ثم قدم بغداد ولزم بيته إلى أن مات في جمادى الأولى. وفيها عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني أبو مسعود [5] ، الصّوفي المقرئ، نزيل دمشق. روى «الصحيح» [6] عن أبي الوقت، وروى عن نصر البرمكي.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 35) . [2] انظر «العبر» (5/ 35) . [3] انظر «العبر» (5/ 35) و «تاريخ الإسلام» (61/ 326- 327) . [4] في «العبر» و «تاريخ الإسلام» : «وحلق رأسه» . [5] انظر «العبر» (5/ 35) و «تاريخ الإسلام» (61/ 329- 330) . [6] يعني «صحيح البخاري» كما في «تاريخ الإسلام» .

قال القوصي [1] : هو الإمام، شيخ القراء، بقية السّلف. توفي في جمادى الأولى. وفيها ابن هبل الطبيب العلّامة، مهذّب الدّين علي بن أحمد بن علي البغدادي [2] ، نزيل الموصل. روى عن أبي القاسم بن السّمرقندي، وكان من الأذكياء الموصوفين، له عدة تصانيف وجماعة تلامذة. وفيها عين الشّمس بنت أحمد بن أبي الفرج الفقيهة الأصبهانية [3] . سمعت حضورا في سنة أربع وعشرين من إسماعيل بن الإخشيذ، وسمعت من أبي ذرّ [الصّالحاني] ، وكانت آخر من حدّث عنهما. توفيت في ربيع الآخر. وفيها محمد بن مكّي بن أبي الرجاء بن علي بن الفضل الأصبهاني المليحي [4] المحدّث الحنبلي المؤدّب. سمع من مسعود الثقفي وخلق كثير، وعني بهذا الشأن، وقرأ الكثير بنفسه، وكتب بخطّه وخرّج وأفاد الطلبة بأصبهان، وحدّث وأجاز للحافظ المنذري، ولأبي الحسن بن البخاري، وأحمد بن شيبان. وقد رويا عنه بالإجازة. توفي في العشر الأواخر من المحرّم بأصبهان. وفيها محمد بن حمّاد بن محمد بن جوخان البغدادي الضرير الفقيه الحنبلي [5] أبو بكر. سمع الحديث من ابن البطّي، وشهدة، وحدّث بيسير، وحفظ القرآن وقرأه بتجويد وأقرأه، وتفقّه على ابن المنّي، وتكلّم في مسائل

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العوصي» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [2] انظر «العبر» (5/ 36) . [3] انظر «تاريخ الإسلام» (61/ 336) وما بين حاصرتين زيادة منه. [4] انظر «العبر» (5/ 36) و «تاريخ الإسلام» (61/ 340- 341) و «سير أعلام النبلاء» . (22/ 110- 111) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 65- 66) . [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .

الخلاف، وتوفي يوم الأربعاء سلخ رمضان ببغداد وقد ناطح السبعين، ودفن بباب حرب. وفيها أبو العشائر بن التّلولي [1] محمد بن علي بن محمد بن كرم السّلامي المعدّل. سمع من ابن البطّي وجماعة، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقرأ طرفا من العربية على ابن الخشّاب، وشهد عند قاضي القضاة العبّاسي، وكان يؤم بمسجد بالجانب الغربي من بغداد. حدّث وسمع منه قوم من الطلبة، وكان غاليا في التسنن، حتى إنه يقول أشياء لا يلزمه التلفظ بها. منها: أن بلالا خير من موسى بن جعفر ومن أبيه، وكان ذلك في وزارة القميّ الشيعي فنفاه إلى واسط، وكان ناظرها غاليا في التشيّع، فأخذه وطرحه في مطمورة إلى أن مات بها وانقطع خبره في هذه السنة، رحمه الله تعالى. وفيها صاحب المغرب السلطان الملك الناصر الملقب بأمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي [2] وأمّه أمة روميّة، وكان أشقر أشهل أسيل الخدّ [3] ، حسن القامة، طويل الصمت، كثير الإطراق، بعيد الغور، ذا شجاعة وحلم، وفيه بخل بيّن. تملّك بعد أبيه في صفر، سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ووزر له غير واحد، منهم أخوه إبراهيم، وكان أولى بالملك منه. وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فاس، وكان قد أخذها منهم ابن غانية فظفر جيشه بابن غانية عبد الله بن إسحاق بن غانية متولّي

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البلوي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (62/ 83) وجعله في وفيات سنة (611) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) . [2] انظر «العبر» (5/ 36- 38) و «تاريخ الإسلام» (61/ 341- 344) . [3] في «تاريخ الإسلام» : «أسيل الخدّين» .

فاس، فقتلوه. ثم خرج عليه عبد الرحمن بن الجزارة [1] بالسّوس، وهزم الموحدين مرّات، ثم قتل واستولى ابن عمّة [2] ابن غانية على إفريقية كلها سوى بجاية وقسنطينية [3] فسار الناصر وحاصر المهديّة أربعة أشهر، ثم تسلّمها من ابن عمّة ابن غانية، وصار من خواص أمرائه، ثم خامر إليه سير أخو ابن غانية، فأكرمه أيضا. قال عبد الواحد المراكشي في «تاريخه» : فبلغني أن جملة ما أنفقه في هذه السفرة مائة وعشرين حمل ذهب، ثم دخل الأندلس في سنة ثمان وستمائة، فحشد له الإذفنش [4] واستنفر عليه حتّى فرنج الشام وقسطنطينية الكبرى، وكانت وقعة الموضع المعروف بالعقاب، فانكسر المسلمون، وكان الذي أعان على ذلك أن البربر الموحّدين [5] لم يسلّوا سلاحا، بل جبنوا وانهزموا غيظا على تأخير أعطياتهم، وثبت السلطان ولله الحمد ثباتا كليا، ولولا ذلك لاستؤصلت تلك الجموع، ورجعت الفرنج بغنائم لا تحصى، وأخذوا بلد بيّاسة [6] عنوة، ثم مات بالسكتة في شعبان. وفيها أبو النجم هلال بن محفوظ الرّسعني الجزري [7] الفقيه

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن الحدارة» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» وفيه: «يحيى بن عبد الرحمن بن الجزارة» . [2] لفظة «ابن عمة» لم ترد في «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه وفي «تاريخ الإسلام» إلى «قسطنطينية» فتصحح. وانظر «معجم البلدان» (4/ 349) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأذقيش» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [5] في «آ» و «ط» : «الموجودين» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ببا» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» وانظر «معجم البلدان» (1/ 518) و «الروض المعطار» ص (121- 122) . وقال الحميري في «الروض المعطار» ص (121) : بيّاسة: بالأندلس، بينها وبين جيّان عشرون ميلا، وكل واحدة منهما تظهر من الأخرى. [7] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 68) .

الحنبلي. رحل إلى بغداد، وسمع بها من شهدة الكاتبة وغيرها، وتفقّه بها. وبيته بالجزيرة بيت مشيخة وصلاح. حدّث [1] برأس العين، وسمع منه جماعة، رحمه الله تعالى [2] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أحدث» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] جاء في «ط» بعد قوله: «رحمه الله تعالى» : «والله سبحانه أعلم» .

سنة إحدى عشرة وستمائة

سنة إحدى عشرة وستمائة فيها توفي جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفرّاء الحنبلي البغدادي [1] القاضي بن القاضي أبي يعلى [بن القاضي] أبي حازم بن القاضي أبي يعلى الكبير. ولد بواسط، إذ كان أبوه قاضيها [2] بعد الأربعين وخمسمائة بقليل، وسمع الكثير من أبي بكر بن الزّاغوني، وسعيد بن البنا، وأبي الوقت، وابن البطّي، وخلق كثير. وعني بالحديث، وكتب بخطّه الكثير لنفسه وللناس، وشهد عند ابن الدّامغاني. قال ابن القادسي: كان خيّرا من أهل الدّين، والصّيانة، والعفّة، والدّيانة. وحدّث، وسمع منه ابن الدّبيثي وغيره، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشري شعبان ودفن عند أبيه بباب حرب. وفيها الركن عبد السّلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الكيلاني [3] ويلقب بالرّكن، وتقدم ذكر أبيه وجدّه. ولد ليلة ثامن ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 76- 77) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «قاضيا بها» . [3] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 70- 71) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 55- 56) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 71- 73) .

الحديث من جدّه، وابن البطّي، وشهدة وغيرهم. وقرأ وكتب، وتفقّه بجدّه، ودرّس بمدرسة جدّه. وكان حنبليا، وولي عدة ولايات، وكان أديبا، كيّسا، مطبوعا عارفا بالمنطق، والفلسفة، والتنجيم، وغير ذلك من العلوم الرديّة، وبسبب ذلك نسب إلى عقيدة الأوائل، حتى قيل: إن والده رأى عليه يوما ثوبا بخاريّا فقال: والله هذا عجيب [1] !! ما زلنا نسمع البخاريّ ومسلم، فأمّا البخاريّ وكافر [2] ، فما سمعناه. وكان أبوه كثير المجون والمداعبة، كما تقدم. وكان عبد السّلام أيضا غير ضابط للسانه، ولا مشكور في طريقته وسيرته، يرمى بالفواحش والمنكرات، وقد جرت عليه محنة في أيام الوزير ابن يونس، فإنه كبس دار عبد السّلام هذا وأخرج منها كتبا من كتب الفلاسفة، ورسائل إخوان الصفا، وكتب السحر، والنارنجات [3] ، وعبادة النجوم، واستدعى ابن يونس العلماء، والفقهاء، والقضاة، والأعيان، وكان ابن الجوزي معهم، وقرئ في بعضها مخاطبة زحل يقول: أيها الكوكب المضيء المنير، أنت تدبّر الأفلاك، وتحيي وتميت، وأنت إلهنا، وفي حق المريخ من هذا الجنس، وعبد السلام حاضر، فقال ابن يونس: هذا حطّك؟ قال: نعم، قال: لم كتبته؟ قال: لأردّ [4] على قائله، ومن يعتقده، فأمر بإحراق كتبه، فجلس قاضي القضاة، والعلماء، وابن الجوزي معهم على سطح مسجد مجاور لجامع الخليفة يوم الجمعة، وأضرموا نارا عظيمة تحت المسجد، وخرج الناس من الجامع، فوقفوا على طبقاتهم والكتب على سطح المسجد، وقام أبو بكر بن المارستانية، فجعل يقرأ كتابا كتابا من مخاطبات الكواكب ونحوها، ويقول: العنوا من كتبه، ومن يعتقده [5] وعبد السلام

_ [1] في «آ» و «ط» : «هذا عجب» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] يريد أن ثوبك ثوب بخاريّ واعتقادك اعتقاد الكفّار. [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والنارنجة» . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الأرده» . [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «من كتبها ومن يعتقدها» .

حاضر، فتصيح [1] العوام باللّعن، فتعدى اللّعن إلى الشيخ عبد القادر، بل وإلى الإمام أحمد، وظهرت الأحقاد الصّدرية [2] . ثم حكم القاضي بتفسيق عبد السلام ورمى طيلسانه، وأخرجت مدرسة جدّه من يده ويد أبيه عبد الوهاب، وفوّضت إلى الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي. قال ابن القادسي- بعد ذكر ذلك-: ثم أودع عبد السلام الحبس مدة، ولما أفرج عنه أخذ خطّه بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الإسلام حقّ وما كان عليه باطل، وأطلق. ثم لما قبض على ابن يونس، ردّت مدرسة الشيخ عبد القادر إلى ولده عبد الوهاب، وردّ ما بقي من كتب عبد السلام التي أحرق بعضها، وقبض على الشيخ أبي الفرج بسعي عبد السلام هذا، ونزل عبد السلام معه في السفينة إلى واسط، واستوفى بالكلام منه والشيخ ساكت. ولما وصل إلى واسط عقد مجلس حضره القضاة والشهود، وادعى عبد السلام على الشيخ بأنه تصرّف في وقف المدرسة، واقتطع من مالها، وأنكر الشيخ ذلك، وكتب محضر بما جرى، وأمر الشيخ بالمقام بواسط، ورجع عبد السلام. وذكره ابن النجار في «تاريخه» وذمّه ذما بليغا، وذكر أنه لم يحدّث بشيء، وأنه توفي يوم الجمعة لثمان خلون من رجب، ودفن شرقي بغداد. وفيها أبو محمد بن الأخضر الحافظ المتقن، مسند العراق، عبد العزيز بن محمود بن المبارك الجنابذي- بضم الجيم وفتح النون وموحدة

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «فيصيح» . [2] في «آ» و «ط» : «البدرية» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

ثم معجمة، نسبة إلى جنابذ، ويقال كونابذ، قرية بنيسابور- الحنبلي ثم البغدادي [1] . ولد يوم الخميس ثامن عشر رجب، سنة أربع وعشرين وخمسمائة ببغداد، وأول سماعه سنة ثلاث وخمسمائة. سمع بإفادة أبيه وأستاذه ابن بكروس من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي، وأبي القاسم بن السّمرقندي، وخلق. وسمع هو بنفسه من أبي الفضل الأرموي، وابن الزّاغوني، وابن البنا، وابن ناصر الحافظ، وأبي الوقت، وطبقتهم، ومن بعدهم، وبالغ في الطلب، وقرأ بنفسه، وكتب بخطّه، وحصّل الأصول، ولازم أبا الحسن بن بكروس الفقيه، وابن ناصر، وانتفع بهما، ولم يزل يسمع ويقرأ على الشيوخ لإفادة الناس إلى آخر عمره. قال ابن النجار: صنّف مجموعات حسنة في كل فنّ، ولم يكن في أقرانه أكثر سماعا منه ولا أحسن أصولا، كأنها الشمس وضوحا وعليها أنوار الصدق. وبارك الله له في الرّواية، حتّى حدّث بجميع مسموعاته [2] ومروياته. صحبته مدة طويلة، وقرأت عليه الكثير من الكتب الكبار والأجزاء، وأكثر ما جمعه وخرّجه، وعلّقت عنه، واستفدت منه كثيرا، وكان ثقة حجة نبيلا، ما رأيت في شيوخنا سفرا و [لا] حضرا مثله، في كثرة مسموعاته ومعرفته بمشايخه، وحسن أصوله وحفظه وإتقانه. وكان أمينا، متدينا، جميل الطريقة، عفيفا، أريد على أن يشهد عند القضاة فأبى ذلك، وكان من أحسن النّاس خلقا، وألطفهم طبعا، من محاسن البغداديين وظرفائهم، ما يملّ جليسه منه.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 38) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 79- 82) . [2] لفظة «مسموعاته» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» .

وقال المنذري: حدّث نحوا من ستين سنة، وصنّف تصانيف مفيدة، وانتفع به جماعة، ولنا منه إجازة، وكان حافظ العراق في وقته. وقال ابن رجب: ومن تصانيفه «المقصد الأرشد في ذكر من [1] روى عن [الإمام] أحمد» في مجلدين، وكتاب «تنبيه اللّبيب وتلقيح فهم المريب في تحقيق أوهام الخطيب» و «تلخيص وصف الأسماء في اختصار الرسم والترتيب» أجزاء كثيرة، رأيت منه الجزء العشرين. وروى عنه ابن الجوزي، وابن الدّبيثي، وابن نقطة، وابن النجّار، والضياء المقدسي، والبرزالي، وابن خليل، وغيرهم من أكابر الحفّاظ، وتوفي ليلة السبت بين العشاءين، سادس شوال، ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها أبو محمد عبد المحسن بن يعيش بن إبراهيم بن يحيى الحرّاني [2] ، الفقيه الحنبلي. سمع بحرّان من أبي ياسر بن أبي حبّة، ورحل إلى بغداد، فسمع من ابن كليب، وابن الجوزي، وطبقتهما. وقرأ المذهب والخلاف، حتّى تميّز، وأقام ببغداد مدة، ثم عاد إلى حرّان، فأقام بها، ثم قدم بغداد حاجّا سنة عشر وستمائة، وحدّث بها، وسمع منه بعض الطلبة، ثم رجع إلى حرّان، فتوفي بها وهو شاب. وفيها علي بن المفضّل بن علي الإمام الحافظ المفتي شرف الدّين أبو الحسن اللّخمي المقدسي ثم الإسكندراني [3] الفقيه المالكي. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتفقه على أبي طالب صالح [بن إسماعيل] بن بنت معافى، وأبي طاهر بن عوف، وأكثر إلى الغاية عن

_ [1] في «آ» : «فيمن» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 82) . [3] انظر «العبر» (5/ 38- 39) و «تاريخ الإسلام» (62/ 77- 79) وما بين حاصرتين زيادة منه.

السّلفي والموجودين، ورحل سنة أربع وسبعين، فكتب عن الموجودين، وسكن في أواخر عمره بمصر، ودرّس بالصّاحبية، وصنّف التصانيف الحسان. توفي في غرة شعبان. وفيها الخطيب المالقي أبو بكر عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي، الحافظ المالكي. كان إماما من الثقات. قاله ابن ناصر الدّين [1] . وفيها أبو المظفّر مهذّب الدّين محمد بن علي بن نصر بن البلّ الدّوري [2] الواعظ الحنبلي. ولد سنة ست عشرة أو سبع عشرة وخمسمائة بالدّور- وهي دور الوزير ابن هبيرة بدجيل- ونشأ بها، ثم قدم بغداد واستوطنها، وسمع بها من ابن ناصر الحافظ، وابن الطّلّاية، والوزير ابن جهير، وابن الزّاغوني، وأبي الوقت وجماعة كثيرة، وقال الشعر، وفتح عليه في الوعظ، حتّى صار يضاهي ابن الجوزي ويزاحمه في أماكنه. ولما اعتقل ابن الجوزي بواسط خلا للدّوري الجو، فكان يعظ مكانه. قال ابن نقطة [3] : سمعت منه وكان شيخا صالحا متعبدا. وقال المنذري [4] : حدّث، وعمّر، وعجز عن الحركة، ولزم بيته إلى أن مات، وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة، وكان شيخا صالحا متعبّدا.

_ [1] في التبيان «شرح بديعة البيان» (172/ ب) وزاد هناك: «ويكنى أيضا أبا عبد الله. حدّث عن عدة، منهم أبوه، وأبو بكر بن الجد، وأبو عبد الله بن رزقون. وعنه أبو القاسم بن الطيلسان وآخرون. حافظا متقنا، من الثقات، ذا معرفة بالجرح والتعديل ووجوه القراءات» . [2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 83- 84) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 74- 76) . [3] انظر «تكملة الإكمال» (1/ 316) بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد رب النّبي. [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 308- 309) .

والبلّ: بفتح الباء الموحدة وتشديد اللام. انتهى. وقال ابن رجب: توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان. وكان له ولد اسمه محمد يكنى أبا عبد الله. كانت له معرفة جيدة بالحساب وأنواعه، والمساحة، والفرائض، وقسمة التركات. وأقرأ ذلك مدة، وسمع من ابن البطّي وغيره، وشهد عند ابن الشّهرزوري. توفي شابا في حياة أبيه يوم الاثنين رابع عشري شوال، سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وفيها أبو بكر بن الحلاوي عماد الدّين محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي [1] المأموني، المقرئ الفقيه الحنبلي الزاهد. سمع من أبي الفتح ابن الكروخي، وابن ناصر، وأبي بكر بن الزّاغوني، وغيرهم. وتفقّه على أبي الفتح بن المنّي، وبرع في المذهب، حتّى قال الذهبي: هو شيخ الحنابلة في زمنه ببغداد، وعليه تفقه الشيخ المجد جدّ شيخنا ابن تيمية. وقال ابن القادسي: كانت له اليد الباسطة في المذهب والفتيا، وكان ملازما لزاويته في المسجد، قليل المخالطة إلّا لمن عساه أن [2] يكون من أهل الدّين، ما ألم بباب أحد من أرباب الدّنيا، وما قبل لأحد هدية، وكان أحد الأبدال الذين يحفظ الله بهم الأرض ومن عليها. وقال النّاصح بن الحنبلي: كان زاهدا عالما فاضلا، مشتغلا بالكسب من الخياطة، ومشتغلا بالعلم، يقرئ القرآن احتسابا. وقال ابن رجب: له تصانيف، منها: «المنير في الأصول» وعليه تفقّه مجد الدّين بن تيمية، ويحيى بن الصّيرفي. وسمع منه هو، وابن القطيعي، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشري رمضان، ودفن بباب حرب.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 39) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 77- 79) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (200) . [2] لفظة «أن» لم ترد في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» .

وفيها أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الأصل الموصلي المولد السائح [1] المشهور، نزيل حلب. طاف البلاد، وأكثر من الزيارات. قال ابن خلّكان [2] : لم يترك برّا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلّا رآها [3] . ولما سار ذكره بذلك واشتهر به، ضرب به المثل فيه. وله مصنفات، منها: كتاب «الإشارات في [معرفة] الزيارات» وكتاب «الخطب الهروية» وغير ذلك. وتوفي في العشر الأوسط من رمضان في مدرسته. انتهى ملخصا.

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 79- 80) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 346- 347) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [3] في «وفيات الأعيان» : «إلا رآه» .

سنة اثنتي عشرة وستمائة

سنة اثنتي عشرة وستمائة فيها أخذت أنطاكية من الفرنج، أخذها كيكاووس ملك الرّوم [1] . وفيها ثارت الكرج وبدّعوا بأذربيجان، وقتلوا وسبوا، وأسروا نحو مائة ألف. وفيها توفي ابن الدّبيقيّ أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن بركة البزّاز [2] ببغداد، وله بضع وثمانون سنة. روى عن قاضي المارستان، وابن زريق القزّاز، وجماعة، وهو ضعيف، ألحق اسمه في أماكن، توفي في ربيع الآخر. وفيها سليمان بن محمد بن علي الموصلي [3] الفقيه أبو الفضل الصّوفي. ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وسمع من إسماعيل بن السّمرقندي، ويحيى بن الطّرّاح، وطائفة، وتوفي في ربيع الأول. وفيها أبو محمد بن حوط الله الحافظ عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الأندلسي [4] .

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 11) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 330) و «تاريخ الإسلام» (62/ 92- 94) و «العبر» (5/ 40) . [3] انظر «العبر» (5/ 40) و «تاريخ الإسلام» (62/ 98- 99) . [4] انظر «العبر» (5/ 40- 41) و «تاريخ الإسلام» (62/ 99- 101) .

ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الحسن بن هذيل، وابن حبيش، وخلق كثير. وكان موصوفا بالإتقان، حافظا لأسماء [1] الرجال. صنّف كتابا في تسمية شيوخ البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، ولم يتمّه. وكان إماما في العربية، والترسل، والشعر. ولي قضاء إشبيلية، وقرطبة، وأدّب أولاد المنصور صاحب المغرب بمرّاكش. توفي في ربيع الأول. وفيها عبد الله بن أبي بكر بن أحمد بن أحمد بن طليب أبو علي الحربي [2] . روى عن عبد الله بن أحمد بن يوسف. توفي في ذي الحجة. وفيها ابن منينا أبو محمد عبد العزيز بن معالي بن غنيمة البغدادي الأشناني [3] . آخر من حدّث بالعراق عن قاضي المارستان، وسمع من جماعة. توفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة. وفيها الحافظ أبو محمد عبد القادر [بن عبد الله] الرّهاوي [4] الحنبلي.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «لا سيما» . [2] انظر «العبر» (5/ 41) و «تاريخ الإسلام» (62/ 101) . [3] انظر «العبر» (5/ 41) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 33) . [4] انظر «ذيل الروضتين» ص (90- 91) و «العبر» (5/ 41- 42) و «تاريخ الإسلام» (62/ 104- 106) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 71- 75) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 82- 86) .

كان مملوكا لبعض أهل الموصل فأعتقه، وحبّب إليه فنّ الحديث، فسمع الكثير، وصنّف وجمع، وله «الأربعون المتباينة الإسناد والبلاد» وهو أمر ما سبقه إليه أحد ولا يرجوه بعده محدّث لخراب البلاد. سمع بأصبهان من مسعود الثقفي، وبهمذان من أبي العلاء الحافظ، وأبي زرعة المقدسي، وبهراة من عبد الجليل بن أبي سعد، وبمرو، ونيسابور، وسجستان، وبغداد، ودمشق، ومصر. قاله في «العبر» . وقال ابن خليل [1] : كان حافظا، ثبتا، [كثير السماع] كثير التصنيف، [متقنا] ختم به [علم] الحديث. وقال أبو شامة: كان صالحا، مهيبا، زاهدا، خشن العيش، ورعا، ناسكا. وقال ابن رجب: هو محدّث الجزيرة. ولد في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وخمسمائة بالرّها، ثم أصابه سبي [2] لما فتح زنكي الرّها سنة تسع وثلاثين، فاشتراه بنو فهم الحرّانيّون وأعتقوه. وقال الدّبيثي: كان صالحا، كثير السماع، ثقة، كتب الناس عنه كثيرا، وأجاز لنا مرارا. وقال ابن النجار: كان حافظا، متقنا، فاضلا، عالما، ورعا، متدينا، زاهدا، عابدا، صدوقا، ثقة، نبيلا، على طريقة السّلف الصالح. لقيته بحرّان وكتبت عنه جزءا واحدا، انتخبته من عوالي مسموعاته في رحلتي الأولى. وقال ابن رجب: سمع منه خلق كثير من الحفّاظ والأئمة، منهم: أبو

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 105) وما بين الحاصرتين في الخبر زيادة منه. [2] في «آ» و «ط» : «سباء» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .

عمرو بن الصّلاح، وحدّث عنه ابن نقطة، وأبو عبد الله البرزالي، والضياء، وابن خليل، وابن عبد الدائم، وأبو عبد الله بن حمدان الفقيه، وهو خاتمة أصحابه. توفي- رحمه الله- يوم السبت ثاني جمادى الأولى بحرّان. وفيها أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن الحسين بن سليمان الباجسرائي [1] ثم البغدادي. الفقيه الحنبلي. ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة بباجسرا. وقدم بغداد في صباه، فسمع من شهدة وغيرها، وقرأ الفقه على أبي الفتح بن المنّي، ولازمه حتى برع، وقرأ الأصول، والخلاف، والجدل، على محمد [بن علي] النّوقاني [2] الشافعي، وصحب ابن الصقّال، وصار معيدا لمدرسته، ثم درّس بمسجد شيخه ابن المنّي بالمأمونية مدة، وكان يؤم بمسجد الآجرة. وشهد عند قاضي القضاة ابن الشهرزوري. وكان فقيها فاضلا، حافظا للمذهب، حسن الكلام في مسائل الخلاف، متدينا، حسن الطريقة. ذكر ذلك ابن النجار، وقال: سمع معنا أخيرا من مشايخنا فأكثر، وكان حسن الأخلاق، متوددا. روى عنه أبو عبد الله ابن الدّبيثي، وابن السّاعي بالإجازة، وقال: أنشدني هذين البيتين: إذا أفادك إنسان بفائدة ... من العلوم فأدمن شكره أبدا وقل فلان جزاه الله صالحة ... أفادنيها وألق الكبر والحسدا

_ [1] في «آ» و «ط» : «الباجسري» وما أثبته من «تاريخ الإسلام» (62/ 107) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 86) وانظر «الأنساب» (2/ 17) . [2] في «آ» : «البرقاني» وفي «ط» : «التوقاني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «البوقاني» وجميعه خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (21/ 248) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 29) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 499) وما بين الحاصرتين زيادة من المصادر المذكورة.

توفي- رحمه الله- يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى، ودفن بباب حرب. وفيها أبو الفتح عبد الوهاب بن بزغش- بالباء الموحدة المضمومة، وبالزاي والغين والشين المعجمات- العيبيّ بكسر العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وكسر الموحدة، نسب لذلك لأن أباه كان يحمل العيب التي فيها كتب الرسائل [1]- المقرئ البغدادي الحنبلي، ختن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي. ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة تقديرا. وقرأ القرآن [2] بالروايات الكثيرة على سعد الله بن الدّجاجي وغيره، وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت وخلق كثير، وعني بالحديث، وحصّل الأصول، وتفقّه في المذهب. قال ابن النجار: كان حسن المعرفة بالقراءات، حسن الأداء، طيّب النّغمة، ضابطا، له معرفة بالوعظ، يحسن الكلام في مسائل الخلاف. كتبنا عنه، وكان صدوقا، حسن الطريقة، متدينا، فقيرا، صبورا، وزمن في آخر عمره وانقطع في بيته مدة. وقال ابن نقطة: [هو] ثقة لكنه أخرج أحاديث مما قرب سنده، ولا يعرف الرّجال، فربما سقط من الإسناد رجلان أو أكثر، وهو لا يدري. وقال [ابن] القادسي: حدّث، وسمع منه جماعة. وتوفي ليلة الخميس خامس ذي القعدة، وصلّى عليه من الغد محيي الدّين بن الجوزي ودفن بباب حرب.

_ [1] قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (62/ 108) : المعروف ب «قطينة» . وقال ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 88) : كان يلقب قطينة لبياضه. [2] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» وفي «آ» : «وقرأ القراءات» .

وفيها أبو الحسن بن الصبّاغ القدوة العارف علي بن حميد الصعيدي [1] . صحب الشيخ عبد الرحيم القناوي [2] وتخرّج به، وكان والده صباغا، وكان يعيب عليه عدم معاونته له وانقطاعه إلى أهل التصوف، فأخذ يوما الثياب التي عند والده جميعها، وطرحها في زير واحد، فصاح عليه والده، وقال: أتلفت ثياب الناس! وأخرجها، فإذا كل ثوب على اللون الذي أراد صاحبه، فحينئذ اشتهر أمره وصحبه خلائق. قال ابن الأهدل: وكان لا يصحب إلّا من رآه مكتوبا في اللّوح المحفوظ من أصحابه [3] . وسأله إنسان الصحبة والخدمة له، فقال له: ما بقي عندنا وظيفة نحتاجك لها إلا أن تجيء كل يوم بحزمة من الحلفاء، فقال: نعم، فكان يأخذ المحش فيأتي كل يوم بحزمة، ثم ملّ وترك، فرأى القيامة قامت وأشرف على الوقوع في النار، وإذا حزمة الحلفاء تحته مارة به على النّار وهو فوقها حتى أخرجته، فجاء إلى الشيخ، فلما رآه قال: ما قلنا لك ما عندنا خدمة تصلح سوى الحلفاء، فاستغفر وعاد إلى الخدمة. وله مناقب كثيرة. انتهى. وقال في «العبر» [4] : انتفع به خلق كثير. توفي في نصف شعبان ودفن برباطه بقناء [5] من الصعيد، رحمه الله. انتهى.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 340) و «تاريخ الإسلام» (62/ 111- 112) و «مرآة الجنان» (3/ 24- 26) و «النجوم الزاهرة» (6/ 215) . [2] قلت: ويقال له «القنائي» أيضا. انظر «حسن المحاضرة» (1/ 515) . [3] قلت: هذه مبالغة من مبالغات الصوفية، فكيف يرى اللوح المحفوظ أمثال المترجم ولم يره أفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نسأل الله العفو والعافية. [4] (5/ 42) . [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «فناء» والتصحيح من «العبر» .

وفيها أبو عبد الله بن البناء الشيخ أبو النّجيب نور الدّين محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع البغدادي [1] الصوفي. صحب الشيخ أبا النّجيب السّهروردي، وسمع من ابن ناصر، وابن الزّاغوني، وطائفة. وكتب سماعاته، وحدّث بالعراق، والحجاز، ومصر، والشام، واستقر بالسميساطية إلى أن توفي في ذي القعدة عن ست وسبعين سنة. وفيها ابن الجلاجلي كمال الدّين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك البغدادي [2] . التاجر الكبير. سمع من هبة الله بن أبي شريك الحاسب وغيره، وتوفي ببيت المقدس في رمضان. وفيها الوجيه بن الدهّان أبو بكر المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي [3] الضرير النحوي. ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وسمع ببغداد من أبي زرعة، ولزم الكمال عبد الرحمن الأنباري، وأبا محمد بن الخشّاب، وبرع في العربية، ودرّس النحو بالنّظّامية، وكان حنبليا فتحوّل حنفيا، وقيل: تحوّل أيضا شافعيا، وفيه أبيات سائرة [4] . توفي في شعبان ببغداد.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 43) و «النجوم الزاهرة» (6/ 215) . [2] انظر «العبر» (5/ 43) . [3] انظر «العبر» (5/ 43) و «تاريخ الإسلام» (62/ 119- 121) . [4] قالها فيه المؤيد أبو البركات محمد بن أحمد التكريتي المتوفى سنة (599) ، وهي: ومن مبلغ عنّي الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي لديه الرّسائل تمذهبت للنّعمان بعد ابن حنبل ... وذلك لمّا أعوزتك المآكل وما اخترت رأي الشّافعيّ ديانة ... ولكنّما تهوى الذي هو حاصل وعمّا قليل أنت لا شكّ صائر ... إلى مالك فافطن لما أنا قائل وانظر «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدّبيثي (1/ 137- 138) و «تاريخ الإسلام» (62/ 120) .

وفيها موسى بن سعيد [1] أبو إسماعيل الهاشمي البغدادي [2] ابن الصّيقل. سمع من إسماعيل بن السمرقندي، وأبي الفضل الأرموي، وكان صدرا معظما ولي [حجابة باب النّوبي، ثم] نقابة الكوفة. توفي في جمادى الأولى. وفيها يحيى بن ياقوت البغدادي [الفرّاش] [3] ، المجاور بمكة. روى عن إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الجبّار بن أحمد بن توبة، وجماعة، وتوفي في جمادى الآخرة، رحمه الله.

_ [1] في «آ» و «ط» : «موسى بن سعد» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (62/ 123) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 53) و «العبر» (5/ 44) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [2] تحرفت في «ط» إلى «البغداويّ» . [3] ما بين الحاصرتين زيادة من «العبر» (5/ 44) مصدر المؤلف، وانظر «تاريخ الإسلام» (62/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 53) .

سنة ثلاث عشرة وستمائة

سنة ثلاث عشرة وستمائة قال ابن الأثير [1] : فيها وقع بالبصرة برد [كثير] قيل: إن أصغره كالنارنجة [الكبيرة] ، وأكبره ما يستحي الإنسان أن يذكر. وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن الحسين البغدادي [2] ، أخو الفخر إسماعيل غلام ابن المنّي. سمع الحديث، وتفقه في مذهب الحنابلة على أخيه، وتكلّم في مسائل الخلاف، وكان فقيها صالحا. توفي ثاني عشر ربيع الأول، ودفن عند أخيه بمقبرة الإمام أحمد. وفيها إسماعيل بن عمر بن بكر المقدسي [3] أبو إسحاق وأبو القاسم وأبو الفضل، ويلقب محب الدّين، الحنبلي. سمع بدمشق من أبي اليمن الكندي وغيره، وبمصر من البوصيري والحافظ عبد الغني [4] ، وببغداد من ابن الأخضر وطبقته، وبأصبهان من أبي عبد الله محمد بن مكّي وغيره، وكانت رحلته مع الضياء بعد الستمائة. وعني بالحديث، ووصفه جماعة بالحافظ، وتفقّه وحدّث، وتوفي في ثامن عشر شوال.

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 314- 315) وما بين حاصرتين زيادة منه، و «العبر» (5/ 44) ولفظة «الكبيرة» مستدركة منه. [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 89) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 90) . [4] يعني المقدسي صاحب «الكمال» وغير، رحمه الله تعالى.

وفيها الشيخ شرف الدّين أبو الحسن أحمد بن عبيد الله بن قدامة المقدسي [1] الحنبلي. ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي الفرج ابن كليب وغيره، وحدّث، وكان فقيها فاضلا ديّنا عاملا، جمع الله له بين حسن الخلق والخلق، والأمانة والمروءة، وقضاء حوائج الإخوان، والكرم، والإحسان إلى الضعفاء والمرضى وقضاء حوائجهم، والتهجد. وكان يقول الحقّ ولا يحابي أحدا. توفي ليلة رابع عشر ذي القعدة ودفن من الغد بسفح قاسيون، ورؤيت له منامات حسنة جدا، ورثاه غير واحد، ولما توفي هؤلاء الثلاثة الأحبار [2] المقدسيون، المحبّ، والعزّ [3] ، والشّرف، في مدة متقاربة، رثاهم شيخ الإسلام موفق الدّين بقوله: مات المحبّ ومات العزّ والشّرف ... أئمة سادة ما منهم خلف كانوا أئمة علم يستضاء بهم ... لهفي على فقدهم لو ينفع اللهف ما ودّعوني غداة البين إذ رحلوا ... بل أودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا وهي طويلة. وفيها العلّامة تاج الدّين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي [4] ، المقرئ النحويّ اللغويّ. شيخ الحنفية والقرّاء والنّحاة بالشام، ومسند العصر. ولد سنة عشرين وخمسمائة، وأكمل القراءات العشرة، وله عشرة

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 92- 93) . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الأخيار» . [3] في «آ» : «المعز» . [4] انظر «إنباه الرواة» (2/ 10- 14) و «تاريخ الإسلام» (62/ 134- 141) و «العبر» (5/ 44) .

أعوام، وهذا ما لا نعلمه تهيأ لأحد سواه. اعتنى به سبط الخيّاط، فأقرأه وحرص عليه، وجهّزه إلى أبي القاسم هبة الله بن الطّبر، فقرأ عليه بست [1] روايات، وإلى أبي منصور ابن خيرون، وأبي بكر خطيب الموصل، وأبي الفضل بن المهتدي بالله. فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة. وسمع من ابن الطّبر، وقاضي المارستان، وأبي منصور القزّاز، وخلق، وأتقن العربية على جماعة، وقال الشعر الجيد، ونال الجاه الوافر، فإن الملك المعظم كان مديما للاشتغال عليه، وكان ينزل إليه من القلعة. توفي في سادس شوال، ونزل الناس بموته درجة في القراءات وفي الحديث، لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر، والقاضي أبو بكر آخر من سمع من أبي محمد الجوهري، والجوهري آخر من روى عن القطيعي، والقطيعي آخر من روى عن الكريمي وجماعة. قاله في «العبر» . قلت ومن شعره [2] : تمنّيت في عصر [3] الشّبيبة أنّني ... أعمّر والأعمار لا شكّ أرزاق [4] فلمّا أتاني ما تمنّيت [5] ساءني ... من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق وها أنا في إحدى وتسعين حجّة ... لها في إرعاد مخوف وإبراق يقولون ترياق لمثلك نافع ... وما لي إلّا رحمة الله ترياق وفيها عبد الرحمن بن علي الزّهري الإشبيلي [6] أبو محمد، مسند الأندلس في زمانه. روى «صحيح البخاري» سماعا من أبي الحسن شريح،

_ [1] في «ط» : «ست» . [2] انظر «الأبيات في وفيات الأعيان» (2/ 341- 342) و «تاريخ الإسلام» (62/ 139) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عشر» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» . [4] في «آ» : «رزاق» . [5] في «تاريخ الإسلام» : «فلما أتى ما قد تمنيت» . [6] انظر «العبر» (5/ 46) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 55) .

وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة، وهذا شيء لا نعلمه وقع لأحد بالأندلس غيره. توفي في آخر هذا العام. وفيها الملك الظاهر غازي [بن يوسف] [1] ، صاحب حلب، ولد السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب. ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمسمائة، وحدّث عن عبد الله بن برّي وجماعة، وكان بديع الحسن، كامل الملاحة، ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي، فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل، ويوهم عمه أنّه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه، وكان سمحا جوادا، تزوّج بابنتي عمّه. قال ابن خلّكان [2] : كان ملكا، مهيبا، حازما، متيقظا، كثير الاطلاع على أحوال رعيته وأخبار الملوك، عالي الهمّة، حسن التدبير والسياسة، باسط العدل، محبا للعلماء، مجيزا للشعراء. أعطاه والده مملكة حلب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بعد أن كانت لعمّه الملك العادل، فنزل عنها وتعوّض غيرها. ويحكى عن سرعة إدراكه أشياء حسنة، منها: أنه جلس يوما لعرض العسكر، وديوانيّ [3] الجيش بين يديه، فكان كلما حضر واحد من الأجناد سأله الديوانيّ [3] عن اسمه لينزلوه حتّى حضر واحد فسألوه، فقبّل الأرض، فلم يفطن أحد من أرباب الديوان لما أراد، فعاودوا سؤاله [4] ، فقال الملك الظاهر: اسمه غازي، وكان كذلك، وتأدب الجندي أن يذكر اسمه لما كان موافقا اسم السلطان، وعرف هو مقصوده، وله من هذا الجنس شيء

_ [1] انظر «العبر» (5/ 46) و «تاريخ الإسلام» (62/ 151- 155) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 6) . [3] في «وفيات الأعيان» : «وديوان» و «الديوان» وما جاء في كتابنا هو الصواب. [4] في «آ» و «ط» : «فعاود وسأله» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

كثير، وتوفي بقلعة حلب ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة، ودفن بالقلعة. ثم بنى الطواشيّ شهاب الدّين أتابك ولده الملك العزيز مدرسة تحت القلعة، وعمر فيها تربة ونقله إليها. والعجب أنه دخل حلب مالكا لها في الشهر بعينه واليوم سنة اثنتين وثمانين [وخمسمائة] . انتهى ملخصا. وكانت وفاته بالإسهال، وتسلطن بعده ولده الملك العزيز وله ثلاثة أعوام. وفيها الجاجرمي، مؤلّف «الكفاية» في الفقه، الإمام معين الدّين أبو حامد محمد بن إبراهيم الفقيه الشافعي. قال ابن خلّكان [1] : كان إماما، فاضلا، متقنا، مبرّزا. سكن نيسابور، ودرّس بها، وصنّف في الفقه كتاب «الكفاية» وهو في غاية الإيجاز، مع اشتماله على أكثر المسائل [2] التي تقع في الفتاوى، وهو في مجلد واحد. وله كتاب «إيضاح الوجيز» أحسن فيه، وهو مجلدين، وله طريقة مشهورة في الخلاف والفوائد [3] المشهورة منسوبة إليه. واشتغل عليه الناس وانتفعوا به بكتبه من بعده، خصوصا «القواعد» فإن الناس أكبوا على الاشتغال بها. وتوفي بكرة نهار الجمعة عاشر رجب بنيسابور. والجاجرمي: بفتح الجيمين وسكون الراء، نسبة إلى جاجرم، بلدة بين نيسابور وجرجان خرج منها جماعة من العلماء [4] . انتهى.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 265) . [2] في «آ» و «ط» : «على كثير المسائل» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [3] في «وفيات الأعيان» : «والقواعد» . [4] انظر «معجم البلدان» (2/ 92) .

وفيها العزّ [1] محمد بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ابن الحافظ أبو الفتح. ولد سنة ست وستين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد، وهو مراهق، فسمع من ابن شاتيل [2] وطبقته، وسمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز وطائفة، وكتب الكثير، وعني بالحديث. وارتحل إلى أصبهان وغيرها، وكان موصوفا بحسن القراءة وجودة الحفظ والفهم. قال الضياء: كان حافظا، فقيها، حنبليا، ذا فنون. ثم وصفه بالديانة المتينة، والمروءة التّامة. وقال أبو شامة [3] : صحب الملك المعظّم عيسى، وسمع بقراءته [4] الكثير، وكان حافظا، ديّنا، زاهدا، ورعا. وقال الذهبي: روى عنه ابنا تقي الدّين أحمد، وعز الدّين عبد الرحمن، والحافظ ضياء الدّين، والشهاب القوصي، والشيخ شمس الدّين عبد الرحمن بن أبي عمر، وابن البخاري، وآخرون. توفي- رحمه الله- ليلة الاثنين، تاسع عشر شوال، ودفن بسفح قاسيون. قال الحافظ الضياء: قال بعضهم: كنا نقرأ عنده ليلة مات، فرأيت على بطنه نورا مثل السّراج.

_ [1] في «العبر» (5/ 47) طبع الكويت: «العزيز» وهو خلاف لما في المصادر الأخرى، وأبعد محقق «العبر» طبع بيروت فبدّل «العز» إلى «العزيز» ، ولقبه «عز الدين» كما في «تاريخ الإسلام» (62/ 158) واختصر إلى «العز» في بعض المصادر. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن شامل» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (99) . [4] في «آ» : «بقراءة» .

سنة أربع عشرة وستمائة

سنة أربع عشرة وستمائة ايها توفي أبو الخطّاب بن واجب أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي، الإمام المالكي. ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وأكثر عن جدّه أبي حفص بن واجب، وابن هذيل، وابن قزمان صاحب ابن الطلّاع، وطائفة. وأجاز له أبو بكر بن العربي. قال [ابن] الأبّار: هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس، وكان متقنا، ضابطا، نحويا، عالي الإسناد، ورعا، قانتا، له عناية كاملة بصناعة الحديث. ولي القضاء ببلنسية وشاطبة غير مرة، ومعظم روايتي عنه. انتهى. وفيها الشيخ العماد أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي [1] الحنبلي، أخو الحافظ عبد الغني. ولد بجمّاعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وهاجر سنة إحدى وخمسين مع أقاربه، وسمع من عبد الواحد بن هلال وجماعة، وببغداد من شهدة، وصالح بن الرّحلة، وبالموصل من خطيبها، وحفظ «الخرقي» [2]

_ [1] انظر «العبر» (5/ 49- 55) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 93- 106) و «تاريخ الإسلام» (62/ 173- 183) . [2] يعني «مختصر الخرقي» .

و «الغريب» للعزيزي. وألقى الدروس، وناظر، واشتغل، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي، وكان متصديا لإقراء القرآن والفقه، ورعا، تقيا، متواضعا، سمحا، مفضالا، صوّاما، قوّاما، صاحب أحوال وكرامات، موصوفا بطول الصلاة. قال الشيخ الموفق: ما فارقته إلّا أن يسافر، فما عرفته أنه عصى الله معصية. وقال الحافظ الضياء: كان عالما بالقرآن، والنحو، والفرائض، وغير ذلك من العلوم. وصنّف كتاب «الفروق» في المسائل الفقهية. وكان من كثرة اشتغاله وإشغاله لا يتفرغ للتصنيف والكتابة، وكان يشغل بالجبل إذا كان الشيخ موفق الدّين في المدينة، فإذا صعد الموفق نزل هو فأشغل بالمدينة. وكان يشغل بجامع دمشق من الفجر إلى العشاء لا يخرج إلّا لما لا بد له منه. يقرئ القرآن والعلم، فإذا لم يبق له من يشتغل عليه اشتغل بالصلاة، وكان داعية إلى السّنّة، وتعلّم العلم والدّين، وما علم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا، ولا تعرض له، ولا نافس فيها. وكان يحترز في الفتاوى احترازا كثيرا. وكان كثير الورع والصدق، سمعته يقول لرجل: كيف ولدك؟ فقال: يقبّل يدك، فقال: لا تكذب. وكان كثير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، خرج مرّة إلى قوم من الفسّاق فكسر ما معهم، فضربوه ونالوا منه، حتّى غشي عليه، فأراد الوالي ضرب الذين نالوا منه، فقال: إن تابوا ولزموا الصلاة فلا تؤذهم [1] ، وهم في حلّ من قبلي، فتابوا ورجعوا عما كانوا عليه. وسمعت الإمام أبا إبراهيم محاسن بن عبد الملك التّنوخي يقول: كان الشيخ العماد جوهرة العصر، وكان كثير التواضع، يذمّ نفسه ويقول: ايش

_ [1] في «آ» و «ط» : «فلا تؤذيهم» والصواب ما أثبتناه.

يجيء مني، وكان يكثر في دعائه من قول: اللهم اجعل عملنا صالحا واجعله لوجهك الكريم خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا. اللهم خلّصني من مظالم نفسي، ومظالم كل شيء قبل الموت، ولا تمتني ولأحد عليّ مظلمة يطلبني بها بعد الموت. ولا بد من الموت فاجعله على توبة نصوح بعد الإخلاص من مظالم نفسي ومظالم العباد قتلا في سبيلك على سنتك وسنة رسولك، شهادة يغبطني بها الأولون والآخرون، واجعل النّقلة إلى روح وريحان [ومستراح] في جنّات النعيم، ولا تجعلها إلى نزل من حميم وتصلية جحيم. قال الضياء: توفي- رحمه الله- ليلة الخميس وقت عشاء الآخرة، وكان صلى تلك الليلة المغرب بالجامع ثم مضى إلى البيت، وكان صائما فأفطر على شيء يسير، ولما جاءه الموت جعل يقول: يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهّد ومات. وقال سبط ابن الجوزي: غسّل وقت السحر، وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق، فما وسع الناس الجامع، وصلى عليه الموفق بحلقة الحنابلة بعد جهد جهيد، وكان يوما لم ير في الإسلام مثله. كان أول الناس عند مغارة الدّم ورأس الجبل إلى الكهف، وآخرهم بباب الفراديس. وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار. قال: وتأملت الناس من أعلى قاسيون إلى الكهف إلى قريب الميطور [1] ، لو رمى الإنسان عليهم إبرة لما ضاعت. فلما كان في الليل نمت وأنا متفكر في جنازته، وذكرت أبيات سفيان الثوري التي أنشدها في المنام:

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الميظور» وتحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «المنظور» والتصحيح من «غوطة دمشق» ص (181) للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي، طيّب الله ثراه، وقال فيه: الميطور: في أرض الصالحية آخر حدودها تحت نهر يزيد.

نظرت إلى ربّي كفاحا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يا بن سعيد فقد كنت قوّاما إذا أقبل الدّجى ... بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أيّ قصر تريده ... وزرني فإني منك غير بعيد وقلت: أرجو أن العماد يرى ربّه كما رآه سفيان عند نزول حفرته، ونمت فرأيت العماد في النوم وعليه حلّة خضراء، وعمامة خضراء، وهو في مكان متسع كأنه روضة، وهو يرقى في درج مرتفعة، فقلت: يا عماد الدّين، كيف بت؟ فإني والله متفكر [1] فيك، فنظر إليّ وتبسم على عادته، وقال: رأيت إلهي حين أنزلت حفرتي ... وفارقت أصحابي وأهلي وجيرتي فقال: جزيت الخير عنّي فإنني ... رضيت فها عفوي لديك ورحمتي دأبت [2] زمانا تأمل الفوز والرّضى ... فوقّيت نيراني ولقّيت جنّتي قال: فانتبهت مرعوبا وكتبت الأبيات. وتوفي- رحمه الله ورضي عنه- فجأة في سابع عشر ذي القعدة. وفيها عبد الله بن عبد الجبّار العثماني أبو محمد الاسكندراني [3] التاجر المحدّث. سمع من السّلفي فأكثر، وتوفي في ذي الحجة عن سبعين سنة. وفيها ابن الحرستاني، قاضي القضاة جمال الدّين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الدمشقي [4] الشافعي.

_ [1] في «آ» و «ط» : «مفكر» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «رأيت» فتصحح. [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (106- 108) و «تاريخ الإسلام» (62/ 189- 190) و «النجوم الزاهرة» (6/ 221) . [4] انظر «العبر» (5/ 50- 51) و «تاريخ الإسلام» (62/ 193- 197) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 80- 84) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 71- 73) .

ولد سنة عشرين وخمسمائة، وسمع سنة خمس وعشرين من عبد الكريم بن حمزة، وجمال الإسلام [1] ، وطاهر بن سهل الإسفراييني والكبار. ودرّس وأفتى، وبرع في المذهب، وانتهى إليه علو الإسناد، وكان صالحا عابدا من قضاة العدل. قال ابن شهبة: تفرّد بالروايات عن أكثر شيوخه، ورحل إلى حلب وتفقّه بها على المحدّث الفقيه أبي الحسن المرادي [2] ، وناب في القضاء عن ابن أبي عصرون، ثم ولي قضاء الشام في آخر عمره سنة اثنتي عشرة، ودرّس بالعزيزية، وكان يجلس للحكم بالمجاهدية. وكان إماما عارفا بالمذهب، ورعا، صالحا، محمود الأحكام، حسن السيرة، كبير القدر. وقال أبو شامة: حدثني الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام أنه لم ير أفقه منه، وعليه كان ابتداء اشتغاله، ثم صحب فخر الدّين بن عساكر، فسألته عنهما فرجح ابن الحرستاني وقال: إنه كان يحفظ كتاب «الوسيط» للغزالي. قال: ولما طلب للقضاء امتنع من الولاية حتى ألحوا عليه فيها، وكان صارما عادلا على طريقة السلف في لباسه وعفته، بقي في القضاء سنتين وسبعة أشهر. وقال سبط ابن الجوزي: كان زاهدا عفيفا عابدا ورعا نزها، لا تأخذه في الله لومة لائم، اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إلّا إذا كان مريضا. توفي في رابع ذي الحجة، وهو ابن خمس وتسعين سنة.

_ [1] هو علي بن المسلّم السّلمي الدمشقي. انظر ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 345- 346) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المراري» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

وفيها علي بن محمد بن علي الموصلي [1] أبو الحسن، أخو سليمان. سمع من الحسين سبط الخيّاط، وأبي البدر الكرخي، وجماعة. وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها ابن جبير الكناني، الإمام الرئيس محمد بن أحمد بن جبير البلنسي [2] . نزيل شاطبة. ولد سنة أربعين وخمسمائة، وسمع من أبيه، وعلي بن أبي العيش المقرئ، وأجاز له أبو الوليد بن الدبّاغ، وحجّ فحدّث في طريقه. قال [ابن] الأبّار: عني بالآداب فبلغ فيها الغاية، وتقدم في صناعة النظم والنثر، ونال بذلك دنيا عريضة، ثم زهد ورحل مرتين إلى المشرق، وفي الثالثة توفي بالإسكندرية في شعبان. وفيها أبو عبد الله بن سعادة الشّاطبي [3] المعمّر محمد بن عبد العزيز ابن سعادة. أخذ قراءة نافع عن أبي عبد الله بن غلام الفرس، والقراءات عن ابن هذيل، وأبي بكر محمد بن أحمد بن عمران. وسمع من ابن النّعمة، وابن عاشر، وأبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة. أكثر عنه [ابن] الأبّار، وكان مولده سنة ست عشرة وخمسمائة أو قبل ذلك، وتوفي بشاطبة في شوال. وفيها الشجاع محمود الدّماغ [4] : كانت له ثروة عظيمة، وقف مدرسة للشافعية والحنفية داخل باب الفرج، تعرف بالدّماغية.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 51) . [2] انظر «العبر» (5/ 51) وهو صاحب «الرّحلة» الشهيرة. وقال العلّامة الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 320) : يقال: إنه لم يصنّف كتاب «الرّحلة» وإنما قيّد معاني ما تضمنته، فتولى ترتيبها بعض الآخذين عنه. [3] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 605) و «العبر» (5/ 51- 52) . [4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 209) .

سنة خمس عشرة وستمائة

سنة خمس عشرة وستمائة فيها جاءت رسل جنكزخان ملك التتار محمود الخوارزمي، وعلي البخاري بتقدمة مستظرفة إلى خوارزم شاه، وتطلب [1] منه المسالمة والهدنة، فاستمال خوارزم شاه محمودا الخوارزمي وقال: أنت منا وإلينا، وأعطاه معضدة جوهر، وقرّر [2] معه أن يكون عينا للمسلمين. ثم قال له: أصدقني، أيملك جنكزخان طمغاج الصين؟ قال: نعم. قال: فما ترى؟ قال: الهدنة. فأجاب، وسرّ جنكزخان بإجابته. واستقرّ الحال إلى أن جاء من بلاده تجّار إلى ما وراء النهر وعليها خال خوارزم شاه، فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرها منه. ثم كاتب خوارزم شاه يقول: إنهم تتار في زيّ التجار، وقصدهم يجسّوا البلاد، ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه تقول: إن كان ما فعله خالك بأمره فسلّمه إلينا، وإن كان بأمرك فالعذر قبيح، وستشاهد ما تعرفني به، فندم خوارزم شاه وتجلّد، وأمر بالرّسل فقتلوا لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 [الأنفال: 42] . فيا لها من حركة عظيمة الشؤم أجرت بكل قطرة بحرا من الدماء. وفيها توفي محدّث بغداد أبو العبّاس البندنيجي- بفتح الباء الموحدة والمهملة وسكون النون الأولى وكسر الثانية ثم تحتية وجيم، نسبة إلى

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «ويطلب» . [2] في «آ» و «ط» : «وقدّر» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه.

بندنيجين [1] بلفظ المثنى بلد قرب بغداد- أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم [2] بن غالب البغدادي الأزجي، الحافظ المحدّث المعدّل الحنبلي. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وتلقّن القرآن من أبي حكيم النّهرواني، وقرأه [3] بالروايات على أبي الحسن البطائحي وغيره. وسمع الحديث الكثير من أبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الوقت، وخلق. قال الدّبيثي: كان وافر السماع، كثير الشيوخ، حسن الأصول، حدّث بالكثير وسمع منه جماعة. وقال ابن ناصر الدّين [4] : هو محدّث بغداد. كان حافظا مكثرا، لكنه غير عمدة، رماه ابن الأخضر وكذّبه وقبله غيره. وقال ابن رجب في «طبقاته» [5] : توفي معه في ثالث عشر [6] رمضان أبو محمد عبد الكافي بن بدر بن حسّان الأنصاري الشّامي الأصل المصري النجّار الحنبلي، وكان صالحا كثير الصيام والتعبد. سمع من البوصيري، والأرتاحي، وعبد الغني الحافظ [7] ، وربيعة بن نزار، وغيرهم، وعلّق عنه المنذري شيئا. توفي وله نحو الستين سنة. انتهى.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (1/ 499) قال ياقوت: موضع يسمّى وندنيكان وعرّب على البندنيجين ولم يفسر معناه ... وحدثني العماد بن كامل البندنيجي الفقيه قال: البندنيجين اسم يطلق على عدة محال متفرقة غير متصلة البنيان، بل كل واحدة منفردة لا ترى الأخرى، لكن نخل الجميع متّصلة، وأكبر محلّة فيها يقال لها باقطنايا ... وقد خرج منها خلق من العلماء، محدّثون وشعراء وفقهاء وكتّاب. [2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «ابن كر» والتصحيح من «العبر» (5/ 55) و «تاريخ الإسلام» (62/ 216) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 108) . [3] في «آ» و «ط» و «قرأ» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (173/ ب) . [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109) . [6] في «ط» : «عشري» . [7] يعني الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى.

أي ودفن الأول بباب حرب من بغداد والثاني بالمقطّم من مصر. وفيها الشمس العطّار أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السّلمي البغدادي الصيدلاني [1] ، نزيل دمشق. ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وسمع الناس منه «صحيح البخاري» غير مرّة. وكان ثقة. توفي في شعبان. وفيها صاحب الموصل السلطان الملك القاهر عز الدّين أبو الفتح مسعود بن السلطان نور الدّين أرسلان شاه بن مسعود الأتابكي [2] . ولد سنة تسعين وخمسمائة، وتملّك بعد أبيه، وله سبع عشرة سنة، وكان موصوفا بالملاحة والعدل والسماحة، قيل: إنّه سمّ ومات في ربيع الآخر وله خمس وعشرون سنة، وعظم [على] الرّعية فقده. وولي بعده بعهد منه ولده نور الدّين أرسلان شاه، ويسمّى أيضا عليّا، وله عشر سنين، فمات في أواخر السنة أيضا. وفيها زينب الشّعريّة الحرّة أمّ المؤيّد [3] بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري [4] الصّوفي. ولدت سنة أربع وعشرين [وخمسمائة] ، وسمعت من ابن الفراوي

_ [1] انظر «العبر» (5/ 55) و «تاريخ الإسلام» (62/ 218- 219) . [2] انظر «العبر» (5/ 55- 56) ولفظة «على» مستدركة منه و «تاريخ الإسلام» (62/ 244- 245) . [3] تصحفت في «ط» إلى «المؤبد» بالباء. [4] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 344- 345) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 85- 86) و «العبر» (5/ 56) و «الأعلام» (3/ 66) .

عبد الله لا من أبيه، ومن زاهر الشّحّامي، وعبد المنعم بن القشيري [1] ، وطائفة. توفيت في جمادى الآخرة وانقطع بموتها إسناد عال. وفيها أبو القاسم الدّامغاني [2] . قاضي القضاة، عبد الله بن الحسين ابن أحمد بن علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، الفقيه الحنفي [3] العلّامة عماد الدّين. سمع من تجنّي الوهبانية، وولي القضاء بالعراق سنة ثلاث وستمائة إلى أن عزل سنة إحدى عشرة، وتوفي في ذي القعدة. وفيها القاضي شرف الدّين بن الزّكي القرشي أبو طالب، عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي الدّمشقي الشافعي. قال ابن شهبة [4] : ناب في القضاء عن ابن عمّه القاضي محيي الدّين ابن الزّكي، وعن أبيه زكي الدّين الطاهر، ودرّس بالرواحية، فكان أول من درّس بها. ودرّس بالشامية البرانية. وقال ابن كثير [5] : إنه أول من درّس بها أيضا.

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «القيري» . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 448) و «ذيل الروضتين» ص (110) و «تاريخ الإسلام» (62/ 225- 226) و «العبر» (5/ 56) و «البداية والنهاية» (13/ 82) و «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (2/ 301- 303) . [3] قلت: وهو الصواب، ولكن وصفه المنذري في «التكملة» والذهبي في «تاريخ الإسلام» بأنه شافعي المذهب. وعقب الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف على ذلك في المصدرين بقوله: والمعروف عن بيت الدامغاني أنهم من رؤساء الحنفية المشهورين. [4] لم أجد ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة الذي بين يدي، وأظن المؤلف- رحمه الله- قد وهم فأحال عليه، والصواب أنه نقل عن «العبر» فالكلام بتمامه فيه (5/ 56) وهو مترجم أيضا في «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 535) . [5] نقل المؤلف هذا الكلام عن «طبقات الشافعية» لابن كثير، وهو غير متوفر بين أيدينا، وترجم له في «البداية والنهاية» (13/ 81) .

وقال سبط ابن الجوزي: كان فقيها نزها لطيفا عفيفا. وقال الشهاب القوصي: كان ممن زاده الله بسطة في العلم والجسم. توفي في شعبان. وفيها الشّهاب فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الحنفي الدمشقي المعروف بالشّاغوري. قال ابن خلّكان [1] : كان فاضلا شاعرا ماهرا، خدم الملوك ومدحهم وعلّم أولادهم. وله ديوان شعر فيه مقاطيع حسان، وأقام مدة بالزّبداني [2] وله فيها أشعار لطيفة، فمن ذلك قوله في جهة الزّبداني- وهي أرض فيحاء جميلة المنظر، تتراكم عليها الثلوج في زمن الشتاء، وتنبت أنواع الأزهار في أيام الربيع، ولقد أحسن فيها كل الإحسان وهي-: قد أجمد الخمر كانون بكل قدح ... وأخمد الجمر في الكانون حين قدح يا جنّة الزّبداني أنت مسفرة ... عن كلّ حسن إذا وجه الزّمان كلح فالثّلج قطن عليه السّحب تندفه [3] ... والجوّ يحلجه والقوس قوس قزح وله وقد دخل إلى حمّام ماؤها شديد الحرارة، وكان قد شاخ: أرى ماء حمّامكم كالحميم ... نكابد منه عناء وبؤسا وعهدي بكم تسمطون الجداء [4] ... فما بالكم تسمطون التّيوسا

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 24- 26) و «تاريخ الإسلام» (62/ 237- 238) . [2] الزّبداني: بلدة كبيرة تقع إلى الشمال الغربي من دمشق، تبعد عنها قرابة (45) كيلو مترا، ذات طبيعة جميلة ومناخ معتدل، تنتج أصنافا مختلفة من أجود أنواع الفواكه، ويقصدها أغنياء أهل دمشق وغيرها من حواضر العرب للاصطياف. وانظر «معجم البلدان» (3/ 130) . [3] في «آ» و «ط» : «مندفة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «الجدي» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .

وله: علام تحرّكي والحظّ ساكن ... وما نهنهت في طلب ولكن أرى نذلا تقدّمه المساوي ... على حرّ تؤخّره المحاسن توفي بدمشق ودفن بمقابر باب الصغير. وفيها صاحب الرّوم الملك الغالب عزّ الدّين كيكاوس بن كيخسرو ابن قلج أرسلان السّلجوقي، سلطان قونية، وأقصرا، وملطية، وأخو السلطان علاء الدّين كيقباذ [1] . كان ظلوما غشوما سفّاكا للدماء، قيل: إنه مات فجأة مخمورا فأخرجوا أخاه علاء الدّين وملّكوه بعده، وذلك في شوال. قاله في «العبر» [2] . وفيها ركن الدّين أبو حامد محمد بن العميد الفقيه الحنفي السمرقندي [3] ، مصنّف الطريقة العميدية المشهورة. كان إماما في الخلاف، وشرح «الإرشاد» وصنف كتاب «النفائس» وكان حسن الأخلاق، كثير التواضع. توفي في جمادى الآخرة ببخارى. وفيها شهاب الدّين عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر بن علي بن عبد الدّائم بن الغزّالي البغدادي [4] الحنبلي الواعظ أبو محمد. ولد في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وسمع الكثير بإفادة أبيه وبنفسه من الحافظ ابن ناصر، وسعد بن البنا، وأبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الوقت، وغيرهم. وعني بهذا الشأن، وله في الخطّ طريقة

_ [1] في «آ» و «ط» : « «كبعباد» هكذا مهملة من دون تنقيط، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (22/ 138) . [2] (5/ 57) . [3] انظر «العبر» (5/ 57) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 76- 77 و 97- 98) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 106) .

حسنة معروفة، ووعظ مدة، ومال إلى مدح الحلّاج وتعظيمه، ولقد أخطأ في ذلك. قال ابن النجّار: سمعت بقراءته كثيرا وسمعت منه، وكان سريع القراءة والكتابة، إلّا أنه قليل المعرفة بأسماء المحدّثين، وحدّث وسمع منه جماعة، وأجاز المنذريّ [1] وغيره، وروى عنه ابن الصّيرفي، وتوفي يوم [2] الثلاثاء نصف شعبان ودفن بباب حرب. وفيها السلطان الملك العادل سيف الدّين أبو بكر محمد بن الأمير نجم الدّين أيوب بن شاذي [3] . ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها، ونشأ في خدمة نور الدّين مع أبيه، وكان أخوه صلاح الدّين يستشيره ويعتمد على رأيه وعقله ودهائه، ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده، ثم تنقلت به الأحوال واستولى على الممالك، وسلطن ابنه الكامل على الدّيار المصرية، وابنه المعظّم على الشام، وابنه الأشرف على الجزيرة، وابنه الأوحد على خلاط، وابن ابنه المسعود على اليمن، وكان ملكا جليلا سعيدا، طويل العمر، عميق الفكر، بعيد الغور، جمّاعا للمال، ذا حلم وسؤدد وبرّ كثير، وكان يضرب المثل بكثرة أكله، وله نصيب من صوم وصلاة، ولم يكن محبّبا إلى الرّعية لمجيئة بعد الدولتين النّورية والصلاحية. وقد حدّث عن السّلفي، وخلّف سبعة عشر ابنا، تسلطن منهم الكامل، والمعظّم، والأشرف، والصالح، وشهاب الدّين غازي صاحب ميّافارقين، وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «للمنذريّ» . [2] لفظة «يوم» سقطت من «ط» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ليلة» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 74- 79) و «العبر» (5/ 58) .

سنة ست عشرة وستمائة

سنة ست عشرة وستمائة فيها تحركت التّتار- وهم نوع من التّرك مساكنهم جبال طغماج [1] من نحو الصين، يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرّمون شيئا، ولا يحصون كثرة- فخارت قوى السلطان خوارزم شاه، وتقهقر بين أيديهم ببلاد ما وراء النهر، وانجفل الناس بخوارزم شاه وأمرت أمّه بقتل من كان محبوسا من الملوك بخوارزم، وكانوا بضعة عشر نفسا، ثم سارت بالخزائن إلى قلعة ايلال بمازندران، ووصل خوارزم شاه إلى همذان في نحو عشرين ألفا، وتقوضت أيامه. وفي أول العام خرّب الملك المعظّم سور بيت المقدس خوفا وعجزا من الفرنج أن تملكه، فشرعوا في هدم السور في أول يوم من المحرّم، وضج الناس، وخرج النساء المخدرات، والبنات، والشيوخ، والعجائز، والشباب إلى الصخرة والأقصى، فقطعوا شعورهم وخرجوا هاربين، وتركوا أموالهم وما شكّوا أن الفرنج يصبحوهم، فهرب بعضهم إلى مصر، وبعضهم إلى الكرك، وبعضهم إلى دمشق، ومات خلق من الجوع والعطش، ونهبت الأموال التي كانت لهم بالقدس، وأبيع القنطار الزيت بعشرة دراهم، والرطل النحاس بنصف درهم، وذم الناس الملك المعظم، فقال بعضهم:

_ [1] مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الترك. انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (411) .

في رجب حلّل المحرّم [1] ... وأخرب القدس في المحرّم واستخدم القبط والنصارى ... وبعد ذا وزر المكرّم وقال مجد الدّين قاضي الطّور: مررت على القدس الشّريف مسلّما ... على ما تبقّى من ربوع وأنجم [2] ففاضت دموع العين منّي صبابة ... على ما مضى من عصره [3] المتقدّم وقد رام علج أن يعفّي رسومه ... وشمّر عن كفّي لئيم مذمّم فقلت له شلّت يمينك خلّها ... لمعتبر أو سائل أو مسلّم فلو كان يفدى بالنّفوس فديته ... بنفسي وهذا الظّنّ في كلّ مسلم [4] وفي شعبان أخذت الفرنج دمياط بعد ما حصر أهلها ووقع فيهم الوباء، وعجز الكامل عن نصرهم، فطلبوا من الفرنج الأمان وأن يخرجوا منها بأهلهم وأموالهم في القساقسة [5] وحلفوا لهم على ذلك، ففتحوا لهم الأبواب، فدخلوا وغدروا بأهلها، ووضعوا فيهم السيف، قتلا وأسرا، وباتوا في الجامع يفجرون بالنساء ويفتضّون البنات، وأخذوا المنبر والمصحف وبعثوا بهما إلى الجزائر. وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيّدهم الأنصاري الدمشقي، المعروف بابن الهرّاس [6] . سمع من نصر الله المصّيصي وغيره، وتوفي في شعبان.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «لحميا» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (62/ 24) . [2] في «تاريخ الإسلام» : «كأنجم» . [3] في «تاريخ الإسلام» : «عصرنا» . [4] رواية الشطرة الثانية في «تاريخ الإسلام» : ... وهذا صحيح الظّنّ في كلّ مسلم [5] جمع قس، وهو رئيس من رؤساء النصارى في الدّين والعلم، وكذا القسيس بكسر القاف. انظر «مختار الصحاح» (قسس) . [6] انظر «العبر» (5/ 60) و «تاريخ الإسلام» (62/ 260) .

وفيها أبو البشائر إسحاق بن هبة الله بن صالح [1] قاضي خلاط. كان فقيها شافعيا عالما، حسن الكلام في الوعظ والتذكير، من محاسن القضاة، يرجع إلى دين. قدم إربل وتوفي بها. ومن شعره: قال الهلال وعندي في مجالستي ... بدر بوجه على شمس الضّحى سادا ليس الهلاك بمحبوب لذي أرب ... وإن حببناه أحيانا وأعيادا هذا يزيد حياتي في مجالستي ... وذاك ينقص عمري كلّما زادا وفيها ابن ملاعب زين الدّين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد ابن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي [2] وكيل القضاة. روى عن الأرموي، وابن ناصر، وطائفة. توفي في جمادى الآخرة بدمشق. وفيها ريحان بن تيكان بن موسك الحربي [3] الضرير. مات في صفر وله بضع وتسعون سنة. روى عن أحمد بن الطّلّاية، والمبارك بن أحمد الكندي. وفيها ستّ الشام الخاتون أخت الملك العادل بنت أيوب [4] . كانت عاقلة، كثيرة البرّ والصدقة، بابها ملجأ للقاصدين، وهي أم حسام الدّين، وتزوّجها محمد بن شيركوه صاحب حمص، وبنت لها مدرسة وتربة بالعونية على الشرف الشمالي من دمشق، وأوقفت دارها قبيل موتها مدرسة، وهي التي إلى جانب المارستان النّوري، وأوقفت عليها أوقافا كثيرة، وتوفيت في

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 262) . [2] انظر «العبر» (5/ 60) و «تاريخ الإسلام» (62/ 265- 266) . [3] انظر «العبر» (5/ 60) و «تاريخ الإسلام» (62/ 267) . [4] انظر «العبر» (5/ 61) و «تاريخ الإسلام» (62/ 267- 268) .

ذي القعدة، ودفنت بتربتها بالعونية، وكان كافور الحسامي [1] خادمها، وكان لها نيف وثلاثون محرما من الملوك سوى أولادهم، فإخوتها صلاح الدّين، والعادل، وسيف الإسلام وولده. وفيها أبو منصور بن الرزّاز سعيد بن محمد ابن العلّامة المفتي سعيد بن محمد بن عمر البغدادي [2] . روى «البخاري» عن أبي الوقت، وحضر أبا الفضل الأرموي. وفيها العلّامة أبو البقاء محب الدّين عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء العكبري الأزجي الضرير الحنبلي النحوي الفرضي [3] . صاحب التصانيف. قرأ القراءات على ابن عساكر البطائحي، وتأدب على ابن الخشّاب، وتفقه على أبي يعلى الصغير، وروى عن ابن البطّي وطائفة، وحاز قصب السبق في العربية، وتخرّج به خلق. ذهب بصره في صغره بالجدري، وكان دينا ثقة. قاله في «العبر» . وقال ناصح الدّين بن الحنبلي: كان إماما في علوم القرآن، إماما في الفقه، إماما في اللغة، إماما في النحو، إماما في العروض، إماما في الفرائض، إماما في الحساب، إماما في معرفة المذهب، إماما في المسائل النظريات. وله في هذه الأنواع من العلوم مصنفات مشهورة.

_ [1] مترجم في «وفيات الأعيان» (1/ 307) . [2] انظر «العبر» (5/ 61) . [3] انظر «العبر» (5/ 61) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 91- 93) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (253) و «تاريخ الإسلام» (62/ 270- 272) و «نكت الهميان» ص (178- 180) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 109- 120) و «المنهج الأحمد» الورقة (346) (مخطوط) من القسم الذي لم ينشر بعد، و «شذرات من كتب مفقودة» ص (187) .

قال: وكان معيد الشيخ [1] أبي الفرج بن الجوزي. وكان متدينا، قرأت عليه كتاب «الفصيح» لثعلب من حفظي. وقال ابن أبي الجيش: كان يفتي في تسعة علوم، وكان أوحد زمانه في النحو، واللغة، والحساب، والفرائض، والجبر، والمقابلة، والفقه، وإعراب القرآن، والقراءات الشاذة، وله في كل هذه العلوم تصانيف كبار، وصغار، ومتوسطات، وذكر أنه قرأ عليه كثيرا. وقال ابن النجار [2] : قرأت عليه كثيرا من مصنفاته، وصحبته مدة، وكان حسن الأخلاق، متواضعا، كثير المحفوظ، محبّا للاشتغال والأشغال ليلا ونهارا، ما تمضي عليه ساعة بلا اشتغال أو إشغال حتى إن زوجته تقرأ له بالليل كتب الأدب وغيرها. وقال غيره: كان إذا أراد أن يصنّف كتابا أحضرت له عدة مصنّفات في ذلك الفنّ وقرئت عليه، فإذا حصّله في خاطره أملاه. وقال ابن رجب: من تصانيفه: «تفسير القرآن» و «إعراب القرآن» في مجلدين، و «إعراب الشواذ» و «متشابه القرآن» و «إعراب الحديث» وكتاب «التعليق في مسائل الخلاف» في الفقه، و «شرح الهداية» لأبي الخطّاب في الفقه، وكتاب «المرام في نهاية الأحكام» في المذهب، وكتاب «مذاهب الفقهاء» وكتاب «الناهض في علم الفرائض» وكتاب «بلغة الرائض في علم الفرائض» و «المنقح من الخطل في علم الجدل» و «الاعتراض على دليل التلازم [ودليل التنافي] [3] » و «الاستيعاب في أنواع الحساب» و «اللّباب في

_ [1] في «آ» : «وكان معيد الشيخ» وأثبت لفظ «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن البخاري» وهو خطأ، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] ما بين الحاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» .

البناء والإعراب» و «شرح الإيضاح» [1] و «شرح اللّمع» و «شرح خطب ابن نباتة» و «شرح المقامات الحريرية» و «شرح الحماسة» و «شرح ديوان المتنبّي» وغير ذلك. ومن شعره: صاد قلبي على العقيق غزال ... ذو نفار وصاله ما ينال فاتر الطرف تحسب الجفن منه ... ناعسا والنّعاس منه مزال [2] توفي ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب، رحمه الله تعالى. وفيها ابن شاس العلّامة جمال الدّين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذاميّ السعديّ المصريّ [3] ، شيخ المالكية، وصاحب كتاب «الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة» . كان من كبار الأئمة العاملين، حجّ في أواخر عمره ورجع فامتنع من الفتيا إلى أن مات مجاهدا في سبيل الله، في حدود رجب. وفيها عبد الرحمن بن محمد بن علي بن يعيش [4] الصّدر أبو الفرج الأنباري، أخو أبي الحسن علي [5] . روى عن عبد الوهاب الأنماطي وغيره، وعمّر تسعين سنة. توفي في شعبان.

_ [1] يقوم بتحقيقه صديقي الفاضل الأستاذ المحقّق يحيى ميرعلم لنيل درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة دمشق. [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مدال» . [3] انظر «العبر» (5/ 61- 62) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 98- 99) و «تاريخ الإسلام» (62/ 272- 273) . [4] انظر «العبر» (5/ 62) و «تاريخ الإسلام» (62/ 274- 275) . [5] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» : «أخو أبي الحسن علي» وفي «تاريخ الإسلام» : «سبط قاضي القضاء أبي الحسن علي بن محمد بن الدامغاني» .

وفيها أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن مسعود ابن النّاقد البغدادي [1] المقرئ الصالح. قرأ القراءات على أبي الكرم الشّهرزوري وغيره، وسمع من أبي سعد البغدادي، والأرموي. توفي في شوال. وفيها الافتخار الهاشمي أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل العبّاسي البلخي ثم الحلبي [2] الحنفي، إمام المذهب بحلب. سمع بما وراء النهر من القاضي عمر بن علي المحمودي، وأبي شجاع البسطامي وجماعة، وبرع في المذهب، وناظر وصنّف، وشرح «الجامع الكبير» [3] وتخرّج به الأصحاب، وعاش ثمانين سنة. توفي في جمادى الآخرة. وفيها عثمان بن مقبل بن قاسم الياسري ثم البغدادي [4] ، الفقيه الحنبلي الواعظ، أبو عمر، جمال الدّين. من أهل الياسريّة من قرى بغداد على نهر عيسى [5] . قدم بغداد وسمع بها من ابن الخشّاب وشهدة، وطبقتهما ومن دونهما، وتفقه على أبي الفتح بن المنّي، ووعظ ولازم الوعظ. ذكره ابن أبي الجيش في شيوخه، وقال: له تصانيف. وقد حدّث، وسمع منه جماعة. وقال ابن الحنبلي: مات ضاحي نهار الحادي والعشرين من ذي الحجة، ودفن بباب حرب.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 62) و «تاريخ الإسلام» (62/ 275- 276) . [2] انظر «العبر» (5/ 62) و «تاريخ الإسلام» (62/ 277- 278) . [3] وهو للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، صاحب إمام الفقهاء أبي حنيفة النعمان. انظر «كشف الظنون» (1/ 567) . [4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 279) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 122) . [5] انظر «معجم البلدان» (5/ 425) .

وفيها عماد الدّين أبو القاسم علي بن القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر [1] . ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه، وعبد الرحمن بن الخرقي، وإسماعيل الجنزوي [2] ورحل إلى خراسان، فكان آخر من رحل إليها من المحدّثين، وأكثر عن المؤيد الطّوسي ونحوه، وكان صدوقا ذكيا فهما حافظا مجدّا في الطلب، إلا أنه كان يتشيع، وقد خرجت عليه الحراميّة في قفوله من خراسان فجرحوه، وأدركه الموت ببغداد في جمادى الأولى. قاله في «العبر» . وفيها صاحب سنجار الملك المنصور، قطب الدّين محمد بن عماد الدّين زنكي بن آق سنقر [3] . تملّك سنجار مدة، وحاصره الملك العادل أياما، ثم رحل عنه بأمر الخليفة. توفي في صفر. وتملّك بعده ولده عماد الدّين شاهنشاه أشهرا، ومات قبله أخوه عمر، وتملّك بعده مديدة، ثم سلّم سنجار إلى الأشرف، ثم مات. وفيها أبو الحسن علي بن أبي زيد بن محمد بن علي النحوي، المعروف بالفصيحي، الإستراباذي [4] . أخذ النحو عن عبد القاهر صاحب «الجمل الصغرى» [5] ، وتبحر فيه

_ [1] انظر «العبر» (5/ 62- 63) و «تاريخ الإسلام» (62/ 281- 282) . [2] تصحفت في «آ» إلى «الجيزوي» وفي «ط» إلى «الخبزوي» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [3] انظر «العبر» (5/ 63) . [4] انظر «معجم الأدباء» (15/ 66- 75) و «وفيات الأعيان» (3/ 337) . [5] في «آ» و «ط» : «الجبل الصقري» والتصحيح من «وفيات الأعيان» وسماه حاجي خليفة في «كشف الظنون» (1/ 602) : «الجمل في النحو» وسماه عبد اللطيف بن محمد رياض زاده في «أسماء الكتب» ص (126) : «الجمل» وعلق محققه الدكتور محمد ألتونجي في حاشيته بقوله: طبع في دمشق.

حتى صار أعرف أهل زمانه، وقدم بغداد واستوطنها، ودرّس النحو بالمدرسة النظامية مدة، وانتفع به خلق كثير، ومن جملة من أخذ عنه ملك النّحاة [1] الحسن بن صافي. وروى عنه أبو طاهر السّلفي قال: جالسته ببغداد وسألته عن أحرف في [2] العربية. وقال أنشدني لبعض النّحاة: النّحو شؤم كلّه فاعلموا ... يذهب بالخير [3] من البيت خير من النحو وأصحابه ... ثريدة تعمل بالزيت توفي يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة ببغداد. قال ابن خلّكان: ولم أعرف أنسبه بالفصيحي إلى كتاب «الفصيح» لثعلب أم لشيء آخر؟ وفيها أبو عبد الله نصير الدّين محمد بن عبد الله بن الحسين السّامرّي، الفقيه الفرضي الحنبلي، ويعرف بابن سنينة- بسين مهملة مضمومة ونونين مفتوحتين بينهما ياء تحتية ساكنة [4]-. قال ابن النجار: ولد سنة خمس وثلاثين وخمسمائة بسامرا. وسمع من ابن البطّي، وأبي حكيم النّهرواني، وغيرهما ببغداد، وتفقّه على أبي حكيم ولازمه، وبرع في الفقه والفرائض، وصنّف فيهما تصانيف

_ [1] تصحفت في «ط» إلى «ملك النجاة» . [2] في «وفيات الأعيان» : «من» . [3] في «وفيات الأعيان» : «بالخبز» . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 470- 471) و «تاريخ الإسلام» (62/ 288) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 144- 145) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 121- 122) .

مشهورة، منها كتاب «المستوعب» في الفقه، وكتاب «الفروق» وكتاب «البيان» [1] في الفرائض. وولي القضاء بسامرا وأعمالها مدة، ثم ولي القضاء والحسبة ببغداد، ثم عزل عن القضاء وبقي على الحسبة، ثم عزل عنها وولي إشراف ديوان الزّمام وعزل أيضا. ولقّب في أيام ولايته «معظّم الدّين» ولما عزل لزم بيته مدة، ثم أذن له بالعود إلى بلده فعاد إليها، ثم رجع إلى بغداد في آخر عمره وبها توفي. قال ابن النجار: كان شيخا جليلا فاضلا نبيلا حسن المعرفة بالمذهب والخلاف، له مصنفات فيها حسنة، وما أظنه روى شيئا من الحديث. وذكر ابن السّاعي المؤرخ أنه كتب عنه، وأجاز للشيخ عبد الرحيم بن الزّجّاج [2] . توفي ليلة الثلاثاء سابع عشري رجب ودفن بمقبرة باب حرب. وفي كتابيه «المستوعب» و «الفروق» فوائد جليلة ومسائل غريبة. وفيها أبو الحسين تاج الدّين يحيى بن [أبي] علي [منصور] بن الجرّاح ابن الحسين بن محمد بن داود [3] . كتب في ديوان الإنشاء بالدّيار المصرية مدة طويلة، وكان خطّه في غاية الجودة، وكان فاضلا أديبا متقنا، له فطرة حسنة، وشعر جيد رائق، ورسائل أنيقة. سمع الحديث بثغر الاسكندرية على السّلفي، وسمع الناس عليه، وله

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البستان» . [2] في «آ» و «ط» : «ابن الدجاج» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 472- 473) و «وفيات الأعيان» (6/ 254- 258) و «تاريخ الإسلام» (62/ 294- 295) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.

لغز في الدّملج [1] الذي تلبسه النساء، وهو: ما شيء قلبه حجر، ووجهه قمر، إن نبذته صبر، واعتزل البشر، وإن أجعته رضي بالنّوى، وانطوى على الخوى، وإن أشبعته قبّل قدمك، وصحب خدمك، وإن علقته ضاع، وإن أدخلته السوق أبى أن يباع، وإن أظهرته جمّل المتاع، وأحسن الإمتاع، وإن شددت ثانيه وحذفت منه القافية كدر الحياة، وأوجب التخفيف في الصلاة، وأحدث وقت العصر الضجر، ووقت الفجر الخدر، وجمع بين حسن العقبى وقبح الأثر، وإن فصلته دعا لك وأبقى [2] ، ما إن ركبته هالك، وربما بلّغك آمالك، وكثّر مالك وأحسن بعون المساكين مآلك، والسلام. وكانت ولادته خامس عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وتوفي خامس شعبان بدمياط.

_ [1] جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 297) : الدّملج والدّملوج: سوار يحيط بالعضد. [2] كذا في «آ» و «وفيات الأعيان» . وفي «ط» : «وإن» .

سنة سبع عشرة وستمائة

سنة سبع عشرة وستمائة في رجبها كانت وقعة البرلّس [1] بين الكامل والفرنج، وكان نصرا عزيزا، قتل من الملاعين عشرة آلاف، وانهزموا إلى دمياط. وفيها أخذت التتار خراسان وقتلوا أهلها، وكانوا أخذوا بخارى وسمرقند وقتلوا وما أبقوا، ثم عبروا نهر جيحون، وأبادوا ما هناك قتلا وسبيا وتخريبا إلى حدود العراق، بعد أن هزموا جيوش خوارزم شاه ومزقوهم، ثم عطفوا إلى قزوين فاستباحوها، ثم سارت فرقة كبيرة إلى أذربيجان فاستباحوها، وحاصروا تبريز وبها ابن البهلوان، فبذل لهم أموالا وتحفا، فرحلوا عنه ليشتوا على الساحل، فوصلوا إلى موغان [2] ، وحاربوا الكرج وهزموهم في ذي القعدة من هذه السنة. ثم ساروا إلى مراغة، فأخذوها [3] بالسيف. ثم كروا نحو إربل،

_ [1] جاء في حاشية «النجوم الزاهرة» (6/ 248) : البرلس من الثغور المصرية القديمة الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، بين دمياط ورشيد، وإليها تنسب بحيرة البرلس الواقعة في شمال مديرية الغربية. وانظر «معجم البلدان» (1/ 402) . [2] في «ط» : «مرغان» وهو خطأ. قال القزويني في «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (564) موغان: ولاية واسعة بها قرى ومروج بآذربيجان. وفي «تاريخ الإسلام» (62/ 42) : «مفرقان» وهو تحريف فتصحح. [3] في «ط» : «فأخذوا» .

فاجتمع لحربهم عسكر العراق والموصل مع صاحب إربل فهابوهم، وعرّجوا إلى همذان، فحاربهم أهلها أشد محاربة في العام المقبل، وأخذوها بالسيف وأحرقوها. ثم نزلوا على بيلقان [1] وأخذوها بالسيف، وقتلوا بلا استثناء، ثم حاربوا الكرج أيضا وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا. ثم سلكوا طرقا وعرة في جبال دربند شروان [2] وانبثوا في تلك الأراضي وبها اللّان، واللكز، وطوائف من التّرك، وفيهم قليل مسلمون، فاجتمعوا والتقوا وكانت الدّبرة على اللّان. ثم بيّتوا القفجاق وقتلوا وسبوا وأقاموا بتلك الدّيار، ووصلوا إلى سوادق [3] وهي مدينة القفجاق فملكوها، وأقاموا هناك إلى سنة عشرين وستمائة. ولما تمكّن الطاغية جنكزخان، وعتا وتمرّد، وأباد الأمم، وأذلّ العرب والعجم، قسّم عساكره، وجهز كل فرقة إلى ناحية من الأرض، ثم عادت إليه أكثر عساكره إلى سمرقند، فلا يقال: كم أباد هؤلاء من بلد، وإنما يقال: كم بقي. وكان خوارزم شاه محمد بطلا مقداما هجّاما، وعسكره أوباشا [4] ليس لهم ديوان ولا إقطاع، بل يعيشون من النهب والغارات. وهم تركيّ كافر، أو مسلم جاهل، لم يعرفوا تعبئة العسكر في المصافّ، ولم يدمنوا إلّا على

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سلفان» والتصحيح من «العبر» (5/ 65) و «تاريخ الإسلام» (62/ 43) وانظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (513) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «سروان» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «سوراق» بالراء فتصحح، وانظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 386) و «تاريخ الإسلام» (62/ 44) . قال ابن الأثير في «الكامل» : سوداق مدينة القفجاق وهي على بحر الخزر. وهو المعروف الآن ببحر قزوين. [4] في «العبر» طبع الكويت: «أوشابا» وفي «العبر» طبع بيروت: «أو شابا» وقد فصل محققه بين «أو» و «شابا» ! وصواب اللفظة كما أراده صاحب «العبر» : «أو شابا» . قال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (وشب) : الأوشاب: الأوباش والأخلاط واحده: وشب بالكسر.

المهاجمة، ولا لهم زرديّات ولا عدد جيدة [1] . ثم إنه كان يقتل بعض القبيلة ويستخدم باقيها، ولم يكن فيه شيء من المداراة ولا التؤدة لا لجنده ولا لعدوّه، وتحرّش بالتتار وهم يغضبون على من يرضيهم، فكيف بمن يغضبهم ويؤذيهم، فخرجوا عليه وهم بنو أب وأولو كلمة مجتمعة وقلب واحد ورئيس مطاع، فلم يمكن أن يقف مثل خوارزم شاه بين أيديهم، ولكل أجل كتاب، فطووا الأرض، وكلّت أسلحتهم وتكلكلت أيديهم مما قتلوا من النساء والأطفال، فضلا عن الرجال، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 قال ابن الأثير [2] : والتتار نوع من التّرك يسجدون للشمس عند شروقها، ويأكلون لحم بني آدم والدواب لا غير، ويأتي المرأة غير واحد، فإذا جاءت بولد لا يعرف من أبوه. ومساكنهم جبال طغماج [3] من نحو الصين. ملكوا الدّنيا في سنة واحدة. دوابهم التي تحمل أثقالهم تحفر الأرض وتأكل شروش العشب [4] ولا تعرف الشعير. وفيها توفي قاضي القضاة زكي الدّين [الطّاهر] بن قاضي القضاة محيي الدّين محمد بن الزّكي القرشي الدمشقي [5] . ولي قبل ابن الحرستاني، ثم بعده، وكان ذا هيبة وحشمة وسطوة، وكان الملك المعظّم يكرهه. فاتفق أن زكي الدّين طالب جابي العزيزيّة [6] بالحساب، فأساء الأدب

_ [1] في «العبر» بطبعتيه: «ولا عدد جند» . [2] انظر «الكامل» لابن الأثير (12/ 360) وقد نقل عنه بتصرف واختصار. [3] طغماج: مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الترك ذات قرى كثيرة. انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (411) . [4] في «الكامل» لابن الأثير: «وتأكل عروق النبات ... » . [5] انظر «العبر» (5/ 67) و «تاريخ الإسلام» (62/ 302- 304) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [6] العزيزية: من مدارس الشافعية التي كانت قديما بدمشق الشام. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» للنعيمي (1/ 382) .

بين يديه [1] ، فأمر بضربه بين يديه، فوجد المعظّم سبيلا إلى أذيّته، فبعث إليه بخلعة أمير قباء وكلّوته [2] وألزمه بلبسهما في مجلس حكمه ففعل، ثم قام فدخل ولزم بيته ثم مات كمدا. يقال: إنه رمى قطعا من كبده، ومات في صفر كهلا وندم المعظّم. وفيها الشيخ عبد الله اليونيني، وهو ابن عثمان بن عبد العزيز بن جعفر [3] ، الزاهد الكبير، أسد الشام. كان شيخا كبيرا [4] مهيبا طوالا، حادّ الحال، تامّ الشجاعة، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، كثير الجهاد، دائم الذّكر، عظيم الشأن، منقطع القرين، صاحب مجاهدات وكرامات. كان الأمجد صاحب بعلبك يزوره، فكان يهينه ويقول يا أميجد [5] أنت تظلم وتفعل. وهو يعتذر إليه، وقيل: كان قوسه ثمانين رطلا، وما كان يبالي بالرجال قلّوا أم كثروا. وكان ينشد هذه الأبيات ويبكي [6] : شفيعي إليكم طول شوقي إليكم ... وكل كريم للشفيع قبول وعذري إليكم أنني في هواكم ... أسير ومأسور الغرام ذليل

_ قال أبو شامة في «ذيل الروضتين» ص (117- 118) : جابي المدرسة المضروب هو السديد خطيب عقربا، واسمه: سالم بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل العقرباني. [1] كذا في «آ» و «ط» : «فأساء الأدب بين يديه» وفي «العبر» : «فأساء الأدب عليه» وفي «تاريخ الإسلام» : فأغلظ له في الخطاب» . [2] في «آ» و «ط» : «وكالوته» والتصحيح من «العبر» بطبعتيه و «ذيل الروضتين» و «تاريخ الإسلام» . [3] انظر «العبر» (5/ 67- 68) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 101- 103) و «تاريخ الإسلام» (62/ 304- 312) . [4] لفظة «كبيرا» لم ترد في «ط» و «العبر» مصدر المؤلف. [5] كذا في «آ» و «ط» : «يا أميجد» وفي «العبر» بطبعتيه و «تاريخ الإسلام» : «يا مجيد» . [6] الأبيات في «العبر» و «تاريخ الإسلام» (62/ 311) .

فإن تقبلوا عذري فأهلا ومرحبا ... وإن لم تجيبوا [1] فالمحبّ حمول سأصبر لا عنكم ولكن عليكم ... عسى لي إلى ذاك الجناب وصول قاله في «العبر» . وقال السخاوي: اقتات سنة بثلاثة دراهم، اشترى بدرهم دقيقا، وبدرهم سمنا، وبدرهم عسلا، ولتّه وجعله ثلاثمائة وستين كبّة، كان يفطر كل ليلة على كبّة. وقيل: إنه عمل مرة مجاهدة تسعين يوما، يفطر كل ليلة على حمّصة حتّى لا يواصل. وكان يأكل كل عشرة أيام أكلة. وعن الشيخ علي الشبلي قال: احتاجت زوجتي إلى مقنعة، فقلت: عليّ دين خمسة دراهم، فمن أين أشتري لك مقنعة؟ فنمت فرأيت من يقول لي: إذا أردت أن تنظر إلى إبراهيم الخليل فانظر إلى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز، فلما أصبحت أتيته بقاسيون، فقال لي: ما لك يا علي؟ اجلس، وقام إلى منزله وعاد ومعه مقنعة في طرفها خمسة دراهم، فأخذتها ورجعت [2] . انتهى. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : أصله من قرية من قرى بعلبك يقال لها: يونين [3] . كان صاحب رياضات وكرامات ومجاهدات، ولم يقم لأحد قطّ تعظيما لله تعالى، ولا ادّخر، ولا لمس بيده دينارا ولا درهما، زاهدا عفيفا، ما لبس قطّ سوى الثوب الخام وقلنسوة من جلود الغنم تساوي نصف درهم. وقال القاضي يعقوب قاضي البقاع: كنت يوما بدمشق عند الجسر الأبيض في مسجد هناك وقت الحرّ، وإذا بالشيخ عبد الله قد نزل يتوضأ وإذا

_ [1] في «آ» و «ط» : «وإن لم تحنوا» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [2] أقول: ليس معنى ذلك، أنه يعلم الغيب، فإنه لا يعلم ذلك إلا الله تعالى، وإنما جاءت عفوا. (ع) . [3] قال الزّبيدي في «تاج العروس» (يون) : يقال لها «يونان» و «يونين» بالضم.

بنصرانيّ عابر على الجسر ومعه بغل عليه حمل خمر، فعثر البغل على الطريق ووقع الحمل على الطريق وليس في الطريق أحد، فصعد الشيخ وصاح بي: يا فقيه تعال، فجئت، فقال: عاوني، فعاونته حتّى حمّل الحمل على البغل، وذهب النصراني، فقلت في نفسي: مثل الشيخ يفعل هذا! ثم مشيت خلف البغل إلى العقيبة، فجاء إلى دكان الخمّار وحطّ الحمل وفتح الظروف، فإذا هي قد صارت خلّا، فقال الخمّار: ويحك هذا خلّ، فبكى وقال: والله ما كانت إلّا خمرا [1] ، وإنما أنا أعرف العلّة، ثم ربط البغل في الحال وصعد إلى الجبل إلى عند الشيخ فدخل عليه وقال: يا سيدي أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وصار فقيرا من فقرائه. ولما قدم الشيخ حمص للغزاة قدّم له [2] الملك المجاهد أسد الدّين حصانا من خيله، فركبه الشيخ ودخل في العدو، فعمل العجائب، وما قامت غزاة بالشام قطّ إلّا حضرها. ولما كان يوم الجمعة في عشر ذي الحجّة، صلى الصبح بجامع بعلبك، واغتسل قبل صلاة الجمعة. وجاء داود المؤذن وكان يغسّل الموتى، فقال: ويحك يا داود، أنظر كيف تكون غدا؟ فما فهم داود، وقال: يا سيدي غدا نكون في خفارتك، وصعد الشيخ إلى المغارة، وكان قد أمر الفقراء أن يقطعوا صخرة عند اللّوزة التي كان ينام بجانبها، فقطعوها، فأصبح الشيخ، فصلى الصبح، وصعد إلى الخصرة والفقراء يتممون قطعها والسّبحة في يده، فطلعت الشمس وقد فرغوا منها والشيخ نائم والسّبحة في يده، فجاء خادم من القلعة في شغل فرآه قاعدا نائما، فما تجاسر أن يوقظه، فطال عليه ذلك، فقال: يا عبد الصمد! ما أقدر أقعد أكثر من هذا، فتقدم وقال: يا سيدي فما تكلّم فحركه، فإذا هو ميت، فارتفع الصياح، وجاء صاحب بعلبك فرآه على

_ [1] أقول: هذا من المبالغات التي لا سند لها. (ع) . [2] لفظة «له» لم ترد في «ط» .

تلك الحال فقال: ابنوا عليه بنيانا وهو على حالته، فقالوا: اتّباع السّنّة أولى، وجاء داود المؤذن فغسّله عند اللّوزة، وذلك يوم السبت وقد تجاوز الثمانين سنة، وقبره يزار ببعلبك، رحمه الله. وفيها أبو المظفّر بن السمعاني فخر الدّين عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعيد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن الإمام أبي المظفّر منصور بن محمد التميمي المروزي [1] الشافعي الفقيه المحدّث، مسند خراسان. ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وروى كتبا كبارا، منها «البخاري» و «مسند الحافظ أبي عوانة» و «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» و «تاريخ الفسوي» و «مسند الهيثم بن كليب» . سمع من وجيه الشحّامي، وأبي الأسعد القشيري، وخلق. رحّله أبوه إليهم بمرو، ونيسابور، وهراة، وبخارى، وسمرقند، ثم خرّج له أبوه «معجما» في ثمانية عشر جزءا، وكان مفتيا عارفا بالمذهب، وروى الكثير، ورحل الناس إليه، وسمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي، ومات قبله بدهر، وحدّث عنه الأئمة: ابن الصلاح، والضياء المقدّسي، والزّكي البرزالي، والمحب بن النجّار. وخرّج لنفسه «أربعين حديثا» وانتهت إليه رئاسة الشافعية ببلده، وختم به البيت السمعاني. عدم في دخول التتار ومرّ في آخر العام. وفيها قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى العلوي الحسنيّ [2] ، صاحب مكّة أبو عزيز [3] . عاش أكثر من ثمانين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 68- 69) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 107- 109) و «تاريخ الإسلام» (62/ 313- 316) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسيني» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [3] انظر «العبر» (5/ 69) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 159- 160) و «تاريخ الإسلام» (62/ 323- 324) و «العقد الثمين» (7/ 39- 61) .

وفيها خوارزم شاه محمد بن تكش السلطان الكبير علاء الدين [1] . كان ملكا جليلا أصيلا، عالي الهمّة، واسع الممالك، كثير الحروب، ذا ظلم وجبروت وغور ودهاء. تسلطن بعد والده علاء الدّين تكش، فدانت له الملوك، وذلّت له الأمم، وأباد أمة الخطا، واستولى على بلادهم إلى أن قهر بخروج التتار الطغماجية عسكر جنكزخان، واندفع قدّامهم، فأتاه أمر الله من حيث لا يحتسب، فما وصل إلى الرّيّ إلّا وطلائعهم على رأسه، فانهزم إلى قلعة برجين [2] وقد مسّه النصب، فأدركوه وما تركوه يبلع ريقه، فتحامل إلى همذان، ثم إلى مازندران، وقعقعة سلاحهم قد ملأت مسامعه، فنزل ببحيرة هناك، ثم مرض بالإسهال، وطلب الدواء فأعوزه، ومات. فقيل: إنه حمل إلى دهستان في البحر. وأما ابنه جلال الدّين [3] فتقاذفت به البلاد وألقته بالهند، ثم رمته الهند إلى كرمان، وقيل: بلغ عدد جيشه ثلاثمائة ألف، وقيل: أكثر من ذلك. وفيها أبو عبد الله شهاب الدّين محمد بن أبي المكارم الفضل بن بختيار بن أبي نصر البعقوبي [4] الخطيب الواعظ الحنبلي ويعرف بالحجّة [5] .

_ [1] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 371- 372) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 139- 143) و «تاريخ الإسلام» (62/ 326- 337) و «العبر» (5/ 69- 70) . [2] في «بلدان الخلافة الشرقية» ص (187) : وتعرف اليوم «أسّار لك» . [3] أخباره مبسوطة في أماكن متفرقة من الجزء الثاني عشر من «الكامل في التاريخ» . [4] تصحفت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «اليعقوبي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» . واليعقوبي: نسبة إلى «بعقوبا» قرية كبيرة كالمدينة بينها وبين بغداد عشر فراسخ. انظر «معجم البلدان» (1/ 453) . [5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 13- 14) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 123) .

ذكر أن مولده في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ببعقوبا [1] ، وسمع ببغداد من ابن الجوزي وطبقته، ومن أبي الوقت، والشيخ عبد القادر [2] وولي الخطابة ببلده بعقوبا [3] ، وحدّث بها وبإربل وغيرهما، وحدّث بأحاديث فيها وهم، فعرف الخطأ فيها فترك روايتها، وصنّف كتاب «غريب الحديث» و « «شرح العبادات الخمس» لأبي الخطّاب وقرأه على أبي الفتح بن المنّي سنة إحدى وثمانين، وكتب له عليه، قرأه على مصنّفه الشيخ الأجل العالم الفقيه بهاء الدّين حجّة الإسلام قراءة عالم بما فيه من غرائب الفوائد وعجائب الفرائد. توفي في جمادى الأولى بدقوقا ودفن بها. وفيها صدر الدّين، شيخ الشيوخ، أبو الحسن، محمد بن شيخ الشيوخ عماد الدّين عمر بن علي الجويني [4] . برع في مذهب الشافعي، وسمع من يحيى الثقفي، ودرّس وأفتى، وزوّجه شيخه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الإخوة الأمراء الأربعة، ثم ولي بمصر تدريس الشافعي، ومشهد الحسين، وبعثه الكامل رسولا يستنجد بالخليفة وجيشه على الفرنج، فأدركه الموت بالموصل. أجاز له أبو الوقت [السّجزيّ] وجماعة، وكان كبير القدر. وفيها الشيخ الكبير الشهير، كبير الشأن، ظاهر البرهان، المبارك على أهل زمانه، محمد بن أبي بكر الحكمي اليمني [5] ، نفع الله به. نشأ في

_ [1] في «آ» و «ط» : «بيعقوبا» وهو تصحيف والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» . [2] يعني الجيلاني. [3] في «آ» و «ط» : «يعقوبا» . [4] انظر «العبر» (5/ 70- 71) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 79- 80) و «تاريخ الإسلام» (62/ 340- 341) ولفظة «السجزي» التي بين الحاصرتين زيادة منه. [5] انظر «غربال الزمان» ص (500- 501) .

السلوك في بلده المصبرا- بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وقبل الألف راء، بلدة من نواحي رحبان- وبها قبر والده، ثم انتقل إلى ذوال ثم إلى سهام، وصحب بها الفقيه العالم الصالح المصلح محمد بن حسين البجليّ، وأخذ خرقة التصوف القادرية عن الشيخ علي الحداد، وسكن مع البجلي في عواجة حتّى مات هناك، ومات البجليّ بعده سنة إحدى وعشرين وستمائة، وقبراهما متلاصقان، وإلى جانبهما علي بن الحسين البجلي، ولهما زاوية محترمة، وذكر واسع، وكرامات جمّة، وذريّة أخيار، نعدد فيهم الصلحاء العلماء، وبصحبتهما ومحبتهما في الله يضرب المثل. قاله ابن الأهدل. وفيها صاحب حماة الملك المنصور محمد بن المظفّر تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب [1] . سمع من أبي الطاهر بن عوف، وجمع «تاريخا» على السنين في مجلدات. وقد تملّك حماة بعده ولده الناصر قلج أرسلان، فأخذها منه الكامل وسجنه ثم أعطاها لأخيه الملك المظفّر. وفيها المؤيد بن محمد بن علي بن حسن رضي الدّين أبو الحسن الطّوسي [2] المقرئ، مسند خراسان. ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة [3] ، وسمع «صحيح مسلم» من الفراوي، و «صحيح البخاري» من جماعة، وعدة كتب وأجزاء، وانتهى إليه علو الإسناد بنيسابور، ورحل إليه من الأقطار. توفي ليلة الجمعة العشرين من شوال.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 71) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 146- 147) و «تاريخ الإسلام» (62/ 341- 343) . [2] انظر «العبر» (5/ 71) و «تاريخ الإسلام» (62/ 346- 348) . [3] لفظة «وخمسمائة» لم ترد في «ط» .

وفيها ناصر بن مهدي الوزير نصير الدّين العجمي [1] قدم من مازندران سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، فوزر للخليفة الناصر سنتين ثم قبض عليه سنة أربع وستمائة، وعاش إلى هذا الوقت، توفي في جمادى الأولى. وفيها ابن هلالة الحافظ عبد العزيز بن الحسين [2] كان حافظا نقادا مجودا. قال ابن ناصر الدين في «بديعته» [3] : ثمّ فتى هلالة الطّبيري ... يفوح زهر خيره الكثير وأثنى عليه في شرحها.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 71) و «تاريخ الإسلام» (62/ 348) . [2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 316- 317) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (173/ ب) . [3] (24/ آ) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.

سنة ثمان عشرة وستمائة

سنة ثمان عشرة وستمائة استهلت والدّنيا تغلي بالتتار، وتجمّع إلى السلطان جلال الدّين بن خوارزم شاه كل عساكره، والتقى تولي خان بن جنكزخان، فانكسر تولي خان وأسر من التتار خلق وقتل آخرون ولله الحمد، فقامت قيامة جنكزخان، واشتد غضبه إذ لم ينهزم له جيش قبلها، فجمع جيشه وسار بهم إلى ناحية السّند، فالتقاه جلال الدّين في شوال من السنة، فانهزم جيشه أيضا وثبت هو وطائفة، ثم ولى جنكزخان منهزما وكادت الدائرة تدور عليه لولا كمين عشرة آلاف خرجوا على المسلمين، فطحنت الميمنة وأسروا [1] ولد السلطان جلال الدين فتبدد نظامه وتقهقر إلى حافة السّند. وأما بغداد فانزعج أهلها، وقنت المسلمون، وتأهب الخليفة واستخدم، وأنفق الأموال. وفيها تملّك التتار مراغة وخرّبوها وأحرقوها، وقتلوا أكثر أهلها، وساروا إلى بلاد الروس. وفيها سار الملك الأشرف ينجد أخاه الكامل، وسار معه عسكر الشام. وخرجت الفرنج من دمياط بالفارس والراجل أيام زيادة النيل، فنزلوا

_ [1] في «ط» : «وأسرو» وهو خطأ، وفي «العبر» : «وأسر» .

على ترعة، فبثق المسلمون عليها النيل، فلم يبق لهم وصول إلى دمياط، وجاء الأسطول فأخذوا مراكب الفرنج، وكانوا مائة كند [1] وثمانمائة فارس، فيهم صاحب عكا وخلق من الرجّالة، فلما عاينوا الخذلان تطلبوا الصلح على أن يسلّموا دمياط إلى الكامل، فأجابهم، ثم جاءه أخواه بالعساكر في رجب، فعمل سماطا عظيما، وأحضر ملوك الفرنج وأنعم عليهم، ووقف في خدمته المعظّم والأشرف، وكان يوما مشهودا، وقام راجح الحلّي [2] فأنشد قصيدة منها: ونادى لسان الكون في الأرض رافعا ... عقيرته في الخافقين ومنشدا أعبّاد عيسى إن عيسى وحزبه ... وموسى جميعا ينصران محمّدا وأشار إلى الإخوة الثلاثة. وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة نجم الدّين أبو الجناب الخيوقي أحمد بن عمر بن محمد [3] الصوفي المحدّث، شيخ خوارزم، ويقال له الكبرى. رحل [إلى] الأقطار راكبا وماشيا، وأدرك من المشايخ ما لا يحصى كثرة، ولبس خرقة التصوف النهر جورية من الشيخ إسماعيل القصري والسّهروردية للتبرك من الشيخ أبي ناصر عمّار بن ياسر، وسبق أقرانه في صغره إلى فهم المشكلات والغوامض، فلقبوه الطّامة الكبرى، ثم كثر استعماله، فحذفوا الطّامة وأبقوا الكبرى [4] . وخيوق المنسوب إليها من قرى خوارزم.

_ [1] جاء في حاشية «تاريخ الإسلام» (62/ 55) ما نصه: الكند: هو الكونت، ويجمعها المؤرخون المسلمون آنذاك على كنود. [2] سترد ترجمته في ص (217) من هذا المجلد. [3] انظر «العبر» (5/ 73) و «تاريخ الإسلام» (62/ 353- 355) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 111- 114) و «غربال الزمان» ص (501- 502) . [4] وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (62/ 353) : سمعت أبا العلاء الفرضي يقول: إنما هو نجم الكبراء، ثم خفّف وغيّر، وقيل: نجم الدّين الكبرى.

سمع بهمذان من الحافظ أبي العلاء، وبالإسكندرية من السّلفي، وعني بمذهب الشافعي والتفسير، وله «تفسير» في اثنتي عشرة مجلدة، واجتمع به الإمام فخر الدّين الرّازي فاعترف بفضله. قال عمر بن الحاجب: طاف البلاد، وسمع بها الحديث، واستوطن خوارزم، وصار شيخ تلك الناحية، وكان صاحب حديث وسنّة، ملجأ للغرباء، عظيم الجاه، لا يخاف في الله لومة لائم. وقال ابن الأهدل: استشهد- رضي الله عنه- بخوارزم في فتنة التتار، وذلك أن سلطانها لما فرّ [1] ، جمع الشيخ أصحابه وكانوا نحو ستين، فقال لهم: ارتحلوا إلى بلادكم، فإنه قد خرجت نار من المشرق تحرق إلى قرب المغرب، وهي فتنة عظيمة ما وقع في هذه الأمة مثلها، فقال له بعضهم: لو دعوت برفعها، فقال: هذا قضاء محكم لا ينفع فيه الدعاء. فقالوا له: تخرج معنا، فقال: إني أقتل هاهنا [2] ، فخرج أصحابه. فلما دخل الكفّار البلد، نادى الشيخ وأصحابه الباقون: الصلاة جامعة، ثم قال: قوموا نقاتل في سبيل الله، ودخل البيت ولبس خرقة شيخه، وحمل على العدو فرماهم بالحجارة، ورموه بالنبل، وجعل يدور ويرقص حتّى أصابه سهم في صدره فنزعه ورمى به نحو السماء، وفار الدم وهو يقول: إن أردت فاقتلني بالوصال أو بالفراق، ثم مات، ودفن في رباطه، رحمه الله تعالى. وفيها عبد الرحيم بن النّفيس بن هبة الله بن وهبان بن رومي بن سلمان بن محمد بن سلمان بن صالح بن محمد بن وهبان السّلمي الحديثي ثم البغدادي أبو نصر [3] الفقيه الحنبلي المحدّث. ولد في عاشر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة ببغداد، وسمع الكثير

_ [1] في «ط» : «لما قد» وهو خطأ وفي «غربال الزمان» : «لما مرّ» . [2] أقول: هذا أيضا من المبالغات، ولا يعلم الغيب إلا الله. (ع) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 128- 130) .

من أبي الفتح بن شاتيل وخلق، وبالغ في الطلب، وارتحل فيه إلى الشام، والجزيرة، ومصر، والعراق، وخراسان، وما وراء النهر، وخوارزم، وتفقه في المذهب، وتكلّم في مسائل الخلاف. وحدّث ببغداد ودمشق وغيرهما. قال ابن النجار: كان مليح الخطّ، صحيح النقل والضبط، حافظا، متقنا، ثقة، صدوقا، له النظم والنثر الجيد. كان من أكمل الناس ظرفا ولطفا، وحسن خلق، وطيب عشرة وتواضع، وكمال مروءة، ومسارعة إلى قضاء حوائج الإخوان. ومن شعره: سلوا فؤادي هل صفا شربه ... منذ [1] نأيتم عنه أو راقا؟ وهل يسلّيه إذا غبتم ... إن أودع التسليم أوراقا؟ قتل شهيدا في فتنة التتار بخراسان. وفيها أبو القاسم عبد الغني بن قاسم بن عبد الرزاق بن عيّاش الهلباوي المقدسي الأصل المصري [2] ، الفقيه الحنبلي الزاهد. سمع بمصر من البوصيري وغيره، وتفقّه في المذهب، وانقطع إلى الحافظ عبد الغني [3] ولازمه، وكتب عنه كثيرا من مصنّفاته وغيرها. ذكر ذلك المنذري. وقال: سمع معنا من جماعة من شيوخنا، وصحب جماعة من المشايخ، وكان صالحا مقبلا على مصالح نفسه، منفردا، قانعا باليسير، يظهر التجمل مع ما هو عليه من الفقر، وحدّث. وتوفي ليلة ثامن عشر صفر ودفن من الغد بسفح المقطّم.

_ [1] في «آ» و «ط» : «مذ» وما أثبتناه يقتضيه الوزن. [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 35) و «تاريخ الإسلام» (62/ 365) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 123- 124) وقد تحرفت «الهلباوي» فيه إلى «الهناوي» . [3] يعني المقدسي كما جاء مبينا في «التكملة» .

وفيها عبد المعزّ بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد أبو روح الهرويّ البزّاز ثم الصوفي [1] ، مسند العصر. ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وسمع من تميم الجرجاني، وزاهر الشحّامي وطبقتهما، وله «مشيخة» في جزء. روى شيئا كثيرا، واستشهد في دخول التتار هراة في ربيع الأول، وهو آخر من كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبعة أنفس ثقات. قاله في «العبر» . وفيها أبو محمد عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني الدمشقي [2] الحافظ. تكلم فيه ابن النجار بعدم تحريره في الحديث، وفقد بنيسابور لما دخلتها التتار بالسيف. قال ابن ناصر الدّين [3] : مثاله المفقود ذا الشيباني ... عبد العزيز اللّين المباني أي الضعيف. وفيها أبو الحسن علي بن ثابت بن طالب بن الطالباني البغدادي الأزجي [4] الفقيه الحنبلي الواعظ موفق الدّين. سمع ببغداد من صالح ابن الرحلة، وشهدة، وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل، وتفقه ببغداد على ابن المنّي، واشتغل بالموصل بالخلاف على ابن يونس الشافعي، وأقام بحرّان مدة عند الخطيب ابن تيمية، ثم جرى بينه وبينه نكد، فقدم دمشق ثم رجع وأقام برأس العين من أرض الجزيرة ووعظ هناك، وانتفع به.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 74) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 114- 115) . [2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 365) و «التبيان شرح بديعة البيان» (174/ آ) . [3] في «بديعة البيان» (24/ آ) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب. [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 125- 128) .

قال ابن نقطة: سمعت منه وسماعه صحيح. وقال المنذري: له اختيارات في المذهب. وفيها القاسم بن المفتي أبي سعد عبد الله بن عمر أبو بكر بن الصفّار النيسابوري [1] الشافعي الفقيه. روى عن جدّه العلّامة عمر بن أحمد الصفّار، ووجيه الشّحّامي، وأبي الأسعد القشيري، وطائفة، وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. استشهد في دخول التتار نيسابور في صفر. وفيها الشهاب محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال بن عيسى بن موسى بن الفتح بن زريق المقدسي ثم الدمشقي [2] الإمام أبو عبد الله الحنبلي الفقيه المناظر. ولد سنة خمسين وخمسمائة بجمّاعيل، ثم قدم دمشق وسمع بها من أبي المكارم بن هلال. وقدم مصر فسمع بها بالإسكندرية من السّلفي وأكثر عنه. وقدم بغداد فسمع من ابن الخشّاب، وشهدة وطبقتهم، وتفقه بها في المذهب والخلاف على ابن المنّي حتى برع. وكان بحاثا مناظرا مفحما للخصوم، ذا حظ من صلاح وأوراد وسلامة صدر. أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر. قال المنذري: لقيته بدمشق وسمعت منه، وكان كثير المحفوظات، متحريا في العبادات، حسن الأخلاق. وقال أبو المظفّر سبط ابن الجوزي: كان زاهدا عابدا ورعا، فاضلا في

_ [1] انظر «العبر» (5/ 74- 75) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 139) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 36- 37) و «العبر» (5/ 75) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 124- 125) .

فنون العلوم، وحفظ «المقامات الحريرية» في خمسين ليلة فتشوش خاطره، وكان يغسل باطن عينيه حتّى قلّ نظره. وكان سليم الصدر من الأبدال، ما خالف أحدا قطّ، رأيته يوما وقد خرج من جامع الجبل، فقال له إنسان: ما تروح إلى بعلبك؟ فقال: بلى، فمشى من ساعته إلى بعلبك بالقبقاب. وقال أبو شامة: كنت أراه يوم الجمعة قبل الزوال يجلس في درج المنبر السفلي بجامع الجبل، وبيده كتاب من كتب الحديث وأخبار الصالحين يقرؤه على الناس، إلى أن يؤذن المؤذن للجمعة. وتوفي يوم الأحد سلخ صفر، ودفن بسفح قاسيون. وفيها أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني المحدّث الدمشقي [1] . ديّن، صالح ورع. روى عن أحمد بن حمزة بن الموازيني، وابن كليب، وطبقتهم. توفي بالمدينة النبوية في المحرّم [2] كهلا. وفيها أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي [3] . روى عن أبيه، وابن ناصر، وسعيد بن البنّا، وأبي الوقت. وسكن دمشق، وكان عريا من العلم. توفي في أول جمادى الآخرة عن ثمانين سنة قاله في «العبر» . وفيها أبو الفتوح برهان الدّين نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج أحمد بن الحصري الهمذاني البغدادي الحنبلي [4] المقرئ المحدّث الحافظ الزاهد الأديب. نزيل مكة. ولد في شهر رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة. وقرأ القرآن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 75) و «تاريخ الإسلام» (62/ 384- 385) . [2] في «آ» و «ط» : «في الحرم» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [3] انظر «العبر» (5/ 75) و «تاريخ الإسلام» (62/ 389) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 130- 132) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (204) .

بالروايات على أبي بكر بن الزّاغوني، وأبي الكرم الشهرزوري، وابن السمين، وابن الدجّاجي، وجماعة. وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت [السجزي] وغيره وخلق كثير. منهم الشيخ عبد القادر [1] ، وعني بهذا الشأن، ثم خرج من بغداد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فاستوطنها وأمّ بها بالحنابلة، وكان شيخا صالحا متعبدا. قال ابن الدّبيثي: كان ذا معرفة بهذا الشأن [2] ونعم الشيخ كان، عبادة، وثقة. قال ابن النجار- هو خاتمة أصحابه-: كان حافظا حجة نبيلا، جمّ الفضائل، كثير المحفوظ، من أعلام الدّين وأئمة المسلمين. حدّث بالكثير ببغداد، ومكة، وسمع منه خلق كثير من الأئمة والحفاظ [3] ، منهم الدّبيثي، وابن نقطة، وابن النجار، والضياء، والبرزالي، وابن خليل. وقال ابن الحنبلي: مات بالمهجم من أرض اليمن في شهر ربيع الآخر، وكان خروجه إلى اليمن بأهله لقحط وقع بمكة. وكان ذا عائلة، فنزح بهم إلى اليمن. في نحو سنة ثمان عشرة، أي هذه السنة. وفيها هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس السّديد أبو محمد الدمشقي [4] . سمّعه أبوه من نصر الله المصّيصي، وابن البن، وكان كثير التلاوة. توفي في جمادى الأولى.

_ [1] يعني الجيلاني. [2] يعني علوم الحديث. [3] في «ط» : «من الأئمة الحفاظ» . [4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 390- 391) و «العبر» (5/ 76) .

وفيها أبو الدّر ياقوت بن عبد الله [1] الموصلي [2] الكاتب المجيد المشهور، الملقب أمين الدّين، المعروف بالملكي، نسبة إلى السلطان ملكشاه. سكن الموصل، وأخذ النحو عن ابن الدهّان، وكان ملازما قراءة «ديوان» المتنبي و «المقامات» وكتب بخطّه الكثير، وانتشر خطّه في الآفاق، وكان خطّه في نهاية الحسن، ولم يؤدّ أحد طريقة ابن البوّاب مثله، مع فضل غزير ونباهة، وكان مغرى بنقل «صحاح» الجوهري، وكتب منها نسخا كثيرة كل نسخة في مجلد، وكتب عليه خلق كثير وانتفعوا به، وكانت له سمعة كثيرة في زمنه، مات في هذه السنة وقد أسنّ وتغيّر خطّه كثيرا. وفيها سالم بن سعادة الحمصي [3] الشاعر، مات بحلب. ومن شعره: وروض أريض من شقيق ونرجس ... لنوريهما من تحت قضب الزّبرجد خدود عقيق تحت خالات عنبر ... وأجفان درّ حول أحداق عسجد وفيها جلال الدّين [الحسن، حفيد] الحسن [بن] الصّبّاح [4] ، صاحب الألموت، وكردكوه [5] ، وهو مقدّم الإسماعيلية، وكان قد أظهر شريعة الإسلام من الأذان وغيره وولّى بعده ولده الأكبر.

_ [1] تنبيه: في «آ» و «ط» : «ياقوت المستعصمي بن عبد الله الموصلي» وهو وهم من المؤلف رحمه الله، والصواب حذف لفظة «المستعصمي» لأنها سبقت إلى ذهن المؤلف فإن ياقوتا المستعصمي مات سنة (698) كما سيأتي في أواخر أحداثها من هذا الكتاب ص (773) لذا قمت بحذفها. [2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 119- 122) و «النجوم الزاهرة» (5/ 283) . [3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر. [4] انظر «الكامل في التاريخ» (12/ 405) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 158- 159) و «تاريخ الإسلام» (62/ 358) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [5] في «آ» و «ط» : «ودردكوه» وما أثبته من «الكامل في التاريخ» .

سنة تسع عشرة وستمائة

سنة تسع عشرة وستمائة فيها توفي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني المالكي [1] . روى عن السّلفي وجماعة، وهو من بيت قضاء وحشمة. توفي في جمادى الآخرة. وفيها ابن الأنماطي الحافظ تقي الدّين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري الشافعي [2] . قال عمر بن الحاجب: كان إماما ثقة حافظا، مبرّزا، واسع الرواية، وعنده فقه وأدب ومعرفة بالشعر وأخبار الناس. قال: وسألت الحافظ الضياء عنه فقال: حافظ ثقة مفيد إلّا أنه كان كثير الدعابة مع المرد. وقال ابن النجار [3] : ولد سنة سبعين وخمسمائة، واشتغل من صباه، وتفقّه وأقرأ الأدب [4] وسمع الكثير، وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين، ثمّ حجّ سنة إحدى وستمائة وقدم مع الركب، وكانت له همّة وافرة وجدّ واجتهاد

_ [1] انظر «العبر» (5/ 76) و «تاريخ الإسلام» (62/ 395- 396) . [2] انظر «العبر» (5/ 76) و «تاريخ الإسلام» (62/ 399- 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 134- 135) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن البخاري» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وافر الأدب» .

ومعرفة كاملة، وحفظ وفصاحة، وفقه، وسرعة فهم، واقتدار على النّظم والنثر. وكان معدوم النظير في وقته [1] . قال الضياء: بات صحيحا فأصبح لا يقدر على الكلام أياما، واتصل به ذلك حتّى مات في رجب. وفيها ثابت بن مشرّف أبو سعد [2] الأزجي البنّاء المعمار [3] . روى عن ابن ناصر والكروخي وطبقتهما فأكثر، وحدّث بدمشق وحلب، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها الشيخ عليّ بن [أبي بكر محمد بن عبد الله بن] إدريس اليعقوبيّ [4] الزاهد، صاحب الشيخ عبد القادر الكيلاني، سيّد زاهد عابد ربّاني متألّه، بعيد الصيت. توفي في ذي القعدة. وفيها أبو الفضائل شهاب الدّين عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب ابن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي بن الحنبلي [5] الفقيه الحنبلي، أخو ناصح الدّين [عبد الرّحمن الآتي ذكره إن شاء الله تعالى، وهو أصغر من الناصح بتسع سنين. سمع ببغداد من نصر الله] [6] القزّاز. وأجاز له الحافظ أبو موسى المديني وغيره، وتفقّه، وبرع، وأفتى، وناظر، ودرّس بمدرسة جدّه بدمشق، وهي الحنبلية جوار الرواحية سكن بني الأسطواني.

_ [1] في «ط» : «لي وقته» وهو خطأ. [2] لفظة «أبو سعد» سقطت من «آ» . [3] انظر «العبر» (5/ 76- 77) و «تاريخ الإسلام» (62/ 400- 401) . [4] انظر «العبر» (5/ 77) و «تاريخ الإسلام» (62/ 409- 410) و «النجوم الزاهرة» (6/ 254) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما وقد سقط من «العبر» بطبعتيه فيستدرك. [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 132- 133) . [6] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» .

قال أبو شامة: هو أخو البهاء والناصح، وهو أصغرهم، وكان أبرعهم في الفقه والمناظرة والمحاكمات، بصيرا بما يجري عند القضاة في الدعاوى والبينات. وقال ابن السّاعي في «تاريخه» : كان فقيها، فاضلا، خيّرا، عارفا بالمذهب والخلاف. وقال غيره: كان ذا قوة وشهامة، وانتزع مسجد الوزير من يد العلم السخاوي، وبقي للحنابلة. توفي في [1] سابع ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون. وفيها العلّامة كمال الدّين علي بن محمد بن يوسف بن النّبيه [2] ، الكاتب الشاعر، صاحب ديوان رسائل الملك الأشرف موسى بن العادل، وله ديوان شعر مشهور كله ملح، فمن شعره: بدر تمّ له من الشّعر هاله ... من رآه من المحبّين هاله قصر الليل حين زار ولا غر ... وغزال غارت عليه الغزالة يا نسيم الصّبا عساك تحمّل ... ت لنا من سكان نجد رسالة كلّ مسعولة المراشف بيضا ... ء حمتها سمر القنا العسّاله وله: أمانا أيّها القمر المطلّ ... فمن جفنيك أسياف تسلّ يزيد جمال وجهك كلّ يوم ... ولي جسد يذوب ويضمحلّ يميل بطرفه التركيّ عنّي ... صدقتم إنّ ضيق العين بخل

_ [1] لفظة «في» سقطت من «ط» . [2] انظر «فوات الوفيات» (3/ 66- 73) و «تاريخ الإسلام» (62/ 410) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 178) .

أيا ملك [1] القلوب فتكت فيها ... وفتكك في الرّعية لا يحلّ قليل الوصل يقنعها فإن لم ... يصبها وابل منه فطلّ وله: لماك والخدّ النّضر ... ماء الحياة والخضر أخذتني يا تاركي ... أخذ عزيز مقتدر أحلت سلواني على ... ضامن قلب منكسر ونمت عن ذي أرق ... إذا غفا النّجم سهر قد أضحت الترك به ... ذا العربيّ تفتخر [2] وليّ عهد البدر إن ... غاب فإنّي منتظر في خلقه وخلقه ... ما في الغزال والنّمر ترعاه أحداق الورى ... فحيثما سار تسر وفيها أبو العبّاس الخضر بن نصر الإربلي [3] الفقيه الشافعي، تفنن في العلوم، مع الزهد والورع، وهو أول من درّس بإربل، وله تصانيف حسان في التفسير والفقه، وله كتاب ذكر فيه ستا وعشرين خطبة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلها مسندة، وانتفع به خلق كثير. قاله ابن الأهدل.

_ [1] في «آ» : «أيا مالك» . [2] رواية البيت في «فوات الوفيات» : قلبي على الترك به ... ذا البدويّ يفتخر [3] تنبيه: كذا أورد المؤلف ترجمته هنا في حوادث سنة (619) هـ وهو وهم منه تبع فيه ابن الأهدل وابن الأهدل تبع في ذلك اليافعي في «مرآة الجنان» (4/ 45- 46) وقد تبعهم في ذلك أيضا العامري في «غربال الزمان» ص (502) والصواب أنه مات سنة (567) والمتوفى سنة (619) إنما هو ابن أخيه (نصر بن عقيل) الذي سيترجم المؤلف له بعد قليل. انظر «وفيات الأعيان» (2/ 237- 238) و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 83) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 118- 119) .

وفيها الحافظ محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي الملّاحي الأندلسي الغرناطي المالكي أبو القاسم [1] . كان إماما، حافظا، مكثرا، من الأثبات. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أبو القاسم نصر بن عقيل بن نصر الإربلي [2] . ولد بإربل سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وتفقه بها على عمه أبي العبّاس الخضر المتوفى في هذا العام أيضا [3] ، ثم توجه إلى بغداد سنة ستمائة، فآذاه متوليها [4] مظفّر الدّين، واستولى على أملاكه، فتوجه إلى الموصل سنة ست وستمائة، فأقبل عليه صاحبها الأتابك نور الدّين أرسلان شاه بن مسعود، وأحسن إليه، ورتّب له كفايته، ولم يزل مكرّما إلى أن مات بها في رابع عشر ربيع الآخر. ذكره التفليسي. وفيها الشيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشّيباني المخارقي القنيّي [5]- نسبة إلى القنيّة، قرية من نواحي ماردين [6]- وهذا شيخ الطائفة اليونسية أولي الشّطح وقلة العقل وكثرة الجهل، أبعد الله شرّهم. وكان- رحمه الله- صاحب حال وكشف. يحكى عنه كرامات. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 162- 163) و «تاريخ الإسلام» (62/ 415- 416) و «التبيان شرح بديعة البيان» (174/ آ) . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 388) و «تاريخ الإسلام» (62/ 419) . [3] سبق أن نبهت عند التعليق على ترجمة (الخضر بن نصر) المتقدمة قبل قليل إلى وهم المؤلف رحمه الله تعالى في إيراده مع وفيات هذا العام، وأن الصواب وفاته سنة (567) هـ. [4] في «آ» و «ط» : «بتوليها» وما أثبته يقتضيه السياق. [5] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 256- 257) و «العبر» (5/ 77- 78) و «تاريخ الإسلام» (62/ 424- 426) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 178- 179) . [6] قال ابن خلّكان: القنيّة: تصغير قناة.

وقال ابن خلّكان: سألت رجلا من أصحابه عنه فقال: كنا مسافرين والشيخ يونس معنا، فنزلنا في الطريق بين سنجار وعانة، وهي مخوفة فلم يقدر أحد منا ينام من شدة الخوف، ونام الشيخ يونس، فلما انتبه قلنا له: كيف قدرت تنام؟ فقال: والله ما نمت حتّى جاء إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام، وتدرك القفل، ورحلنا سالمين ببركة الشيخ يونس [1] . ومن شعره مواليا: أنا حميت الحمى وأنا سكنت [2] فيه ... وأنا رميت الخلائق في بحار التّيه من كان يبغي العطا منّي أنا أعطيه ... أنا فتى ما أداني من به تشبيه وله: إذا صرت [3] سندانا فصبرا على الذي ... ينالك من مكروه دقّ المطارق لعلّ اللّيالي أن تعيدك ضاربا ... فتضرب أعناق العدا بالبوارق توفي بقريته القنيّة وقد ناهز التسعين، وقبره مشهور هناك.

_ [1] هذا من المبالغات التي لا يقرها شرعنا الحنيف. [2] كذا في «آ» و «ط» ، وفي «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» : «سكنتو» . [3] في «ط» : «إذا صوت» وهو تحريف.

سنة عشرين وستمائة

سنة عشرين وستمائة فيها كانت الملحمة الكبرى بين التتار وبين القفجاق والرّوس، وثبت الجمعان أياما، ثم انتصرت التتار وغسلوا [1] أولئك بالسيف. وفيها توفي الشيخ أبو علي الحسن بن زهرة الحسيني النّقيب [2] ، رأس الشيعة بحلب، وعزّهم وجاههم وعالمهم. كان عارفا بالقراءات، والعربية، والأخبار، والفقه، على رأي القوم، وكان متعينا للوزارة، ونفذ رسولا إلى العراق وغيرها، واندكت الشيعة بموته. وفيها الحسين [3] بن يحيى بن أبي الردّاد المصري، ويسمى أيضا محمدا [4] . كان آخر من روى بنفس مصر عن ابن رفاعة. توفي في ذي القعدة. وفيها الشيخ موفق الدّين المقدسي أحد الأئمة الأعلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي [5] صاحب التصانيف. ولد بجمّاعيل سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهاجر مع أخيه الشيخ أبي عمر سنة إحدى وخمسين، وحفظ القرآن، وتفقه، ثم ارتحل إلى بغداد،

_ [1] في «آ» و «ط» : «وغلّوا» والتصحح من «العبر» بطبعتيه. [2] انظر «العبر» (5/ 78) و «تاريخ الإسلام» (429- 430) . [3] في «آ» و «ط» : «الحسن» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [4] انظر «العبر» (5/ 78- 79) و «تاريخ الإسلام» (430- 431) . [5] انظر «العبر» (5/ 79- 80) و «تاريخ الإسلام» (62/ 434- 448) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 165- 173) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 133- 149) و «القلائد الجوهرية» (2/ 465- 470) طبعة المجمع.

فأدرك الشيخ عبد القادر [1] ، فسمع منه، ومن هبة الله الدقّاق، وابن البطّي وطبقتهم، وتفقه على ابن المنّي حتّى فاق على الأقران، وحاز قصب السبق، وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله، وكان مع تبحّره في العلوم ويقينه، ورعا زاهدا تقيّا ربّانيا، عليه هيبة ووقار، وفيه حلم وتؤدة، وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل، وكان يفحم الخصوم بالحجج والبراهين، ولا يتحرّج ولا ينزعج، وخصمه يصيح ويحترق. قال الحافظ الضياء: كان تامّ القامة، أبيض، مشرق الوجه، أدعج العينين، كأن النّور يخرج من وجهه لحسنه، واسع الجبين، طويل اللّحية، قائم الأنف، مقرون الحاجبين، لطيف اليدين [2] ، نحيف الجسم، إلى أن قال: رأيت الإمام أحمد في النوم فقال: ما قصّر صاحبكم الموفق في شرح «الخرقي» [3] . وسمعت أبا عمرو [4] بن الصلاح المفتي يقول: ما رأيت مثل الشيخ الموفق. وسمعت شيخنا أبا بكر بن غنيمة المفتي ببغداد يقول: ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلّا الشيخ الموفق. قلت: جمع له الضياء ترجمة في جزءين، ثم قال: توفي في يوم عيد الفطر. قاله جميعه في «العبر» . وذكر الناصح بن الحنبلي [5] : أنه حجّ سنة أربع وسبعين وخمسمائة،

_ [1] يعني الجيلاني رحمه الله تعالى وهو عبد القادر بن موسى، وقد توفي ببغداد سنة (561) هـ. [2] في «آ» و «ط» : «لطيف البدن» وما أثبته في «العبر» . [3] يعني «مختصر الخرقي» ومعلوم أنه شرحه في كتابه العظيم «المغني» وسوف يذكر المؤلف ذلك بعد قليل. [4] في «ط» : «أبا عمر» وهو خطأ. [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 134) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (186) وما بين الحاصرتين مستدركة منه.

ورجع مع وفد العراق إلى بغداد، وأقام بها [سنة] . واشتغلنا جميعا على الشيخ أبي الفتح [بن المنّي] ثم رجع إلى دمشق واشتغل بتصنيف كتاب «المغني في شرح الخرقي» فبلغ الأمل في إتمامه، وهو كتاب بليغ في المذهب، عشر مجلدات، تعب عليه وأجاد فيه، وجمّل به [1] المذهب. وقرأه عليه جماعة، وانتفع بعلمه طائفة كثيرة. قال: ونشأ على سمت [2] أبيه وأخيه، في الخير، والعبادة، وغلب عليه الاشتغال بالفقه والعلم. وقال سبط ابن الجوزي: كان إماما في فنون كثيرة، ولم يكن في زمانه- بعد أخيه أبي عمر، والعماد [3]- أزهد ولا أورع [4] منه. وكان كثير الحياء، عزوفا [5] عن الدّنيا وأهلها، هينا، لينا، متواضعا، محبا للمساكين، حسن الأخلاق، جوادا، سخيا، من رآه كأنما رأى بعض الصحابة، وكأن النّور يخرج من وجهه. كثير العبادة، يقرأ كل يوم وليلة سبعا من القرآن، ولا يصلي ركعتي السّنّة إلّا في بيته اتباعا للسّنّة. وكان يحضر مجالسي دائما بجامع دمشق وقاسيون. وقال أبو شامة: كان شيخ الحنابلة موفق الدّين إماما من أئمة المسلمين، وعلما من أعلام الدّين في العلم والعمل، وصنّف كتبا حسانا في الفقه وغيره، عارفا بمعاني الأخبار والآثار. سمعت عليه أشياء، وجاءه مرّة الملك العزيز بن الملك العادل يزوره، فصادفه يصلي، فجلس بالقرب منه

_ [1] لفظة «به» سقطت من «آ» . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سمعت» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] أقول: أخوه أبو عمر: هو محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة (607) هـ وقد تقدم صفحة (50) . والعماد: هو إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، أخو الحافظ عبد الغني المقدسي، توفي سنة (614) هـ وقد تقدم صفحة (105) من هذا المجلد (ع) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أروع» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] في «ط» : «عفوفا» وهو تحريف.

إلى أن فرغ من صلاته، ثم اجتمع به ولم يتجوز في صلاته. ومن أظرف [1] ما حكي عنه: أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة، فيها رمل يرمّل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإجازات وغيرها، فاتفق ليلة أن [2] خطفت عمامته، فقال لخاطفها: يا أخي خذ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها وردّ العمامة أغطي بها رأسي وأنت في أوسع الحلّ مما في الورقة، فظن الخاطف أنها فضة، ورآها ثقيلة، فأخذها وردّ العمامة، وكانت صغيرة عتيقة، فرأى أخذ الورقة خيرا منها بدرجات، فخلّص الشيخ عمامته بهذا الوجه اللّطيف. وقال أبو العباس بن تيمية: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق، رحمه الله. وقال الضياء: كان- رحمه الله تعالى- إماما في القرآن، إماما في التفسير، إماما في علم الحديث ومشكلاته، إماما في الفقه، بل أوحد زمانه [فيه، إماما] [3] في علم الخلاف، أوحد زمانه في الفرائض، إماما في أصول الفقه، إماما في النحو، إماما في الحساب، إماما في النجوم السّيّارة والمنازل. قال: ولما قدم بغداد قال له الشيخ أبو الفتح بن المنّي: اسكن هنا، فإن بغداد مفتقرة إليك، وأنت تخرج من بغداد ولا تخلّف فيها مثلك. وكان العماد [4] يعظّم الموفق تعظيما كثيرا، ويدعو له، ويقعد بين يديه، كما يقعد المتعلم من العالم.

_ [1] في «ط» : «ومن أطرف» . [2] لفظة «أن» لم ترد في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [4] يعني عماد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، أخو الحافظ عبد الغني المقدسي، المتوفى سنة (614) هـ وقد تقدم صفحة (105) .

وقال ابن غنيمة: ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلّا الموفق. وقال أبو عمرو بن الصلاح: ما رأيت مثل الشيخ الموفق. وقال الشيخ عبد الله اليونيني: ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصّل بها الكمال سواه، فإنه- رحمه الله- كان إماما كاملا في صورته ومعناه، من الحسن، والإحسان، والحلم، والسؤدد، والعلوم المختلفة، والأخلاق الحميدة، والأمور التي ما رأيتها كملت في غيره. وقد رأيت من كرم أخلاقه وحسن عشرته، ووفور حلمه، وكثرة علمه، وغزير فضله وفطنته [1] ، وكمال مروءته، وكثرة حيائه، ودوام بشره، وعزوف نفسه عن الدّنيا وأهلها، والمناصب وأربابها، ما قد عجز عنه كبار الأولياء، فإن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال: «ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره» [2] فقد ثبت بهذا أن إلهام الذكر أفضل [من] الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى نفعه إلى العباد، وهو تعليم العلم والسّنّة، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلّة وطبعا، كالحلم، والكرم، والفضل [3] ، والعقل، والحياء، وكان قد جبله الله على خلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغا، وأسبغ عليه النّعم، فلطف به في كل حال. وقال ابن رجب: كان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره، لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات، ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء في

_ [1] في «ط» : «وغزير فطنته» . [2] ذكره الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/ 400) من رواية ابن أبي الدنيا عن أبي ذرّ رضي الله عنه بلفظ «ما من يوم وليلة إلا ولله عز وجل فيه صدقة يمنّ بها على من يشاء من عباده، وما من الله على عبد بأفضل من أن يلهمه ذكره» وصدّره بلفظ روي، وهذا دليل على ضعفه كما ذكر في مقدمته للكتاب، فهو حديث ضعيف. وهو قطعة من حديث أبي ذر ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 236- 237) وقال: رواه البزّار وفيه حسين بن عطاء، ضعّفه أبو حاتم وغيره، وذكره ابن حبّان في «الثقات» وقال: يخطئ ويدلس. [3] لفظة «والفضل» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» .

الكتاب والسّنّة من الصفات من غير تغيير ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تحريف، ولا تأويل ولا تعطيل. ومن تصانيفه في أصول الدّين «البرهان في مسألة القرآن» و «جواب مسألة وردت من صرخد في القرآن» جزء، و «الاعتقاد» [1] جزء، و «مسألة العلو» جزءان، و «ذم التأويل» جزء، و «كتاب القدر» جزءان، و «منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين» و «رسالة إلى الشيخ فخر الدّين بن تيمية في عدم تخليد أهل البدع في النار» و «مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام» . ومن تصانيفه في الحديث « [مختصر العلل للخلّال» مجلد ضخم، و «مشيخة شيوخه» أجزاء كثيرة. ومن تصانيفه في الفقه: «المغني» في عشر مجلدات، و «الكافي» [2] أربع مجلدات، و «المقنع» [3] مجلد] [4] و «مختصر الهداية» مجلد. و «العمدة» مجلد صغير، و «مناسك الحج» جزء، و «ذم الوسواس» جزء، وفتاوى ومسائل منثورة، ورسائل شتى كثيرة [5] و «الروضة في أصول الفقه» مجلد.

_ [1] واسمه الكامل «لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد» وقد طبع في دمشق عام (1391) هـ بمكتبة دار البيان بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ثم نشرته مكتبة الهدى في الرياض نشرة جديدة عام (1408) هـ اشتملت على زيادات وفوائد نافعة كتبها والدي في حواشي الكتاب. وهو كتاب صغير الحجم جمّ الفوائد لو عمل الإنسان بما فيه لكفاه إن شاء الله عن الخوض في الكتب المطولات في هذا الباب. [2] وقد قام بتحقيقه والدي حفظه الله بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، ونشره المكتب الإسلامي بدمشق في ثلاث مجلدات كبار عام (1382) هـ. [3] وهو مطبوع في مصر طبعة قديمة صورت مرات عدة، وقد حصلت على مصورتين لنسختين خطيتين نفيستين منه. [4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [5] في «آ» و «ط» : «ورسائل شيء كثير» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .

وله في اللغة والأنساب ونحو ذلك مصنفات. وله «كتاب التوابين» [1] و «كتاب المتحابين في الله» و «كتاب الرّقة والبكاء» وغير ذلك. وانتفع بتصانيفه المسلمون عموما، وأهل المذهب خصوصا، وانتشرت واشتهرت بحسن قصده وإخلاصه، ولا سيما كتابه «المغني» فإنه عظم النفع به، حتّى قال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم [2] مثل «المجلّى و «المحلّى» [3] وكتاب «المغني» للشيخ موفق الدّين بن قدامة في جودتهما وتحقيق ما فيهما. ونقل عنه أيضا أنه قال: ما طابت نفسي بالفتيا حتّى صار عندي نسخة «المغني» مع أنه كان يسامي الشيخ في زمانه. وقال سبط ابن الجوزي: أنشدني الموفق لنفسه: أبعد بياض الشّعر أعمر مسكنا ... سوى القبر إني إن فعلت لأحمق يخبّرني شيبي بأني ميّت ... وشيكا وينعاني إليّ فيصدق يخرّق عمري كل يوم وليلة ... فهل مستطيع رفو [4] ما يتخرّق [5] كأني بجسمي فوق نعشي ممدّدا ... فمن ساكت أو معول يتحرّق إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا ... وأدمعهم تنهلّ هذا الموفّق وغيّبت في صدع من الأرض ضيّق ... وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق

_ [1] وقد طبع في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق أول مرة بتحقيق جورج المقدسي، ولكن تلك الطبعة جاءت خالية من الضبط والإتقان والشرح والبيان والتخريج والتوضيح والتعليق على المواطن المهمة، فتصدى لتحقيق ذلك كله والدي حفظه الله وصدرت الطبعة التي حققها منه عن دار البيان بدمشق عام (1389) هـ، ثم صورت مرات كثيرة في دور نشر مختلفة ببيروت. وقد قمت باختصاره بالاشتراك مع الأستاذ حسن مروة، ونشرته دار الخير بدمشق. [2] قوله: «في العلم» لم يرد في «آ» . [3] وهما للإمام ابن حزم الأندلسي، وقد شرح «المجلّى» بكتابه «المحلّى» . انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 194) . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «رفق» . [5] في «البداية والنهاية» لابن كثير (13/ 100) : «فهل مستطاع رقع ما يتخرق» . (ع) .

ويحثو عليّ التّرب أوثق صاحب ... ويسلمني للقبر من هو مشفق فيا ربّ كن لي مؤنسا يوم وحشتي ... فإني لما أنزلته لمصدّق وما ضرّني أني إلى الله صائر ... ومن هو من أهلي أبرّ وأرفق ومن شعره أيضا: لا تجلسنّ بباب من ... يأبى عليك دخول داره وتقول حاجاتي إلي ... هـ يعوقها إن لم أداره اتركه واقصد ربّها ... تقضى وربّ الدار كاره وتفقه على الشيخ موفق الدّين خلق كثير، منهم ابن أخيه الشيخ شمس الدّين عبد الرحمن. وروى عنه جماعة من الحفّاظ وغيرهم، منهم ابن الدّبيثي، والضياء، وابن خليل، والمنذري، وعبد العزيز بن طاهر بن ثابت الخيّاط المقرئ. وتوفي- رحمه الله تعالى- بمنزله بدمشق يوم السبت يوم عيد الفطر، وصلّي عليه من الغد، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن به، وكان جمع عظيم لم ير مثله. قال عبد الرحمن بن محمد [1] العلوي: كنا بجبل بني هلال، فرأينا على قاسيون ليلة العيد ضوءا عظيما، فظننا أن دمشق قد احترقت، وخرج أهل القرية ينظرون إليه، فوصل الخبر بوفاة الموفق، وسمّيت تربته بالروضة لأنه رؤي بعض الموتى المدفونون هناك في سرور عظيم، فسئل عن ذلك فقال: كنا في عذاب، فلما دفن عندنا الموفق صارت تربتنا روضة من رياض الجنة [2] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «محمد بن عبد الرحمن» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «القلائد الجوهرية» . [2] أقول: في هذه القصة أيضا مبالغات. (ع) .

وقال سبط ابن الجوزي: كان له أولاد: محمد، ويحيى، وعيسى، ماتوا كلّهم في حياته، وله بنات. ولم يعقب من ولد الموفق سوى عيسى، خلّف ولدين صالحين وماتا وانقطع عقبه. وفيها أبو أحمد عبد الحميد بن مرّي بن ماضي المقدسي [1] الفقيه الحنبلي، نزيل بغداد. سمع الكثير من ابن كليب وطبقته، وحدّث عنه بنسخة ابن عرفة، سمعها منه الحافظ الضياء، وتفقه في المذهب، وكان حسن الأخلاق، صالحا، خيّرا، متوددا. توفي ليلة الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة، ودفن بباب حرب. قال ابن النجار: أظنه جاوز الخمسين بيسير. وفيها فخر الدّين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الإمام المفتي الدمشقي الشافعي شيخ الشافعية بالشام [2] . ولد سنة خمسين وخمسمائة، وسمع من عمّيه الصائن، والحافظ أبي القاسم، وحسّان الزيّات، وطائفة. وبرع في المذهب على القطب النيسابوري، وتزوج بابنته، ودرّس بالجاروخية، ثم بالصلاحية بالقدس، ثم بالتقوية بدمشق، وكان يقيم بالقدس أشهرا وبدمشق أشهرا، وكان لا يملّ أحد من رؤيته لحسن سمته واقتصاده في لباسه، ولطفه ونور وجهه، وكثرة ذكره لله تعالى. قال ابن شهبة: كان لا يخلو لسانه من ذكر الله تعالى، وأريد على أن يلي القضاء فامتنع، وجهّز أهله للسفر إلى ناحية حلب، وأشار بتولية ابن الحرستاني.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 133) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 187- 190) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، (2/ 67- 69) .

وقال أبو المظفّر [1] : كان زاهدا، عابدا، ورعا، منقطعا إلى العلم والعبادة، حسن الأخلاق، قليل الرغبة في الدّنيا. وقال عمر بن الحاجب: صنّف في الفقه والحديث مصنفات، وتفقه عليه جماعة، منهم: عز الدّين بن عبد السلام، وكان إماما، زاهدا، ثقة، كثير التهجد، غزير الدمعة، حسن الأخلاق، كثير التواضع، قليل التعصب. سلك طريق أهل اليقين، وكان يطرّح التكلف، وعرضت عليه مناصب ولايات دينية فأباها. توفي في رجب، ودفن بطرف مقابر الصوفية الشرقي مقابل قبر ابن الصّلاح، جوار تربة شيخه القطب. وفيها الأمير مبارز الدّين سنقر الصّلاحي [2] . كان مقيما بحلب، ثم انتقل إلى ماردين، فخاف منه الأشرف وشكا حاله للمعظّم، فخدعه ووعده بأن يوليه مهما اختار، وجهّز إليه ابنه، فحضر إلى الشام، فالتقاه المعظم ولم ينصفه، وتفرّق عنه أصحابه، فمرض من شدة غبنه ونزل في دار شبل الدولة بالصالحية، ومات غبنا، فقام شبل الدولة بأمره أحسن قيام، واشترى له تربة على رأس زقاق الخانقاه عند المصنع ودفنه بها، وكان المبارز محبّبا إلى الناس ولم يكن في زمنه أكرم منه. وفيها محمد [بن سليمان] بن قتلمش السّمرقندي [3] . كان حاجبا للخليفة، وبرع في علم الأدب، وكان مغرى بالنرد والقمار.

_ [1] يعني سبط ابن الجوزي. [2] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 432) . [3] انظر «معجم الأدباء» (18/ 205- 206) و «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» بتحقيق صديقي العزيز الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، مصورة دار ابن كثير، و «الوافي بالوفيات» (3/ 125) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.

ومن شعره: لا والذي سخّر قلبي لها ... عبدا كما سخّر لي قلبها ما فرحي في حبّها [1] غير أن ... تبيح [2] لي عن هجرها قلبها ومنه أيضا: ومقرطق [3] وجدي عليه كردفه ... وتجلّدي والصّبر عنه كخصره نادمته في ليلة من شعره ... أجلو محاسنه بشمعة ثغره وفيها صاحب المغرب السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسيّ [4] . لم يكن في آل عبد المؤمن أحسن منه ولا أفصح ولا أشغف باللّذات. ولي الأمر عشر سنين بعد أبيه، ومات ولم يعقب.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى: «حبه» . [2] في «آ» و «ط» : «يتيح» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» ورواية البيت في «معجم الأدباء» : ما فرحي في حبّها غير أن ... زيّن عندي هجرها قلبها [3] كذا في «آ» و «ط» : «ومقرطق» وفي «الوافي بالوفيات» : «ومقرطف» بالفاء. [4] انظر «تاريخ الإسلام» (62/ 465- 467) و «العبر» (5/ 81) .

سنة إحدى وعشرين وستمائة

سنة إحدى وعشرين وستمائة فيها استولى [بدر الدّين] لؤلؤ على الموصل، وخنق ابن أستاذه محمود بن القاهر، وزعم أنه مات. وفيها عادت التتار من بلاد القفجاق ووصلوا إلى الرّيّ، وكان من سلم من أهلها قد تراجعوا إليها، فما شعروا إلّا بالتتار قد أحاطوا بهم، فقتلوا وسبوا، ثم ساروا إلى قمّ، وقاشان، فأبادوهما، ثم عطفوا إلى همذان، فقتلوا وفظّعوا، ثم ساروا إلى توريز فوقع بينهم وبين الخوارزمية مصاف. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن أبي الفتح يوسف بن محمد الأزجي المشتري [1] . مسند وقته. سمع من الأرموي، وابن الطّلّاية، وابن ناصر، وطائفة، وتفرّد بأشياء. توفي في شعبان. وفيها أحمد بن محمد القادسي [2] الضرير الحنبلي. كان خشن العيش. طلب المستضيء بالله من يصلي به التراويح، فأحضروه فقالوا: ما مذهبك؟ قال: حنبلي، فقالوا: ما يمكن أن يصلي بدار الخلافة حنبليّ، فقال [3]

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (142) و «تاريخ الإسلام» (63- 7) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (117) بتحقيق الأستاذ خضير عبّاس محمد خليفة المنشداوي، طبع دار الكتاب العربي ببيروت. [2] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 47- 48) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 191- 192) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 130- 131) و «ذيل الروضتين» ص (43- 144) .

القادسي: أنا حنبلي وما أريد أن أصلي بكم، فسمعه الخليفة فقال: صلّ على مذهبك، وكان ملازما لابن الجوزي، وبه انتفع. وفيها أبو سليمان ابن حوط الله، وهو داود بن سليمان بن داود الأنصاري [1] نزيل مالقة. رحل، وروى عن ابن بشكوال فأكثر، وعن عبد الحق بن بويه، وأبي عبد الله بن زرقون، وولي قضاء بلنسية، وغيرها، وعاش تسعا وستين سنة. وفيها أبو طالب بن عبد السميع عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع بن أبي تمّام الواسطي [2] المقرئ المعدّل. قرأ القراءات على عبد العزيز السّماتي وغيره، وسمع ببغداد من هبة الله بن الشّبلي وطائفة، وصنّف أشياء حسنة، وعني بالحديث والعلم. توفي في المحرّم عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها ابن الحباب، القاضي الأسعد، أبو البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الحسين التميمي السّعدي الأغلبي المصري [3] المالكي الأخباري المعدّل، راوي «السيرة» عن ابن رفاعة [4] . كان ذا فضل ونبل، وسؤدد، وعلم، ووقار، وحلم. وكان جمالا لبلده. توفي في شوال وله خمس وثمانون سنة.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 119- 120) و «تاريخ الإسلام» (63/ 50- 51) و «العبر» (5/ 83) . [2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 611- 612) و «العبر» (5/ 83) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 185- 187) و «تاريخ الإسلام» (63/ 55- 56) . [3] انظر «العبر» (5/ 83) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) . [4] هو أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي المصري المتوفى سنة (561) انظر «العبر» (4/ 174) و «حسن المحاضرة» (1/ 406) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس ص (329) .

وفيها عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، أبو محمد [1] . ولي الأمر في العام الماضي فلم يدار أمراء البربر فخلعوه وخنقوه في شعبان، وكانت ولايته تسعة أشهر، وفي أيامه استولى على مملكة الأندلس ابن أخيه عبد الله بن يعقوب الملقب بالعادل، والتقى الإفرنج فهزموا جيشه، ثم طلب مرّاكش بأسوإ حال فقبضوا عليه، وتملّك الأندلس بعده أخوه إدريس مديدة فخرج عليه محمد بن هود [الجذامي، ودعا إلى آل العبّاس، فمال الناس إليه، فهرب إدريس بعسكره إلى مرّاكش، فالتقاه] [2] صاحبها يومئذ يحيى بن محمد بن يوسف، فهزم يحيى. وفيها علي بن عبد الرشيد أبو الحسن الهمذاني [3] ، قاضي همذان، ثم قاضي الجانب الغربي ببغداد، ثم قاضي تستر. حضر على أبي الوقت [السّجزي] ، وسمع من أبي الخير الباغياني. وقرأ القراءات على جدّه لأمه أبي العلاء العطّار. توفي في صفر. وفيها الشيخ علي الفرنثي [4] الزاهد، صاحب الزاوية والأصحاب بسفح قاسيون. وكان صاحب حال وكشف وعبادة وصدق، وهو الذي حكي عنه أنه قال: أربعة يتصرفون في قبورهم كتصرف الأحياء [5] : الشيخ عبد القادر [6] ، ومعروف الكرخي، وعقيل المنبجي، وحياة بن قيس الحرّاني. توفي في جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 341) و «العبر» (5/ 83- 84) . [2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [3] انظر «العبر» (5/ 84) و «تاريخ الإسلام» (63/ 63) . [4] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 65) و «العبر» (5/ 84) وقد تحرفت «الفرنثي» في المطبوع منه في الكويت وبيروت إلى «الفرتثي» فتصحح، وتحرفت في «آ» إلى «القرشي» . قال الذهبي في «مشتبه النسبة» ص (506) : وفرنث: من قرى دجيل. [5] أقول: هذا من المبالغات التي لا تجوز. (ع) . [6] يعني الجيلاني.

وفيها ابن اليتيم أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندرشي [1] ، خطيب المريّة. رحل في طلب الحديث، وسمع من أبي الحسن بن النّعمة [2] ، وابن هذيل، والكبار. وبالإسكندرية من السّلفي. وببغداد من شهدة. وبدمشق من الحافظ ابن عساكر. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتوفي في ربيع الأول. وفيها ابن اللّبودي شمس الدّين محمد بن عبدان الدمشقي الطّبيب [3] . قال ابن أبي أصيبعة: كان علّامة وقته، وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية. وكان له ذكاء مفرط، وحرص بالغ. توفي في ذي القعدة، ودفن بتربته بطريق المزّة. وفيها ابن زرقون أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله محمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلي [4] ، شيخ المالكية. كان من كبار المتعصبين للمذهب فأوذي من جهة بني عبد المؤمن لما أبطلوا القياس وألزموا الناس بالأثر والظاهر. وقد صنّف كتاب «المعلّى في الردّ على المحلّى» لابن حزم. توفي في شوال وله ثلاث وثمانون سنة. وفيها محمد بن هبة الله بن مكرّم أبو جعفر البغدادي [5] الصّوفي.

_ [1] في «ا» و «ط» : «الأندلسي» والتصحيح من «العبر» (5/ 84) والأندرشي نسبة إلى «أندرش» مدينة من أعمال المريّة. انظر «الروض المعطار» ص (42) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العمة» والتصحيح من «العبر» . [3] انظر «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ص (662- 663) طبع مكتبة دار الحياة ببيروت، و «العبر» (5/ 85) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 311- 312) و «العبر» (5/ 85) . [5] انظر «العبر» (5/ 85- 86) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 246- 247) و «تاريخ الإسلام» (63/ 70- 71) .

توفي في المحرم ببغداد وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي الفضل الأرموي، وأبي الوقت [السّجزي] وجماعة. وفيها الفازاري [1] محمد بن يخلفتن [2] بن أحمد البربري التلمساني، الفقيه المالكي، الأديب الشاعر. ولي قضاء قرطبة. وفيها الفخر الموصلي أبو المعالي محمد بن أبي الفرج [بن] أبي المعالي الموصلي ثم البغدادي [3] الشافعي المقرئ، صاحب يحيى ابن سعدون، ومعيد النظامية. كان بصيرا بعلل القراءات. قال ابن النجار: كان فقيها فاضلا نحويا، حسن الكلام في مسائل الخلاف. له معرفة تامة بوجوه القراءات وعللها وطرقها. وله في ذلك مصنّفات، وكان كيّسا، متواضعا، متوددا، حسن العشرة. وقدم بغداد سنة اثنتين وسبعين [4] وخمسمائة، فتفقه بها، وتوفي بها في سادس رمضان، رحمه الله.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الغاراري» والتصحيح من «العبر» (5/ 86) و «تاريخ الإسلام» (63/ 71) . [2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «يخلقتن» بالقاف. [3] انظر «العبر» (5/ 86) و «تاريخ الإسلام» (63/ 71- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 446- 447) . [4] لفظة «وسبعين» سقطت من «آ» .

سنة اثنتين وعشرين وستمائة

سنة اثنتين وعشرين وستمائة فيها جاء جلال الدّين بن خوارزم شاه، فبذل السيف في دقوقا [1] ، وفعل ما لا تفعله الكفرة، وأحرق دقوقا، وعزم على هجم بغداد، فانزعج الخليفة النّاصر، وحصّن بغداد، وأقام المجانيق، وأنفق ألف ألف دينار، ففجأ ابن خوارزم شاه أن الكرج قد خرجوا على بلاده، فساق إليهم والتقاهم. قال أبو شامة [2] : فظفر بهم، وقتل منهم سبعين ألفا، ثم أخذ تفليس [3] بالسيف، وقتل بها ثلاثين ألفا في آخر العام. وكان قد أخذ تبريز بالأمان، وتزوّج بابنة السلطان طغريل [4] السّلجوقي، ثم جهز جيشا فافتتحوا كنجة، وأخذ أيضا مراغة، وكانت الكرج قد ملّكوا عليهم امرأة وتطلبوا لها من ينكحها لينوب عنها في الملك، فأرسل سلطان الرّوم [5] إليها يخطبها لابنه فامتنعوا، وقالوا: لا يحكم علينا مسلم،

_ [1] مدينة بين إربل وبغداد. انظر «معجم البلدان» (2/ 459) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (120- 121) . وجاء في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (119) بأنه فعل ذلك لكونهم سبّوه وشتموه على الأسوار. [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (144) . [3] انظر «معجم البلدان» (2/ 35- 36) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (216) . [4] في «آ» و «ط» : «طغربك» وما أثبته من «العبر» (5/ 87) و «تاريخ الإسلام» (63/ 11) . [5] كذا في «آ» و «ط» : «سلطان الروم» وفي «الكامل» لابن الأثير (12/ 416- 417) و «تاريخ الإسلام» : «صاحب أرزن الرّوم مغيث الدّين طغريل شاه بن قليج أرسلان ... » .

فقال: إن ابني يتنصّر ويتزوجها فأجابوه، فتنصّر ابنه وأقام معها، وأمر ونهى، نعوذ بالله من الخذلان. وكان الزوج يسمع عنها القبائح ويسكت، وكانت تعشق مملوكا لها، ورآها يوما في الفراش مع المملوك فأنكر ذلك، فقالت: إن رضيت وإلّا أنت أخبر. ثم نقلته إلى قلعة وحجرت عليه، ثم سمعت بشابين مليحين، فأحضرت أحدهما وتزوجت به، وأحضرت آخر بديع الحسن من أهل كنجة، فطلبت منه أن يتنصّر للتزوج به. وفي سلخ رمضان توفي الخليفة النّاصر لدين الله أبو العبّاس أحمد ابن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي الهاشمي العبّاسي [1] . بويع بالخلافة في أول ذي القعدة، سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وله ثلاث وعشرون سنة، وكان أبيض، تركيّ الوجه، أقنى الأنف، خفيف العارضين، رقيق المحاسن، فيه شهامة وإقدام، وله عقل ودهاء، وهو أطول بني العبّاس خلافة، كما أن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أميّة دولة، وكما أن المستنصر بالله العبيدي أطول العبيديين دولة، وكما أن السلطان سنجر بن ملكشاه أطول بني سلجوق دولة. قال الموفّق عبد اللطيف: كان يشقّ الدّروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه، أظهر الفتوة والبندق والحمام المناسيب في أيامه، وتفنن الأعيان والأمراء في ذلك ودخل فيه الملوك. وقال الذهبي: وكان مستقلا [2] بالأمور بالعراق، متمكنا من الخلافة، يتولى الأمور بنفسه، ما زال في عزّ وجلالة واستظهار وسعادة. أصابه فالج في

_ [1] انظر «العبر» (5/ 87- 88) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 192) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (121- 123) . [2] في «العبر» بطبعتيه: «مشتغلا» .

آخر أيامه، وتوفي في سلخ رمضان وله سبعون سنة إلّا أشهرا [1] . وولي بعده ولده الظاهر. وقال ابن النجار: دانت السلاطين للناصر، ودخل تحت طاعته من كان من المخالفين، وذلّت له العتاة والطّغاة، وانقهرت لسيفه الجبابرة، وفتح البلاد العديدة، وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدّمه. من السلاطين والخلفاء والملوك، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين، وكان أسد بني العبّاس تتصدع لهيبته الجبال، وكان حسن الخلق، لطيف الخلق، كامل الظرف، فصيح اللّسان، بليغ البيان، له التوقيعات المسددة والكلمات المؤيدة. كانت أيامه غرّة في وجه الدّهر، ودرّة في تاج الفخر. وقال الموفق عبد اللطيف: أحيا هيبة الخلافة- وكانت قد ماتت بموت المعتصم- ثم ماتت بموته، وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالا. وقال ابن واصل [2] : كان مع ذلك رديء السيرة في الرعية، مائلا إلى الظّلم والعسف. وكان يفعل أفعالا متضادة. وكان يتشيّع ويميل إلى مذهب الإمامية، بخلاف آبائه، حتّى إن ابن الجوزي سئل بحضرته من أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته، فكنّى بفضل الصّديق ولم يقدر أن يصرح. وقال الذهبي: أجاز الناصر لجماعة من الأعيان فحدثوا عنه، منهم ابن سكينة، وابن الأخضر، وابن النجار، وابن الدامغاني، وآخرون. وقال سبط ابن الجوزي وغيره: قلّ بصر الناصر في آخر عمره، وقيل: ذهب بالكلّية، ولم يشعر بذلك أحد من الرّعية، حتّى الوزير وأهل الدّار.

_ [1] كذا في «ط» و «العبر» : «إلا أشهرا» وفي «آ» : «إلا شهرا» . [2] في كتابه «مفرج الكروب» وهو غير متوفر بين أيدينا.

وكان له جارية قد علّمها الخطّ بنفسه، فكانت تكتب مثل خطّه، فتكتب على التواقيع. وقال شمس الدّين الجزري [1] : كان الماء الذي يشربه النّاصر تأتي به الدّواب من فوق بغداد بسبعة [2] فراسخ ويغلى سبع غلوات كل يوم غلوة، ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام، ثم يشرب منه، ومع هذا ما مات حتّى سقي المرقد مرات، وشقّ ذكره، وأخرج منه الحصى ثم مات منه. ومن لطائفة أن خادما له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب، فوقّع فيها: بمن يمنّ يمن، ثمن يمن ثمن. وفيها ابن يونس صاحب «شرح التنبيه» الإمام شرف الدّين أحمد بن العلّامة ذي الفنون كمال الدّين موسى ابن الشيخ المفتي رضي الدّين يونس الموصلي الشافعي [3] . توفي في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة. قال ابن خلّكان: كان كثير المحفوظات، غزير المادة، نسج على منوال أبيه في التفنن، وما سمعت أحدا يلقي الدروس مثله. ولقد كان من محاسن الوجود، وما أذكره إلّا وتصغر الدنيا في عيني. وقال الذهبي: عاش بعده أبوه سبع عشرة سنة. وفيها إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي أبو إسحاق الخيّاط [4] . روى «الصحيح» [5] غير مرة عن أبي الوقت [السّجزي] ، وتوفي في شعبان، وكان ثقة فاضلا مؤقّتا.

_ [1] انظر «المختار من تاريخه» للذهبي ص (122) . [2] في «آ» و «ط» : «سبعة» والتصحيح من «المختار من تاريخ ابن الجزري» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 108- 109) و «العبر» (5/ 88- 89) . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 156- 157) و «العبر» (5/ 89) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 288) و «تاريخ الإسلام» (63/ 91) . [5] يعني «صحيح البخاري» فقد رواه عن أبي الوقت السّجزي، ورواه السجزيّ عن أبي محمد-

وفيها أبو إسحاق بن البرني إبراهيم بن مظفّر بن إبراهيم [1] الواعظ، شيخ دار الحديث المهاجرية بالموصل. روى عن ابن البطّي وجماعة، وكان عالما متفننا. وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي المكارم بن شكر بن نعمة بن علي ابن أبي الفتح بن حسن بن قدامة بن أيوب بن عبد الله بن رافع المقدسي [2] ، الخطيب الحنبلي، خطيب قرية مردا من عمل نابلس. قال الحافظ الضياء: سافر إلى بغداد في طلب العلم، واشتغل وحصّل في مدة يسيرة ما لم يحصّله غيره في مدة طويلة. وسمع الحديث ببغداد وبجبل قاسيون، وسمعت شيخنا الإمام عماد الدّين إبراهيم بن عبد الواحد غير مرة يغبطه بما هو عليه من كثرة الخير، ثم ذكر له كرامات من تكثير الطعام في وقت احتيج فيه إلى تكثيره، ومن المعافاة من الصرع بما يكتبه. وقال المنذري: توفي بمردا. وفيها أحمد بن علي بن أحمد الموصلي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو العبّاس المعروف بالوتّارة، ويقال: ابن الوتّارة [3] قال المنذري: سمع على علو سنّه من المتأخرين. وقال النّاصح ابن الحنبلي: كان يعرف «مسائل الهداية» لأبي الخطاب، ويأكل من كسب يده، ولباسه الثوب الخام، وانتفع به جماعة، وصارت له

_ [ (-) ] ابن حمّوية السّرخسي، ورواه ابن حموية عن الفربري رواية الإمام البخاري. [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 136) و «تاريخ الإسلام» (63/ 92) و «الوافي بالوفيات» (6/ 147) و «توضيح المشتبه» (1/ 417) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 159- 160) و «تاريخ الإسلام» (63/ 89) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 163- 164) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 163) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 164) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (179) .

حرمة قوية بالموصل واحترام من جانب صاحبها ومن بعده. وتوفي بالموصل رابع عشر ذي الحجة. وفيها أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة محمد ابن مختار الأفضلي المصري مجد الملك [1] ، الشاعر الأديب الكبير. قال ابن خلّكان: كان فاضلا، حسن الخطّ، وكتب كثيرا، وخطه مرغوب فيه لحسنه وضبطه، وله ديوان جمع فيه أشياء لطيفة، دلّت على [2] جودة اختياره. وله ديوان شعر أجاد فيه، نقلت من خطّه لنفسه: هي شدّة يأتي السّرور [3] عقيبها ... وأسى يبشّر بالسّرور العاجل وإذا نظرت فإن بؤسا دائما [4] ... للمرء خير من نعيم زائل وتوفي في الثاني عشر من المحرم، ودفن بالموضع المعروف بالكوم الأحمر، ظاهر مصر، رحمه الله. والأفضلي: بفتح الهمزة وسكون الفاء، وفتح الضاد المعجمة وبعدها لام، نسبة إلى الأفضل أمير الجيوش بمصر. وتوفي والده في ذي الحجّة سنة عشرين وستمائة. وفيها أبو عبد الله الحسين بن عمر بن باز، المحدّث الموصلي [5] . رحل وسمع من شهدة وطبقتها، وكتب الكثير، وولي مشيخة دار الحديث بالموصل التي بناها صاحب إربل. توفي في ربيع الآخر.

_ [1] انظر «وفيات لأعيان» (1/ 362- 363) و «العبر» (5/ 89) . [2] لفظة «على» سقطت من «آ» . [3] في «وفيات الأعيان» : «يأتي الرخاء» . [4] في «وفيات الأعيان» : «زائلا» [5] انظر «العبر» (5/ 89- 90) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 258- 259) .

وفيها ابن شكر، الصاحب الوزير، صفي الدّين أبو محمد عبد الله [بن علي] بن الحسين بن عبد الخالق الشّيبي الدّميري المالكي [1] . ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع الحديث، وتفقه وساد. قال أبو شامة [2] : كان خليقا بالوزارة، لم يتولّها [3] [بعده] مثله. وقال الذهبي: كان يبالغ في إقامة النواميس، مع التواضع للعلماء، ويتعانى الحشمة الضخمة [4] والصدقات والصّلات، ولقد تمكّن من العادل تمكّنا لا مزيد عليه، ثم غضب عليه ونفاه، فلما مات عاد ابن شكر إلى مصر ووزر للكامل، ثم عمي في الآخر. توفي في شعبان. وفيها ابن البنّاء [5] . راوي «جامع الترمذي» عن الكروخي، أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك العراقي ثم المكّي الجلال. حدّث بمصر، والإسكندرية، وقوص، وأماكن، وتوفي بمكة في صفر أو في ربيع الأول. وفيها زين الدّين قاضي القضاة بالدّيار المصرية أبو الحسن علي ابن العلّامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم البغدادي الشافعي [6] . عاش اثنتين وسبعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة، وروى عن أبي زرعة وغيره.

_ [1] نظر «فوات الوفيات» (2/ 193- 196) و «العبر» (5/ 90) وما بين الحاصرتين مستدرك منه وقد تحرفت «الدّميري» فيه وفي المطبوع منه ببيروت إلى «الدّينوري» و «سير أعلام النبلاء» (22/ 294- 295) و «تاريخ الإسلام» (63/ 99- 103) وسوف يكرر المؤلف ترجمته قريبا. انظر ص (184) . [2] وعزا هذا النقل لأبي شامة أيضا الذهبي في كتبه المذكورة في التعليق السابق ولم أقف عليه في «ذيل الروضتين» ص (147) . [3] في «آ» و «ط» : «لم يبق» وما أثبته من مصادر الترجمة وما بين الحاصرتين مستدرك منها. [4] في «آ» : «الفخمة» . [5] انظر «العبر» (5/ 90) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 247- 248) . [6] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 296- 297) .

وفيها الملك الأفضل نور الدّين علي بن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] . ولد سنة خمس وستين وخمسمائة بالقاهرة، وسمع من عبد الله بن برّي وجماعة، وله شعر وترسل وجودة كتابة. تسلطن بدمشق ثم حارب أخاه العزيز صاحب مصر على الملك، ثم زال سلطانه، وتملّك سميساط، وأقام بها مدة. وكان فيه عدل وحلم وكرم وإنما أدركته حرفة الأدب. توفي فجأة في صفر، وكان فيه تشيّع. قاله في «العبر» . زاد ابن خلّكان: ونقل إلى حلب، ودفن بتربته بظاهر حلب بالقرب من مشهد الهروي. وفيها عمر بن بدر الموصليّ الحنفي ضياء الدّين [2] . حدّث عن ابن كليب وجماعة، وتوفي بدمشق في شوالها، عن بضع وستين سنة. وفيها الفخر الفارسي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفيروزآبادي [3] الشافعيّ الصوفيّ. روى الكثير عن السّلفي، وصنّف التصانيف في التصوف والمحبة وفيها أشياء منكرة. توفي في أثناء ذي الحجّة وقد نيّف على التسعين. قاله في «العبر» . وقال اليافعي: هو صاحب العلوم الربّانية النافعة، وقد نقم عليه الذهبي. وقال ابن شهبة في «طبقاته» [4] : سمع من السّلفي، وابن عساكر،

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 419- 421) و «العبر» (5/ 91) و «تاريخ الإسلام» (63/ 112- 114) . [2] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 287- 288) . [3] انظر «العبر» (5/ 91) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 179- 181) و «مرآة الجنان» (4/ 53) . [4] لم أقف على هذا النقل في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة الذي بين يدي.

وغيرهما، وكان صوفيا، محقّقا، فاضلا، بارعا، فصيحا، بليغا، له مصنّفات كثيرة، منها كتاب «مطية النقل وعطية العقل» في الأصول والكلام، وغير ذلك من المصنفات، وبنى زاوية بالقرافة بمعبد ذي النّون المصري ودفن بها. وفيها القزويني مجد الدّين أبو المجد، محمد بن الحسين بن أبي المكارم [1] الصوفي الفقيه. ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة بقزوين. وسمع «شرح السّنّة» و «معالم التنزيل» من حفدة العطاردي، وسمع من جماعة، وحدّث بالعراق، والشام، والحجاز، ومصر، وأذربيجان، والجزيرة. وبعد صيته. توفي بالموصل في شعبان. وفيها الفخر بن تيميّة أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [2] ، الفقيه الحنبلي، المقرئ الواعظ، فخر الدّين، شيخ حرّان وخطيبها. ولد في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحرّان، وقرأ القرآن على والده، وله نحو عشر سنين، وكان والده زاهدا يعدّ من الأبدال. وشرع في الاشتغال بالعلم من صغره، وتردّد إلى فتيان بن ميّاح، وابن عبدوس، وغيرهما ثم ارتحل إلى بغداد، وسمع بها الحديث من المبارك بن خضر، وابن البطّي، وابن الدّجاجي، وخلق، وتفقه ببغداد على أبي الفتح ابن المنّي، وابن بكروس، وغيرهما، ولازم ابن الجوزي وسمع منه كثيرا من مصنفاته، وقرأ عليه «زاد المسير في [علم] التفسير» [3] قراءة بحث وفهم،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 92) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 249- 250) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 386- 388) و «العبر» (5/ 92) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 288- 290) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 151- 162) . [3] وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق في تسع مجلدات بتحقيق الشيخين شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط.

وجدّ في الاشتغال والبحث، ثم أخذ في التدريس، والوعظ، والتصنيف، وإلقاء التفسير بكرة كل يوم بجامع حرّان، واظب على ذلك حتّى فسّر القرآن العظيم خمس مرات. قال ابن خلّكان: ذكره محاسن بن سلامة الحرّاني في «تاريخ حرّان» وابن المستوفي في «تاريخ إربل» فقال: له القبول التام عند الخاص والعام، وكان بارعا في تفسير القرآن وجميع العلوم، له فيها يد بيضاء. وقال ابن نقطة: ثقة، فاضل، صحيح السماع، مكثر. سمعت منه بحرّان. وقال ابن النجار: سمعت منه ببغداد، وحرّان، وكان شيخا فاضلا، حسن الأخلاق، صدوقا، متدينا. وقال ابن رجب: كان صالحا تذكر له كرامات وخوارق، وله تصانيف كثيرة، منها: «التفسير الكبير» في أكثر من ثلاثين مجلدا، وهو تفسير حسن، ومنها ثلاث مصنفات في المذهب، وله ديوان خطب مشهور، و «الموضح في الفرائض» ومصنفات في الوعظ وغير ذلك، وبينه وبين الموفق كلام ورسائل في مسألة خلود أهل البدع المحكوم بكفرهم في النّار، كان يقول بخلودهم والموفّق لا يطلق عليهم الخلود. وله شعر حسن، توفي- رحمه الله- يوم الخميس عاشر صفر بحرّان. كذا ذكره ولده عبد الغني، وقال: مات الوالد في الصلاة، فإني ذكّرته بصلاة العصر وأخذته إلى صدري فكبّر وجعل يحرّك حاجبه وشفتيه بالصلاة حتّى شخص بصره، رحمه الله. وقد ذكر ولده له مناقب صالحة رؤيت له بعد وفاته، وهي كثيرة جدا، جمعها في جزء.

وفيها أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن الزّيتوني البوازيجي- بفتح الموحدة والواو وزاي وتحتية وجيم، نسبة إلى بوازيج بلد قرب تكريت [1]- سمع من ابن الفاخر، وابن بندار، وابن الرّحبي، وغيرهم. قال ابن السّاعي: كان حنبليا، خيّرا، محسنا، صالحا، صاحب سند ورواية، أنشدني: ضيّق العذر في الضراعة أنّا ... لو قنعنا بقسمنا لكفانا ما لنا نعبد العباد إذا كا ... ن إلى الله فقرنا وغنانا وفيها محمد بن علي بن مكّي بن ورخز [2] البغدادي، الفقيه الحنبلي المعدّل، أبو عبد الله. تفقه على ابن المنّي، وأفتى وناظر، وشهد عند الريحاني، ورتّب مشرفا على وكلاء الخليفة الناصر، وكان فقيها فاضلا خيّرا ديّنا ثقة خبيرا بالمذهب. قاله ابن رجب. وقال ابن السّاعي أنشدني: يجمع المرء ثم يترك ما يج ... مع من كسبه لغير شكور ليس يحظى إلّا بذكر جميل ... أو بعلم من بعده مأثور توفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها عمرو بن رافع بن علوان الزّرعي [3] . قال ناصح الدّين بن الحنبلي: قدم من زرع في عشر الستين، وهو ابن نيف وعشرين سنة، ونزل عندنا في المدرسة هو ورفقة له [4] واشتغلوا على

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 142- 143) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 162- 163) . [2] في «ط» «ورخزا» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 163) مصدر المؤلف. [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 166) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (196- 197) . [4] في «آ» و «ط» : «هو ورفيق له» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» .

والدي، فحفظوا القرآن، وسمعوا درسه، وحفظوا كتاب «الإيضاح» وكان هذا الفقيه الحنبلي عمرو يحفظ كثيرا وسريعا. وعمل الفرائض فأسرع في معرفتها. ورحل إلى حرّان وأقام بها مديدة يشتغل، ثم رجع إلى دمشق، ثم إلى زرع، وأقام بها يفتي، ثم أضرّ في آخر عمره، ومات بزرع، رحمه الله. وفيها الزّكي بن رواحة [1] هبة الله بن محمد الأنصاري، التاجر المعدّل، واقف المدرسة الرّواحية بدمشق، وأخرى بحلب. توفي في رجب بدمشق. وفيها أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور السّلمي السّنجاري [2] الشافعي، الشاعر المنعوت بالبهاء. كان فقيها، وتكلّم في الخلاف، إلّا أنه غلب عليه الشعر، وأجاد فيه، واشتهر به، وخدم به الملوك، وأخذ جوائزهم، وطاف البلاد، ومدح الأكابر. قال ابن خلّكان: وشعره كثير يوجد بأيدي الناس، ولم أدر هل دوّن شعره أم لا، ثم وجدت له في خزانة التّربة الأشرفية بدمشق «ديوانا» في مجلد كبير. ومن شعره من جملة قصيدة مدح بها كمال الدّين بن الشهرزوري [3] : وهواك ما خطر السّلوّ بباله ... ولأنت أعلم في الغرام بحاله ومتى وشى واش إليه فإنه ... سال هواك فذاك من عذّاله أوليس للكلف المعنّى شاهد ... من حاله يغنيك عن تسآله جدّدت ثوب سقامه وهتكت ست ... ر غرامه، وصرمت حبل وصاله

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن راحة» والتصحيح من «العبر» (5/ 92) و «تاريخ الإسلام» (63/ 126) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 214- 217) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 302- 303) و «تاريخ الإسلام» (63/ 93- 94 و 165- 166) . و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (125) . [3] هو القاضي محمد بن عبد الله بن أبي أحمد القاسم الشهرزوري، الملقب كمال الدّين. مات سنة (599 هـ) . انظر «وفيات الأعيان» (4/ 241- 245) .

أفزلّة [1] سبقت له أم خلّة ... مألوفة من تيهه ودلاله يا للعجابة [2] من أسير دأبه ... يفدي الطليق بنفسه وبماله بأبي وأمي نابل بلحاظه [3] ... لا يتّقى بالدّرع حدّ نباله ريّان من ماء الشّبيبة والصّبا ... شرقت معاطفه بطيب زلاله [4] تسري النّواظر في مراكب حسنه ... فتكاد تغرق في بحار جماله فكفاه عين كماله في نفسه ... وكفى كمال الدّين عين كماله كتب العذار على صحيفة خدّه ... نونا وأعجمها بنقطة خاله فسواد طرّته كليل صدوده ... وبياض غرّته كيوم وصاله وله أيضا من جملة قصيدة: ومهفهف حلو الشمائل فاتر ال ... ألحاظ فيه طاعة وعقوق وقف الرّحيق على مراشف ثغره ... فجرى به من خدّه راووق سدّت محاسنه على عشّاقه ... سبل السّلوّ فما إليه طريق وله من جملة قصيدة أخرى: هبّت نسيمات الصّبا سحرة ... ففاح منها العنبر الأشهب فقلت إن مرت [5] بوادي الغضا ... من أين هذا النّفس الطّيّب وله أشياء حسنة. وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في أوائل هذه السنة. انتهى ملخصا.

_ [1] في «آ» و «ط» : «أفذلة» بالذال والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» : «يا للعجائب» . [3] في «آ» و «ط» : «بابلي لحاظه» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «دلاله» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «تاريخ الإسلام» . [5] في «وفيات الأعيان» : «إذ مرت» .

وفيها الوزير صفي الدّين أبو محمد عبد الله بن علي [1] بن شكر، له بدمشق آثار حسنة، منها عمارة المصلى بميدان الحصى، وتبليط جامع بني أميّة، وعمارة مسجد الفوّارة، وتجديد جامع حرستا، وجامع المزّة، وغير ذلك. وفيها أبو الحسن علي بن الجارود، الأديب الفاضل الشاعر. فمن شعره: أحكم فإنّك في الجمال أمير ... واعدل فقلبي في يديك أسير واكفف لحاظك أيها الرشأ الذي ... يسطو على أسد الشرى ويجور يا عاذلي خفّض عليك فإنني ... مذ خطّ لام عذاره معذور وفيها أبو الدّر ياقوت بن عبد الله الرّومي، الملقب مهذّب الدّين [2] ، الشاعر المشهور. مولى أبي منصور التّاجر الحلبي. قال ابن خلّكان: اشتغل بالعلم وأكثر من الأدب، واستعمل قريحته في النظم فجاد فيه، ولما تميّز ومهر سمّى نفسه عبد الرحمن، وكان مقيما في المدرسة النظامية ببغداد، وعدّه ابن الدّبيثي في جملة من اسمه عبد الرحمن، وذكر أنه نشأ ببغداد، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ شيئا من الأدب، وكتب خطا حسنا، وقال الشعر، وأكثر منه في الغزل والتصابي، وذكر المحبة، وراق شعره. ومن شعره: ألست من الولدان أحلى شمائلا ... فكيف سكنت القلب وهو جهنّم وقال ابن النجار في «تاريخ بغداد» : وجد أبو الدّر المذكور في داره ميتا

_ [1] في «ا» و «ط» «أبو عبد الله محمد» وهو خطأ والتصحيح من ترجمته التي أوردها المؤلف قبل قليل. انظر ص (177) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 122- 126) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 312- 313) و «تاريخ الإسلام» (63/ 126- 127) .

يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى من السنة، وكان قد خرج من النظامية فسكن في دار بدرب دينار الصغير، فلم يعلم متى مات، وقد ناهز الستين، والله أعلم. وقال ابن خلّكان: أيضا: الروميّ- بضم الراء وسكون الواو، بعدها ميم، نسبة إلى بلاد الرّوم، وهو إقليم مشهور متسع كثير البلاد-. وهاهنا نكتة غريبة يحتاج إليها ويكثر السؤال عنها، وهي أن أهل الرّوم يقال لهم: بنو الأصفر، واستعمله الشعراء في أشعارهم، فمن ذلك قول عدي ابن زيد العبادي [1] من جملة قصيدته المشهورة: وبنو الأصفر الكرام ملوك الرّ ... وم لم يبق منهم مذكور ولقد تتبعت ذلك كثيرا فلم أجد فيه أحدا شفى الغليل، حتّى ظفرت بكتاب قديم نقلت منه ما صورته، عن العبّاس، عن أبيه قال: انحرق ملك الرّوم في الزمان الأول، فبقيت امرأة، فتنافسوا في الملك حتّى وقع بينهم شرّ، فاصطلحوا أن يملّكوا أوّل من يشرف عليهم، فجلسوا مجلسا لذلك، وأقبل رجل معه عبد حبشيّ يريد الرّوم، فأبق العبد منه، فأشرف عليهم، فقالوا: انظروا في أي شيء وقعتم، فزوّجوه تلك المرأة، فولدت غلاما، فسموه الأصفر، فخاصمهم المولى، فقال: صدق أنا عبده، فأرضوه وأعطوه، حتّى رضي، فبسبب ذلك قيل للرّوم: بنو الأصفر لصفرة لون الولد، لكونه مولّدا بين الحبشي والمرأة البيضاء، والله أعلم. انتهى وفيها أبو المكارم، يعيش [بن ريحان] بن مالك بن هبة الله بن ريحان الأنباري ثم البغدادي [2] ، الفقيه الحنبلي الزاهد.

_ [1] انظر «الأعلام» (4/ 220) للزركلي وتعليق مؤلفه عليه فهو مفيد نافع. [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 163- 164) و «تاريخ الإسلام» (63/ 127) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 164) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.

ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة تقريبا، وسمع من ابن الدّجّاجي، وصدقة بن الحسين، وأبي زرعة المقدسي، وآخرين. قال المنذري: كان من فضلاء الفقهاء، متدينا، معتزلا عن الناس، ولنا منه إجازة. وتوفي ليلة الخميس خامس عشر ذي الحجة ودفن من الغد بباب حرب .

سنة ثلاث وعشرين وستمائة

سنة ثلاث وعشرين وستمائة وفيها وقع برد وزنوا بردة فكانت مائة رطل بالبغدادي. وفيها توفي الشمس البخاري أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي المقدسي ثم الدمشقي المعروف بالبخاري [1] ، شمس الدّين أبو العبّاس أخو الحافظ ضياء الدّين محمد، ووالد الفخر علي، مسند عصره. ولد في العشر الأواخر من شوال، سنة أربع وستين وخمسمائة بالجبل، وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر وغيره، وببغداد من ابن الجوزي وطبقته، وبنيسابور وواسط من جماعة. وتفقه في مذهب الإمام أحمد، وبرع في المذهب، وأقام مدة يشتغل بالخلاف على الرّضي النيسابوري، ولهذا عرف بالبخاري، ثم رجع إلى الشام وسكن حمص مدة. قال المنذري: وهو أول من ولي القضاء بها [2] .

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 255- 257) و «تاريخ الإسلام» (63/ 129- 130) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 168- 170) و «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» (2/ 418) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق. [2] قوله: «وهو أول من ولي القضاء بها» لم يرد في «التكملة» للمنذري التي بين يدي، والذي عنده: «وولي القضاء بحمص» وعلق محقّقه الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف- نفع الله به- بقوله: قال ابن العديم في «بغية الطلب» : وذكر الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي

وقال ابن الذهبيّ [1] : كان إماما، عالما، مفتيا، مناظرا، ذا سمت ووقار. وكان كثير المحفوظ [كثير الخير] [2] ، حجّة، صدوقا، كثير الاحتمال، تامّ المروءة، [فصيحا، مفوّها] [2] ، لم يكن في المقادسة أفصح منه، واتّفقت الألسنة على شكره وشهرته وفضله [3] . وما كان عليه يغني عن الإطناب في ذكره. وروى عنه [أخوه] الضياء الحافظ وغيره، وأجاز للمنذري، وقال: إنه توفي ليلة الخميس خامس جمادى الآخرة، ودفن من الغد إلى جانب خاله الشيخ موفق الدّين. وفيها أحمد بن محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحريمي الحذّاء أبو العبّاس بن أبي البركات [4] . ولد سنة ثلاث وأربعين تقديرا، وسمع ما أفاده والده من ابن البطّي، وابن بندار، وابن الدّجّاجي، وغيرهم، وتفقه في مذهب الإمام أحمد على والده، وحدّث، وأجاز للمنذري. قال ابن الساعي: توفي يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب حرب.

_ المنذري في كتاب «التكملة» أنه ولي القضاء بحمص وليس كذلك، وإنما ولي التحديث بحمص في أيام الملك المجاهد شيركوه بن محمد، أحضره إليها للتحديث، فظنّ الناقل أنه ولي القضاء. وكان قاضي حمص صالح بن أبي شبل. [1] في «آ» و «ط» : «وقال الدّبيثيّ» وهو خطأ والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» واستدركته من «تاريخ الإسلام» . [3] قوله: «وشهرته وفضله» لم يرد في «تاريخ الإسلام» وإنما هو في «ذيل طبقات الحنابلة» ولعله زيادة من مؤلّفه، والله أعلم. [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 174- 175) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 167- 168) .

وفيها أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد بن ناصر، الإسكاف الفقيه، أبو العبّاس بن أبي البركات الفقيه الحنبلي الحربي [1] . قرأ طرفا من الفقه على والده، وسمع الحديث من ابن البطّي، ويحيى ابن ثابت بن بندار، وابن الدّجّاجي وغيرهم، وكتب عنه ابن النجار. وقال: كان شيخا، حسنا، فهما، متيقظا. توفي يوم الأحد حادي عشري جمادى الأولى، ودفن بباب حرب. وفيها ابن الأستاذ أبو محمد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي [2] المحدّث الصالح، والد قاضي حلب. ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. وسمع من طائفة، وحجّ من بغداد، فسمع بها من أحمد بن محمد العبّاسي، وكان له عناية متوسطة بالحديث، توفي في عاشر جمادى الآخرة. وفيها الإمام الرافعي أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن [3] ، الإمام العلّامة إمام الدّين الشافعي، صاحب «الشرح» المشهور الكبير على «المحرر» وصاحب «الوجيز» . انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه. وكان مع براعته في العلم صالحا، زاهدا، ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع.

_ [1] تنبيه: وهم المؤلف في إيراد هذه الترجمة هنا فهي تكرار للترجمة المتقدمة عليها مباشرة مع اختلاف في نسب المترجم، وقد تبع في ذلك ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 168) ويعود الفضل في التنبيه على هذا الوهم إلى الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف فيما علقه على «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 174) جزاه الله تعالى خيرا ونفع به. [2] انظر «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 303- 304) . [3] انظر «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 252- 255) و «تاريخ الإسلام» (63/ 143- 144) .

قال ابن قاضي شهبة: إليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار، ولقد برز فيه على كثير ممن تقدّمه، وحاز قصب السبق، فلا يدرك شأوه إلّا من وضع يديه حيث وضع قدمه. تفقّه على والده وغيره، وسمع الحديث من جماعة. وقال ابن الصلاح: أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله. كان ذا فنون، حسن السيرة، جميل الأمر، صنف «شرح الوجيز» في بضعة عشر مجلدا لم يشرح «الوجيز» بمثله. وقال النووي [1] : إنه كان من الصالحين المتمكنين، وكانت له كرامات [كثيرة] ظاهرة. وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني: هو شيخنا، إمام الدّين، وناصر السّنة صدقا. كان أوحد عصره في العلوم الدينية، أصولا وفروعا، ومجتهد زمانه في المذهب، وفريد وقته في التفسير. [كان له مجلس بقزوين للتفسير] [2] ولتسميع الحديث. صنّف شرحا ل «مسند الشافعي» وأسمعه وصنّف شرحا ل «الوجيز» ، ثم صنّف أوجز منه. وقيل: إنه لم يجد زيتا للمطالعة في قرية بات بها فتألم، فأضاء له عرق كرمة فجلس يطالع ويكتب عليه. ومن شعره: أقيما على باب الرّحيم أقيما ... ولا تنيا في ذكره فتهيما هو الرّبّ من يقرع على الصّدق بابه ... يجده رؤوفا بالعباد رحيما

_ [1] انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 264- 265) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «تاريخ الإسلام» مصدر المؤلف وانظر «تهذيب الأسماء واللغات» .

وقال ابن خلّكان [1] : توفي في هذه السنة بقزوين وعمره نحو ست وستين سنة. ومن تصانيفه «العزيز في شرح الوجيز» الذي يقول فيه النووي بعد وصفه: واعلم أنه لم يصنّف في مذهب الشافعيّ- رضي الله عنه- ما يحصّل لك مجموع ما ذكرته أكمل من كتاب الرافعي ذي التحقيقات، بل اعتقادي واعتقاد كل مصنّف أنه لم يوجد مثله في الكتب السابقات ولا المتأخرات فيما ذكرته من المقاصد المهمات. والرافعي: منسوب إلى رافعان، بلدة من بلاد قزوين. قاله النووي [2] . وقال الإسنوي [3] : وسمعت قاضي القضاة جلال الدّين القزويني يقول: إن رافعان بالعجمي، مثل الرافعي بالعربي، فإن الألف والنون في آخر الاسم عند العجم كياء النسبة [4] في آخره عند العرب، فرافعان نسبة إلى رافع، قال: ثم إنه ليس بنواحي قزوين بلدة يقال لها رافعان [5] ولا رافع، بل هو منسوب إلى جدّ له يقال له: رافع، أي وهو رافع بن خديج. وحكى ابن كثير [6] قولا أنه منسوب إلى رافع مولى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم. وفيها علي بن النّفيس بن بورنداز [7] أبو الحسن البغدادي.

_ [1] تنبيه: لم أقف على ذكره في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي، وهذا النقل في «فوات الوفيات» (2/ 377) دون ذكر السنّ الّتي مات فيها. [2] هذا القول ذكره النووي في «مختصر طبقات الشافعية» لابن الصلاح، وليس في «تهذيب الأسماء واللغات» والله أعلم. [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 571- 573) . [4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «كالنسبة» . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 254) فقد أورد الذهبي فيه رأيا لأبي المعالي بن رافع يؤيد ما جاء في كتابنا هذا. [6] في كتابه «طبقات الشافعية» وليس في «البداية والنهاية» . [7] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بوريدان» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة»

ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، ومحمود فورجه، وجماعة، وتوفي في ذي القعدة. وفيها شبل الدولة، كافور الحسامي طواشي حسام الدّين محمد [1] ، ولد ستّ الشام، وخادم ستّ الشام. له فوق جسر ثورا [2] من صالحية دمشق، المدرسة، والتربة، والخانقاه، وأوقف عليها الأوقاف، ونقل لها الكتب الكثيرة، وفتح للناس طريقا من الجبل إلى دمشق قريبة على عين الكرش، وبنى المصنع الذي على رأس الزقاق [الطويل] [3] ، والخانقاه للصوفية إلى جانب مدرسته، ومصنعا آخر عند مدرسته، وكان ديّنا، وافر الحشمة. روى عن الخشوعي، ودفن بتربته إلى جانب مدرسته. وفيها الظّاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي العباسي [4] . ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وبويع بالخلافة بعد أبيه في العام الماضي، وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، حتّى بالغ ابن الأثير وقال: أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنّة العمرين.

_ (3/ 191- 192) و «العبر» (5/ 94) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 297) . [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (150) و «العبر» (5/ 95) . [2] يعني جسر نهر ثورا أحد أفرعة نهر بردى الشهير بدمشق. انظر «معجم البلدان» (2/ 86) و «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (86) . [3] زيادة من «ذيل الروضتين» . [4] انظر «مرآة الزمان» (8/ 423) و «ذيل الروضتين» ص (149- 150) و «العبر» (5/ 95- 96) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 264- 268) و «تاريخ الخلفاء» ص (458- 460) .

وقال أبو شامة [1] : كان أبيض مشربا بحمرة، حلو الشمائل، شديد القوى [2] ، قيل له: ألا تتفسح [3] ؟ قال: لقد لقس الزرع [4] ، فقيل: يبارك الله في عمرك، فقال: من فتح [دكانا] [5] بعد العصر أيش يكسب. ثم إنه أحسن إلى النّاس وفرّق الأموال، وأبطل المكوس وأزال المظالم. وقال الذهبي: توفي في ثالث عشر رجب، وبويع بعده ابنه المستنصر بالله. وفيها أحمد بن عبد المنعم الحكيم البغدادي [6] . كان حسن المعرفة بالأدب والطلب. ومن شعره: إذا لم أجد لي في الزّمان مؤانسا ... جعلت كتابي مؤنسي وجليسي وأغلقت بابي دون من كان ذا غنى ... وأمليت من مال القناعة كيسي وفيها ابن أبي لقمة، أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفّار [7] المعمّر. ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع من هبة الله بن طاووس، والفقيه نصر الله المصّيصي، وجماعة. تفرّد بالرّواية عنهم، وأجاز له من

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (145) ضمن ترجمة أبيه. [2] في «ذيل الروضتين» : «شديد القوة» . [3] في «ذيل الروضتين» : «ألا يتفسح» وفي «سير أعلام النبلاء» : «ألا تتنزّه» . [4] كذا في «آ» و «ط» و «سير أعلام النبلاء» : «لقد لقس الزرع» وفي «ذيل الروضتين» الذي بين يدي: «قد فات الزرع» . جاء في «تاج العروس» (لقس) : اللّقس واللّاقس: الجرب. [5] استدركتها من «ذيل الروضتين» . [6] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [7] انظر «العبر» (5/ 96) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 298- 299) .

بغداد سنة أربعين علي بن الصبّاغ وطبقته، وكان ديّنا، كثير التلاوة والذّكر. توفي في ثالث ربيع الأول. وفيها ابن البيّع أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدّينوري الزّهري [1] . سمع من عمّه أبي بكر محمد بن أبي حامد، ومحمد ابن طراد الزّينبي، وجماعة، انفرد بالرواية عنهم، وكان شيخا جليلا نبيلا رضيا، توفي في شوال. وفيها أبو القاسم العتّابي المبارك بن علي بن أبي الجود الورّاق [2] آخر أصحاب ابن الطّلّاية. كان رجلا صالحا، توفي في المحرم. قال الذهبي: حدثنا عنه الأبرقوهيّ. وفيها أبو العزّ موفق الدّين مظفّر بن إبراهيم بن جماعة بن علي بن شامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق العيلاني- بالعين المهملة، نسبة إلى قيس عيلان- الحنبلي الأديب الشاعر العروضي الضرير المصري [3] . ولد لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر، وسمع الحديث من أبي القاسم بن البستي، وابن الصّابوني، وأبي طاهر السّلفي، والبوصيري، وغيرهم. ولقي جماعة من الأدباء، وقال الشّعر الجيّد، وبرع في علم العروض، وصنّف فيه تصنيفا مشهورا دلّ على حذقه. ومدح جماعة كثيرة من الملوك، والشعراء، والوزراء، وغيرهم. وحدّث بتصنيفه وبشيء من شعره.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 262- 263) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 262- 263) . [2] انظر «العبر» (5/ 96- 97) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 263) و «تاريخ الإسلام» (63/ 156- 157) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 168- 169) و «وفيات الأعيان» (5/ 213- 217) و «تاريخ الإسلام» (63/ 157- 159) و «نكت الهميان» ص (290- 293) وقد تصحفت «العيلاني» فيه إلى «الغيلاني» بالغين المعجمة فتصحح. و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 166- 167) .

قال المنذري: سمعت منه وكان بقية فضلاء طبقته. وذكر ابن خلّكان أنه قال: دخلت يوما على القاضي هبة الله بن سناء الملك الشاعر فقال لي: يا أديب صنفت نصف بيت ولي أيام أفكر في تمامه قلت: وما هو؟ قال: بياض عذاري من سواد عذاره قلت: قد حصل تمامه، وأنشدت: كما جلّ ناري فيه من جلنّاره فاستحسنه وعمل عليه. ومن نظمه الأبيات المشهورة السائرة الرائقة الفائقة: قالوا عشقت وأنت أعمى ... ظبيا كحيل الطّرف ألمى وحلاه ما عاينتها ... فنقول قد شغفتك دهما وخياله بك في المنا ... م فما أطاف ولا ألمّا من أين أرسل للفؤا ... د وأنت لم تنظره سهما ومتى رأيت جماله ... حتّى كساك هواه سقما وبأيّ جارحة وصل ... ت لوصفه نثرا ونظما والعين داعية الهوى ... وبه ينمّ إذا تنمّى فأجبت إني موسو ... يّ العشق إنصافا وفهما أهوى بجارحة السّما ... ع ولا أرى ذات المسمّى وقال ابن خلّكان: وأخبرني أحد أصحابه أن شخصا قال له: رأيت في بعض تآليف أبي العلاء المعرّي ما صورته: أصلحك الله وأبقاك، لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي، لكي نحدث عهدا بك يا زين

الأخلاء، فما مثلك من ضيّع عهدا [1] وغفل، وسأله من أي الأبحر هذا؟ وهل هو بيت واحد أم أكثر؟ فإن كان أكثر فهل أبياته على رويّ واحد أم هي مختلفة الرّويّ. قال: فأفكر ساعة، ثم أجابه بجواب حسن، فلما قال لي المخبر ذلك، قلت له: اصبر عليّ حتّى أنظر [فيه] ولا تقل ما قاله، ثم أفكرت فيه فوجدته يخرج من بحر الرّجز، وهذا المجزوء منه، وتشتمل هذه الكلمات على أربعة أبيات، على رويّ اللّام، وهي على صورة يسوغ استعمالها عند العروضيين، ومن لم يكن من العروضيين [2] ومن لم يكن له بهذا الفنّ معرفة، فإنه ينكرها، لأجل قطع الموصول منها، ولا بد من الإتيان بها لتظهر [3] صورة ذلك وهي: أصلحك الله وأب ... قاك لقد كان من ال واجب أن تأتينا ال ... يوم إلى منزلنا ال خالي لكي نحدث عه ... دا بك يا زين الأخل لاء فما مثلك من ... ضيّع [4] عهدا أو غفل [5] وهذا إنما يذكره أهل هذا الشأن للمعاياة لا أنه [6] من الأشعار المستعملة، فلما استخرجته عرضته على ذلك الشخص، فقال: هكذا قاله مظفّر الأعمى. وكانت ولادة مظفّر الدّين المذكور لخمس بقين من جمادى الآخرة،

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «من غير عهدا» . [2] قوله: «ومن لم يكن من العروضيين» لم يرد في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي. [3] في «آ» و «ط» : «لتنظر» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [4] في «وفيات الأعيان» : «غيّر» . [5] في «آ» و «ط» : «وغفل» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» . [6] في «وفيات الأعيان» : «لا لأنه» .

سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر، وتوفي بها سحرة يوم السبت من المحرم. انتهى ملخصا، أي ودفن بسفح المقطّم. وفيها الجمال المصري، قاضي القضاة أبو الوليد يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن محمد بن علي الشّيبي الشّافعي [1] . ولد في حدود الخمسين وخمسمائة، وسمع من السّلفي، وولي الوكالة السلطانية بالشام، ودرّس بالأمينيّة، ثم ولي القضاء، ودرّس بالعادليّة، واختصر «الأم» للشافعي، ولم يكن بذاك المحمود في الولاية. توفي في ربيع الآخر، ودفن بداره بقرب القليجيّة، وقد تكلّم في نسبه.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 97) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 257- 258) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 122- 123) .

سنة أربع وعشرين وستمائة

سنة أربع وعشرين وستمائة فيها جاء الخبر إلى السلطان جلال الدّين وهو بتوريز [1] أنّ التتار قد قصدوا أصبهان وبها أهله، فسار إليها وتأهب للملتقى، فلما التقى الجمعان خذله أخوه غياث الدّين وولّى، وتبعه جهان بهلوان، فكسرت ميمنته ميسرة التتار، ثم حملت ميسرته على ميمنة التتار فطحنتها أيضا، وتباشر الناس بالنصر، ثم كرّت التتار مع كمينها، وحملوا حملة واحدة كالسّيل، وقد أقبل الليل، فزالت الأقدام، وقلت الأمراء [واشتد القتال] [2] وتداعى بنيان جيش جلال الدّين، وثبت هو في طائفة يسيرة، وأحيط [3] به، فانهزم على حميّة، وطعن طعنة لولا الأجل لتلف، وتمزّق جيشه، وكانت ملحمة لم يسمع بمثلها في الملاحم في انهزام كلا الفريقين [4] ، وذلك في رمضان. قاله في «العبر» [5] .

_ [1] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان والمعجمات. وإنما ورد ذكرها في «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (137) . وجاء في حاشية التحقيق من «تاريخ الإسلام» (63/ 18) ما نصه: وهي تبريز، هكذا تلفظ عند بعضهم، دون الإحالة على مصدر الكلام. [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [3] في «آ» و «ط» : «واحتيط» والتصحيح من «العبر» . [4] في «ط» : «الفرقين» وهو تحريف. [5] (5/ 97- 98) .

وفيها في رمضان قبل [هذا] [1] المصاف بأيام، اتفق موت جنكزخان طاغية التتار وسلطانهم الأعظم، الذي خرّب البلاد وأباد الأمم، وهو الذي جيّش الجيوش، وخرج بهم من بادية الصين، فدانت له المغول، وعقدوا له عليهم، وأطاعوه طاعة الأبرار للملك القهّار، واسمه قبل الملك تمرجين [2] ، ومات على الكفر، وكان من دهاة العالم، وأفراد الدّهر، وعقلاء التّرك، وهو جدّ ابني العم بركة وهولاكو. وفيها توفي قاضي حرّان، أبو بكر عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر [3] ، الفقيه الحنبلي المقرئ. رحل إلى بغداد، وتفقه بها، وسمع الحديث من شهدة، وابن شاتيل، وطبقتهما. ورحل إلى واسط، وقرأ بها القراءات بالروايات. قال ابن حمدان الفقيه: سمعت عليه أشياء. قال: وكان مشهورا بالدّيانة والصيانة، متوحدا في فنّه، وفي فنون القراءة وجودة أدائها. وصنّف في القراءات، وعاش خمسا وسبعين سنة. وفيها عبد الله بن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني [4] . سمع أباه، ونصر بن المظفّر، وعلي بن محمد المشكاني [5] راوي «تاريخ البخاري» [6] وجماعة. توفي في شعبان.

_ [1] مستدركة من «العبر» . [2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «تمرحين» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» (63/ 168) . [3] انظر «العبر» (5/ 98- 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 182) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 171- 172) . [4] انظر «العبر» (5/ 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 263- 264) . [5] انظر ترجمته في «الأنساب» (11/ 334- 335) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 311- 312) . [6] يعني «التاريخ الصغير» كما جاء مبينا في «الأنساب» و «سير أعلام النبلاء» .

وفيها البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي [1] ، الفقيه الحنبلي الزاهد، بهاء الدّين أبو محمد، ابن عم البخاري. ولد سنة خمس، وقيل: ست وخمسين وخمسمائة. وسمع بدمشق من ابن [2] أبي الصقر وغيره، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من شهدة، وعبد الحق اليوسفي، وطبقتهما. وسمع بحرّان من أحمد بن أبي الوفاء الفقيه، ويقال: إنه تفقه ببغداد على ابن المنّي، وبالشام على الشيخ موفق الدّين ولازمه، وصنف التصانيف، منها «شرح عمدة [3] الشيخ موفق الدين» وهو في مجلد، نصّ في أوله أن الماء لا ينجس حتّى يتغير مطلقا، ويقال: إنه شرح «المقنع» أيضا. قال سبط ابن الجوزي: كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس، ثم انتقل إلى دمشق. قال: وكان صالحا، ورعا، زاهدا، غازيا، مجاهدا، جوادا، سمحا. وقال المنذري: كان فيه تواضع وحسن خلق، وأقبل في آخر عمره على الحديث إقبالا كليّا [4] وكتب منه الكثير. وحدث بنابلس، والشام. توفي- رحمه الله- في سابع ذي الحجة، ودفن من يومه بسفح قاسيون. وفيها قاضي القضاة ابن السّكّري عماد الدّين عبد الرحمن بن

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 212- 213) و «العبر» (5/ 99) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 99) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 170- 171) و «القلائد الجوهرية» (2/ 475) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق. [2] لفظة «ابن» سقطت من «آ» . [3] المعروف ب «عمدة الفقه» وهو مطبوع أكثر من مرة آخرها بدمشق بتحقيق ثناء الهوّاري وإيمان زهراء. [4] في «لتكملة» : «إقبالا كثيرا» .

عبد العلي بن علي المصري [1] الشافعي. تفقه على الشهاب الطّوسي، وبرع في المذهب، وأفتى، وولي القضاء بالقاهرة وخطابتها، وحدّث وأفتى ودرّس، وله حواش على «الوسيط» مفيدة، و «مصنّف في مسألة الدّور» وعزل قبل موته من القضاء بسبب أنه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع. ويحكى عنه أنه عزل الشيخ عبد الرحمن النويري لحكمه بالمكاشفات، فقال النويري: عزلته وعزلت ذرّيته، فعزل بعد ذلك. وفيها حجّة الدّين الحقيقي أبو طالب عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري [2] الشافعي الصوفي. ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة، وتفقه بهمذان، وعلّق «التعليقة» عن الفخر النّوقاني [3] . وسمع بأصبهان من التّرك وجماعة، وببغداد من ابن شاتيل، وبدمشق ومصر. وكان كثير الأسفار، والعبادة، والتهجد، صاحب أوراد، وصدق، وعزم. جاور مدة بمكة، وتوفي في صفر. وفيها الملك المعظّم سلطان الشّام، شرف الدّين عيسى بن العادل [4] الحنفي، الفقيه الأديب. ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وخمسمائة، وحفظ القرآن، وبرع في الفقه، وشرح «الجامع الكبير» في عدة مجلدات بإعانة غيره، ولازم الاشتغال

_ [1] انظر «العبر» (5/ 99) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 170- 171) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 67) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 92) . [2] انظر «العبر» (5/ 99- 100) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 314) و «العقد الثمين» (5/ 493- 495) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «البوقاني» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق السابق. [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 494- 496) و «العبر» (5/ 100) و «تاريخ الإسلام» (63/ 185- 189) و «البداية والنهاية» (13/ 121- 122) .

زمانا، وسمع «المسند» [كلّه] [1] لابن حنبل. وله شعر كثير. وكان عديم الالتفات إلى النواميس وأبّهة الملوك [2] ، ويركب وحده مرارا ثم تتلاحق به مماليكه. وكان فيه خير وشرّ كثير، سامحه الله تعالى. قال ابن الأهدل: كان حنفيا شديد التعصب لمذهبه، ولم يكن في بني أيوب حنفيّ سواه، وتبعه أولاده، وكان قد شرط لمن حفظ «المفصّل» للزمخشري مائة دينار وخلعة، فحفظه جماعة لهذا السبب، وكان من النّجباء الأذكياء. انتهى. وقال غيره: ومن شعره- وقد مرض بالحمى-: زارت ممحّصة [3] الذّنوب وودّعت ... تبّا لها من زائر ومودّع باتت معانقتي كأنّي حبّها ... ومقيلها ومبيتها في أضلعي قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد؟ فقلت: ألا ترجعي وله: هجم الشتاء ونحن بالبيداء ... فدفعت شرّته بصوت غناء وجمعت قافات يزول بجمعها ... همّ الشتاء ولوعة البرحاء قدح وقانون وقاني قهوة ... مع قينة في قبّة زرقاء ومرض ابن عنين، فكتب إليه: أنظر إليّ بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي أنا كالذي أحتاج ما تحتاجه ... فاغنم ثوابي والثناء الوافي فجاء إليه فعاده ومعه صرّة فيها ثلاثمائة دينار، وقال: هذه الصلة وأنا

_ [1] زيادة من «العبر» مصدر المؤلف. [2] في «العبر» بطبعتيه: «وأبّهة الملك» . [3] في «ط» : «ممخضة» .

العائد، وهذه لو وقعت لأكابر النّحاة لاستحسنت منه، فكيف هذا الملك. توفي- رحمه الله- في سلخ ذي القعدة. وقال ابن خلّكان: توفي يوم الجمعة، مستهل ذي الحجة بدمشق، ودفن في قلعتها، ثم نقل إلى الصالحية ودفن في مدرسته هناك، بها قبور جماعة من إخوته وأهل بيته، تعرف بالمعظمية. انتهى. وفيها الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السّلام، عميد الدّين، أبو الفرج البغدادي [1] الكاتب. ولد في أول سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وسمع من جدّه أبي الفتح، وأبي الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وطائفة، وتفرّد بالرواية عنهم، ورحل الناس إليه. توفي في الرابع والعشرين من المحرم، وهو من بيت حديث وأمانة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 100- 101) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 272- 274) و «تاريخ الإسلام» (63/ 189- 191) .

سنة خمس وعشرين وستمائة

سنة خمس وعشرين وستمائة فيها توفي اللّبلي- بالباء الموحدة نسبة إلى لبلة بلد بالأندلس- المحدّث الرّحّال، محب الدّين، أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي [1] . طوّف، وسمع من ابن طبرزد، والمؤيد الطّوسي، وطبقتهما. وكان من وجوه أهل لبلة. توفي في رجب بدمشق كهلا. وفيها ابن طاووس أبو المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد الصّوفي [2] أخو هبة الله. سمع من حمزة بن كروّس، وكان عريا من الفضيلة. توفي في رمضان. قاله في «العبر» . وفيها أحمد بن شيرويه بن شهردار الدّيلمي أبو مسلم الهمذاني [3] روى عن جدّه، ونصر بن المظفّر البرمكي، وأبي الوقت [السّجزي] ، وطائفة، وتوفي في شعبان. وفيها أبو منصور ابن البرّاج، أحمد بن يحيى بن أحمد البغدادي

_ [1] انظر «العبر» (5/ 102) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 301) و «تاريخ الإسلام» (63/ 199) . [2] انظر «العبر» (5/ 102) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 152) و «تاريخ الإسلام» (63/ 200) . [3] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 260- 261) و «تاريخ الإسلام» (63/ 200) وما بين الحاصرتين زيادة منهما وقد تحرفت «شيرويه» في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «شرويه» .

الصوفي [1] . راوي «سنن النسائي» عن أبي زرعة، وسمع أيضا من ابن البطّي، وكان صالحا، عابدا، توفي في المحرّم. وفيها ابن بقيّ قاضي الجماعة أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد الأموي مولاهم البغوي القرطبي [2] . سمع جدّه أبا الحسن، ومحمد بن عبد الحق الخزرجي، وأجاز له شريح، وجماعة. وكان ظاهريّ المذهب، مسند أهل المغرب وعالمهم ورئيسهم. ولي القضاء بمرّاكش مضافا إلى خطتي المظالم والكتابة العليا [3] وغير ذلك. توفي في نصف رمضان وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة، وآخر من روى عنه عبد الله بن هارون الطائي. وفيها داود بن رستم بن محمد بن أبي سعيد الحرّاني [4] الحنبلي ببغداد، ودفن بباب حرب. سمع من نصر القزّاز وغيره، وصفه المنذري بأنه رفيقه، وذكره ابن النجار وأنه ناطح الستين. وفيها أبو علي الجواليقي الحسن بن إسحاق بن العلّامة أبي منصور، موهوب بن أحمد البغدادي [5] . روى عن ابن ناصر، وعن أبي بكر بن الزّاغوني، وجماعة، وكان ذا دين ووقار.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 277- 278) و «تاريخ الإسلام» (63/ 202) . [2] انظر «العبر» (5/ 103) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 274- 277) و «تاريخ الإسلام» (63/ 203- 204) . [3] في «آ» و «ط» : «مضافا إلى الغاية العليا» وفي «العبر» : «مضافا إلى الكتابة العليا» وما أثبته من «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 224) و «تاريخ الإسلام» (63/ 210) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 172) . [5] انظر «العبر» (5/ 103- 104) و «تاريخ الإسلام» (63/ 208- 209) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 278) .

وفيها النّفيس بن البنّ أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القاسم الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي [1] تفرّد عن جدّه بحديث كثير، وكان ثقة، حسن السمت والديانة. توفي في شعبان. وفيها القاضي الإمام جمال الدّين عبد الرحيم [بن علي] ابن شيث القرشي [2] . جمع الله له بين الفضل والمروءة، والكرم والفتوة. كان كثير الصدقات، وكان القاضي الفاضل يحتاج إليه في علم الرسائل. كتب إليه أبو المظفّر كتابا يتشوق إليه، فأجابه: وافى كتابك وهو الرّوض مبتسما ... عن ثغر درّ طغى من بحرك الطّامي وكان عندي كالماء الزّلال وقد ... تناولته يمين الحائم الظّامي لله نفحة فضل منه رحت بها ... نشوان أسحب أذيالي وأكمامي تولى الوزارة للملك المعظم بالشام، ونشأ بقوص، ومات بدمشق، ودفن بتربته بقاسيون. وفيها ابن عفيجة أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي ثم البغدادي البيّع [3] . أجاز له في سنة بضع وثلاثين وخمسمائة أبو منصور ابن خيرون، وأبو محمد سبط الخيّاط، وطائفة. وسمع من ابن ناصر. توفي في ذي الحجّة. وفيها محمد بن النّفيس بن محمد بن إسماعيل بن عطاء أبو الفتح

_ [1] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 278- 280) . [2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 431) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 217) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 301- 302) و «تاريخ الإسلام» (63/ 212- 213) و «النجوم الزاهرة» (6/ 271) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منها جميعا. [3] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 280- 281) و «تاريخ الإسلام» (63/ 216- 217) .

البغدادي الصّوفي [1] . سمع «الصحيح» [2] من أبي الوقت [السّجزي] ، وتوفي في ذي القعدة. وفيها أبو محمد عبد المحسن بن عبد الكريم بن ظافر بن رافع [الحصنيّ] الحصري المصري [3] الحنبلي الفقيه. ولد في أوائل سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بمصر، وسمع بها من أبي إسحاق إبراهيم بن هبة الله وجماعة كثيرة، ورحل إلى دمشق، فتفقه بها على الشيخ موفق الدّين، وانقطع إليه مدة، وتخرّج به، وسمع منه، ومن أبي الفتوح البكري، وغيرهما. وسمع بحرّان من الحافظ عبد القادر الرّهاوي. وحدّث بحمص، وبمصر، وكتب بخطه، وحصّل كسبا. وتوجه إلى الحجّ فغرق [في البحر] وذهب جميع ما معه، وعاد إلى مصر مجردا من جميع ما كان معه، ولم يزل على سداد وأمر جميل إلى أن توفي في ثالث جمادى الآخرة بمصر، ودفن بسفح المقطّم. قاله ابن رجب.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 261- 262) و «تاريخ الإسلام» (63/ 220) . [2] يعني «صحيح البخاري» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 223- 224) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 172) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منهما.

سنة ست وعشرين وستمائة

سنة ست وعشرين وستمائة فيها سلّم الكامل القدس الشريف لملك الفرنج بعد أن كاتبه الأنبرور ملكهم في العام الماضي يقول: أنا عتيقك وتعلم أني أكبر مغول الفرنج، وأنت كاتبتني بالمجيء، وقد علم البابا والملوك باهتمامي، فإن رجعت خائبا انكسرت حرمتي، وهذه القدس هي أصل دين النصرانية، وأنتم قد خرّبتموها، وليس لها دخل طائل، فإن رأيت أن تنعم عليّ بقبضة البلد ليرتفع رأسي بين الملوك، وأنا ألتزم بحمل دخلها لك. فلان له وسلّمه إياها في هذا العام، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثم أتبع فعله هذا بحصار دمشق وأذيّة الرّعية. وجرت بين عسكره وعسكر النّاصر وقعات، وقتل جماعة في غير سبيل الله، وأحرقت الخانات، ودام الحصار أشهرا، ثم وقع الصّلح في شعبان، ورضي الناصر بالكرك ونابلس فقط، ثم سلّم دمشق إلى أخيه الأشرف بعد شهر، وأعطاه الأشرف حرّان، والرّقّة، والرّها، وغير ذلك. وفيها توفي أبو القاسم بن صصرى، مسند الشام، شمس الدّين، الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد التّغلبي الدّمشقي الشّافعي [1] .

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 240- 241) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 282- 284) و «تاريخ الإسلام» (63/ 228- 230) و «العبر» (5/ 105) وقد تحرفت لفظة «الحسين» إلى «الحسن» في «آ» و «ط» وصححتها من المصادر المذكورة في أعلى التعليق.

ولد سنة بضع وثلاثين، وسمع من جدّه لأبيه، وجدّه لأمه عبد الواحد ابن هلال، وأبي القاسم بن البنّ، وخلق كثير. وأجاز له علي بن الصبّاغ، وأبو عبد الله بن السلّال، وطبقتهما. ومشيخته في سبعة عشر جزءا. توفي في الثالث والعشرين من المحرّم. وفيها أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي [1] . روت الكثير عن أبيها، وتفرّدت عنه، وتوفيت في المحرّم أيضا، وتلقب بشرف النساء، وكانت صالحة خيّرة. وفيها ابن التّانرايا [2] موفق الدّين أبو المعالي، عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن علي بن محمد البغدادي، الواعظ الفقيه، الحنبلي المعدّل، ثم الحاكم، أبو محمد، ويقال: أبو الفضل، ويقال: أبو المعالي. سمع من عبد الحق اليوسفي، وابن شاتيل، ونصر الله القزّاز، وابن المنّي، وابن الجوزي، وغيرهم. وتفقه على ابن المنّي، وبرع، وناظر، وقرأ الوعظ على ابن الجوزي ووعظ. قال ابن النجار: كان حسن الأخلاق فاضلا. [وقال المنذري: كان فقيها، فاضلا] [3] مناظرا. وله يد في الوعظ. وقال ابن رجب: وقد حدّث، وسمع منه غير واحد، منهم: ابن النجّار، وأجاز للمنذري، ولابن أبي الجيش. وقال عنه [4] : كان [أصله] من

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 239- 240) و «تاريخ الإسلام» (63/ 227) و «النجوم الزاهرة» (6/ 273) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن البابرايا» وهو تصحيف والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 246) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 173) . [3] ما بين الحاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف، والقول موجود في «التكملة» . [4] القائل عنه ذلك: الشيخ عبد الصمد كما في «ذيل طبقات الحنابلة» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

العجم، وتوفي ليلة الاثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة فجأة، ودفن بمقبرة الإمام أحمد، رحمه الله. وفيها بهاء الدّين أبو العبّاس أحمد بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي، أخو الشهاب والنّاصح، وكان أكبر الإخوة. ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وسمع من أبي الفضل بن الشّهرزوري، وحدّث عن الحيص بيص الشّاعر، وأجاز للمنذري، وتوفي في حادي عشري ذي القعدة بدمشق، ودفن بالجبل. وفيها الحاجب عليّ [بن] حسام الدّين [1] ، نائب خلاط للملك الأشرف. كان شهما، مقداما، موصوفا بالشجاعة، والسياسة، والحشمة، والبرّ، والمعروف. قبض عليه الأشرف على يد مملوكه عز الدّين أيبك فلم يمهل الله أيبك، ونازله خوارزم شاه، وأخذ خلاط، وأخذ أيبك وجماعة. وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن أبي حرب بن النّرسي الكاتب الشاعر [2] . روى عن أبي محمد بن المادح، وهبة الله الشّبلي، وله ديوان شعر. توفي في جمادى الآخرة. وفيها الملك المسعود أقسيس بن الكامل [3] ، وأقسيس بلغة اليمن موت.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 106) ولفظة «ابن» التي بين الحاصرتين مستدركة منه. [2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 146) وقد أورد له الصفديّ أبياتا في كتابه اخترت منها هذا البيت: ليت العواذل للعذّال ما خلقوا ... كم عذّبوا بأليم اللوم مشتاقا [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 331- 332) و «الوافي بالوفيات» (9/ 315- 316) و «مرآة الجنان» (4/ 93- 94) و «البداية والنهاية» (13/ 124) و «غربال الزمان» ص (506) وقد تصحف «أقسيس» في «آ» و «ط» إلى «أفسيس» بالفاء.

كان جبّارا عنيدا. حجّ مرّة، فكان يرمى بالبندق، وكان غلمانه يدخلون الحرم، ويضربون الناس بالسيوف، ويقولون: مهلا فإن الملك نائم سكران. ونادى مرّة في بلاد اليمن: من أراد السّفر من التجار إلى الدّيار المصرية والشامية صحبة السلطان فليتجهز، فجاء التجار من السّند والهند بأموال الدنيا والجواهر، ولما تكاملت المراكب بزبيد قال: اكتبوا لي بضائعكم لأحميها من الزكاة، فكتبوها له، فصار يكتب لكل تاجر برأس ماله إلى بعض بلاد اليمن، ويستولي على ماله، فاستغاثوا وقالوا: فينا من له عن أهله سنين، فلم يلتفت إليهم، فقالوا: خذ مالنا وأطلقنا، فلم يلتفت إليهم أيضا، فعبّأ ثقله في خمسمائة مركب ومعه ألف خادم ومائة قنطار عنبر، وعود ومسك، ومائة ألف ثوب، ومائة صندوق أموال وجواهر، وركب الطريق إلى مكة، فمرض مرضا مزمنا، فوصل إلى مكّة وقد أفلج ويبست يداه ورجلاه، ورأى في نفسه العبر، ثم مات فدفنوه في المعلّى، وضرب الهواء بعض المراكب فرجعت إلى زبيد، فأخذها أصحابها. وفيها نجم الدّين يعقوب بن صابر المنجنيقي [1] . كان فاضلا أديبا شاعرا. برع على أهل صناعته في علم المنجنيق. ومن شعره: [و] كنت [2] سمعت أن النّجم عند اس ... تراق السّمع يقذف بالرّجوم فلمّا أن علوت وصرت نجما ... رجمت بكلّ شيطان رجيم

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 242) و «وفيات الأعيان» (7/ 35- 46) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 309- 310) و «تاريخ الإسلام» (63/ 248- 249) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (440- 441) طبع مؤسسة الرسالة. [2] أضفنا الواو لضرورة الوزن.

وله: كلفت بعلم [1] المنجنيق ورميه ... لهدم الصّياصي [2] وافتتاح المرابط وعدت إلى نظم القريض لشقوتي ... فلم أخل في الحالين من قصد خابط [3] وله في الصّوفية: قد لبسوا الصّوف لترك الصّفا ... مشايخ العصر لشرب العصير وقصّروا للعشق أثوابهم ... شرّ طويل تحت ذيل قصير وفيها أبو نصر المهذّب بن علي بن قنيدة الأزجي الخيّاط المقرئ [4] . روى عن أبي الوقت وجماعة، وتوفي في شوال. وفيها أبو الدّر [5] ياقوت بن عبد الله الرّومي الجنس، الحموي المولد، البغدادي، الدار، الملقب شهاب الدّين [6] . أخذ من بلاده صغيرا، وابتاعه ببغداد رجل تاجر يعرف بعسكر الحموي، وجعله في الكتّاب لينتفع به في ضبط تجايره. وكان مولاه عسكر لا يحسن الخطّ ولا يعلم [شيئا] سوى

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بعسلم» وصححتها من «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» . [2] جاء في «لسان العرب» (صيص) : الصياصي: الحصون، وكل شيء امتنع به وتحصّن به فهو صيصة. [3] في «وفيات الأعيان» و «سير أعلام النبلاء» : «من قصد حائط» . [4] انظر «العبر» (5/ 106) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 313- 314) و «تاريخ الإسلام» (63/ 243- 244) . [5] أقول: أبو الدّر، هو ياقوت الرّومي، مهذّب الدّين، الشاعر، وقد تقدم في الصفحة (184) وتوفي سنة (622) هـ. وأما ياقوت الحموي المترجم هنا، فإنه شهاب الدّين أبو عبد الله، صاحب «معجم البلدان» وهو من وفيات (626) هـ كما ذكر المؤلف. (ع) . [6] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 127- 139) و «العبر» (5/ 106) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 312- 313) و «تاريخ الإسلام» (63/ 244- 248) و «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص (426- 427) طبع مؤسسة الرسالة.

التجارة، فشغله مولاه بالأسفار في متاجره، فكان يتردد إلى [كيش] وعمان [1] والشام. وجرت بينه وبين مولاه نبوة [2] أوجبت عتقه والبعد عنه، فاشتغل بالنسخ بالأجرة، وحصلت له بالمطالعة فوائد. ثم إن مولاه بعد مديدة ألوى [3] عليه وأعطاه شيئا وسفّره إلى كيش، ولما عاد كان مولاه قد مات. فحصّل شيئا مما كان في يده وأعطاه أولاد مولاه وزوجته وأرضاهم به، وبقي بيده بقية جعلها رأس ماله. وسافر بها وجعل بعض تجارته كتبا. وكان متعصبا على عليّ- رضي الله عنه- وكان قد اطلع على شيء من كتب الخوارج، فعلق في ذهنه منها طرف قويّ. وتوجه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة، وقعد في بعض أسواقها. وناظر بعض من يتعصب لعليّ- رضي الله عنه- وجرى بينهما كلام أدّى إلى ذكر علي- رضي الله عنه- بما لا يسوغ، فثار عليه الناس ثورة كادوا يقتلونه، فسلم منهم وخرج من دمشق منهزما بعد أن بلغت القصة [4] إلى والي البلد، فطلبه فلم يقدر عليه، ووصل إلى حلب خائفا يترقب، وخرج منها إلى الموصل، ثم انتقل إلى إربل، وسلك منها إلى خراسان، ووصل إلى خوارزم، فصادف خروج التتار، فانهزم بنفسه كبعثته [5] يوم الحشر من رمسه. وقاسى في طريقه من الضائقة [6]

_ [1] تحرفت لفظة «وعمان» في «آ» و «ط» إلى «نعمان» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف ولفظة «كيش» التي بين الحاصرتين مستدركة منه. وكيش جزيرة في الخليج العربي، و «كيش» تعجيم «قيس» صارت في المئة السادسة مرفأ تجارة، وقد نسب المحدّثون إليها إسماعيل بن مسلم العبدي الكيشي. انظر «معجم البلدان» (4/ 497- 498) و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (293) . [2] أي: جفوة. انظر «لسان العرب» (نبا) . [3] أي: عطف. انظر «مختار الصحاح» (لوي) . [4] في «وفيات الأعيان» : «القضية» . [5] في «ط» : «كبعثة» . [6] في «وفيات الأعيان» : «من المضايقة» .

والتعب ما يكلّ اللّسان عن شرحه. ووصل إلى الموصل وقد تقطعت به الأسباب، ثم انتقل إلى سنجار، وارتحل إلى حلب، وأقام بظاهرها في الخان إلى أن مات. وكان قد تتبع التواريخ، وصنّف كتابا سماه «إرشاد الألبّاء إلى معرفة الأدباء» يدخل في أربع مجلدات، وهو في نهاية الحسن والإمتاع. وكتاب «معجم البلدان» و «معجم الأدباء» و «معجم الشعراء» و «المشترك وضعا المختلف صقعا» وهو من الكتب النافعة، و «المبدأ والمآل» في التاريخ، و «الدول» و «مجموع كلام أبي علي الفارسي» و «عنوان كتاب الأغاني» و «المقتضب في النسب» يذكر فيه أنساب العرب، و «أخبار المتنبي» . وكانت له همّة عالية في تحصيل المعارف. قال ابن خلّكان: وكانت ولادته في سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببلاد الرّوم، وتوفي يوم الأحد العشرين من رمضان في الخان بظاهر مدينة حلب، وقد كان أوقف كتبه على مسجد الزّيدي بدرب دينار ببغداد، وسلّمها إلى الشيخ عز الدّين بن الأثير صاحب «التاريخ الكبير» . ولما تميّز ياقوت واشتهر سمّى نفسه يعقوب. ولقد سمعت الناس عقيب موته يثنون عليه ويذكرون فضله وأدبه، ولم يقدّر لي الاجتماع به. انتهى ملخصا. ومن شعره في غلام تركي رمدت عينه، فجعل عليها وقاية سوداء: ومولّد للتّرك تحسب وجهه ... بدرا يضيء سناه بالإشراق أرخى على عينيه فضل وقاية ... ليردّ فتنتها عن العشّاق تالله لو أنّ السوابغ دونها ... نفذت فهل لوقاءة [1] من واق

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «فهل لوقاية» .

وفيها يوسف بن أبي بكر السّكّاكي [1] . صاحب «المفتاح» [2] . أخذ عن شيخ الإسلام محمود بن صاعد الحارثي وعن سديد بن محمد الخيّاطي [3] وكان حنفيا، إماما كبيرا، عالما، بارعا، متبحرا في النحو والتصريف وعلم المعاني والبيان والعروض والشعر. أخذ عنه علم الكلام مختار بن محمود الزّاهدي [4] صاحب «القنية» [5] . قاله ابن كمال باشا في «طبقاته» .

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 250) و «الجواهر المضية» (2/ 225- 226) طبع حيدر أباد. [2] يعني «مفتاح العلوم» وقد تكلم عنه حاجي خليفة مطولا في «كشف الظنون» (2/ 1762- 1768) فراجعه تجد فائدة عزيزة إن شاء الله تعالى. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحناطي» والتصحيح من «الجواهر المضية» وهو مترجم فيه (2/ 219) بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو. [4] في «آ» و «ط» : «الزاهد» والتصحيح من «الجواهر المضية» . [5] واسمه الكامل «قنية المنية على مذهب أبي حنيفة» انظر «كشف الظنون» (2/ 1357) .

سنة سبع وعشرين وستمائة

سنة سبع وعشرين وستمائة فيها خاف أهل الشّام وغيرها من الخوارزمية، وعرفوا أنهم إن ملكوا عملوا بهم كل نحس، فاصطلح الأشرف وصاحب الرّوم علاء الدّين واتفقوا على حرب جلال الدّين، وساروا فالتقوه في رمضان فكسروه واستباحوا عسكره، ولله الحمد. وهرب جلال الدّين بأسوإ حال، ووصل إلى خلاط في سبعة أنفس، وقد تمزق جيشه وقتلت أبطاله، فأخذ حريمه وما خفّ حمله وهرب إلى أذربيجان، ثم أرسل إلى الملك الأشرف في الصّلح وذلّ وأمنت خلاط، وشرعوا في إصلاحها. قال الموفق عبد اللطيف: هزم الله الخوارزميّة بأيسر مؤونة بأمر ما كان في الحساب، فسبحان من هدم ذاك الجبل الرّاسي في لمحة ناظر. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن فهد بن الحسين بن فهد العلثي [1] الفقيه الحنبلي. سمع من أبي شاكر السقلاطوني، وشهدة، وغيرهما. وتفقه على ابن المنّي. وكان حسن الكلام في مسائل الخلاف، وفيه صلاح وديانة. وكان زيّه زي العوام في ملبسه، وحدّث وسمع منه جماعة، وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر شعبان.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 267- 268) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 177) وفيه «أحمد بن نصر بن الحسين» فيصحح.

وفيها زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي الشافعي [1] . روى عن أبي العشائر محمد بن خليل [القيسيّ] [2] ، وعبد الرحمن الدّاراني، والفلكي، وطائفة. وكان صالحا خيّرا، من سروات الناس. حسن السمت. تفقه على جمال الأئمة علي بن الماسح، وولي نظر الخزانة والأوقاف، ثم تزهّد. عاش ثلاثا وثمانين سنة، وتوفي في صفر. وفيها أبو الذّخر خلف بن محمد بن خلف الكنّري البغدادي الحنبلي [3] . ولد بكنّر من قرى بغداد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وحفظ بها القرآن، وتفقه في المذهب. ثم سافر إلى الموصل واستوطنها، وسمع بها من الخطيب أبي الفضل الطّوسي، ويحيى الثقفي، وغيرهما. وحدّث، وأقرأ القرآن، وكتب عنه الناس. وكان متدينا، صالحا، حسن الطريقة. توفي في المحرّم بالموصل. وفيها راجح بن إسماعيل الحلّي [4] ، الأديب شرف الدّين. صدر نبيل، مدح الملوك بمصر والشام والجزيرة، وسار شعره. توفي في شعبان. وفيها أبو الخير موفق الدّين سلامة بن صدقة بن سلامة بن الصّولي الحرّاني [5] ، الفقيه الحنبلي الفرضي. سمع ببغداد من أبي السعادات القزّاز وغيره، وتفقه بها.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 258- 259) و «العبر» (5/ 108) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 284- 287) و «تاريخ الإسلام» (63/ 256- 257) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 220) . [2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» . [3] انظر «معجم البلدان» (4/ 483) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 178) . [4] انظر «العبر» (5/ 108) و «تاريخ الإسلام» (63/ 258) و «النجوم الزاهرة» (6/ 275) وهو منسوب إلى «الحلّة» كما في «تاريخ الإسلام» . [5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 258) و «تاريخ الإسلام» (63/ 258- 259) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 174) .

قال ابن حمدان: كان من أهل الفتوى، مشهورا بعلم الفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة. سمعت عليه كثيرا من «الطبقات» لابن سعد، وقرأت عليه ما صنّفه في الحساب والجبر والمقابلة، وأجوبته في الفتوى غالبا: نعم أولا. وقال ابن رجب: قال المنذري: لنا منه إجازة. وقال [1] : الصّولي: بفتح الصاد المهملة، الإسكاف، هكذا تقوله أهل بلده. ورأيت على مقدمة من تصنيفه في الفرائض، ابن الصولية، ولم تضبط الصاد بشيء. توفي في المحرّم بحرّان. وفيها أبو بكر عبد الله بن معالي بن أحمد بن الرّيّاني [2] ، المقرئ الفقيه الحنبلي. تفقه على أبي الفتح بن المنّي وغيره، وسمع منه ومن شهدة وغيرهما. وحدّث. قال ابن نقطة: سمعت منه أحاديث، وهو [3] شيخ حسن. وقال ابن النجار: كان صالحا، حسن الطريقة. وشهد عند القضاة وحدّث باليسير، وتوفي يوم الجمعة خامس جمادى الأولى، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وهو منسوب إلى الرّيّان، بفتح الراء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وبعد الألف نون، محلّة بشرقي بغداد [4] .

_ [1] القائل المنذري في «التكملة» ونقله عنه ابن رجب في «الذيل» . [2] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 755) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 262- 263) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 174- 175) . [3] لفظة «وهو» لم ترد في «تكملة الإكمال» الذي بين يدي فتستدرك. [4] انظر «معجم البلدان» (3/ 111) .

وفيها سليمان بن أحمد بن أبي عطّاف المقدسي الحنبلي [1] ، نزيل حرّان. تفقه بها، وحدّث عن أبي الفتح بن أبي الوفاء الفقيه، وتوفي بها في ثاني عشر جمادى الأولى. وفيها أبو محمد عبد السلام بن عبد الرحمن ابن الشيخ العارف معدن الحكم والمعارف أبي الحكم بن برجان اللّخمي المغربي ثم الإشبيلي [2] ، حامل لواء اللغة بالأندلس. أخذ عن أبي إسحاق بن ملكون. وتوفي في جمادى الأولى. قاله ابن الأهدل. وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الحربيّ المؤدّب [3] . روى عن أبي الوقت [السّجزي] وغيره، وتوفي في ربيع الأول. وفيها عبد السلام بن عبد الرحمن بن الأمين علي بن علي بن سكينة علاء الدّين الصّوفي البغدادي [4] . سمع أبا الوقت، ومحمد بن أحمد البرمكي، وجماعة كثيرة. وتوفي في صفر. وفيها أبو يحيى زكريا بن يحيى القطفتيّ [5]- بضمتين وسكون الفاء وفوقية مثناة، نسبة إلى قطفتا محلّة ببغداد [6]-.

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 259) . [2] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 262- 263) و «العبر» (5/ 109) و «مرآة الجنان» (4/ 65) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 262) و «تاريخ الإسلام» (63/ 260- 261) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 332) . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 259- 260) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 333) و «تاريخ الإسلام» (63/ 262) . [5] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 263) و «تاريخ الإسلام» (63/ 258) . [6] انظر «معجم البلدان» (4/ 374) .

ولد سنة أربع أو خمس وأربعين وخمسمائة، وتفقه في مذهب أحمد، وسمع من يحيى بن موهوب، وحدّث. وتوفي في جمادى الأولى ببغداد، ودفن بمقبرة معروف. قاله المنذري في «وفياته» . وفيها أبو الفتوح عبد الرحمن بن عربد الدّنيسري [1] محتسب دنيسر، بلدة قرب ماردين، كان فصيحا شاعرا، فيه فضيلة تامة، حبسه صاحب ماردين، فمات في السجن. ومن شعره: تزايد في هوى أملي جنوني ... وأورث مهجتي سقما شجوني وصرت أغار من نظر البرايا ... عليه ومن خيالات الظّنون ويعذب لي عذابي في هواه ... وهذا نصّ معتقدي وديني فقل لللّائمين عليه جهلا ... دعوني لا تلوموني دعوني وله: لا والذي بيديه البرء والسّقم ... ما لي سوى وجنتيه في الهوى قسم أحوى حوى السّحر في أجفانه وعلى ... خدّيه من مهجات المدنفين دم مزنّر الخصر وا شوقي إلى خصر ... في فيه يقصر عنه البارد الشّبم كالماء جسما ولكن قلبه حجر ... فما سباني إلّا وهو لي صنم وفيها الصدر فخر الدّين أبو بكر محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي [2] المعدّل. من بيت أمانة وصيانة ودين. كان أجمل أهل بيته وأحسنهم خلقا [3] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن عرند» والتصحيح من «تاريخ دنيسر» ص (153) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق. [2] انظر «تاريخ دنيسر» ص (153- 155) و «الوافي بالوفيات» (18/ 153) وكنيته فيهما «أبو محمد» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 273) و «تاريخ الإسلام» (63/ 269) و «العبر» (5/ 109) .

ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وسمع من السّلفي، وابن عساكر. وكان رئيسا سريّا، صاحب أخبار وتواريخ، ماجنا [1] ، خليعا، من غير ذكر فاحشة، وكان متولعا بستّ الشام، يتولى أمر ديوانها، وفوضت إليه أوقافها، وترك الولايات في آخر عمره. وكان له تجّار يسافرون في تجارته، وله نظم، وعنده كتب كثيرة. توفي بدمشق، ودفن بالباب الصغير. وفيها فخر الدّين بن شافع، محمد بن أحمد بن صالح بن شافع بن صالح بن حاتم الجيلي ثم البغدادي المعدّل الحنبلي، أبو المعالي [2] . ولد ببغداد ليلة الجمعة سادس عشري جمادى الآخرة، سنة أربع وستين وخمسمائة. وتوفي والده [3] وله سنة وشهور، فتولاه خاله أبو بكر بن مشق، وأسمعه الكثير من خلق، منهم: السّقلاطوني، وابن الرّحلة، وشهدة. وقرأ القرآن بالرّوايات، وتفقه في المذهب. قال ابن النجار: كان طيّب النغمة في قراءة القرآن والحديث، ويفيد الناس إلى آخر عمره. وكان متدينا، صالحا، حسن الطريقة، جميل السيرة، وقورا، صدوقا، أمينا. كتبت عنه ونعم الرجل. وقال ابن نقطة: ثقة [مأمون] مكثر، حسن السمت. وقال ابن السّاعي: ثقة، صالح، جميل الطريقة، من بيت العدالة والرواية. وقال ابن النجار: توفي يوم الأحد رابع رجب، ودفن عند آبائه بدكة الإمام أحمد.

_ [1] في الأصل: «مجانا» وهو خطأ والصواب ما أثبتناه. [2] انظر «تكملة الإكمال» (2/ 490) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 264- 265) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 175- 177) ولفظة «مأمون» مستدركة منه. [3] تحرفت في «آ» إلى «ولده» .

سنة ثمان وعشرين وستمائة

سنة ثمان وعشرين وستمائة لما علمت التتار بضعف جلال الدّين خوارزم شاه، بادروا إلى أذربيجان، فلم يقدم على لقائهم، فملكوا مراغة، وعاثوا، وبدّعوا [وفرّ هو إلى آمد] [1] وتفرّق جنده، فبيّته التتار ليلة فنجا بنفسه. وطمع الأكراد والفلّاحون وكلّ أحد في جنده وتخطّفوهم. وانتقم الله منهم، وساقت التتار إلى ماردين يسبون ويقتلون، ودخلوا إلى إسعرد [2] فقتلوا نيفا وعشرين ألفا، وأخذوا من البنات ما أرادوا، ووصلوا إلى أذربيجان ففعلوا كذلك، واستقرّ ملكهم بما وراء النهر، وبقيت مدن خراسان خرابا لا يجسر أحد يسكنها. وفيها توفي أبو نصر بن النّرسي أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن هبة الله البغدادي البيّع [3] روى عن أبي الوقت [السّجزي] وجماعة، وتوفي في رجب. وفيها الملك الأمجد مجد الدّين أبو المظفّر بهرام شاه بن فرّوخ شاه

_ [1] ما بين الحاصرتين مستدرك من «العبر» (5/ 110) . [2] ذكرت «إسعرد» غير مرة في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير. وقال في «بلدان الخلافة الشرقية» ص (145) مدينة «سعرت» أو «سعرد» أو «إسعرت» كانت تعد في الغالب من أعمال أرمينية، وانظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (360) أثناء الكلام على «حيزان» . [3] انظر «العبر» (5/ 110) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 307- 308) و «تاريخ الإسلام» (63/ 278- 279) .

ابن شاهنشاه بن أيوب بن شادي [1] ، صاحب بعلبك. تملّكها بعد والده خمسين سنة، وكان جوادا [2] كريما شاعرا محسنا، قتله مملوك له جميل بدمشق في شوال. وسببه أنه سرقت له دواة من ذهب تساوي مائتي دينار، فظهرت عند هذا المملوك، فحبسه في خزانة في داره، فلما كان ليلة الأربعاء ثامن شوال فتح الخزانة بسكين كانت معه قلع بها رزة الباب، وأخذ سيف الأمجد، وكان يلعب بالشطرنج، فضربه فحلّ [3] كتفه، وطعنه بالسيف في خاصرته فمات، وهرب المملوك، فثارت عليه المماليك وقتلوه، ودفن الأمجد بتربة أبيه على الشرف الشمالي. ومن شعره في مليح يقطع بانا: من لي بأهيف قال حين عتبته ... في قطع كلّ قضيب بان رائق تحكي شمائله الرّشاق إذا انثنى ... ريّان بين جداول وحدائق: سرقت غصون البان لين معاطفي ... فقطعتها والقطع حدّ السّارق ورؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: كنت من ذنبي على وجل ... زال عنّي ذلك الوجل أمنت نفسي بوائقها ... عشت لمّا متّ يا رجل وفيها جلدك التقويّ الأمير [4] . ولي نيابة الإسكندرية، وسدّ [5] الدّيار

_ [1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 441- 442) و «وفيات الأعيان» (2/ 453) و «تاريخ الإسلام» (63/ 281- 282) و «النجوم الزاهرة» (6/ 275- 276) وأورد له أبياتا أخرى من شعره يحسن بالقارئ الوقوف عليها. [2] تحرفت في «ط» إلى «جودا» . [3] في «آ» و «ط» : «حل» وما أثبته من «مرآة الزمان» . [4] انظر «فوات الوفيات» (1/ 300- 301) و «العبر» (5/ 111) و «الوافي بالوفيات» (11/ 174- 175) . [5] في «العبر» بطبعتيه: «وشدّ» .

المصرية، وكان أديبا شاعرا. روى عن السّلفي، ومولاه- هو صاحب حماة- تقي الدّين عمر. توفي في شعبان. وفيها الزّين الكردي محمد بن عمر المقرئ [1] . أخذ القراءات عن الشّاطبي، وتصدّر بجامع دمشق مع السّخاويّ. وفيها المهذّب الدّخوار عبد الرحيم بن علي بن حامد الدّمشقي [2] ، شيخ الطّب وواقف المدرسة التي بالصّاغة العتيقة على الأطباء [3] . ولد سنة خمس وستين وخمسمائة، وأخذ عن الموفق بن المطران، والرّضي الرّحبي [4] . وأخذ الأدب عن الكندي. وانتهت إليه معرفة الطب، وصنّف التصانيف فيه، وحظي عند الملوك ولما تجاوز سنّ الكهولة عرض له طرف خرس حتّى بقي لا يكاد يفهم كلامه. واجتهد في علاج نفسه فما أفاد، بل ولّد له أمراضا. وكان دخله في الشّهر مائة وخمسون دينارا، وله أقطاع تعدل ستة آلاف وخمسمائة دينار. ولما ثقل لسانه كان الجماعة يبحثون بين يديه فيكتب لهم ما أشكل عليهم في اللوح، واستعمل المعاجين الحادة فعرضت له حمّى قوية أضعفت قوته، وزادت إلى أن سالت عينه.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 111) . [2] انظر «العبر» (5/ 111- 112) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 316- 317) و «تاريخ الإسلام» (63/ 292- 294) و «القلائد الجوهرية» (1/ 331- 333) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق. [3] وقد تحولت مدرسته في هذه الأيام إلى متحف للطب العربي الإسلامي القديم، وتقام فيها- على فترات متباعدة- بعض الندوات العلمية وتلقى فيها المحاضرات في الأمسيات الصيفية غالبا، ومن جملة من حاضر فيها محاضرة علمية إسلامية الشكل والمضمون قبل ثلاث سنوات، العالم الجزائري الفاضل الدكتور أحمد عروة، تحدث فيها عن خلق الإنسان في القرآن الكريم، وقد تنادى إلى حضورها أهل العلم والثقافة والأدب في دمشق في حينه. [4] في «العبر» بتحقيق الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد «الرّخي» وتبعه محقّق «العبر» طبع بيروت، وهو خطأ.

وفيها ناصح الدّين أبو محمد عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحرّاني [1] الفقيه الحنبلي. نزيل دمشق. سمع بحرّان من عبد القادر الرّهاوي. قال ابن حمدان: كان فاضلا في الأصلين، والخلاف، والعربية، والنثر، والنظم، وغير ذلك. رحل إلى بغداد، وقرأت عليه «الجدل الكبير» لابن المنّي، و «منتهى السول» وغير ذلك. وكان كثير المروءة والأدب، حسن الصحبة. وذكر المنذري: أنه حدّث بشيء من شعره. قال: وجميع: بضم الجيم وفتح الميم. وتوفي خامس ذي القعدة، ودفن بسفح قاسيون. وفيها الدّاهري أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران البغدادي الحافظ [2] الخفّاف الخرّاز [3] . سمع من أبي بكر الزّاغوني، ونصر العكبري، وجماعة. وكان عاميّا مستورا، كثير الرّواية. توفي في ربيع الأول. وفيها ابن رحّال العدل نظام الدّين علي بن محمد بن يحيى المصري [4] . سمع من السّلفي وغيره، وتوفي في شوال. وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الحميري الكتامي الفاسي القطّان [5] ، قاضي الجماعة. كان حافظا ثقة مأمونا، لكن نقمت عليه أغراض في قضائه. قاله ابن ناصر الدّين.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 292) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 177- 178) . [2] لفظة «الحافظ» لم ترد في «ط» . [3] انظر «العبر» (5/ 112) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 304- 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) . [4] انظر «العبر» (5/ 112) و «تاريخ الإسلام» (63/ 297- 298) . [5] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 296- 297) و «التبيان شرح بديعة البيان» (175/ آ) .

وفيها القاسم بن القاسم الواسطي [1] ، شاعر فاضل. من نظمه: لا ترد من خيار دهرك خيرا ... فبعيد من السرب السّراب منطق [2] كالحباب يطفو على الكا ... س ولكن تحت الحباب الحباب عذبت في اللقاء ألسنة القو ... م ولكن تحت العذاب العذاب [3] وله: ديباج خدّك بالعذار مطرّز ... برزت محاسنه وأنت مبرّز وبدت على غصن الصّبا لك روضة ... والغصن ينبت في الرّياض ويغرز وجنت على وجنات خدّك حمرة ... خجل الشقيق بها وحار القرمز لو كنت مدّعيا ملاحة يوسف ... لقضى القياس بأن حسنك معجز أو كان عطفك مثل عطفك ليّن ... ما كان منك تمنّع وتعزّز وفيها ابن عصيّة أبو الرّضا محمد بن أبي الفتح المبارك بن عبد الرّحمن الكندي الحربي [4] . روى عن أبي الوقت وغيره، وتوفي في المحرم. وفيها ابن معطي النحوي الشيخ زين الدّين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النّور الزّواوي- نسبة إلى زواوة قبيلة كبيرة بأعمال

_ [1] انظر «معجم الأدباء» (16/ 296- 316) و «تاريخ الإسلام» (63/ 239) و «فوات الوفيات» (3/ 192- 196) وقد ذكروا جميعا بأنه مات سنة (626) فتنبه. [2] في «فوات الوفيات» : «رونق» . [3] رواية البيت في «فوات الوفيات» : عذبت في النفاق ألسنة القو ... م وفي الألسن العذاب العذاب [4] انظر «العبر» (5/ 112) و «تاريخ الإسلام» (63/ 300) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) .

إفريقية- الفقيه الحنفي [1] . ولد سنة أربع وستين وخمسمائة، وأقرأ العربية مدّة بمصر ودمشق، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره، وهو أجلّ تلامذة الجزوليّ، وانفرد بعلم العربية، وصنّف «الألفية» المشهورة [2] وغيرها، ومات في ذي القعدة بمصر وقبره قريب من تربة الإمام الشّافعي.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 197) و «العبر» (5/ 112) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 324) و «تاريخ الإسلام» (63/ 303- 305) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) . [2] انظر «كشف الظنون» (1/ 155- 156) .

سنة تسع وعشرين وستمائة

سنة تسع وعشرين وستمائة فيها عاثت التتار لموت جلال الدّين ووصلوا إلى شهرزور، فأنفق [1] المستنصر بالله في العساكر، وجهزهم مع قشتمر [2] النّاصري، فانضموا إلى صاحب إربل، فتقهقرت التتار. وفيها توفي السّمّذي- بكسرتين وتشديد الميم نسبة إلى السّمّذ وهو الخبز الأبيض يعمل للخواص- أبو القاسم أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي الكاتب [3] . روى «جزء» أبي الجهم عن أبي الوقت، وبعضهم سمّاه عليا. توفي في المحرّم. وفيها الشيخ شرف الدّين إسماعيل الموصلي ابن خالة القاضي شمس الدّين بن الشيرازي [4] . كان ينوب عن ابن الزّكي الشّافعي في القضاء، وهو على مذهب أبي حنيفة. وكان بيده تدريس مدرسة الطرخانية. بعث إليه الملك المعظّم يقول له: أفت بإباحة الأنبذة، وما يعمل من الرّمّان وغيره، فقال الشيخ شرف الدّين: لا أفتح على أبي حنيفة هذا الباب! وأنا

_ [1] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «فاتّفق» فتصحح. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «قستم» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» (63/ 38) . [3] انظر «العبر» (5/ 113) و «تاريخ الإسلام» (63/ 306- 307) . [4] انظر «ذيل الروضتين» ص (161) و «النجوم الزاهرة» (6/ 278- 279) .

على مذهب محمد [1]- رضي الله عنه- في تحريمها، وأبو حنيفة لم تتواتر الرواية عنه في إباحتها، وقد صحّ عن أبي حنيفة أنه لم يشربها قطّ، فغضب المعظّم، وأخرجه من مدرسة طرخان، وولاها لتلميذه الزّين بن العتّال، وأقام هو في بيته تتردد الناس إليه، لا يغشى أحدا من خلق الله تعالى، قانعا باليسير إلى أن مات، رحمه الله تعالى. وفيها أبو علي الحسين بن المبارك الزّبيدي [2] . قدم بغداد وسكنها، وكان خيّرا، عارفا بمذهب أبي حنيفة، عالي الإسناد. سمع أبا الوقت [السّجزيّ] وغيره، ومنه الأبرقوهي. وفيها أبو الرّبيع سلمان بن نجاح القوصي [الغمري] [3] . سكن دمشق وكان بارعا في الأدب. ومن شعره: أراك منقبضا عنّي بلا سبب ... وكنت بالأمس يا مولاي منبسطا وما تعمّدت ذنبا أستحقّ به ... هذا الصّدود لعلّ الذّنب كان خطا فإن يكن غلط [4] منّي على غرر ... قل لي لعلّي أن أستدرك الغلطا وفيها السلطان جلال الدّين خوارزم شاه منكوبري بن خوارزم شاه علاء الدّين محمد بن خوارزم شاه علاء الدّين تكش بن خوارزم شاه أرسلان ابن خوارزم شاه أتسز [5] بن محمد الخوارزمي. أحد من يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام.

_ [1] يعني محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة (ع) . [2] انظر «العبر» (5/ 113) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 357- 359) و «البداية والنهاية» (13/ 133) وقد تحرفت «الحسين» إلى «الحسن» في «العبر» بطبعتيه فتصحح. [3] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 437- 438) ولفظة «الغمري» زيادة منه. [4] في «الوافي بالوفيات» : «غلطة» . [5] في «آ» و «ط» : «أنز» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (2/ 428) و «العبر» (5/ 114) وهو مترجم أيضا في «سير أعلام النبلاء» (22/ 326- 329) و «تاريخ الإسلام» (63/ 283- 287) .

قال الذهبي: لا أعلم في السلاطين أكثر جولانا منه في البلدان، ما بين الهند إلى ما وراء النهر، إلى العراق، إلى فارس، إلى كرمان، إلى أذربيجان، وإرمينية، وغير ذلك. وحضر مصافا، وقاوم التتار في أول جدّهم [1] وحدّتهم. وافتتح غير مدينة، وسفك الدماء، وظلم، وعسف، وغدر، ومع ذلك كان صحيح الإسلام. وكان ربما قرأ في المصحف ويبكي. وآل أمره إلى أن تفرّق [عنه] [2] جيشه وقلّوا، لأنهم لم تكن لهم إقطاع، بل أكثر عيشهم من نهب البلاد. انتهى. وقال غيره: انهزم من التتار فرآه فلاح من قرية يقال لها: عين دارا [3] ، راكبا على سرج مرصّعا باليواقيت، وعلى لجام فرسه الجواهر، فشره الفلّاح إلى ما كان معه فأنزله فأطعمه، فلما نام ضربه بفأس فقتله وأخذ ما معه ودفنه، فبلغ ذلك شهاب الدّين غازي صاحب ميّافارقين، فأحضر الفلّاح وعاقبه، فأقر. وأحضر الفرس والسلاح، وكان جلال الدّين سدّا بين المسلمين والكفّار. فلما مات انفتح السدّ. وكان يتكلم بالتّركية والفارسية. انتهى. وفيها أبو موسى الحافظ جمال الدّين عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي [4] ، الحافظ ابن الحافظ. ولد في شوّال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وسمع من عبد الرحمن

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «في أول جدهم» وفي «العبر» : «في أول حدهم» بالحاء المهملة. [2] لفظة «عنه» مستدركة من «العبر» . [3] عين دارا، لم أقف على من ذكرها بهذا الاسم عند أصحاب كتب البلدان التي بين يدي، ولكن جاء في «معجم البلدان» (2/ 418) : دارا ... بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين ... ذات بساتين ومياه جارية. [4] انظر «العبر» (5/ 114- 115) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 317- 320) و «تاريخ الإسلام» (63/ 316- 320) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 185- 187) .

ابن الخرقي بدمشق، ومن ابن كليب ببغداد، ومن خليل الرّاراني [1] بأصبهان. ومن الأرتاحي بمصر. ومن منصور الفراوي بنيسابور. وكتب الكثير، وعني بهذا الشأن. وجمع وأفاد، وتفقه وتأدب وتميّز. مع الأمانة والدّيانة والتقوى. قال الضياء: اشتغل بالفقه والحديث، وصار علما من الأعلام، حافظا متقنا ثقة. وقال عمر بن الحاجب: لم يكن في عصره مثله في الحفظ والمعرفة والأمانة، وكان كثير الفضل، وافر العقل، متواضعا، مهيبا، وقورا، جوادا، سخيّا، له القبول التّام، مع العبادة والورع والمجاهدة. وقال الذهبي: روى عنه الضياء، وابن أبي عمر، وابن النجار [2] ، وجماعة كثيرون. ومع هذا فقد غمزه النّاصح بن الحنبلي، وسبط ابن الجوزي بالميل إلى السلاطين. قال ابن رجب: والعجب أن هذين الرجلين كانا من أكثر الناس ميلا إلى السلاطين [3] والملوك، وتوصلا [4] إليهم، وإلى برّهم بالوعظ وغيره. ولقد كان أبو موسى أتقى لله تعالى، وأورع، وأعلم منهما، وأكثر عبادة، وأنفع للناس. وبنى الملك الأشرف دار الحديث بالسفح على اسمه، وجعله شيخها. وقرّر له معلوما. فمات أبو موسى قبل كمالها. توفي- رحمه الله- يوم الجمعة خامس رمضان ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الرّازاني» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 354) و (3/ 319) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1408) وحوادث سنة (596) في المجلد السادس ص (528) وتحرفت نسبته في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الداراني» فتصحح. [2] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «وابن البخاري» . [3] لفظة «السلاطين» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «والتوصل» .

وفيها عبد الغفّار بن شجاع المحلّي [1] الشّروطي [2] . روى عن السّلفي وغيره، ومات في شوّال عن سبع وسبعين سنة. وفيها عبد اللّطيف بن عبد الوهّاب بن محمد بن الطّبري [3] . سمع من أبي محمد بن المادح، وهبة الله بن الشّبلي، وتوفي في شعبان. وفيها الموفق أبو محمد عبد اللّطيف بن يوسف العلّامة ذو الفنون البغدادي [4] الشافعي النّحوي اللّغوي الطّبيب الفيلسوف، صاحب التصانيف الكثيرة. ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وسمع من جماعة كثيرين، منهم: ابن البطّي، وأبو زرعة، وتفقه على أبي القاسم بن فضلان، وأقام بحلب، وحفظ كتبا كثيرة، ومن تصانيفه «شرح مقدمة ابن باب شاذ» [5] في النحو، و «شرح المقامات» [6] و «شرح بانت سعاد» و «الجامع الكبير» في المنطق والطبيعي والإلهي في عشر مجلدات، و «الرد على اليهود والنصارى» و «غريب الحديث» في ثلاث مجلدات، واختصره. و «شرح أحاديث ابن ماجة المتعلقة بالطب» . وحدّث ببلدان كثيرة.

_ [1] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «المجلّي» فتصحح. [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 320- 321) و «العبر» (5/ 115) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 320) و «تاريخ الإسلام» (63/ 322) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 315- 316) و «العبر» (5/ 115) و «تاريخ الإسلام» (63/ 323- 324) . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 297- 298) و «العبر» (5/ 115- 116) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 320- 323) و «تاريخ الإسلام» (63/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) . [5] في «تاريخ الإسلام» (63/ 328) : «شرح مقدمة بابشاد» . [6] في «تاريخ الإسلام» : «الإنصاف بين ابن برّي وابن الخشّاب في كلامهما على المقامات» .

قال الذهبي: كان أحد الأذكياء البارعين [1] في اللغة، والآداب، والطبّ، وعلم الأوائل. لكن كثرة دعاويه أزرت به. ولقد بالغ القفطيّ [2] في الحطّ عليه، وظلمه وبخسه حقّه. سافر من حلب ليحجّ من العراق، فأدركه الموت ببغداد في ثاني عشر المحرم. انتهى كلام الذّهبي. وقال الدّبيثي: غلب عليه علم الطبّ والأدب، وبرع فيهما. ومن كلامه: من لم يحتمل ألم التّعلّم، لم يذق لذّة العلم، ومن لم يكدح لم يفلح. وفيها الشيخ عمر بن عبد الملك الدّينوري [3] الزاهد، نزيل قاسيون. كان صاحب أحوال ومجاهدات وأتباع، وهو والد جمال الدّين خطيب كفر بطنا. وفيها عمر بن كرم بن أبي الحسن أبو حفص الدّينوري ثم البغدادي الحمّامي [4] . ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمه عبد الوهاب الصّابوني، ونصر العكبري، وأبي الوقت [السّجزي] . وأجاز له الكروخي، وعمر بن أحمد الصفّار الفقيه، وطائفة. انفرد عن أبي الوقت بأجزاء، وكان صالحا. توفي في رجب.

_ [1] في «تاريخ الإسلام» : «المتضلعين» . [2] في «آ» : «القطيعيّ» وهو خطأ. [3] انظر «العبر» (5/ 116) و «تاريخ الإسلام» (63/ 335- 336) . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 313) و «العبر» (5/ 116) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 325) و «تاريخ الإسلام» (63/ 336- 337) .

وفيها عيسى بن المحدّث عبد العزيز بن عيسى اللّخمي الشّريشي ثم الإسكندراني المقرئ [1] . سمع من السّلفي، وقرأ القراءات على أبي الطيّب عبد المنعم بن الخلوف، ثم ادعى أنه قرأ على ابن خلف الدّاني وغيره، فاتّهم، وصار من الضعفاء، وفجعنا بنفسه. توفي في سابع جمادى الآخرة. قاله في «العبر» . وفيها الحافظ الرحّال أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي، المعروف بابن نقطة، ويلقب معين الدّين ومحب الدّين أيضا [2] . ولد في عاشر رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وسمع ببغداد من يحيى بن بوش، وابن سكينة، وغيرهما. ورحل إلى البلدان، فسمع بواسط من أبي الفتح بن المندائي [3] ، وبإربل من عبد اللّطيف بن أبي النّجيب السّهروردي. وبأصبهان من عفيفة الفارفانية، وزاهر بن أحمد، وجماعات. وبخراسان من منصور الفراوي، والمؤيد الطّوسي، وغيرهما. وبدمشق من أبي اليّمن الكندي، وابن الحرستاني، وداود بن ملاعب، وغيرهم. وبمصر من ابن الفخر الكاتب وغيره. وبالإسكندرية من جماعة من أصحاب السّلفي. وبمكّة من يحيى بن ياقوت. وبحرّان من الحافظ عبد القادر [الرّهاوي] [4] .

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 312) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 315) و «العبر» (5/ 116- 117) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 614- 619) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 300- 301) و «وفيات الأعيان» (4/ 392- 393) و «العبر» (5/ 117) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 347) و «تاريخ الإسلام» (63/ 344- 346) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (259) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 182- 184) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنادي» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «المنداي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» . [4] تكملة من «تاريخ الإسلام» .

وبحلب من الافتخار الهاشمي. وبالموصل من جماعة. وبدمنهور، ودنيسر، وبلاد أخر. وعني بهذا الشأن عناية تامّة، وبرع فيه، وكتب الكثير. وحصّل الأصول. وصنّف تصانيف مفيدة. ذكره عمر بن الحاجب في «معجمه» فقال: شيخنا هذا أحد الحفّاظ الموجودين في هذا الزمان. طاف البلاد، وسمع الكثير، وصنّف كتبا حسنة في معرفة علوم الحديث والأنساب، وكان إماما، زاهدا، ورعا، ثقة، ثبتا، حسن القراءة، مليح الخطّ، كثير الفوائد، متحريا في الرواية، حجّة فيما يقوله ويصنّفه ويجمعه من النقل. ذا سمت ووقار وعفاف، حسن السيرة، جميل الظاهر والباطن، سخي النّفس، مع القلّة، قانعا باليسير، كثير الرغبة إلى الخيرات. سألت الحافظ الضياء عنه فقال: حافظ ديّن ثقة، صاحب مروءة، كريم النّفس، كثير الفائدة. مشهور بالثقة، حلو المنطق. وسألت البرزالي عنه فقال: ثقة ديّن مفيد. انتهى. وقال المنذري: الحافظ أبو بكر بن نقطة، سمعت منه وسمع مني بجيزة فسطاط مصر وغيرها. وكان أحد المشهورين. وقال ابن خلّكان: دخل خراسان وبلاد الجبل والجزيرة والشام ومصر، ولقي المشايخ وأخذ عنهم، وكتب الكثير وعلّق التعاليق النافعة، وذيّل على «الإكمال» لابن ماكولا في مجلدين. وله كتاب آخر لطيف في «الأنساب» [1] وله كتاب «التقييد بمعرفة رواة السنن والمسانيد» وله غير ذلك. وقال ابن رجب: روى عنه المنذري، والسيف بن المجد، وابن الأثري، وابنه اللّيث بن نقطة، وغيرهم.

_ [1] سماه «تكملة الإكمال» واشتهر ب «الاستدراك» وهو قيد الطبع الآن في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، وقد صدر المجلد الأول منه بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد ربّ النبيّ، والمجلد الثاني بتحقيق الدكتور عبد القيوم بالاشتراك مع الأستاذ محمد صالح عبد العزيز المراد. وقد صدر المجلدان الثالث والرابع منه حديثا بتحقيق الدكتور عبد القيوم، نفع الله تعالى به.

وذكر ابن الأنماطي أنه سأله عن نسبته فقال: جارية ربّت جدّتي أمّ أبي اسمها نقطة عرفنا باسمها. توفي في سنّ الكهولة بكرة يوم الجمعة ثاني عشري صفر ببغداد ودفن عند قبر أبيه. وأبوه الزاهد أبو محمد عبد الغني [1] . كان من أكابر الزّهاد المشهورين بالصلاح والإيثار، وله أتباع ومريدون، وبنت له أمّ الخليفة النّاصر مسجدا حسنا ببغداد فانقطع فيه، وكان يقصده الناس فيتكلم عليهم، وزوّجته بجارية من خواصها وجهزتها بنحو من عشرة آلاف دينار، فما حال الحول وعندهم من ذلك شيء، بل جميع ذلك تصدق به. وكان يتصدق في [كلّ] [2] يوم بألف دينار وأصحابه [3] صيام، لا يدّخر لهم عشاء. وقف عليه سائل يلح في الطلب ويصف فقره وأنه منذ كذا لم يجد شيئا، فأخرج إليه الهاون، وقال: خذ هذا كل به في ثلاثين يوما ولا تشنّع على الله عزّ وجل. وتوفي ببغداد في رابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، رحمه الله. وكان محمد بن نقطة ينشد: لا تظهرنّ لعاذل أو عاذر ... حاليك في السّرّاء والضّرّاء فلرحمة المتوجّعين مرارة ... في القلب مثل شماتة الأعداء

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ ترجمة 18) كما في فهرسه. قلت: ولم أقف عليها في النسخة التي بين يدي فقد سقطت هي وغيرها أثناء الطبع من طبعة مؤسسة الرسالة. و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 184) . [2] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] يعني أهل بيته.

سنة ثلاثين وستمائة

سنة ثلاثين وستمائة فيها حاصر الملك الكامل آمد وأخذها من صاحبها الملك المسعود مودود، ضربها بالمجانيق، فلما رأى المسعود الغلبة، خرج وفي رقبته منديل، فرسم عليه وتسلّم منه البلد، وطلب منه تسليم القلاع، فسلّم الجميع إلّا حصن كيفا، فعذّبه بأنواع العذاب، وكان يبغضه، وكان المسعود فاسقا يأخذ الحرم غصبا، حتّى وجدوا في قصره خمسمائة حرّة من بنات النّاس. وفيها توفي بهاء الدّين التّنوخي القاضي إبراهيم بن أبي اليسر شاكر ابن عبد الله الشّافعي [1] الكاتب البليغ، والد تقي الدّين إسماعيل. روى بالإجازة عن شهدة، وولي قضاء المعرّة في صباه خمس سنين، فقال: وليت الحكم خمسا هنّ [2] خمس ... لعمري والصّبا في العنفوان فلم [3] تضع الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني توفي في المحرّم. وفيها إدريس بن السلطان يعقوب بن يوسف أبو العلاء المأمون [4] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 118) و «تاريخ الإسلام» (63/ 354- 356) . [2] في «آ» و «ط» : «وهي» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [3] في «آ» و «ط» : «فكم» والتصحيح من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [4] انظر «العبر» (5/ 118) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 342- 343) و «تاريخ الإسلام» (63/ 309- 310) .

بايعوه بالأندلس، ثم جاء إلى مرّاكش وملكها وعظم شأنه وسلطانه. وكان بطلا شجاعا، ذا هيبة شديدة وسفك للدماء. قطع ذكر ابن تومرت من الخطبة، ومات غازيا، والله يسامحه. وفيها إسماعيل بن سليمان بن أيداش أبو طاهر الحنفي ابن السّلّار [1] . حدّث عن الصائن هبة الله [بن عساكر] ، وعبد الخالق بن أسد، وتوفي في ذي القعدة. وفيها الأوهي- بفتحتين نسبة إلى أوه قرية بين زنجان وهمذان [2]- الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف. نزيل بيت المقدس. أكثر عن السّلفي وجماعة، وكان عبدا صالحا قانتا لله، صاحب أحوال ومجاهدات، له أجزاء يحدّث منها. توفي في عاشر صفر. وفيها الحسن بن السّيّد الأمير علي بن المرتضى أبو محمد العلوي الحسينيّ [3] . آخر من سمع من ابن ناصر، يروي عنه كتاب «الذّرّيّة الطّاهرة»

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 351) و «العبر» (5/ 118) و «تاريخ الإسلام» (63/ 356) و «الجواهر المضية» (1/ 408) و «الطبقات السنية» (2/ 189) . [2] قلت: كذا قيّد المؤلف نسبته «الأوهي» بفتح الهمزة والواو ثم هاء وياء. وعند ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 283) : «الأوقي» بفتح الهمزة والواو، ثم قاف وياء، وقال: لقيته بالبيت المقدس تاركا للدنيا مقبلا على قراءة القرآن، مستقبلا قبلة المسجد الأقصى ... وسألته عن نسبه فقال: أنا من بلد يقال له «أوه» فقال لي السّلفيّ الحافظ: ينبغي أن تزيد فيه قافا للنسبة، فلذلك قيل لي «الأوقي» وضبط في «سير أعلام النبلاء» (22/ 349) و «تاريخ الإسلام» (63/ 357) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (260) و «توضيح المشتبه» (1/ 286) : «الإوقي» بكسر الهمزة وفتح الواو ثم قاف مكسورة تليها ياء النسب، وقال العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني في تعليقه على «الأنساب» (1/ 388) : ليست- يعني القاف- بزيادة وإنما هي إبدال الهاء الساكنة في آخر الكلمة الأعجمية قافا كنظائره. [3] انظر «العبر» (5/ 119) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 344- 345) و «تاريخ الإسلام» (63/ 359) .

توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة، وسماعه في الخامسة من عمره. قاله في «العبر» . وفيها صفي الدّين أبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن سالم بن محمد بن باقا، العدل البغدادي الحنبلي [1] التاجر. ولد في رمضان سنة خمس وخمسين وخمسمائة ببغداد، وقرأ القرآن، وسمع من أبي زرعة، وابن بندار، وابن النّقور، وابن عساكر علي [البطائحي] [2] ، وخلق. وقرأ طرفا من الفقه على ابن المنّي، واستوطن مصر إلى أن مات، وشهد بها عند القضاة. وحدّث بالكثير إلى ليلة وفاته، وكان كثير التلاوة للقرآن. قال ابن النجار: كان شيخا جليلا، صدوقا أمينا، حسن الأخلاق، متواضعا. وسمع منه خلق كثير من الحفّاظ وغيرهم، منهم: ابن نقطة، وابن النجّار، والمنذري. وحدّث عنه خلق كثير، وتوفي سحر تاسع عشر رمضان بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم. وفيها القاضي أبو المعالي أحمد بن يحيى ابن قايد [3] الأواني، الحنبلي. ولّاه أبو صالح الجيلي قضاء دجيل، وله نظم، حدّث ببعضه. توفي بأوانا في جمادى الأولى، وكان ابن عمّ أبي عبد الله محمد بن أبي المعالي ابن قايد [3] الأواني، وكان زاهدا قدوة، ذا كرامات، حكى عنه الشيخ شهاب الدّين السّهروردي وغيره حكايات. قال الناصح بن الحنبلي: زرته أنا ورفيق لي، فقدّم لنا العشاء وعنده

_ [1] انظر «العبر» (5/ 119) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 351- 352) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 188) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180) . [2] زيادة من «سير أعلام النبلاء» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] في «آ» و «ط» : «قائد» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» : «فايد» وما أثبته-

جماعة كثيرة، ولم أر إلّا خبزا وخلّا وبقلا، فتحدث على الطعام، ثم قال: ضاف بعيسى، [1] ابن مريم أقوام، فقدم لهم خبزا وخلّا، وقال: لو كنت متكلّفا لأحد شيئا لتكلفت لكم. قال: فعرفت أنه قد عرف حالي. دخل عليه رجل من الملاحدة في رباطه وهو جالس وحده فقتله فتكا، رضي الله عنه، ودفن في رباطه وقتل قاتله وأحرق. وفيها سالم بن محمد بن سالم العامري اليمني. قال المناوي في «طبقاته» : كان رفيع المجد، عليّ القدر، كثير التواضع، سليم الصدر. أثنى الأكابر على لطفه وفضله، وجنى المريدون ثمار الإحسان من تربيته وعطفه، وكان شريف النّفس، عالي الهمّة، صاحب كرامات. انتهى. وفيها الملك العزيز عثمان بن العادل أبي بكر بن أيوب شقيق المعظم [2] ، وهو صاحب بانياس [3] ، وتبنين [4] وهونين [5] وهو الذي بنى قلعة الصّبيبة بين هؤلاء البلدان، وكان عاقلا ساكنا، اتفق موته بالنّاعمة وهو بستان له ببيت لهيا من صالحية دمشق في عشر رمضان.

_ [ (-) ] من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 341) و «توضيح المشتبه» (1/ 279) و «المنهج الأحمد» للعليمي الورقة (366) . وقيده المنذري بقوله: «وقايد: بفتح القاف وبعد الألف ياء آخر الحروف ودال مهملة» . [1] في «آ» و «ط» : «ضاف عيسى» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» و «شذرات من كتب مفقودة» . [2] انظر «العبر» (5/ 119) و «تاريخ الإسلام» (63/ 367) . [3] بانياس: بلدة من أعمال الجولان إلى الشمال الغربي من القنيطرة. وانظر «الروض المعطار» ص (74) و «أطلب التاريخ العربي» ص (59) طبع دار الفكر بدمشق، و «أطلس العالم» ص (15) طبع مكتبة لبنان. [4] تبنين: بلدة في جبال بني عامر المطلة على بانياس بين دمشق وصور. انظر «معجم البلدان» (2/ 14) . [5] هونين: بلد في جبال عاملة مطلّ على نواحي حمص. انظر «معجم البلدان» (5/ 420) و «تاج العروس» (9/ 368) الطبعة القديمة.

وفيها العلّامة عبيد الله بن إبراهيم جمال الدّين العبادي المحبوبي البخاري [1] ، شيخ الحنفية بما وراء النهر، وأحد من انتهى إليه معرفة المذهب. أخذ عن أبي العلاء عمر بن أبي بكر بن محمد الزّرنجري، عن أبيه شمس الأئمة. وبرهان الأئمة [2] عبد العزيز بن عمر بن مازة. وتفقه أيضا على قاضي خان فخر الدّين حسن بن منصور الأوزجندي. وتوفي ببخارى في جمادى الأولى عن أربع وثمانين سنة. وفيها علي [بن عبد الرحمن] بن الجوزي أبو الحسن [3] . ولد العلّامة جمال الدّين أبي الفرج عبد الرّحمن بن علي البغدادي الناسخ. نسخ الكثير بالأجرة، وكان معاشرا لعّابا. روى عن ابن البطّي، وأبي زرعة، وجماعة، وتوفي في رمضان. وفيها ابن الأثير الإمام عز الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري [4] المؤرخ الشافعي، أخو مجد الدّين صاحب «النهاية» [5] . ولد صاحب الترجمة سنة خمس وخمسين وخمسمائة، واشتغل في بلاد متعددة، وكان إماما، نسّابة، مؤرخا، أخباريّا، أديبا، نبيلا، محتشما. وصنّف التاريخ المشهور ب «الكامل» على الحوادث والسنين في عشر مجلدات، وهو

_ [1] انظر «العبر» (5/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 345- 346) و «تاريخ الإسلام» (63/ 366- 367) و «الجواهر المضية» (2/ 490) و «الفوائد البهية» ص (108) وتصحفت «البخاري» في «تاريخ الإسلام» إلى «النجاري» فتصحح. [2] في «ط» و «تاريخ الإسلام» : «وبرهان الأئمة» . [3] انظر «العبر» (5/ 120) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 352- 353) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 348- 350) و «العبر» (5/ 120- 121) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 353- 356) و «تاريخ الإسلام» (63/ 369) . [5] وصاحب «جامع الأصول» أيضا.

من خيار التواريخ، ابتدأ فيه من أول الزّمان إلى سنة تسع وعشرين وستمائة. واختصر «الأنساب» لأبي سعد السمعاني، وهذّبه وأفاد فيه أشياء، وهو في مقدار نصف أصله وأقل [1] ، وصنّف كتابا حافلا في معرفة الصحابة، جمع فيه بين كتاب ابن مندة، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البرّ، وكتاب أبي موسى، وزاد وأفاد، وسماه «أسد الغابة في معرفة الصحابة» [2] وشرع في «تاريخ الموصل» . قال ابن خلّكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء. اجتمعت به بحلب فوجدته مكمّل الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق، فترددت إليه. وقال في «العبر» : كان صدرا، معظّما، كثير الفضائل، وبيته مجمع الفضلاء. روى عن خطيب الموصل أبي الفضل [3] وغيره، وتوفي في

_ [1] وسمّاه «اللباب في تهذيب الأنساب» وهو مطبوع متداول. قال ابن خلّكان: استدرك فيه على السمعاني في مواضع، ونبّه على أغلاط، وزاد أشياء أهملها السمعاني، وهو مفيد جدا. [2] قلت: ولأخيه مجد الدّين المبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة (606 هـ) كلام في غاية النفاسة والإتقان عن رجال «الموطأ» للإمام مالك، و «الصحيحين» و «سنن أبي داود» و «سنن الترمذي» و «المجتبى- أو المجتنى- من السنن» للنسائي، بدأ فيه بالكلام عن سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، وسير الأنبياء عليهم السلام، وسير العشرة المبشرين بالجنة، ثم الصحابة والتابعين وأتباعهم ممن ورد ذكرهم في الكتب المذكورة، وذلك في القسم الأخير من كتابه الفذ «جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلّم» وهو القسم الذي لم يطبع بعد من الكتاب، وقد اقتسمت تحقيقه مع الأستاذين الفاضلين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد أديب الجادر، ويقوم والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بالإشراف على تحقيقه وتخريج الأحاديث الواردة فيه، وسوف يصدر هذا القسم قريبا في أربع مجلدات يتبعها مجلد لفهارس هذا القسم. وقد وهم الإمام محمد بن إبراهيم الوزير في «العواصم والقواصم» (1/ 412) فنسب هذا القسم من «جامع الأصول» للإمام عز الدّين ابن الأثير- صاحب الترجمة- ولم ينتبه لذلك محققه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وعلّق تعليقا أشار فيه إلى القسم المذكور من «جامع الأصول» دون التنبيه على وهم ابن الوزير!. [3] هو الإمام العالم الفقيه المحدّث، أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطّوسي ثم البغدادي، ثم الموصلي، المتوفى سنة (578 هـ) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس صفحة (430) .

الخامس والعشرين من شعبان عن خمس وسبعين سنة. وفيها الحافظ ابن الحاجب الرحّال عز الدّين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدّمشقي [1] . سمع سنة ست عشرة بدمشق، ورحل إلى بغداد، فأدرك الفتح بن عبد السلام، وخرّج لنفسه معجما في بضع وستين جزءا. توفي في شعبان وقد قارب الأربعين، وكان فيه دين وخير، وله حفظ وذكاء وهمّة عالية في طلب الحديث، قلّ من أنجب مثله في زمانه. وفيها الملك مظفّر الدّين، صاحب إربل، الملك المعظم أبو سعيد كوكبوري [2] بن الأمير زين الدّين علي كوجك التركماني [3] ، وكوجك بالعربي اللّطيف القدر. ولي مظفّر الدّين مملكة إربل بعد موت أبيه في سنة ثلاث وستين، وله أربع عشرة سنة، فتعصّب عليه أتابكه مجاهد الدّين قيماز وكتب محضرا أنه لا يصلح للملك لصغره، وأقام أخاه يوسف، ثم سكن حرّان مدة، ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدّين، وتمكّن منه، وتزوّج بأخته ربيعة واقفة مدرسة الصاحبة [4] بشرقي الصالحية، وشهد معه عدة مواقف أبان فيها عن شجاعة وإقدام، وكان حينئذ على إمرة حرّان والرّها، فقدم أخوه يوسف منجدا لصلاح الدّين، فاتفق موته على عكّا، فأعطى السلطان صلاح الدّين لمظفّر الدّين إربل وشهرزور، وأخذ منه حرّان والرّها، ودامت

_ [1] انظر «العبر» (5/ 121) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 370- 371) و «تاريخ الإسلام» (63/ 373- 375) . [2] قال ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (4/ 121) : وكوكبوري: بضم الكافين، بينهما واو ساكنة، ثم باء موحدة مضمومة، وواو ساكنة، بعدها راء، وهو اسم تركي معناه بالعربي ذئب أزرق. قلت: وضبطها محققو «العبر» بطبعتيه و «سير أعلام النبلاء» بسكون الكاف فتصحح. [3] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 113- 121) و «العبر» (5/ 121- 122) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 334- 337) و «تاريخ الإسلام» (63/ 375- 380) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (260) و «النجوم الزاهرة» (6/ 282) . [4] انظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (127- 128) .

أيامه إلى هذا العام. وكان من أدين الملوك وأجودهم وأكثرهم برّا ومعروفا على صغر مملكته. قال ابن خلّكان: وأما سيرته، فكان له في فعل الخير [1] عجائب، ولم نسمع أن أحدا فعل في ذلك مثل ما فعله، لم يكن شيء في الدنيا أحبّ إليه من الصّدقة، وكان له في كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرّقها على المحاويج في عدة مواضع من البلد، وإذا نزل من الركوب يكون قد اجتمع جمع كثير عند الدّار فيدخلهم إليه، ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الصيف والشتاء وغير ذلك، ومع الكسوة شيء من الذهب، وكان قد بنى أربع خانقاهات [2] للزّمنى والعميان، وملأها من هذين الصّنفين، وقرّرا لهم ما يحتاجون إليه كل يوم وليلة [3] ، وكان يأتيهم بنفسه كل عصرية اثنين وخميس ويدخل إلى كل واحد في بيته ويسأله عن حاله، ويتفقده بشيء من النفقة، وينتقل إلى الآخر حتّى يدور عليهم جميعهم، وهو يباسطهم ويمزح معهم ويجبر قلوبهم. وبني دارا للنساء الأرامل، ودارا للضعفاء، ودارا للأيتام، ودارا للملاقيط، ورتّب بها جماعة من المراضع، وكل مولود يلتقط يحمل إليهنّ فيرضعنه. وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم، وكان يدخل إليهم في كل يوم ويتفقد أحوالهم ويعطيهم النفقات زيادة على المقرّر لهم، وكان يدخل إلى البيمارستان ويقف على مريض مريض ويسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه، وكان له دار مضيف يدخل إليها كل قادم على البلد من فقيه وفقير وغيرهما، وإذا عزم الإنسان على السفر أعطاه نفقة تليق بمثله، ولم تكن له لذّة بسوى السماع، فإنه كان لا يتعاطى المنكر ولا يمكّن من إدخاله البلد، وكان إذا طرب في السماع خلع شيئا من ثيابه وأعطاه

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «في فعل الخيرات» . [2] في «آ» و «ط» : «خانقات» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [3] لفظة «وليلة» لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» .

للناشد ونحوه. وكان يسيّر في كل سنة دفعتين، جماعة من أصحابه وأمنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من المال يفتكّ [1] بها أسرى المسلمين من أيدي الكفّار، فإذا وصلوا إليه أعطى كلّ واحد شيئا، وإن لم يصلوا فالأمناء يعطوهم بوصية منه. وكان يقيم في كل سنة سبيلا للحاج ويسيّر معهم جميع ما تدعو إليه حاجة المسافر في الطريق، ويسيّر أمينا معه خمسة آلاف دينار ينفقها في الحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب، وله بمكّة- حرسها الله تعالى- آثار جميلة، وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات [ليلة الوقوف] [2] وغرم [3] عليه جملة كثيرة، وعمل [4] بالجبل مصانع للماء. وأما احتفاله بمولد النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به [5] . كان يعمله سنة في الثامن من شهر ربيع الأول، وسنة في الثاني عشر لأجل الاختلاف الذي فيه، فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل، والبقر، والغنم شيئا كثيرا، يزيد على الوصف، وزفّها بجميع ما عنده من الطّبول والمغاني والملاهي، حتى يأتي بها [إلى] الميدان، ثم يشرعون في نحرها، وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة، فإذا كان ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة، ثم ينزل وبين يديه من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحدة على بغل، ومن ورائها رجل يسندها، وهي مربوطة على ظهر البغل، فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع والبقج ويخلع على كل واحد من الفقهاء، والوعاظ، والقرّاء، والشعراء، ويدفع لكل

_ [1] في «آ» و «ط» : «يفك» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [2] زيادة من «وفيات الأعيان» . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «عرم» . وغرم: استدان. انظر «لسان العرب» (غرم) . [4] في «وفيات الأعيان» : «وعمّر» . [5] لفظة «به» سقطت من «ط» .

واحد نفقة وهدية وما يوصله إلى وطنه. انتهى ما أورده ابن خلّكان مخلصا. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» بعد كلام طويل وثناء جميل: قال جماعة من أهل إربل: كانت نفقته على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وعلى الأسرى مائتين ألف دينار، وعلى دار المضيف مائة ألف دينار، وعلى الخانقاه مائة ألف، وعلى الحرمين والسّبيل وعرفات ثلاثين ألف دينار، غير صدقة السّرّ. مات في رمضان بقلعة إربل، وأوصى أن يحمل إلى مكّة فيدفن في حرم الله تعالى، وقال أستجير به فحمل في تابوت إلى الكوفة، ولم يتفق خروج الحاج في هذه السنة من التتار، فدفن عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. انتهى. وفيها ابن سلّام المحدّث الزّكي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن سالم بن سلّام الدّمشقي [1] . سمع من داود بن ملاعب، وابن البنّ وطبقتهما، وكان إماما، فاضلا، يقظا، متقنا، صالحا، ناكسا على صغره. كتب الكثير، وحفظ «علوم الحديث» للحاكم. مات في صفر عن إحدى وعشرين عاما، وفجع [2] به أبوه. وفيها ابن عنين الصّدر شرف الدّين أبو المحاسن محمد بن نصر الله ابن مكارم بن حسن بن عنين الأنصاري الدّمشقي [3] الأديب. له «ديوان» مشهور وهجو مؤلم، وكان بارعا في معرفة اللغة، كثير الفضائل، يشتعل ذكاء، ولم يكن في دينه بذاك. توفي في ربيع الأول وله إحدى وثمانون سنة. اتّهم بالزّندقة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 122) و «تاريخ الإسلام» (63/ 381) . [2] في «آ» و «فجّ» وهو تحريف. [3] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 14- 19) و «العبر» (5/ 122- 123) و «تاريخ الإسلام» (63/ 385- 388) .

وقال ابن خلّكان: الكوفي الأصل الدّمشقي المولد، الشاعر المشهور، خاتمة الشعراء، لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به، ولم يكن شعره مع جودته مقصورا على أسلوب واحد، بل تفنن فيه، وكان غزير المادة من الأدب، مطلعا على معظم أشعار العرب، ويكفي أنه كان يستحضر كتاب «الجمهرة» لابن دريد في اللغة. وكان مولعا بالهجاء وثلب أعراض الناس، وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقا من رؤساء دمشق، سمّاها «مقراض الأعراض» . أقول [1] منها: سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب وصاحب الأمر خلقه شرس ... وناظر الجيش داؤه عجب والدّولعيّ الخطيب منعكف ... وهو على قشر بيضة ثلب ولابن باقا وعظ يغرّ به الن ... اس وعبد اللطيف محتسب وحاكم المسلمين ليس له ... في غير غرمول جرجس أرب عيوب قوم لو أنّها جمعت ... في فلك ما سارت به الشّهب ثم قال ابن خلّكان: وكان قد نفاه السلطان صلاح الدّين من دمشق بسبب وقوعه في الناس، فلما خرج منها عمل: فعلا م أبعدتم أخا ثقة ... لم يجترم ذنبا ولا سرقا؟ أنفوا المؤذّن من بلادكم ... إن كان ينفى كلّ من صدقا؟ وطاف البلاد، من الشام، والعراق، والجزيرة، وأذربيجان، وخراسان، وغزنة، وخوارزم، وما وراء النهر، ثم دخل الهند واليمن- وملكها يومئذ سيف

_ [1] القائل هنا المؤلف ابن العماد، ولم أجد الأبيات في «ديوانه» المطبوع بتحقيق الأستاذ خليل مردم بك في دار صادر ببيروت.

الإسلام طغتكين بن أيوب، أخو السلطان صلاح الدّين- وأقام بها مدة ثم رجع إلى الحجاز والدّيار المصرية. ثم قال: ولما مات السلطان صلاح الدّين وملك الملك العادل دمشق، كتب إلى الملك العادل قصيدته الرائية يستأذنه في الدخول إليها ويصف دمشق ويذكر ما قاساه في الغربة، ولقد أحسن فيها كل الإحسان، واستعطفه بها أبلغ الاستعطاف، وأولها [1] : ماذا على طيف الأحبّة لو سرى ... وعليهم لو سامحوني بالكرى ومنها بعد وصف محاسن دمشق قوله [2] : فارقتها لا عن رضا وهجرتها ... لا عن قلى ورحلت لا متخيّرا أسعى لرزق في البلاد مشتّت [3] ... ومن العجائب [4] أن يكون مقتّرا وأصون وجه مدائحي متقنّعا ... وأكفّ ذيل مطامعي متستّرا ومنها يشكو الغربة وما قاساه [5] : أشكو إليك نوى تمادى عمرها ... حتّى حسبت اليوم منها أشهرا لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى ... يعفو، ولا جفني يصافحه الكرى أضحى عن الأحوى المريع محلّئا [6] ... وأبيت عن ورد النّمير منفّرا ومن العجائب أن يقيل بظلّكم ... كلّ الورى ونبذت وحدي بالعرا

_ [1] انظر «ديوانه» ص (3) . [2] انظر «ديوانه» ص (5) . [3] في «ديوانه» : «مفرّق» . [4] في «ديوانه» : «ومن البلية» . [5] انظر «ديوانه» ص (8) . [6] في «آ» و «ط» : «محولا» وأثبت لفظ «ديوانه» .

وهذه القصيدة من أحسن الشعر، وهي عندي خير من قصيدة ابن عمّار الأندلسي التي أولها: أدر الزّجاجة فالنّسيم قد انبرى [1] ... فلما وقف عليها الملك العادل أذن له في الدخول إلى دمشق، فلما دخلها قال [2] : هجوت الأكابر في جلّق ... ورعت الوضيع بسبّ الرّفيع وأخرجت منها ولكنّني ... رجعت على رغم أنف الجميع وكان له في عمل الألغاز وحلّها اليد الطّولى، ومتى كتب إليه شيء منها حلّه في وقته، وكتب الجواب أحسن من السؤال نظما، ولم يكن له غرض في جمع شعره، فلهذا لم يدوّنه، فهو يوجد مقاطيع بأيدي الناس، وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانا صغيرا لا يبلغ عشر ما له من النظم [3] ، ومع هذا ففيه أشياء ليست له، وكان من أظرف الناس وأخفّهم روحا، وأحسنهم مجونا، وله بيت عجيب من جملة قصيدة يصف فيها توجهه إلى المشرق وهو [4] : أشقّق قلب الشّرق حتّى كأنّني ... أفتّش في سودائه عن سنا الفجر

_ [1] صدر بيت له، عجزه: ... والنّجم قد صرف العنان عن السّرى وقد تقدم البيت في المجلد الخامس صفحة (335) . [2] انظر «ديوانه» ص (94) . [3] وهو الذي بين يدي، وقد قام بتحقيقه الأستاذ خليل مردم بك في دمشق سنة 1365 هـ- 1946 م معتمدا على عدد كبير من النسخ الخطية، وأضاف إليه مستدركا صغيرا في آخره. [4] انظر «ديوانه» ص (29) .

وكان وافر الحرمة عند الملوك، وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظّم، ومدة ولاية الملك النّاصر بن المعظّم، وانفصل منها لمّا ملكها الملك الأشرف، ولم يباشر بعدها خدمة، وتوفي عشية نهار الاثنين العشرين من شهر ربيع الأول، ودفن من الغد بمسجده الذي أنشأه بأرض المزّة، وقيل: بتربة باب الصغير. انتهى ملخصا. وفيها أبو محمد المعافى بن إسماعيل بن الحسين الموصلي، ويعرف أيضا بابن الحدوس الشّافعي [1] . كان إماما، فقيها، بارعا، جيدا، صالحا، ديّنا [2] أديبا. ولد بالموصل، وتفقه بها على ابن مهاجر ثم على القاضي الفخر السّهروردي، ثم على العماد بن يونس. وسمع، وحدّث، وأفتى، وصنّف، وناظر. ومن تصانيفه كتاب «الكامل في الفقه» كتاب مطوّل، و «أنس المنقطعين» وهو مشهور، وتفسير يسمى «البيان» ، وكتاب «الموجز في الذكر» . وكان حسن الشكل والملبس. توفي بالموصل في شعبان أو في رمضان. قاله الإسنوي.

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (63/ 389) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 374) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 450- 451) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 116- 117) . [2] لفظة «دينا» لم ترد في «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي.

سنة إحدى وثلاثين وستمائة

سنة إحدى وثلاثين وستمائة فيها تسلطن بدر الدّين لؤلؤ بالموصل، وانقرض البيت الأتابكي. وفيها تكامل بناء المستنصريّة ببغداد، وهي على المذاهب الأربعة، على يد أستاذ الدّار ابن العلقمي الذي وزر، ولا نظير لها في الدّنيا فيما أعلم. قاله الذهبي [1] . وفيها توفي صلاح الدّين أحمد بن عبد السّيد بن شعبان الإربلي [2] . كان حاجبا لمظفّر الدّين صاحب إربل، فتغيّر عليه واعتقله، فلما خرج، خرج إلى الشام ودخل مصر، فعظمت منزلته عند الكامل، ثم تغيّر عليه واعتقله، وكان ذا فضيلة تامّة ونظم حسن، فعمل دو بيت وأملاه لبعض القيان فغنت [3] به، فقال: هذا لمن؟ فقيل للصلاح الإربلي، فأطلقه وعادت منزلته أحسن ما كانت، والدّوبيت: ما أمر تجنّيك على الصبّ خفي ... أفنيت زماني بالأسى والأسف ما ذاك بقدر ذنبي [4] ولقد ... بالغت فما قصدك إلّا تلفي

_ [1] انظر «العبر» (5/ 123) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 184- 187) و «الوافي بالوفيات» (7/ 62- 64) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 156) . [3] كذا في «آ» و «ط» و «الوافي بالوفيات» : «فغنت» وفي «وفيات الأعيان» : «فغناه» فليحرر. [4] في «وفيات الأعيان» و «الوافي بالوفيات» : «ماذا عضب بقدر ذنبي» وفي الشطرة الثانية بعض الخلاف عندهما.

وكان الكامل قد تغيّر على بعض إخوته وهو الفائز إبراهيم، فأصلح قضيته الصلاح، وكتب إلى الكامل: وشرط صاحب مصر أن يكون كما ... قد كان يوسف في الحسنى لإخوته أسوا فقابلهم بالعفو وافتقروا ... فبرّهم وتولّاهم برحمته وله: وإذا رأيت بنيك فاعلم أنّهم ... قطعوا إليك مسافة الآجال وصل البنون إلى محلّ أبيهم ... وتجهّز [1] الآباء للتّرحال وفيها أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الجوهري [2] عن ثمانين سنة. روى عن هبة الله الدقّاق، وابن البطّي، وطائفة. وتفرّد بأشياء، وكان صالحا ثقة، توفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» . وفيها ابن الزّبيدي سراج الدّين أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم بن موسى بن عمران الرّبعي الزّبيدي الأصل البغدادي البابصري الحنبلي [3] . مدرس مدرسة عون الدّين بن هبيرة. ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وروى عن أبي الوقت [السّجزي] ، وأبي زرعة [المقدسي] ، وأبي زيد الحموي، وغيرهم. وقرأ القرآن بالرّوايات. وتفقه في المذهب وأفتى، وكانت له معرفة حسنة بالأدب، وصنّف تصانيف، منها كتاب «البلغة» في الفقه. وله منظومات في اللغة، والقراءات،

_ [1] في «ط» : «وتجهزوا» وهو تحريف. [2] انظر «العبر» (5/ 123- 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 356- 357) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 361) و «العبر» (5/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 357- 359) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 188- 189) و «المنهج الأحمد» الورقة (366) .

وكان فقيها، فاضلا، ديّنا، خيّرا، حسن الأخلاق، متواضعا. وحدّث ببغداد، ودمشق، وحلب، وغيرها من البلاد. وسمع منه أمم، وروى عنه خلق كثير من الحفّاظ وغيرهم، منهم الدّبيثي، والضياء. وآخر من حدّث عنه أبو العبّاس الحجّار الصّالحي. سمع منه «صحيح البخاري» وغيره، وتوفي ثالث عشري صفر ببغداد. وفيها العلبي زكريا بن علي بن حسّان بن علي أبو يحيى البغدادي الصّوفي [1] . روى عن أبي الوقت [السّجزي] وغيره، وكان عامّيّا. مات في ربيع الأول. وفيها السّيف الآمدي أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الحنبلي ثم الشافعي [2] المتكلم العلّامة، صاحب التصانيف العقلية. ولد بعد الخمسين بآمد، وقرأ القراءات والفقه، ودرس على ابن المنّي، وسمع من ابن شاتيل، ثم تفقه للشافعي على ابن فضلان، وبرع في الخلاف، وحفظ طريقة أسعد الميهني، وقيل: إنه حفظ «الوسيط» للغزالي، وتفنن في علم النظر، والكلام، والحكمة، وكان [ذكيا] [3] من أذكياء العالم. أقرأ بمصر مدة، فنسبوه إلى دين الأوائل، وكتبوا محضرا بإباحة دمه، فلما رأى بعضهم ذلك الإفراط وقد حمل المحضر إليه ليكتب كما كتبوا، كتب: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... والقوم أعداء له وخصوم

_ [1] انظر «العبر» (5/ 124) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 359- 360) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 293- 294) و «العبر» (5/ 124- 125) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 155- 156) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 306- 307) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 137- 139) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 99- 101) و «النجوم الزاهرة» (6/ 285) . [3] لفظة «ذكيا» لم ترد في «ط» وانفردت بها «آ» .

قال ابن خلّكان: وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدّم، فخرج مستخفيا إلى الشام، فنزل حماة مدة، وصنّف في الأصلين، والحكمة، والمنطق، والخلاف، وكلّ ذلك مفيد، ثم قدم دمشق في سنة اثنتين وثمانين فأقام بها مدة، ثم ولاه الملك المعظّم بن العادل تدريس العزيزية، فلما ولي أخوه الأشرف موسى عزل عنها [1] ونادى في المدارس: من ذكر غير التفسير، والحديث، والفقه، أو تعرّض لكلام الفلاسفة، نفيته. فأقام السيف الآمدي خافيا في بيته إلى أن توفي في صفر، ودفن بتربته بقاسيون. ويحكى عن ابن عبد السلام أنه قال: ما تعلّمنا قواعد البحث إلّا منه، وأنه قال: ما سمعت أحدا يلقي الدّرس أحسن منه، كأنه يخطب، وأنه قال: لو ورد على الإسلام متزندق يشكك [2] ما تعيّن لمناظرته غيره [لاجتماع آلات ذلك فيه] . وقال سبط ابن الجوزي: لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين، وعلم الكلام. ومن تصانيفه المشهورة «الإحكام في أصول الأحكام» مجلدين، و «ابكار الأفكار» في أصول الدّين، في خمس مجلدات، واختصره في مجلد. قال الذهبي: وله نحو من عشرين تصنيفا. وقال السّبكي: وتصانيفه كلّها حسنة منقّحة. وفيها القرطبيّ أبو عبد الله محمد بن عمر المقرئ المالكي [3] ، الرجل الصالح. حجّ. وسمع من عبد المنعم بن الفراوي وطائفة. وقرأ

_ [1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف، وفي «آ» : «عزل منها» . [2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «يستشكل» وما بين الحاصرتين زيادة منه. [3] انظر «العبر» (5/ 125) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 639- 640) و «العقد الثمين» (2/ 237- 242) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 219- 220) .

القراءات على أبي القاسم الشّاطبي، وكان إماما، زاهدا، متقنا، بارعا في عدة علوم، كالفقه، والقراءات، والعربية، طويل الباع في التفسير. توفي بالمدينة المنورة في صفر. قاله في «العبر» . وفيها طغريل [1] شهاب الدّين، الخادم أتابك صاحب حلب، الملك العزيز، ومدبّر دولته. كان صالحا، خيّرا، متعبّدا، كثير المعروف، ذا رأي، وعقل، وسياسة، وعدل. وفيها الشيخ عبد الله بن يونس الأرمني [2] الزّاهد القدوة، صاحب الزّواية بجبل قاسيون. كان صالحا، متواضعا، مطّرحا للتكلف، يمشي وحده، ويشتري الحاجة. وله أحوال، ومجاهدات، وقدم في الفقر. سافر [إلى] الأقطار، ولقي الأبدال والأبرار. كان في بدايته لا يأوي إلّا [إلى البراري] [3] القفار. قرأ القرآن، وتفقه لأبي حنيفة، وحفظ «القدوري» [4] وصحب رجلا من الأولياء، فدلّه على الطريق. بعث إليه الأمجد صاحب بعلبك أربعين دينارا يقضي بها دينه وهو بالقدس، فأخذها الرّسول. ثم إن الأمجد زاره وقال له: بعثت إليك أربعين

_ [1] في «آ» و «ط» : «طغربك» وفي «وفيات الأعيان» : «طغرل» والتصحيح من «مرآة الزمان» (8/ 453) و «العبر» (5/ 125) مصدر المؤلف. و «النجوم الزاهرة» (6/ 286) . [2] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «الأرموي» والتصحيح من «مرآة الزمان» (8/ 454) وقال عنه: «وكان أرمنيّا بل روميّا» و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 373) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (153) وقال عنه: «من إرمينية» و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «النجوم الزاهرة» (6/ 286) . [3] زيادة من «مرآة الزمان» . [4] يعني «مختصر القدوري» وهو في فروع الحنفية، وهو للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد القدوري، وهو الذي يطلق عليه لفظ «الكتاب» في المذهب، وهو متن متين معتبر، متداول بين الأئمة الأعيان. انظر «اللباب في تهذيب الأنساب» (3/ 19- 20) و «كشف الظنون» (2/ 1631- 1634) .

دينارا، فقال الشيخ: وصلت، وشكره، فجاء الرسول يستغفر، فقال: قد قلت له: إنها وصلت. وحكى عن نفسه غير أنه لم يصرح. قال: كان فقيرا يدور في جبل لبنان، فوقع عليه حراميّة الفرنج، فعذّبوه وربطوه، وبات في أشدّ ما يكون. فلما أصبحوا ناموا، وإذا حراميّة المسلمين يطلبون حراميّة الفرنج، فأيقظهم وقال: اقعدوا جاءتكم حراميّة المسلمين. فدخلوا مغارة ودخل معهم، ولم يرهم حراميّة المسلمين، فلما بعدوا قال الفرنج له: هلّا دللت علينا وتخلّصت؟ فقال [1] لهم: إني صحبتكم وأكلت خبزكم. وفي طريقنا أن الصحبة عزيزة، فما رأيت خلاص نفسي بهلاككم. فشكروه على ذلك، وسألوه أن يقبل منهم شيئا من الدّنيا، فأبى فأطلقوه. وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر [2] . روى عن عمّيه الصّائن، والحافظ، وطائفة. وكان قليل الفضيلة. توفي في شعبان قاله في «العبر» . وفيها أبو رشيد الغزال [3] محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني [4] المحدّث التّاجر. سمع من خليل الرّارانيّ [5] وطبقته. وكان عالما، ثقة. توفي ببخارى في شوال.

_ [1] في «آ» و «ط» : «فقلت» والتصحيح من «مرآة الزمان» . [2] انظر «العبر» (5/ 126) و «سير أعلام النبلاء» (63/ 367) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) . [3] في «النجوم الزاهرة» : «الغزاليّ» . [4] انظر «العبر» (5/ 126) و «النجوم الزاهرة» (6/ 286- 287) . [5] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الرازاني» بالزاي، والتصحيح من ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا ص (528) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 269) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (245) .

وفيها محيي الدّين بن فضلان، قاضي القضاة، أبو عبد الله محمد ابن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الشافعي [1] ، مدرس المستنصريّة. تفقه على والده العلّامة أبي القاسم، وبرع في المذهب، والأصول، والخلاف، والنظر. وولي القضاء في آخر أيام الناصر، فلما استخلف الظاهر عزله بعد شهرين من خلافته. قال ابن شهبة في «طبقاته» : رحل إلى خراسان، وناظر علماءها، وولي تدريس النّظاميّة ببغداد، ثم ولي قضاء القضاة [2] ، ثم عزل. ودرّس بالمستنصريّة عند كمال عمارتها في رجب، سنة إحدى وثلاثين، وهو أوّل من درّس بها. وتوفي بعد أشهر في شوال- أي عن بضع وستين سنة- وكان موصوفا بحسن المناظرة، سمحا، جوادا [3] ، نبيلا، لا يكاد يدّخر شيئا. وفيها المسلّم بن أحمد بن علي أبو الغنائم المازنيّ النّصيبي ثم الدمشقي [4] . روى عن عبد الرحمن بن أبي الحسن الدّاراني، والحافظ أبي القاسم بن عساكر، وأخيه الصائن. ودخل في المكس مدّة، ثم تركه. وروى الكثير. توفي في ربيع الأول، وآخر من روى عنه فاطمة بنت سليمان. قاله في «العبر» . وفيها الأمير ركن الدّين منكورس [5] ، مملوك فلك الدّين أخي العادل.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 107- 108) وعنده: «محمد بن واثق بن علي ... » و «العبر» (5/ 126) و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 114- 115) . [2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «ثم ولي قضاء القاهرة، ثم عزل ... » . [3] تحرفت في «ط» إلى «جودا» . [4] انظر «العبر» (5/ 126- 127) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 362- 363) و «تاريخ الإسلام» (64/ 72) . [5] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 73- 74) .

كان ديّنا، صالحا، عفيفا، ملازما لجامع بني أميّة، وله بقاسيون مدرسة وتربة أوقف عليها شيئا كثيرا، وداخل دمشق مدرسة كبيرة للشافعية، وقرية جرود [1] وقف عليهما. توفي بجرود، وحمل فدفن في تربته بقاسيون. وفيها أبو الفتوح الأغماتي ثم الإسكندراني ناصر بن عبد العزيز بن ناصر [2] . روى عن السّلفي، وتوفي في ذي القعدة. وفيها الرّضيّ الرّخيّ- بتشديد الخاء المعجمة نسبة إلى الرّخ ناحية بنيسابور [3]- أبو الحجّاج يوسف بن حيدرة [4] ، شيخ الطب بالشام، وأحد من انتهت إليه معرفة الفنّ. قدم دمشق مع أبيه حيدرة الكحّال في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ولازم الاشتغال على المهذّب ابن النقّاش فنوّه باسمه، ونبّه على [محلّ] علمه، وصار من أطباء صلاح الدّين، وامتدت أيّامه، وصارت أطباء البلد تلامذته، حتّى إنّ من جملة أصحابه المهذّب الدّخوار، وعاش سبعا وتسعين سنة، ممتعا بالسمع والبصر. توفي يوم عاشوراء. قاله في «العبر» .

_ [1] جرود: قرية من قرى بلدة معلولا من أعمال دمشق من جهة الشمال. انظر «معجم البلدان» (2/ 130) و «وفيات الأعيان» (6/ 354) ويقال لها في أيامنا جيرود. [2] انظر «العبر» (5/ 127) و «تاريخ الإسلام» (64/ 74) . [3] انظر «معجم البلدان» (3/ 38) . [4] انظر «العبر» (5/ 127) وما بين الحاصرتين مستدرك منه وفي «تاريخ الإسلام» (64/ 76- 77) «الرّحبي» .

سنة اثنتين وثلاثين وستمائة

سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فيها ضربت ببغداد دراهم وفرّقت في البلد، وتعاملوا بها، وإنما كانوا يتعاملون بقراضة الذّهب، القيراط، والحبّة، ونحو ذلك، فاستراحوا. قاله في «العبر» . وفيها شرع الأشرف في بنائه خان الزّنجاري جامعا، وهو جامع التّوبة بالعقيبة [1] وكان خانا معروفا بالفجور، والخواطئ، والخمور، وسمّاه «جامع التوبة» ووقف عليه أوقافا كثيرة. وجرى في خطابته نكتة غريبة وهي، أنه كان بمدرسة الشاميّة إمام يعرف بالجمال السّبتي [2] وكان شيخا حسنا صالحا [3] وكان في صباه يلعب بملهاة تسمّى الجغانة [4] ، ثم حسنت طريقته، وصار معدودا في عداد الأخيار، فولّاه الأشرف خطيبا، فلما توفي تولى مكانه العماد الواسطي الواعظ، وكان متّهما بشرب الشراب، وكان ملك دمشق في

_ [1] أحد أحياء مدينة دمشق القديمة إلى الشمال من مسجد بني أمية الكبير خارج السور القديم، ولا زال هذا الجامع عامرا بفضل الله عزّ وجل وتقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وقد تعاقب على الخطابة والإمامة فيه عدد كبير من علماء دمشق الأفاضل، وقد نقل المؤلّف عن «وفيات الأعيان» (5/ 334- 335) و «تاريخ الإسلام» (64/ 10- 11) وانظر «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (156- 157) . [2] وكذا سمّاه ابن خلّكان، وكان يعرفه معرفة شخصية. [3] ولفظة «صالحا» لم ترد في «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» و «ط» : «الجفانة» بالفاء، وفي «وفيات الأعيان» و «المختار من تاريخ ابن الجزري» : «الجغانة» وهو ما أثبته. وانظر التعليق عليهما فهو مفيد.

ذلك الوقت الملك الصالح أبو الجيش، فكتب إليه الجمال عبد الرحيم بن الزّويتينة [1] : يا مليكا أوضح ال ... حقّ لدينا وأبانه جامع التّوبة قد قلّ ... دني منه الأمانه قال قل للملك الصّا ... لح أعلى الله شانه يا عماد الدّين يا من ... حمد النّاس زمانه كم إلى كم أنا في ض ... رّ وبؤس وإهانة لي خطيب واسطيّ ... يعشق الشّرب [2] ديانه والذي قد كان من قب ... ل يغنّي بالجغانه [3] فكما كنت كذا صر ... ت فلا أبرح حانه ردّني للنّمط الأوّ ... ل واستبق ضمانه [4] وفيها توفي أبو صادق الحسن بن صبّاح المخزومي المصري [5] الكاتب، عن نيّف وتسعين سنة. وكان آخر من حدّث عن ابن رفاعة. توفي [في] سادس عشر رجب، وكان أديبا، ديّنا، صالحا، جليلا. وفيها الملك الزّاهر داود ابن الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن أيوب [6] . كان صاحب البيرة [7] بلد من ثغور الرّوم بقرب سميساط. وكان

_ [1] هو عبد الرحيم بن علي الرّحبي، ابن الزّويتينة. انظر «فوات الوفيات» (2/ 318- 319) . [2] في «آ» : «الشراب» وفي «فوات الوفيات» : «الخمر» . [3] «آ» و «ط» : «بالجفانة» وفي «المختار من تاريخ ابن الجزري» و «فوات الوفيات» : «بالجغانة» وهو ما أثبته، وفي «وفيات الأعيان» : «بجغانة» . [4] انظر رواية البيت في «وفيات الأعيان» و «فوات الوفيات» ففيه بعض الخلاف عندهما. [5] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 81- 82) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 372- 373) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) . [6] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 84) . [7] انظر «معجم البلدان» (1/ 244) .

فاضلا أديبا، وشاعرا مجيدا. يحب العلماء. مقصودا للشعراء وغيرهم، وهو الثاني عشر من أولاد صلاح الدّين. وفيها شمس الدّين صواب العادلي الخادم [1] ، مقدّم جيش الكامل، وأحد من يضرب به المثل في الشجاعة. وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء. توفي بحرّان في رمضان، وكان نائبا عليها للكامل. وفيها الشّهاب عبد السّلام بن المطهّر بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميميّ الدّمشقيّ الشّافعي [2] . روى عن جدّه، وكان صدرا محتشما، مضى في الرسالة إلى الخليفة، وتوفي في المحرّم. وفيها ابن باسويه [3] تقي الدّين علي بن المبارك بن الحسن الواسطي، الفقيه الشافعي، المقرئ المجود. روى عن ابن شاتيل وطبقته، وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلّاني، وعلي بن مظفّر الخطيب. وسكن دمشق، وقرأ بها. وتوفي في شعبان عن ست وسبعين سنة. وفيها سيدي ابن الفارض ناظم «الديوان» المشهور شرف الدّين أبو القاسم عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري [4] . قال في «العبر» : هو حجّة أهل الوحدة [5] ، وحامل لواء الشعراء [6] .

_ [1] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 86) و «مرآة الجنان» (4/ 75) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) . [2] انظر «العبر» (5/ 128) و «تاريخ الإسلام» (64/ 87- 88) و «النجوم الزاهرة» (6/ 287) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «باشوية» وتحرفت في «العبر» بطبعتيه وفي «النجوم الزاهرة» (6/ 292) إلى «ماسوية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 394- 395) وقد قيدها المنذري فيه: «بالباء الموحدة، وبعد الألف سين مهملة مضمومة، وبعد الواو الساكنة ياء آخر الحروف مفتوحة وبعدها تاء التأنيث» وانظر «تاريخ الإسلام» (64/ 91- 92) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 622) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 454- 456) و «العبر» (5/ 129) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 93- 96) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) . [5] أقول: يعني أهل وحدة الوجود، نسأل الله العافية من هذه العقيدة. (ع) . [6] في «العبر» بطبعتيه: «وحامل لواء الشعر» .

وقال الشيخ عبد الرّؤوف [1] المناوي في «طبقاته» : الملقب في جميع الآفاق بسلطان المحبّين والعشّاق، المنعوت بين أهل الخلاف والوفاق بأنه سيّد شعراء عصره على الإطلاق. له النظم الذي يستخف أهل الحلوم والنثر، الذي تغار منه النّثرة [2] بل سائر النجوم. قدم أبوه من حماة إلى مصر، فقطنها وصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكّام، ثم ولي نيابة الحكم، فغلب عليه التّلقيب بالفارض، ثم ولد له بمصر عمر في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة، فنشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة، وعبادة وديانة، بل زهد وقناعة، وورع أسدل عليه لباسه وقناعه. فلما شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وعنه الحافظ المنذري وغيره. ثم حبّب إليه الخلاء وسلوك طريق الصّوفية، فتزهّد وتجرّد، وصار يستأذن أباه في السياحة فيسيح في الجبل الثاني من المقطّم، ويأوي إلى بعض أوديته مرّة، وفي بعض المساجد المهجورة في خربات القرافة مرّة، ثم يعود إلى والده، فيقيم عنده مدة، ثم يشتاق إلى التجرّد ويعود إلى الجبل، وهكذا حتّى ألف الوحشة وألفه الوحش، فصار لا ينفر منه، ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء حتّى أخبره البقّال أنه إنما يفتح عليه بمكّة. فخرج فورا في غير أشهر الحجّ ذاهبا إلى مكّة، فلم تزل الكعبة أمامه، حتى دخلها، وانقطع بواد بينه وبين مكّة عشر ليال، فصار يذهب من ذلك الوادي وصحبته أسد عظيم إلى مكّة فيصلي بها الصلوات الخمس، ويعود إلى محلّه من يومه، وأنشأ غالب نظمه حالتئذ، وكان الأسد يكلّمه ويسأله أن يركب عليه فيأبي، وأقام كذلك نحو خمسة عشر عاما، ثم رجع إلى مصر فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، وعكف عليه الأئمة،

_ [1] هو محمد عبد الرؤوف المناوي، المتوفى سنة (1031) هـ. (ع) . [2] النّثرة: كوكب في السماء كأنه لطخ سحاب كوكبين، تسميه العرب نثرة الأسد وهي من منازل القمر، وهي في علم النجوم من برج السّرطان. انظر «لسان العرب» (نثر) .

وقصد بالزيارة من الخاصّ والعام، حتى إن الملك الكامل كان ينزل لزيارته. وسأله أن يعمل له قبرا عند قبره بالقبّة التي بناها على ضريح الإمام الشافعي فأبى، وكان جميلا، نبيلا، حسن الهيئة والملبس، حسن الصحبة والعشرة، رقيق الطبع، عذب المنهل والنبع، فصيح العبارة، دقيق الإشارة، سلس القياد، بديع الإصدار والإيراد، سخيّا، جوادا، توجه يوما إلى جامع عمرو، فلقيه بعض المكّارية، فقال: اركب معي على الفتوح، فمرّ به بعض الأمراء، فأعطاه مائة دينار، فدفعها للمكّاري. وكان أيام النيل يتردد إلى المسجد المعروف بالمشتهى في الرّوضة، ويحبّ مشاهدة البحر مساء، فتوجّه إليه يوما، فسمع قصّارا يقصر ويقول: قطّع قلبي هذا المقطع ... لا هو يصفو أو يتقطّع فصرخ وسقط مغمى عليه، فصار يفيق ويردد ذلك ويضطرب، ثم يغمى عليه، وهكذا. وكان يواصل أربعينيات فاشتهى هريسة فأحضرها، ورفع لقمة إلى فيه، فانشقّ الجدار، وخرج شاب جميل [1] فقال: أف عليك، فقال: إن أكلتها، ثم طرحها وأدّب نفسه بزيادة عشر ليال. ورأى المصطفى صلى الله عليه وسلّم في نومه فقال: «إلى من تنتسب» ؟ فقال: يا رسول الله! إلى بني سعد قبيلة حليمة، فقال: «بل نسبك متّصل بي» يعني نسبة محبة وتبعية. ومن خوارقه العجيبة أنّه رأى جملا لسقاء، فكلف به وهام، وصار يأتيه كل يوم ليراه، وناهيك ب «ديوانه» الذي اعترف به [2] الموافق والمخالف، والمعادي والمحالف. سيما القصيدة التائية [3] . وقد اعتنى بشرحها جمع من

_ [1] أقول: هذا من المبالغات التي لا دليل عليها. (ع) . [2] لفظة «به» سقطت من «آ» . [3] هي في «ديوانه» ص (46- 116) طبع دار صادر ببيروت، ومطلعها: سقتني حميّا الحبّ راحة مقلتي ... وكأسي محيّا من عن الحسن جلّت

الأعيان، كالسّراج الهندي الحنفي، والشمس البسطامي [1] المالكي، والجلال القزويني الشّافعي، غير متعاقبين ولا مبالين بقول المنكرين الحسّاد. شعره ينعت بالاتحاد، وكذا شرحها الفرغاني، والقاشاني، والقيصري، وغيرهم. وعلى الخمريّة وغيرها شروح عدة. وقال بعض أهل الرسوخ: إن «الديوان» كله مشروح. وذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظّاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على التائية شرحا وأرسله إلى بعض عظماء صوفية الوقت ليقرضه [2] فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه: سارت مشرّقة وسرت مغرّبا ... شتّان بين مشرّق ومغرّب فقيل له في ذلك، فقال: مولانا الشّارح اعتنى بإرجاع الضمائر والمتبدإ والخبر والجناس والاستعارة، وما هنالك من اللغة والبديع، ومراد الناظم وراء ذلك كلّه. وقد أثنى على «ديوانه» حتّى من كان سيء الاعتقاد، ومنهم ابن أبي حجلة الذي عزّره السّراج الهندي بسبب الوقيعة فيه، فقال: هو من أرقّ الدواوين شعرا وأنفسها درّا، برّا وبحرا. وأسرعها للقلوب جرحا وأكثرها على الطّلول [3] نوحا، إذ هو صادر عن نفثة مصدور، وعاشق مهجور، وقلب بحرّ النّوى مكسور، والناس يلهجون بقوافيه وما أودع من القوى فيه، وكثر حتّى قلّ من لا رأى «ديوانه» أو طنّت بأذنه قصائده الطنّانة. قال الكمال الأدفوي: وأحسنه القصيدة الفائية [4] التي أولها:

_ [1] في «ط» : «البساطي» وهو خطأ. [2] ويقال أيضا: «ليقرظه» وكلاهما بمعنى. [3] في «آ» : «الطول» . [4] وهي في «ديوانه» ص (151- 155) طبع دار صادر ببيروت.

قلبي يحدّثني بأنّك متلفي [1] واللّاميّة [2] التي أولها: هو الحبّ فاسلم بالحشا ما الهوى سهل [3] والكافية [4] التي أولها: ته دلالا فأنت أهل لذاكا [5] قال: وأما التائية فهي عند أهل العلم- يعني الظّاهر- غير مرضية، مشعرة بأمور رديئة. وكان عشاقا بعشق مطلق الجمال، حتّى أنه عشق بعض الجمال. بل زعم بعض الكبار أنه عشق برنيّة [6] بدكان عطّار. وذكر القوصي [7] في «الوحيد» أنه كان للشيخ جوار بالبهنسا يذهب

_ [1] وعجزه: روحي فداك عرفت أم لم تعرف [2] وهي في «ديوانه» ص (134- 139) . [3] وعجزه: فما اختاره مضنى به، وله عقل [4] وهي في «ديوانه» ص (156- 161) . [5] وعجزه: وتحكّم، فالحسن قد أعطاكا [6] جاء في «لسان العرب» (برن) : البرنيّة: شبه فخّارة ضخمة خضراء ... وقيل: إناء من الخزف. [7] هو عبد الغفّار بن أحمد بن عبد المجيد الأقصري ثم القوصي، المعروف بابن نوح، من مشاهير متصوفة مصر. مات سنة (708 هـ) . وكتابه الذي أشار إليه المؤلف- رحمه الله تعالى- هو «الوحيد في سلوك أهل التوحيد» وهو مخطوط لم يطبع بعد. انظر «حسن المحاضرة» (1/ 424) و «كشف الظنون» (2/ 2005) و «الأعلام» للزركلي (4/ 31) .

إليهن فيغنّين له بالدّف والشبابة، وهو يرقص ويتواجد، ولكل قوم مشرب، ولكلّ مطلب. وليس سماع الفسّاق كسماع سلطان العشّاق [1] . ولم يزل على حاله راقيا في سماء كماله، حتى احتضر، فسأل الله أن يحضره في ذلك الهول العظيم جماعة من الأولياء، فحضره جماعة، منهم: البرهان الجعبري، فقال- فيما حكاه سبط صاحب الترجمة-: رأى الجنّة مثلت له، فبكى وتغيّر لونه، ثم قال: إن كان منزلتي في الحبّ عندكم ... ما قد رأيت فقد ضيّعت أيّامي [2] قال: فقلت له: يا سيدي! هذا مقام كريم. فقال: يا إبراهيم رابعة [3] وهي امرأة تقول: وعزّتك ما عبدتك رغبة في جنّتك، بل لمحبّتك، وليس هذا ما قطعت عمري في السلوك إليه، فسمعت قائلا يقول له: فما تروم فقال: أروم وقد طال المدى منك نظرة [4] البيت [5] . فتهلل وجهه وقضى نحبه، فقلت: إنه أعطي مرامه. انتهى. وقد شنّع عليه بذلك المنكرون.

_ [1] قلت: بل كل ذلك سواء، فقد صحّ عنه- صلى الله عليه وسلّم- قوله: «ما أسكر قليله فكثيره حرام» وليس هذا الرقص والتواجد من صنيع المسلمين المتمسكين بتعاليم كتاب الله عزّ وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، ولم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا صحابته الكرام، ولا التابعون، ولا الأئمة الأربعة ولا المتقدمون من أتباعهم، وإنما ابتدعه نفر من متأخري الصوفية عن جهل وقلة فهم لأحكام وتعاليم الشرع الحنيف، نسأل الله العفو والعافية والتثبيت على النهج المستقيم بفضله وكرمه ورحمته. [2] البيت في «ديوانه» ص (207) . [3] يعني رابعة العدوية. [4] وعجزه: وكم من دماء دون مرماي طلّت [5] وهو في «ديوانه» ص (39) .

فقال بعضهم: لما كشف له الغطاء، وتحقّق أنه هو غير الله، وأنه لا حلول ولا اتحاد، قال ذلك. وقال بعضهم: قاله لما حضره ملائكة العذاب الأليم، أستغفر الله سبحانه، هذا بهتان عظيم. والحاصل أنه اختلف في شأن صاحب الترجمة، وابن عربي، والعفيف التّلمساني، والقونوي، وابن هود، وابن سبعين، وتلميذه الشّشتري، وابن مظفّر، والصفّار من الكفر إلى القطبانية. وكثرت التصانيف من الفريقين في هذه القضية، ولا أقول كما قال بعض الأعلام سلّم تسلم والسلام، بل أذهب إلى ما ذهب إليه بعضهم أنه يجب اعتقادهم وتعظيمهم، ويحرم النظر في كتبهم على من لم يتأهل لتنزيل ما فيها من الشطحات على قوانين الشريعة المطهّرة [1] ، وقد وقع لجماعة من الكبار الرجوع عن الإنكار. انتهى كلام المناوي مختصرا. وما أحسن قوله في التائية: وكلّ أذى في الحبّ منك إذا بدا ... جعلت له شكري مكان شكيّتي [2] وله ما رأيته في دواوينه، وهو معنى في غاية اللّطف والرّقّة: خلص الهوى لك واصطفتك مودّتي ... إني أغار عليك من ملكيكا ولو استطعت منعت لفظك غيرة ... إني أراه مقبّلا شفتيكا وأراك تخطر في شمائلك التي ... هي فتنة فأغار منك عليكا ورؤي في النوم فقيل له: لم لا مدحت المصطفى في «ديوانك» ؟ فقال: أرى كلّ مدح في النّبيّ مقصّرا ... وإن بالغ المثني عليه وكثّرا

_ [1] أقول: الشطحات لا تقبل من أي شخص كان. (ع) . [2] البيت في «ديوانه» ص (50) .

إذا الله أثنى بالذي هو أهله [1] ... عليه فما مقدار ما يمدح الورى ويقال: إنه لما نظم قوله: وعلى تفنّن واصفيه بحسنه ... يفنى الزّمان وفيه ما لم يوصف [2] فرح فرحا شديدا وقال: لم يمدح صلّى الله عليه وسلّم بمثله، وبعض الناس يقول: باطن كلامه كلّه مدح فيه صلى الله عليه وسلّم، وغالب كلامه لا يصلح أن يراد به ذلك، والله أعلم. توفي- رحمه الله تعالى- في جمادى الأولى عن ست وخمسين سنة إلا شهرا، ودفن بالمقطّم. وفيها الشيخ شهاب الدّين السّهروردي [3] ، قدوة أهل التوحيد، وشيخ العارفين أبو حفص، وأبو عبد الله، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التّيمي البكري الصّوفي الشّافعي. ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد، وقدم بغداد، فلحق بها هبة الله بن الشّبلي، فسمع منه، وصحب عمّه أبا النّجيب، وتفقه وتفنّن، وصنّف التصانيف، منها «عوارف المعارف» في بيان طريقة القوم، وانتهت إليه تربية المريدين، وتسليك العبّاد، ومشيخة العراق. قال الذهبي: لم يخلّف بعده مثله. وقال ابن شهبة في «طبقاته» : أخذ عن أبي القاسم بن فضلان، وصحب الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من جماعة. وله «مشيخة» في

_ [1] إشارة منه إلى قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [القلم: 4] . [2] البيت في «ديوانه» ص (154) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 446- 448) و «العبر» (5/ 129) و «تاريخ الإسلام» (64/ 96- 99) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 65) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 103- 104) .

جزء لطيف. روى عنه ابن الدّبيثي، وابن نقطة، والضياء، والزّكي البرزالي، وابن النجّار، وطائفة. وقال ابن النجار: كان شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرئاسة في تربية المريدين، ودعاء الخلق إلى الله تعالى. وبالغ في الثناء عليه. وعمي في آخر عمره وأقعده، ومع ذلك فما أخلّ بشيء من أوراده. وقال ابن خلّكان: كان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ، وعلى وعظه قبول كثير. وله نفس مبارك. حكى لي من حضر مجلسه أنه أنشد يوما على الكرسي: لا تسقني وحدي فما عوّدتني ... إني أشحّ بها على جلّاسي أنت الكريم ولا يليق تكرّما ... أن يصبر [1] النّدماء دون الكاس فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كبير. وله تآليف حسنة، منها: كتاب «عوارف المعارف» وهو أشهرها. وله شعر منه: تصرّمت وحشة اللّيالي ... وأقبلت دولة الوصال وصار بالوصل لي حسودا ... من كان في هجركم رثى لي وحقّكم بعد إذ [2] حصلتم ... بكلّ من فات لا أبالي تقاصرت عنكم قلوب ... فيا له موردا حلالي عليّ ما للورى حرام ... وحبّكم في الحشا حلالي تشرّبت أعظمي هواكم ... فما لغير الهوى ومالي فما على عادم أجاجا ... وعنده أعين الزّلال

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «أن يعبر» . [2] في «وفيات الأعيان» : «بعد إن» .

وكان كثير الحجّ، وربما جاور في بعض حججه، وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه صور فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم. سمعت بعضهم أنه كتب إليه: يا سيدي إني إن تركت العمل، أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيّهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب. وله من هذا شيء كثير. وذكر في «عوارف المعارف» أبياتا لطيفة، منها: أشمّ منك نسيما لست أعرفه ... أظنّ لمياء جرّت فيك أذيالا وفيه أيضا: إن تأمّلتكم فكلّي عيون ... أو تذكّرتكم فكلّي قلوب توفي في مستهل المحرم ببغداد، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا. وفيها الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر المقدسي النابلسي [1] القدوة الزاهد، أحد عبّاد الله الأخفياء الأتقياء، والسّادة الأولياء. ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة بقرية بورين [2] من عمل نابلس، وسكن القدس عام أنقذه السلطان صلاح الدّين من الفرنج [3] سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة [4] . وساح بالشام، ورأى الصّالحين، وكان مؤثرا للخمول، صاحب أحوال وكرامات.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 129- 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 101- 103) . [2] قال الأستاذ الفاضل محمد محمد شراب في كتابه النافع «معجم بلدان فلسطين» ص (172) طبع دار المأمون للتراث بدمشق: بورين: بلدة تقع على مسافة عشرة أكيال إلى الجنوب من نابلس، وترتفع ما بين 600- 650 مترا عن سطح البحر، حيث تعتبر بقعتها جزءا من جبال نابلس، وذكر ما نسب إليها من العلماء، فراجع تتمة كلامه فيه فهو مفيد. [3] جاء في هامش النسخة «ط» : في غير الأصل: «عام أنقذه الله من الفرنج» . [4] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (22) وتعليقي عليه، طبع دار ابن كثير.

قال ابنه عبد الله: انقطع تحت الصخرة في الأقباء السليمانية ست سنين [1] ، وصحب الشيخ عبد الله الأرموي بقية عمره، وعاشا جميعا مصطحبين. وقد أفرد سيرة الشيخ غانم [في «جزء» ] [2] : أبو عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدّين. وتوفي الشيخ غانم في غرّة شعبان، ودفن بالحضيرة [3] التي بها صاحبه ورفيقه الشيخ عبد الله الأرموي بسفح قاسيون. وفيها محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني الواعظ أبو عبد الله [4] ، مسند العجم. ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وسمع من إسماعيل الحمّامي، وأبي الوقت [السّجزي] ، وأبي الخير الباغبان. قال ابن النجار: واعظ مفت [5] ، شافعيّ. له معرفة بالحديث وقبول عند أهل بلده. وفيه ضعف. بلغنا أنه استشهد بأصبهان على يد التتار في أواخر رمضان. انتهى. وقال الذهبي: وفي دخولهم [6] إليها قتلوا أمما لا تحصى. وفيها محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحرّاني [7] الحنبلي التاجر، نزيل الإسكندرية. روى عن ابن رفاعة، وابن البطّي، والسّلفي،

_ [1] في «تاريخ الإسلام» للذهبي: «سنة ستين» . [2] زيادة من «تاريخ الإسلام» . [3] في «تاريخ الإسلام» : «بالحضرة» . [4] انظر «العبر» (5/ 130) و «تاريخ الإسلام» (64/ 106) . [5] في «آ» و «ط» : «مفتي» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» . [6] أي في دخول التتار إلى أصبهان. [7] انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379- 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 107- 108) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) .

وطائفة كثيرة باعتناء خاله حمّاد الحرّاني. وتوفي في عاشر صفر، وكان ذا دين وعلم وفقه، عاش تسعين سنة. وروى عنه خلق كثير. وفيها شعرانة، وجيه الدّين، محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني [1] الثّقة الصّالح. سمع «الصحيح» [2] من أبي الوقت [السّجزي] وعمّر دهرا، ومات شهيدا. وفيها محمد بن غسّان بن غافل بن نجاد [3] الأمير سيف الدولة الحمصي ثم الدمشقي. روى عن الفلكيّ، وابن هلال، وطائفة. وتوفي في شعبان عن ثمانين سنة. وفيها أبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن سفيان بن مندة العبدي الأصبهاني [4] ، بقية آل مندة ومسند وقته. روى الكثير عن مسعود الثّقفي، والرّستمي، وأبي الخير الباغبان، وغيرهم. وعدم تحت السيف، رحمه الله. وفيها أبو موسى الرّعيني عيسى بن سليمان بن عبد الله الرّعيني الأندلسي المالقي الرّندي الحافظ. كان حافظا متقنا أديبا نبيلا. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [5] : ثم أبو موسى الرّعيني عيسى ... خير له بضبطه النّفيسا وفيها أبو يحيى وأبو الفضل، عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل

_ [1] انظر «العبر» (5/ 130) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 379) و «تاريخ الإسلام» (64/ 105- 106) . [2] يعني «صحيح البخاري» . [3] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 381) و «تاريخ الإسلام» (64/ 108- 109) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) . [4] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 382- 383) و «تاريخ الإسلام» (64/ 109- 110) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) . [5] انظر «بديعة البيان» الورقة (24) مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.

ابن خمارتكين بن طاشتكين الإربلي المعروف بالحاجري، الملقب حسام الدّين [1] . قال ابن خلّكان: هو جندي ومن أولاد الأجناد، وله «ديوان» شعر تغلب عليه الرّقّة، وفيه معان جيدة، وهو مشتمل على الشعر، والدّوبيت، والمواليا. ولقد أحسن في الكلّ مع أنه قلّ من يجيد في مجموع الثلاثة. وله أيضا «كان وكان» واتفقت له فيه مقاصد حسان. وكان صاحبي وأنشدني كثيرا من شعره، فمن ذلك قوله- وهو معنى جيد-: ما زال يحلف لي بكلّ أليّة ... أن لا يزال مدى الزّمان مصاحبي لما جفا نزل العذار بخدّه ... فتعجّبوا لسواد وجه الكاذب وأنشدني لنفسه أيضا: لك خال من فوق عر ... ش شقيق قد استوى بعث الصّدغ مرسلا ... يأمر النّاس بالهوى وأنشدني لنفسه أبياتا منها في صفة الخال: لم يحو ذاك الخدّ خالا أسودا ... إلّا لنبت شقائق النّعمان وله، وقال لي: ما يعجبني فيما عملت مثل هذا الدّوبيت، وهو آخر شيء عملته إلى الآن وهو: حيّا وسقى الحمى سحاب هامي ... ما كان ألذّ عامه من عام يا علوة ما ذكرت أيّامكم ... إلّا وتظلّمت على الأيام وكان لي أخ يسمى ضياء الدّين عيسى، وكان بينه وبين الحاجري المذكور مودة أكيدة، فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب، وكان الأخ بإربل:

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 501- 505) و «النجوم الزاهرة» (6/ 290- 291) .

الله يعلم ما أبقى سوى رمق ... منّي فراقك يا من قربه أمل فابعث كتابك واستودعه تعزية ... فربما متّ شوقا قبل ما يصل وكنت قد خرجت من إربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه، بعد أن كان حبس بقلعة خفتيد [1] كان ثم نقل منها، وله في ذلك أشعار منها قوله: قيد أكابده وسجن ضيّق ... يا ربّ شاب من الهموم المفرق ومنها: يا برق إن جئت الدّيار بإربل ... وعلا عليك من التّداني رونق بلّغ تحيّة نازح حسراته ... أبدا بأذيال الصّبا تتعلّق قل يا حبيب [2] لك الفداء أسيركم ... من كلّ مشتاق إليكم أشوق والله ما سرت الصّبا نجدية ... إلّا وكدت بدمع عيني أشرق وبلغني بعد ذلك أنه خرج من الاعتقال، واتصل بخدمة الملك المعظم مظفّر الدّين صاحب إربل، وتقدم عنده وغيّر لباسه، وتزيّا بزي الصّوفية. فلما توفي مظفّر الدّين سافر من إربل ثم عاد إليها وقد صارت في مملكة أمير المؤمنين المستنصر بالله ونائبه بها الأمير شمس الدّين أبو الفضائل باتكين، وكان وراءه من يقصده، فاتفق أنه خرج من بيته يوما قبل الظهر، فوثب عليه شخص وضربه بسكين فأخرج حشوته، فكتب في تلك الحال إلى باتكين المذكور وهو يكابد الموت: أشكوك يا ملك البسيطة حالة ... لم تبق رعبا في عضوا ساكنا

_ [1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» : «خفتيد» بالدال المهملة كذا قيدها ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» (3/ 505) . وفي «معجم البلدان» (2/ 380) «خفتيذ» بالذال المعجمة. [2] في «وفيات الأعيان» : «يا جعلت» .

إن تستبح إبلي لقيطة [1] معشر ... ممن أؤمل غير جأشك مازنا ومن العجائب كيف يمشي خائفا ... من بات في حرم الخلافة آمنا ثم توفي بعد ذلك من يومه يوم الخميس ثاني شوال، وتقدير عمره خمسون سنة. والحاجري: بفتح الحاء المهملة، وبعد الألف جيم مكسورة، وبعدها راء، نسبة إلى حاجر بليدة بالحجاز، لم يبق اليوم منها سوى الآثار، ولم يكن الحاجريّ منها، بل نسب إليها لكونه استعملها في شعره كثيرا. انتهى ملخصا. وفيها أبو الفتوح الوثّابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني [2] . يروي عن جدّه كتاب الذّكر بسماعه من ابن طبرزد، ويروي عن رجاء بن حامد المعداني، راح تحت السيف في فتنة التتار، وله ثمان وسبعون سنة. وفيها جامع بن إسماعيل بن غانم بن صائن الدّين الأصبهاني الصّوفي، المعروف بباله [3] ، راوي «جزء» لوين عن محمد بن أبي القاسم الصّالحاني. وفيها شمس الدّين محمود بن علي بن محمود بن قرقين [4] الدّمشقي، الجندي الأديب الشاعر. روى عن أبي سعد بن أبي عصرون، وتوفي في شوال.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن اللقيطة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف. [2] انظر «العبر» (5/ 131) و «سير أعلام النبلاء» (20/ 544) ضمن ترجمة شيخه رجاء بن حامد المعداني. [3] انظر «العبر» (5/ 131- 132) . [4] في «آ» و «ط» : «قرقر» والتصحيح من «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 114- 115) .

وفيها ابن شدّاد قاضي القضاة بهاء الدّين أبو العزّ يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي [1] . ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات والعربية بالموصل على يحيى بن سعدون القرطبي. وسمع من حفدة العطاردي وطائفة، وبرع في الفقه والعلوم، وساد أهل زمانه، ونال رئاسة الدّين والدّنيا، وصنّف التصانيف. قال ابن شهبة: سمع من جماعة كثيرة ببغداد وغيرها، وأعاد بالنظامية في حدود سنة سبعين، ثم انحدر إلى الموصل، ودرّس بمدرسة الكمال الشهرزوري، ثم حجّ سنة ثلاث وثمانين، وزار الشام واصتل بالسلطان صلاح الدّين وحظي عنده، وولاه قضاء العسكر وقضاء بيت المقدس، وصنّف له كتابا في فضل الجهاد. ولما توفي اتصل بولده الظاهر وولاه قضاء حلب ونظر أوقافها، وأجزل رزقه وعطاءه، وأقطعه إقطاعا جزيلا، ولم يكن له ولد ولا قرابة، فكان ما يحصل له يتوفر عنده، فبنى به مدرسة وإلى جانبها [2] ، دار حديث وبينهما [3] تربة، وقصده الطلبة للدّين والدّنيا، وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره وارتفاع منزلته. قال عمر بن الحاجب: كان ثقة عارفا بأمور الدّين، اشتهر اسمه وسار ذكره، وكان ذا صلاح وعبادة، وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه. دبّر أمر الملك بحلب، واجتمعت الألسن على مدحه، وطوّل ابن خلّكان ترجمته، وهو ممن أخذ عنه.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 84- 85) و «العبر» (5/ 132) و «تاريخ الإسلام» (64/ 117- 121) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 383- 387) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 120- 122) . [2] في «آ» و «ط» : «وإلى جنبها» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [3] في «آ» و «ط» : «وبينها» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

توفي في رابع صفر، ودفن بتربته بحلب، وذلك بعد أن ظهر أثر الهرم عليه. ومن تصانيفه «دلائل الأحكام» على التنبيه في مجلدين، وكتاب «الموجز الباهر» في الفقه، وكتاب «ملجأ الحكّام» [1] في الأقضية في مجلدين، و «سيرة صلاح الدّين» أجاد فيها وأفاد.

_ [1] واسمه الكامل كما في «وفيات الأعيان» : «ملجأ الحكّام عند التباس الأحكام» .

سنة ثلاث وثلاثين وستمائة

سنة ثلاث وثلاثين وستمائة في ربيعها جاءت فرقة من التتار فكسرهم عسكر إربل، فما بالوا، وساقوا إلى بلاد الموصل، فقتلوا وسبوا، فاهتمّ المستنصر بالله، وأنفق الأموال، فردّوا ودخلوا [1] الدّربند [2] . وفيها أخذت الفرنج قرطبة واستباحوها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون [3] . وفيها توفي الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر [بن الشيخ أبي عمر] [4] المقدسي الحنبلي [5] . روى عن نصر الله القزّاز، وابن شاتيل، وأبي المعالي ابن صابر. وكان يتعانى الجندية، وفيه شجاعة وإقدام. توفي في ربيع الأول.

_ [1] لفظة «ودخلوا» سقطت من «آ» . [2] ويسمى أيضا «باب الأبواب» . انظر «معجم البلدان» (2/ 449) . [3] قال الذهبي: فقال لنا أبو حيّان- يعني الغرناطي النحوي أثير الدّين المفسّر المشهور- توفي ابن الرّبيع- يعني أبو سليمان ربيع بن عبد الرحمن القرطبي- بإشبيلة بعد استيلاء النصارى على شرقي قرطبة سنة ثلاث وثلاثين. انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 13- 14 و 130) والتعليق عليه. [4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [5] انظر «العبر» (5/ 133) و «تاريخ الإسلام» (64/ 83) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .

وفيها القيلويي [1] المؤرّخ، أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل. عاش سبعين سنة، وروى عن الأبله الشاعر وغيره، فكتب الكثير. وكان أديبا أخباريا. وفيها زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر [أم الحياء، الأنباريّة] [2] . شيخة صالحة صوفية. روت عن ابن البطّي، ويحيى بن ثابت، وتوفيت في جمادى الأولى عن تسع وسبعين سنة. وفيها خطيب زملكا، عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري [3] ، وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن عساكر، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها ابن الرّمّاح عفيف الدّين علي بن عبد الصّمد بن محمد المصري [4] . المقرئ النحوي. قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي، وسمع من السّلفي، وتصدّر للإقراء والعربية بالفاضلية وغيرها، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها ابن روزبه أبو الحسن علي بن أبي بكر [بن روزبه] [5] البغدادي القلانسي العطّار الصّوفي [6] . حدّث بالصحيح عن أبي الوقت [السّجزي] ،

_ [1] تحرفت نسبته في «ط» إلى «القليوبي» وما جاء في «آ» هو الصواب. انظر «العبر» (5/ 133) و «تاريخ الإسلام» (64/ 129- 130) . أقول: وفي «معجم البلدان» (4/ 423) القيلوي، نسبة إلى قيلوية، ينسب إليها أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوي. (ع) . [2] انظر «العبر» (5/ 133- 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 131) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [3] انظر «العبر» (5/ 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 136) وقد توسع في ترجمته فراجعه. [4] انظر «العبر» (5/ 134) و «تاريخ الإسلام» (64/ 138- 139) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (261) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 549) . [5] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» . [6] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 409- 410) و «العبر» (5/ 134) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 387- 389) و «تاريخ الإسلام» (64/ 140- 141) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) .

ببغداد، وحرّان، ورأس العين، وحلب. وردّ منها خوفا من الحصار الكائن بدمشق على الناصر داود، وإلّا كان عزمه المجيء إلى دمشق. توفي فجأة في ربيع الآخر وقد نيّف على التسعين. وفيها العلّامة الحافظ ابن دحية أبو الخطّاب عمر بن حسن بن محمد الجميّل [1] بن فرح [2] بن خلف الكلبي الدّاني ثم السّبتي [3] الحافظ اللّغوي الظّاهري المذهب. روى عن أبي عبد الله بن زرقون، وابن بشكوال، وهذه الطبقة. وعني بالحديث أتمّ عناية، وجال في مدن الأندلس ومدن العدوة، وحجّ في الكهولة، فسمع بمصر من البوصيري، وبالعراق «مسند الإمام أحمد» ، وبأصبهان «معجم الطبراني» من الصيدلاني، وبنيسابور «صحيح مسلم» بعلو بعد أن كان حدّث به بالغرب بالإسناد النازل للأندلسي، وكان يقول: إنه حفظه كلّه. قال في «العبر» : وليس هو بالقويّ، ضعّفه جماعة. وله تصانيف ودعاو [4] مدحضة، وعبارة متغيرة ومبغضة. وقد نفق على [الملك] الكامل وجعله شيخ دار الحديث بالقاهرة. انتهى. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متفننا في الحديث، والنحو، واللغة، وأيام العرب وأشعارها. حصّل ما لا حصّل غيره [5] من العلم، وكان في المحدّثين مثل ابن عنين في

_ [1] الجميّل: تصغير جمل. قاله الذهبي في «تاريخ الإسلام» (64/ 15) . [2] تصحف في «ط» إلى «فرج» . [3] انظر «العبر» (5/ 134- 135) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 389- 395) و «تاريخ الإسلام» (64/ 141- 146) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين الدمشقي (176/ آ) . [4] في «آ» و «ط» : «ودعاوى» وأثبت لفظ «العبر» . [5] أقول: في «سير أعلام النبلاء» (22/ 391) : «وحصّل ما لم يحصّله غيره» . (ع) .

الشعراء. يثلب علماء المسلمين ويقع في أئمة الدّين، فترك الناس كلامه وكذّبوه. ولما انكشف حاله للكامل أخذ منه دار الحديث وأهانه، ودخل دمشق، فمال إليه الوزير ابن شكر، فسأله أن يجمع بينه وبين الشيخ تاج الدّين الكندي، فاجتمعا وتناظرا، وجرى بينهما البحث، فقال له الكنديّ: أخطأت، فسفّه عليه، فقال الكنديّ: أنت تكذب في نسبك إلى دحية الكلبي، ودحية بإجماع المحدّثين ما أعقب، وقد قال فيك ابن عنين: دحية لم يعقب فكم تنتمي [1] ... إليه بالبهتان والإفك ما صحّ عند النّاس فيه سوى ... أنّك من كلب بلا شكّ توفي في رابع عشر ربيع الأول، وله سبع وثمانون سنة، ودفن بالقاهرة. وفيها الإربلي فخر الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سليمان الصّوفي [2] . روى عن يحيى بن ثابت، وأبي بكر بن النّقور، وجماعة كثيرة، وتوفي بإربل في رمضان، وروايته منتشرة عالية. وفيها أبو بكر المأموني محمد بن محمد بن أبي المفاخر سعيد بن حسين العباسي النيسابوري ثم المصري الجنائزي [3] . روى عن السّلفي وتوفي في ربيع الآخر. وفيها نصر بن عبد الرزّاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني [4] قاضي القضاة، عماد الدّين، أبو صالح الجيلي ثم البغدادي الحنبلي. أجاز له ابن

_ [1] في «سير أعلام النبلاء» : «فلم تعتزي» . [2] انظر «العبر» (5/ 135) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 395- 396) و «تاريخ الإسلام» (64/ 147- 148) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) . [3] انظر «العبر» (5/ 135) و «النجوم الزاهرة» (6/ 296) . [4] انظر «العبر» (5/ 136) و «سير أعلام النبلاء» (22/ 136) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 189- 192) و «المنهج الأحمد» الورقة (366) .

البطّي، وسمع من شهدة وطبقتها، ودرّس، وأفتى، وناظر، وبرع في المذهب، وولي القضاء سنة ثلاث وعشرين، وعزل بعد أشهر، وكان لطيفا ظريفا متين الدّيانة، كثير التواضع، متحرّيا في القضاء، قوي النفس في الحقّ، عديم المحاباة والتكلف. قاله في «العبر» . وقال ابن رجب: كان عظيم القدر، بعيد الصّيت، معظّما عند الخاصة والعامة، ملازما طريق النّسك والعبادة، مع حسن سمت، وكيس، وتواضع، ولطف، وبشر، وطيب ملاقاة [1] . وكان محبا للعلم، مكرما لأهله، ولم يزل على طريقة حسنة، وسيرة مرضية. وكان أثريّا، سنّيّا، متمسكا بالحديث، عارفا به. ولّاه الظّاهر الخليفة بن الناصر قضاء القضاة بجميع مملكته، فيقال: إنه لم يقبل إلّا بشرط أن يورّث ذوي الأرحام. فقال له: أعط كل ذي حقّ حقّه، واتق الله، ولا تتق سواه. وأرسل إليه عشرة آلاف دينار يوفي بها ديون من في سجنه من المدينين الذين لا يجدون وفاء. ورد إليه النظر في جميع الأوقاف: وقوف العامة ووقوف المدارس [2] الشافعية والحنفية، وجامعي السلطان وابن عبد المطّلب [3] ، فكان يولي ويعزل في جميع المدارس حتّى النظامية. ولما توفي الظاهر أقرّه ابنه المستنصر مديدة، وكان في أيام ولايته يؤذّن نوّابه في مجلس الحكم، ويصلي جماعة، ويخرج إلى الجامع راجلا. وكان يلبس القطن، متحريا في القضاء، قوي النّفس في الحقّ، ويتخلق بسائر سيرة السّلف. ولما عزله المستنصر أنشد عند عزله:

_ [1] في «آ» و «ط» : «وطيب ملتقى» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [2] في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «الوقوف العامة ووقوف المدارس» . [3] في «ط» : «وابن عبد اللطيف» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «وابن المطلب» بدون لفظ «عبد» .

حمدت الله عزّ وجلّ لمّا ... قضى لي بالخلاص من القضاء وللمستنصر المنصور أشكر ... وأدعو فوق معتاد الدّعاء ولا أعلم أحدا من أصحابنا دعي بقاضي القضاة قبله، ولا استقلّ منهم بولاية قضاء القضاء في مصر غيره. وقد صنّف في الفقه كتابا سمّاه «إرشاد المبتدئين» وخرّج لنفسه أربعين حديثا. وتفقه عليه جماعة وانتفعوا به، وسمع منه الحديث خلق كثير. وروى عنه جماعة، منهم: عبد الصّمد بن أبي الجيش، وتوفي سحر يوم الأحد سادس عشر شوال عن سبعين سنة، ودفن بتربة الإمام أحمد رضي الله عنه. انتهى ملخصا .

سنة أربع وثلاثين وستمائة

سنة أربع وثلاثين وستمائة فيها نزل التّتار على إربل وحاصروها وأخذوها بالسيف، حتّى جافت المدينة بالقتلى، وترحّلت الملاعين بغنائم لا تحصى، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم. وفيها توفي الملك المحسن عين الدّين أحمد بن السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب [1] . روى عن ابن صدقة الحرّاني، والبوصيري، وعني بالحديث أتمّ عناية، وكتب الكثير، وكان متواضعا، متزهدا، كثير الإفضال على المحدّثين، وفيه تشيّع قليل. توفي بحلب في المحرم. قاله في «العبر» . وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي القطيعي الأزجي المؤرّخ الحنبلي [2] ، وقد سبق ذكر أبيه. أسمعه أبوه من ابن الخلّ الفقيه، وأبي بكر بن [3] الزّاغوني، ونصر بن نصر العكبري، وسلمان بن حامد الشحّام، وتفرّد في وقته بالرّواية عن هؤلاء. وأسمعه أيضا من أبي الوقت [السّجزي] «صحيح البخاري» . وهو آخر من حدّث عنه به.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 136- 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 162- 163) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «النجوم الزاهرة» (6/ 298) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 212- 214) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 212- 214) . [3] لفظة «ابن» لم ترد في «آ» .

ثم طلب هو بنفسه وسمع من جماعة، ورحل وسمع بالموصل، ودمشق، وحرّان. ثم رجع إلى بغداد ولازم ابن الجوزي مدة، وأخذ عنه، وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه ومروياته. وجمع تاريخا في نحو خمسة أسفار، ذيّل به [على] [1] «تاريخ ابن السمعاني» سمّاه «درّة الإكليل في تتمة التّذييل» وفيه فوائد جمّة، مع أوهام [وأغلاط] [2] . وقد بالغ ابن النجار في الحطّ على «تاريخه» هذا، مع أنه أخذه عنه، ونقل منه في «تاريخه» أشياء كثيرة، بل نقله كله كما قال ابن رجب. وشهد عند القضاة مدة، واستخدم في عدة خدم، وأسنّ وانقطع في منزله إلى حين وفاته. وكان يخضب بالسواد، ثم تركه قبل موته بمدة. وقد وصفه غير واحد من الحفّاظ وغيرهم بالحافظ. وأثنى عمر بن الحاجب على «تاريخه» . وحدّث بالكثير ببغداد والموصل، وروى عنه جماعة كثيرون، منهم: الشيخ تقي الدّين الواسطي. قال ابن النجار: توفي ليلة السبت لأربع خلون من ربيع الآخر ببغداد ودفن بباب حرب. وفيها أبو الفضل وأبو محمد إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي [3]- بفتح العين المهملة، وسكون اللام، وثاء مثلثة، نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرا [4]- الزاهد القدوة، ابن عمّ طلحة بن المظفّر. سمع من

_ [1] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 441) و «تاريخ الإسلام» (64/ 165- 166) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 205- 211) و «شذرات من كتب مفقودة» ص (180) . [4] انظر «معجم البلدان» (4/ 145- 146) .

أبي الفتح بن شاتيل، وقرأ على ابن كليب، وكان فقيها، حنبليا، عالما، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا يخاف أحدا إلا الله، ولا تأخذه في الله لومة لائم. أنكر على الخليفة الناصر فمن دونه، وواجه الخليفة وصدعه بالحقّ. قال النّاصح بن الحنبلي: هو اليوم شيخ العراق، والقائم بالإنكار على الفقهاء والفقراء وغيرهم فيما ترخّصوا فيه. وقال المنذري: قيل إنه لم يكن في زمانه أكثر إنكارا للمنكر منه، وحبس على ذلك مدة. وقال ابن رجب: وله رسائل كثيرة في الإنكار، وحدّث وسمع منه جماعة، وتوفي في شهر ربيع الأول. وفيها موفق الدّين حمد بن أحمد [1] بن محمد بن صديق الحرّاني [2] الحنبلي. رحل إلى بغداد، وتفقّه بابن المنّي. وسمع من عبد الحق وطائفة، وتوفي بدمشق في صفر. وفيها الخليل بن أحمد أبو طاهر الجوسقي الصّرصريّ [3] الخطيب بها- أي بصرصر، وهي بصادين مهملتين قرية على فرسخين من بغداد [4]-. قرأ القراءات على جماعة، وسمع من ابن البطّي وطائفة، وتوفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة، وقد أجاز لجماعة.

_ [1] في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه: «أحمد بن أحمد» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 434) و «العبر» (5/ 137) ، و «تاريخ الإسلام» (64/ 168) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) وسوف يكرر المؤلف ترجمته بعد قليل. انظر ص (291) . [2] لفظة «الحراني» سقطت من «آ» . [3] انظر «العبر» (5/ 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 170- 171) . [4] انظر «معجم البلدان» (3/ 401) .

وفيها أبو منصور سعيد بن محمد بن ياسين البغدادي [1] ، السفّار في التجارة. حجّ تسعا وأربعين حجّة، وحدّث عن ابن البطّي وغيره، وتوفي في صفر. وفيها أبو الرّبيع الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم البلنسي [2] ، الحافظ الكبير الثقة، صاحب التصانيف، وبقيّة أعلام الأثر بالأندلس. ولد سنة خمس وستين وخمسمائة، وسمع ابن زرقون وطبقته. قال [ابن] الأبّار: كان بصيرا بالحديث حافلا [3] ، عارفا بالجرح والتعديل، ذاكرا للموالد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك، خصوصا من تأخّر زمانه. ولا نظير لخطّه في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والبلاغة. كان فردا في إنشاء الرسائل، مجيدا في النظم، خطيبا مفوّها، مدركا، حسن السّرد والمساق، مع الشّارة [4] الأنيقة، وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبيّن لما يريدونه على المنبر في المحافل. ولي خطابة بلنسية، وله تصانيف في عدة فنون. استشهد بكائنة أنيشة [5] بقرب بلنسية، مقبلا غير مدبر، في ذي الحجّة. وفيها أبو داود سليمان بن مسعود الحلبي [6] ، الشاعر اللطيف.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 137) و «تاريخ الإسلام» (64/ 172- 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 5) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) . [2] انظر «العبر» (5/ 137- 138) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 134- 140) و «تاريخ الإسلام» (64/ 173- 176) . [3] كذا في «آ» و «سير أعلام النبلاء» و «تاريخ الإسلام» : «حافلا» وفي «ط» و «العبر» بطبعتيه: «عاقلا» . [4] في «آ» : «الإشارة» . [5] في «آ» و «ط» : «ايتسة» والتصحيح من «العبر» و «الروض المعطار» ص (41) وقال محققه الدكتور إحسان عبّاس: وهي على بعد (20) كيلو مترا شمال بلنسية. [6] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 173) .

من شعره: ألا زد غراما بالحبيب وداره ... وإن لحّ [1] واش فاحتمله وداره وإن قدح اللّوام فيك بلومهم ... زناد الهوى يوما فأورى فواره عسى زورة تشفى بها منه خلسة ... فإنّك لا يشفيك غير ازدياره وذي هيف فيه يقوم لعاذلي ... بعذري إذا ما لام لام عذاره فسبحان من أجرى الطّلا من رضابه ... ومن أنبت الرّيحان من جلّناره وقد دبّ عنها صدغه بعقارب ... وناظره من سيفه بشفاره وفيها النّاصح بن الحنبلي أبو الفرج، عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج بن الحنبلي [2] السّعدي العبادي الشّيرازي الأصل الدمشقي [3] ، الفقيه الحنبلي، المعروف بابن الحنبلي. ولد بدمشق ليلة الجمعة سابع عشر شوال، سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وسمع بها من القاضي أبي الفضل الشّهرزوري وجماعة، ورحل إلى البلاد فأقام ببغداد مدة، وسمع بها من شهدة والسّقلاطوني، وخلائق. وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني، وهو آخر من سمع منه، لأنه سمع منه في مرض [4] موته. وسمع بالموصل من الشيخ أبي أحمد الحدّاد الزّاهد شيئا من تصانيفه، ودخل بلاد كثيرة [5] ، واجتمع بفضلائها وصالحيها،

_ [1] في «ط» : «لجّ» . [2] في «آ» : «ابن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي» وفي «ط» : «ابن الشيخ أبي الفرج بن الجزري» وما أثبته من «تاريخ الإسلام» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 429- 430) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 6- 7) و «تاريخ الإسلام» (64/ 179- 181) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 193- 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (367- 370) . [4] في «آ» : «في زمن» . [5] تحرفت في «آ» إلى «بلاد أكره» وفي «ط» إلى «بلاد أكوه» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

وفاوضهم، وأخذ عنهم، وقدم مصر مرّتين. وتفقه ببغداد على ابن المنّي، وأبي البقاء العكبري، وقرأ عليه «فصيح ثعلب» من حفظه، وأخذ عن الكمال السّنجاري، واشتغل بالوعظ وبرع فيه، ووعظ من أوائل عمره، وحصل له القبول التام. وقد وعظ بكثير من البلاد التي دخلها، كمصر، وحلب، وإربل، والمدينة النبوية، وبيت المقدس. وكانت له حرمة عند الملوك والسلاطين، خصوصا ملوك الشام بني أيوب. وحضر فتح القدس مع السلطان صلاح الدّين. قال: واجتمعت بالسلطان في القدس بعد الفتح بسنتين، وسألني عن أشياء كثيرة، منها الخضاب بالسواد، فقلت: مكروه. ومنها من أربعة من الصحابة من نسل رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقلت: أبو بكر الصّدّيق، وأبوه أبو قحافة، وعبد الرحمن ابن أبي بكر، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. ثم أخذ السلطان يثني على والدي ويقول: ما أولد إلّا بعد أربعين. قال: وكان عارفا بسيرة والدي. ودرّس الناصح بمدارس، منها مدرسة جدّه شرف الإسلام، [ودرّس] [1] بالمسمارية. ثم بنت له الصاحبة ربيعة خاتون مدرسة بالجبل، وهي المعروفة بالصاحبية. فدرّس بها سنة ثمان وعشرين وستمائة، وكان يوما مشهودا. وحضرت الواقفة من وراء الستر. وانتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ موفق الدّين، وكان يساميه في حياته. قال الناصح: وكنت قدمت من إربل سنة وفاة الشيخ الموفق، فقال لي: سررت بقدومك، مخافة أن أموت وأنت غائب، فيقع وهن في المذهب، وخلف بين أصحابنا.

_ [1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «ذيل طبقات الحنابلة» .

وقد وقع مرة [1] بين النّاصح والشيخ الموفق اختلاف في فتوى في السماع المحدث، فأجاب فيها الشيخ الموفق بإنكاره، فكتب النّاصح بعده ما مضمونه: الغناء كالشعر، فيه مذموم وممدوح، فما قصد به ترويح النفس، وتفريج الهموم، وتفريغ القلوب، كسماع موعظة، وتحريك لتذكرة، فلا بأس به وهو حسن. وذكر أحاديث في تغني جويريات الأنصار، وفي الغناء في الأعراس، وأحاديث في الحداء. وأما الشبابة فقد سمعها جماعة ممن لا يحسن القدح فيهم من مشايخ الصوفية وأهل العلم، وامتنع من حضورها الأكثر. وكون النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سدّ أذنيه منها مشترك الدلالة، لأنه لم ينه ابن عمر عن سماعها. وأطال في ذلك. وردّ مقالة الموفق لما وقف عليه، فراجعه في «طبقات» [2] ابن رجب، فإنه نافع مهم، والله أعلم. وللنّاصح تصانيف عدة، منها: كتاب «أسباب الحديث» في مجلدات عدة، وكتاب «الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد» [3] وكتاب «الأنجاد في الجهاد» . وقال الحافظ الدّبيثي في «تاريخه» : للناصح خطب ومقامات، وكتاب «تاريخ الوعاظ» وأشياء في الوعظ. قال: وكان حلو الكلام، جيد الإيراد، شهما، مهيبا، صارما. وكان رئيس المذهب في زمانه بدمشق. وقال أبو شامة: كان واعظا، متواضعا، متقنا، له تصانيف. وقال المنذري: قدم- يعني النّاصح- مصر مرتين ووعظ [بها، وحدّث. وحصل له بها قبول، وحدّث بدمشق، وبغداد، وغيرهما، ووعظ] [4]

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «مرات» . [2] يقصد «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] وقد نشر الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس ما عثر عليه منه ضمن كتابه النافع «شذرات من كتب مفقودة» الصادر عن دار الغرب الإسلامي في بيروت. [4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «ذيل طبقات الحنابلة» .

ودرّس. وكان فاضلا. وله مصنّفات، وهو من بيت الحديث والفقه. حدّث هو وأبوه وجدّه وجدّه أبيه وجدّ جدّه. لقيته بدمشق وسمعت منه. وقال ابن رجب: سمع منه الحافظ ابن النجار وغيره، وخرّج له الزّكي البرزالي وروى عنه. وتوفي يوم السبت ثالث المحرم بدمشق، ودفن من يومه بتربتهم بسفح قاسيون. وفيها موفق الدّين أبو عبد الله حمد بن أحمد [1] بن محمد بن بركة ابن أحمد بن صديق بن صرّوف الحرّاني [2] الفقيه الحنبلي. ولد سنة ثلاث أو أربع وخمسين وخمسمائة بحرّان، وسمع بها من ابن أبي حبّة [3] وغيره، ورحل إلى بغداد، وسمع بها من ابن شاتيل وغيره، وتفقه على ابن المنّي، وأبي البقاء العكبري، وابن الجوزي ولازمه، ورجع إلى حرّان، وحدّث بها وبدمشق، وسمع منه المنذري والأبرقوهي، وابن حمدان، وقال: كان شيخا صالحا من قوم صالحين، وتوفي سادس عشر صفر، ودفن بسفح قاسيون، وتقدم ذكره في هذه السنة مختصرا [4] . وفيها أبو العبّاس أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد

_ [1] تحرف اسمه في «آ» و «ط» و «المنتخب» (160/ آ) إلى «أحمد بن أحمد» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 434- 435) و «تاريخ الإسلام» (64/ 168- 169) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (370) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «حية» بالياء، والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» و «تاريخ الإسلام» . [4] انظر ص (286) .

ابن مطر بن أحمد بن محمد الهاشمي العبّاسي البغدادي الخطيب المعدّل الحنبلي [1] . ولد في ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من ابن شاتيل وغيره، وتفقه في المذهب، وطعن فيه بعضهم، وحدّث هو وأبوه وجدّه وعمه أفضل [2] وسمع منه ابن السّاعي وغيره، وتوفي في ثامن ربيع الأول، ودفن عند أبيه بمقبرة الإمام أحمد. وفيها ناصح الدّين عبد القادر بن عبد القاهر [3] بن عبد المنعم بن محمد بن حمد بن سلامة [بن أبي الفهم] الحرّاني [4] الفقيه الحنبلي الزاهد، شيخ حرّان ومفتيها. ولد في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة بحرّان. وسمع بها من ابن طبرزد وغيره، وسمع بدمشق من ابن صدقة وغيره، وببغداد من ابن الجوزي وجماعة. وأخذ العلم بحرّان عن أبي الفتح بن عبدوس وغيره، وقرأ «الروضة» على مؤلّفها الموفق، وأقرأ وحدّث. وقال المنذري: لقيته بحرّان، وسمعت منه. وقال ابن حمدان: قرأت عليه «الخرقي» و «الهداية» وبعض «العمدة» وسمعت عليه أشياء كثيرة، منها: «جامع المسانيد» لابن الجوزي. وكان قليل الكلام فيما لا يعنيه، كثير الدّيانة والتحرز فيما يعنيه، شريف النّفس، مهيبا،

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 436- 437) و «تاريخ الإسلام» (64/ 161- 162) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 201) و «المنهج الأحمد» الورقة (370- 371) . [2] انظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 239- 240) . [3] تحرفت في «العبر» طبع الكويت إلى «عبد الطاهر» وفي «العبر» طبع بيروت إلى فتصحح. [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 437) و «العبر» (5/ 139) و «تاريخ الإسلام» (64/ 183- 184) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 202- 204) وما بين الحاصرتين زيادة منه ومن غيره.

معروفا بالفتوى في مذهب أحمد. وصنّف منسكا وسطا جيدا، وكتاب «المذهب المنضد في مذهب أحمد» ضاع منه في طريق مكّة. وحفظ «الروضة الفقهية» و «الهداية» وغيرهما، ولم يتزوج. وطلب للقضاء فأبى، ودرّس في آخر عمره بحضوري عنده في مدرسة بني العطّار التي عمرت لأجله، وتوفي في الحادي عشر من ربيع الأول بحرّان. انتهى كلام ابن حمدان. وفيها شمس الدّين أبو طالب عبد الله بن إسماعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي [1] ، الواعظ الحنبلي، المعروف والده بالفخر. غلام ابن المنّي. سمع أبو طالب من ابن كليب وغيره، وتفقه في المذهب، واشتغل بالوعظ، ووعظ ببغداد ومصر. وحدّث، وله نظم. قال المنذري: سمعت منه شيئا في شعره. توفي في ثاني عشري شعبان، وهو في سنّ الكهولة. وفيها عزّ الدّين أبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان المقدسي [2] الفقيه الحنبلي. سمع من أسعد بن سعيد وغيره، وتفقه في المذهب، ودرّس وحدّث. توفي في حادي عشر ذي القعدة. وفيها أبو عمرو عثمان بن الحسن السّبتيّ [3] اللّغوي، أخو ابن دحية. روى عن ابن زرقون، وابن بشكوال، وغيرهما. وولي مشيخة الكاملية بعد أخيه، وتوفي بالقاهرة.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 456) و «تاريخ الإسلام» (64/ 176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 215- 216) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 460) و «تاريخ الإسلام» (64/ 182) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 216) . [3] انظر «العبر» (5/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 26- 27) و «تاريخ الإسلام» (64/ 187) .

وفيها صاحب الرّوم السلطان علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج [1] أرسلان السلجوقي [2] . كان ملكا جليلا شهما شجاعا، وافر العقل، متسع الممالك. تزوّج بابنة الملك العادل، وامتدت أيّامه، وتوفي في سابع شوال. وكان فيه عدل وخير في الجملة. قاله في «العبر» . وفيها أبو الحسن القطيعي محمد بن أحمد بن عمر البغدادي [3] المحدّث المؤرخ. ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وسمع من ابن الزّاغوني، ونصر العكبري، وطائفة. ثم طلب بنفسه، ورحل إلى خطيب الموصل، وبدمشق من أبي المعالي بن صابر. وأخذ الوعظ عن ابن الجوزي، وهو أول شيخ ولي المستنصرية، وآخر من حدّث ب «البخاري» سماعا عن أبي الوقت [السّجزي] . ضعّفه ابن النجّار لعدم إتقانه وكثرة أوهامه. توفي في ربيع الآخر. وفيها الملك العزيز غياث الدّين محمد بن الملك الظّاهر غازي بن صلاح الدّين [4] ، صاحب حلب وسبط الملك العادل. ولّوه السلطنة بعد أبيه وله أربع سنين من أجل والدته الصّاحبة، وهي كانت الكلّ، وكان الأتابك طغريل [5] يسوس الأمور، وكان العزيز حسن الصّورة عفيفا. توفي في هذه السنة ودفن بالقلعة، وأقيم بعده ابنه الملك الناصر يوسف وهو طفل أيضا.

_ [1] وكتبها الذهبي في «تاريخ الإسلام» : «قليج» أيضا وهو يترجم له. [2] انظر «العبر» (5/ 139) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 24) و «تاريخ الإسلام» (64/ 194) . [3] انظر «العبر» (5/ 139- 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 8- 11) و «تاريخ الإسلام» (64/ 194- 196) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) . [4] انظر «العبر» (5/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 359- 360) و «تاريخ الإسلام» (64/ 199) . [5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (160/ آ) : «طغربك» وما أثبته من «العبر» و «تاريخ الإسلام» .

وفيها مرتضى ابن أبي الجود، حاتم بن المسلّم الحارثي الحوفي أبو الحسن [1] المقرئ. قرأ القراءات وسمع الكثير من السّلفي وجماعة، وكان عالما عاملا، كبير القدر، قانعا، متعففا، يختم في الشهر ثلاثين ختمة. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة. قاله في «العبر» . وفيها أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن أحمد البغدادي المقرئ، المعروف بالأشقر [2] . قرأ القراءات على محمد بن خالد الرزّاز وغيره، وتفقه في مذهب الإمام أحمد. قال ابن السّاعي: كان شيخا فاضلا، حسن التلاوة للقرآن، مجيد الأداء به، عالما بوجوه القراءات وطرقها وتعليلها وإعرابها، يشار إليه بمعرفة علوم القرآن، بصيرا بالنحو واللغة، وكان يؤم بالخليفة الظّاهر، وقرأ عليه الظّاهر والوزير ابن النّاقد، فلما ولي الظّاهر الخلافة أكرمه وأجلّه، وكذلك لما ولي ابن النّاقد الوزارة. وكان يقول: قرأ عليّ القرآن أرباب الدّنيا والآخرة. وكان لأمّ الخليفة الناصر فيه عقيدة، فمرض، فجاءته تعوده، وسمع منه ابن النجّار، وابن السّاعي، وغيرهما. وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين. وفيها أبو بكر الحربي هبة الله بن عمر بن كمال الحلّاج [3] . آخر من حدّث عن هبة الله بن الشّبلي، وكمال بنت السّمرقندي. توفي في جمادى الأولى.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 140) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 11- 12) و «تاريخ الإسلام» (64/ 202- 203) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (262) . [2] انظر «ذيل طبقات الحابلة» (2/ 211- 212) . [3] انظر «العبر» (5/ 140- 141) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 12- 13) و «تاريخ الإسلام» (64/ 208- 209) .

وفيها ياسمين بنت سالم بن علي بن [1] البيطار أمّ عبد الله الحريميّة [2] . روت عن هبة الله بن الشّبلي القصّار، وتوفيت يوم عاشوراء. وفيها أبو الحرم مكّي بن عمر بن نعمة بن يوسف بن عساكر بن عسكر بن شبيب بن صالح المقدسي الأصل، الفقيه الحنبلي، الزاهد، الرّؤبيّ [3] . ولد في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمصر، وسمع من والده، ومن ابن برّي النحوي وخلق، وسمع بمكة من محمد بن الحسين الهراوي الحنبلي وغيره. [وتفقه في المذهب بمصر. قال المنذري: اشتره بمعرفة الفقه، وجمع مجاميع الفقه وغيره] [4] وانتفع به جماعة، وأمّ بالمسجد المعروف به بدرب البقّالين بمصر، وسمعت منه، وكان يبني ويأكل من كسب يده. وقال ابن رجب: هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني [5] ، وتوفي في العشرين من جمادى الآخرة بمصر، ودفن من الغد إلى جانب والده بسفح المقطّم. وفيها أبو المظفّر يوسف بن أحمد بن الحلاوي [6] الحنبلي.

_ [1] لفظة «ابن» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» . [2] تصحفت نسبتها في «آ» و «ط» إلى «الخريمية» وفي «المنتخب» (160/ آ) إلى «الحزيمية» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 430) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 13) و «تاريخ الإسلام» (64/ 209) . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 450- 451) و «تاريخ الإسلام» (64/ 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 214- 215) . [4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [5] يعني المقدسي، رحمه الله تعالى. [6] تحرفت نسبته إلى «الحلال» في «آ» و «ط» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 439) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 204) .

سمع من ابن شاتيل، وتفقه في المذهب، وكان فقيها، صالحا، فاضلا، مقرئا، متدينا، حسن الطريقة. توفي ببغداد في العشرين من ربيع الأول.

سنة خمس وثلاثين وستمائة

سنة خمس وثلاثين وستمائة فيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب [وتسبي] وتفسد، فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف، والتتار في عشرة آلاف، فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا خلقا وكادوا ينتصرون، وقتل بكلك وجماعة أمراء أعيان. وفيها توفي أبو محمد [1] الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمّامي، عن إحدى وثمانين سنة. راو حجّة. روى عن ابن البطّي، وأبي المعالي بن اللحّاس [2] ، وطائفة، وأجاز له مسعود [3] الثقفي وجماعة. توفي في تاسع عشر ربيع الآخر. وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن سيدك الأواني [4] الشاعر المجيد. أشعاره رائقة مطربة، منها: سلوا من كسا جسمي نحافة خصره ... وكلّفني في الحبّ طاعة أمره يبدّل نكر الوصل منه بعرفه ... لديّ وعرف الهجر منه بنكره فما تعرف الأرواح إلّا بقربه ... ولا تصرف الأتراح إلّا بذكره

_ [1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 470) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 14) و «العبر» (5/ 142) طبع الكويت و (3/ 222) طبع بيروت: «أبو محمد» وفي «آ» : «أبو أحمد» وفي «تاريخ الإسلام» (64/ 215) : «أبو حمد» . [2] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «النحاس» فلتصحح. [3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «سعيد» فلتصحح. [4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

ولا تنعم الأوقات إلّا بوصله ... ولا تعظم الآفات إلّا بهجره فأقسم بالمحمر من ورد خدّه ... يمينا وبالمبيضّ من درّ ثغره لقد كدت لولا ضوء صبح جبينه ... أتيه ضلالا في دجى ليل شعره وفيها ابن رئيس الرّؤساء أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله ابن الوزير، رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة البغدادي النّاسخ الصّوفي [1] . ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسمع من ابن البطّي، وأحمد بن المقرّب، وتوفي في رجب. وفيها قاضي حلب زين الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الشافعي، ابن الأستاذ [2] . روى عن يحيى الثقفي. توفي في شعبان بحلب عن ثمان وخمسين سنة، وكان من سروات الرّؤساء. وفيها ابن اللّتيّ، مسند الوقت، أبو المنجّى عبد الله بن عمر بن علي ابن عمر بن زيد الحريمي القزّاز [3] . رجل مبارك حييّ [4] . ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت [السّجزي] ، وسعيد بن البنّا، وطائفة. وأجاز له مسعود الثقفي والأصبهانيون، وكان آخر من روى حديث البغوي بعلو. نشر حديثه بالشام ورجع منها في آخر سنة أربع وثلاثين، فتوفي ببغداد في رابع عشر جمادى الأولى.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 142- 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 20) و «تاريخ الإسلام» (64/ 219) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) . [2] انظر «العبر» (5/ 143) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 155- 156) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 146) و «البداية والنهاية» (13/ 151) . [3] انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 15- 17) و «تاريخ الإسلام» (64/ 221- 224) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) . [4] كذا في «آ» و «ط» : «حييّ» وفي «العبر» بطبعتيه: «خيّر» .

وفيها أبو طالب عبد الله بن المظفّر ابن الوزير أبي القاسم علي بن طراد الزّينبي العبّاسي البغدادي [1] . روى عن ابن البطّي حضورا، وعن أبي بكر بن النّقور، ويحيى بن ثابت. توفي في رمضان. وفيها الرّضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبّار أبو محمد المقدسي الملقّن [2] . أقرأ كتاب الله احتسابا أربعين عاما، وختم عليه خلق كثير، وروى عن يحيى الثقفي وطائفة، وكان كثير العبادة والتهجد. توفي في ثاني صفر وقد شاخ. وفيها صدر الدّين عبد الرزّاق ابن الإمام أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة، شيخ الشيوخ البغدادي [3] . حضر على ابن البطّي، وسمع من شهدة، وترسل عن الخليفة إلى النواحي، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها أبو بكر عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود الفارسي [4] الزاهد الحنبلي، ابن أخي الحسن بن مسلم الزاهد المتقدم ذكره. ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة بالفارسيّة، قرية على نهر عيسى، وقرأ القرآن [5] ، وسمع الحديث من أبي الفتح البرداني، وابن بوش، وغيرهما، وتفقه في المذهب، وحدّث وسمع منه ابن النجار [6] ، وعبد الصمد بن أبي الجيش، وغيرهما، ووصفاه بالصلاح والدّيانة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 143) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 18- 19) و «تاريخ الإسلام» (64/ 225) . [2] انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 227- 228) . [3] انظر «العبر» (5/ 144) و «تاريخ الإسلام» (64/ 229) . [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 467) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 216) . [5] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «وقرأ القرآن» وفي «آ» : «القراءات» . [6] تحرفت في «ط» إلى «ابن البخاري» .

قال ابن النجار: كان شيخا، صالحا، متدينا، ورعا، منقطعا عن الناس في قريته، يقصده الناس لزيارته والتبرك به، وحوله جماعة من الفقراء، ويضيف من يمرّ به. وتوفي يوم الخميس لتسع خلون من صفر، ودفن من يومه عند عمّه الحسن [1] بن مسلم بالفارسيّة. وفيها الملك الكامل سلطان الوقت، ناصر الدّين أبو المعالي محمد ابن العادل أبي بكر محمد بن أيوب [2] . ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، وتملك الدّيار المصرية تحت جناح والده عشرين سنة وبعده عشرين سنة، وتملّك دمشق قبل موته بشهرين، وتملّك حرّان وآمد وتلك الدّيار، وله مواقف مشهودة، وكان صحيح الإسلام، معظّما للسّنّة وأهلها، محبا لمجالسة العلماء، فيه عدل وكرم وحياء، وله هيبة شديدة. ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم، شنق جماعة من أجناده على آمد في أكيال شعير غصبوه. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان: كان سلطانا عظيم القدر، جميل الذّكر، محبا للعلماء، متمسكا بالسّنّة النبوية، حسن الاعتقاد، معاشرا لأرباب الفضائل، حازما في أموره، لا يضع الشيء إلّا في موضعه، من غير إسراف ولا إقتار. وكان يبيت [3] عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء، ويشاركهم في

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسين» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 300) ومن ترجمته في المجلد السادس من كتابنا هذا ص (517) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 79- 89) و «العبر» (5/ 144- 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 236- 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 201- 203) . [3] في «وفيات الأعيان» (5/ 81) : «تبيت» .

مباحثاتهم [1] ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فنّ، وهو معهم كواحد منهم، وكان يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما: ما كنت من قبل ملك قلبي ... تصدّ عن مدنف حزين وإنما قد طمعت لمّا ... حللت في موضع حصين وبنى بالقاهرة دار حديث ورتب لها وقفا جيدا. وقد بنى على قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، قبة عظيمة، ودفن أمّه عنده، وأجرى إليها من ماء النيل ومدده بعيد، وغرم على ذلك جملة عظيمة. ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام، وقام ولده الملك النّاصر صلاح الدّين داود مقامه، خرج الملك الكامل من الدّيار المصرية قاصدا لأخذ [2] دمشق منه، وجاء أخوه الملك الأشرف مظفّر الدّين موسى، فاجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول جرت يطول شرحها، وملك دمشق في أول شعبان سنة ست وعشرين وستمائة، وكان يوم الاثنين، فلما ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها [3] من بلاد الشرق، حرّان، والرّها، وسروج، والرّقّة، ورأس عين، وتوجه إليها بنفسه في تاسع شهر رمضان من السنة. واجتزت بحرّان في شوال سنة ست وعشرين والملك العادل مقيم بها بعساكر الدّيار المصرية، وجلال الدّين خوارزم شاه يوم ذاك يحاصر خلاط، وكانت لأخيه الملك الأشرف. ثم قال ابن خلّكان: خطب له بمكّة- شرفها الله تعالى- فلما وصل

_ [1] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «في مباحثاتهم» وفي «آ» : «في مباحثهم» . [2] في «وفيات الأعيان» : «أخذ» . [3] في «آ» و «ط» : «موضعها» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

الخطيب إلى الدعاء للملك الكامل قال: صاحب مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها [1] ، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، وربّ العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين، أبو المعالي محمد الملك الكامل ناصر الدّين، خليل أمير المؤمنين. ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد الشرق، واستنقاذه إيّاها من يد علاء الدّين كيقباد بن سلجوق صاحب الرّوم، وهي وقعة [2] يطول شرحها، وفي خدمته بضعة عشر ملكا، منهم أخوه الملك الأشرف. ولم يزل في علو شأنه وعظم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب، وكان ينشد في مرضه كثيرا: يا خليليّ خبّراني بصدق ... كيف طعم الكرى فإني عليل [3] ولم يزل كذلك [4] إلى أن توفي يوم الأربعاء بعد العصر، ودفن بقلعة دمشق يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب، وكنت بدمشق يومئذ، وحضرت الصبحة [5] يوم السبت في جامع دمشق، لأنهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة، فلما دنت الصلاة قام بعض الدّعاة على العريش الذي بين يدي المنبر وترحم على الملك الكامل، ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر، وكنت حاضرا في ذلك الموضع، فضجّ النّاس ضجة واحدة، وكانوا قد أحسوا بذلك، لكنهم لم يتحققوا. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.

_ [1] قوله: «والشام وصناديدها» سقط من «وفيات الأعيان» الذي بين يدي فيستدرك من هنا. [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «واقعة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» جاء في «مختار الصحاح» (وقع) : الوقعة، صدمة الحرب، والواقعة القيامة. [3] كذا في «ط» و «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» : «فإني عليل» . وفي «آ» : «فإني نسيت» . [4] لفظة «ذلك» سقطت من «آ» . [5] في «آ» و «ط» : «الصبيحة» وما أثبته من «المنتخب» (160/ ب) و «وفيات الأعيان» .

وقال الذّهبي: مرض بقلعة دمشق بالسّعال والإسهال نيفا وعشرين ليلة، وكان في رجله نقرس، فمات. وقال ابن الأهدل: وللكامل هفوة جرت منه- عفا الله عنه- وذلك أنه سلّم مرة بيت المقدس إلى الفرنج اختيارا، نعوذ بالله من سخط الله وموالاة أعداء الله. وفيها أبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز [1] البغدادي الطبيب. سمّعه خاله من أبي الوقت [السّجزي] ، وتفرّد بالرواية بالسماع منه [2] وتوفي في رمضان وقد جاوز التسعين. وفيها شرف الدّين محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محفوظ القرشي الدّمشقي ابن ابن [3] أخي الشيخ أبي البيان [4] . كان أديبا، شاعرا، صالحا، زاهدا، ولي مشيخة رباط أبي البيان، وروى عن ابن عساكر، وتوفي في رجب. وفيها أبو نصر بن الشّيرازي القاضي شمس الدّين محمد بن هبة الله ابن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي [5] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) إلى «مهزوز» والتصحيح من «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 241) و «البداية والنهاية» (13/ 151) و «النجوم الزاهرة» (6/ 302) وقد ضبط فيها جميعا بكسر الباء، والصواب بضمها كما نصّ عليه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في «توضيح المشتبه» (1/ 619) حيث قال: بهروز: بضم أوله، وسكون الهاء، تليها راء مضمومة، ثم واو ساكنة. [2] في «العبر» بطبعتيه: «عنه» . [3] لفظة «ابن» الثانية لم ترد في «العبر» بطبعتيه فتستدرك. [4] انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 242- 243) . [5] انظر «العبر» (5/ 145) و «تاريخ الإسلام» (64/ 243- 245) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 106- 107) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 117- 118) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 113- 114) .

ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وأجاز له أبو الوقت [السّجزي] وطائفة، وسمع من أبي يعلى بن الحبوبي [1] ، وطائفة كثيرة، وله «مشيخة» في جزء. ودرس وأفتى، وناظر ودرّس، وصار من كبار أهل دمشق في العلم، والرّواية، والرّئاسة، والجلالة. ودرّس مدة بالشامية الكبرى. قال ابن شهبة: ولي قضاء بيت المقدس، ثم ولي تدريس الشامية البرّانية، ثم ولي قضاء دمشق في سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وكان فقيها، فاضلا، خيّرا، ديّنا، منصفا، عليه سكينة ووقار. حسن الشكل، يصرف أكثر أوقاته في نشر العلم. مات في جمادى الآخرة. وفيها خطيب دمشق الدّولعي- بفتح الدال المهملة وبعد الواو واللام عين مهملة، نسبة إلى الدّولعيّة قرية بالموصل- جمال الدّين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين أبو عبد الله التّغلبي [2] الشّافعي. ولد بالدّولعية في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتفقه على عمّه ضياء الدّين الدّولعي خطيب دمشق أيضا. وسمع منه ومن جماعة، منهم: ابن صدقة الحرّاني، وولي الخطابة بعد عمّه وطالت مدته في المنصب. وولي تدريس الغزالية مدة، وكان له ناموس وسمت حسن. يفخّم كلامه. قال أبو شامة: وكان المعظّم قد منعه من الفتوى مدة، ولم يحجّ لحرصه على المنصب، مات في جمادى الأولى ودفن بمدرسته التي أنشأها بجيرون.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحيوني» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية الكبرى» . [2] في «آ» و «ط» : و «العبر» بطبعتيه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 111) : «الثعلبي» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» (64/ 245) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 24) .

وفيها نجم الدّين أبو المفضّل مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند القرشيّ الدّمشقي المعروف بابن أبي الصّقر [1] . ولد في رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع من حمزة بن الحبوبي [2] ، وحمزة بن كروّس، وحسّان الزّيّات، و [وسعيد بن سهل] الفلكي، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وطائفة. وتفرّد، وطال عمره، وسافر للتجارة كثيرا. وتوفي في رجب. وفيها الملك مظفّر الدّين أبو الفتح، موسى بن العادل [3] . ولد هو وأخوه الكامل في سنة واحدة، وهي سنة ست وسبعين وخمسمائة، وماتا أيضاً في هذه السنة [4] ، وكان مولده بالقاهرة. وروى عن ابن طبرزد، وتملّك حرّان وخلاط، وتلك الدّيار مدة، ثم تملّك دمشق تسع سنين، فأحسن وعدل، وخفّف الجور. قال الذهبي: كان فيه دين وتواضع للصالحين. وله ذنوب عسى الله أن يغفرها له. وكان حلو الشمائل، محبّبا إلى رعيته، موصوفا بالشجاعة، لم تكسر له راية قطّ. انتهى. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان جوادا، عادلا، سخيّا، لو دفع الدّنيا إلى أقل الناس لم يستكثرها عليه. ميمون الطليعة، ما كسرت له راية قطّ. متعففا عن المحارم، ما خلا بامرأة قطّ إلّا زوجته أو محرمه.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 146) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 34- 35) و «تاريخ الإسلام» (64/ 249- 250) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحبوني» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «العبر» (5/ 146- 147) و «تاريخ الإسلام» (64/ 250- 256) . [4] أي في سنة خمس وثلاثين وستمائة.

قال أبو المظفّر [1] : لما صعدت [2] إلى خلاط اجتمعت معه في منظرة، فقال: والله ما مددت عيني إلى حريم أحد قطّ، لا ذكر ولا أنثى، ولقد كنت يوما قاعدا هاهنا، فقال الخادم: على الباب عجوز تستأذن من عند بنت شاه أرمن صاحب خلاط سابقا، فأذنت لها، فناولتني ورقة تذكر أن الحاجب عليا قد قصدها وأخذ ضيعها، وقصد هلاكها، وتخاف منه أن تخرج، فكتبت على الورقة بإطلاق الضيعة، ونهي الحاجب عنها، فقالت العجوز: هي تسأل الإذن بالحضور [بين يديك] فلها سرّ تذكره للسلطان، فقلت: بسم الله، فغابت ساعة ثم جاءت ومعها امرأة ما يمكن في الدنيا أحسن من قدّها، ولا أظرف من شكلها، كأن الشمس تحت نقابها، فحذمت [3] ووقفت، فقمت لها، لكونها بنت شاه، فسفرت عن وجهها، فأضاءت منه المنظرة، فقلت: غطّي وجهك واذكري حاجتك، فقالت: مات أبي واستوليتم على البلاد، ولي ضيعة أعيش منها، أخذها الحاجب مني، وما أعيش إلّا من عمل النقش، وأنا ساكنة في دور الكراء. قال: فبكيت وأمرت لها [من الخزانة] بقماش وسكن يصلح لها، وقلت: بسم الله في حفظ الله، وودّعته [4] ، فقالت العجوز: ما جاءت إلّا لتحظى بك الليلة. قال: فأوقع الله في قلبي تغيّر الزّمان، وتملّك غيري، وتحتاج بنتي [5] أن تقعد مثل هذه القعدة، فقلت: يا عجوز! معاذ الله، والله ما هو من شيمتي، ولا خلوت بغير محارمي، خذيها وانصرفي،

_ [1] انظر «مرآة الزمان» (8/ 470- 471) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف وما بين الحاصرتين في السياق زيادة منه. [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «ولما صعد» والتصحيح من «مرآة الزمان» مصدر المؤلف. [3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «فخدمت» والتصحيح من «مرآة الزمان» . [4] في «آ» و «ط» : «ودعته» بإسقاط الواو الأولى والتصحيح من «المنتخب» (161/ آ) . [5] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ آ) : «بنيّ» وما أثبته من «مرآة الزمان» .

وهي العزيزة الكريمة، ومهما كان لها من الحوائج فهذا الخادم تنفذ إليه، فقامت وهي تبكي وتقول بالأرمنية: صان الله حريمك، [قال:] فلما خرجت، قالت لي النفس: في الحلال مندوحة عن الحرام، تزوجها، فقلت للنفس: يا خبيثة: أين الحياء والكرم والمروءة؟ والله لا فعلته أبدا. وقدم عليه النظام بن أبي الحديد ومعه نعل النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- فقام له قائما، ونزل فأخذ النّعل ووضعه على عينيه وبكى، وأجرى على النظام النفقات، وأراد أن يأخذ منه قطعة تكون عنده، ثم رجع وقال: ربما يجيء بعدي من يفعل مثل فعلي فيتسلسل الحال ويؤدي إلى استئصاله فتركه، ومات النظام بعد مدة وأوصى له بالنّعل، فلما فتح دمشق اشترى دار قايماز النجمي وجعلها دار حديث، وترك النّعل بها، وبنى مسجد أبي الدّرداء بقلعة دمشق، والمسجد الذي عند باب النصر، وخان الزّنجاري وهو جامع العقيبة، ومسجد القصب خارج باب السلاح، وجامع جرّاح، وجامع بيت الأنبار، وجامع حرستا، وزاد وقف دار الحديث النّوريّة، والتربة التي بالكلّاسة، وكان حسن الظنّ بالفقراء. وكان له في بستانه الذي بالنّيرب أماكن مشهورة مزخرفة، مثل صفة بقراط وغيرها يخلو بها، وأباح لأهل دمشق الفرجة بها تطييبا لقلوب الرّعية. ومن شعره يخاطب الخليفة الناصر: العبد موسى ذو الضّراعة طوره ... بغداد آنس عندها نار الهدى [1] عبد أعدّ لدى الإله وسيلة ... دنيا ودينا أحمدا ومحمّدا هذا يقوم بنصره في هذه ... عند الخطوب وذاك شافعه غدا

_ [1] رواية البيت في «تاريخ الإسلام» : العبد موسى طوره لمّا غدا ... بغداد آنس عندها نار الهدى

وتوفي يوم الخميس رابع المحرم، فتسلطن بعده أخوه الصالح إسماعيل، وركب ركوب السلطنة، وترجل الناس بين يديه، وصادر جماعة من أهل دمشق، وركب التعاسيف، فجاء عسكر الكامل وحصر دمشق، وقطع المياه، وأحرق العقيبة، وقصر حجّاج، ونصبوا المجانيق، ووقّع الصلح، على أن أعطوا الصالح بعلبك وبصرى، وتسلّم الكامل دمشق. وفيها الحكيم الفاضل سديد الدّين أبو الثناء محمود بن عمر الحانويّ [1] عرف بابن زقيقة [2] الشيباني [3] . صنّف كتاب «قانون الحكماء وفردوس النّدماء» وكتاب «الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب» وغير ذلك. وله ديوان شعر، منه فيما يتعلق بالطبّ: توقّ الامتلاء وعدّ عنه ... وإدخال الطّعام على الطّعام وإكثار الجماع فإنّ فيه ... لمن والاه داعية السّقام ولا تشرب عقيب الأكل ماء ... لتسلم من مضرّات الطّعام ولا عند الخوى والجوع حتّى ... تلهّى باليسير من الإدام وخذ منه القليل ففيه نفع ... لدى العطش المبرّح والأوام وهضمك فاصلحنه [4] فهو أصل ... وأسهل بالأيارج كلّ عام وفصد العرق نكّب عنه إلّا ... لدى مرض بطيب الطبع حامي ولا تتحركنّ عقيب أكل ... وصيّر ذاك بعد الانهضام ولا تطل السّكون فإنّ منه ... تولّد كلّ خلط فيك خام

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «الحابولي» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» . [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (161/ ب) : «ابن دقيقة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الإسلام» و «الأعلام» . [3] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 247 و 331) و «الأعلام» (7/ 178) الطبعة الرابعة. [4] كذا في «آ» و «ط» : «فأصلحنه» وفي «المنتخب» (161/ ب) : «فأصلحه» .

وقلّل ما استطعت الماء بعد الرّ ... ياضة واجتنب شرب المدام [1] وخلّ السّكر واهجره مليّا ... فإنّ السكر من فعل الطّغام [2] وأحسن صون نفسك عن هواها ... تفز بالخلد في دار السّلام وفيها شمس الدّين بن سنيّ الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى ابن هبة الله بن سنيّ الدولة الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة الدّمشقي الشافعي [3] ، والد قاضي القضاة صدر الدّين أحمد. ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وتفقه على ابن أبي عصرون، والقطب النيسابوري، واشتغل بالخلاف، وسمع من أحمد ابن الموازيني وطائفة، وولي قضاء الشام. قال الذهبي: وحمدت سيرته، وكان إماما فاضلا، مهيبا، [جليلا] [4] . حدّث بمكة، وبيت المقدس، وحمص، وتوفي في ذي القعدة. وفيها أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء [5] ، الملقب شهاب الدّين، الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة [6] . كان أديبا، فاضلا، متقنا لعلم العروض والقوافي، شاعرا. يقع له في النظم المعاني البديعة، وله ديوان شعر في أربع مجلدات.

_ [1] جاء في «مختار الصحاح» (دوم) : المدام والمدامة: الخمر. [2] جاء في «مختار الصحاح» (طغم) : الطّغام: أوغاد النّاس. [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 257- 258) و «العبر» (5/ 147) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 547) و «البداية والنهاية» (3/ 151) . [4] لفظة «جليلا» سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الإسلام» مصدر المؤلّف. [5] تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «الشفاء» فتصحح فيه. [6] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 231- 236) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 28) و «تاريخ الإسلام» (64/ 258- 259) و «مرآة الجنان» (4/ 89- 90) .

وكان ملازما لحلقة الشيخ تاج الدّين المعروف بابن الحرّاني الحلبي النحوي اللّغوي، وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع. قال ابن خلّكان: كان بيني وبين الشهاب الشوّاء مودة أكيدة ومؤانسة كثيرة. وكان حسن المحاورة، مليح الإيراد مع السكون والتأني، وأول شيء أنشدني من شعره قوله: هاتيك يا صاح ربا لعلع ... ناشدتك الله فعرّج معي وانزل بنا بين بيوت النّقا ... فقد غدت آهلة المربع حتى نطيل اليوم وقفا على السّ ... اكن أو عطفا على الموضع وأنشد لنفسه أيضا: ومهفهف عني الزّمان بخدّه ... فكساه ثوبي ليله ونهاره لا مهّدت عذري محاسن وجهه ... إن غضّ عندي منه غضّ [1] عذاره وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر: أرسل صدغا ولوى قاتلي ... صدغا فأعيا بهما واصفه فخلت ذا في خدّه حيّة ... تسعى وهذا عقربا واقفه ذا ألف ليست لوصل، وذا ... واو ولكن ليست العاطفة وله في شخص لا يكتم السّرّ: لي صديق غدا وإن كان لا ين ... طق إلّا بغيبة أو محال أشبه النّاس بالصدى إن تحدّث ... هـ حديثا أعاده في الحال وله- وهو معنى لطيف-: هواك يا من له اختيال ... ما لي على مثله احتيال

_ [1] في «آ» و «ط» : «إن غضّ مني غص» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.

قسمة أفعاله لحيني ... ثلاثة ما لها انتقال وعدك مستقبل، وصبري ... ماض، وشوقي إليك حال وله في غلام [قد] [1] ختن: هنّأت من أهواه عند ختانه ... فرحا وقلت وقد عراه وجوم يفديك من ألم ألمّ بك امرؤ ... يخشى عليك إذا ثناك نسيم أمعذّبي كيف استطعت على الأذى ... جلدا، وأجزع ما يكون الرّيم لو لم تكن هذي الطهارة سنّة ... قد سنّها من قبل إبراهيم لفتكت جهدي بالمزيّن إذ غدا ... في كفّه موسى وأنت كليم ومعظم شعره على هذا الأسلوب، وكان من المغالين في التشيع وأكثر أهل حلب ما يعرفونه إلّا بمحاسن الشوّاء، والصواب ما ذكرته. وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بحلب، ودفن بظاهرها، ولم أحضر الصلاة عليه لعذر عرض لي، رحمه الله، فلقد كان نعم الصاحب. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.

_ [1] مستدركة من «وفيات الأعيان» .

سنة ست وثلاثين وستمائة

سنة ست وثلاثين وستمائة فيها توفي أبو العبّاس القسطلّاني ثم المصري [1] الفقيه المالكي، الزاهد القدوة، أحمد بن علي، تلميذ الشيخ أبي عبد الله القرشي. سمع من عبد الله ابن برّي، ودرّس بمصر وأفتى، ثم جاور بمكة مدة، وتزوج بعد موت شيخه زوجته الصّالحة الجليلة [2] أمّ ولده قطب الدّين. حكي أن أهل المدينة أجدبوا، فاتفق رأيهم أن يستسقوا يوما والغرباء يوما، فاستسقى أهل المدينة يومهم فلم يسقوا، ثم عمل هو طعاما للضعفاء واستسقى مع المجاورين فسقوا، وله مؤلّف جمع فيه كلام شيخه القرشي وبعض شيوخه وبعض كراماته. توفي بمكة المشرّفة في جمادى الآخرة وقبره يزار بها في الشعب الأيسر. وفيها صاحب ماردين، أرتق بن ألبي الأرتقي التركماني [3] تملّك ماردين بضعا وثلاثين سنة، وكان فيه عدل ودين في الجملة. قتله غلمانه بمواطأة ابن ابنه، وتملّك بعده ابنه نجم الدّين غازي.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 148) و «تاريخ الإسلام» (64/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) و «مرآة الجنان» (4/ 94) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) و «حسن المحاضرة» (1/ 455) . [2] لفظة «الجليلة» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «المنتخب» (161/ ب) . [3] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 262- 263 و 300- 301) و «العبر» (5/ 148- 149) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) .

وفيها التّاج أسعد بن المسلّم بن مكّي بن علّان القيسي الدمشقي [1] . توفي في رجب عن ست وتسعين سنة. روى عن ابن عساكر، وأبي الفهم بن أبي العجائز، وكان من كبار العدول، وهو أسنّ من أخيه السّديد. وفيها أبو الخير بدل بن أبي المعمّر بن إسماعيل التّبريزي [2] ، المحدّث الحافظ الثقة الرحّال. ولد بعد الخمسين وخمسمائة، وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون وجماعة، ورحل فأكثر عن اللبّان، والصيدلاني، وسمع بنيسابور، ومصر، والعراق، وكتب وتعب، وخرّج، وولي مشيخة دار الحديث بإربل، فلما أخذتها التتار قدم حلب وبها توفي في جمادى الأولى. وفيها أبو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله الهمداني الإسكندراني [3] المالكي المقرئ الأستاذ المحدّث. ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على عبد الرحمن بن خلف صاحب ابن الفحّام، وأكثر عن السّلفي وطائفة، وكتب الكثير، وحصّل، وتصدّر للإقراء، ثم رحل في آخر عمره، فروى الكثير بالقاهرة ودمشق، وبها توفي في صفر وقد جاوز التسعين. وفيها ابن الصّفراوي جمال الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 149) و «تاريخ الإسلام» (64/ 263- 264) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) . [2] انظر «العبر» (5/ 149) و «تاريخ الإسلام» (64/ 264- 265) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) . [3] انظر «العبر» (5/ 149) و «تاريخ الإسلام» (64/ 265- 267) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (263) .

عبد المجيد بن إسماعيل بن عثمان بن يوسف بن حفص الإسكندراني [1] الفقيه المالكي المقرئ. ولد في أول سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن خلف الله [2] ، وأحمد بن جعفر الغافقيّ، واليسع [بن عيسى] بن حزم، وابن الخلوف [3] . وتفقه على أبي طالب صالح بن بنت معافى، وسمع الكثير من السّلفي وغيره، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى ببلده، وطال عمره وبعد صيته. توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر. وفيها أبو الفتوح وأبو الفرج وأبو عمر ضياء الدين عثمان بن [أبي] نصر [4] بن منصور بن هلال البغدادي المسعودي، الفقيه الحنبلي، الواعظ المعروف بابن الوتّار. ولد سنة خمسين وخمسمائة تقريبا. وسمع من أبي الفتح بن المنّي وغيره، وتفقه عليه، ووعظ وشهد عند قاضي القضاة عبد الرزاق ابن ابن الشيخ عبد القادر، وأفتى. وكان فاضلا، فقيها، إماما، عالما، حسن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 150) و «تاريخ الإسلام» (64/ 272- 274) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314) . [2] هو أبو القاسم عبد الرحمن بن خلف الله بن محمد بن عطية القرشي المالكي المؤدّب توفي قريبا من سنة (572 هـ) . انظر ترجمته في «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 367- 368) . [3] هو أبو الطيب عبد المنعم بن يحيى بن خلف بن نفيس بن الخلوف الحميري الغرناطي، يعرف بابن الخلوف. مات سنة (586) هـ. انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 471- 472) . [4] في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 217) : «عثمان بن نصر» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 507) و «تاريخ الإسلام» (64/ 277) .

الأخلاق. أجاز للمنذري، وابن أبي الجيش، والقاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهم، وتوفي في سابع عشري جمادى الأولى ببغداد وقد ناهز التسعين والمسعودي: نسبة إلى المسعودة، محلّة شرقي بغداد [1] وفيها عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن أسامة أبو عبد الرحيم العدويّ النّصيبيّ [2] من بيت مشيخة وحديث ودين، وله أصحاب وأتباع. رحل في الحديث، وسمع من سليمان الموصلي وطبقته، وله مجاميع حسنة. توفي في المحرّم. وفيها الصّاحب جمال الدّين علي بن جرير الرّقّي [3] الوزير. وزر للأشرف، ثم للصالح إسماعيل، وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق. قاله في «العبر» . وفيها عماد الدّين بن الشيخ- هو الصاحب الرئيس أبو الفتح- عمر ابن شيخ الشيوخ صدر الدّين محمد بن عمر الجويني ثم الدمشقي [4] الشّافعي. ولي تدريس الشافعي، ومشهد الحسين، ومشيخة الشيوخ بالدّيار المصرية. وقام بسلطنة الجواد، ثم دخل الدّيار المصرية، فلامه صاحبها العادل أبو بكر، فردّ، وهمّ بخلع الجواد من السلطنة، فلم يمكنه، وجهّز عليه من الإسماعيلية من قتله في جمادى الأولى وله خمس وخمسون سنة.

_ [1] قلت: وتعرف ب «مسعودة المأمونية» . انظر «معجم البلدان» (5/ 126) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 495- 496) و «العبر» (5/ 150) و «تاريخ الإسلام» (64/ 278- 279) و «النجوم الزاهرة» (6/ 314- 315) . [3] انظر «العبر» (5/ 150) و «تاريخ الإسلام» (64/ 279) . [4] انظر «العبر» (5/ 150- 151) و «تاريخ الإسلام» (64/ 280- 283) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 97- 99) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 342) .

وفيها أبو الفضل بن السّبّاك محمد بن محمد بن الحسن البغدادي [1] ، أحد وكلاء القضاة. روى عن ابن البطّي، وأبي المعالي [ابن] اللّحاس، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها شرف الدّين أبو المكارم، محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي القاسم بن صدقة، قاضي القضاة، الإسكندري المصري الشافعي، المعروف بابن عين الدولة [2] . ولد بالإسكندرية في جمادى الآخرة، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وقدم القاهرة في سنة ثلاث وسبعين، واشتغل على العراقي شارح «المهذّب» وحفظ «المهذّب» وناب في القضاء، ثم ولي قضاء القاهرة والوجه البحري سنة ثلاث عشرة وستمائة، ثم جمع له العملان سنة سبع عشرة وستمائة، ثم عزل عن قضاء مصر خاصة قبل وفاته بشهر، وكان ذكيا، كريما، متدينا، ورعا، قانعا باليسير. من بيت رئاسة تولى الإسكندرية من أعمامه وأخواله ثمانية أنفس. قال المنذري: وكان عارفا بالأحكام، مطلعا على غوامضها، وكتب الخطّ الجيد، وله نظم ونثر. وكان يحفظ من شعر المتقدمين والمتأخرين جملة. وقال غيره: نقل المصريون عنه كثيرا من النوادر والزوائد، كان يقولها بسكون وناموس.

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 502- 503) و «العبر» (5/ 151) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 42- 43) و «تاريخ الإسلام» (64/ 286- 287) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 590- 591) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 105- 106) و «تاريخ الإسلام» (64/ 388- 390) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 63- 66) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 544) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 109- 110) و «حسن المحاضرة» (1/ 412) ووفاته في جميعها سنة تسع وثلاثين وستمائة.

ومن شعره: وليت القضاء وليت القضا ... ء لم يك شيئا تولّيته فأوقعني في القضاء القضا [1] ... وما كنت قدما تمنّيته توفي في هذه السنة وجزم ابن قاضي شهبة أنه توفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين [2] . وفيها الزّكي البرزالي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يدّاس [3] الإشبيلي. الحافظ الجوّال. محدّث الشام ومفيده. سمع بالحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وأصبهان، وخراسان والجزيرة، فأكثر. وجمع فأوعى، وأول طلبه سنة اثنتين وستمائة، وأقدم شيوخه عين الشمس الثقفية، ومنصور الفراوي. وأقام بمسجد فلوس [4] بدمشق زمانا طويلا. وتوجّه إلى حلب، فأدركه أجله بحماة في رمضان، وله ستون سنة، وهو والد الشيخ علم الدّين البرزالي.

_ [1] كذا رواية هذه الشطرة في «ط» و «تاريخ الإسلام» و «طبقات الشافعية» للإسنوي و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: فأوقعني في القضاء القضا وفي «آ» : فأوقعني القضاء في القضا وفي «طبقات الشافعية الكبرى» : وقد ساقني للقضاء القضا [2] قلت: وهو ما أجمع عليه أصحاب المصادر التي ترجمت له كما نبّهت على ذلك من قبل. [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بداش» وفي «العبر» بطبعتيه إلى «بدّاس» والتصحيح من «التكملة» لوفيات النقلة» (3/ 514) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 55) وضبط في «تاريخ الإسلام» (64/ 288) بضم الياء فيصحح، ونسبته إلى قبيلة برزالة بالمغرب. [4] انظر «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (128) وتعليق الدكتور محمد أسعد طلس عليه.

وفيها جمال الدّين بن الحصيري [1] ، شيخ الحنفية أبو المحامد محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري. روى «صحيح مسلم» عن أصحاب الفراوي، ودرّس بالنّورية بدمشق خمسا وعشرين سنة. وصنّف الكتب الحسان، منها: «شرح الجامع الكبير» [2] . وكان من العلماء العاملين، كثير الصّدقة، غزير الدّمعة. انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة. توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصّوفية. وفيها العلّامة الحافظ يوسف بن عمر بن صقير- ويقال بالسين أيضا- الواسطي. كان من الحفّاظ الأعيان. قاله ابن ناصر الدّين [3] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 152) و «الجواهر المضية» (2/ 155) طبعة حيدرآباد، وجاء فيه: والحصيري: نسبة إلى محلة ببخارى يعمل فيها الحصير، كان ساكنا بها. قال المنذري: قال لي الصدر الخلاطي: سمعته يقول: مولدي ببخارى سنة ست وأربعين وخمسمائة. [2] وهو للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن حسن الشيباني الحنفي المتوفى سنة مائة وسبع وثمانين هجرية. قال الشيخ أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه، جامع كبير، قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات، بحيث كاد أن يكون معجزا ولتمام لطائف الفقه منجزا. انظر «كشف الظنون» (1/ 567- 570) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (176/ ب) وانظر «تاريخ الإسلام» (64/ 292) .

سنة سبع وثلاثين وستمائة

سنة سبع وثلاثين وستمائة فيها هجم الصّالح إسماعيل في صفر على دمشق فملكها وتسلّم القلعة، واعتقلوا الصالح أيوب بالكرك أشهرا، فطلبه أخوه العادل من الناصر داود، وبذل فيه مائة ألف دينار، وكذا طلبه الصّالح إسماعيل، فامتنع الناصر، ثم اتفق معه وحلّفه وأخذه وسار به إلى الدّيار المصرية، فمالت الكامليّة إليه، وقبضوا على العادل، وتملّك الصّالح نجم الدّين أيوب، ورجع النّاصر بخفي حنين. وفيها أنزل الكامل إلى تربته بجامع دمشق من قلعتها، وفتح لها شبابيك إلى الجامع. وفيها توفي الخوييّ [1]- بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وتشديد الياء الأولى نسبة إلى خوي مدينة بأذربيجان من إقليم تبريز [2]- قاضي القضاة شمس الدّين أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلّبي الشّافعي أبو العبّاس. ولد في شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ودخل خراسان وقرأ بها الأصول على القطب المصري، صاحب الإمام فخر الدّين.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 152- 153) و «تاريخ الإسلام» (64/ 295) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 16- 17) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 500- 501) . [2] انظر «معجم البلدان» (2/ 408) .

قال ابن السّبكي في «طبقاته الكبرى» : وقرأ الفقه على الرّافعي، وعلم الجدل على علاء الدّين الطّاووسي [1] . وسمع الحديث من جماعة، وولي قضاء القضاء بالشام، وله كتاب في الأصول، وكتاب فيه رموز حكمية، وكتاب في النحو، وكتاب في العروض، وفيه يقول أبو شامة: أحمد بن الخليل أرشده الل ... هـ لما أرشد [2] الخليل بن أحمد ذاك مستخرج العروض وهذا ... مظهر السّرّ منه والعود أحمد وقال الذهبي: كان فقيها، إماما، مناظرا، خبيرا بعلم الكلام، أستاذا في الطبّ والحكمة، ديّنا، كثير الصلاة والصيام. توفي في شعبان، ودفن بسفح قاسيون. وفيها الصّدر علاء الدّين أبو سعد ثابت بن محمد بن أبي بكر الخجندي [3]- بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ومهملة، نسبة إلى خجندة مدينة بطرف سيحون- ثم الأصبهاني سمع «الصحيح» [4] حضورا في الرابعة من أبي الوقت [السّجزي] ، وبقي إلى هذا الوقت بشيراز. وفيها أبو العبّاس بن الرّوميّة أحمد بن محمد بن مفرّج بن عبد الله الأموي مولاهم الأندلسي الإشبيلي الزّهري النّباتي [5] الحافظ. كان حافظا

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الطّوسي» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 177) . [2] في «آ» و «ط» : «كما أرشد» وما أثبته من «ذيل الرّوضتين» ص (169) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 17) . [3] انظر «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 59- 60) و «تاريخ الإسلام» (64/ 302- 303) . [4] يعني «صحيح البخاري» . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 58- 59) و «الدّيباج المذهب» (1/ 191- 192) و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (177/ آ) .

صالحا مصنّفا، من الأثبات، ظاهريّ المذهب، مع ورع. وكان يحترف من الصيدلة لمعرفته الجيدة بالنبات. قاله ابن ناصر الدّين. وفيها أمين الدّين أبو الغنائم، سالم بن الحسن بن هبة الله الشّافعي التّغلبي الدمشقي [1] . رحل به أبوه، وسمّعه من ابن شاتيل وطبقته، وسمع هو بنفسه. وولي المارستان، والمواريث، والأيتام، وتوفي في جمادى الآخرة وله ستون سنة، ودفن بتربته بقاسيون، وخلّف ذرية صالحة أبقت ذكره. وفيها الملك المجاهد أسد الدّين شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي [2] ، صاحب حمص. توفي بها في رجب. قال ابن خلّكان: مولده سنة تسع وستين وخمسمائة، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع رجب بحمص، ودفن بتربة [3] داخل البلد، وكانت له أيضا الرّحبة، وتدمر، وماكسين من بلد الخابور. وخلّف جماعة من الأولاد، فقام مقامه في الملك ولده الملك المنصور ناصر الدّين إبراهيم. انتهى. وفيها أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطّفيل الدّمشقي [4] . توفي بمصر في ذي الحجّة، وروى عن السّلفي. وفيها أبو محمد وأبو الفضل عفيف الدّين عبد العزيز بن دلف [5] بن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 60- 61) و «تاريخ الإسلام» (64/ 306- 307) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 479- 480) و «المختصر في أخبار البشر» (2/ 165) و «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 221) و «تاريخ الإسلام» (64/ 307- 308) . [3] في «وفيات الأعيان» : «بتربته» . [4] انظر «العبر» (5/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 43- 44) و «النجوم الزاهرة» (6/ 317) . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «دنف» .

أبي طالب بن دلف بن القاسم البغدادي [1] الحنبلي، المقرئ الناسخ الخازن. ولد سنة إحدى أو اثنتين وخمسين وخمسمائة. وقرأ بالرّوايات الكثيرة على أبي الحارث أحمد بن سعيد العسكري وغيره، وسمع الحديث من أبي علي الرّحبي وغيره، وكتب الكثير بخطّه الحسن لنفسه وللناس، وشهد عند الرّيحاني زمن الناصر، وكان الخليفة الناصر أذن لولده الظّاهر برواية «مسند الإمام أحمد» عنه بالإجازة، وأذن لأربعة من الحنابلة بالدخول إليه للسماع، عبد العزيز هذا منهم، فحصل له به أنس، فلما أفضت إليه الخلافة ولّاه النظر في ديوان التركات الحشرية، فسار فيها أحسن سيرة، وردّ تركات كثيرة على الناس. قال النّاصح بن الحنبلي [2] : كان إماما في القراءة، وفي علم الحديث. سمع الكثير، وكتب بخطه الكثير، وهو يصوم الدّهر، لقيته ببغداد في المرتين. وقال ابن النجار: كان كثير العبادة، دائم الصوم والصلاة وقراءة القرآن مذ كان شابا، وإلى حين وفاته. وكان مسارعا إلى قضاء حوائج الناس والسعي بنفسه إلى دور الأكابر في الشفاعات وفكّ العناة، وإطلاق المعتقلين بصدر منشرح وقلب طيب، وكان محبا لإيصال الخير إلى الناس ودفع الضرّ عنهم، كثير الصدقة والمعروف، والمواساة بماله حال فقره وقلّة ذات يده وبعد يساره وسعة ذات يده. وكان على قانون واحد في ملبسه لم يغيره، وكان ثقة،

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3 ك 526) و «تاريخ الإسلام» (64/ 313- 314) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 44- 46) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) . [2] في «الاستسعاد بمن لقيته من صالحي العباد في البلاد» وترجمته في القسم المنشور منه ضمن كتاب «شذرات من كتب مفقودة في التاريخ» ص (190) استخراج وتحقيق الدكتور إحسان عبّاس.

صدوقا، نبيلا، غزير الفضل، أحسن الناس تلاوة للقرآن، وأطيبهم نغمة. وكذلك في قراءة الحديث. وتوفي ليلة الاثنين السادس والعشرين من صفر ببغداد، ودفن بجانب معروف الكرخي. وفيها- وجزم ابن ناصر الدّين [1] أنه في التي قبلها- أبو بكر محمد ابن إسماعيل بن محمد بن خلفون الحافظ [2] الأزدي الأندلسي الأونبي [3] . كان حافظا متقنا للأسانيد والأخبار، مصنّفا. وفيها ابن الكريم الكاتب شمس الدّين محمد بن الحسن بن محمد ابن علي البغدادي [4] المحدّث الأديب الماسح المتفنن. روى عن ابن بوش، وابن كليب، وخلق. وسكن دمشق، وكتب الكثير بخطّه. توفي في رجب عن سبع وخمسين سنة. وفيها ابن الدّبيثي- بضم الدال المهملة وفتح الموحدة التحتية وسكون المثناة التحتية ومثلثة، نسبة إلى دبيثا قرية بواسط- الحافظ المؤرخ المقرئ الحاذق أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي [5] الشافعي. ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وسمع من أبي طالب الكناني، وابن شاتيل، وعبد المنعم بن الفراوي، وطبقتهم. وقرأ القراءات على

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (176/ ب) . [2] لفظة «الحافظ» لم ترد في «ط» . [3] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» و «التبيان شرح بديعة البيان» إلى «الأوبني» والتصحيح من «تذكرة الحفّاظ» (3/ 1400) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 71) و «تاريخ الإسلام» (64/ 284) . [4] انظر «العبر» (5/ 153- 154) و «تاريخ الإسلام» (64/ 319- 320) . [5] انظر «العبر» (5/ 154) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 68- 70) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) و «مرآة الجنان» (4/ 95- 97) .

جماعة، وتفقه على أبي الحسن هبة الله بن البوقي، وأتقن العربية، وتقدم وساد، وعلّق الأصول والخلاف، وعني بالحديث ورجاله، وصنّف كتابا في تاريخ واسط، و «ذيلا» [1] على «مذيّل» ابن السمعاني وأسمعهما، وله معرفة بالأدب والشعر. وله شعر جيد، وقد أثنى على حفظه وذهنه واستحضاره الحافظ الضياء المقدسي، وابن نقطة، وابن النجار. وقال: هو شيخي، وهو آخر الحفّاظ المكثرين، ما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ، والسير، وأيام الناس، وأضرّ في آخر عمره. وقال ابن الأهدل: وأنشد لنفسه: خبرت بني الأيام طرّا فلم أجد ... صديقا صدوقا مسعدا في النوائب وأصفيتهم منّي الوداد فقابلوا ... صفاء ودادي بالعدا والشوائب وما اخترت منهم صاحبا وارتضيته ... فأحمده في فعله والعواقب وقال في «العبر» : توفي في ثامن ربيع الآخر ببغداد. وفيها تقي الدّين محمد بن طرخان بن أبي الحسن السّلمي الدّمشقي الصّالحي الحنبلي [2] . ولد بقاسيون سنة إحدى وستين وخمسمائة، وروى عن ابن صابر، وأبي المجد البانياسي، وطائفة. وخرّج لنفسه «مشيخة» ، وكان فقيها، جليلا، متودّدا. وسمع بمكّة، والمدينة، واليمن، وحدّث، وتوفي في تاسع المحرّم بالجبل. وفيها أبو طالب بن صابر الدّمشقي محمد بن أبي المعالي عبد الله ابن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السّلمي الصّوفي [3] الزاهد. روى

_ [1] حقق الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف الجزء الأول منه ونشرته وزارة الإعلام العراقية سنة (1394) هـ. [2] انظر «العبر» (5/ 154) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) . [3] انظر «العبر» (5/ 154- 155) و «تاريخ الإسلام» (64/ 323- 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) .

عن أبيه وجماعة، وصار شيخ الحديث بالعزّيّة [1] . قال ابن النجار: لم أر إنسانا كاملا غيره، زاهدا، عابدا، ورعا، كثير الصلاة والصيام. توفي في سابع المحرم. وفيها ابن الهادي محتسب دمشق، رشيد الدّين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن يحيى القيسي الدمشقي [2] . شيخ وقور مهيب عفيف. سمع ابن عساكر، وأبا المعالي بن صابر، وتوفي في جمادى الآخرة عن سبع وثمانين سنة. وفيها الرّشيد النيسابوري محمد بن أبي بكر بن علي الحنفي [3] الفقيه. سمع بمصر من أبي الجيوش عساكر [بن علي] ، والتاج المسعودي، وجماعة. ودرّس، وناظر، وعاش سبعا وسبعين سنة. وولي قضاء الكرك والشوبك، ثم درّس بالمعينية [4] ، وتوفي في خامس ذي القعدة. وفيها شرف الدّين أبو البركات بن المستوفي المبارك بن أحمد بن أبي البركات اللّخمي الإربلي [5] وزير إربل وفاضلها ومؤرخها. ولد سنة أربع وستين وخمسمائة، وسمع من عبد الوهاب ابن حبّة، وحنبل [بن عبد الله] ، وابن طبرزد، وخلق. وكان بيته مجمع الفضلاء، وله يد

_ [1] هي المدرسة العزّية البرانية. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 555) . [2] انظر «العبر» (5/ 155) و «تاريخ الإسلام» (64/ 324) . [3] انظر «العبر» (5/ 155) و «تاريخ الإسلام» (64/ 328) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «الجواهر المضية» (2/ 35- 36) طبع حيدر أباد. [4] انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 589) . [5] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 147- 152) و «العبر» (5/ 155- 156) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 49- 53) و «تاريخ الإسلام» (64/ 329- 331) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (175) و «مرآة الجنان» (4/ 95- 97) و «البداية والنهاية» (13/ 139) .

طولى في النثر والنظم، ونفس كريمة كبيرة، وهمّة عليّة. شرح ديواني أبي تمام والمتنبي في عشر مجلدات، وله غير ذلك. وديوان شعر منه في تفضيل البياض على السّمرة: لا تخدعنّك سمرة غرّارة ... ما الحسن إلّا للبياض وجنسه فالرّمح يقتل بعضه من غيره ... والسيف يقتل كلّه من نفسه وله: يا ربّ قد عظمت جناية عينه ... وعتا بما أبداه من أنواره فاشف السّقام المستكنّ بطرفه ... واستر محاسن وجهه بعذاره سلم بقلعة إربل من التتار، ثم سكن الموصل وبها مات في المحرم. قال ابن الأهدل: جمع لإربل «تاريخا» في أربع مجلدات، وله «المحصّل» على أبيات المفصّل في مجلدين. وله كتاب «سرّ الصنعة» وكتاب سمّاه [1] «أبا قماش [2] » جمع فيه آدابا ونوادر، وأرسل دينارا إلى شاعر على يد رجل يقال له الكمال، وكان الدينار مثلوما، فتوهم الشاعر أن الكمال نقّصه، فكتب: يا أيّها المولى الوزير ومن به ... في الجود حقّا تضرب الأمثال أرسلت بدر التمّ عند كماله ... حسنا فوافى العبد وهو هلال ما عابه [3] النّقصان إلّا أنّه ... بلغ الكمال كذلك الآجال فأجاز الشاعر وأحسن إليه.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «سماد» . [2] تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «حماش» . [3] في «وفيات الأعيان» و «مرآة الجنان» : «ما غاله» .

ورثاه بعضهم فقال: أبا البركات لو درت المنايا ... بأنّك فرد عصرك لم تصبكا كفى الإسلام رزءا فقد شخص ... عليه بأعين الثقلين يبكى انتهى. وفيها ضياء الدّين بن الأثير الصّاحب العلّامة أبو الفتح، نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشّيباني الجزري [1] ، الكاتب البليغ، صاحب «المثل السائر» [2] . انتهت إليه كتابة الإنشاء والتّرسل، ومن جملة محفوظاته شعر أبي تمّام، والبحتري، والمتنبي. وزر بدمشق للملك الأفضل فأساء وظلم، ثم هرب، ثم كان معه بسميساط سنوات. ثم خدم الظّاهر صاحب حلب، فلم يقبل عليه. فتحوّل إلى الموصل، وكتب الإنشاء لصاحبها محمود بن عزّ الدّين مسعود، ولأتابكه لؤلؤ، وذهب رسولا في آخر أيامه إلى الخليفة فمات ببغداد في ربيع الآخر، وكان بينه وبين أخيه عزّ الدّين مقاطعة كلّيّة. قاله في «العبر» . قلت: ومن شعره: ثلاثة [3] تعطي الفرح ... كأس وكوز وقدح ما ذبح الزّقّ لها ... إلّا وللهمّ ذبح وقال ابن خلّكان: ولما كملت [4] له الأدوات قصد جناب الملك النّاصر

_ [1] انظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» للدمياطي ص (405- 406) و «وفيات الأعيان» (5/ 389- 397) و «العبر» (5/ 156) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 72- 73) و «تاريخ الإسلام» (64/ 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (264) . [2] وهو من مصادر كتابنا هذا، وقد طبع طبعة جيدة متقنة مفهرسة في دار نهضة مصر بالقاهرة في أربع مجلدات بتحقيق الدكتور أحمد الحوفي، والدكتور بدوي طبانة. [3] في «آ» و «ط» : «ثلاث» وما أثبته من «وفيات الأعيان» . [4] في «آ» : «وكلمت» وهو خطأ.

صلاح الدّين. وكان يومئذ شابا، فاستوزره ولده الملك الأفضل نور الدّين علي، وحسنت حاله عنده. ولما توفي صلاح الدّين، واستقلّ ولده الأفضل بمملكة دمشق، استقلّ ضياء الدّين بالوزارة وردّت إليه أمور الناس، وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليه، ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل وانتقل إلى صرخد، وكان ضياء الدّين قد أساء العشرة على أهلها، فهمّوا بقتله، فأخرجه الحاجب محاسن بن عجم [مستخفيا] [1] في صندوق. ولما استقرّ الأفضل في سميساط عاد إلى خدمته، وأقام عنده مدة، ثم فارقه واتصل بخدمة أخيه الملك الظاهر صاحب حلب، فلم يطل مقامه عنده، فخرج مغاضبا [2] وعاد إلى الموصل، فلم يستقر حاله، فورد إربل فلم يستقم حاله، فسافر إلى سنجار ثم عاد إلى الموصل واتخذها دار إقامته [3] . ولقد ترددت إلى الموصل من إربل أكثر من عشر مرّات، وهو مقيم بها، وكنت أودّ الاجتماع به لآخذ عنه شيئا، لما [4] كان بينه وبين الوالد من المودة الأكيدة، فلم يتفق ذلك. ولضياء الدّين من التصانيف الدّالة على غزارة فضله وتحقيق نبله، كتابه الذي سمّاه «المثل السائر» في أدب الكتاب والشاعر، وهو في مجلدين. جمع فيه فأوعب [5] ، ولم يترك شيئا يتعلق بفنّ الكتابة إلّا ذكره. ولما فرغ من تصنيفه كتبه الناس عنه، ومحاسنه كثيرة.

_ [1] مستدركة من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «مغضبا» . [3] كذا في «ط» و «وفيات الأعيان» : «دار إقامته» وفي «آ» : «دار إقامة» . [4] في «وفيات الأعيان» : «ولمّا» والصواب ما في كتابنا. [5] في «آ» و «ط» : «فأوعى» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .

وكانت ولادته بجزيرة ابن عمر، انتهى ملخصا. وقال ابن الأهدل: كان هو وأخواه أبو السعادات، وعزّ الدّين كلّهم نجباء رؤساء، لكل منهم تصانيف، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها أبو محمد عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم الخشوعي الدّمشقي [1] ، إمام الرّبوة. روى عن أبيه، وأبي القاسم ابن عساكر، وتوفي في ثامن ربيع الآخر. وفيها أبو الحسن الحرالي [2] علي بن أحمد بن الحسن التّجيبي المرسي [3] . كان عارفا، متقنا للنحو والكلام والمنطق. سكن حماة، وله تفسير عجيب [4] . قاله في «العبر» . وفيها قشتمر [5] [سلطان بغداد] ومقدّم العساكر، جمال الدّين الخليفتي النّاصري. توفي في ذي القعدة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 157) و «تاريخ الإسلام» (64/ 312- 313) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحرّاني» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «العبر» (5/ 157) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 47) و «عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية» ص (143- 155) بتحقيق الأستاذ عادل نويهض، طبع دار الآفاق الجديدة ببيروت. [4] قال صاحب «عنوان الدراية» : سلك فيه سبيل التحرير، وتكلم عليه لفظة لفظة، وحرفا حرفا. [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «قستمر» بالسين المهملة والتصحيح من «العبر» وما بين الحاصرتين مستدرك منه (5/ 157) و «تاريخ الإسلام» (64/ 317) .

سنة ثمان وثلاثين وستمائة

سنة ثمان وثلاثين وستمائة فيها سلّم الملك الصالح إسماعيل قلعة الشّقيف للفرنج لغرض في نفسه، فمقته المسلمون، وأنكر عليه ابن عبد السلام، وأبو عمرو بن الحاجب، فسجنهما، وعزل ابن عبد السلام من خطابة دمشق. قاله في «العبر» [1] . وفيها توفي أبو علي أحمد بن محمد بن محمود بن المعزّ الحرّاني ثم البغدادي الصّوفي [2] . روى عن ابن البطّي، وأحمد بن المقرّب، وجماعة. وتوفي في المحرّم. وفيها نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي [3] ثم الشافعي [4] ، صاحب التصانيف. روى عن ابن صدقة الحرّاني وجماعة، وسافر إلى همذان، فلزم الرّكن الطّاووسي، حتّى

_ [1] (5/ 157- 158) . [2] انظر «العبر» (5/ 158) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 73- 74) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) . [3] قال الإسنوي: ويعرف بالحنبلي لأنه كان في صباه كذلك. قلت: لكن ما جاء في ترجمته حول هذا الموضوع عند ابن قاضي شهبة يشير إلى أن تحوله إلى المذهب الشافعي قد تأخر إلى أن بلغ منزلة رفيعة بين أهل العلم. [4] انظر «العبر» (5/ 158) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 75- 76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 448- 449) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 89- 90) .

صار معيده، ثم سافر إلى بخارى، وبرع في علم الخلاف، وطار اسمه وبعد صيته، وكان يتوقّد ذكاء، ومن جملة محفوظاته «الجمع بين الصحيحين» [1] . وكان صاحب أوراد وتهجد. توفي في خامس شوال. وفيها جمال الملك أبو الحسن علي بن مختار بن نصر بن طغان العامري المحلّي ثم الإسكندراني، المعروف بابن الجمل [2] . روى عن السّلفي وغيره، وتوفي في شعبان. وفيها أبو بكر محيي الدّين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطّائي الأندلسي [3] ، العارف الكبير، ابن عربي، ويقال: ابن العربي. قال الشعراوي في كتاب «نسب الخرقة» : كان مجموع الفضائل، مطبوع الكرم والشمائل، قد فضّ له فضله ختام كلّ فنّ وبلّ له وبله رياض ما شرد من العلوم وعنّ، ونظمه عقود العقول وفصوص الفصول، وحسبك بقول زرّوق وغيره من الفحول، ذاكرين بعض فضله: هو أعرف بكل فنّ من أهله، وإذا أطلق الشيخ الأكبر في عرف القوم فهو المراد. ولد بمرسية، سنة ستين وخمسمائة، ونشأ بها، وانتقل إلى إشبيلية سنة ثمان وسبعين، ثم ارتحل وطاف البلدان، فطرق بلاد الشام والرّوم والمشرق، ودخل بغداد وحدّث بها بشيء من مصنّفاته، وأخذ عنه بعض الحفّاظ، كذا ذكره ابن النجار في «الذيل» .

_ [1] وهو للإمام الحميدي كما جاء مبينا في «تاريخ الإسلام» (64/ 338) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجبل» والتصحيح من «العبر» (5/ 158) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 77) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 48- 49) و «تاريخ الإسلام» (64/ 352- 359) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) و «طبقات الأولياء» لابن الملقن ص (469- 470) .

وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقات الأولياء» له: وقال الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» [1]- وهو ممن كان يحطّ عليه ويسيء الاعتقاد فيه-: كان عارفا [2] بالآثار والسّنن، قويّ المشاركة في العلوم. أخذ الحديث عن جمع، وكان يكتب الإنشاء لبعض ملوك المغرب، ثم تزهّد وساح، ودخل الحرمين والشام، وله في كل بلد دخلها مآثر. انتهى. وقال بعضهم: برز منفردا مؤثرا للتخلّي والانعزال عن الناس ما أمكنه، حتى إنه لم يكن يجتمع به إلّا الأفراد، ثم آثر التآليف، فبرزت عنه مؤلّفات لا نهاية لها، تدلّ على سعة باعه، وتبحّره في العلوم الظّاهرة والباطنة، وأنه بلغ مبلغ الاجتهاد في الاختراع والاستنباط، وتأسيس القواعد والمقاصد التي لا يدريها ولا يحيط بها إلّا من طالعها بحقّها، غير أنه وقع له في بعض تضاعيف تلك الكتب كلمات كثيرة أشكلت ظواهرها، وكانت سببا لإعراض كثيرين لم يحسنوا الظنّ به، ولم يقولوا كما قال غيرهم من الجهابذة المحقّقين، والعلماء العاملين، والأئمة الوارثين: إن ما أوهمته تلك الظواهر ليس هو المراد، وإنما المراد أمور اصطلح عليها متأخر وأهل الطريق غيرة عليها، حتّى لا يدّعيها الكذّابون، فاصطلحوا على الكناية عنها بتلك الألفاظ الموهمة خلاف المراد، غير مبالين بذلك، لأنه لا يمكن التعبير عنها بغيرها. قال المناوي: وقد تفرّق الناس في شأنه شيعا، وسلكوا في أمره طرائق قددا [3] فذهبت طائفة إلى أنه زنديق لا صدّيق، وقال قوم: إنه واسطة عقد الأولياء، ورئيس الأصفياء، وصار آخرون إلى اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه.

_ [1] انظر «لسان الميزان» (5/ 311- 315) . [2] في «لسان الميزان» : «عالما» . [3] أي سلكوا في أمره طرائق مقطوعة. انظر «لسان العرب» (قدد) .

أقول: منهم الشيخ جلال الدّين السيوطي، قال في مصنّفه «تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي» : والقول الفيصل في ابن العربي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه، فقد نقل عنه هو أنه قال: نحن قوم يحرم النظر في كتبنا. قال السيوطي: وذلك لأن الصوفية تواضعوا على ألفاظ اصطلحوا عليها، وأرادوا بها معان غير المعاني المتعارفة منها، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفر، نصّ على ذلك الغزّالي في بعضه كتبه، وقال: إنه شبيه بالمتشابه من القرآن والسّنّة، من حمله على ظاهره كفر. وقال السيوطي أيضا في الكتاب المذكور: وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية في عصره: ما حملكم على أن اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يستشنع ظاهرها؟ فقال: غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله، إلى أن قال: وليس من طريق القوم إقراء المريدين كتب التصوف، ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب، وما أحسن قول بعض العلماء لرجل قد سأله أن يقرأ عليه «تائية ابن الفارض» فقال له: دع عنك هذا، من جاع جوع القوم، وسهر سهرهم، رأى ما رأوا، ثم قال في آخر هذا التصنيف: إن الشيخ برهان الدّين البقاعي قال في «معجمه» : حكى لي الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن أبي الوفاء المقدسي الشافعي، قال- وهو أمثل الصوفية في زماننا- قال: كان بعض الأصدقاء يشير عليّ بقراءة كتب ابن عربي، وبعض يمنع من ذلك، فاستشرت الشيخ يوسف الإمام الصّفدي في ذلك، فقال: اعلم يا ولدي- وفّقك الله- أن هذا العلم المنسوب إلى ابن عربي ليس بمخترع له، وإنما هو كان ماهرا فيه، وقد ادعى أهله أنه لا تمكن معرفته إلّا بالكشف، فإذا فهم المريد مرماهم فلا فائدة في تفسيره، لأنه إن كان المقرّر والمقرّر له مطلعين على ذلك، فالتقرير تحصيل الحاصل، وإن

كان المطلع أحدهما، فتقريره لا ينفع الآخر، وإلّا فهما يخبطان خبط عشواء، فسبيل العارف عدم البحث عن هذا العلم، وعليه السلوك فيما يوصل إلى الكشوف عن الحقائق، ومتى كشف له عن شيء علمه. ثم قال: استشرت الشيخ زين الدّين الخافي، بعد أن ذكرت له كلام الشيخ يوسف، فقال: كلام الشيخ يوسف حسن، وأزيدك أن العبد إذا تخلّق ثم تحقّق ثم جذب، اضمحلت ذاته، وذهبت صفاته، وتخلّص من السوي، فعند ذلك تلوح له بروق الحقّ بالحقّ، فيطلع على كل شيء، ويرى الله عند كل شيء، فيغيب [1] بالله عن كل شيء ولا شيء [2] سواه، فيظن أن الله عين كل شيء، وهذا أول المقامات، فإذا ترقى عن هذا المقام وأشرف على مقام أعلى منه، وعضده التأييد الإلهي، رأى أن الأشياء كلها فيض وجوده تعالى لا عين وجوده، فالناطق حينئذ بما ظنّه في أول مقام، إما محروم ساقط، وإما نادم تائب، وربّك يفعل ما يشاء. انتهى. ولقد بالغ ابن المقري في «روضته» فحكم بكفر من شكّ في كفر طائفة ابن عربي، فحكمه على طائفته بذلك دونه [3] ، يشير إلى أنه إنما قصد التنفير عن كتبه، وإن من لم يفهم كلامه ربما وقع في الكفر باعتقاده خلاف المراد، إذ للقوم اصطلاحات أرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة، فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظّاهر ربما كفر كما قاله الغزالي. ثم قال المناوي: وعوّل جمع على الوقف والتسليم، قائلين: الاعتقاد صبغة، والانتقاد حرمان، وإمام هذه الطائفة شيخ الإسلام النّووي، فإنه استفتي

_ [1] كذا في «ط» و «المنتخب» (163/ ب) : «فيغيب» وفي «آ» : «فيغضب» . [2] في «آ» و «ط» : «ولا شيئا» والتصحيح من «المنتخب» . [3] في «المنتخب» (163/ ب) : «فحكمه على طائفته دون، بذلك يشير ... » .

فيه فكتب: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ 2: 134 الآية [البقرة: 134] ، وتبعه على ذلك كثيرون، سالكين سبيل السّلامة، وقد حكى العارف زرّوق عن شيخه النوري، أنه سئل عنه فقال: اختلف فيه من الكفر إلى القطبانية، والتسليم واجب، ومن لم يذق ما ذاقه القوم ويجاهد مجاهداتهم لا يسعه من الله الإنكار عليهم. انتهى. وأقول: وممن صرّح بذلك من المتأخرين الشيخ أحمد المقري المغربي، قال في كتابه «زهر الرّياض في أخبار عياض» [1] : والذي عند كثير من الأخيار في أهل هذه الطريقة التسليم، ففيه السّلامة، وهي أحوط من إرسال العنان وقول يعود على صاحبه بالملامة، وما وقع لابن حجر، وأبي حيّان في «تفسيره» من إطلاق اللّسان في هذا الصّدّيق وأنظاره، فذلك من غلس الشيطان، والذي أعتقده ولا يصح غيره، أن الإمام ابن عربي وليّ صالح، وعالم ناصح، وإنما فوّق إليه سهام الملامة من لم يفهم كلامه، على أنه دسّت في كتبه مقالات قدره يجل عنها، وقد تعرض من المتأخرين ولي الله الرّباني سيدي عبد الوهاب الشّعراني [2]- نفعنا الله به- لتفسير كلام الشيخ على وجه يليق، وذكر من البراهين على ولايته ما يثلج صدور أهل التحقيق، فليطالع ذلك من أراده، والله وليّ التوفيق. انتهى كلام المقري. ثم قال المناوي: وفريق قصد بالإنكار عليه وعلى أتباعه الانتصار لحظ نفسه، لكونه وجد قرينه وعصريّه يعتقده وينتصر له، فحملته حميّة الجاهلية على معاكسته، فبالغ في خذلانه وخذلان أتباعه ومعتقديه، وقد شوهد عود الخذلان والخمول على هذا الفريق وعدم الانتفاع بعلومهم وتصانيفهم على

_ [1] ليس بين يدي. [2] سترد ترجمته في حوادث سنة (973) من المجلد العاشر إن شاء الله تعالى.

حسنها. قال: وممن كان [1] يعتقده سلطان العلماء ابن عبد السلام، فإنه سئل عنه أولا فقال: شيخ سوء كذّاب لا يحرّم فرجا، ثم وصفه بعد ذلك بالولاية، بل بالقطبانية، وتكرر ذلك منه. وحكي عن اليافعيّ أنه كان يطعن فيه ويقول: هو زنديق، فقال له بعض أصحابه يوما: أريد أن تريني القطب، فقيل: هو هذا، فقيل له: فأنت تطعن فيه، فقال: أصون ظاهر الشرع، ووصفه في «إرشاده» بالمعرفة والتحقيق، فقال: اجتمع الشيخان الإمامان العارفان المحقّقان الربّانيّان السّهروردي، وابن عربي، فأطرق كل منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام، فقيل لابن عربي: ما تقول في السّهروردي؟ فقال: مملوء سنّة من فرقه إلى قدمه، وقيل للسّهروردي، ما تقول فيه؟ قال: بحر الحقائق. ثم قال المناوي: وأقوى ما احتج به المنكرون، أنه لا يؤوّل [2] إلّا كلام المعصوم، ويردّه قول النّوويّ في «بستان العارفين» [3] بعد نقله عن أبي الخير التّيناتي [4] واقعة ظاهرها الإنكار: قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده، أن ينكر هذا، وهذا جهالة وغباوة، ومن يتوهم ذلك فهو جسارة منه على إرسال الظنون في أولياء الرحمن. فليحذر العاقل من التعرض لشيء من ذلك، بل حقّه إذا لم يفهم حكمهم المستفادة، ولطائفهم المستجادة، أن يتفهمها ممن يعرفها، وربما رأيت من هذا النوع مما يتوهم فيه من لا تحقيق عنده أنه مخالف، ليس مخالفا، بل يجب تأويل أفعال أولياء الله [تعالى] . إلى هنا كلامه.

_ [1] لفظة «كان» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» . [2] في «ط» : «لا يأول» . [3] ص (181) من طبعة الشيخ محمد الحجّار، وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. [4] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «التبياني» والتصحيح من «اللباب في تهذيب الأنساب» (1/ 234) وقال ابن الأثير: ويعرف بالأقطع.

وإذا وجب تأويل أفعالهم وجب تأويل أقوالهم، إذ لا فرق، وكان المجد صاحب «القاموس» عظيم الاعتقاد في ابن عربي، ويحمل كلامه على المحامل الحسنة، وطرّز شرحه ل «البخاريّ» بكثير من كلامه. انتهى. وأقول: ومما يشهد بذلك، ما أجاب به على سؤال رفع إليه، لفظه: ما تقول العلماء- شدّ الله بهم أزر الدّين ولمّ بهم شعث المسلمين- في الشيخ محيي الدّين بن العربي، وفي كتبه المنسوبة إليه، ك «الفتوحات» و «الفصوص» وغيرهما، هل تحلّ قراءتها وإقراؤها للناس أم لا؟ أفتونا مأجورين. فأجاب- رحمه الله رحمة واسعة-: اللهم أنطقنا بما فيه رضاك، الذي أقوله في حال المسؤول عنه، وأعتقده وأدين الله سبحانه وتعالى به، أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما، وإمام الحقيقة حدّا ورسما، ومحيي رسول المعارف فعلا واسما، إذا تغلغل فكر المرء في طرف من بحره [1] غرقت فيه خواطره في عباب لا تدركه الدّلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، وأما دعواته فإنها تخرق السبع الطباق، وتفترق بركاته فتملأ الآفاق، وإني أصفه، وهو يقينا فوق ما وصفته، وغالب ظني أني ما أنصفته: وما عليّ إذا ما قلت معتقدي ... دع الجهول يظنّ الجهل عدوانا والله تالله بالله العظيم ومن ... أقامه حجّة لله برهانا إنّ الذي قلت بعض من مناقبه ... ما زدت إلّا لعلّي زدت نقصانا وأما كتبه فإنها البحار الزّواخر، جواهرها لا يعرف لها أول من آخر، ما وضع الواضعون مثلها، وإنما خصّ الله بمعرفتها أهلها، فمن خواص كتبه أنه من لازم مطالعتها والنظر فيها انحلّ فهمه لحلّ المشكلات وفهم المعضلات، وهذا ما وصلت إليه طاقتي في مدحه، والحمد لله رب العالمين.

_ [1] كذا في «ط» : «بحره» وفي «آ» : «مجده» .

وكذلك أجاب ابن كمال باشا [1] بما صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لمن جعل من عباده العلماء المصلحين، وورثة الأنبياء والمرسلين، والصلاة والسلام على محمد المبعوث لإصلاح الضّالين والمضلّين، وآله وأصحابه المجدّين لإجراء الشرع المبين. وبعد: أيّها النّاس! اعلموا أن الشيخ الأعظم، المقتدى الأكرم، قطب العارفين، وإمام الموحدين، محمد بن علي بن العربي الطائي الأندلسي، مجتهد كامل، ومرشد فاضل، له مناقب عجيبة، وخوارق غريبة، وتلامذة كثيرة، مقبولة عند العلماء والفضلاء، فمن أنكره فقد أخطأ، وإن أصرّ في إنكاره فقد ضلّ، يجب على السلطان تأديبه، وعن هذا الاعتقاد تحويله، إذا السلطان مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وله مصنّفات كثيرة، منها: «فصوص حكمية» و «فتوحات مكّية» وبعض مسائلها معلوم اللفظ والمعنى، وموافق للأمر الإلهيّ والشرع النبوي، وبعضها خفي عن إدراك أهل [2] . الظّاهر دون أهل الكشف والباطن، فمن لم يطّلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام، لقوله تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا 17: 36 [الإسراء: 36] ، والله الهادي إلى سبيل الصواب، وإليه المرجع والمآب. انتهى. وكلا الجوابين مكتوب في ضريح المترجم فوق رأسه، والله أعلم. ثم قال المناوي: وأخبر الشّعراوي عن بعض إخوانه أنه شاهد رجلا أتى ليلا بنار ليحرق تابوته فخسف به وغاب بالأرض، فأحسن أهله، فحفروا فوجدوا رأسه، فكلما حفروا نزل في الأرض، فعجزوا وأهالوا عليه التراب.

_ [1] لعله نقل هذا الكلام عن كتابه «طبقات المجتهدين» وهو مخطوط لم يطبع بعد كما ذكر الزركلي في ترجمته من كتابه «الإعلام» (1/ 133) . [2] لفظة «أهل» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .

قال [1] : ومن تأمل سيرة ابن عربي [2] وأخلاقه الحسنة وانسلاخه من حظوظ نفسه وترك العصبية، حمله ذلك على محبته واعتقاده، ومما وقع له أن رجلا من دمشق فرض على نفسه أن يلعنه كل يوم عشر مرات، فمات، وحضر ابن عربي جنازته ثم رجع فجلس ببيته وتوجه للقبلة، فلما جاء وقت الغداء أحضر إليه فلم يأكل، ولم يزل على حاله إلى بعد العشاء، فالتفت مسرورا وطلب العشاء وأكل، فقيل له في ذلك، فقال: التزمت مع الله أني لا آكل ولا أشرب حتّى يغفر لهذا الذي يلعنني، وذكرت له سبعين ألف لا إله إلا الله، فغفر له. وقد أوذي الشيخ كثيرا في حياته وبعد مماته بما لم يقع نظيره لغيره، وقد أخبر هو عن نفسه بذلك، وذلك من غرر كراماته، فقد قال في «الفتوحات» كنت نائما في مقام إبراهيم، وإذا بقائل من الأرواح- أرواح الملأ الأعلى- يقول لي عن الله: ادخل مقام إبراهيم، إنّه كان أوّاها حليما [3] ، فعلمت أنه لا بد أن يبتليني بكلام في عرضي من قوم، فأعاملهم بالحلم. قال: ويكون أذى كثيرا، فإنه جاء بحليم بصيغة المبالغة، ثم وصفه بالأوّاه، وهو من يكثر منه التأوّه لما يشاهد من جلال الله. انتهى. وقال الصّفي بن أبي منصور: جمع ابن عربي بين العلوم الكسبية والعلوم الوهبية، وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وخلقا، لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا. وقال تلميذه الصّدر القونوي الرّومي [4] : كان شيخنا ابن عربي متمكنا من

_ [1] القائل المناوي. [2] تحرفت في «ط» إلى «ابن عرابي» . [3] وذلك محاكاة لقوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ 9: 114 [التّوبة: 114] . [4] هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرّومي، صدر الدّين، صوفي من كبار تلامذة الشيخ محيي الدّين بن العربي، تزوّج ابن عربي أمّه، وربّاه، له مصنّفات في

الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين، على ثلاثة أنحاء، إن شاء الله، استنزل روحانيته في هذا العالم، وأدركه متجسدا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسّية العصرية، التي كانت له في حياته الدّنيا، وإن شاء الله، أحضره في نومه، وإن شاء انسلخ عن هيكله واجتمع به [1] ، وهو أكثر القوم كلاما في الطريق، فمن ذلك ما قال: ما ظهر على العبد إلّا ما استقرّ في باطنه، فما أثّر فيه سواه، فمن فهم هذه الحكمة وجعلها مشهودة أراح نفسه من التعلق بغيره، وعلم أنه لا يؤتى عليه بخير ولا شرّ إلّا منه، وأقام العذر لكل موجود. وقال: إذا ترادفت عليك الغفلات وكثرة النوم، فلا تسخط ولا تلتفت لذلك، فإن من نظر الأسباب مع الحقّ أشرك. كن مع الله بما يريد لا مع نفسك بما تريد، لكن لا بد من الاستغفار. وقال [2] : علامة الراسخ أن يزداد تمكنا عند سلبه، لأنه مع الحقّ بما أحبّ، فمن وجد اللذّة في حال المعرفة دون السلب فهو مع نفسه غيبة وحضورا. وقال [2] : من صدق في شيء وتعلقت همته بحصوله، كان له عاجلا أو آجلا، فإن لم يصل إليه في الدنيا فهو له في الآخرة. ومن مات قبل الفتح رفع إلى محلّ همته. وقال [2] : العارف يعرف ببصره ما يعرفه غيره ببصيرته، ويعرف ببصيرته ما لا يدركه أحد إلّا نادرا، ومع ذلك فلا يأمن على نفسه من نفسه، فكيف يأمن على نفسه من مقدور ربّه، وهذا مما قطع الظهور سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ 7: 182 [الأعراف: 182] . وقال [2] : لا ينقص العارف قوله لتلميذه: خذ هذا العلم الذي لا تجده

_ التصوف. مات سنة ستمائة وثلاث وسبعون. انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 45) و «الأعلام» (6/ 30) . [1] أقول: كل هذا من المبالغات التي لا تجوز. (ع) . [2] القائل ابن العربي.

عند غيري ونحوه مما فيه تزكية نفسه، لأن قصده حث المتعلم على القبول. وقال: كلام العارف على صورة السّامع بحسب قوة استعداده وضعفه، وشبهته القائمة بباطنه. وقال: كل من ثقل عليك الجواب عن كلامه فلا تجبه، فإن وعاءه ملآن لا يسع الجواب. وقال: من صحّ له قدم في التوحيد، انتفت عنه الدعاوى من نحو رياء وإعجاب، فإنه يجد جميع الصفات المحمودة لله لا له، والعبد لا يعجب بعمل غيره ولا بمتاع غيره. وقال: من ملكته نفسه عذّب بنار التدبير، ومن ملكه الله عذّب بنار الاختبار، ومن عجز عن العجز، أذاقه الله حلاوة الإيمان، ولم يبق عنده حجاب. وقال: من أدرك من نفسه التغيّر والتبديل في كل نفس، فهو العالم بقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ 55: 29 [الرّحمن: 29] . وقال: من طلب دليلا على وحدانية الله تعالى، كان الحمار أعرف بالله منه. وقال: الجاهل لا يرى جهله لأنه في ظلمته، والعالم لا يرى علمه لأنه في ضياء نوره، ولا يجري شيء إلّا بغيره، فالمرآة تخبرك بعيوب صورتك وتصدقها [1] مع جهلك بما أخبرت به، والعالم يخبرك بعيوب نفسك مع علمك بما أخبرك به وتكذبه، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال. وقال: حسن الأدب في الظّاهر آية حسنه في الباطن، فإيّاك وسوء الظنّ والسلام.

_ [1] كذا في «ط» و «المنتخب» (165/ ب) : «وتصدقها» وفي «آ» : «وتصدقك» .

وقال: معنى الفتح عندهم كشف حجاب النّفس، أو القلب، أو الرّوح، أو السر لما في الكتاب والسّنّة. وقال: وربما فهم أحدهم من اللفظ ضد ما قصده المتكلم. سمع بعض علماء بغداد رجلا من شربة الخمر ينشد: إذا العشرون من شعبان ولّت ... فواصل شرب ليلك بالنّهار ولا تشرب بأقداح صغار ... فإنّ الوقت ضاق على الصّغار فهام على وجهه في البرّيّة، حتّى مات. وقال: كثيرا ما تهبّ في قلوب العارفين نفحات الهيبة، فإن نطقوا بها جهّلهم كمّل العارفين، وردّها عليهم أصحاب الأدلة من أهل الظّاهر، وغاب عن هؤلاء أنه تعالى كما أعطى أولياءه الكرامات التي هي فرع المعجزات، فلا بدع أن تنطق ألسنتهم بعبارات تعجز العلماء عن فهمها. وقال: من لم يقم بقلبه تصديق ما يسمعه من كلام القوم، فلا يجالسهم، فإن مجالستهم بغير تصديق سمّ قاتل. وقال: شدة القرب حجاب، كما أن غاية البعد حجاب، وإن كان الحقّ أقرب إلينا من حبل الوريد، فأين السبعون ألف حجاب. وقال: لا تدخل الشبهة في المعارف والأسرار الربّانيّة، وإنما محلّها العلوم النظرية. وقال: نهاية العارفين منقولة غير معقولة، فما ثمّ عندهم إلّا بداية وتنقضي أعمارهم، وهم مع الله على أول قدم. وقال: كلّ من آمن بدليل فلا وثوق بإيمانه، لأنه نظريّ، فهو معرّض للقوادح، بخلاف الإيمان الضروري الذي يوجد في القلب ولا يمكن دفعه، وكل علم حصل عن نظر وفكر لا يسلم من دخول الشبه عليه ولا الحيرة فيه.

وقال: شرط الكامل، الإحسان إلى أعدائه وهم لا يشعرون، تخلّقا بأخلاق الله، فإنه دائم الإحسان إلى من سمّاهم أعداءه، مع جهل الأعداء به. وقال: شرط الشيخ أن يكون عنده جميع ما يحتاجه المريد في التربية لا ظهور كرامة، ولا كشف باطن المريد. وقال: الشفقة على الخلق أحقّ بالرّعاية من الغيرة في الله، لأن الغيرة لا أصل لها في الحقائق الثبوتية، لأنها من الغيرية، ولا غيرية هناك وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها 8: 61 [الأنفال: 61] وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها 42: 40 [الشّورى: 40] فجعل القصاص سيئة، أي أن ذلك الفعل سيء مع كونه مشروعا، وكل ذلك تعظيما لهذه النشأة التي تولى الحقّ خلقها بيده، واستخلفها في الأرض، وحرّم على عباده السّعي في إتلافها بغير إذنه. وقال: الصّوفي، من أسقط الياءات الثلاث، فلا يقول: لي، ولا عندي، ولا متاعي، أي لا يضيف لنفسه شيئا. وقال: «الدّعاء مخّ العبادة» [1] وبالمخ تكون القوة للأعضاء، فلذا تتقوى به عبادة العابدين. وقال: تحفّظ من لذّات الأحوال، فإنها سموم قاتلة، وحجب مانعة. وقال: لا يغرنّك إمهاله [2] ، فإن بطشه شديد، والشقيّ من اتّعظ بنفسه.

_ [1] رواه الترمذي رقم (3368) في الدعوات. باب ما جاء في فضل الدعاء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفي سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف. ويغني عنه حديث «الدّعاء هو العبادة» من حديث النّعمان بن بشير رضي الله عنه، رواه الترمذي رقم (3369) في الدعوات: باب رقم (2) وابن ماجة رقم (3828) في الدعاء: باب فضل الدعاء، وهو حديث صحيح. [2] يعني الله تعالى.

لا يغرنّك من خالف فجوزي بإحسان المعارف، ووقف في أحسن المواقف، وتجلّت له المشاهد، هذا كله مكر به واستدراج من حيث لا يعلم، قل له إذا احتجّ عليك بنفسه: سوف ترى إذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار وقال: لا يصح لعبد مقام المعرفة بالله وهو يجهل حكما واحدا من شرائع الأنبياء، فمن ادعى المعرفة واستشكل حكما واحدا في الشريعة المحمدية أو غيرها فهو كاذب. وقال: أجمعت الطائفة على أن العلم بالله عين الجهل به تعالى. وقال: إذا ذكر الله الذّاكر ولم يخشع قلبه، ولا خضع عند ذكره إيّاه، لم يحترم الجناب الإلهي، ولم يأت بما يليق به من التعظيم، وأول ما تمقته جوارحه وجميع أجزاء بدنه. وقال: الأسماء الإلهية كلها التي عليها يتوقف وجود العالم أربعة لا غير: الحيّ، القادر، المريد، العالم. وبهذه الأسماء ثبت كونه إلها. وقال: أخبرني من أثق به، قال: دخلت على رجل فقيه، عالم متكلم، فوجدته بمجلس فيه الخمر وهو يشرب، ففرغ النبيذ، فقيل له: انفذ إلى فلان يأتي بنبيذ، فقال: لا، فإني ما أصررت على معصية قطّ، ولي بين الكأسين توبة ولا أنتظره، فإذا حصل بيدي أنظر هل يوفقني ربّي فأتركه أو يخذلني فأشربه، ثم قال- أعني ابن عربي-: فهكذا العلماء. انتهى كلام المناوي ملخصا [1] . وأقول: ومن كلامه أيضا: ما نال من جعل الشّريعة جانبا ... شيئا ولو بلغ السّماء مناره

_ [1] أقول: وفي كلامه كله مبالغات لا يقرها الإسلام. (ع) .

ومن شعره الرائق قوله: حقيقتي همت بها ... وما رآها بصري ولو رآها لغدا ... قتيل ذاك الحور فعند ما أبصرتها ... صرت بحكم النّظر فبتّ مسحورا بها ... أهيم حتّى السّحر يا حذري من حذري ... لو كان يغني حذري والله ما هيّمني ... جمال ذاك الخفر يا حسنها من ظبية ... ترعى بذات الخمر إذا رنت أو عطفت ... تسبي عقول البشر كأنّما أنفاسها ... أعراف مسك عطر كأنها شمس الضّحى ... في النّور أو كالقمر إن سفرت أبرزها ... نور صباح مسفر أو سدلت غيّبها ... ظلام ذاك الشّعر يا قمر تحت دجى ... خذي فؤادي أو ذري عسى لكي أبصركم ... إن [1] كان حظي نظري وكان يقول: أعرف الاسم الأعظم، وأعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب، وكان مجتهدا مطلقا بلا ريب. قال في رائيته: لقد حرّم الرّحمن تقليد مالك ... وأحمد والنّعمان والكلّ فاعذروا وقال أيضا في نونيته: لست ممن يقول قال ابن حزم ... لا ولا أحمد ولا النّعمان

_ [1] في «ط» : «إذ» .

وهذا صريح بالاجتهاد المطلق، كيف لا وقد قال: عرضت أحاديثه- صلى الله عليه وسلم جميعها عليه، فكان يقول عن أحاديث: صحّت من جهة الصناعة ما قلتها، وعن أحاديث ضعفت من جهتها قلتها، وإذا لم يكن مجتهدا فليس لله مجتهد. إن لم تره فهذه آثاره هذا وما نقم عليه أحد فيما أعلم بغير ما فهمه من كلامه من الحلول أو الاتحاد، وما تفرّع عليهما من كفر أو إلحاد، وساحته النزهة منهما، وشأوه أبعد شأوا عنهما، وكلامه بنفسه يشهد بهذا. خلي افتراك فذاك خلي لا ذا قال في «فتوحاته المكية» التي هي قرة عين السادة الصوفية، في الباب الثاني والتسعين ومائتين: من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم، أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها، وإنما كان القمر محلا لها، كذلك [1] العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حلّ فيه. وقال أيضا فيها في الباب الثامن والسبعين، كما نقله عنه الشعراني في كتابه «اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر» : إن الله تعالى لم [2] يوجد العالم لافتقاره إليه، وإنما الأسباب في حال عدمها الإمكاني لها طلبت وجودها ممن هي مفتقرة إليه بالذات، وهو الله تعالى، لا تعرف غيره، فلما طلبت بفقرها الذاتي من الله تعالى أن يوجدها، قبل الحقّ سؤالها، لا من حاجة قامت به إليها، لأنها كانت مشهودة له تعالى في حال عدمها النّسبي كما

_ [1] في «ط» : «فلذلك» . [2] لفظة «لم» لم ترد في «آ» .

هي مشهودة له في حال وجودها سواء، فهو يدركها- سبحانه- على ما هي عليه في حقائقها حال وجودها وعدمها، بإدراك واحد، فلهذا لم يكن إيجاده للأشياء عن فقر، بخلاف العبد، فإن الحقّ تعالى لو أعطاه جزء «كن» وأراد إيجاد شيء لا يوجده إلّا عن فقر إليه وحاجة، فما طلب العبد إلّا ما ليس عنده، فقد افترق إيجاد العبد عن إيجاد الحقّ تعالى، قال: وهذه مسألة لو ذهبت عينك جزاء لتحصيلها لكان قليلا في حقّها، فإنها مزلّة قدم، زلّ فيها كثير من أهل الله تعالى، والتحقوا فيها بمن ذمّهم الله تعالى في قوله: لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ 3: 181 [آل عمران: 181] [1] انتهى. فإن قلت: قد نقل بعضهم عن الشيخ أنه كان ينشد: الكلّ مفتقر ما الكلّ مستغني ... هذا هو الحقّ قد قلنا ولا نكني [2] فالجواب: إن هذا ومثله من المدسوس عليه في كتاب «الفصوص» وغيره، فإن هذا يكذّبه الناقل عنه خلاف ذلك. انتهى كلام الشعراني. توفي- رحمه الله ورضي عنه- في الثاني والعشرين من ربيع الآخر بدمشق، في دار القاضي محيي الدّين بن الزّكي، وحمل إلى قاسيون فدفن في تربته المعلومة الشريفة، التي هي قطعة من رياض الجنّة، والله تعالى أعلم. وفيها أمين الدّين أبو بكر وأبو عبد الله، أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن بن طلحة بن حسّان البصري الأصل البغدادي المصري [3] الفقيه الحنبلي، المحدّث المعدّل.

_ [1] قلت: وقد تحرفت الآية في «آ» و «ط» إلى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ ... 5: 17. [2] قلت: جاء في هامش «ط» ما نصه: «أقول: ليس في هذا البيت نص أنه بالكل حتّى الله، بل المراد من المخلوقات، ولا حاجة إلى الجواب بأنه مدسوس» . لكتابه داود كما في هامش الأصل. [3] انظر «تاريخ الإسلام» (64/ 336- 337) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 220- 221) .

ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة تقريبا، وطلب الحديث، وسمع الكثير من ابن كليب، وذاكر ابن كامل، وأبي الفرج بن الجوزي، وابن المعطوش وخلق كثير من هذه الطبقة. وكتب بخطه كثيرا، وتفقّه في المذهب، وتكلّم في الخلاف، وحصّل طرفا صالحا من الأدب، وسافر إلى بلاد فارس، والرّوم، ومصر، وشهد عند ابن اللّمغاني [1] . وله مجموعات وتخاريج في الحديث، وجمع الأحاديث السباعيات والثمانيات التي له، و «معجما» لشيوخه. وحدّث ببغداد وغيرها. ذكر ذلك ابن النجار. وقال: سمعت منه وهو فاضل، عالم، ثقة، صدوق، متدين، أمين، نزه، حسن الطريقة، جميل السيرة، طاهر السّريرة، سليم الجانب. مسارع إلى فعل الخير، محبوب إلى الناس. انتهى. توفي ليلة الأحد ثالث ربيع الأول ببغداد. وفيها تقي الدّين أبو عبد الله يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي [2] ، الفقيه الحنبلي المحدّث. ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة تقديرا ببيت المقدس، وسمع بدمشق من ابن طبرزد وغيره. قال المنذري: ترافقنا [3] في السماع كثيرا، وكان على طريقة حسنة. توفي [في] عاشر ذي القعدة بمدينة نابلس.

_ [1] هو قاضي القضاة كمال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن عبد السلام بن إسماعيل اللّمغاني ثم البغدادي، المتوفي سنة (649) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 250) . [2] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 564) و «تاريخ الإسلام» (64/ 365- 366) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 221) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «توافقنا» والتصحيح من «التكملة» و «الذيل» .

سنة تسع وثلاثين وستمائة

سنة تسع وثلاثين وستمائة فيها توفي الشّمس بن الخبّاز النّحوي أبو عبد الله أحمد بن الحسين ابن أحمد بن معالي الإربلّي ثم الموصلي [1] الضرير، صاحب التصانيف الأدبية. توفي في رجب بالموصل وله خمسون سنة [2] . قاله في «العبر» . وفيها المارستاني أبو العبّاس أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي [3] الصّوفي، قيّم جامع المنصور. روى عن أبي المعالي بن اللّحّاس وحفدة العطّاري [4] ، وجماعة، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محفوظ بن مهنّا بن شكر بن الصّافيوني [5] الرّصافي البغدادي [6] الحنبلي، الفقيه المحدّث. سمع الكثير، وعني

_ [1] انظر «العبر» (5/ 159) و «تاريخ الإسلام» (64/ 367) و «النجوم الزاهرة» (6/ 342) . [2] لفظة «سنة» سقطت من «آ» . [3] انظر «العبر» (5/ 159) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 77- 80) و «تاريخ الإسلام» (64/ 368- 369) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) . [4] تحرفت لفظة «العطاري» إلى «العطاردي» في «آ» و «ط» والتصحيح من «السير» و «تاريخ الإسلام» وهو محمد بن أسعد العطاري الشهير ب «حفدة» ، انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 46- 47) والمصادر المذكورة في هامشه. [5] كذا في «آ» و «ط» «الصافيوني» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف «الصابوني» . [6] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 223) .

بالسماع، وكتب الطباق بخطّه، وهو حسن، وتفقّه على القاضي أبي صالح نصر بن عبد الرزّاق، وكان خيّرا، صالحا، متعبّدا. توفي يوم الأحد تاسع عشر صفر، ودفن بمقبرة معروف الكرخي. وفيها تقي الدّين إسحاق بن طرخان بن ماضي، الفقيه الشافعي الشاغوري [1] ، آخر من حدّث، عن حمزة بن كروّس [2] . توفي في رمضان بالشاغور. وفيها النّفيس بن قادوس القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي المصري [3] ، آخر من روى عن الشريف أبي الفتوح الخطيب، وأبي العبّاس بن الحطيئة [4] . توفي في ذي الحجّة وله ست وتسعون سنة. وفيها أبو الطاهر إسماعيل بن ظفر [5] بن أحمد بن إبراهيم بن مفرج بن منصور بن ثعلب بن عيينة بن ثابت بن بكّار بن عبد الله بن شرف ابن مالك بن المنذر بن النّعمان بن المنذر المنذري النابلسي [6] ، الدمشقي المولد، المحدّث الحنبلي.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 159) و «تاريخ الإسلام» (64/ 370- 371) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «كروش» والتصحيح من «تاريخ الإسلام» وانظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 392) وقد ضبطت فيه «كرّوس» بفتح الكاف وتشديد الراء. قال ابن نقطة في «تكملة الإكمال» باب (كروّس وكدوّش) : أما «كروّس» : بفتح الكاف والراء، والواو المشدّدة، وآخره سين مهملة. [3] انظر «العبر» (5/ 159- 160) و «تاريخ الإسلام» (64/ 371- 372) . [4] في «آ» و «ط» «ابن الحطية» وما أثبته من «تاريخ الإسلام» . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «مظفر» والتصحيح من مصادر الترجمة. [6] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 81) و «تاريخ الإسلام» (64/ 373- 374) ، و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 224- 225) ونسبه الذهبي في «تاريخ الإسلام» إلى النعمان بن المنذر ملك عرب الشام.

ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بدمشق، وارتحل في طلب الحديث إلى الأمصار، فسمع بمكّة من ابن الحصري، وبمصر من البوصيري، والأرتاحي، والحافظ عبد الغني [1] وجماعة، وببغداد من المبارك بن كليب، وابن الجوزي، وغيرهما. وبأصبهان من أبي المكارم اللّبّان وغيره، وبخراسان من عبد المنعم الفراوي، والمؤيد الطّوسي، وجماعة. وبنيسابور من أبي سعد الصفّار وغيره، وبحرّان من الحافظ عبد القادر الرهّاوي، وانقطع إليه مدة. وكتب الكثير بخطه، وحدّث بالكثير. قال المنذري: سمعت منه بحرّان ودمشق، وكتب عنه ابن النجار ببغداد، وقال: كان شيخا صالحا. وقال عمر بن الحاجب: كان عبدا صالحا، صاحب كرامات، ذا مروءة، مع فقر مدقع، صحيح الأصول. روى عنه الحافظ الضياء، والمنذري، والبرزالي، والقاضي سليمان بن حمزة. وتوفي في رابع شوال بسفح قاسيون ودفن به. وفيها الإسعردي [2] أبو الرّبيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الحنبلي [3] المحدث، خطيب بيت لهيا. ولد بإسعرد سنة سبع وستين وخمسمائة، ورحل فسمع بدمشق من الخشوعي، وابن طبرزد، وجماعة كثيرة. وبمصر من البوصيري وغيره،

_ [1] يعني المقدسي رحمه الله تعالى. [2] قال ابن ناصر الدّين: وكانوا يؤذونه، فيكشطون الدال، فيبقى الأسعري- وقد تصحفت في «توضيح المشتبه» إلى الأشعري- فيغضب. قلت: «القائل ابن ناصر الدّين) : ووجدت نسبة سليمان هذا بخطّه: السعردي، فكأنّه- والله أعلم- لما أوذي بكشط الدال كتب: السعردي لتزول العلّة مع كشط الدال. [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 576- 577) و «العبر» (5/ 160) و «تاريخ الإسلام» (64/ 377- 378) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 223) و «توضيح المشتبه» (1/ 223- 224) وقد تأخرت هذه الترجمة في «ط» إلى عقب الترجمة التالية.

وبالإسكندرية من ابن علّاس [1] ، وانقطع إلى الحافظ عبد الغني المقدسي مدة، وتخرّج به، وسمع منه الكثير، وكتب بخطّه كثيرا. وكان كثير الإفادة، حسن السيرة. سئل عنه الحافظ الضياء فقال: خيّر ديّن ثقة. وأقام ببيت لهيا، وتولى إمامتها وخطابتها. قال المنذري: اجتمعت به ولم يتفق لي السماع منه، وأفادنا إجازة عن جماعة من شيوخ المصريين وغيرهم، شكر الله سعيه، وجزاه خيرا. توفي في ثاني عشري ربيع الآخر ببيت لهيا. ورحمة اسم أم أبي [2] جدّه وبها عرف جدّه. وفيها أبو علي الحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار المصري الصّائغ [3] . روى عن السّلفي، ومات في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة. وفيها أبو المعالي عماد الدّين عبد الرحمن بن مقبل [4] . العلّامة قاضي القضاة الواسطي الشافعي [5] . ولد سنة سبعين وخمسمائة، وتفقه، فدرّس وأفتى، وناب في القضاء عن أبي صالح الجيلي، ثم ولي بعده القضاء، ودرّس بالمستنصرية، ثم عزل عن الكلّ سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، فتزهّد، وتعبد، ثم ولي مشيخة رباط في سنة خمس وثلاثين، وحدّث عن ابن كليب، وتوفي في ذي القعدة.

_ [1] هو عبد الرحمن بن مكي بن حمزة بن موقّى الأنصاري السعدي الثغري، ويعرف بابن علّاس، المتوفى سنة (599) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 392- 393) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (247) . [2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» . [3] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 344) وقد تقدمت ترجمته في «ط» إلى ما قبل ترجمة الإسعردي التي قبلها. [4] تحرفت «ابن مقبل» في «ا» و «ط» إلى «ابن نفيل» والتصحيح من مصادر الترجمة. [5] انظر «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 379- 380) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 187) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 553- 554) .

وفيها عبد السّيّد بن أحمد الضّبّي [1] ، خطيب بعقوبا. روى عن يحيى ابن ثابت، وأحمد المرقّعاتي، وتوفي في صفر، وله تسع وسبعون سنة. وفيها أبو محمد سيف الدّين عبد الغني بن فخر الدّين أبي عبد الله محمد بن تيميّة الحرّاني [2] الحنبلي، خطيب حرّان وابن خطيبها الفخر. ولد في ثاني صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بحرّان، وسمع بها من والده، وعبد القادر الرّهاوي وغيرهما. ورحل إلى بغداد، فسمع من ابن سكينة، وابن طبرزد، وغيرهما. وأخذ الفقه عن غلام ابن المنّي [3] وغيره، ورجع إلى حرّان، وقام مقام أبيه بعد وفاته، فكان يخطب، ويعظ، ويدرّس، ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي. قال ابن حمدان: كان خطيبا، فصيحا، رئيسا، ثابتا، رزين العقل، وله تصنيف «الزوائد على تفسير الوالد» و «إهداء القرب إلى ساكني الترب» . قال: ولم أسمع منه، ولا قرأت عليه شيئا. وسمعت بقراءته على والده كثيرا. توفي في سابع المحرّم بحرّان. وفيها البدر علي بن عبد الصّمد بن عبد الجليل الرّازي [4] ، المؤدّب بمكتب جاروخ بدمشق. روى عن السّلفي «ثمانين» [5] الآجري، وتوفي في ربيع الآخر.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 380) . [2] انظر «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 381) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 222) . [3] هو إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني، يعرف بالرّفّاء المناظر، ويعرف أيضا بغلام ابن المني. مات سنة (610 هـ) وقد تقدمت ترجمته في ص (76) من هذا المجلد. [4] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المرازقي» والتصحيح من «العبر» (5/ 161) و «تاريخ الإسلام» (64/ 384) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 79) . [5] في «ط» : «ثماني» والصواب ما جاء في «آ» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (104) .

وفيها أبو فضيل قايماز المعظّمي مجاهد الدّين [1] والي البحيرة. روى عن السّلفي، ومات في سلخ شوال. وفيها شرف الدّين بن الصّفراوي [2] قاضي قضاة مصر أبو المكارم محمد بن القاضي [الرّشيد علي بن القاضي] أبي المجد حسن الإسكندراني ثم المصري الشافعي. ولد بالإسكندرية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وقدم القاهرة فناب في القضاء سنة أربع وثمانين عن نصر الدّين بن درباس، ثم ناب عن غير واحد، وولي قضاء الدّيار المصرية في سنة سبع عشرة وستمائة، وتوفي في تاسع عشر ذي القعدة. وفيها ابن نعيم القاضي أبو بكر محمد بن يحيى بن مظفّر البغدادي الشافعي، المعروف بابن الحبير [3] . ولد سنة تسع وخمسين، وسمع من شهدة وجماعة، وكان من أئمة الشافعية، صاحب ليل وتهجّد، وحجّ، طويل الباع في النظر والجدل، ولي تدريس النظامية مدة. قال الإسنويّ: كان إماما، عارفا بالمذهب ودقائقه وتحقيقاته، وله اليد الطّولي في الجدل والمناظرة، ديّنا، خيّرا، كثير التّلاوة [والتّهجّد، والحجّ] . عليه وقار وسكينة، وتفقه على المجير [4] البغدادي بعد أن كان حنبليا، وناب

_ [1] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 588) و «العبر» (5/ 162) و «تاريخ الإسلام» (64/ 386- 387) . [2] انظر «العبر» (5/ 162) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [3] انظر «تكملة الإكمال» لابن نقطة (2/ 12) و «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 586- 587) و «العبر» (5/ 162) و «تاريخ الإسلام» (64/ 391- 392) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 449- 450) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه. [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المحبر» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 271 و 450) .

في القضاء عن ابن فضلان، وحدّث، وتوفي في سابع شوال. وفيها الكمال بن يونس، العلّامة أبو الفتح موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي [1] الشّافعي، أحد الأعلام. ولد سنة إحدى وخمسين بالموصل، وتفقه على والده، وببغداد على معيد النّظامية السّديد السّلماسي، وبرع عليه في الأصول والخلاف، وقرأ النحو على ابن سعدون القرطبي، والكمال الأنباري. وأكب على الاشتغال بالعقليات، حتّى بلغ فيها الغاية، وكان يتوقّد ذكاء، ويموج بالمعارف، حتّى قيل: إنه كان يتقن أربعة عشر فنّا، واشتهر ذكره، وطار صيته وخبره، ورحلت الطلبة إليه من الأقطار، وتفرّد بإتقان علم الرّياضي، ولم يكن له في وقته نظير. قال ابن خلّكان: كان يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه، كما قال العماد المغربي فيه: وعاطيته صهباء من فيه مزجها ... كرقّة شعري أو كدين ابن يونس وقال ابن خلّكان أيضا: ولقد رأيته بالموصل في شهر رمضان، سنة ست وعشرين وستمائة، وترددت إليه دفعات عديدة، لما كان بينه وبين الوالد- رحمه الله- من المؤانسة والمودّة الأكيدة، ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام، وكان الفقهاء يقولون: إنه يدري أربعة وعشرين علما [2] دراية متقنة، فمن ذلك المذهب، وكان فيه أوحد أهل زمانه، وكان جماعة من الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم، ويحلّ لهم

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 311- 318) و «العبر» (5/ 162- 163) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 85- 87) و «تاريخ الإسلام» (64/ 394- 397) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (265) . [2] في «وفيات الأعيان» : «فنّا» .

مسائل [1] «الجامع الكبير» أحسن حلّ، مع ما هي عليه من الإشكال المشهور. وكان يتقن فنّي [2] الخلاف العراقي والبخاري، وأصول الفقه والدّين، ولما وصلت كتب فخر الدّين الرّازي إلى الموصل- وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء- لم يفهم أحد اصطلاحه فيها سواه، وكذلك «الإرشاد» للعميدي، لمّا وقف عليها [حلّها] في ليلة واحدة وأقرأها [3] على ما قالوه. وبالجملة فقد كان كمال الدّين كما قال الشاعر: وكان من العلوم بحيث يقضى ... له في كلّ علم [4] بالجميع واستخرج في علم الأوقات [5] طرقا لم يهتد إليها أحد. وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئا كثيرا. وكان أهل الذّمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل، ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله. وبالجملة فإنّ مجموع ما كان يعرف من العلوم لم يكن يسمع عن أحد ممن كان تقدمه أنه جمع مثله. وتوفي- رحمه الله تعالى- بالموصل رابع عشر شعبان. انتهى كلام ابن خلّكان ملخصا [6] .

_ [1] لفظة «مسائل» سقطت من «آ» . [2] في «ط» : «فنّ» وهو خطأ. [3] في «آ» : «وقرأها» وما جاء في «ط» موافق لما في «وفيات الأعيان» . [4] في «وفيات الأعيان» : «فنّ» . [5] في «ط» و «وفيات الأعيان» : «في علم الأوفاق» . [6] قلت: وفيها على الصواب مات قاضي القضاة أبو المكارم محمد بن عبد الله بن الحسن الإسكندري المصري المعروف بابن عين الدولة، وقد وهم المؤلّف- رحمه الله تعالى- فأورد ترجمته في سنة (ست وثلاثين وستمائة) وقد نبّهت على وهمه عند التعليق على ترجمته ص (317) فراجعها.

سنة أربعين وستمائة

سنة أربعين وستمائة فيها جهّز الملك الصالح أيوب عسكره وعليهم كمال الدّين ابن الشيخ لأخذ دمشق من عمّه الصّالح إسماعيل، فمات مقدّم العسكر كمال الدّين بغزّة، ويقال: إنه سمّ. وفيها توفي الزّين أحمد [1] بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي الشّروطي الناسخ [2] . روى عن يحيى الثقفي، والبوصيري، وابن المعطوش [3] وطبقتهم. وطلب وكتب الأجزاء. توفي في رمضان عن ثلاث وستين سنة. وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدّمشقي الخشوعي [4] . آخر من سمع من عبد الواحد بن هلال، وما يدرى ما سمع من ابن عساكر. توفي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة. وفيها آسية [بنت عبد الواحد] المقدسية [5] ، والدة السيف بن المجد. قال أخوها الضياء: ما في زماننا مثلها، لا تكاد تدع قيام الليل.

_ [1] لفظة «أحمد» سقطت من «العبر» بطبعتيه فتستدرك. [2] انظر «العبر» (5/ 164) و «تاريخ الإسلام» (64/ 402) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المعطوس» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] انظر «العبر» (5/ 164) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 102- 103) و «تاريخ الإسلام» (64/ 405- 406) . [5] انظر «العبر» (5/ 164) و «تاريخ الإسلام» (64/ 406- 407) وما بين الحاصرتين زيادة منه.

وفيها الجهة [1] الأتابكية، امرأة الأشرف موسى، صاحبة المدرسة والتّربة بجبل قاسيون تركان بنت الملك عز الدّين مسعود بن قطب الدّين مودود بن أتابك زنكي. وفيها جمال النّساء بنت أحمد بن أبي سعد الغرّاف البغدادية [2] سمعت من ابن البطّي، وأحمد بن محمد الكاغدي، وبقية عشرة شيوخ، وتوفيت في جمادى الأولى. وفيها أبو محمد الحسن بن الأكرم، عرف بابن الزّاهد، العلوي الأديب. ومن شعره: صدّ عنّي وجاء شيئا فريّا ... فنبذت الكرى مكانا قصيّا ورعيت النّجوم في الليل حتّى ... بات طرفي موكّلا بالثّريّا وبراني الأسى فقلت لقلبي ... ذق أليم الغرام ما دمت حيّا كيف تهوى من لا يرقّ لصب ... قد كوت قلبه الصّبابة كيّا يا طبيب القلوب عالج مريضا ... يشتكي من جفاك داء دويّا ترك الحزم من أحب كحبي ... من بني التّرك ظالما تركيّا يا بخيلا بوصله ولعمري ... ضيّق العين لا يكون سخيّا وفيها سعيدة بنت عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة [3] . روت بالإجازة عن العثماني [4] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «الحجة» وما أثبته من «العبر» (5/ 164) و «تاريخ الإسلام» (64/ 408) . [2] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 408- 409) و «مرآة الجنان» (4/ 104) و «غربال الزمان» ص (520) وقد تصحفت «الغرّاف» إلى «العرّاف» في «آ» و «ط» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 410) . [4] هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الدّباجي العثماني، المتوفى سنة-

وفيها عائشة بنت المستنجد بالله [1] بن المقتفي، وأخت المستضيء، وعمّة النّاصر. عمّرت دهرا، وماتت في ذي الحجّة. وفيها عبد الحميد بن محمد بن سعد الصّالحي الطّيّان [2] . روى عن يحيى الثّقفي، وتوفي في رجب. وفيها ابن أبيه [3] عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدّجّاجية. روى عن الحافظ ابن عساكر، ومات في المحرّم. وفيها أبو محمد عبد العزيز بن مكّي بن كرسا البغدادي [4] . روى عن ابن البطّي وجماعة، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها صاحب المغرب أبو محمد بن المأمون، واسمه عبد الواحد ابن إدريس المؤمني [5] ، صاحب مراكش. ولي الأمر سنة ثلاثين وستمائة، وأعاد ذكر ابن تومرت في الخطبة ليستميل قلوب الموحدين. توفي غريقا في صهريج بستانه [6] ، وولي بعده أخوه المعتضد علي. وفيها العلم بن الصّابوني أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد المحمودي الجوّيثي [7] الصّوفي، والد الجمال بن الصّابوني، المحدّث. أجاز

_ [ (-) ] (572) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس ص (399- 400) . [1] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 412- 413) . [2] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 413- 414) . [3] انظر «العبر» (5/ 165) و «تاريخ الإسلام» (64/ 416) وقال الذهبي فيه: المعروف بابن الدّجاجية، وبابن أبيه. [4] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 601) و «تاريخ الإسلام» (64/ 416) و «العبر» (5/ 165) . [5] انظر «العبر» (5/ 165- 166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 419) . [6] في «تاريخ الإسلام» : «في صهريج بستان له بمرّاكش» . [7] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحزني» والتصحيح من «العبر» (5/ 166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 420) وانظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) .

له أبو المطهّر الصيدلاني، وابن البطّي، وطائفة. وسمع من السّلفي، وكان عدلا، جليلا، وافر الحرمة. توفي في شوال عن أربع وثمانين سنة. وفيها ابن شفنين [1] ، الشّريف أبو الكرم محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي العبّاسي المتوكلي، مسند العراق. أجاز له أبو بكر بن الزّاغوني، ونصر بن نصر العكبري، وأبو الوقت [السّجزي] ، ومحمد بن عبيد الله الرّطبي. وسمع من يحيى بن السّدنك. وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة، وكان سريّا نبيلا. وفيها المستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الظّاهر بأمر الله محمد بن النّاصر أحمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي العبّاسي [2] . ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وهو ابن تركية، واستخلف في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، فحمدت سيرته. وكان أشقر، ضخما، قصيرا، وخطه الشّيب، فخضب بالحناء، ثم تركه. وكان جوادا، كريما، رحيما، سمحا، عادلا. بنى مدرسة المستنصرية ووقفها على المذاهب الأربعة، وفيها المارستان والحمّام، وليس في الدّنيا مثلها، وهي بالعراق كجامع دمشق.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شفين» والتصحيح من «العبر» (5/ 166) و «تاريخ الإسلام» (64/ 424- 425) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) . [2] انظر «العبر» (5/ 166- 167) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 155- 168) و «تاريخ الإسلام» (64/ 427- 431) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) .

وبنى المساجد، والخوانك، والخانات في الطّرق، ولم يكن للمال عنده قدر. بنى أبوه الناصر بركة وترك فيها المال، وكان يقول: ترى أعيش حتّى أملأها، فلما ولي المستنصر كان يقول: ترى أعيش حتّى أفرغها. وتوفي بكرة الجمعة عاشر جمادى الآخرة وحزن الناس عليه حزنا عظيما، وبويع لولده عبد الله المستعصم بالله .

سنة إحدى وأربعين وستمائة

سنة إحدى وأربعين وستمائة فيها كما قال في «العبر» [1] حكمت التتار على بلد الرّوم، والتزم [2] صاحبها ابن علاء الدّين بأن يحمل لهم كلّ يوم ألف دينار، ومملوكا، وجارية، وفرسا، وكلب صيد. وفيها توفي أبو إسحاق تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن الأزهر بن أحمد بن محمد الصّريفيني [3]- بفتح الصاد المهملة، وكسر الراء والفاء بين تحتيتين ساكنتين، وآخره نون، نسبة إلى صريفين قرية ببغداد، ولنا أخرى بواسط- الحافظ الحنبلي الفقيه، نزيل دمشق. ولد ليلة حادي عشر محرم سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وخمسمائة بصريفين ودخل بغداد، وسمع بها من ابن الأخضر، وابن طبرزد، وهذه الطبقة، ورحل إلى الأقطار. وسمع بأصبهان، ونيسابور، وهراة، وبوشنج، ودينور، ونهاوند وتستر، وطبس، والموصل، ودمشق، وبيت المقدس، وحرّان من أعلام هذه المدن.

_ [1] (5/ 167) . [2] في «العبر» بطبعتيه: «وألزم» . [3] انظر «العبر» (5/ 167) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 89) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 227- 230) .

وتخرج بحرّان على الرّهاوي، وتفقه ببغداد على ابن البوازيجي [1] ، وأبي البقاء العكبري، وتأدّب بهبة الله الدّوري. قال عمر ابن الحاجب الحافظ: كان أحد حفّاظ الحديث وأوعية العلم، إماما، فاضلا، صدوقا، خيّرا، نبيلا، ثقة، حجّة، واسع الرواية، ذا سمت ووقار وعفاف، حسن السيرة، جميل الظّاهر، سخي النّفس، مع القلة، كثير الرغبة في فعل الخيرات. سافر الكثير، وجال في الآفاق. وكتب الكثير، وقرأ وأفاد. كثير التواضع، سليم الباطن. وكان شيخا لدار حديث منبج، تركها واستوطن حلب، وولي بها دار الحديث التي للصاحب بن شدّاد، وكان يحدّث بها، ويتكلم على الأحاديث وفقهها ومعانيها. سألت البرزالي عنه فقال: حافظ ديّن ثقة. وقال أبو شامة: كان عالما بالحديث، ديّنا، متواضعا. توفي في خامس عشر جمادى الأولى وحضرت الصلاة عليه بجامع دمشق، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى. وفيها الأعزّ بن كرم [2] أبو محمد [3] الحربي الإسكاف البزّاز [4] . سمع من يحيى بن ثابت وغيره، وتوفي في صفر. وفيها شمس الدّين أبو الفتوح وأبو الخطّاب عمر بن أسعد بن المنجّى بن بركات المؤمل التّنوخي المعرّي الحرّاني المولد الدمشقي الدار والوفاة القاضي الحنبلي بن القاضي وجيه الدّين [5] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «التواريخي» وتصحفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «البوازيحي» بالحاء المهملة، والتصحيح من ترجمة أبيه في «توضيح المشتبه» (1/ 630) . [2] في «العبر» بطبعتيه: «ابن كريم» . [3] في «النجوم الزاهرة» : «ابن محمد» . [4] انظر «العبر» (5/ 167- 168) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) . [5] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 80- 81) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1435) و «الإعلام بوفيات-

ولد بحرّان- إذ أبوه قاضيها في الدولة النّورية- سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ونشأ بها، وتفقّه على والده، وسمع من عبد الوهاب بن أبي حبّة. وقدم دمشق فسمع بها من القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وغيره، ورحل إلى العراق، وخراسان. وسمع ببغداد. واشتغل بالخلاف على المحبر الشافعي. وأفتى ودرّس. وكان عارفا بالقضاء بصيرا بالشروط والحكومات والمسائل الغامضات، صدرا نبيلا، وولي قضاء حرّان قديما، واستوطن دمشق ودرّس بها بالمسمارية. وحدّث عنه البرزالي، وابن العديم، وغيرهما. وأجاز لابن الشيرازي. توفي في سابع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون، كذا قال أبو شامة [1] . وفيها أبو القاسم حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزّال الأنصاري الإسكندراني [2] . روى عن السّلفي، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها سلطان بن محمود البعلبكي [3] الزاهد، أحد أصحاب الشيخ عبد الله اليونيني. كان صاحب أحوال وكرامات، وهو والد الشيخ الصالح محمود. قال السخاوي في «طبقاته» : كان من كبار أولياء الله تعالى، تقوّت مدة من مباح جبل لبنان. حكى العماد أحمد بن سعد أن الشيخ معالي خادم

_ [ (-) ] الأعلام» ص (266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 225- 226) . [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (173) . [2] انظر «العبر» (5/ 168) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 19) وقد سمّاه الذهبي هناك «حمزة بن أوس الغزّال» . [3] انظر «العبر» (5/ 168) .

الشيخ سلطان حدّثه أنه سأل الشيخ سلطان، فقال: يا سيدي كم مرّة رحت إلى مكّة في ليلة؟ قال: ثلاث عشرة مرة. قلت: فالشيخ عبد الله اليونيني قال: لو أراد أن لا يصلي فريضة إلّا في مكّة لفعل. وقال الشيخ عبد الدائم بن أحمد بن عبد الدائم: لما أعطي الشيخ سلطان الحال جاء إليه سايس كردي فقال: قد عزلت أنا ووليت أنت وبعد ثلاثة أيام ادفني. قال: فمات بعد ثلاث ودفنه [1] . وحكى الشيخ الصالح محمود بن الشيخ سلطان، أن أباه كانت تفتح له أبواب بعلبك بالليل انتهى. وفيها عائشة بنت محمد بن علي بن البلّ البغدادي [2] الواعظة. أجاز لها أبو الحسن بن غبرة، والشيخ عبد القادر [3] ، وكانت صالحة تعظ النساء، توفيت في جمادى الأولى. وفيها أبو محمد عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي [4] روى عن أبي الفهم بن أبي العجائز، وابن صابر وجماعة. وكان يلقب بالضياء، وسمع بحرّان من أبي الوفاء. وحدّث، وكان مشهورا بالخير والصلاح، وعجز في آخر عمره عن التصرف، وتفرّد بأشياء، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها عز الدّين أبو الفتح وأبو عمرو عثمان بن أسعد الحنبلي [5] . ولد في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة، وسمع بمصر من

_ [1] قلت: هذه الفقرة وما سبقها من الشطحات التي لا يقرها الشرع الحنيف ولا العقل السليم. [2] انظر «العبر» (5/ 168) . [3] يعني الجيلاني، رحمه الله تعالى. [4] انظر «العبر» (5/ 168) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 227) . [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 226) .

البوصيري، ويوسف [1] بن الطّفيل. وببغداد من ابن سكينة وغيره. وسمع منه الحافظ ابن الحاجب، وابن الحلوانية، وولداه: وجيه الدّين محمد، وزين الدّين المنجّى، والحسن بن الخلّال. وكان فقيها فاضلا معدّلا. ودرّس بالمسمارية عن أخيه نيابة. وكان تاجرا ذا مال وثروة. توفي في مستهل ذي الحجة. وفيها أبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي [2] . ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع بالإسكندرية من السّلفي، وبمكة من المبارك بن الطبّاخ. وبدمشق من أبي الحسين بن الموازيني. وحدّث، وتوفي في جمادى الآخرة ودفن بجبل قاسيون. وفيها أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي الدمشقي [3] . روى عن الحافظ ابن عساكر، والأمير أسامة، وتوفي في رجب. وفيها التّسارسي [4] أبو الرضا علي بن زيد بن علي الإسكندراني الخيّاط. روى عن السّلفي، وتسارس [5] من قرى برقة. توفي في رمضان. قاله في «العبر» .

_ [1] في «آ» و «ط» : «ويعقوب» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 457) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 393) . [2] انظر «العبر» (5/ 169) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 226- 227) . [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (173) و «العبر» (5/ 169) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) . [4] في «آ» و «ط» : «البسارسي» وهو تصحيف والتصحيح من «العبر» (5/ 169) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 92) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) . [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «بسارس» والتصحيح من «العبر» وانظر «معجم البلدان» (2/ 29) .

وفيها علي بن أبي الفخار هبة الله بن أبي منصور محمد بن هبة الله الشريف أبو تمّام الهّاشمي العدل [1] ، خطيب جامع ابن المطلب ببغداد. روى عن ابن البطّي، وأبي زرعة، وجماعة. وعاش تسعين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها قصير بن فيروز البوّاب أبو محمد القطيعي [2] . روى عن عبد الحق اليوسفي، وتوفي في شهر رمضان. وفيها كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام أم الفضل القرشية الزّبيريّة، وتعرف ببنت الحبقبق [3] . روت عن حسّان الزّيّات وخلق، وأجاز لها أبو الوقت [السّجزي] ، وابن الباغبان [4] ، ومسعود الثقفي، وخلق. وروت شيئا كثيرا. توفيت في جمادى الآخرة [5] ببستانها بالميطور [6] . وفيها الجواد الذي تسلطن بدمشق بعد الملك الكامل، هو مظفّر الدّين يونس بن ممدود بن العادل [7] . كان من أمراء عمّه الكامل، وكان جوادا لكنه لا يصلح للملك.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 169- 170) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 90- 91) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (266) . [2] انظر «العبر» (5/ 170) و «النجوم الزاهرة» (6/ 350) . [3] انظر «العبر» (5/ 170) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 92- 93) و «النجوم الزاهرة» (6/ 349) . [4] تصحفت إلى «الباغيات» في «آ» و «ط» والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (20/ 378) وسقط ذكره من «المنتخب» لابن شقدة (167/ ب) . [5] في «ط» : «الآخر» . [6] انظر «معجم البلدان» (5/ 244) و «القلائد الجوهرية» (1/ 218) . [7] انظر «العبر» (5/ 171) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 184- 185) .

وفيها الأمير أبو المنصور مهلهل بن الأمير محمد الملك أبي الضياء بدران بن يوسف بن عبد الله بن رافع بن زيد بن أبي الحسن علي بن سلامة بن طارق [بن ثعلب بن طارق] [1] بن سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الحسّاني النابلسي [2] الأصل المصري الحنبلي [3] . سمع من إسماعيل ابن ياسين والبوصيري [4] ، والأرتاحيّ، وابن نجا، والحافظ عبد الغني [5]- ولازمه كثيرا- وخلق كثير، وكتب بخطّه، وقرأ بلفظه. قال المنذري: سمعت منه، وتوفي في سابع عشر شعبان. وفيها الصّدر الرئيس جمال الدّين محمد بن عقيل بن كروّس [6] محتسب دمشق. كان كيّسا، متواضعا، دفن بداره بدرب السّامري، والله أعلم.

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [2] في «ط» : «البابلسي» . [3] انظر «التكملة لوفيات النقلة» (3/ 627- 628) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 227) . [4] في «آ» و «ط» : «والأبو صيري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 414) . [5] يعني المقدسي كما جاء مبينا في «التكملة» . [6] انظر «مرآة الزمان» (8/ 491- 492) .

سنة اثنتين وأربعين وستمائة

سنة اثنتين وأربعين وستمائة وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد المعروف بابن أبي الدّم [1] ولد بحماة في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد، فتفقّه بها. وسمع بالقاهرة وحدّث بها وبكثير من بلاد الشام، وولي قضاء بلده همذان- بإسكان الميم [2]- وهو حموي ولي قضاءها [3] أيضا. وكان إماما في مذهب الشافعي، عالما بالتاريخ، له نظم ونثر، ومن تصانيفه «شرح مشكل الوسيط» و «أدب القاضي» وكتاب في التاريخ والفرق الإسلامية.

_ [1] انظر «المختصر في تاريخ البشر» (3/ 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 125- 126) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 115- 118) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 124) . [2] تنبيه: كذا قيّدها المؤلّف رحمه الله: «همذان» بإسكان الميم ونسبه إليها وأظنه وهم في ذلك لأن «همذان» مفتوحة الميم، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن ابن قاضي شهبة قيّد نسبته «الهمداني» بإسكان الميم وبالدال وهو الصواب، و «الهمداني» نسبة إلى قبيلة «همدان» كما ومعروف. [3] يعني قضاء حماة.

وقال الذهبي: له «التاريخ الكبير المظفّري» وتصانيفه تدلّ على فضله. توفي في جمادى الآخرة. وفيها التّاج بن الشّيرازي أبو المعالي أحمد بن القاضي أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد الدّمشقي المعدّل [1] . روى عن جدّه، والفضل ابن البانياسي، وجماعة. وتوفي في رمضان، وله إجازة من السّلفي. وفيها أبو طالب حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي [2] . روى عن [أبي] القاسم بن عساكر، وتوفي في المحرّم عن خمس وتسعين سنة. وفيها أبو المنصور ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسماعيل بن سحم الأزدي الإسكندراني المالكي المطرّز [3] . روى عن السّلفي وجماعة، وتوفي في ربيع الأول. وفيها تاج الدّين بن حمّوية شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله، ويسمى أيضا عبد السلام بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصّوفي [4] ، شيخ السميساطية. ولد بدمشق سنة ست وستين، وسمع من شهدة، والحافظ أبي القاسم ابن عساكر. ودخل المغرب قبل الستمائة، فأقام هناك ست سنين، وله مجاميع وفوائد، وكان نزها، عفيفا، قليل الطمع، لا يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى لأجل الدنيا. وصنّف التاريخ، وهو عم أولاد شيخ الشيوخ. توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصّوفية.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 171- 172) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 352) . [2] انظر «العبر» (5/ 172) و «مرآة الجنان» (4/ 105) . [3] انظر «العبر» (5/ 172) و «النجوم الزاهرة» (6/ 351- 352) . [4] انظر «العبر» (5/ 172) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 96) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) .

وفيها الرّفيع الجيلي، قاضي القضاة بدمشق أبو حامد عبد العزيز [1] . قال الإسنوي في «طبقاته» : رفيع الدّين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل الجيلي الشّافعي. كان فقيها، بارعا، مناظرا، عارفا بعلم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل، جيد القريحة، شرح «الإشارات» لابن سينا شرحا جيدا. وكان فقيها في مدارس دمشق. [و] كان يصحب كاتب الصالح إسماعيل، وهو أمين الدّين بن غزال الذي كان سامريا فأسلم، فلما أعطيت بعلبك للصالح إسماعيل وبنى أمين الدّين بن غزال بها المدرسة المعروفة بالأمينية. وسعى الرّفيع في قضاء بعلبك، فتولاها مع المدرسة، فلما انتقل الصّالح إلى ملك دمشق، واستوزر أمين الدّين نقل الرّفيع من بعلبك إلى قضاء دمشق بعد موت شمس الدّين ابن الخويي [2] ، فسار القاضي المذكور سيرة فاسدة، حمله عليها قلة دينه، وفساد عقيدته من إثبات المحاضر الفاسدة، والدعاوى الباطلة، وإقامة شهود رتّبهم لذلك، وأكل الرّشا وأموال الأيتام والأوقاف وغير ذلك، ومهما حصل يأخذ الشهود بعضهم، والباقي يقسم بين القاضي والوزير. هذا، مع استعمال المسكرات، وحضور صلاة الجمعة وهو سكران، ثم إن الله تعالى كشف الغمّة بأن أوقع بين الوزير والقاضي، وأراد كل منهما هلاك الآخر ودماره، فبادر الأمير وقرّر أمره مع الصالح، فأمر ورسم له بمكة [3] . قال أبو شامة: وفي ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وستمائة. قبض

_ [1] انظر «العبر» (5/ 172) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 592- 594) و «النجوم الزاهرة» (6/ 350- 351) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجويني» والتصحيح من هامش «آ» ومن ترجمته في حوادث سنة (637) من هذا المجلد. [3] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «فرسم يمسكه» .

على أعوان الرّفيع الظّلمة الأرجاس، وعلى كبيرهم [1] الموفق حسين الواسطي، المعروف بابن الروّاس، وسجنوا ثم عذّبوا بالضرب والعصر والمصادرة، ومات ابن الرّواس في العقوبة في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين. قال: وفي ثاني [ذي] الحجّة أخرج الرّفيع من داره وحبس بالمقدميّة، ثم أخرج ليلا، وذهب به فسجن بمغارة من نواحي البقاع، ثم انقطع خبره، فقيل: خنق، وقيل: ألقي من شاهق في هوّة، ولم يذكر الذهبي في «العبر» غيره. وقيل: مات حتف أنفه، وتولى بعده محيي الدّين بن الزّكي بمدرسة واحدة، وفرّقت مدارسه على العلماء. وأمّا صاحبه الوزير المسمّى بالأمين، فإنه بقي إلى سنة ثمان وأربعين [وستمائة] ثم شنق بالدّيار المصرية، وأخذت حواصله فبلغت ثلاثة آلاف ألف دينار. انتهى كلام الإسنوي. وقال ابن قاضي شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان فاسد العقيدة، دهريا، مستهزئا بأمور الشريعة، يخرج إلى الجمعة سكران، وإذا سمع بصاحب مال جهّز من يدّعي عليه بمبلغ من المال، فإذا أنكر أخرج عليه حجّة بالمبلغ، وعنده شهود زور، أعدّهم لذلك. وحمل القاضي الرّفيع إلى بعلبك على بغل بغير إكاف، ثم بعث به إلى مغارة في جبل لبنان من ناحية الساحل، وأرسل إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه، وأوقف على رأس القلعة، فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين، فصلّى وأطال، فرفسه داود سيّاف النقمة فوقع، فما وصل إلى الماء إلّا وقد تقطع. انتهى.

_ [1] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وغلّ كبيرهم» .

وفيها الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب [1] ، لم تحفظ عنه كلمة فحش. حبسه الملك إسماعيل وضيّق عليه السّامري، فمات غمّا وغبنا، ودفن بتربة جدّه الملك الكامل. وفيها النّفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي [2] . سمع بمكة عبد المنعم الفراوي، وبالثغر من أبي الطّاهر بن عوف، وأبي طالب التّنوخي. توفي في آخر السنة عن ثمان وسبعين سنة. وفيها أبو القاسم القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري القرطبي [3] نزيل مالقة. كان حافظا، مصنّفا، إماما في العربية والقراءات. قاله ابن ناصر الدين. وفيها أبو الحسن علي [بن الأنجب] بن ما شاء الله بن الحسين بن عبد الله بن عبد الله العلوي الحسيني البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المقرئ ابن الجصّاص [4] . ولد في أوائل سنة ست وستين وخمسمائة، وقرأ القراءات على ابن الباقلاني الواسطي بها. وسمع الحديث من ابن شاتيل، وشهدة، وابن كليب، وغيرهم. وتفقّه على أبي الفتح بن المنّي، وتكلّم في مسائل الخلاف، وناظر، وحدّث.

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (6/ 351) . [2] انظر «العبر» (5/ 173) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) . [3] انظر «الذيل والتكملة» للمراكشي (5/ 2/ 557- 566) - وفيه مصادر ترجمته- و «التبيان شرح بديعة البيان» (177/ آ) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 230) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

وروى عنه ابن النجّار، وأجاز لسليمان بن حمزة، والقاسم بن عساكر، وغيرهما، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعيد بن مسافر بن جميل البغدادي الأزجي الحنبلي الأديب [1] . ولد في سابع ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وسمع بإفادة والده من ابن شاتيل، وابن كليب، وغيرهما. وكان لديه فضل وأدب، وله تصانيف. وسمع منه المحبّ المقدسي، وعلي بن عبد الدائم، وتوفي في ثالث رجب ببغداد. وفيها الجمال بن المخيلي أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور بن نجا الغسّاني الإسكندراني المالكي [2] . روى عن السّلفي وجماعة، وكان من أكابر بلده. توفي في جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 230- 231) . [2] انظر «العبر» (5/ 173) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 116) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 352) .

سنة ثلاث وأربعين وستمائة

سنة ثلاث وأربعين وستمائة بها كان الغلاء المفرط بدمشق، بيعت الغرارة بألف وستمائة درهم، وأكلت الجيف، وتوفي بها خلق كثير من الأعيان. وفيها، وجزم ابن كمال باشا أنه توفي في التي قبلها، شمس الأئمة الكردري الحنفي محمد بن عبد الغفّار بن محمد العلماوي الكردري- بفتح الكاف والدال المهملة وسكون الراء الأولى، نسبة إلى كردر ناحية بخوارزم-. قال ابن كمال باشا في «طبقاته» : كان أستاذ الأئمة على الإطلاق، والموفود إليه من الآفاق. أخذ عن شيخ الإسلام برهان الدّين علي المرغيناني صاحب «الهداية» والشيخ مجد الدّين السّمرقندي، والشيخ برهان الدّين ناصر صاحب «المغرب» [1] ، والعلّامة بدر الدّين عمر بن عبد الكريم الورسكي، والشيخ شرف الدّين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر العقيلي، والقاضي عماد الدّين أبي العلى عمر بن محمد الزّرنجري [2] ، والإمام الزّاهد زين الدّين الغتّابي، والشيخ نور الدّين أبي محمد أحمد بن محمود الصّابوني، والإمام فخر الدّين قاضي خان، ونسبته إلى الجدّ المنسوب إلى الكردر من عمل

_ [1] طبع في مكتبة أسامة بن زيد بحلب بتحقيق الأستاذين محمود الفاخوري وعبد الحميد مختار عام 1399 هـ وصدر في مجلدين. [2] في «آ» : «الزّرنجي» .

جرجانية خوارزم، برع في معرفة المذهب، ورفع علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدّبوسي، وشمس الأئمة السّرخسي، وتفقه عنه كثير من الفقهاء، ومات ببخارى يوم الجمعة تاسع المحرّم انتهى. وفيها سيف الدّين أبو العبّاس أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد ابن قدامة المقدسي الصّالحي [1] ، المحدّث الحافظ ابن ابن شيخ الإسلام موفق الدّين الحنبلي. ولد سنة خمس وستمائة بالجبل، وسمع من جدّه الكثير، ومن أبي اليمن الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وداود بن ملاعب، وطبقتهم. ورحل فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السّلام وخلق من أصحاب ابن ناصر وغيرهم، وكتب بخطّه الكثير. قال الذهبي: كتب العالي والنازل. وجمع وصنّف، وكان ثقة، حافظا، ذكيا، متيقظا [2] مليح الخطّ، عارفا بهذا الشأن، عاملا بالأثر، صاحب عبادة وإنابة، تامّ المروءة، أمّارا بالمعروف، قوّالا بالحقّ، ولو طال عمره لساد أهل زمانه علما وعملا. ومحاسنه جمّة، وألّف مجلدا كبيرا في الردّ على الحافظ محمد بن طاهر المقدسي بإباحته للسماع، وانتفعت كثيرا بتعاليق الحافظ سيف الدّين. انتهى. توفي في مستهل شعبان بسفح قاسيون، ودفن به، وله أيضا كتب أخر. وفيها الإمام تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الفقيه الحنبلي [3] .

_ [1] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1446- 1447) و «القلائد الجوهرية» (2/ 435- 436) و «النجوم الزاهرة» (6/ 353) . [2] في «آ» : «منقطعا» وما جاء في «ط» موافق لما في «تذكرة الحفّاظ» مصدر المؤلف. [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 232- 233) و «القلائد الجوهرية» (2/ 470- 471) .

ولد في صفر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع بدمشق من أبي طاهر الخشوعي، وحنبل الرّصافي، وابن طبرزد، وغيرهم، ورحل في طلب الحديث، فسمع بأصبهان من أسعد بن روح، وعفيفة الفارفانية وخلق. وببغداد من سليمان بن الموصلي وغيره، وقرأ الحديث بنفسه كثيرا وإلى آخر عمره، وتفقّه على الشيخ موفق الدّين، وهو جدّه لأمه، وببغداد على الفخر إسماعيل، وبرع، وانتهت إليه مشيخة المذهب بالجبل. قال ابن الحاجب: سألت عنه الحافظ ابن عبد الواحد فقال: حصّل ما لم يحصّله غيره، وحدّث، وروى عنه سليمان بن حمزة القاضي وغيره، وتوفي في ثامن عشري ربيع الآخر، ودفن بسفح قاسيون. وفيها ابن الجوهري الحافظ أبو العبّاس أحمد بن محمود بن إبراهيم ابن نبهان الدمشقي [1] مفيد الجماعة، وله أربعون سنة. سمع من أبي المجد القزويني وخلق، ورحل إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وكتب الكثير، واستنسخ، وكان ذكيا متقنا رئيسا ثقة. قاله الذّهبي. وفيها القاضي الأشرف أبو العبّاس أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني [2] ثم المصري [3] في جمادى الآخرة وله سبعون سنة. سمع من فاطمة بنت سعد الخير، والقاسم بن عساكر، وحصل له في الكهولة غرام زائد بطلب الحديث، فسمع الكثير، وكتب واستنسخ، وكان رئيسا، نبيلا، وافر الجلالة، استوزره الملك العادل، فلما مات عرضت عليه فلم يقبلها. مات بالقاهرة ودفن بتربة أبيه.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 264) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) . [2] في «آ» و «ط» : «البيثاني» بالثاء والتصحيح من «العبر» و «حسن المحاضرة» . [3] انظر «العبر» (5/ 175) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 211) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «الوافي بالوفيات» (7/ 57- 85) و «حسن المحاضرة» (1/ 564) .

وفيها معين الدّين الصّاحب الكبير أبو علي الحسن ابن شيخ الشيوخ صدر الدّين محمد بن عمر الجويني [1] في رمضان، وقد قارب الستين. ولي عدة مناصب، وتقدم عند صاحب مصر فأمّره على جيشه الذين حاصروا دمشق، فأخذها وولّى وعزل، وعمل نيابة السلطنة، فبغته الأجل بعد أربعة أشهر ووجد ما عمل. وفيها ربيعة خاتون الصّاحبة أخت صلاح الدّين والعادل [2] وقد نيّفت على الثمانين، ودفنت بمدرستها بالجبل، وتوفيت في شعبان. وفيها أبو الرجاء سالم بن عبد الرزاق بن يحيى المقدسي [3] ، خطيب عقربا [4] . روى عن أبي المعالي بن صابر وجماعة، وعاش أربعا وسبعين سنة. وفيها الشّرف أبو محمد وأبو بكر، عبد الله بن الشيخ أبي عمر، محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل الصّالحي الحنبلي الخطيب [5] . ولد في أواخر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق، وسمع بها من يحيى الثقفي وغيره، وببغداد من أبي الفرج بن الجوزي، وابن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 175- 176) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 100) . [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (177) و «المختصر في تاريخ البشر» (3/ 174) و «العبر» (5/ 176) و «البداية والنهاية» (13/ 170) و «ترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب» للمرتضى الزّبيدي ص (78) بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد. [3] انظر «العبر» (5/ 176) . [4] قرية من قرى الغوطة إلى الجنوب الشرقي من دمشق تبعد عن وسط المدينة قرابة خمس كيلو مترات. [5] انظر «ذيل الروضتين» ص (177) و «العبر» (5/ 176) و «القلائد الجوهرية» (1/ 478- 479) .

المعطوش [1] ، وابن سكينة، وطبقتهم. وبمصر من البوصيري، والأرتاحي، وغيرهما. وتفقّه على والده وعمّه، وخطب بجامع الجبل مدة، وكان شيخا حسنا يشار إليه بالعلم والدّين، والورع والزهد، وحسن الطريقة وقلّة الكلام. قال الحافظ الضياء: كان فقيها، فاضلا، ديّنا، ثقة وكتب عنه مع تقدمه. توفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون. وفيها أبو منصور عبد الله بن محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي الحريمي الحافظ المحدّث الحنبلي [2] ، أحد من عني بهذا الشأن [3] . سمع الكثير ببغداد من خلق، منهم: ابن الأخضر، وبحرّان من الرهاوي الحافظ وغيره، وبحلب من جماعة، وبدمشق من أبي اليمن الكندي وجماعة. قال ابن نقطة: سمع بالشام وبلاد الجزيرة، وقرأ الكثير. قال لي أبو بكر تميم بن البندنيجي وغيره: إن اسمه الذي تسمّى به جزيرة تصغير جزرة- بالجيم والزاي-. وقال الشريف أبو العبّاس الحسيني: كان حافظا، مفيدا، سمع الناس الكثير بقراءته، وكان مشهورا بسرعة القراءة وجودتها، وجمع وحدّث. وقال ابن رجب: له تخاريج كثيرة [4] ، وفوائد وأجزاء. ورسائل [5] إلى السّامري صاحب «المستوعب» ينكر عليه فيها تأويله [6] لبعض الصفات.

_ [1] تصحف في «آ» و «ط» و «القلائد الجوهرية» إلى «ابن المعطوس» والتصحيح ترجمته في الجزء السادس صفحة (557) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 213- 214) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 232- 233) . [3] يعني بالحديث النبوي وعلومه. [4] في «آ» و «ط» : «له تاريخ كبير» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «رسالة» . [6] في «آ» و «ط» : «تأوله» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

وذكر ابن السّاعي وغيره، أن المستنصر بالله لما بنى مدرسته المعروفة، رتّب بدار الحديث بها شيخين يشتغلان [1] بعلم الحديث، أحدهما: أبو منصور هذا، والثاني ابن النجار الشافعي صاحب «التاريخ» . توفي ببغداد في ثالث جمادى الأولى ودفن خلف بشر الحافي. وفيها أبو سليمان عبد الرحمن بن الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي [2] الحنبلي، الفقيه الزاهد. ولد سنة ثلاث أو أربع وثمانين وخمسمائة في شوال، وسمع بدمشق من الخشوعي وغيره، وبمصر من البوصيري وغيره. وببغداد من ابن الجوزي وطبقته. وتفقّه على الشيخ الموفق حتّى برع، وكان يؤم معه في جامع بني أميّة بمحراب الحنابلة. وأفتى ودرّس، وكان إماما، عالما، فاضلا، ورعا، حسن السمت، دائم البشر، كريم النّفس، مشتغلا بنفسه وبإلقاء الدّروس المفيدة. قال أبو شامة: كان من أئمة الحنابلة، ومن الصالحين، وحدّث، وروى عنه ابن النجار. وتوفي في تاسع عشري صفر، ودفن بسفح قاسيون. وفيها الحافظ المكثر سراج الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن بركات بن شحانة الحرّاني الحنبلي [3] . أحد من عني بعلم الحديث. سمع بحرّان من الرهاوي، وبدمشق من ابن الحرستاني، وابن ملاعب، وغيرهما.

_ [1] في «آ» و «ط» : «يشغلان» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] انظر «العبر» (5/ 176- 177) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 231- 232) و «القلائد الجوهرية» (1/ 477) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 214- 215) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 240- 241) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه.

وبحلب من الافتخار الهاشمي. وبالموصل من مسمار بن العويس. وبمصر من أصحاب السّلفي وغيره. وببغداد من الأرموي وغيره. وكتب بخطّه الكثير. قال ابن نقطة: هو شاب ثقة [حسن المذاكرة] . وقال غيره: كان ممن له الرحلة الواسعة في الطلب. سمع من الجمّ الغفير، وسكن آخر عمره بميّافارقين، وبها مات. وصار صاحب ثروة بعد الفقر. وكانت له بنت عمياء تحفظ كثيرا، إذا سئلت عن باب من العلم من الكتب الستة ذكرت أكثره، وكانت في ذلك أعجوبة، لم تبلغ أوان الرواية [1] ، وتوفي والدها في جمادى الآخرة. وشحانة: بضم الشين المعجمة، وفتح الحاء المهملة الخفيفة، وبعد الألف نون. وفيها أسعد الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن مقرّب بن عبد الكريم الحافظ التّجيبي الكندي الإسكندراني [2] ، المنعوت بالجلال العدل، تلميذ ابن المفضّل. روى عن البوصيري، وابن موقا، وعني بالحديث، وكتب وخرّج وتوفي في صفر. وفيها عبد المحسن بن حمّود الصدر العلّامة أمين الدّين التّنوخي الحلبي [3] ، الكاتب المنشئ. روى عن حنبل وطبقته، وله «ديوان» ترسّل

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «لم يبلغ أبو محمد- يعني المترجم- رحمه الله أوان الرواية» . [2] انظر «العبر» (5/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 215) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) . [3] انظر «العبر» (5/ 177) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 215- 216) و «النجوم الزاهرة» (6/ 353) .

و «ديوان» شعر، وكتب لجماعة من الملوك. وصنّف «مفتاح الأفراح [1] في امتداح الرّاح» وغير ذلك من المجاميع الأدبية. توفي في رجب وله ثلاث وسبعون سنة. وفيها الصّاحب الوزير، فلك الدّين عبد الرحمن بن هبة الله المسيري [2] الوزير المصري، وزير الملك العادل. كانت الملوك تقبّل يديه إذا رأوه ركب في الموكب مع الملك الكامل، فلما وصل إلى باب السرّ أراد أن ينزل على العادة، فرسم له أن لا ينزل، فدخل قدّام الكامل إلى القلعة راكبا، فلما نزلا قال للكامل: ما بقيت أخشى بعدها أي موتة أموت، فضحك الكامل. وكان له مملوك حسن يقال له: أزبك، فائق الجمال، فعمل فيه العزّ القليوبي دوبيت: البدر بدا من صدغه في حلك ... والعقل غدا من حسنه في شرك تحت الفلك الخلق كثير لكن ... ما مثلك يا أزبك فوق الفلك وفيها تقي الدّين بن الصّلاح الحافظ، شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان ابن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشّهرزوري الموصلي الشافعي [3] . ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من عبيد الله بن السّمين، ومنصور الفراوي، وطبقتهما. وتفقّه، وبرع في المذهب وأصوله، وفي الحديث وعلومه. وصنّف التصانيف، مع الثقة، والدّيانة، والجلالة. قال ابن خلّكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث،

_ [1] في «كشف الظنون» (2/ 1758) : «مفاتح الأرواح ... » . [2] انظر «مرآة الزمان» (8/ 501) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 243- 245) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 140- 144) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 326- 336) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. (2/ 142- 146) .

والفقه، وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث واللغة. وإذا أطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو، وإلى ذلك أشار العراقي صاحب «الألفية» بقوله فيها [1] : وكلّما أطلقت لفظ الشّيخ ما ... أريد إلّا ابن الصّلاح مبهما وكانت فتاويه مسددة، وكان شيخي [2] أحد أشياخي الذين انتفعت بهم. قرأ الفقه أولا على والده الصلاح، ثم نقله والده إلى الموصل واشتغل بها مدة، ثم تولى الإعادة عند ابن يونس بالموصل، ثم سافر إلى خراسان وأقام بها زمانا، وحصّل علم الحديث هناك، ثم رجع إلى الشام. وتولى المدرسة الناصرية [3] بالقدس الشريف، المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدّين يوسف بن أيوب، وأقام بها مدة. واشتغل الناس عليه وانتفعوا به، ثم انتقل إلى دمشق، وتولى تدريس المدرسة الرواحية التي أنشأها الزّكي ابن رواحة الحموي. ولما بنى الأشرف دار الحديث بدمشق، فوّض تدريسها إليه، وتولى تدريس مدرسة ستّ الشام التي قبل المارستان النّوري، وكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث، من غير إخلال بشيء منها. وكان من العلم والدّين على قدم عظيم، ولم يزل أمره جاريا على السّداد، والصلاح، والاجتهاد في الاشتغال إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح، وصلّي عليه بعد الظهر، وهو الخامس والعشرون من ربيع الآخر بدمشق، ودفن بمقابر الصّوفية. انتهى ملخصا. وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «مشكل الوسيط» في مجلد كبير.

_ [1] انظر «فتح المغيث شرح ألفية الحديث» (1/ 6) . [2] يعني المترجم. [3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (168/ ب) : «النظامية» والتصحيح من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف وانظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 83) .

وكتاب «الفتاوى» و «علوم الحديث» [1] وكتاب «أدب المفتي والمستفتي» [2] ونكت على «المهذّب» و «فوائد الرحلة» وهي أجزاء كثيرة. و «طبقات الشافعية» واختصره النّووي [3] واستدرك عليه، وأهملا خلائق من المشهورين، وإنهما كانا يتّبعان التراجم الغريبة. انتهى ملخصا أيضا. وفيها السخاوي علم الدّين العلّامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصّمد بن عبد الأحد الهمداني، المقرئ النحوي الشافعي [4] . ولد قبل الستين وخمسمائة، وسمع من السّلفي وجماعة، وقرأ القراءات على الشّاطبي وغيره حتى فاق أهل زمانه في القراءات، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والأدب بدمشق، وقرأ عليه خلق لا يحصيهم إلا الله. قال الذهبي: ما علمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراءات أكثر مما حمل عنه. وله تصانيف سائرة متقنة. وقال ابن قاضي شهبة: ازدحم عليه الطلبة وقصدوه من البلاد وتنافسوا في الأخذ عنه، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مطّرحا للتكلف، حلو المحاضرة، مطبوع النّادرة، حادّ القريحة، من أذكياء بني آدم، وكان وافر الحرمة، كبير القدر، محبّبا إلى الناس، ليس له شغل إلّا العلم والإفادة.

_ [1] نشر عدة مرات أجودها التي صدرت عن دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذ الدكتور نور الدّين عتر. [2] نشر بتحقيق الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان، نفع الله تعالى به. [3] والمختصر قيد الطبع ببيروت، وقد قام بتحقيقه الأستاذ محيي الدّين نجيب، زاده الله تعالى توفيقا. [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 340- 341) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 122- 124) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 297- 298) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 631- 635) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 147- 149) و «النجوم الزاهرة» (6/ 354) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 412- 413) .

توفي في جمادى الآخرة، ودفن بقاسيون. ومن تصانيفه «التفسير» إلى الكهف في أربع مجلدات، و «شرح الشاطبية» في مجلدين، و «شرح الرائية» في مجلد، وكتاب «جمال القراء وتاج الإقراء» و «شرح المفصل» للزّمخشري في أربع مجلدات، وغير ذلك. وقال ابن خلّكان: رأيته مرارا راكبا بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية وحوله اثنان أو ثلاثة، وكل واحد يقرأ ميعاده في غير موضع الآخر، والكلّ في دفعة واحدة، وهو يردّ على الجميع. [ولم يزل] مواظبا على وظيفته. ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه: قالوا غدا تأتي ديار الحمى ... وينزل الرّكب بمغناهم فكلّ من كان مطيعا لهم ... أصبح مسرورا بلقياهم قلت: فلي ذنب فما حيلتي ... بأيّ وجه أتلقّاهم قالوا: أليس العفو من شأنهم ... لا سيما عمّن ترجّاهم ثم ظفرت بتاريخ مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخاو [1]- بفتح السين المهملة والخاء المعجمة وبعدها ألف ثم واو- هذه النسبة إلى سخاو [1] بليدة من أعمال مصر، وقياسه سخوي، ولكن الناس أطبقوا على النسبة الأولى. انتهى. وفيها أبو الحسن بن المقيّر، مسند الدّيار المصرية، علي بن أبي عبد الله الحسين بن علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجّار [2] .

_ [1] كذا كتبها المؤلف «سخاو» بسين وخاء وألف وواو، والذي في «معجم البلدان» (3/ 196) : «سخا» بسين وخاء وألف. [2] انظر «العبر» (5/ 178) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 119- 121) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «النجوم الزاهرة» (6/ 355) .

ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وسمع من شهدة، ومعمر بن الفاخر، وجماعة. وأجاز له ابن ناصر، وأبو بكر ابن الزّاغوني، وطائفة. وكان صاحب تلاوة وذكر وأوراد. توفي في نصف ذي القعدة بالقاهرة. قاله في «العبر» . وفيها ضياء الدّين أبو إبراهيم محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا التنوخي الحموي ثم الصّالحي [1] ، الفقيه الحنبلي. سمع بدمشق من الخشوعي، وتفقّه على الشيخ موفق الدّين حتّى برع، وكان عارفا بالمذاهب، قليل التعصب، زاهدا، ما نافس في منصب قطّ ولا دنيا، ولا أكل من وقف، بل كان يتقوت من شكارة تزرع له بحوران. وما آذى مسلما قطّ، ولا دخل حمّاما، ولا تنعّم في ملبس ولا مأكل، ولا زاد على ثوب وعمامة في طول عمره. وكان على خير كثير، قلّ من يماثله في عبادته واجتهاده وسلوك طريقته، رحمه الله. قرأ عليه جماعة وحدّث. وتوفي في ليلة الرابع من جمادى الآخرة بجبل قاسيون وبه دفن، وممن قرأ عليه صاحب «المبهم» عبد الله بن أبي بكر الحربي كتيلة [2] ، وقال: ذكر لي أن من يحرّك أصبعه المسبّحة في تشهده، كان ذلك عبثا يبطل صلاته [3] . قال: وقول من قال من أصحابنا: يشير بها مرارا، يعني عند الشهادتين فقط. وفيها الحافظ الكبير ضياء الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد ابن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي المقدسي

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 234) و «القلائد الجوهرية» (2/ 477- 478) . [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» (169/ آ) : «كتابه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [3] أقول: ليس عليه أي دليل على البطلان. (ع) .

الصّالحي الحنبلي [1] ، محدّث عصره ووحيد دهره، شهرته تغني عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره. ولد في [2] خامس جمادى الآخرة سنة تسع وستين وخمسمائة. وسمع بدمشق من أبي المجد البانياسي، وأحمد بن الموازيني وغيرهما. وبمصر من البوصيري، وفاطمة بنت سعد الخير، وجماعة. وببغداد الكثير من ابن الجوزي، وابن المعطوش [3] وابن سكينة، وابن الأخضر، وهذه الطبقة. وبأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني وطبقته، وبهمذان من عبد الباقي بن عثمان. وبنيسابور من المؤيد الطّوسي وطبقته، وبهراة من أبي روح، وبمرو من أبي المظفّر بن السمعاني، ورحل مرتين إلى أصبهان. وسمع بها ما لا يوصف كثرة. وكتب بخطّه الكثير من الكتب الكبار وغيرها. قال ابن رجب: يقال: إنه كتب عن أزيد من خمسمائة شيخ، وحصّل أصولا كثيرة، وأقام بهراة، ومرو مدة، وله إجازة من السّلفي، وشهدة. وقال ابن النجار: كتبت عنه ببغداد، ونيسابور، ودمشق، وهو حافظ، متقن، ثبت، ثقة، صدوق، نبيل، حجّة، عالم بالحديث وأحوال الرجال. وله مجموعات وتخريجات، وهو ورع، تقيّ، زاهد، عابد، محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله، ولعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته، وعفّته، وحسن سيرته وطريقته في طلب العلم. وقال عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله، شيخ وقته، ونسيج وحده، علما، وحفظا، وثقة، ودينا، من العلماء الربّانيين، وهو أكبر من أن يدلّ عليه

_ [1] انظر «العبر» (5/ 179- 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 126- 130) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «الوافي بالوفيات» (4/ 65- 66) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 236- 240) و «القلائد الجوهرية» (1/ 130- 134) . [2] لفظة «في» سقطت من «آ» . [3] في «آ» و «ط» : «المعطوس» بالسين المهملة، والتصحيح من المصادر التي بين يدي.

مثلي. كان شديد التحري في الرواية، مجتهدا في العبادة، كثير الذكر، منقطعا عن الناس، متواضعا في ذات الله، رأيت جماعة من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه، ومدحوه بالحفظ والزهد، سألت البرزالي عنه فقال: ثقة جبل حافظ ديّن. وقال الشريف أبو العبّاس الحسيني: حدّث بالكثير مدة، وخرّج تخاريج كثيرة مفيدة، وصنّف تصانيف حسنة. وكان أحد أئمة هذا الشأن، عارفا بالرّجال وأحوالهم، والحديث صحيحه وسقيمه، ورعا، متدينا، طارحا للتكلف. وقال الذهبي: بنى مدرسة على باب الجامع المظفّري بسفح قاسيون، وأعانه عليها بعض أهل الخير، ووقف عليها كتبه وأجزاءه. وقال غيره: بناها للمحدّثين والغرباء الواردين، مع الفقر والقلة، وكان يبني منها جانبا ويصبر إلى أن يجتمع عنده ما يبني به، ويعمل فيها بنفسه، ولم يقبل من أحد فيها شيئا تورعا. وكان ملازما لجبل الصالحية قبل أن يدخل البلد، أو يحدّث به، ومناقبه أكثر من أن تحصر. وقال الذهبي أيضا- نقلا عن الحافظ المزّي- أنه كان يقول: الضياء أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني، ولم يكن في وقته مثله. وقال الذهبي أيضا: الإمام، العالم، الحافظ، الحجّة، محدّث الشام، شيخ السّنّة، ضياء الدّين، صنّف، وصحّح، وليّن، وجرّح، وعدّل. وكان المرجوع إليه في هذا الشأن. وقال ابن رجب أيضا: من مصنفاته «الأحاديث المختارة» [1] خرّجها من

_ [1] قلت: قال العلّامة الكتّاني في «الرسالة المستطرفة» ص (24) طبع دار البشائر الإسلامية: وهو مرتب على المسانيد على حروف المعجم، لا على الأبواب، في ستة وثمانين جزءا، ولم يكمل، التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها، وقد سلّم له فيها-

مسموعاته. كتب منها تسعين جزءا ولم تكمل، كتاب «فضائل الأعمال» أربعة أجزاء [1] ، كتاب «فضائل الشام» ثلاثة أجزاء [2] ، «مناقب أصحاب الحديث» أربعة أجزاء، «صفة الجنة» ثلاثة أجزاء، «صفة النّار» جزءان، «أفراد الصحيح» جزء و «غرائبه» تسعة أجزاء، «ذم المسكر» جزء، «الموبقات» أجزاء كثيرة، «كلام الأموات» جزء، «شفاء العليل» جزء، «الهجرة إلى أرض الحبشة» جزء، «قصة موسى عليه السلام» جزء، «فضائل القراءة» جزء، «الرّواة عن البخاري» جزء، كتاب «دلائل النبوة» ، «الإلهيات» ثلاثة أجزاء، «الحكايات المستطرفة» [3] أجزاء كثيرة، كتاب «سبب هجرة المقادسة إلى دمشق وكرامات مشايخهم» نحو عشرة أجزاء، وأفرد لأكابرهم من العلماء لكل واحد سيرة في أجزاء كثيرة، «الطب والرقيات» أجزاء [4] وغير ذلك. وممن روى عنه ابن نقطة، وابن النجار، والبرزالي، وعمر بن الحاجب، وابن أخيه الفخر البخاري، وخلق كثير.

_ إلّا أحاديث يسيرة جدا تعقبت عليه، وذكر ابن تيمية، والزركشي، وغيرهما، أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم. وفي «اللآلئ» ذكر الزركشي في تخريج الرافعي، أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وأنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبّان. وذكر ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» نحوه، وزاد فإن الغلط فيه قليل، ليس هو مثل صحيح الحاكم، فإن فيه أحاديث كثيرة يظهر أنها كذب موضوعة، فلهذا انحطت درجته عن درجة غيره. قلت: وشرعت الرئاسة العامة لتعليم البنات في المملكة العربية السعودية بطبعه بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الملك بن عبد الله بن الدّهيش، وقد صدر المجلد الأول منه في العام الماضي. وصدر المجلد الثاني هذا العام، والمجلد الثالث منه تحت الطبع. [1] نشر أول مرة في مكتبة النمنكاني بالمدينة المنورة من غير تحقيق ولا تخريج، ثم نشر نشرة متقنة جيدة في مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق الأستاذ غسّان عيسى محمد هرماس. [2] حقّق القسم المتعلق ببيت المقدس منه صديقي الفاضل الأستاذ محمد مطيع الحافظ، حفظه الله تعالى ونفع به، ونشرته دار الفكر بدمشق منذ عدة سنوات. [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «الحكايات المستطرفات» . [4] قلت: ومن مصنفاته أيضا رسالة «اتباع السنن واجتناب البدع» وهي رسالة نافعة مفيدة في موضوعها، وقد من الله- عزّ وجلّ- عليّ بتحقيقها بالاشتراك مع صديقي الفاضل الأستاذ محمد بدر الدّين قهوجي، ونشرتها دار ابن كثير ضمن سلسلة «نصوص تراثية» .

توفي يوم الاثنين ثامن عشري جمادى الآخرة بسفح قاسيون، ودفن به، رحمه الله تعالى. وفيها العزّ النسّابة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن عساكر الدمشقي الشافعي [1] . قال الذهبي: صدر كبير محتشم، سمع من عمّ والده الحافظ [2] ، ومن أبي الفهم بن أبي العجائز، وطائفة. وتوفي في جمادى الأولى. انتهى. وفيها التّاج أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي [3] إمام الكلّاسة وابن إمامها. ولد بدمشق في أول سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من عبد المنعم الفراوي بمكّة. ومن يحيى الثّقفي، والفضل البانياسي بدمشق. وطلب، وتعب، ونسخ الكثير. وكان حافظا ذا دين ووقار. قال ابن ناصر الدّين [4] : كان حافظا مشهورا وإماما مكثرا مذكورا. توفي في جمادى الأولى. وفيها ابن الخازن أبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي [5] ، أحد مشايخ الصّوفية الأكابر.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 216- 217) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) . [2] يعني الحافظ أبي القاسم بن عساكر صاحب «تاريخ دمشق» . [3] انظر «العبر» (5/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 217- 218) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267- 268) . [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (178/ آ- ب) . [5] انظر «العبر» (5/ 179) .

ولد في صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة، وسمع من أبي زرعة المقدسي، وأحمد بن المقرّب، وجماعة، وتوفي في السابع والعشرين من ذي الحجّة. وفيها ابن النجّار الحافظ الكبير محبّ الدّين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي [1] صاحب «تاريخ بغداد» [2] . ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع من ذاكر بن كامل، وابن بوش، وابن كليب. ورحل إلى أصبهان، وخراسان، والشام، ومصر، وكتب ما لا يوصف. وكان ثقة متقنا، واسع الحفظ، تامّ المعرفة بالفنّ. قاله في «العبر» . وقال ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» : كان شافعي المذهب وأول سماعه وهو ابن عشر سنين، وطلب بنفسه وهو ابن خمس عشرة، وسمع الكثير، وقرأ بالسبع على أبي أحمد بن سكينة، ورحل رحلة عظيمة إلى الشام، ومصر، والحجاز، وأصبهان، وحرّان، ومرو، وهراة، ونيسابور. واستمر في الرحلة سبعا وعشرين سنة. وكتب عمّن دبّ ودرج، وعمّن نزل وعرج. وعني بهذا الشأن عناية بالغة، وكتب الكثير وحصّل وجمع. قال الذهبي: كان إماما، ثقة، حجّة، مقرئا، مجوّدا، كيسا، متواضعا، ظريفا، صالحا، خيّرا، متنسكا، أثنى عليه ابن نقطة، والدّبيثي، والضياء المقدسي، وهم من صغار شيوخه من حيث السند. وقال ابن الساعي: كان ثقة من محاسن الدّنيا [3] ، ووقف كتبه بالنظامية،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 131- 134) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 156- 158) . [2] الصواب في اسمه «ذيل تاريخ بغداد» وقد طبع قسم منه في الهند. [3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «كان شيخ وقته، وكان من محاسن الدنيا ... » .

مات ببغداد في خامس شعبان ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب. ومن تصانيفه كتاب «القمر المنير في المسند الكبير» و «ذكر كل صحابي وما له من الحديث» وكتاب «كنز الأنام في السّنن والأحكام» وكتاب «جنّة النّاظرين في معرفة التابعين» وكتاب «الكمال في معرفة الرجال» و «ذيل على تاريخ بغداد» للخطيب في ستة عشر مجلدا، وكتاب «المستدرك على تاريخ الخطيب» في عشر مجلدات، وكتاب في «المتفق والمفترق» على منهاج كتاب الخطيب، وكتاب في «المؤتلف والمختلف» ذيّل به على ابن ماكولا، وكتاب «المعجم» له اشتمل على نحو من ثلاثة آلاف شيخ، وكتاب «العقد الفائق في عيون أخبار الدّنيا ومحاسن الخلائق» ، وكتاب «الدّرّة الثمينة في أخبار المدينة» وكتاب «نزهة الورى في أخبار أم القرى» وكتاب «روضة الأولياء في مسجد إيلياء» وكتاب «مناقب الشافعي» وكتاب «غرر الفوائد» [1] في ست مجلدات، وغير ذلك. انتهى كلام ابن شهبة. وفيها المنتجب [2] بن أبي العزّ بن رشيد أبو يوسف الهمذاني المقرئ [3] ، نزيل دمشق. قرأ القراءات على أبي الجود وغيره، وصنّف شرحا كبيرا ل «الشاطبية» وشرحا ل «مفصّل» الزمخشري، وتصدر للإقراء. توفي في ربيع الأول. وفيها أبو غالب منصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد المراتبي الخلّال ابن المعوّج [4] .

_ [1] في «ط» : «الفرائد» . [2] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «المنتخب» بالخاء والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «العبر» (5/ 180) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 219- 220) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 637- 638) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (267) . [4] انظر «العبر» (5/ 181) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 220) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (268) .

ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع محمد بن إسحاق الصّابي، وأبا طالب بن حضير، وغيرهما. وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها تاج الدّين أبو القاسم نصر بن أبي السعود بن مظفّر بن الخضر ابن بطّة اليعقوبي [1] الضرير، الفقيه الحنبلي من أهل يعقوبا، وفي كثير من طباق السماع ينسب إلى عكبرا، وفي بعض الطباق بسبط ابن بطّة، وهذا يدلّ على أنه من ولد بعض بنات أبي عبد الله بن بطّة. دخل بغداد في صباه، فقرأ على ابن زريق القزّاز، وابن شاتيل، وابن كليب، وغيرهم. وتفقه في المذهب على ابن الجوزي وغيره، وبرع وأفتى وناظر، وأخذ عنه ابن النجار ولم يذكره في «تاريخه» . وأجاز لعبد الصّمد بن أبي الجيش وغيره، ولأحمد الحجّار. وتوفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب حرب. وفيها عماد الدّين أبو بكر يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي البغدادي الفقيه الحنبلي الفرضي، المعروف بابن البقّال [2] . ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة تقريبا، وطلب العلم في صباه، وسمع الكثير من أبي الفتح بن شاتيل، وأبي الفرج بن كليب، وابن الجوزي، وغيرهم. وتفقه في المذهب، وقرأ الفرائض والحساب، وتصرف في الأعمال السلطانية، وكان صدوقا، حسن السيرة، وروى عنه جماعة، منهم عبد الصمد بن أبي الجيش، وتوفي يوم الأحمد سلخ رمضان ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب. قاله ابن رجب. وفيها الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي [3] .

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 235- 236) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 242) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 46- 53) و «العبر» (5/ 181) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 144- 147) .

ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وسمع بالموصل من أبي الفضل الطّوسي. وبحلب من أبي سعد بن أبي عصرون، وطائفة. وانتهى إليه معرفة العربية ببلده، وتخرّج به خلق كثير. توفي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان: كان فاضلا، ماهرا في النحو والتصريف، ويعرف بابن الصائغ. رحل في صدر عمره من حلب قاصدا بغداد ليدرك أبا البركات عبد الرحمن المعروف بابن الأنباري، فلما وصل إلى الموصل بلغه خبر وفاته، فأقام بها مديدة، وسمع الحديث بها، ولما عزم على التصدّر للإقراء سافر إلى دمشق واجتمع بالشيخ تاج الدّين الكندي الإمام المشهور، وسأله عن مواضع مشكلة في العربية، ثم رجع فتصدّر، وكان حسن التفهيم، لطيف الكلام، طويل الرّوح على المبتدئ، والمنتهي، خفيف الرّوح، لطيف الشمائل، كثير المجون، مع سكينة ووقار. له نوادر كثيرة. انتهى ملخصا .

سنة أربع وأربعين وستمائة

سنة أربع وأربعين وستمائة فيها توفي الملك المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدّين شيركوه ابن محمد بن شيركوه [1] ، صاحب حمص وابن صاحبها، وأحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام. مرض بدمشق ببستان الملك الأشرف بالنّيرب، ومات في حادي عشر صفر وحمل تابوته إلى حمص فدفن عند أبيه، وكان عازما على أخذ دمشق ففجأه الموت، وقام بعده بحمص ولده الملك الأشرف موسى. وفيها أبو العبّاس عز الدّين أحمد بن علي بن معقل المهلّبي الحمصي [2] العلّامة اللّغوي، الذي نظم «الإيضاح» و «التكملة» . عاش سبعا وسبعين سنة، وتوفي في ربيع الأول، وأخذ عن الكندي، وأبي البقاء، وبرع في لسان العرب. وكان صدرا محترما غاليا في التشيع، ومن شعره: أما والعيون النّجل حلفة صادق ... لقد بيّض التفريق بيض المفارق وفيها تاج العارفين شمس الدّين الحسن بن عدي [3] بن أبي البركات ابن صخر بن مسافر [4] ، حفيد أبي البركات أخي الشيخ عدي شيخ العدويّة الأكراد، له تصانيف في التصوف وشعر كثير وأتباع يتغالون فيه إلى الغاية.

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 481) و «العبر» (5/ 183) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 222- 223) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) ، و «الوافي بالوفيات» (7/ 239- 240) . [3] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «علي» فتصحح. [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 223) و «العبر» (5/ 183) و «الوافي بالوفيات» (12/ 101- 103) وقد نقل المؤلّف عن «تاريخ الإسلام» وهو غير مطبوع إلى الآن.

قال الذهبي: وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق كما بين القدم والفرق، وبلغ من تعظيم العدوية الأكراد له ما حدّثني الحسن بن أحمد الإربلي قال: قدم واعظ على هذا الشيخ حسن فوعظه فرقّ قلبه وبكى، وغشي عليه، فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه، فلما أفاق الشيخ رآه يخبط في دمه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: وإلا أيش هو [1] هذا الكلب حتى يبكي سيدنا الشيخ، فسكت حفظا لحرمة نفسه. احتال عليه بدر الدّين لؤلؤ صاحب الموصل حتى حضر إليه، فحبسه وخنقه بوتر خوفا من الأكراد على بلاده أن يأمرهم بأمر فيخرّبون بلاد الموصل. وختم الذهبي ترجمته بأن قال [2] : أمرد وقحبة وقهوة ... طريق أرباب الهوى هذي طريق الجنّة ... فأين طريق النّار وفيها إسماعيل بن علي الكوراني [3] الزاهد. كان عابدا، قانتا، صادقا، أمّارا بالمعروف، نهّاء عن المنكر، ذا غلظة على الملوك ونصيحة لهم. روى عن أحمد بن محمد الطرسوسي الحلبي، وتوفي بدمشق في شعبان. وفيها أبو المظفّر عبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء البعلبكي ثم الدمشقي [4] . حدّث بحماة عن أبي القاسم بن عساكر، وتوفي في ذي الحجّة بحماة.

_ [1] لفظة «هو» سقطت من «آ» . [2] لا يستقيم وزن البيتين وكتاب الذهبي غير متوفر بين أيدينا للعودة إليه للتأكد منه. [3] انظر «العبر» (5/ 184) و «مرآة الجنان» (4/ 112) . [4] انظر «العبر» (5/ 184) و «النجوم الزاهرة» (7/ 357) وفيه «ضياء» مكان «مضاء» .

وفيها محمد بن حسّان بن رافع بن سمير أبو عبد الله العامري [1] المحدّث المفيد. روى عن الخشوعي وجماعة، وكتب الكثير، وتوفي في صفر. وفيها تقي الدّين محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي المراتبي [2] ، نزيل دمشق. الفقيه الحنبلي الإمام أبو عبد الله. كان عالما، متبحّرا، لم يخلّف في الحنابلة مثله. صحب ببغداد أبا البقاء العكبري وأخذ عنه، ثم قدم دمشق، فصاحب الشيخ موفق الدّين، وتفقه عليه. وبرع وأفتى. قال أبو شامة: كان عالما فاضلا ذا فنون، ولي به صحبة قديمة، وبعده لم يبق في مذهب أحمد مثله بدمشق. توفي في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 184) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 147- 148) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) . [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (179) و «العبر» (5/ 184) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 242) .

سنة خمس وأربعين وستمائة

سنة خمس وأربعين وستمائة في جمادى الآخرة أخذ المسلمون عسقلان، وطبريّة عنوة، وكان الفتح على يد فخر الدّين ابن الشيخ. وفيها توفي الكاشغري- بسكون الشين وفتح الغين المعجمتين وراء، نسبة إلى كاشغر مدينة بالمشرق [1]- أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي [2] ببغداد في حادي عشر جمادى الأولى، وله تسع وثمانون سنة. سمع من ابن البطّي، وعلي بن تاج القرّاء، وأبي بكر بن النّقور، وجماعة. وعمّر ورحل إليه الطلبة، وكان آخر من بقي بينه وبين مالك خمسة أنفس ثقات، ولي مشيخة المستنصرية. وفيها أبو مدين شعيب بن يحيى بن أحمد بن الزعفراني [3] التاجر، إسكندراني متميز. جاور بمكة، وحدّث عن السّلفي، وتوفي في ذي القعدة. وفيها أبو محمد علي بن أبي الحسن بن منصور [الحريريّ] الدمشقي الفقير [4] .

_ [1] انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 430- 431) . [2] انظر «العبر» (5/ 185) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 148- 150) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) . [3] انظر «العبر» (5/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 268- 269) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) . [4] انظر «العبر» (5/ 186) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 224- 227) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) و «البداية والنهاية» (13/ 173- 174) .

ولد بقرية بسر من حوران [1] ، ونشأ بدمشق، وتعلّم بها نسج العتابي، ثم تمفقر وعظم أمره وكثر أتباعه، وأقبل على المطيبة والراحة والسماعات والملاح، وبالغ في ذلك، فمن يحسّن الظن به يقول: هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال ووصول. ومن خبر أمره رماه بالكفر والضلال، وهو أحد من لا يقطع له بجنة ولا نار، فإنا لا نعلم بما يختم له به، لكنه توفي في يوم شريف يوم الجمعة قبل العصر، السادس والعشرين من رمضان وقد نيّف على التسعين. مات فجأة قاله في «العبر» . وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : هو صاحب الزاوية التي بظاهر دمشق بالشرف الأعلى القبلي، التي يجتمع بها الناس للسماعات، يقال لها: زاوية الحريري، وقف عليه في أول أمره دراهم فحبسه أصحاب الديوان، فبات تلك الليلة في الحبس بلا عشاء، فلما أصبح صلّى بالمحتبسين [2] صلاة الصبح، وجعل يذكر بهم إلى ضحوة، وأمر كلّ من جاءه شيء من المأكول من أهله أن يشيله، فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدوا الأكل سماطا، فأكل كل من في الحبس وفضل شيء كثير، فأمرهم بشيله. وصلّى بهم الظهر، وأمرهم أن يناموا ويستريحوا، ثم صلّى بهم العصر، وجعل يذكر بهم إلى المغرب، ثم صلّى بهم المغرب وقدّم ما حضر، وبقي على هذا الحال، فلما كان في اليوم الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبسين وكلّ من كان محبوسا على دون المائة يجبون له من بينهم ويرضون غريمه ويخرجونه، فخرج جماعة، وشرع الذين خرجوا يسعون في خلاص من بقي، وأقام ستة أشهر محبوسا، وجبوا له وأخرجوه، فصار كلّ يوم يتجدد له أتباع إلى أن آل من أمره ما آل.

_ [1] انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 420) . [2] في «آ» و «ط» : بالمحتسبين» وما أثبته يقتضيه سياق النص.

قال شرف الدّين خطيب عقربا: خرج الفلك المسيري يقسم قرية له وأخذ معه جماعة، فلما قسموا ووصلوا إلى زرع، قالوا: نمشي إلى عند الشيخ علي الحريري، فقال أحدهم: إن كان صالحا يطعمنا حلوى سخنة بعسل وسمن وفستق وسكر، وقال الآخر: يطعمنا بطيخا أخضر، وقال الآخر: يسقينا فقّاعا عليه الثلج، فلما وصلوا تلقاهم بالرحب وأحضر شيئا كثيرا، من جملته حلوى، كما قال ذلك الرجل، فأمر بوضعها بين يدي مشتهيها، ثم أحضر بطيخا أخضر [1] ، وأشار إلى مشتهيه بالأكل، فلما فرغوا نظر إلى صاحب شهوة الفقّاع، وقال: يا أخي كان عندي تحت الساعات أو باب البريد، ثم صاح: يا فلان ادخل، فدخل فقير وعلى رأسه دست فقّاع وعليه الثلج منحوت، وقال: بسم الله، اشرب [2] ولما مات كانت ليلة مثلجة، فقال نجم الدّين بن إسرائيل: بكت السماء عليه ساعة دفنه ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور وأظنّها فرحت بمصعد روحه ... لمّا سمت وتعلّقت بالنّور أوليس دمع الغيث يهمي باردا ... وكذا تكون مدامع المسرور وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك [3] ابن أحمد بن محمد بن بكروس بن سيف التميمي الدّينوري، الفقيه الحنبلي، وقد سبق ذكر أبيه وجدّه. ولد في تاسع عشري رمضان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وأسمعه والده الكثير في صغره من ابن بوش، وابن كليب، وتفقّه وحدّث، وروى عنه

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «آخر» . [2] قلت: وهذا أيضا ما لا يقرّه الإسلام الحنيف ولا العقل السليم. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المبرك» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 243) مصدر المؤلّف.

محمد بن أحمد القزّاز، وأجاز لسليمان بن حمزة الحاكم، وتوفي ليلة سادس عشر رجب. وفيها أبو علي الشّلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الإشبيلي النحوي [1] ، أحد من انتهت إليه معرفة العربية في زمانه. ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وسمع من أبي بكر بن محمد بن خلف، وعبد الله بن زرقون، والكبار. وأجاز له السّلفي، وكان أسند من بقي بالمغرب. وكان في العربية بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى، قياما عليها واستبحارا فيها. تصدّر لإقراء النحو نحوا من ستين عاما، وصنّف التصانيف، وله حكايات في التغفّل. قاله في «العبر» . وقال ابن خلّكان: كان فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة. توفي في أحد الرّبيعين، وقيل في صفر بإشبيلية. والشّلوبين: بفتح الشين المعجمة واللّام، وسكون الواو، وكسر الباء الموحدة، وسكون المثناة التحتية ونون، هي بلغة الأندلس الأبيض الأشقر. وفيها الملك المظفّر شهاب الدّين غازي بن العادل [2] . كان فارسا شجاعا، وشهما مهيبا، وملكا جوادا. وكان صاحب ميّافارقين، وخلاط، وحصن منصور، وغير ذلك. حجّ من بغداد، ثم توفي في هذه السنة، وتملّك بعده ابنه الشهيد الملك الكامل ناصر الدّين. وفيها ابن الدّوامي عزّ الكفاة، الصاحب أبو المعالي هبة الله بن الحسن بن هبة الله [3] . كان أبوه وكيل الخليفة الناصر، وسمع هو من تجنّي

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 451- 452) و «العبر» (5/ 186- 187) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 207- 208) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) . [2] انظر «العبر» (5/ 187) . [3] انظر «العبر» (5/ 187) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 230- 231) .

الوهبانية، وابن شاتيل، وكان صاحب الحجّاب مدة، ثم تزهد وانقطع إلى أن توفي في جمادى الأولى. وفيها شرف الدّين الأمير الكبير يعقوب بن محمد بن حسن الهدباني الإربلي [1] . روى عن يحيى الثقفي وطائفة، وولي شدّ دواوين الشام، وكان ذا علم وأدب. توفي في ربيع الأول بمصر.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 187- 188) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 231- 232) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .

سنة ست وأربعين وستمائة

سنة ست وأربعين وستمائة فيها توفي أبو العبّاس أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجّار الحرّاني الحنبلي [1] ، المحدّث الزاهد الثقة القدوة. سمع الكثير من ابن كليب، وكتب الأجزاء والطّباق، وصحب الحافظ عبد الغني المقدسي، والحافظ الرهاوي، والشيخ موفق الدّين [2] . وسمع منهم وسمع منه جماعة. قال ابن حمدان: سمعت عليه كثيرا، وكان من دعاة أهل السّنّة وأوليائهم، مشهورا بالزّهد والورع والصلاح. توفي وسط العام بحرّان. وفيها إسماعيل بن سودكين أبو الطّاهر النّوري [3] ، الحنفي الصّوفي. كان صاحب الشيخ محيي الدّين بن العربي، وله كلام وشعر. توفي في صفر وروى عن الأرتاحي. وفيها صفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية [4] ، أخت كريمة. لم

_ [1] انظر «العبر» (5/ 188) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 243) . [2] يعني ابن قدامة المقدسي. [3] انظر «العبر» (5/ 188) . [4] انظر «العبر» (5/ 188- 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 270- 271) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) .

تسمع شيئا بل أجاز لها مسعود الثقفي والكبار، وتفرّدت في زمانها. توفيت في رجب بحماة. وفيها ابن البيطار، الطبيب البارع، ضياء الدّين عبد الله بن أحمد المالقي العشّاب [1] ، صاحب كتاب «المفردات في الأدوية» انتهت إليه معرفة النبات وصفاته ومنافعه وأماكنه، وله اتصال بخدمة الكامل ثم ابنه الصالح، وكان رئيسا في الدّيار المصرية. توفي بدمشق في شعبان. وفيها ابن رواحة عز الدّين أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي الشافعي [2] . ولد بصقلية وأبواه في الأسر سنة ستين وخمسمائة، وسمّعه أبوه بالإسكندرية من السّلفي الكبير، ومن جماعة. توفي في ثامن جمادى الآخرة وله خمس وثمانون سنة. وفيها ابن الحاجب العلّامة أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي [3]- وأسنا: بفتح الهمزة [4] وسكون السين المهملة وفتح النون وبعدها ألف، بليدة صغيرة من أعمال القوصيّة بالصعيد الأعلى من مصر-. ولد في أواخر سنة سبعين وخمسمائة بأسنا، وكان أبوه حاجبا للأمير عز الدّين موسك الصلاحي، فاشتغل هو بالقراءات على الشّاطبي وغيره.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 256- 257) . [2] انظر «العبر» (5/ 189) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 261- 263) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 248- 250) و «العبر» (5/ 189- 190) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 648- 649) و «مرآة الجنان» (4/ 114- 115) و «النجوم الزاهرة» (6/ 360) . [4] تنبيه: كذا ضبطها المؤلف- رحمه الله- بفتح الهمزة، وقد تبع في ذلك ابن خلّكان، وضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 189) ومحققو «معرفة القراء الكبار» بكسر الهمزة. وجاء في هامش «النجوم الزاهرة» : إسنا، بالكسر وتفتح.

وبرع في الأصول والعربية، وتفقه في مذهب الإمام مالك. قال اليافعي: وبلغني أنه كان محبا للشيخ عز الدّين بن عبد السلام، وأن ابن عبد السلام حين حبس بسبب إنكاره على السلطان، دخل معه الحبس موافقة ومراعاة. ولعل انتقاله إلى مصر كان بسبب انتقال الشيخ ابن عبد السلام، وفيهما أنهما اجتمعا في الإنكار. وقال ابن خلّكان: انتقل إلى دمشق ودرّس بها في زاوية المالكية، وأكبّ الناس على الاشتغال عليه، والتزم له الدروس، وتبحر في العلوم، وكان الأغلب عليه علم العربية. وصنّف «مختصرا» في مذهبه، و «مقدمة» وجيزة في النحو، سمّاها «الكافية» وأخرى مثلها في التصريف سمّاها «الشافية» وشرح المقدمتين. وله: أيّ غد مع يد دد ذي حروف ... طاوعت في الرّويّ وهي عيون هذا جواب البيتين المشهورين: ربما عالج القوافي رجال ... في المعاني فتلتوي وتلين طاوعتهم عين وعين وعين ... وعصتهم نون ونون ونون وله في أسماء قداح الميسر: هي فذّ وتوأم ورقيب ... ثم حلس ونافس ثم مسبل والمعلّى والوغد ثم سفيح ... ومنيح هذي الثلاثة تهمل ولكل مما عداه نصيب ... مثله أن تعد أول أول وصنّف في أصول الفقه، وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة. وخالف النّحاة في مواضع، وأورد عليها إشكالات وإلزامات تتعذر الإجابة عنها. وكان من أحسن خلق الله ذهنا. ثم عاد إلى القاهرة، وأقام بها والناس ملازمون الاشتغال عليه. وجاءني

مرارا بسبب أداء شهادات، وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام، ومن جملة كلامه عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط في قولهم «إن أكلت، إن شربت، فأنت طالق» لم يتعين تقدم الشرب [1] على الأكل بسبب وقوع الطلاق، حتى لو قال: ثم شربت، لا تطلق. وسألته عن بيت المتنبي: لقد تصبّرت حتّى لات مصطبر ... والآن أقحم حتّى لات مقتحم [2] ولات ليست من أدوات الجرّ، فأطال الكلام فيها، وأجاب فأحسن الجواب عنها، ولولا التطويل لذكرت ما قاله. ثم انتقل إلى الإسكندرية للإقامة بها، فلم تطل مدته هناك. توفي ضحى نهار الخميس سادس عشري شوال، ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي شامة. انتهى. وفيها ابن الدبّاج العلّامة أبو الحسن علي بن جابر [3] النحوي المقرئ، شيخ الأندلس. أخذ القراءات عن أبي بكر بن صاف، والعربية عن أبي ذر بن أبي ركب الخشني، وساد أهل عصره في العربية. ولد سنة ست وستين وخمسمائة، وتوفي بإشبيلية بعد أخذ الرّوم الملاعين لها في شعبان بعد جمعة، فإنه هاله نطق الناقوس وخرس الأذان، فما زال يتلهف ويتأسف ويضطرب إلى أن قضى نحبه، وقيل مات يوم أخذها.

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «لم تعين تقديم الشرب» . [2] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (4/ 40) . [3] انظر «العبر» (5/ 190) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 209- 210) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (269) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 528- 529) .

وفيها وزير حلب علي بن يوسف القفطي [1]- بكسر القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفط بالطاء المهملة، بلد بصعيد مصر- عرف بالقاضي الأكرم أحد الكتّاب المبرزين في النثر والنظم. كان عارفا باللغة، والنحو، والفقه، والحديث، وعلوم القرآن، والأصول، والمنطق، والحكمة، والنجوم، والهندسة، والتاريخ. وكان صدرا، محتشما، كامل المروءة. جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد، وكان لا يحب من الدّنيا سوى الكتب، ولم تكن له دار ولا زوجة. وصنّف كتاب «الدر الثمين في أخبار المتيمين» [2] وكتاب «إصلاح خلل صحاح الجوهري» وكتاب «الكلام على صحيح البخاري» وكتاب «نزهة الناظر ونهزة الخاطر» [3] وغير ذلك. وفيها صاحب المغرب المعتضد، ويقال له أيضا السعيد أبو الحسن المؤمني علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف [4] ، ولي الأمر بعد أخيه عبد الواحد سنة أربعين، وقتل وهو على ظهر جواده وهو يحاصر حصنا بتلمسان في صفر. وولي بعده المرتضى [5] أبو حفص فامتدت دولته عشرين عاما. وفيها الملك العادل كمال الدّين أبو بكر بن الملك الكامل بن أيوب [6] .

_ [1] انظر «فوات الوفيات» (3/ 117- 118) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 227) و «العبر» (5/ 191) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) ومقدمة الأستاذ الكبير محمد أبي الفضل إبراهيم لكتابه «إنباه الرّواة» ومقدّمة صديقي العزيز الأستاذ الفاضل رياض عبد الحميد مراد لكتابه «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» مصورة دار ابن كثير. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المنتمين» والتصحيح من «فوات الوفيات» . [3] في «فوات الوفيات» : «نهزة الخاطر ونزهة الناظر» . [4] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 17- 18) و «العبر» (5/ 190) و «نفح الطيب» (4/ 384) . [5] وهو أبو حفص عمر بن إبراهيم بن يوسف بن عبد المؤمن. انظر «وفيات الأعيان» (7/ 18) و «نفح الطيب» (7/ 384) . [6] انظر «مرآة الزمان» (8/ 512) .

قتله أخوه الملك الصالح خنقا بقلعة دمشق، ودفن بتربة شمس الدولة ولم تطل مدة أخيه بعده بل كان بينهما عشرة أشهر، ورأى في نفسه العبر. وفيها أفضل الدّين الخونجي [1]- بخاء معجمة مضمومة ثم واو بعدها نون ثم جيم- محمد بن ناماور- بالنون في أوله- ابن عبد الملك، قاضي القضاة، أبو عبد الله الشافعي. ولد في جمادى الأولى سنة تسعين وخمسمائة، واشتغل في العجم، ثم قدم مصر وولي قضاءها، وطلب وحصّل، وبالغ في علوم الأوائل، حتّى تفرّد برئاسة ذلك في زمانه. وأفتى وناظر، وصنّف «الموجز» و «الجمل» و «كشف الأسرار» وغير ذلك. قال أبو شامة: كان حكيما، منطقيا، مات في رمضان ودفن بسفح المقطّم. ورثاه تلميذه العزّ الإربلي الضرير فقال من قصيدة أولها: قضى أفضل الدّنيا فلم يبق فاضل ... ومات بموت الخونجيّ الفضائل فيا أيّها الحبر الذي جاء آخرا ... فحلّ لنا ما لم تحلّ الأوائل وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : له «الموجز» في المنطق، وكتاب «أدوار الحميات» وكان تلحقه غفلة فيما يفكره من المسائل العقلية. جلس يوما عند السلطان وأدخل يده في رزّة هناك ونسي روحه في الفكرة، فقام الجماعة وبقي جالسا تمنعه أصبعه من القيام، فظنّ السلطان أن له حاجة، فقال له: أللقاضي حاجة؟ قال: نعم تفك أصبعي من الرزّة، فأحضر حدادا

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (182) و «العبر» (5/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 228) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 105- 106) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 502- 503) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 158- 159) .

وخلص أصبعه، فقال: إني فكرت في بسط هذا الإيوان فوجدته يتوفر فيه بساط إذا بسط على ما دار في ذهني، فبسط على ما قال ففضل بساط. انتهى. وفيها أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت الإسكندراني المقرئ [1] . روى عن السّلفي وغيره، وتوفي في سابع عشر ربيع الآخر. وفيها منصور بن السّند بن الدّبّاغ [2] أبو علي الإسكندراني النحّاس. روى عن السّلفي، وتوفي في ربيع الأول.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 191) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 271) . [2] في «آ» و «ط» : «منصور بن السيد بن الدماغ» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (6/ 361) وانظر «العبر» (5/ 191) و «حسن المحاضرة» (1/ 377) .

سنة سبع وأربعين وستمائة

سنة سبع وأربعين وستمائة في ربيعها الأول نازلت الفرنج دمياط برا وبحرا، وكان بها فخر الدّين ابن الشيخ، وعسكر. فهربوا وملكها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وكان السلطان على المنصورة فغضب على أهلها [1] كيف سيبوها حتّى أنه شنق ستين نفسا من أعيان أهلها، وقامت قيامته على العسكر، بحيث إنهم تخوّفوه وهمّوا به. فقال فخر الدّين: أمهلوه، فهو على شفا، فمات ليلة نصف شعبان. وفيها الملك الصّالح [2] نجم الدّين أيوب [3] بن الملك الكامل محمد ابن العادل، وكتم موته أيّاما، وساق مملوكه أقطايا على البريّة إلى أن عبر الفرات، وساق إلى حصن كيفا، وأخذ الملك المعظم بوران شاه ولد الصالح وقدم به دمشق، فدخلها في آخر رمضان في دست السلطنة، وجرت للمصريين مع الفرنج فصول وحروب إلى أن تمّت وقعة المنصورة في ذي القعدة، وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان، فركب مقدّم

_ [1] يعني على أهل دمياط. [2] في «آ» و «ط» : «وهو الملك الصالح ... » وما أثبته يقتضيه السياق. [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (182- 183) و «العبر» (5/ 193) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 187- 193) .

الجيش فخر الدّين بن الشيخ وقاتل فقتل، وانهزم المسلمون، ثم كرّوا على الفرنج، ونزل النصر، وقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ولله الحمد. ثم قدم الملك المعظم بعد أيّام، وكان مولد الملك الصالح- المترجم- سنة ثلاث وستمائة بالقاهرة وسلطنه أبوه على آمد، وحرّان وسنجار، وحصن كيفا، فأقام هناك إلى أن قدم وملك دمشق بعد الجواد، وجرت له أمور ثم ملك الدّيار المصرية، ودانت له الممالك. وكان وافر الحرمة، عظيم الهيبة، طاهر الذّيل، خليقا للملك، ظاهر الجبروت. وفيها ابن عوف الفقيه، رشيد الدّين أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب ابن العلّامة أبي الطاهر إسماعيل بن مكّي الزّهري العوفي الإسكندراني المالكي [1] . سمع من جدّه «الموطأ» وكان ذا زهد وورع. توفي في صفر عن ثمانين سنة. وفيها عجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية [2] سمعت من عبد الحق، وعبد الله ابني منصور الموصلي، وهي آخر من روى بالإجازة عن مسعود، والرّستمي، وجماعة. توفيت في صفر عن ثلاث وتسعين سنة، ولها «مشيخة» في عشرة أجزاء. وفيها ابن البرادعي صفي الدّين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي [3] العدل. روى عن ابن عساكر، وأبي سعد بن أبي عصرون، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها السّيّدي أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي

_ [1] انظر «العبر» (5/ 193- 194) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) . [2] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 232- 233) . [3] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 263- 264) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .

الحاجب [1] . روى عن عبد الحق، وتجنّي، وجماعة كثيرة، وطال عمره. وفيها فخر الدّين بن شيخ الشيوخ الأمير نائب السلطنة أبو الفضل يوسف بن الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمّويه الجويني [2] . ولد بدمشق بعد الثمانين وخمسمائة، وسمع من منصور بن أبي الحسن الطبري وغيره، وكان رئيسا، محتشما، سيّدا، معظّما، ذا عقل ورأي، ودهاء، وشجاعة، وكرم. سجنه السلطان سنة أربعين، وقاسى شدائد، وبقي في الحبس ثلاث سنين، ثم أخرجه وأنعم عليه وقدّمه على الجيش. طعن يوم المنصورة وجاءته ضربتان في وجهه فسقط. وفيها السّاوي يوسف بن محمود بن يعقوب المصري الصوفي [3] . روى عن السّلفي، وعبد الله بن برّي، وتوفي في رجب عن ثمانين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 266- 268) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) . [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (184) و «العبر» (5/ 194) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 100- 102) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) . [3] انظر «العبر» (5/ 195) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 195) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) .

سنة ثمان وأربعين وستمائة

سنة ثمان وأربعين وستمائة استهلّت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرون لانقطاع الميرة عن الفرنج، ولوقوع المرض في خيلهم، ثم عزم ملكهم الفرنسيس على المسير في الليل إلى دمياط، ففهمها المسلمون، وكان الفرنج قد عملوا جسرا من صنوبر على النيل، فنسوا قطعة، فعبر عليه الناس وأحدقوا بهم، فاجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطاله، وحملوا على المسلمين حملة واحدة، ففرّج لهم المسلمون، فلما صاروا في وسطهم أطبقوا عليهم، فلم ينج منهم أحد، ومسّكوا الفرنسيس أسرة سيف الدّين القيمري باني المارستان في صالحية دمشق وانهزم جلّ الفرنج على حمية، فحمل عليهم المسلمون، ووضعوا فيهم السيف، وغنم الناس ما لا يحدّ ولا يوصف، وأركب الفرنسيس في حرّاقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكوسات والطبول، وفي البرّ الشرقي الجيش سائر تحت ألوية النصر، وفي البر الغربي العربان والعوام. وكانت ساعة عجيبة، واعتقل الفرنسيس بالمنصورة، وذلك في أول يوم من المحرّم. قال سعد الدّين بن حمّويه: كانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا، فيهم ملوك وكبار، وكانت القتلى سبعة آلاف، واستشهد من المسلمين نحو مائة نفس، وخلع الملك المعظّم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة، فامتنع

الكلب الفرنسيس من لبس الخلعة، وقال: أنا مملكتي بقدر مملكة صاحب مصر، كيف ألبس خلعته؟. ثم بدت من المعظّم خفّة وطيش وأمور خرج بسببها عليه مماليك أبيه وقتلوه بعد أن استردوا دمياط، وذلك أن حسام الدّين بن أبي علي أطلق الفرنسيس على أن يسلّم دمياط، وعلى بذل خمسمائة ألف دينار للمسلمين، فأركب بغلة، وساق معه الجيش إلى دمياط، فما وصلوا إلّا وأوائل المسلمين قد ركبوا أسوارها، فاصفرّ لون الفرنسيس، فقال حسام الدّين: هذه دمياط قد ملكناها، والرأي لا نطلق هذا، لأنه قد اطلع على عوراتنا. فقال عزّ الدّين أيبك: لا أرى الغدر، وأطلقه [1] . وفيها توفي ابن الخيّر أبو إسحاق إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي المقرئ الحنبلي [2] . روى الكثير عن شهدة، وعبد الحق، وجماعة. وأجاز له ابن البطّي. وقرأ القراءات. ولد في سلخ ذي الحجّة سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وعني بالحديث، وكان له به معرفة، وكان أحد المشايخ المشهورين بالصلاح وعلو الإسناد. دائم البشر، مشتغلا بنفسه، ملازما لمسجده حسن الأخلاق. قال ابن نقطة: سماعه صحيح، وهو شيخ مكثر. روى عن خلق كثير، منهم: ابن الحلوانية، وابن العديم، والدمياطي، وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد. وكان والده شيخا صالحا ضريرا. حدّث عن ابن ناصر وغيره، وهو الذي يلقب بالخيّر. توفي في صفر سنة ثلاث وستمائة.

_ [1] انظر الخبر برواية أخرى في «مرآة الزمان» (8/ 517- 518) و «النجوم الزاهرة» (6/ 367) . [2] انظر «العبر» (5/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 235- 236) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) .

وفيها فخر القضاة بن الجبّاب أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السّعدي المصري [1] ، ناظر الأوقاف، وراوي «صحيح مسلم» عن المأموني. سمع قليلا من السّلفي، وابن برّي، وتوفي في رمضان، وله سبع وثمانون سنة. وفيها الحافظية أرغوان العادلية [2] عتيقة الملك العادل، وسميت بالحافظية لتربيتها للملك الحافظ صاحب قلعة جعبر. وكانت امرأة صالحة مدبرة، صادرها الصالح إسماعيل، فأخذ منها أربعمائة صندوق، ووقفت دارها التي داخل باب النصر بدمشق وتعرف بدار الإبراهيمي على خدّامها، وبنت بالصالحية تحت ثورا [3] قرب عين الكرش مدرسة وتربة كانت بستانا للنّجيب غلام التّاج الكندي فاشترته منه، وبنت ذلك، ووقفت عليه أوقافا جيدة، منها بستان بصارو، وتسمى الآن بالحافظية [4] . وفيها الملك الصالح عماد الدّين أبو الجيش إسماعيل بن العادل [5] ، الذي تملّك دمشق مدة. انضم سنة أربع وأربعين إلى ابن أخيه صاحب حلب الملك الناصر، فكان من كبراء دولته ومن جملة أمرائه بعد سلطنة دمشق، ثم قدم معه دمشق، وسار معه، فأسره الصالحية، ومرّوا على تربة [6] الصالح مولاهم، وصاحوا: يا خوند أين عينك ترى عدوّك أسيرا. ثم أخذوه في الليل وأعدموه في سلخ ذي القعدة، وكان ملكا شهما محسنا إلى خدمه وغلمانه وحاشيته، كثير التجمل.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 198) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 234- 235) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (270) . [2] انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 243) و «أعلام النساء» لكحالة (1/ 26) . [3] يعني نهر ثورا. [4] قلت: وتعرف في أيامنا بالست حفيظة. [5] انظر «العبر» (5/ 198- 199) . [6] تحرفت في «ط» إلى «طربة» .

وفيها أمين الدولة الوزير أبو الحسن الطبيب [1] . كان سامريّا ببعلبك فأسلم في الظّاهر، والله أعلم بالسرائر، ونفق على الصالح إسماعيل حتّى وزر له، وكان ظالما، نجسا، ماكرا، داهية، وهو واقف الأمينية التي ببعلبك. أخذ من دمشق بعد حصار الخوارزمية، وسجن بقلعة مصر، فلما جاء الخبر الذي لم يتمّ بانتصار الناصر، توثب أمين الدولة في جماعة وصاحوا بشعار الناصر، فشنقوا، وهم: هو، وناصر الدّين بن يغمور [2] ، والخوارزمي. ومن جملة ما وجد في تركة أمين الدولة، ثلاثة آلاف ألف دينار، غير ما كان مودعا له عند الناس. وفيها الملك المعظم غياث الدّين توران شاه بن الصّالح نجم الدّين أيوب [3] . لما توفي أبوه حلف له الأمراء وقعدوا [4] وراءه كما ذكرنا، وفرح الخلق بكسر الفرنج على يده، لكنّه كان لا يصلح لصالحة، لقلّة عقله وفساده في المرد. ضربه مملوك بسيف فتلقاها بيده، ثم هرب إلى برج خشب فرموه بالنفط، فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه، وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام، حتّى انتفخ، ثم واروه. وكان قويّ المشاركة في العلوم، ذكيا. قال ابن واصل: لما دخل المعظم مصر، قام إليه الشعراء، فابتدأ ابن الدجاجية تاج الدّين فقال: كيف كان القدوم من حصن كيفا ... حين أرغمت للأعادي أنوفا

_ [1] انظر «العبر» (5/ 199) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن مغمور» والتصحيح من «العبر» . [3] انظر «فوات الوفيات» (1/ 263- 265) و «العبر» (5/ 199- 200) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 193- 196) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وتعدوا» والتصحيح من «العبر» .

فأجابه الملك المعظم: الطّريق الطّريق يا ألف نحس ... تارة آمنا وطورا مخيفا أدركته حرفة الأدب كما أدركت عبد الله بن المعتز. قال أبو شامة: دخل في البحر إلى حلقه، فضربه البندقداري بالسيف فوقع. وفيها ابن رواج المحدّث رشيد الدّين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر ابن علي بن فتّوح الإسكندراني المالكي [1] . ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وسمع الكثير من السّلفي وطائفة، ونسخ الكثير، وخرّج «الأربعين» . وكان ذا دين وفقه وتواضع. توفي في ثامن عشر ذي القعدة. وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي السعادات الدبّاس الفقيه الحنبلي البغدادي [2] ، أحد أعيان فقهاء بغداد وفضلائهم. سمع الحديث من ابن شاتيل، وابن زريق البرداني، وابن كليب وتفقه على إسماعيل بن الحسين صاحب أبي الفتح بن المنّي، وقرأ علم الخلاف والجدل والأصول على النّوقاني، وبرع في ذلك، وتقدم على أقرانه، وتكلّم وهو شاب في مجالس الأئمة فاستحسنوا كلامه. وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح. قال ابن السّاعي: قرأت عليه مقدمة في الأصول، وكان صدوقا، نبيلا، ورعا، متدينا، حسن الطريقة، جميل السيرة، محمود الأفعال، عابدا، كثير التلاوة للقرآن، محبا للعلم ونشره، صابرا على تعليمه، لم يزل على قانون واحد، لم تعرف له صبوة من صباه إلى آخر عمره، يزور الصالحين، ويشتغل

_ [1] انظر «العبر» (5/ 200) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 245- 246) .

بالعلم، لطيفا. كيّسا، حسن المفاكهة. قلّ أن يغشى أحدا، مقبلا على ما هو بصدده. وروى عنه ابن النجار في «تاريخه» ووصفه بنحو ما وصفه ابن السّاعي. توفي في حادي عشري شعبان ودفن بباب حرب وقد ناهز الثمانين، ومرّ ليلة بسوق المدرسة النظامية ليصلي العشاء الآخرة بالمستنصرية إماما فخطف إنسان بقياره في الظلماء وعدا، فقال له الشيخ: على رسلك وهبتكه، قال: قبلت. وفشا خبره بذلك فلما أصبح أرسل إليه عدة بقايير، قيل أحد عشر، فلم يقبل منها إلّا واحدا تنزها. وفيها المجد الإسفراييني المحدّث [1] ، قارئ الحديث، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصّوفي. روى عن المؤيد الطّوسي وجماعة، وتوفي في ذي القعدة بالسميساطيّة من دمشق. وفيها مظفّر بن الفوّي أبو منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الإسكندراني المالكي الشاهد [2] . روى عن السّلفي، وعاش تسعين سنة، وتوفي في سلخ [ذي] القعدة. وفيها أبو الحجّاج يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله، محدّث الشام الدمشقي الأدمي الحنبلي [3] ، نزيل حلب. ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق، وتشاغل بالكسب إلى الثلاثين من عمره، ثم طلب الحديث، وتخرّج بالحافظ عبد الغني [4] واستفرغ فيه وسعه. وكتب ما لا يوصف بخطّه المليح المتقن، ورحل إلى

_ [1] انظر «العبر» (5/ 200) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 258) . [2] انظر «العبر» (5/ 201) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 268) و «حسن المحاضرة» (1/ 378) . [3] انظر «العبر» (5/ 201) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 151- 155) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 244- 245) . [4] يعني المقدسي، رحمه الله تعالى.

الأقطار، فسمع بدمشق من الحافظ عبد الغني، وابن أبي عصرون، وابن الموازيني، وغيرهم. وببغداد من ابن كليب، وابن بوش، وهذه الطبقة. وبأصبهان من ابن مسعود الحمّال وغيره. وبمصر من البوصيري وغيره، وكان إماما، حافظا، ثقة، نبيلا، متقنا، واسع الرّواية، جميل السيرة، متسع الرّحلة. قال ابن ناصر الدّين [1] : كان من الأئمة الحفّاظ المكثرين الرحّالين، بل كان أوحدهم فضلا، وأوسعهم رحلة وكتابة ونقلا. وقال ابن رجب: تفرّد في وقته بأشياء كثيرة عن الأصبهانيين، وخرّج وجمع لنفسه «معجما» عن أزيد من خمسمائة شيخ، و «ثمانيات» و «عوالي» و «فوائد» وغير ذلك. واستوطن في آخر عمره حلب، وتصدّر بجامعها، وصار حافظا والمشار إليه بعلم الحديث فيها. حدّث بالكثير من قبل الستمائة وإلى آخر عمره، وحدّث عنه البرزالي، ومات قبله باثنتي عشرة سنة. وسمع منه الحفّاظ المقدّمون، كابن الأنماطي، وابن الدّبيثي، وابن نقطة، وابن النجّار، والصّريفيني، وعمر بن الحاجب، وقال: هو أحد الرحّالين، بل واحدهم فضلا، وأوسعهم رحلة. نقل بخطه المليح ما لا يدخل تحت الحصر، وهو طيّب الأخلاق، مرضي الطريقة، متقن، ثقة، حافظ. وسئل عنه الحافظ الضياء فقال: حافظ مفيد صحيح الأصول. سمع وحصّل، صاحب رحلة وتطواف. وسئل الصّريفيني عنه فقال: حافظ، ثقة، عالم بما [2] يقرأ عليه، لا يكاد يفوته اسم رجل.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (178/ ب) . [2] لفظة «بما» سقطت من «آ» .

وقال الذهبي: روى عنه خلق كثير، وآخر من روى عنه إجازة زينب بنت الكمال. توفي سحر يوم الجمعة منتصف- وقيل عاشر- جمادى الآخرة بحلب ودفن بظاهرها، رحمه الله تعالى.

سنة تسع وأربعين وستمائة

سنة تسع وأربعين وستمائة فيها توفي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي [1] الإسلامي. كان يهوديا فأسلم، وكان أديبا ماهرا، وله قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وكان يهوى صبيا يهوديا اسمه موسى، فمن قوله فيه من جملة أبيات [2] : فما وجد أعرابيّة بان إلفها [3] ... فحنّت إلى بان الحجاز ورنده بأعظم من وجدي بموسى وإنما ... يرى أنني أذنبت ذنبا بودّه وله فيه [4] : يقولون لو قبّلته لاشتفى الجوى ... أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا؟ إلى أن قال: إذا فئة العذّال جاءت بسحرها ... ففي وجه [5] موسى آية تبطل السّحرا

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (6/ 5- 11) و «فوات الوفيات» (1/ 20- 30) . [2] البيتان من قصيدة طويلة انظرها في «ديوانه» بتحقيق بطرس البستاني ص (92- 94) طبع مكتبة صادر. [3] في «ديوانه» : «أهلها» . [4] انظر «ديوانه» ص (35) . [5] في «ديوانه» : «ففي لحظ» .

ثم إنه هوي بعد إسلامه صبيا اسمه محمد، فقال [1] : تركت هوى موسى لحبّ محمد ... ولولا هدى الرّحمن ما كنت أهتدي وما عن قلى حبي تركت وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمد مات غريقا، رحمه الله. وفيها ابن العلّيق أبو نصر الأعزّ بن فضائل البغدادي البابصري [2] . روى عن شهدة، وعبد الحق، وجماعة. وكان صالحا، تاليا لكتاب الله تعالى. توفي في رجب. وفيها البشيريّ [3]- بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبعد الياء راء، نسبة إلى قلعة بشير بنواحي الدوران من بلاد الأكراد- أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر الفقيه ضياء الدّين، شيخ ماردين. روى عن أبي الفتح بن شاتيل وجماعة، وكانت له مشاركة قويّة في العلوم. قال الذهبي: قال شيخنا الدّمياطي: مات في الثاني والعشرين من ذي الحجّة، وقد جاوز المائة. وقال الشريف عز الدّين في «الوفيات» : كان يذكر أنه ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. قاله في «العبر» .

_ [1] رواية البيتين في «ديوانه» ص (139) : تسلّيت عن موسى بحبّ محمد ... هديت، ولولا الله ما كنت أهتدي وما عن قلى قد كان ذاك، وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمّد [2] انظر «العبر» (5/ 202) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 238- 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) . [3] تنبيه: كذا قيد المؤلّف- رحمه الله- نسبته «البشيري» وهو وهم منه في قراءتها، والصواب «النّشتبري» كما في «سير أعلام النبلاء» (23/ 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «العبر» (5/ 202) وقد ضبطت فيه بكسر النون المشدّدة.

وفيها الإمام رشيد الدّين عبد الظاهر بن نشوان الجذامي المصري [1] الضرير، شيخ الإقراء بالدّيار المصرية. كان عارفا بالنحو أيضا. قال السيوطي في «حسن المحاضرة» : قرأ على أبي الجود، وسمع من أبي القاسم البوصيري، وبرع في العربية، وتصدّر للإقراء، وانتهت إليه رئاسة الفنّ في زمانه، وكان ذا جلالة ظاهرة، وحرمة وافرة، وخبرة تامّة بوجوه القراءات. مات في جمادى الأولى، وهو والد الكاتب البليغ محيي الدّين بن عبد الظّاهر. انتهى. وفيها أبو نصر الزّبيدي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك الرّبعي البغدادي [2] ولد سنة ستين وخمسمائة، وسمع من شهدة وغيرها، وتوفي سلخ جمادى الأولى. وفيها نور الدّين أبو محمد عبد اللّطيف [بن علي] بن نفيس بن بورنداز [3] بن الحسام البغدادي الحنبلي المحدّث المعدّل. ولد في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه أبي الحسن، وأبي محمد جعفر بن محمد بن أموسان، وغيرهما. وعني بهذا الشأن. وقرأ الكثير على عمر بن كرم، ومن بعده. وكتب الكثير بخطّه. قال الذهبي في «تاريخه» : هو الحافظ المفيد، كتب الكثير، وأفاد، وسمع منه الحافظ الدّمياطي، وذكره في «معجمه» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 202) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 650) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 391- 392) و «حسن المحاضرة» (1/ 500) . [2] انظر «العبر» (5/ 203) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 251- 252) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 247) : «ابن نورندان» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

وشهد عند محمود الزّنجاني [1] . ثم إنه امتحن لقراءته شيئا من أحاديث الصفات بجامع القصر، فسعى به بعض المتجهمة، وحبس مديدة، وأسقطت عدالته، ثم أفرج عنه، وأعاد عدالته ابن مقبل، ثم أسقطت، ثم أعاد عدالته قاضي القضاة أبو صالح، فباشر ديوان الوكالة إلى آخر عمره. توفي بكرة السبت ثالث عشري ربيع الآخر ودفن بباب حرب، وكان له جمع عظيم، وشدّ تابوته بالحبال، وأكثر العوام الصّياح في الجنازة: هذه غايات الصالحين. انتهى. قال ابن السّاعي: ولم أر ممن كان على قاعدته فعل في جنازته مثل ذلك، فإنه كان كهلا يتصرف في أعمال السلطان، ويركب الخيل، ويحلّي فرسه بالفضة على عادة أعيان المتصرفين. انتهى. وقال ابن رجب: حصل له ذلك ببركة السّنّة، فإن الإمام أحمد قال: بيننا وبينهم [2] الجنائز. وفيها ابن الجمّيزي العلّامة بهاء الدّين أبو الحسن علي بن هبة الله ابن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللّخمي المصري الشافعي [3] ، مسند الدّيار المصرية وخطيبها ومدرسها. ولد بمصر يوم الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وحفظ القرآن سنة تسع وستين، ورحل به أبوه فسمّعه بدمشق من ابن عساكر، وببغداد من

_ [1] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الريحاني» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 345) . [2] يعني أهل البدعة. [3] انظر «العبر» (5/ 203) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 253- 254) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 583) .

شهدة وجماعة، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي. وقرأ كتاب «المهذب» على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون. وقرأه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلّفه، وسمع بالإسكندرية من السّلفي، وتفرّد في زمانه. ورحل إليه الطلبة، ودرّس وأفتى، وانتهت إليه مشيخة العلم بالدّيار المصرية. وهو آخر من قرأ القراءات في الدّنيا على البطائحي، بل وآخر من روى عنه بالسماع. وقرأ أيضا بالقراءات العشر على ابن أبي عصرون. وسمع منه الكثير، وهو آخر تلاميذه في الدّنيا. وكان رئيس العلماء في وقته، معظما عند الخاصة والعامة، وعليه مدار الفتوى ببلده. كبير القدر، وافر الحرمة. روى عنه خلائق لا يحصون. توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجّة. وفيها السّديد أبو القاسم عيسى بن أبي الحرم مكّي بن حسين العامري المصري الشافعي المقرئ [1] ، إمام جامع الحاكم. قرأ القراءات على الشّاطبي وأقرأها مدة، وتوفي في شوال عن ثمانين سنة، وقرأ عليه غير واحد. وفيها ابن المنّي أبو المظفّر سيف الدّين محمد بن أبي البدر مقبل بن فتيان بن مطر النّهرواني [2] ، المفتي الإمام. الفقيه الحنبلي، ابن أخي شيخ المذهب أبي الفتح بن المنّي. ولد ببغداد في خامس رجب، سنة سبع، وقيل: تسع وستين وخمسمائة. وقرأ بالروايات على ابن الباقلّاني بواسط. وروى عن جماعة، منهم:

_ [1] انظر «العبر» (5/ 203- 204) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 652) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) . [2] انظر «العبر» (5/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 252- 253) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 248) .

شهدة، وعبد الحق اليوسفي. وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بن المنّي. وتأدّب بالحيص بيص الشاعر وغيره. وناظر في المسائل الخلافية، وأفتى وشهد عند القضاة. وكان حسن المناظرة، متدينا، مشكور الطريقة، كثير التلاوة للقرآن الكريم. وحدّث، وأثنى عليه ابن نقطة، وروى عنه ابن النجار، وابن السّاعي، وعمر بن الحاجب. وبالإجازة جماعة، آخرهم: زينب بنت الكمال المقدسية، وتوفي في سابع جمادى الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها جمال الدّين بن مطروح الأمير الصّاحب أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري [1] ، صاحب الشعر الرائق. ولد بأسيوط يوم الاثنين ثامن رجب، سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. ونشأ هناك، وتنقلت به الأحوال والخدم والولايات، حتّى اتصل بخدمة السلطان الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب، وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه بالدّيار المصرية. ولما اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية، وصار له آمد، وحصن كيفا، وحرّان، والرّها، والرّقّة، ورأس عين، وسروج، وما انضم إلى ذلك، سيّر إليها ولده الملك الصالح نائبا عنه، وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة، فكان ابن مطروح في خدمته، ولم يزل ينتقل في تلك البلاد إلى أن وصل الملك الصّالح إلى مصر مالكا لها، وكان دخوله يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وستمائة. ثم وصل ابن مطروح إلى الدّيار المصرية في أوائل سنة تسع وثلاثين. فرتّبه السلطان ناظرا في الخزانة، ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده، إلى أن ملك الصالح دمشق في

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (6/ 258- 266) و «العبر» (5/ 204) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 273- 274) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 27- 29) .

جمادى الأولى، سنة ثلاث وأربعين. فكان ابن مطروح في صورة وزير لها، ومضى إليها، فحسنت حاله، وارتفعت منزلته، ثم إن الصّالح توجّه إليها، فوصلها في شعبان، سنة ست وأربعين، وجهّز عسكرا إلى حمص لاستنقاذها من نواب الملك الناصر، فعزل ابن مطروح عن ولايته بدمشق، وسيّره مع العسكر، ثم بلغه أن الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرس [1] على عزم قصد الدّيار المصرية، فسيّر إلى العسكر المحاصرين حمص، وأمرهم أن يعودوا لحفظ الدّيار المصرية، فعاد العسكر وابن مطروح في الخدمة، والملك الصالح متغير عليه لأمور يفهمها منه [2] . ولما مات الملك الصالح، وصل ابن مطروح إلى مصر، وأقام في داره إلى أن مات. قال ابن خلّكان: كان ذا أخلاق رضية، وكان بيني وبينه مكاتبات ومودة أكيدة، وله ديوان شعر أنشدني أكثره، فمن ذلك قوله في أول قصيدة طويلة: هي رامة فخذوا يمين الوادي ... وذروا السّيوف تقرّ في الأغماد وحذار من لحظات أعين عينها ... فلكم صرعن بها من الآساد من كان منكم واثقا بفؤاده ... فهناك ما أنا واثق بفؤادي يا صاحبيّ ولي بجرعاء الحمى ... قلب أسير ما له من فادي سلبته مني يوم بانوا مقلة ... مكحولة أجفانها بسواد وبحيّ من أنا في هواه ميّت ... عين على العشّاق بالمرصاد وأغنّ مسكيّ اللّمى معسوله ... لولا الرقيب بلغت منه مرادي كيف السّبيل إلى وصال محجّب ... ما بين بيض ظبا وسمر صعاد

_ [1] كذا كانت تعرف في السابق ب «قبرس» بالسين المهملة آخر الحروف، وتعرف في أيامنا ب «قبرص» بالصاد آخر الحروف. [2] في «وفيات الأعيان» مصدر المؤلّف: «لأمور نقمها عليه» .

في بيت شعر نازل من شعره ... فالحسن منه عاكف في بادي حرسوا مهفهف قدّه بمثقّف ... فتشابه الميّاس بالميّاد قالت لنا ألف العذار بخدّه ... في ميم مبسمه شفاء الصّادي ومن شعره قوله: وعلّقته من آل يعرب لحظه ... أمضي وفتك من سيوف عريبه أسكنته بالمنحنى من أضلعي ... شوقا لبارق شوقه وعذيبه يا عائبا ذاك الفتور بطرفه ... خلّوه لي أنا قد رضيت بعيبه لدن وما مرّ النّسيم بعطفه ... أرج وما نفح العبير بجيبه ونزل في بعض أسفاره بمسجد وهو مريض فقال: يا ربّ قد عجز الطّبيب فداوني ... بلطيف صنعك واشفني يا شافي أنا من ضيوفك قد حسبت وإنّ من ... شيم الكرام البرّ بالأضياف وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي وأحسن فيهما، وهما: إذا ما سقاني ريقه وهو باسم ... تذكّرت ما بين العذيب وبارق ويذكرني من قدّه ومدامعي ... مجر عوالينا ومجرى السوابق وكان بينه وبين البهاء زهير محبة قديمة من زمن الصّبا وإقامتهما بالصعيد، حتى كانا كالأخوين وليس بينهما فرق في أمور الدّنيا. ثم اتصلا بخدمة الصالح وهما على تلك الحال والمودة. وتوفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان، ودفن بسفح المقطّم، وأوصى أن يكتب عند رأسه دو بيت نظمه في مرضه وهو: أصبحت بقعر حفرتي [1] مرتهنا ... لا أملك من دنياي إلّا كفنا يا من وسعت عباده رحمته ... من بعض عبادك المسيئين [2] أنا

_ [1] في «وفيات الأعيان» : «حفرة» . [2] في «آ» و «ط» : «المسيكين» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .

سنة خمسين وستمائة

سنة خمسين وستمائة فيها وصلت التتار إلى ديار بكر فقتلوا وسبوا وعملوا عوائدهم. وفيها توفي الرّشيد بن مسلمة أبو العبّاس أحمد بن مفرّج بن علي بن الدّمشقي [1] ، ناظر الأيتام. ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وأجاز له الشيخ عبد القادر الجيلي، وهبة الله الدقّاق، وابن البطّي، والكبار. وتفرّد في وقته، وسمع من الحافظ ابن عساكر وجماعة. وتوفي في ذي القعدة. وفيها الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المعرّي [2] الشيخ المفتي الإمام الفقيه الشافعي المعرّي [3] ، أحد مشايخ الشافعية وأعيانهم. أخذ عن الشيخ فخر الدّين بن عساكر، ثم عن ابن الصّلاح. وكان

_ [1] انظر «العبر» (5/ 205) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «النجوم الزاهرة» (7/ 30) . [2] انظر «العبر» (5/ 205) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «النجوم الزاهرة» (7/ 30) . [3] كذا قيّدت نسبته في «آ» و «ط» و «المنتخب» (172/ ب) . وعند تلميذه الإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 18) ب: «المغربي» وقيّدت في «العبر» (5/ 205) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 248) و «مرآة الجنان» (4/ 120) ب «المعرّي» وتحرفت في «ذيل الرّوضتين إلى «المقرئ» ، وانظر ترجمته في «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 126) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 140) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 127- 128) ، وقد قيّدت نسبته فيها جميعا كما في كتابنا.

إماما، عالما، مقيما بالرّواحية، أعاد بها عند ابن الصلاح عشرين سنة، وقد أخذ عنه جماعة، منهم: الإمام محيي الدّين النّووي. قال أبو شامة: كان زاهدا، متواضعا. وقال النووي في أوائل «تهذيب الأسماء واللغات» : أول شيوخي الإمام المتفق على علمه، وزهده، وورعه، وكثرة عبادته، وعظيم [1] فضله وتميّزه [2] في ذلك على أشكاله. وقال غيره: كان متصديا للإفادة والفتوى، تفقّه به أئمة، وكان كبير القدر في الخير والصلاح، متيقن الورع. عرضت عليه مناصب فامتنع، ثم ترك الفتوى، وقال: في البلد من يقوم مقامي. وكان يسرد الصوم، ويؤثر بثلث جامكيته [3] ويقنع باليسير، ويصل رحمه بما فضل عنه، وكان في كلّ رمضان ينسخ ختمة ويوقفها. وله أوراد كثيرة، ومحاسن جمّة. توفي في ذي القعدة عن نيّف وخمسين سنة، ودفن بتربة الصّوفية إلى جانب ابن الصّلاح. وفيها [الصّغاني] العلّامة رضي الدّين أبو الفضائل الحسن بن محمد [بن الحسن] بن حيدر العدوي العمري الهندي اللّغوي [4] ، نزيل بغداد. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بكوهور [5] ، ونشأ بغزنة، وقدم بغداد، وذهب في الرسائل غير مرّة. وسمع بمكّة من أبي الفتوح بن [محمد]

_ [1] في «تهذيب الأسماء واللغات» : «وعظم» . [2] في «آ» و «ط» : «وتمييزه» وما أثبته من «تهذيب الأسماء واللغات» . [3] الجامكية: الراتب. انظر «الألفاظ الفارسية المعرّبة» لأدشير ص (45) . [4] انظر «العبر» (5/ 205- 206) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 282- 283) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 26 و 30) ويقال في نسبه «الصّغاني» و «الصّاغاني» . [5] في «آ» و «ط» : «بدوهور» والتصحيح من «العبر» وعلّق محقّقه الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد بقوله: يعني لاهور في الهند.

الحصري، وببغداد من سعيد بن الرزّاز. وكان إليه المنتهى في معرفة اللغة. له مصنّفات كبار في ذلك، وله بصر في الفقه، مع الدّين، والأمانة. توفي في شعبان، وحمل إلى مكّة فدفن بها. وفيها الخطيب العدل عبد الله بن حسّان بن رافع [1] ، خطيب المصلّى. توفي بدمشق بقصر حجّاج، بالمسجد المعروف به، ودفن بسفح قاسيون. وفيها الخطيب كمال الدّين عبد الواحد بن خلف بن نبهان، خطيب زملكا، جدّ الشيخ كمال الدّين بن الزّملكاني [2] . كان فاضلا، خيّرا، متميزا في علوم متعددة. تولى قضاء صرخد، ودرّس ببعلبك، وناب بدمشق، ومات بها. حكى عنه ابن أخيه عبد الكافي أنه لما طال به المرض ونحن عنده إذ التوت [3] يده اليمنى إلى أن صارت كالقوس، ثم فقعت وانكسرت، وبقيت معلّقة بالجلدة، ثم يوما آخر أصاب يده اليسرى مثل ذلك، ثم رجله اليمنى، ثم رجله اليسرى كذلك، فبقيت أربعته مكسرة. وسألوا الأطباء عن ذلك فما عرفوا جنس هذا المرض. وفيها الشيخ الصّالح علي بن محمد الفهّاد [4] . كان بحرم السلطان. سنجرشاه، فلما قتل انقطع في بيته وبنى مسجدا ورباطا ووقف عليهما ما ملك، وبقي يؤذّن احتسابا، فلما كان في بعض الأيام، جاء إلى المسجد وفيه بئر، فأدلى السطل ليستقي ماء، فطلع مملوءا ذهبا، فقال: بسم الله مردود، فأنزله مرة ثانية فطلع مملوءا ذهبا، فقال: بسم الله غير مردود وقلبه في البئر،

_ [1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر. [2] سترد ترجمة حفيده في الصفحة (438) . [3] في «ط» : «أن التوت» وهو خطأ. [4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

وأنزله مرة ثالثة فطلع مملوءا ذهبا، فقال: يا ربّ لا تطردني عن بابك، أنا أروح إلى الشطّ أتوضأ، ليس قصدي سوى الماء لأداء فريضتك، ثم أنزله رابعة فطلع مملوءا ماء، فسجد شكرا لله تعالى [1] . وفيها الإمام شمس الدّين محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري المقدسي الأصل ثم الدمشقي الكاتب الفقيه الحنبلي [2] . ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثقفي، وابن صدقة الحرّاني، وغيرهما. وأجاز له السّلفي وغيره، وكان شيخا، فاضلا، وأديبا حسن النظم والنثر، من المعروفين بالفضل والأدب، والكتابة، والدّين، والصّلاح، وحسن الخطّ، وحسن الخصال، ولطف المقال. وطال عمره، ووزر للملك الصّالح إسماعيل مدة. وحدّث بدمشق وحلب، وكتب عنه ابن الحاجب، وقال: سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال: عالم ديّن. روى عنه جماعة، منهم: ابنه يحيى بن محمد بن سعد، وسليمان بن حمزة، وتوفي في ثاني شوال بسفح قاسيون ودفن به من الغد. وتوفي أخوه أحمد في نصف ذي القعدة من هذه السنة [3] . روى عن الخشوعي، وابن طبرزد. وفيها الفقيه العلّامة المحدّث الصّالح الورع، محمد بن إسماعيل

_ [1] لله رجال صدقوا مع الله حق الصدق وخلعوا من أنفسهم حبّ الدنيا الفانية، فأكرمهم الله بالقناعة، وهذا لعمري منهم- إن صحّت هذه الرواية- رحمه الله تعالى وأحسن إليه. [2] انظر «العبر» (5/ 206) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 248- 249) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 248- 249) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 249) .

الحضرمي [1] ، والد الفقيه إسماعيل المشهور. كان مفتيا [2] ، مدرسا. وصنّف، واختصر «شعب الإيمان» للبيهقي، وله عليه زيادات حسنة، وتخرّج به جماعة، منهم: ولده. ولما مات نزل في قبره الشيخ أبو الغيث بن جميل [اليمني] ، نفع الله بهما. قاله ابن الأهدل. وفيها سعد الدّين بن حمّويه الجويني محمد بن المؤيد بن عبد الله ابن علي الصّوفي [3] ، صاحب أحوال ورياضات. وله أصحاب ومريدون، وله كلام على طريقة الاتحاد. سكن سفح قاسيون مدة، ثم رجع إلى خراسان، وتوفي هناك. قاله في «العبر» . وفيها الفقيه موسى بن محمد القمراوي [4] ، نسبة إلى قمراء، قرية من أعمال صرخد. ومن شعره قصيدة وازن بها قصيدة الحصري القيرواني [5] ، التي أولها: يا ليل الصّبّ متى غده ... أقيام السّاعة موعده فقال القمراوي: قد [6] ملّ مريضك عوّده ... ورثى لأسيرك حسّده لم يبق جفاك سوى نفس ... زفرات الشوق تصعّده

_ [1] انظر «غربال الزمان» ص (525) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه. [2] في «غربال الزمان» : «متفننا» . [3] انظر «العبر» (5/ 206) و «مرآة الجنان» (4/ 121) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 332- 334) . [5] تقدمت ترجمته في المجلد الخامس صفحة (381- 383) . [6] في «ط» : «قل» .

هاروت يعنعن فنّ [1] السّح ... ر إلى عينيك ويسنده وإذا أغمضت [2] اللّحظ فتك ... ت فكيف وأنت تجرّده كم سهّل خدّك وجه رضا ... والحاجب منك يعقّده ما أشرك فيك القلب فلم ... في نار الشّوق تخلّده وفيها فخر القضاة نصر الله بن هبة الله بن بصاقة [3] الحنفي الكاتب [4] . من شعره: على ورد خدّيه وأسّ عذاره ... يليق بمن يهواه خلع عذاره وأبذل جهدي في مداراة قلبه ... ولولا الهوى يقتادني لم أداره أرى جنّة في خدّه غير أنني ... أرى جلّ ناري شبّ من جلّناره سكرت بكأس من رحيق رضابه ... ولم أدر أنّ الموت عقبى خماره وفيها علي بن أبي الفوارس الخيّاط المقرئ، عرف بالسير باريك [5] . كان حاذقا بالخياطة، قيل: إن الأمير الأرنباي أحضره ليلة العيد وقد عرض عليه ثوب أطلس، فطلب صاحبه ثمنا كثيرا، فقال: أنا أخيّطه ولا أقطعه، ويلبسه الأمير. فإن رضي صاحبه بما يعطى وإلّا يعاد عليه، فقال: افعل، ففعل ذلك، وجاء صاحبه وأصرّ على الثمن الغالي، فطواه وثقله وأعاده عليه، فلما رآه صحيحا رضي بما أعطي.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «في» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «أغمدت» . [3] تحرفت «بصاقة» في «الجواهر المضية» طبع حيدرآباد إلى «رصافة» فتصحح. [4] انظر «الجواهر المضية» (2/ 199) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) و «الأعلام» (8/ 31) وانظر التعليق عليه لمؤلّفه العلّامة خير الدّين الزركلي طيّب الله ثراه. [5] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

وفيها الشيخ عثمان الديرناعسي [1]- من دير ناعس من قرى البقاع- شيخ عظيم، صاحب كرامات ومكاشفات. أدرك جماعة من الأولياء، ودفن بزاوية هناك، وكان له صيت وسمعة. وفيها ابن قميرة المؤتمن أبو القاسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القاسم بن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي [2] ، التاجر السفّار، مسند العراق. ولد سنة خمس وستين وخمسمائة. وسمع من شهدة، وتجنّي، وعبد الحق، وجماعة. وحدّث في تجارته بمصر والشام. توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى. وفيها هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرّج جمال الدّين أبو البركات المقدسي ثم الإسكندراني الشافعي، ويعرف بابن الواعظ [3] . من عدول الثّغر. روى عن السّلفي قليلا، وعاش إحدى وثمانين سنة.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 295) . [2] انظر «العبر» (5/ 206- 207) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 285) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (271) . [3] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 378) .

سنة إحدى وخمسين وستمائة

سنة إحدى وخمسين وستمائة فيها توفي الجمال بن النّجّار إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدّمشقي المجوّد [1] . كتب للأمجد صاحب بعلبك مدة، وله شعر وأدب. أخذ عن الكندي، وفتيان الشّاغوري، وتوفي بدمشق في ربيع الآخر. وفيها الملك الصّالح صلاح الدّين أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدّين يوسف بن أيوب [2] ، صاحب عين تاب. ولد سنة ستمائة، وإنما أخّروه عن سلطنة حلب لأنه ابن أمة، ولأن أخاه العزيز ابن بنت العادل، وقد تزوّج بعد أخيه العزيز بفاطمة بنت الملك الكامل، وكان مهيبا وقورا، حدّث عن الافتخار الهاشمي، وتوفي في شعبان بعنتاب. وفيها الصّالح بن شجاع بن سيّدهم أبو التّقي المدلجي المصري [3]

_ [1] انظر «العبر» (5/ 207) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان» للعيني (1/ 82) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب. [2] انظر «العبر» (5/ 207- 208) و «عقد الجمان» (1/ 84) . [3] انظر «العبر» (5/ 208) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 289- 290) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «حسن المحاضرة» (1/ 379) .

المالكي الخيّاط، راوي «صحيح مسلم» عن أبي المفاخر المأموني، وكان صالحا، متعففا. توفي في المحرّم. وفيها السبط جمال الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن مكّي بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي ثم الإسكندراني [1] . ولد سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من جدّه السّلفي الكثير [2] ، ومن غيره وأجاز له عبد الحق، وشهدة، وخلق، وانتهى إليه علو الإسناد بالدّيار المصرية. وكان عريا من العلم. توفي في رابع شوال بمصر. قاله في «العبر» . وفيها ابن الزّملكاني العلّامة كمال الدّين عبد الواحد ابن خطيب زملكا أبو محمد عبد الكريم بن خلف الأنصاري السّماكي الشّافعي [3] ، صاحب علم المعاني والبيان. كان قويّ المشاركة في فنون العلم، خيّرا، متميزا، ذكيا سريا. ولي قضاء صرخد، ودرّس مدّة ببعلبك. وله نظم رائق. وهو جدّ الكمال الزّملكاني المشهور، واسطة عقد البيت. وتوفي عبد الواحد في المحرّم بدمشق. وكان له ولد يقول له أبو الحسن علي [4] ، إمام جليل وافر الحرمة، حسن الشكل، درّس بالأمينية، وتوفي في ربيع الأول سنة تسعين وستمائة وقد نيّف على الخمسين. وفيها أبو الحسن بن قطرال علي بن عبد الله بن محمد الأنصاري

_ [1] انظر «العبر» (5/ 208) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 278- 280) و «عقد الجمان» (1/ 82) و «حسن المحاضرة» (1/ 379) . [2] في «آ» و «ط» : «الكبير» والتصحيح من «العبر» . [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (187- 188) و «العبر» (5/ 208- 209) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 316) و «عقد الجمان» (1/ 83- 84) و «غربال الزمان» (ص (527) . [4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 13) .

القرطبي [1] . سمع عبد الحق بن توبة، وأبا القاسم بن الشّرّاط، وناظر علي بن أبي العباس بن مضاء [2] . وقرأ العربية، وولي قضاء أبّذة [3] ، فلما أخذها الفرنج سنة تسع وستمائة أسروه، ثم خلّص، وولي قضاء شاطبة، ثم ولي قضاء قرطبة، ثم ولي قضاء فاس. وكان يشارك في عدة علوم، ويتفرّد ببراعة البلاغة. توفي بمرّاكش في ربيع الأول، وله ثمان وثمانون سنة. وفيها أبو الحسن موفق الدّين علي بن عبد الرحمن البغدادي البابصري [4] الفقيه الحنبلي. سمع مع أبيه من أبي العبّاس أحمد بن أبي الفتح بن صرما وغيره، وتفقه في المذهب. وكان معيدا لطائفة الحنابلة بالمستنصرية. توفي في شعبان ببغداد، ودفن بباب حرب. وفيها الشيخ محمد بن الشيخ الكبير عبد الله اليونيني [5] ، خلف أباه في المشيخة ببعلبك مدة، وكان زاهدا عابدا متواضعا كبير القدر. توفي في رجب.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 209- 210) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 304- 305) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن مصا» والتصحيح من «العبر» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «آمد» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» وهي مدينة صغيرة بالأندلس بينها وبين بيّاسة سبعة أميال. انظر «الروض المعطار» ص (6) ، وقيّدها ياقوت بالدال ثالث الحروف «أبّدة» وأضاف بأنها تعرف ب «أبّدة العرب» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 249) . [5] انظر «العبر» (5/ 210) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 299- 300) و «مرآة الجنان» (4/ 128) ، وقد تحرفت «اليونيني» فيه إلى «الجويني» .

سنة اثنتين وخمسين وستمائة

سنة اثنتين وخمسين وستمائة فيها شرعت التتار في فتح البلاد الإسلامية، والخليفة غافل في خلوته ولهوه، والوزير مؤيد الدّين وأتباع الخليفة يكاتبون هلاكو والرّسل بينهم. وفيها ظهر بأرض عدن في بعض جبالها نار يطير شرارها إلى البحر بالليل ويصعد منها دخان عظيم بالنهار فما شكّوا أنّها النّار التي ذكرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنها تظهر في آخر الزّمان [1] ، فتاب الناس. وفيها توفي الرّشيد العراقي أبو الفضل إسماعيل بن أحمد بن الحسين الحنبلي الجابي [2] . بدار الطّعم. كان أبوه فقيها مشهورا. سكن دمشق، واستجاز لابنه من شهدة، والسّلفي، وطائفة، فروى الكثير بالإجازة، وتوفي في جمادى الأولى.

_ [1] قلت: وذلك فيما رواه الإمام أحمد في «المسند» (4/ 6- 7) ومسلم في «صحيحه» رقم (2901) (40) في الفتن وأشراط الساعة، وأبو داود في «سننه» رقم (4311) في الملاحم: باب أمارات الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه، فاطّلع إلينا فقال: «ما تذكرون؟» قلنا: الساعة. قال: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدّخان، والدّجّال، ودابّة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشّمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس» واللفظ لمسلم. [2] انظر «العبر» (5/ 210- 211) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 305- 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) .

وفيها الأمير فارس الدّين أقطايا [1] التّركي الصّالحي النّجمي. كان موصوفا بالشجاعة والكرم، اشتراه الصّالح بألف دينار، فلما اتصلت السلطنة إلى رفيقه الملك المعزّ بالغ أقطايا [1] في الإذلال والتجبّر، وبقي يركب ركبة ملك، وتزوّج بابنة صاحب حماة، وقال للمعزّ: أريد أعمل العرس في قلعة الجبل، فأخلها لي، وكان يدخل الخزائن ويتصرف في الأموال، فاتفق المعزّ وزوجته شجرة الدّر عليه، ورتّبا من قتله، وأغلقت أبواب القلعة، فركبت مماليكه وكانوا سبعمائة، وأحاطوا بالقلعة، فألقي إليهم رأسه، فهربوا وتفرّقوا. وكان قتله في شعبان. وفيها شمس الدّين الخسروشاهي [2]- بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة، وفتح الراء، وبعد الواو شين معجمة، نسبة إلى خسروشاه، قرية بمرو- أبو محمد عبد الحميد بن عيسى بن عمريه بن يوسف بن خليل بن عبد الله ابن يوسف التّبريزي الشّافعي، العلّامة المتكلم. ولد سنة ثمانين وخمسمائة، ورحل فأخذ الكلام عن الإمام فخر الدّين الرّازي، وبرع فيه. وسمع من المؤيد الطّوسي، وتقدم في علم الأصول والعقليات، وأقام في الشّام بالكرك مدة عند الناصر، وتفنن في علوم متعددة، منها الفلسفة، ودرّس وناظر، وقد اختصر «المهذّب» في الفقه، «والشفا» لابن سينا. وله إشكالات وإيرادات جيدة، وروى عنه الدّمياطي، وأخذ عنه الخطيب زين الدّين بن المرحل، ومات في ثاني عشري شوال بدمشق ودفن بقاسيون. وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن كمال باشا- العلّامة

_ [1] انظر «العبر» (5/ 211) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 298) و «النجوم الزاهرة» (7/ 33) وقد يكون الأصح أن يقال: «أقطاي» انظر «عقد الجمان» (1/ 143) . [2] انظر «العبر» (5/ 211- 212) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 503) و «النجوم الزاهرة» (7/ 32) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 135- 136) ، و «عقد الجمان» (1/ 94) .

بدر الدّين محمد بن محمود بن عبد الكريم الكردري، المعروف بخواهر زاده الحنفي [1] . أخذ عن خاله شمس الأئمة الكردري، وتفقه به. والكردري: يقال لجماعة من العلماء كانوا أخوات شمس الأئمة، ولكن المشهور بهذه النسبة عند الإطلاق اثنان: أحدهما متقدم، وهو أبو بكر محمد بن حسين البخاري ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد، وقد تكرر ذكره في «الهداية» بلقبه هذا، وهو مراد صاحبها. والثاني خواهرزاده، صاحب هذه الترجمة. توفي- رحمه الله تعالى- في سنة إحدى وخمسين وستمائة. قاله ابن كمال باشا. وفيها- أو في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل- شيخ شيوخ اليمن أبو الغيث بن جميل اليمني [2] . كان كبير الشأن، ظاهر البرهان، تخرّج به خلق وانتفع به الناس. وكان وجوده حياة للوجود، وفيه يقول اليافعي- رحمه الله تعالى-: لنا سيّد كم ساد بالفضل سيّدا ... بكلّ زمان ثمّ كلّ مكان إذا أهل أرض [3] فاخروا بشيوخهم ... أبو الغيث فينا فخر كلّ يماني كان في ابتداء أمره عبدا- أي قنّا- قاطعا للطريق، فبينا هو كامن لأخذ قافلة، إذ سمع هاتفا يقول: يا صاحب العين عليك أعين [4]

_ [1] انظر «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» (2/ 131) طبع حيدر أباد، و «عقد الجمان» (1/ 83) . [2] انظر «مرآة الجنان» (4/ 121- 127) و «غربال الزمان» ص (526- 527) وقد ذكراه في حوادث سنة (651) . [3] في «ط» : «إذا أرض أهل» وهو خطأ. [4] في «آ» و «ط» : «عليك عينا» والتصحيح من «مرآة الجنان» و «غربال الزمان» .

فوقع منه موقعا أزعجه، وأقبل على الله، وظهر عليه من أوله صدق الإرادة، وسيماء السعادة. وصحب أولا الشيخ علي بن أفلح الزّبيدي، ثم الشيخ المبجّل علي الأهدل. ولما انتشر صيت الشيخ بنواحي سردد [1] كتب إليه الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين [2] يدعوه إلى البيعة، فأجابه الشيخ، ورد كتاب السيد، وفهمنا مضمونه، ولعمري إن هذا سبيل سلكه الأولون، غير أنا نفر منذ سمعنا قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ 13: 14 [الرّعد: 14] لم يبق لإجابة الخلق فينا متسع، وليس لأحد منا أن يشهر سيفه على غير نفسه، ولا أن يفرّط في يومه بعد أمسه، فليعلم السيد قلّة فراغنا لما رام منا، ويعذر المولى، والسلام. وكان أمّيّا وله كلام في الحقائق، وأحوال باهرة، وكرامات ظاهرة، ووضع عليه كتاب في التصوف. وفيها مجد الدّين بن تيمية، شيخ الإسلام أبو البركات عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحرّاني [3] الفقيه الحنبلي الإمام المقرئ المحدّث المفسّر الأصولي النحوي، شيخ الإسلام، وأحد الحفّاظ الأعلام، وفقيه الوقت، ابن أخي الشيخ مجد الدّين محمد المتقدم ذكره. ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريبا بحرّان، وحفظ بها القرآن. وسمع من عمه الخطيب فخر الدين، والحافظ عبد القادر الرّهاوي.

_ [1] في «آ» : «سرد» وفي «ط» : «سردر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» وانظر «معجم ما استعجم» (3/ 732) و «صفة جزيرة العرب» ص (97) وهو واد من أودية اليمن. [2] كذا في «آ» و «ط» : «ذيبين» وفي «غربال الزمان» : «دينين» ولم أقف على ذكر لأي من الوجهين في المصادر التي بين يدي، ولعلها: «الذّنانين» وهو ماء من مياه ماويّة باليمن، أو «الذنبتين» انظر «فهرس طبقات فقهاء اليمن» ص (314) والله أعلام بالصواب. [3] انظر «العبر» (5/ 212) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 291- 293) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 249- 254) و «عقد الجمان» (1/ 97) .

ثم ارتحل إلى بغداد سنة ثلاث وستمائة مع ابن عمّه سيف الدّين عبد الغني المتقدم ذكره أيضا، فسمع بها من ابن سكينة، وابن الأخضر، وابن طبرزد، وخلق. وأقام بها ستّ سنين يشتغل بأنوع العلوم. ثم رجع إلى حرّان، فاشتغل على عمّه فخر الدّين. ثم رجع إلى بغداد، فازداد بها من العلوم. وتفقه بها على أبي بكر بن غنيمة [الحلاوي] ، والفخر إسماعيل، وأتقن العربية، والحساب، والجبر، والمقابلة. وبرع في هذه العلوم وغيرها. قال الذهبي: حدثني شيخنا- يعني أبا العباس بن تيمية شيخ الإسلام حفيد الشيخ مجد الدين هذا- أن جدّه ربّي يتيما، وأنه سافر مع ابن عمّه إلى العراق ليخدمه ويشتغل معه وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فكان يبيت عنده، فيسمّعه مسائل الخلاف، فيحفّظه المسألة، فقال الفخر إسماعيل: ايش حفظ هذه الصغير، فبدر وعرض ما حفظه في الحال، فبهت فيه الفخر، وقال لابن عمه: هذا يجيء منه شيء وحرضه [1] على الاشتغال. قال: فشيخه في الخلاف الفخر إسماعيل، وعرض عليه مصنّفه «جنّة الناظر» وكتب له عليه: عرض عليّ الفقيه الإمام العالم، أوحد الفضلاء. وهو ابن ست عشرة عاما. قال الذهبي: وقال لي شيخنا أبو العبّاس: كان الشيخ جمال الدّين بن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقيه كما ألين لداود الحديد [2] . وقال الشيخ جم الدّين بن حمدان مصنّف «الرعاية» في تراجم شيوخ حرّان: صحبت المجد صحبته بعد قدومي من دمشق ولم أسمع منه شيئا، وسمعت بقراءته على ابن عمّه كثيرا. وولي التفسير والتدريس بعد ابن عمه، وكان رجلا فاضلا في مذهبه وغيره، وجرى لي معه مباحث كثيرة ومناظرات عديدة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وحرصه» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «فعرضه» والصواب ما أثبته. [2] في «آ» و «ط» : «كما ألين الحديد لداود» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .

وقال الحافظ عز الدّين الشريف: حدّث بالحجاز، والعراق، والشام، وبلده حرّان. وصنّف، ودرّس، وكان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء. وقال الذهبي: قال شيخنا [1] : كان جدّنا عجبا في حفظ الأحاديث وسردها، وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة. وقال الذهبي: وكان الشيخ مجد الدّين معدوم النظير في زمانه، رأسا في الفقه وأصوله، بارعا في الحديث ومعانيه، له اليد الطّولي في معرفة القراءات والتفسير. صنّف التصانيف، واشتهر اسمه وبعد صيته. وكان فرد زمانه في معرفة المذهب، مفرط الذكاء، متين الدّيانة، كبير الشأن. وللصّرصريّ [2] من قصيدة يمدحه بها: وإنّ لنا في وقتنا وفتوره ... لإخوان صدق بغية المتوصّل يذبّون عن دين الهدى ذبّ ناصر ... شديد القوى لم يستكينوا لمبطل فمنهم بحرّان الفقيه النّبيه ذو ال ... فوائد والتّصنيف في المذهب الجلي هو المجد ذو التّقوى ابن تيميّة الرّضا ... أبو البركات العالم الحجّة الملي محرّره في الفقه حرّر فقهنا ... وأحكم بالإحكام علم المبجّل جزاهم بخير [3] ربّهم عن نبيّهم ... وسنّته آلوا به خير موئل [4] ومن مصنّفاته «أطراف أحاديث التفسير» رتّبها على السور «الأحكام الكبرى» في عدة مجلدات، «المنتقى من أحاديث الأحكام» وهو الكتاب المشهور، «المحرّر» في الفقه، «منتهى الغاية في شرح الهداية» وغير ذلك.

_ [1] يعني شيخ الإسلام تقي الدّين بن تيمية رحمه الله تعالى. [2] هو يحيى بن يوسف بن يحيى الصّرصري، سترد ترجمته في وفيات سنة (656) ص (493) من هذا المجلد. [3] في «آ» و «ط» : «خيرا» ولا يستقيم الوزن بها وما أثبتناه يقتضيه المقام. [4] كذا رواية البيت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف وهو مكسور.

قال ابن رجب في «طبقاته» : كان المجد يفتي أحيانا أن الطلاق الثلاث المجموعة إنما يقع منها واحدة فقط. وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه بحرّان، ودفن بظاهرها. وتوفيت ابنة عمّه زوجته بدرة بنت فخر الدّين بن تيميّة [1] قبله بيوم واحد. روت بالإجازة عن ضياء بن الخريف، وتكنى أم البدر. وفيها أبو علي حسن بن أحمد [2] بن أبي الحسن بن دويرة البصري المقرئ الزاهد، شيخ الحنابلة بالبصرة ورئيسهم ومدرّسهم. اشتغل عليه أمم، وختم عليه القرآن أزيد من ألف إنسان. وكان صالحا، زاهدا، ورعا. وحدّث ب «جامع الترمذي» بإجازته من الحافظ أبي محمد بن الأخضر. سمعه منه الشيخ نور الدّين عبد الرحمن بن عمر البصري، وهو أحد تلامذته، وعليه ختم القرآن، وحفظ «الخرقي» [3] عنده بمدرسته بالبصرة، وتوفي الشيخ أبو علي في هذه السنة بالبصرة وولي بعده التدريس بمدرسته تلميذه الشيخ نور الدّين المذكور، وخلع عليه ببغداد في عشر جمادى الآخرة من هذه السنة. وفيها أبو الفضل عيسى بن سلامة بن سالم الحرّاني الخيّاط [4] . ولد في آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسمع من أحمد ابن أبي الوفاء الصّايغ، وأجاز له ابن البطّي، وأبو بكر بن النّقور، ومحمد بن

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 253) . [2] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أحمد» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 254) مصدر المؤلّف. [3] يعني «مختصر الخرقي» . [4] انظر «العبر» (5/ 212- 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 280- 281) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) .

محمد بن السّكن، وجماعة. وانفرد بالرواية عنهم. توفي في آخر هذه السنة. وفيها النّاصح فرج بن عبد الله الحبشي [1] الخادم، مولى أبي جعفر القرطبي، وعتيق المجد البهنسي. سمع الكثير من الخشوعي والقاسم [ابن عساكر] ، وعدة. وكان صالحا، كيسا، متيقظا. وقف كتبه، وعاش قريبا من ثمانين سنة، وتوفي في شوال. وفيها الكمال محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن كمال الدّين أبو سالم القرشي العدوي النّصيبي الشّافعي [2] المفتي الرحّال. مصنّف كتاب «العقد الفريد» [3] وأحد الصدور والرؤساء المعظمين. ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وسمع بنيسابور من المؤيد، وزينب الشعرية. وتفقه، فبرع في الفقه، والأصول، والخلاف. وترسّل عن الملوك، وساد وتقدم. وحدّث ببلاد كثيرة، وفي سنة ثمان وأربعين وستمائة كتب تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصل، فلم يقبل منه، فتولاها يومين ثم انسلّ خفية، وترك الأموال والموجود، ولبس ثوبا قطنيا، وذهب فلم يدر أين ذهب. وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوقات [4] ، وأنه يستخرج أشياء من المغيبات، وقيل: إنه رجع، ويؤيد ذلك قوله في المنجّم:

_ [1] انظر «تكملة إكمال الإكمال» لابن الصابوني (265- 266) بتحقيق الدكتور مصطفى جواد، مصورة عالم الكتب بيروت، و «العبر» (5/ 212- 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 290- 291) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) . [2] انظر «العبر» (5/ 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 293- 294) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (272) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 503- 504) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 153- 154) . [3] وهو غير «العقد الفريد» لابن عبد ربّه. قال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1152) : جعله على أربعة قواعد: الأول في مهمات الأخلاق والصفاة. والثاني في السلطنة والولايات. والثالث في الشرائع والديانات. والرابع في تكملة المطلوب بأنواع من الزيادات. [4] وفي «ط» : «الأوفاق» .

إذا حكم المنجّم في القضايا ... بحكم حازم فاردد عليه فليس بعالم ما الله قاض ... فقلّدني ولا تركن إليه وله: لا تركننّ إلى مقال منجّم ... وكل الأمور إلى الإله وسلّم واعلم بأنّك إن جعلت لكوكب ... تدبير حادثة فلست بمسلم وله كتاب «الدر المنظم» في اسم الله الأعظم. وتولى ابتداء القضاء بنصيبين، ثم ولي خطابة دمشق، ثم لما زهد في الدّنيا حجّ، فلما رجع أقام بدمشق قليلا، ثم سافر [1] إلى حلب فتوفي بها في رجب. وفيها أبو البقاء محمد بن علي بن بقاء بن السّبّاك البغدادي [2] . سمع من أبي الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزّاز، وجماعة، وتوفي في شعبان. وفيها السّديد بن مكّي بن المسلم بن مكّي بن خلف بن علّان القيسي الدمشقي [3] ، المعدّل آخر أصحاب الحافظ أبي القاسم بن عساكر وفاة، وتفرّد أيضا عن أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز، وأبي المعالي ابن خلدون، وتوفي في عشري صفر، عن تسع وثمانين سنة.

_ [1] في «ط» : «ثم سار» . [2] انظر «العبر» (5/ 213) . [3] انظر «العبر» (5/ 213) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 286- 287) و «البداية والنهاية» (13/ 186) وقد تحرفت «السّديد» إلى «السيد» فيه فتصحح.

سنة ثلاث وخمسين وستمائة

سنة ثلاث وخمسين وستمائة فيها جاء سيل بدمشق، فبلغ السيل بسوق الفاكهة من صالحية دمشق ستة أذرع. وفيها توفي الشّهاب القوصيّ أبو المحامد، وأبو العرب، وأبو الفداء، وأبو الطّاهر إسماعيل بن حامد بن عبد الرّحمن بن المرجّى بن المؤمّل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن نفيس بن سعيد [1] بن سعد بن عبادة بن الصّامت الرئيس الفقيه الشافعي الأنصاري الخزرجي القوصي [2] ، وكيل بيت المال بالشام، وواقف الحلقة القوصية بالجامع. ولد بقوص في المحرّم، سنة أربع وسبعين وخمسمائة، ورحل إلى مصر القاهرة سنة تسعين، ثم قدم إلى دمشق سنة إحدى وتسعين واستوطنها. وسمع الكثير ببلاد متعددة، واتصل بالصّاحب صفي الدّين بن شكر. وروى عن إسماعيل بن ياسين، والأرتاحي، والخشوعي، وخلق كثير. وخرج لنفسه «معجما» في أربع مجلدات كبار، قال الذهبي: فيه غلط كثير.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سعد» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] انظر «العبر» (5/ 214) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 288- 289) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 325- 326) و «البداية والنهاية» (13/ 186) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 129- 130) .

وكان أديبا، أخباريا [1] ، فصيحا، مفوّها، بصيرا بالفقه، وترسّل إلى البلاد، وولي وكالة بيت المال، وتقدم عند الملوك، ودرّس بحلقته بجامع دمشق. وكان يلبس الطيلسان المحنّك [2] والبزّة الجميلة، ويركب البغلة. وتوفي بدمشق في ربيع الأول، ودفن بداره التي وقفها دار حديث. وفيها إقبال الشّرابي [3] . بنى مدرسة بواسط وإلى جانبها جامعا، وبنى ببغداد مدرسة في سوق السلطان [4] ، وجدّد بمكّة الرّباط الذي اشتهر به، وعين عرفة التي في الموقف. وأجرى ماءها لانتفاع الحجّ به، وأوقف على ذلك أوقافا سنيّة. وفيها سيف الدّين أبو الحسن، علي بن يوسف بن أبي الفوارس القيمري [5] صاحب المارستان بصالحية دمشق. كان من جلّة الأمراء، وأبطالهم المذكورين، وصلحائهم المشهورين. وهو ابن أخت صاحب قيمر. توفي بنابلس، ونقل فدفن بقبته التي بقرب مارستانه بالصالحية، والدّعاء عند قبره مستجاب [6] . وفيها ضياء الدّين أبو محمد، صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى ابن عيسى بن صقر، المفتي الإمام المعمّر الكلبي الحلبي الشافعي [7] .

_ [1] لفظة «أخباريا» سقطت من «آ» . [2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة «تحبك» . [3] ذكره النّعيمي في «الدّارس في تاريخ المدارس» (1/ 159) في معرض الكلام على المدرسة الإقبالية بسوق العجم ببغداد، وانظر التعليق عليه. [4] في «البداية والنهاية» (3/ 129) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 159) : «سوق العجم» . [5] انظر «العبر» (5/ 214) و «البداية والنهاية» (13/ 195) و «القلائد الجوهرية» (1/ 327) . [6] قلت: هذا من مبالغات المتأخرين. [7] انظر «العبر» (5/ 214- 215) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 306) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 153) و «البداية والنهاية» (13/ 186) و «عقد الجمان» (1/ 111- 112) .

ولد قبل الستين وخمسمائة، وروى عن يحيى الثقفي وجماعة، وتوفي في صفر بحلب. وفيها النّظام البلخي، محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الحنفيّ [1] نزيل حلب. ولد ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وتفقه بخراسان، وسمع «صحيح مسلم» من المؤيد الطّوسي، وكان فقيها، مفتيا، بصيرا بالمذهب. توفي بحلب في جمادى الآخرة. وفيها النّور البلخي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف المقرئ [2] بالألحان. ولد بدمشق سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وسمع بالقاهرة من التّاج المسعودي، واجتمع بالسّلفي، وأجاز له. وسمع بالإسكندرية في سنة خمس وسبعين، وسمع من المطهّر الشحّامي، وتوفي في الرابع والعشرين من ربيع الآخر، وكان صالحا خيّرا معمّرا. وفيها أبو الحجّاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البيّاسي [3]- بفتح الباء الموحدة والياء المثناة من تحت المشددة، نسبة إلى بيّاسة مدينة كبيرة من كورة جيّان [4]-. ولد يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وهو أحد فضلاء الأندلس وحفّاظها المتقنين.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 215) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 294) و «الجواهر المضية» (3/ 346) [2] انظر «العبر» (5/ 215) و «النجوم الزاهرة» (7/ 35) و «عقد الجمان» (1/ 114) . [3] انظر «وفيات الأعيان» (7/ 238- 244) «سير أعلام النبلاء» (23/ 339) و «نفح الطيب» (3/ 316- 318) . [4] في «آ» و «ط» : «من كورجيّان» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و «المشترك وضعا» ص (73) .

كان أديبا، بارعا، فاضلا، مطلعا على أقسام كلام العالم، من النظم، والنثر، وراويا لوقائعها وحروبها وأيّامها. قال ابن خلّكان: بلغني أنه كان يحفظ كتاب «الحماسة» تأليف أبي تمّام، و «ديوان المتنبي» و «سقط الزّند» وغير ذلك من الأشعار. وتنقل في بلاد الأندلس، وطاف أكثرها، وألّف لصاحب إفريقية كتابا سمّاه «الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام» ابتدأه بقتل عمر بن الخطّاب، وختمه بخروج الوليد بن طريف الشّاري على هارون الرّشيد، وهو في مجلدين. وله كتاب «الحماسة» في مجلدين أيضا، ذكر فيه أشياء حسنة، منها قول المجنون: تعلّقت [1] ليلى وهي غرّ صغيرة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم ومنها قول الوأواء الدمشقي: وزائر راع كلّ النّاس منظره ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل ألقى على اللّيل ليلا من ذوائبه ... فهابه الصّبح أن يبدو من الخجل أراد بالهجر قتلي فاستجرت به ... فاستلّ بالوصل روحي من يدي أجلي وصرت فيه أمير العاشقين وقد ... صارت ولاية أهل العشق من قبلي ومنها قول علي بن عطية البلنسي الزقّاق: مرتجة الأعطاف أمّا قوامها ... فلدن وأما ردفها فرداح ألمّت فبات اللّيل من قصر بها ... يطير وما غير السّرور جناح

_ [1] في «آ» و «ط» : «علقت» والتصحيح «وفيات الأعيان» .

وبتّ وقد زارت بأنعم ليلة [1] ... تعانقني حتّى الصّباح صباح على عاتقي من ساعديها خمائل [2] ... وفي خصرها من ساعديّ وشاح وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الأحد الرابع من ذي القعدة بمدينة تونس.

_ [1] في «آ» و «ط» : «لنا نعم ليلة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» . [2] في «وفيات الأعيان» : «حمائل» بالحاء المهملة.

سنة أربع وخمسين وستمائة

سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النّار بظاهر المدينة النبوية، على ساكنها الصلاة والسلام، وكانت مصداق قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم السّاعة حتّى تظهر نار بالحجاز [1] ، تضيء أعناق الإبل ببصرى» [2] وبقيت أيّاما، قيل ثلاثة أشهر، وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها، وظن أهل المدينة أنها القيامة. ظهرت من وادي أحيلين [3] في الحرّة الشرقية، تدب دبيب النمل إلى جهة الشمال، تأكل ما أتت عليه من أحجار وجبال، ولا تأكل الشجر. حتّى إن صاحب المدينة الشريفة، منيف بن شبحة أرسل اثنين ليأتياه بخبرها، فدنيا منها، فلم يجدا لها حرّا، فأخذ أحدهما سهما، ومدّ به إليها، فأكلت النصل دون العود، ثم قلبه ومدّ بالطرف الآخر، فأكلت الرّيش دون العود، وكانت تذيب وتسبك ما مرّت عليه من الجبال. فسدّت وادي شطاه بالحجر المسبوك بالنّار سدّا، ولا كسد ذي القرنين، واحتبس الماء خلفه، فصار بحرا مدّ البصر طولا وعرضا، كأنه نيل مصر عند زيادته. ثم خرقه الماء سنة تسعين وستمائة، فجرى الماء من الخرق سنة كاملة، يملأ ما بين جنبتي الوادي، ثم انسدّ، ثم

_ [1] أقول: لفظه في «الصحيحين» : «حتّى تخرج نار من أرض الحجاز» (ع) . [2] رواه البخاري رقم (7118) في الفتن: باب خروج النّار، ومسلم رقم (2902) في الفتن وأشراط الساعة: باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. [3] انظر تعليق العلّامة الشيخ حمد الجاسر على «المغانم المطابة في معالم طابة» ص (431) .

انخرق ثانية في العشر الأول بعد السبعمائة، فجرى سنة وأزيد، ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة [1] . وفيها احترق المسجد النبوي ليلة الجمعة أول ليلة من رمضان، بعد صلاة التراويح، على يد الفرّاش أبي بكر المراغي، بسقوط ذبالة [2] من يده، فأتت النّار على جميع سقوفه، ووقعت بعض السواري، وذاب الرّصاص، وذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقف الحجرة، ووقع بعضه في الحجرة الشريفة. وقال بعض الناس في ذلك: لم يحترق حرم النّبيّ لريبة ... تخشى عليه ولا دهاه العار لكنّما أيدي الرّوافض لامست ... ذاك الجناب فطهّرته النّار وقال ابن تولوا [3] المغربي: قل للروافض بالمدينة ما لكم ... يقتادكم للذمّ كلّ سفيه ما أصبح الحرم الشريف محرّما ... إلّا لذمّكم الصّحابة فيه وفيها غرقت بغداد الغرق الذي لم يسمع بمثله، زادت دجلة زيادة ما رأي مثلها، وغرق خلق كثير، ووقع شيء كثير من الدّور على أهلها،

_ [1] قلت: ولهذا الخبر روايات أخرى ذكرها ابن كثير في «البداية والنهاية» (13/ 187) وابن حجر في «فتح الباري» (13/ 79) نقلا عن القرطبي في «التذكرة» وابن رجب الحنبلي في «مجالس في سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم» ص (47) بتحقيقي بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السوّاس، ومراجعة والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى، طبع دار ابن كثير، وقد أفردناه من كتابه «لطائف المعارف» . [2] جاء في «مختار الصحاح» (ذبل) : الذّبالة: الفتيلة والجمع الذّبال. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن تولو» والتصحيح من «المنتخب» (173/ ب) و «فوات الوفيات» (2/ 440) و «العبر» (5/ 354) وتحرفت في «حسن المحاضرة» (1/ 568) إلى «ابن لؤلؤ» فتصحح.

وأشرف النّاس على الهلاك، وبقيت المراكب تمرّ في أزفة بغداد، وركب الخليفة في مركب، وابتهل النّاس إلى الله تعالى بالدّعاء. وفيها تواترت الأخبار بوصول عساكر هلاكو إلى بلاد أذربيجان، قاصدة بلاد الشام، فوردت قصّاد الخليفة بأن يصطلح الملك الناصر مع الملك العزيز صاحب مصر، ويتفقا على قتال التتار، فأجاب إلى ذلك وعاد إلى الشام. وفيها توفي ابن وثيق، شيخ القراء أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الإشبيلي [1] المجوّد الحاذق. ولد سنة سبع وستين وخمسمائة، وذكر أنه قرأ القراءات السبع بغزّة وغيرها سنة خمس وتسعين على غير واحد من أصحاب أبي الحسن شريح، وأن أبا عبد الله ابن زرقون أجاز له، فروى عنه «التيسير» بالإجازة، وأقرأ بالموصل، والشام، ومصر. وكان عالي الإسناد. توفي بالإسكندرية في ربيع الآخر. وفيها الأمير مجاهد الدّين إبراهيم بن أدنبا [2] الذي بنى الخانقاه المجاهدية بدمشق، على الشرف، القبلي، وكان والي دمشق، عاقلا فاضلا. ومن نظمه: أشبهك الغصن في خصال ... القدّ واللّين والتّثنّي لكن تجنّيك ما حكاه ... الغصن يجني وأنت تجني

_ [1] انظر «العبر» (5/ 217) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 655- 656) و «غاية النهاية» (1/ 24- 25) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (173/ ب) : «ابن أدنبا» وفي «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 169) : «ابن أرينا» .

وله في مليح اسمه مالك: ومليح قلت ما الاس ... م حبيبي قال مالك قلت صف لي وجهك الزّا ... هي وصف حسن اعتدالك قال كالغصن وكالبد ... ر وما أشبه ذلك توفي بدمشق، ودفن بخانقانه المذكورة. وفيها بشارة بن عبد الله الأرمني الكاتب، مولى شبل الدّولة المعظّمي [1] . كان يكتب خطّا حسنا. دفن بسفح قاسيون، وذريته يدّعون النظر على الذّرية، وعلى الخانقاة الشّبلية. وفيها الحافظ ابن شاهاور عبد الله بن محمد بن شاهاور بن أنوشروان بن أبي النّجيب الرّازي [2] . كان حافظا، فاضلا غزير العلم، صاحب مقامات وكرامات وآثار. وفيها العماد بن النّحاس الأصمّ أبو بكر عبد الله بن أبي المجد الحسن بن الحسين [3] بن علي الأنصاري الدمشقي [3] . ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون. وكان آخر من روى عنه. ومن الفضل بن البانياسي، ويحيى الثقفي، وجماعة. وسمع بنيسابور من منصور الفراوي، وبأصبهان من

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (10/ 141) و «البداية والنهاية» (13/ 198) و «عقد الجمان» (1/ 162) و «القلائد الجوهرية» (1/ 195- 196) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 531) . [2] انظر «الوافي بالوفيات» (17/ 579) و «العبر» (5/ 218) . [3] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 308) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (273) و «عيون التواريخ» (20/ 100) و «البداية والنهاية» (13/ 193) و «النجوم الزاهرة» (7/ 35) و «عقد الجمان» (1/ 131) وفي «سير أعلام النبلاء» : « ... الحسن بن الحسن ... » .

علي بن منصور الثّقفي. وكان ثقة، خيّرا، نبيلا، به صمم مفرط. سمع الناس من لفظه، ومات في الثاني والعشرين من صفر. وفيها شمس الدّين عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي [1] ، مدرس الرّواحية، وأجلّ أصحاب ابن الصّلاح وأعرفهم بالمذهب. توفي في ربيع الآخر، وقد تفقه به جماعة. وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرناص الحموي [2] أحد الأعيان العلماء الفضلاء في الفقه والأدب. تزهّد في صباه، وامتنع من قول الشعر إلّا في الزّهد ومدح النّبي- صلى الله عليه وسلم-. ومن شعره: يا من غدا وجهه روض العيون لما ... أعاره الحسن من أنواع أزهار نعّمت طرفي وأودعت الحشا حرقا ... فالطرف في جنّة والقلب في نار وله أشياء مستحسنة جدا. وفيها زكي الدّين عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر المصري، وعرف بابن أبي الإصبع [3] صنف كتاب «تحرير التّحبير في البديع» لم يصنّف مثله. ومن شعره المستجاد: تبسّم لمّا أن بكيت من الهجر ... فقلت: ترى دمعي، فقال: ترى ثغري

_ [1] انظر «العبر» (5/ 218) و «الوافي بالوفيات» (18/ 292- 293) و «عقد الجمان» (1/ 131 135) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 267) . [2] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 519) و «عيون التواريخ» (20/ 98- 100) . [3] انظر «عيون التواريخ» (20/ 95) و «النجوم الزاهرة» (7/ 37- 38) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) .

فديتك لمّا أن بكيت تنظّمت ... بفيك لآلي الدّمع عقدا من الدّر فلا تدّعي يا شاعر الثّغر صنعة ... فكاتب دمعي [1] قال: ذا النظم من ثغري وفيها الصّوري أبو الحسن علي بن يوسف الدّمشقي [2] ، التاجر السفّار. سمع من المؤيد الطّوسي وجماعة، وكان ذا برّ وصدقة. توفي في المحرّم. وفيها الشيخ الكبير عيسى بن أحمد بن إلياس اليونيني [3] الزاهد. صاحب الشيخ عبد الله. كان عابدا، زاهدا، صوّاما، قوّاما، خائفا، قانتا لله تعالى، متبتلا، منقطع القرين. صاحب أحوال وإخلاص، إلّا أنه كان حادّ النّفس، ولذلك قيل له سلّاب الأحوال. وكان خشن العيش في ملبسه ومأكله. توفي في ذي القعدة، ودفن بزاويته بيونين. وفيها ابن المقدسية، العدل شرف الدّين أبو بكر محمد بن الحسن ابن عبد السلام التّميمي السّفاقسي الأصل الإسكندراني المالكي [4] . ولد في أول سنة ثلاث وسبعين، وأحضره خاله الحافظ ابن المفضّل قراءة «المسلسل» بالأولية عند السّلفي، واستجازه له. ثم أسمعه من أحمد بن عبد الرحمن الحضرمي وغيره. توفي في جمادى الأولى، وله «مشيخة» خرّجها منصور بن سليم الحافظ.

_ [1] في «آ» و «ط» : «فكانت دموعي» والتصحيح من «عيون التواريخ» . [2] انظر «العبر» (5/ 218) . [3] انظر «عيون التواريخ» (20/ 100- 101) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 299- 300) و «العبر» (5/ 218) . [4] انظر «العبر» (5/ 219) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 295- 296) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (273) و «حسن المحاضرة» (1/ 379) .

وفيها الكمال بن الشّعّار أبو البركات المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي [1] ، مؤلف «عقود الجمان في شعراء الزّمان» توفي بحلب. وفيها مجير الدّين يعقوب بن الملك العادل، ويلقب هو بالملك المعزّ. كان فاضلا. أجاز له أبو روح الهروي وطائفة. وتوفي في ذي القعدة، ودفن بالتّربة عند أبيه. وفيها سبط ابن الجوزي العلّامة الواعظ، المؤرخ شمس الدّين أبو المظفّر يوسف بن قزغلي [2] التّركي ثم البغدادي الهبيري الحنفي، سبط الشيخ أبي الفرج بن الجوزي. أسمعه جدّه [3] منه، ومن ابن كليب وجماعة. وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله، وعذوبة وعظه.

_ [1] انظر «ذيل الروضتين» ص (194) و «العبر» (5/ 219) و «البداية والنهاية» (13/ 195) . [2] وفي بعض المصادر: «يوسف بن قزاوغلي» وانظر «ذيل الروضتين» ص (195) و «وفيات الأعيان» (3/ 142) و «فوات الوفيات» (4/ 356) و «عيون التواريخ» (20/ 103- 104) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 296- 297) و «البداية والنهاية» (13/ 194- 195) و «عقد الجمان» (1/ 132- 135) و «الأعلام» (8/ 246) . قلت: قال الأستاذ خير الدّين الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمته من «الأعلام» : قزأوغلي: بكسر القاف وسكون الزاي، ثم همزة مضمومة، وغين ساكنة، ولام مكسورة، وياء: لفظ تركي، ترجمته الحرفية «ابن البنت» أي «السبط» وفي الكتّاب من يحذف الألف والواو، تخفيفا، فيكتبها: «قزغلي» بالقاف المكسورة وضم الزاي، والنص على هذا في «تاريخ علماء بغداد» (منتخب المختار) الصفحة (236) قال: والصواب ضم الزاي، وسكون الغين. قلت (القائل الزركلي) : ولا قيمة لما ذهب إليه أحد المعاصرين- يعني به القدسي ناشر الطبعة السابقة من «الشذرات» - من أنه «الفرغلي» اعتمادا على غلطة مطبعية في كتاب ابن خلّكان- يعني من الطبعة التي سبقت طبعة الدكتور إحسان عبّاس-. قلت: ورثاه الشهاب أحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن مصعب بأبيات يحسن بالباحث الوقوف عليها وقد ساقها العيني في آخر ترجمته. [3] يعني الحافظ ابن الجوزي.

وله «تفسير» في تسع وعشرين مجلّدا، و «شرح الجامع الكبير» وكتاب «مرآة الزّمان» [1] وهو كتاب كاسمه، وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة. ودرّس وأفتى. وكان في شبيبته حنبليا، وكان وافر الحرمة عند الملوك. نقله الملك المعظّم إلى مذهب أبي حنيفة فانتقد عليه ذلك كثير من الناس، حتّى قال له بعض أرباب الأحوال وهو على المنبر: إذا كان للرجل كبير ما يرجع عنه إلّا بعيب ظهر له فيه، فأيّ شيء ظهر لك في الإمام أحمد حتى رجعت عنه؟ فقال له: اسكت. فقال الفقير: أما أنا فسكت، وأما أنت فتكلم، فرام الكلام فلم يستطع، فنزل عن المنبر. ولو لم يكن له إلّا كتابه «مرآة الزمان» لكفاه شرفا، فإنه سلك في جمعه مسلكا غريبا، ابتدأه من أول الزمان إلى أوائل سنة أربع وخمسين وستمائة التي توفي فيها. مات- رحمه الله- ليلة الثلاثاء العشرين من ذي الحجّة بمنزله بجبل الصالحية، ودفن هناك، وحضر دفنه الملك الناصر سلطان الشام، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

_ [1] قام بتحقيق المجلد الأول منه الأستاذ الفاضل الدكتور إحسان عبّاس ونشره في بيروت قبل عدة سنوات، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعينه على إتمامه.

سنة خمس وخمسين وستمائة

سنة خمس وخمسين وستمائة فيها شاع الخبر أن الملك المعزّ صاحب مصر يتزوج بابنة صاحب الموصل، فعظم ذلك على زوجته شجرة الدّرّ، وعزمت على الفتك به، واتفقت مع جماعة من الخدم ووعدتهم بأموال عظيمة، فركب المعزّ للعب الكرة، وجاء تعبان، فدخل الحمّام يغتسل، فلما صار عريانا رمته الخدّام إلى الأرض وخنقوه ليلا ولم يدر به أحد، فأصبح الناس من الأمراء والكبراء على عادتهم للخدمة، فإذا هو ميّت، فاختبطت المدينة، ثم سلطنوا بعده ابنه الملك المنصور عليا. وفيها وصلت التتار إلى الموصل وخرّبوا بلادها. وفيها توفي العلّامة ابن باطيش- بالشين المعجمة- عماد الدّين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد الموصلي الشافعي [1] . ولد في محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ودخل بغداد فتفقه بها، وسمع بها من ابن الجوزي وغيره، وبحلب من حنبل، وبدمشق من جماعة، وخرّج لنفسه أحاديث عن شيوخه، ودرّس وأفتى، وصنّف تصانيف حسنة.

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 319) و «العبر» (5/ 221- 222) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 131) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 275- 276) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 130- 131) .

منها «طبقات الشافعية» وكتاب «المغني في غريب المهذّب» وكان من أعيان الأئمة، عارفا بالأصول، قوي المشاركة في العلوم، لكن في كتابه «المغني» أوهام كثيرة، نبّه النووي في «تهذيبه» على كثير منها. توفي في حلب في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى. وفيها المعزّ عز الدّين أيبك التّركماني الصّالحي، صاحب مصر جهاشنكير [1] ، الملك الصالح. كان ذا عقل ودين، وترك للمسكن. تملّك في ربيع الآخر، سنة ثمان وأربعين. ثم أقاموا معه باسم السلطنة الأشرف يوسف بن الناصر يوسف بن أقسيس، وله عشر سنين، وبقي المعزّ أتابكه. وهذا بعد خمسة أيام من سلطنة المعزّ. فكان يخرج التوقيع وصورته: رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزّي، ثم بطل أمر الأشرف بعد مديدة، وجرت لأبيك أمور. إلى أن خطب ابنة صاحب الموصل، فغارت أم خليل شجرة الدّرّ وقتلته في الحمّام، فقتلوها وملّكوا ولده عليا، وله خمس عشرة سنة. وكان أيبك عفيفا، طاهر الذّيل، لا يمنع أحدا حاجة، ولا يشرب مسكرا. كثير المداراة للأمراء. وبنى المدرسة المعزّية على النيل، ووقف عليها وقفا جيدا. وفيها شجرة الدّرّ أمّ خليل [2] كانت بارعة الحسن، ذات ذكاء وعقل

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : جهاشنكير» وتكتب أيضا «جاشنكير» انظر «الوافي بالوفيات» (9/ 469) و «العبر» (5/ 222) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 198) و «النجوم الزاهرة» (7/ 4) و «عقد الجمان» (1/ 140- 141) وهو الذي يذوق طعام السلطان أو الأمير قبله مخافة أن يكون فيه سم. انظر «صبح الأعشى» (5/ 460) . [2] انظر «العبر» (5/ 222- 223) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 199- 200) و «عقد الجمان» (1/ 165) .

ودهاء، فأحبها الملك الصالح، ولما توفي أخفت موته، وكانت تعلّم بخطّها علامته، ونالت من السعادة أعلى المراتب [1] ، بحيث أنها خطب لها على المنابر، وملّكوها عليهم أيّاما، فلم يتم ذلك. وتملّك المعزّ أيبك فتزوج بها، وكانت ربما تحكم عليه، وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة. وآل أمرها إلى أن قتلت وألقيت تحت قلعة مصر مسلوبة، ولم يدر قاتلها، ثم دفنت بتربتها. وفيها البادرائي [2] العلّامة نجم الدّين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الشافعي الفرضي. ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع من جماعة، وتفقه، وبرع في المذهب، ودرّس بالنّظامية، وترسّل غيّر مرّة وحدّث بحلب، ودمشق، ومصر، وبغداد وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة به، وتعرف بالبدرائية. قال الذهبي: كان فقيها، عالما، ديّنا، صدرا، محتشما، جليل القدر، وافر الحرمة، متواضعا، دمث الأخلاق، منبسطا. وقد ولي القضاء ببغداد على كره، وتوفي بعد خمسة عشر يوما في ذي القعدة، وعافاه الله تعالى من كائنة التتار. وقال السيوطي في «لباب الأنساب» [3] : البادرائي: بفتح الموحدة والدال والراء المهملتين، نسبة إلى بادرايا، قرية من عمل واسط.

_ [1] في «ط» و «العبر» : «أعلى الرّتب» وكلاهما بمعنى. [2] في «آ» و «ط» : «البدرائي» وفي «سير أعلام النبلاء» (23/ 332) وغيره من مصنفات الحافظ الذهبي: «الباذرائي» بالذال وهو خطأ، والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (174/ آ) و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدّين (1/ 318- 319) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 132- 133) مصدر المؤلف، و «عقد الجمان» (1/ 160) ، وانظر كلام المؤلف في آخر ترجمته. [3] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» للسيوطي ص (25) مصورة مكتبة المثنى ببغداد.

وفيها اليلداني المحدّث المسند، تقي الدّين عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي. أبو محمد اليلداني الشافعي [1] . كان من الحفّاظ المكثرين والأثبات المصنفين. ولد بيلدا [2] قرية من قرى دمشق، في أول سنة ثمان وستين وخمسمائة، وطلب الحديث، وقد كبر ورحل، وسمع من ابن كليب، وابن بوش، وطبقتهما. وكتب الكثير، وذكر أن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- قال له في النوم: «أنت رجل جيّد» . توفي بقريته- وكان خطيبها- في ثامن ربيع الأول. وفيها المرسي العلّامة شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن. محمد بن أبي الفضل السّلمي الأندلسي المحدّث المفسّر النّحويّ [3] . ولد سنة سبعين وخمسمائة في أولها، وسمع «الموطأ» من أبي محمد ابن عبيد الله [الحجريّ] [4] . ورحل إلى أن وصل إلى أقصى خراسان. وسمع الكثير من منصور الفراوي، وأبي روح [الهرويّ] [5] ، والكبار. وكان

_ [1] انظر «العبر» (5/ 223- 224) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 311- 312) و «عيون التواريخ» (20/ 115) و «الوافي بالوفيات» (18/ 176- 177) و «النجوم الزاهرة» (7/ 59) و «عقد الجمان» (1/ 159) . [2] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «بيلدان» قلت: وتقع هذه القرية إلى الجنوب الشرقي لدمشق على مسافة ستة كليومترات تقريبا، وقد اتصلت الآن بضواحي المدينة كغيرها من قرى غوطتي دمشق الشرقية والغربية، وانظر كتاب «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي رحمه الله تعالى ص (183) . [3] انظر «العبر» (5/ 224) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 312- 318) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 69- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 451- 452) و «طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 155- 156) و «عقد الجمان» (1/ 159- 160) . [4] تكملة من ترجمته في المجلد السادس صفحة (500) . [5] تكملة من ترجمته في الصفحة (144) من هذا المجلد.

كثير الأسفار والتطواف، جمّاعة لفنون العلم، ذكيا، ثاقب الذهن. له تصانيف كثيرة، مع زهد، وورع، وفقر، وتعفف. سئل عنه الحافظ الضياء فقال: فقيه، مناظر، نحويّ، من أهل السّنّة. صحبنا وما رأينا منه إلّا خيرا. وقال الذهبي: توفي في نصف ربيع الأول في الطريق، ودفن بتل الزّعقة، رحمه الله تعالى.

سنة ست وخمسين وستمائة

سنة ست وخمسين وستمائة فيها قتل المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظّاهر محمد بن النّاصر العبّاسي [1] ، آخر الخلفاء العراقيين. وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة. ولد أبو أحمد هذا سنة تسع وستمائة في خلافة جدّ أبيه، وأجاز له المؤيد الطّوسي وجماعة، وسمع من علي ابن النّيّار [2] الذي لقنه الختمة. وروى عنه محيى الدّين بن الجوزي، ونجم الدّين البادرائي بالإجازة، واستخلف في جمادى الأولى سنة أربعين. وكان حليما، كريما، سليم الباطن، قليل الرأي، حسن الدّيانة، مبغضا للبدعة في الجملة، ختم له

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 174- 184) و «العبر» (5/ 225- 226) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 129) و «البداية والنهاية» (13/ 204- 211) و «النجوم الزاهرة» (7/ 63- 64) و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (464- 477) . [2] جاءت الإشارة إليه في ترجمة المترجم في «سير أعلام النبلاء» على النحو التالي: «ختم على ابن النيّار» ثم ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (23/ 323) في عداد من توفي مع الحافظ المنذري سنة (656) فقال: «وشيخ الشيوخ صدر الدّين ابن النيّار» فقط. وجاء في التعليق على ترجمة المستعصم من «السّير» ما نصه: «وابن النيّار قتل في الوقعة- يعني التي قتل فيها المستعصم- دون الإحالة على مصدر الكلام. وذكره العيني في «عقد الجمان» (1/ 175) فيمن مات في كارثة بغداد فقال: «وقتل شيخ الشيوخ، مؤدّب الخليفة، صدر الدّين علي بن النيّار» ولم يزد على ذلك.

بخير، فإن الكافر هولاكو [1] أمر به وبولده، فرفسا حتّى ماتا، وذلك في آخر المحرم. وكان الأمر أشغل من أن يوجد مؤرّخ لموته أو مواراة جسده، وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين. وكان سبب قتلهما أن المؤيد العلقمي الوزير- قاتله الله- كاتب التتار وحرّضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي، فظنّ المخذول أن الأمر يتم له، وأنه يقيم خليفة علويّا، فأرسل أخاه ومملوكه إلى هولاكو [1] ، وسهّل عليه أخذ بغداد، وطلب أن يكون نائبا له عليها، فوعدوه بالأماني، وساروا فأخذ لؤلؤ صاحب الموصل يهيئ للتتار الإقامات، ويكاتب الخليفة سرّا، فكان ابن العلقمي- قبحه الله- لا يدع تلك المكاتبات تصل إلى الخليفة، مع أنها لو وصلت لما أجدت، لأن الخليفة كان يردّ الأمر إليه، فلما تحقّق الأمر، بعث ولد محيى الدّين بن الخوارزمي رسولا إلى هولاكو [1] يعده بالأموال والغنائم، فركب هولاكو [1] في مائتي ألف من التتار والكرج، ومدد من صاحب الموصل مع ولده الصالح إسماعيل، فخرج ركن الدّين الدوادار، فالتقى بأخوايين، وكان على مقدمة هولاكو [1] ، فانكسر المسلمون، ثم سار باجو فنزل من غربي بغداد، ونزل هولاكو [1] من شرقيها، فأشار ابن العلقمي على المستعصم بالله أن أخرج إليهم في تقرير الصلح، فخرج الخبيث وتوثق لنفسه، ورجع فقال: إن الملك قد رغب أن يزوّج ابنته بابنك الأمير أبي بكر، وأن تكون الطّاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية، ثم يترحل، فخرج إليه المستعصم في أعيان الدولة، ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه، فخرجوا فضربت رقاب الجميع، وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة وتضرب أعناقهم، حتّى بقيت الرّعية بلا راع، ثم دخلت حينئذ التتار بغداد، وبذلوا السيف، واستمر القتل والسّبي نحو أربعين يوما، ولم يسلم إلّا من

_ [1] في «آ» و «ط» و «تاريخ الخلفاء» : «هلاكو» .

اختفى في بئر أو قناة، وقتل الخليفة رفسا، ويقال: إن هولاكو [1] أمر بعدّ القتلى، فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر، فعند ذلك نودي بالأمان. ثم أمر هولاكو [1] بأخوايين فضربت عنقه، لأنه بلغه أنه كاتب الخليفة، وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها. وعملت الشعراء قصائد في مراثي بغداد وأهلها، وتمثّل بقول سبط [ابن] التّعاويذي: بادت وأهلوها معا فبيوتهم ... ببقاء مولانا الوزير خراب [2] وقال بعضهم: يا عصبة الإسلام نوحي واندبي ... حزنا على ما تمّ للمستعصم دست الوزارة كان قبل زمانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي وكان آخر خطبة خطبت ببغداد، أن قال الخطيب في أولها: الحمد لله الذي هدم بالموت مشيّد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدّار. وقال تقيّ الدّين بن أبي اليسر قصيدته في بغداد وهي: لسائل الدّمع عن بغداد أخبار ... فما وقوفك والأحباب قد ساروا يا زائرين إلى الزّوراء لا تفدوا ... فما بذاك الحمى والدّار ديّار تاج الخلافة والرّبع الذي شرفت ... به المعالم قد عفّاه إقفار أضحى لعصف [3] البلى في ربعه أثر ... وللدّموع على الآثار آثار

_ [1] في «آ» و «ط» و «تاريخ الخلفاء» : «هلاكو» . [2] قال العلّامة الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمة ابن العلقمي في «الأعلام» (5/ 321) : وهذا البيت من قصيدة للسبط في «ديوانه» ص (47) يهجو بها «ابن البلدي» ولم يدرك أيام ابن العلقمي، فإن وفاته سنة (583) . قلت: وقد تقدمت ترجمة ابن التعاويذي في حوادث سنة (584) من المجلد السادس من كتابنا هذا صفحة (461) فراجعها. [3] في «آ» و «ط» : «لعطف» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» .

يا نار قلبي من نار لحرب وغى ... شبّت عليه ووافى الرّبع إعصار علا الصّليب على أعلى منابرها ... وقام بالأمر من يحويه زنّار وكم حريم سبته التّرك غاصبة ... وكان من دون ذاك السّتر أستار وكم بدور على البدريّة انخسفت؟ ... ولم يعد لبدور منه إبدار وكم ذخائر أضحت وهي شائعة؟ ... من النّهاب وقد حازته كفّار وكم حدود أقيمت من سيوفهم ... على الرّقاب وحطّت فيه أوزار ناديت والسّبي مهتوك تجرّهم [1] ... إلى السّفاح من الأعداء دعّار [2] ولما فرغ هولاكو [3] من قتل الخليفة وأهل بغداد، أقام على العراق نوّابه، وكان ابن العلقمي حسّن لهم أن يقيموا خليفة علويا فلم يوافقوه، واطّرحوه، وصار معهم في صورة بعض الغلمان، ومات كمدا، لا رحمه الله. وهو مؤيد الدّين محمد بن أحمد [4] ، وزير الإمام المستعصم بالله [5] . كان فاضلا، متغاليا في التشيع إلى غاية ما يكون عامل التتار ليظفر ببغيته، لم ينل منهم ذلك. وكان ينشد وهو في حالة الهوان: وجرى القضاء بعكس ما أمّلته ثم أرسل هولاكو [6] إلى الناصر صاحب دمشق كتابا صورته: يعلم

_ [1] في «تاريخ الخلفاء» : «تجرّ بهم» . [2] في «آ» و «ط» : «دعّاز» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» . [3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [4] قال العلّامة الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمته في «الأعلام» (8/ 321) : قلت: والمصادر مختلفة في تسميته «محمد بن أحمد» أو «محمد بن محمد» ولعل الصواب الأول، ومن سمّاه «محمد بن محمد» قد يلقبه بعز الدّين، وعز الدّين «محمد» ابنه، ولي الوزارة للتتار بعده. [5] انظر «فوات الوفيات» (3/ 252- 255) و «الوافي بالوفيات» (1/ 184- 186) . [6] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .

سلطان مصر ناصر- طال بقاؤه- أنا لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله، ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدّموها، فكان قصارى كلامهم سببا لهلاك نفوس تستحق الإهلاك. وأما ما كان من صاحب البلد [1] فإنه خرج إلى خدمتنا، ودخل تحت عبوديتنا [2] ، فسألناه عن أشياء كذبنا فيها، فاستحق الإعدام. وكان كذبه ظاهرا، وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً 18: 49 [3] . أجب ملك البسيطة، ولا تقولنّ: قلاعي المانعات، ورجالي المقاتلات، ولقد بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة، وإلى جنابك لائذة: أين المفرّ ولا مفرّ لهارب ... ولنا البسيطان الثرى والماء فساعة وقوفك على كتابنا، تجعل قلاع الشّام سماءها أرضا وطولها عرضا [4] ، والسلام. ثم أرسل له كتابا ثانيا يقول فيه: خدمة ملك ناصر- أطال عمره-. أما بعد: فإنا فتحنا بغداد واستأصلنا ملكها وملكها إلى هنا [5] وكان ظنّ- وقد ضنّ [6] بالأموال، ولم ينافس الرّجال- أن ملكه يبقى على ذلك الحال، وقد علا ذكره، ونما قدره، فخسف في الكمال بدره: إذا تمّ أمر بدا نقصه ... توقّع زوالا إذا قيل تمّ

_ [1] في «تاريخ الخلفاء» ص (473) : «البلدة» . [2] في «آ» و «ط» : «عبودتنا» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» مصدر المؤلف. [3] قلت: وذلك اقتباس من قوله تعالى: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً 18: 49 [الكهف: 49] مع مراعاة أن الله عزّ وجلّ ذكر هذه الآية في حق أهل النار، بينما استشهد بها هولاكو أو من كتب له- وهو ابن العلقمي على الأرجح- في الكلام على خليفة المسلمين، لعن الله هولاكو وكل من رضي بأعماله في حق ديار المسلمين ظاهرا أو باطنا. [4] في «آ» و «ط» : «سماءها أرضها، وطولها عرضها» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» مصدر المؤلف. [5] عبارة «إلى هنا» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي. [6] في «تاريخ الخلفاء» : وقد فتن» .

ونحن في طلب الازدياد، على ممر الآباد، فلا تكن كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19 [1] وأبد ما في نفسك، إما إمساك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2: 229 [2] أجب دعوة ملك البسيطة تأمن شرّه وتنال [3] برّه، واسع إليه برجالك وأموالك، ولا تعوق رسولنا [4] ، والسلام. ثم أرسل كتابا ثالثا يقول فيه: أما بعد: فنحن جنود الله، بنا ينتقم ممن عتا وتجبّر، وطغى وتكبّر، وبأمر الله ما ائتمر، إن عوتب تنمّر، وإن روجع استمرّ [5] ، ونحن قد أهلكنا البلاد، وأبدنا العباد، وقتلنا النسوان والأولاد، فأيّها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون، ويا أيها الغافلون، أنتم إليهم تساقون، ونحن جيوش الهلكة، لا جيوش المملكة [6] ، مقصودنا الانتقام، وملكنا لا يرام، ونزيلنا لا يضام، وعدلنا في ملكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر: أين المفرّ ولا مفرّ لهارب ... ولنا البسيطان الثّرى والماء ذلّت لهيبتنا الأسود فأصبحت ... في قبضتي الأمراء والخلفاء ونحن إليكم صائرون، ولكم طالبون [7] ، ولكم الهرب، وعلينا الطلب. ستعلم ليلى أيّ دين تداينت ... وأيّ غريم بالتّقاضي غريمها دمرنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقناهم العذاب، وجعلنا

_ [1] اقتباس من قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19 [الحشر: 19] . [2] اقتباس من قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2: 229 [البقرة: 229] . [3] في «تاريخ الخلفاء» : و «تنل» . [4] في «تاريخ الخلفاء» : «رسلنا» . [5] في «آ» و «ط» : «روجع واستمرّ وتجبّر» واللفظة الأخيرة وصوابها: «وتجبّر» انتقلت بطرفة عين من السطر الذي قبله ولا محلّ لها هنا فحذفتها. [6] في «تاريخ الخلفاء» : «لا جيوش الملكة» . [7] عبارة «ولكم طالبون» سقطت من «تاريخ الخلفاء» فتستدرك.

عظيمهم صغيرا، وأميرهم أسيرا، أتحسبون أنكم منّا ناجون، أو متخلصون، وعن قليل سوف تعلمون، على ما تقدمون، وقد أعذر من أنذر، والسلام [1] . وفيها توفي أبو العبّاس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري [2] المالكي المحدّث الشّاهد، نزيل الإسكندرية. كان من كبار الأئمة. ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع بالمغرب من جماعة، واختصر «الصحيحين» وصنّف كتاب «المفهم في شرح مختصر مسلم» . وتوفي في ذي القعدة. وفيها ابن الحلاوي شرف الدّين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء الهزبر [3] له فضيلة تامة، وشعره في غاية الجودة والرّقّة. فمن ذلك قوله: وافى يطوف بها الغزال الأغيد ... حمراء من وجناته تتوقّد مالت به وأماله سكر الصّبا ... فنديمها كمديرها يتأوّد ثقلت مآزره وأرهف لحظه ... فالقائلان [4] مثقّل ومحدّد فإذا انثنى وإذا رنا فقوامه ... واللّحظ منه مثقّف ومهنّد

_ [1] قلت: وقد نثر السّبكي قصة سقوط بغداد ومقتل الخليفة المستعصم بالله عقب ترجمة الحافظ المنذري من كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 261- 274) فيحسن بالقارئ الرجوع إليه. [2] انظر «العبر» (5/ 226- 227) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة (7/ 69) و «عقد الجمان» (1/ 190) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) . [3] انظر «العبر» (5/ 227) و «عيون التواريخ» (20/ 154- 159) و «السّلوك لمعرفة دول الملوك» (1/ 2/ 413) و «الوافي بالوفيات» (8/ 102- 108) و «فوات الوفيات» (1/ 143- 148) . والهزبر: من أسماء الأسد. انظر «لسان العرب» (هزبر) . [4] في «عيون التواريخ» : «فالقاتلان» .

ومدح الملوك والكبار، وعاش ثلاثا وخمسين سنة. وكان في خدمة صاحب الموصل. وفيها الزّعبي- بفتح الزاي، نسبة إلى زعب بطن من سليم- أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر بن إسماعيل بن علي الحمّامي [1] . روى «كتاب الشكر» عن ابن شاتيل، ومات في المحرم ببغداد. وفيها الصّدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك التيمي النيسابوري ثم الدمشقي [2] الصّوفي الحافظ. ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وسمع بمكّة من عمر الميانشيّ، وبدمشق من ابن طبرزد [3] ، وبخراسان من أبي روح، وبأصبهان من أبي الفتوح، وابن الجنيد، وكتب الكثير. وعني بهذا الشأن أتم عناية، وجمع وصنّف، وشرع في مسودة «ذيل» على تاريخ ابن عساكر، وولى مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق، وعظم في دولة المعظّم، ثم فتر سوقه وابتلي بالفالج قبل موته بأعوام، ثم تحوّل إلى مصر فمات بها في حادي عشر ذي الحجّة ضعّفه بعضهم، وقال الزكيّ البرزالي: كان كثير التخليط. وفيها الشّرف الإربلي، العلّامة أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الهذباني [4] الشّافعي اللّغوي [5]

_ [1] انظر «العبر» (5/ 227) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 318) . [2] انظر «العبر» (5/ 227- 228) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 326- 328) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) . [3] في «سير أعلام النبلاء» : «ابن طبرزذ» بالذال وهو من أخطاء الطبع فتصحح. [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الهدناني» والتصحيح من مصادر الترجمة. [5] انظر «العبر» (5/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 354- 355) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) .

ولد سنة ثمان وستين وخمسمائة بإربل، وسمع بدمشق من الخشوعي وطائفة. وحفظ على الكندي خطب ابن نباتة، و «ديوان المتنبي» و «مقامات الحريري» . وكان يعرف اللّغة ويقرئها. توفي في ثاني ذي القعدة. وفيها العماد داود بن عمر بن يوسف أبو المعالي الزّبيديّ المقدسيّ الشّافعيّ الدّمشقي الآباريّ [1] خطيب بيت الآبار [2] . ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي، والقاسم [بن عساكر] ، وطائفة. وكان فصيحا، خطيبا، بليغا، لا يكاد يسمع موعظة أحد إلّا يبكى. ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السّلام، ثم عزل بعد ست سنين، وعاد إلى خطابة القرية، وبها توفي في شعبان، ودفن هناك. وفيها الملك النّاصر داود بن المعظّم بن العادل [3] ، صاحب الكرك، صلاح الدّين أبو المفاخر.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 301- 302) و «عيون التواريخ» (20/ 168) و «البداية والنهاية» (13/ 213) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 420) . [2] تنبيه: تحرفت في «سير أعلام النبلاء» إلى «بيت الأبّار» فتصحح. قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 519) : بيت الآبار: جمع بئر، قرية يضاف إليها كورة من غوطة دمشق فيها عدة قرى، خرج منها غير واحد من رواة العلم. وقال الأستاذ محمد كرد علي في كتابه النّفيس «غوطة دمشق» ص (164) : بيت الآبار: بليدة خربت، وكانت حاضرة الإقليم، وسمي باسمها. ويؤخذ من كلام ابن عبد الهادي في القرن العاشر أنها كانت موجودة في عصره. ومن عملها المنيحة، وجرمانا، ودير هند، وبيت سابا أو سابر. والغالب أنها التل الكبير المائل للعيان شرقي جرمانا، وقد خربت غير مرة، ويقال لخرابها الآن تل أم الإبر، وانظر تتمة كلامه هناك. [3] انظر «العبر» (5/ 229- 230) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 376- 381) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 168- 177) .

ولد سنة ثلاث وستمائة، وأجاز له المؤيد الطّوسي، وسمع ببغداد من القطيعي. وكان حنفيا، فاضلا، مناظرا، ذكيا، بصيرا بالأدب، بديع النظم، كثير المحاسن، ملك دمشق بعد أبيه، ثم أخذها منه عمّه الأشرف، فتحول إلى مدينة الكرك فملكها إحدى عشرة سنة، ثم عمل عليه ابنه، وسلّمها إلى صاحب مصر الصّالح وزالت مملكته. وكان جوادا، ممدحا. ومن شعره يفضّل الجارية على الغلام: أحبّ الغادة الحسناء ترنو ... بمقلة جؤذر فيها فتور ولا أصبو إلى رشأ غرير ... وإن فتن الورى الرّشأ الغرير وأنّى يستوي شمس وبدر ... ومنها يستمدّ ويستنير وهل تبدو الغزالة في سماء ... فيظهر عندها للبدر نور وله: قلبي وطرفك قاتل وشهيد ... ودمي على خدّيك منه شهود يا أيّها الرّشأ الذي لحظاته ... كم دونهنّ صوارم وأسود ومن العجائب أنّ قلبك لم يلن ... لي والحديد ألانه داود توفي- رحمه الله- بظاهر دمشق، بقرية البويضاء [1] ، ودفن عند والده الملك المعظم في جمادى الأولى، وكانت أمّه خوارزمية، عاشت بعده مدة. وفيها بهاء الدّين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الصّاحب المنشئ أبو الفضل وأبو العلاء الأزديّ المهلّبيّ المكّيّ ثم القوصيّ [2] الكاتب، له «ديوان» مشهور.

_ [1] قرية بالقرب من دمشق إلى الشرق منها. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة كرد علي ص (21) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 332- 338) و «العبر» (5/ 230) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 355- 356) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 181-

ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وكتب الإنشاء للملك الصّالح نجم الدّين ببلاد المشرق، فلما تسلطن بلّغه أعلى المراتب ونفّذه رسولا. ولما مرض بالمنصورة تغيّر عليه وأبعده، لأنه كان سريع [1] التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم، ثم اتصل البهاء زهير بالنّاصر صاحب الشام، وله فيه مدائح. وكان ذا مروءة ومكارم. ومن شعره [2] : يطيب لقلبي أن يطول [3] غرامه ... وأيسر ما يلقاه منه حمامه وأعجب منه كيف يقنع بالمنى ... ويرضيه من طيف الخيال [4] لمامه ومنها [5] : وما الغصن إلّا ما حوته بروده ... وما البدر إلّا ما حواه لثامه خذوا لي من البدر الذّمام فإنّه ... أخوه لعلّي نافع لي ذمامه ومن شعره أيضا [6] : أنا ذا زهيرك ليس إ ... لّا جود كفّك لي مزينه أهوى جميل الذّكر عن ... ك كأنّما هو لي بثينه

_ 188) و «عقد الجمان» (1/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) و «الأعلام» (3/ 52) الطبعة الرابعة. [1] في «العبر» بطبعتيه: « ... وأبعده. وكان سريع التخيل والغضب ... » ولا يستقيم النص بذلك لأن الضمير في الكلام يعود على الملك الصالح نجم الدّين» والصواب ما جاء في كتابنا، فليحرر. [2] البيتان في «ديوانه» ص (301) طبعة دار صادر ببيروت. [3] في «آ» و «ط» : «أن يطيب» وأثبت لفظ «الديوان» و «عيون التواريخ» . [4] كذا في «آ» و «ط» و «عيون التواريخ» : «من طيف الخيال» وفي «ديوانه» : «من طيف الحبيب» . [5] البيتان في «ديوانه» ص (301- 302) . [6] الأبيات في «ديوانه» ص (369) و «وفيات الأعيان» (2/ 336) .

فاسأل ضميرك عن ودا ... دي [1] إنّه فيه جهينة ومنه أيضا [2] : بروحي من أسميّها بستّي ... فترمقني [3] النّحاة بعين مقت يظنّوا أنّني [4] قد قلت لحنا ... وكيف وإنّني لزهير وقتي وقد ملكت جهاتي الستّ طرّا ... فلا عجب إذا ما قلت ستّي [5] قال ابن خلّكان: وشعره كلّه لطيف، وهو كما يقال: السهل الممتنع، وأجازني رواية «ديوانه» وهو كثير الوجود بأيدي النّاس. قال: وكان مسّه ألم فأقام به أيّاما، ثم توفي قبل المغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة، ودفن من الغد بعد صلاة الظهر بتربة بالقرافة الصّغرى، بالقرب من قبة الإمام الشافعي، رضي الله عنه، في جهتها القبلية، ولم يتفق لي الصّلاة عليه لاشتغالي بالمرض. وفيها الكفرطابي أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهّاب بن بيان القوّاس الرّامي الأستاذ [6] . ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع الكثير من يحيى الثّقفي، وعمّر دهرا، وتوفي في الحادي والعشرين من شوال بدمشق.

_ [1] في «آ» و «ط» : «عن وداد» وأثبت لفظ «الديوان» . [2] الأبيات في «ديوانه» ص (56) . [3] لفظ «ديوانه» : «فتنظرني» . [4] لفظ «ديوانه» : «يرون بأنّني» . [5] رواية البيت في «ديوانه» : ولكن غادة ملكت جهاتي ... فلا لحن إذا ما قلت ستّي [6] انظر «العبر» (5/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .

وفيها أبو العزّ بن صديق عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحرّاني [1] وهو بكنيته أشهر، ولهذا أسماه بعضهم ثابتا. سمع من عبد الوهّاب بن أبي حبّة، وحدّث بدمشق وبها توفي في جمادى الأولى. وفيها الحافظ الكبير زكي الدّين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي ابن عبد الله بن سلامة المنذري الشّامي ثم المصري الشّافعي [2] ، صاحب التصانيف. ولد سنة إحدى وثمانين خمسمائة، وسمع من الأرتاحي، وأبي الجود، وابن طبرزد، وخلق. وتخرّج بأبي الحسن علي بن المفضّل، ولزمه مدة. وله «معجم» كبير مرويّ، ولي مشيخة الكاملية مدة، وانقطع بها نحوا من عشرين سنة، مكبّا على العلم والإفادة. قال ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا، كبيرا، حجّة، ثقة، عمدة. له كتاب «الترغيب والترهيب» [4] ...

_ [1] انظر «العبر» (5/ 231) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) . [2] انظر «العبر» (5/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 319- 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 259- 261) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 223- 224) و «السلوك لمعرفة دول الملوك» (1/ 2/ 412) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 140- 142) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) و «عقد الجمان» (1/ 188- 189) و «غربال الزمان» ص (534) وقد أورد في آخر ترجمته بيتين من الشعر له يحسن ذكرهما، وهما: اعمل لنفسك صالحا لا تلتفت ... لظهور قيل في الأنام وقال فالناس لا يرجى اجتماع جميعهم ... لا بدّ من مثن عليك وقال [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (179/ ب) . [4] طبع في مصر ثلاث مرّات: الأولى في إدارة الطباعة المنيرية بعناية الشيخ محمد منير الدمشقيّ، رحمه الله، وعلى هذه الطبعة اعتمد الأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني في إعداد «صحيح الترغيب والترهيب» و «ضعيف الترغيب والترهيب» وقد صدر الأول من «الصحيح» عن المكتب الإسلامي ببيروت.

و «التكملة لوفيات النّقلة» [1] . انتهى. وقال ابن شهبة: برع في العربية والفقه، وسمع الحديث بمكّة، ودمشق، وحرّان، والرّها، والإسكندرية. وروى عنه الدمياطي، وابن دقيق العيد، والشّريف عز الدّين، وأبو الحسين اليونيني، وخلق. وتخرّج به العلماء في فنون من العلم. وبه تخرّج الدّمياطي، وابن دقيق العيد، والشريف عزّ الدّين، وطائفة في علوم الحديث. قال الشريف عز الدّين: كان عديم النّظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيّما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم. إماما، حجّة، ثبتا، ورعا، متحريا فيما يقوله، متثبتا فيما يرويه. وقال الذهبيّ: لم يكن في زمانه أحفظ منه. ومن تصانيفه «مختصر مسلم» [2] و «مختصر سنن أبي داود» وله عليه حواش مفيدة. وكتاب «الترغيب والترهيب» في مجلدين، وهو كتاب نفيس. توفي- رحمه الله تعالى- في رابع ذي القعدة، ودفن بسفح المقطّم. وفيها جمال الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة والثانية بعناية الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد، رحمه الله. والثالثة بعناية وتعليق الشيخ مصطفى محمد عمارة، وهي أشهر الطبعات الثلاث وقد صورت مرارا. ويقوم الأساتذة محيي الدّين مستو، وسمير العطّار، ويوسف بديوي بتحقيق الكتاب من جديد، وستصدر هذه الطبعة عن دار ابن كثير، وقد شرعت بطبع الجزء الأول وهو قيد التصحيح الآن.

_ [1] طبع أول مرة ببغداد طبعة متقنة مفهرسة بتحقيق الأستاذ الدكتور بشار عوّاد معروف عام (1387 هـ) ثم أعادت طبعه مصورا عن طبعته الأولى مؤسسة الرسالة ببيروت عام (1401 هـ) . [2] طبع أول مرة في الكويت بوزارة الأوقاف طبعة متقنة بتحقيق الأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني، ثم أعاد المكتب الإسلامي طبع هذه الطبعة عدة مرات في بيروت.

ابن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النّابلسي [1] الفقيه الحنبلي المحدّث. ولد يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع بالقدس من أبي عبد الله بن البنّا، وحدّث بنابلس. قال الشريف عزّ الدّين: كان له سعة وفيه فضل. توفي في ذي القعدة بنابلس. وفيها موفق الدّين أبو محمد عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن الفوطي البغدادي الحنبلي الأديب [2] . قال ابن السّاعي: كان إماما، ثقة، أديبا، فاضلا، حافظا للقرآن، عالما بالعربية واللغة والنجوم، كاتبا شاعرا، صاحب أمثال. وكان فقيرا ذا عيال، ولم يوافق نفسه على خيانة. ولي كتابة ديوان العرض، وقتل صبرا في الواقعة ببغداد. وفيها ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي الدمشقي الناسخ [3] . كان له إجازة من السّلفي، فروى بها الكثير، وتوفي في ثالث ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة. وفيها الشّاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي [4] الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية. سكن الإسكندرية، وصحبه بها

_ وقام بنشره منذ فترة قريبة بدمشق الأستاذ الدكتور مصطفى البغا. [1] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 178) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 266- 267) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 264- 265) . [3] انظر «العبر» (5/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 347) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) . [4] انظر «العبر» (5/ 232) و «طبقات الأولياء» ص (458- 459) و «غربال الزّمان» ص (534- 535) و «حسن المحاضرة» (1/ 520) .

جماعة. وله في التصوف مشكلة توهم، ويتكلّف له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ الشيخ أبو العبّاس المرسي. قاله في «العبر» . وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقات الأولياء» : علي أبو الحسن الشاذلي السيد الشريف، من ذرية محمد بن الحسن، زعيم الطائفة الشاذلية، نسبة إلى شاذلة قرية بإفريقية. نشأ ببلده، فاشتغل بالعلوم الشرعية، حتّى أتقنها، وصار يناظر عليها، مع كونه ضريرا، ثم سلك منهاج التصوف، وجدّ واجتهد، حتّى ظهر صلاحه وخيره، وطار في فضاء الفضائل طيره، وحمد في طريق القوم سراه وسيره. نظم فرقّق ولطّف، وتكلّم على الناس فقرّط الأسماع وشنّف، وطاف وجال، ولقي الرّجال، وقدم إلى إسكندرية من المغرب، وصار يلازم ثغرها من الفجر إلى المغرب، وينتفع الناس بحديثه الحسن وكلامه المطرب، وتحوّل إلى الدّيار المصرية، وأظهر فيها طريقته المرضية، ونشر سيرته السرية، وله أحزاب محفوظة وأحوال بعين العناية ملحوظة. قيل له من شيخك؟ فقال: أما فيما مضى فعبد السّلام بن بشيش [1] . وأما الآن فإني أسقى من عشرة أبحر، خمسة سماوية وخمسة أرضية. ولما قدم إسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي، فوقف بظاهرها واستأذنه، فقال: طاقية لا تسع رأسين، فمات أبو الفتح في تلك الليلة، وذلك لأن من دخل بلدا على فقير بغير إذنه فمهما كان أحدهما أعلى سلبه أو قتله، ولذلك ندبوا الاستئذان. وحجّ مرارا، ومات قاصدا الحجّ في طريقه. قال ابن دقيق العيد: ما رأيت أعرف بالله منه، ومع ذلك آذوه وأخرجوه بجماعته من المغرب، وكتبوا إلى نائب إسكندرية أنه يقدم عليكم مغربي

_ [1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

زنديق، وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه. فدخل إسكندرية فآذوه، فظهرت له كرامات أوجبت اعتقاده. ومن كلامه: كل علم تسبق إليك فيه الخواطر، وتميل النّفس، وتلتذ به فارم به وخذ بالكتاب والسّنّة. وكان إذا ركب تمشي أكابر الفقراء وأهل الدّنيا حوله، وتنشر الأعلام على رأسه، وتضرب الكوسات [1] بين يديه، وينادي النّقيب أمامه بأمره له: من أراد القطب الغوث فعليه بالشاذلي. قال الحنفي: اطلعت على مقام الجيلاني والشّاذلي، فإذا مقام الشاذلي أرفع. ومن كلام الشاذلي: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في غد وما بعده إلى يوم القيامة [2] . وقد أفرد التّاج بن عطاء الله [3] مؤلفا حافلا لترجمته وكلامه. مات- رحمه الله تعالى- بصحراء عيذاب [4] قاصدا للحجّ في أواخر ذي القعدة، ودفن هناك. انتهى ملخصا. وفيها سيف الدّين بن المشدّ، سلطان الشعراء، صاحب «الديوان» المشهور. الأمير أبو الحسن علي بن عمر بن قزل التّركماني [5] .

_ [1] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في كتابه «معجم الألفاظ التاريخية» ص (132) : الكوسات: الطبول، وفسّرها بعضهم بأنها صنوج من نحاس شبه الترس الصغير. [2] قلت: هذا الكلام وأمثاله من مبالغات الصّوفية وما أكثرها! ولا يعلم الغيب إلّا الله وحده جلّ جلاله. [3] هو أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندري، سترد ترجمته في وفيات سنة (709) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى. [4] قال الزّبيدي في «تاج العروس» (عذب) : عيذاب، بالفتح بالصعيد، ونسبت إليها الصحراء. وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (423- 424) . [5] انظر «العبر» (5/ 233) و «عيون التواريخ» (20/ 120- 127) و «فوات الوفيات» (3/ 51-

ولد سنة اثنتين وستمائة بمصر، وكان فاضلا، كثير الخير والصدقات، ذا مروءة. ومن شعره: بشرى لأهل الهوى عاشوا به سعدا ... وإن يموتوا فهم من جملة الشّهدا شعارهم رقّة الشّكوى ومذهبهم ... أن الضّلالة تيه [1] في الغرام هدى عيونهم في ظلام اللّيل ساهرة ... عبرى وأنفاسهم تحت الدّجى صعدا تجرّعوا كأس خمر الحبّ مترعة ... ظلّوا سكارى فظنّوا غيّهم رشدا وعاسل القدّ معسول مقبّله ... كالغصن لما انثنى والبدر حين بدا نادمته وثغور البرق باسمة ... والغيث ينزل منحلّا ومنعقدا كأنّ جلّق حيّا الله ساكنها ... أهدت إلى الغور [2] من أزهارها مددا فاسترسل الجوّ منهلّا يزيد على ... ثوري [3] ويعقد محلول النّدى بردى ومن شعره أيضا: بين الجفون مصارع العشّاق ... فخذوا حذاركم من الأحداق فهي السّهام بل السّيوف وإنّها ... أمضى وأنكى في حشا المشتاق توفي- رحمه الله- في تاسع المحرم بدمشق، ودفن بقاسيون. وفيها النّشبيّ المحدّث شمس الدّين أبو الحسن علي بن المظفّر بن

_ 56) و «البداية والنهاية» (13/ 197- 198) و «النجوم الزاهرة» (7/ 64- 65) و «الأعلام» (4/ 315) . قلت: وسمي بالمشدّ لأنه تولى شدّ الدواوين بمصر والشام كما في «فوات الوفيات» و «النجوم الزاهرة» . ومعنى شدّ الدواوين: أن يكون صاحبها رفيقا للوزير، متحدثا في استخلاص الأموال، وما في معنى ذلك. انظر «صبح الأعشى» (4/ 22) . [1] في «عيون التواريخ» : «فيه» . [2] كذا في «آ» و «عيون التواريخ» : «إلى الغور» وفي «ط» : «إلى النور» وهو خطأ. [3] تحرفت في «عيون التواريخ» إلى «نور» فتصحح و «ثوري» أحد فروع نهر بردى بدمشق.

القاسم الرّبعي النّشبيّ الدمشقي [1] ، نائب الحسبة. سمع الكثير من الخشوعي، والقاسم بن عساكر، وخلق. وكان فصيحا، طيّب الصوت بالقراءة، كتب الكثير، وكان يؤدّب ثم صار شاهدا. توفي في ربيع الأول وقد جاوز التسعين. وفيها الشيخ علي الخبّاز [2] الزاهد، أحد مشايخ العراق. له زاوية وأتباع، وأحوال وكرامات. وفيها ابن عوّه أبو حفص عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري [3] ، التّاجر السفّار العدل. حدّث بدمشق عن البوصيري، وتوفي في ذي الحجّة، وكان صالحا. وفيها الموفق بن أبي الحديد أبو المعالي، القاسم بن هبة الله بن محمد بن محمد المدائني [4] المتكلم الأشعري، الكاتب المنشئ البليغ. كان فقيها، أديبا، شاعرا، محسنا، مشاركا في أكثر العلوم. فمن شعره: استر لثامك حتّى يستر اللّعس ... وقف ليبعد عن أعطافك الميس إني أخاف على حسن حبيت به ... إصابة العين إنّ العين تختلس يا غاصب الخشف أوصافا مكمّلة ... لم يبق للخشف إلّا السّوق والخنس وفاضح البدر إنّ البدر مقتبس ... من التي هي من خدّيك تقتبس معدّل الخلق لا طول ولا قصر ... مكمّل الخلق لا هين ولا شرس

_ [1] انظر «العبر» (5/ 233) ، و «سير أعلام النبلاء» (23/ 326) و «توضيح المشتبه» (1/ 500) . [2] انظر «العبر» (5/ 233) و «البداية والنهاية» (13/ 213) و «غربال الزمان» ص (535) . [3] انظر «العبر» (5/ 234) . [4] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 392) و «العبر» (5/ 234) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 274- 275 و 372) و «الوافي بالوفيات» (8/ 225- 226) و «فوات الوفيات» (1/ 154- 155) .

حموه عن كلّ ما يشفى العليل به ... حتّى على طيفه من شكله حرس قد كنت أبصر صبحا في محبته ... فعاد وهو بعيني كلّه غلس توفي ببغداد في رجب. وفيها الإمام شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن الحسين الموصلي [1] الحنبلي المقرئ العلّامة، شارح «الشاطبية» . قرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عبد العزيز الإربلي وغيره، وتفقه، وقرأ العربية، وبرع في الأدب والقراءات، وصنّف تصانيف كثيرة، ونظم الشعر الحسن. قال الذهبي: كان شابا، فاضلا، ومقرئا محقّقا، ذا ذكاء مفرط، وفهم ثاقب، ومعرفة تامّة بالعربية واللغة، وشعره في غاية الجودة. نظم في الفقه، وفي التاريخ، وغيره. ونظم كتاب «الشّمعة في القراءات السّبعة» وكان- مع فرط ذكائه- صالحا، زاهدا، متواضعا. كان شيخنا التّقيّ المقصّاتي [2] يصف شمائله وفضائله، ويثني عليه. وكان قد حضر بحوثه. وقال ابن رجب: له تصانيف كثيرة، أكثرها في القراءات، منها «شرح الشاطبية» وكتاب «الناسخ والمنسوخ» وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه، وله كتاب «فضائل الأئمة الأربعة» . ومن نظمه قوله: دع عنك ذكر فلانة وفلان ... واجنب لما يلهي عن الرّحمن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 234) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 360) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 671- 672) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 256- 258) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 80- 81) . [2] هو شيخ القراء تقيّ الدّين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيّع الجزريّ المقصّاتيّ، سترد ترجمته في وفيات سنة (713) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى.

واعلم بأنّ الموت يأتي بغتة ... وجميع ما فوق البسيطة فان فإلى متى تلهو وقلبك غافل ... عن ذكر يوم الحشر والميزان؟ أتراك لم تك سامعا ما قد أتى ... في النّصّ بالآيات والقرآن؟ فانظر بعين الإعتبار ولا تكن ... ذا غفلة عن طاعة الدّيّان واقصد لمذهب أحمد بن محمد ... أعني ابن حنبل الفتى الشّيباني فهو الإمام مقيم دين المصطفى ... من بعد درس معالم الإيمان أحيا الهدى وأقام في إحيائه ... متجرّدا للضرب غير جبان تعلوه أسياط الأعادي وهو لا ... ينفكّ عن حقّ إلى بهتان [ويقول عند الضّرب: لست بتابع ... يا ويحكم، لكم بلا برهان ماذا أقول غدا لربّي إن أنا ... وافقتكم في الزّور والبهتان] [1] وعدلت [2] عن قول النّبيّ وصحبه ... وجميع من تبعوه بالإحسان أترون أني خائف من ضربكم ... لا والإله الواحد المنّان كن حنبليّا ما حييت فإنّني ... أوصيك خير وصية الإخوان ولقد نصحتك إن قبلت فأحمد ... زين الثّقات [3] وسيّد الفتيان من ذا أقام كما [4] أقام إمامنا ... متجرّدا من غير ما أعوان مستعذبا للمرّ في نصر الهدى ... متجرّعا لمضاضة السّلطان وسلا بمهجته وبايع ربّه ... أن لا يطيع أئمة العدوان وأقام تحت الضّرب حتّى إنه ... دحض الضّلال وفتنة الفتّان وأتى برمح الحقّ يطعن في العدا ... أهل الضّلال وشرعة الشّيطان

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (176/ ب) واستدركته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «وعزلت» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] في «آ» و «ط» : «زين التقاة» وما أثبته من «المنتخب» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] في «آ» و «ط» : «ماذا أقام وقد ... » وفي «المنتخب» : «ماذا أقول وقد ... » وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.

من ذا لقي [1] ما قد لقيه من الأذى ... في ربّه من ساكني البلدان فعلى ابن حنبل السّلام وصحبه ... ما ناحت الورقاء في الأغصان إني لأرجو أن أفوز بحبّه ... وأنال في بعثي رضا الرّحمن حمدا لربّي إذ هداني دينه ... وعلى شريعة أحمد أنشاني واختار مذهب أحمد لي مذهبا ... ومن الهوى والغيّ قد أنجاني من ذا يقوم من العباد بشكر ما ... أولاه سيّده من الإحسان قال الذهبي: توفي في صفر بالموصل، وله ثلاث وثلاثون سنة، رحمه الله تعالى. وفيها الأديب الفاضل سعد الدّين محمد بن الشيخ محيي الدّين محمد بن العربي الحاتمي الطّائي [2] . ولد بملطية، وسمع الحديث، ودرّس. وله «ديوان» مشهور، وناب بدمشق. ومن شعره في مليح رآه في الزيادة: يا خليليّ في الزّيادة ظبي ... سلبت مقلتاه جفني رقاده كيف أرجو السّلوّ عنه وطرفي ... ناظر حسن وجهه في الزّيادة وله: سهري من المحبوب أصبح مرسلا ... وأراه متّصلا بفيض مدامعي قال الحبيب بأنّ ريقي [3] نافع ... فاسمع رواية مالك عن نافع

_ [1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ماذا لقي» فتصحح. [2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 186- 188) و «فوات الوفيات» (3/ 267- 271) - وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (686) - و «نفح الطيب» (2/ 170) و «الأعلام» (7/ 29) . [3] في «آ» و «ط» : «ربعي» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (176/ ب) و «الوافي بالوفيات» .

وله: أشكو إلى الله علّام الخفيّات ... من جور ألحاظك المرضى الصحيحات إن أنكرت هذه الأجفان ما صنعت ... سل عن دمي الوجنات العندميّات روت لواحظها عن بابل خبرا ... ويلاه من سقم هاتيك الرّوايات فيا جليسي بدا ما كنت أكتمه ... إنّ المجالس فاعلم بالأمانات لله سرب ظباء من بني أسد ... حرّرت معهنّ أرباب المسرّات حلّقت أحداقها بعدي وأوجهها ... كم من عيون تركناها وجنّات توفي- رحمه الله تعالى- بدمشق، ودفن عند قبر أبيه بتربة بني الزّكي بقاسيون. وفيها ابن الجرح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التّلمساني المالكيّ [1] نزيل الثّغر. كان من صلحاء العلماء، سمع بسبتة «الموطأ» من أبي محمد بن عبيد الله الحجري [2] ، وتوفي في ذي القعدة، عن ثنتين وتسعين سنة. وفيها خطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسي النّابلسي [الحنبلي [3] . ولد بمردا سنة ست وستين وخمسمائة ظنّا، وتفقه بدمشق، وسمع من

_ [1] انظر «العبر» (5/ 234) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) . [2] تقدمت ترجمته في المجلد السادس صفحة (500) فراجعها. [3] انظر «العبر» (5/ 235) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 325- 326) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 267) .

يحيى الثقفي] [1] وأحمد [بن] الموازييني، وبمصر من البوصيري وغير واحد، وتوفي بمردا في أوائل ذي الحجّة. وفيها الفاسيّ الإمام أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي المقرئ [2] ، مصنف «شرح الشّاطبية» . قرأ على رجلين قرءا على الشّاطبي، وكان فقيها، بارعا، متفنّنا، متين الدّيانة، جليل القدر، تصدّر للإقراء بحلب مدة، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها الفقيه الزّاهد محيي الدّين أبو نصر محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح الحنبلي البغدادي [3] ، قاضي القضاة، عماد الدّين. سمع من والده، ومن الحسن بن علي بن المرتضى العلوي، وغيرهما. وطلب بنفسه، وقرأ وتفقّه. وكان عالما، ورعا، زاهدا، يدرّس بمدرسة جدّه ويلازم الاشتغال بالعلم إلى أن توفي. ولما ولي أبوه قضاء القضاة، ولّاه القضاء والحكم بدار الخلافة، فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا وحكم، ثم عزل نفسه ونهض إلى مدرستهم بباب الأزج، ولم يعد إلى ذلك تنزّها عن القضاء وتورعا. وسمع منه الدّمياطي الحافظ، وحدّث عنه، وذكره في «معجمه» وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر شوال ببغداد، ودفن إلى جنب جدّه الشيخ عبد القادر بمدرسته، وكانت وفاته بعد انقضاء الواقعة. وفيها ابن صلايا، الصّاحب تاج الدّين، أبو المكارم، محمد بن نصر ابن يحيى الهاشمي العلوي [4] ، نائب الخليفة بإربل. كان من رجال الدّهر

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [2] انظر «العبر» (5/ 235) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 361) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 668- 669) و «غاية النهاية» (2/ 122- 123) و «غربال الزمان» ص (535) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 265- 266) . [4] انظر «العبر» (5/ 236) و «الوافي بالوفيات» (5/ 128- 129) .

عقلا، ورأيا، وهيبة، وعزما، وجودا، وسؤددا. قتله هولاكو [1] في ربيع الآخر بقرب تبريز [2] . وفيها الفاضل الأديب نور الدّين محمد بن محمد بن رستم الإسعردي [3] الشاعر المشهور. كان قاضي القضاة ابن سني الدولة أجلسه تحت السّاعات شاهدا، فحضر يوما عند السلطان صلاح الدّين يوسف فأعجبته عبارته، فجعله نديما، وخلع عليه القباء والعمامة المذهبة، فأتى ثاني يوم بالعمامة المذهبة والقباء وجلس تحت السّاعات بين الشهود، وكان الغالب عليه المجون. وأفرد هزلياته في كتاب سماه «سلافة الزّرجون في الخلاعة والمجون» [4] . وفيها فتح الدّين محمد بن عبد الصّمد بن عبد الله بن حيدرة السّلمي [5] . عرف بابن العدل، أحد الصّدور الأماثل. ولي حسبة دمشق إلى حين وفاته، وكان موصوفا بالعفاف، وجدّه محيي الدّين هو باني المدرسة بالزّبداني، وكان كثير البرّ والصدقة، له الأملاك الكثيرة، ودفن بسفح قاسيون. وفيها ابن شقير [6] ، الشيخ عفيف الدّين أبو الفضل المرجّى بن

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» بطبعتيه: «هولاوو» . [2] كذا في «ط» و «العبر» : «بقرب تبريز» وفي «آ» : «بتبريز» . [3] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 188- 192) و «نكت الهميان» ص (255) و «فوات الوفيات» (3/ 271- 276) و «البداية والنهاية» (13/ 212) وقد تحرفت «الإسعردي» فيه إلى «الأشعري» فتصحح، و «عقد الجمان» (1/ 189) . [4] قلت: ضمّنه هزليات من شعره، وضم إليها أشياء من نظم غيره. قال الصّفدي. [5] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 257- 258) و «عيون التواريخ» (20/ 202- 203) و «البداية والنهاية» (13/ 213) . [6] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» : «ابن شقير» وفي «سير أعلام النبلاء» و «معرفة القراء الكبار» : «ابن شقيرا» وفي «غاية النهاية» : «ابن شقيرة» .

الحسن بن هبة الله بن غزال الواسطي [1] المقرئ التّاجر السفّار. ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة بواسط، وقرأ القراءات على أبي بكر ابن الباقلّاني وأتقنها، وتفقه. وكان آخر من روى وحدّث عن أبي طالب الكتّاني. وذكر الفاروثي [2] أنّه عاش إلى حدود هذه السنة. وفيها ابن الشّقيشقة المحدّث، نجيب الدّين أبو الفتح نصر الله بن أبي العزّ مظفّر بن عقيل الشّيباني الدمشقي الصفّار [3] . ولد بعد الثمانين وخمسمائة، وسمع من حنبل [4] ، وابن طبرزد، وخلق كثير. وروى «مسند أحمد» . وكان أديبا، ظريفا، عارفا بشيوخ دمشق ومروياتهم، لكن رماه أبو شامة بالكذب ورقة الدّين [5] . وكان جعله قاضي القضاة ابن سني الدولة عاقدا تحت السّاعات، فقال فيه البهاء بن الدجّاجية: جلس الشّقيشقة الشّقيّ ليشهدا ... بأبيكما ماذا عدا فيما بدا هل زلزل الزّلزال أم قد أخرج الدّ ... جال أم عدموا الرّجال أولي الهدى [6] عجبا لمحلول العقيدة جاهل ... بالشّرع قد أذنوا له أن يعقدا

_ [1] انظر «العبر» (5/ 236) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 329- 330) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 656- 657) و «غاية النهاية» : (2/ 293) . [2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «الفاروي» والصواب ما أثبته، وهو أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي الفاروثي، سترد ترجمته في وفيات سنة (694) من هذا المجلد. [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (201) و «العبر» (5/ 236- 237) و «ميزان الاعتدال» (4/ 254) و «عيون التواريخ» (20/ 205- 206) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) . [4] في «آ» : «سمع ابن حنبل» وهو خطأ وما أثبته من «ط» و «العبر» و «ميزان الاعتدال» . [5] انظر «ذيل الروضتين» ص (201) . [6] رواية الشطرة الثانية من البيت في «ذيل الروضتين» : أم عدم الرجال ذوو الهدى.

ولابن الشّقيشقة لغز في الواو والميم والنّون، وهو: أوّله آخره ... وبعضه جميعه ثلاثة حروفه ... وواحد مجموعه إن شئت أن تعكسه ... فلست [1] تستطيعه توفي في جمادى الآخرة ووقف داره بدمشق دار حديث. وفيها الصّرصري الشيخ العلّامة القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف ابن يحيى الصّرصري [2] الأصل- نسبة إلى صرصر بفتح الصادين المهملتين، قرية على فرسخين من بغداد- كان إليه المنتهى في معرفة اللّغة وحسن الشعر، «وديوانه» ومدائحه سائرة [3] ، وكان حسّان وقته. ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وقرأ القرآن بالرّوايات على أصحاب ابن عساكر البطائحي [4] . وسمع الحديث من الشيخ علي بن إدريس اليعقوبي الزاهد، صاحبه الشيخ عبد القادر، وصحبه، وتسلّك به، ولبس منه الخرقة وأجاز له الشيخ عبد المغيث الحربي وغيره، وحفظ الفقه واللغة، ويقال: إنه كان يحفظ «صحاح» الجوهري بكمالها. وكان يتوقّد ذكاء،

_ [1] علق الأستاذ حسام الدّين القدسي، رحمه الله تعالى،- ناشر الطبعة السابقة من الكتاب- بقوله: لعل الصواب «فأنت» لأن هذه الحروف لا تتغير إذا قرئت طردا وعكسا. [2] انظر «العبر» (5/ 237) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «نكت الهميان» ص (308) و «فوات الوفيات» (4/ 298- 319) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262- 263) . [3] قال العلّامة الزركلي في «الأعلام» (8/ 177) : له ديوان صغير، ومنظومات في الفقه وغيره، منها: قصيدة دالية في الفقه الحنبلي (2774) بيتا، شرحها محمد بن أيوب التّاذفي في مجلدين، و «المنتقى من مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم» لعله المسمى «المختار من مدائح المختار» . [4] هو علي بن عساكر بن المرحّب البطائحي، تقدمت ترجمته في المجلد السادس صفحة (400) .

ويقال: إن مدائحه في النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- تبلغ عشرين مجلدا، وقد نظم في الفقه «مختصر الخرقي» و «زوائد الكافي» ونظم في العربية، وفي فنون شتى وكان صالحا، قدوة، كثير التّلاوة، عظيم الاجتهاد، صبورا، قنوعا، محبّا لطريقة الفقراء ومخالطتهم. وكان يحضر معهم السماع ويرخص في ذلك، وكان شديدا في السّنّة، منحرفا على المخالفين لها. وشعره مملوء بذكر أصول السّنّة ومدح أهلها وذمّ مخالفيها. قال ابن رجب: وكان قد رأى النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في منامه، وبشّره بالموت على السّنّة. ونظم في ذلك قصيدة طويلة معروفة. وسمع منه الحافظ الدّمياطي، وحدّث عنه، وذكره في «معجمه» . ولما دخل التتار بغداد، كان الشيخ بها فلما دخلوا عليه قاتلهم وقتل منهم بعكّازه نحو اثني عشر نفسا، ثم قتلوه شهيدا برباط الشيخ علي الخبّاز، وحمل إلى صرصر فدفن بها. وفيها محيى الدّين بن الجوزي، الصّاحب العلّامة سفير الخلافة أبو المحاسن يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرّحمن بن علي بن محمد التيمي الكبري البغدادي الحنبلي [1] ، أستاذ دار المستعصم بالله. ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه وذاكر بن كامل، وابن بوش، وطائفة. وقرأ القرآن بواسط على ابن الباقلاني، وكان كثير المحفوظ، قويّ المشاركة في العلوم، وافر الحشمة. قال ابن رجب: قرأ القرآن بالروايات العشر على ابن الباقلّاني، وقد جاوز العشر سنين من عمره، ولبس الخرقة من الشيخ ضياء الدّين بن سكينة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 372- 374) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 258- 261) و «عقد الجمان» (1/ 175) .

واشتغل بالفقه، والخلاف، والأصول. وبرع في ذلك. وكان أشهر فيه من أبيه، ووعظ من صغره على قاعدة أبيه، وعلا أمره، وعظم شأنه، وولي الولايات الجليلة ثم عزل عن جميع ذلك. وانقطع في داره يعظ، ويفتي، ويدرّس. ثم أعيد إلى الحبسة. وقال ابن السّاعي: ظهرت عليه آثار العناية الإلهية مذ كان طفلا، فعني به والده، فأسمعه الحديث، ودرّبه في الوعظ، وبورك له في ذلك، وبانت عليه آثار السعادة. وتوفي والده وعمره سبع عشرة سنة، فكفلته والدة الإمام النّاصر، وتقدمت له بالجلوس للوعظ على عادة والده عند تربتها، بعد أن خلعت عليه. فتكلم بما بهر به الحاضرين، ولم يزل في ترقّ وعلوّ، كامل الفضائل، معدوم الرّذائل، أرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف فاكتسب مالا كثيرا، وأنشأ مدرسة بدمشق، وهي المعروفة بالجوزية، ووقف عليها أوقافا كثيرة، ولم يزل في ترقّ إلى أن قتل صبرا بسيف الكفّار شهيدا عند دخول هولاكو [1] إلى بغداد بظاهر سور كلواذى، وقتل معه أولاده الثلاثة: الشيخ جمال الدّين أبو الفرج عبد الرّحمن [2] ، وكان فاضلا، بارعا، واعظا، له تصانيف. قتل وقد جاوز الخمسين. وشرف الدّين عبد الله [3] ، ولي الحسبة أيضا، ثم تزهّد عنها ودرّس وتاج الدّين عبد الكريم [4] . ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه ودرّس، وقتل ولم يبلغ عشرين سنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 261- 262) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262) .

ومن مصنفات يوسف المذكور [1] «معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز» ، و «المذهب الأحمد في مذهب أحمد» ، و «الإيضاح في الجدل» . وسمع منه [2] خلق، منهم الحافظ الدّمياطي.

_ [1] رجع المؤلف إلى الكلام على «يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي» . [2] في «آ» و «ط» : «منهم» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

سنة سبع وخمسين وستمائة

سنة سبع وخمسين وستمائة فيها دخل هولاكو [1] ديار بكر قاصدا حلب، ونزل على آمد، وأرسل يطلب الملك السعيد صاحب ماردين، فسيّر إليه ولده، وقاضي البلد مهذّب الدّين محمد بن مجلّي بهدية واعتذر أنه ضعيف، فلم يقبل منه، وقبض على ولده. وسيّر إلى الملك يستحثه، فعظمت الأراجيف [2] وعدوا الفرات، وخرج أهل الشّام جافلين منهم، وخرج الملك النّاصر بعساكره لملتقى التتار، فنزل على برزة [3] ، واجتمع إليه أمم عظيمة، من عرب، وعجم، وأكراد مطوّعة. وكان هولاكو [4] قد قدم في خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى، فنزل على حرّان، وسيّر ولده أشموط إلى الشام، فوصل إلى حلب وبها بوران شاه بن السلطان صلاح الدّين، وكانت في غاية التحصين، فنزل التتار على السليمة. [5] وامتدوا إلى حيلان [6] ، فخرج عسكر حلب ومعهم خلق، فولّت التتار منهم مكرا

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» : «هولاوو» . [2] الأراجيف: جمع إرجاف، وهي الأخبار. انظر «مختار الصحاح» (رجف) . [3] برزة: قرية صغيرة إلى الشمال الشرقي من دمشق، تحولت في أيامنا إلى بلدة صغيرة. انظر «معجم البلدان» (1/ 382- 383) . [4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [5] في «آ» : «إلى المسلمية» وهو خطأ. [6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «جيلان» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (7/ 75) . قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 332) : حيلان: من قرى حلب، تخرّج منها عين فوّارة كثيرة الماء تسيح إلى حلب وتدخل إليها في قناة وتتفرق إلى الجامع وإلى جميع مدينة حلب.

وخديعة، فتبعهم العسكر والعوام، فرجعوا عليهم فانكسر المسلمون، وتبعوهم إلى أبواب حلب يقتلون ويأسرون، ونزل التتار بظاهر حلب وهي مغلّقة الأبواب. وفيها توفي نجم الدّين أبو إسحاق وأبو طاهر إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن علي بن منجّا التّنوخي الحموي ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي الأديب الكاتب. سمع من ابن طبرزد، والكندي، وغيرهما. توفي في العشر الأواخر من المحرم بتل ناشّر من أعمال حلب، ودفن به، رحمه الله. وفيها الشيخ مجد الدّين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي غالب الإربلي النّحوي الحنبلي [2] المعدّل. سمع بإربل من محمد بن هبة الله [بن الكرم الصّوفي] ، وسكن دمشق، وحدّث بها، واشتغل مدة في العربية بالجامع. وقرأ عليه جماعة من الأصحاب وغيرهم، منهم: الفخر البعلبكي، وابن الفركاح، وتوفي في نصف صفر بدمشق. وفيها الرئيس صدر الدّين أبو الفتح أسعد بن عثمان بن المنجّا التّنوخي الدمشقي الحنبلي [3] واقف المدرسة الصّدرية بدمشق، ودفن بها. ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بدمشق، وسمع بها من حنبل، وابن طبرزد. وحدّث. وكان أحد المعدّلين ذوي الأموال والثروة والصدقات، وولي نظر الجامع مدة، وثمّر له أموالا كثيرة، واستجدّ في ولايته أمورا. توفي في تاسع عشر شهر رمضان.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 267- 268) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [3] انظر «العبر» (5/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 375) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) .

وفيها ابن تامتّيت [1] أبو العبّاس أحمد بن محمد بن الحسن اللّواتي الفاسي [2] المحدّث المعمّر، نزيل القاهرة. كان صالحا، عالما، خيرا. روى بالإجازة العامّة عن أبي الوقت [السّجزي] . قال الشريف عز الدّين: مولده فيما بلغنا في المحرّم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي في رابع المحرّم، رحمه الله. وفيها أبو الحسين بن السرّاج، المحدّث الكبير، مسند المغرب، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي [3] . ولد سنة ستين وخمسمائة، وسمع من ابن بشكوال، وعبد الله بن زرقون، وطائفة. وتفرّد في زمانه. وكانت الرحلة إليه بالمغرب، وتوفي في سابع صفر. وفيها ابن اللّمط شمس الدّين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجذامي المصري [4] . رحل مع ابن دحية، وسمع من أبي جعفر الصيدلاني، وعبد الوهاب بن سكينة، وتوفي في ربيع الآخر، وله خمس وثمانون سنة. وفيها صاحب الموصل الملك الرّحيم بدر الدّين لؤلؤ الأرمني

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «تاميت» وتحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ما متّيت» فتصحح. قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» : تامتّيت: بتاء ثالثة الحروف ومثلها بعد الميم مشدّدة ومثلها بعد الياء آخر الحروف. [2] انظر «العبر» (5/ 238) و «الوافي بالوفيات» (7/ 384) و «مرآة الجنان» (4/ 148) . [3] انظر «العبر» (5/ 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 331- 332) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) . [4] انظر «العبر» (5/ 239) .

الأتابكي [1] مملوك نور الدّين أرسلان شاه بن عز الدّين مسعود، صاحب الموصل. كان مدبّر دولة أستاذه ودولة ولده القاهر مسعود، فلما مات القاهر سنة خمس عشرة وستمائة، أقام بدر الدّين ولد القاهر صورة، وبقي أتابكه مدة، ثم استقلّ بالسلطنة، وكان صارما، شجاعا، مدبّرا، خبيرا. توفي في شعبان، وقد نيّف على الثمانين، وانخزم [2] نظام بلده من بعده. ومنها ابن الشّيرجي الصّدر نجم الدّين مظفّر بن محمد بن إلياس الأنصاري الدمشقي [3] . ولي تدريس العصرونية والوكالة، وحدّث عن الخشوعي وجماعة، وولي أيضا الحسبة ونظر الجامع، وتوفي في آخر السنة. وفيها العدل بهاء الدّين محمد بن مكّي القرشي الصّالحي، عرف بابن الدّجاجيّة [4] . كان فاضلا، وله نظم جيد [5] . وفيها الشيخ يوسف القمّيني المولّه [6] . قال الذهبي في «العبر» الذي تعتقده العامة أنه وليّ الله [7] ، وحجّتهم الكشف والكلام على الخواطر. وهذا شيء يقع من الكاهن والرّاهب والمجنون الذي له قرين من الجنّ، وقد كثر هذا في عصرنا، والله المستعان. وكان يوسف يتنجّس ببوله ويمشي حافيا ويأوي أقميم [8] حمّام نور الدّين ولا يصلي. انتهى.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 356- 358) . [2] تحرفت في «ط» إلى «وانخرط» . [3] انظر «العبر» (5/ 240) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 403) . [4] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 58- 59) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) . [5] انظر نموذجا من شعره في ص (492) من هذا المجلد. [6] انظر «ذيل الروضتين» ص (202) و «العبر» (5/ 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 302- 303) و «البداية والنهاية» (13/ 216) وعنده «كان يعرف بالأقميني» . [7] في «العبر» بطبعتيه: «أنه وليّ» . [8] في «العبر» بطبعتيه: «قمين» .

وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان يأوي القمامين والمزابل، وغالب إقامته بإقميم حمّام نور الدّين بسوق القمح [1] ، وكان يلبس ثيابا طوالا تكنس الأرض، ولا يلتفت إلى أحد والناس يعتقدون فيه الصلاح، ويحكون عنه عجائب وغرائب، ودفن بتربة المولّهين بسفح قاسيون، ولم يتخلف عن جنازته إلّا القليل. انتهى.

_ [1] قلت: المعروف أن حمّام نور الدّين يقع في سوق البزوريين أو ما يعرف في أيامنا بسوق البزورية وقد رقّم حديثا. انظر «عدة الملمات في تعداد الحمّامات» ضمن كتاب «رسائل دمشقية» لابن المبرد ص (38) بتحقيق الأستاذ صلاح محمد الخيمي، طبع دار ابن كثير.

سنة ثمان وخمسين وستمائة

سنة ثمان وخمسين وستمائة في المحرّم قطع هولاكو [1] الفرات، ونهب نواحي حلب، وأرسل متوليها توران شاه [2] ابن السلطان صلاح الدّين بأنكم تضعفون عنّا ونحن نقصد سلطانكم النّاصر. فاجعلوا لنا عندكم شحنة بالقلعة وشحنة بالبلد، فإن انتصر علينا النّاصر فاقتلوا الشحنتين أو أبقوهما، وإن انتصرنا فحلب والبلاد لنا، وتكونون آمنين. فأبى عليه توران شاه [2] ، فنزل على حلب في ثاني صفر فلم يصبح عليهم الصباح إلّا وقد حفروا عليهم خندقا عمق قامة، وعرض أربعة أذرع، وبنوا حائطا ارتفاع خمسة أذرع، ونصبوا عشرين منجنيقا، وألحوا بالرّمي، وشرعوا في نقب السّور. وفي تاسع صفر ركبوا الأسوار [3] ووضعوا السيف يومهم ومن الغد واحتمى [4] في حلب أماكن [سلم] فيها نحو خمسين ألفا، واستتر خلق. وقتل أمم لا يحصون، وبقي القتل والسبيّ خمسة أيام. ثم نودي برفع السيف، وأذّن المؤذّن يومئذ يوم الجمعة بالجامع، وأقيمت الجمعة بأناس، ثم أحاطوا بالقلعة وحاصروها.

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] في «آ» و «ط» : «بوران شاه» والتصحيح من «العبر» وانظر «وفيات الأعيان» (1/ 306) . [3] في «ط» : «ركبوا للأسوار» وهو خطأ. [4] في «العبر» : «وأحمى» .

ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق، فهرب النّاصر، ودخلت يومئذ رسل هولاكو [1] ، وقرئ الفرمان بأمان دمشق. ثم وصل نائب هولاكو، فتلقاه الكبراء، وحملت أيضا مفاتيح حماة إلى هولاكو، وسار صاحبها والنّاصر إلى نحو غزّة، وعصت قلعة دمشق، فحاصرتها التتار وألحّوا بعشرين منجنيقا على برج الطارمة فتشقق، وطلب أهلها الأمان، فأمّنهم [2] وسكنها النائب كتبغا، وتسلّموا بعلبك وقلعتها، وأخذوا نابلس ونواحيها بالسيف، ثم ظفروا بالملك، وأخذوه بالأمان وساروا به إلى هولاكو [3] ، فرعى له مجيئه، وبقي في خدمته أشهرا، ثم قطع الفرات راجعا، وترك بالشام فرقة من التتار. وأما المصريّون فتأهبوا وشرعوا في المسير من نصف شعبان، وثارت النصارى بدمشق، ورفعت رؤوسها، ورفعوا الصليب، ومرّوا به، وألزموا النّاس بالقيام له من حوانيتهم في الثاني والعشرين من رمضان، ووصل جيش الإسلام وعليهم الملك المظفّر، وعلى مقدمته [4] ركن الدّين البندقداري، فالتقى الجمعان على عين جالوت غربي بيسان، ونصر الله دينه، وقتل في المصافّ مقدّم التتار كتبغا وطائفة من أمراء المغول، ووقع بدمشق النّهب والقتل في النصارى، وأحرقت كنيسة مريم، وعيّد المسلمون على خير عظيم، وساق البندقداري وراء التتار إلى حلب، وخلت من القوم الشام، وطمع البندقداري في أخذ حلب، وكان وعده بها المظفّر، ثم رجع، فتأثّر وأضمر [5] الشرّ، فلما رجع المظفّر بعد شهر إلى مصر مضمرا للبندقداريّ

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] في «العبر» : «فأمنوهم» . [3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [4] في «العبر» : «وعلى مقدمتهم» . [5] في «آ» و «ط» : «وأضمن» وما أثبته من «العبر» .

الشّرّ، فوافق ركن الدّين على مراده عدّة أمراء. وكان الذي ضربه بالسيف فحلّ كتفه بكتوت الجوكندار المعزّي [1] ثم رماه بهادر المعزّيّ [1] بسهم قضى عليه، وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة بقرب قطية [2] وتسلطن ركن الدّين البندقداري الملك الظّاهر بيبرس. وفي آخر السنة كرّت التتار على حلب، واندفع عسكرها بين أيديهم، فدخلوا إليها وأخرجوا من بها ووضعوا فيهم السّيف. وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة صدر الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي [3] . ولد سنة تسعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وجماعة، وتفقّه على أبيه قاضي القضاة شمس الدّين، وعلى فخر الدّين بن عساكر، وقلّ من نشأ مثله في صيانته وديانته واشتغاله، ناب عن أبيه، وولي وكالة بيت المال، ودرّس بالإقبالية وغيرها، ثم استقلّ بمنصب القضاء مدة، ثم عزل واستمر على تدريس الإقبالية والجاروخية، وقد درّس بالعادلية الكبيرة والناصرية، وهو أول من درّس بها، وخرّج له الحافظ الدّمياطي «معجما» . قال الذهبي: وكان مشكور السيرة في القضاء، لين الجانب، حسن المداراة والاحتمال، رجع من عند هولاكو [4] متمرضا فأدركه الموت ببعلبك في جمادى الآخرة، وله ثمان وستون سنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «المغربي» والتصحيح من «العبر» . [2] انظر «معجم البلدان» (4/ 378) . [3] انظر «العبر» (5/ 244) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 41) و «البداية والنهاية» (13/ 224) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 126) . [4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .

وفيها نجيب الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن خليل الدّمشقي الأدمي [1] . ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمّعه أخوه من عبد الرحمن [بن علي] الخرقي، ويحيى الثّقفي، وجماعة. وحدّث بدمشق وحلب، وعدم بها في صفر. وفيها أبو طالب تمّام السّروري بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي [2] . ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثّقفي، وتوفي في رجب. وفيها الملك المعظّم أبو المفاخر [ابن السلطان الكبير] صلاح الدّين توران شاه [3] . ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثّقفي، وابن صدقة الحرّاني، وأجاز له عبد الله بن برّي، وكان كبير البيت الأيوبي. وكان السلطان يجلّه ويتأدّب معه. سلّم قلعة حلب لمّا عجز بالأمان، وأدركه الموت إثر ذلك، فتوفي في ربيع الأول، وله ثمانون سنة. وفيها الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل [4] صاحب الصّبيبة وبانياس. تملّك سنة إحدى وثلاثين بعد أخيه الملك الظّاهر إلى سنة

_ [1] انظر «العبر» (5/ 244) - وما بين الحاصرتين زيادة منه- و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 340) و «العبر» (5/ 244) وقد تحرفت «السّروري» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «المسروي» فتصحح. [3] انظر «العبر» (5/ 245) - وما بين الحاصرتين مستدرك منه- و «سير أعلام النبلاء» (23/ 340) و «عقد الجمان» (1/ 277) . [4] انظر «العبر» (5/ 245- 246) و «عقد الجمان» (1/ 277) .

بضع وأربعين، فأخذ الصّبيبة منه الملك الصّالح وأعطاه إمرة مصر، فلما قتل المعظّم بن الصّالح، ساق إلى غزّة وأخذ ما فيها، وأتى [1] الصّبيبة، فتسلّمها، فلما تملّك الملك النّاصر دمشق، قبض عليه وسجنه بإلبيرة [2] ، فلما أخذ هولاكو [3] البيرة أحضر إليه بقيوده، فأطلقه وخلع عليه، وسلّم إليه الصّبيبة، وبقي في خدمة كتبغا بدمشق، وكان بطلا شجاعا، قاتل يوم عين جالوت، فلما انهزمت التتار جيء به إلى الملك المظفّر فضرب عنقه [4] . وفيها المحبّ عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السّعدي المقدسي الصّالحي [5] الحنبلي المحدّث. مفيد الجبل. روى عن الشيخ الموفق، وابن البنّ، وابن الزّبيدي، ورحل إلى بغداد، فسمع من القبيطي، وابن الفخّار، وطبقتهما. وكتب الكثير، وعني بالحديث أتمّ عناية. وأكثر السّماع والكتابة. وتوفي في ثاني عشري جمادى الآخرة، وله أربعون سنة. وفيها ابن الخشوعي أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم الدمشقي [6] . سمع من يحيى الثّقفي وأبيه، وعبد الرزاق النّجار. وأجاز له السّلفي وطائفة، وتوفي في أواخر صفر. وفيها العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي

_ [1] في «ط» : «وأخذ» وما جاء في «آ» موافق لما في «العبر» مصدر المؤلف. [2] البيرة: بلد على شاطئ الفرات من أرض الجزيرة فوق جسر منبج. انظر «مراصد الاطلاع» . [3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [4] زاد العيني في «عقد الجمان» : لأنه كان قد لبس سراقوج- لباس الرأس عند التتار- فناصحهم. [5] انظر «العبر» (5/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 375- 376) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268- 269) . [6] انظر «العبر» (5/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 343) و «عيون التواريخ» (20/ 237) وقد تحرفت «عبد الله» فيه إلى «عبد الرحمن» ، و «النجوم الزاهرة» (7/ 91) .

الجمّاعيلي الحنبلي الصّالحي [1] المؤدّب. سمع من يحيى الثّقفي، وأحمد ابن الموازيني، وجماعة. وتوفي في ربيع الأول. وفيها ابن العجمي أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي الشّافعي [2] . روى عن يحيى الثّقفي، وابن طبرزد. ودرّس وأفتى. عذّبه التتار على المال حتّى هلك في الرابع والعشرين من صفر. وفيها الملك المظفّر سيف الدّين قطز [3] ، أحد مماليك المعزّ أيبك التّركماني، صاحب مصر. كان بطلا، شجاعا، حازما. كسر التتار كسرة جبر بها الإسلام، فجزاه الله عن الإسلام خيرا، ولم يخلّف ولدا ذكرا. حكى الأمير البركة خاني [4] قال: كان المظفّر خشداشي [5] عند الهيجاوي، وكان عليه قمل كثير، فكنت أسرّحه، وكلما قتلت قملة آخذ منه فلسا أو أصفعه، فبينا أنا أسرّحه ذات يوم، قلت: والله أشتهي إمرة خمسين. فقال لي: طيّب قلبك، أنا أعطيك إمرة خمسين، فصفعته وقلت: ويلك، أنت تعطيني إمرة خمسين! قال: نعم، فصفعته. فقال لي: أيش يلزم لك [6] إلّا إمرة خمسين، وأنا والله أعطيك ذلك. فقلت له: وكيف ذلك؟ قال: أنا

_ [1] انظر «العبر» (5/ 246- 247) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 339- 341) و «الوافي بالوفيات» (18/ 83) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) . [2] انظر «العبر» (5/ 247) و «سير أعلام النبلاء» (13/ 348- 349) و «البداية والنهاية» (13/ 225) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 440) . [3] انظر «ذيل الروضتين» ص (210) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 200- 201) و «العبر» (5/ 247) و «البداية والنهاية» (13/ 225- 226) . [4] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «البردجاني» ، والتصحيح من «عيون التواريخ» (20/ 241) و «النجوم الزاهرة» (7/ 88) . [5] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في كتابه «معجم الألفاظ التاريخية» ص (68- 69) : الخشداش: لفظ فارسيّ معناه الزميل في الخدمة، والخشداشية: هم الأمراء الذين نشؤوا مماليك عند سيد واحد. [6] في «آ» و «ط» : «أيش عليك لك» وما أثبته من «النجوم الزاهرة» .

أملك الدّيار المصرية وأكسر التتار وأعطيك الذي طلبت، فقلت له: أنت مجنون بقملك تملك الدّيار المصرية؟ قال: نعم. رأيت النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في النّوم، فقال لي: «أنت تملك مصر وتكسر التتار» وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّ لا شكّ فيه، وجرى ذلك. وقال له منجم بمصر، وللملك الظّاهر بيبرس بعد أن اختبر نجم كل واحد منهما، فقال للملك المظفّر: أنت تملك مصر وتكسر التتار، فاستهزؤوا به. وقال للملك الظاهر: وأنت أيضا تملك الدّيار المصرية وغيرها، فاستهزؤوا به. فكان كما قال. وهذا من عجيب الاتفاق. وكان المظفّر بطلا، شجاعا ديّنا، مجاهدا، انكسرت التتار على يديه واستعاد منهم الشام. وكان أتابك الملك المنصور علي ولد أستاذه، فلما رآه لا يغني شيئا عزله، وقام في السلطنة. وكان شابّا، أشقر، وافر اللّحية. ذكر أنه قال أنا محمود بن ممدود ابن أخت السلطان خوارزم شاه، وأنه كان مملوكا لتاجر في القصاعين بمصر. وفيها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني الحنبلي الحافظ [1] . ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين، ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله البطائحي عن الشيخ عبد القادر، وربّاه الشيخ عبد الله اليونيني، وتفقه على الشيخ الموفق. وسمع من الخشوعي، وحنبل. وكان يكرر على الجمع بين «الصحيحين» وعلى أكثر «مسند أحمد» ونال من الحرمة والتقدم ما لم ينله أحد. وكانت الملوك تقبّل يده وتقدم مداسه. وكان إماما، علّامة، زاهدا، خاشعا لله، قانتا له، عظيم الهيبة، منوّر الشّيبة، مليح الصّورة، حسن السّمت والوقار، صاحب كرامات وأحوال.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 248) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 269- 273) .

قال ولده موسى قطب الدّين، صاحب «التاريخ» المشهور [1] : حفظ والدي «الجمع بين الصحيحين» وأكثر «مسند الإمام أحمد» وحفظ «صحيح مسلم» في أربعة أشهر، وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد، وحفظ ثلث «مقامات الحريري» في بعض يوم. وقال عمر بن الحاجب الحافظ: لم ير في زمانه مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة، وكان حسن الخلق والخلق، نفّاعا [للخلق] [2] ، مطرحا للتكلف. وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثا. وكان لا يرى إظهار الكرامات ويقول: كما أوجب الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات. ويروى عن الشيخ عثمان [3] ، شيخ دير ناعس- وكان من أهل الأحوال- قال: قطب الشيخ الفقيه ثمان عشرة سنة. وتزوّج ابنة الشيخ عبد الله اليونيني، وهي أول زوجاته. وروى عنه ابناه أبو الحسين الحافظ، والقطب المؤرّخ، وغيرهما. وتوفي ليلة تاسع عشر رمضان ببعلبك، ودفن عند شيخه عبد الله اليونيني، رحمة الله عليهما. وفيها الأكّال الشيخ محمد بن خليل الحوراني ثم الدّمشقي [4] . عاش ثمانيا وخمسين سنة، وكان صالحا، خيّرا، مؤثرا، لا يأكل لأحد شيئا إلّا بأجرة، وله في ذلك حكايات.

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 38- 71) طبع حيدرآباد. [2] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (650) ص (436) من هذا المجلد فراجعها. [4] انظر «العبر» (5/ 248) «الوافي بالوفيات» (3/ 49- 50) و «فوات الوفيات» (3/ 351- 352) و «عيون التواريخ» (20/ 245) .

وفيها ابن الأبّار الحافظ العلّامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي [1] ، الكاتب الأديب، أحد أئمة الحديث. قرأ القراءات، وعني بالأثر، وبرع في البلاغة والنظم والنثر. وكان ذا جلالة ورئاسة. قتله صاحب تونس ظلما في العشرين من المحرّم، وله ثلاث وستون سنة. وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجمّاعيلي الحنبلي [2] . سمع من محمد بن حمزة بن أبي الصقر، وعبد الرزاق النجّار، ويحيى الثّقفي، وغيرهم. وكان آخر من روى بالإجازة عن شهدة، وهو شيخ صالح متعفف، تال لكتاب الله تعالى، يؤمّ بمسجد ساوية [3] من عمل نابلس، فاستشهد على يد التتار في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين. قاله الذهبي. وفيها الملك الكامل ناصر الدّين محمد بن الملك المظفّر شهاب الدّين غازي بن العادل [4] ، صاحب ميّافارقين. ملك سنة خمس وأربعين وستمائة، وكان عالما، فاضلا، شجاعا، عادلا، محسنا إلى الرعية. ذا عبادة وورع، ولم يكن في بيته من يضاهيه، حاصرته التتار عشرين شهرا حتى فني أهل البلد بالوباء والقحط، ثم دخلوا وأسروه، فضرب هولاكو [5] عنقه بعد

_ [1] انظر «العبر» (5/ 248) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 336- 339) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) . [2] انظر «العبر» (5/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 342- 343) و «الوافي بالوفيات» (4/ 61) . [3] قال الأستاذ الفاضل محمد محمد شرّاب في كتابه القيم «معجم بلدان فلسطين» ص (442) : السّاوية: قرية تقع جنوب شرقي نابلس على بعد ثمانية عشر كيلو مترا منها. [4] انظر «العبر» (5/ 249- 250) و «الوافي بالوفيات» (4/ 306- 307) . [5] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .

أخذ حلب، وطيف برأسه، ثم علّق رأسه [1] على باب الفراديس، ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب. قال الذّهبيّ: بلغني أنّ التتار دخلوا البلد- أي ميّافارقين- فوجدوا به سبعين نفسا بعد ألوف كثيرة. وفيها الضّياء القزويني الصّوفي، أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن محمد [2] . ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بحلب، وروى عن يحيى الثّقفي. وفيها الشيخ الزّاهد الكبير أبو بكر [3] بن قوام بن علي بن قوام البالسي. كان زاهدا، عابدا، قدوة، صاحب حال وكشف وكرامات. وله زاوية وأتباع. ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتوفي في سلخ رجب من هذه السنة ببلاد حلب، ثم نقل تابوته ودفن بجبل قاسيون في أول سنة سبعين وستمائة، وقبره ظاهر يزار. قاله الذهبي. وقال غيره [4] : كان شافعيّ المذهب، أشعريّ العقيدة. ولد بمشهد صفّين، ثم انتقل إلى مدينة بالس، وصفين وبالس غربي الفرات، وببالس نشأ. وقد ألّف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ أبي

_ [1] لفظة «رأسه» لم ترد في «ط» . [2] انظر «العبر» (5/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 349- 350) . [3] كذا ذكره بكنية الذهبي في «العبر» (5/ 250) والسّبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 401- 418) واليونيني في «ذيل مرآة الزمان» (1/ 392- 411) وابن طولون في «القلائد الجوهرية» (1/ 292) . [4] يريد الحافظ السّبكي لأنه ترجم له في كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» والكلام منقول عنه.

بكر المذكور في مناقبه مؤلّفا حسنا، فمن أراد استقصاء محاسنه وكراماته فليراجعه. وفيها حسام الدّين الهذبانيّ [1] أبو علي محمد بن علي الكردي، من كبار الدولة وأجلائها. كان له اختصاص زائد بالملك الصّالح نجم الدّين، وناب في سلطنة دمشق له، ثم في سلطنة مصر. وحجّ سنة تسع وأربعين، ثم أصابه في آخر عمره صرع وتزايد به حتّى مات. ولد بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وله شعر جيّد. وفيها أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي [ثم المصري الحنبلي اللبّان [2] . سمع من عمّ جدّه عبد الله الأرتاحي] [3] ، وتفرّد بالإجازة من المبارك، وكان صالحا، متعففا. روى عنه الزّكي عبد العظيم [4] مع تقدّمه. توفي بمصر في جمادى الآخرة.

_ [1] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الهدناني» والتصحيح من «العبر» (5/ 251) مصدر ترجمته، و «النجوم الزاهرة» (7/ 93) . [2] انظر «العبر» (5/ 251) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 350) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) . [3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [4] يعني بذلك الحافظ المنذري.

سنة تسع وخمسين وستمائة

سنة تسع وخمسين وستمائة في محرّمها اجتمع خلق من التتار الذين نجوا من يوم عين جالوت، والذين كانوا بالجزيرة، فأغاروا على حلب، ثم ساقوا إلى حمص، لما بلغهم مصرع الملك المظفّر، فصادفوا على حمص حسام الدّين الجو كندار، والمنصور صاحب حماة، والأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة، والتتار في ستة آلاف، فالتقوهم، وحمل المسلمون حملة صادقة، فكان النّصر، ووضعوا السيف في الكفّار قتلا، حتّى أبادوا أكثرهم، وهرب مقدّمهم بيدرا [1] بأسوإ حال، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد. وأما دمشق فإنّ الحلبيّ دخل القلعة، فنازله عسكر مصر، وبرز إليهم وقاتلهم، ثم ردّ، فلما كان في اللّيل هرب وقصد قلعة بعلبك فعصى بها، فقدم علاء الدّين طيبرس [2] الوزيري، وقبض على الحلبيّ من بعلبك وقيّده، فحبسه الملك الظّاهر بيبرس مدة طويلة. وفي رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظّاهر محمد بن النّاصر لدين الله العبّاسي الأسود، وفوّض الأمور إلى الملك الظّاهر بيبرس، ثم قدما دمشق، فعزل عن القضاء نجم الدّين بن سني [الدولة، با] بن خلّكان [3] . ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها.

_ [1] في «آ» و «ط» : «بندرا» وما أثبته من «العبر» (5/ 252) و «دول الإسلام» (2/ 165) . [2] في «آ» و «ط» : «طبرس» وفي «العبر» طبع بيروت: «قيبرس» والتصحيح من «العبر» و «عقد الجمان» (1/ 291) . [3] ما بين الحاصرتين استدركته من «العبر» مصدر المؤلف.

وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبجا [1] . والمستنصر هو أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن الظّاهر بأمر الله بن النّاصر لدين الله [2] . كان محبوسا ببغداد، حبسه التتار، فلما أطلقوه التجأ لعرب العراق، فأحضروه إلى مصر، فتلقاه السلطان بيبرس، والمسلمون، واليهود، والنصارى، ودخل من باب النّصر. وكان يوما مشهودا. وقرئ نسبه بحضرة القضاة، وشهد بصبحته، وحكم به، وبويع. بايعه القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعز، ثم بايعه الملك الظّاهر بيبرس، والشيخ عز الدّين بن عبد السلام، ثم الكبار على مراتبهم، وذلك في ثالث عشر رجب. ونقش اسمه على السّكة، وخطب له. ولقّب بلقب أخيه. وكان شديد القوى، عنده شجاعة وإقدام، وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العبّاس، رحمه الله تعالى. وفيها توفي الأرتاحي أبو العبّاس أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري المقرئ الحنبلي [3] . قرأ القراءات على والده، وسمع من جدّه لأمّه أبي عبد الله الأرتاحي، وابن ياسين، والبوصيري. ولازم الحافظ عبد الغني [4] فأكثر عنه، وتوفي في رجب.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (179/ ب) : «قبجا» وفي «العبر» : «فنجا» وفي النصّ اضطراب عندهما والله أعلم. قارن بما عند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (23/ 171) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص (261) . [2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 168- 171) و «تاريخ الخلفاء» ص (476- 477) . [3] انظر «العبر» (5/ 253) و «الوافي بالوفيات» (6/ 300) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 273- 274) . [4] يعني المقدسي. انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 444) .

وفيها إبراهيم بن سهل الإشبيلي [1] . شاعر زمانه بالأندلس. غرق في البحر. وفيها الصّفيّ بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني الكاتب [2] . ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وكان متمولا، وافر الحرمة. وزر مرّة، وتوفي بمصر في ذي القعدة. وفيها مخلص الدّين إسماعيل بن قرناص الحموي [3] . كان فقيها، عالما، فاضلا، شاعرا. من شعره: أما والله لو شقّت قلوب ... ليعلم ما بها من فرط حبّي لأرضاك الذي لك في فؤادي ... وأرضاني رضاك بشقّ قلبي وفيها شرف الدّين أبو محمد حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الصّالحي الفقيه الحنبلي [4] . ولد سنة خمس وستمائة، وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وجماعة بعده، وتفقه على الشيخ الموفق، وبرع وأفتى، ودرّس بالجوزية مدة. قال أبو شامة: كان رجلا خيّرا. توفي ليلة ثامن المحرّم [5] بدمشق ودفن بالجبل.

_ [1] في «ط» : «الإشبيلي اليهودي» وانظر ترجمته ومصادرها في «الوافي بالوفيات» (6/ 5- 11) . [2] انظر «العبر» (5/ 253) و «ذيل مرآة الزّمان» (1/ 472- 473) . [3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 473) . [4] انظر «ذيل الروضتين» ص (211) و «العبر» (5/ 253- 254) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 273) . [5] عند أبي شامة: «يوم تاسوعاء» .

وفيها الباخرزي- بالموحدة، وفتح الخاء المعجمة، وسكون الراء، ثم زاي، نسبة إلى باخرز من نواحي نيسابور- الإمام القدوة، الحافظ العارف، سيف الدّين أبو المعالي، سعيد بن المطهّر [1] ، صاحب الشيخ نجم الدّين الكبرى. كان إماما في السّنّة، رأسا في التصوف. روى عن نجم الدّين بن الجناب [2] ، وعلي بن محمد الموصلي، و [أبي] رشيد الغزّال [3] ، وخرّج أربعين حديثا. وفيها الشّارعي العالم الواعظ جمال الدّين عثمان بن مكّي بن عثمان ابن إسماعيل السّعدي الشّافعي [4] . سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم المقدسي، والبوصيري، وطبقتهما. وكان صالحا، متفننا، جليلا، مشهورا. توفي في ربيع الآخر. وفيها صاحب صهيون مظفّر الدّين عثمان بن منكورس [5] . تملّك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة، وكان حازما، سايسا، ومهيبا. عمّر تسعين سنة، ودفن بقلعة صهيون، وتملّك بعده ابنه سيف الدّين محمد. وفيها الملك الظّاهر غازي [6] شقيق السلطان الملك النّاصر يوسف،

_ [1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 363- 370) و «العبر» (5/ 254) و «الوافي بالوفيات» (15/ 262) و «مرآة الجنان» (4/ 151) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن الحباب» والتصحيح من «السير» و «العبر» . [3] في «آ» و «ط» : و «رشيد الغزالي» والتصحيح من «العبر» و «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين الدمشقي (180/ آ) . [4] انظر «العبر» (5/ 351) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 351- 352) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205) . [5] في «آ» : «مبكروس» وفي «ط» : «منكروس» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «العبر» (5/ 254) و «النجوم الزاهرة» (7/ 206) . [6] انظر «العبر» (5/ 255) و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (7/ 206) .

وأمّهما تركية. كان مليح الصّورة، شجاعا، جوادا. قتل مع أخيه بين يدي هولاكو [1] . وفيها ابن سيّد النّاس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الإشبيلي [2] . ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وعني بالحديث فأكثر، وحصّل الأصول لنفسه، وختم به معرفة الحديث بالمغرب. توفي بتونس في رجب. وفيها الصائن النّعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصّوفي [3] . ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمّه هبة الله بن رمضان، وظاعن الزّبيري. وأجاز له وفاء بن اليمني [4] ، وابن شاتيل، وطائفة. وله «مشيخة» . توفي في رجب. وفيها المتّيجي- بفتح الميم، وكسر التاء المثناة فوق المشددة، وتحتية، وجيم، نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية- محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدّين الإسكندراني [5] ، الفقيه المالكي المحدّث، الرجل الصّالح. أحد من عني بالحديث، وروى عن عبد الرحمن بن موقّى [6]

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] انظر «العبر» (5/ 255) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «الوافي بالوفيات» (2/ 121- 122) . [3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 471) و «العبر» (5/ 255) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 343- 344) . [4] كذا في «ط» و «العبر» : طبع بيروت: «ابن اليمني» وفي «آ» : «ابن اليمن» ولم يرد اسمه في «العبر» طبع الكويت، وفي «سير أعلام النبلاء» «وفاء بن البهي» . [5] انظر «العبر» (5/ 255- 256) و «الوافي بالوفيات» (3/ 358) و «حسن المحاضرة» (1/ 379- 380) . [6] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 392- 393) .

فمن بعده، وكتب الكثير، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها ابن درباس، القاضي كمال الدّين أبو حامد محمد بن قاضي القضاة صدر الدّين عبد الملك المارانيّ المصريّ الشّافعي [1] الضّرير. ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، فأجاز له السّلفي، وسمع من البوصيري، والقاسم بن عساكر، ودرّس وأفتى واشتغل، وجالس الملوك، وتوفي في شوال. وفيها مكّي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزّبيدي المقدسي ثم العقرباني [2] . أجاز له عبد الرزاق النّجار، وسمع من الخشوعي وغيره، ومات في شوال. وفيها الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن العزيز محمد بن الظّاهر غازي بن السّلطان صلاح الدّين [3] ، صاحب الشام. ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين، ودبّر المملكة شمس الدّين لؤلؤ، والأمر كلّه راجع إلى جدّته الصّاحبة صفية ابنة العادل، ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته، فلما ماتت سنة أربعين اشتد النّاصر واشتغل عنه الكامل بعمّه [4] الصّالح، ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين، ثم سار هو وتملّك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 352- 353) و «الوافي بالوفيات» (4/ 43) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205) . [2] انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 344) . [3] انظر «العبر» (5/ 256- 257) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 204- 206) و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205- 206) و «الأعلام» (8/ 249- 250) . [4] في «آ» و «ط» : «لعمّه» وما أثبته من «العبر» .

فوليها عشر سنين، وفي سنة اثنتين وخمسين [1] دخل بابنة السّلطان علاء الدّين صاحب الرّوم، وهي بنت خالة أبيه العزيز. وكان حليما، جوادا، موطّأ الأكناف، حسن الأخلاق، محببا إلى الرّعية، فيه عدل في الجملة، وقلة جور وصفح. وكان الناس معه في بلهنية من العيش، لكن مع إدارة الخمر والفواحش. وكان للشعراء دولة بأيّامه، لأنه كان يقول بالشعر ويجيز عليه. ومجلسه مجلس ندماء وأدباء. خدع وعمل عليه حتّى وقع في قبضة التتار، فذهبوا به إلى هولاكو [2] فأكرمه، فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمّر وأمر بقتله، فتذلّل له، وقال: ما ذنبي؟ فأمسك عن قتله، فلما بلغه كسرة بيدرا [3] على حمص استشاط غضبا وأمر بقتله وقتل أخيه الظّاهر، وقيل: بل قتله في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمانية، وكان أبيض، حسن الشّكل. قاله الذهبي. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : قتل معه جميع أتباعه وأقاربه، ومن جملتهم أخوه الملك الظّاهر غازي وولده العزيز، وهو- أي النّاصر- آخر ملوك بني أيوب [4] . وبني بدمشق داخل باب الفراديس مدرسة في غاية الحسن، ووقف عليها أوقافا جليلة، وبنى بجبل الصّالحية رباطا وتربة، وهي عمارة عظيمة، ما عمر مثلها. أحضر لها من حلب من الرّخام والأحجار شيئا كثيرا، وغرم عليها أموالا عظيمة، ونهر يزيد جار فيها.

_ [1] لفظة «وخمسين» سقطت من «ط» . [2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [3] في «آ» و «ط» : «بندرا» والتصحيح من هامش «آ» و «العبر» وأثبت في هامش «آ» أيضا بخط مغاير: «وهو ملك التتار» . [4] جاء في هامش «آ» بخط مغاير ما نصه: قوله: «وهو آخر ملوك بني أيوب» هذا غلط وذهول، فإنه سيأتي في هذا الكتاب ترجمة جماعة من ملوك بني أيوب، كالمغيث، والأمجد، والمنصور، فكيف يكون آخرهم؟.

وفيها توفي نور الدولة علي [بن يوسف] بن أبي المكارم المصري العطّار [1] الأديب الفاضل الشّاعر المجيد. من نظمه لغزّ في كوز الزّير [2] : وذي أذن بلا سمع ... له جسم [3] بلا قلب إذا استولى على صبّ [4] ... فقل ما شئت في الصّبّ

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 131) و «عيون التواريخ» (20/ 263- 264) و «النجوم الزاهرة» (7/ 202- 203) وما بين الحاصرتين مستدرك منها. [2] وجاء بين البيتين بيت ثالث في «النجوم الزاهرة» هو: مدى الأيّام في خفض ... وفي رفع وفي نصب [3] في «ذيل مرآة الزّمان» و «النجوم الزاهرة» : «له قلب» . [4] في «النجوم الزاهرة» : «إذا استولى على الحبّ» .

سنة ستين وستمائة

سنة ستين وستمائة في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر، وطمّنوا النّاس، وخرّبوا السّور، ثم بذلوا السيف تسعة أيام، وأبقوا [على] صاحبها الملك الصّالح إسماعيل أيّاما ثم قتلوه، وقتلوا ولده علاء الدّين الملك [1] . وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق، وابن عمّه هولاكو [2] . وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري [3] ، أخو شيخ الشيوخ، صاحب حماة. روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره. وفيها العزّ الضّرير الفيلسوف الرّافضيّ، حسن بن محمد [4] بن أحمد ابن نجا الإربلي [5] . كان بصيرا بالعربية، رأسا في العقليات. كان يقرئ المسلمين والذّمّة بمنزله، وله حرمة وهيبة، مع فساد عقيدته، وتركه الصّلوات، ووساخة هيئته. قاله الذهبي.

_ [1] لفظة «الملك» لم ترد في «العبر» مصدر المؤلّف ولفظة «على» مستدركة منه. [2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» : «هلاوو» والذي أثبته هو المتعارف عليه، وانظر التعليق على «سير أعلام النبلاء» (23/ 206) . [3] انظر «العبر» (5/ 258) . [4] في «آ» و «ط» : «حسين بن محمد» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة. [5] انظر «العبر» (5/ 259- 260) و «نكت الهميان» ص (142- 144) و «البداية والنهاية» (13/ 235) .

وقال غيره: كان الناس يقرؤون عليه علم الأوائل، وتتردد إليه أهل الملل [1] جميعها، مسلمها ومبتدعها، والشيعة، واليهود، والنصارى، والسّامرة. وكان ذكيا، فصيحا، أديبا، فاضلا في سائر العلوم. وكان الملك النّاصر يكرمه ولا يردّ شفاعته. ومن نظمه في السّلوان: ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى ... وتغيّرت أحواله وتنكّرا وسلوت حتّى لو سرى من نحوكم ... طيف لما حيّاه طيفي في الكرى وله: توهّم [2] واشينا بليل [3] مزاره ... فهمّ ليسعى بيننا بالتباعد فعانقته حتّى اتّحدنا تعانقا ... فلما أتانا ما رأى غير واحد قال ابن العديم [4] : لما سمع هذين البيتين: مسكه مسكة أعمى. توفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة. وفيها عزّ الدّين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السّلام ابن أبي القاسم بن الحسن، الإمام العلّامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، السّلميّ الدمشقيّ ثم المصريّ الشّافعي [5] . ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، وحضر [أحمد بن] حمزة بن

_ [1] لفظة «أهل» سقطت من «آ» ولفظة «الملل» تحرفت في «ط» إلى «الملك» . [2] جاء في «مختار الصحاح» (وهم) : توهّم: أي ظنّ. [3] في «آ» و «ط» : «قليل» والتصحيح من «نكت الهميان» . [4] في «آ» : «ابن العميد» . [5] انظر «العبر» (5/ 260) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «الوافي بالوفيات» (18/ 520- 522) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 209- 255) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 197- 199) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 137- 140) .

الموازييني. وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد، والقاسم بن عساكر، وجماعة. وتفقه على فخر الدّين بن عساكر، والقاضي جمال الدّين بن الحرستاني. وقرأ الأصول على الآمدي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، واختلاف أقوال الناس، ومآخذهم. وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنّف التصانيف المفيدة، وروى عنه الدّمياطي وخرّج له أربعين حديثا، وابن دقيق العيد، وهو الذي لقّبه بسلطان [1] العلماء، وخلق غيرهما. ورحل إلى بغداد فأقام بها أشهرا. هذا مع الزّهد، والورع، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والصّلابة في الدّين. وقد ولي الخطابة بدمشق، فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا، ولا سجع خطبته، [بل] كان يقولها مترسلا، واجتنب الثناء على الملوك، بل كان يدعو لهم، وأبطل صلاة الرغائب والنّصف [2] فوقع بينه وبين ابن الصّلاح بسبب ذلك. [ولم يكن يؤذن بين يديه يوم الجمعة إلّا مؤذن واحد] [3] . ولما سلّم الصالح إسماعيل قلعة الشّقيف وصفد للفرنج، نال منه الشيخ على المنبر، ولم يدع له. فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه. فتوجه إلى مصر، فتلقاه صاحب مصر الصّالح أيوب وأكرمه، وفوّض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي، مع خطابة جامع مصر، فأقام

_ [1] في «آ» و «ط» : «سلطان» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف. [2] جاء في حاشية «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة ما نصه: «قال الذهبيّ: كانوا دبر الصلاة يقولون: إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. 33: 56 فأمرهم أن يقولوا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... الحديث» . [3] ما بين الحاصرتين زيادة من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.

بالمنصب أتمّ قيام، وتمكن من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ثم عزل نفسه من القضاء، وعزله السّلطان من الخطابة، فلزم بيته يشغل النّاس ويدرّس. وأخذ في التفسير في دروسه [1] ، وهو أول من أخذه في الدروس. وقال الشيخ قطب الدّين اليونيني: كان مع شدته، فيه حسن محاضرة بالنّوادر والأشعار. وقال الشريف عز الدّين: كان علم عصره في العلم، جامعا لفنون متعددة، مضافا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف، مع الصّلابة في الدّين، وشهرته تغني عن الإطناب في وصفه. وقال ابن شهبة: ترجمة الشيخ طويلة، وحكاياته في قيامه على الظّلمة وردعهم كثيرة مشهورة، وله مكاشفات. وقال الذهبي: كان يحضر السماع ويرقص. توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة، وحضر جنازته الخاصّ والعام، السلطان فمن دونه، ودفن بالقرافة في آخرها. ولما بلغ السلطان خبر موته قال: لم يستقر ملكي إلّا السّاعة، لأنه لو أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره. وفيها التّاج [2] عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر [3] . سمع الكثير من الخشوعي وطبقته، وولي مشيخة النّورية بعد والده، وحجّ. فزار ولده أمين الدّين عبد الصمد، وجاور قليلا، ثم توفي في جمادى الأولى بمكّة.

_ [1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «دروسه» وفي «آ» : «درسه» . [2] لفظة «التاج» سقطت من «آ» . [3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 176) و «العبر» (5/ 260- 261) و «عيون التواريخ» (20/ 274) .

وفيها نقيب الأشراف بهاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجنّ [1] . سمع حضورا، وله أربع سنين من يحيى الثّقفي، وابن صدقة، وتوفي في رجب. وفيها ابن العديم الصّاحب العلّامة كمال الدّين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي [2] . من بيت القضاء والحشمة. ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة، وسمع من ابن طبرزد، وبدمشق من الكندي، وببغداد، والقدس، والنّواحي. وأجاز له المؤيد وخلق. وكان قليل المثل، عديم النّظير فضلا ونبلا، ورأيا وحزما، وذكاء وبهاء، وكتابة وبلاغة. درّس وأفتى وصنّف، وجمع «تاريخا» لحلب في نحو ثلاثين مجلدا [3] . وولي خمسة من أيّامه على نسق القضاء، وقد ناب في سلطنة دمشق، وعلّم عن الملك النّاصر. وكان خطّه في غاية الحسن. باع النّاس منه شيئا كثيرا على أنه خطّ ابن البواب. وكانت له معرفة تامة بالحديث، والتاريخ، وأيّام الناس. وكان حسن الظنّ بالفقراء والصالحين.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) . [2] انظر «معجم الأدباء» (16/ 5- 57) و «العبر» (5/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ، ص (276) و «فوات الوفيات» (3/ 126- 129) و «البداية والنهاية» (13/ 236) و «النجوم. الزّاهرة» (7/ 208- 210) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 466) و «درّ الحبب» (1/ 10) . [3] قلت: وسمّاه «بغية الطلب في تاريخ حلب» قال ابن شاكر الكتبي: أدركته المنية قبل إكمال تبييضه واختصره في كتاب آخر سمّاه: «زبدة الحلب في تاريخ حلب» وقد طبع المجلد الأول من «المختصر» ذكر ذلك العلّامة الزركلي في «الأعلام» (5/ 40) . وقال ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» : وذيّل عليه- يعني على «بغية الطلب» - القاضي علاء الدّين ابن خطيب النّاصرية، قاضي القضاة الشافعية بحلب ذيلا إلا أنه قصير إلى الرّكبة، وقفت عليه فلم أجده جال حول الحمى، ولا سلك فيه مسلك المذيّل عليه من الشروط، إلّا أنّه أخذ علم التاريخ بقوة الفقه، على أنه كان من الفضلاء العلماء، ولكنه ليس من خيل هذا الميدان، وكان يقال في الأمثال: من مدح بما ليس فيه، فقد تعرّض للضّحكة.

ومن شعره من أبيات: فيا عجبا [1] من ريقه وهو طاهر ... حلال وقد أضحى عليّ محرّما هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ... ولذّته مع أنّني لم أذقهما سألزم نفسي الصّفح عن كلّ من جنى ... عليّ وأعفو عفّة وتكرّما وأجعل مالي دون عرضي وقاية ... ولو لم يغادر ذاك عندي درهما وقائلة يا ابن العديم إلى متى ... تجود بما تحوي ستصبح معدما فقلت لها عنّي إليك فإنّني ... رأيت خيار النّاس من كان منعما أبي اللؤم، لي أصل كريم وأسرة ... عقيلته سنو النّدى والتّكرّما توفي- رحمه الله تعالى- بمصر في العشرين من جمادى الأولى، ودفن بسفح المقطّم. وفيها الضّياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الرّوح التّغلبي المصري القرافي الشّافعي [2] . آخر من روى «صحيح البخاري» عن منجب المرشدي مولى مرشد الدّين [3] . توفي في رمضان عن تسعين سنة. وفيها الشّمس الصّقليّ أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدّمشقي [4] الدّلال في الأملاك. سمع من ابن صدقة الحرّاني، وأبي الفتح المندائي [5] ، وقرأ الختمة على أبي الجود. ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وتوفي في أواخر صفر.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (181/ آ) : «فيا عجبا» وفي «فوات الوفيات: فوا عجبا» . [2] انظر «العبر» (5/ 261- 262) و «النجوم الزاهرة» (7/ 210) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) وقد تصحفت «التغلبي» فيه إلى «الثعلبي» فتصحح. [3] ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (21/ 125) فليراجع. [4] انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (3/ 127) . [5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المندلي» والتصحيح من «العبر» ومن ترجمته في ص (33) من هذا المجلد.

وفيها ابن عرق الموت، أبو بكر محمد بن فتّوح بن خلّوف بن يخلف بن مصال الهمداني الإسكندراني [1] . سمع من التّاج المسعودي، وابن موقا، وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار، وتفرّد عن جماعة. توفي في جمادى الأولى. وفيها ابن زيلاق [2] ، الشّاعر المشهور الأجلّ محيى الدّين محمد بن يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العبّاسي [3] الكاتب. كان شاعرا، مجيدا، حسن المعاني. من شعره: بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنا ... سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا وأبرزت وجها أخجل [4] البدر طالعا ... ومست بقدّ علّم الهيف الغصنا وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا ... فحاكاه لكن زاد في دقّة المعنى قتلته التتار بالموصل حين تملّكوها. وفيها أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري [5] . روى عن البوصيري وجماعة، وتوفي في المحرّم.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (4/ 314- 315) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) . [2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ابن زبلاق» فتصحح. [3] انظر «العبر» (5/ 262) و «فوات الوفيات» (4/ 384- 395) و «البداية والنهاية» (13/ 236) و «الأعلام» (4/ 259) . [4] في «فوات الوفيات» : «يخجل» . [5] انظر «العبر» (5/ 262) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .

سنة إحدى وستين وستمائة

سنة إحدى وستين وستمائة في ثامن المحرّم عقد مجلس عظيم للبيعة، وجلس الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد بن الأمير أبي علي بن أبي بكر بن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر العبّاسيّ [1] ، فأقبل عليه الملك الظّاهر بيبرس البندقداري ومدّ يده إليه وبايعه بالخلافة، ثم بايعه الأعيان، وقلّد حينئذ السلطنة للملك الظّاهر بيبرس، فلما كان من الغد، خطب بالنّاس خطبة حسنة، أولها: الحمد لله الذي أقام لآل العبّاس ركنا وظهيرا. ثم كتب بدعوته وإمامته إلى الأقطار، وبقي في الخلافة أربعين سنة وأشهرا، وهو التاسع والثلاثون من بني العباس. وفيها خرج الظّاهر إلى الشّام، وتحيّل على صاحب الكرك الملك المغيث، حتّى نزل إليه، فكان آخر العهد به، لأنه كان كاتب هولاكو [2] ، على أن يأخذ له مصر، وطلب منه عشرين ألف فارس، وأخرج كتبه بمصر وقرأها على العلماء، فأفتوا بعدم إبقاء من هذا فعله. وفيها وصل كرمون المقدّم في طائفة كبيرة من التتار قد أسلموا، فأنعم عليهم الملك الظاهر.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 263) و «تاريخ الخلفاء» ص (478- 479) . [2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .

وفيها راسل بركة الملك الظّاهر، ثم كانت وقعة هائلة بين بركة وبين ابن عمّه هولاكو [1] ، فانهزم هولاكو [1] ولله الحمد، وقتل خلق من رجاله وغرق خلق. وفيها توفي الحسن بن علي بن منتصر أبو علي الفاسي [2] ثم الإسكندراني الكتبي [3] ، آخر أصحاب عبد المجيد [بن الحسين] بن دليل [4] . توفي في ربيع الآخر. وفيها أبو الرّبيع سليمان بن خليل العسقلاني [5] ، الفقيه الشافعي، خطيب الحرم، سبط عمر بن عبد المجيد الميانشيّ [6] . روى عن زاهر بن رستم وغيره، وتوفي في المحرّم. وفيها الرّسعني- بفتح الراء، والعين المهملة، وسكون السين المهملة، نسبة إلى رأس عين، مدينة بالجزيرة- العلّامة عز الدّين عبد الرزّاق بن رزق الله بن أبي بكر [7] . المحدّث المفسّر الحنبليّ. ولد سنة تسع وثمانين [وخمسمائة] ، وسمع بدمشق من الكندي،

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] في «حسن المحاضرة» : «الفارسي» . [3] انظر «العبر» (5/ 264) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) . [4] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 125) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [5] انظر «العبر» (5/ 264) و «العقد الثمين» (4/ 603) و «غربال الزّمان» ص (542) . [6] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «الميانسي» بالسين المهملة والتصحيح من ترجمته في المجلد السادس صفحة (446) وانظر التعليق عليه هناك، وتحرفت «عبد المجيد» في «غربال الزمان» إلى «عبد الحميد» فتصحح من هنا ومن حاشيته. [7] انظر «العبر» (5/ 264) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 274- 276) و «النجوم الزاهرة» (7/ 211- 212) و «طبقات المفسرين» (1/ 293- 295) .

وببغداد من ابن منينا، وصنّف تفسيرا جيدا. وكان شيخ الجزيرة في زمانه، علما، وفضلا، وجلالة. قاله في «العبر» . وقال ابن رجب: ولد برأس عين الخابور، وسمع بالبلدان المتعددة، وتفقه على الشيخ موفق الدّين، وحفظ كتابه «المقنع» وتفنّن في العلوم العقلية والنقلية، وعدّة الذّهبيّ من الحفّاظ، وولي مشيخة دار الحديث بالموصل، وكانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة، وصنّف تفسيرا حسنا في أربع مجلدات ضخمة، سمّاه «رموز الكنّوز» وكتاب «مصرع الحسين» ألزمه بتصنيفه صاحب الموصل، فكتب فيه ما صحّ من المقتل دون غيره، وكان متمسكا بالسّنّة والآثار، وله نظم حسن، منه: وكنت أظنّ في مصر بحارا ... إذا أنا جئتها أجد الورودا فما ألفيتها إلّا سرابا ... فحينئذ تيمّمت الصّعيدا وقال الذهبي: توفي بسنجار ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة. وفيها عزّ الدّين أبو محمد وأبو القاسم وأبو الفرج، الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن شرف المقدسي [1] المحدّث الحنبلي. ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة، وحضر على أبي حفص بن طبرزد. وسمع من الكندي وطبقته، وارتحل إلى بغداد، فسمع من الفتح بن عبد السلام وطائفة، ثم إلى مصر. وكتب الكثير، وعني بالحديث. وتفقه على الشيخ الموفق. وكان فاضلا، صالحا، ثقة، انتفع به جماعة، وحدّث. توفي في نصف ذي الحجّة، ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 218- 219) و «العبر» (5/ 265) و «الوافي بالوفيات» (18/ 240) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 276- 277) .

وفيها النّاشري، المقرئ البارع، تقيّ الدّين عبد الرحمن بن مرهف المصري [1] . قرأ القراءات على أبي الجود، وتصدّر للإقراء، وبعد صيته، وتوفي في شوال عن نيّف وثمانين سنة. وفيها ابن بنين أثير الدّين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري الشّافعي القبّاني النّاسخ [2] . ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من عشير [بن علي] الجبليّ [3] ، فكان آخر أصحابه. وسمع من طائفة غيره، وأجاز له عبد الله بن برّي، وعبد الرّحمن [بن محمد] السّبييّ [4] ، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر، مع صلاح وسكون. توفي في ثالث ربيع الآخر. وفيها علي بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدّمشقي الحنبلي [5] . روى عن الخشوعي وغيره، وتوفي في رجب، وكان مباركا خيّرا. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 265) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 659) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «غاية النهاية» (1/ 379- 380) و «النجوم الزاهرة» (7/ 212) . [2] انظر «العبر» (5/ 265- 266) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و «النجوم الزاهرة» (7/ 212) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) . [3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الجبل» وفي «حسن المحاضرة» إلى «الحنبلي» والتصحيح من «التكملة لوفيات النقلة» (1/ 104) و «سير أعلام النبلاء» (21/ 172) وما بين الحاصرتين زيادة منهما، ومن «العبر» ولم يقيّد محقّقه نسبته. قال المنذري: والجبليّ: بفتح الجيم والباء الموحدة المفتوحة وأظنّه منسوبا إلى جبلة، البلدة المشهورة بساحل الشام. [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الشيي» والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (21/ 130) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [5] انظر «العبر» (5/ 266) .

وفيها الكمال الضّرير، شيخ القراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم ابن علي الهاشمي العبّاسي المصري الشافعي [1] ، صاحب الشاطبي وزوج بنته. ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على الشّاطبي، وشجاع المدلجي، وأبي الجود [2] وسمع من البوصيري وطائفة، وتصدّر للإقراء دهرا، وانتهت إليه رئاسة الإقراء. وكان إماما يجري في فنون من العلم وفيه تودّد وتواضع ولين ومروءة تامّة. توفي في سابع ذي الحجّة. وفيها العلم أبو القاسم، والأصح أبو محمد، القاسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللّورقي [3]- بفتحتين وسكون الراء، نسبة إلى لورقة، بلدة بالأندلس- المقرئ النّحوي المتكلم، شيخ القراء بالشّام. ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وقرأ القراءات على ثلاثة من أصحاب ابن هذيل، ثم قرأها على أبي الجود. ثم على الكندي، وسمع ببغداد من ابن الأخضر. وكان عارفا بالكلام، والأصلين، والعربية. أقرأ، واشتغل مدّة، وصنّف التصانيف، ودرّس بالعزيزية نيابة، وولي مشيخة الإقراء والنّحو بالعادلية، وتوفي في سابع رجب وقد شرح «الشاطبية» . قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 266) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 657- 659) و «غاية النهاية» (1/ 544- 545) و «حسن المحاضرة» (1/ 501- 502) . [2] هو غياث بن فارس اللّخمي، مقرئ الدّيار المصرية. تقدمت ترجمته في وفيات سنة (605) ص (33) من هذا المجلد فراجعها. [3] انظر «العبر» (5/ 266- 267) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 660- 661) و «نفح الطيب» (2/ 137) بتحقيق الدكتور إحسان عباس.

سنة اثنتين وستين وستمائة

سنة اثنتين وستين وستمائة فيها انتهت عمارة المدرسة الظّاهرية بين القصرين بمصر، ورتّب في تدريس الإيوان القبلي القاضي تقيّ الدّين محمد بن رزين، وفي الإيوان الشمالي مجد الدّين بن العديم، وفي الإيوان الشّرقي فخر الدّين الدّمياطي في تدريس الحديث، وفي الغرب كمال الدّين المحلّي. وفي جمادى الآخرة وصل الخبر بأن امرأة عجوزا من الحسينية عندها امرأتان تجيب لهم شبابا فيثور عليهم رجال عندها فيقتلونهم ويعطوهم لوقّاد الحمّام يحرقهم، وإذا كثر القتلى يعطوهم لملاح يغرّقهم، وكان والي الحسينية شريكهم، فحسب الذين قتلوا فكانوا خمسمائة نسمة، فأمر السلطان أن يسمّروا جميعا في الحسينية. وفيها اشتدّ الغلاء بالقاهرة، حتّى بيع الإردبّ [1] القمح بمائة وخمسين دينارا، ففرّق الملك الظّاهر الصّعاليك على الأغنياء والأمراء، وألزمهم بإطعامهم. وفيها أحضر إلى بين يدي الظّاهر طفل ميّت له رأسان وأربعة أعين وأربعة أيدي، وأربعة أرجل.

_ [1] جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 13) : الإردبّ: مكيال يسع أربعة وعشرين صاعا.

وذكر محيي الدّين بن عبد الظّاهر أن بعض أهل قوص وجد في حفرة فلوسا كثيرة وعلى كل فلس منها صورة ملك واقف في يده اليمنى ميزان وفي يده اليّسرى سيف، وعلى الوجه الثاني رأس مصور بآذان وعيون كثيرة مفتوحة، وبدائر الفلوس سطور. واتفق حضور جماعة من الرّهبان فيهم راهب عالم بلسان اليونان، فقرأ ما على الفلس، فكان تاريخه إلى ذلك الوقت ألفي سنة وثلاثمائة سنة، وكتابته أنا غلياث الملك، ميزان العدل، والكرم في يميني لمن أطاع، والسيف في شمالي لمن عصى، وفي الوجه الآخر أنا غلياث الملك أذني مفتوحة لسماع كلمة المظلوم، وعيني مفتوحة أنظر بها مصالح ملكي. وفيها توفي قاضي حلب كمال الدّين أحمد بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الله بن عبد الرحمن بن الأستاذ الأسدي الشّافعي، المعروف بابن الأستاذ [1] ، وهو لقب جدّ والده عبد الله بن علوان. ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، وسمع من جماعة، واشتغل في المذهب، وبرع في العلوم والحديث، وأفتى ودرّس. وولي القضاء بحلب في الدولتين النّاصرية والظّاهرية. قال الذهبي: وكان صدرا معظّما، وافر الحرمة، مجموع الفضائل، صاحب رئاسة ومكارم وأفضال وسؤدد. وولي القضاء [2] مدّة فحمدت سيرته، وروى عنه أبو محمد الدّمياطي. وكان يدعو له لما أولاه من الإحسان. انتهى.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 267) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 17- 18) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 144- 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 162- 163) و «السلوك لمعرفة دول المملوك» (1/ 2/ 523) و «النجوم الزاهرة» (7/ 214) . [2] في «آ» و «ط» : «القضاء» وما أثبته هو الصواب.

ومن تصانيفه «شرح الوسيط» في نحو عشر مجلدات، لكن عزّ وجود شيء منه، والظّاهر أنه عدم في فتنة التتار بحلب، فإنه أصيب بماله وأهله فيها، ثم أعيد إلى دولته في الدولة الظّاهرية. وقال السبكي: وله «حواش [1] على فتاوى ابن الصّلاح» تدلّ على فضل كثير [2] واستحضار للمذهب جيّد. توفي في نصف شوال. وفيها أبو الطّاهر الكتّاني إسماعيل بن صارم [3] الخيّاط العسقلاني ثم المصري [4] . روى عن البوصيري، وابن ياسين، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها الزّين الحافظي، سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني [5] الطّبيب، طبّ [6] الملك الحافظ صاحب جعبر فنسب إليه، ثم خدم الملك النّاصر يوسف فعظم عنده، وبعثه رسولا إلى التتار فباطنهم ونصح لهم، فأمّره هولاكو [7] ، وصار تتريا خائنا للمسلمين، فسلّط الله عليه مخدومه، فقتل بين يديه لكونه كاتب الملك الظّاهر، وقتل معه أقاربه وخاصته، وكانوا خمسين. وفيها شيخ الشّيوخ شرف الدّين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي [8] الشّافعي الأديب. كان أبوه قاضي حماة، ويعرف بابن الرفّاء.

_ [1] في «آ» و «ط» : «حواشي» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» . [2] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «على فضل كبير» . [3] في «آ» و «ط» : «إسماعيل بن سالم» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1443) و «الوافي بالوفيات» (9/ 121) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) . [5] انظر «العبر» (5/ 267- 268) . [6] انظر «لسان العرب» (طبب) . [7] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [8] انظر «العبر» (5/ 268) و «الوافي بالوفيات» (18/ 546- 556) و «الإعلام بوفيات الأعلام»

ولد هو بدمشق سنة ست وثمانين وخمسمائة، وكان مفرط الذّكاء. ورحل به أبوه، فسمع من ابن كليب «جزء ابن عرفة» ومن أبي المجد «المسند» كلّه. وله محفوظات كثيرة، وفضائل شهيرة، وحرمة وجلالة ولين جانب، يكرم من يعرف ومن لا يعرف. مات بحماة، ودفن بظاهرها في ثامن رمضان بتربة كان أعدّها له. ومن شعره قوله: سبى فؤادي فتّان الجمال إذا ... طلبت شبها له في النّاس لم أصب قرأت خطّ عذاريه فأطمعني ... بواو عطف ووصل منه عن كثب وأعربت لي نون الصّدغ معجمة ... بالحال عن نجح مقصودي وعن طلبي [1] حتّى رنا فسبت قلبي لواحظه ... والسّيف أصدق إنباء من الكتب [2] لم أنس ليلة طافت بي عواطفه ... فزارني طيفه صدقا بلا كذب حيّا بما شئت من ورد بوجنته ... نهبته بابتسامي وهو منتهبي نشوان أسأل عن قلبي فينكره ... تيها ويسأل عنّي وهو أعرف بي وكلّما قال ممن أنت قلت له ... ممّن إذا عشقوا جاءوك بالعجب لا تسألوا حبّكم عن حبّه فله ... من الإضافة ما يغني عن السّبب وراقبوا منه حالا غير حائلة ... عمّا عهدتم وقلبا غير منقلب وفيها العماد بن الحرستاني أبو الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدّين عبد الصّمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الشّافعي [3] .

_ ص (277) و «فوات الوفيات» (2/ 354- 363) و «النجوم الزاهرة» (7/ 214- 215) . [1] في «آ» و «ط» : «ومطلبي» وما أثبته من «الوافي بالوفيات» . [2] صدر بيت لأبي تمّام وهو في «ديوانه» وعجزه: في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب [3] انظر «العبر» (5/ 268- 269) و «السلوك» (1/ 2/ 523- 524) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) .

ولد في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي، والقاسم، وتفقه على أبيه، وأفتى وناظر، وولي قضاء الشّام بعد أبيه قليلا، ثم عزل. ودرّس بالغزالية مدّة، وخطب بدمشق. وكان من جلّة العلماء. له سمت ووقار وتواضع. وولي الدّار الأشرفية بعد ابن الصّلاح، ووليها بعده أبو شامة، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها الضّياء بن البالسي [1] أبو الحسن علي بن محمد بن علي [2] ، المحدّث الخطيب، العدل الشّروطي. ولد سنة خمس وستمائة. وسمع من ابن البنّ، وأجاز له الكندي، وعني بهذا الشأن، وكتب الكثير. وتوفي في صفر. وفيها الملك المغيث فتح الدّين عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل [3] . حبس [4] بعد موت عمّه الصالح بالكرك، فلما قتلوا ابن عمّه المعظّم، أخرجه معتمد الكرك الطّواشي وسلطنه بالكرك. وكان كريما، مبذّرا للأموال. فقلّ ما عنده، حتّى سلّم الكرك إلى صاحب مصر، ونزل إليه فخنقه. وكذا [5] خنق عمّه أباه، وعاش [6] كل منهما نحوا من ثلاثين سنة. وقال ابن شهبة في سبب موته: أن الظّاهر بيبرس أمر أيدمر الحلّي [7] نائب القاهرة أن يقتله سرّا ولا يظهر ذلك، ويدفع لقاتله ألف دينار، فطلب أيدمر رجلا شرّيرا عنده شهامة وأطلعه على ذلك، فدخل إليه فخنقه، وأخذ

_ [1] في «ط» : «البانسي» وهو خطأ. [2] انظر «العبر» (5/ 269) . [3] انظر «العبر» (5/ 269) و «النجوم الزاهرة» (7/ 215- 216) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «جلس» والتصحيح من «العبر» . [5] في «ط» : «وكذلك» . [6] تحرفت في «ط» إلى و «دباش» من غير تنقيط الباء ظنا منه بأنها نون. [7] انظر «الوافي بالوفيات» (10/ 5) .

الألف دينار [1] ، وجعل يشرب الخمر في بيته على بركة الفيل، فأخرج من الذّهب، فقال له ندماؤه: من أين لك هذا الذهب؟ فأخبرهم في حال سكره أنه قتل الملك المغيث وأعطي ألف دينار، فشاع ذلك بين النّاس، فبلغ الملك الظّاهر فعظم عليه ذلك، وأنكر على أيدمر، وطلب الرجل، فاستعاد منه ذلك الذّهب وقتله. وفيها البابشرقي [2] أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري [3] التّاجر بجيرون [4] . روى عن الخشوعي، وطائفة. وتوفي في ربيع الأول. وفيها ابن سراقة، الإمام محيي الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشّاطبي [5] ، شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة. ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم أحمد بن بقيّ، وبالعراق من أبي علي بن الجواليقي وطبقته، وله مؤلفات في التصوف. وكان أحد الأئمة المشهورين بغزارة العلم. ومن شعره: وصاحب كالزّلال يمحو ... صفاؤه الشّكّ باليقين لم يحص إلّا الجميل حتّى [6] ... كأنّه كاتب اليمين

_ [1] لفظة «دينار» سقطت من «آ» . [2] نسبة إلى الباب الشرقي لدمشق القديمة. [3] انظر «العبر» (5/ 269- 270) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) . [4] قال الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد في تعليقه على «العبر» : تطلق جيرون على المحلّة التي أمام باب الجامع الأموي الشرقي المسمى باب جيرون. وأحال على كتابه خطط دمشق. وانظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (62) و «معجم البلدان» (2/ 199) . [5] انظر «العبر» (5/ 270) و «الوافي بالوفيات» (1/ 208- 209) و «النجوم الزاهرة» (7/ 216) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) . [6] في «الوافي بالوفيات» و «النجوم الزاهرة» : «مني» .

وهذا عكس قول المنازي [1] : وصاحب خلته خليلا ... وما جرى غدره ببالي لم يحص إلّا القبيح حتّى [2] ... كأنّه كاتب الشّمال وفيها الملك الأشرف، مظفّر الدّين موسى بن المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدّين شيركوه [3] ، صاحب حمص. ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وتملّك حمص سنة أربع وأربعين، فأخذت منه سنة ستّ. ثم تملّك [4] الرّحبة. ثم سار إلى هولاكو [5] فأكرمه وأعاد إليه حمص [6] ، وولاه نيابة الشام مع كتبغا. فلما قلع الله التتار، راسل [7] الملك المظفّر فأمّنه وأقرّه على حمص. فغسل هناته بيوم حمص وكسر التتار. ونبل قدره. وكان ذا [8] حزم ودهاء وشجاعة وعقل مقداما، شجاعا. كسر التتار وكانوا في ستة آلاف، وكان هو في ألف وخمسمائة، وقتل أكثر التتار، ولم ينج منهم إلّا القليل، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد. وكان عفيفا، يحبّ العلم وأهله. توفي بحمص في صفر، فيقال سقي [9] ، وتسلّم الظّاهر بلده وحواصله.

_ [1] هو أحمد بن يوسف السّليكي المنازي. تقدمت ترجمته في وفيات سنة (437) من المجلد الخامس صفحة (173) . [2] في «الوافي بالوفيات» و «النجوم الزاهرة» : «مني» . [3] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 481) و «العبر» (5/ 270- 271) و «البداية والنهاية» (13/ 243) . و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) . [4] في «آ» و «ط» : «ثم ملك» وأثبت لفظ «العبر» مصدر المؤلف. [5] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [6] في «ط» : «وأقرّه على حمص» . [7] في «ط» : «وأرسل» . [8] تحرفت في «العبر» طبع الكويت إلى «إذ» وصححت في «العبر» طبع بيروت ووهم محققه في التعليق عليها فقال: «في «ب» (ذا) » وكان الصواب أن يكتب «إذ» كما جاء في المطبوع منه في الكويت!. [9] يعني: السّمّ.

وفيها الجوكندارا العزيز بن حسام الدّين لاجين، من أكبر أمراء دمشق. كان محبّا للفقراء، مؤثرا لراحتهم، يجمعهم على السماعات والسّماطات التي يضرب بها المثل. ويخدمهم بنفسه. توفي في المحرم كهلا. قاله في «العبر» [1] . وفيها الرّشيد العطّار الحافظ أبو الحسين، يحيى بن علي بن عبد الله ابن علي بن مفرّج القرشي الأموي النّابلسي ثم المصري المالكي [2] . ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وسمع من البوصيري، وإسماعيل ابن ياسين، والكبار. فأكثر وأطاب، وجمع «المعجم» وحصّل الأصول، وتقدم في الحديث، وولي مشيخة الكاملية سنة ستين، وتوفي في ثاني جمادى الأولى. وفيها العبّاريّ [3] أبو القاسم [محمد] بن منصور الإسكندرانيّ [4] الزّاهد. كان صالحا، قانتا، مخلصا، منقطع القرين في الورع. كان له بستان يعمله ويتبلّغ منه، وله ترجمة مفردة جمعها ناصر الدّين بن المنيّر [5] . توفي في سادس شعبان [6] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 271) . [2] انظر «العبر» (5/ 271) و «النجوم الزاهرة» (7/ 217) و «حسن المحاضرة» (1/ 356) . [3] في «ط» : «القيادي» وهو خطأ. [4] انظر «ذيل الروضتين» ص (231) و «العبر» (5/ 271) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «البداية والنهاية» (13/ 243) و «طبقات الأولياء» ص (319- 320) وقد تحرفت فيه «محمد بن منصور» إلى «محمد عيسى» فتصحح. ولفظة «محمد» التي بين. الحاصرتين مستدركة من المصادر المتقدم ذكرها. [5] سترد ترجمته في أول وفيات سنة (683) من هذا المجلد صفحة (666) فراجعها. [6] قلت: ومن المصادفات أنني أنهيت تحقيق ترجمة المترجم في ظهيرة يوم التاسع من شعبان لعام (1410) هـ، أي بعد (748) سنة وثلاثة أيام من وفاته، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وجمعني وإيّاه يوم القيامة تحت لواء سيد المرسلين بفضله وكرمه.

سنة ثلاث وستين وستمائة

سنة ثلاث وستين وستمائة فيها كانت ملحمة عظمى بالأندلس، التقى الفنش- لعنه الله- وأبو عبد الله بن الأحمر غير مرّة، ثم انهزمت الملاعين، وأسر الفنش ثم أفلت وحشد وجيّش ونازل غرناطة، فخرج ابن الأحمر فكسرهم وأسر منهم عشرة آلاف. وقتل المسلمون فوق الأربعين ألفا، وجمعوا كوما هائلا من رؤوس الفرنج، وأذّن عليه المسلمون واستعادوا عدّة مدائن من الفرنج، ولله الحمد. وفيها نازلت التتار البيرة، فساق سمّ الموت [1] ، والمحمّدي [2] وطائفة وكشفوهم عنها. وفيها قدم السّلطان بيبرس فحاصر قيساريّة [3] وافتتحها عنوة وعصت القلعة أياما، ثم أخذت، ثم نازل أرسوف [4] وأخذها بالسيف في رجب، ثم

_ [1] هو عز الدّين إيغان، المعروف بسمّ الموت. انظر «السلوك» (1/ 2/ 523) . [2] في «آ» و «ط» : «والحمدي» والتصحيح من «العبر» و «دول الإسلام» (2/ 168) و «السلوك» (1/ 2/ 524) وجاء في حاشية «دول الإسلام» بأن اسمه «أقروش بن عبد الله المحمدي» . [3] قيساريّة: بلدة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في فلسطين- ردّها الله تعالى إلى أيدي المسلمين- إلى الجنوب من حيفا. انظر «معجم البلدان» (4/ 421- 422) و «أطلس التاريخ العربي» ص (25) . [4] بلدة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في فلسطين، إلى الشمال من يافا. انظر «معجم البلدان» (1/ 151) و «أطلس التاريخ العربي» ص (57) .

رجع فسلطن ابنه الملك السعيد في شوال وأركبه بأبّهة الملك وله خمس سنين، ثم عمل طهوره بعد أيام. وفيها جرّد [1] بديار مصر أربعة حكّام من المذاهب لأجل توقّف تاج الدّين بن بنت الأعزّ عن تنفيذ كثير من القضايا، فتعطّلت الأمور، فأشار بهذا جمال الدّين [2] أيدغدي العزيزي، فأعجب السلطان وفعله في آخر السنة، ثم فعل ذلك بدمشق. وفيها ابتدئ بعمارة مسجد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ففرغ في أربع سنين. وفيها حجب الخليفة الحاكم بقلعة الجبل. وفيها توفي المعين القرشيّ المحدّث المتقن أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن القاضي الزّكي علي بن محمد بن يحيى [3] . كتب عن ابن صباح، وابن اللّتي، وكريمة فأكثر. وكتب الكثير. توفي فجأة في ربيع الأول. وفيها الزّين خالد بن يوسف بن سعد، الحافظ اللّغويّ، أبو البقاء النّابلسي ثم الدمشقي [4] . ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وسمع من القاسم [بن عساكر] ، ومحمد بن الخصيب [5] وابن طبرزد. وببغداد من ابن الأخضر وطبقته. وحصّل

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «جدّد» والتصحيح من «العبر» . [2] في «آ» و «ط» : «كمال الدّين» والتصحيح من «العبر» (5/ 273) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) . [3] انظر «العبر» (5/ 273) و «النجوم الزاهرة» (7/ 219) . [4] انظر «العبر» (5/ 273) و «فوات الوفيات» (1/ 403- 404) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 106- 108) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحصيب» والتصحيح من مصادر الترجمة.

الأصول، وتقدم في الحديث. وكان فهما يقظا، حلو النوادر. توفي في سلخ جمادى الأولى. وفيها النّظام بن البانياسي عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين [1] . سمع من الخشوعي وجماعة، وكان ديّنا، فاضلا. توفي في صفر. وفيها النّجيب أبو العشائر فراس بن علي بن زيد الكناني العسقلاني ثم الدّمشقي [2] ، التّاجر العدل [3] . روى عن الخشوعي والقاسم [بن عساكر] ، وجماعة. وفيها ابن مسدي [4] الحافظ أبو بكر محمد بن يوسف الأزدي الغرناطيّ الأندلسي المهلّبي [5] . روى عن محمد بن عماد [6] وجماعة كثيرة. وجمع وصنّف. قال ابن ناصر الدّين [7] : كان حافظا، علّامة، ذا رحلة واسعة ودراية. شاع عنه التشيع، جاور بمكة وقتل فيها غيلة. انتهى. وقال الذهبي: توفي بمكّة في شوال، وقد خرّج لنفسه «معجما» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 274) و «ذيل مرآة الزمان» (2/ 327) . [2] انظر «العبر» (5/ 274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 274) . [3] في «ط» : «المعدّل» . [4] قال الذّهبيّ في «تذكرة الحفاظ» : ومسدي: بالفتح، وياء ساكنة، ومنهم من يضمه وينوّن. [5] انظر «العبر» (5/ 274) و «تذكرة الحفّاظ» (4/ 1448- 1450) و «العقد الثمين» (2/ 403- 410) . [6] هو محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحرّاني. تقدمت ترجمته في وفيات سنة (632) من هذا المجلد ص (271) وقد تحرفت «ابن عماد» في «تذكرة الحفاظ» إلى «ابن عباد» وفي «العقد الثمين» إلى «ابن عمّار» فتصحح فيهما. [7] في «التبيان شرح بديعة البيان» (180/ ب) .

وفيها جمال الدّين بن يغمور الباروقي موسى [1] . ولد بالصّعيد سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وكان من جلّة الأمراء. ولي نيابة مصر ونيابة الشام، وتوفي في شعبان. وفيها بدر الدّين السّنجاري الشّافعي، قاضي القضاة، أبو المحاسن يوسف بن الحسن الزّراري [2]- بالضم ومهملتين، نسبة إلى زرارة جدّ-. كان صدرا معظّما وجوادا ممدّحا. ولي قضاء بعلبك وغيرها قبل الثلاثين، ثم عاد إلى سنجار فنفق على الصّالح نجم الدّين فلما ملك الدّيار المصرية وفد عليه، فولّاه مصر والوجه القبليّ. ثم ولي قضاء القضاة بعد شرف الدّين [3] بن عين الدولة [وباشر الوزارة. وكان له من الخيل والمماليك ما ليس لوزير مثله. ولم يزل في ارتقاء إلى أوائل الدولة] [4] الظّاهرية، فعزل ولزم بيته. توفي في رجب، وقيل: كان يرتشي ويظلم. قاله في «العبر» . وفيها أبو القاسم بن يوسف بن أبي القاسم بن عبد السلام الأموي الحوّاري العوفي [5] الزاهد المشهور الحنبلي، صاحب الزّاوية بحوّارى [6] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 218- 219) . [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (234) و «العبر» (5/ 274- 275) و «ذيل مرآة الزمان» (2/ 332) و «البداية والنهاية» (13/ 246) و «النجوم الزاهرة» (7/ 219) . [3] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف: «شرف الدّين» وفي «ط» : «الأشرف» . [4] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» . [5] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 336) و «العبر» (5/ 275) و «مشتبه النسبة» (1/ 257) و «البداية والنهاية» (13/ 246) و «عقد الجمان» (1/ 412) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 219) . [6] كذا في «ط» و «البداية والنهاية» و «عقد الجمان» : «بحوارى» وفي «آ» : «بحوارا» وفي «ذيل مرآة الزمان» : «بحواراي» وفي ترجمة (شهاب الدّين الحواري) في «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 320) : «بحوار» ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان والمعجمات.

كان خيّرا، صالحا، له أتباع وأصحاب ومريدون في كثير من قرى حوران في الجبل، والبثنيّة، ولا يحضرون سماعا بالدّف. توفي ببلده حوارى في آخر السنة، وصلّي عليه يوم عيد النّحر ببيت المقدس صلاة الغائب، وصلّي عليه بدمشق تاسع عشر ذي الحجّة. وقام مقامه بعده ولده عبد الله. وكان عنده تفقه وزهادة، وله أصحاب. وكان مقصودا يزار ببلده، وعمّر حتّى بلغ التسعين. خرج ليودع بعض أهله إلى ناحية الكرك من جهة الحجاز، فأدركه أجله هناك في أول ذي القعدة، سنة ثلاثين وسبعمائة، رحمهما الله تعالى .

سنة أربع وستين وستمائة

سنة أربع وستين وستمائة فيها غزا الملك الظّاهر وبثّ جيوشه بالسواحل، فأغاروا على بلاد عكّا، وصور، وطرابلس، وحصن الأكراد. ثم نزل على صفد في ثامن رمضان وأخذت في أربعين يوما بخديعة ثم ضربت رقاب مائتين من فرسانهم، وقد استشهد عليها خلق كثير. وفيها استباح المسلمون قارة [1] وسبي منها ألف نفس، وجعلت كنيستها جامعا. وفيها توفي الشيخ أحمد بن سالم المصريّ النحويّ [2] . نزيل دمشق. فقير متزهّد محقّق للعربية. اشتغل بالنّاصرية وبمقصورة الحنفية مدة، وتوفي في شوال. وفيها أبو العبّاس أحمد بن صالح السّينكي [3]- بالسين المهملة

_ [1] قارة: بلدة كبيرة إلى الشمال من دمشق تبعد عنها قرابة مائة كيلو مترا وهي إلى حمص أقرب منها إلى دمشق، وتعتبر من أهم بلدان إقليم القلمون. وكانت آخر حدود حمص في سالف الأيام، ومناخها جيد للاصطياف وتكاد الثلوج لا تفارق تلالها في فصل الشتاء. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 295) . [2] انظر «العبر» (5/ 276) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 605) . [3] تنبيه: كذا قيّد نسبته المؤلّف ب «السّينكي» وتبعه ابن شقدة في «المنتخب» (182/ آ) وهو

وتحتية ونون، نسبة إلى سينكة بلد بمصر- كان كاتب عمائر جامع دمشق، وكان فاضلا، أديبا، كثير التواضع. ومن شعره: للّوز زهر حسنه ... يصبي إلى زمن التّصابي شكت الغصون من الشّتا ... فأعارها بيض الثّياب فكأنّه عشق الرّبي ... ع فشاب من قبل الشباب وله في السّيف عامل القماير [1] : ربع المصالح داثر ... لم يبق منه طائل هيهات تعمر بقعة ... والسّيف فيها عامل رتّب ناظرا بدار الضرب، فجاء إليه شخص وسأله أن يترك عنده صندوقا وديعة إلى أن يقدم من الحجاز، فأحضر إليه الصندوق ولا يعرف ما فيه، وبعد أيام كتب إلى الأمير طيبرس الوزيري [2] نائب البلدان: الشّهاب السّينكي [3] ناظر دار الضّرب عنده صندوق فيه سكك لعمل الزّغل [4] ، فكبس بيته، فوجدوا الصندوق، فلم يقبل قوله في الاعتذار، فاشتهر في دمشق على صورة قبيحة، وأنفي منها، فأرسل من الطريق إلى رفيق له: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ... ولو أنّني أعرى بها وأجوع وما أنا إلّا المسك في غير أرضكم ... يضوع وأمّا عندكم فيضيع

_ خطأ، والصحيح «السّنبليّ» كما في «الوافي بالوفيات» (6/ 424) و «فوات الوفيات» (1/ 70) وعندهما مات سنة (693) . [1] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «عامل الجامع» . [2] ذكره ابن شدّاد في «سيرة الملك الظّاهر» ص (72 و 240 و 360) . [3] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (182/ ب) : «السّينكي» وانظر التعليق على الصفحة السابقة. [4] يعني لضرب النقود المزوّرة.

وفيها ابن شعيب، الإمام جمال الدّين أحمد بن عبد الله بن شعيب التميمي الصّقلّي ثم الدمشقي المقرئ الأديب الذّهبيّ [1] . ولد سنة تسعين وخمسمائة، ولزم السّخاويّ مدّة، وأتقن القراءات، وسمع من القاسم بن عساكر وطائفة، وقرأ الكثير على السّخاوي وطبقته. وتوفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» . وفيها ابن البرهان العدل الصّدر رضيّ الدّين إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المصريّ الواسطيّ [2] ، التّاجر السفّار. ولد سنة ثلاث وتسعين، وسمع «صحيح مسلم» من منصور الفراوي وسمع منه خلق بدمشق، ومصر، والثّغر، واليمن. وتوفي في حادي عشر رجب. وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هارون المرادي السّبتي الحافظ ابن الكمّاد [3] . كان حافظ زمانه لم يكن له في عصره مثيل. وكانت معيشته من تفقدات أهل الخير وهداياهم إلى أن مات. قاله ابن ناصر الدّين [4] . وفيها ابن الدّرجيّ الفقيه صفيّ الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي القرشي الدمشقي الحنفي [5] .

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 350) و «العبر» (5/ 276) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) . أقول: وقيّد ابن الأثير نسبته في «اللباب» (2/ 245) بفتح الصاد والقاف (ع) . [2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 348- 349) «العبر» (5/ 276) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) . [3] انظر «تذكرة الحفّاظ» (4/ 1459- 1460) و «الوافي بالوفيات» (6/ 120) . [4] في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ آ) . [5] انظر «العبر» (5/ 277) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) .

ولد سنة اثنتين وسبعين [وخمسمائة] . وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي، ومنصور الطبري، وطائفة. وتوفي في السادس والعشرين من ربيع الأول. وفيها أيدغدي [1] ، الأمير الكبير كمال الدّين [2] . كان كبير القدر، شجاعا، مقداما، عاقلا، محتشما. كثير الصّدقات، حسن الدّيانة، من جلّة الأمراء ومتميزيهم. حبسه المعزّ مدّة، ثم أخرجوه يوم عين جالوت [3] . وكان الملك الظّاهر يحترمه ويتأدّب معه. جهّزه في هذه السنة، فأغار على بلاد سيس، ثم خرج على صفد فتمرّض. وتوفي في ليلة عرفة بدمشق. وفيها ابن صصرى [4] الصّدر العدل بهاء الدّين الحسن بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التّغلبيّ الدمشقيّ [5] ، أحد أكابر البلد. روى عن ابن طبرزد وطائفة، وتوفي في صفر عن تسع وستين سنة [6] . وولي هو وأخوه شرف الدّين المناصب الكبار ونظر الدواوين، وسمع أخوه المذكور عبد الرحمن بن سالم [7] من حنبل، وابن طبرزد أيضا، ومات [8] في شعبان من هذه السنة، عن تسع وستين سنة [9] .

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «ايدغور» . [2] انظر «العبر» (5/ 277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 221) . [3] في «العبر» «نوبة عين جالوت» . [4] قلت: بيّن العلّامة الزركلي ما جاء من الخلاف في ضبط هذه اللفظة فيما علقه على ترجمته في كتابه «الأعلام» (2/ 225) فيحسن بالقارئ الرجوع إليه. [5] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 354) و «العبر» (5/ 277- 278) و «الوافي بالوفيات» (12/ 25) . [6] في «آ» و «عن ستين سنة» وفي «ط» و «العبر» طبع بيروت: «عن ست وستين سنة» وفي «العبر» طبع الكويت: «عن تسع وستين سنة» وهو ما أثبته وهو الصواب. قال اليونيني: ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة تخمينا، وذكره في وفيات سنة (664) فعلى ذلك يكون قد قارب السبعين عاما أو مات وهو ابن تسع وستين، والله أعلم. [7] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 355) . [8] يعني عبد الرحمن. [9] قلت: وهو وهم منه فإن اليونينيّ ذكر في ترجمته من «مرآة الزمان» أنه ولد سنة إحدى وتسعين

وفيها الموقاني- بضم الميم وقاف ونون، نسبة إلى موقان، مدينة بدربند- المحدّث جمال الدّين محمد بن عبد الجليل المقدسي [1] نزيل دمشق. سمع من أبي القاسم الحرستاني، وخلق. وعني بالحديث والأدب، وله مجاميع مفيدة. وتوفي في ذي القعدة، وله أربع وسبعون سنة. وفيها ابن فار اللّبن معين الدّين أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري [2] . آخر من قرأ «الشّاطبيّة» على مؤلّفها، وقرأها عليه جماعة، منهم: البدر التّاذفيّ [3] . وفيها هولاكو بن قولي [قان] [4] بن جنكزخان المغلي، مقدّم التتار وقائدهم إلى النّار، الذي أباد البلاد والعباد، بعثه ابن عمّه القان الكبير على جيش المغل، فطوى الممالك وأخذ الحصون الإسماعيلية، وأذربيجان، والرّوم، والعراق، والجزيرة، والشّام. وكان ذا سطوة، ومهابة، وعقل، وغور، وحزم، ودهاء، وخبرة بالحروب، وشجاعة ظاهرة، وكرم مفرط، ومحبة لعلوم الأوائل من غير أن يفهمها. مات على كفره في هذه السنة بعلّة الصّرع، فإنه اعتراه منذ قتل الشهيد صاحب ميّافارقين الملك الكامل محمد [بن] غازي، حتى كان يصرع في اليوم مرّتين. مات بمراغة ونقلوه إلى قلعة تلا، وبنوا عليه قبة، وخلّف سبعة عشر ولدا تملّك بعده ابنه أبغا.

_ وخمسمائة تخمينا، ومات في سنة أربع وستين وخمسمائة، فعلى هذا يكون قد عاش (73) عاما، والله أعلم. [1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 355- 356) و «العبر» (5/ 278) . [2] انظر «العبر» (5/ 278) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 661) . [3] هو محمد بن أيوب بن عبد القادر التّاذفي الحلبي، المتوفى سنة (705 هـ) . انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 394) . [4] ما بين الحاصرتين مستدرك من حاشية «العبر» (5/ 278) وحاشية «ط» . وفي بعض المصادر: «ابن تولي خان» .

سنة خمس وستين وستمائة

سنة خمس وستين وستمائة فيها كما قال ابن خلّكان [1] : بلغنا من جماعة يوثق بهم وصلوا إلى دمشق من أهل بصرى أن عندهم قرية يقال لها: دير أبي سلامة. كان بها رجل من العربان فيه استهزاء [2] زائد وجهل. فجرى يوما ذكر السّواك وما فيه من الفضيلة، فقال: والله ما أستاك إلّا من المخرج، فأخذ سواكا وتركه في دبره، فآلمه تلك الليلة، ثم مضى عليه تسعة أشهر وهو يشكو من ألم البطن والمخرج، ثم أصابه مثل طلق الحامل ووضع حيوانا على هيئة الجرذون [3] ، ورأسه مثل رأس السمكة، وله أربع أنياب بارزة وذنب طويل مثل شبر وأربع أصابع، وله دبر مثل دبر الأرنب، ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فشجّت رأسه فمات، وعاش ذلك الرجل بعده يومين ومات، وهو يقول: هذا الحيوان قتلني وقطّع أمعائي، وشاهد ذلك الحيوان جماعة من تلك النّاحية وخطيب المكان.

_ [1] لم أقف على هذا النقل عند ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» الذي بين يدي، ولعله نقله عن مصدر آخر، وهو بعيد عن الواقع، ومع ذلك فإن الاستهتار بالسّواك وغيره مما استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وندب المسلمين إلى استعماله، لا يجوز بأي حال، وعقاب الذي يقوم بذلك شديد عند الله تعالى، نسأل الله العفو والعافية. [2] في «ط» : «استهتار» . [3] أقول: جرذ، على وزن صرد، والجمع جرذان، بضم الجيم وكسرها والجرذ: الكبير من الفئران. (ع) .

وفيها توفي خطيب القدس كمال الدّين أحمد بن نعمة بن أحمد [1] النّابلسي الشّافعي [2] . ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسمع بدمشق من القاسم بن عساكر، وحنبل، وكان صالحا متعبّدا متزهّدا. توفي بدمشق في ذي القعدة. وفيها إسماعيل الكوراني [3]- بالضم، وراء، نسبة إلى كوران، قرية بإسفرايين- القدوة الزّاهد، شيخ كبير القدر، مقصود بالزيارة، صاحب ورع وصدق وتفتيش عن دينه. أدركه أجله بغزّة في رجب. قاله الذّهبيّ. وفيها بركة بن تولي [4] بن جنكزخان المغلي. سلطان مملكة القفجاق، الذي أسلم وراسل الملك الظّاهر، وكسر ابن عمّه هولاكو [5] . توفي وهو في عشر الستين، وتملّك بعده ابن أخيه منكوتمر. وفيها الأمير مقدّم الجيوش، ناصر الدّين حسين بن عزيز [القيمريّ] [6] ، الذي أنشأ المدرسة 3 [7] بدمشق شرقي جامع بني أمية، والآن

_ [1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن أحمد بن أحمد» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] انظر «العبر» (5/ 279) و «الوافي بالوفيات» (8/ 217- 218) . [3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 364) و «العبر» (5/ 280) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) . [4] في «آ» و «ط» : «بركة بن قولي» والتصحيح من «ذيل مرآة الزمان» (2/ 364) و «العبر» (5/ 280) وفي «دول الإسلام» (2/ 170) و «النجوم الزاهرة» (7/ 224) : «بركة بن توشي» . [5] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [6] انظر «العبر» (5/ 280) و «دول الإسلام» (2/ 170) و «البداية والنهاية» (13/ 250) وما بين الحاصرتين زيادة منهما. [7] هي المدرسة القيمريّة. انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 441- 445) .

تعرف تلك المحلّة بالقيمريّة [1] تسمية لها باسم المدرسة. كان بطلا شجاعا، رئيسا، عادلا، جوادا. وهو الذي ملك دمشق للناصر. توفي مرابطا بالسّاحل في ربيع الأول. وفيها أبو شامة، العلّامة المجتهد، شهاب الدّين أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدّمشقي [2] الشّافعي، المقرئ النحوي المؤرّخ، صاحب التصانيف. ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة في أحد ربيعيها بدمشق، وسمّي بأبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر، وختم القرآن وله دون عشر سنين، وأتقن فنّ القراءة على السّخاوي وله ست عشرة سنة، وسمع الكثير، حتّى عدّ في الحفّاظ. وسمع من الموفق وطائفة، وأخذ عن الشيخ عزّ الدّين ابن عبد السّلام. قال الذهبي: كتب الكثير من العلوم، وأتقن الفقه، ودرّس وأفتى، وبرع في فنّ العربية. وذكر أنه حصل له الشيب وهو ابن خمس وعشرين سنة، وولي مشيخة القراءة بالتّربة الأشرفية، ومشيخة الحديث بالدّار الأشرفية. وكان مع كثرة فضائله متواضعا مطّرحا للتكلف، وربما ركب الحمار بين المداوير. وقرأ عليه القراءة جماعة. ومن تصانيفه «شرح الشّاطبية» ومختصرا [3] تاريخ دمشق، أحدهما في خمسة عشر مجلدا، والآخر في

_ [1] قلت: وقد تحرف اسم المحلّة عند العوام إلى «القيمريّة» بكسر القاف وفتح الميم وكسر الراء وبالياء المشدّدة. [2] انظر «العبر» (5/ 280- 2811) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 673- 674) و «دول الإسلام» (2/ 170) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) و «الوافي بالوفيات» (18/ 113- 116) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 118- 119) و «البداية والنهاية» (13/ 250- 251) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 169- 171) . [3] في «آ» : «ومختصري» وأثبت لفظ «ط» .

خمس مجلدات. وشرح «نونية» السّخاوي في مجلد. وله كتاب «الروضتين في أخبار الدولتين النّورية والصّلاحية» وكتاب «الذّيل» عليهما. وكتاب «ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري» وكتاب «الباعث على إنكار البدع والحوادث» وكتاب «السّواك» وكتاب «كشف حال بني عبيد» و «مفردات القرّاء» و «مقدمة» في النحو، وشرح «مفصّل» الزّمخشريّ، و «شيوخ [1] البيهقي» . وله غير ذلك، وأكثر تصانيفه لم يفرعها. ومن نظمه قوله: أيا لائمي ما لي سوى البيت موضع ... أرى فيه عزّا إنه لي أنفع فراشي ونطعي فروتي ثمّ جبّتي ... لحافي وأكلي ما يسدّ ويشبع ومركوبي الآن الأتان ونجلها ... لأخلاق أهل العلم والدّين أتبع وقد يسّر الله الكريم بفضله ... غني النّفس مع عيش به أتقنّع وما دمت أرضى باليسير فإنني ... غنيّ أرى هولا لغيري أخضع ووقف كتبه بخزانة العادلية، وشرط أن لا تخرج فاحترقت جملة. وقال ابن ناصر الدّين [2] : كان شيخ الإقراء، وحافظ العلماء حافظا، ثقة، علّامة، مجتهدا، [ذا فنون] . وقال الإسنوي: وجرت له محنة في سابع جمادى الآخرة، سنة خمس وستين وستمائة، وهو أنه كان في داره بطواحين الأشنان [3] فدخل عليه رجلان جليلان [4] في صورة مستفتيين، ثم ضرباه ضربا مبرّحا إلى أن عيل صبره،

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وشرح البيهقي» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ آ) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [3] تحرفت في «طبقات الشافعية» للإسنوي إلى «الأشنا» فتصحح. [4] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «جليلان» وهو وهم تبع فيه المؤلّف الإسنويّ في «طبقات الشافعية» وتبعهما ابن شقدة في «المنتخب» (183/ آ) والصحيح «جبليّان» كما في «الوافي بالوفيات» .

ولم يغثه أحد، ثم توفي، رحمه الله، في تاسع عشر رمضان من ذلك العام. وأنشد في ذلك لنفسه: قلت لمن قال أما تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل يقيّض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحقّ ويشفي الغليل إذا توكّلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونعم الوكيل ومن شعره: قال النّبيّ المصطفى إنّ سبعة ... يظلّهم الله العظيم بظلّه محبّ [1] عفيف [2] ناشئ [3] متصدّق [4] ... وباك [5] مصلّ [6] والإمام بعدله [7] انتهى. وفيها ابن بنت الأعزّ، قاضي القضاة، تاج الدّين أبو محمد عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلّامي المصري الشافعي [8] ، قاضي القضاة صدر الدّيار المصرية ورئيسها. كان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وعقل ونزاهة وتثبّت في الأحكام. روى عن جعفر الهمدانيّ [9] ، وولي القضاء

_ [1] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه» رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. (ع) . [2] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله» (ع) . [3] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «وشاب نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ» (ع) . [4] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتّى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه» (ع) . [5] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» (ع) . [6] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل قلبه معلق بالمساجد» (ع) . [7] يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «إمام عادل» (ع) . [8] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 369- 371) و «العبر» (5/ 281) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 318- 323) و «عيون التواريخ» (20/ 351- 352) و «النجوم الزاهرة» (7/ 222- 223) و «حسن المحاضرة» (1/ 455) . [9] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (23/ 36) و «معرفة القراء الكبار»

بتعيين الشيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام، وولي الوزارة ونظر الدّواوين وتدريس الشّافعي والصّالحية، ومشيخة الشيوخ والخطابة، ولم تجتمع هذه المناصب لأحد قبله. قرأ على الشيخ زكي الدّين المنذري «سنن أبي داود» وحدّث عن غيره أيضا. قال القطب اليونيني: كان إماما، [عالما] فاضلا متبحّرا، وتقدم في الدولة، وكانت له الحرمة الوافرة عند الملك الظّاهر. وكان ذا ذهن ثاقب، وحدس صائب، وجدّ وسعد [1] وحزم وعزم، مع النزاهة المفرطة، وحسن الطّريقة والصّلابة في الدّين، والتثبّت في الأحكام، وتولية الأكفاء، لا يراعي أحدا ولا يداهنه، ولا يقبل شهادة مريب. وقال السبكيّ: وعن ابن دقيق العيد أنه قال: لو تفرّغ ابن بنت الأعزّ للعلم لفاق ابن عبد السّلام. وكان يقال: إنه آخر قضاة العدل، وفي أيّامه قبل موته بيسير جعلت القضاة أربعة بمصر، في سنة ثلاث وستين، وفي الشام في سنة أربع وستين. توفي- رحمه الله تعالى- في السابع والعشرين من رجب، ودفن بسفح المقطّم. وفيها ابن القسطلّاني الشيخ تاج الدّين علي بن الزّاهد أبي العبّاس أحمد ابن علي القيسي المصري المالكي [2] ، المفتي العدل. سمع بمكّة من زاهر بن رستم، ويونس الهاشمي، وطائفة. ودرّس بمصر، ثم ولي مشيخة الكاملية إلى أن توفي في سابع شوال، وله سبع وسبعون سنة.

_ [ (-) ] (2/ 623) و «طبقات الشافعية الكبر» (8/ 375) و «حسن المحاضرة» : «الهمداني» وتصحفت نسبته في «ذيل مرآة الزمان» و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 318) إلى «الهمذاني» فتصحح. [1] لفظة «وسعد» لم ترد في «ذيل مرآة الزمان» الذي بين يدي. [2] انظر «العبر» (5/ 281) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 223) .

وفيها أبو الحسن الدّهّان علي بن موسى السّعديّ المصريّ [1] ، المقرئ، الزّاهد. ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على جعفر الهمداني وغيره، وتصدّر بالفاضلية للإقراء، وكان ذا علم وعمل. توفي في رجب. وفيها صاحب المغرب المرتضى أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم القيسي المؤمني [2] . ولي الملك بعد ابن عمّه المعتضد علي، وامتدت أيّامه. فلما كان في المحرّم من هذا العام دخل ابن عمّه أبو دبّوس، الملقب بالواثق بالله إدريس بن أبي عبد الله يوسف [بن عبد المؤمن] [3] مرّاكش، فهرب المرتضى [4] فظفر به عامل الواثق وقتله بأمر الواثق في ربيع الآخر وأقام الواثق ثلاثة أعوام، ثم قامت دولة بني مرين وزالت دولة آل عبد المؤمن. وفيها القاضي صدر الدّين موهوب بن عمر الجزري ثم المصري الشافعي [5] ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة، وأخذ عن السّخاوي، وابن عبد السلام، وغيرهما. وكان إماما، عالما، عابدا. قال الذهبي: تفقّه وبرع في المذهب والأصول والنحو ودرّس وأفتى، وتخرّج به جماعة. وكان من فضلاء زمانه، وولي القضاء بمصر وأعمالها دون القاهرة مدّة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 281) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 672) . [2] انظر «العبر» (5/ 28) و «دول الإسلام» (2/ 170) . [3] في «آ» و «ط» : «إدريس بن أبي عبد الله بن يوسف» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (7/ 18) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [4] في «وفيات الأعيان» : «فهرب المرتضى إلى آزمور وهي من نواحي مرّاكش» . [5] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 387) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 379- 380) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 194) و «حسن المحاضرة» (1/ 415) .

وقال غيره: تخرّجت به الطلبة، وجمعت عنه الفتاوى المشهورة به. وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : ولي نيابة الحكم عن الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام، فلما عزل نفسه استقلّ بها، وكانت له أموال [1] كثيرة اكتسبها من المتجر. حكى هو قال: جاءني شخص من خواصّ الملك المعظّم صاحب الجزيرة وقال: الليلة السلطان يريد القبض عليك، وكان عندي سبعون ألف درهم، فأخذتها وتركتها في قماقم [2] لماء [3] الورد، وخرجت من البلد بعد صلاة العصر، وقصدت المقابر، فوجدت قبرا مفتوحا، فدخلت فيه وأقمت فيه ثلاثة أيّام، فبينا أنا جالس وإذا جنازة أحضرت إلى ذلك القبر الذي أنا فيه، ففتحوا الطّاقة وأنزلوا الميّت وسدّوا الطّاقة، فلما انصرفوا جلس الميّت، فنظرت إليه والماء يقطر من ذقنه، وبقي ساعة يتكلم بكلام لا أعرفه، ثم استلقى على قفاه، فحصل عندي غاية الخوف، ثم خرّبت الطّاقة وخرجت وجلا مما شاهدت، فوجدت أكرادا قاصدين حلب، فصحبتهم وأقمت بها مدة، ثم قصدت الدّيار المصرية. وفي ليلة تغيّبت، كبسوا داري فلم يجدوني، ونادوا على من يحضرني، ولقد رأيت الجند غائرين يفتشون عليّ. توفي- رحمه الله تعالى- بمصر فجأة وخلّف من العين ثلاثين ألف دينار. وفيها ابن خطيب بيت الآبار [4] ضياء الدّين أبو الطّاهر يوسف بن

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «أمور» . [2] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 760) : القمقم: إناء صغير من نحاس أو فضّة أو خزف صينيّ يجعل فيه ماء الورد. [3] في «آ» و «ط» : «قماقم الماء» وما أثبته يقضيه السياق. [4] بيت الآبار: جمع بئر، قرية يضاف إليها كورة من غوطة دمشق فيها عدة قرى، خرج منها غير-

عمر بن يوسف بن يحيى الزّبيدي [1] سمع من الخشوعي وغيره، وناب في خطابة دمشق من العادل، وتوفي يوم الجمعة يوم الأضحى. وفيها يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي [2] . سمع [3] شمس الدّين ولد [4] المعمّر صدر الدّين [روى عن الخشوعي والقاسم [5] وجماعة] وروى عنه زكيّ الدّين البرزالي مع تقدمه. وتوفي في ربيع الأول [6] عن إحدى وثمانين سنة.

_ واحد من رواه العلم. انظر «معجم البلدان» (1/ 519) وراجع كتاب «غوطة» دمشق للعلّامة محمد كرد علي ص (164) . [1] انظر «العبر» (5/ 282) . [2] انظر «ذيل الروضتين» ص (238- 239) و «العبر» (5/ 282) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [3] لفظة «سمع» لم ترد في «العبر» بطبعتيه. [4] في «ط» و «العبر» : «والد» . [5] يعني ابن عساكر. [6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الأولى» .

سنة ست وستين وستمائة

سنة ست وستين وستمائة في جمادى الأولى افتتح الظّاهر بيبرس يافا بالسيف وقلعتها بالأمان، ثم هدمها، ثم حاصر الشّقيف عشرة أيام وأخذها بالأمان، ثم أغار على أعمال طرابلس وقطع أشجارها وغوّر أنهارها. ثم نزل تحت حصن الأكراد فخضعوا له، فترحل إلى حماة ثم إلى فامية، ثم ساق، وطلب [1] أنطاكية فأخذها في أربعة أيام، وحصر من قتل بها فكانوا أكثر من أربعين ألفا [2] . وفيها توفي المجد بن الحلوانيّة المحدّث الجليل أبو العبّاس أحمد ابن المسلم بن حمّاد الأزدي الدّمشقي التّاجر [3] . ولد سنة أربع وستمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحرستاني فمن بعده، وكتب العالي والنّازل، ورحل إلى بغداد، ومصر، والإسكندرية، وخرّج «المعجم» . وتوفي في حادي عشر ربيع الأول. وفيها الشيخ العزّ خطيب الجبل أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب شرف الدّين عبد الله بن أبي عمر الزّاهد المقدسي الحنبلي [4] .

_ [1] في «العبر» مصدر المؤلف: «وبغت» . [2] زاد الذهبي في «العبر» : «ثم أخذ بغراس بالأمان» وبغراس: مدينة في لحف جبل اللّكام، بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ، على يمين القاصد إلى أنطاكية من حلب. انظر «معجم البلدان» (1/ 467) . [3] انظر «العبر» (5/ 283- 284) و «النجوم الزاهرة» (7/ 226- 227) . [4] انظر «العبر» (5/ 284) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 277- 278) .

ولد سنة ست وستمائة، وسمع من العماد، والشيخ موفق الدّين، وأبي اليمن [1] الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وخلق. وأجاز له القاسم الصفّار وجماعة. وكان إماما في العلم والعمل، بصيرا بالمذهب، صالحا، عابدا، زاهدا، مخلصا، صاحب أحوال وكرامات، وأمر بالمعروف، قوّالا بالحقّ. وقد جمع المحدّث أبو الفداء بن الخبّاز سيرته في مجلد وحدّث وسمع منه جماعة، منهم: أبو العبّاس الحيري وهو آخر أصحابه. توفي في تاسع عشر ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، وهو والد الإمامين عزّ الدّين الفرائضي، وعزّ الدّين محمد خطيب الجامع المظفّري، رحمهم الله تعالى. وفيها بولص الرّاهب الكاتب المعروف بالحبيس [2] . أقام بمغارة بجبل حلوان بقرب القاهرة [3] فقيل: إنه وقع بكنز الحاكم صاحب مصر، فواسى منه الفقراء والمستورين من كل ملّة، واشتهر أمره وشاع ذكره، وقام عن المصادرين بجمل عظيمة مبلغها ستمائة ألف دينار، وذلك خارجا عمّا كان يصرفه للفقراء. طلبه السلطان فأحضره وتلطّف به، وطلب منه المال، فجعل يغالطه ويراوغه، فلما أعياه ضيّق عليه وعذّبه إلى أن مات ولم يقرّ بشيء، فأخرج من القلعة ميتا، ورمي على باب القرافة، وكان لا يأكل من هذا المال شيئا ولا يلبس، ولا ظهر منه شيء في تركته. قال الذّهبيّ: وقد أفتى غير واحد بقتله خوفا على ضعفاء الإيمان من المسلمين أن يضلّهم ويغويهم.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النمر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 189- 190) و «العبر» (5/ 284) و «مرآة الجنان» (4/ 165- 166) وقد تحرفت «الحبيس» فيه إلى «الحنش» فتصحح. [3] انظر «معجم البلدان» (2/ 293) .

وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن منصور بن محمد بن وداعة الحلبي [1] . كان خطيبا بجبلة من أعمال السّاحل، ثم اتصل بصلاح الدّين، فصار من خواصه، فلما ملك دمشق ولّاه شدّ الدواوين، وكن يظهر النّسك، وله حرمة وافرة، فلما تولى الظّاهر ولّاه الوزارة، وتولى جمال الدّين أقوش [2] النّجيبيّ نيابة الشام، فحصل بينهما وحشة [باطنة] ، وكان النّجيبيّ يكرهه لتشيعه. وكان النّجيبي مغاليا في السّنّة، وعند عزّ الدّين تشيّع. فكتب عزّ الدّين إلى الظّاهر أن الأموال تنكسر وتحتاج الشّام إلى مشدّ تركيّ شديد المهابة، تكون أمور الولايات وأموالها راجعة إليه لا يعارض، وقصد بذلك رفع يد النائب فجهز [3] الظّاهر علاء الدّين كشتغدي الشّقيريّ، فلم يلبث أن وقع بينهما، لأن الشّقيريّ كان يهينه غاية الهوان، فإذا اشتكى إلى النّائب لا يشكيه ويقول: أنت طلبت مشدّا تركيا. فكتب الشّقيريّ إلى الظّاهر في حقّه. فورد الجواب بمصادرته، فأخذ خطّه بجملة يقصر عنها ماله، وضربه وعصره، وعلّقه. فكان كالباحث عن حتفه بظلفه. وكانت له دار حسنة باعها في المصادرة، ثم طلب إلى مصر. فتوفي بها عقب وصوله، ودفن بالقرافة الصّغرى قريبا من قبّة [4] الشّافعيّ، ولم يخلّف ولدا، ولا رزقه الله في عمره [كلّه] ولدا [5] فإنه لم يتزوج إلّا امرأة واحدة في صباه، ثم فارقها بعد أيام قلائل، وبنى بجبل قاسيون تربة ومسجدا وعمارة حسنة، وله وقف على وجوه البرّ.

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 390- 392) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «القلائد الجوهرية» (1/ 323- 324) . [2] في «آ» و «ط» : «أقش» وما أثبته من «ذيل مرآة الزمان» و «عقد الجمان» (1/ 331) . [3] في «ط» : «فجهر» بالراء وهو خطأ. [4] تحرفت في «ط» إلى «قبلة» . [5] لفظة «ولدا» الثانية هذه لم ترد في «ذيل مرآة الزّمان» ولفظة «كلّه» زيادة منه.

وفيها صاحب الرّوم السّلطان ركن الدّين [1] كيقباد [2] بن السّلطان غياث الدّين كيخسرو بن السلطان كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن قتلمش [3] بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق [4] السّلجوقي [5] كان هو وأبوه مقهورين مع التتار، له الاسم ولهم التّصرّف، فقتلوه في هذه السنة، وله ثمان وعشرون سنة، لأن بعضهم نمّ عليه بأنه يكاتب الظّاهر، فقتلوه خنقا وأظهروا أن فرسه رماه. ثم أجلسوا في الملك ولده كيخسرو وله عشر سنين.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «زكي الدّين» والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى قيقباد» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (5/ 71) و «العبر» : «قتلمش» وفي «ذيل مرآة الزمان» و «النجوم الزاهرة» : «قطلمش» . [4] تحرفت في «النجوم الزاهرة» إلى «دقماق» فتصحح، وانظر «وفيات الأعيان» (5/ 184) . [5] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 403- 406) و «العبر» (5/ 285) و «النجوم الزاهرة» (7/ 226) .

سنة سبع وستين وستمائة

سنة سبع وستين وستمائة فيها هبّت ريح شديدة بالدّيار المصرية، غرّقت مائتي مركب، وهلك منها خلق كثير. وفيها أمر السلطان بإراقة الخمور وتبطيل المفسدات والخواطئ بالدّيار المصرية، وكتب بذلك إلى جميع بلاده، وأمسك كاتبا يقال له: ابن الكازروني، وهو سكران، فصلبه وفي عنقه جرّة الخمر، فقال الحكيم ابن دانيال: وقد كان حدّ السّكر من قبل صلبه ... خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي ... ألا تب فإنّ الحدّ قد جاوز الحدّا وفيها أخليت حرّان، ووصل منها خطيبها ابن تيميّة [1] وغيره. وفيها توفي زين الدّين أبو الطّاهر إسماعيل بن عبد القوي بن عزّون [2] الأنصاري المصري الشّافعي [3] . سمع الكثير من البوصيري، وابن ياسين، وطائفة. وكان صالحا خيّرا. توفي في المحرّم.

_ [1] يعني الإمام عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة والد شيخ الإسلام تقي الدّين، سترد ترجمته في وفيات سنة (682) ص (656) . [2] تصحفت في «آ» إلى «عرون» بالراء المهملة. [3] انظر «العبر» (5/ 286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 228) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) .

وفيها الرّوذراوري- بضم الراء المهملة، وسكون الواو والمعجمة، وفتح الراء والواو الثانية، ثم راء، نسبة إلى روذراور [1] بلد بهمذان- مجد الدين عبد المجيد بن أبي الفرج اللّغوي [2] نزيل دمشق. كانت له حلقة اشتغال بالحائط الشمالي، وكان فصيحا، مفوّها، حفظة لأشعار العرب. توفي في صفر. وفيها علي بن وهب بن مطيع العلّامة مجد الدّين بن دقيق العيد القشيري المالكي [3] شيخ أهل الصّعيد، ونزيل قوص. كان جامعا لفنون العلم، موصوفا بالصّلاح والتألّه، معظّما في النّفوس. روى عن أبي المفضّل [4] وغيره، وتوفي في المحرّم عن ستّ وثمانين سنة. وفيها الأبيوردي- بفتح الهمزة، والواو، وسكون التحتية، وكسر الباء الموحدة، وسكون الراء، نسبة إلى أبي ورد بليدة بخراسان [5]- الحافظ زين الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر الصّوفي الشّافعي [6] . سمع وهو ابن أربعين سنة من كريمة، وابن قميرة فمن بعدهما، حتّى كتب عن أصحاب محمد بن عماد، وشرع في «المعجم» وحرص وبالغ، فما

_ [1] انظر «آثار البلاد وأخبار العباد» ص (374) و «معجم البلدان» (3/ 78) . [2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 418- 419) و «العبر» (5/ 286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 228) . [3] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 420- 421) و «العبر» (5/ 286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 228) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) . [4] تحرفت في «آ» إلى «الفضل» وهو علي بن المفضل اللّخمي المقدسي، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (611) ص (87) . [5] انظر «معجم البلدان» (1/ 86- 87) . [6] انظر «العبر» (5/ 286- 287) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) وذكره ابن ناصر الدّين الدمشقي في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ ب) .

أفاق من الطلب إلّا والمنيّة قد فجأته، وكان ذا دين وورع، مكثرا لكنه قلّما روى. توفي بالقاهرة بخانقاه سعيد السّعداء في جمادى الأولى، وله شعر. وفيها التّاج مظفّر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهّاب بن عبد الواحد بن الحنبلي أبو منصور الدمشقي الحنبلي [1] مدرّس مدرسة جدّهم شرف الإسلام، وهي المسمارية. ولد بدمشق في سابع عشري ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع بها من الخشوعي، وابن طبرزد، وحنبل، وغيرهم. وأفتى وناظر، وتفقّه. وحدّث بمصر والشام، وروى عنه جماعة، منهم: الحافظ الدّمياطي، وتوفي في ثالث صفر فجأة بدمشق ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 428) و «العبر» (5/ 286- 287) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (278) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 278) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 72) .

سنة ثمان وستين وستمائة

سنة ثمان وستين وستمائة فيها تسلّم الملك الظّاهر حصون الإسماعيليّة، وقرّر على زعيمهم نجم الدّين حسن بن الشّعراني أن يحمل كلّ سنة مائة ألف وعشرين ألفا، وولّاه على الإسماعيليّة. قاله في «العبر» [1] . وفيها توفي زين الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الدّائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم [2] ، مسند الشام وفقيهها ومحدّثها الحنبلي المذهب النّاسخ. ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وأجاز له خطيب الموصل، وابن الفراوي، وابن شاتيل وخلق، وسمع من يحيى الثّقفي، وابن صدقة، وابن الموازيني، وعبد الرحمن الخرقي، وغيرهم. وانفرد في الدّنيا بالرواية عنهم. ودخل بغداد، فسمع بها من ابن كليب، وابن المعطوش [3] وأبي الفرج بن الجوزي، وأبي الفتح بن المنّي، وابن سكينة، وغيرهم. وسمع بحرّان من خطيبها الشيخ فخر الدّين بن تيميّة. وعني بالحديث، وتفقه بالشيخ موفق

_ [1] (5/ 287) . [2] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 436- 437) و «العبر» (5/ 288) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 278- 280) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن المعطوس» بالسين المهملة، والتصحيح من ترجمته في المجلد السادس صفحة (557) .

الدّين، وخرّج لنفسه «مشيخة» وجمع «تاريخا» لنفسه. وكان فاضلا متنبّها. وولي الخطابة بكفر بطنا [1] بضع عشرة سنة. وكان يكتب بسرعة خطّا حسنا، فكتب ما لا يوصف كثرة، يكتب في اليوم الكرّاسين والثلاثة إلى التسعة. وكتب «تاريخ دمشق» لابن عساكر مرّتين، «والمغني» للموفق مرّات. وذكر أنه كتب بيده ألفي مجلّدة. وكان حسن الخلق والخلق، متواضعا، ديّنا. حدّث بالكثير بضعا وخمسين سنة، وانتهى إليه علوّ الإسناد. وكانت الرّحلة إليه من أقطار البلاد، وخرّج له ابن الظّاهري «مشيخة» وابن الخبّاز أخرى. وسمع منه الحفّاظ المتقدمون، كالحافظ ضياء الدّين، والزّكي البرزالي، وعمر بن الحاجب، وغيرهم. وروى عنه الأئمة الكبار، والحفّاظ المتقدمون والمتأخرون، منهم: الشيخ محيي الدّين النّووي، والشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن دقيق العيد، وابن تيميّة، وخلق، آخرهم: ابن الخبّاز. وتوفي يوم الاثنين سابع رجب، ودفن بسفح قاسيون. وفيها ضياء الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي [2] الفقيه الشافعي، الإمام الحافظ المتقن المحقّق الضّابط الزّاهد الورع، شيخ النّووي. ذكره فيما ألحقه في «طبقات ابن الصّلاح» [3] فقال: ولم تر عيني في وقته مثله، وكان- رضي الله عنه- بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه، لا سيما «الصحيحان» ذا عناية

_ [1] كفر بطنا: قرية من قرى غوطة دمشق الشرقية ذات بساتين خضراء جميلة، أنجبت عددا من العلماء منهم مؤرخ الإسلام الحافظ الذّهبي، وسكنها معاوية بن أبي سفيان. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 468) . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 122) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 453) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 161) . [3] سبق أن ذكرت من قبل بأن «طبقات الشافعية» لابن الصلاح باختصار النووي تمّ تحقيقه على يد الأستاذ محيي الدّين نجيب، وهو تحت الطبع الآن ببيروت كما ذكر لي محقّقه.

بالغة، والنحو، والفقه، ومعارف الصّوفية، حسن المذاكرة فيها. وكان عندي من كبار السّالكين في طرائق الحقائق، حسن التعليم، صحبته نحو عشر سنين، فلم أر منه شيئا يكره. وكان من السماحة بمحلّ عال، على قدر وجده. وأما الشّفقة على المسلمين ونصيحتهم فقلّ نظيره فيهما. توفي بمصر في أوائل سنة ثمان وستين وستمائة. انتهى كلام النّووي. وفيها أبو دبّوس صاحب المغرب الواثق بالله أبو العلاء إدريس بن عبد الله المؤمني [1] آخر ملوك بني عبد المؤمن. جمع الجيوش، وتوثّب على مرّاكش، وقتل ابن عمّه صاحبها أبا حفص. وكان بطلا، شجاعا، مقداما، مهيبا. خرج عليه زعيم آل مرين [2] يعقوب بن عبد الحق المريني [3] وتمّت بينهما حروب، إلى أن قتل أبو دبّوس بظاهر مرّاكش في المصافّ، واستولى يعقوب على المغرب. وفيها أحمد بن القاسم بن خليفة الحكيم عرف بابن أبي أصيبعة [4] . كان عالما بالأدب، والطبّ، والتّاريخ. له مصنفات عدة، منها: «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» [5] . وفيها شيخ الأطباء وكبيرهم علي بن يوسف بن حيدرة [الرّحبي] [6] . اشتغل بالأدب، وفاق أهل زمانه، وكان يقول لأصحابه: بعد قليل يموت عند

_ [1] انظر «العبر» (5/ 288- 289) و «دول الإسلام» (2/ 171- 172) . [2] تصحفت في «آ» إلى «مزين» . [3] تصحفت في «آ» إلى «المزيني» . [4] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 437) و «البداية والنهاية» (13/ 257) و «الأعلام» (1/ 197) . [5] قال العلّامة الزركلي: صنّفه سنة (643) . قلت: وله عدة طبعات. [6] انظر «البداية والنهاية» (13/ 255) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 130) وقد تحرفت «الرّحبي» فيه إلى «الرّضي» فتصحح، و «الأعلام» (5/ 34) وانظر تعليق العلّامة الزركلي عليه.

قران الكوكبين، ثم يقول: قولوا للناس حتّى يعلموا مقدار علمي في حياتي وعلمي [1] بوقت موتي. وفيها العلّامة المجيد نجم الدّين عبد الغفّار بن عبد الكريم بن عبد الغفّار القزويني الشّافعي [2] ، أحد الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام. قال اليافعيّ: سلك في «حاويه» مسلكا لم يلحقه أحد ولا قاربه. قال ابن شهبة: هو صاحب «الحاوي الصغير» و «اللباب» و «العجاب» . قال السّبكي: كان أحد الأئمة الأعلام، له اليد الطّولى في الفقه، والحساب، وحسن الاختصار. وقيل: إنه كان إذا كتب في الليل يضيء له نور يكتب عليه. توفي في المحرّم سنة خمس وستين وستمائة. انتهى. وجزم اليافعيّ وابن الأهدل بوفاته في هذه السنة [3] . وفيها الكرماني الواعظ المعمّر بدر الدّين عمر بن محمد بن أبي سعد التّاجر [4] . ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة، وسمع في الكهولة من القاسم [ابن] الصفّار. وروى الكثير بدمشق وبها توفي في شعبان. وفيها محيي الدّين قاضي القضاة أبو الفضل يحيى بن قاضي القضاة محيي الدّين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدّين أبي

_ [1] سقطت لفظة «وعلمي» هذه من «ط» . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 277- 278) و «مرآة الجنان» (4/ 167- 169) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 174) . [3] يعني في سنة (668) التي ترجم المؤلف له فيها. [4] انظر «العبر» (5/ 289) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «النجوم الزاهرة» (7/ 230) .

الحسن علي بن قاضي القضاة منتجب الدّين أبي المعالي القرشي الدمشقي الشافعي [1] . ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة، وروى عن حنبل، وابن طبرزد، وتفقه على الفخر بن عساكر، وولي قضاء دمشق مرّتين فلم تطل أيّامه، وكان صدرا معظّما معرقا في القضاء، له في [ابن] العربي عقيدة تتجاوز الوصف. وكان شيعيّا يفضّل عليا على عثمان، مع كونه ادعى نسبا إلى عثمان. وهو القائل: أدين بما دان الوصيّ ولا أرى ... سواه وإن كانت أميّة محتدي ولو شهدت صفّين خيلي لأعذرت ... وساء بني حرب هنالك مشهدي وسار إلى خدمة هولاكو [2] فأكرمه وولّاه قضاء الشّام، وخلع عليه خلعة سوداء مذهّبة، فلما تملّك الملك الظّاهر أبعده إلى مصر وألزمه بالمقام بها. وتوفي بمصر في سابع عشر رجب. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 289- 290) و «مرآة الجنان» (4/ 169- 170) و «البداية والنهاية» (13/ 257- 258) و «النجوم الزاهرة» (7/ 230) . [2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .

سنة تسع وستين وستمائة

سنة تسع وستين وستمائة في شعبانها افتتح السّلطان حصن الأكراد بالسيف، ثم نازل حصن عكّا، وأخذه بالأمان، فتذلّل له صاحب طرابلس، وبذل له ما أراد، وهادنه عشر سنين. وفي شوّالها جاء سيل بدمشق في بحبوحة الصّيف، وذلك بالنهار والشمس طالعة، فغلّقت أبواب البلد، وطغا الماء وارتفع، وأخذ البيوت والأموال، وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرع، حتّى طلع الماء فوق أسطحة عديدة، وضجّ الخلق، وابتهلوا إلى الله تعالى. وكان وقتا مشهودا، أشرف الناس فيه على التّلف، ولو ارتفع ذراعا آخر لغرق نصف دمشق. وفيها توفي ابن البارزيّ قاضي حماة شمس الدّين إبراهيم بن المسلم بن هبة الله الحموي الشّافعي [1] تفقه بدمشق بالفخر بن عساكر، وأعاد له، ودرّس بالرّواحية، وولي تدريس معرّة النّعمان، ثم تحوّل إلى حماة ودرّس بها، وأفتى، وولي قضاءها فحمدت سيرته، وكان ذا علم ودين. وتوفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة. وفيها الشيخ حسن بن أبي [2] عبد الله بن صدقة الأزدي الصّقليّ

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 457- 458) و «العبر» (5/ 291) و «الوافي بالوفيات» (6/ 146- 147) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 268- 269) . [2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .

المقرئ [1] ، الرّجل الصّالح. قرأ القراءات على السّخاوي، وسمع الكثير، وأجاز له المؤيد الطّوسي، وتوفي في ربيع الآخر، وكان صالحا، ورعا، مخلصا، متقلّلا من الدّنيا منقطع القرين، عاش تسعا وسبعين سنة. وفيها ابن قرقول، صاحب كتاب «مطالع الأنوار» إبراهيم بن يوسف الحموي [2] . كان من الفضلاء الصّلحاء. صحب علماء الأندلس، وكتابه ضاهى به «مشارق الأنوار» للقاضي عياض. صلّى الجمعة في الجامع ثم حضرته الوفاة، فتلا سورة الإخلاص، وكرّرها بسرعة، ثم تشهّد ثلاث مرّات وسقط على وجهه ميّتا ساجدا، رحمه الله تعالى. وفيها ابن سبعين الشّيخ قطب الدّين أبو محمد عبد الحقّ بن إبراهيم ابن محمد بن نصر الإشبيلي المرسي الرّقوطي [3] الأصل الصّوفي المشهور [4] . قال الذهبي: كان من زهّاد الفلاسفة، ومن القائلين بوحدة الوجود. له تصانيف وأتباع يقدمهم يوم القيامة. انتهى. وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : درّس العربية والآداب بالأندلس، ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف على قاعدة زهد الفلاسفة وتصرّفهم، وعكف على مطالعة كتبه، وجدّ واجتهد، وجال في بلاد المغرب،

_ [1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 458) و «العبر» (5/ 291) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 675) و «الوافي بالوفيات» (12/ 92) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 62- 63) و «الوافي بالوفيات» (6/ 171) . [3] نسبة إلى رقوطة، وهي حصن منيع بقرب مرسية. قاله الفاسي في «العقد الثمين» . [4] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 460) وقد تحرفت «الرقوطي» فيه إلى «الزقوطي» و «رقوطة» إلى «زقوطة» بالزاي مكان الراء. «عنوان الدّراية» ص (237) بتحقيق الأستاذ عادل نويهض، و «العبر» (5/ 291- 292) و «الوافي بالوفيات» (18/ 60- 64) و «الإحاطة» في أخبار «غرناطة» (4/ 31- 38) و «العقد الثمين» (5/ 326- 335) و «نفح الطيّب» (2/ 196) .

ثم رحل إلى المشرق، وحجّ حججا كثيرة، وشاع ذكره، وعظم صيته، وكثرت أتباعه، على رأي أهل الوحدة المطلقة، وأملى عليهم كلاما في العرفان على رأي الاتحادية، وصنّف في ذلك أوضاعا كثيرة وتلقّوها عنه وبثّوها في البلاد شرقا وغربا، وقد ترجمه ابن حبيب فقال: صوفيّ متفلسف متزّهد متعبّد متقشّف، يتكلم على طريق أصحابه، ويدخل البيت لكن من غير أبوابه، شاع أمره، واشتهر ذكره، وله تصانيف، وأتباع، وأقوال، تميل إليها بعض القلوب وينكرها بعض الأسماع. وقال لأبي الحسن الشّشتري [1] عند ما لقيه- وقد سأله عن وجهته وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد- إن كنت تريد الجنّة فشأنك ومن قصدت، وإن كنت تريد ربّ الجنّة فهلمّ إلينا. وأما ما نسب إليه من آثار السّيما [2] والتصويف فكثير جدا. ومن نظمه: كم ذا تموّه بالشّعبين والعلم [3] ... والأمر أوضح من نار على علم أصبحت [4] تسأل عن نجد وساكنها ... وعن تهامة هذا فعل متّهم وقال البسطامي: كان له سلوك عجيب على طريق أهل الوحدة، وله في علم الحروف والأسماء اليد الطّولى، وألّف تصانيف، منها: «كتاب الحروف الوضعية في الصّور الفلكية» و «شرح كتاب إدريس عليه السلام» الذي وضعه في علم الحرف، وهو نفيس.

_ [1] هو علي بن عبد الله النّميري الشّشتري، الفقيه الصوفي الصالح العابد، المتوفى سنة (668 هـ) انظر ترجمته في «عنوان الدّراية» ص (339- 242) و «الأعلام» (4/ 305) وتعليق العلّامة الزركلي عليه. [2] في «ط» : «السيمايا» . وقال الصّفدي في «الوافي بالوفيات» : ولقد اجتمعت بجماعة من أصحاب أصحابه ورأيتهم ينقلون عن أولئك، أن ابن سبعين كان يعرف السيمياء والكيمياء، وأن أهل مكة كانوا يقولون: إنه أنفق فيها ثمانين ألف دينار. [3] في «آ» و «ط» : «فالعلم» والتصحيح من «الإحاطة» و «نفح الطّيب» . [4] «الإحاطة» و «نفح الطيب» : «ظللت» .

ومن وصاياه لتلامذته وأتباعه: عليكم بالاستقامة على الطريقة [1] ، وقدّموا فرض الشريعة على الحقيقة، ولا تفرّقوا بينهما، فإنهما من الأسماء المترادفة، واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا، وقولوا: عليها وعلى أهلها اللعنة. انتهى. وأغراض الناس متباينة بعيدة عن الاعتدال، فمنهم المرهق المكفّر، ومنهم المقلّد. ومما شنّع عليه به، أنه ذكر في [2] «كتاب البدّان» [3] صاحب «الإرشاد» إمام الحرمين، إذا ذكر أبو جهل وهامان فهو ثالث الرجلين، وأنه قال في شأن الغزّاليّ: إدراكه في العلوم أضعف من خيط العنكبوت، فإن صحّت نسبة ذلك إليه، فهو من أعداء الشريعة المطهّرة بلا ريب. وقد حكي عن قاضي القضاة ابن دقيق العيد أنه قال: جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركّباته، والله أعلم بسريرة حاله. وقد أخذ عن جماعة، منهم: الحرّاني، والبوني. مات بمكّة. انتهى كلام المناويّ بحروفه. وفيها أبو الحسن بن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي النّحوي الحضرميّ الإشبيلي [4] ، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس.

_ [1] في «آ» و «ط» : «على الطريق» وما أثبته من «الإحاطة في أخبار غرناطة» . [2] لفظة «في» سقطت من «آ» . [3] كذا في «آ» و «ط» : «البدّان» وفي «الإحاطة» و «العقد الثمين» : «البدّ» مفردا، وعلّق الأستاذ فؤاد سيد رحمه الله على «العقد الثمين» بما يلي: المعروف أن اسمه «بدّ العارف» أو «بدء العارف» ومنه نسخة مكتوبة سنة (679 هـ) ومحفوظة بمكتبة جار الله بإستانبول برقم (1273) وأخرى في برلين برقم (1744) . [4] انظر «عنوان الدّراية» ص (317- 319) و «الوافي بالوفيات» (22/ 265- 267) و «فوات

قال ابن الزّبير: أخذ عن الدّبّاج والشّلوبين ولازمه مدة، ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة. وتصدّر للاشتغال مدة بعدة بلاد، وجال بالأندلس، وأقبل عليه الطلبة. وكان أصبر النّاس على المطالعة، لا يملّ من ذلك. ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو، ولا تأهّل لغير ذلك. قال الصّفديّ: ولم يكن عنده ورع، وجلس في مجلس شراب، فلم يزل يرجم بالنّارنج إلى أن مات في رابع عشري ذي القعدة. ومولده سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وصنّف «الممتع في التصريف» [1] . كان أبو حيّان لا يفارقه، «المقرّب» شرحه لم يتم، «شرح الجزولية» ، «مختصر المحتسب» ، ثلاث شروح على «الجمل» ، «شرح الأشعار الستة» وغير ذلك. ومن شعره: لمّا تدنّست بالتّفريط في كبري ... وصرت مغرى بشرب الرّاح واللّعس أيقنت [2] أنّ خضاب الشّيب أستر لي ... إنّ البياض قليل الحمل للدّنس ورثاه القاضي ناصر الدّين بن المنيّر. قال ذلك السيوطي في كتابه «بغية الوعاة في طبقات اللّغويين والنّحاة» . وفيها المجد بن عساكر محمد بن إسماعيل بن عثمان بن مظفّر بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدّمشقي [3] المعدّل. سمع من الخشوعي والقاسم [4] ، وجماعة، وتوفي في ذي القعدة.

_ [ (-) ] الوفيات» (3/ 109- 110) و «بغية الوعاة» (2/ 210) . [1] نشرته مكتبة دار العروبة في الكويت، ونشر في بيروت أيضا. [2] في «الوافي بالوفيات» و «فوات الوفيات» : «رأيت» . [3] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 463) و «العبر» (5/ 292) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «الوافي بالوفيات» (2/ 219) . [4] هو القاسم بن علي بن عساكر الدمشقي.

سنة سبعين وستمائة

سنة سبعين وستمائة في رمضان حوّلت التتار من تبقّى من أهل حرّان [1] إلى المشرق وخربت ودثرت بالكلّيّة. وفيها توفي معين الدّين أحمد بن قاضي الدّيار المصرية علي بن العلّامة أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدّمشقي ثم المصري [2] . ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من البوصيري، وابن ياسين، وطائفة، وتوفي في رجب. وفيها الملك الأمجد حسن بن الملك النّاصر داود بن الملك المعظّم عيسى بن الملك العادل أيوب [3] . كان من الفضلاء، عنده مشاركة جيدة في كثير من العلوم، وله معرفة تامّة بالأدب. وتزهّد وصحب المشايخ، وكان لا يدّخر عنهم شيئا. وكان كثير

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (185/ آ) : «من أهل خراسان» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» و «دول الإسلام» . [2] انظر «العبر» (5/ 292- 293) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) . [3] انظر «النجوم الزاهرة» (7/ 236) و «ترويح القلوب» للزّبيدي ص (60) و «الأعلام» (2/ 190) .

المروءة والاحتمال. مات بدمشق ودفن بتربة جدّه الملك المعظّم بسفح قاسيون. وفيها الكمال سلّار بن الحسن بن عمر بن سعيد الإربلي الشّافعي [1] الإمام العلّامة مفتي الشّام ومفيده أبو الفضائل، صاحب ابن الصّلاح شيخ الأصحاب ومفيد الطلّاب. تفقّه على ابن الصّلاح حتّى برع في المذهب، وتقدم وساد، واحتاج الناس إليه، وكان معيدا بالبادرائية، عيّنه لها واقفها، فباشرها إلى أن توفي يفيد ويعيد، ويصنّف ويعلّق، ويؤلّف ويجمع، وينشر المذهب، ولم يزدد منصبا آخر، وقد اختصر «البحر» للرّوياني في مجلدات عدة، وانتفع به جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ محيي الدّين النّووي، وأثنى عليه ثناء حسنا. قال: وتفقه على جماعة، منهم: أبو بكر الماهياني، والماهياني على ابن البرزي. وقال الشريف عزّ الدّين: وكان عليه مدار الفتوى بالشّام في وقته، ولم يترك في بلاد الشام مثله. توفي في جمادى الآخرة في عشر التسعين أو نيّف عليها، ودفن بباب الصغير. وفيها الجمال البغداديّ عبد الرحمن بن سليمان [2] بن سعد بن سليمان [2] البغدادي [3] الأصل الحرّاني المولد، الفقيه الحنبلي، أبو محمد، نزيل دمشق.

_ [1] «ذيل مرآة الزمان» (2/ 479) و «العبر» (5/ 293) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (279) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 149) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 168- 169) . [2] في «آ» و «ط» و «النجوم الزاهرة» : «سلمان» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» و «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] في «الوافي بالوفيات» : «البغيداذي» وكذلك في «تاريخ الإسلام» للذهبي كما في حاشية «النجوم الزاهرة» .

ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة في أحد ربيعيها، وسمع من عبد القادر الحافظ، وحنبل، وحمّاد الحرّاني، وغيرهم. وتفقه بالشيخ الموفق، وبرع وأفتى، وانتفع به جماعة، وحدّث. وروى عنه طائفة، منهم: ابن الخبّاز. وكان إماما بحلقة الحنابلة بالجامع. توفي في رابع شعبان ودفن بسفح قاسيون. وفيها ابن يونس تاج الدّين العلّامة عبد الرحيم بن الفقيه رضي الدّين محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي [1] ، مصنّف «التعجيز» . كان من بيت الفقه والعلم بالموصل. ولد بها سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، واشتغل بها، وأفاد وصنّف، ثم دخل بغداد بعد استيلاء التتار عليها في رمضان هذه السنة، وولي قضاء الجانب الغربي بها، وتدريس البشيرية. قال الإسنويّ: كان فقيها، أصوليا، فاضلا. توفي في شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة، ودفن عند قبة الدّيلم بالمشهد الفاطمي، وجزم ابن خلّكان وصاحب «العبر» [2] بوفاته في هذه السنة. وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد

_ [1] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 255) و «العبر» (5/ 293) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 191- 194) و «الوافي بالوفيات» (18/ 391) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 574) . [2] قلت: ما ذكره في هذا الصدد عن ابن خلّكان صحيح فقد ذكر بأنه مات سنة (671) وأما ما ذكره عن الذهبي في «العبر» فهو وهم منه رحمه الله، فقد ذكر ضمن وفيات سنة (670) !.

المقدسي الصّحراوي [1] . روى عن الخشوعي، ومحمد بن الخصيب، وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة. وفيها القاضي الرئيس عماد الدّين محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التّغلبي [2] الدّمشقي [3] ، والد قاضي القضاة نجم الدّين. ولد بعد الستمائة، وسمع من الكندي وجماعة، وكان كامل السّؤدد، متين الدّيانة، وافر الحرمة. توفي في العشرين من ذي القعدة عن تسعين سنة. قاله في «العبر» . وفيها الوجيه ابن سويد التكريتي محمد بن علي بن أبي طالب التّاجر [4] . كان واسع الأموال والمتاجر، عظيم الحرمة، مبسوط اليد في الدولة النّاصرية والظّاهرية. توفي في ذي القعدة عن نيّف وستين سنة، ولم يرو شيئا. وفيها الحافظ محمد بن الحافظ العلم علي الصّابوني بن محمود بن أحمد بن علي المحمودي [5] أبو حامد، المنعوت بالجمال. كان إماما، حافظا، مفيدا. اختلط قبل موته بسنة أو أكثر. قال ابن ناصر الدّين في «بديعته» [6] : محمد بن العلم الصّابوني ... خبرته فائقة الفنون

_ [1] انظر «العبر» (5/ 293) . [2] في «آ» و «ط» : «الثعلبي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «العبر» (5/ 294) و «الوافي بالوفيات» (3/ 84) و «النجوم الزاهرة» (7/ 237) . [4] انظر «العبر» (5/ 294) و «الوافي بالوفيات» (4/ 186) . [5] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1464- 1465) و «الوافي بالوفيات» (4/ 188- 189) وذكره ابن ناصر الدّين في «التبيان شرح بديعة البيان» (181/ آ- ب) وذكر فوائد عزيزة في ترجمته. [6] (25/ ب) من مصورة المكتبة الأحمدية بحلب.

وفيها أبو بكر البشتي- نسبة إلى بشت قرية بنيسابور [1]- محمد بن المحدّث عليّ بن المظفّر بن القاسم الدمشقي المولد المؤذن. ولد في المحرّم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وطائفة كثيرة. توقف بعض المحدّثين في السماع منه لأنه كان [2] جنائزيّا.

_ [1] تنبيه: كذا قيّد نسبته المؤلف رحمه الله تعالى، والصواب «النّشبيّ» من ولد نشبة بن الربيع، بطن من تيم الرّباب. كما قيّده الذّهبيّ في «مشتبه النسبة» ص (348) . [2] لفظة «كان» سقطت من «آ» .

سنة إحدى وسبعين وستمائة

سنة إحدى وسبعين وستمائة فيها وصلت التتار إلى حافة الفرات، ونازلوا البيرة، وكان السلطان بدمشق فأسرع السير وأمر الأمراء بخوض الفرات، فخاض سيف الدّين قلاوون، وبيسرى، والسلطان أولا، ثم تبعهم العسكر ووقعوا على التتار، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا مائتين، ولله الحمد. وأنشد في ذلك الموفق الطّبيب: الملك الظّاهر سلطاننا ... نفديه بالأموال والأهل اقتحم الماء ليطفي به ... حرارة القلب من المغل وفيها توفي أبو البركات أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري المالكي الإسكندراني ابن النّحاس [1] . سمع من عبد الرحمن بن موقّى وغيره، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها أحمد بن هبة الله بن أحمد السّلميّ الكهفيّ [2] . روى عن ابن طبرزد وغيره، وتوفي في رجب.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 295) و «حسن المحاضرة» (1/ 381) . [2] انظر «العبر» (5/ 295) و «النجوم الزاهرة» (7/ 240) .

وفيها أبو الفتح عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي القيسيّ المصريّ المقرئ الشافعي [1] ، خطيب جامع المقياس. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات بالسبعة على أبي الجود، وسمع من قاسم بن إبراهيم المقدسي وجماعة، وأجاز له أبو طالب أحمد بن المسلّم اللّخمي، وأبو طالب بن عوف، وجماعة. وتفرّد بالرّواية عنهم. وكان صالحا، كثير التّلاوة، وتوفي في شعبان. وفيها أبو الفرج فخر الدّين عبد القاهر بن أبي محمد بن أبي القاسم ابن تيميّة الحرّاني الحنبلي [2] . ولد بحرّان سنة اثنتي عشرة وستمائة، وسمع من جدّه، وابن اللّتي، وحدّث بدمشق، وخطب بجامع حرّان. وتوفي في حادي عشر شوال بدمشق، ودفن من الغد بمقابر الصّوفية. وفيها ابن هامل، المحدّث شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن عمّار بن هامل بن موهوب الحرّاني الحنبلي [3] المحدّث الرحّال نزيل دمشق. ولد بحرّان سنة ثلاث وستمائة، وسمع ببغداد من القطيعي وغيره، وبدمشق من القاضي أبي نصر الشّيرازي وغيره، وبالإسكندرية من الصّفراوي وغيره، وبالقاهرة من ابن الصّابوني وغيره، وكتب بخطّه، وطلب بنفسه. وكان أحد المعروفين بالفضل والإفادة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 240) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 663) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «النجوم الزاهرة» (7/ 240) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 282) . [3] انظر «العبر» (5/ 296) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «النجوم الزاهرة» ص (240) .

قال الذهبي: عني بالحديث عناية كلّيّة، وكتب الكثير، وتعب وحصّل، وأسمع الحديث، وفيه دين وحسن عشرة. أقام بدمشق، ووقف كتبه وأجزاءه بالضّيائية. وقال الدّمياطي في حقّه: الإمام الحافظ. وسمع منه جماعة من الأكابر، منهم: الحافظ الدّمياطي، وابن الخبّاز. وتوفي ليلة الأربعاء ثامن شهر رمضان بالمارستان الصغير بدمشق، ودفن من الغد بسفح قاسيون. والمارستان الصغير بدمشق أقدم من المارستان النّوري. كان مكانه في قبلة مطهرة الجامع الأموي، وأول من عمره بيتا وخرّب رسوم المارستان منه أبو الفضل الإخنائي، ثم ملكه بعده أخوه البرهان الإخنائي، وهو تحت المئذنة [1] الغربية بالجامع الأموي من جهة الغرب، وينسب إلى أنه [من] عمارة معاوية أو ابنه. وفيها العدل شرف الدّين علي بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الإسكاف [2] . كان من كبار أهل دمشق، وكان قد عاهد الله تعالى أنه مهما كسب يتصدق بثلثه. بنى رباطا بجبل قاسيون، وأوقف عليه وقفا [3] كبيرا وشرط أن يقيم فيه عشرة شيوخ عمر كلّ شيخ منهم فوق الخمسين، ولكل واحد في الشهر عشرة دراهم. مات بدمشق ودفن برباطه. وفيها الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي صاحب كتاب «التذكرة بأمور الآخرة» [4]

_ [1] في «آ» و «ط» : «المأذنة» وهو خطأ والصواب ما أثبته. [2] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر. [3] في «آ» و «ط» : «وقف» . [4] اسمه الكامل: «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» وهو مطبوع عدة طبعات، أفضلها التي صدرت عن مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة بعناية الدكتور أحمد حجازي السّقاء، وهو

و «التفسير الجامع لأحكام القرآن» [1] الحاكي مذاهب السّلف كلّها، وما أكثر فوائده. وكان إماما علما، من الغوّاصين على معاني الحديث، حسن التصنيف، جيد النقل. توفي بمينة بني خصيب من صعيد مصر، رحمه الله تعالى. وفيها صاحب صهيون سيف الدّين محمد بن مظفّر الدّين عثمان بن منكورس [2] ملك صهيون بعد أبيه اثنتي عشرة سنة، وتوفي بها في عشر السبعين، وملك بعده ولده سابق الدّين، ثم جاء إلى خدمة الملك الظّاهر مختارا غير مكره، وسلّم الحصن إليه، فأعطاه إمرة وأعطى أقاربه أخبازا. قاله في «العبر» . وفيها الشّرف بن النّابلسي الحافظ أبو المظفّر يوسف بن الحسن بن بدر [3] الدمشقي [4] . ولد بعد الستمائة، وسمع من ابن البنّ وطبقته، وفي الرحلة من ابن عبد السلام الدّاهريّ، وعمر بن كرم، وطبقتهما. وكتب الحديث، وكان فهما، يقظا، حسن [5] الحفظ، مليح النّظم. ولي مشيخة دار الحديث النّورية، وتوفي في حادي عشر المحرّم.

_ بحاجة إلى المزيد من التحقيق والضبط والتخريج فهو من أهم الكتب في موضوعه، ولعلنا نتمكن من إخراجه إخراجا جديدا يليق به وفق مناهج التحقيق الحديثة إن شاء الله تعالى. [1] وهو مطبوع في مصر طبعة جيدة متداولة. [2] انظر «العبر» (5/ 296) . [3] كذا في «ط» و «العبر» و «الدارس» : «ابن بدر» وفي «آ» : «ابن بدر الدّين» . [4] انظر «العبر» (5/ 297) و «مرآة الجنان» (4/ 172) و «النجوم الزاهرة» (7/ 240) و «الدّارس في تاريخ المدارس» (1/ 110) . [5] لفظة «حسن» سقطت من «آ» .

سنة اثنتين وسبعين وستمائة

سنة اثنتين وسبعين وستمائة فيها [1] توفي الكمال المحلّي أحمد بن علي الضرير [2] ، شيخ القراء بالقاهرة. انتفع به جماعة، ومات في ربيع الآخر عن إحدى وخمسين سنة. وفيها المؤيد بن القلانسيّ، رئيس دمشق، أبو المعالي أسعد بن المظفّر بن أسعد بن حمزة بن أسد التّميمي [3] . سمع من ابن طبرزد، وحدّث بمصر ودمشق، وتوفي في المحرّم. وفيها الأتابك الأمير الكبير فارس الدّين أقطاي الصّالحي المستعرب [4] . أمّره أستاذه الملك الصّالح، ثم ولي نيابة السلطنة للمظفّر قطز، فلما قتل قام مع الملك الظّاهر، ثم اعتراه طرف جذام [5] ، فلزم بيته إلى أن توفي في جمادى الأولى بمصر، وقد شارف السبعين. وفيها النّجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصّيقل الحرّاني الحنبلي [6] التاجر، مسند الدّيار المصرية.

_ [1] لفظة «فيها» سقطت من «آ» . [2] انظر «العبر» (5/ 297) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 685) و «غاية النهاية» (1/ 82) و «حسن المحاضرة» (1/ 503) . [3] انظر «العبر» (5/ 297) و «النجوم الزاهرة» (7/ 241- 242) . [4] انظر «العبر» (5/ 297- 298) و «النجوم الزاهرة» (7/ 242) . [5] قلت: في «النجوم الزاهرة» : «وكان أظهر أن به طرف جذام ولم يكن به شيء من ذلك» . [6] انظر «العبر» (5/ 298) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) .

ولد بحرّان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ورحل به أبوه، فأسمعه الكثير من ابن كليب، وابن المعطوس، وابن الجوزي. وولي مشيخة دار الحديث الكاملية، وتوفي في أول صفر، وله خمس وثمانون سنة. وفيها الحافظ الإمام نجم الدّين علي بن عبد الكافي الرّبعي الدّمشقي [1] ، أحد من عني بالحديث مع الذكاء المفرط، ولو عاش لما تقدّمه أحد [2] في الفقه والحديث، بل توفي في ربيع الآخر ولم يبلغ الثلاثين. وفيها كمال الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد وضّاح بن أبي سعيد محمد بن وضّاح [3] نزيل بغداد الفقيه الحنبلي النّحويّ الزاهد الكاتب. ولد في رجب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع «صحيح مسلم» من المروزي، وببغداد من ابن القطيعي، وابن روزبه «صحيح البخاري» عن أبي الوقت [السّجزيّ] ، ومن عمر بن كرم «جامع الترمذي» ومن عبد اللّطيف بن القطيعي «سنن الدّارقطني» . وسمع من الشيخ العارف علي بن إدريس اليعقوبي. ولبس منه الخرقة، وانتفع به. ورحل، وطاف، وسمع الكثير من الكتب [4] ، وتفقه وبرع في العربية. وكان صديقا للشيخ يحيى [5] الصّرصري.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 298) و «النجوم الزاهرة» (7/ 244) . [2] في «العبر» بطبعتيه: «عاش وما تقدمه أحد» وهو خطأ والصواب ما جاء في كتابنا والنسخة «ب» من النسخ التي رجع إليها محقق «العبر» طبع بيروت وكان عليه أن يثبت الصواب في المتن لا أن يشير إليه في الحاشية!. [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 282- 284) . و «معجم المؤلفين» (7/ 231) . [4] في «آ» و «ط» : «وسمع الكثير من الكثير» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف. [5] كذا في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «يحيى» وفي «ط» : «محيي الدّين» .

قال ابن رجب: كان سمح النّفس، صحب المشايخ والصالحين، وكان عالما بالفقه والفرائض والأحاديث، ورتّب عقب الواقعة [1] مدرسا بالمجاهدية. وهو أحد المكثرين. وخرّج وصنّف. ومن مصنفاته كتاب «الدليل الواضح [في] اقتفاء نهج السّلف الصّالح» وكتاب «الرّدّ على أهل الإلحاد» وغير ذلك. وله إجازات من جماعات كثيرة، منهم: من دمشق الشيخ موفق الدّين بن قدامة. وتوفي- رحمه الله- ليلة الجمعة ثالث صفر، ودفن بحضرة قبر الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- عند رجليه. وفيها شمس الدّين أبو الحسن علي بن عثمان بن عبد القادر بن محمود بن يوسف بن الوجوهي البغدادي [2] الصّوفي المقرئ الفقيه الحنبلي الزّاهد، أحد أعيان أهل بغداد في زمنه. ولد في [ذي] الحجّة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي، صاحب ابن سعدون القرطبي. وسمع الحديث من ابن روزبه [3] وغيره. وكان ديّنا، خيّرا، صالحا، خازنا بدار الوزير. وكان شيخ رباط ابن الأمير [4] وله كتاب «بلغة المستفيد في القراءات العشر» . وروى عنه جماعات. وتوفي في ثالث جمادى ببغداد ودفن بباب حرب، وروي بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: نزلا [5] عليّ وأجلساني وسألاني، فقلت: ألمثل [6] ابن الوجوهي يقال ذلك؟ فأضجعاني ومضيا.

_ [1] في «آ» : «الوقعة» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 284- 285) و «غاية النهاية» (1/ 556) . [3] تصحفت في «آ» إلى «روزنة» . [4] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (180/ ب) : «ابن الأمير» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن الأثير» . [5] يعني الملكان منكر ونكير عليهما السلام. [6] في «آ» و «ط» : «لمثل» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.

وفيها كمال الدّين التّفليسي أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر [1] الشافعي أبو حفص [2] . ولد بتفليس سنة اثنتين وستمائة تقريبا، وتفقه، وبرع في المذهب والأصلين وغير ذلك، ودرّس وأفتى وأشغل، وجالس أبا عمرو بن الصّلاح. وممن أخذ عنه الأصول الشيخ محيي الدّين النّووي. وولي القضاء بدمشق نيابة. وكان محمود السيرة، ولما تملّك التتار، جاءه التقليد من هولاكو [3] بقضاء الشام، والجزيرة، والموصل، فباشره مدّة يسيرة، وأحسن إلى الناس بكل ممكن، وذبّ عن الرّعية. وكان نافذ الكلمة، عزيز المنزلة عند التتار، لا يخالفونه في شيء. قال القطب اليونيني: فبالغ في الإحسان، وسعى في حقن الدماء، ولم يتدنس في تلك المدة بشيء من الدّنيا، مع فقره وكثرة عياله، ولا استصفى لنفسه مدرسة ولا استأثر بشيء. وكان مدرّس العادلية. وسار محيي الدّين بن الزّكي فجاء بالقضاء على [4] الشام من جهة هولاكو [3] وتوجه كمال الدّين إلى قضاء حلب وأعمالها. ولما عادت الدولة المصرية غضبوا عليه ونسبت له [5] أشياء برّأه الله منها، وعصمه ممن أراد ضرره. وكان نهاية ما نالوا منه أنهم ألزموه بالسفر إلى الدّيار المصرية، فسافر وأفاد أهل مصر وأقام بالقاهرة مدّة يشغل الطلبة بعلوم عدة في غالب أوقاته، فوجد به الناس نفعا كثيرا، وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول ودفن بسفح المقطّم.

_ [1] تكررت «ابن عمر» في «ط» وهو من خطأ النسخ والطباعة. [2] انظر «العبر» (5/ 298- 299) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (280) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 309- 310) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 317- 318) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة» (2/ 182- 183) . [3] في «ط» : «عن» . [4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [5] في «ط» : «إليه» .

وفيها مسند الشّام ابن أبي اليسر تقي الدّين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التّنوخي الدّمشقي الكاتب المنشئ [1] . ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وروى عن الخشوعي فمن بعده، وله شعر جيد وبلاغة، وفيه خير وعدالة. توفي في السادس والعشرين من صفر. وفيها ابن علّاق أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري الرزّاز المعروف بابن الحجّاج [2] . سمع من [3] البوصيري، وابن ياسين. وكان آخر من حدّث عنهما. توفي في أول ربيع الأول وله ست وثمانون سنة. وفيها الكمال بن عبد، المسند [4] أبو نصر عبد العزيز بن عبد المنعم ابن الفقيه أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي الدمشقي [5] . ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وغيره، وتوفي في شعبان. وفيها ابن مالك العلّامة حجّة العرب جمال الدّين أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطّائي الجيّاني [6]- بفتح الجيم وتشديد التحتية ونون، نسبة إلى جيّان بلد بالأندلس- نزيل دمشق.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 299) و «النجوم الزاهرة» (7/ 244) . [2] انظر «العبر» (5/ 299) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) . [3] لفظة «من» سقطت من «آ» . [4] في «آ» و «ط» : «السيد» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلف. [5] انظر «العبر» (5/ 299- 300) و «النجوم الزاهرة» (7/ 244) . [6] انظر «العبر» (5/ 300) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 67- 68) و «مرآة الجنان» (4/ 172- 173) و «البداية والنهاية» (13/ 267) وقد تصحفت «الجياني» فيه إلى «الحياني» فتصحح.

ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة، وسمع من جماعة، وأخذ العربية عن غير واحد، وجالس بحلب ابن عمرون وغيره، وتصدّر لإقراء العربية، ثم انتقل إلى دمشق. وأقام بها يشغل ويصنّف، وتخرّج به جماعة كثيرة، وخالف المغاربة في حسن الخلق والسّخاء والمذهب، فإنه كان شافعيّ المذهب. قال الذهبي: صرف همّته إلى إتقان لسان العرب، حتّى بلغ فيه الغاية، وحاز قصب السّبق وأربى على المتقدمين، وكان إماما في القراءات وعللها، وصنّف فيها قصيدة دالية مرموزة في مقدار «الشّاطبية» وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها، والاطلاع على وحشيّها. وأما النحو والتصريف، فكان فيه بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى. وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو، فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون منه ويتعجبون من أين يأتي بها. وكان ينظم الشعر سهلا عليه. هذا مع ما هو عليه من الدّين المتين، وصدق اللهجة، وكثرة النّوافل، وحسن السّمت، ورقّة القلب، وكمال العقل، والوقار والتّؤدة. وروى عنه النّوويّ وغيره. ونقل عنه في «شرح مسلم» أشياء. توفي بدمشق في شعبان ودفن بالرّوضة قرب الموفق. ومن تصانيفه كتاب «تسهيل الفوائد» في النحو. وكتاب «الضّرب في معرفة لسان العرب» وكتاب «الكافية الشافية» وكتاب «الخلاصة» وكتاب «العمدة» وشرحها. وكتاب «سبك المنظوم وفك المختوم» وكتاب «إكمال الإعلام بتثليث الكلام» وغير ذلك. وفيها أبو عبد الله نصير الدّين محمد بن محمد بن حسن [الطّوسي] [1] ...

_ [1] انظر «العبر» (5/ 300) و «البداية والنهاية» (13/ 267- 268) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 245) وما بين الحاصرتين زيادة منها.

كان رأسا في علم الأوائل، ذا منزلة من هولاكو [1] . قال العلّامة شمس الدّين بن القيم في كتابه «إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان» [2] ما لفظه: لما انتهت النّوبة إلى نصير الشّرك والكفر والإلحاد [3] وزير الملاحدة، النّصير الطّوسي، وزير هولاكو [4] شفا نفسه من أتباع الرّسول [- صلى الله عليه وسلم-] وأهل دينه [5] ، فعرضهم على السّيف، حتّى شفا إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو، فقتل الخليفة، والقضاة، والفقهاء، والمحدّثين. واستبقى الفلاسفة، والمنجّمين، والطبائعيّين، والسّحرة، ونقل أوقاف المدارس، والمساجد، والرّبط إليهم، وجعلهم خاصّته وأولياءه. ونصر في كتبه قدم العالم، وبطلان المعاد، وإنكار صفات الرّبّ جلّ جلاله، من علمه، وقدرته، وحياته، وسمعه، وبصره، [وأنّه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد البتة] . واتخذ للملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن، فلم يقدر على ذلك، فقال: هي قرآن الخواصّ، وذلك قرآن العوام، ورام تغيير الصّلاة وجعلها صلاتين، فلم، يتمّ له الأمر، وتعلم السّحر في آخر الأمر، فكان ساحرا يعبد الأصنام. انتهى بلفظه. توفي في ذي الحجّة ببغداد، وقد نيّف على الثمانين. وفيها الشيخ سيف الدّين يحيى بن النّاصح عبد الرحمن بن النّجم ابن الحنبلي [6] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] (2/ 267) بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، طبعة البابي الحلبي، وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [3] في «إغاثة اللهفان» : «الملحد» . [4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [5] في «آ» و «ط» : «وأهل دينهم» والتصحيح من «إغاثة اللهفان» . [6] انظر «العبر» (5/ 300- 301) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 285- 286) .

كان مولده سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وقيل سنة تسعين. وهو آخر من حدّث بالسماع عن الخشوعي، وسمع من حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وغيرهم بدمشق، والموصل، وبغداد، وحدّث بمصر، ودمشق، وسمع منه العلّامة تاج الدّين الفزاري [1] وأخوه الخطيب شرف الدّين، والحافظ الدّمياطي، وذكره في «معجمه» . توفي سابع عشر شوال.

_ [1] تصحفت في «آ» إلى «الفراوي» .

سنة ثلاث وسبعين وستمائة

سنة ثلاث وسبعين وستمائة في رمضان غزا السّلطان الظّاهر بلاد سيس، المصّيصة وأذنة، وإياس [1] ، ورجع الجيش بسبي [2] عظيم وغنائم لا تحصى. وفيها قاضي القضاة شمس الدّين عبد الله بن محمد بن عطاء الأوزاعي الحنفي [3] كان المشار إليه في مذهبه مع الدّين، والصّيانة، والتّعفّف، والتواضع. اشتغل عليه جماعة، وروى عن ابن طبرزد وجماعة، وولي قضاء دمشق. وتوفي في جمادى وقد قارب الثمانين. وفيها تقيّ الدّين عمر بن يعقوب بن عثمان الإربلي الصّوفي [4] . روى بالإجازة عن المؤيد، وزينب، وجماعة. وسمع الكثير، وتوفي يوم الأضحى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وبانياس» وفي «العبر» بطبعتيه: «واباس» والتصحيح من «دول الإسلام» (2/ 175) وجاء في التعليق عليه: وهي ثغر بإرمينية الصغرى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. [2] في «آ» و «ط» : «بشيء» والتصحيح من «العبر» . [3] انظر «العبر» (5/ 301) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «النجوم الزاهرة» (7/ 247- 248) . [4] انظر «العبر» (5/ 301) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «النجوم الزاهرة» (7/ 248) .

وفيها وجيه الدّين منصور بن سليم بن منصور بن فتّوح، المحدّث الحافظ، ابن العمادية الهمداني- بسكون الميم، نسبة إلى القبيلة المشهورة- الإسكندرانيّ الشافعيّ [1] محتسب الثغر. ولد في صفر سنة سبع وستمائة، ورحل، وسمع الكثير من أصحاب السّلفي. ورحل إلى الشام، والعراق، وخرّج واعتنى بالحديث، والرّجال، والتاريخ، والفقه، وغير ذلك. وخرّج «تاريخا» للإسكندرية، وأربعين حديثا بلدية [2] . ودرّس، وجمع لنفسه «معجما» . وكان ديّنا، خيّرا، حميد الطريقة، كثير المروءة، محسنا إلى الرّحّالة. كتب عنه الدّمياطيّ، والشريف عز الدّين ولم يخلّف ببلده مثله توفي في شوال. وفيها شرف الدّين نصر الله بن عبد المنعم بن حواري التّنوخيّ الحنبلي [3] . كان أديبا فاضلا عمر في آخر عمره مسجدا بدمشق [4] عند طواحين الأشنان، تأنّق في عمارته، وصنّف كتاب «إيقاظ الوسنان في تفضيل دمشق على سائر البلدان» [5] وكانت إقامته بالعادلية الصّغرى. ولما ولي ابن خلّكان دمشق، طلب الحساب من أربابه، ومن شرف الدّين هذا عن وقف العادلية، فعمل الحساب وكتب ورقة:

_ [1] انظر «العبر» (5/ 301- 302) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1467- 1468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 193- 194) . [2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «وخرّج أربعين حديثا في أربعين بلدا» . [3] تنبيه: كذا نسبه المؤلف رحمه الله إلى المذهب الحنبلي وتبعه ابن شقدة في «المنتخب» (187/ آ) وهو وهم منهما، فهو حنفيّ المذهب، اشتهر بابن شقير، مذكور في «الجواهر المضية» (2/ 197) طبعة حيدر أباد، وانظر «الأعلام» (8/ 30- 31) الطبعة الرابعة. [4] لفظة «بدمشق» سقطت من «آ» . [5] قال العلّامة الزركلي: يقع في ثلاث مجلدات.

ولم أعمل لمخلوق حسابا ... وها أنا قد عملت لك الحسابا فقال القاضي [1] : خذ أوراقك ولا تعمل لنا حسابا ولا نعمل لك. ومن شعره: ما كنت أوّل مستهام مدنف ... كلف بممشوق القوام مهفهف تزري لواحظه بكلّ مهنّد ... ماض وعطفاه بكلّ مثقّف مستعذب الألفاظ يفعل طرفه ... في قلب من يهواه فعل المشرفي أنا واله دنف بورد خدوده ... وبفضّ نرجس مقلتيه المضعف يا جائرا أبدا بعادل قدّه ... ما حيلتي في الحبّ إن لم تنصف ديوان حسنك لم يزل مستوفيا ... وجدي وأشواقي بحسن تصرّف لك ناظر فتّان [2] بالعشّاق قد ... أضحى على الهلكات أعجل مشرف ورشيق قدّك عامل في مهجتي ... من غير حاصل أدمعي لم يصرف وإذا طلائع عارضيه بدت فقل ... قف يا عذار بخدّه واستوقف لا شيء أعذب من تهتّك عاشق ... في عشق معسول المراشف أهيف يا من يعنّف في دمشق ووصفها ... لو كنت تعقل كنت غير معنّف هي جنّة المأوى ويكفي ميزة ... وفضيلة أوصافها في المصحف

_ [1] يعني ابن خلّكان. [2] في «آ» : «فتاك» .

سنة أربع وسبعين وستمائة

سنة أربع وسبعين وستمائة فيها نزل التتار على البيرة، ونصبوا المجانيق [1] ، وكانوا ثلاثين ألف فارس، ونصبوا على القلعة منجنيقا. وكان راميه مسلما، فنصب أهل القلعة عليه منجنيقا ورموا به على مجانيق التتار، فجاء عاليا عليه، فقال رامي التتار: لو قطع الله من يدك ذراعا كان أهل البيرة يستريحون منك لقلّة معرفتك، ففطن إشارته، وقطع من رجل المنجنيق ذراعا ورمى به، فأصاب منجنيق التتار فكسره، وخرج أهل البيرة فقتلوا خلقا ونهبوا وأحرقوا المجانيق [2] . وفيها توفي سعد الدّين شيخ الشيوخ الخضر بن شيخ الشيوخ تاج الدّين عبد الله بن شيخ الشيوخ أبي الفتح عمر بن علي ابن القدوة الزاهد ابن حمّوية الجويني ثم الدّمشقي [2] . عمل للمجنديّة [3] مدة، ثم لزم الخانقاه، وله «تاريخ» مفيد، وشعره متوسط. سمع من ابن طبرزد وجماعة، وأجاز له ابن كليب، والكبار. وتوفي في ذي الحجّة، وقد نيّف على الثمانين.

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (187/ آ) : «المناجيق» وما أثبته من «دول الإسلام» (2/ 175) . [2] انظر «العبر» (5/ 303) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «مرآة الجنان» (4/ 173- 174) و «النجوم الزاهرة» (7/ 251) . [3] في «آ» و «ط» : «عمل الجندية» وما أثبته من «العبر» .

وفيها موفق الدّين أبو الحسن علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان البغدادي الأزجيّ القطيعي الحنبلي [1] الفرضي المعدّل. ولد في ذي الحجّة سنة ثلاث وستمائة، وسمع من ابن المنّي، وأجاز له غير واحد. وتفقه، وقرأ الفرائض، وشهد عند قاضي القضاة ابن اللّمعاني، وكان من أعيان العدول. وكان [2] خيّرا، كثير التّلاوة. حدّث وأجاز لجماعة، منهم: عبد المؤمن بن عبد الحق. وتوفي يوم السبت ثالث شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها عثمان بن موسى بن عبد الله الطّائيّ الإربلي الآمديّ الفقيه الحنبلي [3] إمام الحنابلة بالحرم الشريف تجاه الكعبة. كان شيخا، جليلا، إماما، عالما، فاضلا، زاهدا، عابدا، ورعا [متدينا] [4] ربّانيّا، متألّها، منعكفا على العبادة والخير والاشتغال بالله تعالى في جميع أوقاته. أقام بمكة نحو خمسين سنة. ذكره القطب اليونيني وقال: كنت أودّ رؤيته وأتشوق [5] إلى ذلك، فاتفق أني حججت سنة ثلاث وسبعين، وزرته، وتملّيت برؤيته، وحصل لي نصيب وافر من إقباله ودعائه. وقال الذهبيّ: سمع بمكة من يعقوب الحكّاك، ومحمد بن أبي البركات بن حمد، وروى عنه شيخنا الدّمياطي وابن العطّار في «معجميهما» ، وكتب إلينا بمروياته. انتهى.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 286) . [2] لفظة «وكان» سقطت من «ط» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 286- 287) و «العقد الثمين» (6/ 50- 53) . [4] لفظة «متدينا» لم ترد في «آ» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [5] تحرفت في «آ» إلى «وأتوشق» .

توفي ضحى يوم الخميس ثاني عشري المحرم بمكّة، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرّحمن بن مكّي بن إسماعيل بن عوف الزّهري العوفي الإسكندراني [1] ، آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقا وفاة. وفيها المكين الحصني المحدّث أبو الحسن مكين الدّين بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري [2] . ولد سنة ستمائة، وسمع الكثير، وقرأ وتعب، وبالغ واجتهد، وما أبقى ممكنا. وكان فاضلا، جيد القراءة، متميزا. توفي في تاسع عشر رجب. وفيها سعد الدّين أبو الفضل محمد بن مهلهل بن بدران الأنصاريّ [3] . سمع الأرتاحي، والحافظ عبد الغني [4] ، وتوفي في ربيع الأول. وفيها ابن السّاعي أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي السّلامي [5] ، خازن كتب المستنصرية. كان إماما، حافظا، مبرّزا على أقرانه. ذكره ابن ناصر الدّين. وقال الذهبي: وقد أورد الكازروني في ترجمة ابن السّاعي أسماء

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (7/ 251) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) . [2] انظر «العبر» (5/ 302) و «النجوم الزاهرة» (7/ 250) و «حسن المحاضرة» (1/ 382) . [3] انظر «العبر» (5/ 302) و «النجوم الزاهرة» (7/ 250) . [4] يعني المقدسي. [5] انظر «البداية والنهاية» (13/ 270) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1469- 1470) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 178- 180) وهو مترجم في «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (188/ آ) .

التصانيف التي صنّفها وهي كثيرة جدا، لعلها وقر بعير، منها «مشيخته» بالسماع والإجازة في عشر مجلدات، وقرأ على ابن النّجار «تاريخه الكبير» ببغداد. وقد تكلّم فيه، فالله أعلم، وله أوهام. انتهى قلت: وهو شافعيّ المذهب. قال ابن شهبة في «طبقاته» : المؤرخ الكبير. كان فقيها، بارعا، قارئا بالسبع، محدّثا، مؤرخا، شاعرا، لطيفا، كريما. له مصنفات كثيرة في التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، منها «تاريخ» في ستة وعشرين مجلدا. انتهى. وفيها التّاج الصّرخدي محمود بن عابد التّميميّ الحنفي [1] الشّاعر المحسن. كان قانعا، زاهدا، معمّرا. قاله في «العبر» . وفيها ظهير الدّين أبو الثناء محمود بن عبيد الله الزّنجاني الشّافعي [2] المفتي، أحد مشايخ الصوفية. كان إمام التّقويّة، وغالب نهاره بها. صحب الشيخ شهاب الدّين السّهروردي، وروى عنه، وعن أبي المعالي صاعد، وله تصانيف، منها: «الرسالة المنقذة من الجمر في إلحاق الأنبذة بالخمر» . وتوفي في رمضان، وله سبع وسبعون سنة. وفيها تقيّ الدّين مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحدّاد [3] . كان من

_ [1] انظر «العبر» (5/ 302) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «البداية والنهاية» (13/ 270) و «النجوم الزاهرة» (7/ 250) . [2] انظر «العبر» (5/ 303) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 370- 371) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 15- 16) . [3] انظر «أعيان الشيعة» .

كبار علماء الشيعة، عارفا بمذهبهم، وله صيت عظيم بالحلّة والكوفة، وعنده دين وأمانة. وفيها عبد الملك بن العجمي الحلبي [1] . كان فاضلا. ومن شعره في مليح في عنقه شامة واسمه العزّ: العزّ بدر ولكن إنّ شامته ... مسروقة من دجى صدغيه والغسق وإنما حبّة القلب التي احترقت ... في حبّه علقت للظلم في العنق وفيها عماد الدّين عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى الدّمنهوري [2] كان فقيها شافعيا [3] ، فاضلا إماما. تولى إعادة المدرسة الصّالحية بالقاهرة، وصنّف كتابه المشهور في الاعتراض على التنبيه، وقد أساء التعبير في مواضع منه. ولد بدمنهور الوحش من أعمال الدّيار المصرية في ذي القعدة، سنة ست وستمائة، وتوفي في شهر رمضان. قاله الإسنوي في «طبقاته» .

_ [1] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر. [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 189) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 551) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 171- 172) و «حسن المحاضرة» (1/ 420) . [3] لفظة «شافعيا» لم ترد في «ط» وأثبتت فيها لفظة «الشافعي» عقب لفظة «الدّمنهوري» .

سنة خمس وسبعين وستمائة

سنة خمس وسبعين وستمائة فيها توفي الشيخ قطب الدّين أبو المعالي أحمد بن عبد السّلام بن المطهّر ابن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي الشّافعي [1] مدرس الأمينية والعصرونية بدمشق. ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وختم القرآن سنة تسع وتسعين، وأجاز له ابن كليب وطائفة، وسمع من ابن طبرزد، والكندي، وتوفي في جمادى الآخرة بحلب. وفيها السّيّد الجليل الشيخ أحمد بن علي [بن إبراهيم] بن محمد بن أبي بكر البدويّ [2] الشّريف الحسيب النّسيب. قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» أصله من بني برّي قبيلة من عرب [3] الشّام. ثم سكن والده المغرب فولد له صاحب الترجمة بفاس، سنة ست وتسعين وخمسمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وقرأ شيئا من فقه الشّافعيّ، وحجّ أبوه به وبإخوته [4] سنة ست وستمائة، وأقاموا بمكّة، ومات أبوه سنة سبع وعشرين وستمائة، ودفن بالمعلّى، وعرف بالبدويّ للزومه

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (7/ 60- 61) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 190) . [2] انظر «النجوم الزاهرة» (7/ 252- 253) و «طبقات الأولياء» ص (422- 423) و «حسن المحاضرة» (1/ 521- 522) . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «غرب» والتصحيح من «طبقات الأولياء» . [4] كذا في «آ» و «المنتخب» لابن شقدة (187/ آ) : «وباخوته» وفي «ط» : «وبأخويه» .

اللّثام، لأنه كان يلبس لثامين ولا يفارقهما، ولم يتزوج قطّ، واشتهر بالعطّاب لكثرة عطب من يؤذيه [ثمّ لزم الصّمت، فكان لا يتكلّم إلّا بإشارة وتولّه، فحصل له جمعية على الحقّ فاستغرق إلى الأبد] [1] . وكان عظيم الفتوة. قال المتبولي [2] : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما في أولياء مصر بعد محمد بن إدريس [3] أكبر فتوّة منه، ثمّ نفيسة [4] ثم شرف الدّين الكردي ثم المنوفيّ» [5] انتهى. وكان يمكث أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، وأكثر أوقاته شاخصا ببصره نحو السماء، وعيناه كالجمرتين، ثم سمع هاتفا يقول ثلاثا: قم واطلب مطلع الشّمس، فإذا وصلته، فاطلب مغربها، وسر إلى طندتا [6] فإن فيها مقامك أيّها الفتى، فسار إلى العراق، فتلقاه العارفان الكيلاني، والرّفاعي- أي بروحانيتهما- فقالا: يا أحمد! مفاتيح العراق، والهند، واليمن والشرق والغرب [7] بيدنا فاختر أيّها شئت. فقال: لا آخذ

_ [1] ما بين الحاصرتين لم يرد في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة. [2] هو إبراهيم بن علي بن عمر الأنصاري المتبولي، برهان الدّين، صالح مصري. كان للعامة فيه اعتقاد وغلوّ. كانت شفاعته عند السلطان والأمراء لا تردّ، وله برّ ومعروف. أنشأ جامعا كبيرا بطنطا (طندتا) وأنشأ برجا بدمياط، وأنشأ ببركة الخبّ حوضا وسبيلا وبستانا. فال ابن إياس: كان نادرة عصره وصوفيّ وقته. توفي سنة (877 هـ) عن نحو ثمانين سنة وخلّف كتابا سمّاه «الأخلاق المتبولية» . انظر «بدائع الزهور» (3/ 88) بتحقيق الأستاذ محمد مصطفى، و «الضوء اللّامع» (1/ 85- 86) و «الأعلام» (1/ 52) الطبعة الرابعة. [3] يعني الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى. [4] يعني السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، صاحبة المشهد المعروف بمصر، رحمها الله تعالى. انظر «الأعلام» (8/ 44) . [5] أقول: هذا وما يتلوه في هذه القصة من شطحات الصّوفية التي ما أنزل الله بها من سلطان. (ع) . [6] وهي المعروفة الآن ب «طنطا» وقد تحرفت في «الضوء اللّامع» (1/ 85) إلى «طنتدا» وتبعه على ذلك العلّامة الزركلي في «الأعلام» (1/ 52) فتصحح. انظر «بدائع الزهور» (1/ 1/ 336 و 463) والقسم الثالث من فهارسه صفحة (289) . [7] كذا في «آ» و «المنتخب» لابن شقدة (187/ ب) : «والشرق والغرب» وفي «ط» : «والمشرق والمغرب» .

المفاتيح إلّا من الفتّاح. ثم رحل إلى مصر، فتلقاه الظّاهر بيبرس بعسكره، وأكرمه، وعظّمه، ودخلها سنة أربع وثلاثين، وكان من القوم الذين تشقى بهم البلاد وتسعد، وإذا قربوا من مكان هرب منه الشيطان وأبعد، وإذا باشروا المعالي كانوا أسعد الناس وأصعد، فأقام بطندتا على سطح دار لا يفارقه ليلا ولا نهارا اثنتي عشرة سنة، وإذا عرض له الحال صاح صياحا عظيما، وتبعه جمع، منهم: عبد العال، وعبد المجيد، وكان عبد العال يأتيه بالرّجل أو الطّفل فينظر إليه نظرة واحدة فيملؤه مددا، ويقول لعبد العال: اذهب به إلى بلد كذا أو محلّ كذا، فلا تمكن مخالفته. ولما دخل طندتا كان بها جمع من الأولياء، فمنهم من خرج منها هيبة له، كالشيخ حسن الإخنائي، فسكن إخنا [1] حتّى مات، وضريحه بها ظاهر يزار. ومنهم من مكث كالشيخ سالم المغربي. وسالم الشيخ البدويّ، فأقرّه على حاله، حتّى مات بطندتا، وقبره بها مشهور. ومنهم من أنكر عليه كصاحب الأيدوان العظيم بطندتا المسمى بوجه القمر. كان وليا كبيرا فندر به الحسد، فسلبه، ومحلّه الآن بطندتا مأوى الكلاب، وليس فيه رائحة صلاح ولا مدد. وكان الشيخ إذا لبس ثوبا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا غيره حتّى تبلى فتبدل، وكان لا يكشف اللّثام عن وجهه. فقال له عبد المجيد: أرني وجهك. قال: كلّ نظرة برجل. قال: أرنيه ولو متّ، فكشفه فمات حالا. وله كرامات شهيرة، منها قصة المرأة التي أسر ولدها الفرنج فلاذت به، فأحضره في قيوده.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (1/ 124) .

ومنها أنه اجتمع به ابن دقيق العيد، فقال له: إنك لا تصلي وما هذا [من] سنن الصّالحين! فقال: اسكت وإلّا أغبّر دقيقك، ودفعه فإذا هو بجزيرة عظيمة جدا، فضاق خاطره حتّى كاد يهلك، فرأى الخضر، فقال: لا بأس عليك، إن مثل البدويّ لا يعترض عليه، لكن اذهب إلى هذه القبّة وقف ببابها، فإنه يأتي عند دخول وقت العصر ليصلي بالناس، فتعلّق بأذياله، لعله أن يعفو عنك [1] ، ففعل فدفعه، فإذا هو بباب بيته. ومات- رضي الله عنه- في هذه السنة، ودفن بطندتا، وجعلوا على قبره مقاما، واشتهرت كراماته، وكثرت النّذور إليه [2] . واستخلف الشيخ عبد العال، فعمّر طويلا، إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، واشتهرت أصحابه بالسّطوحية. وحدث لهم بعد مدة عمل المولد، وصار يقصد من بلاد بعيدة، وقام بعض العلماء والأمراء بإبطاله فلم يتهيأ لهم ذلك، إلّا في سنة واحدة، وأنكر عليه ابن اللّبان ووقع فيه، فسلب القرآن والعلم، فصار يستغيث بالأولياء حتّى أغاثه ياقوت العرشي، وشفع فيه. انتهى كلام الشيخ عبد الرؤوف المناوي باختصار. وفيها الشيخ الزّاهد جندل بن محمد العجمي [3] . قال القطب اليونيني في «ذيله على مختصر المرأة» له: الشيخ الصّالح العارف. كان زاهدا، عابدا، منقطعا، صاحب كرامات وأحوال ظاهرة وباطنة، وله جدّ واجتهاد، ومعرفة بطريق القوم. انتهى.

_ [1] لفظة «عنك» سقطت من «آ» . [2] قلت: لا يجوز النّذر لغير الله عزّ وجلّ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النّذر، وذلك فيما رواه البخاريّ رقم (6608) و (6692) و (6693) ومسلم رقم (1639) عن عبد بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما قال: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه نهى عن النّذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل، وقد استوفيت تخريج الحديث في «عمدة الأحكام» للحافظ عبد الغني المقدسي صفحة (254) طبع دار المأمون للتراث بدمشق فراجعه. [3] انظر «البداية والنهاية» (13/ 273) .

وكان الشيخ تاج الدّين عبد الرحمن بن الفركاح الفزاري يتردد إليه في كثير من الأوقات، وله به اختصاص. قال ولده الشيخ برهان الدّين: كنت أروح مع والدي إلى زيارته بمنين [1] ، ورأيته يجلس بين يديه في جمع كثير ويستغرق في وقته في الكلام مغربا لا يفهمه أحد من الحاضرين بألفاظ غريبة. وقال الشيخ تاج الدّين المذكور: الشيخ جندل من أهل الطريق وعلماء التحقيق، اجتمعت به في سنة إحدى وستين وستمائة، فأخبرني أنه بلغ من العمر خمسا وتسعين سنة، وكان يقول: طريق القوم واحد، وإنما يثبت عليه ذوو العقول الثابتة. وقال: المولّه منفيّ ويعتقد أنه واصل، ولو علم أنه منفيّ لرجع عما هو عليه. وقال: ما تقرّب أحد إلى الله عزّ وجلّ بمثل الذّل والتّضرّع والانكسار. وقال ابن كثير: كانت له عبادة وزهادة وأعمال صالحة. وكان الناس يتردّدون إلى زيارته. وزاره الملك الظّاهر بيبرس مرّات، وكذلك الأمراء بمنين. وكان يقول: السماع وظيفة أهل البطالة. توفي في رمضان، ودفن بزاويته المشهورة بقرية منين، ومات وله من العمر مائة وتسع سنين، رحمه الله. وفيها ابن الفويرة [2] بدر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد

_ [1] منين: مصيف إلى الشمال الشرقي من دمشق على بعد ثمانية عشر كيلو مترا منها. انظر «معجم البلدان» (5/ 218) . [2] قال صاحب «الجواهر المضية» : الفويرة: بكسر الراء المهملة واشتهر بين الناس بفتح الراء، كذا قال لي شيخنا قطب الدّين- يعني عبد الكريم بن عبد النّور الحلبي المتوفى سنة (735 هـ) .

السّلمي الدمشقي الحنفي [1] . أحد الأذكياء الموصوفين. درّس وأفتى، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، ونظم الشعر الفائق الرائق. منه قوله: عاينت حبّة خاله ... في روضة من جلّنار فغدا فؤادي طائرا ... فاصطاده شرك العذار وله في أصيل الذّهبيات: ورياض كلما انعطفت ... نثرت أوراقها ذهبا تحسب الأغصان حين شدا ... فوقها القمريّ وانتحبا ذكرت عصر الشباب وقد ... لبست أثوابه [2] قشبا فانثنت في الدّوح راقصة ... ورمت أثوابها طربا توفي- رحمه الله- في جمادى الأولى قبل الكهولة. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحرّاني [3] الفقيه الحنبلي الأصوليّ المناظر. ولد بحرّان في حدود العشر والستمائة، وتفقّه بها على الشيخ مجد الدّين بن تيميّة، ولازمه حتّى برع. وقرأ الأصول والخلاف على القاضي نجم الدّين ابن المقدسي الشّافعي. وسافر إلى الدّيار المصرية، وأقام بها مدة يحضر درس الشيخ عز الدّين بن عبد السّلام. وولي القضاء ببعض البلاد

_ [1] انظر «العبر» (5/ 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «فوات الوفيات» (3/ 394- 397) و «الجواهر المضية» (3/ 219) بتحقيق الدكتور الحلو، و «النجوم الزاهرة» (7/ 253- 254) و «السلوك» (1/ 2/ 634) . [2] في «فوات الوفيات» : «أبراده» . [3] انظر «العبر» (5/ 306) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (281) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 287- 288) .

المصرية، وهو أول حنبليّ حكم بالدّيار المصرية، ثم ترك ذلك ورجع إلى دمشق وأقام بها مدة سنين إلى حين وفاته، يدرّس الفقه بحلقة له بالجامع، ويكتب على الفتاوى. وباشر الإمامة بمحراب الحنابلة من جامع دمشق. قال القطب اليونيني: كان فقيها إماما، عالما، عارفا بعلم الأصول والخلاف وحسن العبارة، طويل النّفس في البحث، كثير التحقيق، غزير الدّمعة، رقيق القلب، وافر الدّيانة، كثير العبادة، حسن النّظم. منه قوله: طار قلبي يوم ساروا فرقا ... وسواء فاض دمعي أو رقا صار في سقمي من بعدهم ... كلّ من في الحيّ داوى أو رقى بعدهم لا ظلّ وادي المنحنى ... وكذا بان الحمى لا أورقا وابتلي بالفالج قبل موته بأربعة أشهر، وبطل شقّه الأيسر، وثقل لسانه. وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين، لست خلون من جمادى الأولى، ودفن بمقابر باب الصّغير، ونيّف على الستين. [وفيها صاحب تونس أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاتي [1]- بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف، نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالغرب- كان ملكا، سائسا، عالي الهمّة، شديد البأس، جوادا، ممدّحا، تزفّ إليه كلّ ليلة جارية. تملّك تونس سنة سبع وأربعين بعد أبيه، ثم قتل عمّيه، وقتل جماعة من الخوارج، وتوطد له الملك. وتوفي في آخر العام، عن نيف وخمسين سنة] [2] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 306) و «دول الإسلام» (2/ 176) و «السلوك» (1/ 2/ 634- 635) و «الأعلام» (7/ 138) . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .

وفيها الشّهاب التّلّعفريّ- بفتح أوله واللّام المشددة والفاء، وسكون المهملة وراء، نسبة إلى التلّ الأعفر موضع بنواحي الموصل- صاحب «الديوان» المشهور. شهاب الدّين محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشّيبانيّ [1] الأديب الشاعر المفلق. مدح الملوك والكبراء، وسار شعره في الآفاق. فمنه: حظّ قلبي في هواك [2] الوله ... وعذولي فيك [3] مالي وله باسم عن برد منتظم ... لم يفز إلّا فتى قبّله جائر الألحاظ يثني قامة ... قدّه المائل ما أعدله ومنها: كم أداري فيك لوّامي ومن ... يعدل المشتاق ما أجهله توفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 306) و «فوات الوفيات» (4/ 62- 71) و «الوافي بالوفيات» (5/ 255) . [2] في «فوات الوفيات» : «في الغرام» . [3] في «فوات الوفيات» : «فيه» .

سنة ست وسبعين وستمائة

سنة ست وسبعين وستمائة في أولها ولي مملكة تونس أبو زكريا يحيى بن محمد الهنتاني بعد أبيه. وفي سابع المحرّم قدم السّلطان الملك الظّاهر، فنزل بجوسقه الأبلق [1] ثم مرض في نصف المحرم، وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما فأخفي موته، وسار نائبه بيلبك بمحفّة يوهم أن السلطان فيها مريض، إلى أن دخل بالجيش إلى مصر، فأظهر موته، وعمل الغراء، وحلفت الأمراء لولده الملك السعيد، وكأن عهد له في حياته. والملك الظّاهر هو السّلطان الكبير ركن الدّين أبو الفتوح بيبرس التّركي البندقداري ثم الصّالحي [2] ، صاحب مصر والشام. ولد في حدود العشرين وستمائة. واشتراه الأمير علاء الدين البندقداري الصّالحي، فقبض الملك الصّالح على البندقداري وأخذ ركن الدّين منه، فكان من جملة مماليكه، ثم طلع ركن الدّين شجاعا فارسا، مقداما، إلى أن

_ [1] علق الأستاذ الدكتور صلاح الدّين المنجد على «العبر» (5/ 307) بقوله: «هو القصر الأبلق الذي عمره الظاهر في الميدان الأخضر، وقامت مقامه التكية السليمية وما حولها، يعني في دمشق، وانظر التعليق على «النجوم الزاهرة» (7/ 278) . [2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 155- 156) و «العبر» (5/ 308- 309) و «فوات الوفيات» (1/ 235- 247) وفي حاشية محققه ذكرت مصادر أخرى.

بهر أمره، وبعد صيته. وشهد وقعة المنصورة بدمياط، ثم كان أميرا في الدولة المعزّية، وتنقلت به الأحوال، وصار من أعيان البحرية. وولي السلطنة في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين [وستمائة] ، وكان ملكا سريّا، غازيا، مجاهدا، مؤيّدا، عظيم الهيبة، خليقا للملك، يضرب بشجاعته المثل. له أيام بيض في الإسلام، وفتوحات مشهورة، ومواقف مشهودة، ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحايين لعدّ من الملوك العادلين. قاله في «العبر» . وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : توفي بقصره الأبلق بمرجة دمشق جوار الميدان، وغسّلوه، وصبّروه، وعلقوه في البحيرة إلى أن فرغ من الظّاهرية، فنقلوه إليها. وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق، وتبنى عليه قبة، فابتاع له ولده الملك السعيد دار العقيقي بسبعين ألف درهم، وبناها مدرسة للشافعية والحنفية، ونقله إليها، ووقف عليها أوقافا كثيرة، وفتح بيبرس من البلاد أربعين حصنا، كانت مع الفرنج، افتتحها بالسيف عنوة. انتهى ملخصا. وقال الذهبي: انتقل إلى عفو الله ومغفرته يوم الخميس بعد الظهر، الثامن والعشرين من المحرّم بقصره بدمشق، وخلّف من الأولاد الذكور الملك السعيد محمد، ولي السلطنة وعمره ثماني عشرة سنة، والخضر، وسلامش، وسبع بنات، ودفن بتربة أنشأها ابنه. انتهى. وفيها إبراهيم [بن أبي المجد] الدّسوقي الهاشمي الشّافعي القرشي [1] . شيخ الخرقة [2] البرهامية، وصاحب المحاضرات القدسية والعلوم اللّدنية والأسرار العرفانية. أحد الأئمة الذين أظهر الله لهم المغيّبات [3] ، وخرق

_ [1] انظر «الأعلام» (4/ 59) والمصادر المذكورة في حاشيته. [2] في «آ» : «الحرفة» . [3] أقول: لا يعلم الغيب إلّا الله تعالى، وجميع ما جاء في ترجمته بعد هذا، فهو من الشطحات الصوفية التي لا يقرها الإسلام. (ع) .

لهم العادات، ذو الباع الطويل في التصرف النافذ، واليد البيضاء في أحكام الولاية، والقدم الرّاسخ في درجات النهاية. انتهت إليه رئاسة الكلام على خواطر الأنام، وكان يتكلم بجميع اللّغات من عجمي، وسرياني، وغيرهما. وذكر عنه أنه كان يعرف لغات الوحش والطّير، وأنه صام في المهد، وأنه رأى في اللّوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين، وأنه فكّ طلسم السبع المثاني، وأن قدمه لم تسعه الدنيا، وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة، وأن الدّنيا جعلت في يده كخاتم. وقال: توليت القطبانية، فرأيت المشرقين والمغربين، وما تحت التخوم [1] وصافحت جبريل [2] . ومن كلامه: لا تكليف على من غاب بقلبه في حضرة ربّه ما دام فيها، فإذا ردّ له عقله صار مكلّفا. وقال: عليك بالعمل بالشرع وإيّاك وشقشقة اللّسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها. قاله الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» . وفيها الكمال بن فارس أبو إسحاق إبراهيم بن الوزير نجيب الدّين أحمد بن إسماعيل بن فارس التّميميّ الإسكندرانيّ [3] المقرئ الكاتب، آخر من قرأ بالرّوايات على الكندي.

_ [1] في «آ» : «النجوم» . قال في «مختار الصحاح» (تخم) : التّخم- بالفتح- منتهى كل قرية أو أرض وجمعه تخوم. [2] هذا كله من المبالغات التي ما كانت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون للمتأخرين من أمثال المترجم، أسأل الله السدّاد والتثبيت على النهج السليم نهج السّلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين. [3] انظر «غاية النهاية» (1/ 6) و «النجوم الزاهرة» (7/ 279) .

ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة، وتوفي في صفر، وكان فيه خير وتدين، ترك بعض النّاس الأخذ عنه لتوليه نظر بيت المال. وفيها بيليك الخزندار الظّاهري [1] ، نائب سلطنة مولاه. كان نبيلا، عالي الهمّة، وافر العقل، محبّبا إلى النّاس، ينطوي على دين ومروءة ومحبة للعلماء الصّلحاء والزّهّاد، ونظر في العلوم والتواريخ، رقّاه أستاذه إلى أعلى الرّتب، واعتمد عليه في مهمّاته. قيل: إن شمس الدّين الفارقاني الذي ولي نيابة السلطنة سقاه السّمّ باتفاق مع أمّ الملك السعيد، فأخذه قولنج عظيم، وبقي به أيّاما، وتوفي بمصر في سابع ربيع الأول. وفيها الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني- بالكسر والسكون، نسبة إلى مهران جدّ- العدويّ [2] ، شيخ الملك الظّاهر. كان له حال وكشف ونفس مؤثرة. مع سفه فم [3] ومزاح، تغيّر عليه السلطان بعد شدّة خضوعه له، وانقياده لأوامره وإرادته، لأنه كان يخبره بأمور قبل وقوعها، فتقع على ما يخبره. منها: أنه لما توجه الظّاهر إلى الرّوم، سأله قشتمر العجميّ فقال له [4] الشيخ خضر: يظفر على الرّوم ويرجع إلى الشام فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما، فكان كما قال [5] . وكان سبب تغير السلطان عليه، أنه نقل بعض أصحاب الشيخ خضر أمورا لا تليق به، فأحضره ليحاققوه، فأنكر، فاستشار الأمراء في أمره،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 309) و «البداية والنهاية» (13/ 277) و «النجوم الزاهرة» (7/ 279) . [2] انظر «العبر» (5/ 309- 310) و «البداية والنهاية» (3/ 278) و «النجوم الزاهرة» (7/ 279) و «غربال الزمان» ص (556) . [3] في «العبر» : «مع سفه فيه» . [4] لفظة «له» لم ترد في «آ» . [5] أقول: وهذا أيضا من المبالغات التي لا يتجوز (ع) .

فأشاروا عليه بقتله، فقال الشيخ خضر- وهو بعيد عنهم-: اسمع ما أقول لك، أنا أجلي قريب من أجلك، من مات قبل صاحبه لحقه الآخر، فوجم السلطان، ورأى أن يحبسه، فحبسه في القلعة وأجرى عليه المآكل المفتخرة، وبنى له زاوية بخطّ الجامع الظّاهري في الحسينية، فمات سادس المحرم ودفن بزاويته في الحسينية. وفيها أبو أحمد زكي بن الحسن البيلقاني [1]- بفتح الموحدة واللّام والقاف، وسكون التحتية، آخره نون، نسبة إلى البيلقان مدينة بالدّربند-. كان شافعيا، فقيها، بارعا، مناظرا، متقدما في الأصلين والكلام. أخذ عن فخر الدّين الرّازي، وسمع من المؤيد الطّوسي، وكان صاحب ثروة وتجارة، عمّر دهرا، وسكن اليمن، وتوفي بعدن. وفيها البرواناه الصّاحب معين الدّين سليمان بن علي [2] . وزر أبوه لصاحب الرّوم علاء الدّين كيقباذ، ولولده. فلما مات ولي الوزارة بعده معين الدّين هذا سنة بضع وأربعين وستمائة، فلما غلبت التتار على الرّوم ساس الأمور، وصانع التتار، وتمكن من الممالك بقويّ إقدامه وقوة دهائه، إلى أن دخل المسلمون وحكموا على مملكة الرّوم، ونسب إلى البرواناه مكاتيبهم، فقتله أبغا في المحرم. وفيها عزّ الدّين عبد السلام بن صالح البصري، عرف بابن الكبوش [3] الشّاعر المشهور، وشعره في غاية الرّقّة. فمنه: أدر ما بيننا كأس الحميّا ... بكفّ مقرطق طلق المحيّا

_ [1] انظر «العبر» (5/ 310) و «مرآة الجنان» (4/ 178) . [2] انظر «العبر» (5/ 310) . [3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

يحور ولا يجور على النّدامى ... كما جارت لواحظه عليّا [غزال لو رأى غيلان ميّ ... شمائله سلا غيلان ميّا سقاني من مراشفه شمولا ... فأنساني حميّاه الحميّا] [1] إلى أن قال: إلام به تلوم ولست أصغي ... لقد أسمعت لو ناديت حيّا وفيها مجد الدّين أبو أحمد وأبو الخير عبد الصّمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش بن عبد الله البغدادي [2] المقرئ، النّحويّ، اللّغويّ، الفقيه، الحنبلي، الخطيب، الواعظ، الزّاهد، شيخ بغداد وخطيبها، سبط الشيخ أبي زيد الحموي. ولد في محرم سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ببغداد، وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي وغيره، وعني بالقراءات. وسمع كثيرا من كتبها. وسمع الحديث من الدّاهري، وابن النّاقد، وغيرهما مما لا يحصى. وجمع أسماء شيوخه بالسماع والإجازة، فكانوا فوق خمسمائة وخمسين شيخا. قال الجعبري [3] : قرأ «كتاب سيبويه» و «الإيضاح» و «التكملة» و «اللّمع» على الكندي، وهو غير صحيح، ولعله على العكبري [4] ، وانتهت إليه مشيخة القراءات والحديث، وله ديوان خطب في سبع مجلدات.

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [2] انظر «العبر» (5/ 311) و «دول الإسلام» (2/ 178) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 290- 294) . [3] هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الربعي الجعبري، سترد ترجمته في وفيات سنة (732) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى. [4] قلت: وهذا التعقيب للحافظ ابن رجب الحنبلي، نقله المؤلّف رحمه الله عن «ذيل طبقات الحنابلة» .

وقال الذّهبيّ: قرأ عليه الشيخ إبراهيم الرّقّي الزّاهد، والمقصّاتي، وابن خروف، وجماعة. وكان إماما، محقّقا، بصيرا بالقراءات وعللها وغريبها، صالحا، زاهدا، كبير القدر، بعيد الصيت. انتهى. وممن روى عنه الدّمياطي في «معجمه» وأحمد بن القلانسي. وتوفي يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول، ودفن بحضرة الإمام أحمد. وفيها الواعظ نجم الدّين علي بن علي بن إسفنديار البغدادي [1] . ولد سنة ست عشرة وستمائة [2] ، وقرأ [3] ، وسمع من ابن الشيخ اللّتي، والحسين بن رئيس الرؤساء، ووعظ بدمشق، فازدحم عليه الخلق، وانتهت إليه رئاسة الوعظ لحسن إيراده، ولطف شمائله، وبهجة محاسنه. وتوفي في رجب. وفيها شمس الدّين أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدّين علي بن سرور المقدسي [4] ، نزيل مصر قاضي قضاة الحنابلة [5] ، وشيخ الشيوخ. ولد يوم السبت رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق، وحضر بها على ابن طبرزد، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني، وغيرهما. وتفقه [على الشيخ موفق الدّين، ثم رحل إلى بغداد. وأقام بها مدّة. وسمع بها من

_ [1] انظر «العبر» (5/ 311) و «البداية والنهاية» (13/ 279) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 279) . [2] في «العبر» : «ولد سنة ست وخمسين وستمائة» . [3] لفظة «وقرأ» سقطت من «آ» . [4] انظر «العبر» (5/ 311- 312) و «البداية والنهاية» (13/ 277- 278) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 294- 295) . [5] لفظة «الحنابلة» سقطت من «آ» .

جماعة، وتفقّه] [1] أيضا بها، وتفنن في علوم شتى، وتزوّج بها وولد له، ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات بها، وعظم شأنه بها. وصار شيخ المذهب علما، وصلاحا، وديانة، ورئاسة، وانتفع به الناس، وولي بها مشيخة خانقاه سعيد السعداء، وتدريس المدرسة الصّالحية، ثم ولي قضاء القضاة مدة، ثم عزل منه، واعتقل مدة ثم أطلق، فأقام بمنزله يدرّس بالصالحية ويفتي ويقرئ العلم، إلى أن توفي. قال القطب اليونيني: كان من أحسن المشايخ صورة، مع الفضائل الكثيرة التّامّة، والدّيانة المفرطة، والكرم، وسعة الصّدر، وهو أول من درّس بالمدرسة الصّالحية للحنابلة، وأول من ولي قضاء القضاة بالدّيار المصرية. وكان كامل الآداب، سيّدا، صدرا من صدور الإسلام، متبحّرا في العلوم، مع الزّهد الخارج عن الحدّ واحتقار الدّنيا، وعدم الالتفات إليها. وكان الصّاحب بهاء الدّين- يعني ابن حنّا- يتحامل عليه ويغري الملك الظّاهر به، لما عنده من الأهلية لكل شيء من أمور الدّنيا والآخرة، ولا يلتفت إليه ولا يخضع له. حدّث بالكثير، وسمع منه الكبار، منهم: الدّمياطي، والحارثي، والإسعردي، وغيرهم. وتوفي يوم السبت ثاني عشر المحرّم، ودفن من الغد بالقرافة عند عمّه الحافظ عبد الغني. انتهى. وفيها الشيخ يحيى المنبجي [2] المقرئ المتصدّر بجامع دمشق. لقّن خلقا [3] كثيرا من الناس [4] ، وكان من أصحاب أبي عبد الله الفاسي توفي في المحرّم.

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [2] كذا في «آ» و «ط» و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 559) : «المنبجي» وفي «العبر» بطبعتيه: «المنيحي» . [3] لفظة: «خلقا» سقطت من «ط» . [4] قوله: «من الناس» سقط من «آ» .

وفيها شيخ الإسلام محيي الدّين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الفقيه الشافعي، الحافظ الزّاهد، أحد الأعلام النّواوي [1]- بحذف الألف ويجوز إثباتها- الدمشقي [2] . ولد في محرّم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقرأ القرآن ببلده، وقدم دمشق بعد تسع عشرة سنة من عمره. قدم به والده، فسكن بالمدرسة الرّواحية. قال هو: وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض. وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير، وحفظت «التنبيه» في نحو أربعة أشهر ونصف. قال: وبقيت أكثر من شهرين أو أقل، لما قرأت: «ويجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج» اعتقد أن ذلك قرقرة البطن. وكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني. قال: وقرأت وحفظت ربع «المهذّب» في باقي السنة، وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدّين إسحاق المغربي ولازمته، فأعجب بي وأحبّني، وجعلني أعيد لأكثر جماعته. فلما كانت سنة إحدى وخمسين، حججت مع والدي، وكانت وقفة الجمعة. وكان رجبيا من أول رجب، فأقمنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف.

_ [1] لفظة «النواوي» لم ترد في «ط» . [2] انظر «العبر» (5/ 312) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1470- 1474) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «طبقات الشافعية» (8/ 395- 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 476- 477) و «البداية والنهاية» (13/ 278- 279) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 194- 200) ومقدمة والدي حفظه الله تعالى للطبعة الثالثة من كتاب المترجم «التبيان في آداب حملة القرآن» الصادرة عن مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع في الكويت.

وذكر والده قال: لما توجهنا من نوى، أخذته الحمّى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة، ولم يتأوّه قطّ. قال: وذكر لي الشيخ، أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ، شرحا، وتصحيحا، درسين في «الوسيط» ودرسا في «المهذّب» ، ودرسا في «الجمع بين الصحيحين» ودرسا في «صحيح مسلم» ودرسا في «اللّمع» لابن جنّي، ودرسا في «إصلاح المنطق» لابن السّكّيت. ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه، تارة في «اللّمع» لأبي إسحاق [1] ، وتارة في «المنتخب» لفخر الدّين. ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدّين. وكنت أعلّق جميع ما يتعلق بها، من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة. وبارك الله لي في وقتي، وخطر لي الاشتغال في علم الطب، فاشتريت كتاب «القانون» فيه، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم على [2] قلبي، وبقيت أيّاما لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري، من أين دخل عليّ الداخل، فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطبّ، فبعت «القانون» في الحال واستنار قلبي. وقال الذهبيّ: لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة، حتّى فاق الأقران، وتقدم على جميع الطلبة، وحاز قصب السبق في العلم والعمل، ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات. وسمع الكثير من الرّضي بن البرهان، والزّين خالد، وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي وأقرانهم. وكان مع تبحّره في العلم وسعة معرفته بالحديث، والفقه، واللغة، وغير ذلك مما قد سارت به الرّكبان، رأسا في الزّهد، وقدوة في الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قانعا باليسير، راضيا عن الله والله راض عنه، مقتصدا إلى الغاية في ملبسه، ومطعمه، وأثاثه، تعلوه

_ [1] قوله: «لأبي إسحاق» سقط من «آ» . [2] لفظة «على» سقطت من «آ» .

سكينة وهيبة، فالله يرحمه ويسكنه الجنّة بمنّه. ولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب الدّين أبي شامة، وكان لا يتناول من معلومها شيئا، بل يتقنّع [1] بالقليل مما يبعثه إليه أبوه. انتهى. وقال ابن العطّار [2] : كان قد صرف أوقاته كلّها في أنواع العلم والعمل بالعلم، وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلّا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلّا شربة واحدة عند السّحر، ولم يتزوّج. ومن تصانيفه «الروضة» [3] و «المنهاج» و «شرح المهذّب» وصل فيه إلى أثناء الرّبا، سماه «المجموع» و «المنهاج في شرح مسلم» وكتاب «الأذكار» [4] وكتاب «رياض الصالحين» [5] وكتاب «الإيضاح» في المناسك و «الإيجاز» في المناسك. وله أربع مناسك أخر، و «الخلاصة» في الحديث [لخص فيه الأحاديث المذكورة في «شرح المهذّب» . وكتاب «الإرشاد» في علم الحديث [6]] [7] وكتاب «التقريب» و «التيسير» في مختصر الإرشاد، وكتاب «التبيان في آداب حملة القرآن» وكتاب «المبهمات» وكتاب «تحرير ألفاظ

_ [1] في «آ» : «ينتفع» . [2] وهو تلميذه. [3] طبعه المكتب الإسلامي بدمشق في اثني عشر مجلدا، وقام بتحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط. [4] طبع عدة طبعات أشهرها التي طبعت بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في مكتبة الملاح بدمشق ثم في مكتبة الهدى في الرياض وهي الطبعة المعتمدة لدى المشتغلين بالحديث النبوي الشريف وكتب التراث. [5] طبع عدة مرات، أفضلها التي قام عليها الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله، وصدرت عن دار المأمون للتراث بدمشق، ثم عن مؤسسة الرسالة في بيروت. [6] طبع في دمشق حديثا بتحقيق الدكتور نور الدّين عتر. [7] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .

التنبيه» [1] و «العمدة في تصحيح التنبيه» وهما من أوائل ما صنّف، وغير ذلك من المصنفات الحسنة. وقال ابن ناصر الدّين [2] : هو الحافظ القدوة، الإمام، شيخ الإسلام. كان فقيه الأمّة وعلم الأئمّة. وقال الإسنويّ: كان في لحيته شعرات بيض، وعليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء، وفي غيره، ولم يزل [3] على ذلك إلى أن سافر إلى بلده، وزار القدس والخليل، ثم عاد إليها فمرض بها عند أبويه. وتوفي ليلة الأربعاء رابع عشري رجب، ودفن ببلده رحمه الله ورضي عنه وعنّا به.

_ [1] طبع في دار القلم بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الغني الدقر حفظه الله تعالى. [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (82/ آ) . [3] في «ط» : «لم يزل» .

سنة سبع وسبعين وستمائة

سنة سبع وسبعين وستمائة فيها توفي الشّهاب بن الجزري أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عيسى الأنصاري الدمشقي [1] . وله أربع وستون سنة. روى عن ابن اللّتي، وابن المقيّر، وطبقتهما، وكتب الكثير، ورحل إلى ابن خليل فأكثر عنه، وكان يقرأ الحديث على كرسي الحائط الشمالي. توفي في جمادى الآخرة. وفيها الفارقاني شمس الدّين آق سنقر الظّاهري [2] ، أستاذ دار الملك الظّاهر. جعله الملك السعيد نائبه فلم ترض خاصّة السعيد بذلك، ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه، فلم يقدر السعيد على مخالفتهم، فقيل: إنهم خنقوه في جمادى الأولى. وكان وسيما، جسيما، شجاعا، نبيلا، له خبرة ورأي، وفيه ديانة وإيثار، وعليه مهابة ووقار. مات في عشر الخمسين. وفيها النّجيبيّ جمال الدّين آقوش [3] النّجمي [4] أستاذ دار الملك

_ [1] انظر «العبر» (5/ 313- 314) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) . [2] انظر «العبر» (5/ 314) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) . [3] في «آ» و «ط» : «أقش» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [4] انظر «العبر» (5/ 314) و «البداية والنهاية» (13/ 281) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .

الصّالح. ولي أيضا للملك الظّاهر استاداريته، ثم نيابة دمشق تسعة أعوام، وعزله بعزّ الدّين أيدمر، ثم بقي بالقاهرة مدّة بطالا، ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين. وكان محبا للعلماء، كثير الصّدقة، لديه فضيلة وخبرة. عاش بضعا وستين سنة. وتوفي بربيع الآخر، وله بدمشق خانقاه، وخان، ومدرسة، ولم يخلّف ولدا. وفيها قاضي القضاة صدر الدّين سليمان بن أبي العزّ بن وهيب الأذرعي، نسبة إلى أذرعات ناحية بالشام، ثم الدمشقي [1] ، شيخ الحنفية قاضي القضاة [2] أبو الفضل. أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه، وبقيّة أصحاب الشيخ جمال الدّين الحصيري. درّس بمصر مدّة، ثم قدم دمشق، فاتفق موت القاضي مجد الدّين ابن العديم، فقلّد بعده القضاء، فبقي فيه ثلاثة أشهر. قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان من كبار العلماء، وله تصانيف في مذهبه، وولي القضاء بالدّيار المصرية، والشامية، والبلاد الإسلامية، وأذن له في الحكم حيث حلّ من البلاد انتهى. توفي في شعبان عن ثلاث ثمانين سنة ودفن بتربته [3] بقاسيون. وفيها كمال الدّين أبو محمد طه بن إبراهيم بن أبي بكر الإربلي الشّافعي [4] .

_ [1] قوله: «قاضي القضاة» لم يرد في «ط» . [2] انظر «العبر» (5/ 315) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «البداية والنهاية» (13/ 281- 282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) . [3] في «ط» : «بتربة» . [4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 153- 154) و «البداية والنهاية» (13/ 282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 181) و «حسن المحاضرة» (1/ 417) .

قال الإسنويّ: كان فقيها، أديبا. ولد بإربل، وانتقل إلى مصر شابا، وانتفع به خلق كثير، وروى عنه جماعة، منهم: الدّمياطي، ومات بمصر في جمادى الأولى، وقد نيّف على الثمانين. وفيها مجد الدّين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي الكردي الإربلي الشافعي [1] ، والد شهاب الدّين بن المجد الذي تولى القضاء بدمشق. كان المجد المذكور عارفا بالمذهب، بصيرا به، خبيرا بعلم القراءات، خيّرا، ديّنا، متعبّدا، حسن السّمت والأخلاق. سمع وأسمع، ودرّس بالكلّاسة. وتوفي في ذي القعدة. وفيها ابن العديم، الصّاحب، قاضي القضاة، مجد الدّين أبو المجد، عبد الرحمن بن الصّاحب كمال الدّين أبي القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي [2] . سمع حضورا من ثابت بن مشرّف، وسماعا من أبي محمد بن الأستاذ، وابن البنّ، وخلق كثير. وكان صدرا، مهيبا، وافر الحشمة، عالي الهمّة والرّتبة، عارفا بالمذهب والأدب، مبالغا في التجمّل والترفّع، مع دين تامّ، وتعبّد وصيانة، وتواضع للصّالحين. توفي في ربيع الآخر عن أربع وستين سنة. وفيها ابن حنّا، الوزير الأوحد، بهاء الدّين علي بن محمد بن سليم المصري [3] الكاتب، أحد رجال الدّهر، حزما، ورأيا، وجلالة، ونبلا، وقياما

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 154) . [2] انظر «العبر» (5/ 315) و «الوافي بالوفيات» (18/ 201- 203) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) . [3] انظر «العبر» (5/ 315- 316) و «الوافي بالوفيات» (22/ 30- 33) و «فوات الوفيات» (3/ 76- 78) .

بأعباء الأمور، مع الدّين، والعفّة، والصّفات الحميدة، والأموال الكثيرة. وكان لا يقبل لأحد هدية إلّا أن يكون من الفقراء والصلحاء للتبرّك، وكان من حسنات الزّمان، توزّر للملك الظّاهر ولولده السعيد، ورزق أولادا، ومات وهو جدّ جدّ، وبنى مدرسة بزقاق القناديل بمصر، وابتلي بفقد ولديه الصّدرين فخر الدّين ومحيي الدّين، فصبر وتجلّد. وكان يهشّ للمديح. قال فيه الفارقي: وقائل قال لي نبّه لها عمرا ... فقلت: إن عليّا قد تنبّه لي ما لي إذا كنت محتاجا إلى عمر ... من حاجة فلينم حتّى انتباه علي توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة. وفيها الحكيم الفاضل موفق الدّين عبد الله بن عمر، المعروف بالورن [1] ، الفاضل الأديب. له مشاركة في علوم كثيرة. وكان أكثر إقامته ببعلبك، وسافر إلى مصر فلم تطل مدته. أخذه قولنج فمات. ومن شعره: يذكّرني نشر الحمى بهبوبه ... زمانا عرفنا كلّ طيب بطيبه ليال سرقناها من الدّهر خلسة ... وقد أمنت عيناي عين رقيبه فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى ... ليسكن [2] قلبي ساعة من وجيبه ألا إنّ لي شوقا إلى ساكن الغضا ... أعيذ الغضا من حرّه ولهيبه

_ [1] في «آ» و «ط» : «المعروف بالورل» وفي «المنتخب» لابن شقدة (189/ ب) : «المعروف بالورك» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «الوافي بالوفيات» (17/ 375) و «فوات الوفيات» (2/ 211) وانظر «النجوم الزاهرة» (7/ 282) . [2] في «فوات الوفيات» : «وسكّن» .

وفيها الظّهير العلّامة مجد الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي الحنفي الأديب [1] . ولد سنة اثنتين وستمائة بإربل، وسمع من السّخاوي وطائفة بدمشق، ومن الكاشغري وغيره ببغداد، ودرّس بالقيمازيّة مدّة، وله «ديوان» مشهور ونظم رائق، مع الجلالة، والدّيانة التّامّة. توفي في ربيع الآخر. وفيها ابن إسرائيل الأديب البارع نجم الدّين محمد بن سوّار ابن إسرائيل بن خضر بن إسرائيل الدّمشقي [2] الفقير، صاحب الحريري. روح المشاهد وريحانة المجامع. كان فقيرا، ظريفا، نظيفا، مليح النّظم، رائق المعاني، لولا ما شانه بالاتحاد تصريحا مرّة وتلويحا أخرى. من نظمه، ما كتب به إلى النّجم الكحّال: يا سيّد الحكماء هذي سنّة ... مثبوتة في الطّبّ أنت سننتها أو كلّما كلّت سيوف جفون من ... سفكت لواحظه الدّماء سننتها وقال في مليح ناوله تفّاحة: لله تفّاحة وافى بها سكني ... فسكّنت لهبا في القلب يستعر كفأرة المسك وافاني الغزال بها ... وغرّة النّجم حيّاني بها القمر أتى بها قاتلي نحوي فهل أحد ... قبلي تمشّى إليه الغصن والثّمر توفي في رابع عشر ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وشهر، ودفن خارج باب توما عند قبر الشيخ رسلان.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 316) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «الجواهر المضية» (3/ 52) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 574- 575) . [2] انظر «العبر» (5/ 316- 317) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (282) و «النجوم الزاهرة» (7/ 282- 283) .

وفيها ناصر الدّين أبو عبد الله محمد بن عربشاه بن أبي بكر بن أبي ناصر [1] المحدّث الهمذاني ثم الدمشقي [2] . روى عن ابن الزّبيدي، والمسلم [3] المازني، وابن صباح، وكتب الكثير. وكان ثقة، صحيح النّقل. توفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» . وفيها أبو المرجّى مؤمّل بن محمد بن علي البالسي ثم الدمشقي [4] . روى عن الكندي، والخضر بن كامل، وجماعة. وتوفي في رجب.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «نصر» . [2] انظر «العبر» (5/ 317) و «الوافي بالوفيات» (4/ 93- 94) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) . [3] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلّف: «والمسلم» وفي «ط» : «ابن المسلم» . [4] انظر «العبر» (5/ 317) و «النجوم الزاهرة» (7/ 285) .

سنة ثمان وسبعين وستمائة

سنة ثمان وسبعين وستمائة فيها توفي أبو العبّاس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحدّاد الحنبلي [1] . ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وكان أبوه إماما بحلقة الحنابلة فمات وهذا صغير. وسمع سنة ستمائة من الكندي، وأجاز له خليل الرّارانيّ [2] ، وابن كليب، والبوصيري، وخلق. وعمّر، وروى الكثير، وكان خيّاطا ودلّالا، ثم قرّر بالرّباط النّاصري، وأضرّ بأخرة. وكان يحفظ القرآن العظيم. توفي يوم عاشوراء. وفيها أحمد بن عبد المحسن الدّمياطي الواعظ، عرف بكتاكت [3] . كان له الشعر الحسن، فمنه: اكشف البرقع عن شمس العقار ... واخل في ليلك مع شمس النّهار

_ [1] انظر «العبر» (5/ 319- 320) و «الوافي بالوفيات» (6/ 397- 398) و «النجوم الزاهرة» (7/ 290) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 122- 123) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الدّاراني» وفي «الدارس في تاريخ المدارس» إلى «البزالي» والتصحيح من «الوافي بالوفيات» وهو الشيخ الجليل المسند خليل بن أبي الرجاء بدر الرّاراني الأصبهاني، وقد تقدمت ترجمته في المجلد السادس ص (528) . [3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

وانهب العيش ودعه ينقضي ... غلطا ما بين هتك واستتار إن تكن شيخ خلاعات الصّبا ... فالبس الصّبوة في خلع العذار وارض بالعار وقل قد لذّ لي ... في هوى خمّار كاسي لبس عاري توفي بمصر، ودفن بالقرافة. وفيها القاضي صفيّ الدّين أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن يحيى الشّقراوي الحنبلي [1] . ولد بشقرا من ضياع زرع [2] سنة خمس وستمائة، وسمع من موسى بن عبد القادر، والشيخ موفق الدّين، وأحمد بن طاووس، وجماعة. وتفقه وحدّث، وولي الحكم بزرع نيابة عن الشيخ شمس الدّين [3] ابن أبي عمر، وكان فقيها، فاضلا، حسن الأخلاق. قال الذهبي: كان رجلا، خيّرا، فقيها، حفظ النّوادر والأخبار، وولي قضاء زرع، وأعاد بمدرسته. وتوفي يوم السبت تاسع عشر ذي الحجّة ودفن بسفح قاسيون. وفيها شيخ الشيوخ شرف الدّين أبو بكر عبد الله بن شيخ الشيوخ تاج الدّين عبد الله بن عمر بن حمّوية الجويني ثم الدمشقي الصّوفي [4] . ولد سنة ثمان وستمائة وروى عن أبي القاسم بن صصرى وجماعة، وتوفي في شوال. وفيها ابن الأوحد الفقيه شمس الدّين عبد الله بن محمد بن

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (8/ 397- 398) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 297- 298) . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «زرا» . [3] لفظة «الدّين» سقطت من «آ» . [4] انظر «مرآة الجنان» (4/ 190) و «غربال الزّمان» ص (556) .

عبد الله بن علي القرشيّ الزّبيريّ [1] . روى عن الافتخار الهاشمي، وكتب بديوان المارستان النّوري، وتوفي في شوال وله خمس وسبعون سنة. وفيها الشيخ القدوة إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحضرمي [2] ، نسبة إلى حضرموت. قال المناوي: قطب الدّين، الإمام الكبير، العارف الشهير، قدوة الفريقين وعمدة الطريقين، شيخ الشّافعية ومربي الصّوفية. كان إماما من الأئمة مذكورا، وعلما من أعلام الولاية مشهورا. وهو من بيت مشهور بالصّلاح، مقصود لليمن والنّجاح، أعلامه للإرشاد منصوبة، وبركات أهله كالأهلّة مرقومة مرقوبة. وكان في بدايته يؤثر الخلوة، ثم تفقه، فبرع وفاق، وسبق الأقران والرّفاق. وله عدّة مؤلفات في عدّة فنون، تدلّ على تمكّنه، منها «شرح المهذّب» و «مختصر مسلم» و «مختصر بهجة المجالس» و «فتاوى» مفيدة. وكلام في التصوف، يدلّ على كمال معرفته. انتفع به جمع من الأعيان، وولي قضاء الأقضية فأنكر المنكرات وأقام مواسم الخيرات. ثم عزل نفسه. وكتب للسلطان في شقفة من خزف: يا يوسف كثر شاكوك وقلّ شاكروك، فإما عدلت وإما انفصلت. فغضب، فلم يلتفت إليه. وله كرامات- قال المطري [3] : كادت تبلغ التواتر-.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 320) . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 130- 131) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 166- 167) و «العقود اللؤلؤية» (1/ 176- 177) بعناية الأستاذ محمد بن علي الأكوع الحوالي، طبع مركز الدراسات والبحوث اليمينة بصنعاء. [3] هو الإمام عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف المطري الخزرجي العبادي، أبو السّيادة. له «الإعلام فيمن دخل المدينة من الأعلام» - وهو الذي نقل عنه المؤلّف وهو جدير بالنشر-. مات سنة (765 هـ) . انظر «الأعلام» للأستاذ الزركلي (4/ 126) .

منها: أن ابن معطي قيل له في النّوم: اذهب إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النّحو، فلما انتبه تعجّب لكون الحضرميّ لا يحسنه، ثم قال: لا بدّ من الامتثال، فدخل عليه وعنده جمع يقرؤون الفقه، فبمجرد رؤياه، قال: أجزتك بكتب النّحو، فصار لا يطالع فيه شيئا إلّا عرفه بغير شيخ. ومنها أنه قصد بلدة زبيد، فكادت الشّمس تغرب، وهو بعيد عنها، فخاف أن تغلق أبوابها، فأشار إلى الشّمس فوقفت [1] ، حتّى دخل المدينة. وإليه أشار الإمام اليافعيّ بقوله: هو الحضرمي نجل الوليّ محمد ... إمام الهدى نجل الإمام محمد ومن جاهه أومأ إلى الشّمس أن قفي ... فلم تمش حتّى أنزلوه بمقعد ومنها أنه زار مقبرة زبيد، فبكى كثيرا، ثم ضحك، فسئل، فقال: كشف لي، فرأيتهم يعذّبون، فشفعت فيهم. فقالت صاحبة هذا القبر: وأنا معهم يا فقيه، قلت: من أنت؟ قالت: فلانة المغنيّة، فضحكت وقلت: وأنت. ومنها أن بعض الصّلحاء رأى المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فقال له: «من قبّل قدم الحضرميّ دخل الجنّة» [2] فبلغ الحكميّ مفتي زبيد، فقصده ليقبّلها، فلما وقع بصره عليه، مدّ له رجليه. انتهى ملخصا. وفيها الشيخ نجم الدّين بن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحمويّ [3] الصّوفي الفقير. كان له زاوية بحماة ومريدون، وفيه تواضع وخدمة للفقراء، وأخلاق

_ [1] أقول: وهذا أيضا من المبالغات في الشطحات (ع) . [2] أقول: هذا حديث لا أصل له، وهو كذب مفترى، والأحكام الشرعية لا تؤخذ من المنامات (ع) . [3] انظر «العبر» (5/ 320) و «مرآة الجنان» (4/ 190) .

حميدة. صحب الشيخ إسماعيل الكوراني، واتفق موته بدمشق، فدفن عنده بمقابر الصّوفية. وفيها الشيخ عبد السّلام بن أحمد بن الشيخ القدوة غانم بن علي المقدسي [1] الواعظ. أحد المبرّزين في الوعظ، والنّظم، والنّثر. توفي بالقاهرة في شوال. وفيها فاطمة ابنة الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدّين [2] . ولدت سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وسمعت من حنبل، وابن طبرزد. وفيها السّلطان الملك السعيد ناصر الدّين أبو المعالي محمد بن الملك الظّاهر بيبرس [3] . ولد في حدود سنة ثمان وخمسين وستمائة، بظاهر القاهرة. وتملّك بعد أبيه سنة ست وسبعين في صفر، وكان شابا، مليحا، كريما، حسن الطّباع، فيه عدل، ولين، وإحسان، ومحبة للخير. خلعوه من الأمر، فأقام بالكرك أشهرا، ومات شبه الفجأة في نصف ذي القعدة بقلعة الكرك، ثم نقل بعد سنة ونصف إلى تربة والده، وتملّك بعده أخوه خضر. وفيها ابن الصّيرفيّ، المفتي المعمّر، جمال الدّين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحرّاني الحنبلي، ويعرف بابن الحبيشي [4] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 321) و «مرآة الجنان» (4/ 190) و «البداية والنهاية» (13/ 289) . [2] انظر «العبر» (5/ 321) و «ترويح القلوب» للزّبيدي ص (76) بتحقيق الدكتور صلاح الدّين المنجد. [3] انظر «العبر» (5/ 321) و «البداية والنهاية» (13/ 290) . [4] انظر «العبر» (5/ 321- 322) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 290) .

سمع من عبد القادر الرّهاوي بحرّان، ومن ابن طبرزد ببغداد، ومن الكندي بدمشق، واشتغل على أبي بكر بن غنيمة، وأبي بكر العكبري، والشيخ الموفق [1] . وكان إماما، عالما، متفننا، صاحب عبادة، وتهجد، وصفات حميدة. توفي في رابع صفر.

_ [1] يعني الإمام الحافظ الفقيه موفق الدّين بن قدامة المقدسي، رحمه الله تعالى.

سنة تسع وسبعين وستمائة

سنة تسع وسبعين وستمائة في آخرها نزل السّلطان الملك الكامل سنقر الأشقر إلى الشّام غازيا، فنزل قريبا من عكّا، فخضع له أهلها، وراسلوه في الهدنة، وجاء إلى خدمته عيسى بن مهنّا، فصفح عنه وأكرمه. وفيها توفي ضياء الدّين أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمود بن رفيعا الجدري، بفتح الجيم والدال المهملة وراء، نسبة إلى جدرة حيّ من الأزد [1]- المقرئ الفرضي الحنبلي، نزيل الموصل. قرأ بالسبع على علي بن مفلح البغدادي نزيل الموصل، وسمع الحديث من جماعة، وصنّف تصانيف في القراءات وغيرها، ونظم في القراءات والفرائض قصيدة معروفة لامية، وكان شيخ القرّاء بالموصل، قرأ عليه ابن خروف الموصلي الحنبلي وأكثر عنه، وسمع منه «الأحكام» للشيخ مجد الدّين بن تيميّة، وأجاز لعبد الصّمد بن أبي الجيش غير مرّة، وتوفي سادس جمادى الآخرة. وفيها تقيّ الدّين أبو محمد عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر الحنبلي [2] . سمع من موسى بن عبد القادر، وابن

_ [1] تنبيه: كذا قيد المؤلّف- رحمه الله- نسبته «الجدري» والصواب «الجزري» كما في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 298) مصدر المؤلّف، و «غاية النهاية في طبقات القراء» (1/ 403) . [2] انظر «العبر» (5/ 323- 324) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 298- 299) .

الزّبيدي، والشيخ الموفق، وبه تفقه في مذهب أحمد. ومهر في المذهب، وعني به، وبالسّنّة وجمع فيها، وناظر الخصوم وكفّرهم، وكان صاحب حزبية وتحرّق [1] على الأشعرية، فرموه بالتجسيم. قال الذهبي: ورأيت له مصنّفا في الصّفات، فلم أر به بأسا. قال: وكان متأيدا للحنابلة، وفيه شراسة أخلاق، مع صلاح ودين يابس. توفي في ثامن شعبان عن نيّف وسبعين سنة. وفيها الفقيه [2] شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن داود بن إلياس البعلي الحنبلي [3] . ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمع من الشيخ موفق الدّين، وابن البنّ [4] وطائفة. وخدم الشيخ الفقيه اليونيني مدة. قال القطب ابن اليونيني: سمع من حنبل، والكندي، وابن الزّبيدي، ورحل إلى لبلاد للسماع، وخدم والدي، وقرأ عليه القرآن، واشتغل عليه، وحفظ «المقنع» وعرف الفرائض. وكان ذا ديانة وافرة، وصدق، وأمانة، وتحرّ في شهاداته وأقواله. وحدّث بمسموعاته، وتوفي في حادي عشري رمضان، ودفن بظاهر بعلبك. وفيها ابن النّنّ- بنونات [5]- الفقيه شمس الدّين محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي الشافعي [6] في رجب، بالإسكندرية، وله ثمانون

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «صاحب جرأة وتحرّق» . [2] لفظة «الفقيه» سقطت من «ط» . [3] انظر «العبر» (5/ 324) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 299- 300) . [4] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ابن المنّي» فتصحح. [5] لفظة «بنونات» ليست في «آ» وأثبتها من «ط» . [6] انظر «العبر» (5/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «تبصير المنتبه» (1/ 107) .

سنة. سمع من عبد العزيز بن منينا، وسليمان الموصلي، وجماعة. وكان ثقة، متيقظا. قاله في «العبر» . وفيها الجزّار الأديب، جمال الدّين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المصري [1] ، الأديب الفاضل. كان جزّارا، ثم استرزق بالمدح، وشاع شعره في البلاد، وتناقلته الرّواة. وكان كثير التّبذير، لا تكاد خلّته تنسدّ، وكان مسرفا على نفسه، سامحه الله تعالى. ومن شعره: عاقبتني بالصّد من غير جرم ... ومحا هجرها بقية رسمي وشكوت الجوى إلى ريقها العذ ... ب فجارت ظلما بمنع لظلم أنا حكّمتها فجارت وشرع ال ... حبّ يقضي أني أحكّم خصمي ومنها في المديح: يا أميرا يرجّى ويخشى لبأس ... ونوال في يوم حرب وسلم أنت موسى وقد تفرّ عن ذا الخط ... ب ففرّقه من نداك بيمّ لي من حرفة الجزارة والآ ... داب فقر يكاد ينسيني اسمي وله: أكلّف نفسي كلّ يوم وليلة ... هموما على من لا أفوز بخيره كما سوّد القصّار في الشّمس وجهه ... حريصا على تبييض أثواب غيره وكانت بينه وبين السّرّاج الورّاق [2] مداعبة، فحصل للسرّاج رمد، فأهدى الجزّار له تفاحا وكمّثرى، وكتب مع ذلك:

_ [1] انظر «العبر» (5/ 324) و «البداية والنهاية» (13/ 293) و «النجوم الزاهرة» (7/ 345) و «حسن المحاضرة» (1/ 568) . [2] سترد ترجمته في وفيات سنة (695) انظر ص (753) من هذا المجلد.

أكافيك عن بعض الذي قد فعلته ... لأنّ لمولانا عليّ حقوقا بعثت خدودا مع نهود وأعينا ... ولا غرو أن يجزي الصديق صديقا وإن حال منك البعض عمّا عهدته ... فما حال يوما عن ولاك وثوقا بنفسج تلك العين صار شقائقا ... ولؤلؤ ذاك الدّمع عاد عقيقا وكم عاشق يشكو انقطاعك عند ما ... قطعت على اللّذّات منه طريقا فلا عدمتك العاشقون فطالما ... أقمت لأوقات المسرّة سوقا توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها، ودفن بالقرافة. وفيها الشيخ يوسف الفقّاعيّ الزّاهد ابن نجاح بن موهوب [1] . كان عبدا، صالحا، قانتا، كبير القدر، له أتباع ومريدون. توفي في شوال، ودفن بزاويته بسفح قاسيون، وقد نيّف على الثمانين. وفيها الفقيه المعمّر أبو بكر بن هلال بن عبّاد الحنفي عماد الدّين [2] ، معيد الشّبلية. توفي في رجب عن مائة وأربعين سنة، وقد سمع في الكهولة من أبي القاسم بن صصرى وغيره. وفيها النّجيب بن العود أبو القاسم بن حسين الحلّي الرّافضي [3] المتكلم، شيخ الشيعة وعالمهم. سكن حلب مدّة فصفع بها لكونه سبّ الصحابة [4] ، ثم سكن جزّين إلى أن مات بها في نصف شعبان، وله نيف وتسعون سنة، وكان قد وقع في الهرم.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 324) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «النجوم الزاهرة» (7/ 347) . [2] انظر «العبر» (5/ 325) . [3] انظر «العبر» (5/ 325) و «مرآة الجنان» (4/ 191) و «النجوم الزاهرة» (7/ 347) . [4] لفظة «الصحابة» سقطت من «آ» .

سنة ثمانين وستمائة

سنة ثمانين وستمائة فيها توفي الشيخ موفق الدّين الكواشي- بالفتح والتخفيف، نسبة إلى كواشة قلعة بالموصل- المفسّر العلّامة المقرئ المحقّق الزّاهد القدوة أبو العبّاس أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين الشّيبانيّ الموصليّ الشافعي [1] . ولد بكواشة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، واشتغل، فبرع في القراءات، والتفسير، والعربية، والفضائل. وقدم دمشق فأخذ عن السّخاوي وغيره، وحجّ، وزار بيت المقدس، ورجع إلى بلده وتعبّد. قال الذهبيّ: كان منقطع القرين، عديم النّظير، زهدا، وصلاحا، وتبتّلا، وصدقا، واجتهادا. كان يزوره السلطان فمن دونه، ولا يعبأ بهم، ولا يقوم لهم، ويتبرّم بهم، ولا يقبل لهم شيئا. وله كشف وكرامات، وأضرّ قبل موته بنحو من عشر سنين، وصنّف «التفسير» الكبير والصغير، وأخذ عنه القراءات محمد بن علي بن خروف الموصلي وغيره. وتوفي في سابع عشر جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 327- 328) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 42) و «طبقات المفسرين» (1/ 98- 100) .

وفيها جيعانة [1] إبراهيم بن سعيد الشّاغوري [2] المولّه. مات في جمادى الأولى، وكان من أبناء السّبعين على قاعدة المولّهين من عدم التعبّد بصلاة أو صيام أو طهارة، وللعامة فيه اعتقاد يتجاوز الوصف لما يرون من كشفه وكلامه على الخواطر. وقد شاركه في ذلك الكّاهن، والرّاهب، والمصروع، فانتفت الولاية. قاله في «العبر» . وفيها أبغا ملك التّتار وابن ملكهم هولاكو [3] بن قاآن [4] بن جنكزخان [5] . مات بنواحي همذان بين العيدين وله نحو خمسين سنة. وفيها الحاج عزّ الدّين أزدمر الجمدار [6] الذي ولي نيابة السلطنة بدمشق لسنقر الأشقر. كان ذا معرفة وفضيلة، وعنده مكارم كثيرة. استشهد على حمص مقبلا غير مدبر، وله بضع وخمسون سنة. وفيها الكمال أبو محمد عبد الرّحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي [7] الصّالح. سمع من ابن طبرزد، والكندي، وعدة. وتوفي في عاشر [8] جمادى الأولى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «جيعان» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (190/ ب) والمصادر المذكورة في التعليق التالي. [2] انظر «العبر» (5/ 328) و «البداية والنهاية» (13/ 298) . [3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [4] في «آ» و «ط» : «ابن فاان» وما أثبته من «العبر» مصدر المؤلف، وفي ترجمة أبيه المتقدمة في هذا المجلد ص (550) : «ابن قولي» وفي بعض المصادر: «ابن تولي» وفي بعضها الآخر: «ابن قولي قان» . [5] انظر «العبر» (5/ 328) و «دول الإسلام» (2/ 183) و «الوافي بالوفيات» (6/ 187) و «المنهل الصافي» (1/ 198- 200) و «السلوك» (1/ 3/ 704) . [6] انظر «العبر» (5/ 328) و «المنهل الصّافي» (2/ 348) . [7] انظر «العبر» (5/ 328) و «الوافي بالوفيات» (18/ 334) . [8] لفظة «عاشر» سقطت من «آ» .

وفيها المجد بن الخليل عبد العزيز بن الحسين الدّاري [1] والد الصّاحب فخر الدّين. سمع من أبي الحسين بن جبير الكتّاني، والفتح بن عبد السّلام، وطائفة. وكان رئيسا، ديّنا، خيّرا. توفي بدمشق في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة. وفيها وليّ الدّين الزّاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن بدر الجزريّ [2] الشّافعي الفقيه، نزيل بيت لهيا. كان صاحب حال وكشف وعبادة وتبتّل. توفي في شوال وقد قارب الستين. وفيها أبو الحسن علي بن محمود بن حسن بن نبهان [3] ، المنجّم الأديب. عاش خمسا وثمانين سنة، وروى عن ابن طبرزد، والكندي. تركه بعض العلماء لأجل التّنجيم. وفيها ابن بنت الأعزّ، قاضي القضاة، صدر الدّين عمر ابن قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب بن خلف الشّافعي العلامي [4] المصري [5] . ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع من الزّكي المنذري، والرّشيد العطّار، وولي قضاء الدّيار المصرية في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين، وعزل سنة تسع في رمضان، وقيل: إنه عزل نفسه، واقتصر على تدريس الصّالحية.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 329) و «الوافي بالوفيات» (18/ 473) . [2] في «آ» : «الجندي» وفي «ط» : «الحجندي» والتصحيح من «العبر» (5/ 329) مصدر المؤلّف، و «النّجوم الزاهرة» (7/ 353) . [3] انظر «العبر» (5/ 329) . [4] تحرفت في «البداية والنهاية» : «الغلابي» وفي «حسن المحاضرة» إلى «العلائي» . [5] انظر «العبر» (5/ 329- 330) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 310- 311) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 184) و «حسن المحاضرة» (1/ 415) .

قال الذهبيّ: كان فقيها، عارفا بالمذهب، يسلك طريقة والده في التحرّي والصّلابة. وكان فيه دين وتعبد، ولديه فضائل. وكان عظيم الهيبة، وافر الجلالة، عديم المزاح، بارّا بالفقهاء، مؤثرا، متصدقا. وكان والده يحترمه ويتبرّك به. درّس بأماكن، وتوفي يوم عاشوراء. وفيها الأمين [1] الإربلي العدل أبو محمد القاسم بن أبي بكر ابن القاسم بن غنيمة [2] . رحل مع أبيه، وله بضع عشرة سنة، فذكر- وهو صدوق- أنه سمع جميع «صحيح مسلم» من المؤيّد الطّوسي، ورواه بدمشق، فسمعه منه الكبار، وتوفي في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة. وفيها ابن سني الدولة، قاضي القضاة، نجم الدّين محمد ابن قاضي القضاة صدر الدّين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدّين يحيى الدمشقي الشافعي [3] . ولد سنة ست عشرة وستمائة، واشتغل وتقدّم، وناب عن والده، ثم ولي قضاء حلب، ثم ولي قضاء دمشق، ثم عزل بعد سنة بابن خلّكان، ثم سكن مصر مدّة وصودر وتعب، ثم ولي قضاء حلب، ودرّس بالأمينية وغيرها. وكان يعدّ من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب، مع الهيبة والتّحرّي، موصوفا بجودة النّقل، مشهورا بالصّرامة والهمّة العالية. حدّث عن أبي القاسم بن صصرى وغيره، وتوفي في ثامن المحرّم ودفن بقاسيون.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الأمير» وهو خطأ، والتصحيح المصادر المذكورة في التعليق التالي. [2] انظر «العبر» (5/ 330) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (383) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 353) . [3] انظر «العبر» (5/ 330) و «البداية والنهاية» (13/ 297) .

وفيها شمس الدّين محمد بن مكتوم البعليّ [1] الفاضل الأديب، توفي شهيدا في وقعة حمص. ومن شعره: رام أن يترك الهوى فبدا له ... إذ رأى حسن وجهه قد بدا له كلّما لمته على الحبّ يزدا ... د ضلالا فخلّه وضلاله كيف يرجى الشّفاء يوما لصبّ ... لم يحاك السّقام إلّا خياله ناقص صبره كثير بكاه ... لو رآه عدوّه لرثى له دنف ظلّه مستهاما ببدر ... عمّه الوجد حين عاين خاله أنا صب له وإن حال عنّي ... وعبيد له على كلّ حاله فاق كلّ الورى جمالا وحسنا ... ضاعف الله حسنه وجماله وفيها ابن المجبّر الكتبيّ شرف الدّين محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي [2] . ولد سنة عشر وستمائة، وسمع من أبي القاسم بن صصرى وطائفة، ورحل وأكثر عن الأنجب الحمّامي وطبقته، وكتب الكثير بالخطّ الحسن، ولكنه لم يكن ثقة في نقله. توفي في ذي القعدة، ولم يكن عليه أنس [أهل] الحديث، الله يسامحه. قاله الذّهبي. وفيها ابن رزين قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامريّ الحمويّ الشافعي [3] .

_ [1] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر. [2] انظر «العبر» (5/ 331) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الوافي بالوفيات» (2/ 131) . [3] انظر «العبر» (5/ 331- 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (383) و «طبقات الشافعية.

ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة، واشتغل من الصّغر، فحفظ «التنبيه» في صغره، ثم حفظ «الوسيط» و «المفضّل» و «المستصفى» للغزّالي، إلى غير ذلك. وبرع في الفقه، والعربية، والأصول، وشارك في الخلاف [1] ، والمنطق، والكلام، والحديث وفنون العلم. وأفتى وله ثمان عشرة سنة. وقدم دمشق، فلازم ابن الصّلاح، وقرأ القراءات على السّخاوي، وسمع منهما ومن غيرهما. وأخذ العربية عن ابن يعيش. وكان يفتي بدمشق في أيام ابن الصّلاح، ويؤمّ بدار الحديث، ثم ولي وكالة بيت المال في أيام النّاصر، مع تدريس الشّامية. ثم تحوّل من هولاكو [2] إلى مصر، واشتغل، ودرّس بالظّاهرية، ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقا تديّنا وورعا، ودرّس بالشّافعي وامتنع من أخذ الجامكيّة، وولي عدّة جهات، وظهرت فضائله الباهرة، وتفقه به عدّة أئمة، وانتفعوا بعلمه، وهديه، وسمته، وورعه، [وممن تخرّج به بدر الدّين بن جماعة. وحدّث عنه الدّمياطيّ والمصريّون، وكان يقصد بالفتاوى من النّواحي] [3] . وممن نقل عنه الإمام النّووي، وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقاهرة في ثالث رجب. وفيها الجمال بن الصّابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود [4] ، شيخ دار الحديث النّورية.

_ الكبرى» (8/ 46- 47) و «الوافي بالوفيات» (3/ 18- 19) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 187- 189) . [1] لفظة «الخلاف» سقطت من «ط» . [2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [3] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» . [4] انظر «العبر» (5/ 332) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «مرآة الجنان» (4/ 193) و «النجوم الزاهرة» (7/ 353) و «الدّارس في تاريخ المدارس» (1/ 110- 111) .

ولد سنة أربع وستمائة، وسمع من أبي القاسم بن الحرستاني وخلق كثير، وكتب العالي والنّازل، وبالغ، وحصّل الأصول، وجمع، وصنّف، واختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وتوفي في نصف ذي القعدة. وفيها ابن أبي الدّنيّة مسند العراق، شهاب الدّين، أبو سعد، محمد ابن يعقوب بن أبي الفرج البغدادي [1] . ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة [2] ، وسمع من أبي الفتح المندائي، وضياء بن الخريف، والكبار [3] . وأجاز له ذاكر بن كامل، وابن كليب. وولي مشيخة المستنصرية إلى أن توفي في ثامن عشر رجب. وفيها ابن علّان القاضي الجليل شمس الدّين، أبو الغنائم، المسلم بن محمد بن المسلم بن مكّي بن خلف القيسي الدمشقي [4] . ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير من حنبل، وابن طبرزد، وابن مندويه، وغيرهم. وأجاز له الخشوعي وجماعة. وكان من سروات النّاس. توفي في ذي الحجّة. وفيها البدر يوسف بن لؤلؤ [5] ، الشّاعر المشهور. قال الذهبيّ: كان من كبار شعراء الدولة النّاصرية، ومن الأدباء الظّراف.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 332) و «الوافي بالوفيات» (5/ 228) وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (670) . [2] لفظة «وخمسمائة» سقطت من «آ» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «والأبار» والتصحيح من «العبر» مصدر المؤلّف. [4] انظر «العبر» (5/ 332- 333) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (283) و «النجوم الزاهرة» (7/ 353) . [5] انظر «العبر» (5/ 333) و «فوات الوفيات» (4/ 368- 383) .

من شعره- وقد تكاثرت الأمطار بدمشق-: إن ألحّ [1] الغيث شهرا هكذا ... جاء بالطّوفان والبحر المحيط ما هم من قوم نوح يا سما ... أقلعي [عنهم] فهم من قوم لوط وكتب إلى ابن إسرائيل [2] وكان يهوى غلاما اسمه جارح: قلبك اليوم طائر ... عنك أم في الجوانح كيف يرجى خلاصه ... وهو في كفّ جارح ثم بلغه أنه تركه، فقال: خلّصت طائر قلبك العاني ترى [3] ... من جارح يغدو به ويروح ولقد يسرّ خلاصه إن كنت قد ... خلّصته منه وفيه روح توفي في شعبان، وقد نيّف على سبعين سنة. وفيها المزّيّ الفقيه، شمس الدّين أبو بكر بن عمر بن يونس الحنفي [4] . روى «البخاري» عن ابن مندويه، والعطّار، و «مسلما» عن ابن الحرستاني، وعاش سبعا وثمانين سنة، وتوفي في شعبان، رحمه الله تعالى.

_ [1] في «فوات الوفيات» : «إن أقام» ولفظة «عنهم» مستدركة منه. [2] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (677) ، انظر ص (626) من هذا المجلد. [3] في «آ» و «ط» : «الذي» والتصحيح من «فوات الوفيات» . [4] انظر «العبر» (5/ 333) .

سنة إحدى وثمانين وستمائة

سنة إحدى وثمانين وستمائة فيها وصلت رسل أحمد بن هولاكو [1] بأنه استقرّ في المملكة إلى بغداد عوض أخيه، وأمر ببناء المساجد والجوامع وإقامة الشّرع الشّريف على ما كان في زمن الخلفاء، ووصلت رسله إلى الشام وإلى مصر [2] . وكان منهم الشيخ قطب الدّين الشّيرازي. وفيها كان بدمشق الحريق العظيم الذي لم يسمع بمثله، أقامت النّار ثلاثة أيام ليلا ونهارا. وكان مبدؤه من الذّهبيين. وذهب للنّاس شيء كثير، ولكن لم يحترق فيه أحد من الناس. ومن جملة ما ذهب فيه [3] للشيخ شمس الدّين الكتبي، عرف بالفاشوشة خمسة عشر ألف مجلد. وحكى السيد جمال الدّين بن السّراج البصرويّ، قال: بتنا [4] في الجامع، وإذا الهواء ألقى ورقة من الحريق، مكتوب فيها: سلم الأمر راضيا ... جفّ بالكائن القلم ليس في الرّزق حيلة ... إنّما الرّزق في القسم

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] في «آ» و «ط» : «ومصر» . [3] لفظة «فيه» سقطت من «ط» . [4] تصحفت في «ط» إلى «تبنا» .

جلّ من يرزق الضّعي ... ف وهو لحم على وضم إنّ للخلق خالقا ... لا مردّ لما حكم وفيها توفي [1] الأمين الأشتري الإمام أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الجبّار ابن طلحة بن عمر بن الأشتري الشّافعي الحلبي ثم الدّمشقي [2] . ولد في شوال سنة خمس عشرة وستمائة، وسمع من أبي محمد بن علوان، والقزويني، وابن روزبه وخلق، وكان بصيرا بالمذهب، ورعا، صالحا. جمع بين العلم والعمل، والإنابة، والديانة التّامة، بحيث إن الشيخ محيي الدّين النّووي كان إذا جاءه شابّ يقرأ عليه، يرشده القراءة على المذكور، لعلمه بدينه وعفّته. قال المزّيّ: كان ممن يظنّ به أنه لا يحسن أن يعصي الله تعالى. وقال الذهبي: كان بارز العدالة، كبير القدر، مقبلا على شأنه، سرد الصّوم أربعين سنة. توفي فجأة بدمشق في ربيع الأول. وفيها ابن خلّكان، قاضي القضاة، شمس الدّين أبو العبّاس، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان البرمكيّ الإربليّ الشّافعيّ [3] . ولد بإربل سنة ثمان وستمائة، وسمع «البخاري» من ابن مكرم، وأجاز

_ [1] لفظة «توفي» سقطت من «آ» . [2] انظر «العبر» (5/ 334) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 454) و «البداية والنهاية» (13/ 300) . [3] انظر «العبر» (5/ 334) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «الوافي بالوفيات» (7/ 308- 316) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 496- 497) و «البداية والنهاية» (13/ 301) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 212- 215) .

له المؤيّد الطّوسي وجماعة، وتفقه بالموصل على كمال الدّين بن يونس، وبالشّام على ابن شدّاد، ولقي كبار العلماء، وبرع في الفضائل والآداب، وسكن مصر مدّة، وناب في القضاء، ثم ولي قضاء الشام عشر سنين، وعزل بابن الصّايغ سنة تسع وستين، فأقام سبع سنين معزولا بمصر، ثم ردّ إلى قضاء الشام، ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين، واستمر معزولا وبيده الأمينية والنّجيبية. قال الشيخ تاج الدّين الفزاري في «تاريخه» : كان قد جمع حسن الصّورة، وفصاحة المنطق، وغزارة الفضل، وثبات الجأش، ونزاهة النّفس. وقال الذّهبيّ: كان إماما، فاضلا، متقنا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علّامة في الأدب، والشعر، وأيّام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سروات النّاس، كريما، جوادا، ممدّحا. وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان [1] . انتهى. ولله درّ القائل: ما زلت تلهج بالأموات تكتبها ... حتّى [2] رأيتك في الأموات مكتوبا ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة. حكي أنه جاءه إنسان فحدّثه في أذنه، أن عدلين في مكان يشربان الخمر، فقام من مجلسه ودعا برجل، وقال: اذهب إلى مكان كذا، وأمر من فيه بإصلاح أمرهما وإزالة ما عندهما، ثم عاد فجلس مكانه إلى أن علم أن نقيبه قد حضر، فدعا بذلك الرجل، وقال: أنا أبعث معك النّقيب فإن كنت

_ [1] وهو المعروف ب «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» وهو مطبوع عدة طبعات أفضلها الصادرة عن دار صادر ببيروت في ثمانية مجلدات بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس، وهي طبعة جيدة مفهرسة. [2] في «ط» : «فقد» .

صادقا ضربتهما الحدّ، وإن كنت كاذبا أشهرتك وقطعت لسانك، وجهّز النّقيب معه، فلم يجدوا غير صاحب البيت وليس عنده شيء من ذلك، فأحضر الدّرّة وهدّده، فشفع النّقيب فيه، فقبل شفاعته، ثم أحضر له مصحفا وحلّفه أن لا يعود يقذف عرض مسلم. وله النظم الفائق، فمنه قوله [1] : يا سادتي إنّي قنعت وحقّكم ... في حبّكم منكم بأيسر مطلب إن لم تجودوا بالوصال تعطّفا ... وقصدتم هجري وفرط تجنّبي لا تحرموا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب قسما بوجدي في الهوى وتحرّقي ... وتحيّري وتلهّفي وتلهّبي لو قلت لي جد لي بروحك لم أقف ... فيما أمرت وإن شككت فجرّب وحياة وجهك وهو بدر طالع ... وبياض غرّتك التي كالغيهب وبقامة لك كالقضيب ركبت من ... أخطارها في الحبّ أصعب مركب لو لم أكن في رتبة أرعى لها ال ... عهد القديم صيانة للمنصب لهتكت ستري في هواك ولذّ لي ... خلع العذار ولجّ فيك مؤنّبي لكن خشيت بأن تقول عواذلي ... قد جنّ هذا الشيخ في هذا الصّبي وله في ملاح يسبحون [2] : وسرب ظباء في غدير تخالهم ... بدورا بأفق الماء تبدو وتغرب يقول خليلي والغرام مصاحبي ... أما لك عن [3] هذي الصّبابة مذهب وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى ... فقلت له: دعهم يخوضوا ويلعبوا

_ [1] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (7/ 312) و «فوات الوفيات» (1/ 112- 113) مع بعض الخلاف. [2] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (7/ 313) و «فوات الوفيات» (1/ 114) . [3] في «آ» : «في» .

وتوفي- رحمه الله تعالى- في رجب، ودفن بالصّالحية. قال ابن شهبة قال الإسنوي: خلّكان: قرية [من عمل إربل] كذا قال وهو وهم [1] وإنما هو اسم لبعض أجداده. انتهى. وقال الإسنويّ في «طبقاته» : هو صاحب «التاريخ» المعروف، وهو ولد الشّهاب محمد [2] ، بيته كما ترى من أجلّ البيوت، ولكن تلعّب الدّهر بناره [3] ما بين لهيب وخبوت، وتلعّب بتذكاره، ما بين ظهور وخفوت، وقد أوضح هو حاله في «تاريخه» مفرقا. انتهى ملخصا. وفيها البرهان بن الدّرجي أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي [3] . إمام مدرسة الكشك. روى عن الكندي، وأبي الفتوح البكري، وأجاز له أبو جعفر الصّيدلاني وطائفة، وروى «المعجم الكبير» للطبراني، وتوفي في صفر.

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة من «طبقات الشافعية» للإسنوي قلت: وعلّق محقّقه الدكتور عبد الله الجبّوري بقوله: أقول: وما زالت هذه القرية التي يقترن باسمها اسم المؤرخ العظيم قاضي القضاة ابن خلّكان إلى الآن، وهي كذلك قرية، وتقع في (جناران) - مرزا- رستم، التابعة إلى قضاء رانية، من محافظة السليمانية في شمال العراق. أفادنيه الأخوان الصديقان: العميد الأستاذ الفاضل عبد الرحمن التكريتي، والأستاذ صادق التكريتي قائم مقام قضاء بغداد. انتهى. قلت: وسألت عن ذلك صديقي الأديب الدكتور خالد قوطرش الكرديّ- وهو ممن يتقن الكردية ويلم بالفارسية- فقال: يقال بأن «ابن خلكان» ينسب إلى قرية «خلكان» بفتح الخاء وسكون اللام وفتح الكاف، قرية تقع الآن في شمال العراق، وعليه فإن الصواب أن يقال «ابن خلكان» . ويقال أيضا: بأنه حين سئل عن نسبه، قال: خلّ كان، يعني اسأل عن الرجل ودعك من السؤال عن آبائه وأجداده. انتهى كلامه. [2] هو محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان. مات سنة (610) هـ. ترجم له الإسنويّ في «طبقاته» (1/ 496) . [3] انظر «العبر» (5/ 335) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «البداية والنهاية» (13/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 556- 557) .

وفيها ابن المليجي [1] مسند القرّاء بالدّيار المصرية فخر الدّين أبو الطّاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المقرئ المعدّل. ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة [2] ، وقرأ القراءات على أبي الجود [3] ، فكان آخر من قرأ عليه وفاة، وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنّا وغيره، وتوفي في رمضان. وفيها الشيخ عبد الله كتيلة بن أبي بكر الحربي الفقير [4] الصّوفي [5] ، بقية شيوخ العراق. كان صاحب أحوال وكرامات، وله أتباع وأصحاب. تفقه، وسمع الحديث، وصحب الشيوخ، ومات في عشر الثمانين وكان حنبليّا [6] . قال ابن رجب: ولد سنة خمس وستمائة، وسمع الحديث بدمشق من الحافظ الضّياء المقدسي، وسليمان الأسعردي، وأجاز له الشيخ موفق الدّين [7] ، وتفقه في المذهب ببغداد على القاضي أبي صالح، وبحرّان على مجد الدّين بن تيمية، وابن تميم صاحب «المختصر» ، وبدمشق على

_ [1] تصحفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «المليحي» بالحاء المهملة، والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 663) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «غاية النهاية» (1/ 169) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) . [2] لفظة «وخمسمائة» لم ترد في «آ» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النجود» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 589) و «غاية النهاية» (1/ 169) . [4] تحرفت في «آ» إلى «الفقيه» . [5] انظر «العبر» (5/ 335) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 301- 302) . [6] قوله: «وكان حنبليا» لم يرد في «ط» وورد مكانه لفظة «الحنبلي» عقب لفظة «الصّوفي» في صدر الترجمة. [7] يعني ابن قدامة المقدسي.

الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر وغيره، وبمصر على أبي عبد الله بن حمدان، ونقل عنهم فوائد، وشرح «كتاب الخرقي» وسمّاه «المهمّ» . وله تصانيف أخر، منها مجلد في أصول الدّين، سماه «العدّة للشدّة» ومصنّف في السّماع، وحدّث، وسمع منه عبد الرزاق بن الفوطي وغيره، وكان قدوة، زاهدا، عابدا، ذا أحوال وكرامات. وقال الذهبي: كان مع جلالته، يترنّم ويغني لنفسه في بعض الأوقات. وكان فيه كيس وظرف وبشاشة. توفي- رحمه الله- يوم الجمعة منتصف رمضان ببغداد. وفيها جلال الدّين أبو محمد عبد الجبّار بن عبد الخالق بن محمد بن نصر الزّاهد الفقيه الحنبلي المفسّر الأصوليّ الواعظ [1] . ولد سنة تسع [2] عشر وستمائة ببغداد، وسمع من ابن المنيّ وغيره، واشتغل بالفقه، والأصول، والتفسير، والوعظ، والطبّ، وبرع في ذلك. وله النّظم والنّثر، والتصانيف الكثيرة، منها «تفسير القرآن» في ثمان مجلدات، ولم يزل على ذلك إلى واقعة بغداد، فأسر، واشتراه بدر الدّين صاحب الموصل، فحمله إلى الموصل فوعظ بها، ثم حدّره إلى بغداد، فاستمر بها صدرا إلى أن توفي في يوم الاثنين سابع عشري شعبان، وكان له يوم مشهود. وفيها الشيخ زين الدّين الزّواوي الإمام أبو محمد عبد السّلام بن علي بن عمر بن سيّد النّاس المالكي القاضي المقرئ [3] ، شيخ المقرئين.

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 47) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 300- 301) و «طبقات المفسرين» للداودي (1/ 258- 259) . [2] لفظة «تسع» لم ترد في «ط» . [3] انظر «العبر» (5/ 335- 336) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 676- 677) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «غاية النهاية» (1/ 386- 387) .

ولد ببجاية سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وقرأ القراءات بالإسكندرية على ابن عيسى، وبدمشق على السّخاوي، وبرع في الفقه، وعلوم القرآن، والزّهد، والإخلاص، وولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصّالح اثنتين وعشرين سنة، وقرأ عليه عدد كثير، وولي القضاء تسعة أعوام، ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه القاضي شمس الدّين بن عطاء، واستمر على التدريس والإقراء إلى أن توفي في رجب. وفيها البرهان المراغي أبو الثّناء محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد العلّامة برهان الدّين الشافعي [1] الأصولي [2] . ولد سنة خمس وستمائة، وحدّث عن أبي القاسم بن رواحة، وكان مع سعة فضائله وبراعته في العلوم، صالحا، متعبّدا، متعفّفا، عرض عليه القضاء ومشيخة الشيوخ فامتنع، ودرّس مدّة بالفلكية، وأفتى، واشتغل بالجامع مدّة طويلة. وحدّث عنه المزّيّ، والبرزاليّ، وابن العطّار، وجماعة. وكان شيخا، طوالا، حسن الوجه، مهيبا، متصوفا، لطيف الأخلاق، كريم الشّمائل، مكمّل الأدوات. وكان عليه وعلى الشيخ تاج الدّين مدار الفتوى بدمشق. توفي في ربيع الآخر، ودفن بمقابر الصّوفية. وفيها أبو المرهف المقداد بن أبي القاسم هبة الله بن علي بن المقداد الإمام نجيب الدّين القيسيّ الشافعي [3] . ولد سنة ستمائة ببغداد، وسمع بها من ابن الأخضر، وأحمد بن

_ [1] في «ط» : «الشافعي العلّامة» . [2] انظر «العبر» (5/ 336) و «البداية والنهاية» (13/ 300) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) . [3] انظر «العبر» (5/ 336- 337) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 262- 263) و «النجوم الزاهرة» (7/ 356) .

الدّبيثي، وبمكّة من ابن الحصري، وابن البنّا، وروى الكثير. وكان عدلا، خيّرا، تاجرا. توفي في ثامن شعبان بدمشق. وفيها منكوتمر أخو أبغا بن هولاكو [1] المغلي [2] طاغية التتار. كان نصرانيا، جرح يوم المصافّ على حمص، وحصل له ألم، وغمّ بالكسرة، فاعتراه فيما قيل صرع متدارك كما اعترى أباه، فهلك في أوائل المحرّم في قرية [3] من جزيرة ابن عمر، وله ثلاثون سنة. وكان شجاعا جريئا مهيبا. وفيها جمال الدّين أبو إسحاق يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القفصي [4] الضرير المقرئ النحوي الحنبلي الفرضي. ولد سابع رجب سنة ست وستمائة بالقفص [5] من أعمال بغداد. وقرأ القرآن بالروايات على أبي عبد الله محمد بن سالم صاحب البطائحي وغيره، وسمع الحديث من عمر بن عبد العزيز بن النّاقد، وأخته تاج النّساء عجيبة. وأجاز له ابن منينا وغيره، وبرع في العربية، والقراءات، والفرائض، وغير ذلك. وانتفع الناس به في هذه العلوم، وصنّف فيها التصانيف الحسنة. قال إبراهيم الجعبري: هو جمّاعة لعلوم القرآن، قرأت عليه كتبا كثيرة في ذلك.

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] في «آ» : «المضل» . [3] في «آ» و «ط» : «بقوجه» والتصحيح من «العبر» وهامش «ط» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القصصي» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 683) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 304) و «غاية النهاية» (2/ 394) . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بالقصص» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» وانظر «معجم البلدان» (4/ 382) .

وقال الذهبي: كان مقرئ بغداد، عارفا باللغة، والنّحو، بصيرا بعلل القراءات، متصديا لإقرائها. دخل دمشق، ومصر، وسمع من شيوخهما. جمّ الفضائل لا يتقدمه أحد في زمانه في الإقراء. توفي يوم الجمعة تاسع عشري صفر ببغداد، ودفن بباب حرب.

سنة اثنتين وثمانين وستمائة

سنة اثنتين وثمانين وستمائة فيها توفي إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصّالحي [1] في ذي القعدة، وله ست وثمانون سنة. سمع من حنبل، وابن طبرزد، والكبار. وكان أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب. وفيها أمير آل مرى أحمد بن حجّي [2] . كان يدّعي أنه من نسل البرامكة، وأنه ابن عمّ قاضي القضاة شمس الدّين بن خلّكان. وكانت سراياه تصل إلى أقصى نجد، وأهل الحجاز يؤدّون له الخفر. وفيها شهاب الدّين أبو المحاسن وأبو أحمد عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [3] ، نزيل دمشق، الحنبلي ابن المجد، وأبو شيخ الإسلام تقي الدّين. ولد سنة سبع وعشرين وستمائة بحرّان، وسمع من والده وغيره، ورحل في صغره إلى حلب، فسمع بها من ابن اللّتي، وابن رواحة، ويوسف بن خليل، ويعيش النّحوي، وغيرهم. وتفقه بوالده، وتفنّن في الفضائل. قال الذهبي: قرأ المذهب حتّى أتقنه على والده، ودرّس، وأفتى،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 337) و «القلائد الجوهرية» (2/ 420) . [2] نظر «الوافي بالوفيات» (6/ 304- 305) و «المنهل الصافي» (1/ 261- 262) . [3] انظر «العبر» (5/ 338) و «الوافي بالوفيات» (18/ 69) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 310- 311) .

وصنّف، وصار شيخ البلد بعد أبيه، وخطيبه، وحاكمه. وكان إماما محقّقا، كثير الفنون. له يد طولى في الفرائض، والحساب، والهيئة، ديّنا، متواضعا، حسن الأخلاق، جوادا، من حسنات العصر. تفقه عليه ولداه أبو العبّاس [1] وأبو محمد، وحدّثنا عنه على المنبر ولده، وكان قدومه إلى دمشق بأهله وأقاربه، مهاجرا سنة سبع وستين، وكان من أنجم الهدى، وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس، يشير إلى أبيه وابنه. وقال البرزالي: كان من أعيان الحنابلة، باشر بدمشق مشيخة دار الحديث السّكّرية بالقصّاعين، وبها كان يسكن، وكان له كرسيّ بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه، ولما توفي خلفه فيهما ولده أبو العبّاس [1] ، وله تعاليق وفوائد، ومصنّف في علوم عدّة. توفي ليلة الأحد سلخ ذي الحجّة، ودفن من الغد، يقال بسفح قاسيون. وفيها الجمال الجزائري أبو محمد عبد الله بن يحيى الغسّاني [2] ، المحدّث، نزيل دمشق. روى عن أبي الخطّاب ابن دحية، والسّخاوي وخلق، وكتب الكثير، وصار من أعيان الطّلبة، مع العبادة والتواضع. توفي في شوال. وفيها شيخ الإسلام وبقية الأعلام شمس الدّين أبو الفرج وأبو محمد عبد الرحمن ابن القدوة الزّاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثمّ الصّالحي الحنبلي [3] .

_ [1] يعني شيخ الإسلام. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العتابي» والتصحيح من «العبر» (5/ 338) و «الوافي بالوفيات» (17/ 671) . [3] انظر «العبر» (5/ 338- 339) و «الوافي بالوفيات» (18/ 240- 244) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 304- 310) .

ولد في أول شوال، وقيل: في المحرم، سنة سبع وتسعين وخمسمائة بدير والده بسفح قاسيون، وسمع من أبيه وعمّه الشيخ موفق الدّين، ومن ابن طبرزد، وحنبل، وأبي اليمن الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني، وابن ملاعب، وجماعة مستكثرة، وأجاز له الصّيدلاني، وابن الجوزي، وجماعة، وسمع من أصحاب السّلفي، وعني بالحديث، وكتب بخطّه الأجزاء والطّباق، وتفقّه على عمّه شيخ الإسلام الموفق، وشرح كتاب عمّه «المقنع» في عشر مجلدات ضخمة، وأخذ الأصول عن السّيف الآمدي، ودرّس، وأفتى، وأقرأ العلم زمانا طويلا، وانتفع به الناس، وانتهت إليه رئاسة المذهب في عصره بل رئاسة العلم في زمانه، وكان معظّما عند الخاص والعام، عظيم الهيبة لدى الملوك وغيرهم، كثير الفضائل والمحاسن، متين الدّيانة والورع، وقد جمع المحدّث إسماعيل بن الخبّاز ترجمته وأخباره في مائة وخمسين جزءا. قال الحافظ الذهبي: ما رأيت سيرة عالم أطول منها أبدا. وقال الذهبي أيضا في «معجم شيوخه» [1] في ترجمة الشيخ شمس الدّين: شيخ الحنابلة، بل شيخ الإسلام، وفقيه الشام وقدوة العباد وفريد وقته ومن اجتمعت الألسن على مدحه والثّناء عليه، حدّث نحوا من ستين سنة، وكتب عنه أبو الفتح بن الحاجب، وقال: سألت عنه الحافظ الضياء فقال: إمام عالم خيّر. قال الذهبي: وكان الشيخ محيي الدّين النّواوي يقول: هو أجلّ شيوخي. وأول ما ولي مشيخة دار الحديث سنة خمس وستين وستمائة. حدّث عنه بها في حياته [2] .

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (1/ 375- 376) . [2] قوله «في حياته» سقط من «ط» .

وقال ابن رجب: روى عنه [الشيخ] محيي الدّين النّووي في كتاب «الرّخصة في القيام» [1] له، فقال: أنبأ الشيخ الإمام المتفق على إمامته وفضله وجلالته، القاضي أبو محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العامل الزّاهد أبي عمر المقدسي، رضي الله عنه. وقال الذهبي: وروى عنه أيضا الشيخ زين الدّين أحمد بن عبد الدّائم وهو أكبر منه وأسند. وذكره في «تاريخه الكبير» وأطال ترجمته، وذكر فضائله، وعباداته، وأوراده، وكرمه، ونفعه العام، وأنّه حجّ ثلاث مرّات، وكان آخرها قد رأى النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في المنام يطلبه، فحجّ ذلك العام، وحضر الفتوحات، وأنه كان رقيق القلب، سريع الدّمعة، [كريم النّفس] ، كثير الذّكر لله، والقيام بالليل، محافظا على صلاة الضّحى، ويصلي بين العشاءين ما تيسّر، ويؤثر بما يأتيه من صلات [2] الملوك وغيرهم. وكان متواضعا عند العامّة، مترفّعا عند الملوك، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدّثين، وأهل الدّين، وأوقع الله محبته في قلوب الخلق. وكان كثير الاهتمام بأمور النّاس، لا يكاد يعلم بمريض إلّا افتقده، ولا مات أحد من أهل الجبل إلا شيّعه. وذكر فخر الدّين البعلبكي، أنه منذ عرفه ما رآه غضب، وعرفه نحو خمسين سنة. وقد ولي القضاء مدّة تزيد على اثنتي عشرة سنة، على كره منه، ولم يتناول عليه معلوما، ثم عزل نفسه في آخر عمره، وبقي قضاء الحنابلة شاغرا [مدّة] ، حتى ولي ولده نجم الدّين في آخر حياة الشيخ. وكان الشيخ ينزل [3] في ولايته الحكم على بهيمة إلى البلد.

_ [1] ص (34) طبع دار الفكر بدمشق بتحقيق الأستاذ الفاضل أحمد راتب حمّوش. [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «من صلة» . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «نزل» .

وقد ذكر أبو شامة في «ذيله» : ولاية الشيخ سنة أربع وستين، قال: جاء من مصر ثلاثة عهود بقضاء القضاة لثلاثة: ابن عطاء، والزّواوي، وابن أبي عمر. فلم يقبل المالكي، والحنبلي، وقبل الحنفي. ثم ورد الأمر بإلزامهما بذلك، وقيل: إن لم يقبلاها وإلّا يؤخذ ما بأيديهما من الأوقاف، ففعلا من أخذ جامكية، وقالا: نحن في كفاية، فأعفيا منها. وبقي بعد عزل نفسه متوفّرا على العبادة والتدريس، وإشغال [1] الطلبة، والتصنيف. وكان أوحد زمانه في تعدّد الفضائل، والتّفرّد بالمحامد، ولم يكن له نظير في خلقه ورياضته، وما هو عليه. وانتفع به خلق كثير. وممن أخذ عنه العلم، الشيخ تقي الدّين ابن تيمية، والشيخ مجد الدّين إسماعيل بن محمد الحرّاني. وكان يقول: ما رأيت بعيني مثله. وروى عنه خلق كثير من الأئمة والحفّاظ، منهم: الشيخ تقي الدّين بن تيمية، وأبو محمد الحارثي، وأبو الحسن بن العطّار، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم. وتوفي- رحمه الله- ليلة الثلاثاء، سلخ ربيع الآخر، ودفن من الغد عند والده بسفح قاسيون، وكانت جنازته مشهودة، حضرها أمم لا يحصون، ويقال: إنه لم يسمع بمثلها من دهر طويل. قال الذهبي: رأيت وفاة الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر بخط شيخنا شيخ الإسلام ابن تيميّة، فمن ذلك: توفي شيخنا الإمام سيّد أهل الإسلام في زمانه، وقطب فلك الأيام في

_ [1] في «آ» : «واشتغال» وهو خطأ.

أوانه، وحيد الزّمان حقّا حقّا، وفريد العصر صدقا صدقا، الجامع لأنواع المحاسن والمعالي، [والمعافى] البريء عن جميع النقائص والمساوي، القارن بين خلّتي العلم والحلم، والحسب والنّسب، والعقل والفضل، والخلق والخلق، ذو الأخلاق الزّكية والأعمال المرضية، مع سلامة الصّدر والطبع، واللّطف والرّفق، وحسن النّيّة، وطيب الطّويّة، حتى إن كان المتعنّت ليطلب [1] له عيبا فيعوزه، إلى أن قال: وبكت عليه العيون بأسرها، وعمّ مصابه جميع الطوائف، وسائر الفرق، فأيّ دمع ما سجم، وأيّ أصل ما جذم، وأيّ ركن ما هدم، وأيّ فضل ما عدم؟ يا له من خطب ما أعظمه، [وأجل ما أقدره] ومصاب ما أفخمه [2] . وبالجملة فقد كان الشيخ أوحد العصر في أنواع الفضائل، [بل] هذا حكم مسلّم من جميع الطوائف. وكان مصابه أجلّ من أن تحيط به العبارة، فرحمه الله، ورضي عنه، وأسكنه بحبوحة جنّته، ونفعنا بمحبته، إنه جواد كريم. انتهى. وفيها العماد الموصلي أبو الحسن علي بن يعقوب بن أبي زهران المقرئ الشافعي [3] أحد من انتهت إليه رئاسة الإقراء. قرأ على ابن وثيق وغيره، وكان فصيحا مفوّها، وفقيها مناظرا. تكرر على «الوجيز» [4] للغزّالي، وتوفي في صفر وله إحدى وستون سنة. وفيها ابن أبي عصرون محيي الدّين أبو الخطّاب عمر بن محمد بن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التّميميّ الدّمشقي الشافعي [5] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «يطلب» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف، وهو أصح. [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ما أقحمه وأكبر ذكره» . [3] انظر «العبر» (5/ 339) و «مرآة الجنان» (4/ 198) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 360) . [4] كذا في «آ» و «ط» و «مرآة الجنان» : «الوجيز» وفي «العبر» بطبعتيه: «الوجيه» . [5] انظر «العبر» (5/ 339- 340) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) .

سمع في الخامسة من عمره من ابن طبرزد، وسمع من الكندي وغيره، وتعانى الجنديّة، ودرّس بمدرسة جدّه بدمشق، وتوفي فجأة في ذي القعدة. وفيها المقدسي المفتي شمس الدّين محمد بن أحمد بن نعمة الشّافعي [1] ، مدرس الشامية. ولي نيابة القضاء عن ابن الصائغ، وكان بارعا في المذهب، متين الدّيانة، خيّرا، ورعا. توفي في ثاني عشر ذي القعدة، قاله في «العبر» . وقال الإسنويّ في «طبقات الشافعية» : أبو العبّاس، أحمد الملقّب شرف الدّين [2] كان إماما في الفقه، والأصول، والعربية، والنّظر. حادّ الذّهن، ديّنا، متنسّكا، متواضعا، حسن الأخلاق والاعتقاد، لطيف الشّمائل، طويل الرّوح على الاشتغال، يكتب الخطّ الفائق المنسوب. انتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ تاج الدّين بن الفركاح، وتخرّج به جماعة، وصنّف في الأصول تصنيفا جيدا، ودرّس بالشّامية البرّانية والغزّالية. وتولى مشيخة دار الحديث النّوريّة، وخطابة الجامع، وناب في الحكم عن ابن الجويني [3] ، وكان نظيره في العلوم. توفي في رمضان، سنة أربع وتسعين وستمائة، وقد نيّف على السبعين.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 340) وفي «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 457- 458) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) . [2] تنبيه: وهم المؤلّف رحمه الله فأورد ترجمة أخ المترجم «شرف الدّين أحمد» من كتاب «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 456- 457) وقد سبقت عينه إليها بأمر انشغل فيه، وهو من وفيات سنة (694) ثم كرر ذكر أخيه «شمس الدّين محمد» عقب ذلك كما ترى ناقلا ذلك عن الإسنوي أيضا الذي جعل ترجمة «شمس الدّين» مسبوقة بترجمة «شرف الدّين» . [3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الخويني» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» .

وأما أخوه، فهو شمس الدّين محمد [1] تفقّه، وبرع في المذهب، وكان ممن جمع بين العلم والدّين المتين، اشترك هو والقاضي عز الدّين ابن الصائغ في الشامية البرّانية، ثم استقلّ بها عند تولية ابن الصّايغ وكالة بيت المال، وناب في الحكم عن ابن الصّائغ. وسمع، وحدّث، وتوفي ثاني عشر ذي القعدة، سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وقد جاوز الخمسين. انتهى كلام الإسنوي. وفيها ابن الحرستاني خطيب دمشق، محيي الدّين أبو حامد محمد بن الخطيب عماد الدّين عبد الكريم بن القاضي أبي القاسم عبد الصّمد بن الحرستاني الأنصاري الشافعي الخزرجي [2] . ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من ابن صصرى وغيره، ودرّس، وأفتى، وأشغل. وكان قويّ المشاركة في العلوم، على خطابته طلاوة وروح. قال ابن كثير: كان صيّنا، ديّنا، فقيها، نبيها، فاضلا، شاعرا، مجيدا، بارعا، ملازما منزله، فيه عبادة وتنسّك وانقطاع. طيّب الصّوت في الخطبة، عليه روح بسبب تقواه. توفي في جمادى الآخرة ودفن بالصّالحية. انتهى. وفيها ابن القوّاس شرف الدّين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطّائي الدمشقي [3] .

_ [1] سبق أن نبهت إلى أن ما أورده المؤلّف من الكلام هنا عن «شمس الدّين محمد» حقه أن مكان الكلام الذي قدمه عن أخيه «شرف الدّين أحمد» . انظر التعليق رقم (2) ص (662) . [2] انظر «العبر» (5/ 340- 341) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 256- 257) . [3] انظر «العبر» (5/ 341) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (284) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .

ولد سنة اثنتين وستمائة، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني، والخضر بن كامل، وكان شيخا متميّزا، حسن الدّيانة. توفي في ربيع الآخر. وفيها العماد بن الشّيرازي، القاضي الرئيس، أبو الفضل، محمد ابن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي [1] ، صاحب الخط المنسوب. ولد سنة خمس وستمائة، وسمع من ابن الحرستاني، وداود بن ملاعب. وكتب على الوليّ، وانتهت إليه رئاسة التجويد، مع الحشمة والوقار. وتوفي في ثامن عشر صفر، وكان مرضه أربعة أيام. وفيها الحافظ ابن جعوان- بالجيم والواو، وبينهما مهملة- محمد بن محمد بن عبّاس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي الشافعي [2] . كان إماما، حافظا، متقنا، نحويا. توفي قبيل الكهولة، ولم يبلغ من التّسمّع مأموله. قاله ابن ناصر الدّين [3] . وفيها الرّشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي [4] . سمع «دلائل النّبوة» و «صحيح مسلم» من ابن الحرستاني، و «جزء» الأنصاري من الكندي، وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 341) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) . [2] انظر «تذكرة الحفاظ» (4/ 1491- 1492) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 380) و «النجوم الزاهرة» (7/ 360) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (184/ آ) . [4] انظر «العبر» (5/ 341) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) .

وفيها المحيي بن القلانسي الصّدر الأوحد أبو الفضل يحيى بن علي بن محمد بن سعد التّميميّ الدمشقي [1] . ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من الموفّق [2] ، وابن البنّ، وطائفة. وتوفي في شوال.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 342) و «النجوم الزاهرة» (7/ 361) . [2] في «آ» و «ط» : «وسمع من ابن الموفق» .

سنة ثلاث وثمانين وستمائة

سنة ثلاث وثمانين وستمائة في شعبان كانت الزّيادة الهائلة بدمشق باللّيل، وكان عسكر المصريين [نزّالا] [1] بالوادي، فذهب لهم ما لا يوصف، وخربت البيوت، وانطمّت الأنهار، وكسر الماء أقفال باب الفراديس، ودخل حتّى وصل إلى مدرسة المقدّمية، وكسر جسر باب الفراديس. وفيها توفي ابن المنيّر العلّامة ناصر الدّين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الإسكندراني المالكي [2] ، قاضي الإسكندرية وفاضلها المشهور. ولد سنة عشرين وستمائة، وبرع في الفقه، والأصول، والنّظر، والعربية، والبلاغة، وصنّف التصانيف، وتوفي في أول ربيع الأول. وفيها الملك أحمد بن هولاكو [3] المغلي. ولي السّلطنة بعد أخيه أبغا. أسلم وهو صبي، ويسّر له قرين صالح، وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا، وسعى في الصلح. مات وله بضع وعشرون سنة. وكان قليل الشّرّ مائلا إلى الخير. ومات أيضا عبد الرّحمن في الاعتقال بقلعة دمشق بعده.

_ [1] مستدركة من «العبر» (5/ 242) . [2] انظر «العبر» (5/ 342) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 363- 364) و «حسن المحاضرة» (1/ 316- 317) . [3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .

وفيها ابن البارزي قاضي حماة، وابن قاضيها، وأبو قاضيها، الإمام نجم الدّين عبد الرّحيم بن إبراهيم ابن هبة الله الجهني الشّافعي [1] . ولد بحماة سنة ثمان وستمائة، وسمع من موسى بن عبد القادر، وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام، له ديانة متينة وصدق وتواضع وشعر بديع. منه: إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا ... فلا أضلعي تهدا ولا أدمعي ترقا وإن ناح فوق البان ورق حمائم ... سحيرا فنوحي في الدّجى علّم الورقا فرقّوا لقلب في ضرام غرامه ... حريق وأجفان بأدمعها غرقى سميريّ من سعد خذا نحو أرضهم ... يمينا ولا تستبعدا نحوها الطّرقا وعوجا على أفق توشّح شيحه ... بطيب الشّذا المسكي [2] أكرم به أفقا فإنّ به المغني الذي بترابه ... وذكراه يستشفى لقلبي ويسترقى ومن دونه عرب يرون نفوس من ... يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا بأيديهم بيض بها الموت أحمر ... وسمر لدى هيجائهم تحمل الزّرقا وقولا محبا للشآم [3] غدا لقى ... لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى تعلّقكم في عنفوان شبابه ... ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى وكان يمنّي النّفس بالقرب فاغتدى ... بلا أمل إذ لا يؤمّل أن يبقى عليكم سلام الله أمّا ودادكم ... فباق وأمّا البعد عنكم فما أبقى [4] توفي في تبوك في ذي القعدة، فحمل إلى المدينة المنوّرة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 343) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «فوات الوفيات» (2/ 306- 308) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) . [2] في «آ» و «ط» : «المكي» والتصحيح من «فوات الوفيات» . [3] في «فوات الوفيات» : «محبّ بالشآم» . [4] هذا البيت لم يرد في «فوات الوفيات» .

وفيها علاء الدّين صاحب الديوان عطاء مالك بن الصّاحب بهاء الدّين محمد بن محمد الخراساني الجويني [1] ، أخو الوزير الكبير شمس الدّين. نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا. وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدّين، فساسه أحسن سياسة، طلب في هذه السنة فاختفى ومات في الاختفاء. وقتل أخوه شمس الدّين. وفيها ابن مهنّا ملك العرب، ورئيس آل فضل [2] عيسى بن مهنّا. كان له المنزلة العالية عند السلطان. توفي في ربيع الأول. وقام بعده ولده الأمير حسام الدّين مهنّا صاحب تدمر. وفيها الصّدر الكبير المنشئ بهاء الدّين ابن الفخر عيسى الإربلي [3] . له الفضيلة التّامة، والنّظم الرّائق، والنّثر الفائق. صنّف مقامات حسنة، ورسالة «الطيف» . ومن شعره: أيّ عذر وقد تبدّى العذار ... إن ثناني تجلّد واصطبار فأقلّا إن شئتما أو فزيدا ... ليس لي عن هوى الملاح قرار هل مجير من الغرام وهيها ... ت أسير الغرام ليس يجار يا بديع الجمال قد كثرت في ... ك اللّواحي وقلّت الأنصار

_ [1] انظر «العبر» (5/ 343) . [2] في «ط» : «رئيس آل فضل، ملك العرب» وما جاء في «آ» موافق لما عند الذهبي في «العبر» مصدر المؤلّف، وهو مترجم فيه (5/ 344) وفي «دول الإسلام» (2/ 186) و «النجوم الزاهرة» (7/ 363) . [3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

وله: ما العيش إلّا خمسة لا سادس ... لهم وإن قصرت بها الأعمار زمن الرّبيع وشرخ أيّام الصّبا ... والكأس والمعشوق والدّينار وله فيه: إنّما العيش خمسة فاغتنمها ... واستمعها بصحّة من صديق [1] من سلاف وعسجد وشباب ... وزمان الرّبيع والمعشوق وفيها فاطمة بنت الحافظ عماد الدّين علي بن القاسم بن مؤرّخ الشّام أبي القاسم بن عساكر [2] . ولدت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمعت من ابن طبرزد وجماعة، وأجاز لها الصّيدلاني، وتوفي في شعبان. وفيها ابن الصّائغ- بالصّاد المهملة والغين المعجمة- قاضي القضاة عزّ الدّين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الشافعي الدمشقي [3] . ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع من ابن اللّتي وجماعة، ولازم القاضي كمال الدّين التّفليسي، حتّى صار من أعيان أصحابه. وكان عارفا بالمذهب، بارعا في الأصول والمناظرة. درّس بالشّامية مشاركة مع شمس الدّين المقدسي، ثم ولي وكالة بيت المال، ثم ولي قضاء الشّام، وعزل بابن خلّكان، فظهرت منه نهضة وشهامة، وقيام في الحقّ بكل ممكن. وكان عزله في أول سنة سبع وسبعين، وبقي له تدريس العذراويّة، ثم أعيد إلى

_ [1] في «ط» : «من صدوق» وأثبت لفظ «آ» . [2] انظر «العبر» (5/ 344) . [3] في «آ» : «الدمشقي الشافعي» وهو مترجم في «العبر» (5/ 344) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 146- 147) .

منصبه في أول سنة ثمانين، ثم إنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين، وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار، وتمّت له فصول، إلى أن خلّصه الله، ثم ولّوا مكانه القاضي بهاء الدّين ابن الزّكيّ، وانقطع هو بمنزله في بستانه إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر، ولما حضرته الوفاة جمع أهله وتوضأ وصلّى بهم، ثم قال: هلّلوا معي، وبقي يهلّل معهم [1] إلى أن توفي مع قول: لا إله إلّا الله. ذكره البرزالي. وفيها ابن خلّكان قاضي بعلبك بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن [محمد بن] إبراهيم [2] . كان أسنّ من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين، وسمع «الصحيح» من ابن مكرم، وأجاز له المؤيّد الطّوسي وطائفة، وكان حسن الأخلاق، رقيق القلب، سليم الصّدر، ذا دين وخير وتواضع. توفي في رجب. وفيها الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدّين محمد بن الملك المظفّر تقي الدّين محمود بن المنصور محمد بن [3] تقي الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيوب [4] . تملّك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وله عشر سنين رعاية لأمّه الصّاحبة ابنة الكامل. وكان لعّابا مصرّا على أمور، الله يسامحه. قاله في «العبر» . وفيها ابن النّعمان القدوة الزّاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النّعمان التّلمساني [5] . قدم الإسكندرية شابا، فسمع بها من محمد بن

_ [1] في «ط» : «وبقي يهلّل بهم» . [2] انظر «العبر» (5/ 345) و «الوافي بالوفيات» (1/ 203- 204) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [3] لفظة «ابن» سقطت من «آ» . [4] انظر «العبر» (5/ 345- 346) و «السلوك» (1/ 3/ 725) . [5] انظر «العبر» (5/ 346) و «مرآة الجنان» (4/ 200) و «النجوم الزاهرة» (7/ 364) .

عماد، والصّفراوي. وكان عارفا بمذهب مالك، راسخ القدم في العبادة والنّسك، أشعريّا منحرفا على الحنابلة. توفي في رمضان، ودفن بالقرافة، وشيّعه أمم. قاله في «العبر» . وفيها تقيّ الدّين محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي الفقيه الحنبلي [1] . سمع بدمشق من أبي القاسم بن صصرى وغيره، وببغداد من أبي الحسن القطيعي وطبقته. وكان فاضلا متفنّنا [2] صالحا. وهو والد الشيخ شهاب الدّين أحمد بن جبارة. توفي في ذي الحجّة بسفح قاسيون ودفن به. وفيها تقيّ الدّين أبو الميامن مظفّر بن أبي بكر بن مظفّر بن علي الجوسقي ثم البغدادي [3] الحنبلي، الفقيه الأصولي النظّار، المعروف بالحاج. ولد في مستهلّ رجب، سنة ثلاث عشرة وستمائة، وسمع من أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن السبّاك، وتفقه، وبرع في المذهب والخلاف والأصول، وناظر وأفتى، ودرّس بالمدرسة البشرية [4] لطائفة الحنابلة. وكان من أعيان الفقهاء وأئمة المذهب. وحدّث، وسمع منه القلانسي وغيره، وتوفي ببغداد في آخر نهار السبت، رابع عشري ربيع الأول، ودفن بحظيرة قبر الإمام أحمد، ولم يخلّف في بغداد مثله. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 312) . [2] كذا في «آ» : «متفنّنا» وفي «ط» : «مفنّنا» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «متقنا» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 311- 312) . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «البشيرية» .

سنة أربع وثمانين وستمائة

سنة أربع وثمانين وستمائة فيها توفي الوزيري [1] المقرئ المجوّد برهان الدّين إبراهيم بن إسحاق بن المظفّر المصري [2] . ولد سنة تسع عشرة وستمائة، وقرأ القراءات على أصحاب الشّاطبي، وأبي الجود. وأقرأها بدمشق، وتوفي بين الحرمين في أواخر ذي الحجّة. وفيها النّسفي العلّامة برهان الدّين محمد بن محمود بن محمد الحنفي [3] المتكلّم، صاحب التصانيف في الخلاف، وتخرّج به خلق، وبقي إلى هذا العام. وكان مولده سنة ستمائة. وفيها ستّ العرب بنت يحيى بن قايماز أمّ الخير الدمشقية الكندية [4] . سمعت من مولاهم التّاج الكندي، وحضرت على ابن طبرزد «الغيلانيّات» . وتوفيت في المحرّم عن خمس وثمانين سنة. وفيها الرّشيد سعيد بن علي بن سعيد البصروي [5] الحنفي مدرس

_ [1] في «آ» و «ط» : «الوزير» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [2] انظر «العبر» (5/ 346) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 700) و «غاية النهاية» (1/ 9) . [3] انظر «العبر» (5/ 346- 347) و «مرآة الجنان» (4/ 200) . [4] انظر «العبر» (5/ 347) و «مرآة الجنان» (4/ 201) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 368) . [5] انظر «العبر» (5/ 347) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 532- 534) .

الشبليّة. أحد أئمة المذهب. كان ديّنا، ورعا، نحويا، شاعرا. توفي في شعبان وقد قارب الستين. وفيها الصّائن مقرئ بلاد الرّوم أبو عبد الله محمد البصري [1] المقرئ المجوّد الضّرير. قرأ القراءات بدمشق على المنتجب [2] ، وكان بصيرا بمذهب الشّافعي، عدلا، خيّرا، صالحا. وفيها الزّين عبد الله بن النّاصح عبد الرّحمن بن نجم بن الحنبلي [3] . سمع بالموصل من عبد المحسن بن الخطيب، وببغداد من الدّاهري، وبدمشق من ابن البنّ، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في شوال. وفيها الشّمس المقدسي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي [4] . ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة، وسمع من كريمة القرشية وغيرها، وتفقه، وبرع في المذهب، وأفتى ودرّس. قال اليونيني في «تاريخه» : كان من الفضلاء الصّلحاء الأخيار. سمع الكثير، وكتب بخطّه، وشرع في تأليف كتاب في الحديث مرتّبا على أبواب الفقه، ولو تمّ لكان نافعا. وكان الشيخ شمس الدّين [عبد الرحمن] بن أبي عمر يحبّه كثيرا، ويفضّله على سائر أهله. وكان أهلا لذلك، فلقد كان من حسنات المقادسة، كثير الكرم، والخدمة، والتواضع، والسّعي في قضاء حوائج الإخوان والأصحاب.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 347) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 689) و «مرآة الجنان» (4/ 201) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «المنتخب» والتصحيح من «العبر» وانظر ترجمته في ص (393) من هذا المجلد. [3] انظر «العبر» (5/ 347) . [4] انظر «العبر» (5/ 348) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 312- 313) .

توفي يوم الاثنين ثامن عشري شعبان بقرية جمّاعيل من عمل نابلس ودفن بها. وفيها إسماعيل بن إبراهيم بن علي الفرّاء الصّالحي [1] . كان حنبليا، صالحا، زاهدا، ورعا، ذا كرامات ظاهرة، وأخلاق طاهرة، ومعاملات باطنة. صحب الشيخ الفقيه اليونيني. وكان يقال: إنه يعرف الاسم الأعظم. توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى [2] . قاله ابن رجب. وفيها الإمام نور الدّين أبو طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي [3] القاسم بن علي بن عثمان البصري الضّرير الفقيه الحنبلي [4] ، نزيل بغداد. ولد يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، سنة أربع وعشرين وستمائة بقرية من قرى البصرة [5] ، وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة، وحفظ «الخرقي» وكفّ بصره سنة أربع وثلاثين. وسمع بالبصرة من ابن دويرة المذكورة، وقدم بغداد وحفظ بها كتاب «الهداية» لأبي الخطّاب. ولازم الاشتغال، وأفتى سنة ثمان وأربعين، وسمع من المجد ابن تيميّة وغيره. وكان بارعا في الفقه، له معرفة بالحديث والتفسير، ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه، وخلع عليه ببغداد خلعة وألبس الطّرحة السوداء في خلافة المستعصم [6] سنة اثنتين وخمسين.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 313) . [2] قوله: «توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى» سقط من «ذيل طبقات الحنابلة» الذي بين يدي فليستدرك. [3] لفظة «أبي» سقطت من «آ» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 313- 315) . [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بناحية عبدليان من قرى البصرة» . [6] تحرفت في «ط» إلى «المعتصم» .

وذكر ابن السّاعي: أنه لم يلبس الطّرحة أعمى بعد أبي طالب بن الخلّ [1] سوى الشيخ نور الدّين هذا، ثم بعد واقعة بغداد، طلب إليها ليولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية فلم يتفق. وتقدم الشيخ جلال الدّين بن عكبر، فرتّب الشيخ نور الدّين مدرسا بالبشرية. وله تصانيف عديدة، منها كتاب «جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحيّ القيّوم» وكتاب «الحاوي» في الفقه في مجلدين، و «الكافي في شرح الخرقي» و «الواضح في شرح الخرقي» أيضا [2] . وغير ذلك. وتفقه عليه جماعة، منهم: صفي الدّين [بن عبد المؤمن] بن عبد الحقّ، وقال عنه: كان شيخا من العلماء المجتهدين، والفقهاء المنفردين، وكان له فطنة عظيمة ونادرة [3] عجيبة. منها ما حكى محمد بن إبراهيم الخالدي- وكان ملازما للشيخ نور الدّين حتّى زوّجه الشيخ ابنته- قال: عقد مجلس بالمستنصرية مرة للمظالم، وحضره الأعيان، فاتفق جلوس الشيخ إلى جانب بهاء الدّين بن الفخر عيسى، كاتب ديوان الإنشاء، وتكلّم الجماعة، فبرز [4] الشيخ نور الدّين عليهم بالبحث، ورجع إلى قوله، فقال له ابن الفخر عيسى: من أين الشيخ؟ قال: من البصرة. قال: والمذهب؟ قال: حنبليّ. قال: عجب [5] ! بصريّ، حنبلي؟ فقال الشيخ: هنا أعجب من هذا، كرديّ رافضي، فخجل ابن الفخر. وكان كرديا رافضيا، والرفض من الأكراد معدوم أو نادر.

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «ابن الحنبلي» . [2] لفظة «أيضا» سقطت من «آ» . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وبادرة» . [4] في «آ» و «ط» : «فنزل» وهو خطأ والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف وما بين الحاصرتين قبل قليل مستدرك منه. [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «عجبا» .

توفي الشيخ نور الدّين ليلة السبت ليلة عيد الفطر، ودفن قرب الإمام أحمد. ومن فوائده أنه اختار أن الماء لا ينجس إلّا بالتغيّر، وإن كان قليلا. وأن بني هاشم يجوز لهم أخذ الزّكاة إذا منعوا حقّهم من الخمس. وفيها أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النّحوي [1] الأنصاري القرطاجنيّ [صاحب القصيدة الميمية في النّحو، المشهورة. قال الشّمنّي] [2] في «حاشيته على المغني» : القرطاجني بفتح القاف، وراء ساكنة، وطاء مهملة، فألف، فجيم مفتوحة، فنون، فياء، نسبة من قرطاجنة الأندلس [3] قرطاجنة تونس. كان إماما، بليغا، ريّان من الأدب. نزل تونس، وامتدح بها المنصور صاحب إفريقية أبا عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص، ومات سنة أربع وثمانين وستمائة. انتهى. وفيها أبو القاسم علي بن بلبان المحدّث الرحّال علاء الدّين المقدسي النّاصري الكركي [4] مشرف الجامع وإمام مسجد الماشكيّ تحت مئذنة فيروز. ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة، وسمع من ابن اللّتي، والقطيعي، وابن القبيطي، وخلق كثير، بالشام، والعراق، ومصر، وعني بالحديث، وخرّج العوالي، وتوفي في [أول] رمضان [5] .

_ [1] لفظة «النحوي» سقطت من «آ» . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وهو مترجم في «نفح الطّيب» (2/ 584- 589) . [3] انظر «الروض المعطار» ص (462) . [4] انظر «العبر» (5/ 348) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 368) . [5] في «ط» : «برمضان» ولفظة «أول» زيادة من «العبر» مصدر المؤلّف رحمه الله تعالى.

وفيها المرّاكشي علاء الدّين علي بن محمد بن علي البكري الكاتب [1] . سمع من ابن صباح، وابن الزّبيدي، وولي نظر المارستان، ونظر الدّواوين، وتوفي في جمادى الأولى عن بضع وستين سنة. وفيها علاء الدّين علي البندقداري [2] ، الأمير الكبير، الذي كان مولى الملك الظّاهر. كان أميرا، جليلا، عاقلا. وكان أولا للأمير جمال الدّين بن يغمور، ثم صار [3] للملك الصّالح، فجعله بندقداره. توفي بالقاهرة. وفيها الأمير شبل الدّولة الطّواشي أبو المسك كافور الصّوابي الصّالحي الصّفوي [4] . خزندار قلعة دمشق. روى عن ابن رواج [5] وجماعة، وكان محبّا للحديث، عاقلا، دينا. توفي في رمضان، وقد نيّف على الثمانين. وفيها ابن شدّاد الرئيس المنشئ البليغ عزّ الدّين محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي [6] . ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، وهو الذي جمع «السيرة» للملك

_ [1] انظر «العبر» (5/ 348) . [2] انظر «العبر» (5/ 348- 349) . [3] في «ط» : «ثم جعله» . [4] انظر «العبر» (5/ 349) و «مرآة الجنان» (4/ 201) . [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن رواح» بالحاء المهملة والتصحيح من «العبر» وهو الإمام المحدّث رشيد الدّين أبو محمد عبد الوهّاب بن رواج (واسم رواج ظافر) الأزدي القرشي. مات سنة (648) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 237- 238) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1411) . [6] انظر «العبر» (5/ 349) و «مرآة الجنان» (4/ 201) .

الظّاهر [1] ، وجمع «تاريخا» لحلب [2] توفي في صفر. وفيها ابن الأنماطي أبو بكر محمد ابن الحافظ البارع أبي الطّاهر إسماعيل بن عبد الله الأنصاري المصري [3] . ولد بدمشق سنة تسع وستمائة، وسمع حضورا من الكندي، وأكثر عن [ابن] الحرستاني، وابن ملاعب، وخلق. وتوفي في ذي الحجّة بالقاهرة. وفيها الأمير ناصر الدّين الحرّاني محمد ابن الافتخار أياز [4] والي دمشق بعد أبيه، ومشدّ الأوقاف. كان من عقلاء الرّجال وألبّائهم، مع الفضيلة والدّيانة والمروءة والكلمة النّافذة في الدولة. استعفى من الولاية فأعفي، ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها. وتوفي في شعبان، ونقل إلى دمشق في آخر الكهولة. وفيها الإخميميّ الزّاهد شرف الدّين محمد بن الحسن بن إسماعيل [5] . نزيل سفح قاسيون. كان صاحب توجّه [6] وتعبّد، وللناس فيه عقيدة عظيمة.

_ [1] وقد قامت بطبعها جمعية المستشرقين الألمان ببيروت عام 1403 هـ بتحقيق الأستاذ أحمد حطيط. [2] واسمه «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة» وقد طبع الجزء الأول منه في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق عام (1373) هـ بتحقيق المستشرق دمنيك سورديل، وطبع الجزء الثاني منه في المعهد الفرنسي أيضا عام (1375) هـ بتحقيق الدكتور سامي الدهّان. وطبع الجزء الثالث بقسميه في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق عام (1398) هـ بتحقيق الأستاذ يحيى عبارة. [3] انظر «العبر» (5/ 349) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) . [4] انظر «العبر» (5/ 349- 350) و «مرآة الجنان» (4/ 201) . [5] انظر «العبر» (5/ 350) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (285) و «مرآة الجنان» (4/ 201) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) . [6] تحرفت في «آ» إلى «تواجد» وفي «ط» إلى «توجد» والتصحيح من «العبر» و «مرآة الجنان» .

توفي في جمادى الأولى. قاله في «العبر» . وفيها ابن عامر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الصّالحي المقرئ [1] . صاحب الميعاد المعروف. روى عن ابن ملاعب وجماعة، وكان صالحا، متواضعا، خيّرا، حسن الوعظ، حلو العبارة. توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين. وفيها الرّومي الشيخ [2] الزّاهد، شرف الدّين محمد ابن الشيخ الكبير عثمان بن علي [3] . صاحب الزّاوية التي بسفح قاسيون. كان عجبا في الكرم، والتواضع، ومحبّة السّماع. توفي في جمادى الأولى، وقد نيّف على التسعين. قاله في «العبر» . وفيها الرّضيّ رضي الدّين الشّاطبي محمد بن علي بن يوسف الأنصاري [4] . ولد ببلنسية، سنة إحدى وستمائة. وكان إمام عصره في اللّغة، وحدّث عن المقيّر وغيره، وقرأ لورش على محمد بن أحمد بن مسعود الشّاطبي صاحب ابن هذيل، وتصدّر بالقاهرة، وأخذ عنه النّاس، وروى عنه أبو حيّان وغيره، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى بالقاهرة. وفيها المجير [5] بن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي

_ [1] انظر «العبر» (5/ 350) و «البداية والنهاية» (13/ 306) . [2] لفظة «الشيخ» سقطت من «ط» . [3] انظر «العبر» (5/ 350) و «البداية والنهاية» (13/ 307) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) . [4] انظر «العبر» (5/ 351) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 678) و «النجوم الزاهرة» (7/ 368) و «حسن المحاضرة» (1/ 533- 534) وقد تحرفت «ابن يوسف» فيه إلى «ابن يونس» فلتصحح. [5] كذا في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف: «المجير» وفي «ط» و «البداية والنهاية» و «الأعلام» : «مجير الدّين» .

الحموي الدمشقي [1] الأمير، سبط ابن تميم. استوطن حماة، وكان من العقلاء الفضلاء الكرماء. وشعره في غاية الجودة. فمنه قوله: أطالع كلّ ديوان أراه ... ولم أزجر عن التّضمين طيري أضمّن كلّ بيت نصف بيت ... فشعري نصفه من شعر غيري وقال: عاينت ورد الرّوض يلطم خدّه ... ويقول وهو على البنفسج محنق لا تقربوه وإن تضوّع نشره ... ما بينكم فهو العدوّ الأزرق وقال في توديع مليح: مولاي قد كثرت ليالي هجرنا ... حتّى عجزت- سلمت لي- عن عدّها أودع فمي قبل التّودّع [2] قبلة ... وأنا الكفيل إذا رجعت بردّها

_ [1] انظر «العبر» (5/ 351) و «البداية والنهاية» (13/ 307) و «الأعلام» (7/ 145) . [2] في «آ» : «قبل التفرق» .

سنة خمس وثمانين وستمائة

سنة خمس وثمانين وستمائة فيها أخذت الكرك من الملك المسعود خضر بن الملك الظّاهر، ونزل منها وسار إلى مصر. وفيها توفي [1] بدر الدّين أبو العبّاس أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشّيباني الصّالحي العطّار ثم الخيّاط [2] . راوي «مسند الإمام أحمد» . أكثر عن حنبل، وابن طبرزد، وجماعة. وأجاز له أبو جعفر الصّيدلاني وخلق. وكان مطبوعا متواضعا. توفي في الثامن والعشرين من صفر عن تسع وثمانين سنة. وفيها [الرّاشديّ] المقرئ الأستاذ القدوة أبو علي الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربريّ [3] ، الرّجل الصّالح. تصدّر للإقراء والإفادة، وأخذ عنه مثل الشيخ التّونسي، والشيخ شهاب الدّين بن جبارة، ولم يقرأ على غير الكمال الضرير، وتوفي في صفر بالقاهرة. وفيها الصّفيّ أبو الصّفا خليل بن أبي بكر بن محمد بن صدّيق

_ [1] لفظة «توفي» لم ترد في «ط» . [2] انظر «العبر» (5/ 351- 352) و «البداية والنهاية» (131/ 308) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) . [3] انظر «العبر» (5/ 352) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 701- 702) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «غاية النهاية» (1/ 218) وما بين الحاصرتين زيادة منها جميعا.

المراغي [1] . الفقيه الحنبلي المقرئ سمع من ابن الحرستاني، وابن ملاعب، وطائفة. وتفقه على الموفق [2] . وقرأ القراءات على ابن باسويه [3] . وقرأ أصول الفقه على السّيف الآمدي [ولازمه، وأقام بدمشق مدّة. ثم توجّه إلى الدّيار المصرية، فأقام بها إلى أن مات] [4] . وناب في القضاء بالقاهرة، فحمدت سيرته [5] وطرائقه، وشكرت خلائقه. قال الذهبيّ: كان مجموع الفضائل، كثير المناقب، متين الدّيانة، صحيح الأخذ، بصيرا بالمذهب، عالما بالخلاف والطبّ. قرأ عليه بالرّوايات بدر الدّين بن الجوهري، وأبو بكر بن الجعبري، وجماعة من المصريين. وسمع منه ابن الظّاهري، وابنه والحافظ المزّي، وأبو حيّان، والحافظ عبد الكريم بن منير، وخلق سواهم. توفي يوم السبت سابع عشر [6] ذي القعدة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النّصر. وفيها الشيخ موفق الدّين أبو الحسن علي بن الحسين [7] بن يوسف بن الصيّاد [8] ، المقرئ الفقيه، الحنبلي المعدّل. حدّث عن ابن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 352) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 682- 683) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 316- 317) . [2] يعني الإمام الحافظ موفق الدّين بن قدامة المقدسي رحمه الله. [3] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» بطبعتيه إلى «ابن ماسويه» والتصحيح من «معرفة القراء الكبار» (2/ 622) و «غاية النهاية» (1/ 562) ومن ترجمته في ص (261) من هذا المجلد. [4] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» . [5] لفظة «سيرته» سقطت من «آ» . [6] في «آ» : «سابع عشري» . [7] في «آ» : «ابن الحسن» . [8] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 317- 318) .

اللّتي [1] ، وروى عن حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وهذه الطبقة [2] ، وروى عنه جماعة، وتوفي ببغداد في رجب. وفيها أبو الفضل محمد بن محمد بن علي الزيّات البابصري البغدادي [3] الحنبلي الواعظ أحد شيوخ بغداد المسندين. حدّث عن ابن صرما، والفتح بن عبد السّلام، وغيرهما. وسمع منه خلق كثير، منهم: الفرضي. وقال: كان عالما، زاهدا، عارفا، ثقة، عدلا، مسندا، من بيت الحديث والزّهد. وعظ في شبابه ثم ترك ذلك، وتوفي في آخر السنة. وفيها القاضي جمال الدّين أبو إسحاق إسماعيل بن جمعة بن عبد الرزاق [4] ، قاضي سامرّا. كان فاضلا، أديبا، له نظم حسن. سمع من الشيخ جمال الدّين عبد الرحمن بن طلحة بن غانم العلثي «فضائل القدس» لابن الجوزي بسماعه منه، وأجاز لغير واحد، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها شاميّة أمة الحقّ بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد البكري [5] . روت عن جدّ أبيها، وجدّها، وحنبل، وابن طبرزد، وتفرّدت بعدة أجزاء، وتوفيت بشيزر عند أقاربها في أواخر رمضان، عن سبع وثمانين سنة. وفيها السّراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد بن إسماعيل التّميميّ الإسكندراني [6] ، أخو المقرئ كمال الدّين. سمع من التّاج

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «ابن الكتي» . [2] تحرفت في «ط» إلى «الطيفة» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) . [5] انظر «العبر» (5/ 352) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) . [6] انظر «العبر» (5/ 353) و «حسن المحاضرة» (1/ 383) .

الكندي، وابن الحرستاني، وتوفي بالإسكندرية في ربيع الأول. وفيها الشيخ القدوة الزّاهد تاج الدّين عبد الدائم [بن زين الدّين أحمد بن عبد الدائم] [1] المقدسي الحنبلي. روى عن الشيخ الموفق [2] وجماعة، وتوفي في رمضان، وقد نيّف على السبعين. وفيها عفيف الدّين عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي بن الزجّاج [3] . أحد مشايخ العراق. فقيه حنبليّ زاهد سنّيّ أثريّ، عارف بمذهب أحمد. ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة. وسمع من عبد السلام [بن يوسف] العبرتي، والفتح بن عبد السلام، وطائفة. وتوفي في المحرّم بذات الحجّ [4] بعد قضاء الحج، قاله في «العبر» . وفيها الشيخ عبد الواحد بن علي القرشي الهكّاري الفارقي الحنبلي [5] . سمع من مسمار بن العويس [6] بالموصل، ومن موسى بن الشيخ عبد القادر، وطائفة بدمشق. وكان عبدا، صالحا. توفي في رمضان بالقاهرة، وله أربع وتسعون سنة.

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» ولفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «العبر» (5/ 353) . [2] يعني ابن قدامة المقدسي. [3] انظر «العبر» (5/ 353) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 315- 316) وما بين الحاصرتين مستدرك منه، و «النجوم الزاهرة» (7/ 370) . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بذات عرق» . [5] انظر «العبر» (5/ 353- 354) . [6] هو مسمار بن عمر بن محمد بن عيسى بن العويس النّيّار، المقرئ الصالح المسند. مات سنة (619) هـ. انظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 154) .

وفيها المعين بن تولوا [1] الشّاعر المشهور، عثمان بن سعيد الفهري المصري. توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله ثمانون سنة. وفيها الشّريشي- نسبة إلى شريش ككريم، مدينة بشذونة. قاله السيوطي [2]- العلّامة جمال الدّين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوائلي الأندلسي [3] ، الفقيه المالكي، الأصولي المفسّر. ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع بالثّغر من محمد بن عماد، وببغداد من الحسن القطيعي وخلق، وبدمشق من مكرم. وكان بارعا في مذهب مالك، محقّقا للعربية، عارفا بالكلام والنظر، قيّما بكتاب الله وتفسيره، جيد المشاركة في العلوم، ذا زهد وتعبّد وجلالة، شرح «مقامات الحريري» شرحا ممتعا، وتوفي في الرابع والعشرين من رجب. وفيها القاضي ناصر الدّين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي [4]- بفتح الباء نسبة [5] إلى البيضاء من بلاد فارس [6]- الشافعي [7] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «تولو» والصواب ما أثبته وانظر التعليق على ص (455) وفيات سنة (654) من هذا المجلد، وهو مترجم في «العبر» (5/ 354) و «فوات الوفيات» (2/ 440- 441) و «حسن المحاضرة» (1/ 568) . [2] انظر «لب اللباب في تحرير الأنساب» ص (152) . [3] انظر «العبر» (5/ 354) و «الدّيباج المذهب» (2/ 319- 320) و «درّة الحجال» (2/ 244- 245) . [4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 157- 158) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 283- 284) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 220- 222) و «تذكرة النبيه» (1/ 104) و «البداية والنهاية» (13/ 309) . [5] لفظة «نسبة» سقطت من «ط» . [6] انظر «معجم البلدان» (1/ 529) ففيه سبب تسميتها بهذا الاسم. [7] لفظة «الشافعي» سقطت من «آ» .

قال ابن شهبة في «طبقاته» : صاحب المصنفات، وعالم أذربيجان، وشيخ تلك الناحية. ولي قضاء شيراز. قال السبكي: كان إماما، مبرّزا، نظّارا، خيّرا، صالحا، متعبّدا. وقال ابن حبيب: تكلّم كلّ من الأئمة بالثناء على مصنفاته، ولو لم يكن له غير «المنهاج» الوجيز لفظه المحرّر، لكفاه. ولي أمر القضاء بشيراز، وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز. توفي بمدينة تبريز. قال السّبكي والإسنوي: سنة إحدى وتسعين وستمائة، وقال ابن كثير في «تاريخه» والكتبي، وابن حبيب: توفي سنة خمس وثمانين، وأهمله الذهبي في «العبر» . انتهى كلام ابن شهبة. وقال ابن كثير في «طبقاته» : ومن تصانيفه «الطوالع» . قال السّبكيّ: وهو أجلّ «مختصر» في علم الكلام. و «المنهاج» مختصر من الحاصل، و «المصباح» و «مختصر الكشّاف» و «الغاية القصوى في رواية الفتوى» ، وغير ذلك، رحمه الله تعالى. وفيها ابن الخيمي شهاب الدّين محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري [1] ، الصوفي. الشّاعر المحسن، حامل لواء النّظم في وقته. سمع «جامع الترمذي» من علي بن البناء، وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة، وتوفي في رجب عن اثنتين وثمانين سنة وأكثر. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 354- 355) و «فوات الوفيات» (3/ 413- 424) و «النجوم الزاهرة» (7/ 369- 370) و «حسن المحاضرة» (1/ 569) .

ومن شعره: كلفت ببدر في مبادي الدّجى بدا ... فعاد لنا ضوء الصّباح كما بدا وحجّب عنّا حسنه نور حسنه ... فمن ذلك الحسن الضّلالة والهدى فيا حبّذا نار لقلبي تصطلي ... ويا دمع عيني حبّذا أنت موردا ويا سقمي في الحبّ أهلا ومرحبا ... ويا صحة السّلوان شأنك والعدا فلست أرى عن ملة الحبّ مائلا ... وكيف ونور العامريّة قد بدا وفيها الدّينوري خطيب كفربطنا الشيخ جمال الدّين أبو البركات محمد ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصّوفي الشّافعي [1] . ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بالدّينور، وقدم مع أبيه وله عشر سنين، فسكن بسفح قاسيون، وسمع الكثير، ونسخ الأجزاء، واشتغل وحصّل، وحدّث عن ابن الزّبيدي، والنّاصح بن الحنبلي، وطائفة. وكان ديّنا، فاضلا، عالما. وتوفي في رجب. وفيها ابن الدّبّاب [2] الواعظ جمال الدّين أبو الفضل محمد بن أبي الفرج محمد بن علي البابصري الحنبلي [3] . ولد سنة ثلاث وستمائة، وسمع من أحمد بن صرما، وثابت بن مشرّف. وحدّث بالكثير، وتوفي في آخر العام ببغداد. وفيها ابن المهتار الكاتب المجوّد المحدّث الورع مجد الدّين

_ [1] انظر «العبر» (5/ 355) و «النجوم الزاهرة» (7/ 370- 371) . [2] علق ناشر «ط» من الكتاب الأستاذ حسام الدّين القدسي رحمه الله تعالى على هذه اللفظة بالتالي: «يقول الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام» : سمّي جدّه بذلك لكونه كان يمشي على تؤدة وسكون» . انتهى. [3] انظر «العبر» (5/ 355) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318) .

يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي [1] ، قارئ دار الحديث الأشرفية. ولد في حدود سنة عشر، وسمع من ابن الزّبيدي، وابن صبّاح، وطبقتهما. وروى الكثير، وتوفي في تاسع ذي القعدة. وفيها ابن الزّكي قاضي القضاة بهاء الدّين أبو الفضل يوسف بن قاضي القضاة محيي الدّين يحيى بن قاضي القضاة محيي الدّين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدّين علي بن قاضي القضاة منتجب [2] الدّين محمد بن يحيى القرشي الدّمشقي الشّافعي [3] . ولد سنة أربعين وستمائة، وبرع في العلم بذكائه المفرط، وقدرته على المناظرة، وحلّ المعضلات. وسمع بمصر من جماعة، وتفقه بأبيه وعيره، وأخذ العلوم العقلية عن القاضي كمال الدّين التّفليسي، وولي القضاء بعد ابن الصّايغ سنة اثنتين وثمانين، إلى أن توفي، وهو آخر من ولي القضاء من هذا البيت، وقد جمع له أجلّ مدارس دمشق وهي العزيزية، والتّقوية، والفلكية، والعادلية، والمجاهدية، والكلّاسة. قال الذهبي: كان جليلا، نبيلا، ذكيا، سريّا، كامل الرئاسة، وافر العلم، بارعا في الأصول، بصيرا بالفقه، فصيحا، مفوّها، حلّالا للمشكلات، غوّاصا على المعاني، سريع الحفظ، قوي المناظرة، قيل: إنه كان يحفظ الورقتين والثلاثة للدرس من نظرة واحدة، ويورد الدّرس في غاية

_ [1] انظر «العبر» (5/ 356) و «البداية والنهاية» (13/ 308) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 46) . [2] تصحفت في «آ» إلى «منتخب» . [3] انظر «العبر» (5/ 356) و «البداية والنهاية» (13/ 308) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 267- 268) .

الجزالة. وكان يورد في اليوم عدة دروس، وكان أديبا، أخباريا، كثير المحفوظ، علّامة، كريم النّفس، كثير المحاسن، مليح الفتاوى، وهو ذكيّ بيت الزّكي. توفي في حادي عشر ذي الحجّة، وله خمس وأربعون سنة، ودفن بتربتهم جوار ابن عربي، قدّس سرّه .

سنة ست وثمانين وستمائة

سنة ست وثمانين وستمائة فيها توفي البرهان السّنجاري قاضي القضاة أبو محمد الخضر بن الحسن بن علي الزّراري الشافعي [1] . ولي قضاء مصر وحدها مدّة في دولة الصّالح، ثم آذاه الوزير بهاء الدّين ونكبه، فلما مات ولي الوزارة للملك السّعيد، وبقي مدّة، ثم عزل، وضربه الشّجاعي، ثم ولي الوزارة ثانيا، ثم عزل وأوذي، ثم ولي قضاء القضاة بالإقليم، فتوفي بعد عشرين يوما، فيقال: إنه سمّ. توفي في صفر، وولي بعده تقي الدّين بن بنت الأعزّ. وفيها ابن بليمان [2] الأديب شرف الدّين سليمان بن بليمان [2] بن أبي الجيش الإربلي. الشاعر المشهور. أحد الظّرفاء في العالم. توفي بدمشق وقد كمّل التسعين.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 143) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «نص مستدرك من العبر» ص (3) (حقّقه واستدرك فيه النقص في طبعة الكويت ونشره في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق صديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، نفع الله تعالى به، والسنوات المستدركة فيه هي (686) و (687) و (695) و (696) و (697) و «النجوم الزّاهرة» (7/ 372) : «بليمان» وفي «الوافي بالوفيات» (15/ 356) و «فوات الوفيات» (2/ 57) .

وفيها- أو في سنة أربع وثمانين-[نجم الأئمة] الرّضي [1] ، شارح «الكافية» الإمام المشهور. قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : [شرح «الكافية» لابن الحاجب، الشرح] الذي لم يؤلّف عليها، بل ولا في غالب كتب النّحو مثله، جمعا، وتحقيقا، وحسن تعليل، وقد [2] أكبّ النّاس عليه، وتداولوه، واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنّفاتهم ودروسهم، وله فيه أبحاث كثيرة مع النّحاة، واختيارات جمّة، ومذهب ينفرد به [3] ، ولقّبه نجم الأئمة، ولم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته، إلّا أنه فرغ من تأليف هذا «الشرح» سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدّين ابن عزم [4] بمكّة أن وفاته سنة

_ [1] انظر «بغية الوعاة في طبقات اللّغويّين والنّحاة» للسّيوطي (1/ 567- 568) وما بين الحاصرتين في الترجمة سقط من «آ» . [2] في «ط» : «وقال» وهو خطأ. [3] في «بغية الوعاة» : «ومذاهب ينفرد بها» . [4] هو محمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن عزم التميمي التونسي المكّي المالكي. ولد بتونس في شوال سنة (816) ونشأ بها وأخذ العلم عن علمائها، ثم ارتحل في مستهل سنة (837) فقدم الإسكندرية، فحضر بها مجلس الشيخ عمر البسلقوني وغيره، ثم قدم القاهرة فأقام بها إلى أواخر سنة (839) وتوجه إلى مكة في البحر فوصلها في أول سنة (840) فدام بها حتى حجّ، ثم توجه في أوائل سنة (841) إلى المدينة المنورة فجاور بها بعض سنة، وسمع بها على الجمال الكازروني، ثم غادرها في أثناء السنة فوصل القاهرة، فسمع بها من الحافظ ابن حجر العسقلاني «المسلسل» ومجلسا من «صحيح مسلم» وكتب عنه مجالس من أماليه، وتوجه منها في سنة (849) إلى البلاد الشامية، وزار بيت المقدس، ثم رجع إلى القاهرة ثم إلى مكة، فقطنها وسمع بها من مشايخها والقادمين إليها، وسافر منها إلى القاهرة، وتكسّب في كل منها بالتجليد وكذا بالتجارة في الكتب. وسمع بالقاهرة من الحافظ السخاوي ورافقه في سماع أشياء وقرأ عليه أخرى، ثم اشتدّ حرصه على تحصيل تصانيف ابن عربي والتنويه بها وبمصنّفها. مات سنة (891) هـ. انظر «الضوء اللّامع» (8/ 255- 256) و «الأعلام» (6/ 315) .

أربع وثمانين أو ست [وثمانين]- الشكّ مني- وله شرح على «الشّافية» انتهى كلام السّيوطي. وفيها ابن عساكر الإمام الزّاهد أمين الدّين أبو اليمن عبد الصّمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدّمشقي [1] المجاور بمكة. روى عن جدّه، والشيخ الموفق، وطائفة. وكان صالحا خيّرا، قوي المشاركة في العلم، بديع النّظم، لطيف الشّمائل، صاحب توجّه وصدق. ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وجاور بمكة أربعين سنة، وتوفي في جمادى الأولى رحمه الله. وفيها عزّ الدّين أبو العزّ عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن الصّيقل، مسند الوقت الحرّاني [2] . روى عن أبي حامد بن جوالق، ويوسف بن كامل، وطائفة. وأجاز له ابن كليب. فكان آخر من روى عن أكثر شيوخه، وممن روى عنه الحافظ علم الدّين البرزالي. قال: حدّثنا الشيخ أبو العزّ الحرّاني، قال: حدثني عبد الكافي بمصر- ووصفه بالصّلاح- قال: خرجت في بعض الجنائز وتحت النّعش أسود، فصلينا على الميت، ووقف الأسود لا يصلي، فلما أدخل الميت إلى القبر، نظر إليّ وقال: أنا عمله، وقفز ودخل القبر، فنظرت في القبر فلم أر شيئا. انتهى. وتوفي أبو العزّ هذا بمصر في جامع عمرو بن العاص في رابع عشر رجب وقد نيّف على التسعين، وصلّى عليه ابن دقيق العيد.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (4) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «فوات الوفيات» (2/ 328- 330) و «البداية والنهاية» (13/ 311) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (4- 5) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «البداية والنهاية» (13/ 310) .

وفيها- وقيل في التي قبلها كما جزم به الإسنويّ وابن قاضي شهبة- قاضي القضاة وجيه الدّين [1] عبد الوهاب بن الحسن المصري البهنسي الشّافعي [2] . ولي قضاء مصر والقاهرة بعد موت القاضي تقي الدّين بن رزين، في رجب سنة ثمانين [وستمائة] ، ثم أخذ منه قضاء القاهرة والوجه البحري وأعطي للقاضي شهاب الدّين الجويني في جمادى الآخرة، سنة إحدى وثمانين، واستمر الوجيه حاكما بمصر والوجه القبلي إلى أن توفي. قال الإسنوي: كان إماما، كبيرا في الفقه. وقال السّبكي: كان من كبار الأئمة. وقال غيرهما: أخذ عن ابن عبد السّلام، ودرّس بالزاوية المحدثة بالجامع العتيق بمصر، وكان فقيها، أصوليا، نحويا، متدينا، متعبدا، عالي الكلام في المناظرة. حضر عند الشيخ شهاب الدّين القرافي مرّة في الدّرس وهو يتكلم في الأصول، فناظره القرافي- وكلام الوجيه يعلو- فقام طالب يتكلم بينهما فأسكته الوجيه، وقال: فروج يصيح بين الدّيكة. توفي الوجيه- رحمه الله تعالى- في جمادى الأولى في عشر الثمانين. وفيها ابن الحبوبي شهاب الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي الثّعلبي الدمشقي الشّاهد [3] . روى عن [ابن] الحرستاني وغيره، وأجاز له المؤيد الطّوسي، وابن الأخضر، وتوفي في رجب.

_ [1] لفظة «الدّين» سقطت من «آ» . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 317- 318) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 236- 237) . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (5) .

وفيها ابن القسطلّاني الإمام قطب الدّين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري ثم المكّي [1] . ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من علي ابن البناء، والشّهاب السّهروردي وجماعة [2] . وتفقّه في مذهب الإمام الشّافعي، وأفتى. ثم رحل سنة تسع وأربعين، فسمع ببغداد، ومصر، والشام، والجزيرة. وكان أحد من جمع بين [3] العلم والعمل، والهيبة والورع. قال ابن تغري بردي: كان شجاعا، عالما، عاملا، عابدا، زاهدا، جامعا للفضائل، كريم النّفس، كثير الإيثار، حسن الأخلاق، قليل المثل. وكان بينه وبين ابن سبعين عداوة، وينكر عليه بمكة كثيرا من أحواله، وقد صنّف في الطائفة الذين [4] يسلك طريقتهم ابن سبعين، وبدأ بالحلّاج، وختم بالعفيف التّلمساني. وكان القطب هذا مأوى الفقراء، والواردين عليه يبرهم ويعين كثيرا منهم. ومن شعره: إذا كان أنسي في التزامي خلوتي ... وقلبي عن كلّ البرية خالي فما ضرّني من كان لي الدّهر قاليا ... ولا سرّني من كان في موالي وقال الإسنوي: استقرّ بمكة، وكان ممن جمع العلم والعمل، والهيبة والورع والكرم. طلب من مكة، وفوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة، إلى أن توفي في شهر المحرّم.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (6) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (286) و «النجوم الزاهرة» (7/ 373) . [2] لفظة «وجماعة» سقطت من «ط» . [3] لفظة «بين» لم ترد في «ط» وعن «نص مستدرك من كتاب العبر» ومن «العبر» طبع بيروت. [4] في «آ» : «التي» .

ومن شعره: إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ... ومن غلط جاءت يد الشّوك بالورد وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله ... ليظهر صنع الله في العكس والطّرد وفيها الدّنيسري الطّبيب الحاذق عماد الدّين أبو عبد الله محمد بن عبّاس ابن أحمد الرّبعي [1] . ولد بدنيسر سنة ست وستمائة، وسمع بمصر من علي بن مختار وجماعة، وتفقه للشافعي، وصحب البهاء زهير مدّة، وتأدّب به، وصنّف، وقال الشعر. وبرع في الطب والأدب. ومن شعره: فيم التّعلّل بالألحاظ والمقل ... وكم أشير إلى الغزلان والغزل وكم أعرّض من فرط الغرام به ... عن قدّه بغصون البان في الميل ما لذّة العيش إلّا أن أكون كما ... قد قيل فيما مضى من سالف المثل صرّحت باسمك يا من لا شبيه له ... أنا الغريق فما خوفي من البلل يا عاذلي كفّ عن عذلي فبي قمر ... قد حجبوه عن الأبصار بالأسل معقرب الصّدغ في تكوين صورته ... معنى يجلّ عن الإدراك بالمقل ومنه: من يكن شافعي إلى حنبليّ ... هو والله مالكي لا محاله حنفيّ بوصله عن كثب ... وعلى قتله أقام الدّلاله بشهود من الجمال ثقات ... حسن القول منهم والعدالة ناظر فاتر وطرف كحيل ... وجبين هاد ودمع أساله

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (7) و «الوافي بالوفيات» (3/ 200- 202) و «فوات الوفيات» (3/ 392- 394) و «البداية والنهاية» (13/ 310) .

قد تذلّلت إذ تذلّل حتّى ... صرت أهوى تذلّلي ودلاله وطلبت الوصال منه فنادى ... مت بداء الهوى على كلّ حاله قمر تخجل البدور لديه ... وغزال تغار منه الغزالة رشأ بالجمال نبّئ فينا ... ثمّ أوحى إلى القلوب رسالة أهيف بالجفون أسهر جفني ... كيف صبري وقد رأيت جماله قد أمال القلوب قسرا لديه ... وإذا ماس فالنّسيم أماله لامني فيه عاذلي وتعدّى ... أنا مالي وللعذول وماله وتوفي في ثامن صفر. وفيها البدر بن مالك أبو عبد الله محمد بن العلّامة جمال الدّين محمد بن عبد الله بن مالك الطّائي [الجيّاني] الشافعي [1] ، شيخ العربية، وقدوة أرباب المعاني والبيان. أخذ عن والده النّحو، واللّغة، والمنطق، وسكن بعلبك مدّة، ثم رجع إلى دمشق، وتصدّر للإشغال [2] بعد موت والده. وممن أخذ عنه القاضي بدر الدّين ابن جماعة، والشيخ كمال الدّين ابن الزّملكاني. قال الذّهبي: كان إماما، ذكيا، فهما، حادّ الذّهن، إماما في النحو، إماما في علم [3] المعاني والبيان، والنظر، جيد المشاركة في الفقه والأصول وغير ذلك. وكان عجبا في الذكاء والمناظرة وصحّة الفهم. وكان مطبوع العشرة، وفيه لعب ومزاح.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (7) و «الوافي بالوفيات» (1/ 204- 205) ولفظة «الجيّاني» مستدركة منهما، و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 98) و «النجوم الزاهرة» (7/ 373) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 257- 258) . [2] في «آ» : «للاشتغال» وما جاء في «ط» موافق لما في «الوافي بالوفيات» . [3] لفظة «علم» لم ترد في «ط» .

وقال الشيخ تاج الدّين: كان قد تفرّد بعلم [1] العربية، خصوصا معرفة كلام والده. وكان له مشاركات في العلوم، وكان صحيح الذهن، جيد الإدراك، حديد النّفس. توفي بدمشق في المحرم من قولنج كان يعتريه كثيرا. قال الذهبي: ولم يتكهل. وقال غيره [2] : توفي كهلا. وقال ابن حبيب: توفي عن نيف وأربعين سنة، ودفن بباب الصغير. ومن تصانيفه شرح «ألفية» والده، وهو شرح [3] في غاية الحسن، و «المصباح في المعاني والبيان» وكتاب في العروض، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب، وشرح «لامية» والده التي في الصّرف. وفيها أبو صادق جمال الدّين محمد بن الشيخ الحافظ رشيد الدّين أبي الحسين [4] يحيى بن علي القرشي المصري العطّار [5] . سمع من محمد ابن عماد، وابن باقا، وطائفة. وكتب، وخرّج «الموافقات» ، وتوفي في ربيع الآخر عن بضع وستين سنة.

_ [1] في «آ» : «في علم» . [2] القائل السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» . [3] لفظة «شرح» سقطت من «آ» . [4] في «آ» : «الحسن» . [5] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (8) و «حسن المحاضرة» ص (1/ 383) .

سنة سبع وثمانين وستمائة

سنة سبع وثمانين وستمائة فيها توفي شرف الدّين أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي [1] الحنبلي الفرضي [2] بقية السّلف. ولد في رابع عشر المحرّم سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع من الشيخ الموفق، وهو جدّه لأمّه وعمّ أبيه، ومن البهاء عبد الرحمن، وابن أبي لقمة، وابن اللّتي [3] ، وابن صصرى، وغيرهم. وأجاز له ابن الحرستاني، وجماعة. وتفقه على التّقي بن العزّ. وكان شيخا، صالحا، زاهدا، عابدا، ذا عفّة وقناعة باليسير، وله معرفة بالفرائض، والجبر، والمقابلة. وله حلقة بالجامع المظفّري بقاسيون يشغل بها احتسابا بغير معلوم. وانتفع به جماعة، وحدّث وروى عنه جماعة، وتوفي ليلة الثلاثاء خامس المحرّم، ودفن من الغد عند جدّه الموفق. وفيها الشيخ إبراهيم بن معضاد أبو إسحاق الجعبريّ [4] الزّاهد الواعظ المذكّر. روى عن السّخاوي، وسكن القاهرة، وكان لكلامه وقع في

_ [1] لفظة «المقدسي» سقطت من «ط» . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (8) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318- 319) . [3] في «آ» و «ط» : «وابن البن» وهو خطأ، والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف. [4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (11) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 123- 124) و «حسن المحاضرة» (1/ 523) و «طبقات الأولياء» ص (412- 413) .

القلوب لصدقه وإخلاصه، وصدعه بالحقّ. وكان شافعيا. قال السبكيّ في «الطبقات» : الشيخ الصّالح المشهور بالأحوال والمكاشفات. تفقه على مذهب الشّافعي، وسمع الحديث بالشام من أبي الحسن السّخاوي، وقدم القاهرة وحدّث بها، فسمع منه شيخنا أبو حيّان وغيره. وكان يعظ الناس ويتكلم عليهم، ويحصل في مجلسه أحوال سنيّة. وتحكى عنه كرامات باهرة. وقال في «البدر السّافر» [1] : اشتهر عنه أنه قبيل وفاته ركب دابة وجاء إلى موضع يدفن فيه، وقال: يا قبير جاءك دبير، ولم يكن به مرض ولا علّة. فتوفي بعيد ذلك. وتوفي- رحمه الله- في الرابع والعشرين من المحرّم وقد جاوز الثمانين، ودفن بتربته بالحسينية. وفيها الجمال ابن الحموي أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن سليمان بن علي الدّمشقي [2] . حضر ابن طبرزد، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني. افترى على الحاكم ابن الصائغ بشهادة فأسقط لأجلها، ومات بدويرة حمد [3] في ذي الحجّة، وله سبع وثمانون سنة. وفيها أبو إسحاق اللّوري [4] إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرّعيني الأندلسي المالكي [5] .

_ [1] واسمه الكامل: «البدر السافر وتحفة المسافر» في الوفيات للإمام كمال الدّين جعفر بن تغلب الأدفوي، المتوفى سنة (729) هـ. انظر «كشف الظنون» (1/ 230) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (9- 10) و «الوافي بالوفيات» (6/ 269- 270) . [3] ذكر الصّفدي في «الوافي بالوفيات» أنها بدمشق. [4] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «اللّوزي» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [5] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (10- 11) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (287)

ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وحجّ، فسمع من ابن رواح وطبقته، وسكن دمشق، وقرأ الفقه، وتقدم في الحديث، مع الزّهد والعبادة والإيثار والصّفات الحميدة، والحرمة والجلالة. وناب في القضاء، ثم ولي مشيخة دار الحديث الظّاهرية، وتوفي في الرابع والعشرين من صفر بالمنيبع [1] . وفيها سعد الخير بن أبي القاسم عبد الرحمن بن نصر بن علي أبو محمد النّابلسي ثم الدّمشقي الشّاهد [2] . سمع الكثير من ابن البنّ، وزين الأمناء، وطبقتهما. وتوفي في جمادى الآخرة، وله سبعون سنة. وفيها الأديب الفاضل الحسن بن شاور الكناني [3] . عرف بابن النّقيب، الشّاعر المشهور. من شعره: أراد الظّبي أن يحكي التفاتك ... وجيدك قلت: لا يا ظبي فاتك وفدّى [4] الغصن قدّك إذ تثنّى ... وقال: الله يبقي لي حياتك فيا آس العذار فدتك نفسي ... وإن لم أقتطف بفمي نباتك ويا ورد الخدود حمتك منّي ... عقارب صدغه فأمن [5] جناتك ويا قلبي ثبتّ على التّجنّي ... ولم يثبت له أحد ثباتك

_ و «مرآة الجنان» (4/ 204) و «النجوم الزاهرة» (7/ 378) . [1] في «آ» و «ط» : «في الينبع» والتصحيح من «نص مستدرك من كتاب العبر» وانظر التعليق عليه. [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (11- 12) . [3] انظر «فوات الوفيات» (1/ 324- 331) و «الوافي بالوفيات» (12/ 44- 53) و «حسن المحاضرة» (1/ 569) وفيه: «محمد بن الحسن بن شاور» . [4] في «آ» و «ط» : «وقد» والتصحيح من «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» . [5] في «آ» و «ط» : «فأمر» وهو خطأ والتصحيح من «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» .

وله: يا من أدار بريقه مشمولة ... وحبابها الثّغر النّقيّ الأشنب تفّاح خدّك بالعذار ممسّك ... لكنّه بدم الخدود [1] مخضّب وله: وخود [2] دعتني إلى وصلها ... وعصر الشّبيبة عنّي ذهب فقلت مشيبي ما ينطلي ... فقالت: بلى ينطلي بالذّهب وله: في النّاس قوم إذا ما أيسروا بطروا ... فأصلح الأمر أن يبقوا مفاليسا لا تسأل الله إلّا في خمولهم ... فهم جياد إذا كانوا مناحيسا وفيها ابن خطيب المزّة شهاب الدّين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ثم الدمشقي [3] ، نزيل القاهرة ومسندها. سمع في الخامسة من حنبل، وابن طبرزد. وكان فاضلا، ديّنا، ثقة. توفي في تاسع رمضان. وفيها القطب خطيب القدس أبو الذّكاء عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي الزّهري العوفي النّابلسي. الشّافعي [4] ، المفتي المفسّر. سمع من داود بن ملاعب، وأبي عبد الله بن البناء، وأجاز له أبو الفتح المندائي وطائفة، وتوفي في سابع رمضان، وله أربع وثمانون سنة. وفيها ابن النّفيس العلّامة علاء الدّين علي ابن أبي الحزم القرشي

_ [1] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «بدم القلوب» . [2] تحرفت في «آ» إلى «وخدود» والخود: الفتاة الحسنة الخلق الشّابّة، وقيل الجارية الناعمة. انظر «لسان العرب» (خود) . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (12) و «الوافي بالوفيات» (18/ 399) . [4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (12) .

الدمشقي الشّافعي [1] ، شيخ الطبّ بالدّيار المصرية، وصاحب التصانيف، ومن انتهت إليه معرفة الطبّ، مع الذكاء المفرط، والذّهن الخارق، والمشار إليه في الفقه، والأصول، والحديث، والعربية، والمنطق. قال الذهبي: ألّف في الطب كتاب «الشّامل» وهو كتاب عظيم تدل فهرسته على أنه يكون ثلاثمائة مجلدة، بيّض منها ثمانين مجلدة [2] . وكانت تصانيفه يمليها من حفظه ولا يحتاج إلى مراجعة لتبحّره في الفنّ. وقال السّبكي: صنّف شرحا على «التنبيه» وصنّف في أصول الفقه، وفي المنطق. وأما الطبّ فلم يكن على وجه الأرض مثله، قيل: ولا جاء بعد ابن سينا مثله. قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سينا. وقال الإسنويّ: إمام وقته في فنّه شرقا وغربا بلا مدافعة، أعجوبة فيه [3] ، وصنّف في الفقه وأصوله، وفي العربية، والجدل، والبيان، وانتشرت عنه التلامذة. وقال في «العبر» : توفي في الحادي والعشرين من ذي القعدة، وقد قارب الثمانين، ووقف أملاكه وكتبه على المارستان المنصوري، ولم يخلّف بعده مثله. وفيها السيد الشّريف محمد بن نصير بن علي الحسيني [4] . كان فاضلا بارعا.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (13) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 305- 306) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 506- 507) و «البداية والنهاية» (13/ 313) و «الأعلام» (4/ 271- 272) . [2] قال العلّامة الزركلي، رحمه الله تعالى، منه مجلد مخطوط ضخم في الظاهرية بدمشق. [3] في «آ» : «أعجوبة فنّه» وفي «ط» : «أعجوبة دهره» وما أثبته من «طبقات الشافعية» . [4] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

حكي عن عمر بن الحسن قال: رأيت إبليس في النّوم على كركدن يقوده بأفعى، فقال لي: يا عمر بن الحسن! سلني حاجتك، فدفعت إليه رقعة كانت معي فوقّع فيها: ألم ير العاصي وأصحابه ... ما فعل الله بأهل القرى بلى ولكن ليس من سفلة ... إلّا إذا استعلى أذلّ الورى فليت أني متّ فيما مضى ... ولم أعش حتّى أرى ما أرى وكلّ ذي خفض وذي رفعة ... لا بدّ أن يعلو عليه الثّرى ثم ضرب كركدنّه ومضى لسبيله. وروي عن الشّافعي، رضي الله عنه، قال: رأيت بالمدينة أربع عجائب، جدّة عمرها إحدى وعشرون سنة [1] ورجلا فلّسه القاضي في مدين من النّوى، وشيخا كبيرا يدور على بيوت القيان يعلّمهنّ الغناء، فإذا حضرت الصّلاة صلّى قاعدا، ورجلا يكتب بالشّمال أسرع مما يكتب باليمين. وفيها النّجيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد بن علي الهمذانيّ ثم المصريّ [2] المحدّث أجاز له ابن طبرزد، وعفيفة، والكبار. وسمع من عبد القوي بن الحباب. وقرأ بنفسه على ابن باقا، ثم صار كاتبا في أواخر عمره، ومات في ذي القعدة. وفيها شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأمويّ الإسكندرانيّ [3] . أجاز له أبو الفخر أسعد [بن سعيد] بن روح.

_ [1] قلت: وذكر ذلك أيضا الإمام الرئيس المبارك بن الأثير الجزري. انظر «جامع الأصول» (12/ 56) بتحقيقي وإشراف والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى. [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (13- 14) و «حسن المحاضرة» (1/ 384) . [3] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 219- 220) وما بين الحاصرتين زيادة منه.

وسمع من علي بن البناء، والحافظ ابن المفضّل وطائفة كثيرة، وعاش اثنتين وثمانين سنة. وفيها الحاج ياسين المغربي الحجّام الأسود [1] . كان جرائحيا على باب الجابية. وكان صاحب كشف وحال. وكان النّووي- رحمه الله- يزوره ويتّلمذ له، وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (15) .

سنة ثمان وثمانين وستمائة

سنة ثمان وثمانين وستمائة في ربيع الأول نازل السلطان الملك المنصور مدينة طرابلس، ودام الحصار والقتال ورمي المجانيق الكبار، وحفر [1] النّقوب ليلا ونهارا، إلى أن افتتحها بالسّيف في رابع ربيع الآخر، وغنم المسلمون ما لا يوصف، وكان سورها منيعا قليل المثل، وهي من أحسن المدائن وأطيبها، فخرّبها وتركها خاوية على عروشها، ثم أنشؤوا مدينة على ميل من شرقيها، فجاءت رديئة الهواء والمزاج. وفيها توفي الشيخ العماد أحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الصالحي [2] . ولد سنة ثمان وستمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحرستاني وجماعة، واشتغل وتفقه، ثم تمفقر وتجرّد، وصار له أتباع ومريدون أكلة [سطلة] بطلة. توفي يوم عرفة. قاله في «العبر» . وفيها العلم ابن الصّاحب أبو العباس أحمد بن يوسف بن الصّاحب صفيّ الدّين بن شكر المصري [3] اشتغل، ودرّس، وتميّز، ثم تمفقر وتجرّد،

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وحضر» والتصحيح من «العبر» . [2] انظر «العبر» (5/ 357) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الوافي بالوفيات» (6/ 218- 219) و «نكت الهميان» ص (92- 93) . [3] انظر «العبر» (5/ 357) و «البداية والنهاية» (13/ 314- 315) و «النجوم الزاهرة» (7/ 387) .

وأرسل طباعه واشتلق على بني آدم وعاشر الخمّارين [1] ، وله أولاد [2] رؤساء، ونوادره مشهورة، وزوائده حلوة. توفي في ربيع الآخر وقد شاخ. قاله في «العبر» أيضا. ومن شعره في الحشيشة [3] : في خمار الحشيش معنى مرامي ... يا أهيل العقول والأفهام حرّموها من غير عقل ونقل ... وحرام تحريم غير الحرام وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق [المغازي] [4] . قال الذهبي: هو أخو شيخنا عيسى المغازي [5] . روى عن موسى بن عبد القادر، والموفق وجماعة، وتوفي في ثاني ذي الحجّة عن ثمان وسبعين سنة. انتهى. وفيها زينب بنت مكّي بن علي بن كامل الحرّاني [6] الشيخة المعمّرة العابدة، أمّ أحمد. سمعت من حنبل، وابن طبرزد، وستّ الكتبة، وطائفة. وازدحم عليها الطلبة، وعاشت أربعا وتسعين سنة، وتوفيت في شوال. وفيها الفخر البعلبكّي المفتي أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر الحنبلي [7] الفقيه المحدّث الزاهد.

_ [1] تحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «الحمارى» فلتصحح من هنا. [2] تحرفت في «ط» إلى «أولاء» . [3] البيتان في «البداية والنهاية» (13/ 314) . [4] انظر «العبر» (5/ 357- 358) . [5] سترد ترجمته في وفيات سنة (704) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى. [6] انظر «العبر» (5/ 358) و «مرآة الجنان» (4/ 207) و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) . [7] انظر «العبر» (5/ 358) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 319- 320) .

ولد سنة إحدى عشرة وستمائة ببعلبك، وقرأ القرآن على خاله صدر الدّين عبد الرحيم بن نصر قاضي بعلبك. وسمع الحديث من أبي المجد القزويني، والبهاء المقدسي، وابن اللّتي، والنّاصح ابن الحنبلي، وخلائق. وتفقه على تقي الدّين أحمد بن العزّ، وغيره. وحفظ كتاب «علوم الحديث» وعرضه من حفظه على مؤلّفه الحافظ تقي الدّين بن الصّلاح. وقرأ الأصول وشيئا من الخلاف على السّيف الآمدي، وقرأ النّحو على أبي عمرو بن الحاجب وغيره، وصحب الشيخ الفقيه اليونيني، وإبراهيم البطائحي، والنّووي، وغيرهم. وكان اليونيني يحبه ويقدّمه على أولاده. وتخرّج به جماعة من الفقهاء. وكان دائم [1] البشر، يحب الخمول ويؤثره، ويلازم قيام الليل من الثلث الأخير، ويتلو بين العشاءين، ويصوم الأيام البيض، وستة من شوال، وعشر ذي الحجّة، والمحرّم، ولا يخلّ بذلك. ذكر ذلك ولده الشيخ شمس الدّين [2] ، وقال: ولقد أخبر بأشياء فوقعت كما قال لخلائق، ولقد قال لي في صحته وعافيته: أنا أعيش عمر الإمام أحمد، لكن شتّان ما بيني وبينه، فكان كما قال. وقال ابن اليونيني: كان رجلا، صالحا، زاهدا، عابدا، فاضلا، وهو من أصحاب والدي، اشتغل عليه وقدّمه يصلي به في مسجد الحنابلة. رافقته في طريق مكّة، فرأيته قليل المثل في ديانته، وتعبّده، وحسن أوصافه. وكان من خيار الشيوخ علما، وعملا، وصلاحا، وتواضعا، وسلامة صدر وحسن سمت، وصفاء قلب، وتلاوة قرآن وذكر.

_ [1] في «ط» : «كثير» . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف: «عزّ الدّين» .

وقال البرزالي: كان من خيار المسلمين، وكبار الصّالحين. توفي ليلة الأربعاء سابع رجب بدمشق، ودفن بالقرب من قبر الشيخ موفق الدّين. وفيها الكمال بن النجّار محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الشافعي [1] مدرس الدّولعيّة [2] وكيل بيت المال. روى عن ابن أبي لقمة وجماعة، وكان ذا بشر وشهامة. قاله في «العبر» . وفيها شمس الدّين محمد ابن الشيخ العفيف التّلمساني سليمان بن علي [3] الكاتب الأديب. كان ظريفا، لعّابا، معاشرا، وشعره في غاية الحسن، منه: يا من حكى بقوامه ... قدّ القضيب إذا التوى ماذا أثرت على القلو ... ب من الصّبابة والجوى ما أنت عندي والقضي ... ب اللّدنّ في حال سوا هذاك حرّكه النّسي ... م وأنت حرّكت الهوى ومنه: إنّي لأشكو في الهوى ... ما راح يفعل خدّه ما كان يعرف ما الجفا ... حتّى تفتّح ورده وله في ذم الحشيشة: ما في الحشيشة [4] فضل عند آكلها ... لكنّه غير مصروف إلى رشده

_ [1] انظر «العبر» (5/ 358) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 244) . [2] تحرفت في «ط» إلى «الدولقية» . [3] انظر «العبر» (5/ 359) و «البداية والنهاية» (13/ 315) و «الوافي بالوفيات» (3/ 129- 136) و «فوات الوفيات» (2/ 72- 76) و «النجوم الزاهرة» (7/ 381- 382) . [4] في «البداية والنهاية» : «ما للحشيشة» .

حمراء في عينه خضراء في يده ... صفراء في وجهه سوداء في كبده توفي في رجب وله نحو ثلاثين سنة، ودفن بمقابر الصّوفية. وفيها بن الكمال المحدّث الإمام شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد [السّعديّ] المقدسي الحنبلي [1] . ولد في ليلة الخميس حادي عشر ذي الحجّة سنة سبع وستمائة بقاسيون، وحضر على ابن الحرستاني، والكندي، وسمع ابن ملاعب، والشيخ موفق الدّين، وخلقا، ولازم عمّه الحافظ الضّياء، وتخرّج به، وكتب الكثير، وعني بالحديث، وتمّم تصنيف «الأحكام» الذي جمعه عمّه الحافظ ضياء الدّين. قال الذهبي: كان إماما، فقيها، محدّثا، زاهدا، عابدا، كثير الخير، له قدم راسخ في التّقوى، ووقع في النّفوس. متقللا من الدنيا، من سادات الشيوخ، علما، وعملا، وصلاحا، وعبادة. حكي لي عنه: أنه كان يحفر مكانا في جبل الصّالحية لبعض شأنه، فوجد جرّة مملوءة دنانير، وكانت زوجته معه تعينه على الحفر، فاسترجع وطمّ المكان كما كان أولا، وقال لزوجته: هذه فتنة، ولعل لها مستحقين لا نعرفهم، وعاهدها على أنها لا تشعر بذلك أحدا، ولا تتعرّض إليه. وكانت صالحة مثله، فتركا ذلك تورّعا مع فقرهما وحاجتهما، وهذا غاية الورع والزّهد، وحدّث- رحمه الله- بالكثير نحوا من أربعين سنة، وسمع منه خلق كثير، وروى عنه جماعة من الأكابر. وحدثنا عنه جماعة، منهم: ابن الخبّاز، وابن قيّم الضيائية.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 359) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 320- 322) ولفظة «السّعدي» زيادة منه، و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) .

وتوفي بعد العشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء تاسع جمادى الأولى بمدرسة عمّه بالجبل، ودفن من الغد عند الشيخ موفق الدّين. وفيها شمس الدّين الأصفهاني الأصوليّ المتكلم العلّامة أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي [1] ينتهي نسبه إلى أبي دلف الشّافعي، نزيل مصر وصاحب التصانيف. شرح «المحصول» [2] وله كتاب «الفوائد في العلوم الأربعة» الأصلين، والخلاف، والمنطق. وكتاب «غاية المطلب» في المنطق، وله يد طولى في العربية والشعر. ولد- رحمه الله- بأصفهان سنة ست عشرة وستمائة، وكان والده نائب السلطنة بأصفهان، واشتغل بأصفهان في جملة من العلوم في حياة أبيه، بحيث إنه فاق نظراءه، ثم لما استولى العدو على أصفهان. رحل إلى بغداد، فأخذ في الاشتغال في الفقه على الشيخ سراج الدّين الهرقلي، وبالعلوم على الشيخ تاج الدّين الأرموي، ثم ذهب إلى الرّوم إلى الشيخ أثير الدّين الأبهري، فأخذ عنه الجدل والحكمة، ثم دخل القاهرة، وولي قضاء قوص خلافة عن القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعزّ، فباشره مباشرة حسنة. وكان مهيبا، قائما في الحقّ، وقورا في درسه، ودرّس بالشافعي، ومشهد الحسين، وأخذ عنه جماعة وتخرّج به المصريون، وقيل: إن ابن دقيق العيد كان يحضر درسه بقوص. وتوفى في العشرين من رجب، وله اثنتان وسبعون سنة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 359- 360) و «البداية والنهاية» (13/ 315) و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) . [2] هو «المحصول في أصول الفقه» للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرّازي المتوفى سنة (606) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1615) .

وفيها المهذّب بن أبي الغنائم [1] التّنوخي العدل الكبير زين الدّين [2] ، كاتب الحكم بدمشق. ولد سنة ثمان عشرة وستمائة، وقرأ على السّخاوي، وسمع من مكرم، وتفقه، وانتهت إليه رئاسة الشروط ومعرفة عللها ودقائقها، وتوفي في رجب. وفيها الملك المنصور محمود بن الملك الصّالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب [3] سلطنه أبوه بدمشق، وركب في أبّهة السلطنة سنة أربعين وستمائة، ولا زالت تتقلّب به الأحوال إلى أن صار يطلب بالأوراق. قال ابن مكتوم: رأيته سلطانا ورأيته يستعطي، وكان شيخا مهيبا يلبس قباء وعمامة مدورة. وفيها الجرائدي تقيّ الدّين يعقوب بن بدران بن منصور المصري [4] ، شيخ القراء. أخذ القراءات عن السّخاوي وغيره، وروى عن الزّبيدي وغيره، وتصدّر للإقراء، وتوفي في شعبان.

_ [1] في «آ» و «ط» : «المهذب أبو الغنائم» والتصحيح من المصادر المذكورة في التعليق التالي. [2] انظر «العبر» (5/ 360) و «النجوم الزاهرة» (7/ 382) . [3] انظر «البداية والنهاية» (13/ 315) . [4] انظر «العبر» (5/ 360) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 690) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (287) و «حسن المحاضرة» (1/ 504) .

سنة تسع وثمانين وستمائة

سنة تسع وثمانين وستمائة فيها توفي نجم الدّين بن الشيخ قاضي القضاة أبو العبّاس أحمد بن شيخ الإسلام شمس الدّين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي الحنبلي [1] . ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة، وسمع الحديث، ولم يبلغ أوان الرواية. وتفقه على والده، وولي القضاء في حياة والده بإشارته. قال البرزالي: كان خطيب الجبل، وقاضي القضاة، ومدرّس أكثر المدارس، وشيخ الحنابلة. وكان فقيها فاضلا، سريع الحفظ، جيد الفهم، كبير المكارم، شهما، شجاعا. ولي القضاء ولم يبلغ ثلاثين سنة، فقام به [2] أتم قيام. وقال غيره: درّس بدار الحديث الأشرفية بالسفح، وشهد فتح طرابلس مع السلطان الملك المنصور، وكان مليح البزّة، ذكيا، مليح الدروس. له قدرة على الحفظ، ومشاركة جيدة في العلوم، وله شعر جيد، منه: آيات كتب الغرام أدرسها ... وعبرتي لا أطيق أحبسها لبست ثوب الضّنى على جسدي ... وحلّة الصّبر لست ألبسها

_ [1] انظر «العبر» (5/ 360- 361) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 322- 323) . [2] لفظة «به» سقطت من «ط» .

وشادن ما رنا بمقلته ... إلّا سبى العالمين نرجسها فوجهه جنّة مزخرفة ... لكن بنبل الحتوف يحرسها وريقه خمرة معتّقة ... دارت علينا من فيه أكؤسها يا قمرا أصبحت ملاحته ... لا يعتريها عيب يدنّسها صل هائما إن جرت مدامعه ... تلحقها زفرة تيبّسها توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى بمنزله بقاسيون، ودفن عند أبيه وجدّه. وفيها ابن عزّ القضاة فخر الدّين أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمد الدمشقي الزّاهد [1] . ولد سنة ثلاثين وستمائة، وخدم في الكتابة، وكان أديبا، شاعرا، ناسكا، زاهدا، خاشعا، مقبلا على شأنه، حافظا لوقته. توفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من رمضان، وكانت له جنازة مشهودة. وفيها خطيب المصلّى عماد الدّين أبو بكر عبد الله بن محمد بن حسّان بن رافع العامريّ [2] المعدّل. روى عن ابن البنّ، وزين الأمناء، وطائفة. وتوفي في صفر، وله ثلاث وسبعون سنة. وفيها الشّمس عبد الرحمن بن الزّين أحمد بن عبد الملك بن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 361) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) و «النجوم الزاهرة» (7/ 386) . [2] انظر «العبر» (5/ 361) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) .

عثمان بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير المقدسي ثم الصّالحي [1] ، الحنبلي المحدّث الزّاهد. ولد في ذي القعدة سنة ست وستمائة بقاسيون، وسمع بدمشق من الكندي، وابن الحرستاني، وطائفة. وتفقّه بالموفق. ثم رحل. وأدرك الفتح بن عبد السلام وطائفة فأكثر، وأجاز له ابن طبرزد وغيره. قال الذهبي: كان فقيها زاهدا [2] ، ثقة نبيلا من أولي العلم والعمل والصّدق والورع. حدّث بالكثير، وأكثر عنه ابن نفيس، والمزّي، والبرزالي وطائفة. وتوفي يوم الاثنين تاسع عشري ذي القعدة بالسفح، ودفن بالقرب من قبر الشيخ أبي عمر. وفيها خطيب دمشق جمال الدّين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الرّبعي الدمشقي الشّافعي المفتي [3] . ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة. وسمع من ابن الصبّاح، وابن الزّبيدي، وجماعة. وناب في القضاء مدّة. وكان ديّنا، حسن السّمت للناس، فيه عقيدة كبيرة. مات في جمادى الأولى. وفيها النّور بن الكفتي أبو الحسن علي بن ظهير بن شهاب المصري [4] شيخ الإقراء بديار مصر. أخذ القراءات عن ابن وثيق وأصحاب

_ [1] انظر «العبر» (5/ 362) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 323- 324) . [2] لفظة «زاهدا» سقطت من «آ» . [3] انظر «العبر» (5/ 362) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) و «النجوم الزاهرة» (7/ 386) . [4] انظر «العبر» (5/ 362) و «غاية النهاية» (1/ 547) .

أبي الجود، وشهر بالاعتناء بالقراءات وعللها، وسمع من ابن الجمّيزي وغيره، مع الورع، والتّقى، والجلالة. توفي في ربيع الآخر. وفيها الرّشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الرّبعي الشّافعي الأديب [1] . ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمع من الفخر ابن تيمية، وابن الزّبيدي، وابن باقا. وكان أديبا، بارعا، منشئا، بليغا، شاعرا مفلقا، لغويا محقّقا. درّس بالنّاصرية مدّة ثمّ بالظّاهرية، وتصدّر للإفادة. كتب رقعة إلى علي بن جرير، وأرسلها إلى القاسميّة مع رجل اسمه علي: حسدت عليّا على كونه ... توجّه دوني إلى القاسميّه وما بي شوق إلى قربه ... ولكن مرادي ألقى سميّه خنق في بيته في رابع المحرّم بالظّاهرية وأخذ ماله. ودرّس بعده علاء الدّين ابن بنت الأعزّ. وفيها السّلطان الملك المنصور سيف الدّين أبو المعالي وأبو الفتح قلاوون التّركي الصّالحي النّجمي [2] . كان من أكبر الأمراء زمن الظّاهر، وتملّك في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة، وكسر التتار على حمص، وغزا الفرنج غير مرّة، وفتح طرابلس وما جاورها، وفتح حصن المرقب. وفي سنة ثمان وثمانين عمل في القاهرة بين القصرين تربة عظيمة ومدرسة كبيرة ومارستانا للمرضى، وكانت وفاته ظاهر القاهرة بالمخيّم، وقد عزم على الغزاة، فتوفي في سادس ذي القعدة، ودفن بتربته بين القصرين.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 363) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 286- 287) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 351- 352) . [2] انظر «العبر» (5/ 363) و «البداية والنهاية» (13/ 317- 318) .

وفيها سبط إمام الكلّاسة المحدّث المفيد بدر الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن النّجيب [1] شابّ ذكيّ، مليح الخطّ، صحيح النّقل، حريص على الطلب، عالي الهمّة. سمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وحدّث، وتوفي في صفر. وفيها شمس الدّين أبو الفضائل محمد بن عبد الرزاق الرّسعني [2]- نسبة إلى رأس عين، بلد [3]- الحنبلي، كان شاعرا أديبا معدّلا. حدّث عن ابن القبيطي وغيره، وكان أحد الشهود بدمشق ويؤم بمسجد الرّمّاحين. ومن شعره: ولو أنّ إنسانا يبلّغ لوعتي ... ووجدي وأشجاني إلى ذلك الرّشا لأسكنته عيني ولم أرضها له ... ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا وله: أآيس من برّ وجودك واصل ... إلى كلّ مخلوق وأنت كريم وأجزع من ذنب وعفوك شامل ... لكلّ الورى طرّا وأنت رحيم وأجهد في تدبير حالي جهالة ... وأنت بتدبير الأنام حكيم وأشكو إلى نعماك ذلّي وحاجتي ... وأنت بحالي يا عزيز عليم غرق- رحمه الله- بنهر الشّريعة من الغور [4] في جمادى الآخرة. وفيها محمد بن عون الدّين يحيى بن شمس الدّين علي بن عز الدّين محمد بن الوزير عون الدّين بن هبيرة [5] نزيل بلبيس بها، وكان

_ [1] انظر «العبر» (5/ 363) . [2] انظر «العبر» (5/ 364) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 324) . [3] قوله: «نسبة إلى رأس عين بلد» سقط من «آ» . [4] يعني غور الأردن. [5] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المصادر.

ناظرا على ديوانها. حدّث عن الدّاهري، ونصر بن عبد الرزاق، وابن اللّتي. وسمع من الحارثي، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم. وكان فاضلا، له شعر حسن. وفيها ابن المقدسي ناصر الدّين محمد بن العلّامة المفتي شمس الدّين عبد الرحمن بن نوح الشّافعي الدمشقي [1] . تفقّه على أبيه، وسمع من ابن اللّتي، ودرّس بالرّواحيّة، وتربة أمّ الصّالح، ثم داخل الدولة. وولي وكالة بيت المال، ونظر الأوقاف فظلم وعسف، وعدا طوره. ثم اعتقل بالعذراويّة فوجد مشنوقا بعد [أن] [2] ضرب بالمقارع وصودر. توفي في ثالث شعبان، قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 364) و «النجوم الزاهرة» (7/ 386) . [2] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «المنتخب» لابن شقدة (196/ ب) و «العبر» .

سنة تسعين وستمائة

سنة تسعين وستمائة فيها ولله الحمد والمنّة فتح ما كان بأيدي النّصارى من بلاد الشّام ولم يبق لهم بها حصن ولا معقل. وفيها توفي الشيخ الخابوري خطيب حلب ومقرئها ونحويّها الإمام شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الزّبير الحلبي [1] صاحب النّوادر والظّرف. سمع بحرّان من فخر الدّين ابن تيميّة، وبحلب من ابن الأستاذ، وببغداد من ابن الدّاهري، وبدمشق من ابن صباح، وقرأ القراءات على السّخاوي. وتوفي في المحرّم وقد قارب التسعين. وفيها السّويديّ الحكيم العلّامة شيخ الأطباء عزّ الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي [2] . ولد سنة ستمائة، وسمع من الشّمس العطّار، وابن ملاعب، وطائفة. وتأدّب على ابن معطي، وأخذ الطبّ عن المهذب الدّخوار [3] وبرع في الطبّ، وصنّف فيه، وفاق الأقران، وكتب الكثير بخطّه المليح، ونظر في

_ [1] انظر «العبر» (5/ 365- 366) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (288) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) . [2] انظر «العبر» (5/ 366) و «الوافي بالوفيات» (6/ 123- 125) . [3] هو عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي، المعروف بالمهذّب أو مهذّب الدّين الدّخوار. وقد مضت ترجمته في وفيات سنة (628) من هذا المجلد، ص (224) .

العقليات، وألّف كتاب «الباهر في الجواهر» وكتاب «التذكرة» في الطب، وتوفي في شعبان. وفيها أرغون بن أبغا بن هولاكو [1] ، صاحب العراق وخراسان وأذربيجان. تملّك بعد عمّه الملك أحمد، وكان شهما مقداما، كافر النّفس، شديد البأس، سفّاكا للدّماء، عظيم الجبروت. هلك في هذا العام، فيقال: إنه سمّ، فاتهمت المغل وزيره سعيد الدولة اليهودي بقتله، فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسبيا. قاله في «العبر» . وفيها إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي الصّالحي [2] . روى عن موسى بن عبد القادر وجماعة، وتوفي في رجب. وفيها سلامش الملك العادل بدر الدّين، ولد الملك الظّاهر بيبرس الصّالحي [3] ، الذي سلطنوه عند خلع أخيه السعيد، ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر، وبقي خاملا بمصر، فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضر وأهلهم، وجهّزهم إلى مدينة اسطنبول بلاد الأشكري فمات بها وله نحو من عشرين سنة. وكان مليح الصّورة، رشيق القدّ، ذا عقل وحياء. وفيها التّلمساني عفيف الدّين سليمان بن علي بن عبد الله بن علي [4] . الأديب الشّاعر، أحد زنادقة الصّوفية، وقيل له مرّة: أأنت نصيريّ [5] ؟ فقال: النّصيريّ بعض مني.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 366) و «البداية والنهاية» (13/ 324) وفي «آ» و «ط» : «هلاكو» مكان «هولاكو» . [2] انظر «العبر» (5/ 366- 367) . [3] انظر «العبر» (5/ 367) و «البداية والنهاية» (13/ 326) . [4] انظر «العبر» وما بين الحاصرتين زيادة منه (5/ 367) و «البداية والنهاية» (13/ 326) . [5] تحرفت في «ط» إلى «نصير» .

وأما شعره ففي الذّروة العليا من حيث [البيان و] البلاغة لا من حيث الاتحاد. توفي في خامس رجب، وله ثمانون سنة. قاله في «العبر» . وقال الشيخ عبد الرّؤف المناوي: أثنى عليه ابن سبعين، وفضّله على شيخه القونوي، فإنه لما قدم شيخه القونوي رسولا إلى مصر، اجتمع به ابن سبعين لما قدم من المغرب، وكان التّلمساني مع شيخه القونوي، قالوا لابن سبعين: كيف وجدته؟ - يعني في علم التوحيد- فقال: إنه من المحقّقين، لكن معه شابّ أحذق منه، وهو العفيف التّلمساني. والعفيف هذا من عظماء الطّائفة القائلين بالوحدة المطلقة. وقال بعضهم: هو لحم خنزير في صحن صيني، وأنه يدرج السّمّ القاتل في كلامه لمن لا فطنة له بأساس قواعده. ورموه بعظائم من الأقوال والأفعال، وزعموا أنه كان على قدم شيخ شيخه [1] في أنه لا يحرّم فرجا، وأن عنده إن ما ثم غيره ولا سوى بوجه من الوجوه، وأن العبد إنما يشهد السوي إذا كان محجوبا، فإذا انكشف حجابه ورأى أنّ ما ثم غيره تبين له الأمر، ولهذا كان يقول: نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد، وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا حرام علينا، فقلنا حرام عليكم. وذكروا أنه دخل على أبي حيّان، فقال له: من أنت؟ قال: العفيف التّلمساني، وجدّي من قبل الأم ابن سبعين، فقال: إي والله عريق أنت في لإلهية يا كلب يا بن الكلب. وأكثروا من نقل هذا الهذيان في شأنه وشأن شيخه وشيخ شيخه، ولم

_ [1] في «ط» و «المنتخب» : «على قدم شيخه» .

يثبت عنهم شيء من ذلك بطريق معتبر. نعم هم قائلون بأن واجب الوجود هو الوجود المطلق، ومبنى طريقهم على ذلك. انتهى كلام المناوي ملخصا. وقال غيره: له عدة تصانيف، منها «شرح أسماء الله الحسنى» و «شرح مواقف النّفّري» [1] ، وشرح «النّصوص» وغير ذلك. وله ديوان شعر. وقال الشيخ برهان الدّين بن الفاشوشة الكتبي: دخلت عليه يوم مات، فقلت له: كيف حالك؟ قال: بخير، من عرف الله كيف يخاف، والله مذ عرفته ما خفته وأنا فرحان بلقائه. ومن شعره: إن كان قتلي في الهوى يتعيّن ... يا قاتلي فبسيف طرفك أهون حسبي وحسبك أن تكون مدامعي ... غسلي وفي ثوب السّقام أكفّن عجبا لخدّك وردة في بانة ... والورد فوق البان ما لا يمكن أدنته لي سنة الكرى فلثمته ... حتّى تبدّل بالشّقيق السّوسن ووردت كوثر ثغره فحسبتني ... في جنّة من وجنيته أسكن ما راعني إلّا بلال الخال من ... خدّيه في صبح الجبين يؤذّن وفيها تاج الدّين الفركاح، فقيه الشام، شيخ الإسلام، أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الدمشقي الشافعي [2] . ولد في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة، وسمع من ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وابن الصّلاح، والسّخاوي، وخلائق.

_ [1] تصحفت في «ط» إلى «النفزي» وهو محمد بن عبد الجبّار النّفّري، أبو عبد الله، عالم متصوف. مات سنة (354) وكتاب «المواقف» مطبوع. انظر «الأعلام» (6/ 184) الطبعة الرابعة. [2] انظر «العبر» (5/ 367- 368) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 287- 289) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 222- 226) .

وتفقه على الإمامين ابن الصّلاح، وابن عبد السّلام. وبرع في المذهب وهو شابّ، وجلس للإشغال وله بضع وعشرون سنة، وكتب على الفتاوى وله ثلاثون سنة. وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار. قال القطب اليونيني: انتفع به جمّ غفير، ومعظم قضاة الشّام وما حولها وقضاة الأطراف تلامذته. وكان- رحمه الله- عنده من الكرم المفرط وحسن العشرة، وكثرة الصّبر والاحتمال، وعدم الرغبة في التّكثّر من الدنيا، والقناعة والإيثار، والمبالغة في اللّطف، ولين الكلمة والأدب، ما لا مزيد عليه. وقال الذهبي: فقيه الشام، درّس وناظر وصنّف، وانتهت إليه رئاسة المذهب في الدّنيا، كما انتهت إلى ولده برهان الدّين. وكان من أذكياء العالم، وممن بلغ رتبة الاجتهاد. ومحاسنه كثيرة، وهو أجلّ ممن [1] ينبّه عليه مثلي. وكان- رحمه الله- يلثغ بالراء، فسبحان من له الكمال. وكان لطيف اللّحية، قصيرا، حلو الصّورة، مفركح السّاقين: ولهذا قيل له: الفركاح. وقال ابن قاضي شهبة: كان أكبر من النّووي بسبع سنين، وكان أفقه نفسا، وأزكى قريحة، وأقوى مناظرة، من الشيخ محيي الدّين [2] ، وأكثر محفوظا منه. وكان قليل المعلوم كثير البركة، وكان مدرّس البادرائية، ولم يكن بيده سواها. وقال الذهبي: جمع تاريخا مفيدا، وصنّف التصانيف، رأيته وسمعت كلامه في حلقة إقرائه مدّة، وكان بينه وبين النّووي- رحمهما الله- وحشة. توفي بالبادرائية في خامس جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب الصغير.

_ [1] ويقال أيضا: «وهو أجلّ من أن ... » . [2] يعني النووي رحمه الله تعالى.

وفيها الأبهري القاضي، شمس الدّين، عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الشّافعي [1] . ولد بأبهر- وهي بالباء الموحدة السّاكنة، مدينة نحو يوم من قزوين- سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وسمع من ابن روزبه وابن الزّبيدي، وطائفة. وأجاز له أبو الفتح المندائي، والمؤيد ابن الإخوة، وخلق. وسمع منه الحافظ المزّي. وتوفي في شوال بدمشق بالخانقاه الأسدية. وفيها الفخر بن البخاري مسند الدّنيا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السّعدي المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] . ولد في آخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وسمع من حنبل، وابن طبرزد، والكندي، وخلق. وأجاز له أبو المكارم اللبّان، وابن الجوزي، وخلق كثير. وطال عمره، ورحل الطلبة إليه من البلاد، وألحق الأسباط بالأجداد في علو الإسناد. قاله في «العبر» . وقال ابن رجب في «طبقاته» : تفرّد في الدّنيا بالرواية العالية. وتفقه على الشيخ موفق الدّين، وقرأ عليه «المقنع» وأذن له في إقرائه، وصار محدّث الإسلام وراويته. روى الحديث فوق ستين سنة، وسمع منه الأئمة الحفّاظ المتقدّمون، وقد ماتوا قبله بدهر. وخرّج له عمّه [3] الحافظ ضياء الدّين جزءا من عواليه. وحدّث به كثيرا، سمعناه من أصحابه. وذكره عمر بن الحاجب في «معجم شيوخه» فقال: تفقه على والده،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 368) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 316) . [2] انظر «العبر» (5/ 368- 369) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 325- 329) . [3] في «آ» و «ط» : «عمّ» والتّصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

وعلى الشيخ موفق الدّين، قال: وهو فاضل، كريم النّفس، كيّس الأخلاق، حسن الوجه، قاض للحاجة، كثير التّعصب- أي للحقّ- محمود السّيرة. سألت عمّه الشيخ ضياء الدّين عنه، فأثنى عليه ووصفه بالفعل الجميل [1] والمروءة التّامّة. وقال الفرضي في «معجمه» : كان شيخا، عالما، فقيها، زاهدا، عابدا، مسندا، مكثرا، وقورا، صبورا على قراءة الحديث، مكرما للطلبة، ملازما لبيته، مواظبا على العبادة، ألحق الأحفاد بالأجداد، وحدّث نحوا من ستين سنة، وتفرّد بالرواية عن شيوخ كثيرة. وقال الذهبي: كان فقيها، عارفا بالمذهب، فصيحا، صادق اللهجة، يردّ على الطلبة، مع الورع والتّقوى والسّكينة والجلالة، زاهدا، صالحا، خيّرا، عدلا، مأمونا. وقال [2] : سألت المزّي عنه فقال: أحد المشايخ الأكابر والأعيان الأماثل، من بيت العلم والحديث، ولا نعلم أحدا حصل له من الحظوة في الرّواية في هذه الأزمان مثل ما حصل له. قال شيخنا ابن تيميّة: ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، في حديث. قلت: وقد دخل بيني وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم، في أحاديث لا تحصى، منها: الحديث المسلسل بالحنابلة الذي يقال له: «سلسلة الذّهب» [3] ولا يوجد حديث أصحّ منه، وهو ما حدّثني به أستاذي الشيخ أيوب بن أحمد بن أيوب، وكان حنبليا، ثم تحنّف، وهو سبط الشيخ موسى الحجاوي الحنبلي،

_ [1] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «بالخلق الجميل» . [2] القائل الحافظ الذهبي. [3] وقد جمع أحاديث سند هذه السلسلة الذهبية الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في جزء صغير، وقد حققه الدكتور عبد المعطي قلعجي ونشرته دار المعرفة ببيروت سنة (1406) هـ.

قال: روينا عن الشيخ إبراهيم- يعني ابن الأحدب- قال: روينا بعموم الإذن إن لم يكن سماعا عن النّجم بن حسن الماتاني الحنبلي قال: ثنا أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي الحنبلي، ثنا جدّي أحمد بن عبد الهادي الحنبلي «ح» قال: ابن الماتاني: وأنبأنا أيضا محمد بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق، ثنا عبد الرحمن بن الطّحّان الحنبلي بقراءتي عليه، قالا: ثنا الصّلاح محمد بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي، ثنا علي ابن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي المعروف بابن البخاري، ثنا حنبل بن عبد الله البغدادي الحنبلي، ثنا محمد بن الحصين الحنبلي، ثنا الحسن بن علي بن المذهب الحنبلي، ثنا أحمد بن جعفر القطيعي الحنبلي، ثنا عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي، ثنا إمام السّنّة وحافظ الأمّة الصّدّيق الثاني الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، إمام كل حنبليّ في الدّنيا، رضي الله عنه، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا مالك بن أنس، عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض» [1] . «ونهى عن النّجش» [2] و «نهى عن بيع حبل الحبلة» [3] و «نهى عن المزابنة» [4] . والمزابنة: بيع الرّطب بالتّمر كيلا، وبيع الكرم بالزّبيب كيلا» . انتهى، والله أعلم، وله الحمد والمنّة. وقال الذهبي: وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمانية رجال ثقات.

_ [1] رواه البخاري رقم (2032) في البيوع، باب لا يبع على بيع أخيه، ومسلم رقم (1412) في النكاح: باب تحريم الخطبة على الخطبة، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 535) بتحقيقي. [2] رواه البخاري ومسلم عن عبدان بن عمر رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 506) . [3] رواه البخاري ومسلم عن عبدان بن عمر رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 488) . [4] رواه البخاري ومسلم عن عبدان بن عمر رضي الله عنهما، وانظر «جامع الأصول» (1/ 476) .

وقال ابن رجب: حدّث ببلاد كثيرة، بدمشق، ومصر، وبغداد، والموصل، وتدمر، والرّحبة، والحديثة، وزرع. وتكاثرت عليه الطلبة من نحو الخمسين وستمائة، وازدحموا عليه بعد الثمانين، وروى عنه من الحفّاظ ما لا يحصى [1] ، منهم: ابن الحاجب، والزّكي المنذري، والرّشيد العطّار، والدّمياطي، وابن دقيق العيد، والحارثي، والشيخ تقي الدّين بن تيميّة. وبقيت طلبته وجماعته إلى نيّف وسبعين وسبعمائة، وهذه بركة عظيمة. ومن شعره: تكررت السّنون عليّ حتّى ... بليت وصرت من سقط المتاع وقلّ النّفع عندي غير أني ... أعلّل بالرّواية والسّماع فإن يك خالصا فله جزاء ... وإن يك مانعا فإلى ضياع وله: إليك اعتذاري من صلاتي قاعدا ... وعجزي عن سعي إلى الجمعات وتركي صلاة الفرض في كلّ مسجد ... تجمّع فيه النّاس للصّلوات فيا ربّ لا تمقت صلاتي ونجّني ... من النّار واصفح لي عن الهفوات وتوفي- رحمه الله تعالى- ضحى يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر، وصلّي عليه وقت الظهر بالجامع المظفّري، ودفن عند والده بسفح قاسيون، وكانت له جنازة مشهودة، شهدها القضاة والأمراء والأعيان، وخلق كثير. وفيها ابن الزّملكاني الإمام المفتي علاء الدّين أبو الحسن [2]

_ [1] في «ط» : «من لا يحصى» . [2] قوله: «أبو الحسن» سقط من «ط» .

علي بن العلّامة البارع كمال الدّين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السّماكي الدمشقي الشّافعي [1] مدرّس الأمينية. توفي في ربيع الآخر، وقد نيّف على الخمسين. سمع من خطيب مراد، والرّشيد العطّار، ولم يحدّث. قاله في «العبر» . وفيها الفخر الكرخي [2] أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الشّافعي [3] ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالكرخ [4] . وتفقه بدمشق على ابن الصّلاح وخدمه مدّة. وسمع من البهاء عبد الرحمن، وابن الزّبيدي وطائفة، وليس ممن يعتمد عليه في الرّواية. توفي هو والفخر ابن البخاري في يوم واحد. وفيها أبو محمد غازي الحلاوي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدّمشقي [5] . سمع من حنبل، وابن طبرزد، وعمّر دهرا، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر، وعاش خمسا وتسعين سنة. وتوفي في رابع صفر بالقاهرة. وفيها الشّهاب بن مزهر الشيخ [6] أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن مزهر الأنصاري الدمشقي المقرئ [7] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 369) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 13) . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الكرجي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «العبر» (5/ 369) و «البداية والنهاية» (13/ 326) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) . [4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الكرج» . [5] انظر «العبر» (5/ 369) و «النجوم الزاهرة» (8/ 32) . [6] لفظة «الشيخ» لم ترد في «ط» . [7] انظر «العبر» (5/ 370) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 706) .

قرأ القراءات على السّخاوي وأقرأها، وكان فقيها، عالما، وقف كتبه بالأشرفية. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصّوري الصّالحي [1] . ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع من الكندي، وابن الحرستاني [2] وطائفة، وببغداد من أبي علي بن الجواليقي وجماعة. وأجاز له ابن طبرزد وجماعة. وكان آخر من سمع من الكندي موتا. توفي في منتصف ذي الحجّة. وفيها ابن المجاور نجم الدّين أبو الفتح يوسف ابن الصّاحب يعقوب بن محمد بن علي الشّيباني الدمشقي الكاتب [3] . ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع من الكندي، وعبد الجليل بن مندويه وجماعة، وتفرّد برواية «تاريخ بغداد» عن الكندي. وتوفي في الثامن والعشرين من ذي القعدة. وكان ديّنا، ومصلّيا، إلّا أنه يخدم في المكس. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 370) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) . [2] تحرفت في «ط» إلى «ابن الخرستان» . [3] انظر «العبر» (5/ 370) و «النجوم الزاهرة» (8/ 33) .

سنة إحدى وتسعين وستمائة

سنة إحدى وتسعين وستمائة فيها نازل السّلطان الملك الأشرف قلعة الرّوم وهي مجاورة لقلعة البيرة وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار، فنصب عليها المجانيق، وجدّ في حصارها، وفتحت بعد خمسة وعشرين يوما في رجب. وما أحسن ما قال الشّهاب محمود في كتاب «الفتح» : فسطا خميس الإسلام يوم السبت على أهل الأحد، فبارك الله للأمّة في سبتها وخميسها. وفيها توفي الزّكي المعرّيّ إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي البعلي [1] الفقيه الحنبلي [2] ، الزّاهد العابد أبو إسحاق. حضر على الشيخ الموفق، وسمع من البهاء عبد الرحمن وغيره، وتفقه، وحفظ «المقنع» وكان صالحا، عابدا، زاهدا، ورعا. اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه. ذكره ابن اليونيني. وقال الذهبي: كان من أعبد البشر. توفي ليلة السبت سابع شوال ببعلبك، وله إحدى وثمانون سنة.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «البعلي» وفي «العبر» بطبعتيه: «البعلبكي» . [2] انظر «العبر» (5/ 371) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 329) .

وفيها ابن دبوقا المقرئ المحقّق أبو الفضل جعفر بن القاسم بن جعفر بن حبيش الرّبعي [1] الضّرير. قرأ القراءات على السّخاوي وأقرأها، وله معرفة متوسطة وشعر جيد. توفي في رجب. قاله في «العبر» . وفيها سعد الدّين الفارقي الأديب البارع المنشئ أبو الفضل، سعد الله بن مروان الكاتب [2] . قال الذهبي: هو أخو شيخنا زين، سمع من ابن رواحة، وكريمة، وطائفة. وكان بديع الكتابة معنى وخطا. توفي في رمضان بدمشق وهو في عشر الستين. وفيها السّيف عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرّسعني [3] ، أحد الشهود تحت السّاعات. كان عدلا، صالحا، ناسكا. روى عن الفخر ابن تيميّة وغيره، وأجاز له عبد العزيز بن منينا وجماعة، وتوفي في المحرّم عن بضع وثمانين سنة. وفيها ابن صصرى العدل علاء الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التّغلبي الدمشقي الضرير [4] . آخر من روى «صحيح البخاري» عن عبد الجليل بن مندويه، والعطّار. توفي في شعبان. وفيها الخبّازي الإمام العلّامة جلال الدّين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخجندي الحنفي [5] .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 372) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) . [2] انظر «العبر» (5/ 372) و «النجوم الزاهرة» (8/ 36) . [3] انظر «العبر» (5/ 372) و «النجوم الزاهرة» (8/ 36) . [4] انظر «العبر» (5/ 372- 373) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) . [5] انظر «البداية والنهاية» (13/ 331) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 504- 505) و «الأعلام» (5/ 63) .

كان فقيها، بارعا، زاهدا، ناسكا، عارفا بالمذهب. صنّف في الفقه والأصلين، وأفتى، ودرّس، ثم جاور بمكة سنة، ثم رجع إلى دمشق فدرّس بالخاتونية التي على الشّرف القبلي إلى أن توفي في آخر ذي الحجّة عن اثنتين وستين سنة، ودفن بالصّوفية [1] ، رحمه الله تعالى. وفيها وكيل بيت المال، خطيب دمشق، زين الدّين أبو حفص عمر بن مكّي بن عبد الصّمد الشّافعي الأصولي المتكلم [2] . توفي في ربيع الأول. وفيها العماد الصّائغ محمد بن عبد الرحمن بن ملهم القرشي الدمشقي [3] . روى عن ابن البنّ حضورا، وعن ابن الزّبيدي، وتوفي في شعبان عن بضع وسبعين سنة. وفيها الصّاحب فتح الدّين محمد بن المولى محيي الدّين عبد الله بن عبد الظّاهر المصري الكاتب [4] الموقع. روى عن ابن الجمّيزي، وتوفي بدمشق في رمضان. وفيها ابن أبي عصرون نور الدّين محمود بن القاضي نجم الدّين عبد الرحمن بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي [5] . روى عن المؤيد الطّوسي بالإجازة، وتوفي في رمضان.

_ [1] يعني بمقبرة الصوفية. [2] انظر «العبر» (5/ 373) و «البداية والنهاية» (13/ 331) . [3] انظر «العبر» (5/ 373) . [4] انظر «العبر» (5/ 373) و «البداية والنهاية» (13/ 331) . [5] انظر «العبر» (5/ 373) .

وفيها النّجم أبو بكر بن أبي العزّ [1] مشرف الكاتب الأديب، ويعرف بابن الحردان [2] . كان لغويا، أخباريا، فصيحا، متقعّرا. له شعر جيد. توفي في صفر قاله في «العبر» .

_ [1] في «آ» «العزيز» . [2] انظر «العبر» (5/ 373) .

سنة اثنتين وتسعين وستمائة

سنة اثنتين وتسعين وستمائة فيها سلّم صاحب سيس قلعة بهنسا للسلطان صفوا عفوا، وضربت البشائر في رجب. وفيها توفي تقي الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الصالحي [1] الفقيه الحنبلي الزّاهد، شيخ الإسلام، بركة الشّام، قطب الوقت. ولد سنة اثنتين وستمائة، وسمع بدمشق من ابن الحرستاني، وابن البنّا، والشيخ موفق الدّين، وابن أبي لقمة، وخلق. ورحل في طلب الحديث والعلم. فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السّلام، وابن الجواليقي، وغيرهما. وبحلب من عبد الرحمن بن علوان. وبحرّان من أحمد بن سلامة. وبالموصل من أبي العزّ القسطلي. وعني بالحديث، وقرأ بنفسه. وله إجازات من جماعات من الأصبهانيين والبغداديين. وتفقه في المذهب، وأفتى، ودرّس بالمدرسة الصّاحبة [2] بقاسيون نحوا من عشرين سنة، وبمدرسة الشيخ أبي عمر. وولي

_ [1] انظر «العبر» (5/ 375) و «الوافي بالوفيات» (6/ 66- 67) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 329- 331) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 357) و (2/ 82- 83) . ولفظة «الصالحي» لم ترد في «ط» . [2] ويقال لها أيضا «المدرسة الصاحبية» انظر فهارس «الدارس في تاريخ المدارس» .

في آخر عمره مشيخة دار الحديث الظّاهرية. وكان من خير خلق الله تعالى علما، وعملا. قال الذهبيّ: قرأت بخطّ العلّامة كمال الدّين ابن الزّملكاني في حقّه: كان كبير القدر، له وقع في القلوب، وجلالة، ملازما للتعبّد ليلا ونهارا. قائما بما يعجز عنه غيره، مبالغا في إنكار المنكر، بايع نفسه فيه، لا يبالي على من أنكر. يعود المرضى، ويشيّع الجنائز، ويعظم الشّعائر والحرمات. وعنده علم جيد وفقه حسن. وكان داعية إلى عقيدة أهل السّنّة والسّلف الصّالح. مثابرا على السّعي في هداية من يرى فيه زيغا عنها. وقال البرزالي: تفرّد بعلو الإسناد وكثرة الروايات والعبادة، ولم يخلّف [1] مثله. توفي آخر نهار الجمعة في جمادى الآخرة، ودفن بتربة الشيخ موفق الدّين. وفيها الفاضلي جمال الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرئ [2] صاحب السّخاوي. ولي مشيخة الإقراء بتربة أمّ الصّالح مدّة. وسمع من ابن الزّبيدي وجماعة، وكتب الكثير. وتوفي في مستهل جمادى الأولى. وفيها الأرموي الشيخ الزّاهد إبراهيم ابن الشيخ القدوة عبد الله [3] . روى عن الشيخ الموفّق وغيره، وتوفي في المحرّم، وحضر جنازته الملوك والأمراء والقضاة. وحمل على الرؤوس. وكان صالحا، خيّرا، متقنا، قانتا لله تعالى.

_ [1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ولم يخلق مثله» . [2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 703- 704) . [3] انظر «العبر» (5/ 375) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) .

وفيها أبو العبّاس أحمد بن علي بن يوسف الحنفي [1] المعدّل. سبط عبد الحقّ بن خلف، ووالد قاضي الحصن. روى عن موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق، وتوفي في صفر بنواحي البقاع. وفيها ابن النّصيبي، الرئيس كمال الدّين أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي [2] . آخر من حدّث عن الافتخار الهاشمي، وثابت بن مشرف، وأبي محمد بن الأستاذ. توفي بحلب في المحرّم. وفيها تقيّ الدّين أحمد بن أبي الطّاهر بن أبي الفضل المقدسي الصّالحي [3] شيخ صالح. روى عن الموفق، والقزويني، وتوفي في رجب. وفيها صفية بنت الواسطي أخت الشيخ إبراهيم المذكور، أول هذه السنة، روت عن الموفّق، وابن راجح، وتوفيت في ذي الحجّة عن نيف وثمانين سنة. وفيها محيي الدّين عبد الله بن عبد الظّاهر بن نشوان المصري الأديب [4] كاتب الإنشاء وأحد البلغاء المذكورين. توفي بمصر. وفيها المكين الأسمر عبد الله بن منصور الإسكندراني [5] . شيخ القراء بالإسكندرية. أخذ القراءات عن أبي القاسم بن الصّفراوي، وأقرأ الناس مدّة. وفيها التّقيّ عبيد بن محمد الإسعردي الحافظ [6] نزيل القاهرة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 374) . [2] انظر «العبر» (5/ 374) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) . [3] انظر «العبر» (5/ 374) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (289) . [4] انظر «العبر» (5/ 376) . [5] انظر «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/ 460) . [6] انظر «العبر» (5/ 376) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .

سمع الكثير من أصحاب السّلفي، وخرّج لغير واحد، وتوفي في هذا العام، وكان ثقة. وفيها السّيف عليّ بن الرّضى عبد الرحمن بن عبد الجبّار المقدسي الحنبلي [1] ، نقيب الشيخ شمس الدّين. سمع من ابن البنّ، والقزويني، وحضر موسى، والموفّق، وتوفي في شوال. وفيها ابن الأعمى، صاحب «المقامة» البحرية كمال الدّين علي بن محمد بن المبارك [2] الأديب الشاعر. روى عن ابن اللّتي وغيره، وتوفي في المحرم عن سنّ عالية. ومن شعره في حمّام ضيّق ليس فيه ماء بارد: إن حمّامنا الذي نحن فيه ... قد أناخ العذاب فيه وخيّم مظلم الأرض والسّما والنّواحي ... كلّ عيب من عيبه يتعلّم حرج بابه كطاقة سجن ... شهد الله من يجز [3] فيه يندم وبه مالك غدا خازن النّا ... ر بلى مالك أرقّ وأرحم كلّما قلت قد أطلت عذابي ... قال لي أخسأ فيه ولا تتكلّم قلت لما رأيته يتلظّى ... ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم وفيها ابن فرقين الأمير ناصر الدّين علي بن محمود بن فرقين [4] . أجاز له الكندي، وسمع من القزويني وغيره، وتوفي في شعبان.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 376) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) . [2] انظر «العبر» (5/ 376- 377) و «البداية والنهاية» (13/ 333) و «فوات الوفيات» (3/ 87- 92) . [3] في «آ» و «ط» : «من يخر» وما أثبته من «فوات الوفيات» . [4] انظر «العبر» (5/ 377) وفيه «قرقين» في الموضعين.

وفيها ابن الأستاذ عز الدّين أبو الفتح عمر بن محمد بن الشيخ أبي محمد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي [1] ، مدرّس المدرسة الظّاهرية التي بظاهر دمشق. روى «سنن ابن ماجة» عن عبد اللّطيف، وتوفي في ربيع الأول. وفيها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم [2] المصري. آخر من روى «جامع الترمذي» عن علي بن البنّاء.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 377) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 345) . [2] انظر «العبر» (5/ 377) و «النجوم الزاهرة» (8/ 40) .

سنة ثلاث وتسعين وستمائة

سنة ثلاث وتسعين وستمائة فيها قتل الملك الأشرف صلاح الدّين خليل بن الملك المنصور سيف الدّين [1] ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة، سنة تسع وثمانين، وفتك به الأمير بيدرا [2] ، وذلك أنه جهّز العسكر مع وزيره إلى القاهرة، وتخلّى بنفسه ليخلو مع خاصيته بسبب الصّيد، وترك نائبه الأمير بيدرا [2] تحت الصّناجق، فلما كان وقت العصر وهو جالس بمفرده، قدم الأمير بيدرا [2] وصحبته جماعة من الأمراء، فقتلوا السلطان وحلفوا لبيدرا [3] وسلطنوه. ولقّب بالملك القاهر، وتوجهوا إلى مصر، فلقيهم الخاصكية ومقدّمهم الأمير زين الدّين كتبغا، فحملوا عليهم، فانهزم الأمير بيدرا [2] ، فأدركوه وقتلوه ومسكوا باقي الأمراء فقتلوهم، وأقاموا الملك النّاصر وحلفوا له، واستقرّ الشّجاعي وزيرا. ومسك ابن السّلعوس [4] واستأصلوا أمواله، ومسكوا أقاربه وذويه، وكان قد أحضرهم من الشّام، فحلّت عليهم النّقمة، إلّا رجل واحد لم يحضر من الشام، وكتب إليه شعرا:

_ [1] انظر «العبر» (5/ 377- 378) و «البداية والنهاية» (13/ 334- 335) . [2] في «آ» و «ط» : «بندار» والتصحيح من «العبر» و «البداية والنهاية» . [3] في «آ» : «لبندرا» وفي «ط» : «البندرا» والتصحيح من «العبر» و «البداية والنهاية» . [4] سترد ترجمته بعد قليل. انظر ص (741) .

تنبّه يا وزير الأرض واعلم ... بأنّك قد وطئت على الأفاعي وكن بالله معتصما فإنّي ... أخاف عليك من نهش الشّجاعي فكان كما قال. فإنه مات من نهشة الشّجاعي، عاقبه إلى أن مات، ولم يجد لنهشه درياقا، ثم إن الشّجاعيّ عزم على قتل كتبغا، فركب عليه وحصره في القلعة. فقتله بعض مماليك السلطان، ورموا به إلى كتبغا، فسكنت الفتنة، وفرح الناس بموته وطافوا به في البلد، وتزايدت أفراح النّاس لما كان تعمّد من المظالم. وفيها شمس الدّين أبو العبّاس أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بابن الخويي [1] نسبة إلى خوي- بضم الخاء المعجمة، وفتح الواو، بعدها ياء تحتية، وهي مدينة من أذربيجان، أعني إقليم تبريز-. دخل خراسان. وقرأ الأصول على القطب المصري تلميذ الفخر الرّازي. وقرأ علم الجدل على علاء الدّين الطّوسي. وسمع بخراسان والشّام. وكان شافعيا، عالما، نظّارا، خبيرا بعلم الكلام والحكمة والطّبّ، كثير الصّلاة والصّيام. صنّف في الأصول، والنّحو، والعروض. وتولى قضاء الشّام، ومات بها سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن بقاسيون [2] . وأما ولده شهاب الدّين أحمد [3] قاضي البلاد الشّامية وابن قاضيها، فولد سنة ست وعشرين وستمائة ومات ولده وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأقام

_ [1] انظر «العبر» (5/ 379) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 500- 501) . [2] قوله: «ودفن بقاسيون» لم يرد في «ط» . [3] في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «أحمد» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «العبر» (5/ 379) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 501) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 247) .

بالعادلية، ولزم الاشتغال حتّى برع، وسمع الحديث، وحدّث، وصنّف كتبا، منها: «شرح الفصول» لابن معطي، ودرّس بالمدرسة الدّماغية، ثم ولي قضاء القدس، ثم انتقل إلى القاهرة في وقعة هولاكو [1] ، فتولى بها قضاء القاهرة والوجه البحري، ثم ولي قضاء الشام بعد القاضي شهاب الدّين بن الزّكي، فاجتمع الفضلاء إليه. وكان عالما بعلوم كثيرة، وصنّف كتابا ضمّنه عشرين علما. وكان له اعتقاد سليم على طريقة السّلف، حسن الأخلاق والهيئة، كبير الوجه، أسمر، فصيح العبارة، مستدير اللّحية، قليل الشّيب، حسن الأخلاق. توفي ببستان من بساتين دمشق يوم الخميس، الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة ثلاث وتسعين وستمائة. قاله الإسنوي. وفيها ابن [2] مزير، المحدّث المفيد، تقيّ الدّين إدريس بن محمد التّنوخي الحموي [3] . روى عن ابن رواحة، وصفية بنت الحبقبق، وطبقتهما. وعني بالحديث، وتوفي في ربيع الآخر. وفيها إسحاق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتّاني المقرئ [4] . روى عن البهاء عبد الرحمن، وتوفي بدمشق في ذي القعدة. وفيها بكتوت العلائي الأمير الكبير بدر الدّين المنصوري [5] . توفي بمصر في جمادى الآخرة. وفيها الملك الحافظ غياث الدّين محمد بن شاهنشاه بن صاحب

_ [1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» . [2] تحرفت في «ط» إلى: «ابن مزيد» . [3] انظر «العبر» (5/ 378) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «تذكرة النبيه» (1/ 170) . [4] انظر «العبر» (5/ 378) . [5] انظر «العبر» (5/ 378) .

بعلبك الأمجد بهرام شاه بن فرّوخ شاه [1] . روى «صحيح البخاري» عن ابن الزّبيدي، ونسخ الكثير بخطّه، وتوفي في شعبان. وفيها الدّمياطي شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله المقرئ [2] . أخذ القراءات عن السّخاوي، وتصدّر، واحتيج إلى علوّ روايته. وقرأ عليه جماعة، وتوفي في صفر، وله نيّف وسبعون سنة. وفيها ابن السّلعوس الوزير الكامل مدبّر الممالك شمس الدّين محمد بن عثمان التّنوخي الدمشقي [3] . التّاجر الكاتب. ولي حسبة دمشق فأحسن السّيرة، واستصغرها النّاس عليه، فلم ينشب أن ولي الوزارة، ودخل دمشق في دست عظيم لم يعهد مثله. وكان قبل ذلك يكثر الصّيام والذّكر، فلما تولّى الوزارة تكبّر على النّاس، لا سيما الأمراء، وآذى الذي أوصله إلى السلطان. ومات في تاسع صفر بعد أن أنتن جسده من شدّة الضّرب، وقلع منه اللّحم الميت، نسأل الله العافية. وفيها ابن التّنبّي [4] فخر الدّين محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب، صاحب الخطّ المنسوب. روى عن الشيخ الموفق وغيره، وتوفي في جمادى الأولى.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 379) . [2] انظر «العبر» (5/ 379) . [3] انظر «العبر» (5/ 380) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «تذكرة النبيه» (1/ 173) . و «النجوم الزاهرة» (8/ 53- 54) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (99/ آ) إلى «ابن التّيني» والتصحيح من «العبر» (5/ 380) و «تبصير المنتبه» (1/ 211) .

سنة أربع وتسعين وستمائة

سنة أربع وتسعين وستمائة فيها توفي خطيب الخطباء، شرف الدّين أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي [1] خطيب دمشق، ومفتيها، وشيخ الشافعية بها. ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وأجاز له أبو علي بن الجواليقي وطائفة، وسمع من السّخاوي، وابن الصّلاح، وتفقه على ابن عبد السّلام وغيره، وبرع في الفقه والأصول والعربية [وناب في الحكم مدّة، ودرّس بالشّاميّة والغزالية. وكتب الخطّ المنسوب الفائق. وألّف كتابا في الأصول] [2] . وكان كيّسا [3] ، متواضعا، متنسّكا، ثاقب الذّهن، مفرط الذّكاء، طويل النّفس في المناظرة، أديبا، من محاسن الزّمان. ومن شعره: احجج إلى الزّهر واسع به ... وارم جمار الهمّ مستنفرا من لم يطف بالزّهر في وقته ... من قبل أن يحلق قد قصّرا

_ [1] انظر «العبر» (5/ 380- 381) و «البداية والنهاية» (13/ 341) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 204- 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 318- 319) . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «ط» . [3] تحرفت في «ط» إلى «كتيسا» .

وله لغز في ناعورة: وما أنثى وليست ذات فحل ... وتحمل دائما من غير بعل وتلقي كلّ آونة جنينا ... فيجري في الفلاة بغير رجل وتبكي حين تلقيه عليه ... بصوت حزينة ثكلت بطفل توفي- رحمه الله تعالى- في رمضان. وفيها الفاروثي- بالفاء والراء والمثلثة، نسبة إلى فاروث قرية على دجلة- الإمام عزّ الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي المقرئ الصّوفي [1] . شيخ العراق. ولد بواسط في ذي القعدة، سنة أربع عشرة وستمائة. وقرأ القراءات على أصحاب ابن الباقلّاني. وسمع من عمر بن كرم وطبقته، وكان إماما، عالما، متفنّنا، متضلعا من العلوم والآداب، رحّالا، حريصا على العلم ونشره، حسن التّربية للمريدين. لبس الخرقة من السّهروردي، وجاور مدّة. قال الذهبي: ثم قدم علينا في سنة إحدى وتسعين، فأقرأ القراءات، وروى الكثير، وولي الخطابة بعد ابن المرحّل. [ثمّ] عزل بعد سنة، فسافر مع الحجّاج، ودخل العراق، ومات بواسط في أول ذي الحجّة، وقد نيّف على الثمانين. وفيها محبّ الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد، شيخ الحرم، الطّبري المكّي [2] . ولد بمكّة في جمادى الآخرة، سنة خمس عشرة وستمائة. وسمع من

_ [1] انظر «العبر» (5/ 381- 382) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (290) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 691- 693) . [2] انظر «العبر» (5/ 382) و «العقد الثمين» (3/ 61- 72) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 179) و «النجوم الزاهرة» (8/ 74) .

جماعة، وأفتى، ودرّس [1] ، وتفقّه، وصنّف كتابا كبيرا إلى الغاية في الأحكام في ست مجلدات، وتعب عليه مدّة. ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن، وروى عنه الدّمياطي، وابن العطّار، وابن الخبّاز، والبرزالي، وجماعة. قال الذهبي: الفقيه الزّاهد المحدّث. كان شيخ الشّافعية، ومحدّث الحجاز. وقال غيره: له تصانيف كثيرة في غاية الحسن، منها في التفسير كتبا. وشرح «التنبيه» وله كتاب «الرّياض النّضرة في فضائل العشرة» وكتاب «ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى» [2] وكتاب «السّمط الثّمين في مناقب أمهات المؤمنين» وكتاب «القرى في ساكن أمّ القرى» وغير ذلك. توفي في جمادى الآخرة على الصحيح. وحكى البرزالي: أن ولده توفي بعده في ذي القعدة. واسم ولده محمد ولقبه جمال الدّين [3] . وكان قاضيا بمكّة المشرّفة. وفيها الجمال المحقّق أبو العبّاس [4] أحمد بن عبد الله الدمشقي [5] . كان فقيها، ذكيا، مناظرا، بصيرا بالطبّ، درّس وأعاد. وكان فيه لعب ومزاح. توفي في رمضان عن نحو ستين سنة. روى عن ابن طلحة. وفيها التّاج إسماعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري

_ [1] لفظ «درس» لم ترد في «آ» . [2] وهو من خيرة الكتب في بابه، والنيّة متجهة إلى تحقيقه وتخريج أحاديثه إن شاء الله تعالى. [3] انظر «العقد الثمين» (1/ 294- 296) . [4] «أبو العبّاس» سقطت من «آ» وكذلك «الدمشقي» . [5] انظر «العبر» (5/ 382) و «البداية والنهاية» (13/ 342) .

المحدّث [1] . كان عالما جليلا. سمع من جعفر الهمداني، وابن المقيّر وهذه الطبقة، ومات فجأة في رجب. وفيها أبو القاسم عبد الصّمد بن الخطيب عماد الدّين عبد الكريم بن القاضي جمال الدّين بن الحرستاني الشافعي. كان صالحا، زاهدا، صاحب كشف وفيه تواضع ووله يسير. روى عن زين الأمناء، وابن الزّبيدي، وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة. وفيها ابن سحنون خطيب النّيرب، مجد الدّين، شيخ الأطباء. أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحنفي [2] . روى عن خطيب مردا يسيرا، وله شعر وفضائل، وتوفي في ذي القعدة. قاله في «العبر» . وفيها اللّمتونيّ أبو الحسن علي بن عثمان بن يحيى الصّنهاجي الشوّاء ثم أمين السّجن [3] . سمع ابن غسّان، الزّبيدي، وطائفة. وتوفي في ذي القعدة، وقد نيّف على السبعين. وفيها ابن البزوري [4] أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي [5] التّاجر. روى عن ابن القبّيطيّ [6] ، ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون. وكان نبيلا، سريّا. جمع «تاريخا» ذيّل به على «المنتظم» . وتوفي في صفر عن ثلاث وستين سنة، وهو أبو الواعظ نجم الدّين. وفيها ابن الحامض أبو الخطّاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 382) و «طبقات الشافعية» (2/ 71- 73) . [2] انظر «العبر» (5/ 383) و «البداية والنهاية) (13/ 341- 342) . [3] انظر «العبر» (5/ 383) . [4] تحرفت «البزوري» في «العبر» طبع بيروت إلى الزوري فلتصحح. [5] انظر «العبر» (5/ 383- 384) . [6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القسطي» والتصحيح من «العبر» .

خليفة البغدادي التّاجر [1] . روى عن ابن عبد السّلام الدّاهري وجماعة، وتوفي بمصر يوم الأضحى. وفيها ابن العديم الصّاحب جمال الدّين أبو غانم محمد بن الصّاحب كمال الدّين عمر بن أحمد العقيلي الحلبي الفرضي [2] الكاتب. سمع من ابن رواحة وطائفة، وببغداد ودمشق، وانتهت إليه رئاسة الخطّ المنسوب، وتوفي بحماة في أول أيام التشريق، وله ستون سنة. وفيها قاضي نابلس جمال الدّين محمد بن القاضي نجم الدّين محمد بن القاضي شمس الدّين سالم بن صاعد القرشي المقدسي الشّافعي [3] . روى عن أبي علي الأوقي [4] وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة. وفيها صاحب اليمن الملك المظفّر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن رسول [5] . بقي في السّلطنة نيفا وأربعين سنة، وكان مستظهرا في الولاية، له مشاركة في العلوم، يحب العلماء، ويعتقد الصّالحين، محبّبا إلى الرعايا. صحبه في حجّته ستمائة فارس. ومن ظرفه أنه كتب إليه رجل: إنما المؤمنون إخوة وأخوك بالباب يطلب نصيبه من بيت المال. فأرسل إليه بدرهم وقال في جوابه: إخواني المؤمنون كثير في الدنيا، لو قسمت بيت المال بينهم ما حصل لكل واحد منهم درهم. وكتب إليه إنسان أنا كاتب أحسن الخطّ الظّريف والكشط اللّطيف. فقال: حسن كشطك يدلّ على كثرة غلطك.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 384) . [2] انظر «العبر» (5/ 384) . [3] انظر «العبر» (5/ 384) . [4] في «آ» : «الأوني» . [5] انظر «العبر» (5/ 384- 385) و «البداية والنهاية» (13/ 341) .

واشتكى إليه ناظره على عدن أن عبد الله بن أبي بكر الخطيب أراق خمورهم فأجابه، هذا لا يفعله إلّا صالح أو مجنون، وكلاهما ما لنا معه كلام. توفي سامحه الله تعالى في رجب. وفيها الجوهري الصّدر نجم الدّين أبو بكر بن محمد بن عبّاس التّميمي الحنفي [1] صاحب المدرسة الجوهرية الحنفية بدمشق. توفي في شوال ودفن بمدرسته عن سنّ عالية. وفيها أبو بكر بن إلياس بن محمد بن سعيد الرّسعني الحنبلي [2] . روى عن الفخر بن تيميّة، والقزويني، وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى. وفيها أبو الرّجال بن مرّي المنيني [3] الرّجل الصّالح القدوة، بركة الوقت. كان صاحب حال وكشف، وله عظمة في النّفوس. وكان له عشرة أولاد ذكور، فكنّي بأبي الرّجال. وكان تلميذ الشيخ جندل العجمي، رحمهما الله، توفي يوم عاشوراء بمنين عن نيّف وثمانين سنة، ودفن هناك. وفيها أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السّلمي الدمشقي [4] . رجل مستور. روى عن الشيخ الموفّق وغيره، وتوفي في أحمد الرّبيعين، وله ثلاث وثمانون سنة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 385) و «البداية والنهاية» (13/ 341) وفيه: «محمد بن عيّاش» . [2] انظر «العبر» (5/ 385) . [3] انظر «العبر» (5/ 385) والمنيني: نسبة إلى بلدة منين قرب دمشق، وقد سقطت هذه الترجمة بتمامها من «العبر» المطبوع في بيروت. [4] انظر «العبر» (5/ 385) و «النجوم الزاهرة» (8/ 77) .

سنة خمس وتسعين وستمائة

سنة خمس وتسعين وستمائة استهلت وأهل الدّيار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط، حتّى أكلوا الجيف، وأخرج في اليوم الواحد ألف وخمسمائة جنازة، وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها الجماعة الكثيرة [1] . وفيها، كما قال الذهبي، قدم علينا شيخ الشيوخ صدر الدّين إبراهيم بن الشيخ سعد الدّين بن حمّوية الجويني [2] طالب حديث. فسمع الكثير، وروى لنا عن أصحاب المؤيد الطّوسي، وأخبر أن ملك التتار غازان بن أرغون [3] أسلم على يده بواسطة نائبه نوروز، وكان يوما مشهودا. وفيها توفي نجم الدّين أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان [4] بن شبيب بن حمدان [بن شبيب بن حمدان] بن محمود [5] بن غياث بن سابق ابن وثّاب النّميري الحرّاني الحنبلي [الفقيه] الأصولي القاضي [6] نزيل القاهرة وصاحب التصانيف.

_ [1] انظر الخبر برواية أخرى عند ابن حبيب في «تذكرة النبيه» (1/ 184) . [2] هو إبراهيم بن محمد بن سعد الدّين بن حمّويه الجويني، شيخ خراسان. مات سنة (722) انظر ترجمته ومصادرها في «الوافي بالوفيات» (6/ 141- 142) . [3] انظر «النجوم الزاهرة» (8/ 212) . [4] في «آ» و «ط» : «ابن حمد» والتصحيح مصادر الترجمة. [5] جملة «ابن شبيب» سقطت من «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 331- 332) و «تذكرة النبيه» (1/ 186) و «المنهل الصّافي» (1/ 291- 291) . [6] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (16) و «

ولد سنة ثلاث وستمائة بحرّان، وسمع الكثير بها من الحافظ عبد القادر الرّهاوي، وهو آخر من روى عنه. ومن الخطيب أبي عبد الله بن تيميّة وغيره. وسمع بحلب من الحافظ ابن خليل وغيره، وبدمشق من ابن عساكر، وابن صباح. وبالقدس من الأوقي [1] وغيره. وقرأ بنفسه وقرأ [2] على الشيوخ. وجالس ابن عمّه الشيخ مجد الدّين بن تيميّة وبحث معه كثيرا. وبرع في الفقه. وانتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وغوامضه. وكان عارفا بالأصلين والخلاف والأدب. وصنّف تصانيف كثيرة، منها: «الرعاية الصّغرى» و «الرعاية الكبرى» في الفقه. وكتاب «الوافي» و «مقدمة في أصول الدّين» وكتاب «صفة المفتي والمستفتي» وغير ذلك. وولي نيابة القضاء بالقاهرة. وتفقّه به وتخرّج عليه جماعة كثيرة، وحدّث بالكثير، وعمّر وأسنّ وأضرّ. وروى عنه الدّمياطي، والحارثي، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم. وتوفي بالقاهرة يوم الخميس سادس صفر عن اثنتين وتسعين سنة. وتوفي أخوه تقي الدّين شبيب [3] الأديب البارع الشّاعر المفلق الطّبيب الكحّال. في ربيع الآخر من هذه السنة أيضا، وهو في عشر الثمانين. سمع ابن روزبه وطائفة، وقد عارض «بانت سعاد» بقصيدة عظيمة منها: مجد كبا الوهم عن إدراك غايته ... وردّ عقل البرايا وهو معقول

_ [1] هو الشيخ الصالح الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقي ويقال في نسبته «الأوهي» أيضا. انظر ترجمته وتعليقي عليها في ص (238) من هذا المجلد. [2] سقطت من «ط» . [3] هو شبيب بن حمدان بن شبيب ... بن وثّاب النّميري الحرّاني. انظر «الوافي بالوفيات» (16/ 107- 111) و «فوات الوفيات» (2/ 98- 100) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 332) و «حسن المحاضرة» (1/ 543) و «الأعلام» للزركلي (3/ 156) وقد دوّن وفاته سنة (675) وهو خطأ فليصحح.

طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى ... له بطيب ثراها الجعد تقبيل وله أيضا: وافى يعلّلني واللّيل قد ذهبا ... فخلت من راحة في راحة ذهبا ظبي إذا قهقه الإبريق وابتسمت ... له المدام بكى الرّاووق وانتحبا مقرطق لم يقم بالكأس عرس هنا ... إلّا وراح بنور الرّاح مختضبا بجلو على ابن غمام بكر معصرة ... فقم لتشهد أن العود قد خطبا ما هزّ من قدّه العسّال في رهج ... إلّا غدا قلب جيش الهمّ مضطربا وفيها الشيخ أبو العبّاس الدّاري أحمد بن عبد الباري الصّعيدي ثم الإسكندراني [1] المؤدب الرّجل الصّالح. قرأ القراءات على أبي القاسم بن عيسى وأكثر عنه، وعن الصّفراوي. وتوفي في أوائل السنة، عن ثلاث وثمانين سنة [وألّف] [2] . وفيها أبو الفضائل المنقذي أحمد بن عبد الرّحمن بن محمد الحسيني الدمشقي [3] خادم مصحف مشهد علي بن الحسين. روى عن ابن غسّان، وابن صبّاح وجماعة، وله حضور على ذرع بن فارس، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها الشّريف عزّ الدّين الحسيني نقيب الأشراف أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحلبي ثم المصري [4] . الحافظ المؤرّخ.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (17) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 693) و «المنهل الصّافي» (1/ 329) . [2] لفظة «وألّف» لم ترد في «آ» و «العبر» مصدر المؤلف وانفردت بها «ط» وحدها ولم أقف على إشارة إلى أنه خلّف مصنفات في المصادر التي بين يدي. [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (17- 18) . [4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (18) و «حسن المحاضرة» (1/ 357) .

روى عن فخر القضاة أحمد بن الحباب. وأكثر عن أصحاب البوصيري، وعني بالحديث وبالغ. وتوفي في سادس المحرم. وفيها قاضي الحنابلة الإمام شرف الدّين حسن بن الشّرف عبد الله بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي [1] . ولد في شوال، سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وسمع من المرسي، وابن مسلمة وغيرهم. وقرأ بنفسه على الكفرطابي. وتفقه وبرع في المذهب الحنبلي. وولي القضاء بعد نجم الدّين أحمد بن الشيخ وإلى أن مات. قال البرزالي: كان قاضيا بالشام، على مذهب الإمام أحمد، ومدرسا بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون، وبمدرسة جدّه. وكان مليح الشكل، حسن المحاضرة، كثير المحفوظ. وقال الذهبي: كان من أئمة المذهب. توفي ليلة الخميس ثاني عشري شوال، ودفن بمقبرة جدّه بسفح قاسيون، وهو والد الشيخ شرف الدّين أبي العبّاس أحمد، المعروف بابن قاضي الجبل. وفيها بنت الواسطي الزّاهدة العابدة أم محمد زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصّالحية [2] . قال الذهبي: روت لنا عن الشيخ الموفق، وتوفيت في المحرّم وقد قاربت التسعين. وفيها ابن قوام العدل الصّالح كمال الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرّصافي ثم الدمشقي [3] . قال الذهبي:

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (19) و «تذكرة النبيه» (1/ 189) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 334) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (19) و «مرآة الجنان» (4/ 228) . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (20) .

حدثنا عن القزويني، وابن الزّبيدي، ومات فجأة في ذي القعدة، وله ثمانون سنة. وفيها ابن رزين الإمام صدر الدّين عبد البرّ بن قاضي القضاة تقي الدّين محمد [1] . قال الذهبي: كان إماما، شافعيا، فاضلا. درّس بالقيمرية بدمشق، ومات بها في رجب. وفيها ابن بنت الأعزّ قاضي الدّيار المصرية، تقيّ الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدّين العلامي [2] الشافعي [3] . قال الذهبي: توفي في جمادى الأولى كهلا، وولي بعده ابن دقيق العيد شيخنا. وفيها ابن الفاضل الشيخ سعد الدّين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل [4] . سمع من عبد الصّمد الغضاري، وجعفر الهمداني فأكثر، وتوفي في رجب وقد قارب السبعين. وفيها ابن الدّميري- نسبة إلى دميرة قرية بمصر- محيي الدّين عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري [5] أخذ من الحافظ علي ابن المفضّل، وأبي طالب بن حديد [6] ، وأكثر عن الفخر الفارسي، وكان إماما فاضلا دينا.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (20- 21) و «الوافي بالوفيات» (18/ 31) و «مرآة الجنان» (4/ 228) . [2] في «آ» و «ط» : «العلائي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (21) و «الوافي بالوفيات» (18- 179- 182) و «البداية والنهاية» (13/ 346) . [4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (21) و «الوافي بالوفيات» (18/ 198) . [5] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) . [6] في «ط» : «ابن جويدة» .

توفي في المحرّم وله تسعون سنة. وفيها العلّامة سحنون أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدّكّالي- بفتح الدال المهملة وتشديد الكاف نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب- المالكي المقرئ النّحوي [1] . قرأ القراءات على الصّفراوي. وسمع منه ومن علي بن مختار [العامري] . وكان إماما، علّامة، ورعا فاضلا. توفي في رابع شوال. وفيها الجلال عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي [2] قاضي القدس، كان شيخا عالما ديّنا وقورا. قال الذهبي: حدثنا عن ابن المقيّر. وتوفي بالقدس في ربيع الآخر. وفيها سراج الدّين عمر بن محمد الورّاق المصري [3] . أديب الدّيار المصرية. كان مكثرا، حسن التّصرّف. فمن شعره قوله: سألتهم وقد حثّوا المطايا ... قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا وما عطفوا عليّ وهم غصون ... ولا التفتوا إليّ وهم ظباء وفيها الشّرف البوصيري صاحب البردة محمد بن سعيد [4] بن حمّاد الدلّاصي المولد، المغربي الأصل، البوصيري المنشأ.

_ [1] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 694) و «الوافي بالوفيات» (18/ 157) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [2] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) . [3] انظر «فوات الوفيات» (3/ 140- 146) و «النجوم الزاهرة» (8/ 83- 84) و «الأعلام» (5/ 63) . [4] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 105- 113) و «حسن المحاضرة» (1/ 570) .

ولد بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أول شوال سنة ثمان وستمائة. وبرع في النّظم. قال فيه الحافظ ابن سيّد النّاس: هو أحسن من الجزّار والورّاق. قاله السيوطي في «حسن المحاضرة» . [وأقول: والأمر كما قال ابن سيّد النّاس ومن سبر شعره علم مزيّته. وما أحسن قوله في افتتاح «ديوانه» : كتب المشيب بأبيض في أسود ... بقضاء ما بيني وبين الخرّد والله أعلم] [1] . وفيها إمام مسجد البياطرة الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التّميميّ الحنفيّ الشّاهد. قال الذهبي: حدثنا عن ابن صباح، وتوفي في ربيع الأول، وله ثلاث وثمانون سنة. وفيها ابن [أبي] عصرون تاج الدّين محمد بن عبد السلام بن المطهّر بن عبد الله بن أبي سعد بن أبي عصرون التّميمي الشّافعي [2] ، مدرس الشّامية الصّغرى. ولد بحلب في أول سنة عشر وستمائة. وأجاز له المؤيد الطّوسي وطبقته. وسمع من أبيه وابن روزبه وجماعة. وروى الكثير. وكان خيّرا، متواضعا، حسن الإيراد للدرس. توفي في ربيع الأول.

_ [1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [2] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 256- 257) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 303- 304) .

وفيها الشيخ شرف الدّين الأرزوني الزّاهد محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني [1] . كان صالحا عابدا مقصودا بالزيارة والتبرّك. توفي في بيت لهيا [2] . وفيها ابن النحّاس الصّاحب العلّامة محيي الدّين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الحلبي الحنفي [3] . روى عن الكاشغري، وابن الخازن. وكان من أساطين المذهب، وتولى الوزارة بالشّام في الدولة المنصورية، ولم يزل معظّما في جميع الدول، مشهورا بالأمانة، وتوفي بالمزّة في آخر السنة، وله إحدى وثمانون سنة وشهران. وفيها الموفق أبو عبد الله محمد بن [أبي] العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النّصيبي الشّافعي المقرئ [4] . شيخ القرّاء والصّوفية ببعلبك. وقرأ القراءات على ابن الحاجب، والسّديد عيسى، وأقرأها مدّة. وله نظم رائق مات [5] في ذي الحجّة وقد قارب الثمانين. قال الذهبي: عرضت عليه ختمة للسبعة [6] .

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (4/ 45) . [2] في «ط» : «ببيت لهيا» . [3] انظر «الجواهر المضية» (2/ 144- 145) طبعة حيدرآباد. [4] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 710- 711) و «غاية النهاية» (2/ 244- 245) و «لحظ الألحاظ» لابن فهد الملحق ب «ذيل تذكرة الحفاظ» ص (92) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [5] في «ط» : «توفي» . [6] وقال في «معرفة القراء الكبار» : «قرأت عليه للسبعة في نحو من خمسين يوما في سنة ثلاث وتسعين- يعني وستمائة- ورحل إليه قبلي علم الدين طلحة مقرئ حلب، فجمع عليه. وأخذ عنه القراءات جماعة من أهل بعلبك وتخرّجوا به» .

وفيها شرف الدّين التّاذفي- بالمثناة الفوقية والمعجمة والفاء، نسبة إلى تاذف [1] قرية قرب حلب- محمود بن محمد بن أحمد المقرئ [2] . كان عبدا صالحا قانتا لله تعالى، خائفا منه، تاليا لكتابه. روى عن ابن رواحة، وابن خليل، ومات بسفح قاسيون في رجب، وقد نيّف على السبعين. وفيها ابن المنجّى العلّامة زين الدّين أبو البركات المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الدمشقي الحنبلي [3] . أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب أصولا وفروعا، مع التبحّر في العربية، والنظر، والبحث، وكثرة الصّيام والصّلاة والوقار والجلالة. ولد في عاشر ذي القعدة، سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وسمع من السّخاوي، وابن مسلمة، والقرطبي وجماعة. وتفقه على أصحاب جدّه وأصحاب الشيخ موفق الدّين. وقرأ الأصول على التّفليسي. والنّحو على ابن مالك. وبرع في ذلك كلّه. ودرّس وأفتى، وناظر وصنّف. ومن تصانيفه: «شرح المقنع» في أربع مجلدات. و «تفسير» كبير للقرآن العظيم. وغير ذلك. وسمع منه ابن العطّار، والمزّي، والبرزالي، وغيرهم. وتوفي يوم الخميس رابع شعبان. وتوفيت زوجته أمّ محمد ستّ البهاء بنت الصّدر الخجندي [4] ليلة الجمعة خامس الشهر وصلي عليهما معا عقب صلاة الجمعة بجامع دمشق، ودفنا بتربة بيت المنجّى بسفح قاسيون.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (2/ 6) . [2] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 719- 720) و «غاية النهاية» (2/ 102) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 332- 333) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 333) .

وفيها الوجيه النّفّري- بكسر النون وفتح الفاء المشددة وراء، نسبة إلى النّفّر بلد على النّرس [1]- موسى بن محمد. المحدّث [2] أحد من عني بمصر بالحديث [3] . وقدم دمشق سنة نيف وسبعين، فأكثر عن أصحاب ابن طبرزد، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو الفتوح نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السّكاكيني [4] . صالح خيّر فاضل، حسن المجالسة. قال الذهبي: حدثنا عن أبي القاسم بن صصرى وعلي بن زيد التّسارسي [5] ، وطائفة. وتوفي في سلخ شوال وله تسع وسبعون سنة. وفيها رضي الدّين القسنطيني- بضم القاف وفتح السين المهملة وسكون النون، نسبة إلى قسنطينية، قلعة بحدود إفريقية- العلّامة أبو بكر بن عمر بن علي ابن سالم الشّافعي النّحوي [6] . أخذ العربية عن ابن معطي، وابن الحاجب. وسمع من أبي علي الأوقي، وابن المقيّر. وتصدّر للإشغال مدّة. وأضرّ بأخرة. وتوفي في رابع عشر ذي الحجّة وله ثمان وثمانون سنة. وفيها الكفرابي أبو الغنئام ابن محاسن بن أحمد بن مكارم الحرّاني [7] المعمار. روى عن قاضي حرّان أبي بكر، والقزويني، وابن روزبه. وتوفي في ذي الحجّة وله إحدى وثمانون سنة.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (5/ 295) . [2] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 385) . [3] في «آ» : «في الحديث» . [4] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 352- 353) . [5] تحرفت في «معجم الشيوخ» إلى «النّشارسي» فلتصحح وانظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 92) . [6] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 411- 412) . [7] لفظة «الحرّاني» سقطت من «ط» وهو مترجم في «معجم الشيوخ» (2/ 425) .

سنة ست وتسعين وستمائة

سنة ست وتسعين وستمائة فيها توجّه الملك العادل إلى مصر، فلما كان باللّجون وثب حسام الدّين لاجين [1] المنصور على بيحاص وبكتوت الأزرق فقتلهما، وكانا جناحي أستاذهما العادل، فخاف وركب سرا في أربعة مماليك، وساق إلى دمشق، فدخل القلعة فلم ينفعه ذلك، وزال ملكه، وخضع المصريون لحسام الدّين ولم يختلف عليه اثنان، ولقّب بالملك المنصور. وأخذ العادل تحت الحوطة فأسكن بقلعة صرخد وقنع بها. وفيها توفي الصّدر الفاضل أحمد بن إبراهيم ببستانه بسطرا ودفن بتربة بسفح قاسيون قبالة مدرسة [2] الأتابكية جوار تربة تقي الدّين توبة. كان فاضلا في النّحو، واللّغة، والعربية. وله تجرّد مع الفقراء الحريرية. وكان من رؤساء دمشق، وله شعر حسن. وفيها ابن الأغلاقي أبو العبّاس أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري [3] . قال الذهبي: روى لنا عن عبد القوي، وابن الحباب، وابن باقا. وكان إمام مسجد. توفي في صفر عن ست وثمانين سنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «لاشين» بالشين وما أثبته من المصادر التي بين يدي. [2] لفظة «المدرسة» سقطت من «ط» . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (23) .

وفيها ابن الظّاهري الحافظ الزّاهد القدوة جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفيّ المقرئ المحدّث [1] . كان أحد من عني بهذا الشأن، وكتب عن سبعمائة شيخ، بالشام، والجزيرة، ومصر. وحدّث عن ابن اللّتي، والإربلي فمن بعدهما. وما زال في طلب الحديث وإفادته وتخريجه إلى آخر أيامه. وكان من الثّقات الأثبات. توفي بزاويته بالمغس [2] بظاهر القاهرة في ربيع الأول، وله سبعون سنة. قال ابن ناصر الدّين [3] : كان أبوه مولى للظّاهر غازي بن يوسف. وفيها النّفيس نفيس الدّين إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحرّاني ثم الدمشقي [4] ، ناظر الأيتام وواقف النّفيسية بالرّصيف. روى عن مكرم القرشي، وتوفي في ذي القعدة عن نحو من سبعين سنة. وفيها الضّياء أبو الفضل جعفر بن محمد بن عبد الرّحيم الحسيني المصري القبّاني الشافعي المفتي [5] ، أحد كبار الشافعية، ويعرف بابن عبد الرحيم. ولد سنة تسع عشرة وستمائة، وتفقه على الشيخين بهاء الدّين القفطي، ومجد الدّين القشيري. واستفاد من ابن عبد السّلام. وأخذ الأصول عن الشيخين مجد الدّين القشيري، وعبد الحميد الخسروشاهي. وسمع الحديث

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (23) . [2] في «ط» : «بالمغس في زاويته» . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (183/ آ) . [4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (24) . [5] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (24) .

من جماعة. ودرّس بالمشهد الحسيني. وولي كتابة بيت المال. وكان من كبار الشافعية. قال ابن كثير في «طبقاته» : أحد الأعيان. كان بارعا في المذهب، أفتى بضعا وأربعين سنة، وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة. وفيها الضّياء دانيال بن منكل الشّافعي [1] قاضي الكرك. قرأ على السّخاوي، وسمع من ابن اللّتي، وابن الخازن، وطائفة. وكان له رواء ومنظر، ولديه فضائل، وتوفي في رمضان. وفيها التّاج أبو محمد عبد الخالق بن عبد السّلام بن سعيد بن علوان البعلبكي [2] فقيه عالم، جيد المشاركة في الفنون، ذو حظ من عبادة وتواضع. روى عن الشيخ الموفق، والزّويني، والبهاء عبد الرحمن، وتوفي في تاسع المحرم وله ثلاث وتسعون سنة. وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عزاز المصري البصري [3] الفقيه الحنبلي المحدّث الحافظ، نزيل المدينة النبوية. ولد بالبصرة في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة، ورحل إلى بغداد. فسمع بها من ابن قميرة وخلق، وتفقه على الشيخ كمال الدّين بن وضاح، ثم انتقل إلى المدينة النبوية واستوطنها نحوا من خمسين سنة إلى أن مات بها. وحجّ منها أربعين حجّة على الولاء. وحدّث بالكثير بالحجاز، وبغداد، ومصر، ودمشق. وسمع منه جماعات، منهم: البرزالي، وابن

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (24) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (25) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 334- 335) .

الخبّاز، والحارثي، وتوفي يوم الثلاثاء بعد الصّبح سابع عشري صفر ودفن بالبقيع. وفيها عزّ الدّين أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي [1] . قاضي القضاة بالدّيار المصرية. سمع من جعفر الهمداني، وابن رواح، وأفتى ودرّس. وكان محمود القضايا، مشكور السيرة، متثبتا في الأحكام، مليح الشكل. سمع منه الذهبي، وقال عنه: إمام جمّاع للفضائل، محمود القضايا، متثبّت. توفي بالقاهرة في صفر ودفن بتربة الحافظ عبد الغني [2] وله ست وستون سنة. وفيها الضّياء السّبني- بفتحتين ونون، نسبة إلى السّبن موضع [3]- أبو الهدى عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي الصّوفي المحدّث [4] . ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، وقدم مع أبيه فحج ولبس الخرقة من السّهروردي، وسمع وقرأ الكتب على الصّفراوي، وابن المقيّر، وغيرهما. وتوفي بالقاهرة فجأة، وله ثلاث وثمانون سنة. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن حازم بن حامد بن حسن المقدسي [5] . سمع من ابن صصرى، والنّاصح بن الحنبلي، وابن الزّبيدي،

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 335- 336) . [2] يعني المقدسي. [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (26) . [4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (26) . [5] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 336) .

وابن عساكر، والضياء الحافظ، وأكثر عنه. وكان حنبليا، فقيها، فاضلا، عابدا. توفي في ذي الحجّة بنابلس في رجوعه من زيارة المسجد الأقصى وهو في عشر الثمانين. وفيها التلّعفري الشيخ محمد بن جوهر الصّوفي المقرئ [1] . قرأ على أبي إسحاق بن وثيق، ولقّن مدة. وكان عارفا بالتجويد، وروى عن يوسف بن خليل وغيره، وتوفي بدمشق في صفر. وفيها الضّياء بن النّصيبي محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي الكاتب [2] . وزر لصاحب حماة، وحدّث عن [ابن] روزبه والموفق عبد اللطيف، وتوفي في رجب. وفيها الرّضي محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني المكيّ الشافعي المفتي النّحوي [3] . الزّاهد، شيخ الحرم وفقيهه. روى عن ابن الجمّيزي وغيره. وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن بطّيخ الدمشقي [4] . قال الذهبي: روى لنا عن النّاصح، وكان ينادي ويتبلّغ. توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة. وفيها ابن العدل محيي الدّين يحيى بن محمد بن عبد الصّمد

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (27) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (28) ولفظة «ابن» سقطت من «آ» . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (28) . [4] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) .

الزّبداني [1] . مدرّس مدرسة جدّه بالزّبداني. حدّث عن ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وتوفي في المحرّم. وفيها ابن عطاء أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شمس الدّين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي [2] . روى عن ابن الزّبيدي وغيره، وتوفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة. وفيها أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي الواسطي [3] . سمع من ابن الزّبيدي وغيره، وتوفي بدمشق في المحرّم، وله إحدى وتسعون سنة.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (29) .

سنة سبع وتسعين وستمائة

سنة سبع وتسعين وستمائة فيها توفي الشّهاب العابر أبو العبّاس أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد المنعم بن نعمة النّابلسي الحنبلي [1] . ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان، سنة ثمان وعشرين وستمائة بنابلس. وسمع بها من عمّه تقي الدّين يوسف، ومن الصّاحب محيي الدّين بن الجوزي. وسمع من سبط السّلفي وغيره، ورحل [2] إلى مصر، ودمشق، والإسكندرية. وتفقه في المذهب. قال الذهبي: فقيه إمام عالم لا يدرك شأوه في علم التّعبير. وله مصنّف كبير في هذا العلم، سماه «البدر المنير» . توفي يوم الأحد، تاسع عشري ذي القعدة، ودفن بتربة أبي الطّيب بباب الصغير. وفيها الصّدر بن عقبة أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي [3] . مفت مدرّس، ولي مرّة [4] قضاء حلب. وكان ذا همّة وجلادة

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (30) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 336- 338) . [2] في «ط» : «وترحّل» . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (30) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 512) . [4] كذا في «آ» و «ط» و «الدارس في تاريخ المدارس» : «مرّة» وفي «نص مستدرك من كتاب العبر» : «إمرة» .

وسعي. توفي في رمضان، عن سنّ عالية. قاله في «العبر» . وفيها أبو الرّوح جبريل بن إسماعيل بن جبريل الشّارعي [1] . قال الذهبي: شيخ مقرئ متواضع بزوريّ يؤمّ بمسجد. توفي في هذا العام ظنا. روى لنا عن ابن باقا وغيره، وخرّج عنه الأبيوردي في «معجمه» . وفيها عائشة ابنة المجد عيسى بن الشيخ الموفق المقدسي مباركة صالحة عابدة. قال الذهبي: روت لنا عن جدّها، وابن راجح، وعاشت ستا وثمانين سنة. وفيها الكمال الفويرة، مسند العراق، أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللّطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقرئ البزّار [2] المكثر، شيخ المستنصرية. قرأ القراءات على الفخر الموصلي، وسمع من أحمد بن صرما وجماعة، وأجاز له ابن طبرزد، وعبد الوهاب بن سكينة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات والحديث، وتوفي في ذي الحجّة، وله ثمان وتسعون سنة، ووقع في الهرم، رحمه الله تعالى. وفيها ابن المغيزل الصّدر شرف الدّين عبد الكريم بن محمد [بن محمد] بن نصر الله الحموي الشّافعي [3] . روى عن الكاشغري، وابن الخازن، وتوفي في المحرّم وله إحدى وثمانون سنة.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (31) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (31) و «الوافي بالوفيات» (18/ 159- 160) . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (32) .

وفيها ابن واصل قاضي حماة جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن سالم بن نصر الله بن واصل الحموي الشافعي [1] . كان إماما عالما بعلوم كثيرة، خصوصا العقليات، مفرطا في الذكاء، مداوما على الاشتغال والتفكّر في العلم، حتّى كان يذهل عمن يجالسه، وعن أحوال نفسه، وصنّف تصانيف كثيرة في الأصلين، والحكمة، والمنطق، والعروض، والطبّ والأدبيات. ومن شعره: وأغيد مصقول العذار صحبته ... وربع سروري بالتّأهّل عامر وفارقته حينا فجاء بلحية ... تروع وقد دارت عليه الدّوائر فكرّرت طرفي في رسوم جماله ... وأنشدت بيتا قاله قبل شاعر كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر فقال عجيب [2] والفؤاد كأنما ... يقلقله بين الجوانح طائر بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجذوذ العواثر توفي بحماة يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال. وفيها ابن المغربي بدر الدّين محمد بن سليمان بن معالي الحلبي المقرئ [3] . قال الذّهبي: عبد خيّر صالح عالم، كتب العلم، وقرأ بنفسه، وروى عن كريمة، وابن المقيّر، وطائفة، وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة.

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (33) و «الوافي بالوفيات» (3/ 85- 86) . [2] في «آ» : «عجبا» . [3] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (33) .

وفيها أبو عبد الله محمد بن صالح بن خلف الجهني المصري المقرئ [1] . قال في «العبر» : حدثنا عن ابن باقا، وتوفي في حدود هذه السنة. وفيها الأيكي العلّامة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي الشافعي [2] . كان فقيها، صوفيا، إماما في الأصلين. ورد دمشق، ودرّس بالغزالية، وشرح منطق «مختصر ابن الحاجب» . ثم سافر إلى مصر وولي مشيخة الشيوخ بها، فتكلم فيه الصّوفية فخرج منها، وعاد إلى دمشق فتوفي بالمزّة يوم الجمعة قبيل العصر، ثالث شهر رمضان عن سبعين سنة. قاله الإسنوي. قلت: رماه الإمام أبو حيّان بالإلحاد، وعدّه فيمن اشتهر بذلك في (المائدة) من «تفسيره» والله أعلم. وفيها أبو القاسم بهاء الدّين هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القاضي القفطي [3]- بكسر القاف وسكون الفاء وبالطاء المهملة- نسبة إلى قفط بلد بصعيد مصر. ولد في سنة ستمائة أو إحدى وستمائة، وقيل: في أواخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وتفقه على المجد القشيري في مذهب الشافعي. وقرأ الأصول على الشّمس الأصفهاني بقوص. ودخل القاهرة، فاجتمع بالشيخين عزّ الدّين بن عبد السلام، والزّكي المنذري، واستفاد منهما ورجع إلى بلده

_ [1] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» ص (34) . [2] انظر «نص مستدرك من كتاب العبر» (34) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 158) . [3] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 420) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 331- 332) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 264- 267) .

وانتفع به الناس، وتخرّجت به الطلبة، وولي قضاء أسنا وتدريس المدرسة المعزّية بها. وكانت أسنا مشحونة بالرّوافض، فقام في نصرة السّنّة، وأصلح الله به خلقا، وهمّت الروافض بقتله فحماه الله منهم، وترك القضاء أخيرا، واستمر على العلم والعبادة. قال السبكي: كان فقيها فاضلا متعبّدا مشهور الاسم، وانتهت إليه رئاسة العلم في إقليمه. وكان زاهدا. وقال الإسنوي: برع في علوم كثيرة وأخذ عنه الطلبة، وقصدوه من كل مكان، وممن انتفع به تقي الدّين ابن دقيق العيد، والدّشناوي، وصنّف كتبا كثيرة في علوم متعددة، وكانت أوقاته موزعة ما بين إقراء وتدريس وتصنيف. توفي بأسنا ودفن بالمدرسة المجيدية.

سنة ثمان وتسعين وستمائة

سنة ثمان وتسعين وستمائة استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور حسام الدّين لاجين، ونائبه منكوتمر مملوكه، وهو معتمد عليه في جلّ الأمور. فشرع يمسك كبار الأمراء وينفي آخرين. وفي ربيع الآخر استوحش قبجق المنصوري نائب الشام، وبكتمر السّلحدار، وغيرهما من فعائل منكوتمر، وخافوا أن يبطش بهم، وبلغهم دخول ملك التتار في الإسلام، فأجمعوا على المسير إليه، فساروا من حمص على البريّة، فلم يلبثوا أن جاء الخبر بقتل السلطان ومنكوتمر على يد كرجي الأشرفي، ومن قام معه. هجم عليه كرجي في ستة أنفس، وهو يلعب بالشطرنج بعد العشاء ما عنده إلّا قاضي القضاة حسام الدّين الحنفي، والأمير عبد الله، ويزيد البدوي، وأمامه المجير بن العسّال. قال حسام الدّين: رفعت رأسي فإذا سبعة أسياف تنزل عليه، ثم قبضوا على نائبه فذبحوه من الغد، ونودي للملك النّاصر وأحضروه من الكرك فاستناب في المملكة سلّار، ثم قتل طغجي وكرجي الأشرفيّان، ثم ركب الملك الناصر بخلعة الخليفة وتقليده، وقدم الأفرم على نيابة دمشق في جمادى الأولى، وكان الملك المنصور أشقر، أصهب، فيه دين وعدل في الجملة، وله شجاعة وإقدام. وفيها توفي ابن الحصيري [1] نائب الحكم نظام الدّين أحمد بن

_ [1] في «آ» و «ط» : «الحصير» والتصحيح من «العبر» (5/ 387) مصدر المؤلف، وهو مترجم في

العلّامة جمال الدّين محمود بن أحمد البخاري الدمشقي الحنفي، وله نحو من سبعين سنة، قاله في «العبر» . وفيها الصّوابي الخادم الأمير الكبير بدر الدّين بدر الحبشي [1] . كان أميرا على مائة فارس بدمشق، وأقام في الإمرة نحوا من أربعين سنة. وكان خيّرا، ديّنا، معمرا، موصوفا بالشجاعة والعقل والرأي. قال الذهبي: روى لنا عن ابن عبد الدائم. وتوفي فجأة بقرية الخيارة [2] في جمادى الأولى. وقال ابن شهبة: وحمل إلى قاسيون فدفن بتربته، وهو أول من أبطل ما كان يجبى من الحجّاج في كل سنة لأجل العربان. وهو على كل جمل عشرة دراهم، أقام ذلك من ماله، وأبطل الجباية، وذلك سنة إحدى وثمانين، فبطل ذلك إلى الآن. انتهى. وفيها التّقيّ البيّع الصّاحب الكبير أبو البقاء توبة بن علي بن مهاجر التكريتي، عرف بالبيّع. كان تاجرا، فلما أخذت التتار بغداد حضر إلى الشام وتولى البيعية بدار الوكالة، ثم ضمنها في أيام الظّاهر وخدم المنصور وأقرضه ستين ألفا بلا فائدة، فلما تولى المنصور أطلق له دار الوكالة وما كان عليه مكسورا، وهو مائة ألف درهم، وولّاه كتابة الخزانة، ثم نقل إلى وزارة الشام، وتوزّر لخمس [3] ملوك: الأشرف، والمنصور، والعادل كتبغا،

_ «البداية والنهاية» (14/ 4) وقد تحرفت «الحصيري» فيه إلى «الحصري» فلتصحح، و «الجواهر المضية» (2/ 155) طبع حيدرآباد، وقال صاحبه: «الحصيري: نسبة إلى محلّة ببخارى يعمل فيها الحصير، كان ساكنا بها. [1] لفظة «الحبشي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «العبر» (5/ 386) . [2] الخيارة: قرية من قرى غوطة دمشق، يقال لها: «خيارة نوفل» وهي من أعمال قرية عقربا. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة محمد كرد علي ص (19) طبع دار الفكر بدمشق. [3] في «ط» : «الخمسة» .

ولاجين، والناصر. وكان حسن الأخلاق، ناهضا وافرا [1] ، كافيا، وافر الحرمة. توفي في جمادى الآخرة، ودفن بتربته بسفح قاسيون عن ثمان وسبعين سنة. وفيها صدر الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن الأنجب بن الكسّار الواسطي الأصل البغدادي المحدث الحافظ الحنبلي [2] . ولد سنة ست وعشرين وستمائة، وسمع ببغداد من ابن قميرة وغيره. وبواسط من الشريف الدّاعي الرّشيدي. وقرأ كثيرا من الكتب والأجزاء. وعني بالحديث. وكانت له معرفة حسنة به. قال الذهبي: قال لنا الفرضي: كان فقيها، محدّثا، حافظا، له معرفة. وقال الذهبي: وبلغني أنه تكلّم فيه، وهو متماسك، وله عمل كثير في الحديث، وشهرة بطلبه. وقال ابن رجب: كان- رحمه الله- زريّ اللّباس، وسخ الثياب، على نحو طريقة أبي محمد بن الخشّاب النّحوي كما سبق ذكره [3] . وكان بعض الشيوخ يتكلم فيه وينسبه إلى التهاون في الصّلاة. وكان الدّقوقي يقول: إنهم كانوا يحسدونه لأنه كان يبرز عليهم في الكلام في المجالس، والله أعلم بحقيقة أمره. سمع منه خلق من شيوخنا وغيرهم. توفي في رجب، ودفن بمقبرة باب حرب. انتهى كلام ابن رجب.

_ [1] لفظة «وافرا» سقطت من «آ» . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 339) . [3] تقدم ذكره في وفيات سنة (567) من المجلد السادس صفحة (364- 367) فراجعه.

وفيها العماد عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي النّابلسي [1] ، صاحب المدرسة بنابلس. روى عن الموفق، وابن راجح، وموسى بن عبد القادر، وجماعة. وطال عمره، وقصد بالزيارة، وتفرّد بأشياء، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها الشيخ علي الملقّن بن محمد بن علي بن بقاء الصّالحي المقرئ [2] ، العبد الصّالح. روى عن ابن الزّبيدي وغيره، وعاش ستا وثمانين سنة [3] ، وتوفي في رابع شوال. وفيها ابن القوّاس مسند الوقت، ناصر الدّين، أبو حفص. عمر بن عبد المنعم بن عمر الطّائي الدمشقي [4] . سمع حضورا من ابن الحرستاني، وأبي يعلى بن أبي لقمة، فكان آخر من روى عنهما. وأجاز له الكندي وطائفة، وخرّجت له «مشيخة» . وكان ديّنا، خيرا، متواضعا، محبّا للرّواية. توفي في ثاني ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. وفيها ابن النحّاس العلّامة حجّة العرب بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي [5] . شيخ العربية بالدّيار المصرية. روى عن الموفق بن يعيش، وابن اللّتي، وجماعة. وكان من أذكياء أهل زمانه. توفي في جمادى الأولى، وله إحدى وسبعون سنة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 388) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (292) . [2] انظر «العبر» (5/ 388) و «النجوم الزاهرة» (8/ 189) . [3] لفظة «سنة» سقطت من «آ» . [4] انظر «العبر» (5/ 388) و «معجم الشيوخ» (2/ 74- 76) و «النجوم الزاهرة» (8/ 189) . [5] انظر «العبر» (5/ 389) و «النجوم الزاهرة» (8/ 183- 185) .

وفيها ابن النّقيب الإمام المفسّر العلّامة المفتي [1] جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي الحنبلي [2] . مدرّس العاشورية بالقاهرة. ولد سنة إحدى عشرة وستمائة، وقدم مصر، فسمع بها من يوسف بن المخيلي، وصنّف تفسيرا كبيرا إلى الغاية. وكان إماما، زاهدا، عابدا، مقصودا بالزّيارة. متبرّكا به. أمّارا بالمعروف، كبير القدر. توفي في المحرّم ببيت المقدس. قاله في «العبر» . وفيها صاحب حماة الملك المظفّر تقيّ الدّين محمود بن الملك المنصور ناصر الدّين محمد بن المظفّر محمود بن المنصور محمد بن عمر شاهنشاه الحموي [3] آخر ملوك حماة. مات في الحادي والعشرين من ذي القعدة. وفيها جمال الدّين ياقوت المستعصمي [4] . الكاتب الأديب البغدادي. آخر من انتهت إليه رئاسة الخطّ المنسوب. كان يكتب على طريقة ابن البوّاب، وهو من مماليك المستعصم أمير المؤمنين. قال الحافظ علم الدّين البرزالي، قال: أنشدني أبو شامة، قال: أنشدني ياقوت لنفسه: رعى الله أياما تقضّت بقربكم ... قصارا وحيّاها الحيا وسقاها فما قلت إيه بعدها لمسامر ... من الناس إلّا قال قلبي آها

_ [1] لفظة «المفتي» سقطت من «ط» . [2] انظر «العبر» (5/ 389) و «معجم الشيوخ» (2/ 193- 194) و «البداية والنهاية» (14/ 4) . [3] انظر «العبر» (5/ 389) و «البداية والنهاية» (14/ 5) و «النجوم الزاهرة» (8/ 189) . [4] انظر «العبر» (5/ 390) و «فوات الوفيات» (4/ 263- 264) و «البداية والنهاية» (14/ 6) .

وفيها الملك الأوحد نجم الدّين يوسف بن النّاصر [1] ، صاحب الكرك، داود بن المعظّم. توفي بالقدس في ذي الحجّة، وله سبعون سنة. سمع من ابن اللّتي، وروى عنه الدّمياطي في «معجمه» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 390) و «البداية والنهاية» (14/ 5) .

سنة تسع وتسعين وستمائة

سنة تسع وتسعين وستمائة فيها كانت بالشام فتنة غازان ملك التتار، توفي فيها من شيوخ الحديث بدمشق والجبل- يعني بالصالحية [1]- أكثر من مائة نفس، وقتل بالجبل، ومات بردا وجوعا نحو أربعمائة نفس، وأسر نحو أربعة آلاف، منهم سبعون نسمة من ذريّة الشيخ أبي عمر. وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل ابن عطّاف المقدسي ثم الحرّاني المقرئ [2] . روى عن القزويني وابن روزبه ووالده الفقيه أبي الربيع، وتوفي في جمادى الآخرة وله أربع وثمانون سنة. وفيها أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز أبو العبّاس اليونيني الصّالحي الحنفي [3] . سمع البهاء عبد الرّحمن، وابن الزّبيدي، واستشهد بالجبل في ربيع الآخر. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن فرح بن أحمد الإشبيلي الشافعي [4] ، المحدّث الحافظ. تفقه على ابن عبد السّلام.

_ [1] هذه الجملة المعترضة لم ترد في «ط» . [2] انظر «العبر» (5/ 393) و «معجم الشيوخ» (1/ 51- 52) . [3] انظر «العبر» (5/ 393) . [4] انظر «العبر» (5/ 393) وقد تصحفت «ابن فرح» فيه وفي «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (292) إلى «ابن فرج» فلتصحح. و «معجم الشيوخ» (1/ 86- 87) و «تذكرة الحفّاظ» (4/ 1486) و «النجوم الزاهرة» (8/ 191) .

قال الذهبي: وحدثنا عن ابن عبد الدائم وطبقته. وكان له حلقة إشغال بجامع دمشق. عاش خمسا وسبعين سنة. وكان ذا ورع وعبادة وصدق. وقال ابن ناصر الدّين [1] : ومن نظمه الرائق قصيدته التي أولها: غرامي صحيح والرّجا فيك معضل [2] ولقد حفظها جماعة، وعلى فهمها عوّلوا. وفيها نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن حمزة بن منصور الهمداني الطّبيب الحنبلي [3] روى عن ابن الزّبيدي، ومات بدويرة حمد [4] في رمضان. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح الصّالحي الحدّاد [5] . روى عن أبي القاسم بن صصرى، وابن الزّبيدي. وأجاز له الشيخ الموفق. هلك في الجبل فيمن هلك. وفيها ابن جعوان الزّاهد المفتي الشافعي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبّاس الدمشقي [6] ، أخو الحافظ شمس الدّين. كان عمدة في النّقل. روى عن ابن عبد الدائم. وفيها القاضي علاء الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن بنت الأعز [7] .

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (184/ آ) . [2] صدر بيت عجزه: وحزني ودمعي مرسل ومسلسل [3] انظر «العبر» (5/ 394) . [4] وسميت أيضا «الخانقات الدّويرية» . انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 146) . [5] انظر «العبر» (5/ 394) . [6] انظر «العبر» (5/ 394) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 380) . [7] انظر «الوافي بالوفيات» (7/ 163- 165) و «الدّرر الكامنة» (1/ 196) .

كان فصيح العبارة. تولّى حسبة القاهرة والأحباس، ودرّس بها وبدمشق في الظّاهرية والقيمرية. وناب بالقاهرة، وبها مات. ومن نظمه: إن أومض البرق في ليل بذي سلم ... فإنّه ثغر سلمى لاح في الظّلم وإن سرت نسمة في الكون عابقة ... فإنّها نسمة من ربّة الخيم تنام عين التي أهوى وما علمت ... بأنّ عيني طول اللّيل لم تنم لله عيش مضى في سفح كاظمة ... قد مرّ حلوا مرور الطّيف في الحلم أيّام لا نكد فيها نشاهده ... ولّت بعين الرّضا منّي ولم تدم وقال في دمشق: إني أدلّ على دمشق وطيبها ... من حسن وصفي بالدّليل القاطع جمعت جميع محاسن في غيرها ... والفرق بينهما بنفس الجامع وفيها نجم الدّين أحمد بن محسّن- بفتح الحاء وكسر السين المهملة المشدّدة- ابن ملي- باللّام- الأنصاري البعلبكي الشّافعي [1] . قال الإسنوي: ولد ببعلبك في رمضان سنة سبع عشرة وستمائة. وأخذ النّحو عن ابن الحاجب، والفقه عن ابن عبد السّلام، والحديث عن الزّكي البدري. وكان فاضلا في علوم أخرى، منها: الأصول، والطّبّ، والفلسفة. ومن أذكى النّاس وأقدرهم على المناظرة وإفحام الخصوم. ودخل بغداد ومصر، إلى آخر الصّعيد، وحضر الدّرس، ببلدنا أسنا ومدرّسها بهاء الدّين القفطي، ثم استقرّ بأسوان مدّة يدرّس بها بالمدرسة البانياسية، ثم عاد منها إلى الشام. وكان متّهما في دينه بأمور كثيرة، منها الرّفض، والطّعن في الصّحابة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 394- 395) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 462- 463) .

توفي في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وستمائة بقرية يقال لها: نخعون من جبال الظنيّين، وهو جبل بين طرابلس وبعلبك. انتهى. وفيها شرف الدّين أبو العبّاس وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر المسند الأجلّ الدمشقي الشافعي [1] . ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع القزويني، وابن صصرى، وزين الأمناء، وطائفة. وأجاز له المؤيد الطّوسي، وأبو روح الهروي، وآخرون. وروى الكثير، وتفرّد بأشياء. وتوفي في الخامس والعشرين من أحد الجمادين. وفيها العماد الماسح إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح. ولد القاضي نجم الدّين المقدسي الصالحي [2] . روى عن إسماعيل بن ظفر وجماعة، وبالإجازة عن عمر بن كرم. وتوفي في أواخر السنة عن نيّف وسبعين سنة. وفيها أبو عمر وأبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن الفرّاء الصّالحي [3] . سمع الموفق والبهاء القزويني، واستشهد بالجبل، وله سبع وثمانون سنة. وفيها إبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر [4] . قال الذهبي: حدثنا عن ابن اللّتي، وتوفي في جمادى الأولى بعد الشدّة والضّرب. وفيها الشيخ بهاء الدّين أبو صابر أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم ابن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 395) و «معجم الشيوخ» (1/ 107- 108) . [2] انظر «العبر» (5/ 395) . [3] انظر «العبر» (5/ 395) . [4] انظر «العبر» (5/ 396) .

هبة الله الحلبي الحنفي ابن النحّاس [1] ، مدرس القليجية، وشيخ الحديث بها. قال الذهبي: روى لنا عن ابن روزبه، ومكرم، وابن الخازن، والكاشغري، وابن خليل. وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها بلال المغيثي الطّواشي الأمير الكبير أبو الخير الحبشي الصّالحي [2] روى عن عبد الوهاب بن رواج، وتوفي بعد الهزيمة بالرّملة، وهو في عشر المائة. وفيها جاعان الأمير الكبير سيف الدّين [3] . الذي ولي الشدّ بدمشق. كان فيه خير ودين. توفي بأرض البلقاء في أول الكهولة. قاله في «العبر» . وفيها المطروحي الأمير جمال الدّين الحاجب [4] من جلّة أمراء دمشق ومشاهيرهم. عمل الحجوبية مدّة، وعدم في الوقعة، فيقال: أسر وبيع للفرنج. وفيها حسام الدّين قاضي القضاة الحسن بن أحمد بن أنو شروان [5] الرّازي ثم الرّومي الحنفي [6] . عدم بعد الوقعة، وتحدّث أنه في الأسر بقبرص. ولم يثبت ذلك، والله أعلم. وكان هو والمطروحي من أبناء السبعين. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «العبر» (5/ 396) و «الجواهر المضية» (1/ 444) بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو. [2] انظر «العبر» (5/ 396) و «معجم الشيوخ» (1/ 192- 193) . [3] انظر «العبر» (5/ 396) . [4] انظر «العبر» (5/ 396) . [5] في «آ» و «ط» : «ابن أبي شروان» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة. [6] انظر «العبر» (5/ 397) و «الجواهر المضية» (2/ 39- 40) بتحقيق الدكتور الحلو.

وفيها ابن هود الشيخ الزّاهد بدر الدّين حسن بن علي بن أمير المؤمنين أبي الحجّاج يوسف [1] . قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : المغربي الأندلسي. نزيل دمشق، المعروف بابن هود. كان فاضلا قد تفنّن وزاهدا قد تسنّن، عنده من علوم الأوائل فنون، وله طلبة وتلامذة ومريدون، فيه انجماع عن النّاس وانقباض وانفراد وإعراض عمّا في هذه الدّنيا من الأعراض. وكان لفكرته، غائبا عن وجوده، ذاهلا عن بخله وجوده، لا يبالي بما ملك، ولا يدري أيّة سلك. قد طرح الحشمة، وذهل عما ينعم جسمه، ونسي ما كان فيه من النّعمة. وكان يلبس قبع لبّاد ينزل على عينيه ويغطي به حاجبيه. ولم يزل على حاله حتّى برق بصره، وألجمه عيه وحصره، سنة سبعمائة. وقد ذكره الذهبي فقال: الشيخ الزاهد الكبير، أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريق الوحدة. كان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليفة المتوكل، حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا، فسافر وترك الحشمة. وصحب ابن سبعين واشتغل بالطّبّ والحكمة، وقرع باب الصّوفية، وخلط هذا بهذا. وكان غارقا في الفكر، عديم اللذة، مواصل الأحزان، فيه انقباض. وكان اليهود يشتغلون عليه في كتاب «الدلالة» . ثم قال الذهبي: قال شيخنا عماد الدّين الواسطي: قلت: له أريد أن تسلّكني، فقال: من أي الطرق الموسوية أو العيسوية أو المحمدية. وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه وهو لاه عنه، فإذا حرقه رجع إليه حسه فيلقيه. وقال ابن أبي حجلة: ابن هود، شيخ اليهود، عقدوا له العقود، على ابنة العنقود، فأكل معهم وشرب، ودخل من عمران في حجر ضبّ خرب،

_ [1] انظر «العبر» (5/ 397) .

فأتوا إليه واشتغلوا عليه، فانقلب أرضهم، وأسلم بعضهم، وكان له في السلوك مسلك عجيب، ومذهب غريب، لا يبالي بما انتحل، ولا يفرق بين الملل والنحل، فربما سلك المسلم على ملة اليهود، واليهود على ملة هود، وعاد، وثمود وربما أخذته سكتة، واعترته بهتة فيقيم اليوم واليومين شاخص العينين لا يفوه بحرف، ولا يفرق بين المظروف والظرف. ثم قال المناوي: له شعر كثير، وكلام يسير، مات سنة تسع وتسعين وستمائة، ودفن بقاسيون، وكان والده متوليا نيابة عن أخيه أمير المؤمنين المتوكل محمد بن يوسف بن هود. انتهى ملخصا. ووصفه الذهبي في «العبر» بالاتحاد والضّلالة. وفيها ابن النشابي الوالي عماد الدين حسن بن علي [1] كان قد أعطى الطبل خاناه، ومات في شوال بالبقاع وحمل إلى تربته بقاسيون. وفيها ابن الصّيرفي شرف الدّين حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري [2] المحدّث أحد من عني بالحديث وقرأ وكتب وولى مشيخة الفارقانية، روى عن ابن رواح وابن قميرة وطائفة، ومات في ذي الحجة. وفيها خديجة بنت يوسف بن غنيمة [3] العالمة الفاضلة أمة العزيز روت الكثير عن ابن اللتي ومكرم وطائفة، وقرأت غير مقدمة في النحو، وجودت الخط على جماعة وحجت. وتوفيت في رجب عن نيف وسبعين سنة. وفي حدودها شرف الدّين أبو أحمد داود بن عبد الله بن كوشيار الحنبلي [4] الفقيه المناظر. كان بغداديا فقيها مناظرا بارعا عارفا بالفقه. صنّف

_ [1] انظر «العبر» (5/ 397) . [2] انظر «العبر» (5/ 397) . [3] انظر «العبر» (5/ 397) . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 344) .

في أصول الفقه كتابا سماه «الحاوي» وفي أصول الدين كتابا سمّاه «تحرير الدلائل» . وفي حدودها أيضا الشيخ رسلان الدمشقي [1] . قال المناوي: من أكابر مشايخ الشام المجمع على جلالتهم، ومن جلة أهل التصريف، له أحوال معروفة ومكاشفات مشهورة، منها ما حكاه شيخ الإسلام تقي الدّين السبكي أنه حضر سماعا فيه رسلان فأنشد القوال، فصار الشيخ يثب في الهوى، ويدور فيه ثم ينزل، فعل ذلك مرارا، ثم لما استقر بالأرض استند إلى شجرة يابسة فاخضر ورقها للوقت، وأثمرت، وكان يقول، لا تأكل النار لحما دخل زاويتي، فدخل رجل للصلاة بها ومعه لحم نيء فطبخه فلم ينطبخ، ومن كلامه: قلب العارف لوح منقوش بأسرار الموجودات، فهو يدرك حقائق تلك السطور ولا تتحرك ذرة حتى يعلمه الله بها، وقال: الحدة مأوى كل شر، والغضب يحوج إلى الاعتذار، وقال: مكارم الأخلاق العفو عند القدرة، والتواضع عند الرفعة، والعطاء بغير منّة، وقال: سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس عليها ممن فوقها فتحدث السطورة والانتقام، مات بدمشق، ودفن بها قبل السبعمائة. انتهى كلام المناوي. وفيها زينب بنت عمر بن كندي أم محمد الحاجة البعلبكية الدّار الدمشقية [2] المحتد لها أوقاف ومعروف. وروت بالإجازة عن المؤيد الطّوسي وأبي روح وعدة، وتوفيت في جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة. وفيها الشيخ سعيد الكاساني- بالسين المهملة نسبة إلى كاسان بلد

_ [1] هو أرسلان بن يعقوب الجعبري، ويعرف ب «الشيخ رسلان» . انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» (1/ 288) وفي ترجمته هنا مبالغات كثيرة. [2] في «ط» : «الشامية» ولفظة «المحتد» سقطت من «آ» . وهي مترجمة في «العبر» (5/ 398) .

وراء الشّاش- الفرغاني [1] شيخ خانقاه الطاحون، وتلميذ الصّدر القونوي. قال الذهبي: كان أحد من يقول بالوحدة، شرح «تائية ابن الفارض» في مجلدتين، ومات في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة. انتهى. وفيها ابن الشّيرجي الصّاحب فخر الدين سليمان بن العماد محمد بن أحمد بن محمد [2] . سمع من ابن الصلاح ولم يحدّث، وكان ناظر الدواوين، فأقره نواب التتار على النظر، فمنع أرجواش الناس من تشييع جنازته لذلك وطردوهم وما بقي معه غير ولده، ومات في رجب عن نيف وستين سنة. وفيها الدّواداري الأمير الكبير علم الدّين سنجر التّركي الصالحي [3] . كان من نجباء الترك وشجعانهم وعلمائهم، وله مشاركة جيدة في الفقه والحديث، وفيه ديانة وكرم، سمع الكثير من ابن الزّكي والرّشيد العطّار وطبقتهما. وله «معجم» كبير وأوقاف بدمشق والقدس، وتحيّز إلى حصن الأكراد فتوفي به في رجب عن بضع وسبعين سنة. وفيها صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفرّاء المنادي أم محمد [4] . روت في الخامسة عن الشيخ الموفق، وعدمت في الجبل. قاله في «العبر» . وفيها الطّيّار الأمير الكبير سيف الدين المنصوري [5] . أدركته التتار بنواحي غزة فقاتل عن حريمه حتّى قتل، وحصلت له الشهادة والخير بذلك فإنه كان مسرفا على نفسه. وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي. [6]

_ [1] انظر «العبر» (5/ 398) وكاسان مدينة كبرة وراء الشّاس. انظر «معجم البلدان» (4/ 430) . [2] انظر «العبر» (5/ 398- 399) . [3] انظر «العبر» (5/ 399) . [4] انظر «العبر» (5/ 399) . [5] انظر «العبر» (5/ 399) . [6] انظر «القلائد الجوهرية» (2/ 424- 425) .

قال الذهبي: إمام، مفت، مدرس، صالح، عارف، بالمذهب، متبحّر في الفرائض والجبر والمقابلة، كبير السنّ. توفي في العشر الأوسط من ربيع الآخر. وفيها الفقيه سيف الدّين أبو بكر بن الشّهاب أبي العبّاس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النّابلسي [1] . كان مولده سنة سبعين وستمائة. وروى عنه الذهبي في «معجمه» وقال: كان فقيها، حنبليا، مناظرا، صالحا، يتوسوس من الماء. سمع بمصر جماعة، وتفقه على ابن حمدان. وسمع بدمشق بعد الثمانين. وسمع معنا كثيرا. وكان مطبوعا عارفا بالمذهب، مناظرا، ذكيا، حسن المذاكرة. عدم في الفتنة. وفيها الباجربقي المفتي المفنن جمال الدّين عبد الرحيم بن عمرو بن عثمان الشيباني الدّنيسري الشافعي [2] . اشتغل بالموصل، وقدم دمشق فدرّس وأشغل. وحدّث ب «جامع الأصول» عن والده، عن المصنّف. وقد ولي قضاء غزّة سنة تسع وسبعين. قال الذهبي: شيخ، فقيه، محقّق، نقّال مهيب، ساكن، كثير الصلاة، ملازم للجامع والاشتغال. وكان لازما لشأنه، حافظا للسانه، منقطعا عن النّاس على طريقة واحدة. وله نظم وسجع ووعظ. وقد نظم كتاب «التعجيز» وعمله برموز. وتوفي في خامس شوال. وفيها- على خلاف كبير- أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدّميري الدّيريني [3] ، نسبة إلى ديرين قرية بصعيد مصر.

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 281) . [2] انظر «العبر» (5/ 400) . [3] انظر «العبر» (5/ 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 551- 552) .

الفقيه الشافعي العالم الأديب الصّوفي الرّفاعي. أخذ عن الشيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام وغيره ممن عاصره، ثم صحب أبا الفتح بن أبي الغنائم الرّسعني، وتخرّج به. وتكلم في الطرائق، وغلب عليه الميل إلى التصوف. وكان مقرّه بالرّيف ينتقل من موضع إلى موضع والناس يقصدونه للتبرك به. ومن تصانيفه تفسير سمّاه «المصباح المنير في علم التفسير» في مجلدين. ونظم أرجوزة في التفسير سمّاها «التيسير في التفسير» تزيد على ثلاثة آلاف ومائتي بيت. وكتاب «طهارة القلوب في ذكر علام الغيوب» في التصوف. ونظم «الوجيز» فيما يزيد على خمسة آلاف بيت. ونظم «التنبيه» . وله غير ذلك. ومن نظمه: وعن صحبة الإخوان والكيمياء خذ ... يمينا فما من كيمياء ولا خلّ ولم أر خلّا قد تفرّد ساعة ... مع الله خالي البال والسرّ من شغل وفيها ابن الزّكي القاضي عزّ الدّين عبد العزيز [1] بن قاضي القضاة محيي الدّين يحيى بن محمد القرشي الشافعي، مدرس العزيزية. وقد ولي نظر الجامع وغير ذلك، ومات كهلا. وفيها عبد الولي بن علي بن السّماقي [2] . روى عن ابن اللّتي، وتوفي في أيام التتار، ودفن داخل السّور. وفيها عبيد الله بن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي العلّاف [3] . روى عن جعفر الهمداني، وكريمة. وفيها الشيخ أبو الحسن علي بن الشيخ شمس الدّين

_ [1] انظر «العبر» (5/ 400) . [2] انظر «العبر» (5/ 400) . [3] انظر «العبر» (5/ 401) .

عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي [1] . قتله التتار على مرحلتين من البيرة بالجامع المظفّري. وفيها المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق بن خطيب عقربا [2] . قال الذهبي: عدل كاتب متميز. روى عن ابن اللّتي، والنّاصح، وطائفة. توفي في رجب عن سبع وسبعين سنة. وفيها علي بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة أبو الحسن المقدسي الحنبلي [3] قيّم جامع الجبل. اعتنى بالرواية قليلا، وكتب أجزاء. وسمع من البهاء عبد الرحمن، وابن صباح. وببغداد من ابن الكاشغري وطائفة. وكان صالحا كثير التلاوة. عذّبه التتار إلى أن مات شهيدا، وله اثنتان وثمانون سنة. وفيها علي بن مطر المحجّي ثم الصّالحي البقّال [4] . روى عن ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وقتل في الجبل في جمادى الأولى. قاله في «العبر» . وفيها ابن العقيمي، شيخ الأدباء جمال الدّين عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرّسعني الكاتب [5] . ولد سنة ست وستمائة برأس عين، وأجاز له الكندي. وسمع من القزويني، وابن روزبه وطائفة. وبرع في النّظم والنثر. وتوفي في شوال.

_ [1] انظر «القلائد الجوهرية» (1/ 258) . [2] انظر «العبر» (5/ 401) . [3] انظر «العبر» (5/ 401) . [4] انظر «العبر» (5/ 401) . [5] انظر «العبر» (5/ 401- 402) .

وفيها الشيخ أبو محمد عبد الله المرجاني [1] . قال ابن الأهدل: الولي الشهير. توفي بتونس، قيل له: قال فلان رأيت عمود نور ممتدا من السماء إلى فم الشيخ المرجاني في حال كلامه، فلما سكت الشيخ ارتفع العمود، فتبسّم وقال: لم يعرف كيف يعبّر، بل لما ارتفع العمود سكت، يعني أنه كان يتكلم عن مدد الأنوار، فلما ارتفع النّور انقطع الكلام. قال اليافعي: ومناقبه تحتمل مجلدا. قال: وأما قول الذهبي: أبو محمد عبد الله المرجاني المغربي الواعظ المذكور أحد مشايخ الإسلام علما وعملا، فغض من قدره. وفيها إمام الدّين قاضي القضاة أبو المعالي [2] عمر بن عبد الرّحمن القزويني الشّافعي. انجفل إلى مصر فتألم في الطريق، وتوفي بالقاهرة بعد أسبوع في ربيع الآخر، وكان تامّ الشكل. سمينا، متواضعا، مجموع الفضائل. لم يتكهل. وفيها عمر بن يحيى بن طرخان المعرّي ثم البعلبكي [3] . روى عن الإربلي وغيره، وكان ضعيفا في نفسه. قاله الذهبي.

_ [1] انظر «مرآة الجنان» (4/ 432- 233) و «غربال الزّمان» ص (574) . [2] في «آ» و «ط» : «أبو القاسم» وهو خطأ تبع فيه المؤلف الإمام الذهبي في «العبر» (5/ 402) وتبعهما على ذلك العلّامة الزركلي في «الأعلام» (5/ 49) ومحققا الجزء الثامن عشر من «سير أعلام النبلاء» في التعليق رقم (5) من الصفحة (166) والصواب «أبو المعالي» كما في «البداية والنهاية» (14/ 13) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 244) فليصحح. [3] انظر «العبر» (5/ 402) .

وفيها المجد عيسى بن بركة ابن والي الحوراني [1] الصّالحي المؤدّب. روى عن ابن اللّتي وغيره، وهلك في جمادى الأولى. وفيها ابن غانم الإمام شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن سلمان [2] ابن حمايل بن علي المقدسي الشافعي الموقّع، سبط الشيخ غانم. قال الذهبي: روى لنا عن شيخ الشيوخ تاج الدّين بن حمّويه [وكان مع تقدمه في الإنشاء فقيها مدرسا، ذكر لخطابة دمشق، وقال غيره: روى لنا عن ابن حمويه] [3] وابن الصّلاح. وكان أحد الأعيان والأكابر معروفا بالكتابة والأمانة، حسن المحاضرة، كثير التواضع. درّس بالعصرونية، واقتنى كتبا نفيسة. وكان كثير المروءة والعصبية لمن يعرفه ومن لا يعرفه، وله بر وصدقة. وكان حجازي الأصل، وإنما ولد في بغداد في حارة الجعافرة فكان جعفريا. وفيها ابن الفخر المفتي المتفنن شمس الدّين محمد بن الإمام فخر الدّين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي [4] . أحد الموصوفين بالذكاء المفرط وحسن المناظرة والتقدم في الفقه وأصوله والعربية والحديث وغير ذلك. قاله الذهبي. وقال ابن رجب: ولد في أواخر سنة أربع وأربعين وستمائة، وسمع الكثير من خطيب مردا، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد الدائم، والفقيه اليونيني وغيرهم. وتفقه وبرع وأفتى وناظر وحفظ عدة كتب، ودرّس بالمسمارية والجامع.

_ [1] في «آ» : «الحواري» وفي «ط» : «الحوار» والتصحيح من «العبر» (5/ 402) مصدر المؤلّف. [2] في «آ» : «ابن سليمان» وهو خطأ وانظر «العبر» (5/ 402) . [3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [4] انظر «العبر» (5/ 403) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 341- 342) .

وقال البرزالي: كان من فضلاء الحنابلة في الفقه والأصول والنحو والحديث والأدب، وله ذهن جيد وبحث فصيح، ودرس وأعاد وأفتى، وروى الحديث وتوفي ليلة الأحد بين العشاءين تاسع رمضان، ودفن بمقابر باب توما قبلي مقبرة الشيخ رسلان. وفيها زين الدّين محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي بن الحرستاني المعروف بالنحوي [1] . قال الذهبي: دين خيّر متودد. روى عن ابن صباح، وابن اللّتي. وتوفي في ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة. وفيها العلّامة شمس الدّين محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي المرداوي الصالحي الحنبلي أبو عبد الله [2] . ولد سنة ثلاثين وستمائة بمردا، وسمع الحديث من خطيب مردا وعثمان بن خطيب القرافة، وابن عبد الهادي وابن خليل وغيرهم. وتفقه على الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر وغيره، وبرع في العربية واللغة واشتغل ودرس وأفتى وصنف. قال الذهبي: كان حسن الديانة، دمث الأخلاق، كثير الإفادة، مطّرحا للتكلف، ولي تدريس الصاحبة مدة، وكان يحضر دار الحديث ويشغل بها وبالجبل وله حكايات ونوادر وكان من محاسن الشيوخ. قال: وجلست عنده وسمعت كلامه ولي منه إجازة. وقال ابن رجب: وممن قرأ عليه العربية الشيخ تقي الدّين بن تيمية.

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (2/ 219- 220) و «العبر» (5/ 403) . [2] انظر «العبر» (5/ 403) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 342) .

وله تصانيف، منها في الفقه «القصيدة الطويلة الدالية» وكتاب «مجمع البحرين» لم يتمه. وكتاب «الفروق» وعمل طبقات للأصحاب. وحدّث، وروى عنه إسماعيل بن الخبّاز في «مشيخته» وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى. وفيها أبو السعود محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المنذري المصري [1] . روى عن ابن المقيّر وجماعة، وتوفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة. وفيها الفخر محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحباب التميمي المصري [2] ناظر الخزانة. روى عن علي بن الجمل وجماعة، وتوفي في ربيع الأول عن خمس وسبعين سنة. وفيها ابن الواسطي شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي الحنبلي [3] . سمع حضورا من الموفق وموسى بن عبد القادر وابن راجح، وسمع من ابن البن وابن أبي لقمة وطائفة، وتوفي بمارستان البلد في رجب بعد أن قاسى الشدائد. وكان قليل العلم خيّرا ساكنا. قاله الذهبي. وفيها الخطيب موفق الدّين محمد بن محمد بن الفضل بن محمد النهرواني القضاعي الحموي الشافعي، ويعرف بابن حبيش [4] . خطيب حماة، ثم خطيب دمشق، ثم قاضي حماة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 404) و «حسن المحاضرة» (1/ 386) . [2] انظر «العبر» (5/ 404) و «حسن المحاضرة» (1/ 386) . [3] انظر «العبر» (5/ 404) . [4] انظر «العبر» (5/ 404- 405) و «معجم الشيوخ» (2/ 280) .

قال الذهبي: روى لنا بالإجازة عن جدّه مدرك، وكان شيخا متنورا مديد القامة مهيبا كثير الفضائل. توفي بدمشق في أواخر جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة. وفيها محمد بن مكّي بن أبي المذكّر [1] القرشي الصّقلي الرّقّام [2] . روى بمصر عن ابن صباح والإربلي وطائفة كثيرة. وتوفي في ربيع الأول وله خمس وسبعون سنة. وفيها أبو عبد الله محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العدل الهاشمي العبّاسي الدمشقي [3] روى عن ابن الزّبيدي، وأبي المحاسن الفضل بن عقيل العبّاسي، وشهد مدة، وانقطع ببستانه. ومات في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة. وفيها الموفق محمد بن يوسف بن إسماعيل المقدسي الحنبلي الشاهد [4] . قال الذهبي: حدثنا عن ابن المقيّر، ومات في شعبان عن خمس وسبعين سنة. وفيها محمد بن يوسف بن خطاب التلّي الصّالحي [5] . قال الذهبي: حدثنا عن جعفر الهمداني ومات في جمادى الأولى بعد المحنة والشّدة بالجبل.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» و «العبر» إلى «الذكر» والتصحيح من «حسن المحاضرة» . [2] انظر «العبر» (5/ 405) و «حسن المحاضرة» (1/ 386) . [3] انظر «العبر» (5/ 405) . [4] انظر «العبر» (5/ 405) . [5] انظر «العبر» (5/ 405) و «معجم الشيوخ» (2/ 305) .

وفيها مريم بنت أحمد بن حاتم البعلبكية [1] . حضرت البهاء، وسمعت الإربلي وكانت صالحة خيّرة. قاله في «العبر» . وفيها ابن المقيّر أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن المقرئ [2] . روى عن إبراهيم بن الخير وجماعة، وكان عبدا صالحا، حضر المصافّ واستشهد يومئذ. وفيها ابن المقدّم الأمير نوح بن عبد الملك بن الأمير الكبير شمس الدّين محمد بن المقدّم [3] ، لجده المواقف المشهودة، وهو الذي استشهد بعرفة زمن صلاح الدّين، وكان هذا من أمراء حماة، استشهد يومئذ وله خمس وسبعون سنة وقد حدّث عن ابن رواحة. وقال الذهبي: وهو ممن عرفنا من كبار من قتل يوم المصافّ. وفيها هدية بنت عبد الحميد بن محمد المقدسية الصّالحية [4] . روت «الصحيح» عن ابن الزّبيدي، وتوفيت بالجبل في ربيع الآخر. وفيها أبو الكرم وهبان بن علي بن محفوظ الجزري [5] ، المؤذن المعمّر. ولد بالجزيرة سنة أربع وستمائة، وسمع بمصر من ابن باقا، وتوفي في ربيع الأول، وكان مؤذّن السلطان مدة.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 406) . [2] انظر «العبر» (5/ 406) . [3] انظر «العبر» (5/ 406) . [4] انظر «العبر» (5/ 407) و «معجم الشيوخ» (2/ 362) . [5] انظر «العبر» (5/ 407) و «معجم الشيوخ» (2/ 363) .

وفيها ابن السفّاري [1] أمير الحاج يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الدمشقي [2] . حدّث ب «الصحيح» [3] مرات، وروى عن النّاصح، والإربلي، وجماعة، وحجّ مرات. توفي في زمن التتار ووضع في تابوت، فلما أمّن الناس نقل إلى النّيرب ودفن في قبته التي بالخانقاه، وله نحو من تسعين سنة. وفيها ابن خطيب بيت الآبار محيي الدّين أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي [4] . يروي عن ابن اللّتي والإربلي، ومات في شعبان.

_ [1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «معجم الشيوخ» : «السفّاري» ، وفي «العبر» و «برنامج الوادي آشي» : «الشّقاري» . [2] انظر «العبر» (5/ 407) و «معجم الشيوخ» (2/ 398- 399) . و «برنامج الوادي آشي» (163) . [3] يعني «صحيح البخاري» . [4] انظر «العبر» (5/ 408) .

سنة سبعمائة

سنة سبعمائة في صفر قويت الأراجيف بالتتار، وأكريت المحارة من الشام إلى مصر بخمسمائة درهم، وأبيعت الأمتعة بالثمن البخس. وفي ربيع الآخر جاوز غازان بجيشه الفرات وقصد حلب وساق الشيخ تقي الدّين بن تيمية في البريد إلى القاهرة يحرّض الناس على الجهاد واجتمع بأكابر الأمراء، ثم نودي في دمشق من قدر على الهرب فلينج بنفسه، فانقلبت المدينة وانرصّ الخلق بالقلعة وأشرف الناس على خطة صعبة، وبقي الخوف أياما ثم تناقص برجعة غازان لما ناله من المشاق والثلوج. وفيها توفي العزّ أبو العبّاس أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي الحنبلي [1] . روى عن الشيخ الموفق، وابن أبي لقمة، وابن راجح، وموسى بن عبد القادر، وطائفة. وخرّج له «مشيخة» سمعها خلق، وزاره نائب السلطان، وتوفي في ثالث المحرم وله ثمان وثمانون سنة. وفيها العماد أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] شيخ صالح مشهور.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 409) . [2] انظر «العبر» (5/ 409) .

روى عن القزويني، وابن الزّبيدي وجماعة. وروى الكثير، وتوفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة. وفيها الشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن شويخ الصالحي، شيخ البكرية [1] . كان ينتسب لأبي بكر رضي الله عنه، وله أصحاب وفيه خير وسكون مات كهلا. وفيها ابن الفرّاء العدل المسند الكبير عز الدّين أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمر المرداوي الصالحي الحنبلي [2] . روى عن الموفق وابن راجح، وابن البن، وجماعة. وروى «الصحيح» مرّات. وكان صالحا، متواضعا، متعبّدا. قاسى الشدائد عام أول، واحترقت أملاكه. توفي في سادس جمادى الآخرة وله تسعون سنة. قاله في «العبر» . وفيها أبو جلنك أحمد الحلبي [3] الشاعر المشهور، أسره التتر بحلب فسألوه عن عسكر المسلمين فعظمهم وكثرهم فقتلوه. ومن شعره: أتى العذار بماذا أنت معتذر ... وأنت كالوجد لا تبقي ولا تذر لا عذر يقبل إذ نم العذار ولا ... ينجيك من شره خوف ولا حذر

_ [1] انظر «العبر» (5/ 410) وفيه: «ابن سونح» . [2] انظر «العبر» (5/ 410) و «معجم الشيوخ» (1/ 175) . و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 465) . [3] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

كأنني بوحوش الشعر قد أنست ... بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا وكلما مر بي مرد أقول لهم ... قفوا انظروا وجه هذا الكيس واعتبروا قد كان شكلا نقيّ الخد معتدلا ... كأنه غصن بان فوقه قمر فعاد لحيان فانفلّ الجماعة إذ ... رأوا طريقا إلى السلوان وانتصروا وعاد في قبضهم لا شك جودلة ... فراح والدّمع من عينيه ينهمر فاقرأ على نعشه آخر سبا فلقد ... جاءت بما تقتضي أحواله السور إذا رأى عاشقا في النازعات غدا ... ما بعدها وهو قد أودى به الضرر فعاد والليل يغشى نور طلعته ... وزال عن عاشقيه الهم والحصر هذا جزاؤك يا من لا وفاء له ... والعاشقون لهم طوبى بما صبروا وفيها المعمر شمس الدّين إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي، عرف بالفاشوشة [1] . مولده سنة اثنتين وستمائة. وكان مشهورا بالكتب ومعرفتها، وكان عنده فضيلة. وكان يتشيع، جاء إليه إنسان فقال: عندك فضائل يزيد؟ قال: نعم، ودخل الدكان وطلع ومعه جراب فجعل يضربه به ويقول: العجب كيف ما قلت- صلى الله عليه وسلم-. ومن شعره: وما ذكرتكم إلا وضعت يدي ... على حشاشة قلب قلّما بردا وما تذكّرت أياما بكم سلفت ... إلا تحدّر من عينيّ ما بردا وفيها أيدمر الأمير الكبير عز الدّين الظّاهري [2] ، الذي كان نائب دمشق

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 338- 339) . [2] انظر «العبر» (5/ 410) .

في دولة مخدومه، حبس مدة ثم أطلق فلبس عمامة مدورة، وسكن بمدرسة عند الجسر الأبيض. توفي في ربيع الأول، ودفن بتربته، وكان أبيض الرأس واللحية. قاله في «العبر» . وفيها الأمير الكبير سيف الدّين بلبان المنصوري الطبّاحي [1] نائب حلب، ولي إمرة مصر وإمرة طرابلس، وكان من جلّة الأمراء وكبرائهم، حليما إذا غضب على أحد تكون عقوبته البعد عنه. توفي بالساحل كهلا وخلف جملة. وفيها ابن عبدان، المسند شمس الدّين أبو القاسم الخضر بن عبد الرحمن بن الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي الدمشقي [2] الكاتب خدم في جهات الظلم، وكان عريا من العلم، لكنه تفرّد بأشياء وحدّث عن ابن البن، والقزويني، وأبي القاسم بن صصرى وجماعة. وتوفي في ذي الحجّة عن أربع وثمانين سنة، قاله في «العبر» . وفيها زينب بنت قاضي القضاة محيي الدّين يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي أم الخير [3] . روت عن علي بن حجاج، وابن المقيّر، وجماعة، وتوفيت في شعبان عن بضع وسبعين سنة. وفيها أبو محمد عبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد بن

_ [1] انظر «العبر» (5/ 410) . [2] انظر «العبر» (5/ 411) . [3] انظر «العبر» (5/ 411) .

العنيقة الحرّاني العطّار [1] . روى عن أبي المعالي العطّار وابن يعيش وابن خليل، وتوفي بطريق مصر عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سليمان [2] بن عبد العزيز بن المجلخ الحربي الضرير الفقيه الحنبلي [3] معيد الحنابلة بالمستنصرية، سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية وغيره، وكان من أكابر الشيوخ وأعيانهم، عالما بالفقه والعربية والحديث، قرأ عليه الفقه جماعة، وسمع منه الدقوقي وغيره. وفيها أبو محمد عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء أبي البركات بن عساكر الدمشقي [4] روى عن ابن غسّان وابن اللّتي وطائفة، وتوفي في رجب، وله أربع وسبعون سنة. وفيها الفرضي الإمام الحافظ شمس الدّين أبو العلاء محمود بن أبي بكر ابن أبي العلاء البخاري الكلاباذي الحنفي. الصّوفي. الحافظ [4] . كان إماما في الفرائض، مصنّفا فيها، له حلقة إشغال، وسمع الكثير بخراسان، والعراق، والشام، ومصر. وكتب بخطه الأنيق المتقن الكثير، ووقف أجزاءه، وراح مع التتار من خوف الغلاء فنزل بماردين أشهرا فأدركه أجله بها وله ست وخمسون سنة. وكان صالحا، ديّنا، سنّيا. قاله الذهبي. وقال [5] : حدثنا عن محمد بن أبي الدّنية وغيره.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 411) و «معجم الشيوخ» (1/ 420- 421) . [2] في «آ» و «ط» : «عبد الرحمن بن سلمان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 344) . [4] انظر «العبر» (5/ 411) و «معجم الشيوخ» (2/ 338) و «الجواهر المضية» (3/ 453- 457) . [5] القائل الذهبي في «العبر» .

وفيها الغسولي أبو علي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصّالحي الحجار [1] . روى عن موسى بن عبد القادر- وهو آخر من روى في الدنيا عنه- وروى عن الشيخ الموفق، وعاش ثماني وثمانين سنة. وكان فقيرا متعفّفا أمّيّا لا يكتب. خدم مدة في الحصون. وتوفي في منتصف جمادى الآخرة بالجبل. قاله الذهبي وغيره.

_ [1] انظر «العبر» (5/ 412)

تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد السابع من كتاب «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي مساء يوم الاثنين الواقع في 26 من شوال المعظم لعام 1410 هـ، والحمد لله الّذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأله- عزّ وجل- أن يعيننا على الانتهاء من تحقيق المجلدات المتبقية من الكتاب بحوله وقوته وتأييده، إنه تعالى خير مسؤول محمود الأرناؤوط

المجلد الثامن

[المجلد الثامن] سنة إحدى وسبعمائة فيها قتل بمصر [1] على الزّندقة الذّكي المتفنّن [2] فتح الدّين أحمد بن [محمد] البقصي [3] . ضربت رقبته بين القصرين، وجعل يتشاهد ولم يقبل المالكي توبته. وكان قد قامت عليه بيّنة بالتنقيص للقرآن المجيد والرّسول- صلى الله عليه وسلم- وتحليل المحرّمات والاستهانة بالعقائد. وكان ذكيا. ومن شعره: لحا [4] الله الحشيش وآكليها ... لقد خبثت كما طاب السّلاف كما تصبي [5] كذا تضني وتشقي ... لآكلها [6] وغايتها انحراف

_ [1] لفظة «بمصر» سقطت من «ط» . [2] في «ط» : «المتقن» . [3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (205/ آ) : «الثقفي» وما أثبته من «ذيول العبر» ص (15) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد رشاد عبد المطلب رحمه الله تعالى، طبع وزارة الإعلام في الكويت، و «فوات الوفيات» (1/ 152) و «الوافي بالوفيات» (8/ 158) و «الدّرر الكامنة» (1/ 308) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «تبصير المنتبه» (1/ 229) و «توضيح المشتبه» (1/ 579) . وقيّد الصفديّ نسبته في «الوافي بالوفيات» فقال: البققي: بالباء الموحدة وقافين، على وزن الثّقفي. واقتصر ابن شاكر الكتبي في «فوات الوفيات» على القول: البققي: بباء واحدة وقافين. [4] في «آ» و «ط» : «محا» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة و «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» . [5] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «كما يصبي» . [6] في «فوات الوفيات» و «الوافي بالوفيات» : «كما يشفي» مكان «لآكلها» .

وأصغر دائها والدّاء جمّ ... بغاء أو جنون أو نشاف وفيها توفي صاحب مكّة عزّ الدّين أبو نمي محمد بن صاحب مكّة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني [1] ، من أبناء السبعين. قال الذهبي: كان أسمر، ضخما، شجاعا، سائسا، مهيبا. ولي أربعين سنة. قال لي الدّباهي: لولا أنه زيديّ لصلح للخلافة لحسن صفاته. انتهى. وفيها خديجة بنت الرّضي عبد الرحمن بن محمد [2] ، عن أربع وثمانين سنة. روت عن القزويني، والبهاء، وجماعة. وفيها علاء الدّين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيميّة الشّاهد الحنبلي [3] . قال الذهبي: حدّثنا عن الموفّق عبد اللّطيف، وابن روزبه، ومات بمصر عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العبّاس أحمد بن أبي علي [الحسن] بن أبي بكر [الحسن بن علي القبّي بن] المسترشد بالله العبّاسي [4] . توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى، وصلّي عليه العصر بسوق الخيل [5] تحت القلعة، وحضر جنازته الدولة والأعيان كلّهم مشاة، ودفن بقرب

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (16) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و «البداية والنهاية» (14/ 21) و «الدّرر الكامنة» (3/ 422) و «العقد الثمين» (1/ 456) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (16) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و «أعلام النساء» (1/ 334- 335) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (16- 17) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و «الدّرر الكامنة» (3/ 63) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (293) و «دول الإسلام» (2/ 206) و «تاريخ الخلفاء» ص (478- 483) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [5] قال الأستاذ صلاح الخيمي في تعليقه على كتاب «رسائل دمشقية» ص (81) طبع دار ابن كثير: زال هذا السوق، ولا يزال هناك محلّة تعرف باسم سوق الخيل، ولكن لا يباع فيها الخيل، وهي بالقرب من ساحة الشهداء.

السيدة نفيسة، وهو أوّل من دفن منهم هناك. واستمر مدفنهم إلى الآن. قاله السيوطي. وقال الذهبي كانت خلافته أربعين عاما، وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفي سليمان. وقال ابن الأهدل: كانت خلافتهم بمصر تحكّما لا حكما، وترسّما لا رسما. وفيها مسند الشّام تقي الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصّوري الصّالحي الحنبلي [1] . روى عن الشيخ الموفّق حضورا، وعن ابن أبي لقمة، والقزويني، والبهاء، وابن صصرى. وخرّجوا له «مشيخة» . توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة. وفيها الشيخ وجيه الدّين محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجّى أبو المعالي التّنوخي الحنبلي [2] أخو الشيخ زين الدّين بن المنجّى. ولد سنة ثلاثين وستمائة. وسمع من جعفر الهمداني، والسّخاوي، وخلق. وكان شيخا، عالما، فاضلا، كثير المعروف والصّدقات والبرّ والتواضع للفقراء، موسّعا عليهم، موسّعا عليه في الدنيا، له هيبة وسطوة وجلالة. بنى بدمشق دار قرآن معروفة به قريبة من مدرسة الخاتونية الحنفية الجوانية، ودرّس في أول عمره بالمسمارية والصّدرية، ثم تركهما لولده، فمات في حياته. وولي نظر الجامع فأحسن فيه السيرة، وحدّث وروى عنه جماعة، وتوفي في شعبان. وفي شعبان أيضا من هذه السنة توفي ببعلبك الفقيه الحنبلي المقرئ

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (17) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 347) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 117- 118) .

المحدّث أمين الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الولي بن أبي محمد بن خولان البعلي التّاجر [1] . وكان مولده سنة أربع وأربعين وستمائة. وسمع من الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر، وابن عبد الدائم، وجماعة. وقرأ ونظر في علوم الحديث. قال الذهبي: سمعت منه ببعلبك، والمدينة، وتبوك. وكان من خيار النّاس وعلمائهم مقرئا [2] ، ففيها، محدّثا، متقنا، صالحا، عدلا، ملازما للتحصيل. وفيها شيخ بعلبك الحافظ شرف الدّين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الحنبلي [3] . ولد ببعلبك في حادي عشر رجب، سنة إحدى وعشرين وستمائة. قال الذهبي: حدثنا عن البهاء [4] حضورا، وعن ابن صباح، وابن الزّبيدي، وعدّة، ودرّس وأفتى. وقال البرزالي: كان شيخا، جليلا، حسن الوجه، بهي المنظر، له سمت حسن وعليه سكينة ولديه فضل كثير. فصيح العبارة، حسن الكلام، له قبول من النّاس، وهو كثير التّودد إليهم. قاض للحقوق. وقال ابن رجب: سمع منه خلق من الحفّاظ والأئمة، وأكثر عنه البرزالي والذهبي. وتوفي ليلة [5] الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك. وكان موته شهادة، فإنه دخل إليه يوم الجمعة خامس رمضان وهو في خزانة الكتب بمسجد الحنابلة شخص فضربه بعصا على رأسه مرّات، وجرحه في رأسه بسكين، فاتّقى بيده، فجرحه

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 227- 228) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 347) . [2] لفظة «مقرئا» لم ترد في «ط» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (18) و «معجم الشيوخ» (2/ 40- 41) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 345- 347) . [4] في «معجم الشيوخ» : «وسمع من البهاء» . [5] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «يوم» .

فيها، فأمسك الضّارب وضرب [ضربا عظيما] [1] وحبس فأظهر الاختلال، وحمل الشيخ إلى داره، فأقبل على أصحابه يحدّثهم وينشدهم على عادته، وأتمّ صيام يومه. ثم حصل له بعد ذلك حمّى، واشتد مرضه، حتّى توفي ليلة الخميس المذكور. وفيها مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي [2]- بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء، نسبة إلى أبرقوه بلدة بأصبهان- حدّث عن الفتح بن عبد السّلام، وابن صرما، وابن أبي لقمة، والفخر بن تيميّة، وتفرّد بأشياء. وكان مقرئا، صالحا، متواضعا، فاضلا. توفي بمكة في عشري ذي الحجّة. وفيها مجد الدّين يوسف بن القباقبي [3] ، الفاضل الأديب. من شعره في الثّلج: طمت الثّلوج على الوهاد مع الرّبى ... فالكون يعجب منه وهو مفضّض فانهض لنجمع شمل أنس مقبل ... بلذاذة فاليوم يوم أبيض

_ [1] تكملة من «ذيل طبقات الحنابلة» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (18) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و «البداية والنهاية» (14/ 21) و «الدّرر الكامنة» (1/ 102) و «العقد الثمين» (3/ 15) . [3] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

سنة اثنتين وسبعمائة

سنة اثنتين وسبعمائة فيها وسّط اليعفوريّ والقبّاريّ، وقطعت يمين التّاج النّاسخ لدخولهم في تزوير. وفيها طرق قازان [1] التّتريّ الشام، فالتقاه يزك [2] الإسلام، وفيهم الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، التقوا على مرج الصّفّر [3] ، فقتل من التتار خلق عظيم، وأسر منهم جماعة، ولكن استشهد من المسلمين جماعة، منهم: الفقيه إبراهيم بن عبيدان [4] . والأمير صلاح الدّين ولد الكامل [5] . والأمير علاء الدّين الجاكي [6] . والأمير حسام الدّين [أوليا] بن قرمان [7] . والأمير الكافري [8] .

_ [1] في «ط» : «غازان» وكلاهما صواب فقد رسمت بالوجهين. [2] اليزك: مقدّمة الجيش، وقيل غير ذلك. انظر «الألفاظ الفارسية المعربة» لأدي شيرص (160) . [3] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (205/ ب) : «مرج الصّفة» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (3/ 404) و «البداية والنهاية» (14/ 25) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (20) . [5] انظر «البداية والنهاية» (14/ 26) و «دول الإسلام» (2/ 210) . [6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الحاكي» بالحاء المهملة، والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (8/ 206) و «دول الإسلام» (2/ 210) وقد ترجم له بأوسع مما هنا فراجعه. [7] في «آ» و «ط» : «ابن قزمان» بالزاي ثاني الحروف، والتصحيح من «دول الإسلام» و «النجوم الزّاهرة» و «الدّرر الكامنة» (1/ 499) طبعة حيدر أباد وما بين الحاصرتين زيادة منه. [8] تحرّفت في «آ» إلى «الكافوري» وانظر «دول الإسلام» (2/ 210) .

وفيها توفي المسند بدر الدّين الحسن بن علي بن الخلّال الدّمشقي [1] ، عن ثلاث وسبعين سنة. حدّث عن مكرم، وابن اللّتي، وابن الشّيرازي، وابن المقيّر، وجعفر، وكريمة، وخلق. وتفرّد بأشياء، وتوفي في ربيع الأول. وفيها الإمام فخر الدّين أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النّابلسي [2] الفقيه الحنبلي. ولد سنة ثلاثين وستمائة بنابلس، وسمع من ابن الجمّيزي، وابن رواح بمصر. ومن سبط السّلفي بالإسكندرية، ومن خطيب مردا، [و] محيي الدّين بن الجوزي لمّا قدم الشّام رسولا. قال: البرزالي: كان شيخا، صالحا، عالما، كثير التواضع، محسنا إلى النّاس. أقام يفتي بنابلس مدة أربعين سنة. وقال الذهبي: كان عارفا بالمذهب، ثقة، صالحا، ورعا، سمعت منه بنابلس. توفي ليلة الأحد مستهل المحرّم بنابلس. وفيها متولي حماة الملك العادل زين الدّين كتبغا المغلي المنصوري [3] ، ونقل فدفن بتربته في سفح قاسيون يوم الجمعة، يوم الأضحى. وكان في آخر الكهولة أسمر، قصيرا، دقيق الصّوت، شجاعا، قصير العنق، ينطوي على دين وسلامة باطن، وتواضع. وتسلطن بمصر عامين، وخلع في صفر سنة ست وتسعين، فالتجأ إلى صرخد، ثم أعطي حماة فمات بها. وفيها شيخ الإسلام تقي الدّين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع ابن أبي الطّاعة القشيري المنفلوطي الشّافعي المالكي [4] المصري، ابن دقيق العيد [5] .

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 211- 212) . [2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 31- 32) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 348) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (22) . [4] لفظة «المالكي» سقطت من «آ» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (21- 22) و «معجم الشيوخ» (2/ 249- 250) و «الوافي بالوفيات»

ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة، وتفقّه على والده بقوص. وكان والده مالكيّ المذهب، ثم تفقّه على الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام، فحقّق المذهبين، وأفتى فيهما، وسمع الحديث من جماعة، وولي قضاء الدّيار المصرية، ودرّس بالشافعي ودار الحديث الكاملية وغيرهما. وصنّف التصانيف المشهورة، منها «الإلمام» في الحديث [1] ، وشرحه وسمّاه «الإمام» . وله «الاقتراح» في أصول الدّين وعلوم الحديث، و «شرح مختصر ابن الحاجب» في فقه المالكية ولم يكمله. [وشرح «عمدة الأحكام» للحافظ عبد الغني] [2] ، وله غير ذلك. وكان يقول: ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلّا أعددت له جوابا بين يدي الله تعالى. ويحكى أن ابن عبد السّلام كان [3] يقول: ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها، ابن منير بالإسكندرية، وابن دقيق العيد بقوص. وقال الذهبي في «معجمه» . قاضي القضاة بالدّيار المصرية، وشيخها، وعالمها، الإمام العلّامة، الحافظ القدوة الورع، شيخ العصر. كان علّامة في المذهبين، عارفا بالحديث وفنونه، سارت بمصنّفاته الرّكبان. وولي القضاء ثمان سنين. وبسط السبكي ترجمته في «الطبقات الكبرى» قال: ولم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السّبعمائة. وقال ابن كثير في «طبقاته» [4] : أحد علماء وقته، بل أجلّهم وأكثرهم، علما، ودينا، وورعا، وتقشفا، ومداومة على العلم في ليله ونهاره، مع كبر السّن

_ (4/ 193- 209) و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (9/ 207- 249) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 227- 233) . [1] وقد عني به وعلق عليه صديقنا الأستاذ محمد سعيد مولوي وطبع بدمشق منذ سنوات طويلة. [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وقد سمّى شرحه ب «إحكام الأحكام» وقد طبع في المطبعة المنيرية بالقاهرة سنة (1372) هـ. [3] لفظة «كان» سقطت من «آ» . [4] يعني في «طبقات الشافعية» وهو من كتبه التي لم تطبع بعد فيما أعلم.

والشّغل بالحكم. وله التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة. برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث، فاق فيه على أقرانه وبرز على أهل زمانه. رحلت إليه الطلبة من الآفاق، ووقع على علمه وورعه وزهده الاتفاق. وقال الإسنوي: له خطب بليغة مشهورة، أنشأها لمّا كان خطيبا بقوص، وله شعر بليغ، فمنه: تمنّيت أنّ الشّيب عاجل لمّتي ... وقرّب منّي في صباي مزاره لآخذ من عصر الشّباب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره وله: قالوا فلان عالم فاضل ... فأكرموه مثل ما يرتضي فقلت لمّا لم يكن ذا تقى ... تعارض المانع والمقتضي وله: وأطيب شيء إذا ذقته ... رضاب الحبيب على ما يقال وله: أتعبت نفسك بين ذلّة كادح ... طلب الحياة وبين حرص مؤمّل وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن ... حصّلت فيه ولا وقار مبجّل وتركت حظّ النّفس في الدّنيا وفي ال ... أخرى ورحت عن الجميع بمعزل توفي- رحمه الله تعالى- في صفر بالقاهرة، ودفن بالقرافة. وفيها المعمّر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البنّا [1] . أجاز له ابن أبي لقمة، وابن البنّ. وسمع أبا القاسم بن صصرى، والنّاصح، وابن الزّبيدي. توفي بزملكا عن بضع وثمانين سنة. وفيها المقرئ شمس الدّين محمد بن قايماز الطحّان الدمشقي [2] .

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 348- 349) . [2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (294) و «الدّرر الكامنة» (4/ 134) .

تلا بالسبع على السّخاوي، وسمع من ابن صباح وغيره. وكان خيّرا متواضعا. توفي عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطّائي القرطبي [1] . قال الذهبي: أجاز لنا مرويّاته، وسمع «الموطأ» و «كامل» المبرّد من أبي القاسم أحمد بن بقي في سنة عشرين، وعمّر دهرا طويلا. توفي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام. وفيها نجم الدّين أبو إبراهيم موسى بن إبراهيم بن يحيى بن علوان بن محمد الأزديّ السّقراوي ثم الصّالحي، الفقيه الحنبليّ، المحدّث النّحويّ المعدل [2] . ولد في رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة. وسمع من أبيه والحافظين إسماعيل بن مظفّر، والضّياء المقدسي. ومن خطيب مردا، ويوسف سبط ابن الجوزي. وقرأ الكثير على ابن عبد الدائم، ومن بعده، كابن أبي عمر وطبقته، وعني بالحديث. وكتب بخطّه ما لا يوصف. قال الذهبي: كان فقيها، إماما، مفتيا، كثير المحفوظ والنّوادر. وقال غيره: كان حسن المجالسة، مفيد المذاكرة. حدّث، وروى عنه الذهبي وغيره، وتوفي يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة، ودفن من الغد بسفح قاسيون.

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 341- 342) . [2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 344- 345) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 348- 349) .

سنة ثلاث وسبعمائة

سنة ثلاث وسبعمائة فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية، ونازلوا تلّ حمدون من بلاد سيس. وفيها توفي القدوة الزّاهد العلّامة بركة الوقت، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرّقّي- بفتح الراء وتشديد القاف، نسبة إلى الرّقّة بلد على الفرات- الحنبلي [1] . ولد سنة سبع وأربعين وستمائة بالرّقّة. وقرأ ببغداد بالرّوايات العشر على يوسف بن جامع القفصي، وسمع بها الحديث من الشيخ عبد الصّمد بن أبي الحسين، وصحبه. قال الذهبي: وعني بتفسير القرآن، وبالفقه على مذهب الإمام أحمد، وتقدّم في علم الطّبّ، وشارك في علوم الإسلام. وبرع في التذكير، وله المواعظ المحرّكة إلى الله- عز وجل- والنّظم العذب، والعناية بالآثار النّبوية، والتصانيف النّافعة، وحسن التربية، مع الزّهد والقناعة باليسير في المطعم والملبس. وكان إماما، زاهدا، عارفا قدوة، سيّد أهل زمانه. وله التصانيف الكثيرة. وكان ربما خضر السّماع وتواجد. وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، وغيرهما. وكان يسكن بأهله في أسفل المئذنة الشّرقية بالجامع الأموي في المكان المعروف بالطّواشية، وهناك

_ [1] لفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «ذيول العبر» ص (23) وانظر «معجم الشيوخ» (1/ 127) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 349- 350) .

توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرّم، وصلّي عليه عقيب الجمعة بالجامع، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن بتربة الشيخ أبي عمر. وفيها ابن الخبّاز [1] نجم الدّين أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم بن سالم، ينتهي نسبه إلى عبادة بن الصّامت الأنصاري العبادي [2] الصّالحي الحنبلي، الحافظ [3] المحدّث المكثر [4] المؤدّب. ولد سنة تسع وعشرين وستمائة، وسمع من الحافظ ضياء الدّين، وعبد الحق بن خلف، وعبد الله بن الشيخ أبي عمر، وغيرهم، وجدّ واجتهد من سنة أربع وخمسين وإلى أن مات. وسمع وكتب ما لا يوصف كثرة، وخرّج لنفسه «مشيخة» في مائة جزء عن أكثر من ألفي شيخ، فإنه كتب العالي والنّازل، وعمّن دبّ ودرج، وخرّج سيرة لابن أبي عمر في مائة وخمسين جزءا. وكان حسن الأخلاق، متواضعا، غير متقن فيما يجمعه. وسمع منه خلق من الحفّاظ وغيرهم، منهم المزّي، والذهبي، وولده مسند وقته أبو عبد الله محمد، وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر بدمشق، ودفن بسفح قاسيون. وفيها المعمّرة أم أحمد ستّ الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكية [5] بدمشق في المحرّم. قال الذهبي: مكثرة عن البهاء عبد الرحمن، صالحة، خيّرة، عاشت خمسا وثمانين سنة. وفيها زين الدّين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فئر [6] بن

_ [1] عبارة «ابن الخبّاز» سقطت من «آ» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (24- 25) و «معجم الشيوخ» (1/ 171) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 350- 351) و «المنهل الصّافي» (2/ 382- 383) . [3] لفظة «الحافظ» سقطت من «آ» . [4] لفظة «المكثر» سقطت من «ط» . [5] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 283- 284) . [6] كذا في «المنتخب» لابن شقدة (206/ آ) : «ابن فئر» ورسمت في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 280) و «معجم الشيوخ» (1/ 342) «ابن فير» على قاعدة من يستبدل الهمزة

الحسن الفارقي الشّافعي [1] ، خطيب دمشق، وشيخ دار الحديث، ومدرّس الشامية البرّانية. ولد في محرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، واشتغل وأفتى في مذهب الشافعي [2] ، ودرّس، وولي مشيخة دار الحديث بعد النّووي، وهو الذي عمرها بعد خرابها في فتنة قازان [3] . قال الذهبي في «معجمه» : كان عارفا بالمذهب، وبجملة حسنة في الحديث، ذا اقتصاد في ملبسه وتصوّن في نفسه، وسطوة على الطلبة، وفيه تعبّد وحسن معتقد. وقال ابن كثير: سمع الحديث الكثير، واشتغل [4] ودرّس، وأفتى مدّة طويلة. توفي في صفر ودفن بالصالحية في تربة أهله بتربة الشيخ أبي عمر. وفيها خطيب بعلبك ضياء الدّين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السّلمي الشافعي [5] . سمع القزويني، وابن اللّتي، وهو آخر من روى «شرح السّنّة» [6] وخطب ستين سنة، وتوفي في صفر، عن تسع [7] وثمانين سنة. وفيها الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضّوء الزّبدانيّ الفاميّ [8] ، أحد رواة «الصحيح» [9] عن ابن الزّبيدي.

_ بالياء، وزيادة في التأكيد قام ابن شقدة بإثبات الياء وفوقها الهمزة. وكتبت في «البداية والنهاية» (14/ 30) : «ابن فهر» وهو تحريف، وتحرفت في «الدّرر الكامنة» (2/ 304) إلى «ابن فيروز» فلتصحح. [1] لفظة «الشافعي» سقطت من «آ» . [2] عبارة «في مذهب الشافعي» لم ترد في «ط» . [3] في «ط» : «غازان» وكلاهما صواب. [4] في «آ» : «وأشغل» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (24) و «الوافي بالوفيات» (18/ 183) . [6] لصاحبه الإمام البغوي، وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى. [7] لفظة «تسع» سقطت من «آ» . [8] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 354) . [9] يعني «صحيح البخاري» .

قال الذهبي: كتبنا عنه، وقد جاوز الثمانين. وفيها صاحب الشّرق القآن محمود غازان بن القآن أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي، في شوال بقرب همذان، ولم يتكهل. ونقل إلى تربته بتبريز. سمّ بمنديل [1] يمسح به بعد الجماع، وتملّك أخوه خربندا، وكان بسنجار وسمّوه محمدا، ولقّبوه غياث الدّين. وفيها عمر بن كثير [2] خطيب القرية [3] من عمل بصرى، وهو والد الشيخ عماد الدّين بن كثير. وفيها الصّاحب عبد الله بن الصّاحب عزّ الدّين محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني الحلبي [4] . كتب في الإنشاء مدّة [5] بعد الوزارة إلى أن مات. ومن شعره: بوجه معذّبي آثار حسن ... فقل ما شئت فيه ولا تحاشي ونسخة حسنه قرئت وصحّت ... وها خطّ الكمال على الحواشي وأصله من قيساريّة الشام، وتوفي بالقاهرة، ودفن بتربته جوار السيدة نفيسة، قدّس سرّها.

_ [1] في «ط» : «في منديل» . [2] ترجم له ترجمة مطولة ولده الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (14/ 31- 33) فلتراجع. [3] القرية: قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» : «وهي قرية من أعمال بصرى» . [4] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 331- 332) و «الدرر الكامنة» (2/ 284) . [5] لفظة «مدة» سقطت من «آ» .

سنة أربع وسبعمائة

سنة أربع وسبعمائة فيها أخذ الشيخ تقي الدّين بن تيميّة الحجّارين وذهب إلى التي [1] في مسجد النّارنج جوار المصلّى فقطعها، وكان يزورها النّاس وينذرون لها النذور، ولهم فيها اعتقاد، فمحا ذلك، وبنى مسجد النّارنج. وفيها ضربت رقبة الكمال الأحدب، وسببه أنه جاء إلى القاضي جمال الدّين المالكي يستفتيه- وهو [2] لا يعلم أنّه القاضي-: ما تقول في إنسان تخاصم هو وإنسان، فقال له الخصم تكذب ولو كنت رسول الله [3] فقال له القاضي: من قال هذا؟ قال: أنا، قال: فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا وحبسه وأحضره من الغد إلى دار العدل وحكم بقتله [4] . وفيها توفي محدّث بغداد ومفيدها، أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي [5] .

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (206/ آ) . وقال ابن المبرد في «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» ص (165) في معرض كلامه على المشاهد بدمشق: ومشهد النّارنج: به حجر مشقّق وله حكاية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويبدو أن المقصود من كلام المؤلّف رحمه الله إنما هو هذا الحجر الذي كان لا يزال قائما في حينه، والله أعلم. [2] لفظة «هو» سقطت من «آ» . [3] نعوذ بالله من هذا الكفر ونسأله جلّ جلاله أن يثبتنا على النهج السليم نهج الكتاب والسّنّة. [4] قلت: لكن الحكم فيه لم ينفّذ، وتنقل بعد ذلك بين الشام ومصر ينشر مذهبه الضّال إلى أن مات بقرية القابون قرب دمشق سنة (724) وقد ترجم له المؤلّف هناك انظر ص (116- 117) من هذا المجلد. وانظر «الأعلام» للزركلي (6/ 200) والمصادر المذكورة في حاشيته. [5] لفظة «الحنبلي» سقطت من «آ» وهو مترجم في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 353) .

ولد في جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة، وعني بالحديث، وسمع الكثير، وتفقّه في مذهب الإمام أحمد [1] . وكتب الكثير بالخطّ الجيد المتقن، وخرّج لغير واحد من الشيوخ، وحدّث بالقليل، وسمع منه جماعة، وأجاز لجماعة، منهم: الحافظ الذهبي. وتوفي في رجب ببغداد، ودفن بباب حرب. وفيها ركن الدّين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم القزويني الطّاووسي [2] المعمّر، كبير الصّوفية بدمشق. روى بالإجازة العامّة عن أبي جعفر الصّيدلاني وطائفة، وبالسّماع عن ابن الخازن والسّخاوي، وتوفي في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وأربعة أشهر. وفيها صاحب المدينة المنوّرة عزّ الدّين جمّاز [3] بن شيحة العلوي الحسيني، وقد شاخ وأضرّ، وتملّك بعده ابنه منصور، وفيهم تشيّع ظاهر. قاله الذهبي. وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي الحنبلي [4] الصّوفي المحدّث الحافظ، نزيل دمشق. ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة، وسمع بحلب من ابن رواحة، وإبراهيم بن خليل. وبمصر من الكمال الضّرير، والرّشيد العطّار، وغيرهما. وبدمشق من ابن عبد الدائم، وجماعة. وقرأ كتبا مطوّلة مرارا، وعني بالحديث عناية تامّة. وكان يجوع ويشتري الأجزاء ويتعفف [ويقنع] [5] بكسرة فيسوء خلقه، مع التّقوى والصّلاح. وسمع منه الذّهبي وجماعة، وتوفي في صفر بالمارستان الصّغير بدمشق، وحمل إلى سفح قاسيون فدفن قبال زاوية ابن قوام.

_ [1] عبارة «في مذهب الإمام أحمد» سقطت من «ط» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (27) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حمّاد» والتصحيح من «ذيول العبر» ص (27) وانظر التعليق عليه. [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 351- 352) . [5] سقطت من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (106/ ب) واستدركتها من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلّف.

وفيها شيخ الإسكندرية تاج الدّين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرّافي [1]- بالغين المعجمة المفتوحة، وتشديد الراء، وفاء، نسبة إلى الغرّاف نهر تحت واسط على قرى كثيرة-. قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع من محمد بن عماد، وظافر بن نجم، وعلي بن جبارة، وطائفة. وببغداد من أبي الحسن القطيعي وغيره. وحدّث فأكثر، وحمل عنه المغاربة والرحّالة، وحدّثوا عنه في حياته. وكان عارفا بالمذهب. وقال أبو العلاء الفرضي: كان عالما، فاضلا، محدّثا، مكثرا، مسندا، مفيدا، عابدا. وأثنى عليه البرزالي، والذهبي، وغيرهما. وكان يرتزق بالوراقة، فإذا حصّل قوته لا يتجاوز. مات في الإسكندرية في ذي الحجّة. وفيها الضّياء عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزّاق المغاري [2] ، شيخ المغارة. روى عن ابن الزّبيدي، وابن صباح، والإربلي، وتوفي في ربيع الأول عن ثمانين سنة. وفيها الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الإربلي ثم الدمشقي أبو الفضل [3] ، كبير الذّهبيين. كان مكثرا. سمع المسلم المازني، وابن الزّبيدي، وأبا نصر بن عساكر، وغيرهم. وتفرّد بأشياء. قال الذّهبي: خرّجت له «مشيخة» ومات في رمضان. سقط من السلّم فمات لوقته عن ثمانين سنة. وفيها الأمير الكبير الأديب شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (28- 29) و «معجم الشيوخ» (2/ 12- 13) و «الدّرر الكامنة» (3/ 17) و «حسن المحاضرة» (1/ 387) . [2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 88- 89) و «الدّرر الكامنة» (3/ 289) . [3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 310- 311) و «الوافي بالوفيات» (5/ 265) .

ابن أبي سعد بن علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الشّيباني الآمدي ثم المصري الحنبلي [1] . ولد بمصر ثالث عشر المحرم، سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع بمصر من ابن الجمّيزي [2] ، وابن المقيّر. وبدمشق من جماعة، وبماردين من آخرين، ونشأ بماردين. وكان والده الصّاحب شرف الدّين من العلماء الفضلاء. جمع «تاريخا» لمدينة آمد، وله نظم ونثر. وسمع الحديث ورواه، وكان محدّثا، فاضلا، متقنا. توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة. وكان وزيرا للملك السعيد الأرتقي صاحب ماردين، وصار ابنه شمس الدّين هذا مع ابن الملك المظفّر بن السعيد نائبا للمملكة ومدبّرا لدولته إلى أن ذهب رسولا إلى الملك المنصور قلاوون صاحب مصر، فحبسه ست سنين، حتّى ولي ابنه الملك الأشرف فأخرجه وأنعم عليه، وولّاه نيابة دار العدل، فباشرها، وكان عالما، فاضلا، أديبا، متفننا، ذا معرفة بالحديث، والتاريخ، والسّير، والنّحو، واللّغة، وافر العقل، مليح العبارة، حسن الخطّ والنّظم والنثر، جميل الهيئة، له خبرة تامّة بسير الملوك المتقدمين ودولهم، لا تملّ مجالسته. وذكر الذهبي أنه نسب إلى نقص في دينه، فالله تعالى أعلم. قال ابن رجب: وسمع منه جماعة، منهم: الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، والمزّي، والبرزالي، والذّهبي، وتوفي بمصر، سقط من فرس فكسرت أعضاؤه، وبقي أياما، ثم مات في جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 352- 353) . [2] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «الجهيري» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.

سنة خمس وسبعمائة

سنة خمس وسبعمائة فيها توفي خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدّين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشّافعي [1] ، أخو الشيخ تاج الدّين. ولد بدمشق في رمضان سنة ثلاثين وستمائة، وتلا بالسّبع، وأحكم العربية، وقرأ الحديث، وسمع كثيرا من السّخاوي وغيره. وكان فصيحا، عديم اللّحن، طيب الصّوت. وأقرأ العربية زمانا، مع الكيس، والتواضع والتصوّن [2] ، وولي خطابة جامع جرّاح، ثم خطابة جامع دمشق. وتوفي في شوّال عن خمس وسبعين سنة وشهر، ودفن بباب الصغير عند أخيه. وفيها المعمّرة [3] زينب بنت سليمان بن رحمة الإسعردي [4] . سمعت من الزّبيدي، والشّمس أحمد بن عبد الواحد البخاري، وعلي بن حجّاج، وجماعة. وتفردّت بأشياء، وماتت في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة. وفيها حافظ الوقت العلّامة شرف الدّين عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدّمياطي الشافعي [5] .

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 270- 272) . [2] كذا في «آ» و «المنتخب» لابن شقدة (206/ ب) : «والتصون» وفي «ط» : «والتصوف» . [3] لفظة «المعمّرة» سقطت من «آ» . [4] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 67) . [5] انظر «معجم الشيوخ» للذهبي (1/ 424- 425) ولم يرد اسمه في فهرسه فليستدرك، و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 552- 554) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 286- 288) .

ولد بدمياط في أواخر سنة ثلاث عشرة وستمائة، وتفقه بها، وقرأ بالسّبع على الكمال الضرير، وسمع الكثير، ورحل، ولازم الحافظ عبد العظيم المنذري سنين، وتخرّج به، ورحل إليه الطلّاب، وحدّث قديما، وسمع منه الشيخ محمد بن محمد الأبيوردي، وكتب عنه في «معجم شيوخه» ومات قبله بتسع وثلاثين سنة. روى عنه من تلاميذه الحفّاظ المزّي، والبرزالي، وابن سيد الناس، والسبكي، وغيرهم، فعلى هذا الدّمياطي شيخ هؤلاء وشيخ شيخهم. قال المزّي: ما رأيت أحفظ منه. وقال البرزالي: كان آخر من بقي من الحفّاظ وأهل الحديث أصحاب الرّواية العالية والدّراية الوافرة. وقال الذهبي في «معجمه» : العلّامة الحافظ الحجّة، أحد الأئمة الأعلام وبقيّة نقّاد الحديث. رحل، وسمع الكثير، و «معجمه» نحو ألف ومائتين وخمسين شيخا، وله تصانيف في الحديث والعوالي، والفقه، واللغة، وغير ذلك. ومحاسنه جمّة. انتهى. وقد أثنى عليه غير واحد، وله مصنّفات نفيسة، منها: «السيرة النبوية» في مجلد، وكتاب في «الصلاة الوسطى» وكتاب «الخيل» وكتاب «التّسلي والاغتباط بثواب [1] من تقدّم من الأفراط» وغير ذلك. توفي فجأة في نصف ذي القعدة بالقاهرة، ودفن بمقابر باب النّصر، رحمه الله تعالى. وفيها قاضي حلب وخطيبها العلّامة شمس الدّين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي أبو عبد الله الكوراني [2] .

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «بقوات» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (31- 32) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 306- 307) .

ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وأخذ عن ابن عبد السّلام، وأخذ القراءات عن الكمال الضّرير فيما قيل، وناب في الحكم بدمشق، ثم ولي قضاء حلب، وله «مختصر» في الخلاف، مأخوذ من «حلية الشّاشي» [1] وغيرها. قال الذهبي: كان مشكورا، ديّنا، يدري المذهب، صالحا، ورعا. وقال السبكي في «الطبقات الكبرى» : كان من علماء حلب، وكان يدري القراءات، توفي بحلب في جمادى الأولى. وفيها المعمّر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب المؤدّب المصري [2] . حدّث عن ابن باقا. قال الذهبي: حدثنا عنه أبو الحسن السّبكي، وتوفي بمصر. وفيها الإمام المعمّر شرف الدّين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصّوّاف الجذامي المالكي [3] ، كبير الشّهود. سمع منه قاضي القضاة السّبكي وجماعة، وروى عن ابن عماد، والصّفراوي، وتلا عليه بالسّبع، وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة، وأصمّ وأضرّ مدة، وتوفي بالإسكندرية عن ست وتسعين سنة. وفيها صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السّلطان يعقوب بن عبد الحقّ المريني [4] .

_ [1] هو «حلية العلماء في مذاهب الفقهاء» . انظر «كشف الظنون» (1/ 690) . [2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 227) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (32) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (33) .

سنة ست وسبعمائة

سنة ست وسبعمائة فيها أنشئ في الصّالحية تجاه الرّباط النّاصري جامع الأفرم، وخطب به القاضي شمس الدّين بن [أبي] العزّ [1] الحنفي. وفيها مات رئيس التّجّار الصّدر جمال الدّين إبراهيم بن محمد بن السّواملي- والسّوامل كالطّاسات- العراقي [2] . كان يثقب اللؤلؤ، فصمّد ألفي درهم، ثم اتجر وسار إلى الصّين، فتموّل وعظم، وضمن العراق من القان ورفق بالرّعية، وصار له أولاد مثل الملوك، ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة، ومات فجأة بشيراز عن ست وسبعين سنة. وفيها العلّامة نصير الدّين أبو بكر عبد الله بن عمر بن أبي الرّضا الفاروثي [3] الشّافعي. قال البرزالي في «تاريخه» : قدم علينا دمشق، وكان يعرف الفقه، والأصلين، والعربية، والأدب. وكان جيّد المناظرة. ولد بفاروث، وهي [4] قرية من عمل شيراز، وسكن بغداد، ومات بها. ودرّس بالمستنصرية وغيرها من المدارس الكبار.

_ [1] مستدركة من «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 435) ومن ترجمته في حوادث سنة (722) ص (106) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (35) . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 292) . [4] لفظة «وهي» سقطت من «آ» و «ذيول العبر» ص (36) .

وفيها ضياء الدّين عبد العزيز بن محمد بن علي الطّوسي ثم الدّمشقي الشافعي [1] ، اشتغل بالعلم، وتفنّن ودرّس بالنّجيبيّة، وأعاد بغيرها، وشرح «الحاوي» شرحا حسنا، سمّاه المصباح، وشرح «مختصر ابن الحاجب» . قال البرزالي: كان شيخا، فاضلا. وقال ابن حبيب: كان ذا فضائل منتظمة الفرائد، وتصانيف مشتملة على كثير من الفوائد. توفي فجأة بدمشق في جمادى الأولى [2] ودفن بمقابر الصّوفية. وفيها خطيب دمشق، شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي [3] ابن إمام الكلّاسة. كان ديّنا، صالحا، صيّنا، مليح الشّكل، طيّب الصّوت، حسن الهدي [4] . روى عن ابن البرهان، وابن عبد الدائم، وأمّ بالكلّاسة مدّة، ثم خطب للخطابة، فأقام ستة أشهر ونصفا، وخرج من الحمّام وصلى سنّة الفجر فغشي عليه وانطفأ، وحمل على الرؤوس، وصلى عليه الأفرم نائب دمشق، وولي بعده الخطابة جلال الدّين القزويني صاحب «تلخيص المفتاح» . وفيها مسند حلب علاء الدّين [5] سنقر القضائي الزّيني [6] ، تفرّد بأشياء، وحدّث عن الموفق عبد اللّطيف، وابن شدّاد، وابن روزبه، وابن الزّبيدي، وأنجب الحمّامي وعدة، وكان دينا، خيرا، صبورا على الطلبة. قال الذهبي: أكثرنا عنه، وتوفي بحلب في شوال عن سبع وثمانين سنة، رحمه الله تعالى.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 181) . [2] عبارة «في جمادى الأولى» سقطت من «ط» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (35) . [4] تحرفت في «ط» إلى «الهدم» . [5] عبارة «علاء الدين» سقطت من «ط» . [6] انظر «ذيول العبر» ص (36) .

سنة سبع وسبعمائة

سنة سبع وسبعمائة فيها عقد مجلس بالقصر فاستنيب النّجم بن خلّكان [1] من عبارات قبيحة، ودعاو مبيحة للدم، وادّعاء نبوّة ما، فاختلفت فيه الآراء، ومال إلى الرّفق به [2] الشيخ برهان الدّين فتاب. وفيها توفي [3] رئيس مصر، الصّاحب تاج الدّين محمد بن الصّاحب فخر الدّين محمد بن الوزير بهاء الدّين علي بن محمد حنّا [4] . قال الذهبي: حدّثنا عن سبط السّلفي، وكان محتشما، وسيما، عادلا، شاعرا، متمولا، من رجال الكمال. وقال غيره: وزير ابن وزير ابن وزير، انتهت إليه رئاسة عصره بمصر، صدقاته كثيرة، وتواضعه وافر، وهو الذي اشترى الآثار النبوية التي بالقاهرة على ما قيل بستين ألف درهم وجعلها في مكانه المعشوق، وهو المكان المنسوب إليه، وذلك قطعة من العنزة، ومرود، ومخصف، وملقط، وقطعة من قصعة. وقال ابن فضل الله: رأيت إلى جانب تربته مكتب أيتام وهم يكتبون القرآن في الألواح، فإذا أرادوا مسحها غسلوا ألواحهم وسكبوا ذلك على قبره، فسألت عن ذلك، فقيل لي: هذا شرط الواقف، وهذا قصد حسن وعقيدة حسنة.

_ [1] هو محمد بن إبراهيم. انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 455) . [2] في «ذيول العبر» : «إلى الترفق به» . [3] لفظة «توفي» سقطت من «آ» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (38) .

ومن شعره: لله في الأحوال لطف جميل ... فاغن به عن ذكر قال وقيل ولا تفارق أبدا بابه ... فمنه قد جاء العطاء الجزيل واشكر على الإنعام فيما مضى ... كم أسبل السّتر زمانا طويل وا خيبة المعرض عن بابه ... خلّى كريما ثمّ أمّ البخيل فقل لمن عدّد إنعامه ... كل لسان عند هذا كليل وتوفي- رحمه الله تعالى- بمصر. وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكير الفنيدقي، الفقيه الحنبلي [1] . ولد سنة ست أو خمس وثلاثين وستمائة، وسمع من أبي عبد الله بن سعد [2] المقدسي، وجدّه لأمّه خطيب مردا، وغيرهما. وبمصر من الرّشيد العطّار وجماعة، وتفقّه، وبرع، وأفتى ودرّس، مع دين وتواضع وصدق، وأضر بأخرة، وسمع منه الذّهبي، وروى عنه في «معجمه» وتوفي بجبل نابلس في رجب. وفيها رشيد الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمر بن أبي القاسم البغدادي [3] الحنبلي المقرئ المحدّث الصّوفي الكاتب. ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة، سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وسمع الكثير من ابن روزبه، والسّهروردي، وابن الخازن، وابن اللّتي، وغيرهم. وعني بالحديث، وسمع الكتب الكبار والأجزاء، وكان عالما، صالحا، من محاسن البغداديين وأعيانهم، ذا لطف وسهولة وحسن أخلاق، من أجلاء العدول، ولبس خرقة التصوف من السّهروردي، وحدّث بالكثير، وسمع منه خلق كثير من أهل بغداد والرحّالين، وانتهى إليه علو الإسناد، وتوفي في تاسع [4] جمادى الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد.

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 30- 31) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 354) . [2] في «ط» : «أسعد» . [3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 204- 205) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 353- 354) . [4] لفظة «تاسع» سقطت من «ط» .

وفيها أبو عبد الله محمد [بن حجاج بن إبراهيم] بن مطرّف الأندلسي [1] . جاور نحو ستين عاما بمكة، وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا، وتوفي بمكة في رمضان، عن نيف وتسعين سنة، وحمل نعشه صاحب مكة حميضة. وفيها جمال الدّين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السّقطي الشافعي [2] . روى بالإجازة عن ابن باقا، وعن العلم بن الصّابوني، وأكثر المحدّثون عنه. وله أخ باسمه [3] ، وهو العدل نجم الدّين، محمد، مات بعد النّووي، ومات صاحب الترجمة بالقاهرة، عن خمس وثمانين سنة، وكان قاضي قضاتها مدة. وفيها شهاب الدّين محمد بن أبي العزّ بن مشرف بن بيان الأنصاري البزّاز [4] ، مسند دمشق، وشيخ الرّواية بالدار الأشرفية. حدّث عن ابن الزّبيدي، والنّاصح [5] وابن صباح، وابن المقيّر، وغيرهم. وتفرّد واشتهر، وتوفي بدمشق عن ثمان وثمانين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (38) و «العقد الثمين» (1/ 452) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [2] انظر «ذيول العبر» ص (39) و «حسن المحاضرة» (1/ 388) . [3] تحرفت في «ط» إلى «بسمة» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (40) . [5] يعني ابن الحنبلي.

سنة ثمان وسبعمائة

سنة ثمان وسبعمائة فيها توفي بغرناطة، عالمها، وحافظها، أبو جعفر، أحمد بن إبراهيم بن الزّبير الثّقفي. طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة، وسمع من جماعة، وتفرّد ب «السّنن الكبير» للنسائي عن أبي الحسن الشّاري، بينه وبين المؤلّف ستة أنفس. قال ابن ناصر الدّين [1] : كان نحويا، حافظا، علّامة، أستاذ القرّاء، ثقة، عمدة. وقال الذهبي [2] : مات بغرناطة في ربيع الأول، عن ثمانين سنة. وفيها المعمّر عماد الدّين إسماعيل بن علي بن الطبّال [3] ، شيخ المستنصرية. سمع عمر بن كرم [4] ، وابن روزبه، وجماعة. وتفرّد ومات ببغداد. وفيها خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم [5] ، في عشر التسعين. قال الذهبي: روت لنا عن الرّكن إبراهيم الحنفي.

_ [1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (183/ ب) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (44) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (45) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «مكرم» والتصحيح من «ذيول العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (22/ 325- 326) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (44) .

وفيها الشيخ الزّاهد القدوة الكبير، عثمان بن عبد الله الصّعيدي ثم الحلبوني [1] . كان صالحا، عابدا، متعفّفا، تؤثر عنه أحوال. وأقام مدة ببعلبك ومدة ببرزة. وكان لا يأكل الخبز ويزعم أنه يتضرر بأكله، ومات في المحرّم بقرية برزة. قاله السّخاوي. وفيها شهاب الدّين بن علي المحسنيّ [2] . كان عالما، مسندا، مكثرا عن ابن المقيّر، وابن رواج، والسّاوي، وتوفي بمصر عن ثمانين سنة. وفيها علم الدّين إبراهيم عرف بابن أبي خليقة [3] . كان حكيما، فاضلا، رئيس الطبّ بالدّيار المصرية والشّامية، وهو أول من ركّب شراب الورد، ولم يكن [4] يعرف بدمشق قبل ذلك. توفي بمصر، قيل: بلغت تركته ثلاثمائة ألف دينار. وفيها أمّ عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري [5] . لها إجازة [من] الفتح، وابن عفيجة، وجماعة. وسمعت المسلّم المازني، وكريمة، وابن رواحة. وروت الكثير، وتفرّدت [6] ولم تتزوج. توفيت في ربيع الآخر بدمشق عن قريب التسعين. وفيها شيخ الحرم ظهير الدّين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي [7] . جاور بمكة أربعين سنة، وحدّث عن الشّرف المرسي، وتوفي بالمهجم [8] من نواحي اليمن، عن بضع وسبعين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (42) . [2] في «آ» و «ط» : «المجيي» والتصحيح من «ذيول العبر» ص (42) و «الدّرر الكامنة» (2/ 195) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (42) و «النجوم الزاهرة» (8/ 229) . [4] لفظة «يكن» لم ترد في «ط» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (42- 43) . [6] لفظة «وتفرّدت» سقطت من «ط» . [7] انظر «ذيول العبر» ص (43) و «العقد الثمين» (2/ 75) . [8] مدينة من أمّات مدن الجزء الشمالي من تهامة. انظر «معجم ما استعجم» (2/ 1274) و «صفة جزيرة العرب» ص (97) وحاشيته و «معجم البلدان» (5/ 229) .

وفيها الحافظ مفيد مصر شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن سامة بن كوكب الطّائي السّوادي الحكمي- وحكمه [1] بالفتح قرية من قرى السّواد- الحنبلي [2] الحافظ الزّاهد. ولد في رجب سنة اثنتين وستين وستمائة، وسمع من أحمد بن أبي الخير، وابن أبي عمر، وغيرهم. ورحل سنة ثلاث وثمانين إلى مصر، وسمع بها من العزّ الحرّاني، وابن خطيب المزّة، وغيرهما. وبالإسكندرية من ابن طرخان وجماعة، وببغداد من ابن الطبّال وخلق، وبأصبهان، والبصرة، وحلب، وواسط. عني بهذا الفنّ، وحصّل الأصول. وكتب العالي والنّازل. قال الحافظ عبد الكريم الحلبي: كان إماما، عالما، فاضلا، حسن القراءة، فصيحا، ضابطا، متقنا. قرأ الكثير، وسمع من صغره إلى حين وفاته. وقال البرزالي: خالط الفقراء، وصارت له أوراد كثيرة، وتلاوة، واستوطن ديار مصر، وتزوّج وصارت له بها حظوة وشهرة بالحديث وقراءته، وكان معمور الأوقات بالطّاعات. وقال الذهبي في «معجمه» [3] : أحد الرحّالين، والحفّاظ، والمكثرين. ودخل أصبهان طمعا أن يجد بها رواة فلم يلق شيوخا ولا طلبة، فرجع. وكان ثقة صحيح النّقل، عارفا بالأسماء. من أهل الدّين والعبادة. وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، وعبد الكريم الحلبي، وذكروه في «معاجمهم» . توفي يوم الثلاثاء رابع عشري [4] ذي القعدة، ودفن بالقرافة بالقرب من الشّافعي. وفيها- وجزم ابن حجر في «الدّرر الكامنة» أنه في التي قبلها-

_ [1] في «آ» و «ط» : «وحكم» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [2] انظر «ذيول العبر» ص (43- 44) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 355) . [3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 209) و «المعجم المختص بالمحدّثين» ص (101- 102) . [4] في «ط» : «رابع عشر» وما جاء في «آ» موافق لما في «ذيل طبقات الحنابلة» .

جمال الدّين شرف القضاة أبو عبد الله محمد بن المكين أبي الطّاهر إسماعيل بن محمد بن محمود بن عمر التّنوخي الإسكندراني المالكي [1] . سمع من ابن الفوّي «كرامات الأولياء» ومن ابن رواج، ومن غيرهما. وسمع منه أبو العلاء الفرضي، وأبو الفتح بن سيد الناس، وغيرهما. وحدّث، وكان من أعيان أهل الإسكندرية. مات في أول يوم من شهر رمضان. وفيها مسند دمشق والشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السّلمي العبّاسي الدمشقي بن الموازيني [2] . كان ديّنا زاهدا. حجّ مرات، وتفرّد عن القاسم بن صصرى، والبهاء عبد الرحمن، ورحل إليه، وتوفي بدمشق في نصف ذي الحجّة عن أربع وتسعين سنة.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 388) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (44) و «الوافي بالوفيات» (3/ 213) و «الدّرر الكامنة» (4/ 63) .

سنة تسع وسبعمائة

سنة تسع وسبعمائة فيها كما قال السيوطي [1] خرج السلطان الملك النّاصر بن قلاوون قاصدا للحجّ، فخرج من مصر في رمضان وخرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردّهم، فلما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر، فلما توسطه انكسر به فسلم من قدّامة وقفز به الفرس فسلم، وسقط من وراءه، وكانوا خمسين فمات أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحته، وأقام السلطان بالكرك وكتب كتابا إلى الدّيار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة، فأثبت ذلك على القضاة بمصر، ثم نفذ على قضاة الشام. وبويع الأمير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير [2] بالسّلطنة في الثالث والعشرين من شوال ولقّب الملك المظفّر، وقلّده الخليفة، وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدوّرة، ونفذ التقليد إلى الشام في كيس أطلس أسود [3] ، فقرئ هناك، وأوله إِنَّهُ من سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 [النّمل: 30] ثم عاد الناصر في رجب سنة تسع وطلب عوده إلى الملك ووالاه على ذلك جماعة من الأمراء، فدخل دمشق في شعبان، ثم دخل مصر يوم عيد الفطر، وصعد القلعة. وقال العلاء الوداعي [4] في عوده إلى الملك: الملك النّاصر قد أقبلت ... دولته مشرقة الشّمس

_ [1] انظر «حسن المحاضرة» (2/ 112- 114) . [2] الجاشنكير: هو الذي يتصدى لتذوق المأكول والمشروب قبل السلطان. انظر «معجم الألفاظ التاريخية» لدهمان ص (50) . [3] كذا في «آ» و «حسن المحاضرة» : «أطلس أسود» وفي «ط» : «أسود أطلس» . [4] هو علي بن مظفّر الكندي، سترد ترجمته في وفيات سنة (716) ص (71) .

عاد إلى كرسيّه مثل ما ... عاد سليمان إلى الكرسي وخذل المظفّر، فجاء إلى خدمة السلطان، فوبخه وخنقه، وأباد جماعة من رؤوس الشرّ وتمكّن. وهرب نائبه سلّار [1] نحو تبوك، ثم خدع وجاء برجله إلى أجله، فأميت جوعا، وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف، وكان تملّك إحدى عشرة سنة. وكان مغليا، أسمر، سهل الخدّين، ليس بالطويل، ذا هيئة، قليل الظّلم، وقد بلغ من الجاه والمال ما لا مزيد عليه. وفيها مات المقرئ المعمّر أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن علي بن صدقة المخرمي [2] . قال الذهبي: حدّثنا عن ابن اللّتي، وجعفر، ومكرم، ومات بدمشق عن بضع وثمانين سنة. وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي طالب الحمّامي البغدادي الزّانكي [3] المجاور من زمان بمكّة، بحيث صار مسندها. سمع من الأنجب الحمّامي أجزاء تفرّد بها، وأخذ عنه ابن مسلّم القاضي، وشمس الدّين بن الصّلاح مدرّس القيمرية، وأجاز لأبي عبد الله الذّهبي. وتوفي بمكّة في جمادى الآخرة، عن بضع وثمانين سنة. وفيها أبو الفضل تاج الدّين [4] ، أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري المالكي الشّاذلي [5] .

_ [1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «ذيول العبر» ص (53) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (1/ 23- 24) و «معجم الشيوخ» (1/ 132- 133) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (48- 49) و «معجم الشيوخ» (1/ 117- 118) و «الدرر الكامنة» (1/ 142) و «العقد الثمين» (3/ 49- 51) . [4] في «ط» : «تاج الدّين أبو الفضل» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (48) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 23- 24) و «الدّرر الكامنة» (1/ 273) و «غربال الزمان» ص (580- 581) و «حسن المحاضرة» (1/ 524) .

قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» صحب الشيخ أبا العبّاس المرسي صاحب الشّاذلي، وصنّف مناقبه ومناقب شيخه. وكان المتكلّم على لسان الصّوفية في زمانه، وهو ممن قام على الشيخ تقي الدّين بن تيميّة فبالغ في ذلك. وكان يتكلم على النّاس، وله في ذلك تصانيف عديدة. قال الذهبي: كانت له جلالة عجيبة [1] ووقع في النّفوس، ومشاركة في الفضائل. وكان يتكلّم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النّفوس، ومزج كلام القوم [2] بآثار السّلف وفنون العلم، فكثر أتباعه، وكانت عليه سيما الخير، ويقال: إن ثلاثة قصدوا مجلسه، فقال أحدهم: لو سلمت من العائلة لتجرّدت. وقال الآخر: أنا أصلي وأصوم ولا أجد من الصّلاح ذرّة. وقال الثالث: أنا صلاتي ما ترضيني فكيف ترضي ربّي. فلما حضروا مجلسه، قال في أثناء كلامه: ومن الناس من يقول فأعاد كلامهم بعينه. وقال الكمال جعفر: سمع من الأبرقوهي، وقرأ النحو على الماروني، وشارك في الفقه والأدب، وصحب المرسي، وتكلّم على الناس، وكثر أتباعه. وقال ابن الأهدل: الشيخ العارف بالله، شيخ الطريقين، وإمام الفريقين. كان فقيها، عالما، ينكر على الصّوفية. ثم جذبته العناية، فصحب شيخ الشيوخ المرسي، وفتح عليه على يديه، والذي جرى له معه مذكور في كتابه «لطائف المنن» وله عدّة تصانيف، منها «الحكم» [3] وكلّها مشتملة على أسرار ومعارف، وحكم ولطائف. نثرا ونظما.

_ [1] كذا في «آ» و «المنتخب من شذرات الذهب» لابن شقدة (208/ آ) : «عجيبة» وفي «ط» : «عظيمة» . [2] يعني الصّوفية. [3] واسمه الكامل «الحكم العطائية» وهو كتيب صغير من كتب الصّوفية الشهيرة، نشرته المكتبة العربية بدمشق منذ سنوات طويلة بعناية الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله. وقام بشرحه الشيخ عبد المجيد الشّرنوبي المصري المتوفى سنة (1348) هـ، وقامت بنشر شرحه المذكور دار ابن كثير سنة (1408) بعناية الأستاذ عبد الفتاح البزم، وقد أفردت أحاديث الكتاب لوالدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله من قبل الأستاذ البزم، فقام بتخريجها والحكم عليها.

وما أحسن قوله في شيخه في بعض قصائده: كم من قلوب قد أميتت بالهوى ... أحيا بها من بعد ما أحياها وكان شيخه يستعيد منه هذا البيت. ومن طالع كتبه عرف فضله. توفي- رحمه الله تعالى- بمصر في نصف جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة، وقبره مشهور يزار. وفيها نبيه الدّين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري [1] المعدّل. سمع من ابن المقيّر، وابن رواج، وغيرهما. وتوفي بمصر عن تسع وسبعين سنة، وأجاز له السّهرورديّ سنة ولادته، وهي سنة ثلاثين وستمائة. وفيها شهدة بنت الصّاحب كمال الدّين عمر بن العديم العقيلي [2] . ولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة وستمائة، وحضرت الكاشغري، وعمر بن بدر. ولها إجازة من ثابت بن مشرّف. وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد. قال الذهبي: سمعت منها، وماتت بحلب. وفيها مات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدّين سنقر المنصوري الأعسر [3] وله عدة مماليك تقدموا. وكان كبيرا، شهما، عارفا، فيه ظلم. قاله في «العبر» . وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي [4] الفقيه الحنبلي المحدّث النّحوي اللّغوي. ولد سنة خمس وأربعين وستمائة ببعلبك، وسمع بها من الفقيه محمد

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (2/ 15) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (2/ 195) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (48) و «الدّرر الكامنة» (2/ 177) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (47) و «الوافي بالوفيات» (4/ 316) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 356- 357) .

اليونيني، وبدمشق من ابن خليل، ومحمد بن عبد الهادي، وغيرهما، وعني بالحديث، وقرأ العربية واللّغة على ابن مالك، ولازمه حتّى برع في ذلك. وصنّف تصانيف، منها «شرح ألفية ابن مالك» وكتاب «المطلع على أبواب المقنع» [1] في غريب ألفاظه ولغاته. قال الذهبي: كان إماما في المذهب والعربية والحديث، غزير الفوائد، متفننا، ثقة، صالحا، متواضعا، على طريقة السّلف. حدّثنا ببعلبك، ودمشق، وطرابلس. وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرّم، وذلك بعد دخوله إيّاها بدون شهر، وكان زار القدس وسار إلى مصر ليسمع ابنه، ودفن بالقرافة عند الحافظ عبد الغني [2] .

_ [1] قلت: وقد وقفت على نسخة من مخطوطاته وهي من محفوظات مكتبة شستربتي بدبلن في إيرلندا الشمالية كتب على غلافها «المطلع على ألفاظ المقنع» وهو أصح لأنه يتناول ألفاظ «المقنع» بالشرح لا أبوابه. وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في المكتب الإسلامي بدمشق عام 1385 هـ، وقام عليه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط وشاركه العمل فيه الأستاذ محمد محمد شرّاب. ويقوم بتحقيقه الآن صديقي الفاضل الدكتور خالد عبد الكريم جمعة. [2] يعني المقدسي رحمه الله تعالى.

سنة عشر وسبعمائة

سنة عشر وسبعمائة قال الذهبي [1] : في نيسان مطرنا مطرا أحمر كأعكر ماء الزيادة، وبقي أثر الطّين على التمر والورق نحو شهرين. وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن شرف الدّين حسن بن الحافظ أبي موسى عبد الله بن الحافظ الكبير عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ثم الصّالحي [2] الفقيه الحنبلي، قاضي القضاة. ولد في ثاني عشر صفر، سنة ست وخمسين وستمائة بسفح قاسيون، وسمع من ابن عبد الدّائم وغيره، وتفقه وبرع، وأفتى ودرّس، وولي القضاء بالشام نحو ثلاثة أشهر سنة تسع وسبعمائة، ثم عزل لما عاد الملك النّاصر إلى الملك. قال البرزالي: كان رجلا جيدا من أعيان الحنابلة وفضلائهم، فقيها، حسن العبارة، وروى لنا عن ابن عبد الدائم. وتوفي ليلة الأربعاء تاسع عشري ربيع الأول، ودفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي الشاعر المشهور [3] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (51) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (52) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 358) . [3] لفظة «المشهور» سقطت من «ط» وهو مترجم في «ذيول العبر» ص (52) و «فوات الوفيات» (1/ 95- 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 193) والبيت الذي بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك من «الفوات» و «الدّرر» .

قال ابن حجر في «الدّرر» : اشتغل [1] بالأدب، ومهر، وفاق أقرانه. وسمع من نظمه أبو حيّان، والحافظ أبو الفتح اليعمري، وحدّث عنه غير واحد. وله في الموشحات يد طولى، وله في القوس ملغزا: ما عجوز كبيرة بلغت عم ... را طويلا وتبتغيها [2] الرّجال قد علا جسمها صفار ولم تش ... ك سقاما ولو [3] عراها هزال ولها في البنين قهر وسهم [4] ... وبنوها كبار قدر نبال [وبنوها لم يشبهوها ففي الأ ... م اعوجاج وفي البنين اعتدال] قال الكمال جعفر: كان مكثرا من النّظم، وحدّث بشيء من شعره، وسمع منه الفضلاء، وكتب عنه الكبراء. ومدح الأعيان والوزراء. وتوفي في المحرم بمصر، وله ثلاث وثمانون سنة. وفيها المسند العالم كمال الدّين إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحّاس [5] . سمع ابن يعيش، وابن قميرة، وابن رواحة، وابن خليل فأكثر، ونسخ الأجزاء، وانقطع بموته شيء كثير، وتوفي في رمضان عن بضع وسبعين أو ثمانين [6] سنة. وفيها الشيخ نجم الدّين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العبّاس الأنصاري البخاري الشّافعي الشهير بابن الرّفعة [7] . قال ابن شهبة: شيخ الإسلام وحامل لواء الشافعية في عصره.

_ [1] في «آ» و «ط» : «المشتغل» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» . [2] كذا في «آ» و «ط» و «الدّرر الكامنة» : «وتبتغيها» وفي «فوات الوفيات» : «وتتّقيها» . [3] في «الدّرر الكامنة» : «وكم» وفي «فوات الوفيات» : «ولا» . [4] في «فوات الوفيات» : «سهم وقسم» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (55) و «الدّرر الكامنة» (1/ 356) . [6] لفظة «أو ثمانين» سقطت من «آ» . [7] انظر «ذيول العبر» ص (54) و «الدّرر الكامنة» (1/ 284) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 24- 27) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 601) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 273- 274) و «النجوم الزاهرة» (9/ 213) .

ولد بمصر سنة خمس وأربعين وستمائة، وسمع الحديث من أبي الحسن بن الصوّاف، وعبد الرحيم بن الدميري. وتفقه على الشيخين السّديد [1] والظّهير التّزمنتي [2] ، وعلى الشريف العبّاسي [3] ، وأخذ عن القاضيين ابن بنت الأعزّ [4] وابن رزين [5] ولقّب الفقيه لغلبة الفقه عليه، وولي حسبة مصر، ودرّس بالمعزّية بها، وناب في القضاء، ولم يل شيئا من مناصب القاهرة، وصنّف التصنيفين العظيمين المشهورين «الكفاية في شرح التّنبيه» و «المطلب في شرح الوسيط» في نحو أربعين مجلدا، وهو أعجوبة من [6] كثرة النصوص والمباحث، ومات ولم يكمله بقي عليه من باب صلاة الجماعة إلى البيع. وأخذ عنه الشيخ تقي الدّين بن السبكي وجماعة. وقال السّبكي: إنه أفقه من الرّوياني [7] صاحب «البحر» . وقال الإسنوي: كان شافعي زمانه، وإمام أوانه، مدّ في مدارك العلم [8] باعا، وتوغل في مسائله علما وطباعا، إمام مصره بل سائر الأمصار، وفقيه عصره في سائر الأقطار، لم يخرّج إقليم مصر بعد ابن الحداد من يدانيه ولا نعلم في

_ [1] هو عثمان بن عبد الكريم بن أحمد سديد الدّين التزمنتي، المتوفى سنة (674 هـ) . انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 178) . [2] هو جعفر بن يحيى بن جعفر المخزومي التّزمنتي، المتوفى سنة (682 هـ) . انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 139) . [3] هو عماد الدين العبّاسي. كان إماما عالما بالفروع، درّس بالشريفية مدة طويلة. انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 269) و «حسن المحاضرة» (1/ 414) . [4] هو عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي، الشهير بابن بنت الأعز. المتوفى سنة (665 هـ) انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 176- 177) . [5] هو محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي. المتوفى سنة (680 هـ) . انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 187- 189) . [6] في «ط» : «في» . [7] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الرواياني» والتصحيح من «طبقات الشافعية الكبرى» وهو عبد الواحد ابن إسماعيل، الملقب فخر الإسلام. انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 565- 566) . [8] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «مدّ في مدارك الفقه» .

الشافعية مطلعا بعد الرّافعي من [1] يساويه. كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب، لا سيما في غير مظانه، وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعيّ، وأعجوبة في قوة التخريج، ديّنا، خيّرا، محسنا إلى الطلبة. توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة. وفيها نجم الدّين أبو بكر عبد الله بن أبي السّعادات بن منصور بن أبي السّعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري [2] المقرئ، خطيب جامع المنصور، وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبّال. سمع ابن بهروز، والأنجب الحمّامي، وأحمد بن المارستاني، ومات ببغداد في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها عبد الله بن أبي جمرة السّبتي المالكي [3] . روى بالإجازة عن ابن الرّبيع بن سالم، ثم ولي خطابة غرناطة في أواخر عمره فاتفق أنه صعد المنبر يوم الجمعة فسقط ميتا. وأما عبد الله بن أبي جمرة [4] الإمام القدوة، الذي شرح «مختصره للبخاري» فمات قبل القرن. وفيها علي بن علي بن أسمح اليعقوبي [5] الزّاهد ويلقب منلا [6] الناسخ.

_ [1] لفظة «من» سقطت من «ط» . [2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «ذيول العبر» ص (55- 56) و «الدّرر الكامنة» (2/ 260) . [3] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (3/ 415) وهو عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن أبي جمرة الأزدي. [4] مات الإمام ابن أبي جمرة هذا سنة (695 هـ) على أرجح الأقوال وقيل سنة (699 هـ) . انظر «البداية والنهاية» (13/ 346) و «الابتهاج بتطريز الدّيباج» على هامش «الدّيباج المذهب» صفحة (140) و «شجرة النور الزّكية» ص (199) و «الأعلام» (4/ 89) . قلت: وهو الذي صنّف «مختصر صحيح البخاري» وسمّاه: «جمع الغاية في بدء الخير وغاية» وهو إلى «التلخيص» أقرب منه إلى «المختصر» اختار فيه مؤلّفه (296) حديثا من «صحيح البخاري» وأثبتها في مختصره بعد حذف أسانيدها والإبقاء على اسم الصحابي راوي الحديث. وقد طبع هذا المختصر في مصر أول سنة (1302) هـ، ثم طبع في مصر مرة أخرى مع شرح بقلم الشيخ عبد المجيد الشّرنوبي، ثم طبع في مؤسسة الكتب الثقافية بشرح الشرنوبي أيضا. [5] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «الدّرر الكامنة» (3/ 86) . [6] في «الإعلام بوفيات الأعلام» : «مثلا» بالثاء. قلت: لكن ما جاء في كتابنا هو الأقرب إلى الصواب

كان علّامة، متفنّنا، ذا محفوظات، منها «مصابيح البغوي» و «المفصّل» و «المقامات» . وسكن الرّوم، وركب البغلة، ثم تزهّد وهاجر إلى دمشق، واستمر بدلق ومئزر صغير أسود، وتردد إلى المدارس، وأقرأ العربية، ومات باللّجّون. وفيها بهاء الدّين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثّعلبي المصري ابن القيّم [1] . كان ناظر الأوقاف، وذكر مرّة للوزارة. وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا. حدّث عن الفخر الفارسي، وابن باقا. وتوفي في ذي القعدة بمصر عن سبع وتسعين سنة. وفيها أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النسّاخ [2] . حضر ابن الزّبيدي، وروى كثيرا عن الضّياء، ومات بدمشق في رجب عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الغني السّروجي [3] [الحنفي] [4] . أحد أئمة المذهب. صنف التصانيف واشتهر، وتوفي في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة. قاله الذهبي [5] . وفيها ستّ الملوك فاطمة بنت علي بن أبي البدر [6] ، روت كتابي «الدارمي» و «عبد بن حميد» [7] عن ابن بهروز الطّبيب، وتوفيت ببغداد في ربيع الأول. قاله في «العبر» .

_ لأن لفظة «منلا» أو «ملّا» تعني في لغات الأكراد وبعض أقوام بلاد ما وراء النهر «الشيخ» وقد قال ابن حجر في «الدّرر» : المعروف بالشيخ علي ببلاده» . [1] انظر «ذيول العبر» ص (56) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «الدرر الكامنة» (3/ 91) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (54) و «الدّرر الكامنة» (2/ 435) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (53) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «الجواهر المضية» (1/ 123- 129) . [4] في «ط» : «الشافعي» ولم ترد هذه اللفظة في «آ» والتصحيح من «ذيول العبر» و «الجواهر المضية» . [5] جملة «قاله الذهبي» لم ترد في «ط» . [6] انظر «ذيول العبر» ص (52) . [7] وقد طبع «المنتخب من مسند عبد بن حميد» في مكتبة عالم الكتب ببيروت عام (1408) هـ.

سنة إحدى عشرة وسبعمائة

سنة إحدى عشرة وسبعمائة فيها توفي عماد الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطيّ الحزامي [1] الزّاهد القدوة العارف. ولد في حادي أو ثاني عشري [2] ذي الحجّة سنة سبع وخمسين وستمائة بشرقي واسط. وكان أبوه شيخ الطّائفة الأحمدية. ونشأ الشيخ عماد الدّين بينهم وألهمه الله تعالى من صغره طلب الحقّ ومحبته، والنّفور عن البدع وأهلها، فاجتمع بالفقهاء بواسط، كالشيخ عز الدّين الفاروثي وغيره، وقرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي، ثم دخل بغداد، وصحب بها طوائف من الفقهاء، وحجّ واجتمع بجماعة منهم. وأقام بالقاهرة مدة ببعض جوانبها، وخالط طوائف الفقراء، ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطرائق المحدثة، واجتمع بالإسكندرية بالطّائفة الشّاذلية، فوجد عندهم ما يطلبه من لوائح المعرفة والمحبة والسّلوك، فأخذ ذلك عنهم، وانتفع بهم واقتفى طريقتهم وهديهم، ثم قدم دمشق فرأى الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وصاحبه [3] فدلّه على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل على سيرة ابن إسحاق تلخيص ابن هشام، فلخصها واختصرها، وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسّنّة والآثار. وتخلّى من جميع طرائقه وأذواقه وسلوكه، واقتفى أثر الرّسول- صلّى الله عليه وسلّم- وهديه وطرائقه المأثورة عنه في كتب السّنن والآثار. واعتنى بأمر السّنّة أصولا وفروعا

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (61) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (1/ 91) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 358- 360) . [2] في «ط» : «ثاني عشر» . [3] يعني الإمام ابن قيم الجوزية عليه رحمة الله.

وشرع [1] في الردّ على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبيّن عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد. واختصر «الكافي» في مجلد سمّاه «البلغة» وألّف تآليف كثيرة في الطريقة [2] النبوية والسّلوك الأثري المحمدي، وهي من أنفع كتب الصّوفية للمريدين، وانتفع به خلق كثير من متصوفة أهل الحديث ومتعبديهم. قاله ابن رجب. وقال الشيخ تقي الدّين بن تيمية: هو جنيد وقته. وقال البرزالي في «معجمه» : صالح عارف صاحب نسك وعبادة وانقطاع وعزوف عن الدّنيا، وله كلام متين في التصوف الصحيح، وهو [3] داعية إلى طريق الله تعالى وقلمه أبسط من عبارته، واختصر «السيرة النبوية» وكان يتقوت من النسخ ولا يكتب إلّا مقدار ما يدفع به الضرورة. وكان محبا لأهل الحديث، معظّما لهم، وأوقاته كلّها معمورة. وقال الذهبي: كان سيّدا، عارفا، كبير الشأن، منقطعا إلى الله تعالى، ينسخ بالأجرة ويتقوت، ولا يكاد يقبل من أحد شيئا إلّا في النادر. صنّف أجزاء عديدة في السلوك والسّير إلى الله تعالى، وفي الردّ على الاتحادية والمبتدعة. وكان داعية إلى السّنّة، ومذهبه مذهب السّلف في الصّفات، يمرّها كما جاءت. وقد انتفع به جماعة صحبوه، ولا أعلم خلّف بدمشق في طريقته مثله. توفي آخر نهار السبت سادس عشري [4] ربيع الآخر بالمارستان الصغير بدمشق وصلّي عليه من الغد بالجامع، ودفن بسفح قاسيون قبالة زاوية السّيوفي. وفيها الأمير الكبير سيف الدّين اسندمر [5] الكرجي [6] .

_ [1] في «ط» : «وتبوع» وفي «آ» : «وتبرع» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [2] كذا في «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : «في الطريقة» وفي «آ» : «في الطرائق» . [3] في «ط» : «وكان» . [4] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «في سادس عشر» . [5] في «آ» و «ط» : «استذمر» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة. [6] انظر «ذيول العبر» ص (64) .

قال الذهبي: توفي في سجن الكرك في آخر الكهولة. ولي البرّ [1] بدمشق، ثم نيابة طرابلس، ثم حلب. وكان بطلا، شجاعا، سايسا، داهية، جبّارا، ظلوما، مهيبا. سمع بقراءتي «صحيح البخاري» . انتهى. وفيها إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر [2] . قال الذهبي: حدثنا عن ابن اللّتي، ومكرم، وابن الشّيرازي، وطبقتهم. وشيوخه نحو التسعين. وكان مكثرا، وفيه خفة وطيش، ولكنه فيه دين. توفي بدمشق في صفر عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها- وقيل في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة- عز الدّين الحسن بن الحارث بن الحسن بن خليفة المعروف بابن مسكين [3] ، وهو من أولاد الحارث بن مسكين [4] أحد المالكية المعاصرين للشافعي. قال ابن كثير في «طبقاته» : كان من أعيان الشافعية بالدّيار المصرية، وكان عيّن لقضاء الشافعية بدمشق فامتنع لمفارقة الوطن. وقال الإسنويّ: درّس بالشافعي، وكان من أعيان الشافعية الصّلحاء، كتب ابن الرّفعة تحت خطّه: جوابي كجواب سيدي وشيخي. توفي في جمادى الأولى. وفيها رشيد الدّين رشيد بن كامل الرّقّي الشافعي [5] . درّس وأفتى، وبرع في الأدب، وكان وكيل بلاد حلب، وحدّث عن ابن مسلمة وابن علّان، وكان علّامة، شيخ الأدباء. توفي عن ست وثمانين سنة.

_ [1] في «آ» : «ولي البريد» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (59) و «الدّرر الكامنة» (1/ 382- 383) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 276- 277) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 464) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) . [4] تقدمت ترجمته في المجلد الثالث صفحة (230) فلتراجع. [5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 110) .

وفيها- أو في التي قبلها وجزم به ابن شهبة- الشيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد الجليل النّمراوي المصري الشافعي [1] . ولد بنمرا من أعمال الغربية، واشتغل وتصدى للاشتغال [2] ، ودرّس في التفسير بالقبة المنصورية. قال ابن كثير في «طبقاته» : أحد الفضلاء المناظرين من الشافعية، أفتى ودرّس، وناظر بين يدي العلّامة ابن دقيق العيد، والعلّامة صدر الدّين بن الوكيل، فاستجاد ابن دقيق العيد بحثه ورجّحه في ذلك البحث على ابن الوكيل، فارتفع قدره من يومئذ. وصحب النائب سلّار فازداد وجاهة في الدنيا بذلك. توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة. وفيها، بل في التي قبلها جزم به غير واحد، بدر الدّين أبو البركات عبد اللّطيف بن قاضي القضاة تقي الدّين محمد بن الحسين بن رزين العامري الحموي الأصل المصري الشافعي [3] العلّامة. مولده سنة تسع وأربعين وستمائة، وسمع بمصر والشام من جماعة، وأعاد عند والده وهو ابن عشرين سنة، وناب عنه في القضاء، وأفتى وولي قضاء العسكر في حياة والده، وخطب بجامع الأزهر، ودرّس بالظّاهرية والسّيفية والأشرفية. قال ابن كثير: كان من صدور الفقهاء وأعيان الرؤساء، وأحد المذكورين في الفضلاء. وكان له اعتناء جيد بالحديث ويلقي الدروس منه ومن التفسير والفقه وأصوله، وله اعناء بالسماع والرّواية. وقال السبكي في «الطبقات» : كان يجتمع عنده بالظاهرية من الفضلاء ما لا يجتمع عند غيره وتحصل بينهم الفضائل الجمّة، بحيث كان طالب التحقيقات

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 508- 509) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 281- 282) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) . [2] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف «للإشغال» . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 409) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 285- 286) .

يحضر درسه لأجل من يحضر، فممن كان يحضر الوالد، وقطب الدين السّنباطي، وتاج الدّين طوير اللّيل [1] وجماعة. توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة. وفيها شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي [2] . قال الذهبي: الشيخ الزّاهد الصّالح البركة، خرّج له رفيقه ابن الظّاهري عن محمد بن النّعالي، وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير، وطبقتهم. وكان خيّرا، متواضعا، وافر الحرمة. توفي في رجب عن سبع وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة. وفيها القاضي المنشئ جمال الدّين محمد بن مكرّم بن علي الأنصاري [الرّويفعي] [3] ، يروي عن مرتضى، وابن المقيّر، ويوسف المحيلي، وابن الطّفيل. وحدّث بمصر ودمشق، واختصر «تاريخ ابن عساكر» [4] وله نظم ونثر، وفيه شائبة تشيّع، وتوفي بمصر في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.

_ [1] هو تاج الدّين محمد بن علي الباريناري المصري، سترد ترجمته في وفيات سنة (717) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الدّرر الكامنة» (2/ 189- 190) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «معجم الشيوخ» (2/ 288) و «فوات الوفيات» (4/ 39- 40) و «حسن المحاضرة» (1/ 388 و 534) وقد اشتهر بابن منظور. [4] وهو الذي قامت بطبعه دار الفكر بدمشق في تسعة وعشرين جزءا، وقام بتحقيق أجزائه عدد كبير من الأساتذة والباحثين، منهم أصدقاؤنا الأفاضل: رياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع الحافظ، وإبراهيم صالح، ونزار أباظة. قلت: واختصر أيضا كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني وسمّاه «مختار الأغاني» وقد طبعه المكتب الإسلامي بدمشق قبل سنوات طويلة، وقد تولى تحقيقه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وشاركه العمل فيه الأستاذ محمد محمد شراب وغيره ممن كان يعمل في المكتب الإسلامي، وصدر في اثني عشر مجلدا، وطبع بعد ذلك في مصر أيضا. وهو صاحب المعجم العظيم «لسان العرب» أحد أهم المعجمات العربية، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.

وفيها الأديب الخليع الحكيم شمس الدّين محمد بن دانيال [1] مؤلّف كتاب «طيف الخيال» . كانت له نكت غريبة، وطباع عجيبة. صحبه ولد القسيس الملكي، وكان جميل الصّورة، فخاف والده عليه منه، فكتب إليه ابن دانيال: قلت للقسيس يوما ... والورى تفهم قصدي ما الذي أنكرت من نج ... لك إذ أخلصت ودّي خفت أن يسلم عندي ... هو ما يسلم عندي ومن شعره: ما عاينت عيناي في عطلتي ... أيشم [2] من حظّي ومن بختي قد بعت عبدي وحماري وقد ... أصبحت لا فوقي ولا تحتي وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي نصر الدّباهي البغدادي [3] الحنبلي الزاهد. ولد سنة ست أو سبع وثلاثين وستمائة ببغداد، وصحب الشيخ يحيى الصّرصري، وكان خال والدته، والشيخ عبد الله كتيلة مدّة، وسافر معه، وجاور بمكّة عشر سنين. ودخل الرّوم، والجزيرة، ومصر، والشام، ثم استوطن دمشق وبها توفي. قال ابن الزملكاني عنه: شيخ صالح وعارف زاهد، كثير الرّغبة في العلم وأهله، والحرص على الخير، والاجتهاد في العبادة. تخلّى عن الدّنيا، وخرج عنها، ولازم العبادة والعمل الدائم، واستغرق أوقاته في الخير.

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (3/ 51- 57) و «فوات الوفيات» (3/ 330- 339) و «النجوم الزاهرة» (9/ 215) . [2] في «الوافي بالوفيات» : «أقلّ» وفي «فوات الوفيات» : «أدبر» ومعنى: أيشم، أشأم، قال الجوهري: والعامة تقول: ما أيشمه. [3] انظر «ذيول العبر» ص (60- 61) و «معجم الشيوخ» (2/ 168- 169) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 361- 364) .

وقال ابن رجب: سمع منه البرزالي، والذهبي، ابتلي بضيق النّفس سبعة أشهر، ثم بالاستسقاء، وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس رابع عشري شهر ربيع الآخر ودفن بقاسيون قبل الشيخ عماد الدّين الواسطي بيومين. وفيها شرف الدّين محمد بن شريف بن يوسف ابن الوحيد الزّرعي [1] . قال الذهبي: شيخ التجويد، وصاحب الكتابة الباهرة والإنشاء الجيد. كان شجاعا، مقداما، متكلما، منشئا. وهو متّهم في دينه يرمى بعظائم. توفي في شعبان وقد شاخ. انتهى. وفيها عماد الدّين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي بن البالسي [2] الدمشقي [3] . قال في «العبر» : العدل المرتضى المسند. سمع من إسحاق الشّاغوري، وكريمة، وجماعة حضورا، ومن السّخاوي، وابن قميرة، وابن شقير، وخلق. خرّجت له «معجما» كبيرا، ووقف أجزاءه. وكان محمودا في الشهادات، حسن الدّيانة. توفي في جمادى الأولى عن أربع وسبعين سنة. وفيها الصّاحب فخر الدّين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التّميمي الدّاري المصري [4] . روى عن المرسي، وولي وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية، ثم للعادل والمنصور حسام الدّين، ثم عزل ثم ولّي للناصر ثم عزل، ومات معزولا. وكان خبيرا بالأمور، شهما، مقداما، فيه كرم وسؤدد. مات ليلة الفطر عن إحدى وسبعين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (62) و «الدّرر الكامنة» (3/ 453) . [2] في «آ» و «ط» : «النابلسي» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «ذيول العبر» ص (61) و «معجم الشيوخ» (2/ 245) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدرر الكامنة» (4/ 83) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (58- 59) و «معجم الشيوخ» (2/ 76- 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 170) .

وفيها أبو حفص عمر بن عبد النّصير بن محمد بن هاشم بن عزّ العرب القُرَشي السّهمي القوصي ثم [1] الإسكندراني، المعروف بالزّاهد [2] . قال الذهبي: حدثنا بدمشق عن ابن المقيّر، وابن الجمّيزي، وحجّ مرات. وقال ابن حجر: أجاز لبعض شيوخنا، وله شعر، فمنه: قف بالحمى ودع الرّسائل ... وعن الأحبة قف وسائل واجعل خضوعك والتذلّل ... في طلابهم وسائل والدّمع من فرط البكا ... ء عليهم جار وسائل واسأل مراحمهم فهنّ ... لكل محروم وسائل وتوفي في منتصف المحرّم بالثغر عن ست وتسعين سنة. وفيها أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي [3] والدة الشيخ إبراهيم بن القرشية [4] وإخوته. روت «الصحيح» عن ابن الزّبيدي مرّات، وسمعت «صحيح مسلم» من ابن الحصيري شيخ الحنفية، وسمعت من ابن رواحة، وكانت ديّنة، متعبّدة، صالحة، مسندة. توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة. وفيها قاضي حماة العلّامة عزّ الدّين عبد العزيز بن محيي الدّين محمد بن نجم الدّين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي [5] . قال الذهبي: حدثنا عن ابن خليل، وهدية، وغيرهما. وكان له اعتناء ب «الكشّاف» وب «مفتاح» السّكّاكي [6] علّامة. توفي بحماة في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة، ودفن بتربته.

_ [1] لفظة «ثم» لم ترد في «آ» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (59) و «معجم الشيوخ» (2/ 76- 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 174) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (60) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (3/ 220) . [4] سترد ترجمته في وفيات سن (740) ص (219) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (60) و «الدّرر الكامنة» (2/ 382) و «الجواهر المضية» (2/ 438) . [6] تقدمت ترجمته في ص (215) من المجلد السابع وتمّ هناك التعريف بكتابه.

وفيها قاضي الحنابلة سعد الدّين أبو محمد وأبو عبد الرحمن، مسعود بن أحمد بن مسعود [1] المحدّث الحافظ، قاضي قضاة الحنابلة الحارثي [2] . ولد سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة، وسمع بمصر من الرّضي بن البرهان، والنّجيب الحرّاني، وابن علّاق، وجماعة من أصحاب البوصيري. وبالإسكندرية من عثمان بن عوف، وابن الفرات. وبدمشق من أحمد بن أبي الخير، وأبي زكريا بن الصّيرفي وخلق من هذه الطبقة. وعني بالحديث، وكتب بخطّه الكثير، وتفقّه على ابن أبي عمر وغيره، وبرع، وأفتى، وصنّف، وخرّج لنفسه أمالي، وتكلّم فيها على الحديث ورجاله، وعلى التراجم، فأحسن وشفى. وحجّ غير مرّة. ودرّس بعدة أماكن. وولي القضاء سنتين ونصفا. وكان سنّيّا، أثريّا، متمسّكا بالحديث. قال الذهبي في «معجمه» : كان فقيها، مناظرا، مفتيا، عالما بالحديث وفنونه، حسن الكلام، عليه وعلى الأسماء، ذا حظ من عربية وأصول، وأقرأ المذهب، ودرّس، ورأس الحنابلة. روى عنه إسماعيل بن الخبّاز، وهو أسند منه، وأبو الحجّاج المزّي، وأبو محمد البرزالي. وذكره الذهبي أيضا في «طبقات الحفاظ» وقال: كان عارفا بمذهبه، ثقة، متقنا، صينا. وقال ابن رجب: حدثنا بالكثير، وروى عنه جماعة من شيوخنا وغيرهم، وتوفي سحر يوم الأربعاء [رابع] عشري ذي الحجّة بالقاهرة، ودفن من يومه بالقرافة. والحارثي: نسبة إلى الحارثية، قرية ببغداد غربيها [3] ، كان أبوه منها.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (64) و «معجم الشيوخ» (2/ 339) و «المعجم المختص» ص (281) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 362) و «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 372) . [2] لفظة «الحارثي» سقطت من «آ» . [3] انظر حاشية الصفحة (51) من «بلدان الخلافة الشرقية» .

سنة اثنتي عشرة وسبعمائة

سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزّاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي [1] . حدّث عن سليمان الإسعردي، وأبي سليمان الحافظ، والشيخ الفقيه [2] وبالإجازة، عن ابن روزبه، ونصر بن عبد الرزّاق. وكان من العلماء الأبرار، قليل المثل، خيّرا، منوّرا، أمّارا بالمعروف. توفي في صفر عن نيّف وثمانين سنة. وفيها الصّدر الأديب المقرئ شهاب الدّين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي [3] ، من تجار الخوّاصين، ومن عدول القيمة. عرض «الشاطبية» على السّخاوي، وسمع منه أجزاء، وله نظم جيّد، منه: هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا ... ومنتهى أربي صدّوا وإن وصلوا ما لي اعتراض عليهم في تصرّفهم ... جادوا عليّ بوصل أو هم بخلوا أحبابنا كيف حلّلتم قطيعة من ... أمسى وليس له في غيركم أمل لا يحمل الضّيم إلّا في محبّتكم ... ولا يقاس به في غيره رجل والحبّ يبدي اعتذارا من جنايته ... بغير وجه ويعلو وجهه الخجل وكل ساع سعى فينا يقول لنا ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل توفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 124- 125) و «الدّرر الكامنة» (1/ 8) . [2] في «الدّرر الكامنة» : «واشتغل على الفقيه اليونيني» فلعله هو. [3] انظر «ذيول العبر» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 47- 48) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 732- 733) و «الدّرر الكامنة» (1/ 139) .

وفيها تاج الدّين أحمد بن العماد بن الشّيرازي [1] . ولي الوكالة، والحسبة، ونظر الدواوين، ونظر الجامع. وتنقل في المناصب ثم مات بطالا. حدّث عن ابن عبد الدائم، وتوفي بالمزّة في رجب عن ثمان وخمسين سنة. وفيها الفقيه الحنبلي المعمّر عماد الدّين أحمد بن القاضي شمس الدّين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي [2] . سمع ببغداد من الكاشغري، وابن الخازن، وبمصر من ابن رواج وطائفة، وتفرّد بأجزاء، وتوفي بمصر في جمادى الآخرة، عن خمس وسبعين سنة. وفيها زين الدّين أبو محمد الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي [3] سبط الفقيه زيادة. سمع من أبي القاسم بن عيسى المقرئ، ومحمد بن عمر القرطبي [4] المقرئ، وتفرّد عنهما. وتلا بالسّبع على أصحاب أبي الجود [5] . وكان خيّرا، فاضلا، كيسا، يؤدّب في منزله. توفي بمصر في شوال عن خمس وتسعين سنة. وفيها نجم الدّين داود الكردي [6] الشّافعي درّس بصلاحية القدس ثلاثين سنة، وكان علّامة، وتوفي بالقدس. وفيها شرف الدّين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني ابن خطيب حرّان فخر الدّين بن تيميّة الحرّاني [7] الحنبلي التاجر. روى عن ابن اللّتي حضورا، وعن ابن رواحة، وابن شقير، وجماعة، وكان صالحا، عدلا، تقيا.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (68- 69) . [2] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 241) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (72) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 734) و «الدّرر الكامنة» (1/ 217) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الفوطي» والتصحيح من «ذيول العبر» و «معرفة القراء الكبار» . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي النجود» والتصحيح من «ذيول العبر» و «معرفة القراء الكبار» . [6] انظر «ذيول العبر» ص (72) و «الأنس الجليل» (1/ 393) . [7] انظر «ذيول العبر» ص (70) و «الدرر الكامنة» (2/ 314) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 468) وفيه «عبد الواحد بن أبي القاسم» .

توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن هارون التّغلبي الدمشقي [1] قارئ المواعيد للعامّة. سمع من ابن صباح حضورا، ومن ابن الزّبيدي، والمازني [2] وابن اللّتي، والنّاصح، ومكرم، وعدة. وتفرّد بالعوالي، واشتهر. وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مسندا، عالما. توفي بمصر في ربيع الآخر وله ست وثمانون سنة. وفيها نور الدّين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري بن الصوّاف [3] الشّافعي، الذي روى عن ابن باقا أكثر «سنن النسائي» سماعا، وتفرّد واشتهر، وسمع من جعفر الهمذاني، والعلم بن الصّابوني. وله إجازة أبي الوفاء محمود بن مندة من أصبهان. وتوفي في رجب وقد قارب التسعين. وفيها الملك المظفّر شهاب الدّين غازي ابن النّاصر داود بن المعظّم بن العادل [4] . قال الذهبي: حدثنا عن الصّدر البكري، وخطيب مردا. وكان عاقلا، ديّنا، عاش نيّفا وسبعين سنة. وفيها سلطان دست [5] القفجاق طقططيه [6] المغلي الجنكزخاني، وله

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (69) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (3/ 121) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المازري» والتصحيح من «ذيول العبر» و «الدّرر الكامنة» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (71) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299- 300) و «الدّرر الكامنة» (3/ 136) و «حسن المحاضرة» (1/ 389) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (71) و «الدّرر الكامنة» (3/ 215) و «النجوم الزاهرة» (9/ 224) . [5] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «دشت» والتصحيح من «ذيول العبر» مصدر المؤلف. [6] انظر «ذيول العبر» ص (72- 73) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (2/ 226) .

نحو من أربعين سنة. وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة، وكان على دين قومه، يحب السّحرة، وفيه عدل في الجملة، وميل إلى الإسلام. وعسكره خلق عظيم بالمرّة. وتملّك بعده القآن الكبير أزبك خان. وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة، وامتدت أيامه. قاله في «العبر» . وفيها صاحب ماردين نجم الدّين غازي بن المظفّر قرا أرسلان بن السّعيد غازي بن أرتق بن غازي بن تمرتاش بن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي [1] . توفي في ربيع الآخر ودفن بتربة آبائه، عن بضع وستين سنة. وتملّك بعده ولده العادل فمات بعد أيام. فيقال: سمّهما قرا سنقر. ثم تملّك ابنه الآخر الملك الصّالح. وفيها المعمّرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهرّاس [2] ولها ست وثمانون سنة. تروي عن ابن الزّبيدي حضورا، وعن ابن اللّتي، والهمذاني، وغيرهم. وكانت فقيرة، صالحة، قنوعة، متعبدة، سمراء، قابلة. توفيت بالقدس في جمادى الأولى. قاله الذّهبي. وفيها ست الأجناس موفّقيّة [3] بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية [4] . روت عن الحسن بن دينار، والعلم بن الصّابوني، وغيرهما. وتفرّدت وعمّرت اثنتين وثمانين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (69) و «النجوم الزاهرة» (9/ 224) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (70) و «معجم الشيوخ» (2/ 362- 363) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (299) و «الدّرر الكامنة» (4/ 403) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «موفية» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] انظر «ذيول العبر» ص (71- 72) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (4/ 384) .

وفيها الأديب محمد بن موسى القدسي [1] ، عرف بكاتب أمير سلاح. كتب في لوح صبي مليح اسمه سالم: وأهيف تهفو نحو بانة قدّه ... قلوب تبثّ الشجو فهي حمائم عجبت له إذ دام توريد خدّه ... وما الورد في حال على الغصن دائم وأعجب من ذا أن حيّة شعره ... تجول على أعطافه وهو سالم

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 93- 98) و «فوات الوفيات» (4/ 42- 45) و «الدّرر الكامنة» (4/ 269) والأبيات في «الوافي» و «الفوات» بالرواية ذاتها.

سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القاسم الدّشتي- بفتح المهملة وسكون المعجمة وفوقية، نسبة إلى دشتى محلّة بأصبهان- الكردي المؤدّب الحنبلي [1] . قال الذهبي حدثنا عن ابن رواحة، وابن يعيش، وابن قميرة، والضّياء، وصفيّة القرشية، وعدة. وله مشيخة بانتقاء البرزالي، وتفرّد بأشياء عالية. وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر. وفيها المسند المعمّر ركن الدّين بيبرس التركي العديمي [2] . قال الذهبي: حدّثنا عن الكاشغري، وهبة الله بن الدّوامي، وجماعة. وكان مسندا. توفي بحلب في ذي القعدة، عن نحو التسعين أو أكثر. وفيها شيخ القرّاء تقي الدّين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيّع الجزري المقصّاتي [3] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (75- 76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) و «الدّرر الكامنة» (1/ 292) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 468) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (76) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (300) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (74- 75) و «معجم الشيوخ» (2/ 413- 414) و «غاية النهاية» (1/ 183) وفيها جميعا «أبو بكر بن عمر بن مشيّع الجزري المعصّاتي» وانظر التعليق على «ذيول العبر» .

أمّ مدّة بالرّباط النّاصري بسفح قاسيون، وتلا على الشيخ عبد الصّمد وغيره. وروى عن الكواشي «تفسيره» وكان ديّنا، صالحا، بصيرا بالسّبع. وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. وفيها فخر الدّين أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان التّوزري [1]- بفتح المثناة الفوقية والزاي، بينهما واو ساكنة، وآخره راء، نسبة إلى توزر [2] مدينة بإفريقية- الحافظ المالكي المجاور. سمع السّبط، وابن الجمّيزي، وعدة. وقرأ ما لا يوصف كثرة، ثم جاور للعبادة مدة، وكان قد تلا بالسّبع. وتوفي بمكّة المشرّفة في ربيع الآخر عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها الخطيب القاضي عماد الدّين علي ابن الفخر عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدّين عبد الرحمن بن عبد العلي ابن السّكّري المصري الشّافعي [3] ، خطيب جامع الحاكم، ومدرّس مشهد الحسين، وقد ذهب في الرسالة إلى ملك التتار، وحدّث بدمشق عن جدّه لأمّه ابن الجمّيزي، وتوفي عن أربع وسبعين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (74) و «العقد الثمين» (6/ 41- 47) و «غاية النهاية» (1/ 510) . [2] انظر «الروض المعطار» ص (144- 145) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (74) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 170- 171) و «الدّرر الكامنة» (3/ 62) .

سنة أربع عشرة وسبعمائة

سنة أربع عشرة وسبعمائة فيها جرت وقعة بقرب مكّة بين الأخوين حميضة، وأبي الغيث، فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكّة. وفيها توفي العدل المسند زين الدّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدّين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشّيرازي الشّافعي [1] . قال الذهبي: حدثنا عن السّخاوي، وكريمة، والنسّابة، والتّاج بن حمّوية، وطائفة. وانتخب عليه العلائي. مولده [في أول يوم من سنة أربع وثلاثين وستمائة] . وتوفي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة. وفيها رشيد الدين إسماعيل بن عثمان بن المعلّم القرشي الدمشقي الحنفي [2] ، شيخ الحنفية. سمع من ابن الزّبيدي «الثلاثيات» [3] ، وسمع من السّخاوي، والنسّابة، وجماعة. وتفرّد وتلا بالسّبع على السّخاوي، وأفتى ودرّس، ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة، وتغيّر قبل موته بقليل وانهزم، وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وتسعين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (77) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الدّرر الكامنة» (1/ 36) و «المنهل الصّافي» (1/ 80) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (77- 78) و «الجواهر المضية» (1/ 418- 422) . [3] يعني «ثلاثيات البخاري» كما جاء مبينا في «الجواهر المضية» .

ومات قبله ابنه المفتي تقي الدّين [1] بقليل. وفيها نقيب الأشراف أمين الدّين جعفر ابن شيخ الشّيعة محيي الدّين محمد بن عدنان الحسيني [2] . توفي في حياة أبيه، فولي النقابة بعده ولده شرف الدّين عدنان وخلع عليه بطرحة، وهو شاب طريّ. قاله في «العبر» . وفيها الشيخ سليمان التركماني المولّه [3] . قال الذهبي: كان يجلس بسقاية باب البريد وحوله الكلاب، ثم يطرق العلبيين، وعليه عباءة نجسة ووسخ بيّن، وهو ساكن، قليل الحديث، له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة، وللناس فيه اعتقاد زائد. وكان شيخنا إبراهيم الرّقّي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده. قارب سبعين سنة، وكان يأكل في رمضان ولا صلاة ولا دين. ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه يتجانن. انتهى. وفيها محتشم العراق القدوة شهاب الدّين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدّين السّهرورديّ [4] ، وخلّف نعمة جزيلة، وكان عالما واعظا. حدّث عن جدّه أبي جعفر. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطّاب الباجي- بالباء الموحدة والجيم نسبة إلى باجة مدينة بالأندلس- المصري [5] الشافعي [6] الإمام المشهور.

_ [1] هو يوسف بن إسماعيل بن عثمان القرشي، تقي الدّين. تزهّد، وأفتى، ودرس بالبلخيّة جوار جامع دمشق. انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدرر الكامنة» (4/ 450) و «الجواهر المضية» (3/ 621- 622) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدّرر الكامنة» (1/ 537) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (79) و «البداية والنهاية» (14/ 72) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (78) و «الدّرر الكامنة» (2/ 413) . [5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 286- 287) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 290- 293) و «حسن المحاضرة» (1/ 544) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [6] لفظة «الشافعي» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» .

ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، سنة مولد النّووي، وتفقه بالشام على ابن عبد السّلام، ثم ولي قضاء الكرك قديما في دولة الملك الظّاهر، ثم دخل القاهرة واستوطنها، وناب في الحكم، ثم ترك ذلك، ولزمته الطلبة للاشتغال عليه. وممن أخذ عنه الشيخ تقي الدّين السّبكي، أخذ عنه الأصلين وتخرّج به في المناظرة، وله مصنّفات في فنون [ليست على قدر علمه] . قال ابن شهبة: كان أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري، وكان هو بالقاهرة والصّفي الهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري، وكان ابن دقيق العيد كثير التعظيم له. وقال التّقي السّبكي: كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا إلّا بقوله: يا إنسان غير اثنين الباجي، وابن الرّفعة، يقول للباجي: يا إمام، ولابن الرّفعة يا فقيه. وقال الإسنوي: له في المحافل مباحث مشهورة، وفي المشاهد مقامات مأثورة. كان إماما في الأصلين، والمنطق، فاضلا فيما عداها. وكان أنظر أهل زمانه ومن أذكاهم قريحة، لا يكاد ينقطع في المباحث، فصيح العبارة. وكان يبحث مع الكبير والصغير إلّا أنه قليل المطالعة جدا، ولا يكاد أحد يراه ناظرا في كتاب. وصنف مختصرات في علوم متعددة، واشتهرت وحفظت في حياته، وعقب موته، ثم انطفت كأن لم تكن. توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة بقرب المكان المعروف بورش. وفيها العالمة الفقيهة الزّاهدة القانتة، سيدة نساء زمانها، الواعظة أمّ زينب فاطمة بنت عبّاس البغدادية [1] الشّيخة بمصر، عن نيّف وثمانين سنة، وشيّعها خلائق، وانتفع بها خلق من النساء وتابوا. وكانت وافرة العقل والعلم [2] ، قانعة

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (80) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (301) و «الدرر الكامنة» (3/ 226) و «حسن المحاضرة» (1/ 390) . [2] كذا في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «وافرة العقل والعلم» وفي «آ» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف، و «حسن المحاضرة» : «وافرة العلم» .

باليسير، حريصة على النفع والتّذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف، انصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر. وكان لها قبول زائد ووقع في النّفوس، رحمها الله، زرتها مرة. قاله في «العبر» . وفيها العدل جمال الدّين ابن عطيّة بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطيّة اللّخمي [1] المتفرّد بكرامات الأولياء عن مظفّر الفوّي. مات وهو من أبناء الثمانين. وفيها الصّالح المعمّر، بقية السّلف، محمد [بن محمود بن الحسين بن الحسن، المعروف ب] «حياك الله» الموصلي [2] بزاويته في سويقة كوم الرّيش [3] بمصر، ودفن بالقرافة. وكان من الأخيار يقصد للزيارة والتبرك، سئل عن مولده فقال: قدمت مصر في أول دولة المعزّ أيبك التّركماني [4] وعمري خمس وثمانون سنة، فيكون لي مائة وستون سنة. وكان كثير الذّكر والتّلاوة، وعنده محاضرة، وعلى ذهنه أشياء. ومن شعره: إذا الحبّ لم يشغلك عن كلّ شاغل ... فما ظفرت كفّاك منه بطائل وما الحبّ إلا خمرة تسكر الفتى ... فيصبح نشوانا لطيف الشّمائل لقيني من أهواه يوما فقال لي ... بمن أنت مشغوف فقلت بسائلي ولو أن في السّلوان ما عنكم غنى ... لخلّصت قلبي واستراحت عواذلي

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (81) و «مرآة الجنان» (4/ 254) و «الدّرر الكامنة» (2/ 456) . [2] انظر «النجوم الزاهرة» (9/ 227) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [3] في «النجوم الزاهرة» : «سويقة الرّيش» وانظر الصفحة (201) من الجزء التاسع منه التعليق رقم (1) . [4] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للعلّامة الزركلي (2/ 33) .

سنة خمس عشرة وسبعمائة

سنة خمس عشرة وسبعمائة فيها كما قال في «العبر» [1] : قتل أحمد الرّويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنّبوّة، وكان له كشف وإخبار عن المغيّبات، فضلّ به الجهلة. وكان يقول: أتاني النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وحدّثني. وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة، وعليه قباء. وفيها توفي السيّد ركن الدّين حسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي [2] صاحب التصانيف. كان علّامة، متكلما، نحويا، مبالغا في التواضع، يقوم لكلّ أحد، حتّى للسّقّاء. وكانت جامكيّته [3] في الشهر ألفا وثمانية [4] دراهم، وتوفي بالموصل في المحرّم وقد شاخ. وفيها الشّيخة الصّالحة، ستّ الوزراء ابنة [تاج الدّين] أبي الفضل يحيى بن محمد بن حمزة التّغلبي الدمشقي [5] . مولدها سنة تسع وثلاثين وستمائة. وأجاز لها ابن البخاري والضّياء،

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (82) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (83) و «مرآة الجنان» (4/ 255) و «الدّرر الكامنة» (2/ 16) . [3] قال الشيخ محمد أحمد رهمان رحمه الله تعالى في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (51) : الجامكية: لفظ مشتق من جامه بمعنى اللّباس، أي نفقات أو تعويض اللّباس الحكومي، وقد ترد بمعنى الأجر أو الراتب أو المنحة، والجمع: جامكيات، جوامك، جماكي. [4] في «مرآة الجنان» : «ألف وستمائة» . [5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 129- 130) وقد تحرفت «التّغلبي» فيه إلى «الثّعلبي» فلتصحح. قلت: ووالدها مترجم في «معجم الشيوخ» (2/ 375- 376) .

وعز الدّين بن عساكر، وعتيق السّلماني، وخطيب عقربا، وجماعة. وهي من بيت الحديث. وفيها مسند الشّام قاضي القضاة تقي الدّين أبو الفضل سليمان بن حمزة ابن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] . ولد في منتصف رجب، سنة ثمان وعشرين وستمائة. وحضر على ابن الزّبيدي «صحيح البخاري» وعلى الفخر الإربلي، وابن المقيّر، وجماعة. وسمع من ابن اللّتي، وجعفر الهمداني، وكريمة القرشية، والحافظ ضياء الدّين، وابن قميرة [2] وخلق. وأكثر عن الحافظ الضّياء، حتى قال: سمعت منه نحو ألف جزء. وكتب كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء، وأجاز له خلق من البغداديين، كالسّهروردي، والقطيعي، ومن المصريين كابن عماد [3] ، وعيسى بن عبد العزيز، وابن باقا. ولازم الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وأخذ عنه الفقه والفرائض وغير ذلك. قال البرزالي: شيوخه بالسّماع نحو مائة شيخ، وبالإجازة أكثر من سبعمائة، وخرّجت له المشيخات، والعوالي، والمصافحات [4] والموافقات. ولم يزل يقرأ عليه إلى قبل وفاته بيوم. قال: وكان شيخا، جليلا، فقيها، كبيرا، بهي المنظر، وضيء الشّيبة، حسن الشّكل، مواظبا على حضور الجماعات، و [على] قيام اللّيل والتلاوة

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (85) و «معجم الشيوخ» (1/ 268- 269) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 364- 366) . [2] تحرفت في «ط» إلى «ابن قمرية» . [3] تحرفت في «ط» إلى «ابن عمّار» وهو ابن العماد الإمام الحافظ وجيه الدّين أبو المطفّر منصور بن سليمان الهمداني الإسكندراني. وقد مضت ترجمته في وفيات سنة (673) من المجلد السابع. [4] تحرفت في «ط» إلى «المصالحات» .

والصيام، وأوراد وعبادة. وكان عارفا بالفقه، خصوصا كتاب «المقنع» قرأه وأقرأه مرّات. وكان قوي النّفس، لين الجانب، حسن الخلق، متودّدا إلى الناس، حريصا على قضاء الحوائج، وعلى النّفع المتعدي. وحدّث بثلاثيات البخاري سنة ست وخمسين وستمائة، وحدّث بجميع «الصحيح» سنة ستين. وولي القضاء سنة خمس وتسعين. وقال الذهبي: كان إماما، محدّثا، أفتى نيفا وخمسين سنة، وبرع في المذهب وتخرّج به الفقهاء، وروى الكثير، وتفرّد في زمانه. وكان يقول لم أصلّ الفريضة قطّ منفردا إلّا مرتين، وكأني لم أصلهما. وسمع منه [1] الأبيوردي، وذكره في «معجمه» مع أنه توفي قبله بدهر، وابن الخبّاز وتوفي قبله بمدّة. وسمع منه أئمة وحفّاظ. وروى عنه خلق كثير. وتوفي ليلة الاثنين حادي عشري ذي القعدة بمنزله بالدّير فجأة، وكان قد حكم يوم الأحد [2] بالمدينة، وطلع إلى الجبل آخر النهار، فعرض له تغيّر يسير، وتوضأ للمغرب، ومات عقيب المغرب، ودفن من الغد بتربة جدّه الشيخ أبي عمر. وفيها الشّيخ الزّاهد محيي الدّين علي بن محتسب دمشق فخر الدّين محمود بن سيما السّلمي [3] . روى عن أبيه حضورا، وعن ابن عبد الدائم. وأجاز له ابن دحية، والإربلي، وجماعة. وكان خيّرا، ديّنا، منقطعا عن النّاس. توفي بدمشق في بستانه [4] في صفر، عن أربع وثمانين سنة. وفيها محبّ الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع القاضي الإمام الشّافعي بن الإمام تقي الدّين بن دقيق العيد [5] .

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «من» . [2] في «ط» : «يوم الاثنين» وهو خطأ بين. [3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 54) و «الدّرر الكامنة» (3/ 126) . [4] عند الذهبي في «معجم الشيوخ» : «ببستانه بقرية البلاط» وانظر «غوطة دمشق» للعلّامة كرد علي ص (164) . [5] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 234) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 293) .

ولد بقوص في صفر، سنة سبع وخمسين وستمائة. وأخذ عن والده، وسمع الحديث، وحدّث، وناب في الحكم عن والده. قال الإسنوي: كان فاضلا، ذكيا، علّق على «التعجيز» شرحا جيدا لم يكمله. وانقطع في القرافة مدّة. وتوفي في شهر رمضان بمصر ودفن عند أبيه. وفيها العلّامة شيخ الشيوخ صفي الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي ثم الهندي الشافعي [1] المتكلم على مذهب الأشعري. مولده بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة، وتفقه على جدّه لأمه الذي توفي سنة ست وستمائة، وسار من دلّي [2] سنة سبع وستين إلى اليمن، وحجّ وجاور ثلاثة أشهر، وجالس ابن سبعين. ثم قدم مصر فأقام بها أربع سنين، ثم سافر إلى بلاد الرّوم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها. وأخذ عن صاحب «التحصيل» ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري وولي بها مشيخة الشيوخ، ودرّس بها بالظّاهرية الجوانية والأتابكية والرّواحية والدّولعية. وانتصب للافتاء والإقراء في الأصول والمعقول والتصنيف والنظر. وأخذ عنه ابن المرحّل، وابن الوكيل، والفخر المصري، والكبار. وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد. وكان يحفظ ربع القرآن. قال السّبكي: كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن [3] وأدراهم بأسراره، متضلعا بالأصلين. وقال الاسنوي: كان فقيها، أصوليا، متكلّما، أديبا، متعبّدا.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (83- 84) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 162- 164) و «البداية والنهاية» (14/ 74) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 534) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 296- 298) . [2] قال الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب رحمه الله في تعليقه على «ذيول العبر» ما نصه: هي لغة في دهلي أو دلهي عاصمة الهند الآن. [3] يعني الأشعري رحمه الله.

توفي بدمشق في صفر عن إحدى وسبعين سنة، ودفن بمقابر الصّوفية. ومن تصانيفه في علم الكلام «الزّبدة» و «الفائق» وفي أصول الفقه «النهاية» و «الرسالة السيفية» . وكل مصنفاته حسنة جامعة، لا سيما «النهاية» . انتهى. وفيها العلّامة المفتي شمس الدّين بن العونسي محمد بن أبي القاسم بن جميل المالكي [1] . ولي قضاء الإسكندرية مدّة، وكان علّامة، متفنّنا. توفي بمصر وله ست وسبعون سنة. وفيها تاج الدّين أبو المكارم محمد بن كمال الدّين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النّصيبي [2] . قال الذهبي: مكثر عن يوسف بن خليل، وكان مدرّس العصرونية، ووكيل بيت المال. وولي مرّة نظر الأوقاف وكتابة الإنشاء، وتوفي بحلب عن أربع وسبعين سنة. وفيها ناصر الدّين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم [3] . سمع المرجّى بن شقيرة، ومكّي بن علّان، وأبا عمرو بن الصّلاح، وعدّة، وله «مشيخة» وأجاز له ظافر بن شحم، وابن المقيّر، وتفرّد بأشياء، وتوفي في ذي الحجّة عن تسع وسبعين سنة. وفيها عزّ الدّين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي [4] الحنفي. روى عن الإربلي حضورا، وعن مكرم، والسّخاوي، وابن الصّلاح، وجماعة. وتفرّد، ورحل إليه. وتوفي في ذي الحجّة بمصر عن سبع وثمانين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (84) و «الدّرر الكامنة» (4/ 149) و «حسن المحاضرة» (1/ 458) وقد تحرفت «جميل» فيه إلى «حميد» فلتصحح. [2] انظر «ذيول العبر» ص (85) و «الدّرر الكامنة» (3/ 355) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (86) و «الدّرر الكامنة» (4/ 313) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (86) و «الجواهر المضية» (3/ 521) .

سنة ست عشرة وسبعمائة

سنة ست عشرة وسبعمائة فيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الإشبيلي المالكي [1] . سمع «التيسير» من ابن جوبر [2] بسماعه من أبي حمزة، وبحث «كتاب سيبويه» على ابن أبي الرّبيع، وتلا بالسّبع. وكان مقرئا، نحويا، ذا علوم وتصانيف وجلالة وتلامذة. توفي بسبتة وله خمس وسبعون سنة. وفيها المقرئ المعمّر صدر الدّين أبو الفداء إسماعيل ابن يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي [3] . سمع ابن اللّتي [4] ، ومكرما، وابن الشّيرازي، والسّخاوي. وقرأ عليه بثلاث روايات. وكان فقيها بالمدارس، ومقرئا بالزويزانية [5] ، وله أملاك. وتفرّد بأجزاء. وتوفي بدمشق في شوال عن ثلاث وتسعين سنة. وفيها الرئيس العدل شمس الدّين عبد القادر بن يوسف بن مظفّر بن الحظيري الدمشقي [6] . ولي نظر الخزانة، ونظر الجامع، ونظر المارستان.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (90) و «غاية النهاية» (1/ 8) و «الدّرر الكامنة» (1/ 13) . [2] تصحفت في «آ» إلى «ابن خوير» وفي «ط» إلى «ابن حوير» والتصحيح من مصادر الترجمة، وانظر «غاية النهاية» (2/ 160) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (89) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (302) و «الدّرر الكامنة» (1/ 384) . [4] تحرفت في «ط» إلى «ابن التي» . [5] انظر «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 247) . [6] انظر «ذيول العبر» ص (87) و «الدّرر الكامنة» (2/ 393) .

وحدّث عن ابن رواج، وبالإجازة عن علي بن الجمل، وابن الصّفراوي، وطائفة. وكان ديّنا، صيّنا، أمينا، وافر الجلالة. وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة. وفيها كشتية النّاصري [1] . وفيها علاء الدّين علي بن مظفّر [2] الكندي، ويعرف بكاتب ابن وداعة [3] . سمع من البكري، وإبراهيم بن خليل، وطبقتهما. وتلا بالسّبع على العلم [4] . وغيره، ونسخ الأجزاء. وكان أديبا، بارعا، محدّثا، من جياد الطلبة، على رقّة في دينه وهنات، وله نظم ونثر وحسن كتابة. ولي مشيخة النّفيسية مدّة، وكتابة الإنشاء. وتوفي عن ست وسبعين سنة. قاله الذهبي. وفيها نجم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطّوفي الصّرصري ثم البغدادي [5] ، الحنبلي الأصولي المتفنن. ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفا [6] من أعمال صرصر. وحفظ بها [ «مختصر الخرقي» في الفقه، و «اللّمع» في النحو لابن جنّي. وتردد إلى صرصر، وقرأ الفقه بها] [7] على الشيخ شرف الدّين علي بن محمد الصّرصري.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (87) وتعليق محققه الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب عليه. [2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف وغيره من المصادر: «علي بن مظفّر» وفي بعض المصادر الأخرى: «علي بن إبراهيم بن مظفّر» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (87) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 738) و «معجم الشيوخ» (2/ 58) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (301) و «فوات الوفيات» (2/ 21- 23) و «غاية النهاية» (1/ 517) و «درّة الحجال» (3/ 222) . [4] هو علم الدّين القاسم بن أحمد اللّورفي، تقدمت ترجمته في وفيات سنة (661) من المجلد السابع. [5] انظر «ذيول العبر» ص (88) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 366- 370) و «الدّرر الكامنة» (2/ 154- 157) و «الأعلام» (3/ 127- 128) . [6] كذا في «آ» و «ط» : «طوفا» بالألف الممدودة، وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «طوفى» بالألف المقصورة، وفي «الدّرر الكامنة» : «طوف» ولم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من المصادر. [7] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.

ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين فحفظ «المحرّر» في الفقه وبحثه على الشيخ تقي الدّين الزّريراتي [1] . وقرأ العربية والتصريف على أبي عبد الله محمد بن الحسين الموصلي، والأصول على النّصير الفارقي وغيرهم. وقرأ الفرائض وشيئا من المنطق، وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون، وعلّق عنهم. وسمع الحديث من ابن الطبّال وغيره. وسافر إلى دمشق سنة أربع وسبعمائة، فسمع بها الحديث من ابن حمزة وغيره. ولقي الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، والمزّي، والبرزالي. ثم سافر إلى مصر سنة خمس وسبعمائة، فسمع بها [2] من الحافظ عبد المؤمن بن خلف، والقاضي سعد الدّين الحارثي. وقرأ على أبي حيّان النّحوي «مختصره» لكتاب سيبويه [3] . ولقي بها جماعة. وحجّ وجاور بالحرمين الشريفين، وسمع بهما، وقرأ بهما كثيرا من الكتب. وأقام بالقاهرة مدة، وصنّف تصانيف كثيرة، منها: «الاكسير في قواعد التفسير» و «الرّياض النّواضر في الأشباه والنظائر» و «بغية الواصل إلى معرفة الفواصل» . و «شرح مقامات الحريري» في مجلدات، وغير ذلك. وكان مع ذلك كلّه شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السّنّة، حتى إنه قال في نفسه [4] : حنبليّ رافضيّ ظاهري ... أشعريّ إنّها إحدى الكبر ووجد له في الرفض قصائد ويلوّح به في كثير من مصنّفاته [5] حتى إنه صنّف كتابا سمّاه «العذاب [6] الواصب على أرواح النّواصب» .

_ [1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «الزيراتي» فلتصحح. [2] لفظة «بها» سقطت من «ط» . [3] لفظة «سيبويه» لم ترد في «آ» . [4] رواية البيت في «آ» و «ط» و «ذيل طبقات الحنابلة» : حنبليّ أشعريّ رافضي هذه إحدى العبر ولا يستقيم وما أثبته لضرورة الوزن من «الدّرر الكامنة» . [5] في «ط» : «تصانيفه» . [6] تحرفت في «ط» إلى «العذاط» .

قال تاج الدّين أحمد بن مكتوم: اشتهر عنه الرّفض، والوقوع في أبي بكر رضي الله عنه، وابنته عائشة رضي الله عنها، وفي غيرهما من جلّة [1] الصحابة رضوان الله عليهم، وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطّه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له، منها قوله في قصيدة: كم بين من شكّ في خلافته ... وبين من قيل: إنه الله فرفع أمر ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدّين الحارثي، وقامت عليه بذلك البينة، فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره وإشهاره، وطيف به، ونودي عليه بذلك، وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس، وحبس أياما، ثم أطلق، فخرج من حينه مسافرا، فبلغ قوص من صعيد مصر، وأقام بها مدة. ثم حجّ في أواخر سنة أربع عشرة وجاور سنة خمس عشرة. ثم حجّ، ثم نزل إلى الشام إلى [2] الأرض المقدسة فأدركه الأجل في بلد الخليل عليه السلام في شهر رجب. وفيها طقطاي بن منكوتمر بن طغاي بن باطو بن [3] ، الطّاغية الأكبر جنكزخان المغلي التّتري، ملك القبجاق [4] . جلس على تخت الملك وعمره سبع سنين، وكان يحب السّحرة ويعظّمهم، ويحب الأطباء. وممالكه واسعة جدا، منها: قرم، وسراي، وغير ذلك. وكان له جيش عظيم إلى الغاية، يقال: إنه جهّز عسكرا مرّة يشتمل على مائتي ألف فارس. وطالت أيامه إلى هذه السنة، وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة. وملك بعده أخوه أزبك خان. وفيها مسندة الوقت ستّ الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجّى التّنوخية [5] . روت عن أبيها القاضي شمس الدّين، وابن الزّبيدي، وحدّثت

_ [1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «جملة» . [2] في «ط» : «في» . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 226) . [4] ويقال القفجاق أيضا. [5] أنظر «ذيول العبر» ص (88) و «النجوم الزاهرة» (9/ 237) .

ب «الصحيح» [1] وب «مسند الشّافعي» بدمشق ومصر مرات. وكانت على خير عظيم. وتوفيت في شعبان فجاءه عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها سلطان التتار غياث الدّين خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو [2] . هلك من هيضة في هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل. وكانت دولته ثلاث عشرة سنة، وتملّك بعده ابنه أبو سعيد. وفيها بحماة أم أحمد فاطمة بنت النّفيس محمد بن الحسين بن رواحة [3] . روت أجزاء عن عمّها بمصر وطرابلس. قال الذهبي: سمعنا منها. وفيها الشيخ العلّامة ذو الفنون صدر الدّين أبو عبد الله محمد بن عمر بن مكّي بن عبد الصّمد بن عطية بن أحمد بن عطية الشّافعي العثماني، المعروف بابن المرحّل، وبابن الوكيل [4] . ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة، ونشأ بدمشق، وسمع من ابن علّان والقاسم الإربلي. وحفظ كتبا. يقال: إنه كان إذا وضع بعضها على بعض كانت طول قامته. وحفظ «المفصّل» في مائة يوم، و «مقامات الحريري» في خمسين يوما، و «ديوان المتنبي» في جمعة واحدة. قاله ابن قاضي شهبة. وتفقّه على والده، وعلى الشيخ شرف الدّين المقدسي، والشيخ تاج الدّين الفزاري، وغيرهم. وأخذ الأصلين عن الصّفي الهندي، والنحو عن بدر الدّين بن مالك. وبرع وأفتى، وله اثنتان وعشرون سنة. واشتغل، وناظر، واشتهر اسمه، وشاع ذكره، ودرّس بالشّاميتين والعذرواية. وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية.

_ [1] يعني «صحيح البخاري» كما في «النجوم الزاهرة» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (88- 89) و «دول الإسلام» (2/ 169) و «النجوم الزاهرة» (9/ 238) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (89) و «مرآة الجنان» (4/ 255) . [4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 253- 267) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 304- 306) و «الوافي بالوفيات» (4/ 264- 284) .

وخالط النائب آقش الأفرم، وجرت له أمور لا يحسن ذكرها ولا يرشد أمرها، وأخرجت جهاته. وانتقل إلى حلب فأقام بها مدة، ودرّس، ثم انتقل إلى الدّيار المصرية، ودرّس بالمشهد الحسيني، وجمع كتاب «الأشباه والنظائر» . وأثنى عليه السّبكي كثيرا، وله نظم رائق وشعر فائق، منه [1] : ليذهبوا في ملامي أيّة ذهبوا ... في الخمر لا فضّة تبقى ولا ذهب لا تأسفنّ على مال تمزّقه [2] ... أيدي سقاة الطّلا والخرّد العرب راح بها راحتي في راحها [3] حصلت ... فتمّ عجبي بها وازداد لي [4] العجب فما كسوا راحتيّ من راحها حللا ... إلّا وعرّوا فؤادي الهمّ واستلبوا إذ ينبع [5] الدّنّ [6] من حلو مذاقته ... والتّبر منسبك في الكأس منسكب وليست الكيميا في غيرها وجدت ... وكلّ ما قيل في ألوانها كذب قيراط خمر [7] على القنطار من حزن ... يعود في الحال أفراحا [8] وينقلب عناصر أربع في الكأس قد جمعت ... وفوقها الفلك السيّار والشّهب ماء ونار هواء أرضها قدح ... وطوقها فلك والأنجم الحبب ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل ... بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب شججت بالماء منها الرأس موضحة ... فحين أعقلها بالخمس لا عجب وما تركت بها الخمس التي وجبت ... وإن رأوا تركها في بعض ما يجب

_ [1] الأبيات في «طبقات الشافعية الكبرى» مع زيادة ونقصان. وفي «الوافي بالوفيات» . [2] في «آ» و «ط» : «تفرّقه» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية الكبرى» و «الوافي» . [3] كذا في «آ» و «ط» و «الوافي بالوفيات» : «في راحتي» وفي «طبقات الشافعية الكبرى» «في راحها» . [4] في «آ» و «ط» : «وازدادني» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية الكبرى» و «الوافي» . [5] في «الوافي بالوفيات» : «إن ينبع» وهذا البيت لم يرد في «طبقات الشافعية الكبرى» . [6] في «الوافي بالوفيات» : «الدّرّ» والدّنّ: ما عظم من الرّواقيد، وهو كهيئة الحبّ إلّا أنه أطول. انظر «لسان العرب» (دنن) . [7] تحرفت في «ط» إلى «خمس» . [8] في «طبقات الشافعية الكبرى» و «الوافي بالوفيات» : «يعيد ذلك أفراحا» .

وإن تقطّب وجهي حين تبسم لي ... فعند بسط الموالي يحسن الأدب عاطيتها من بنات التّرك غانية ... لحاظها لأسود والسّود قد غلبوا [1] يا قلب [2] أردافها مهما برزت [3] بها ... قف لي عليها وقل: لي هذه الكثب وإن مررت بشعر فوق قامتها ... بالله قل لي: كيف البان والعذب تحكي الثنايا التي أبدته من حبب ... لقد حكيت ولكن فاتك الشّنب وله: عيّرتني بالسّقم إنك مشبهي ... ولذاك خصرك مثل جسمي ناحلا وأراك تشمت إذ رأيتك سائلا ... لا بدّ أن يأتي عذارك سائلا قال الذهبي: تخرّج به الأصحاب، وكان أحد الأذكياء. وقال ابن شهبة: توفي في ذي الحجّة بالقاهرة، ودفن بالقرافة بتربة القاضي فخر الدّين ناظر الجيش. ولما بلغت وفاته ابن تيميّة قال: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدّين. وفيها، على خلاف في ذلك [4] ، محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري ثم المصري شمس الدّين أبو عبد الله [5] . ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة. واشتغل بالعلم وأخذ بقوص عن الأصفهاني [6] وسمع، ودرّس، وأفتى في مذهب الشافعي، وخطب بجامع طولون، ودرّس بالشّريفيّة والمعزّيّة [6] ، وشرح «منهاج

_ [1] في هذا البيت خلاف عند الصفدي في «الوافي» . [2] في «آ» و «ط» : «ما قلت» وأثبت لفظ «الوافي» . [3] في «الوافي بالوفيات» : «مهما مررت بها» وهو أجود. [4] قلت: لم أقف على من ذكره في عداد وفيات سنة (716) سوى المؤلف رحمه الله تعالى. [5] انظر «ذيول العبر» ص (63) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 275- 276) و «الدّرر الكامنة» (4/ 299- 300) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 383- 384) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 309- 310) و «النجوم الزاهرة» (9/ 221) و «حسن المحاضرة» (1/ 544) و «درة الحجّال» (2/ 19- 21) و «الأعلام» (7/ 151) . [6] ما بين الرقمين سقط من «ط» .

البيضاوي» شرحا حسنا، و «ألفية ابن مالك» وأخذ السّبكي عنه علم الكلام. وتوفي بمصر في ذي القعدة. وفيها، على خلاف أيضا، شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي بكر ابن هبة الله الجزري ثم المصري الشافعي، ويعرف بابن المحوجب، وفي بلاده بابن القوّام [1] . ولد سنة ست وثلاثين وستمائة، كذا رأيته في بعض تواريخ المصريين، وقرأ القراآت السّبع، وأخذ بدمشق النحو عن شرف الدّين بن المقدسي، وبقوص المعقولات عن الأصفهاني، والفقه عن الشيخين ابن دقيق العيد، والدّشناوي. وأخذ بمصر عن القرافي. قال الإسنوي: كان ذكيا، أقام بمصر وأخذ عنه كثير من طلبتها، ودرّس بالمعزّية بعد موت ابن الرّفعة. وكانت السوداء تغلب على مزاجه. توفي في رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وقد جاوز الثمانين. كذا قاله الإسنوي.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 382) وقال: مات سنة (711) .

سنة سبع عشرة وسبعمائة

سنة سبع عشرة وسبعمائة في مستهل صفرها شرع في بناء جامع تنكز [1] ظاهر دمشق. وفي صفرها أيضا كانت الزيادة العظمى ببعلبك، فغرق في البلد مائة وبضع وأربعون نسمة، وخرق السّيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا، ثم تدكدك يعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع، فكان ذلك آية بيّنة، وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع. وفيها ظهر جبليّ ادعى أنه المهدي بجبلة [2] ، وثار معه خلق من النّصيريّة والجهلة، وبلغوا ثلاثة آلاف، فقال: أنا محمد المصطفى مرّة، ومرة قال: أنا عليّ، وتارة قال: أنا محمد بن الحسن المنتظر، وزعم أن الناس كفرة، وأن دين النّصيريّة هو الحقّ، وأن النّاصر صاحب مصر قد مات، وعاثوا بالسّاحل واستباحوا جبلة، ورفعوا أصواتهم بقول [3] لا إله إلّا عليّ، ولا حجاب إلّا محمّد، ولا باب إلا سلمان، ولعنوا الشيخين [4] وخرّبوا المساجد، وكانوا يحضرون المسلم إلى

_ [1] قلت: وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (14/ 81) في تأريخه لأحداث سنة (716) ما نصه: في صفر شرع في عمارة الجامع الذي أنشأه ملك الأمراء تنكز ظاهر باب القصر تجاه حكر السماق على نهر بانياس، وتردد العلماء والقضاة في تحرير قبلته، فاستقرّ الحال في أمرها على ما قاله ابن تيميّة. وانظر ما كتبه عن هذا الجامع الدكتور أسعد طلس في «ذيله» على «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» لابن المبرد المنشور بتحقيقه ص (202) . [2] انظر تفاصيل خروج هذا الضال في «دول الإسلام» (2/ 224) و «البداية والنهاية» (14/ 83) . [3] في «ط» : «وقالوا» . [4] يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما وجمعنا بهما يوم القيامة تحت لواء سيد المرسلين،

طاغيتهم ويقولون: اسجد لإلهك. فسار إليهم عسكر طرابلس، وقتل الطّاغية وجماعة، وتمزّقوا. قاله في «العبر» [1] . وفيها مات الأديب الفاضل شهاب الدّين أحمد بن أبي المحاسن [يعقوب] الطّيبي [الأسديّ] الطّرابلسي [2] بها. ومن شعره: ما مسّني الضّيم إلّا من أحبّائي ... فليتني كنت قد صاحبت أعدائي ظننتهم لي دواء الهمّ فانقلبوا ... داء يزيد بهم همّي وأدوائي من كان يشكو من الأعداء جفوتهم ... فإنني أنا شاك من أودّائي وفيها أبو بكر أحمد بن أبي بكر البغدادي الدمشقي، المعروف بنقيب المتعمّمين. كانت عنده فضائل في النظم والنثر مما يناسب الوقائع، ويحضر التّهاني والتّعازي، ويعرف الموسيقيا، والشّعبذة، وضرب الرّمل، ويحضر مجالس البسط والهزل، ثم انقطع لكبر سنه. حكاه ابن الجزري [3] في «تاريخه» . وفيها- وجزم ابن شهبة أنه في التي قبلها- فقال: يوسف بن محمد بن موسى بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي بن بهاء الدّين ابن كمال الدّين بن رضي الدّين قاضي الموصل [4] .

_ وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» . رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ورواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. [1] انظر «ذيول العبر» ص (91- 92) . [2] انظر «النجوم الزاهرة» (9/ 240) وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه. [3] سترد ترجمته في وفيات سنة (833) من المجلد التاسع إن شاء الله، واسم تاريخه «ملخص تاريخ الإسلام» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم ولا أدري في أي المكتبات هو. [4] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 312- 313) و «الدّرر الكامنة» (4/ 476) و «الأعلام» (8/ 250) .

قال بعض المتأخرين في «طبقات» جمعها: انتهت إليه رئاسة إقليمه، وشرح «الحاوي» ، وقدم رسولا من غازان [1] على الملك النّاصر، فأكرمه، وأظهر له من الحشمة والمهابة ما يليق ببيته وأصالته. مات بالسّلطانية سنة ست عشرة وسبعمائة. انتهى كلام ابن شهبة. وفيها، على خلاف أيضا، عزّ الدّين أبو حفص عمر بن أحمد بن أحمد المدلجي النّشائي المصري [2] . قال ابن شهبة: لا أعلم [3] عمن أخذ الفقه. وسمع من جماعة، ودرّس بالفاضلية وله على «الوسيط» إشكالات حسنة مفيدة [في مجلدين] ، إلّا أنها لم تكمل. وعليه تفقه ولده كمال الدّين، والشيخ مجد الدّين الزّنكلوني. وقال الإسنوي: كان إماما، بارعا في الفقه والنحو والعلوم الحسابية [أصوليا] ، محقّقا، ديّنا، ورعا، زاهدا، متصوفا، يحب السّماع ويحضره. وكانت في أخلاقه حدّة. وانتفع به خلق كثير. وقال ابن السّبكي: كان فقيها، كبيرا، ورعا، صالحا، حجّ في البحر من عيذاب [4] سنة ست عشرة وسبعمائة. وتوفي في تلك السنة بمكّة في العشر الأخير من ذي القعدة، وقيل في ذي الحجّة، ودفن بالمعلاة [5] . انتهى.

_ [1] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، وفي «الأعلام» «قازان» وكلاهما صواب فقد رسمت بالوجهين في المصادر. وهو غازان محمود بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (703) ص (18) فراجعها، وانظر «معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي» للمستشرق إدوار دفون زامباور ص (362) . [2] انظر «العقد الثمين» (6/ 283- 285) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 509) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 294- 296) و «حسن المحاضرة» (1/ 422) . [3] في «ط» : «لا أدري» . [4] بلدة على ساحل البحر الأحمر. انظر «معجم البلدان» (4/ 171) و «أطلس التاريخ العربي» ص (27) . [5] في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «بالمعلّى» والتصحيح من

وفيها شرف الدّين الحسين بن علي بن إسحاق بن سلّام- بتشديد اللام- ابن عبد الوهاب بن الحسن ابن سلّام الشافعي [1] . ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، واشتغل، فبرع، وحصّل، وأفتى، وناظر، ودرّس بالعذراوية. وولي إفتاء دار العدل أيام الأفرم. وكلام الكتبي يفهم أنه أول من ولي الإفتاء بها. قال الذهبي: كان من الأذكياء. وقال ابن كثير: كان واسع الصّدر كبير الهمّة، كريم النّفس، مشكورا في فهمه وحفظه وفصاحته ومناظرته. توفي بدمشق في رمضان. ودفن بباب الصّغير. وفيها الرّشيد فضل الله بن أبي الخير الهمذاني [2] الطّبيب. كان أبوه يهوديا عطّارا، فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة، وأسلم، واتصل بغازان، وعظم في دولة خربندا بحيث إنه صار في رتبة الملوك. قام عليه الوزير علي شاه بأنه هو الذي قتل القآن خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيّأ، فخارت قواه، فاعترف، وبرطل جوبان بألف ألف دينار، فما نفع، بل قتل هو وابنه. وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء. فسّر القرآن العظيم فشحنه بآراء الأوائل، وعاش نيفا وسبعين سنة، وقيل: بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرّشيد. وكان وزير التتار ومدبّر دولتهم. وفيها المحدّث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبّني- بالضم والتشديد،

_ «العقد الثمين» (6/ 284) . وقال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» : المعلاة: مقبرة مكة بالحجون. [1] انظر «ذيول العبر» ص (95) و «البداية والنهاية» (14/ 85) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 408- 409) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 279- 280) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (92- 93) و «الدّرر الكامنة» (3/ 232) .

نسبة إلى الجبن المأكول- الصّوفي [1] . روى عن الفخر علي، وتاج الدّين الفزاري، وكان تقيا، دينا، مؤثرا، كثير المحاسن. توفي في المحرّم عن سبع وأربعين سنة. وفيها الشيخ تاج الدّين محمد بن علي البارنباريّ [2] المصري العالم الشّافعي، الملقب طوير اللّيل [3] . قال السّبكي: أحد أذكياء الزّمان، برع فقها [وعلما] وأصولا ومنطقا. قرأ الأصول والمعقول على الأصبهاني شارح «المحصول» وسمعت الوالد- رحمه الله- يقول: قال لي ابن الرّفعة: من عندكم من الفضلاء في درس الظّاهريّة؟ فقلت له: قطب الدّين السّنباطي، وفلان وفلان، حتّى انتهيت إلى البارنباري، فقال لي: ما في من ذكرت مثله. مولده سنة أربع وخمسين وستمائة. انتهى. وفيها المعمّر قاضي المالكية بدمشق، جمال الدّين محمد بن سليمان بن سومر [4] الزّواوي [5] . استمر قاضيا بدمشق ثلاثين سنة. قال الذهبي: ثنا الزّواوي عن الشّرف المرسي، وابن عبد السلام. وأصابه فالج سنوات فعجز عن المنصب، فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلّامة فخر الدّين بن سلامة الإسكندراني.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (92) و «معجم الشيوخ» (2/ 43- 45) و «المعجم المختص» ص (90) و «المعين في طبقات المحدّثين» ص (231) و «الدّرر الكامنة» (3/ 185) وفي بعض هذه المصادر «الختني» مكان «الجبّني» . [2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الباريناري» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 249- 251) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 288) و «الدّرر الكامنة» (4/ 100) و «حسن المحاضرة» (1/ 544) . [4] اختلف في هذه اللفظة فقيل: «ابن سومر» وقيل: «ابن سومي» وقيل: «ابن سويد» وقيل غير ذلك. وانظر التعليق على «النجوم الزاهرة» و «ذيول العبر» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (93- 94) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (302) و «الدّرر الكامنة» (3/ 448) و «النجوم الزاهرة» (9/ 239) .

وتوفي الزّواوي بدمشق عن بضع وثمانين سنة. وفيها أبو القاسم محمد بن خالد بن إبراهيم الحرّاني [1] الفقيه الحنبلي التّاجر، بدر الدّين، أخو الشيخ تقي الدّين بن تيميّة لأمّه. ولد سنة خمسين وستمائة تقريبا بحرّان، وسمع بدمشق من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وابن الصّيرفي، وابن أبي عمر، وغيرهم. وتفقه، ولازم الاشتغال على الشيوخ، وأفتى بالمدرسة الجوزية، وبمسجد الرمّاحين بسوق جقمق، ودرّس بالمدرسة الحنبلية نيابة عن أخيه الشيخ تقي الدّين مدّة. قال الذهبي: كان فقيها عالما إماما بالجوزية، وله رأس مال يتجر به. وكان قد تفقّه على أبي زكريا بن الصّيرفي، وابن المنجّى، وغيرهما. سمعنا منه أجزاء، وكان خيّرا، متواضعا. وقال البرزالي: كان فقيها، مباركا، كثير الخير، قليل الشرّ، حسن الخلق، منقطعا عن النّاس، وكان يتجر، ويتكسب، وترك لأولاده تركة. وروى «جزء ابن عرفة» مرارا عديدة. وتوفي يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصّوفية عند والدته. وفيها شمس الدّين محمد بن الصّلاح موسى بن خلف بن راجح الصّالحي الحنبلي [2] . سمع ابن قميرة، والرّشيد بن مسلمة، وجماعة. وله نظم جيد. توفي في جمادى الآخرة في عشر الثمانين. وفيها القاضي الأثير شرف الدّين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلّي العدوي [3] . كاتب السرّ بمصر، ثم بدمشق.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 370) . [2] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 291- 292) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (94) .

كان ديّنا، عاقلا، ناهضا، ثقة، مشكورا، مليح الخطّ والإنشاء. روى عن ابن عبد الدائم، وتوفي بدمشق في رمضان عن أربع وتسعين سنة. وفيها القاضي الأديب علاء الدّين علي بن الصّاحب فتح الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الظّاهر بن نشوان السّعدي الجذامي [1] . كان من كبار المنشئين وعلمائهم، ورثاه الشّهاب محمود بقصيدة أولها: الله أكبر أيّ ظلّ زالا ... عن آمليه وأيّ طود مالا أنعى إلى النّاس المكارم والعلا ... والجود والإحسان والإفضالا وفيها فخر الدّين عثمان بن بلبان المقاتلي [2] ، معيد المنصوريّة. قال الذهبي: كان رفيقنا، محدّثا، رئيسا. حدّث عن أبي حفص بن القوّاص وطبقته، وارتحل، وحصّل، وكتب، وخرّج. وكان نديما، أخباريا. توفي بمصر عن اثنتين وخمسين سنة. وفيها المقرئ زين الدّين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصّنهاجيّ المرّاكشي ثم الإسكندراني [3] ، إمام مسجد قدّاح. سمع من ابن رواج، ومظفّر بن الفوّيّ. وتوفي في ذي الحجّة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (94- 95) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (95) و «المعجم المختص» ص (154) و «معجم الشيوخ» (1/ 433- 434) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (96) و «حسن المحاضرة» (1/ 390) .

سنة ثمان عشرة وسبعمائة

سنة ثمان عشرة وسبعمائة فيها كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر، وأكلت الميتة، وبيع [1] الأولاد، وجلا الناس، ومات بعض النّاس من الجوع، وجرى ما لا يعبّر عنه. وكان أهل بغداد في قحط أيضا ولكن دون ذلك. وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة وحملت الجمال في الجوّ. قاله في «العبر» [2] . وفيها توفي كمال الدّين أحمد بن الشيخ جمال الدّين محمد بن أحمد بن الشّريشيّ الوائليّ البكريّ الشافعي [3] وكيل بيت المال، وشيخ دار الحديث، وشيخ الرّباط النّاصري. مولده في رمضان سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وسمع ورحل، وطلب مدة، وقرأ بنفسه الكتب الكبار، وكان أبوه مالكيا، فاشتغل هو في مذهب الشافعي، وأفتى ودرّس، وناظر، وناب في القضاء عن ابن جماعة، ثم ترك ذلك ودرّس بالشّامية البرّانية، وبالناصرية عشرين سنة. قال ابن كثير: اشتغل في مذهب الشافعي فبرع وحصّل علوما كثيرة، وكان خبيرا بالنظم والنثر، وكان مشكور السّيرة. فيما يتولاه من الجهات كلّها.

_ [1] في «ذيول العبر» : «وبيعت» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (96) . [3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 272) و «الدّرر الكامنة» (1/ 246) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 272- 273) و «النجوم الزاهرة» (9/ 243) .

توفي في سلخ شوال متوجها إلى الحجّ بالحسا [1] ودفن هناك. وفيها الشّهاب المقرئ الجنائزي أحمد بن أبي بكر بن حطّة البغدادي أبوه الدمشقي هو [2] صاحب الألحان والصّوت الطيّب، وله نظم ونثر وفضائل، وظرف، ومنادمة ووعظ. توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة. وفيها المهتار شهاب الدّين أحمد بن رمضان، عرف بابن كسيرات مهتار الطستخاناه [3] ، وهو الذي سعى في تبطيل ما يؤخذ من قوام الحمّامات الرّجال والنّساء في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، واستمر الحال إلى الآن. وفيها فخر الدّين أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني [4] ، المالكي القاضي العلّامة الأصولي البارع. كان حميد السّيرة، بصيرا بالعلم، محتشما. توفي بدمشق في ذي الحجّة عن سبع وخمسين سنة. وفيها مجد الدّين أبو بكر بن محمد بن قاسم التّونسي الشافعي [5] . قال الذهبي: هو شيخ [القراء و] النّحاة والبحّاثين. أخذ القراآت والنّحو عن الشيخ حسن الرّاشدي، وتصدّر بتربة الأشرفية وبأمّ الصّالح، وتخرّج به الفضلاء. وكان ديّنا، صيّنا، ذكيا. حدثنا عن الفخر علي. وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين [6] سنة.

_ [1] الحسا: منزلة بين الكرك ومعان. قاله ابن حجر في «الدّرر الكامنة» (1/ 246) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (100) ولفظة «هو» سقطت منه فلتستدرك. [3] لم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [4] انظر «ذيول العبر» ص (100) و «الدّرر الكامنة» (1/ 140) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (99) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «غاية النهاية» (1/ 183- 184) . [6] لفظة «وثمانين» ولم ترد في «آ» وجاء في مكانها بياض.

وفيها السيّد ركن الدّين أبو محمد الحسن بن محمد بن شرف شاه [1] . الإمام العلّامة المفنن الحسيني الإستراباذي الشافعي. أخذ عن النّصير الطّوسي، وحصّل، وتقدّم، وكان الطّوسيّ قد جعله رئيس أصحابه بمراغة، وكان [2] يعيد دروس الجلّة، ثم انتقل إلى الموصل، ودرّس بالنّورية بها. وشرح «مختصر ابن الحاجب» شرحا متوسطا، وشرح الحاجبية ثلاثة شروح، المتوسط أشهرها. وشرح «الحاوي» في أربع مجلدات فيه اعتراضات على «الحاوي» حسنة. وتوفي في هذه السنة في المحرّم عن نيف وسبعين سنة بالموصل، وقيل توفي في سنة خمس عشرة. وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ عزّ الدّين عبد الحافظ بن أبي محمد عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي الحنبلي [3] . تفقّه بدمشق، وحضر بنابلس على خطيب مردا. وسمع وكتب بخطه كثيرا. قال الذهبي: كان فقيها، إماما، عارفا بالفقه والعربية، وفيه دين وتواضع وصلاح. وسمعت منه قصيدته التي رثى [4] بها الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر. ثم روى عنه حديثا. وقال ابن رجب: كان عدلا، وفقيها في المدارس، من أهل الدّين والعفاف. وكان كثير السّكوت، قليل الكلام. توفي بالصّالحية، ودفن بتربة الشيخ موفق الدّين، وكان من أبناء التسعين. وفيها أبو بكر بن المنذر بن زين الدّين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي الحنبلي [5] .

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 277- 279) . [2] لفظة «وكان» سقطت من «ط» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 372- 373) و «معجم الشيوخ» (1/ 138) . [4] في «ط» : «يرثي» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (98) وفيه: «أبو بكر بن المسند زين الدّين» .

قال الذهبي: كان مسند الوقت، صالحا. سمع حضورا في سنة سبع وعشرين وستمائة، وسمع من ابن الزّبيدي، والنّاصح، والإربلي، والهمذاني، وسالم بن صصرى، وطائفة، وتفرّد، وكان ذا همة، وجلادة، وذكر، وعبادة، لكنه أضرّ وثقل سمعه. وتوفي في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر. وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن تمّام بن حسّان التّلي الصّالحي [1] ، الأديب الزّاهد الحنبلي. ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من ابن قميرة، والمرسي، واليلداني، وجماعات. وقرأ النحو والأدب على الشيخ جمال الدّين بن مالك، وعلى ولده بدر الدّين، وصحبه ولازمه مدة. وأقام بالحجاز مدة. قال البرزالي: كان شيخا، فاضلا، بارعا في الأدب، حسن الصّحبة، مليح المحاضرة. صحب الفضلاء والفقراء، وتخلّق بالأخلاق الجميلة، زاهدا، متقللا من الدّنيا، لم يكن له أثاث ولا طاسة، ولا فراش، ولا زبدية، ولا سراج، بل كان بيته خاليا من ذلك كله. ومن شعره: يا من عصيت عواذلي في حبّه ... وأطعت قلبي في هواه وناظري لي في هواك صبابة عذريّة ... علقت بأذيال النّسيم الحاجري [2] وحديث وجدي في هواك مكرّر ... فلذاك يحلو إذ يمرّ بخاطري توفي ليلة السبت ثالث ربيع الآخر، ودفن من الغد بمقابر المرداويين بالقرب من تربة الشيخ أبي عمر.

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (17/ 53- 58) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 371- 372) و «الدّرر الكامنة» (2/ 241) و «القلائد الجوهرية» (2/ 474) و «درّة الحجال» (3/ 68- 70) . [2] في «درّة الحجال» : «الحائر» .

وفيها تاج الدّين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدّين [أبي] حامد التّبريزي الأفضلي الشافعي [1] الواعظ. قال الذهبي: كان شيخ تبريز، إماما، قدوة، قانتا، مذكّرا. مات في رمضان ببغداد بعد حجّه كهلا. وفيها زين الدّين علي بن مخلوف بن ناهض النّويري المالكي [2] قاضي المالكية بمصر. كانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة، وحدّث عن المرسي وغيره، وكان مشكور السّيرة. وتوفي بمصر عن ثلاث وثمانين سنة. وفيها الإمام القدوة بركة الوقت، الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي [3] ، نزيل دمشق. ولد سنة خمسين وستمائة. قال الذهبيّ: كان كبير القدر، ذا صدق وإخلاص وانقباض عن الناس، متين الدّيانة، قرأت عليه أوراقا من أوائل «الغيلانيات» وسمع من الشيخ شمس الدّين ابن الشيخ أبي عمر، والكمال عبد الرحيم، والفخر، وطائفة. وقد ألّف سيرة لجده في ثلاث كراريس. وقال ابن كثير: كان شيخا، جليلا، بشوش الوجه، حسن السّمت، مقصدا لكل أحد، كثير الوقار، عليه سيما العبادة والخير، ولم يكن له مرتب على الدولة،

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (98) و «الدّرر الكامنة» (2/ 341- 342) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 160) وما بين الحاصرتين مستدرك منها جميعا. [2] انظر «ذيول العبر» ص (97) و «الدّرر الكامنة» (3/ 127- 128) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (96- 97) و «الوافي بالوفيات» (4/ 284) و «معجم السيوخ» (2/ 260- 261) و «البداية والنهاية» (14/ 91- 92) .

ولا لزاويته، وقد عرض عليه ذلك فلم يقبل. وكان لديه علم وفضل، وله فهم صحيح ومعرفة تامّة، وحسن عقيدة، وطوية صحيحة. ومات في شهر صفر بزاويتهم في سفح قاسيون. وفيها محمد بن عمر بن أحمد بن خشير [1] الزّاهد. قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : كان عالما، عاملا، عارفا، كاملا، معروفا بالصّلاح، طائرا بجناح النّجاح، ذا كرامات مشهورة، وإشارات بين القوم مذكورة. وكان في بدايته يختلي في موضع [2] مشهود له بالفضل، فأقام فيه شهرا، فدخل رجل فسلّم وأحرم بركعتين، ثم صلى ثلاثة أيام ولم يجدد وضوءا. قال صاحب الترجمة: فقلت هذا الرجل أعطي هذا الحال وأنت مقيم في هذا الموضع مدّة ما فتح عليك بشيء، ثم عزمت على الخروج، فالتفت إليّ وقال: يقرع أحدكم الباب مدة حتّى يوشك أن يفتح له ثم يعزم على الخروج، فأقمت فما تم لي أربعون يوما إلّا وكلي عين ناظرة. وله كلام في الحقائق يدلّ على كمال فضله وتوسّعه في علوم المعارف، فمنه المجتبى مطلوب والمنيب طالب يَجْتَبِي إِلَيْهِ من يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ من يُنِيبُ 42: 13 [الشورى: 13] والسلام على من اتبع لا من ابتدع. وقال: رأس مال الفقير الثقة بالله وإفلاسه الرّكون إلى الخلق وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ 11: 113 [هود: 113] والظّلم تشترك فيه العامّة والخاصة، بدليل إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ 14: 34 [إبراهيم: 34] فإيّاك والركون [3] لغير الله، فتقع في الشّرك الخفي. وقال: التعلق بغير الله تعب في الدنيا والآخرة، والإقبال عليه بالقلب راحة

_ [1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر، وكتاب المناوي الذي نقل عنه المؤلف ليس بين أيدينا وهو غير مطبوع بعد فيما أعلم. [2] في «ط» : «في مكان» . [3] لفظة «والركون» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .

فيهما، والتوفيق كلّه من الله إلّا أن التعرض للنفحات مندوب، قال: ذلك الهادي إلى [1] الرّشاد الشّافع في المعاد [2] ، عليه الصّلاة والسّلام. انتهى ملخصا. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد المحمود بن رباطر الحرّاني [3] الفقيه الزّاهد، نزيل دمشق الحنبلي. ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة، بحرّان، وسمع بها من عيسى الخيّاط، والشيخ مجد الدّين بن تيميّة. وسمع بدمشق من إبراهيم بن خليل، ومحمد بن عبد الهادي، واليلداني، وابن عبد الدائم، وخطيب مردا، وعني بسماع الحديث إلى آخر عمره. قال الذهبي: كان فقيها، زاهدا، ناسكا، سلفيا، عارفا بمذهب الإمام أحمد. وقال ابن رجب: حدّث، وسمع منه جماعة، منهم: الذّهبي، وصفي الدّين عبد المؤمن بن عبد الحقّ. وسافر سنة إحدى عشرة إلى مصر لزيارة الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، فأسر من سبخة بردويل، وبقي مدة في الأسر، ويقال: إن الفرنج لما رأوا ديانته وأمانته واجتهاده أكرموه واحترموه. انتهى. وفيها الجلال محمد بن محمد [بن عيسى] بن حسن القاهري [4] طباخ الصّوفية. حدّث عن ابن قميرة، وابن الجمّيزي، والسّاوي وطائفة. وتوفي بالقاهرة. قاله في «العبر» . وفيها أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التّجيبي القرطبي [5] المالكي [6] الإمام

_ [1] لفظة «إلى» سقطت من «ط» . [2] في «ط» : «في الميعاد» . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 373) و «الدّرر الكامنة» (4/ 107) و «معجم الشيوخ» (2/ 258) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (97) و «الدّرر الكامنة» (4/ 206) و «حسن المحاضرة» (1/ 391) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (97- 98) و «البداية والنهاية» (14/ 91) . [6] لفظة «المالكي» لم ترد في «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف.

الكبير، إمام محراب المالكية بدمشق، ووالد إمامه. كان من العلماء العاملين، ومن بيت فضل وجلالة. قال الذهبي: حدثنا عن الفخر ابن البخاري. وتوفي بدمشق في رجب، وله ثمانون سنة.

سنة تسع عشرة وسبعمائة

سنة تسع عشرة وسبعمائة فيها كما قال في «العبر» [1] : جاء كتاب سلطانيّ بمنع [2] ابن تيميّة من فتياه بالكفّارة في الحلف بالطلاق، وجمع له القضاة وعوتب [3] في ذلك، واشتدّ المنع، فبقي أصحابه يفتون بها خفية [4] . وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة، فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا، ولم يقتل من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً 3: 49 [آل عمران: 49] فلله الحمد على هذا النّصر المبين، واشتهرت هذه الكائنة وصحّت لدينا. قاله في «العبر» أيضا [5] . وفيها توفي شيخ القرّاء شهاب الدّين حسين بن سليمان بن فزارة الكفري الحنفي [6] . قال الذهبي: كان قاضيا، مفتيا، شيخ القرّاء، تلا بالسّبع على علم الدّين القاسم، وأخذ عنه خلق. وحدّث عن ابن طلحة وغيره، وكان ديّنا، خيّرا، فقيها. توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (103) . [2] في «ط» : «يمنع» . [3] تحرفت في «ط» إلى «وعوقب» . [4] قلت: وذكر ابن الوردي في «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 381- 382) بأن ذلك كان سنة (718) وتوسع في إيراد الخبر فليراجع. [5] انظر الرواية بتوسع في «ذيول العبر» ص (104- 106) ففي ذلك فائدة إن شاء الله. [6] انظر «ذيول العبر» ص (106) و «الجواهر المضية» (2/ 111- 112) و «غاية النهاية» (1/ 241) .

وفيها الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي [1] المقرئ. قال الذهبي: له مشيخة. حدثنا عن عمّه الرّشيد بن مسلمة، وابن علّان، وجماعة. وعن السّخاوي [2] حضورا. وكان فيه خير وقناعة. مات بدمشق في المحرّم عن سبع وسبعين سنة. وفيها مسند الوقت شرف الدّين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصّالحي [3] المطعّم في الأشجار، ثم السّمسار في العقار. سمع «الصحيح» [4] بفوت من ابن الزّبيدي، وسمع الإربلي حضورا. وسمع ابن اللّتي، وجعفر، وكريمة، والضّياء. وتفرّد، وتكاثروا عليه. وكان أمّيّا عاميّا. قاله في «العبر» . وفيها سيف الدّين اعزلوا [5] الأمير الكبير العادلي، الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين وستمائة. وكان أحد الشجعان العقلاء، وله تربة مليحة بقاسيون. توفي بدمشق ودفن بها. وفيها الإمام بدر الدّين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري [6] . قال الذهبي: كان صدرا، كبير الرؤساء. روى عن إبراهيم بن خليل،

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (106) و «الدّرر الكامنة» (2/ 363) . [2] يعني علم الدّين، رحمه الله تعالى. [3] انظر «ذيول العبر» ص (108) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (303) و «دول الإسلام» (2/ 226) و «الدّرر الكامنة» (3/ 204) . [4] يعني «صحيح البخاري» . [5] في «آ» و «ط» : «عزلو» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (9/ 245) . [6] انظر «ذيول العبر» ص (107) و «النجوم الزاهرة» (9/ 246) .

والكمال الضّرير، وجماعة. وتلا بالسّبع، وتفقّه. وكان فيه دين ونزاهة ويذكر [1] للوزارة، ومات غريبا بدمشق وله سبع وستون سنة. وفيها العلّامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع القرطبي [2] . تفرّد بالسّماع من الشّلوبين والكبار، وكان شيخ مالقة على الإطلاق. وفيها الإمام القدوة العابد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجيّ [3] المقرئ. حدّث عن إبراهيم بن خليل وجماعة، وتلا بثلاث على الكمال الضّرير، وتفقه وانعزل، ثم اشتهر وزاره الأعيان. وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبّه، وله سيرة ومحاسن جمّة. توفي بمصر في زاويته في الحسينية في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. وفيها، وجزم السيوطي في «حسن المحاضرة» أنه [4] في التي قبلها، فقال: أبو العلاء رافع بن محمد بن هجرس بن شافع الصّميديّ [5] السّلامي، المقرئ المحدّث، جمال الدّين، والد الحافظ تقي الدّين محمد بن رافع [6] . تفقّه في مذهب الشّافعي على العلم العراقي، وأخذ النّحو عن البهاء بن

_ [1] في «آ» و «ط» : «وتذكر» والتصحيح من «ذيول العبر» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (108) و «الدّرر الكامنة» (4/ 280- 281) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (107- 108) و «غاية النهاية» (2/ 335) و «النجوم الزاهرة» (9/ 244) . [4] لفظة «أنه» سقطت من «ط» . [5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الصّعيدي» والتصحيح من «المعجم المختص» ص (98) و «الدّرر الكامنة» (2/ 106) و «غاية النهاية» (1/ 282) وفيه «هجرش» مكان «هجرس» و «حسن المحاضرة» (1/ 507) . [6] صاحب «الوفيات» المطبوع بتحقيق الدكتور صالح مهدي عبّاس في مؤسسة الرسالة ببيروت، وبتحقيق الأستاذ عبد الجبّار زكار في وزارة الثقافة بدمشق، وسترد ترجمته في وفيات سنة (774) من هذا المجلد إن شاء الله تعالى.

النحّاس، وسمع من أبي الحسن بن البخاري وجماعة، وتلا على أبي عبد الله محمد بن الحسن الإربلي الضّرير، وتصدّر للإقراء بالفاضلية. ولد بدمشق سنة ثمان وستين وستمائة، ومات بالقاهرة في ذي الحجّة سنة ثمان عشرة وسبعمائة. انتهى كلام السّيوطي. وفيها نخوة بنت محمد بن عبد القاهر بن النّصيبي [1] . قال الذهبي: روت لنا عن يوسف بن خليل.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (106) و «معجم الشيوخ» (2/ 355) و «الدّرر الكامنة» (4/ 389) .

سنة عشرين وسبعمائة

سنة عشرين وسبعمائة فيها توفي القاضي جمال الدّين أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي الحنبلي [1] . قال الطّوفي [2] : حضرت درسه، وكان بارعا في الفقه، والتفسير، والفرائض، وأما معرفة القضاء والأحكام فكان أوحد عصره في ذلك. وفيها أبو الهدى أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب [3] الكاتب. تفرّد باجزاء عن سبط السّلفي، وكان قاضيا صدرا، ويلقب بفخر الدّين. توفي بمصر عن سبع وسبعين سنة. وفيها حميضة بن أبي نميّ الحسني [4] صاحب مكة كان، ثم نزع الطّاعة، فتولى أخوه عطيفة. قتله جندي التصق به في البريّة غيلة، ثم قتله السّلطان لغدره. وفيها كمال الدّين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي [5] ، وكان خطيب المنشية.

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (6/ 299) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 373- 374) و «الدّرر الكامنة» (1/ 117) وفيهما: «ابن عصية» بالياء. [2] هو سليمان بن عبد القوي الطّوفي. وقد مرّت ترجمته في وفيات سنة (716) . [3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 106) و «حسن المحاضرة» (1/ 391) وفي بعض هذه المصادر: «ابن الجباب» بالجيم. [4] انظر «ذيول العبر» ص (113) و «العقد الثمين» (4/ 232) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (113) و «الدّرر الكامنة» (2/ 357) .

قال الذهبي: حدّثنا عن السّبط واختلط قبل موته بنحو أربعة أشهر فما إخاله حدّث فيها. وكان عدلا فقيها. توفي في ربيع الآخر وله ثلاث وتسعون سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري ثم الدمشقي الصّايغ [1] . كان نحويا، لغويا، أديبا، بارعا، ذا نظم ونثر وتصانيف، تخرّج به فضلاء، ومات بدمشق عن خمس وسبعين سنة. وفيها المسند الجليل شرف الدّين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عبّاس القرشي التّاجر الحريري المسند، ابن النّشو [2] . قال الذهبي: حدثنا عن ابن رواج وجماعة [3] وابن الجمّيزي، وابن الحباب، وتفرّد بعوالي. وتوفي بدمشق في شوال عن ثمانين سنة. وفيها المعمّر الصّالح أمين الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلبي الصّفار [4] . روى عن صفية القرشية، وشعيب الزّعفراني، والسّاوي، وابن خليل، وتفرّد، وأكثروا عنه. وتوفي في شوال بدمشق أيضا عن نيف وتسعين سنة. قاله الذهبي.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (114) و «النجوم الزاهرة» (9/ 248) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (114) و «الوافي بالوفيات» (3/ 248) . [3] لفظة «وجماعة» سقطت من «ط» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (115) و «الوافي بالوفيات» (2/ 265) .

سنة إحدى وعشرين وسبعمائة

سنة إحدى وعشرين وسبعمائة فيها توفي بهاء الدّين إبراهيم بن المفتي شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي [1] . قال الذهبي: حدّثنا عن ابن مسلمة، وابن علّان، والمرسي، وله أوقاف على البرّ، وفيه خير وتصوّن، وكان يكره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق، وكان عدلا، مسندا. توفي بدمشق في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها نور الدّين إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الصّنيعة [2] الحميري الإسنائي ويقال الإسنوي- نسبة إلى بلد بصعيد مصر الأعلى- الشّافعي [3] . قال الإسنوي في «طبقاته» : كان إماما، عالما، ماهرا في فنون كثيرة، ملازما للاشتغال، والإشغال، والتّصنيف، دينا، خيّرا. أخذ في بلده عن البهاء القفطي، وهاجر إلى القاهرة في صباه، فلازم الشّمس الأصبهاني شارح «المحصول» والبهاء بن النحّاس الحلبي النّحوي، وغيرهما من شيوخ العصر، وصنّف تصانيف حسنة بليغة في علوم كثيرة، وتولى أعمالا كثيرة بالدّيار المصرية، آخرها الأعمال القوصية، ثم صرف عنها في أواخر سنة عشرين وسبعمائة لقيام بعض كتّاب أهل الدولة عليه لكونه لم يجبه إلى ما لا يجوز تعاطيه [4] فاستوطن القاهرة، وشرع في

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (119) و «الدّرر الكامنة» (1/ 60) . [2] في «آ» و «ط» : «ابن الضيعة» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 400) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة» (1/ 74) و «حسن المحاضرة» (1/ 423) . [4] انظر بيان ذلك فيما علّقه الأستاذ الدكتور عبد الله الجبّوري على «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 161) .

الاشتغال والتصنيف على عادته، واجتمعت عليه الفضلاء، فعاجلته المنيّة. وتوفي في أوائل السنة وقد قارب السبعين. انتهى. وفيها خطيب الفيّوم الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدّين أحمد بن القاضي معين الدّين أبي بكر الهمداني المالكي [1] . كان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم، عزّى به الناس أخاه شرف الدّين المالكي. وفيها تاج الدّين أحمد بن المجير محمد بن [الشيخ كمال الدين] [2] علي بن شجاع القرشي العبّاسي [3] . روى عن جدّه الكمال الضّرير، وابن رواج، والسّبط، وحدّث بالكرك لمّا ولي نظرها. وكان رئيسا، محتشما. توفي بمصر في جمادى الأولى وله تسع وسبعون سنة. وفيها الشيخ مجد الدّين إسماعيل بن الحسين بن أبي السّائب [4] الأنصاري [5] الكاتب المعدّل. روى عن مكّي بن علّان، والرّشيد العراقي، وجماعة. وطلب بنفسه، وأخذ النّحو عن ابن مالك، وكتب الطّباق والإجازات، وتوفي ببستانه بقرية جوبر [6] . وفيها صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدّين داود بن الملك المظفّر يوسف بن عمر التّركماني [7] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (117) و «النجوم الزاهرة» (9/ 117) . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف. [3] انظر «ذيول العبر» ص (118) و «الدّرر الكامنة» (1/ 282) . [4] في «آ» و «ط» : «التائب» والتصحيح من مصادر الترجمة. [5] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 173- 174) و «المعجم المختص» ص (74) و «الدّرر الكامنة» (1/ 366) . [6] جوير: قرية من قرى غوطة دمشق الشرقية وقد اتصلت بدمشق في أيامنا كغيرها من القرى المحيطة بدمشق من الغوطتين. انظر خبرها في «معجم البلدان» (2/ 176- 177) . [7] انظر «ذيول العبر» ص (120) و «النجوم الزاهرة» (9/ 253) و «غربال الزّمان» ص (590) .

كانت دولته بضعا وعشرين سنة، وكان عالما، فاضلا، سائسا، شجاعا، جوادا، له كتب عظيمة نحو مائة ألف مجلد. وكان يحفظ «التنبيه» وغير ذلك، وتوفي بتعز في ذي الحجّة. وفيها العارف الكبير نجم الدّين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشّافعي [1] ، تلميذ الشيخ أبي العبّاس المرسي. جاور بمكة مدة، وانتقد عليه الشيخ علي الواسطي أنه مع ذلك لم يزر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وتوفي بمكّة في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة. وفيها العدل المسند علاء الدّين علي بن يحيى بن علي الشّاطبي الدمشقي الشّروطي [2] . روى شيئا كثيرا، وسمع ابن المسلمة، وابن علّان، والمجد الإسفراييني، وعدة. وتفرّد. وتوفي في رمضان عن خمس وثمانين سنة. وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الأنصاري الدمشقي الكناني ثم الخشّاب المعمار [3] . روى عن التّقي بن العزّ وغيره، وبالإجازة عن ابن اللّتي، وابن المقيّر، وابن الصّفراوي. وتوفي بدمشق في ذي الحجّة عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها تقي الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المهلّبي [4] . حمل عن إسماعيل بن عزّون، والنّجيب، وطبقتهما. وحصّل، وتعب، ثم انقطع ولزم المنزل مدة. وكان صوفيا، محدّثا، رحّالا، ساء خلقه آخرا، وتوفي بمصر.

_ [1] انظر «العقد الثمين» (5/ 271- 277) و «الدّرر الكامنة» (2/ 302) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (119) و «معجم الشيوخ» (2/ 63- 64) و «الدّرر الكامنة» (3/ 212) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (120) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (120- 121) و «الدّرر الكامنة» (3/ 493) .

وفيها شيخ الشّيعة وفاضلهم محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السّكاكيني [1] . كان لا يغلو ولا يسبّ معيّنا، ولديه فضائل. روى عن ابن مسلمة، والعراقي، ومكّي بن علّان، وتلا بالسّبع، وله نظم كثير. وأخذ عن أبي صالح الرّافضي الحلبي، وأخذه معه صاحب المدينة منصور فأقام بها سنوات، وكان يتشيّع به سنّة، ويتسنّن به رافضة، وفيه اعتزال. توفي بدمشق في صفر عن ست وثمانين سنة. وفيها سعد الدّين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي [2] . روى عن ابن اللّتي حضورا، وعن جعفر، والمرسي، وطائفة. وأجاز له ابن روزبه، والقطيعي، وعدّة. وتفرّد، واشتهر اسمه وبعد صيته، مع الدّين والسّكينة، والمروءة، والتواضع. قال الذهبي: وتفرّد بإجازة ابن صباح فيما أرى، وهو والد المحدّث شمس الدّين. توفي بالصالحية في ذي الحجّة عن تسعين سنة وتسعة أشهر. وفيها عالم المغرب الحافظ العلّامة أبو عبد الله [محمد بن عمر بن محمد] بن رشيد الفهري [3] في المحرّم بفاس، عن أربع وستين سنة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (117) و «الدّرر الكامنة» (3/ 410) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (121) و «الدّرر الكامنة» (4/ 426) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (121) و «الدّرر الكامنة» (4/ 111) و «الوافي بالوفيات» (4/ 284- 286) وما بين الحاصرتين زيادة منه ومن «الدّرر الكامنة» .

سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة

سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة فيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطّبري المكّي الشافعي [1] ، شيخ الإسلام وإمام المقام. كان صاحب حديث وفقه وإخلاص وتألّه. روى عن شعيب الزّعفراني، وابن الجمّيزي، وعبد الرحمن بن أبي حرمي، والمرسي، وعدة. وأجاز له السّخاوي وغيره، وخرّج لنفسه التساعيّات، وتفرّد بأشياء. وتوفي بمكّة في ربيع الأول وله ست وثمانون سنة. وفيها الزّاهد الكبير، قال في «العبر» [2] : جلال الدّين إبراهيم بن شيخنا زين الدّين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي بن القلانسي الكاتب. روى عن ابن عبد الدائم والكرماني، ودخل مصر منجفلا، وانقطع في مسجد فتغالوا فيه، ونوّهوا بذكره، وعظّموه، وبنوا له زاوية، واشتهر، وحصّل لأخيه عزّ الدّين الحسبة ونظر الخزانة. وتوفي المترجم بالقدس في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة. وفيها المعمّرة الرّحلة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي [3] في ذي الحجّة، عن أربع وتسعين سنة. سمعت ابن اللّتي، والهمذاني، وتفردّت بأجزاء ك «الثقفيات» ، ومسندي عبد [بن حميد] والدّارمي، وارتحلت إليها الطلبة. وحدّثت بمصر، والمدينة النّبوية، وماتت ببيت المقدس.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (124) و «العقد الثمين» (3/ 240- 247) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (125) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (126) و «النجوم الزاهرة» (9/ 258) .

وفيها زين الدّين عبد الرّحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفّر بن نصر بن رواحة الأنصاريّ الحموي [1] الشّافعي [2] . سمع من جدّه لأمّه أبي القاسم بن رواحة، وصفية القرشية، وتفرّد، ورحل إليه، وله إجازات من ابن روزبه، والسّهروردي، وعدة. وتوفي بأسيوط في ذي الحجّة عن أربع وتسعين سنة، وكان رئيسا، معمّرا، كاتبا. وفيها نصير الدّين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التّغلبيّ التكريتي ثم الدمشقي [3] ، الصّدر الكبير، صاحب الأموال، من أبناء السّبعين. سمع الرّضي، والبرهان، والنّجيب، وابن عبد الدائم. وفيها تقي الدّين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري [4] . كان محدّثا، زاهدا، له رحلة وفضائل. وروى عن النّجيب، وابن علّاق، ومرض بالفالج مدة، ثم توفي بمصر في ذي القعدة. وفيها المعمّر الصّالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي النّجديّ [5] . كان ذا خشية، وعبادة، وتلاوة، وقناعة. سمع من المرسي، وخطيب مردا، وأجاز له ابن القبّيطي، وكريمة، وخلق. وروى الكثير، ومات بالسّفح في صفر عن بضع وثمانين سنة. وفيها قطب الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الصّمد بن عبد القادر السّنباطي المصري الشافعي [6] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الجميزي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] انظر «ذيول العبر» ص (126) و «دول الإسلام» (2/ 230) و «الوافي بالوفيات» (18/ 145- 146) و «حسن المحاضرة» (1/ 392) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (125) و «البداية والنهاية» (14/ 104) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (123) و «الدّرر الكامنة» (2/ 434) و «المعجم المختص» ص (153) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (124) و «الدّرر الكامنة» (3/ 324) . [6] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 164- 165) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 72- 73)

ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وتفقّه بابن رزين وغيره، وسمع من الدّمياطي وغيره، وتقدم في العلم، ودرّس بالمدرسة الحساميّة ثم الفاضلية، وولي وكالة بيت المال، وناب في الحكم، وصنّف «تصحيح التعجيز» و «أحكام المبعّض» و «استدراكات على تصحيح التّنبيه» للنووي، واختصر قطعة من «الروضة» . قال السبكي: كان فقيها، كبيرا، تخرّجت به المصريون. وقال الإسنوي: كان إماما، حافظا للمذهب، عارفا بالأصول، دينا، خيّرا، سريع الدّمعة، متواضعا، حسن التعليم، متلطّفا بالطّلبة. توفي بالقاهرة في ذي الحجّة، ودفن بالقرافة. وسنباط: بلدة من أعمال المحلّة. وفيها السيد المعمّر الإمام محيي الدّين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي [1] . قال الذهبي: ولي نظر الحلق والسبع [2] مدة، وكان عابدا، كثير التلاوة جدا، تخضع له الشيعة، وهو والد النّقيبين زين الدّين حسين، وأمين الدّين جعفر، وجدّ النّقيب ابن عدنان، وابن عمّه. عاش ثلاثا وتسعين سنة، وكانت له معرفة وفضيلة، وفيه انجماع وانقباض عن النّاس. وفيها، أو في التي قبلها، الأديب شمس الدّين محمد بن علي المازني [3] . كان يعرف الأنغام، ويعمل الشّعر ويلحنه ويغنّي به.

_ و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 379- 381) و «حسن المحاضرة» (1/ 423) و «النجوم الزاهرة» (9/ 257) . [1] انظر «ذيول العبر» ص (122- 123) و «الدّرر الكامنة» (4/ 47) . [2] يعني حلقات القراءة وسبع القرآن في المسجد الأموي بدمشق. [3] انظر «فوات الوفيات» (4/ 5- 6) و «النجوم الزاهرة» (9/ 252) .

فمن ذلك قوله: لا تحسبوا أنني عن حبّكم سالي ... وحياتكم لم يزل حالي بكم حالي أرخصتم في هواكم مدنفا صلفا ... وهو العزيز الذي عهدي به غالي سكنتم في فؤادي وهو منزلكم ... لا عشت يوما أراه منكم خالي يا هاجرين بلا ذنب ولا سبب ... قطّعتم بسيوف الهجر أوصالي إن كان يوسف أوصى بالجمال لكم ... فإنّ والده بالحزن أوصى لي وفيها الإمام أقضى القضاة شمس الدّين محمد بن شرف الدّين أبي البركات محمد بن الشيخ أبي العزّ الأذرعي الحنفي [1] . كان فاضلا، فقيها، بصيرا بالأحكام، حكم بدمشق نحو عشرين سنة، وخطب بجامع الأفرم مدة، ودرّس بالظّاهرية، والقليجية، والمعظمية، وأفتى. وفيها العلّامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي المالكي [2] . روى «الموطأ» عن ابن أبي الرّبيع، عن ابن بقي، وكان صاحب فنون، وولي خطابة سبتة ثلاثين عاما، وتفقهوا عليه. ثم حجّ وبقي بمكة سبع سنين، ومات بها في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة. وفيها مجد الدّين محمد بن محمد بن علي بن الصّيرفي سبط ابن الحبوبي [3] . روى عن أبي اليسر، ومحمد بن النشي [4] وشهد وحضر المدارس، وقال الشعر، وعمل لنفسه مجلدا ضخما. وكان محدّثا [5] متواضعا ساكنا. توفي في رمضان بدمشق عن إحدى وستين سنة.

_ [1] انظر «الجواهر المضية» (3/ 338- 339) و «البداية والنهاية» (14/ 103) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 547) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (123) و «الوافي بالوفيات» (1/ 232) و «العقد الثمين» (2/ 328) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (123- 124) و «الدّرر الكامنة» (4/ 198) و «معجم الشيوخ» (2/ 276) . [4] في «الدّرر الكامنة» : «النشبي» . [5] لفظة «محدّثا» لم ترد في «ط» و «ذيول العبر» مصدر المؤلف.

سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة

سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فيها توفي الشيخ أبو العبّاس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصّالحي الفامي، ويعرف بابن سعفور، ويلقب بعمّي [1] . سمع من المرسي حضورا، ومن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا، وطائفة. وأجاز له السّبط، وكان خيّرا، كيسا، متعفّفا، منقطعا. توفي بقاسيون في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة. وفيها قاضي القضاة نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن الرئيس الكبير عماد الدّين محمد بن المعدّل أمين الدّين سالم بن الحافظ بهاء الدّين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التّغلبي الرّبعي الدمشقي الشافعي [2] . سمع الحديث من جماعة، وقرأ للسبع، وجوّد الخطّ على ابن المهتار، وأتقن الأقلام السّبعة، ودرّس بالأمينية وغيرها، واستمر على القضاء إلى أن مات. وكان حسن الأخلاق، كثير التودد، كريم المجالسة، مليح المحاضرة، حسن الملتقى. متواضعا جدا، له مشاركة في فنون شتّى، وعنده حظ من الأدب والنّظم. ومن نظمه: ومهفهف بالوصل جاد تكرّما ... فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا ما زلت ألثم ما حواه ثغره ... حتّى أعدت الورد فيه بنفسجا توفي ببستانه بالسّهم وحمل الصّوفية نعشه إلى الجامع المظفّري، وصلّى

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (128) و «معجم الشيوخ» (1/ 77- 78) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (128- 129) و «معجم الشيوخ» (1/ 89- 90) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 326- 328) و «فوات الوفيات» (1/ 125) .

عليه الشيخ برهان الدّين الفزاري، ودفن بتربته بالقرب من الرّكنية. وفيها الفاضل الأديب العدل شهاب الدّين محمد بن محمد [بن محمود بن مكّي] [1] عرف بابن دمرداش. كان جنديا، فلما كبر وشاخ ترك ذلك وصار شاهدا بمركز الرّواحية. وله شعر كثير لطيف، فمنه قوله: أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ... بلثم فم ما ناله ثغر عاشق فقال وفي أحشائه حرق الجوى ... مقالة صبّ للدّيار مفارق تذكّرت أوطاني فقلبي كما ترى ... أعلّله بين العذيب وبارق وله: يا قمّري إن جئت وادي الأراك ... وقبّلت أغصانه الخضر فاك فأرسل إلى عبدك من بعضها ... فإنني والله ما لي سواك وله دو بيت، قيل: إن الشيخ صدر الدّين بن الوكيل قال: وددت أنه يأخذ جميع ما قلته [2] ويعطينيه، وهو: الصبّ بك المنعوب والمعتوب ... والقلب بك المسلوب والملسوب يا من طلبت لحاظه سفك دمي ... مهلا ضعف الطّالب والمطلوب وفيها الرئيس شهاب الدّين أحمد بن محمد بن القطينة [3] ، التاجر المشهور. كان فقيرا معدما ففتح الله تعالى عليه بحيث بلغت زكاته ثمانين ألفا، وكان فيه برّ وخير، وبنى مدرسة بذرع. وتوفي بدمشق ودفن بتربته على طريق القابون. وفيها مؤرّخ الآفاق العالم المتكلم كمال الدّين عبد الرزّاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن

_ [1] في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة: «أحمد بن محمد» وهو خطأ والتصحيح من «الدّرر الكامنة» (4/ 238) و «النجوم الزاهرة» (9/ 259) وما بين الحاصرتين زيادة منهما. [2] في «ط» : «جميع شيء قلته» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (129) و «البداية والنهاية» (14/ 107) .

أبي المعالي الفضل بن العبّاس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشّيباني المروزي الأصل البغدادي [1] الأخباري، الكاتب المؤرّخ الحنبلي، ابن الصّابوني، ويعرف بابن الفوطي- محركا، نسبة إلى بيع الفوط- وكان الفوطي المنسوب إليه جدّه لأمّه. ولد في سابع عشر محرم سنة اثنتين وأربعين وستمائة بدار الخلافة من بغداد، وسمع بها من الصّاحب محيي الدّين بن الجوزي، ثم أسر في واقعة بغداد، وخلّصه النّصير الطّوسي الفيلسوف وزير الملاحدة، فلازمه وأخذ عنه علوم الأوائل، وبرع في الفلسفة وغيرها وأمره [2] بكتابة الزّيج وغيره من علم النجوم، واشتغل على غيره في اللّغة والأدب، حتّى برع ومهر في التاريخ، والشعر، وأيام الناس. وأقام بمراغة مدة، وولي بها كتب الرّصد بضع عشرة سنة، وظفر بها بكتب نفيسة، وحصّل من التواريخ ما لا مزيد عليه، وسمع بها من المبارك بن المستعصم بالله سنة ست وستين، ثم عاد إلى بغداد، وبقي بها إلى أن مات. وسمع ببغداد الكثير، وعني بالحديث [3] ، وعدّ من الحفّاظ، حتّى ذكره الذهبي في طبقاتهم، وقال: له النّظم، والنّثر، والباع الأطول في ترصيع تراجم النّاس. وله ذكاء مفرط وخطّ منسوب رشيق، وفضائل كثيرة. وسمع منه الكثير، وعني بهذا الشأن، وجمع وأفاد، فلعل الحديث أن يكفّر عنه به، وكتب من التواريخ ما لا يوصف، وعمل تاريخا كبيرا لم يبيضه، ثم عمل آخر دوّنه في خمسين مجلدا، سمّاه «مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب» [4] وله كتاب «درر الأصداف في غرر الأوصاف» وهو كبير جدا، ذكر أنه جمعه من ألف مصنّف، وكتاب «المؤتلف والمختلف» رتّبه مجدولا، وكتاب «التاريخ» على

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (170- 171) و «البداية والنهاية» (14/ 106) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 374- 376) و «الأعلام» (3/ 349- 350) . [2] في «ط» : «وأمدّه» وهو خطأ. [3] في «ط» : «وعني بالكثير» وهو خطأ. [4] وقد طبع ملخصه في وزارة الثقافة بدمشق بتحقيق العالم الفاضل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله، عام (1383) هـ.

الحوادث، وكتاب «حوادث المائة السابعة» [1] وإلى أن مات، وكتاب [2] «نظم الدّرر النّاصعة في شعر المائة السابعة» في عدة مجلدات. وذكر الذهبي أيضا في «المعجم المختص» أنّه خرّج «معجما» لشيوخه، فبلغوا خمسمائة شيخ بالسّماع والإجازة. قال: وذيّل على تاريخ شيخه ابن السّاعي نحوا من ثمانين مجلدا. وله «تلقيح الأفهام في تنقيح الأوهام» وله أشياء كثيرة في الأنساب وغيرها. وقد تكلّم في عقيدته وفي عدالته. قال: وهو في الجملة أخباريّ علّامة، ما هو بدون أبي الفرج الأصبهاني. وكان ظريفا، متواضعا، حسن الأخلاق، الله يسامحه. توفي في ثالث المحرم ببغداد ودفن بالشّونيزية. وفيها مسند الشّام بهاء الدّين القاسم بن مظفّر بن النّجم محمود بن تاج الأمناء ابن عساكر [3] . حضر في سنة تسع وعشرين وستمائة على مشهور النيرباني، وحضر ابن عساكر، وكريمة، وعبد الرحيم بن عساكر، وابن المقيّر. وسمع من ابن اللّتي وجماعة، وأجاز له مشايخ البلاد، وبلغ «معجمه» سبع مجلدات، وألحق الصّغار بالكبار، ووقف أماكن على المحدّثين. وكان طبيبا، مؤرّخا، وخرّج له البرزالي مشيخة، وابن طغرلبك «معجما» كبيرا جمع فيه شيوخه، فبلغوا أكثر من خمسمائة وسبعين شيخا. وتوفي بدمشق في شعبان عن أربع وتسعين سنة. وفيها خطيب صفد وعالمها بها نجم الدّين حسن بن محمد الصّفدي [4] .

_ [1] وهو «الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة» الذي تم طبع جزء منه منسوب إليه. وذكره الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي. وانظر «الأعلام» وكلام العلّامة الزركلي عليه فقد شكّك في نسبته إليه. [2] في «ط» : «وكتب» . [3] انظر «ذيول المعبر» ص (130- 131) و «معجم الشيوخ» (2/ 117- 119) و «البداية والنهاية» (14/ 108) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (131) و «الوافي بالوفيات» (12/ 256- 263) .

تقدّم في الأدب والمعقول، وله تآليف. وتوفي في رمضان وهو من أبناء الثمانين. وفيها شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الأحد بن عمر بن نجيح الحرّاني ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي الإمام. سمع من الفخر بن البخاري وغيره، وطلب الحديث، وقرأ بنفسه، وتفقه وأفتى، وصحب الشيخ تقي الدّين بن تيميّة ولازمه، وكان صحيح الذّهن، جيد المشاركة في العلوم، من خيار الناس وعقلائهم وعلمائهم. توفي في ذي الحجّة بوادي بني سالم في رجوعه من الحجّ، وحمل إلى المدينة النبوية فدفن بالبقيع، وكان كهلا. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمود الجيلي [2] ، نزيل بغداد، المدرّس للحنابلة بالبشيرية. كان إماما، فقيها، عالما، فاضلا، له مصنّف في الفقه لم يتمه، سمّاه «الكفاية» ذكر فيه أن الإمام أحمد نصّ على أن من وصّى بقضاء الصّلاة المفروضة عنه نفّذت وصيته. توفي ببغداد في يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى. وفيها الأمير الصّاحب الوزير نجم الدّين محمد بن عثمان بن الصّفي البصروي الحنفي [3] . ولي الحسبة ثم الخزانة، ثم الوزارة، ثم الإمرة، ودرّس أولا بمدرسة بصرى، وكان فاضلا، مقدّم خيول عربية، فتقدم في ذلك، وتوفي ببصرى كهلا. وفيها مسند الوقت شمس الدّين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن مميل بن الشّيرازي الدّمشقي [4] . سمع من جدّه القاضي أبي نصر، والسخاوي،

_ [1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 110- 111) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376- 377) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (131) و «البداية والنهاية» (14/ 108- 109) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (131- 132) و «معجم الشيوخ» (2/ 279- 280) و «الوافي بالوفيات»

وجماعة. وبمصر من العلم بن الصّابوني، وابن قميرة. وأجاز له أبو عبد الله بن الزّبيدي، والحسين ابن السيّد، وقاضي حلب بن شدّاد، وخلق. وله «مشيخة» وعوال. وروى الكثير، وكان ساكنا، وقورا، منقبضا له، كفاية، وكبر سنّه وأكثر ولم يختلط. وتوفي بالمزّة ليلة عرفة، عن أربع وتسعين سنة وشهرين. وفيها صفي الدّين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم القرافي الصّوفي [1] . كان محدّثا، لغويا، إماما. سمع الكثير، وكتب، وتعب، واشتهر، وحدّث عن النّجيب، والكمال، وكان شافعيا، حفظ «التنبيه» مع دين وتصوّن ومعرفة. توفي بدمشق بالمارستان في جمادى الآخرة وله ست وسبعون سنة. وفيها صاحب «الأجرومية» أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصّنهاجي [2] النّحوي المشهور بابن آجروم- بفتح الهمزة الممدودة وضم الجيم والراء [3] المشدّدة ومعناه بلغة البربر الفقير- الصّوفي، صاحب «المقدمة» المشهورة بالجرومية. قال ابن مكتوم [4] في «تذكرته» : نحويّ مقرئ، له معلومات من فرائض، وحساب، وأدب بارع، وله مصنّفات وأراجيز. وقال غيره: المشهور بالبركة والصّلاح، ويشهد لذلك عموم النّفع بمقدمته. ولد بفاس سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وتوفي بها في صفر.

_ (1/ 201- 202) و «البداية والنهاية» (14/ 109) . [1] انظر «ذيول العبر» ص (130) و «البداية والنهاية» (14/ 108) . [2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 238- 239) و «الأعلام» (7/ 33) . [3] تحرفت في «ط» إلى «والدال» . [4] هو أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي، سترد ترجمته ضمن وفيات سنة (749) إن شاء الله تعالى.

سنة أربع وعشرين وسبعمائة

سنة أربع وعشرين وسبعمائة فيها كان الغلاء المفرط بالشّام، وبلغت الغرارة [1] أزيد من مائتي درهم أياما، ثم جلب القمح من مصر بإلزام سلطاني [2] لأمرائه، فنزل إلى مائة وعشرين درهما، ثم بقي أشهرا، ونزل السّعر بعد شدّة، وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني. وكان على الغرارة ثلاثة دراهم ونصف. قاله في «العبر» . وفيها توفي القاضي المعمّر العدل شمس الدّين أحمد بن علي بن الزّبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي [3] . سمع من ابن الصّلاح من «سنن البهيقي» . وتوفي بدمشق في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة. وفيها وزير الشّرق علي شاه بن أبي بكر التّبريزي [4] . كان سنّيّا، معظّما لصاحب مصر، محبّا له. توفي بأرّجان في جمادى الآخرة وقد شاخ. وفيها الصّاحب الكبير كريم الدّين عبد الكريم بن هبة الله بن العلم

_ [1] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 672) : الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه. [2] في «ذيول العبر» مصدر المؤلف: «بإلزام السلطان» وهو أصح. [3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 77) و «الدّرر الكامنة» (1/ 209) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 470- 471) وقد تحرفت «الزبير» فيه إلى «الزير» فلتصحح. [4] انظر «البداية والنهاية» (14/ 116) .

هبة الله بن السّديد المصري [1] وكيل السلطان. أسلم كهلا في أيام الجاشنكير، وكان كاتبه، وتمكّن من السلطان غاية التمكن، بحيث صار الكلّ إليه، وبيده العقد والحلّ، وبلغ من الرّتبة ما لا مزيد عليه، وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان، وكان حسن الخلق، عاقلا، خيّرا، سمحا، داهية، وقورا، مرض نوبة فزيّنت مصر لعافيته، وكان يعظّم الدّيّنين، وله برّ وإيثار، عمر البيارات، وأصلح الطّرق، وعمر جامع القبيبات [2] وجامع القابون، وأوقف عليهما الأوقاف، ثم انحرف عليه السلطان ونكبه، فنفي إلى الشّويكة [3] ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، فأصبح مشنوقا بعمامته، ولما أحس بالقتل صلّى ركعتين، وقال: هاتوا [ما عندكم] [4] ، عشنا سعداء، ومتنا شهداء، أعطاني السلطان الدّنيا والآخرة، وشنق وقد قارب السّبعين. وفيها الحافظ الزّاهد علاء الدّين علي بن إبراهيم بن دواد بن سلمان بن سليمان أبو الحسن بن العطّار الشافعي [5] ، ويلقب بمختصر النّووي. سمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وغيرهما. ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة، وتفقّه على الشيخ محيي الدّين النّووي، وأخذ العربية عن جمال الدّين بن مالك، وولي مشيخة دار الحديث النّورية وغيرها، ومرض بالفالج أزيد من عشرين سنة، وكان يحمل في محفّة، وكتب الكثير وحمله، ودرّس، وأفتى، وصنّف أشياء مفيدة. قال الذهبي: خرّجت له «معجما» في مجلد انتفعت به، وأحسن إليّ باستجازته لي كبار المشيخة، وله فضائل وتألّه وأتباع.

_ [1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 116- 117) و «فوات الوفيات» (2/ 377- 383) . [2] وهو المعروف الآن بجامع الدّقّاق بحي الميدان جنوب دمشق، وقد شرع ببنائه سنة (718) ذكر ذلك ابن كثير في «البداية والنهاية» (14/ 86) وانظر «ثمار المقاصد» لابن المبرد ص (144) . [3] الشّويكة: قرية بنواحي القدس. انظر «معجم البلدان» (3/ 374) . [4] زيادة من «منادمة الأطلال» للشيخ عبد القادر بدران صفحة (387) (ع) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (136) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 355- 356) و «البداية والنهاية» (14/ 117) و «التبيان شرح بديعة البيان» (185/ ب) و «المعجم المختص»

وقال ابن كثير: له مصنفات مفيدة وتخاريج ومجاميع. وقال غيره: هو أشهر أصحاب النّووي وأخصّهم به، لزمه طويلا، وخدمه وانتفع به، وله معه حكايات، واطّلع على أحواله، وكتب مصنّفاته، وبيّض كثيرا منها، وعدّه في الحفاظ العلّامة ابن ناصر الدّين [1] وأثنى عليه. توفي بدمشق في ذي الحجّة عن سبعين سنة. وفيها الإمام الزّاهد نور الدّين علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن أبو الحسن البكري المصري الشافعي [2] . ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وسمع «مسند الشافعي» من وزيرة بنت المنجّى، واشتغل، وأفتى، ودرّس، وكان يذكر نسبه إلى أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، ولما دخل ابن تيمية إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه. قاله ابن شهبة. وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : صنّف كتابا في البيان، وكان من الأذكياء. سمعت الوالد يقول: إن ابن الرّفعة أوصى بأن يكمل [3] شرحه على «الوسيط» . وكان رجلا، جيدا، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وقد واجه مرّة الملك النّاصر [محمد بن قلاوون] [4] بكلام غليظ فأمر السلطان بقطع لسانه، حتّى شفع فيه. وقال الإسنويّ: تحيا بمجالسته النّفوس، ويتلقى بالأيدي فيحمل على

_ ص (156- 157) . [1] يعني في «التبيان شرح بديعة البيان» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (133- 134) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 370- 371) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 288- 289) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 360- 363) . [3] كذا في «طبقات الشافعية الكبرى» : «يكمل» وفي «آ» و «ط» : «يعمل» . [4] زيادة من «طبقات الشافعية الكبرى» .

الرؤوس، تقمّص بأنواع الورع والتّقى، وتمسّك بأسباب الرّقيّ [1] فارتقى. كان عالما، صالحا، نظّارا، ذكيا، متصوفا، أوصى إليه ابن الرّفعة بأن يكمل ما بقي من شرحه على «الوسيط» [2] لما علم من أهليته لذلك دون غيره، فلم يتفق ذلك، لما كان يغلب عليه من التخلّي، والانقطاع، والإقامة، والأعمال الخيرية. تنقّل بأعمال مصر لأن الملك النّاصر منعه من الإقامة بالقاهرة ومصر، إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر ودفن بالقرافة. وفيها الشيخ ركن الدّين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشّاهد بن جابي الأحباس [3] . تفرّد عن السّبط ب «جزء شيبان» وب «الدعاء» للمحاملي، و «مشيخته» . وتوفي بالثّغر في صفر عن خمس وثمانين سنة. وفيها قاضي حلب زين الدّين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري [4] . ولي حلب نيّفا وعشرين سنة، وقبلها ولي بعلبك، وناب بدمشق. وولي حمص. وكان مسمتا، مليح الشكل، فاضلا، وتوفي عن سبعين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن الإمام جمال الدّين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الشّافعي [5] . قال الذهبي: الضّالّ الذي حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مرّة [6] بعد

_ [1] في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «بأسباب التقى» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [2] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «وهو من صلاة الجماعة إلى البيع» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (133) و «الدّرر الكامنة» (3/ 191) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 295) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (134) و «البداية والنهاية» (14/ 115) و «الوافي بالوفيات» (3/ 249) . [6] تحرفت في «ط» إلى «مدة» .

أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة، فتغيب عن دمشق، وأقام بمصر بالجامع الأزهر، وتردّد إليه جماعة. وكان الشيخ صدر الدّين يتردّد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه، وكان يري الناس بوارق شيطانية، وكان له قوة تأثير، وشهد عليه أيضا بما أبيح دمه به، منهم: الشيخ مجد الدّين التّونسي، فسافر إلى العراق، ثم سعى أخوه بحماة حتّى حكم الحنبلي بعصمة دمه، فغضب المالكي وجدّد الحكم بقتله، وكان أولا فقيها بالمدارس، ثم حصل له كشف شيطانيّ فضلّ به جماعة، وكان يتنقّص بالأنبياء، ويتفوّه بعظائم، ثم قدم القابون [1] مختفيا، وسكن بها إلى أن مات في ربيع عن ستين سنة. وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحدّاد الآمدي ثم المصري [2] ، الخطيب الحنبلي. قال ابن رجب: الإمام، الصّدر، [الرئيس] الفقيه، خطيب دمشق وحلب. سمع الحديث، وتفقّه بالدّيار المصرية، وحفظ «المحرر» وشرحه على ابن حمدان، ولازمه مدة من السنين، حتّى قرأه عليه، وبرع في الفقه، وكان ابن حمدان يشكره ويثني عليه كثيرا، واشتغل بالكتابة، واتصل بالأمير قراسنقر [3] المنصوري بحلب، فولّاه [4] نظر الأوقاف وخطابة جامعها، وصرف عنه جلال الدّين القزويني، ثم صرف بالقزويني. وولي ابن الحدّاد حينئذ نظر المارستان، ثم ولي حسبة دمشق ونظر الجامع، واستمر في نظره إلى حين وفاته، وعيّن لقضاء الحنابلة في وقت. وتوفي ليلة الأربعاء سابع جمادى [الأولى] بدمشق ودفن بمقبرة باب الصّغير.

_ [1] قرية كبيرة إلى الشرق من دمشق تعدّ أراضيها من أخصب أراضي الغوطة الشرقية وقد زحف العمران عليها في عصرنا فأتى على الكثير الكثير من أراضيها. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 290) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 376- 377) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [3] في «آ» و «ط» : «سنقر» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» . [4] في «ط» : «وولّاه» .

وفيها الشيخ شرف الدّين أبو عبد الله محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الدمشقي الحنبلي [1] . ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وأسمعه والده الكثير من المسلم بن علّان، وابن أبي عمر، وطبقتهما. وسمع «المسند» [2] والكتب الكبار، وتفقّه، وأفتى، ودرّس بالمسمارية. وكان من خواص أصحاب الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وملازميه حضرا وسفرا. وكان مشهورا بالدّيانة والتّقوى، ذا خصال جميلة وعلم وشجاعة. روى عنه الذهبي في «معجمه» [3] وقال: كان إماما، فقيها، حسن الفهم، صالحا، متواضعا. توفي إلى رضوان الله في رابع شوال ودفن بسفح قاسيون. وفيها أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنّا [4] . كان عاقلا، نبيلا، فيه خير، وهو أخو مهنّا. توفي بسلميّة في أحد الرّبيعين، عن نيّف وسبعين سنة، ودفن عند أبيه.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (135) و «معجم الشيوخ» (2/ 289- 290) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 377) . [2] يعني «مسند الإمام أحمد بن حنبل» . [3] لم أعثر على ترجمته في «المعجم المختص» للذهبي المطبوع وهذا النقل مأخوذ عنه. [4] انظر «ذيول العبر» ص (134- 135) و «الدّرر الكامنة» (4/ 131) و «النجوم الزاهرة» (9/ 261) .

سنة خمس وعشرين وسبعمائة

سنة خمس وعشرين وسبعمائة في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار، وغرق أمم لا تحصى، وعظمت الاستغاثة بالله تعالى، ودام خمس ليال، وقيل: تهدّم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. قال الذهبي [1] : ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه، فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله تعالى، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صحّ هذا عندنا. وفيها توفي شيخ الظّاهرية عفيف الدّين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي [2] . روى كثيرا عن ابن خليل، وعن عيسى الخيّاط، وعدّة، وطلب الحديث، وحصّل أصولا بمروياته. قال الذهبي: خرّج له ابن المهندس «معجما» قرأته. توفي بدمشق في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة، رحمه الله تعالى. وفيها الأديب الأمشاطي أحمد بن عثمان [3] قيّم الشّام في نظم الزّجل. كان فردا في وقته، وكان كاتبا في دار البطيخ. ومن نظمه: وفتّاك اللّواحظ بعد هجر ... وفى كرما وأنعم بالمزار

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (136- 137) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (141) و «الجواهر المضية» (1/ 374- 375) . [3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 120) .

وظلّ نهاره يرمي بقلبي ... سهاما من جفون كالشّفار وعند اللّيل قلت لمقلتيه ... وحكم النّوم في الأجفان سار تبارك من توفّاكم بليل ... ويعلم ما جرحتم بالنّهار وفيها كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدّين بيبرس المنصوري الخطائي الدّويدار [1] صاحب «التاريخ الكبير» ورأس الميسرة، ونائب مصر قبل أرغون. توفي في رمضان بمصر عن ثمانين سنة. قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : هو صاحب «التاريخ المشهور» في خمسة وعشرين مجلدا. وقال الذهبي: كان عاقلا، وافر الهيبة، كبير المنزلة. وقال غيره: كان كثير الأدب، حنفي المذهب، عاقلا، قد أجيز بالإفتاء والتدريس، وله برّ [2] ومعروف، كثير الصّدقة سرّا، ويلازم الصّلاة في الجماعة، وغالب نهاره في سماع الحديث والبحث في العلوم، وليله في القرآن والتهجد، مع طلاقة الوجه ودوام البشر، رحمه الله. وفيها الفقيه المعمّر شهاب الدّين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصّقلي ثم الدمشقي الحنفي [3] . إمام مسجد الرأس، وهو آخر من حدّث عن ابن الصّلاح. توفي في صفر وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر. وفيها جمال الدّين أحمد بن علي اليمني المعروف بالعامري [4] ، وهو ابن أخت إسماعيل الحضرمي، شارح «المهذّب» .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (141- 142) و «الدّرر الكامنة» (1/ 509) و «النجوم الزاهرة» (9/ 263) . [2] في «ط» : «وله يد» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (139) و «معجم الشيوخ» (1/ 97- 98) . [4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 576) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 324- 325) .

قال الإسنوي: كان شافعيا، عالما، جليلا، شرح «الوسيط» في نحو ثمانية أجزاء، وشرح أيضا «التنبيه» شرحا لطيفا، وتولى قضاء المهجم [1] ومات بها. وفيها صدر الدّين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خطيب، القاضي العالم الزّاهد الورع أبو الرّبيع الهاشمي الجعفري، المعروف بخطيب داريّا [2] . ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقّه على الشيخين تاج الدّين الفزاري، ومحيي الدّين النّووي. وولي خطابة داريّا، وأعاد بالناصرية، وناب في الحكم مدة سنين، واستسقى الناس به سنة تسع عشرة فسقوا، وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطّيّار بينهما ثلاثة عشر أبا، ثم إنه ولي خطابة جامع التّوبة، وترك نيابة الحكم. قال الذهبي: كان يتزهّد في ثوبه وعمامته الصغيرة، ومأكله، وفيه تواضع وترك للرئاسة والتصنّع، وفراغ عن الرّعونات، وسماحة ومروءة، ورفق. وكان لا يدخل حمّاما [3] . حدّث عن ابن أبي اليسر، والمقداد، وكان عارفا بالفقه، وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنه [4] ، وإلى فقير، وربما نزل في طريق داريّا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة، رحمه الله. توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصّغير عند شيخه تاج الدّين. وفيها الشيخ المعمّر عبد الرحمن بن عبد الولي الصّحراوي سبط اليلداني [5] . سمع من جدّه كثيرا، ومن الرّشيد العراقي، وابن خطيب القرافة، وشيخ

_ [1] المهجم: من أهم مدن الجزء الشمالي من تهامة بوادي سردد. انظر «صفة جزيرة العرب» ص (97) والتعليق عليه، و «طبقات فقهاء اليمن» ص (324) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (142) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 40- 41) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 343- 344) . [3] يعني كان لا يغتسل بحمّام من حمّامات السوق. [4] في «ذيول العبر» : «إلى شاهد يؤدي عنده» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (139- 140) .

الشيوخ الحموي وأجاز له الضّياء، والسّخاوي، وسمع منه نائب السّلطنة «الآثار» للطحاوي، ووصله ورتّب له مرتّبا، ثم أضرّ وعجز. وتوفي بدمشق في ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة. وفيها أول الملوك العثمانية خلّد الله دولتهم، وهو السلطان عثمان بن طغربك بن سليمان شاه بن عثمان [1] . تولى صاحب الترجمة سنة تسع وتسعين وستمائة، فأقام ستا وعشرين سنة. نقل القطبي أن أصله من التّركمان الرّحالة النزّالة من طائفة التتار، ويتصل نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام. انتهى. ونقل صاحب «درر الأثمان [2] في أصل منبع آل عثمان» أن عثمان جدّهم الأعلى من عرب الحجاز، وأنه هاجر من الغلاء لبلاد قرمان واتصل بأتباع سلطانها في سنة خمسين وستمائة، وتزوّج من قونيا، فولد له سليمان فاشتهر أمره بعد عثمان، ثم تسلطن، وهو الذي فتح بورصة في حدود ثلاثين وسبعمائة، ثم تسلطن بعد سليمان ولده عثمان حواي الأصغر، ويقال هو الذي افتتح برسبا [3] ، وأنه أول ملوك بني عثمان، فإنه استقلّ بالملك. وأما أبواه فكانا تابعين للملوك السّلجوقية. ونقل بعض المؤرخين أن أصل ملوك بني عثمان من المدينة المنورة، فالله أعلم. ولما ظهر جنكزخان أخرب بلاد بلخ، فخرج سليمان شاه بخمسين ألف بيت إلى أرض الرّوم، فغرق في الفرات، فدخل ولده طغربك الرّوم فأكرمه السلطان علاء الدّين السّلجوقي سلطان الرّوم، فلما مات طغربك خلّف أولادا أمجادا، أشدّهم بأسا وأعلاهم همّة عثمان صاحب الترجمة، فنشأ مولعا بالقتال والجهاد في الكفّار، فلما أعجب السلطان علاء الدّين السّلجوقي ذلك منه، أرسل إليه الرّاية

_ [1] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (39- 41) و «التوفيقات الإلهامية» ص (363) وقد جزم فيه بوفاته سنة (726) هـ. [2] في «آ» : «درر الإيمان» . [3] في «آ» : «برسا» .

السّلطانية والطّبل والزّمر، فلما ضربت النّوبة بين يديه، قام على قدميه تعظيما لذلك، فصار قانونا مستمرا لآل عثمان إلى الآن، يقومون عند ضرب النّوبة، ثم بعد ذلك تمكّن من السّلطنة، واستقلّ بالأمر، وافتتح من الكفّار عدة قلاع وحصون، رحمه الله تعالى. قاله الشيخ مرعي في «نزهة الناظرين» [1] . وفيها الإمام المحدّث نور الدّين علي بن جابر الهاشمي اليمني [2] الشافعي، شيخ الحديث. حدّث عن زكي البيلقاني، وعرض عليه «الوجيز» للغزّالي، وله مشاركات وشهرة. وتوفي بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة. وفيها علاء الدّين علي بن النّصير محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي [3] . روى عن الكمال الضّرير «الشّاطبية» وعن ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وطلب، وكتب، وتفقّه، وشارك في العلم، وتميّز في كتابة الحكم والشروط. وتوفي بدمشق عن ثمانين سنة. وفيها شيخ القرّاء تقي الدّين محمد بن أحمد بن عبد الخالق [4] ، العلّامة المعروف بابن الصّايغ، الشافعي، شيخ القرّاء بالدّيار المصرية. قرأ «الشاطبية» على الكمال الضّرير، والكمال على مصنّفه ابن فارس، واشتهر، وأخذ عنه خلق، ورحل إليه، وكان ذا دين، وخير، وفضيلة، ومشاركة قوية.

_ [1] واسمه الكامل «نزهة الناظرين في تاريخ من تولّى مصر بعد فتح الصحابة من الأمراء والسلاطين إلى آل عثمان» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم ولا أعلم مكان وجوده. ومؤلفه هو العلّامة الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي المتوفى سنة (1033) هـ. انظر «كشف الظنون» (2/ 1948) و «الأعلام» (7/ 203) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (140) و «غربال الزمان» ص (593) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (138- 139) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (139) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 147- 148) و «غاية النهاية» (2/ 65- 67) و «حسن المحاضرة» (1/ 508) .

قال الإسنوي: رحل إليه الطلبة من أقطار الأرض لأخذ علم القراءة عليه لانفراده بها رواية ودراية، وأعاد بالطّيبرسية، والشّريفية، وغيرهما. وتوفي بمصر في صفر عن أربع وتسعين سنة. وفيها العلّامة الورع نور الدّين محمد بن إبراهيم بن الأميوطي [1] الشافعي [2] . حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة، وتفقه به الطلبة، وحدّث عن قطب الدّين القسطلّاني وغيره، وهو والد شرف الدّين قاضي بلبيس، وتوفي بالكرك. وفيها شهاب الدّين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي أبو الثناء [3] ، كاتب السرّ الحنبلي. قال الذهبي: علّامة الأدب، وعلم البلاغيين، وكاتب السّرّ بدمشق. حدّث عن ابن البرهان، ويحيى بن الحنبلي، وابن مالك، وخدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة، وكان يكتب التقاليد على البدية. وقال ابن رجب في «طبقاته» : تعلّم الخطّ المنسوب، ونسخ بالأجرة بخطّه الأنيق كثيرا، واشتغل بالفقه على الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدّين بن مالك، وتأدّب بالمجد بن الظهير وغيره، وفتح له في النّظم والنثر، ثم ترقت حاله، واحتيج إليه، وطلب إلى الدّيار المصرية، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وصار المشار إليه في هذا الشأن في الدّيار المصرية والشامية، وكان يكتب التقاليد [4] الكبار بلا مسودة، وله تصانيف في الإنشاء وغيره، ودوّن الفضلاء نظمه ونثره، ويقال: لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله، وله من الخصائص ما ليس للفاضل من كثرة القصائد المطولة الحسنة الأنيقة، وبقي في

_ [1] في «آ» و «ط» : «الأسيوطي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] انظر «ذيول العبر» ص (141) و «الوافي بالوفيات» (2/ 144) و «مرآة الجنان» (4/ 274) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (140) و «معجم الشيوخ» (2/ 329- 330) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 378) و «فوات الوفيات» (4/ 82- 96) و «النجوم الزاهرة» (9/ 264) وفي بعض هذه المصادر «محمود بن سلمان» . [4] تحرفت في «ط» إلى «القاليد» .

ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة بدمشق ومصر، وولي كتابة السرّ بدمشق نحوا من ثماني سنين قبل موته، وحدّث، وروى عنه الذهبي في «معجمه» وقال: كان ديّنا، خيّرا، متعبدا، مؤثرا للانقطاع والسّكون، حسن المجاورة، كثير الفضائل. وتوفي بدمشق ليلة السبت ثاني عشري شعبان ودفن بتربته التي أنشأها بالقرب من اليعمورية، وولي بعده ابنه شمس الدّين. ومن شعره- أي الشهاب محمود-: يا من أضاف إلى الجمال جميلا ... لا كنت إن طاوعت فيك عذولا عوّضتني من نار هجرك جنّة ... فسكنت ظلا من رضاك ظليلا ومننت حين منحتني سقما به ... أشبهت خصرك رقّة ونحولا وسلكت بي في الحبّ أحسن مسلك ... لم يبق لي نحو السلوّ سبيلا ولربّ ليل مثل وجهك بدره ... ودجاه مثل مديد شعرك طولا أرسلت لي فيه الخيال فكان لي ... دون الأنيس مؤانسا وخليلا إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي ... لا نال قلبي من وصالك سولا وله في حرّاث: عشقت حرّاثا مليحا غدا ... في يده المسّاس ما أجمله كأنّه الزّهرة قدّامه ال ... ثور يراعي مطلع السّنبله وفيها سراج الدّين يونس بن عبد المجيد بن علي الأرمنتي [1]- نسبة إلى أرمنت من صعيد مصر الأعلى-. ولد بها في المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة، واشتغل بقوص على الشيخ مجد الدّين القشيري، وأجازه بالفتوى، ثم ورد مصر، فاشتغل على علمائها، وسمع من الرّشيد العطّار وغيره، وصار في الفقه من كبار الأئمة، مع فضله في النحو والأصول، وغير ذلك وتصدّر لإفادة الطلبة، وصنّف كتابا سمّاه «المسائل

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 164- 166) و «النجوم الزاهرة» (9/ 267) و «حسن المحاضرة» (1/ 424) .

المهمة في اختلاف الأئمة» وكتاب «الجمع والفرق» وولاه ابن بنت الأعزّ قضاء إخميم [1] ثم صار يتنقل في أقاليم الدّيار المصرية، مشكور السيرة، محمود الحال، إلى أن تولى القوصية، فأقام بها سنين قليلة فلسعه ثعبان في المشهد بظاهر قوص، فمات به في ربيع الآخر. وذكر قبل موته بقليل أنه لم يبق أحد في الدّيار المصرية أقدم منه في الفتوى وكان أديبا شاعرا، حسن المحاضرة، وجد بعضهم مكتوبا بخطّه على ظهر كتاب له: الحال منّي يا فتى ... يغني عن الخبر المفيد فبغير سكّين ذبح ... ت فؤاد حرّ في الصّعيد فكان كذلك، لم يخرج من قوص كما سبق. وله البيتان المعروفان في الكفاءة: شرط الكفاءة حرّرت في ستة ... ينبيك عنها بيت شعر مفرد نسب ودين صنعة حريّة ... فقد العيوب وفي اليسار تردّد قاله الإسنوي.

_ [1] إخميم: بلد في صعيد مصر. انظر «معجم البلدان» (1/ 123- 124) .

سنة ست وعشرين وسبعمائة

سنة ست وعشرين وسبعمائة فيها في شعبانها أخذ ابن تيميّة وحبس بقلعة دمشق في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن [1] يؤنسه، وعزّروا [2] جماعة من أصحابه، منهم ابن القيّم. وفيها توفي زين الدّين أبو بكر بن يوسف المزّي بن الحريري الشافعي [3] . كان عالما، متواضعا، مقرئا بالسبع. أخذ عن الزّواوي، وحفظ الفقه، والنحو، وحدّث عن خطيب مردا، والبكري، وابن عبد الدائم. وله جهات. وكان مقرئا، مدرّسا. توفي بدمشق في ربيع الأول عن ثمانين سنة. وفيها الخطيب المسند تقيّ الدّين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي الحنبلي [4] .

_ [1] سترد ترجمته في وفيات سنة (747) ص (262) . [2] جاء في «لسان العرب» (عزر) : التّعزير: ضرب دون الحدّ، لمنع الجاني من المعاودة وردعه من المعصية. قلت: ولكن أين جماعة ابن تيميّة من المعصية! ما عزّروا إلّا لأنهم اتبعوا الحقّ الذي كان يدعو إليه شيخهم بالحجّة الدّامغة في ذلك الوقت. [3] انظر «ذيول العبد» ص (146) و «الدّرر الكامنة» (1/ 468) و «غاية النهاية» (1/ 184- 185) وفيه: «أبو بكر بن سيف» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (146) و «الدّرر الكامنة» (1/ 92) .

سمع من خطيب مردا «السيرة» وسمع من اليلداني والبكري، ومحمد بن عبد الهادي حضورا. ومن إبراهيم بن خليل. وأجاز له السبط وجماعة. وكان يخطب جيدا بالجامع المظفّري. وتوفي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة. وفيها المعمّرة أمة الرّحمن ستّ الفقهاء بنت الشيخ تقي الدّين إبراهيم بن علي بن الواسطي [1] الصّالحية المحدّثة. سمعت «جزء ابن عرفة» من عبد الحقّ حضورا. وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره، وأجاز لها جعفر الهمذاني، وكريمة، وأحمد بن المعزّ، وابن القسطي، وعدد كثير. وكانت مشاركة، صالحة مباركة. روت الكثير. وهي والدة فاطمة بنت الدّباهي. توفيت في ربيع الآخر عن ثلاث وتسعين سنة. وفيها الفاضل الأديب الحسن بن أحمد بن زفر الإربلي [2] . سافر، وتغرّب، ودخل إلى بلاد العجم، واشتغل بالطبّ، واستوطن دمشق، وأقام بها صوفيا بدويرة حمد [3] إلى أن مات. وكان يعرف النّحو، والأدب، والتاريخ. ومن شعره: وإذا المسافر آب مثلي مفلسا ... صفر اليدين من الذي رجّاه

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (146) و «مرآة الجنان» (4/ 276) و «أعلام النساء» (2/ 161- 162) . [2] انظر «البداية والنهاية» (14/ 125) و «الأعلام» (2/ 181) . [3] دويرة حمد: دار كانت بباب البريد بدمشق تعرف بدويرة حمد، أوقفها أبو الفرج حمد بن عبد الله ابن علي المقرئ، المتوفى سنة (401) هـ. انظر «مختصر تاريخ دمشق» (7/ 252- 253) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 149) .

وخلا عن الشيء الذي يهديه لل ... إخوان عند لقائهم إيّاه لم يفرحوا بقدومه وتثقّلوا ... بوروده وتكرّهوا لقياه وإذا أتاهم قادما بهديّة ... كان السّرور بقدر ما أهداه وفيها الزّاهد الكبير الشيخ حمّاد التّاجر بن القطّان [1] . كان يقرئ القرآن، ويحكي عجائب عن الفقراء. وفيه زهد، وتعفّف، ويحضر السّماع، ويصيح. وله وقع في القلوب. توفي بالعقيبة عن ست وتسعين سنة. وفيها الشيخ علاء الدّين علي بن محمد السّكاكري الشاهد [2] . كان رأسا في كتابة الشّروط، وفيه شهامة وحطّ على الكبار، ولكنه متحرّز في الشهادة. ساء ذهنه بأخرة، وأجاز له عبد العزيز بن الزّبيدي، وهبة الله ابن الواعظ، وغيرهما. وسمع من ابن عبد الدائم وجماعة. وتوفي في المحرّم عن ثمانين سنة. وفيها خطيب المدينة وقاضيها سراج الدّين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصريّ الشافعي [3] . حدّث عن الرّشيد، وأجازه الشّرف المرسي، والمنذري. وتفقّه بابن عبد السلام قليلا، ثم بالسّديد التّزمنتي، والنّصير بن الطبّاخ، وخطب بالمدينة أربعين سنة، ثم سافر إلى مصر ليتداوى، فأدركه الموت بالسّويس عن تسعين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (147- 148) و «مرآة الجنان» (4/ 276) و «غربال الزمان» ص (594) و «البداية والنهاية» (14/ 125) و «الدّرر الكامنة» (2/ 74) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (144) و «الدّرر الكامنة» (3/ 113) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (145) و «مرآة الجنان» (4/ 275) و «الدّرر الكامنة» (3/ 149) و «التحفة اللطيفة» (4/ 124) .

وفيها العالم المسند شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي بن الهيجاء بن الزّرّاد الصّالحي [1] . روى شيئا كثيرا، وتفرّد. قال الذهبي: وخرجت له «مشيخة» . روى عن البلخي، ومحمد ابن عبد الهادي، واليلداني، وخطيب مردا، والبكري. وكان يروي «المسند» و «السيرة» و «مسند أبي عوانة» و «الأنواع والتقاسيم» و «مسند أبي يعلى» وأشياء. وافتقر واحتاج، وتغيّر ذهنه قبل موته، ولم يختلط. وتوفي بقاسيون عن ثمانين سنة. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن مسلّم بن مالك بن مزروع بن جعفر الزّيني الصّالحي [2] ، الفقيه الحنبلي، قاضي قضاة المدينة المنورة. ولد سنة اثنتين وستين وستمائة، وتوفي أبوه سنة ثمان وستين، وكان من الصّالحين، فنشأ يتيما، فقيرا. وكان قد حضر على ابن عبد الدائم، وعمر الكرماني. وسمع من ابن البخاري وطبقته. وأكثر عن ابن الكمال، وعني بالحديث، وتفقّه، وأفتى، وبرع في العربية. وتصدّى للاشتغال والإفادة، واشتهر اسمه، مع الدّيانة، والورع، والزّهد، والاقتناع باليسير. ثم بعد موت القاضي تقي الدّين سليمان ورد تقليده للقضاء في صفر سنة ست عشرة موضعه فتوقف في القبول، ثم استخار الله تعالى وقبل بعد أن شرط أن لا يلبس خلعة حرير، ولا يركب في المواكب. قال الذهبي في «معجمه» : برع في المذهب والعربية، وأقرأ [3] الناس مدّة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (148) و «المعجم المختص» ص (223- 224) . و «الوافي بالوفيات» (2/ 147) و «الدّرر الكامنة» (3/ 376) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (149) و «معجم الشيوخ» (2/ 283- 284) و «المعجم المختص» ص (264- 265) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 380) و «الدّرر الكامنة» (4/ 258) . [3] تحرّفت في «المعجم المختص» إلى: «وقرأ» فلتصحح.

على ورع، وعفاف، ومحاسن جمة. ثم ولي القضاء بعد تمنّع [1] فشكر وحمد، ولم يغيّر زيّه. واجتهد في الخير، وفي عمارة أوقاف الحنابلة. وكان من قضاة العدل والحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم. وهو الذي حكم على ابن تيميّة بمنعه من الفتيا بمسائل الطّلاق وغيرها مما يخالف المذهب. وقد حدّث، وسمع منه جماعة، وخرّج له المحدّثون تخاريج عدّة، وحجّ ثلاث مرّات، ثم حجّ رابعة فتمرض في طريقه، فورد المدينة المنورة يوم الاثنين ثالث عشري ذي القعدة وهو ضعيف، فصلّى في المسجد، وسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان بالأشواق إلى ذلك في مرضه، ثم مات عشية ذلك اليوم، وصلّي عليه بالرّوضة الشريفة، ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل [2] ، رضي الله عنه. وفيها كمال الدّين محمد بن علي بن عبد القادر التّميمي الهمذاني ثم المصريّ الشافعي [3] . حدّث عن النّجيب وجماعة، وقرأ عليه ولده الإمام نور الدّين «صحيح البخاري» وله عليه حواش بخطّه المنسوب. وكان إماما قاضيا. توفي بمصر عن إحدى وسبعين سنة. وفيها الصّدر الكبير قطب الدّين موسى ابن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين عبد الله اليونيني الحنبلي المؤرخ [4] . ولد بدمشق سنة أربعين وستمائة، وسمع من أبيه، ومن ابن عبد الدائم، وعبد العزيز شيخ شيوخ حماة.

_ [1] تحرّفت في «المعجم المختص» إلى «بعد منع» فلتصحح. [2] يعني عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه. [3] انظر «ذيول العبر» ص (145) و «الدرر الكامنة» (4/ 68) و «حسن المحاضرة» (1/ 393) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (145- 146) و «معجم الشيوخ» (2/ 348) و «البداية والنهاية» (14/ 126) و «الدّرر الكامنة» (4/ 382) .

وبمصر من الرّشيد العطّار. وإسماعيل بن صارم، وجماعة. وأجاز له ابن رواج، والبشيري. قال الذهبي: كان عالما، فاضلا، مليح المحاضرة، كريم النّفس، معظّما، جليلا، حدّثنا بدمشق، وبعلبك، وجمع «تاريخا» حسنا ذيّل به على «مرآة الزمان» . واختصر «المرآة» . قال: وانتفعت بتاريخه، ونقلت منه فوائد جمّة، وقد حسنت في آخر عمره حالته، وأكثر من العزلة والعبادة، وكان مقتصدا في لباسه وزيّه، صدوقا في نفسه، مليح الشّيبة، كثير الهيبة، وافر الحرمة. توفي ببعلبك عن ست وثمانين سنة، ودفن عند أخيه بباب سطحا. وفيها جمال الدّين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السّلام البغدادي [1] المقرئ الفقيه الحنبلي، الأديب النّحوي المتفنن. قرأ بالروايات، وسمع الحديث من محمد بن حلاوة، وعلي بن حصين، وعبد الرزّاق بن الفوطي وغيرهم. وقرأ بنفسه على ابن الطبّال، وأخذ عن ابن القوّاس شارح «ألفية ابن معطي» الأدب، والعربية، والمنطق، وغير ذلك. وتفقه بالشيخ تقي الدّين الزّريرانيّ [2] . وكان معيدا عنده بالمستنصرية. قال الطّوفي [3] : استفدت منه كثيرا، وكان نحويّ العراق ومقرئه، عالما بالأدب، له حظّ من الفقه، والأصول، والفراض، والمنطق. وقال ابن رجب: نالته في آخر عمره محنة، واعتقل بسبب موافقته الشيخ

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (148) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 379) و «غاية النهاية» (2/ 397) و «الدّرر الكامنة» (4/ 464) و «المقصد الأرشد» (3/ 140) بتحقيق الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العثيمين، طبع مكتبة الرّشد في الرياض. [2] تحرفت في «آ» إلى «الزبداني» وفي «ط» إلى «الزيزراني» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المقصد الأرشد» . [3] هو سليمان بن عبد القوي الطوفي الصّرصري، تقدمت ترجمته في وفيات سنة (716) من هذا المجلد ص (71) .

تقي الدّين بن تيميّة في مسألة الزّيارة وكتابته عليها مع جماعة من علماء بغداد. وتخرّج به جماعة. وتوفي في حادي عشر شوال، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها كبير السّادة الأشراف ناصر الدّين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي [1] ، عن إحدى وثمانين سنة. وكان رئيسا، وسيما. حدّث عن خطيب مردا، وذكر للنّقابة. وفيها هلك قتلا بالسّيف ناصر بن أبي الفضل [2] الهيتي الصّالحي [2] [3] ضربت عنقه لثبوت زندقته على قاضي القضاة شرف الدّين بن مسلم الحنبلي، ونقل الثبوت إلى قاضي القضاة شرف الدّين المالكي، فأنفذه وحكم بإراقة دمه، وعدم قبول توبته وإن أسلم مع العلم بالخلاف، وطلع معه عالم عظيم فصلّى ركعتين، وضربت عنقه. وكان في ابتداء أمره من أحسن الناس صورة، حسن الصّوت، وعاشر الكبار، وانتفع بهم. وكان كثير المزح والمجون. ولما كبر اجتمع بمحلولي العقيدة، مثل ابن المعمار، والباجر بقي، والنّجم بن خلّكان، وغيرهم. فانحلّت عقيدته، وتزندق من غير علم، فشهد عليه. فهرب إلى بلاد الرّوم، ثم قدم حلب، واجتمع بالشيخ كمال الدّين ابن الزّملكاني، فأكرمه، واستتابه [4] ثم ظهر منه زندقة عظيمة، فسيّره إلى دمشق فضربت عنقه، وهو من أبناء الستين، وفرح الناس بذلك. ثم ضربت عنق توما الرّاهب [5] الذي أسلم من ثلاث سنين وارتدّ سرّا، ثم أفشى ذلك عند المالكي، فقتل [6] وأحرق ولم يتكهل، وهو بعلبكي.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 486) . [2] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (143) و «البداية والنهاية» (14/ 122) و «الدّرر الكامنة» (4/ 386) . [4] تصحفت في «آ» إلى «فاستنابه» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (143) . [6] لفظة: «فقتل» سقطت من «ذيول العبر» مصدر المؤلف فلتستدرك.

وفيها هلك المعمّر فضل الله بن أبي الفخر بن الصقاعي [1] النّصراني الكاتب ببستانه بأرزة [2] ودفن في مقابر النّصارى، وكان خبيرا في صناعته، باشر ديوان المرتجع، ثم نقل إلى ديوان البريم، ثم انقطع عن ذلك كلّه. وكانت عنده فضيلة في دينه، جمع الأناجيل الأربعة، إنجيل متّى، ومرقّص، ولوقا، ويوحنا. وجعلها إنجيلا واحدا في كتاب بألسنة مختلفة، عبراني، وسرياني، وقبطي، ورومي. وذكر في كل فصل ما قاله الآخر، وذكر اختلاف الحواريين، وبيّن عباراتهم. وكان يقول: إنه يحفظ التوراة، والإنجيل، والمزامير. وكان المكين بن العميد النّصراني [3] قد عمل «تاريخا» من أول العالم إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة، فكتبه ابن الصقاعي بخطّه، وذيّل عليه إلى سنة عشرين وسبعمائة، واختصر «تاريخ ابن خلّكان» وذيّل عليه [4] وعمل «وفيات المطربين» وغير ذلك، وقارب مائة سنة.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 233) و «الأعلام» (5/ 153) وانظر تعليق العلّامة الزركلي عليه فهو مفيد نافع. [2] قال العلّامة محمد كرد علي في كتابه «غوطة دمشق» ص (162) : أرزة: كانت مكان حي الشهداء في طريق الصالحية. متصلة بسويقة صاروجا: تمتد إلى عقبة جوزة الحدباء. رأى خرائبها ابن طولون، وكانت عامرة بعض الشيء في القرن العاشر- يعني الهجري-. [3] هو جرجس بن العميد بن إلياس، المعروف بالمكين، أو «الشيخ» المكين، ويقال له: ابن العميد، مؤرّخ من كتّاب النصارى السريان، أصله من تكريت، ومولده بالقاهرة، ونشأ بدمشق. له كتاب «المجموع المبارك جزآن، الأول في التاريخ القديم إلى ظهور الإسلام مخطوط، والثاني تاريخ المسلمين من من بدء الإسلام إلى عصر الملك الظاهر بيبرس، وقد ترجم إلى اللاتينية والفرنسية. مات سنة (672) هـ. عن «الأعلام» للزركلي (2/ 116) . [4] قلت: وهو المعروف ب «تالي وفيات الأعيان» وقد طبعه المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق منذ سنوات.

سنة سبع وعشرين وسبعمائة

سنة سبع وعشرين وسبعمائة فيها توفي الشيخ نجم الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن مكّي بن ياسين القرشي المخزومي القمولي- بالفتح والضم نسبة إلى قمولة بلد بصعيد مصر- المصري الشافعي [1] . قال الإسنوي: تسربل بسربال الورع والتّقى، وتعلّق بأسباب الرّقى فارتقى، وخاض [2] مع الأولياء، فركب في فلكهم ولزمهم [3] حتّى انتظم في سلكهم. كان إماما في الفقه، عارفا بالأصول والعربية، صالحا، سليم الصّدر، كثير الذّكر والتلاوة، متواضعا، متودّدا، كريما، كبير المروءة، شرح «الوسيط» شرحا مطوّلا أقرب تناولا من شرح ابن الرّفعة وإن كان كثير الاستمداد منه، وأكثر فروعا منه أيضا، بل لا أعلم كتابا في المذهب أكثر مسائل منه، سمّاه «البحر المحيط في شرح الوسيط» ثم لخّص أحكامه خاصة، ك «تلخيص الروضة» من الرّافعي، سمّاه «جواهر البحر» وشرح «مقدمة ابن الحاجب» في النحو شرحا مطوّلا. وشرح «الأسماء الحسنى» في مجلد. وكمّل «تفسير ابن الخطيب» وتولى تدريس الفخرية بالقاهرة ونيابة الحكم. توفي في رجب ودفن بالقرافة.

_ [1] انظر «الطالع السعيد» ص (125- 127) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 332- 333) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 332- 334) . [2] كذا في «آ» و «طبقات الشافعية» للإسنوي مصدر المؤلف: «وخاض» وفي «ط» : «وغاص» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وأكرمهم» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.

وفيها الرئيس العابد الأمين ضياء الدّين إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي [1] الكاتب. سمع من خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ، وكان ذا حظّ من صيام وقيام وإطعام وإيثار تام، بصيرا بالحساب، شارف الجامع مدّة والخزانة، وتوفي بدمشق في صفر عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاني المغربي، ويعرف باللّحياني [2] وقد وزر أبوه لابن عمّه المستنصر بتونس مدة. اشتغل زكريا في الفقه، والنحو، فبرع في ذلك، وتملّك تونس [3] ، وحجّ سنة تسع وسبعمائة، ورجع. فبايعوه في سنة إحدى عشرة ولقّبوه بالقائم بأمر الله، فاستمر سبع سنين، ثم تحوّل إلى طرابلس المغرب، وأخذت منه تونس، فتوجّه إلى الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين، فسكنها. وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم- أعني ابن تومرت- من الخطب. وتوفي بالثّغر عن بضع وثمانين سنة. وفيها المفتي الزّاهد القدوة شرف الدّين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن [4] عبد الله بن [4] أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيميّة الحرّاني ثم الدمشقي [5] الحنبلي الفقيه الإمام المتقن أبو محمد أخو الشيخ تقي الدّين. ولد في حادي عشر محرم سنة ست وستين وستمائة بحرّان، وقدم مع أهله إلى دمشق رضيعا، فحضر بها على ابن أبي اليسر وغيره، ثم سمع ابن علّان، وابن

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (153) و «البداية والنهاية» (14/ 130) و «الدّرر الكامنة» (1/ 374) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (152) و «الدّرر الكامنة» (2/ 113) و «النجوم الزاهرة» (9/ 268) . [3] تصحيف في «ط» إلى «يونس» . [4] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (103) و «معجم الشيوخ» (1/ 323- 324: و «المعجم المختص» ص (121- 122) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 382- 384) و «الدّرر الكامنة» (2/ 266) و «المقصد الأرشد» (2/ 41- 42) .

الصّيرفي. وخلقا. وسمع «المسند» [1] و «الصحيحين» وكتب «السنن» وتفقه في المذهب، حتّى أفتى، وبرع أيضا في الفرائض، والحساب، وعلم الهيئة، وفي الأصلين، والعربية. وله مشاركة قويّة في الحديث. ودرّس بالحنبلية مدة. وكان صاحب صدق وإخلاص، قانعا باليسير، شريف النّفس، شجاعا، مقداما، مجاهدا، زاهدا، ورعا، يخرج من بيته ليلا ويأوي إليه نهارا، ولا يجلس في مكان معيّن بحيث يقصد فيه، لكنه يأوي المساجد المهجورة خارج البلد، فيختلي فيها [2] للصّلاة، والذّكر. وكان كثير العبادة، والتألّه، والمراقبة، والخوف من الله تعالى، ذا كرامات وكشوف. كثير الصّدقات والإيثار بالذهب والفضة في حضره وسفره، مع فقره وقلّة ذات يده. وكان رفيقه في المحمل في الحج يفتش رحله فلا يجد فيه شيئا ثم يراه يتصدق بذهب كثير جدا، وهذا أمر مشهور معروف عنه. وحجّ مرات متعددة. وكان له يد طولى في معرفة تراجم السّلف ووفياتهم في التواريخ المتقدمة والمتأخرة. وجلس مع أخيه مدّة في الدّيار المصرية، وقد استدعي غير مرّة وحده للمناظرة، فناظر وأفحم الخصوم، وسئل عنه الشيخ كمال الدّين بن الزّملكاني، فقال: هو بارع في فنون عديدة، من الفقه، والنّحو، والأصول، ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم. حسن العبارة، قويّ في دينه، مليح البحث، صحيح الذّهن، قوي الفهم، رحمه الله. قاله ابن رجب. وذكره الذهبي في «المعجم» وغيره، وأثنى عليه كثيرا. توفي- رحمه الله تعالى- يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى بدمشق، وصلّي عليه الظهر بالجامع [3] وحمل إلى القلعة، فصلّى عليه أخواه تقي الدّين، وعبد الرحمن، وغيرهما، صلّى عليه أخواه في السّجن لأن التكبير عليه كان يبلغهم، وكان وقتا مشهودا. ثم صلّي عليه مرة ثالثة ورابعة، وحمل على الرؤوس والأصابع، فدفن في مقابر الصّوفية.

_ [1] يعني «مسند الإمام أحمد بن حنبل» . [2] أقول: الصواب أن يقال: «فيخلو فيها» (ع) . [3] «يعني بالجامع الأموي» .

وفيها الشيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر [الهكّاري] الكردي الشافعي، ويعرف بابن خطيب الأشمونيّين [1] . قال ابن شهبة: سمع من عبد الصّمد ابن عساكر بمكّة، وسمع بدمشق وغيرها من جماعة، وتفقه وتفنن، وفاق الأقران. وكان قد عيّن لقضاء دمشق بعد موت ابن صصرى، فلم يتفق. ودرّس، وأفتى، وصنّف على حديث الأعرابي الذي جامع في رمضان كتابا نفيسا، مشتملا على ألف فائدة وفائدة [2] . وولي قضاء قوص، وقضاء المحلّة. ثم قدم القاهرة فمات بها في رمضان. انتهى. وقال السّبكي: له تصانيف كثيرة حسنة، وأدب وشعر. وفيها المعمّر شمس الدّين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرّف القنوي ثم الصّالحي [3] . سمع من عبد الحق حضورا، ومن ابن قميرة، والمرسي، واليلداني. وأجاز له الضّياء الحافظ، وابن يعيش النّحوي، وروى جملة، وتفرّد. وتوفي في المحرّم عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها النّور علي بن عمر بن أبي بكر الواني [4] الصوفي [5] . سمع من ابن رواح، والسبط، والمرسي، وتفرّد بعوالي. وكان ديّنا، خيّرا، أضرّ ثم أبصر. وتوفي بمصر في المحرّم عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها قاضي القضاة صدر الدّين علي بن الإمام صفي الدّين

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 82- 84) و «البداية والنهاية» (14/ 131) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 346- 347) و «الدّرر الكامنة» (2/ 368) . و «حسن المحاضرة» (1/ 424) ولفظة «الهكّاري» مستدركة من مصادر الترجمة. [2] قلت: واسم كتابه المشار إليه «الكلام على حديث المجامع» كما في «الدّرر الكامنة» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (151- 152) و «الوافي بالوفيات» (2/ 149) و «الدّرر الكامنة» (3/ 369) . [4] تحرفت في «ط» إلى «الداني» . [5] انظر «ذيول العبر» ص (152) و «الدّرر الكامنة» (3/ 90) .

أبي القاسم بن محمد بن عثمان بن محمد البصراوي الحنفي [1] . ولد في رجب سنة اثنتين وأربعين وستمائة بقلعة بصرى، وكان من أكابر علماء الحنفية. اشتغل على قاضي القضاة شمس الدّين بن عطاء، ودرّس في المقدّمية، والخاتونية البرّانية، والنّورية. وولي القضاء. وكان متحريّا في أحكامه، متّعه الله بسمعه، وبصره، وجميع حواسه، إلى أن توفي ببستانه بأرض سطرا [2] . وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن القاسم بن أبي العزّ بن الوّرّاق الموصلي [3] المقرئ، الفقيه الحنبلي، المحدّث النّحويّ، ويعرف بابن الخروف. ولد في حدود الأربعين وستمائة بالموصل، وقرأ بها القراءات على عبد الله بن إبراهيم الجزريّ الزّاهد، وقصد الإمام أبا عبد الله شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت، ثم رحل ابن خروف إلى بغداد بعد الستين، وقرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السّبع والعشر على الشيخ عبد الصّمد بن أبي الجيش، ولازمه مدّة طويلة. وقرأ القراءات أيضا على أبي الحسن بن الوجوهي، وسمع الحديث منهما، ومن ابن وضّاح. وذكر الذهبي: أنه حفظ «الخرقي» [4] وعني بالحديث. وقرأ في التفسير على الكواشي المفسر بالموصل. وقرأ بها أيضا على الغزنويّ «معالم التنزيل» للبغوي. وتصدّى للإقراء والإشغال ببلده مدّة. وقرأ عليه جماعة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (153- 154) و «قضاة دمشق» ص (195) و «الجواهر المضية» (2/ 586» و «الدّرر الكامنة» (3/ 96) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 621) . [2] سطرا: من قرى دمشق: قال العلّامة محمد كرد علي في «غوطة دمشق» ص (172) : قال دهمان: إنها كانت في الطريق المقابل لباب جامع القصب، ويعرف هذا الطريق بجادة عاصم، ويخترقه شارع بغداد، ثم يقابله بالجهة الشمالية جادة الخطيب، وكل ذلك من سطرا. وانظر «معجم البلدان» (3/ 220) . [3] انظر «المعجم المختص» ص (247) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 726) و «الوافي بالوفيات» (4/ 229) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 381) و «المقصد الأرشد» (2/ 478) و «الدّرر الكامنة» (4/ 195) . [4] يعني «مختصر الخرقي» وقد سبق التعريف به في المجلد الرابع ص (186) .

وقدم الشام سنة سبع عشرة، فسمع منه الذّهبي، والبرزالي. وذكره في «معجمه» وأثنى عليه، وسمع منه أيضا أبو حيّان، وعبد الكريم الحلبي، وذكره في «معجمه» . ورجع إلى بلده الموصل فتوفي بها في ثامن جمادى الأولى، ودفن بمقبرة المعافى بن عمران، رضي الله عنه. وفيها الشيخ كمال الدّين أبو المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري [1] الشافعي ابن خطيب زملكا، ويعرف بابن الزّملكاني. ولد في شوال سنة سبع، وقيل: ست وستين وستمائة. وسمع من جماعة، وطلب الحديث بنفسه، وكتب الطّباق بخطّه. وقرأ الفقه على الشيخ تاج الدّين الفزاري، والأصول على بهاء الدّين بن الزّكي، والصّفي الهندي، والنّحو على بدر الدّين بن مالك. وجوّد الكتابة على نجم الدّين ابن البصيص، وكتب الإنشاء مدة، وولي نظر الخزانة مدة، ووكالة بيت المال، ونظر المارستان. ودرّس بالعادلية الصّغرى، وتربة أمّ الصّالح. ثم بالشامية البرّانية، والظاهرية الجوّانية، والعدراويّة، والرّواحية، والمسرورية، وجلس بالجامع للاشغال وله تسع عشرة سنة. أرّخ ذلك شيخه الشيخ تاج الدّين. ثم ولي قضاء حلب سنة أربع وعشرين بغير رضاه، ودرّس بها بالسّلطانية، والسّيفية، والعصرونية، والأسدية. ثم طلب إلى مصر ليشافهه السّلطان بقضاء الشام، فركب البريد، فمات قبل وصوله إلى مصر. ومن مصنّفاته «الرّدّ على ابن تيميّة في مسألة الزّيارة» و «الرّدّ عليه في مسألة الطلاق» قال ابن كثير: في مجلد. قال: وعلّق قطعة كبيرة من «شرح المنهاج» للنووي. وله كتاب في «فضل الملك على البشر» . قال الذهبي في «معجمه المختص» : شيخنا، عالم العصر، طلب بنفسه،

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (154) و «المعجم المختص» ص (246- 247) و «معجم الشيوخ» ص (244) و «النجوم الزاهرة» (9/ 270» و «الوافي بالوفيات» (4/ 214) و «فوات الوفيات» (4/ 7- 11) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 190- 207) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 13) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 383) و «الدّرر الكامنة» 4/ 74- 76) .

وقرأ على الشيوخ، ونظر في الرّجال والعلل. وكان عذب القراءة، سريعا. وكان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء زمانه. ودرّس وأفتى، وصنّف وتخرّج به الأصحاب. وقال ابن كثير: انتهت إليه رئاسة المذهب تدريسا وإفتاء ومناظرة. برع، وساد أقرانه، وحاز قصب السّبق عليهم بذهنه الوقّاد، وتحصيله الذي أسهره ومنعه الرّقاد. وعبارته التي هي أشهى من السّهاد، وخطّه الذي هو أنضر من أزاهير المهاد، إلى أن قال: أما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس يدرّس أحسن منه، ولا أجلّ من عبارته، وحسن تقريره، وجودة احترازاته، وصحة ذهنه، وقوة قريحته، وحسن نظره. توفي في رمضان ببلبيس، وحمل إلى القاهرة، ودفن جوار قبّة الشافعي، رضي الله عنه. وفيها فخر الدّين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الصّقلي [1]- ضبطه بعضهم بفتح الصّاد والقاف، وبعضهم بفتح الصّاد وكسر القاف، نسبة إلى جزيرة صقلية في بحر الرّوم- الشافعي. تفقه في القاهرة على الشيخ قطب الدّين السّنباطي، وناب في القضاء بظاهر القاهرة. وصنف «التنجيز في الفقه» وهو «التعجيز» إلّا أنه يزيد فيه التصحيح على طريقة النّووي، ويشير إلى تصحيح الرّافعي بالرّموز، وزاد فيه بعض قيود. قال السبكي: كان فقيها، فاضلا، دينا، ورعا. توفي بالقاهرة في ذي القعدة. وفيها القاضي الأديب شمس الدّين محمد بن الشّهاب محمود [2] كاتب السّرّ. توفي في شوال عن ثمان وخمسين سنة.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 247) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 148) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 392- 393) و «الدّرر الكامنة» (4/ 236) و «حسن المحاضرة» (1/ 424) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (154- 155) و «النجوم الزاهرة» (9/ 268) و «الدّرر الكامنة» (4/ 251) .

سنة ثمان وعشرين وسبعمائة

سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فيها نقض رخام الحائط القبلي من ناحية جامع دمشق الغربية، فوجد الحائط منحدبا فنقض كأنه تغير من زلزلة فأخرب إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا، فبني، وأحدث فيه محراب للحنفية، وجدّد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة، وأركان القبّة. وفيها توفي الإمام القدوة عزّ الدّين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي [1] الشّافعي، من ولد موسى الكاظم. سمع من والده، وحليمة بنت ولد جمال الإسلام، والباذرائي، وجماعة. وأجاز له ابن يعيش، وابن رواج. ونسخ بالأجرة، وتفرّد، مع التّقوى، والعلم، والورع. توفي بالثّغر في المحرّم عن تسعين سنة. وفيها شيخ الإسلام تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام ابن عبد الله بن تيميّة الحرّاني [2] الحنبلي، بل المجتهد المطلق.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (156) و «دول الإسلام» (2/ 236) و «المنهل الصافي» (1/ 24) و «الدّرر الكامنة» (1/ 10) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (157- 158) و «دول الإسلام» (2/ 237) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (308) و «المعجم المختص» ص (25- 27) و «معجم الشيوخ» (1/ 56- 57) و «النجوم الزاهرة» (9/ 271- 272) و «الوافي بالوفيات» (7/ 15- 33) و «فوات الوفيات» (1/ 74- 80) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 387- 408) و «الدّرر الكامنة» (1/ 144- 160) و «المقصد الأرشد»

ولد بحرّان يوم الاثنين عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، وقدم به والده وبأخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين [1] ، فسمع الشيخ بها ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، والمجد بن عساكر، ويحيى بن الصّيرفي، والقاسم الإربلي، والشيخ شمس الدّين ابن أبي عمر، وغيرهم. وعني بالحديث، وسمع «المسند» مرّات، والكتب الستة. و «معجم الطبراني الكبير» وما لا يحصى من الكتب والأجزاء. وقرأ بنفسه، وكتب بخطّه جملة من الأجزاء، وأقبل على العلوم في صغره، فأخذ الفقه والأصول عن والده، وعن الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، والشيخ زين الدّين بن المنجّى، وبرع في ذلك، وناظر، وقرأ العربية على ابن عبد القوي. ثم أخذ «كتاب سيبويه» فتأمله وفهمه، وأقبل على تفسير القرآن الكريم فبرّز فيه، وأحكم أصول الفقه، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، وغير ذلك من العلوم. ونظر في الكلام والفلسفة، وبرّز في ذلك على أهله، وردّ على رؤسائهم وأكابرهم، ومهر في هذه الفضائل، وتأهل للفتوى والتدريس، وله دون العشرين سنة. وأفتى من قبل العشرين أيضا. وأمدّه الله بكثرة الكتب، وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبطء النسيان، حتّى قال غير واحد: إنه لم يكن يحفظ شيئا فينساه. ثم توفي والده وله إحدى وعشرون سنة، فقام بوظائفه بعده مدة، فدرّس بدار الحديث التنكزية المجاورة لحمّام نور الدّين الشهيد في البزورية في أول سنة ثلاث وثمانين، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدّين بن الزّكي، والشيخ تاج الدّين الفزاري، وابن المرحّل، وابن المنجّى، وجماعة، فذكر درسا عظيما في البسملة، بحيث بهر الحاضرين، وأثنوا عليه جميعا. قال الذهبي: وكان الشيخ تاج الدّين الفزاري يبالغ في تعظيم الشيخ تقي الدّين، بحيث إنه علّق بخطّه درسه بالتنكزية.

_ (1/ 132- 140) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 75- 77) ، وقد ترجم له ترجمة وافية والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله نشرت في صدر رسالته «الأحاديث الموضوعة» المطبوعة في الكويت بتحقيقي. [1] يعني سنة (667) هـ.

ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم، وشرع من أول القرآن، فكان يورد في المجلس من حفظه نحو كرّاسين أو أكثر. وبقي يفسّر في سورة نوح عدّة سنين أيام الجمع. وقال الذهبي في «معجم شيوخه» : شيخنا، وشيخ الإسلام، وفريد العصر، علما، ومعرفة، وشجاعة، وذكاء، وتنويرا إلهيا، وكرما، ونصحا للأمة، وأمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر. سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب، وخرّج، ونظر في الرجال والطبقات، وحصّل ما لم يحصّله غيره، وبرع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال، وخاطر وقّاد [1] إلى مواضع الإشكال ميّال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها، وبرع في الحديث وحفظه، فقلّ من يحفظ ما يحفظ من الحديث معزوّا إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضار له وقت إقامة الدّليل. وفاق النّاس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصّحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده. وأتقن العربية أصولا وفروعا، وتعليلا واختلافا. ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين. وردّ عليهم، ونبّه على خطئهم وحذّر، ونصر السّنّة بأوضح حجج وأبهر براهين، وأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر السّنّة المحضة، حتّى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التّقوى على محبته والدعاء له. وكبت أعداءه، وهدى به رجالا كثيرة من أهل الملل والنّحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبا، وعلى طاعته. وأحيا به الشام، بل والإسلام، بعد أن كاد ينثلم خصوصا في كائنة التتار، وهو أكبر من أن ينبّه على سيرته مثلي، فلو حلّفت بين الرّكن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه. انتهى كلام الذهبي. وكتب الشيخ كمال الدّين ابن الزملكاني تحت اسم «ابن تيميّة» : كان إذا سئل عن فنّ من العلم ظنّ الرائي والسّامع أنه لا يعرف غير ذلك الفنّ، وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله. وكان الفقهاء من سائر الطّوائف إذا جالسوه استفادوا في

_ [1] لفظة «وقاد» لم ترد في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 389) وهو المصدر الذي نقل عنه المؤلف.

مذاهبهم منه أشياء، ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشّرع أو غيرها إلّا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها. وكتب الحافظ ابن سيّد الناس في «جواب سؤالات الدّمياطي» في حقّ ابن تيميّة: ألفيته ممن أدرك من العلوم حظا. وكاد [1] يستوعب السّنن والآثار حفظا. إن تكلّم في التفسير، فهو حامل رايته، وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر [2] بالحديث فهو صاحب علمه، وذو روايته، أو حاضر بالنّحل والملل لم ير أوسع من نحلته، ولا أرفع من درايته. برز في كل فنّ على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه. وقال الذهبي في «تاريخه الكبير» بعد ترجمة طويلة: بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث. وترجمه ابن الزّملكاني أيضا ترجمة طويلة وأثنى عليه ثناء عظيما، وكتب تحت ذلك: ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلّت عن الحصر هو حجّة لله باهرة ... هو بيننا أعجوبة الدّهر هو آية للخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر وللشيخ أثير الدين أبي حيّان النّحوي لما دخل الشيخ مصر واجتمع به فأنشد أبو حيّان: لمّا رأينا تقيّ الدّين لاح لنا ... داع إلى الله فردا ما له وزر على محيّاه من سيما الألى صحبوا ... خير البريّة نور دونه القمر حبر تسربل منه دهره حبرا ... بحر تقاذف من أمواجه الدّرر قام ابن تيميّة في نصر شرعتنا ... مقام سيّد تيم إذ عصت مضر

_ [1] في «آ» و «ط» : «وكان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف. [2] في «آ» و «ط» : «أودان» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

فأظهر الدّين إذ آثاره درست ... وأخمد الشّرك إذ طارت له شرر يا من تحدّث عن علم الكتاب أصخ ... هذا الإمام الذي قد كان ينتظر يشير بهذا إلى أنه المجدد. وممن صرّح بذلك الشيخ عماد الدّين الواسطي، وقد توفي قبل الشيخ. وقال في حقّ الشيخ بعد ثناء طويل جميل ما لفظه: فو الله، ثم والله، ثم والله، لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيميّة، علما، وعملا، وحالا، وخلقا واتّباعا، وكرما، وحلما، وقياما في حقّ الله عند انتهاك حرماته، أصدق النّاس عقدا، وأصحهم علما، وعزما، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحقّ وقيامه همة، وأسخاهم كفّا، وأكملهم اتباعا لنبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم. ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النّبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلّا هذا الرجل، يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقة. وقال الشيخ تقي الدّين بن دقيق العيد، وقد سئل عن ابن تيمية بعد اجتماعه به،: كيف رأيته؟ فقال: رأيت رجلا سائر العلوم بين عينيه، يأخذ ما شاء منها ويترك ما شاء، فقيل له: فلم لا تتناظرا؟ قال: لأنه يحب الكلام وأحبّ السّكوت. وقال برهان الدّين بن مفلح في «طبقاته» [1] : كتب العلّامة تقي الدّين السّبكي إلى الحافظ الذّهبي في أمر الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، فالمملوك يتحقق [أن] قدره وزخارة بحره وتوسعته في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وأنه [2] بلغ من ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف، والمملوك يقول ذلك دائما، وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجلّ، مع ما جمعه الله تعالى له من الزّهادة، والورع، والدّيانة، ونصرة الحقّ، والقيام فيه لا لغرض سواه، وجريه على سنن السّلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزّمان، بل في أزمان. انتهى.

_ [1] انظر «المقصد الأرشد» (1/ 136) ولفظة «أن» مستدركة منه. [2] لفظة «وأنه» لم ترد في «المقصد الأرشد» فلتستدرك.

وقال العلّامة الحافظ ابن ناصر الدّين في «شرح بديعته» [1] بعد ثناء جميل وكلام طويل: حدّث عنه خلق، منهم الذهبي، والبرزالي، وأبو الفتح بن سيد الناس، وحدّثنا عنه جماعة من شيوخنا الأكياس. وقال الذهبي في عدّ مصنّفاته المجوّدة: وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلدة. وأثنى عليه الذهبي وخلق بثناء حميد [2] ، منهم الشيخ عماد الدّين الواسطي العارف، والعلّامة تاج الدّين عبد الرحمن الفزاري، وابن الزّملكاني، وأبو الفتح ابن دقيق العيد [3] . وحسبه من الثناء الجميل قول أستاذ أئمة الجرح والتعديل أبي الحجّاج المزّي الحافظ الجليل، قال عنه: ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله، ولا أتبع لهما منه. وترجمه بالاجتهاد وبلوغ درجته، والتمكن في أنواع العلوم والفنون، ابن الزملكاني، والذّهبي، والبرزالي، وابن عبد الهادي، وآخرون. ولم [4] يخلّف بعده من يقاربه في العلم والفضل. انتهى كلام ابن ناصر الدّين ملخصا. وكان الشيخ العارف بالله أبو عبد الله ابن قوام يقول: ما أسلمت معارفنا إلّا على يد ابن تيمية. وقال ابن رجب: كانت العلماء، والصّلحاء، والجند، والأمراء، والتّجار، وسائر العامّة تحبه، لأنه منتصب لنفعهم ليلا ونهارا، بلسانه، وعلمه.

_ [1] يعني في «التبيان شرح بديعة البيان» (185/ ب- 186/ آ) . [2] في «آ» : «جميل» وما جاء في «ط» موافق لما في «التبيان شرح بديعة البيان» مصدر المؤلف. [3] في «آ» و «ط» : «وأبو الفتح وابن دقيق العيد» وهو خطأ والتصحيح من «التبيان شرح بديعة البيان» مصدر المؤلف، فابن دقيق العيد كان يكنى بأبي الفتح. [4] في «آ» و «ط» : «ولا» والتصحيح من «التبيان شرح بديعة البيان» مصدر المؤلف.

ثم قال ابن رجب وغيره: ذكر نبذة من مفرداته وغرائبه: اختار ارتفاع الحدث بالمياه المعتصرة كماء الورد ونحوه. والقول بأن المائع لا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلّا أن يتغير قليلا كان أو كثيرا. والقول بجواز المسح على النّعلين والقدمين وكل ما يحتاج في نزعه من الرّجل إلى معالجة باليد أو بالرّجل الأخرى، فإنه يجوز المسح عليه مع القدمين. واختار أن المسح على الخفّين لا يتوقت مع الحاجة، كالمسافر على البريد ونحوه، وفعل ذلك في ذهابه إلى الديار المصرية على خيل البريد، ويتوقت مع إمكان النزع وتيسره. واختار جواز المسح على اللفائف ونحوها. واختار جواز التيمم لخشية [1] فوات الوقت في حق غير المعذور، كمن أخّر الصلاة عمدا حتّى تضايق وقتها. وكذا من خشي فوات الجمعة والعيدين وهو محدث. واختار أن المرأة إذا لم يمكنها الاغتسال في البيت وشق عليها النزول إلى الحمّام وتكرره، أنها تتيمم وتصلي. واختار أن لا حدّ لأقلّ الحيض ولا لأكثره، ولا لأقلّ الطّهر بين الحيضتين، ولا لسنّ الإياس [من الحيض] [2] ، وأن ذلك يرجع [3] إلى ما تعرفه كل امرأة من نفسها. واختار أن تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء، ولا يشرع له، بل يكثر من النوافل [4] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «بخشية» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 404) . [2] ما بين الحاصرتين مستدرك من «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 405) . [3] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وأن ذلك راجع» . [4] أقول: أي لا يمكنه أن يتدارك ما فاته إلّا بالإكثار من صالح الأعمال. (ع) .

وأن القصر يجوز في قصير السفر وطويله، كما هو مذهب الظّاهرية. واختار القول بأن البكر لا تستبرأ وإن كانت كبيرة، كما هو قول ابن عمر واختاره البخاري صاحب «الصحيح» . والقول بأن سجود التلاوة لا يشترط له وضوء، كما هو مذهب ابن عمر واختيار البخاري. والقول بأن من أكل في شهر رمضان معتقدا أنه ليل وكان نهارا لا قضاء عليه كما هو الصحيح عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وإليه ذهب بعض التابعين وبعض الفقهاء بعدهم. والقول بجواز المسابقة بلا محلّل وإن أخرج المتسابقان. والقول باستبراء المختلعة بحيضة، وكذلك الموطوءة بشبهة، والمطلقة آخر ثلاث تطليقات. والقول بإباحة وطء الوثنيات بملك اليمين. وجواز طواف الحائض، ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرا. والقول بجواز بيع الأصل بالعصير، كالزيتون بالزيت، والسّمسم بالسّيرج. والقول بجواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي وغيره كالخاتم ونحوه بالفضة متفاضلا، وجعل الزايد من الثمن في مقابلة الصّنعة والقول. ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الإفتاء بها محن وقلاقل قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق، وأن الطّلاق الثلاث لا يقع إلّا واحدة، وأن الطلاق المحرّم لا يقع، وله في ذلك مؤلفات كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط. وقال ابن رجب: مكث الشيخ معتقلا في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين، ثم مرض بضعة وعشرين يوما، ولم يعلم أكثر الناس بمرضه، ولم يفجأهم إلّا موته. وكانت وفاته في سحر ليلة الاثنين عشري ذي القعدة، ذكره مؤذن القلعة

على منارة الجامع، وتكلّم به الحرس على الأبرجة، فتسامع الناس بذلك، وبعضهم علم به في منامه، واجتمع الناس حول القلعة حتّى أهل الغوطة والمرج، ولم يطبخ أهل الأسواق، ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين، وفتح باب القلعة. واجتمع عند الشيخ خلق كثير من أصحابه يبكون ويثنون، وأخبرهم أخوه زين الدّين عبد الرحمن أنه ختم هو والشيخ منذ دخلا القلعة ثمانين ختمة، وشرعا في الحادية والثمانين، وانتهيا إلى قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ 54: 54- 55 [القمر: 54- 55] . فشرع حينئذ الشيخان الصّالحان عبد الله بن المحبّ الصّالحي، والزّرعيّ الضّرير- وكان الشيخ يحب قراءتهما- فابتدأ من سورة الرحمن حتى ختما القرآن. وخرج من عنده من كان حاضرا إلّا من يغسّله ويساعد على تغسيله، وكانوا جماعة من أكابر الصّالحين وأهل العلم، كالمزّي وغيره، وما فرغ من تغسيله حتّى امتلأت القلعة وما حولها بالرّجال، فصلّى عليه بدركات القلعة الزّاهد القدوة محمد بن تمّام، وضجّ الناس حينئذ بالبكاء، والثناء، والدعاء بالتّرحم. وأخرج الشيخ إلى جامع دمشق، وصلّوا عليه الظّهر، وكان يوما مشهودا [1] لم يعهد بدمشق مثله، وصرخ صارخ: هكذا تكون جنائز أئمة السّنّة، فبكى الناس بكاء كثيرا، وأخرج من باب البريد، واشتد الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم، وصار النّعش على الرؤوس يتقدم تارة ويتأخر أخرى، وخرجت جنازته من باب الفرج، وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج، وعظم الأمر بسوق الخيل، وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبد الرحمن، ودفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدّين عبد الله بمقابر الصّوفية. وحزر من حضر جنازته بمائتي ألف، ومن النساء بخمسة عشر ألفا. وختمت له ختمات كثيرة، رحمه الله ورضي عنه.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «مشهوا» .

وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن محمد بن بدر الجزري ثم الصّالحي [1] المقرئ الفقيه الحنبلي. ولد في حدود السبعين وستمائة، وقرأ بالروايات على الشيخ جمال الدّين البدوي [2] وسمع من جماعة من أصحاب ابن طبرزد، والكندي، ولزم المجد التّونسي. وأخذ عنه علم القراءات، حتى مهر فيها، وأقبل على الفقه، وصحب القاضي ابن مسلم مدة وانتفع به. وكان من خيار الناس، دينا، وعقلا، وحياء، ومروءة، وتعففا. اقرأ القراءات، وحدّث. وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. قاله ابن رجب. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي [3] المقرئ الفقيه [4] الحنبلي الأصولي النحوي شهاب الدّين بن الشيخ تقي الدّين. ولد سنة سبع أو ثمان وأربعين وستمائة، وسمع من خطيب مردا، حضورا، وابن عبد الدائم. وارتحل إلى مصر بعد الثمانين، فقرأ بها القراءات على الشيخ حسن الرّاشدي، وصحبه إلى أن مات. وقرأ الأصول على شهاب الدّين القرافي المالكي، والعربية على بهاء الدّين بن النّحاس، وبرع في ذلك. وتفقه في المذهب. وقدم دمشق، ثم تحوّل إلى حلب، وأقرأ بها.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 408) و «غاية النهاية» (1/ 148) و «الدّرر الكامنة» (1/ 333- 334) . [2] تحرفت في «ط» إلى «البدري» . [3] انظر «معرفة القراء الكبار» (2/ 746) و «معجم الشيوخ» (1/ 6) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 386) و «غاية النهاية» (1/ 122) و «الدّرر الكامنة» (1/ 276) . [4] تحرفت في «ط» إلى «الفقه» .

ثم استوطن بيت المقدس. وتصدّر لإقراء القراءات والعربية، وصنّف شرحا كبيرا ل «الشاطبية» ، وشرحا آخر ل «الرائية» في الرسم، وشرحا ل «ألفية ابن معطي» وصنّف «تفسيرا» وأشياء في القراءات. ذكره الذهبي في «معجم شيوخه» فقال: كان إماما، مقرئا، بارعا، فقيها، نحويا، نشأ إلى اليوم في صلاح ودين وزهد. سمعت منه مجلس البطاقة، وانتهت إليه مشيخة بيت المقدس. وذكر البرزالي أنه حجّ وجاور بمكة، وأنه يعدّ في العلماء الصّالحين الأخيار، وقال: قرأت عليه بدمشق والقدس عدة أجزاء. وتوفي بالقدس سحر يوم الأحد رابع رجب، وذكر الدّبيثي أنه مات فجأة. وفيها الشيخ جمال الدّين عبد الله بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي [1] الشّافعي، مدرّس المستنصرية. قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : مولده في رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، واشتغل وبرع. وقال ابن كثير: درّس بالمستنصرية مدة طويلة، نحو أربعين سنة، وباشر نظر الأوقاف، وعيّن لقضاء القضاة في وقت، وأفتى من سنة سبع وخمسين وإلى أن مات، وذلك إحدى وسبعون سنة، وهذا شيء غريب جدا. وكان قويّ النّفس، له وجاهة في الدولة، كم كشفت به كربة عن النّاس بسعيه وقصده. وقال السّبكي: ولي قضاء القضاة بالعراق. وقال الكتبي: انتهت إليه رئاسة الشافعية ببغداد، ولم يكن يومئذ من يماثله ولا يضاهيه في علومه وعلو مرتبته، وعيّن لقضاء القضاة فلم يقبل. توفي في شوال ببغداد وله تسعون سنة وثلاثة أشهر، ودفن بداره، وكان وقفها على شيخ وعشرة صبيان يقرؤون القرآن، ووقف عليها أملاكه كلّها.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (157) و «النجوم الزاهرة» (9/ 274) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 43) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 235- 236) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 344- 345) و «الدّرر الكامنة» (2/ 299) .

وفيها الفقيه المعمّر جمال الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي [1] . ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة، وسمع من النّور البلخي، والمرسي، ومحمد بن عبد الهادي، وطائفة. توفي بالصّالحية في ذي القعدة. وفيها عفيف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي، ابن الخراط الحنبلي [2] . قال الذهبي: الإمام الواعظ، مسند العراق، شيخ المستنصرية. مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة. سمع من عجيبة كثيرا، وابن الخير، وابن قميرة، وأخيه، وطائفة. وتفرّد. ومات ببغداد في جمادى الأولى. وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدّمشقي الحنفي بن الحريري [3] . ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وحدّث عن ابن الصّيرفي، والقطب بن عصرون، وابن أبي اليسر. وكان عادلا، مهيبا، صارما، ديّنا، رأسا في المذهب. وتوفي بمصر في جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (158) و «الدّرر الكامنة» (2/ 224) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (156- 157) و «معجم الشيوخ» (2/ 225- 226) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 384- 386) و «الدّرر الكامنة» (4/ 27) و «المقصد الأرشد» (2/ 462- 463) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (157) و «الوافي بالوفيات» (4/ 90) و «الجواهر المضية» (2/ 250- 251) و «الدّرر الكامنة» (4/ 39- 40) .

سنة تسع وعشرين وسبعمائة

سنة تسع وعشرين وسبعمائة فيها توفي العلّامة شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن شيخ الشّافعية تاج الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل الشافعي بل شافعيّ الشّام [1] . ولد في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة. وسمع الكثير من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وعدّة، وله مشيخة خرّجها العلائي، وأخذ عن والده، وبرع، وأعاد في حلقته، وأخذ النحو عن عمّه شرف الدّين، ودرّس بالبادرائية بعد وفاة أبيه، وخلفه في إشغال الطلبة والإفتاء، ولازم الإشغال والتّصنيف، وحدّث بالصحيح مرات، وعرض عليه القضاء فامتنع، وباشر الخطابة بعد موت عمّه مدة يسيرة، ثم تركها، وصنّف «التعليقة على التّنبيه» في نحو عشر مجلدات، وله «تعليقة» على مختصر ابن الحاجب في الأصول، وله مصنّفات أخر. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» وقال: انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه ووجوهه، مع علمه متون الأحكام وعلم الأصول والعربية، وغير ذلك، وسمع الكثير وكتب مسموعاته. وكان يدري علوم الحديث، مع الدّين والورع، وحسن السّمت، والتّواضع. توفي بالبادرائية في جمادى الأولى ودفن بباب الصغير عند أبيه وعمه.

_ [1] قلت: ويعرف بابن الفركاح. انظر «ذيول العبر» ص (160- 161) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 312- 313) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 290) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 314- 318) و «الدّرر الكامنة» (1/ 34- 35) .

وفيها مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفرّاء الحرّاني ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي، شيخ المذهب. ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة بحرّان. وقدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين، فسمع بها الكثير من ابن أبي عمر، وابن الصّيرفي، والكمال عبد الرحيم، وابن البخاري، والإربلي، وابن حامد الصّابوني، وغيرهم. وطلب بنفسه، وسمع «المسند» والكتب الكبار، وتفقه بالشيخ شمس الدّين ابن أبي عمر وغيره، ولازمه حتّى برع في الفقه. وتصدّى للإشغال والفتوى مدة طويلة، وانتفع به خلق كثير. مع الدّيانة والتّقوى، وضبط اللسان، والورع في المنطق وغيره واطّراح التكلّف في الملبس وغيره. قال الطّوفي: كان من أصلح خلق الله وأدينهم، كأنّ على رأسه الطير. وكان عالما بالفقه، والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والجبر، والمقابلة. وقال الذهبي: كان شيخ الحنابلة. وقال غيره: يقال: إنه أقرأ «المقنع» مائة مرة. وكان عديم التكلّف، يحمل حاجته بنفسه، وليس له كلام في غير العلم، ولا يخالط أحدا، وأوقاته محفوظة. وقال هو: ما وقع في قلبي الترفّع على أحد من الناس، فإني أخبر بنفسي ولست أعرف أحوال الناس. وقال ابن رجب: كان سريع الدّمعة، سمعت بعض شيوخنا يذكر عنه أنه كان لا يذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دروسه إلّا ودموعه جارية، ولا سيما إن ذكر شيئا من الرقائق أو أحاديث الوعيد ونحو ذلك.

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 179) و «ذيول العبر» ص (161) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 408- 410) و «الدّرر الكامنة» (1/ 377- 378) و «المقصد الأرشد» (1/ 272- 273) .

وقد قرأ عليه عامة أكابر شيوخنا ومن قبلهم، حتّى الشيخ تقي الدين الزّريرانيّ [1] شيخ العراق وحدّث. وسمع منه جماعة، منهم: الذهبي وغيره. وتوفي ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى بالمدرسة الجوزية، ودفن بمقابر الباب الصّغير. وفيها الصّاحب الأمجد رئيس الشام عزّ الدّين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي [2] . كان محتشما، معظّما، متنعّما. عمل الوزارة وغيرها. وروى عن البرهان، وابن عبد الدائم. وتوفي في ذي الحجّة عن ثمانين سنة وأشهر. قاله في «العبر» . وفيها الإمام تقي الدّين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن أبي البركات بن مكّي بن أحمد الزّريراتيّ [1] ثم البغدادي [3] الحنبلي فقيه العراق ومفتى الآفاق. ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وستمائة. وحفظ القرآن وله سبع سنين، وسمع الحديث من إسماعيل بن الطبّال وخلائق. وتفقه ببغداد على جماعة، منهم: الشيخ مفيد الدّين الحربي وغيره، ثم ارتحل إلى دمشق، فقرأ بها المذهب على الشيخ زين الدّين بن المنجّى، والشيخ مجد الدّين الحرّاني، ثم عاد إلى بلده. وبرع في الفقه وأصوله، ومعرفة المذهب، والخلاف، والفرائض، ومتعلقاتها.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» في الموضعين إلى «الذريراتي» بالذال والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» و «المقصد الأرشد» كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل. انظر ص (132) من هذا المجلد. [2] انظر «ذيول العبر» ص (163) و «النجوم الزاهرة» (9/ 280) و «الدّرر الكامنة» (2/ 75- 76) . [3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» 2/ 410- 412) و «الدّرر الكامنة» (2/ 289- 290) و «المقصد الأرشد» (2/ 55- 56) .

وكان عارفا بأصول الدّين، وبالحديث، وبأسماء الرجال، والتواريخ، وباللغة، والعربية، وغير ذلك، وانتهت إليه معرفة الفقه بالعراق. وكان يحفظ «الهداية» و «الخرقي» وذكر أنه طالع «المغني» للشيخ موفق الدّين ثلاثا وعشرين مرة، وكان يستحضر أكثره، وعلّق عليه حواشي وفوائد. قال ابن رجب: انتهت إليه رئاسة العلم ببغداد من غير مدافع، وأقرّ له الموافق والمخالف، وكان الفقهاء من سائر الطوائف يجتمعون به، ويستفيدون منه في مذاهبهم، ويتأدّبون معه، ويرجعون إلى قوله، ويردّهم عن فتاويهم، فيذعنون له، ويرجعون إلى ما يقوله، حتّى ابن المطهّر شيخ الشيعة، كان الشيخ يبيّن له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له. ويوم وفاته قال الشيخ شهاب الدّين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية: لم يبق ببغداد من يراجع في علوم الدّين مثله. وقرأ عليه جماعة من الفقهاء، وتخرّج به أئمة، وأجاز لجماعة، وولي القضاء. توفي ببغداد ليلة الجمعة ثاني عشري جمادى الأولى ودفن بمقابر الإمام أحمد قريبا من القاضي أبي يعلى، رحمهم الله تعالى. وفي حدودها نجم الدّين أبو الفضل إسحاق بن أبي بكر بن ألمى بن أطز [1] التّركي ثم المصري [2] الفقيه الحنبلي المحدّث الأديب الشاعر. ولد سنة سبعين وستمائة [3] . وسمع بمصر من الأبرقوهي، ورحل، وسمع بالإسكندرية من القرافي، وبدمشق من أبي الفوارس. وإسماعيل بن الفرّاء، وبحلب من سنقر الزّيني، وتفقه. وقال الشعر الحسن، وسمع منه الحافظ الذهبي

_ [1] في «ط» : «أطر» . [2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 170) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 414- 415) و «الدّرر الكامنة» (1/ 357) و «الوافي بالوفيات» (8/ 405) . [3] تحرفت في «ط» إلى «سبعمائة» .

بحلب، ثم دخل العراق بعد السبعمائة، وتنقّل في البلاد، وسكن أذربيجان، ولم تكن سيرته هناك مشكورة، وبقي إلى حدود هذه السنة ولم تتحقق سنة وفاته، وليس له في الزّهد والعلم مشبه سوى الحسن البصري، وابن المسيّب. قاله ابن رجب. وفيها قاضي القضاة علاء الدّين علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي الشافعي [1] قاضي القضاة، وشيخ الشيوخ، فريد العصر. ولد بمدينة قونوة [2] سنة ثمان وستين وستمائة. واشتغل هناك، وقدم دمشق في أول سنة ثلاث وتسعين فازداد بها اشتغالا، وسمع الحديث من جماعة، وتصدر للإشغال بالجامع، ودرّس بالإقبالية، ثم تحوّل سنة سبعمائة إلى مصر، وسمع بها من جماعة، ولازم ابن دقيق العيد، وأثنى عليه ثناء بالغا، مع شدة احترازه في الألفاظ، وتولى بالقاهرة تدريس الشّريفية، ومشيخة الميعاد بالجامع الطولوني، وولي مشيخة الشيوخ في سنة عشر وسبعمائة، وانتصب للاشغال، وازدحم عليه الناس إلى أن تخرّج به خلق كثير. وصنّف شرحه المشهور على «الحاوي» وصنّف مصنّفا في «حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم» . ذكره الذهبي في «المعجم المختص» [3] فقال: قدم علينا دمشق في أوائل سنة ثلاث وتسعين، فحضر المدارس وبهرت فضائله، ودرّس وأفتى، وأعاد [4] وأفاد، وبرع في عدة علوم، وتخرّج به أئمة. مع الوقار، والورع، وحسن السّمت، ولطف المحاورة، وجميل الأخلاق. قلّ أن ترى العيون مثله.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (162) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (308) و «النجوم الزاهرة» (9/ 279) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 132- 136) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 334- 336) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 356- 359) و «الدّرر الكامنة» (1/ 24- 28) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «قونوة» ولعلها «قونية» التي تقع في الجنوب الأوسط من تركية المعاصرة. [3] لم أجد ترجمته في «المعجم المختص» المطبوع الذي بين أيدينا فلعل ترجمته قد سقطت منه، والله أعلم. [4] في «ط» : «وأعادوا» وهو خطأ.

وذكر له تلميذه الشيخ جمال الدّين الإسنوي ترجمة حسنة، وقال: كان أجمع من رأيناه للعوم، مع الاتّساع فيها، خصوصا العلوم العقلية واللّغوية، لا يشار بها إلّا إليه، ولا يحال فيها إلّا عليه، وولي القضاء بدمشق ومشيخة الشيوخ، وباشر على النّمط الذي كان عليه بالدّيار المصرية، مع الحرمة، والنّزاهة، والإشغال، والتّحديث، إلى أن توفي بدمشق في ذي القعدة، ودفن بجبل قاسيون. وفيها الصّدر نجم الدّين علي بن محمد بن هلال الأزدي [1] . حدّث عن ابن البرهان، والقاضي صدر الدّين بن سني الدولة، والزّين خالد والكرماني. وطلب وحصّل الأصول، وولي نظر الأيتام، وكان تامّ الشكل حسن البزّة، ذا كرم وتحمّل. ومات بدمشق في ربيع الآخر عن ثمانين سنة. وفيها القاضي نجم الدّين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي ثم المصري [2] الشافعي شارح «التنبيه» . ولد سنة ستين وستمائة، وسمع بدمشق من جماعة، واشتغل وفضل، ثم دخل القاهرة، وسمع من ابن دقيق العيد، ولازمه، وناب في الحكم بمصر، ودرّس بالمعزّية والطّبيبرسية، وكان قويّ النّفس، كثير الإيثار مع التقلل، وانتفع به طلبة مصر، ودارت عليه الفتيا بها. قال الذهبي: كان إماما زاهدا. وقال السبكي في «الطبقات الكبرى» : شارح «التنبيه» ، واختصر «كتاب الترمذي» في الحديث، وكان أحد أعيان الشافعية. ديّنا وورعا.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (170- 171) و «ذيول العبر» ص (160) و «الدّرر الكامنة» (3/ 114- 115) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (159- 160) و «النجوم الزاهرة» (9/ 280) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 252) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 290- 291) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 381- 383) و «الوافي بالوفيات» (4/ 98) و «الدّرر الكامنة» (4/ 50) .

وقال الإسنوي: كان له في التّقوى سابقة قدم، وفي الورع رسوخ قدم، وفي العلم آثار هي أوضح للسّارين من نار على علم. كان فقيها، محدّثا، ورعا، قوّاما في الحقّ. توفي في المحرم بالقاهرة ودفن بالقرافة الصّغرى. وفيها بدر الدّين أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر الأنصاري الدمشقي الإمام الزاهد ابن قاضي القضاة عز الدّين المعروف بابن الصائغ الشافعي [1] . مولده في المحرّم سنة ست وسبعين وستمائة، وقرأ «التنبيه» ولازم الشيخ برهان الدّين الفزاري زمانا، وسمع الكثير، وحدّث، وسمع منه البرزالي، وخرّج له جزءا [2] من حديثه، وحدّث به، ودرّس بالعمادية والدماغية. وجاءه التقليد بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فامتنع، وأصرّ على الامتناع فأعفي. ثم ولي خطابة القدس، ثم تركها. قال الذهبي: الإمام، القدوة، العابد. كان مقتصدا في أموره، كثير المحاسن، حجّ غير مرّة. وقال ابن رافع: كان على طريقة حميدة، وعنده عبادة واجتماع وملازمة للصلحاء والأخيار، وإعراض عن المناصب. وكان معظّما، مبجّلا، وقورا. توفي بدمشق في جمادى الأولى، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون. وفيها العلّامة ناظر الجيش معين الدّين هبة الله بن مسعود بن حشيش [3] .

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (261- 262) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 388- 389) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 238) . [2] في «آ» و «ط» : «أجزاء» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف. [3] انظر «المعجم المختص» ص (292- 293) و «ذيول العبر» ص (162) و «النجوم الزاهرة (9/ 280) و «الدّرر الكامنة» (5/ 177) .

روى عن ابن البخاري وغيره، وله نظم ونثر، وقوة أدوات. توفي بمصر عن ثلاث وستين سنة. وفيها المسند المعمّر فتح الدّين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدّبابيسي [1] . كان آخر من روى عن ابن المقيّر بالسماع وبالإجازة، وعن المخيل، وحمزة بن أوس، وظافر بن شحم، وعدة، وتفرّد، وروى الكثير، وكان عاقلا منورا. توفي بمصر في جمادى الأولى وقد جاوز التسعين بيسير.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (161- 162) و «الدّرر الكامنة» (4/ 484) .

سنة ثلاثين وسبعمائة

سنة ثلاثين وسبعمائة فيها توفي مسند الدّنيا شهاب الدّين أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصّالحي الحجّار ابن الشّحنة [1] . من قرية من قرى وادي بردى بدمشق. انفرد بالرواية عن الحسين الزّبيدي. وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة. وسافر إلى القاهرة مرتين مطلوبا مكرما ليحدّث بها. قال البرزالي: مولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة وعمّر مائة عام وسبعة أعوام، وانفرد في الدنيا [2] بالإسناد عن الزّبيدي. وكان أميّا، يوم لا يسمع عليه يخرج إلى الجبل مع الحجّارين يقطع الحجارة، وألحق أولاد الأولاد بالأجداد، وكان ربما خرج الطلبة إليه وهو يقطع الحجارة ليسمعهم فيقول: اقرؤوا على الفروة. وكان إذا قلب عليه سند حديث يقول: لم أسمعه هكذا، وإنما سمعته كذا وكذا، طبق ما في «الصحيح» . وقال الذهبي: حدّث يوم موته، وسمع من ابن الزّبيدي، وابن اللّتي، وأجاز له ابن روزبه، وابن القطيعي، وعدة. ونزل الناس بموته درجة. ومات بصالحية دمشق في الخامس والعشرين من صفر، ودفن بالتربة المحوط عليها بمحلّة تعرف بالسكة بالقرب من زاوية الدومي جوار جامع الأفرم.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (164) و «معجم الشيوخ (1/ 118- 120) و «النجوم الزاهرة» (9/ 281) و «الدّرر الكامنة» (1/ 142- 143) و «القلائد الجوهرية» ص (412- 414) طبع مجمع اللغة العربية بدمشق. [2] في «ط» : «بالدنيا» .

وفيها سيف الدّين بهادر آص المنصوري [1] . كان من أمراء الألوف بدمشق وقبته خارج باب الجابية، ودفن بها وقد نيّف على السبعين. وفيها المعمّر زين الدّين أيوب بن نعمة النّابلسي ثم الدمشقي الكحّال [2] . حدّث عن المرسي، والرّشيد العراقي، وعبد الله بن الخشوعي، وجماعة. وتفرّد، وحدّث بمصر ودمشق. ومات في ذي الحجّة عن أزيد من تسعين سنة. وفيها فخر الدّين أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب الطّائي الحلبي الشّافعي، المعروف بابن خطيب جبرين [3] . مولده بالقاهرة في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وستمائة، تفقه على ابن بهرام قاضي حلب وغيرها. قرأ عليه «التعجيز» بقراءته له على مصنّفه، وقرأ على القاضي شرف الدّين البارزي وغيرهما، ودرّس، وأفتى، وأشغل الناس بالعلم بحلب وانتفع به، وشرح «مختصر ابن الحاجب» و «الحاوي الصغير» ولم يكمله و «التعجيز» و «الشامل الصغير» للقزويني، و «البديع» لابن السّاعاتي، وله منسك ومصنّفات أخر. وولي وكالة بيت المال بحلب وقضاء القضاة بها بعد شمس الدّين بن النّقيب، ووقع بينه وبين نائب حلب فكاتب فيه فطلب إلى مصر بسبب حكومة فأدركه أجله هناك.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (164) و «النجوم الزاهرة» (9/ 281- 282) و «الدّرر الكامنة» (1/ 497) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 228) . [2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 86) و «ذيول العبر» ص (166) و «الدّرر الكامنة» (1/ 434- 435) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (165- 166) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 126- 127) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 393- 394) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 351- 353) و «الدّرر الكامنة» (2/ 443- 446) .

وقال الكتبي: تخرّج به الفقهاء والقرّاء، واشتهر اسمه. وتوفي بالقاهرة في المحرم ودفن بمقبرة الصّوفية. وجبرين: بالجيم والباء والراء المكسورة قرية من قرى حلب [1] . والصحيح في وفاته أنه في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة كما جزم به الإسنويّ، وابن قاضي شهبة، وغيرهما. وفيها قاضي القضاة فخر الدّين أبو عمرو عثمان ابن محمد بن عبد الرّحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم الجهني الحموي، المعروف بابن البارزي [2] الشافعي، قاضي حلب. ولد بحماة سنة ثمان وستين وستمائة، وناب عن عمّه القاضي شرف الدّين بحماة. وتولّى قضاء حمص مدة، ثم عاد إلى حماة وولي خطابة الجامع بها ثم ولي قضاء حلب. قال الذهبي: حدّث ب «مسند الشافعي» عن ابن النّصيبي وحفظ كتبا وأفتى. وذكره ابن حبيب، وأثنى عليه وقال: كان عارفا بمشكلات «الحاوي» وله عليه شرح يفيد السامع والراوي. توفي بحلب فجأة في صفر ودفن خارج باب المقام. وفيها المحدّث الزّاهد فخر الدّين عثمان [3] . قال الذهبي: ابن شيخنا الحافظ أحمد بن الظّاهري، حضر ابن علّاق، والنّجيب، وكان مكثرا ارتحل به أبوه ونسخ هو بخطه وحدّث. وتوفي بمصر في رجب عن ستين سنة سوى أشهر.

_ [1] انظر «معجم البلدان» (2/ 101- 102) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (165) و «الدّرر الكامنة» (2/ 448- 449) . [3] انظر «المعجم المختص» ص (153) و «ذيول العبر» ص (165) و «الدّرر الكامنة» (2/ 436- 437) .

وفيها قاضي مكّة ومفتيها نجم الدّين محمد بن محمد بن الشيخ محبّ الدّين الطّبري الشافعي [1] . ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة. وسمع من جدّه الشيخ محبّ الدّين، ومن عمّ جدّه يعقوب بن أبي بكر الطّبري، والفاروثي، وغيرهم. قال الإسنوي والسّبكي: كان فقيها شاعرا. وقال الكتبي: كان شيخا، فاضلا، فقيها، مشهورا، يقصد بالفتاوى من بلاد الحجاز واليمن، وكان له النّظم الفائق، والنثر الرّائق، ولم يخلّف في الحرمين مثله. توفي بمكّة في جمادى الآخرة ودفن بقية باب المعلاة [2] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (165) و «الوافي بالوفيات» (2/ 146) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 267- 268) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 180- 181) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 387- 388) و «الدّرر الكامنة» (4/ 162- 163) . [2] في «آ» و «ط» : «باب المعلى» والصواب ما أثبته، وقد سبق التنبيه على ذلك من قبل.

سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة

سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وفيها وصل إلى حلب نهر السّاجور بعد غرامة كثيرة وحفر طويل، وفرحوا به. وفيها توفي مسند حلب وخاتمة أصحاب ابن خليل عزّ الدين إبراهيم ابن صالح بن العجمي [1] . سمع بدمشق من خطيب مردا. وتوفي في حلب بعد أيام خلت من رجب، وهو في سنّ التسعين. وفيها أقضى القضاة جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفّر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد بن القلانسي [2] الشافعي، الصدر الكبير، الرئيس الإمام العالم. ولد سنة تسع وستين وستمائة، وحفظ «التنبيه» ثم «المحرّر» للرافعي، واشتغل على الشيخ تاج الدّين الفزاري. وقرأ النّحو على شرف الدّين الفزاري، والأدب على الرّشيد الفارقي. وولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال، وتدريس الأمينية والظّاهرية والعصرونية. قال ابن كثير: تقدم بطلب العلم والرئاسة، وباشر جهات كبار، ودرّس في

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 137) و «ذيول العبر» ص (167- 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 27- 28) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (168- 169) و «البداية والنهاية» (14/ 156) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 329- 331) و «الدّرر الكامنة» (1/ 300- 301) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 197) .

أماكن، وتفرّد في وقته بالرئاسة في البيت والمناصب الدينية والدنيوية. وكان فيه تواضع، وحسن سمت، وتودّد وإحسان، وبرّ بأهل العلم والصّلحاء. وهو ممن أذن لي في الإفتاء. وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة، فأجاد وأفاد، وأحسن التّعبير، وعظم في عيني. وسمع الحديث من جماعة، وخرّج له فخر الدّين البعلبكي «مشيخة» سمعناها عليه. توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسّفح. وفيها نائب السّلطنة أرغون الدويدار [1] ، الذي باشر النّيابة مدة ثم أخر. وكان مليح الخطّ، نسخ «صحيح البخاري» وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وحصّل كتبا نفيسة. ومات بحلب في ربيع الأول كهلا. وفي حدودها جمال الدّين عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الجيلوني الشّيرازي [2] الشافعي، صاحب «البحر الصغير» و «العجالة» . قال الإسنوي: كان فقيها، كبيرا، ذا حظ من كثير من العلوم، ورعا، زاهدا، بحث «الحاوي الصغير» بقزوين على ابن المصنّف في أربعين يوما، ثم عاد إلى بلده، وصنّف كتابه المسمى ب «البحر» وهو مختصر أوضح من «الحاوي» متضمن لزيادات. توفي بجبل من نواحي شيراز سنة نيّف وثلاثين وسبعمائة. انتهى. وفيها ضياء الدّين أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة [3] ، العالم القاضي الشافعي، الأنصاري الأذرعي.

_ [1] انظر «ذيول العبر» (1/ 167) و «النجوم الزاهرة» (9/ 288) و «الدّرر الكامنة» (1/ 351) . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 45) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 291) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 345- 346) . [3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 27) و «الدّرر الكامنة» (3/ 53) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 359- 360) .

أخذ عن الشيخ محيي الدّين النّووي. قال الذهبي: أخذ عن الشيخ تاج الدّين وغيره، وتنقّل لقضاء النّواحي نحوا من ستين سنة. وكان منطبعا بسّاما عاقلا. وقال ابن كثير: تنقّل في ولايات الأقضية بمدائن كثيرة مدة ستين سنة، وحكم بطرابلس، ونابلس، وحمص، وعجلون، وزرع، وغيرها. وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر. وكان عنده فضيلة، وله نظم كثير. نظم «التنبيه» في ستة عشر ألف بيت وتصحيحه في ألف وثلاثمائة بيت وله غير ذلك. توفي بالرّملة في ربيع الأول. وفيها قاضي الحنابلة عزّ الدين محمد بن قاضي القضاة سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] . ولد في عشري ربيع الآخر، سنة خمس وستّين وستمائة. وسمع وناب عن والده في الحكم. وروى عن الشيخ، وعن أبي بكر الهروي، وبالإجازة عن ابن عبد الدائم. قال الذهبي: كان متوسطا في العلم والحكم، متواضعا. وقال غيره: ولي القضاء مستقلا بعد موت ابن المسلم، وكان ذا فضل، وعقل، وحسن خلق، وتودّد، وتهجّد، وقضاء حوائج للناس، وتلاوة، وحجّ ثلاث مرات. وتوفي تاسع صفر ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر. فيها السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان يعقوب بن عبد الحقّ المريني [2] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (166- 167) و «معجم الشيوخ» (2/ 194) و «النجوم الزاهرة» (9/ 286) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 415- 416) و «الدّرر الكامنة» (3/ 448) و «المقصد الأرشد» (2/ 416- 417) و «الدارس في تاريخ المدارس» 1/ 53) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (168) و «النجوم الزاهرة» (9/ 29) و «الدّرر الكامنة» (2/ 452) .

كانت دولته اثنتين وعشرين سنة. توفي بالمغرب في ذي القعدة وقد قارب التسعين. وتملّك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن. وفيها تاج الدّين عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللّخمي الإسكندري الفاكهي [1] العلامة النحوي. قال في «الدرر» : ابن الفاكهاني. سمع على ابن طرخان، والمكين الأسمر، وتفقه لمالك، وأخذ عن ابن المنيّر وغيره، ومهر في العربية والفنون، وصنّف «شرح العمدة» وغيرها. ومن تصانيفه «الإشارة» في النحو، و «المورد في المولد» وغيرهما. وحجّ من طريق دمشق سنة ثلاثين وسبعمائة، ورجع فمات في بلده سنة إحدى وثلاثين. وقال الشّمنّي: له شرح مقدمة في النحو. وسمع من التّقي بن دقيق العيد، والبدر بن جماعة، وأجاز لعبد الوهاب الهروي. انتهى. وفيها فاطمة بنت الشيخ الحافظ علم الدّين البرزالي [2] بدمشق. حفظت القرآن، وسمعت الحديث من جماعة، وكتبت ربعة شريفة. و «صحيح البخاري» وعدة أجزاء، و «أحكام» مجد الدّين بن تيمية. وفيها كماليّة بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدّمّراوي [3] وتسمّى ستّ الناس. روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي، ومحمد بن الجرّاح، والشّرف المرسي. وماتت في الثّغر في شعبان.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (183) و «الدّرر الكامنة» (3/ 178- 179) . [2] انظر «تتمة المختصر في أخبار البشر» (2/ 419) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (168) و «الدّرر الكامنة» (3/ 269) .

وفيها نجم الدّين هاشم بن عبد الله البعلي الشّافعي [1] . قرأ الأصول، والفقه. ومن نظمه: ولقد سمعت بسكّر من وصلكم [2] ... فعساكم أن تجعلوه مكرّرا وأظنّه حلوا لذيذا طعمه ... إذ كنت أسمع بالوصال ولا أرى وفيها العدل بدر الدّين يوسف بن عمر الختني [3] . سمع من ابن رواج حضورا، وصالح المدلجي، والبكري، والرّشيد، والمرسي، وابن اللّمط الذي سمع من أبي جعفر الصّيدلاني، وتفرّد بأشياء. وتوفي بمصر في صفر عن أربع وثمانين سنة.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 399- 400) . [2] في «الدّرر الكامنة» : «من فضلكم» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (167) و «النجوم الزاهرة» (9/ 287) و «الدّرر الكامنة» (4/ 466) .

سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة

سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فيها جاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمّام النائب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد. وفيها توفي العلّامة رضي الدّين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرّومي [1] الحنفي مدرّس القيمازية. حجّ سبع مرّات. كان مفتيا، له علم وفضل، وتلامذة. وتوفي بدمشق عن ست وثمانين سنة. وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل، الشيخ العلّامة المقرئ الشّافعي الرّبعي الجعبري [2] شيخ بلد الخليل. ولد بجعبر في حدود سنة أربعين وستمائة، وتلا بالسّبع على أبي الحسن الوجوهي، وبالعشر على المنتخب التّكريتي، وسمع ببغداد من جماعة وحفظ «التعجيز» وعرضه على مصنّفه وأخذ عنه الفقه. ثم قدم دمشق، وسمع من جماعة، وخرّج له البرزالي «مشيخة» . ثم دخل إلى بلد الخليل عليه السلام، وأقام به مدة طويلة نحو أربعين سنة، ورحل الناس إليه.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (172) و «الجواهر المضية» (1/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 27) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (60- 61) و «معجم الشيوخ» (1/ 147- 148) و «ذيول العبر» ص (174- 175) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 398- 399) و «الدّرر الكامنة» (1/ 50- 51) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 385- 386) و «غربال الزّمان» ص (598- 599) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 318- 320) .

وروى عنه السّبكي، والذهبي، وخلائق. وصنف التصانيف الكثيرة، منها «شرح الشاطبية» و «شرح الرائية» واختصر «مختصر ابن الحاجب» و «مقدمته» في النحو، وحسبك قدرة على الاختصار من مختصر ابن الحاجب والحاجبية. وكمّل «شرح التعجيز» فإن مصنّفه لم يكمله كما تقدم. قال بعضهم: وتصانيفه تقرب المائة. وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: العلّامة ذو الفنون، مقرئ الشام، له التصانيف المتقنة في القراءات، والحديث، والأصول، والعربية، والتاريخ، وغير ذلك. وله مصنّف مؤلّف في علوم الحديث [1] . توفي في بلد الخليل في شهر رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. وفيها عماد الدّين إبراهيم بن يحيى بن الكيّال الدّمشقي الحنفي [2] . قرأ على ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وأيوب الحمّامي، وعدة. وكان محدّثا، إماما، عالما، فصيحا، خدم في المواريث، وحصّل، ثم تاب وحجّ، وأمّ بالرّبوة وغيرها. وتوفي في ربيع الآخرة عن سبع وثمانين سنة. وفيها أبو العبّاس أحمد بن الفخر البعلبكي السّكاكيني [3] . روى عن خطيب مردا، وابن عبد الدائم. وروى كثيرا وكان مقرئا صالحا تقيا. توفي بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة. وفيها صاحب حماة الملك المؤيد عماد الدّين إسماعيل بن الأفضل

_ [1] قلت: واسم مصنّفه المذكور «رسوم التحديث» ولدي مصورة نسخته الخطية وفي النيّة تحقيقه إن شاء الله تعالى. [2] انظر «المعجم المختص» ص (68) و «معجم الشيوخ» (1/ 161) و «ذيول العبر» ص (172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 76- 77) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (171) .

علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه ابن أيوب بن شاذي [1] ، العالم العلّامة المفنّن الشّافعي السّلطان. مولده في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة، كما ذكره هو في «تاريخه» . قال ابن قاضي شهبة: اشتغل في العلوم، وتفنّن فيها، وصنّف التصانيف المشهورة، منها «التاريخ» في ثلاث مجلدات، و «العروض والأطوال والكلام على البلدان» في مجلد، وله نظم «الحاوي الصغير» وكتاب «الكناش» مجلدات كثيرة. ولي مملكة حماة في سنة عشرين إلى أن توفي، وكان الملك الناصر يكرمه ويحترمه ويعظّمه. وله شعر حسن. وكان جوادا، ممدّحا، امتدحه غير واحد. وقال ابن كثير: وله مصنفات عديدة، وكان يحب العلماء ويقصدونه لفنون كثيرة، وكان من فضلاء بني أيوب الأعيان منهم. وذكر له الإسنوي في «طبقاته» ترجمة عظيمة، وقال: كان جامعا لأشتات العلوم، أعجوبة من أعاجيب الدّنيا، ماهرا في الفقه، والتفسير، والأصلين، والنّحو، وعلم الميقات، والفلسفة، والمنطق، والطبّ، والعروض، والتاريخ، وغير ذلك من العلوم. شاعرا، ماهرا، كريما إلى الغاية. صنّف في كل علم تصنيفا أو تصانيف. توفي في المحرّم فجأة عن ستين سنة إلّا ثلاثة أشهر وأياما. وفيها سراج الدّين أبو عبد الله الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السّري الدّجيلي- بضم المهملة، وفتح الجيم، وسكون التحتية، نسبة إلى

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (170- 171) و «النجوم الزاهرة» (9/ 292- 294) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 403- 407) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 455) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 336- 338) و «الدّرر الكامنة» (1/ 371) .

دجيل نهر كبير بنواحي بغداد على قرى كثيرة- ثم البغدادي [1] الفقيه الحنبلي المقرئ الفرضي النّحوي الأديب. ولد سنة أربع وستين وستمائة، وحفظ القرآن في صباه، ويقال: إنه تلقّن سورة البقرة في مجلسين والحواميم في سبعة أيام، وسمع الحديث ببغداد من إسماعيل بن الطبّال، ومفيد الدّين الحربي الضّرير، وابن الدّواليني، وغيرهم، وبدمشق من المزّي. الحافظ وغيره، وله إجازة من الكمال البزّار وجماعة من القدماء، وحفظ كتبا في العلوم، منها: «المقنع» في الفقه، و «الشاطبية» و «الألفيتان» و «مقامات الحريري» و «عروض» ابن الحاجب، و «الدريدية» و «مقدمة في الحساب» وقرأ الأصلين، وعني بالعربية، واللّغة، وعلوم الأدب. وتفقه على الزّريراتي. وكان في مبدأ أمره يسلك طريق الزّهد والتقشف البليغ والعبادة الكثيرة، ثم فتحت عليه الدّنيا. وكان له مع ذلك أوراد ونوافل، وصنّف كتاب «الوجيز في الفقه» وعرضه على شيخه الزّريراتي. وصنّف كتاب «نزهة الناظر» وكتاب «تنبيه الغافلين» وغير ذلك. وتوفي ليلة السبت سادس ربيع الأول، ودفن بالشهيد [2] قرية من أعمال دجيل. وفيها وجيهيّة [3] بنت علي بن يحيى ابن علي بن سلطان الأنصارية البوصيرية. وتدعى زين الدّور [4] . روت عن أحمد بن النحّاس، وبالإجازة عن يوسف الشّاوي، والأمير يعقوب الهدباني. وتوفيت بالإسكندرية في رجب.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 417- 418) و «المقصد الأرشد» (1/ 349- 350) . [2] كذا في «آ» و «ط» : «بالشهيد» وفي «طبقات الحنابلة» : «بالشهيل» ولم أقف على ذكر لها في المصادر والمراجع التي بين يدي. [3] في «آ» و «ط» : «وجيهة» والتصحيح من مصدري الترجمة. [4] انظر «ذيول العبر» ص (174) و «الدّرر الكامنة» (4/ 406) .

وفيها كبير الطبّ أمين الدّين سليمان بن داود [1] في عشر التسعين. وكان فاضلا طبيبا درس بالدخوارية. وفيها قاضي الحنابلة شرف الدّين عبد الله بن حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] . قرأ على ابن عبد الهادي، واليلداني، وخطيب مردا، وإبراهيم بن خليل، وغيرهم، وروى عنهم. وأجاز له جماعة، وطلب بنفسه، وتفقه، وأفتى، وناب في الحكم عن أخيه، ثم عن ابن مسلم مدة، ولازمهما [3] . ثم ولي القضاء في آخر عمره مستقلا فوق سنة، ودرّس بالصّاحبية. وولي مشيخة الحديث بالصّادرية والعالمية. وكان فقيها، عالما، صالحا، خيرا، منفردا بنفسه، ذا فضيلة جيدة، حسن القراءة، حميد السيرة في القضاء وحدّث. وسمع منه الذّهبي وخلق. وتوفي فجأة وهو يتوضأ للمغرب آخر نهار الأربعاء، مستهل جمادى الأولى، ودفن بتربة الشيخ أبي عمر. وكان قد حكم ذلك اليوم بالمدينة وتوجه آخر النهار إلى السّفح. وفيها أبو محمد وأبو الفرج، عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد بن سلطان بن محمد بن علي القرامزي [4] العابد الحنبلي. ولد سنة أربع وأربعين وستمائة تقريبا، وقرأ بالروايات، وسمع ابن عبد الدائم، وإسماعيل بن أبي اليسر وجماعة. وتفقه في المذهب، ثم تزهّد وأقبل

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (174) و «الدّرر الكامنة» (2/ 151) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 132) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (172- 173) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 418- 419) و «الدّرر الكامنة» (2/ 255- 256) و «المقصد الأرشد» (2/ 33- 34) . [3] تحرفت في «ط» إلى «ولا مهما» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (170) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 416) و «الدّرر الكامنة» (2/ 346) و «المقصد الأرشد» (2/ 109- 110) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 85) .

على العبادة، والطّاعة، وملازمة الجامع، وكثرة الصّلوات. واشتهر بذلك، وصار له قبول وعظمة عند الأكابر. وقد غمزه الذهبي بأنه نال بذلك سعادة دنيوية، وتمتّع بالدنيا وشهواتها التي لا تناسب الزّاهدين. قال: وسمعت منه «اقتضاء العلم» [1] للخطيب. وكان قويّ النّفس، لا يقوم لأحد، وله محبّون، ومن حسناته أنه كان من اللّاعنين للاتحادية. انتهى. توفي مستهل المحرّم ببستانه بأرض جوبر، ودفن بمقبرة باب الصّغير. وفيها عزّ الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة المقدسي [2] الحنبلي الفرضي الزّاهد القدوة. ولد في تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدائم وغيره، وحجّ صحبة الشّيخ شمس الدّين بن أبي عمر. وكمّل عليه قراءة «المقنع» بالمدينة النّبوية. وحجّ بعد ذلك مرات. وسمع منه الذهبي، وذكره في «معجمه» [3] فقال: كان فقيها، عالما، متواضعا، صالحا، على طريقة سلفه. وكان عارفا بمذهب أحمد، له فهم ومعرفة تامّة بالفرائض، وفيه تودّد وانطباع وعدم تكلّف. أخذ عنه الفرائض جماعة وانتفعوا به. وتوفي في ثامن شهر رجب ودفن بتربة الشيخ أبي عمر. وفيها فخر الدّين أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن

_ [1] وهو مطبوع منذ سنوات في المكتب الإسلامي بدمشق بتخريج الأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني. [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419) و «الدّرر الكامنة» (2/ 321) و «المقصد الأرشد» (2/ 79- 80) . [3] لم أجد ترجمته لا في «معجم الشيوخ» الذي بين يدي، ولا في «المعجم المختص» .

يوسف بن محمد بن نصر البعلي ثم الدمشقي [1] الحنبلي الفقيه المحدّث. ولد يوم الخميس رابع عشري ربيع آخر سنة خمس وثمانين وستمائة، وسمع من ابن البخاري في الخامسة، ومن الشيخ تقي الدّين الواسطي، وعمر بن القوّاص، وعني بالحديث، وارتحل فيه مرات. وكتب العالي والنّازل، وخرّج لغير واحد من الشيوخ، وأفاد. وتفقّه وأفتى في آخر عمره، وولي مشيخة الصّدرية والإعادة بالمسمارية. وسمع منه الذهبي وجماعة، وكان فقيها محدّثا، كثير الاشتغال بالعلم، عفيفا، ديّنا. حجّ مرات، وأقام بمكة أشهرا. وكان مواظبا على قراءة جزئين من القرآن العظيم في الصلاة كل ليلة، وله مؤلفات كثيرة، منها كتاب «الثمر الرّائق المجتنى من الحدائق» وانتفع بمجالسه الناس. وتوفي يوم الخميس تاسع عشري ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية ولم يعقب رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري [2] الفقيه الحنبلي المناظر الأصولي. ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة. وسمع بقراءة والده الكثير بالدّيار المصرية من العزّ الحرّاني، وابن خطيب المزّة، وغازي الحلاوي، وشامية بنت البكري، وغيرهم. وبدمشق من ابن البخاري، وابن المجاور، وجماعة، وبالإسكندرية من العراقي.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (175- 176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419- 420) و «الدّرر الكامنة» (2/ 342- 343) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (176) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 420- 421) و «الدّرر الكامنة» (2/ 347) و «المقصد الأرشد» (2/ 111) .

وقدم دمشق بنفسه مرّة ثانية فسمع من عمر بن القوّاس وغيره، وعني بالسماع والطلب، وتفقّه بالمذهب حتّى برع. وأفتى وناظر، وأخذ الأصول عن ابن دقيق العيد، والعربية عن ابن النّحّاس، وناب عن والده وغيره في الحكم، ودرّس بالمنصورية، وجامع طولون، وغيرهما. وتصدّر للإشغال. وكان شيخ المذهب بالديار المصرية، وله مشاركة في التفسير، والحديث، مع الدّيانة والورع والجلالة، معدّ من العلماء العاملين، وحدّث، وسمع منه جماعة. وتوفي يوم الجمعة سادس عشري ذي الحجّة بالمدرسة الصّالحية بالقاهرة، ودفن إلى جانب والده بالقرافة. وفيها العلّامة شهاب الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر [1] المالكي البغدادي. مدرّس المستنصرية، وله ثمان وثمانون سنة. وفيها الإمام تاج الدّين أبو القاسم عبد الغفّار بن محمد بن عبد الكافي السّعدي الشّافعي [2] . سمع ابن أبي عصرون، والنّجيب، وعدّة، وخرّج «التساعيات» و «أربعين مسلسلات» وطلب وكتب الكثير، وتميّز وأتقن، وولي مشيخة الصّاحبة، وأفتى، ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد، وخرّج لشيوخ. ومات بمصر في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها محيي الدّين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن إبراهيم المقريزي البعلي [3] الحنبلي المحدّث الفقيه.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 344) و «الأعلام» (3/ 329) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (171) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 85- 87) و «الدّرر الكامنة» (2/ 386- 387) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 85) . [3] انظر «المعجم المختص» ص (149) و «ذيول العبر» ص (172) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 416) و «الدّرر الكامنة» (2/ 391- 392) و «المقصد الأرشد» (2/ 191- 192) .

ولد في حدود سنة سبع وسبعين وستمائة، وسمع بدمشق من عمر بن القوّاس وطائفة، وبمصر من سبط زيادة، وغيره وعني بالحديث، وقرأ وكتب بخطّه كثيرا، وخرّج وتفقه. قال الذهبي: له مشاركة في علوم الإسلام، ومشيخة الحديث بالبهائية، وغير ذلك. علّقت عنه فوائد، وسمع منه جماعة. وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر ربيع الأول، ودفن بمقبرة الصّوفية بالقرب من قبر الشيخ تقي الدّين [ابن تيمية] [1] رحمهما الله تعالى. وفيها العدل نور الدّين علي بن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي [2] . سمع الزكي المنذري، والرّشيد، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد السّلام. وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة. وكان صالحا، مكثرا. توفي بمصر في رجب عن ثمانين سنة. وفيها الشيخ بدر الدّين محمد بن أسعد التّستري [3]- بمثناتين فوقيتين بينهما سين مهملة نسبة إلى تستر مدينة بقرب شيراز- الشافعي. أخذ عنه الإسنوي، وقال: كان فقيها، إمام زمانه في الأصلين والمنطق [والحكمة، محقّقا، مدقّقا، وكان أعجوبة في معرفة مصنّفات متعددة بخصوصها] مطّلعا على أسرارها، ووضع على كثير منها تعاليق متضمنة لنكت غريبة، وإن كانت عبارته [4] قلقة ركيكة، منها: «شرح ابن الحاجب» و «شرح البيضاوي» و «المطالع» و «الطوالع» و «الغاية القصوى» .

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [2] انظر «ذيول العبر» ص (173- 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 23- 24) . [3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 319- 321) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 374- 375) و «الدّرر الكامنة» (3/ 383- 384) . [4] في «طبقات الشافعية» للإسنوي: «عباراتها» .

وشرح أيضا «كتاب ابن سينا» . أقام بقزوين يدرّس نحو عشر سنين، وقدم الدّيار المصرية في أوائل سنة سبع وعشرين وسبعمائة فأقام بها أشهرا قلائل ثم رجع إلى العراق. وكان يصيف بهمذان، ويشتي ببغداد لحرارتها. وتوفي بهمذان في نيّف وثلاثين وسبعمائة. قال: وكان مداوما على لعب الشطرنج، رافضيا، كثير التّرك للصلاة، ولهذا لم تكن عليه أنوار أهل العلم، ولا حسن هيئتهم مع ثروة زائدة، وحسن شكالة. انتهى. وفيها قاضي القضاة علم الدّين محمد بن قاضي القضاة شمس الدّين أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة السّعديّ الإخنائي المصري الشافعي [1] . ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة، وسمع الكثير، وأخذ عن الدّمياطي وغيره، وولي قضاء الإسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي. قال الذهبي في «معجمه» : من نبلاء العلماء، وقضاة السّداد، وقد شرع في تفسير القرآن، وجملة من «صحيح البخاري» وكان أحد الأذكياء. وكان يبالغ في الاحتجاب عن الحاجات، فتتعطل أمور كثيرة، ودائرة علمه ضيقة لكنه وقور قليل الشرّ. وقال في «العبر» : كان ديّنا، عادلا. حدّث بالكثير. وقال ابن كثير: كان عفيفا، نزها، ذكيا، شاذّ العبارة، محبّا للفضائل، معظما لأهلها، كثير الاستماع للحديث في العادلية الكبرى، خيّرا، ديّنا. توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا.

_ [1] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 320- 321) و «المعجم المختص» ص (270) و «ذيول العبر» ص (175) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 309) و «الوافي بالوفيات» (2/ 269) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 373) و «الدّرر الكامنة» (3/ 407) .

وفيها ناظر الجيش الصّدر قطب الدّين موسى بن أحمد بن شيخ السّلامية [1] . كان من رجال الدّهر، وله فضل وخبرة. وتوفي بدمشق في ذي الحجّة، ودفن بتربة مليحة أنشأها. قاله في «العبر» . وفيها زاهد الإسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشّاذلي [2] صاحب أبي العبّاس المرسي. كان من مشاهير الزّهّاد، وكان يقول: أنا أعلم الخلق بلا إله إلا الله. توفي بالإسكندرية عن ثمانين سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (176) و «النجوم الزاهرة» (9/ 298) و «الدّرر الكامنة» (4/ 372) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 250) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (172) و «النجوم الزاهرة» (9/ 295) و «الدّرر الكامنة» (4/ 408) و «حسن المحاضرة» (1/ 525) .

سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة

سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة فيها توفي الفاضل أبو إسحاق إبراهيم بن شمس الدّين الفاشوشة الكتبي [1] . اشتغل بالعربية والأدب. ومن شعره في المشمش: قد أتى سيّد الفواكه في ثو ... ب نضار والشّهد منه يفور يشبه العاشق المتيّم حالا ... أصفر اللّون قلبه مكسور وفيها الرئيس المعمّر تاج الدّين أحمد بن المحدّث إدريس بن محمد بن مزيز [2] الحموي [3] . ذكر لوزارة بلده، وسمع من صفية حضورا، وبدمشق من ابن علّان، واليلداني، ومحمد بن عبد الهادي، وعدة. وأجاز له إبراهيم بن الخير، وابن العلّيق. وكان صدرا، رئيسا، محتشما. توفي بحماة في رمضان عن تسعين سنة وشهرين. وفيها الشيخ شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن

_ [1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «مزين» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 36- 37) و «ذيول العبر» ص (179) و «الدّرر الكامنة» (1/ 102) .

طاهر بن نصر بن جهبل الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي، المعروف بابن جهبل [1] . ولد سنة سبعين وستمائة، وسمع من جماعة واشتغل بالعلم، ولزم الشيخ صدر الدّين بن المرحّل، وأخذ عن الشيخ شرف الدّين المقدسي وغيره، ودرّس بصلاحية القدس الشريف مدة ثم تركها، وتحوّل إلى دمشق، فباشر مشيخة دار الحديث الظّاهرية، ثم ولي تدريس البادرائية بعد وفاة الشيخ برهان الدّين، وترك المشيخة المذكورة، واستمرّ في تدريس البادرائية إلى أن مات. قال ابن كثير: ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما. قال: وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم. وقال السبكي: درّس، وأفتى، وأشغل مدّة بالعلم بالقدس ودمشق. وحدّث وسمع منه الحافظ علم الدّين البرزالي. قال: ووقفت له على تصنيف في نفي الجهة ردّا على ابن تيميّة لا بأس به، وسرده بمجموعة في «الطبقات الكبرى» في نحو كرّاسين. توفي بدمشق في جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصّوفية. وفيها الأمير الكبير بكتمر السّاقي [2] بدرب الحجاز بعيون القصب، ثم حمل فدفن بالتّربة التي أنشأها بالقرافة. كان له عند السلطان مكانة عظيمة لا يفترقان، إما أن يكون عند السلطان أو السلطان عنده. وكان فيه خير وسياسة وقضاء لحوائج الناس. وكان في اصطبله مائة سطل لمائة سائس كل سائس على ستة رؤوس من الخيل العتاق، وبيع من خيله بما لا يحصى وقومت زردخاناه على الأمير قوصون

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (178- 179) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 34) و «الدّرر الكامنة» (1/ 329) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 334- 335) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (176- 177) و «النجوم الزاهرة» (9/ 300) والدّرر الكامنة» (1/ 486- 487) .

بستمائة ألف دينار، وأخذ السلطان ثلاثة صناديق جوهر ليس لها قيمة، وأبيع له من كل نوع بما لا يحصى [1] . وفيها أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى [2] أخت القاضي نجم الدّين. سمعت من مكّي بن علّان، وتفرّدت وحجّت مرارا. وتوفيت بدمشق في ذي الحجّة عن خمس وتسعين سنة، وكانت مسندة ذات صدقات وفضل، رحمها الله تعالى. وفيها الإمام القدوة الولي الشيخ علي ابن الحسن الواسطي الشافعي [3] . كان من أعبد البشر، حجّ واعتمر أزيد من ألف مرّة، وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة، وطاف مرّات في اللّيل سبعين أسبوعا [4] . ومات ببدر محرما، رحمه الله تعالى. قاله في «العبر» . وفيها الإمام المحدّث العدل شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن غنائم بن المهندس الصالحي الحنفي [5] سمع من ابن أبي عمر، وابن شيبان فمن بعدهما، وكتب الكثير، ورحل، وخرّج وتعب، ونسخ «تهذيب الكمال» [6] مرتين. مع الدّين والتواضع، ومعرفة الشّروط. وتوفي في شوال عن ثمان وستين سنة. وفيها قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله الكناني الحموي الشافعي [7] .

_ [1] في «ط» : «بما لا يحصر» . [2] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 187- 188) و «ذيول العبر» ص (180) و «الدّرر الكامنة» (1/ 360- 361) . [3] انظر «معجم الشيوخ» (2/ 24- 25) و «ذيول العبر» (179- 180) و «مرآة الجنان» (4/ 290) و (الدّرر الكامنة» (3/ 37) . [4] أقول: في هذه الأوصاف مبالغات كثيرة. (ع) . [5] انظر «المعجم المختص» ص (210- 211) و «معجم الشيوخ» (2/ 135- 136) و «ذيول العبر» ص (179) و «الوافي بالوفيات» (2/ 21) و «الدّرر الكامنة» 3/ 291- 292) . [6] وهو للحافظ للمزّي. [7] انظر «المعجم المختص» ص (209- 210) و «معجم الشيوخ» (2/ 130- 131) و «ذيول العبر»

ولد في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة، وسمع الكثير، واشتغل، وأفتى، ودرّس. وأخذ أكثر علومه بالقاهرة عن القاضي تقي الدّين بن رزين. وقرأ النحو على الشيخ جمال الدّين بن مالك. وولي قضاء القدس سنة سبع وثمانين، ثم نقل إلى قضاء الدّيار المصرية سنة تسعين، وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ. ثم نقل إلى دمشق وجمع له بين القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ. ثم أعيد إلى قضاء الدّيار المصرية بعد وفاة ابن دقيق العيد. ولما عاد الملك الناصر من الكرك عزله مدة سنة ثم أعيد، وعمي في أثناء سنة سبع وعشرين فصرف عن القضاء، واستمرّ معه تدريس الزاوية بمصر، وانقطع بمنزله بمصر قريبا من ست سنين يسمع عليه، ويتبرك به إلى أن توفي. قال الذهبي في «معجم شيوخه» : قاضي القضاة، شيخ الإسلام، الخطيب المفسّر، له تعاليق في الفقه، والحديث، والأصول، والتواريخ، وغير ذلك، وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام، مع دين، وتعبّد، وتصوّن، وأوصاف حميدة، وأحكام محمودة، وله النّظم، والنّثر، والخطب، والتلامذة، والجلالة الوافرة، والعقل التّام الرّضي، فالله تعالى يحسن له العاقبة، وهو أشعريّ فاضل. وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : حاكم الإقليمين مصرا وشاما، وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى، متحلّ بالعفاف إلّا عن مقدار الكفاف، محدّث، فقيه، ذو عقل لا تقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه. ومن نظمه قوله: لمّا تمكّن في فؤادي حبّه ... عاتبت قلبي في هواه ولمته فرثى له طرفي وقال أنا الذي ... قد كنت في شرك الرّدى أوقعته عاينت حسنا باهرا فاقتادني ... قسرا إليه عند ما أبصرته

_ ص (178) و «النجوم الزاهرة» (9/ 298) و «الوافي بالوفيات» (2/ 18- 20) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 139- 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 369- 371) و «الدّرر الكامنة» (3/ 280- 283) .

توفي في جمادى الأولى، ودفن قريبا من الإمام الشافعي، رضي الله عنهما، وله أربع وتسعون سنة. وفيها تقي الدّين أبو الثناء محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدّقوقي ثم البغدادي [1] الحنبلي المحدّث الحافظ. ولد بكرة نهار الاثنين سادس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة. وسمع الكثير بإفادة والده من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وعلي بن وضاح، وابن السّاعي، وعبد الله بن بلدجي، وعبد الجبار بن عكبر، وغيرهم، وأجاز له جماعة كثيرة من أهل العراق والشام، ثم طلب بنفسه، وقرأ ما لا يوصف كثرة. وكان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف. وانتهى إليه علم الحديث والوعظ ببغداد، ولم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه ولا معرفة بلغاته وضبطه، وله اليد الطّولى في النّظم والثّر وإنشاء الخطب. وكان لطيفا، حلو النّادرة، مليح الفكاهة، ذا حرمة، وجلالة، وهيبة، ومنزلة، عند الأكابر. وجمع عدة «أربعينيات» في معان مختلفة. وله كتاب «مطالع الأنوار في الأخبار والآثار الخالية عن السند والتكرار» وكتاب «الكواكب الدّرّية في المناقب العلوية» وتخرّج به جماعة في علم الحديث، وانتفعوا به، وسمع منه خلق، وحدّث عنه طائفة. وتوفي يوم الاثنين بعد العصر عشرين المحرم ببغداد رحمه الله.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (277- 278) و «ذيول العبر» ص (177- 178) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 421- 423) و «الدّرر الكامنة» (4/ 330) و «المقصد الأرشد» (2/ 549) .

سنة أربع وثلاثين وسبعمائة

سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فيها جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال وعشرين فرسا، وخرّب أماكن. وفيها توفي قاضي القضاة جمال الدّين سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو بن عثمان الزّرعي الشافعي [1] . قال السّبكي: سمع من عبد الدائم، والجمال بن الصّيرفي وغيرهما، وولي قضاء زرع مدة، ثم تنقلت به الأحوال، وهو قوي النّفس، لا يطلب رزقا. عفيفا في أحكامه، ثم ولي هو قضاء القضاة بالدّيار المصرية عن ابن جماعة، ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى، ثم عزل بعد عام، وبقي شيخ الشيوخ ومدرّس الأتابكية. وتوفي بالقاهرة في صفر عن تسع وثمانين سنة. وقال الذهبي: كان مليح الشكل، وافر الحرمة، قليل العلم لكنه حكام. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلي [2] الفقيه الزّاهد. قال ابن رجب: ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقه على الشيخ تقي الدّين وغيره، وبرع وأفتى، وكان إماما عارفا بالفقه وغوامضه، والأصول، والحديث، والعربية، والتّصوف، زاهدا، عابدا، ورعا، متألها، ربّانيا. صحب الشيخ عماد الدّين الواسطي، وتخرّج به في السّلوك، وتذكر له أحوال وكرامات.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (181) و «معجم الشيوخ» (1/ 271- 272) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (310) و «النجوم الزاهرة» (9/ 304) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 39- 40) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (140- 141) و «الدّرر الكامنة» (2/ 347) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 419) .

ويقال: إنه كان يطّلع على ليلة القدر كلّ سنة، وقد نالته محنة مرّة بسبب حال حصل له. وصنف كتابا في الأحكام على أبواب المقنع سمّاه «المطلع» وشرح قطعة من أول «المقنع» ، وجمع «زوائد المحرر على المقنع» وله كلام في التصوف، وحدّث بشيء من مصنفاته. وتوفي في منتصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا. وفيها نجم الدّين أبو عمر عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللّخمي المصري القبابي [1]- وقباب قرية من قرى الصّعيد- الحنبلي، الفقيه الزاهد العابد القدوة. قال ابن رجب: كان رجلا صالحا، زاهدا، عابدا، قدوة، عارفا، فقيها، ذا فضل ومعرفة، وله اشتغال بالمذهب أقام بحماة في زاوية يزار بها، وكان معظّما عند الخاص والعام، وأئمة وقته يثنون عليه، كالشيخ تقي الدين بن تيميّة وغيره، وكان أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر، من العلماء الربّانيين وبقايا السّلف الصّالحين. وله كلام حسن يؤثر عنه. توفي في آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب بحماة، وكانت جنازته مشهودة ودفن شمالي البلد. وتوفي ولده الإمام سراج الدّين عمر [2] بالقدس. وكان جامعا بين العلم والعمل، واشتغل وانتفع بابن تيمية، ولم أر على طريقته في الصّلاح مثله، رحمه الله تعالى. انتهى كلام ابن رجب. وفيها عماد الدّين أبو حفص عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (182) و «معجم الشيوخ» (1/ 359) و «الإعلام بوفيات الأعلام» و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «الدّرر الكامنة» (2/ 327) و «المقصد الأرشد» (2/ 87) . [2] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 168) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «المقصد الأرشد» (2/ 302- 303) .

علي بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن القرشي الزهري النّابلسي [1] الخطيب الشّافعي الإمام قاضي نابلس. تفقّه بدمشق وأذن له بالفتوى، وانتقل إلى نابلس، وولي خطابة القدس مدة طويلة وقضاء نابلس معها، ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره. قال ابن كثير: له اشتغال وفضيلة. وشرح «مسلما» في مجلدات. وكان سريع الحفظ، سريع الكتابة. مات في المحرم ودفن بتربة ماملا. وفيها- كما قال في «العبر» - الشيخ الضّال محمد بن عبد الرحمن السّيوفي [2] ، صاحب ابن سبعين. هلك به جماعة. انتهى. وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن [أحمد بن] [3] عبد الله بن محمد بن يحيى ابن سيّد النّاس الشافعي الإمام الحافظ اليعمري الأندلسيّ الإشبيليّ المصري، المعروف بابن سيّد الناس [4] . قال ابن قاضي شهبة: ولد في ذي القعدة، وقيل في ذي الحجّة سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة، وسمع الكثير من الجمّ الغفير، وتفقه على مذهب الشافعي. وأخذ علم الحديث عن والده، وابن دقيق العيد، ولازمه سنين كثيرة، وتخرّج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه، وقرأ النّحو على ابن النحّاس، وولي دار الحديث بجامع الصالح، وخطب بجامع الخندق، وصنّف كتبا نفيسة: منها السيرة الكبرى سماها «عيون الأثر» في مجلدين، واختصره في كراريس وسماه

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 363) و «البداية والنهاية» (14/ 167) و «الدّرر الكامنة» (3/ 169- 170) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (182) . [3] ما بين القوسين سقط من «ط» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (182) و «المعجم المختص» ص (260- 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (380) و «النجوم الزاهرة» (9/ 303) و «فوات الوفيات» (2/ 169) و «الوافي بالوفيات» (1/ 289) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 268- 272) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 510- 511) و «الدّرر الكامنة» (4/ 208) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 390- 392) .

«نور العيون» [1] وشرح قطعة من «كتاب الترمذي» إلى كتاب الصلاة في مجلدين، وصنّف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدا ضخما يدلّ على علم كثير. وذكره الذهبي في «معجمه المختص» : وقال أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه المليح كثيرا، وخرّج، وصنّف، وصحّح وعلّل، وفرّع وأصّل، وقال الشعر البديع وكان حلو النادرة، حسن المحاضرة [2] ، جالسته وسمعت قراءته وأجاز لي مروياته، عليه مآخذ في دينه وهديه، فالله يصلحه وإيانا. وقال ابن كثير: اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث، والفقه، والنحو، وعلم السير، والتاريخ، وغير ذلك، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين، وقد حرّر وحبّر وأجاد وأفاد، ولم يسلم من بعض الانتقاد، وله الشعر والنثر الفائق، وحسن التّصنيف، والتّرصيف، والتعبير، وجودة البديهة، وحسن الطويّة، والعقيدة السّلفية، والاقتداء للأحاديث النبوية. وتذكر عنه شؤون أخر الله يتولاه فيها، ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد، والمتون، والعلل، والفقه، والملح والأشعار، والحكايات. وقال صاحب «البدر السافر» : وخالط أهل السّفه وشرّاب المدام، فوقع في الملام، ورشق بسهام الكلام، والناس معادن والقرين يكرم ويهين باعتبار المقارن. قال: ولم يخلّف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك مرامه، أعقبه الله السلامة، في دار الإقامة. وقال ابن ناصر الدّين [3] : كان إماما، حافظا، عجيبا، مصنّفا، بارعا، شاعرا، أديبا. دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادي عشر شعبان، فقام لدخوله ثم سقط من قامته، فلقف ثلاث لقفات، ومات من ساعته، ودفن بالقرافة عند ابن أبي جمرة، رحمهما الله تعالى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «نور العين» والصواب ما أثبته. [2] في «المعجم المختص» : «كيس المحاضرة» . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (186/ ب) .

سنة خمس وثلاثين وسبعمائة

سنة خمس وثلاثين وسبعمائة فيها وقع بحماة حريق كبير ذهبت به الأموال، واحترق مائتان وخمسون دكانا. قاله في «العبر» . وفيها توفي بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدّين إبراهيم بن محمد الخلاطي الواني الشافعي [1] . حدّث عن الرّضي بن البرهان، وابن عبد الدائم وجماعة، ومات في صفر عن أكثر من تسعين سنة. وفيها نصير الدّين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي [2] المعمّر الحنبلي. سمع الكثير من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وابن وضّاح، وهذه الطبقة. وحدّث وسمع منه خلق، وتفقه، وأعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة، وأضرّ في آخر عمره، وانقطع في بيته. وكان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو وأصحابه من قطع الطرق [3] لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلى أخرى حائل، فصعد فنظر حيّة عمياء والعصفور يأتيها برزقها، فتاب هو وأصحابه. ذكره ابن الجوزي في «صفة الصّفوة» [4] . توفي صاحب الترجمة في جمادى الأولى ببغداد عن خمس وتسعين سنة.

_ [1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (310) و «ذيول العبر» ص (185) و «الدّرر الكامنة» (1/ 56) . [2] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 171) . [3] في «ط» : «الطريق» . [4] وذكر ابن الجوزي قصته في «كتاب التوابين» ص (222- 223) بأطول مما هنا فلتراجع.

وفيها الواعظ شمس الدّين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير [1] . سمع الحافظ عبد العظيم، وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي، والنّجيب. وكان حسن المذاكرة والعلم. توفي بمصر عن أربع وثمانين سنة. وفيها المعمّرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السّلمية [2] . روت عن اليلداني، وإبراهيم بن خليل، وابن خطيب القرافة، وغيرهم. ولها إجازة من السّبط. وروت الكثير وتفرّدت. وتوفيت في ذي القعدة عن سبع وثمانين سنة. وفيها مسند الوقت بدر الدّين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد [3] . حدّث عن ابن علّان، والعراقي، والبلخي، وعثمان بن خطيب القرافة، وجماعة، وسماعه صحيح، لكنه لين تفرّد بأشياء. وتوفي في صفر عن قريب من تسعين سنة. وفيها أقضى القضاة زين الدّين أبو محمد عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن تمّام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري الخزرجي السّبكي المصري، والد الشيخ تقي الدين السّبكي الشافعي [4] . سمع من جماعة، وقرأ الفروع على الظّهير، والسّديد، والأصول على

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (186) و «النجوم الزاهرة» (9/ 307) و «الدّرر الكامنة» (2/ 50) . [2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «معجم الشيوخ» (1/ 257- 258) و «ذيول العبر» ص (187) و «الدّرر الكامنة» (2/ 122) و «الوافي بالوفيات» (15/ 68) . [3] انظر «معجم الشيوخ» (1/ 321- 322) و «ذيول العبر» ص (185- 186) و «الوافي بالوفيات» (17/ 47) و «الدّرر الكامنة» (2/ 256) . [4] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 89- 94) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 348) .

القرافي. وتنقل في أعمال الدّيار المصرية، وحدّث بالقاهرة والمحلّة، وخرّج له ولده تقي الدّين مشيخة، حدّث بها. قال حفيده القاضي تاج الدّين: كان من أعيان نواب القاضي تقي الدّين بن دقيق العيد، وكان رجلا صالحا كثير الذكاء، وله نظم كثير، غالبه زهد ومدح في النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم-. وتوفي في رجب. وفيها الحافظ الكبير الإمام قطب الدّين عبد الكريم بن عبد النّور بن منير الحلبي [1] . تلا بالسبع على إسماعيل المليحي. وسمع من ابن العماد، وإبراهيم المنقري، والعزّ، والفخر علي، وبنت مكّي، وابن الفرات الإسكندراني. وصنّف وخرّج وأفاد، مع الصّيانة، والدّيانة، والأمانة، والتواضع والعلم، ولزوم الاشتغال والتآليف. حج مرّات. قال الذهبي: حدّثنا بمنى، وعمل «تاريخا» كبيرا لمصر، بيّض بعضه، وشرح «السيرة» لعبد الغني في مجلدين، وعمل «أربعين تساعيات» و «أربعين متباينات» و «أربعين بلدانيات» ، وعمل معظم «شرح البخاري» في عدة مجلدات، وكان حنفي المذهب، يدرّس بالجامع الحاكمي. وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة. وفيها العدل الأديب الفاضل أحمد بن عبد الكريم ابن عبد الصّمد أنو شروان التبريزي الحنفي، عرف المكوشت [2] ، كان يشهد قبالة المسمارية، وعنده معرفة بالشروط، وكتابة حسنة، وله شعر كثير.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (186- 187) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1502) و «معجم الشيوخ» (1/ 412) و «النجوم الزاهرة» (9/ 306) و «الجواهر المضية» (2/ 454- 455) و «الدّرر الكامنة» (2/ 398) . [2] في «آ» و «ط» : «عرف مكرشت» والتصحيح من «الطبقات السّنية» (1/ 385- 386) وانظر «الدّرر الكامنة» (1/ 177- 178) وفيه المعروف ب «ابن المكوشة» .

ومن قوله: أترى تمثّل طيفك الأحلام ... أم زورة الطّيف الملمّ حرام يا باخلا بالطّيف في سنة الكرى ... ما وجه بخلك والملاح كرام لو كنت تدري كيف بات متيّم ... عبثت به في حبّك الأسقام لرحمت كلّ متيّم من أجله ... وعلمت أهل العشق كيف ينام إن دام هجرك والتّجنّي والقلا ... فعلى الحياة تحيّة وسلام نار الغرام شديدة لكنّها ... برد على أهل الهوى وسلام وفيها مفيد الجماعة أمين الدّين محمد بن إبراهيم [1] [الخلاطي الواني] المذكور في أول هذه السنة. روى المترجم عن الشّرف بن عساكر، وابن الحسن اللمتوني، وابن مؤمن، وعدة، وارتحل مرّات، وحجّ وجاور. وكتب وخرّج، وأفاد، ومات بعد والده بشهر. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن قاسم بن البرزالي البغدادي [2] الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النّحوي. قرأ الفقه على الشيخ تقي الدّين الزريراتي، وكان إماما، متقنا، بارعا في الفقه، والأصلين، والعربية، والأدب، والتفسير، وغير ذلك، وله نظم حسن وخطّ مليح. درّس بالمستنصرية بعد شيخه الزّريراتي. وكان من فضلاء أهل بغداد. وكذلك كان والده أبو الفضل إماما عالما مفتيا صالحا. توفي أبو عبد الله ببغداد في هذه السنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (185) و «الوافي بالوفيات» (2/ 21) و «الدّرر الكامنة» (3/ 293) و «ذيول تذكرة الحفاظ» ص (15) وما بين الحاصرتين زيادة من ترجمة أبيه المتقدمة في أول هذه السنة. [2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 237) .

وفيها مجوّد دمشق بهاء الدّين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدّين محمد بن عبد الرحيم السّلمي [1] . كتب «صحيح البخاري» وكان دينا صينا مليح الشكل متواضعا، عمّر سبعا وأربعين سنة. قاله في «العبر» . وفيها ملك العرب حسام الدّين مهنّا بن الملك عيسى بن مهنّا الطائي [2] بقرب سلمية في ذي القعدة، عن نيف وثمانين سنة، وأقاموا عليه المآتم ولبسوا السواد، وكان فيه خير وتعبّد. قاله في «العبر» أيضا.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (186) و «البداية والنهاية» (14/ 171) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (187) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «الدّرر الكامنة» (4/ 368) .

سنة ست وثلاثين وسبعمائة

سنة ست وثلاثين وسبعمائة فيها توفي الشيخ الصّالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكّاري الصّرخدي [1] . حدّث عن خطيب مردا، وابن عبد الدائم. وتوفي في ربيع الأول عن تسعين سنة. وفيها الرئيس الإمام شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي [2] العشّاب، وزير تونس. حدّث عن يوسف بن خميس وغيره، وطلب الحديث، وبرع في النّحو وأقرأه. ومات بالثغر في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة. وفيها ناظر الخزانة عزّ الدّين أحمد بن الزّين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي [3] المحتسب. كان مليح الشكل، متواضعا، نزها، دينا، ورعا. أخذت منه الحسبة عام أول واعتقل لامتناعه من شهادة. وتوفي بدمشق عن ثلاث وستين سنة. وفيها كمال الدّين أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (190- 191) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «الدّرر الكامنة» (1/ 165) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (191) و «الدّرر الكامنة» (1/ 241) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (191) .

محمد بن هبة الله ابن الشّيرازي [1] الشافعي الصّدر الكبير العالم. مولده سنة سبعين وستمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «مختصر المزني» ، وتفقه على الشيخين تاج الدّين الفزاري، وزين الدّين الفارقي، وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدّين الهندي، ودرّس في وقت بالبادرائية مدة يسيرة لما انتقل الشيخ برهان الدّين إلى الخطابة، ودرّس بالشامية البرّانية وبالنّاصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته. قال الذهبي: كان فيه معرفة وتواضع وصيانة. وقال ابن كثير: كان صدرا كبيرا، ذكر لقضاء دمشق غير مرة، وكان حسن المباشرة والشكل. وتوفي في صفر ودفن بتربهم بسفح قاسيون. وفيها والي دمشق شهاب الدّين أحمد بن سيف الدّين أبي بكر بن برق الدمشقي [2] . كان جيد السياسة محبّبا إلى الناس، ولي ثلاث عشرة سنة، وحدّث عن ابن علّاق، والمجد بن الخليلي. وتوفي عن أربع وستين سنة. ومات بعده بيومين والي البرّ فخر الدّين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدّين لولو [3] عن أربع وستين سنة أيضا. وكان أجود الرجلين. قاله في «العبر» . وفيها شيخ الشّيعة الزّين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب [4] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (190) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 331- 332) و «الدّرر الكامنة» (1/ 165) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (192) و «الدّرر الكامنة (1/ 109) و «البداية والنهاية» (14/ 179) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (192) و «التدرر الكامنة» (2/ 450) و «البداية والنهاية» (14/ 176) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (193) .

روى عن ابن علّان، وتفقه للشافعي، وترفض، ومات عن اثنتين وسبعين سنة. وفيها الصّاحب الأمجد [1] . قال الذهبي: عماد الدين إسماعيل بن محمد بن شيخنا الصّاحب فتح الدّين بن القيسراني. كان منشئا، بليغا، رئيسا، ديّنا، صيّنا، نزها. روى عن العزّ الحرّاني وغيره، وهو والد كاتب السرّ القاضي شهاب الدّين. توفي بدمشق في ذي القعدة عن خمس وستين سنة. وفيها القان أرياخان [2] الذي تسلطن بعد أبي سعيد. ضربت عنقه صبرا يوم الفطر، وكانت دولته نصف سنة، خرج عليه علي باش، والقان موسى، فالتقوا فأسر المذكور ووزيره الذي سلطنه محمد بن الرّشيد الهمذاني وقتلا صبرا. وكان المصافّ في وسط رمضان فدقت لذلك البشائر بدمشق وجاء الرسول بنصرتهم. قاله في «العبر» . وفيها القان أبو سعيد بن خربندا ابن أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلي [3] . كان يكتب الخطّ المنسوب، ويجيد ضرب العود، وفيه رأفة وديانة وقلّة شرّ. هادن سلطان الإسلام وهادنه، وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرّشيد، وقدم بغداد مرّات، وأحبه الرّعية، وكانت دولته عشرين سنة. وتوفي بالأزد، ونقل إلى السّلطانية فدفن بتربته، وله بضع وثلاثون سنة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (193) و «مرآة الجنان» (4/ 292) و «البداية والنهاية» (14/ 176) و «النجوم الزاهرة» (9/ 311) و «الدّرر الكامنة» (1/ 378) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 378) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (191- 192) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «النجوم الزاهرة» (9/ 309) .

وفيها عائشة بنت محمد بن المسلم الحرّانية [1] أخت محاسن. روت عن العراقي، والبلخي حضورا. وعن اليلداني، ومحمد بن عبد الهادي. وتفرّدت. وتوفيت في شوال عن تسعين سنة. وفيها المسند الرّحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود ابن جامع البندنيجيّ البغداديّ الصّوفي [2] . سمع «صحيح مسلم» من الباذبيني و «جامع الترمذي» من العفيف بن الهيتي، وأجاز له جماعات، وتفرّد، وأكثروا عنه. وتوفي بالسميساطية في المحرّم عن اثنتين وتسعين سنة. وفيها قطب الدّين الأخوين، واسمه محمد بن عمر التّبريزي الشّافعي [3] ، قاضي بغداد. سمع «شرح السّنّة» [4] من قاضي تبريز محيي الدّين. وكان ذا فنون ومروءة وذكاء، وكان يرتشي، وعاش ثمانيا وستين سنة. قاله في «العبر» .

_ [1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «معجم الشيوخ» (1/ 93) و «مرآة الجنان» (4/ 292) . [2] انظر «الوافي بالوفيات» (22/ 141- 142) وذيول العبر» ص (189) و «البداية والنهاية» (14/ 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 119- 121) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (189) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (311) و «البداية والنهاية» (14/ 175) و «الدّرر الكامنة» (4/ 10) . [4] وهو للإمام البغوي، وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى.

سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فيها أخذ بمصر شمس الدّين بن اللّبّان الشّافعي [1] ، وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدّم، فرجع ورسم بنفيه. وفيها قتل على الزّندقة عدوّ الله الحموي الحجّار [2] بحماة وأحرق. أضلّ جماعة، وقام عليه قاضي القضاة شمس الدّين. قاله في «العبر» . وفيها الأديب البليغ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن غانم الشّافعي [3] النّاظم النّاثر. دخل اليمن، ومدح الكبار، وخدم في الديوان. وروى عن ابن عبد الدائم وجماعة، ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وربما ثاب إليه وعيه. وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ، وعاش سبعا وثمانين سنة. ومات قبله بأشهر أخوه الصّدر الإمام علاء الدّين علي بن محمد المنشئ [4] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (194) و «البداية والنهاية (14/ 177) و «الدّرر الكامنة» (3/ 330) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (195) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (196) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «الدّرر الكامنة» (1/ 265) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (195) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «فوات الوفيات» (2/ 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 103) .

روى عن ابن عبد الدائم، والزّين خالد، والنّظام ابن البانياسي، وعدة. وحفظ «التنبيه» . وله النّظم والتّرسل الفائق، والمروءة التّامّة، وكثرة التلاوة، ولزوم الجماعات، والشيبة البهية، والنّفس الزّكية. باشر الإنشاء ستين سنة، وحدّث بالصحيحين، وحجّ مرات. وتوفي بتبوك في المحرم عن ست وثمانين سنة. وفيها محبّ الدّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السّعدي الصّالحي المقدسي الحنبلي بن المحبّ [1] . ولد يوم الأحد ثاني عشر المحرم، سنة اثنتين وثمانين وستمائة بقاسيون، وأسمعه والده من الفخر بن البخاري، وابن الكمال، وزينب بنت مكّي، وجماعة. ثم طلب بنفسه وسمع من عمر بن القوّاس، وأبي الفضل بن عساكر، ويوسف الغسولي، وخلق من بعدهم. وذكر أن شيوخه الذين أخذ عنهم نحوا من ألف شيخ. قال الذهبي: كان فصيح القراءة، جهوري الصّوت، منطلق اللّسان بالآثار، سريع القراءة، طيّب الصّوت بالقرآن، صالحا، خائفا من الله تعالى، صادقا. انتفع الناس بتذكيره ومواعيده. وذكره أيضا في «معجم شيوخه» [2] وقال: كان شابا، فاضلا، صالحا، في سمعه ثقل ما، وقد حدّث كثيرا، وسمع منه جماعة. وتوفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول ودفن بالقرب من الشيخ موفق الدّين. وفيها الزّاهد القدوة شمس الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (196) و «معجم الشيوخ» (1/ 319- 320) و «المعجم المختص» ص (117- 118) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 426) و «الدّرر الكامنة» (2/ 244) و «المقصد الأرشد» (2/ 23) . [2] لم أر هذا النقل عند الذهبي في «معجم الشيوخ» الذي بين يدي ولا في «المعجم المختص» .

يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النّابلسي [1] الفقيه الحنبلي. ولد سنة تسع وأربعين وستمائة. وحضر على خطيب مردا، وسمع من عمّ أبيه جمال الدّين عبد الرحمن بن عبد المنعم [2] . وأجاز له سبط السّلفي، وتفقه، وأفتى، وأمّ بمسجد الحنابلة بنابلس نحوا من سبعين سنة. وكان كثير العبادة، حسن الشكل والصّوت، عليه البهاء والوقار. وحدّث وسمع منه طائفة. وتوفي يوم الخميس ثاني عشري ربيع الآخر بنابلس ودفن بها [3] . وتوفي قبله في ربيع الأول من السنة بنابلس أيضا الإمام المفتي، عماد الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة [4] . وفيها قتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك عمر بن عبد الواحد الزّنّاتي البربري [5] . كان سيء السيرة، قتل أباه، وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السيرة وقبح السريرة، ثم تمكّن وتظلّم. وكان بطلا، شجاعا، تملّك نيفا وعشرين سنة، حاصره سلطان المغرب أبو الحسين المريني مدة ثم برز عبد الرحمن ليكبس المريني، فقتل على جواده في رمضان كهلا. قاله في «العبر» . وفيها المعمّر الملك أسد الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظّم [6] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (197) و «النجوم الزاهرة» (9/ 311) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 428) و «الدّرر الكامنة» (2/ 304) و «المقصد الأرشد» (2/ 56- 57) . [2] تحرفت في «ط» إلى «عبد المؤمن» . [3] تحرفت في «ط» إلى «وتوفي بها» . [4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 428) و «البداية والنهاية» (14/ 178) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (199- 200) و «الدّرر الكامنة» (2/ 348) . [6] انظر «ذيول العبر» ص (199) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) والبداية

روى «السيرة» وأجزاء عن خطيب مردا، وتفرّد. وكان ممتعا بحواسه، مليح الشكل، ما تزوّج ولا تسرّى. توفي في رمضان عن خمس وتسعين سنة، ودفن بالقدس الشّريف. وفيها المحدّث المفيد، ناصر الدّين محمد بن طغريل [1] الصّيرفي [2] . قرأ الكثير، وتعب، ورحل، وخرّج. وقرأ للعوام. وحدّث عن أبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى الدلّال. ومات غريبا عن نيف وأربعين سنة، الله يسامحه. وفيها الفقيه العالم شمس الدّين محمد بن أيوب بن علي الشافعي بن الطّحّان [3] ، نقيب الشّامية والسبع الكبير سمع من عثمان بن خطيب القرافة، ومن الكرماني، والزّين خالد. وتوفي بدمشق في رجب وله خمس وثمانون سنة وأشهر. وفيها الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المصري المرشدي [4] الزّاهد الشافعي. قرأ في «التنبيه» والقرآن، وانقطع بزاوية له، وكان يقري الضّيفان، وربما كاشف، وللناس فيه اعتقاد زائد، ويخدم الواردين، ويقدم لهم ألوان المآكل، ولا خادم عنده، حتّى قيل: إنه أطعم الناس في ليلة ما قيمته مائة دينار، وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار.

_ والنهاية» (14/ 179) و «الدّرر الكامنة» (2/ 390) . [1] في «آ» و «ط» : «طغربك» وما أثبته من مصادر الترجمة. [2] انظر «ذيول العبر» ص (196- 197) و «المعجم المختص» ص (234) و «الوافي بالوفيات» (3/ 172) و «الوفيات لابن رافع (1/ 142) بتحقيق الدكتور صالح مهدي عباس، طبع مؤسسة الرسالة. [3] انظر «ذيول العبر» ص (198) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 162- 163) وقد أفاض في ترجمته. [4] انظر «ذيول العبر» ص (198- 199) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «دول الإسلام» (2/ 244) و «النجوم الزاهرة» (9/ 313) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 173- 174) .

وزاره الأمراء والكبراء، وبعد صيته، حتّى إن بعض الفقهاء يقول: كان مخدوما. وبلغني أنه كان في عافية، فأرسل إلى القرى المجاورة له: احضروا فقد عرض أمر مهمّ. ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا في رمضان بقريته منية مرشد [1] كهلا. قاله في «العبر» . وفيها مسند مصر العدل شرف الدّين يحيى بن يوسف المقدسي [2] . له إجازة ابن رواج، وابن الجميزي. وروى الكثير، وتفرّد. وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة. وفيها أحمد بن علي بن أحمد النّحوي، يعرف بابن نور [3] . قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» : كان أبوه خوليا، وباشر هو صناعة أبيه، ثم اشتغل على النّجم الأصفوني، فبرع في مدة قريبة، ومهر في الفقه، والنّحو، والأصول. ودرّس وأفتى. ومات بمرض السّلّ، رحمه الله تعالى.

_ [1] منية مرشد: إحدى قرى مركز فوّه بمحافظة الغربية بمصر. عن «ذيول العبر» ص (198) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (197- 198) و «النجوم الزاهرة» (9/ 314) و «الدّرر الكامنة» (4/ 43) . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 205- 206) .

سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة

سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فيها كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدائد لاختلاف التتار. وفيها توفي الصّالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرّضي الصّالحي القطّان [1] . سمع حضورا من خطيب مردا، وعبد الحميد بن عبد الهادي، وسمع من عبد الله ابن الخشوعي، وابن خليل، وابن البرهان. وتفرّد وأكثروا عنه. قال الذهبي: ونعم الشيخ كان، له إجازة السّبط. وجماعة. وتوفي في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة. ومات قبله بشهر المعمّر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي [2] عن ثلاث وتسعين سنة. روى الكثير بإجازة السّبط. انتهى. وفيها شيخ الشّافعية، زين الدّين عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس، المعروف بابن الكتّاني [3] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (200) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «مرآة الجنان» (4/ 296) و «الدّرر الكامنة» (1/ 459) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (200) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (312) و «الدّرر الكامنة» (1/ 456) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (203) و «مرآة الجنان» (4/ 299) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 358-

قال الإسنوي: شيخ الشافعية في عصره بالاتفاق. ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بالقاهرة قريبا من جامع الأزهر، ثم سافر بعد سنة مع أبويه إلى دمشق، لأن أباه كان تاجرا في الكتّان من مصر إلى الشام، فاستقرّ بها، وتفقه وقرأ الأصول على البرهان المراغي، والفقه على التّاج الفركاح، وأفتى ودرّس. ثم انتقل إلى الدّيار المصرية، فتولى الحكم بالحكر. [ثم ولاه ابن دقيق العيد دمياط، وبلبيس، ثم النّيابة بمصر ثم القاهرة] . ثم ولاه ابن جماعة الغربية، ثم عزل نفسه وانقطع عن ابن جماعة وهجره بلا سبب، وتولى مشيخة حلقة الفقه بالجامع الحاكمي، وخطابة جامع الصّالح، ومشيخة الخانقاه الطّيبرسية بشاطئ النّيل، وتدريس المدرسة المنكدمرية للطائفة الشافعية. ثم فوّض إليه في آخر عمره مشيخة الحديث بالقبة المنصورية. وكان نافرا عن الناس، سيء الخلق، يطير الذّباب فيغضب. ومن تبسم عنده يطرد إن لم يضرب. وأفضى به ذلك إلى أنه في غالب عمره المتصل بالموت، كان مقيما في بيته وحده، لم يتزوج، ولم يتسرّ، ولم يقن رقيقا ولا مركوبا، ولا دارا ولا غلاما. ولم يعرف له تصنيف ولا تلميذ، ومع ذلك كان حسن المحاضرة [1] ، كثير الحكايات والأشعار، كريما. وكتب بخطه حواشي على «الروضة» [2] وكان قليل الفتاوى. توفي بمسكنه على شاطئ النّيل بجوار الخانقاه التي مشيختها [3] بيده يوم الثلاثاء، الخامس عشر من شهر رمضان، ودفن بالقرافة.

_ 359) وما بين الحاصرتين استدركته منه و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 364- 366) . [1] في «طبقات الشافعية» لا لإسنوي: «حسن المناظرة» . [2] وهو للإمام النووي، وقد طبعه المكتب الإسلامي بدمشق، وتولى تحقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، بالاشتراك مع الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، نفع الله تعالى به. [3] في «ط» : «مشيخته» .

وفيها زين الدّين أبو محمد عبادة بن عبد الغني بن عبادة الحرّاني ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي المفتي الشّروطي المؤذن. ولد في رجب سنة إحدى وسبعين وستمائة. وسمع من القاسم الإربلي، وأبي الفضل بن عساكر، وجماعة. وطلب الحديث وكتب الأجزاء، وتفقه على الشيخ زين الدّين بن المنجّى، ثم على الشيخ تقي الدّين بن تيميّة. قال الذهبي في «معجم شيوخه» [2] : كان فقيها، عالما، جيد الفهم، يفهم شيئا من العربية والأصول. وكان صالحا، دينا، ذا حظّ من تهجد، وإيثار، وتواضع، اصطحبنا مدة ونعم والله الصّاحب هو. كان يسع الجماعة بالخدمة والإفضال والحلم. خرّجت له جزءا [3] ، وحدّث ب «صحيح مسلم» . انتهى. وسمع من جماعة. وتوفي في شوال ودفن بمقبرة الباب الصّغير. وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين محمد بن [عبد الله] المجد [4] الإربلي ثم الدمشقي الشافعي [5] . روى عن ابن أبي اليسر، وابن أبي عمر، وجماعة. وأفتى وناظر، وحكم نحو ثلاث سنين، وجاء على منصبه قاضي الممالك جلال الدّين.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (207) و «معجم الشيوخ» (1/ 316- 317) و «المعجم المختص» ص (117) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 432) و «الدّرر الكامنة» (2/ 238) . [2] لم أر هذا النقل في «معجم الشيوخ» الذي بين يدي. [3] في «ط» : أجزاء» . [4] يعني «مجد الدّين» وهو لقب أبيه. [5] انظر «ذيول العبر» ص (201) و «البداية والنهاية» (14/ 181) و «الوافي بالوفيات» (3/ 373) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 206- 207) و «الدّرر الكامنة» (3/ 467) و «النجوم الزاهرة» (9/ 314) وما بين الحاصرتين مستدرك من معظم هذه المصادر.

وتوفي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة، نفرت به بغلته فرضّت دماغه، ومات إلى عفو الله بعد ست ليال. وفيها الشيخ زين الدّين أبو عبد الله محمد بن علم الدّين عبد الله بن الشيخ الإمام زين الدّين عمر بن مكّي بن عبد الصّمد العثماني، المعروف بابن المرحّل [1] الشافعي. سمع من جماعة، وأخذ الفقه والأصلين عن عمّه الشيخ صدر الدّين وغيره، ونزل له عمّه عن تدريس المشهد الحسيني بالقاهرة، فدرّس به مدة، ثم قايض الشيخ شهاب الدّين بن الأنصاري منه إلى تدريس الشامية البرّانية والعذراوية، فباشرهما إلى حين وفاته. وناب في الحكم، فحمدت سيرته، ثم تركه. وبيّض كتاب «الأشباه والنّظائر» لعمّه وزاد فيه. قال الذهبي: العلّامة، مدرّس الشّامية الكبرى، فقيه، مناظر، أصولي، وكان يذكر للقضاء. وقال السّبكي: ولد بعد سنة تسعين وستمائة. وكان رجلا، فاضلا، دينا، عالما، عارفا بالفقه وأصوله، صنّف في الأصول كتابين. وقال الصّلاح الكتبي: كان من أحسن الناس شكلا، وربّي على طريقة حميدة في عفاف وملازمة للاشتغال بالعلوم وانجماع عن الناس. وكان يلقي الدروس بفصاحة وعذوبة لفظ، قيل: لم تكن دروسه بعيدة من درس ابن الزّملكاني. وكان من أجود الناس طباعا، وأكرمهم نفسا، وأحسنهم ملتقى. توفي في رجب، ودفن بتربة لهم عند مسجد الذبّان عند جدّه.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (203) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 209- 211) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 157) و «البداية والنهاية» (14/ 181- 182) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 376- 377) و «الدّرر الكامنة» (3/ 479- 480) .

وفيها ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي [سليمان بن أحمد [1]] . كان سريّا، فقيها، شجاعا، مهيبا، وسيما. قيل: هو السبب في تسييرهم إلى قوص. مات بقوص في ذي الحجّة عن أربع وعشرين سنة. وفيها قاضي القضاة شرف الدّين أبو القاسم هبة الله بن قاضي القضاة نجم الدّين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدّين إبراهيم، المعروف بابن البارزي [2] الشافعي، قاضي حماة وصاحب التصانيف الكثيرة. ولد في رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة، وسمع من والده، وجدّه، وعزّ الدّين الفاروثي، وجمال الدّين بن مالك، وغيرهم. وأجاز له جماعة. وتلا بالسبع، وتفقه على والده، وأخذ النّحو عن ابن مالك، وتفنّن في العلوم، وأفتى ودرّس، وصنّف، وولي قضاء حماة، وعمي في آخر عمره. وحدّث بدمشق. وحماة، وسمع منه البرزالي، والذهبي، وخلق. وقد خرّج له ابن طغريل مشيخة كبيرة. وخرّج له البرزالي جزءا. وذكره الذهبي في «معجمه» فقال: شيخ العلماء، بقية الأعلام، صنّف التصانيف، مع العبادة والدّين والتواضع ولطف الأخلاق، ما في طباعه من الكبر ذرّة، وله ترام على الصّالحين، وحسن ظن بهم. وقال الإسنوي: كان إماما، راسخا في العلم، صالحا، خيّرا، محبا للعلم ونشره، محسنا إلى الطلبة، وصارت إليه الرّحلة. وقال السبكي: انتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام، وقصد من الأطراف.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (204) و «الدّرر الكامنة» (3/ 446) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [2] انظر «ذيول العبر» ص (202) و «النجوم الزاهرة» (9/ 315) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 189- 190) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 230- 231) و «الدّرر الكامنة» (4/ 401) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 279- 280) .

توفي في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة، وفيه يقول ابن الوردي: حماة مذ فارقها شيخها ... قد أعظم العاصي بها الفرية صرت كمن ينظرها بلقعا ... أو كالّذي مرّ على قرية ومن تصانيفه «روضات الجنان في تفسير القرآن» عشر مجلدات، كتاب «الفريدة البارزية في حلّ الشاطبية» كتاب «المجتبى» كتاب «المجتنى» وكتاب «الوفا في أحاديث المصطفى» مجلدان وغير ذلك. وفيها القاضي جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم ابن جملة بن مسلم بن تمّام بن حسين بن يوسف المحجّي الدمشقي الصّالحي الشافعي [1] . ولد في سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من جماعة، وأخذ عن الشيخين صدر الدّين ابن الوكيل، وشمس الدّين بن النّقيب. وولي القضاء مدة سنة ونصف، فشكرت سيرته ونهضته إلّا أنه وقع بينه وبين بعض خوّاص النائب فعزل وسجن مدة، ثم أعطي الشامية البرّانية. قال البرزالي: خرّجت له جزءا عن أكثر من خمسين نفسا، وحدّث به بالمدينة النّبوية وبدمشق. وكان فاضلا في فنون، اشتغل، وحصّل، وأفتى، وأعاد، ودرّس. وله فضائل جمّة ومباحث وفوائد، وهمّة عالية، وحرمة وافرة، وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق. ولي قضاء دمشق نيابة واستقلالا ودرّس بالمدارس الكبار. توفي في ذي القعدة بدمشق عن سبع وخمسين سنة ودفن بسفح قاسيون عند والده وأقاربه.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (202) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 392- 393) و «مرآة الجنان» (4/ 298) و «الدّرر الكامنة» (4/ 443) .

سنة تسع وثلاثين وسبعمائة

سنة تسع وثلاثين وسبعمائة فيها هلك بطرابلس الشام تحت الزّلزلة ستون نفسا. وفيها قدم العلّامة شيخ الإسلام تقي الدّين السّبكي على قضاء الشّافعية بالشام وفرح الناس به. وفيها توفي الشيخ موفق الدّين أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكّي الشارعي [1] ، فكان آخر من حدّث بالسّماع عن جدّ أبيه. وتوفي بمصر عن تسعين سنة. وفيها القاضي كمال الدّين أحمد بن قاضي القضاة علم الدّين بن الأخنائي [2] . حدّث عن الدّمياطي وغيره، وكان قاضي العساكر وناظر الخزانة بالقاهرة وبها توفي. وفيها قال الذهبي: شيخنا المعمّر الصّالح شرف الدّين الحسين بن علي بن محمد ابن العماد الكاتب [3] ، عن ثمانين سنة وأشهر، درّس بالعمادية، وأفتى، وحدّث عن ابن أبي اليسر، وابن الأوحد، وجماعة. انتهى.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (207) و «الدّرر الكامنة» (1/ 10) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (211) و «الدّرر الكامنة» (1/ 291) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (210) و «الدّرر الكامنة» (2/ 63) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 336 و 411) .

وفيها نجم الدّين حسين بن علي بن سيد الكلّ [1] الأزدي المهلّبي الأسواني الشافعي [2] . مولده سنة ست وأربعين وستمائة، وتفقه على أبي الفضل جعفر التّزمنتي، وبرع، وحدّث. وأشغل الناس بالعلم مدة كثيرة. قال الشيخ تقي الدّين السّبكي: وكان قد وصل إلى سنّ عالية، وتحصّل للطلبة به انتفاع في الاشتغال عليه وهو فقيه حسن، مفت، وله قدم هجرة وصحبة للفقراء، يتخلق بأخلاق حسنة. وقال الإسنوي: كان ماهرا في الفقه يشتغل [3] في أكثر العلوم، متصوفا، كريما جدا، مع الفاقة، منقطعا عن الناس، شريف النّفس، معزّا للعلم. اشتغل عليه الخلق طبقة بعد طبقة وانتفعوا به، وتصدّر بمدرسة الملك بالقاهرة، وتجرّد مع الفقراء في البلاد. توفي في صفر، وقد زاحم المائة. وفيها خطيب القدس زين الدّين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشّافعي [4] . توفي بالقدس الشريف. وفيها المعمّر نجم الدّين عبد الرحيم بن الحاج محمود السّبعي [5] . حدّث عن ابن عبد الدائم وغيره، وتوفي بالصّالحية عن إحدى وتسعين سنة. ذكره الذهبي.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «طبقات الشافعية» للإسنوي و «الدّرر الكامنة» و «حسن المحاضرة» : «سيد الكل» وفي «الطالع السعيد» و «طبقات الشافعية الكبرى» : «سيد الأهل» . [2] انظر «الطالع السعيد» ص (224- 226) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 168- 169) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 409- 411) و «الدّرر الكامنة» (2/ 60) و «حسن المحاضرة» (1/ 426) . [3] في «آ» و «ط» : «يشغل» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [4] انظر «ذيول العبر» ص (210) و «النجوم الزاهرة» (9/ 318) و «الدّرر الكامنة» (2/ 360) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (211) و «الدّرر الكامنة» (2/ 363) .

وفيها عالم بغداد صفي الدّين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود بن شمائل البغدادي الحنبلي [1] الإمام الفرضي المتقن. ولد في سابع عشري جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وستمائة ببغداد، وسمع بها الحديث من عبد الصّمد بن أبي الجيش، وابن الكسّار، وخلق. وسمع بدمشق من الشّرف ابن عساكر وجماعة. وبمكّة من الفخر التّوزري، وأجاز له ابن البخاري، وأحمد بن شيبان، وبنت مكّي وغيرهم من أهل الشام ومصر والعراق. وتفقه على أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري ولازمه حتّى برع، وأفتى، ومهر في علم الفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والهندسة، والمساحة. ونحو ذلك. واشتغل في أول عمره بعد التفقه بالكتابة والأعمال الدّنيوية مدة ثم ترك ذلك، وأقبل على العلم فلازمه مطالعة وكتابة وتدريسا وتصنيفا وإشغالا وإفتاء إلى حين موته. وصنّف في علوم كثيرة، فمن مصنّفاته «شرح المحرّر» في الفقه ست مجلدات، «شرح العمدة» مجلدان، «إدراك الغاية في اختصار الهداية» مجلد لطيف وشرحه في أربع مجلدات، «تلخيص المنقح في الجدل» ، «تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل» «اللّامع المغيث في علم المواريث» واختصر «تاريخ الطبري» في أربع مجلدات، واختصر «الرّد على الرافضي» للشيخ تقي الدين بن تيميّة في مجلدين لطيفين، واختصر «معجم البلدان» لياقوت. وله غير ذلك. وخرّج لنفسه «معجما» لشيوخه بالسماع والإجازة نحوا من ثلاثمائة شيخ، وسمع منه خلق كثيرون.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (204) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 428) و «الدّرر الكامنة» (2/ 418) .

وله شعر كثير رائق، منه: لا ترج غير الله سبحانه ... واقطع عرى الآمال من خلقه لا تطلبنّ الفضل من غيره ... واضنن بماء الوجه واستبقه فالرّزق مقسوم وما لامرئ ... سوى الّذي قدّر من رزقه والفقر خير للفتى من غنى ... يكون طول الدّهر في رقّه توفي- رحمه الله تعالى- ليلة الجمعة عاشر صفر ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها قاضي حلب ذو الفنون فخر الدّين عثمان بن علي الحلبي، المعروف بابن خطيب جبرين [1]- بالباء الموحدة والراء قرية من قرى حلب [2]- وقد تقدمت ترجمته في سنة ثلاثين، والصحيح وفاته في هذه السنة. وفيها الشيخ شرف الدّين أبو الحسين علي بن عمر البعلي [3] ، شيخ الرّبوة والشّبلية. حدّث عن الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن البخاري، وطائفة. وتوفي في المحرم وله بضع وثمانون سنة. وفيها معيد البادرائية المعمّر علاء الدّين علي بن عثمان بن الخرّاط [4] . حدّث عن ابن البخاري وغيره، وعمل خطبا ومقامات، وتوفي بدمشق. وفيها الحافظ علم الدّين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الشافعي [5] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (205) و «النجوم الزاهرة» (9/ 320) و «الدّرر الكامنة» (3/ 443) . [2] قلت: الذي عند ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 101) أن اسمها «جبرين قورسطايا» قال عنها: من قرى حلب من ناحية عزاز، ويعرف أيضا بجبرين الشمالي، وينسبون إليها جبراني على غير قياس. [3] انظر «ذيول العبر» ص (209) . [4] انظر «ذيول العبر» ص (210) و «الدّرر الكامنة» (2/ 83) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 215) . [5] انظر «ذيول العبر» ص (209) و «معجم الشيوخ» (2/ 115- 117) و «النجوم الزاهرة» (9/ 319) و

قال الذهبي: الإمام الحافظ محدّث الشام، وصاحب «التاريخ» و «المعجم الكبير» . أول سماعه في سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وكان له من العمر عشر سنين. وروى عن ابن أبي الخير، وابن أبي عمر، والعزّ الحرّاني، وخلق كثير. ووقف جميع كتبه، وأوصى بثلثه، وحجّ خمس مرات انتهى. وقال ابن قاضي شهبة. ولد سنة ثلاث [1] وستين وستمائة، وسمع الجمّ الغفير، وكتب بخطّه ما لا يحصى كثرة، وتفقه بالشيخ تاج الدّين الفزاري وصحبه، وأكثر عنه، و [نقل عنه] [2] الشيخ تاج الدّين في «تاريخه» وولي مشيخة دار الحديث النّورية، ومشيخة النّفيسية، وصنّف «التاريخ» ذيلا على «تاريخ أبي شامة» بدأ فيه من عام مولده وهو السنة التي مات فيها أبو شامة في سبع مجلدات، و «المعجم الكبير» وبلغ «ثبته» بضعا وعشرين مجلدا، أثبت فيه كل من سمع منه، وانتفع به المحدّثون من زمانه إلى آخر القرن. وقال الذهبي أيضا في «معجمه» : الإمام، الحافظ، المتقن، الصّادق، الحجّة، مفيدنا ومعلّمنا ورفيقنا، مؤرّخ العصر، ومحدّث الشام. مشيخته بالإجازة والسماع فوق الثلاثة آلاف، وكتبه وأجزاؤه الصحيحة في عدة أماكن، وهي مبذولة للطلبة وقراءته المليحة الفصيحة مبذولة لمن قصده، وتواضعه وبشره مبذول لكل غني وفقير.

_ «فوات الوفيات» (2/ 130) و «الدّرر الكامنة» (3/ 273) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 369) . [1] تنبيه: في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «سنة خمس وستين وستمائة» وعلق محققه بقول: في «ب وش وع وم» : «ثلاث» ولكن شطب المصنّف- يعني ابن قاضي شهبة، كلمة «ثلاث» في «ز» وكتب موضعها بخطه كلمة «خمس» . [2] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.

توفي محرما بخليص [1] في ذي الحجّة، وله أربع وسبعون سنة وأشهر. وفيها بدر الدّين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عزّ الدّين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصّايغ الدمشقي الشافعي [2] . قال الذهبي: القاضي الإمام القدوة العابد، مدرّس العمادية والدّماغية. حدّث عن ابن شيبان، والفخر، وطائفة. وحفظ «التّنبيه» ولازم الشيخ برهان الدّين [زمانا] [3] ، وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصرّ على الامتناع فأعفي، ثم ولي خطابة القدس وتركها. وكان مقتصدا في أموره، كثير المحاسن، حجّ غير مرّة، وتوفي في جمادى الأولى عن ثلاث وستين سنة. وفيها قاضي قضاة الإقليمين جلال الدّين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي دلف العجلي القزويني ثم الدمشقي الشافعي [4] . قال ابن قاضي شهبة: مولده بالموصل سنة ست وستين وستمائة، وتفقه على أبيه، وأخذ الأصلين عن الإربلي، وسكن الرّوم مع أبيه، واشتغل في أنواع العلوم، وسمع من أبي العبّاس الفاروثي وغيره، وخرّج له البرزالي جزءا من حديثه، وحدّث به، وأفتى ودرّس، وناب في القضاء عن أخيه، ثم عن ابن صصرى، ثم ولي الخطابة بدمشق، ثم القضاء بها، ثم انتقل إلى قضاء الدّيار

_ [1] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 387) : خليص: حصن بين مكة والمدينة. [2] انظر «ذيول العبر» ص (206) و «الوافي بالوفيات» (1/ 248) و «فوات الوفيات» (2/ 172) و «مرآة الجنان» (4/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 238) . [3] مستدركة من «ذيول العبر» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (205- 206) و «النجوم الزاهرة» (9/ 318) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 258- 260) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 158- 161) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 377- 378) و «الوافي بالوفيات» (3/ 342) و «مرآة الجنان» (4/ 30) و «الدّرر الكامنة» (4/ 3) و «طبقات الشافعية» وللإسنوي (2/ 329- 330) .

المصرية لما عمي القاضي [1] بدر الدّين بن جماعة، فأقام بها نحو إحدى عشرة سنة، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين، ونقل إلى قضاء الشام، وألّف «تلخيص المفتاح» في المعاني والبيان، وشرحه بشرح سمّاه «الإيضاح» . وقال الذهبي: أفتى، ودرّس، وناظر، وتخرّج به الأصحاب، وكان مليح الشكل، فصيحا، حسن الأخلاق، غزير العلم، وأصابه طرف فالج مدة. وقال ابن رافع: حدّثني [2] ، وسمع منه البرزالي، وخرّج له «جزءا» من حديثه عن جماعة من شيوخه. وصنّف في الأصول كتابا حسنا، وفي المعاني والبيان كتابين كبيرا وصغيرا [3] . ودرّس بمصر والشام بمدارس، وكان لطيف الذات، حسن المحاضرة، كريم النّفس، ذا عصبية ومودة. وقال الإسنوي: كان فاضلا في علوم، كريما، مقداما، ذكيا، مصنّفا، وإليه ينسب كتاب «الإيضاح» و «التلخيص» في علمي المعاني والبيان. توفي بدمشق في جمادى الأولى ودفن بمقابر الصّوفية. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي [4] . قال الذهبي: شيخ بلاد الجزيرة، الإمام القدوة. كان عالما، صالحا، وقورا، وافر الجلالة، حجّ مرتين، وروى عن الفخر عليّ بدمشق وببغداد، وخلّف أولادا كبارا لهم كفاية وحرمة.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «القضاء» والتصحيح من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [2] في «الوفيات» لابن رافع: «حدّث» . [3] الأول منهما هو «تلخيص المفتاح في المعاني والبيان» انظر «كشف الظنون» (1/ 473- 474) و «معجم المطبوعات العربية» (2/ 1509) . والثاني منهما هو «الإيضاح شرح تلخيص المفتاح» . انظر «كشف الظنون» (1/ 210) وهو مطبوع في مكتبة النهضة ببغداد. قلت: وقد شكّك الإسنويّ في نسبتهما إليه كما سيرد في آخر ترجمته. [4] انظر «ذيول العبر» ص (208) و «الوافي بالوفيات» (3/ 149) و «الدّرر الكامنة» (3/ 452) .

وتوفي في أول ذي الحجّة بقرية الجبال من عمل سنجار، عن سبع وثمانين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن الجزري [1] ، صاحب «التاريخ الكبير» . قال الذهبي: كان ديّنا، خيّرا، ساكنا، وقورا، به صمم. روى عن إبراهيم بن أحمد، والفخر بن البخاري، وسمع ولديه مجد الدّين، ونصير الدّين كثيرا. وكان عدلا أمينا. وقال غيره: كان من خيار الناس، كثير المروءة، من كبار عدول دمشق. أقام يشهد على القضاة مدة وإذا انفرد بشهادة يكتفون به لوثوقهم به. جمع «تاريخا» كبيرا ذكر فيه أشياء حسنة لا توجد في غيره. توفي ببستانه الزّعيفرانية في وسط السنة وله إحدى وثمانون سنة. وفيها بأطرابلس الشيخ ناصر الدّين محمد بن المعلم المنذري [2] . سمع «المسند» من ابن شيبان. وفيها وجيه الدّين يحيى بن محمد الصّنهاجي المالكي [3] . قال الذهبي: مات بالإسكندرية قاضيها العلّامة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (208) و «الوافي بالوفيات» (3/ 22) و «مرآة الجنان» (4/ 303) و «الدّرر الكامنة» (3/ 301) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (210) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (211) و «الدّرر الكامنة» (4/ 328) .

سنة أربعين وسبعمائة

سنة أربعين وسبعمائة في صفر هبّت بجبل طرابلس سموم وعواصف على جبال عكّا، وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم، وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا ويبّست ثمارا، وأحرقت منازل، وكان ذلك آية. ونزل من السماء نار بقرية الفيجة [1] على قبّة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت. وصحّ هذا واشتهر. قاله في «العبر» . وبهذه السنة ختم الذهبي كتابيه «العبر» و «الدول» [2] . وفيها توفي نجم الدّين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي [3] الصّوفي، أحد الأعيان الصّوفية وأكابر الفقهاء القادرية. حدّث عن الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وكان خاتمة أصحابه، وعن ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر وجماعة، وولي مشيخة الشّبلية والأسدية. وتوفي بدمشق في رجب عن تسعين سنة أو أكثر.

_ [1] الفيجة: قرية على مسافة فرسخين من دمشق وبقربها عين الفيجة أحد روافد نهر بردى الشهير. [2] قلت: أما كتاب «العبر» فقد ختمه الذهبي بسنة (700) وما نقل عنه المؤلف ابن العماد الحنبلي رحمه الله إنما هو «ذيل العبر» للذهبي وقد ختمه بهذه السنة (740) وأما كتاب «دول الإسلام» فإنه ختمه بسنة (744) وذيّل عليه الحافظ السخاوي بذيل كبير سمّاه «الذيل التام على دول الإسلام» ينتهي بحوادث ووفيات سنة (901) هـ، وقد قام بتحقيقه- بإشارة مني- صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، نفع الله تعالى به، والمجلد الأول منه انتهى تحقيقه، وقمت بقراءته والتقديم له وسيدفع إلى الطبع قريبا إن شاء الله تعالى. [3] انظر «ذيول العبر» ص (212) و «الوافي بالوفيات» (5/ 337) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 163) .

وفيها مجد الدّين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزّنكلوني المصري الشافعي [1] . ولد سنة تسع وسبعين وستمائة، وتفقه على مشايخ عصره. قال ابن قاضي شهبة: ولا أحفظ عمّن أخذ منهم وسمع منهم [2] الحديث، وتصدى للاشتغال والتّصنيف. وممن أخذ عنه الشيخ جمال الدّين الإسنوي، وذكر له في «طبقاته» ترجمة حسنة، فقال: كان إماما في الفقه، أصوليا، محدّثا، نحويا، ذكيا، حسن التّعبير، قانتا لله، لا يمكن أحدا أن تقع منه غيبة في مجلسه، صاحب كرامات، منقبضا عن الناس، ملازما لشأنه، لا يتردد إلى أحد من الأمراء، ويكره أن يأتوا إليه، وراض نفسه إلى أن صار يحمل طبق العجين على كتفه إلى الفرن، ويعود به، مع كثرة الطلبة عنده. وكان ملازما للإشغال ليلا ونهارا ويمزج الدّروس بالوعظ وبحكايات الصّالحين، ولذلك بارك الله في طلبته، وحصل لهم نفع كبير. وكان حسن المعاشرة، كثير المروءة، ولي مشيخة الخانقاه البيبرسية، وتدريس الحديث بها، وبالجامع الحاكمي. توفي في ربيع الأول، ودفن بالقرافة. وزنكلون: قرية من بلاد الشّرقية من أعمال الدّيار المصرية، وأصلها سنكلوم بالسين المهملة في أولها والميم في آخرها، إلّا أن الناس لا ينطقون إلا الزّنكلوني، ولذلك كان الشيخ يكتبه بخطّه كذلك غالبا. ومن تصانيفه «شرح التّنبيه» الذي عمّ نفعه للمتفقهة ورسخ في النّفوس

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (212- 213) و «النجوم الزاهرة» (9/ 324) و «مرآة الجنان» (4/ 304) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 17) و «الدّرر الكامنة» (1/ 441) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 322) . ونسبته فيه «السنكلومي» وانظر كلامه حولها فهو مفيد نافع. [2] لفظة «منهم» الثانية هذه سقطت من «ط» .

وقعه، و «المنتخب» مختصر الكفاية، وشرح «المنهاج» نحو «شرح التّنبيه» و «شرح التعجيز» و «مختصر التبريزي» وغير ذلك. وفي حدودها علاء الدّولة وعلاء الدّين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد السّمنانيّ [1] . ذكره الإسنوي في «طبقاته» وقال: كان إماما، عالما، مرشدا، له مصنّفات كثيرة في التفسير، والتصوف، وغيرهما. وفيها القاضي محيي الدّين إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن نصر بن جهبل أبو الفداء الحلبي الأصل الدّمشقي الشّافعي [2] . ولد بدمشق في سنة ست وستين وستمائة، واشتغل، وحصّل، وحدّث عن ابن عطا، وابن البخاري، وأفتى، ودرّس بالأتابكية. وسمع منه جماعة منهم البرزالي، وخرّج له «مشيخة» وحدّث بها، وناب في الحكم بدمشق، وولي قضاء طرابلس مدة ثم عزل منها، وعاد إلى دمشق. وتوفي في شعبان ودفن عند أخيه بمقبرة الصّوفية. وفيها مسندة الشّام أمّ عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية [3] المرأة الصّالحة العذراء. روت عن محمد بن عبد الهادي، وخطيب مردا، واليلداني، وسبط ابن الجوزي، وجماعة. وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية، وابن الخير، وابن العلّيق، وعدد كثير، وتكاثروا عليها وتفرّدت، وروت كتبا كبارا. وتوفيت في تاسع عشر جمادى الأولى عن أربع وتسعين سنة.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 73) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (214) و «الدّرر الكامنة» (1/ 383) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (213) و «مرآة الجنان» (4/ 305) و «الدّرر الكامنة» (2/ 117) .

وفيها الخليفة المستكفي بالله أبو الرّبيع سليمان بن الحاكم بأمر الله [1] . ولد في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة، واشتغل قليلا، وبويع بالخلافة بعهد من أبيه في جمادى الأولى، سنة إحدى وسبعمائة، وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية، وصارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار والممالك الإسلامية، وكانوا يسكنون بالكبش، فنقلهم السلطان إلى القلعة وأفرد لهم دارا. وتوفي بقوص، وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة. وبويع أخوه إبراهيم بغير عهد. وفيها قبض على الصّاحب شرف الدّين عبد الوهاب القبطي [2] في صفر وصودر، واستصفيت حواصله بمباشرة الأمير سيف الدّين شنكر النّاصري ومن جملة ما وجد له صندوق ضمّنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار، وصليب مجوهر، ووجد بداره كنيسة مرخّمة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها، واستمرّ الملعون في العقوبة حتّى هلك في ربيع الآخر. وفيها في ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللّبادين القبلية وما تحتها وما فوقها، إلى عند سوق الكتب، واحترق سوق الورّاقين، وسوق الذهب، وحاصل الجامع وما حوله، والمأذنة الشرقية، وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر. قاله في «العبر» [3] ، والله أعلم. وفيها الحسن بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي [4] . قال في «تاريخ غرناطة» : كان أديبا، فقيها، نحويا، أخذ عن ابن [5] خميس، وأبي الحسن القيجاطي.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (214) و «النجوم الزاهرة» (9/ 322) و «الدّرر الكامنة» (2/ 141) و «تاريخ الخلفاء» ص (321) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (214- 215) . [3] انظر «ذيول العبر» ص (213- 214) . [4] انظر «بغية الوعاة» (1/ 494) . [5] في «آ» و «ط» : «أبي خميس» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلّف.

ومات يوم عيد الفطر. وفيها أبو عامر محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النّميري الوادياشي [1] . قال في «تاريخ غرناطة» : كان أحد شيوخه [2] ، مشاركا في فنون، من فقه، وأدب وعربية، وهي أغلب الفنون عليه، مطّرحا، مخشوشنا، مليح الدّعابة، كثير التواضع، بيته معمور بالعلماء أولي الأصالة والتعيّن. تصدّر ببلده للفتيا والإسماع والتدريس. وكان قرأ على أبي العبّاس بن عبد النّور، وأبي خالد بن أرقم. وروى عنه ابن الزّبير، وأبو بكر بن عبيد، وغيرهما. وله شعر. مات ببلده. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد المغربي الأندلسي [3] . قال ابن حجر: كان شعلة نار في الذكاء، كثير الاستحضار، حسن الفهم، عارفا بعدّة علوم، خصوصا بالعربية. أقام بحماة مدة، وولي قضاءها، ثم توجّه إلى الرّوم، فأقام بها، وأقبل عليه الناس. مات ببرصا في شعبان.

_ [1] انظر «الإحاطة» (3/ 88- 89) وقد نقل ابن حجر عنه باختصار وتصرف ونقل المؤلف عنه، و «الدّرر الكامنة» (3/ 475- 476) . [2] في «الإحاطة» : «أحد شيوخ بلده» . [3] انظر «بغية الوعاة» (1/ 290) مصدر المؤلف.

سنة إحدى وأربعين وسبعمائة

سنة إحدى وأربعين وسبعمائة في ذي الحجّة منها كانت زلزلة عظيمة بمصر، والشام، والإسكندرية. مات فيها تحت الرّدم ما لا يحصى، وغرقت مراكب كثيرة، وتهدّمت جوامع ومواذن لا تعدّ. وفيها كانت واقعة طريف ببلاد المغرب. قال لسان الدّين في كتاب «الإحاطة» [1] : استشهد فيها جماعة من الأكابر وغيرهم، وكان سببها أن سلطان فاس أمير المسلمين أبا الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني، جاز البحر إلى جزيرة الأندلس برسم الجهاد ونصرة أهلها على عدوهم، حسبما جرت بذلك عادة سلفه وغيرهم من ملوك العدوة، وشمّر عن ساعد الاجتهاد، وجنّد [2] من الجيوش الإسلامية نحو ستين ألفا. وجاء إليه أهل الأندلس بقصد الإمداد وسلطانهم ابن الأحمر ومن معه من الأجناد، فقضى الله الذي لا مردّ لما قدّره أن صارت [3] تلك الجموع مكسّرة، ورجع السلطان أبو الحسن مفلولا [4] ، وأضحى حسام الهزيمة عليه وعلى من معه مسلولا، ونجا برأس طمرّة ولجام، ولا تسل كيف، وقتل جمع من أهل الإسلام، وجملة [5] وافرة من الأعلام، وأمضى فيهم حكمه السّيف، وأسر ابن السلطان وحريمه، وانتهبت ذخائره، واستولت [6] على الجميع أيدي الكفر والحيف، واشرأبّ العدو الكافر لأخذ

_ [1] انظر «رقم الحلل» للسان الدّين بن الخطيب ص (16- 17) بتحقيق الأستاذ الدكتور عدنان درويش، طبع وزارة الثقافة بدمشق. [2] في «ط» : «ووجد» . [3] في «آ» و «ط» : «أن سارت» والتصحيح من «رقم الحلل» . [4] في «آ» و «ط» : «مغلولا» والتصحيح من «رقم الحلل» والمفلول المنهزم. [5] في «رقم الحلل» : «ولمّة» . [6] في «آ» و «ط» : «واستولى» وما أثبته من «رقم الحلل» .

ما بقي من الجزيرة ذات الظّلّ الوريف، وثبتت [1] قدمه في بلد طريف. وبالجملة فهذه الواقعة من الدّواهي المعضلة الداء والأرزاء [2] التي تضعضع لها ركن الدّين بالمغرب، وقرّت بذلك عيون الأعداء. انتهى. وممن استشهد في هذه الوقعة [3] والد لسان الدّين ابن الخطيب، وهو عبد الله بن سعيد [بن عبد الله بن سعيد] [4] بن علي بن أحمد السّلماني [5] . قال لسان الدين في «الإكليل» في حق والده هذا: إن طال الكلام، وجمحت الأقلام، كنت كما قيل: مادح نفسه يقرئك السلام، وإن أحجمت [6] فما أسديت في الثناء ولا ألمحت، أضعت الحقوق، وخفت معاذ الله العقوق. هذا ولو أني زجرت طير البيان عن أوكاره، وجئت بعون الإحسان وأبكاره، لما قضيت حقّه بعد، ولا قلت إلّا بالذي علمت سعد. فقد كان- رحمه الله- ذمر عزم، ورجل رجاء وأزم، تروق أنوار خلاله الباهرة، وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة، ذكاء يتوقّد، وطلاقة يحسد نورها الفرقد، وكانت له في الأدب فريضة، وفي النادرة العذبة منادح عريضة، تكلّمت يوما بين يديه في مسائل من الطّب، وأنشدته أبياتا من شعري ورقاعا من إنشائي، فتهلّل، وما برح أن ارتجل: الطّبّ والشّعر والكتابة ... سماتنا في بني النّجابه هنّ ثلاث مبلغات ... مراتبا بعضها الحجابة ووقع لي يوما بخطّه على ظهر أبيات بعثتها إليه أعرض نمطها عليه: وردت كما صدر النسيم بسحرة ... عن روضة جار الغرام رباها فكأنّما هاروت أودع سحره ... فيها وآثرها به وحباها

_ [1] في «ط» : «وثبت» وهو خطأ. [2] تحرفت في «ط» إلى «الأزراء» . [3] في «ط» : «في هذه الواقعة» . [4] ما بين القوسين سقط من «آ» . [5] انظر «رقم الحلل» ص (12 و 16 و 18- 19) . [6] تحرفت في «ط» إلى «أجمحت» .

مصقولة الألفاظ يبهر حسنها ... فبمثلها افتخر البليغ وباها فقررت عينا عند رؤية وجهها ... إني أبوك وكنت أنت أباها ومن شعره: عليك بالصّمت فكم ناطق ... كلامه أدّى إلى كلمه إن لسان المرء أهدى إلى ... غرّته والله من خصمه يرى صغير الجسم مستضعفا ... وجرمه أكبر من جرمه وقال في «الإحاطة» : كان من رجال الكمال، طلق الوجه، فقد في الكائنة العظمى بطريف يوم الاثنين سابع جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ثابت الجأش، غير جذوع ولا هيّابة. حدّثني الخطيب بالمسجد الجامع من غرناطة الفقيه أبو عبد الله بن اللّوشي، قال: كبا بأخيك الطّرف وقد غشي العدو، فجنحت إلى أردافه فانحدر إليه والدك وصرفني وقال: أنا أولى به، فكان آخر العهد بهما. انتهى. وذكر في «الإحاطة» : أن مولده بغرناطة في جمادى الأولى عام اثنين وسبعين وستمائة. وفيها افتخار الدّين أبو عبد الله جابر بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي الكاتي- بالمثناة أو المثلثة- الحنفي النّحوي [1] . ولد في عاشر شوال سنة سبع وستين وستمائة، وقرأ على خاله أبي المكارم، وقرأ «المفصل» و «الكشّاف» على أبي عاصم الإسفندري، واشتغل ببلاده، ومهر، وقدم القاهرة، فسمع من الدّمياطي. وولي مشيخة الجاولية التي بالكبش، وباشر الإفتاء والتدريس بأماكن، وقدم مكّة. وقرأ «الصحيح» على التّوزري، وتكلّم على أماكن فيه من جهة العربية، ودرّس بالقدس ومكّة. وكان فاضلا، حسن الشكل، مليح المحاضرة.

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (9/ 326) و «الجواهر المضية» (2/ 5- 6) و «العقد الثمين» (3/ 403- 404) و «الدّرر الكامنة» (2/ 68) .

مات بالقاهرة في منتصف المحرم. وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزّرعي ثم الدمشقي [1] ، الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر الفرضي. سمع بدمشق من عمر بن القوّاس، وأبي الفضل بن عساكر، وغيرهما. وتفقه وأفتى قديما، ودرّس، وناظر، وولي نيابة الحكم عن علاء الدّين بن المنجّى وغيره، ودرّس بالحنبلية من حين سجن الشيخ تقي الدّين بالقلعة في المرة التي توفي فيها، فساء ذلك أصحاب الشيخ ومحبيه، واستمرّ بها إلى حين وفاته. وكان بارعا في أصول الفقه، والفرائض، والحساب، وإليه المنتهى في التّحري، وجودة الخطّ، وصحة الذّهن، وسرعة الإدراك، وقوة المناظرة، وحسن الخلق، لكنه كان قليل الاستحضار لنقل المذهب، وكان قاضي القضاة أبو الحسن السّبكي يسمّيه فقيه الشام. وكان فيه لعب، وعليه في دينه مآخذ، سامحه الله تعالى. وتفقّه وتخرّج به جماعة، ولم يصنّف كتابا معروفا. توفي وقت صلاة الجمعة سادس عشر رجب، ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها الحسين بن أبي بكر بن الحسين الإسكندري المالكي النّحوي [2] . قال في «الدرر» : ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، واشتغل بالعلم، خصوصا العربية، وانتفع به الناس، وجمع «تفسيرا» في عشر مجلدات، وحدّث عن الدّمياطي. وتوفي في ذي الحجّة. وفي حدودها الشيخ علي بن عبد الله الطّواشي اليمني [3] الصّوفي الكبير، العارف الشهير.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (222) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 368) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 434) و «الدّرر الكامنة» (1/ 15) و «المقصد الأرشد» (1/ 215) . [2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 532) و «الدّرر الكامنة» (2/ 73) و «حسن المحاضرة» (1/ 459) وفيه: «أبو الحسن بن أبي بكر» . [3] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

ذو الأحوال السّنيّة والمقامات العليّة، وحسبك فيه ما قاله تلميذه ومريده الإمام اليافعي من أبيات: إذا قصد الزّوّار للبيت كعبة ... عليّ بن عبد الله قصدي وكعبتي وفيها ركن الدّين شافع بن عمر بن إسماعيل [1] ، الفقيه الحنبلي الأصولي، نزيل بغداد. سمع الحديث ببغداد على إسماعيل بن الطبّال، وابن الدّواليبي، وغيرهما. وتفقّه على الشيخ تقي الدّين الزّريراتي، وصاهره على ابنته، وأعاد عنده بالمستنصرية. وكان رئيسا، نبيلا، فاضلا، عارفا بالفقه والأصول والطّبّ، مراعيا لقوانينه في مأكله ومشربه، ودرّس بالمجاهدية بدمشق، وأقرأ جماعة من الأئمة. قال ابن رجب: منهم والدي. وله مصنّف في مناقب الأئمة الأربع سمّاه «زبدة الأخبار في مناقب الأربعة الأبرار» ، وكان قاصر العبارة لأن في لسانه عجمة، ومدرسة المجاهدية تعرف الآن بالحجازية، ثم صارت اصطبلا لخيل الطانشمندية، لا حول ولا قوة إلّا بالله. توفي المترجم ببغداد يوم الجمعة ثاني عشر شوال، ودفن بدهليز تربة الإمام أحمد، رضي الله عنه. وفيها شرف الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل الزّريراتي البغدادي [2] الحنبلي بن شيخ العراق تقي الدّين أبي بكر المتقدم ذكره. ولد ببغداد، ونشأ بها، وحفظ «المحرّر» ، وسمع الحديث، واشتغل ثم رحل إلى دمشق، فسمع من زينب بنت الكمال، وجماعة من أصحاب ابن عبد الدائم،

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 435) و «الدّرر الكامنة» (2/ 283) و «المقصد الأرشد» (1/ 441) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 435- 436) وفيه: «عبد الرحيم بن عبد الله» .

وخطيب مردا، وطبقتهما، وارتحل إلى مصر، وسمع من مسندها يحيى ابن المصري، وغيره [ولقي بها أبا حيّان وغيره] [1] ، ثم رجع إلى بغداد بفضائل جمّة، ودرّس للحنابلة بالبشرية بعد وفاة صفي الدّين بن عبد الحق، ثم درّس بالمجاهدية بعد وفاة صهره المترجم قبله شافع، ولم تطل بها مدته. قال ابن رجب: وحضرت درسه، وأنا إذ ذاك صغير لا أحقّقه جيدا، وناب في القضاء ببغداد، واشتهرت فضائله، وخطّه في غاية الحسن. وألّف مختصرات في فنون عديدة. وتوفي ببغداد يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجّة ودفن عند والده بمقبرة الإمام أحمد وله من العمر نحو الثلاثين سنة رحمه الله تعالى. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الشافعي [2] خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق. ولد ببغداد سنة ثمان وسبعين وستمائة، وسمع الحديث، وكان صالحا، خيّرا. جمع، وألّف، فمن تأليفه «تفسير القرآن العظيم» [3] و «شرح عمدة الأحكام» وأضاف إلى «جامع الأصول» «مسند الإمام أحمد» و «سنن ابن ماجة» و «سنن الدارقطني» وسمّاه: «مقبول المنقول» ، وجمع «سيرة» . وحدّث ببعض مصنّفاته، وكان صوفيا بالخانقاه المذكورة، وكان بشوش الوجه، ذا تودّد وسمت حسن. توفي في شعبان. وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمّام بن حسان التّليّ ثم الصّالحي [4] القدوة الزّاهد الفقيه الحنبلي.

_ [1] ما بين القوسين سقط من «آ» . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 53- 54) و «الدّرر الكامنة» (3/ 97) و «كشف الظنون» (2/ 1792) . [3] أقول: وهو المعروف ب «تفسير الخازن» ، وهو بغدادي الأصل، يقال له: الشيحي، نسبة إلى شيحة من أعمال حلب (ع) . [4] انظر «ذيول العبر» (220) و «معجم الشيوخ» (2/ 141- 143) و «الوافي بالوفيات» (2/ 152) و «فوات الوفيات» (3/ 413) و «الوفيات» لابن رافع (1/ 353) و «الدّرر الكامنة» (3/ 311- 312) .

ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدائم وغيره، وصحب الشيخ شمس الدّين ابن الكمال وغيره من العلماء والصّلحاء. وكان صالحا، تقيا، من خيار عباد الله، يقتات من عمل يده، وكان عظيم الحرمة، مقبول الكلمة عند الملوك. وولاة الأمور، ترجع إلى رأيه وقوله. أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر. ذكره الذهبي في «معجم شيوخه» وقال: كان مشارا إليه في الوقت بالإخلاص، وسلامة الصّدر، والتّقوى، والزّهد، والتّواضع التّام، والبشاشة، ما أعلم فيه شيئا يشينه في دينه أصلا. وقال ابن رجب: حدّث بالكثير، وسمع منه خلق، وأجاز لي ما تجوز له روايته بخطّ يده. وتوفي في ثالث عشر ربيع الأول، ودفن بقاسيون، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة بن علي بن عقيل [1] ، الإمام، العالم، الفقيه، الشافعي، المفتي المدرّس الكبير بن القمّاح القرشي المصري. ولد في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة، وسمع الكثير، وقرأ الحديث بنفسه، وكتب بخطّه، وتفقه على الظّهير التّرميني وغيره، وبرع، وأفتى، ودرّس بقبة الإمام الشافعي إلى حين وفاته، بعد أن أعاد بها خمسين سنة، وناب في الحكم مدة سنين، وسمع منه خلق كثير من الفقهاء والمحدّثين. قال الإسنوي: كان رجلا، عالما، فاضلا، فقيها، محدّثا، حافظا لتواريخ المصريين، ذكيا، إلّا أن نقله يزيد على تصرّفه. وكان سريع الحفظ، بعيد النسيان، مواظبا على النّظر والتحصيل، كثير التّلاوة، سريعا، متودّدا. توفي في ربيع الآخر أو الأول، ودفن بالقرافة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (221) و «الوافي بالوفيات» (2/ 150) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 92- 93) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 338) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 66- 67) و «الدّرر الكامنة» (3/ 303- 304) و «حسن المحاضرة» (1/ 426) .

وفيها شرف الدّين محمد بن عبد المنعم المنفلوطي، المعروف بابن المعين الشّافعي [1] . تفقه بالشيخ نجم الدّين البالسي وغيره، وقرأ الأصول على الشمس المحوجب. قال الكمال الأدفوي: كان أديبا، فقيها، شاعرا، اختصر «الرّوضة» وتكلّم على أحاديث «المهذب» وسمّاه «الطّراز المذّهب» . انتهى. وفيها عزّ الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن يوسف الأفقهسي المصري [2] . سمع بالقاهرة ودمشق من جماعة. قال ابن رافع: ودرّس بدمشق، وكان كثير النقل لفروع مذهبه، قوي الحافظة، قيل: إنه حفظ «محرّر الرافعي» في شهر وستة أيام. توفي بدمشق شابا، رحمه الله تعالى. وفيها أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن بكر بن سعد الأشعري المالقي، يعرف بابن بكر [3] . قال في «تاريخ غرناطة» : كان من صدور العلماء، وأعلام الفضل، معرفة وتفنّنا، ونزاهة، عارفا بالأحكام والقراءات، مبرّزا في الحديث والتاريخ، حافظا للأنساب والأسماء والكنى. قائما على العربية، مشاركا في الأصول، والفروع، واللغة، والفرائض، والحساب، أصيل النظر، منصفا مخفوض الجناح، حسن الخلق، عطوفا على الطلبة، محبّا للعلم والعلماء. أخذ القراءات، والعربية، والفقه، والحديث، والأدب عن الأستاذ

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 80) و «الدّرر الكامنة» (4/ 33) . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (1/ 382) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 80- 81) و «الدّرر الكامنة» (4/ 37) . [3] انظر «الإحاطة بتاريخ غرناطة» (2/ 176- 180) و «الدّرر الكامنة» (4/ 284) .

أبي محمد بن أبي السّداد الباهلي، وابن الزّبير، وابن رشيد، وغيرهم، وأجاز له جماعة من سبتة وإفريقية، والمشرق. منهم: الشّرف الدّمياطي، والأبرقوهي. وولي الخطابة والقضاء بغرناطة فصدع بالحقّ، وتصدّر لنشر العلم، فأقرأ العربية، والفقه، والقراءات، والأصول، والفرائض، والحساب، وعقد مجلس الحديث، شرحا وسماعا. مولده في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وستمائة، ووقف في مصافّ المسلمين يوم المساحة الكبرى بظاهر طريف فكبت به بغلته، فمات منها، وذلك يوم الاثنين سابع جمادى الأولى انتهى. وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام. قال المقري في «التعريف بابن الخطيب» : قال مولاي الجدّ، رحمه الله تعالى،: فممن أخذت عنه علماها- يعني تلمسان- الشّامخان، وعالماها الرّاسخان، أبو زيد عبد الرحمن، وأبو موسى عيسى، ابنا محمد بن عبد الله بن الإمام، وكانا قد رحلا في شبابهما من بلدهما برشك إلى تونس، فأخذا بها عن ابن جماعة، وابن العطّار، والنّفزي، وتلك الحلبة، وأدركا المرجاني وطبقته من أعجاز المائة السابعة، ثم وردا في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المسلمين أبي يعقوب وهو محاصر لها، وفقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن مخلف التّنّسي، وكان قد خرج إليه برسالة من صاحب تلمسان المحصورة، فلم يعد وارتفع شأنه عند أبي يعقوب حتّى إنه شهد جنازته ولم يشهد جنازة غيره، وقام على قبره، وقال: نعم الصّاحب فقدنا اليوم، ثم زادت حظوتهما عند أمير المسلمين أبي الحسن إلى أن توفي أبو زيد في العشر الأوسط من رمضان عام أحد وأربعين وسبعمائة، بعد وقعة طريف بأشهر، فزادت مرتبة أبي موسى عند السلطان، وكانا رحلا إلى المشرق في حدود العشرين وسبعمائة، فلقيا علاء الدّين القونوي، وجلال الدين القزويني صاحب «البيان» وسمعا «صحيح البخاري» على الحجّار، وناظرا تقي الدّين بن تيميّة، وظهرا عليه، وكان ذلك من أسباب محنته، وكان شديد الإنكار على الإمام فخر الدّين [1] .

_ [1] يعني الرازي.

حدّثني شيخي العلّامة أبو عبد الله الإيلي أن عبد الله بن إبراهيم الزموري أخبره أنه سمع ابن تيميّة ينشد لنفسه: محصّل في أصول الدّين حاصله ... من بعد تحصيله علم بلا دين أصل الضّلالة والإفك المبين فما ... فيه فأكثره وحي الشّياطين قال: وكان في يده قضيب، فقال: والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب. وشهدت مجلسا عند السّلطان قرئ فيه على أبي زيد بن الإمام حديث: «لقّنوا موتاكم لا إله إلّا الله» في «صحيح مسلم» [1] ، فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السّلوي: هذا الملقّن محتضر حقيقة، ميت مجازا، فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم، والأصل الحقيقة، فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه، وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض «التنقيح» أي للقرافي، فقلت: زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال، مجازا في الاستقبال، مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة إجماعا، وعلى هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال. وذكر أبو زيد ابن الإمام يوما في مجلسه أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشرطيتين وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ 8: 23 [الأنفال: 23] ، فإنهما يستلزمان بحكم الإنتاج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهو محال، ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين، فقال ابن الحكم: قال الخونجي: والإهمال بإطلاق لفظ لو، وأن في المتصلة، فهاتان القضيتان على هذا مهملتان، والمهملة في قوة الجزئية، ولا قياس عن جزئيتين. انتهى. وفيها الملك النّاصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصّالحي [2] .

_ [1] رواه مسلم رقم (916) في الجنائز: باب تلقين الموتى: لا إله إلّا الله. [2] انظر «ذيول العبر» ص (323- 225) و «النجوم الزاهرة» (9/ 165) و «الوافي بالوفيات» (4/ 353)

ولد في صفر، وقيل: في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة، وشوهد منه أنه ولد وكفّاه مقبوضتان ففتحتهما الدّاية فسال منهما دم كثير، ثم صار [1] يقبضهما، فإذا فتحهما سال منهما دم كثير، فأوّل ذلك بأنه يسفك على يديه دماء كثيرة، فكان كذلك. وولي السلطنة عقب قتل أخيه الأشرف وعمره تسع سنين، فولي السلطنة سنة إلّا ثلاثة أيام، ثم خلع بكتبغا، وكان كتبغا قد جهّز النّاصر إلى الكرك بعد أن حلف له أنه إذا ترعرع وترجّل يفرغ له عن المملكة بشرط أن يعطيه مملكة الشام استقلالا، ثم أحضر الناصر من الكرك إلى مصر سنة ثمان وتسعين وسلطنوه ثانيا، واستقرّ بيبرس الجاشنكير دويدارا وسلّار نائبا في السلطنة، ولم يكن للناصر معهما حكم البتة واستقرّ أقش الأفرم نائب دمشق، وحضر الناصر وقعة غازان سنة تسع وتسعين، وثبت الناصر الثبات القوي، وجرى لغازان بدمشق ما اشتهر، وقطعت خطبة الناصر من دمشق مدة ثم أعيدت فتحرّك غازان في العود، فوصل إلى حلب، ثم رجع. وفي شعبان سنة اثنتين وسبعمائة كانت وقعة شقحب، وكان للناصر [2] فيها اليد البيضاء من الثبات والفتك ووقع النّصر للمسلمين. ثم في سنة ثمان وسبعمائة أظهر الناصر أنه يطلب الحجّ، فتوجه إلى الكرك، وأقام بها، وطرد نائب الكرك إلى مصر، وأعرض عن المملكة لاستبداد سلّار، وبيبرس دونه بالأمور، وكتب الناصر إلى الأمراء بمصر يترقق لهم، ويستعفيهم من السلطنة، ويسألهم أن يتركوا له الكرك، فوافقوه على ذلك، وتسلطن بيبرس الجاشنكير، ثم قصد الناصر مصر في سنة تسع وسبعمائة فاستقرّ في دست سلطنته يوم عيد الفطر، ولما استقرّت قدمه قبض على أكثر الأمراء، وعزل، وولي، وحجّ، وجدّد خيرات كثيرة، وبنى جوامع، ومدارس، وخوانق، وفتحت في أيامه ملطية،

_ و «فوات الوفيات» (2/ 263) و «الدّرر الكامنة» (4/ 144) . [1] تحرفت في «ط» إلى «سار» . [2] هو الملك الناصر محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي. انظر ترجمته في «الوافي بالوفيات» (4/ 353) و «ذيول العبر» ص (224) و «الدّرر الكامنة» (4/ 144- 148) .

وطرسوس، وغيرهما. واشترى المماليك، فبالغ في ذلك، حتّى اشترى واحدا بما يزيد على أربعة آلاف دينار. قال في «الدّرر» [1] : ولم ير أحد مثل سعادة ملكه وعدم حركة الأعادي عليه برّا وبحرا، مع طول المدة، فمنذ وقعة شقحب إلى أن مات، لم يخرج عليه أحد، ووجدت له إجازة بخط البرزالي من ابن مشرف وغيره، وسمع من ست الوزراء، وابن الشّحنة، وخرّج له بعض المحدّثين «جزءا» . وكان مطاعا، مهيبا، عارفا بالأمور، يعظّم أهل العلم والمناصب الشرعية، ولا يقرّر فيها إلّا من يكون أهلا لها. وتوفي في تاسع عشري ذي الحجّة بقلعة مصر في آخر النهار، وحمل ليلا إلى المنصورية، فغسل بها، وصلّى عليه عزّ الدّين بن جماعة القاضي إماما بحضرة أناس قلائل من الأمراء، وحصل للمسلمين بموته ألم شديد، لأنهم لم يلقوا مثله. وعهد قبيل موته لولده الملك المنصور، فجلس على كرسي الملك قبل موت والده بثلاثة أيام، والله أعلم.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 147- 148) .

سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة في محرّمها بايع السلطان الملك المنصور الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العبّاس أحمد بن الخليفة المستكفي للخلافة بعهد من والده، وجلس مع السلطان على كرسي واحد وبايعهم القضاة وغيرهم. وفيها توفي السلطان الملك المنصور أبو بكر بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون [1] خلع في صفر. قال السيوطي: لفساده وشرب الخمور، حتّى قيل: إنه جامع زوجات أبيه، ونفي إلى قوص، وقتل بها. وتسلطن أخوه الملك الأشرف كجك، ثم خلع من عامه، وولي أخوه أحمد، ولقّب الناصر وعقد المبايعة بينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدّين السّبكي، قاضي الشام، وكان قد حضر معه. وفيها الحافظ الكبير جمال الدّين أبو الحجّاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزّهر، الإمام العلّامة الحافظ الكبير المزّي الشافعي [2] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (226) و «حسن المحاضرة» (2/ 116- 117) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (229) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1498) و «معجم الشيوخ» (2/ 389- 390) و «المعجم المختص» ص (299- 300) و «النجوم الزاهرة» (10/ 76- 77) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 395) و «فوات الوفيات» (4/ 353) و «الدّرر الكامنة» (4/ 457) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة» (3/ 99) .

قال ابن قاضي شهبة: شيخ المحدّثين، عمدة الحفّاظ، أعجوبة الزّمان الدمشقيّ المزّي. مولده في ربيع الآخر، سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب، ونشأ بالمزّة. قرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي، وحصّل طرفا من العربية، وبرع في التصريف واللغة، ثم شرع في طلب الحديث بنفسه، وله عشرون سنة. وسمع الكثير، ورحل. قال بعضهم: ومشيخته نحو الألف، وبرع في فنون الحديث، وأقر له الحفّاظ من مشايخه وغيرهم بالتقدم، وحدّث بالكثير نحو خمسين سنة، فسمع منه الكبار والحفّاظ، وولي دار الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصفا. وقال ابن تيمية لما باشرها: لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط الواقف منه، لقول الواقف: فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدّراية، قدّم من فيه الرّواية [1] . وقال الذهبي في «المعجم المختص» : شيخنا الإمام العلّامة، الحافظ، النّاقد، المحقّق، المفيد، محدّث الشام. طلب الحديث سنة أربع وسبعين وهلم جرا، وأكثر، وكتب العالي والنّازل بخطّه المليح المتقن. وكان عارفا بالنّحو، والتصريف، بصيرا باللغة، يشارك في الأصول والفقه، ويخوض في مضائق العقول. انتهى. وقال السّبكي في «الطبقات» : ولا أحسب شيخنا المزيّ يدري المعقولات، فضلا عن الخوض في مضايقها. فسامح الله شيخنا الذّهبي. ثم قال الذهبي: ويدري الحديث كما في النّفس متنا وإسنادا، وإليه المنتهى

_ [1] علم الحديث رواية: علم يعرف به أقوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله وأحواله، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها. وعلم الحديث دراية: علم يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بها. (ع) .

في معرفة الرّجال وطبقاتهم. ومن نظر في كتابه «تهذيب الكمال» [1] علم محلّه من الحفظ، فما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه في معناه. وكان ينطوي على سلامة باطن ودين وتواضع وفراغ عن الرئاسة وحسن سمت وقلّة كلام، وحسن احتمال. وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيّان، وابن سيّد الناس، وغيرهما من علماء العصر. توفي في صفر، ودفن بمقابر الصّوفية غربيّ قبر صاحبه ابن تيميّة. ومن تصانيفه «تهذيب الكمال» و «الأطراف» [2] وغيرهما.

_ [1] يعدّ هذا الكتاب من أجود كتب التراجم التي خلّفها علماء المسلمين، ويعتبر من الكتب الرائدة في هذا الباب، وقد وضع أصله «الكمال في أسماء الرجال» الإمام الحافظ عبد الغني المقدسي المتوفى سنة (600) هـ، وقام الإمام المزّي بتهذيبه وأضاف إليه فوائد كثيرة وسماه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» وقد كتب الله عز وجل لكتاب المزّي هذا الشهرة والانتشار منذ عصر مؤلّفه، ولكنه بقي في عداد المخطوطات المحصور وجودها في المكتبات العامة ببعض البلاد الإسلامية، إلى أن تولت دار المأمون للتراث بدمشق إصداره مصورة لإحدى نسخه الخطية في ثلاث مجلدات كبيرة بطريقة الأوفست، تولى تقديمها للقراء الأستاذان الفاضلان عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق. ثم تصدت لإخراجه في طبعة علمية متقنة محققة مؤسسة الرسالة بيروت، فعهدت للأستاذ الدكتور بشار عواد معروف بتحقيقه، وإلى الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط بتخريج أحاديثه والإشراف على طبعه، وقد صدر منه حتى الآن خمسة عشر مجلدا. [2] واسمه الكامل «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» ويعدّ هو الآخر من خيرة مصنّفات المسلمين في بابه، بيّن فيه مواقع الأحاديث في مصنّفات حديثية كثيرة من خلال الدلالة على أطرافها، فأجاد وأفاد، جزاه الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء. وقد طبع كتابه طبعة متقنة نافعة في الدار القيمة بمباي في الهند في أربعة عشر مجلدا بتحقيق الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الصمد شرف الدّين، ثم أعاد المكتب الإسلامي ببيروت إصداره مصورا عن طبعة الهند عدة مرات. وقام الحافظ ابن حجر العسقلاني بتصنيف كتاب سمّاه «النكت الظراف على الأطراف» وقد نشر في هامش «تحفة الأشراف» على يد الشيخ عبد الصمد شرف الدّين في الهند أيضا. وقام الحافظ ولي الدّين ابن العراقي المتوفى سنة (826) هـ بتعقب الحافظ المزّي بمصنف نافع سمّاه «الإطراف بأوهام الأطراف» وقد نشر نشرة سيئة في بيروت على يد الأستاذ كمال يوسف الحوت. وقد شرعت بتحقيقه تحقيقا يليق به معتمدا على نسختين خطيتين، وأسأل الله تعالى العون على الانتهاء منه قريبا ودفعه للطبع لكي يعم الانتفاع به.

سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة

سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في محرّمها جمع الناصر الأموال التي في قلعة الجبل، وأخذها وراح إلى الكرك، وترك الملك، ونسبت إليه أشياء قبيحة، فخلعوه من السلطنة، وبايعوا أخاه السلطان الصالح إسماعيل، فأرسل جيشا إلى محاربة الناصر أحمد في الكرك، وأظهر أنه يطلب الأموال. ووقع بالشام غلاء بسبب هذا الحصار. وفيها توفي الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل البعلبكي [1] . روى عن التّاج بن عبد الخالق بن عبد السلام. وتوفي في شعبان. قاله في «الدّرر» . وفيها توفي [2] الإمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد الله الطّيبي [3] ، شارح «الكشّاف» العلّامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان. قال ابن حجر [4] : كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسّنن، مقبلا على نشر العلم، متواضعا، حسن المعتقد، شديد الردّ على الفلاسفة [والمبتدعة] ، مظهرا فضائحهم، مع استيلائهم حينئذ شديد الحب لله ورسوله، كثير الحياء، ملازما لإشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع، بل يخدمهم [5] ويعينهم، ويعير الكتب النّفيسة لأهل بلده وغيرهم، من يعرف ومن لا يعرف، محبّا لمن عرف منه تعظيم

_ [1] ترجمته في «الدّرر الكامنة» (2/ 30- 32) . [2] ليست اللفظة في «ط» . [3] ترجمة الطيبي في «الدّرر الكامنة» (2/ 68- 69) ، و «بغية الوعاة» (1/ 522- 523) ، و «البدر الطالع» (1/ 229- 230) و «معجم المؤلفين» (4/ 53) . واسمه في بعض هذه المصادر «الحسين» . [4] تصرّف المصنّف في نقله عن ابن حجر تقديما وتأخيرا وحذفا وإضافة. [5] في «آ» و «ط» : «بل يجديهم» وفي «الدرر الكامنة» «يحذيهم ويعينهم» وفي هامشه: «يحدثهم ويغنيهم» وفي «بغية الوعاة» : «بل يخدمهم ... » . وهو ما أثبته لأنه مصدر المؤلّف في نقله.

الشريعة، وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة فلم يزل ينفقه في وجوه الخيرات، حتّى صار في آخر عمره فقيرا. صنف «شرح الكشّاف» و «التفسير» «والتبيان» في المعاني «والبيان» وشرحه، و «شرح المشكاة» . وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجّه إلى مجلس الحديث فصلّى النافلة، وجلس ينتظر إقامة الفريضة، فقضى نحبه متوجها إلى القبلة، وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشري شعبان. قال السيوطي: ذكر في شرحه على «الكشّاف» أنه أخذ من أبي حفص السّهروردي وأنه قبيل الشروع في هذا الشرح رأي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد ناوله قدحا من اللّبن فشرب منه. وفيها الأمير صارم الدّين صاروجا بن عبد الله المظفّري [1] . كان أميرا في أول دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون بالديار المصرية. وكان صاحب أدب وحشمة ومعرفة. ولمّا أعطى الملك الناصر تنكز إمرة عشرة جعل صاروجا هذا أغاة له، وضمّه إليه، فأحسن صاروجا لتنكز، ودرّبه واستمرّ إلى أن حضر الملك الناصر من الكرك اعتقله، ثم أفرج عنه بعد عشر سنين تقريبا، وأنعم عليه بإمرة في صفد، فأقام بها نحو سنتين، ونقل إلى دمشق أميرا بها بسفارة تنكز نائب الشام، فلما وصل إلى دمشق عنّ له تنكز خدمته السالفة وحظي عنده، وصارت له كلمة بدمشق، وعمّر بها عماير مشهورة به منها السّويقة [2] التي خارج دمشق إلى جهة الصّالحية، ولما أمسك تنكز قبض على صاروجا، وحضر مرسوم بتكحيله، فكحّل وعمي، ثم ورد مرسوم بالعفو عنه، ثم جهّز إلى القدس الشريف، فأقام به إلى أن مات في أواخر هذه السنة.

_ [1] ترجمة (صاروجا) في «نكت الهميان» للصفدي (170) ، و «الدّرر الكامنة» (2/ 198) ، و «الدارس» (1/ 124) و «الأعلام» (3/ 270) . [2] وإلى ذلك أشار الزركلي رحمه الله بقوله: «وسوق صاروجا بدمشق أظنه منسوبا إليه والعامة تقول: سوق ساروجا» بل يمكننا أن نجزم بأنه هو المقصود بناء على كلام ابن العماد رحمه الله.

وفيها تاج الدّين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله الإمام الأديب البارع اليماني الأصل المكي الشافعي [1] . ولد في رجب سنة ثمانين وستمائة بمكة، وقدم دمشق ومصر وحلب، ودرّس بالمشهد النّفيسي، وأقام باليمن مدة، وولي الوزارة، ثم عزل وصودر، ثم استقر بالقدس، ودرّس به واشتغل. وله تآليف منها: «مطرب السّمع في شرح حديث أم زرع» ومنها «لقطة العجلان المختصر في وفيات الأعيان» . وسمع منه البرزالي والذهبي، وذكراه في «معجميهما» وابن رافع وخلائق، وكتب عنه الشيخ أبو حيّان، وأثنى عليه كثيرا [2] . وعمل «تاريخا» للنحاة، واختصر «الصّحاح» . توفي بالقاهرة في شهر رمضان رحمه الله تعالى. وفيها برهان الدّين عبيد الله بن محمد الشريف برهان الدين الحسيني الشّافعي الفرغاني [3] المعروف بالعبري- بكسر العين المهملة كما قاله ابن شهبة- وقال لا أدري نسبته إلى أي شيء. وقال السيوطي: بالضم والسكون نسبة إلى عبرة بطن من الأزد- قاضي تبريز [4] . كان جامعا لعلوم شتّى من الأصلين والمعقولات. وله تصانيف مشهورة وسكن السّلطانية مدة، ثم انتقل إلى تبريز. وشرح كتب البيضاوي: «المنهاج» و «الغاية القصوى» و «المصباح» و «المطالع» . وقال الحافظ زين الدين العراقي في «ذيل العبر» [5] : كان حنفيا يقرئ مذهب أبي حنيفة والشافعي، وصنّف فيهما.

_ [1] ترجمة (عبد الباقي) في «ذيول العبر» (233) و «النجوم الزاهرة» (10/ 104) و «فوات الوفيات» (2/ 246- 249) و «العقد الثمين» (5/ 321- 324) و «الدرر الكامنة» (2/ 315) . [2] في «ط» : (وأكثر) . [3] ترجمة (الشريف العبري) في «طبقات الشافعية» (2/ 236) و «طبقات» ابن قاضي شهبة (3/ 39) و «مرآة الجنان» (4/ 306) و «الدرر الكامنة» (2/ 433) واسمه في بعض هذه المصادر (عبد الله) . والفرغاني: نسبة إلى فرغانة مدينة تقع فيما وراء النهر قرب سمرقند «معجم البلدان» (4/ 253) . [4] تبريز أشهر مدن أذربيجان. انظر «معجم البلدان» (1/ 13) . [5] ليس هذا «الذيل» بين أيدينا.

وقال الذهبي في «المشتبه» [1] : السيد العبري، عالم كبير في وقتنا، وتصانيفه سائرة. وقال بعض فضلاء العجم: كان مطاعا عند السلاطين، مشهورا في الآفاق، مشارا إليه في جميع الفنون، ملاذا للضعفاء، كثير التواضع والإنصاف. توفي في رجب أو في ذي الحجّة. وفيها أو في التي قبلها، وجزم به السيوطي في «طبقات النّحاة» ، أبو المعالي محمد بن يوسف بن علي بن محمود [2] الصّبري [3] بلدا، قاضي تعز. كان ذا فضل في الفقه والنحو والحديث والقراءات السبع والفرائض، كثير الصلاح والورع والعبادة، ساعيا في قضاء حوائج الناس. حج في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة مع الملك المجاهد صاحب اليمن. وتوفي آخر يوم عرفة من هذا العام مبطونا وغسّل بمنى، ودفن بالأبطح. انتهى. وفيها شرف الدين محمود بن محمد بن محمد بن محمود الدّركزيني [4]- بفتح المهملة، وسكون الراء، وكسر الكاف، والزاي، نسبة إلى دركزين بلد بهمذان- القرشي الطّالبي العالم الصالح الشافعي. قال الإسنوي: كان عالما زاهدا، كثير العبادة، شديد الاتّباع للسنة، صاحب كرامات، أجمع عليه الخاصة والعامة والملوك والعلماء فمن دونهم، وكان طويلا جدا جهوريّ الصوت، حسن الخلق. والخلق، جوادا من بيت علم ودين. صنّف في الحديث كتابا سماه «نزل السائرين» في مجلد، وشرح «منازل السائرين» في جزأين. توفي في شعبان بدركزين، ودفن بها والله أعلم.

_ [1] لم أجده في «المشتبه» الموجود بين أيدينا، وقد ذكر المترجم ابن ناصر الدّين في «توضيح المشتبه» (6/ 384) فيما استدركه على نسبة «العبري» في «مشتبه» الذهبي. [2] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 403» و «بغية الوعاة» (1/ 285) . [3] الصبري: نسبته إلى صبر وهو اسم الجبل الشامخ العظيم المطلّ على قلعة تعزّ فيه عدة حصون وقرى باليمن. «معجم البلدان» (3/ 392) . [4] ترجمة الدركزيني في «طبقات الإسنوي» (1/ 555) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 98) و «الدرر الكامنة» (4/ 338) و «معجم المؤلفين» (12/ 199) .

سنة أربع وأربعين وسبعمائة

سنة أربع وأربعين وسبعمائة في جمادى الآخرة منها قتل إبراهيم بن يوسف المقصّاتي الرّافضي إلى لعنة الله. شهد عليه بسبّ الصحابة، رضي الله عنهم، وقذف عائشة والوقع [1] في حق جبريل عليه السلام. وفيها توفي القاضي تاج الدّين أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى ابن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني [2] الحنفي. قال في «الدّرر» : ولد بالقاهرة ليلة السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وستمائة واشتغل بأنواع العلوم ودرس وأفتى وناب في الحكم وصنّف في الفقه، والأصلين، والحديث، والعربية، والعروض، والمنطق، والهيئة، وغالبها لم يكمل. وسمع من الدمياطي، وابن الصوّاف والحجّار. وحدّث، ومات في أوائل جمادى الأولى وله نظم وسط. وفيها حسن بن محمد ابن أبي بكر السكاكيني [3] . قال في «الدرر» : كان أبوه فاضلا في عدة علوم، متشيّعا من غير سبّ ولا غلوّ، فنشأ ولده هذا غاليا في الرفض، فثبت عليه عند القاضي شرف الدين

_ [1] كذا في «ط» : «والواقع» وفي «آ» : «وأوقع» . [2] ترجمة (ابن التركماني) في «ذيول العبر» (24- 241) و «الجواهر المضية» (1/ 77) و «الدّرر الكامنة» (1/ 198) . [3] ترجمة (السكاكيني) في «الدرر الكامنة» (2/ 34) .

المالكي بدمشق، وثبت عليه أنه أكفر الشيخين، وقذف ابنتيهما، ونسب جبريل إلى الغلط في الرسالة، إلى غير ذلك، فحكم بزندقته، وبضرب عنقه، فضربت بسوق الخيل حادي عشر جمادى الأولى. وفيها شهاب الدّين أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن أبي العزّ بن نعمة، الإمام البارع المحقّق النحوي الشافعي المصري، المعروف بابن المرحّل [1] . قال ابن شهبة: سمع من جماعة، واشتغل في العلم، ومهر في النحو، وقد انتهت إليه وإلى الشيخ أبي حيّان مشيخة النحو بالدّيار المصرية، وأخذ عنه جمال الدين بن هشام، وهو الذي نوّه باسمه وعرف بقدره وقال: إن الاسم في زمانه كان لأبي حيّان والانتفاع بابن المرحّل. وقال ابن رافع: وخرّجت له «جزءا» من حديثه عن بعض شيوخه. وتصدر بالجامع الحاكمي. وأشغل [2] الناس بالعلم مدة وانتفع به جماعة. وقال الإسنوي: كان فاضلا فقيها إماما في النحو، مدققا فيه، محققا عارفا باللغة، وعلم البيان والقراءات، وتصدّر بالجامع الحاكمي مدة طويلة، وانتفع به، وتخرّجت به الطلبة وصاروا أئمة فضلاء. توفي في المحرم بالقاهرة وقد جاوز الستين. وممن أخذ عنه الشيخ شمس الدّين بن الصائغ الحنفي ورثاه بقصيدة. وفيها الحافظ أبو حامد محمد بن أيبك السروجي [3] . كان علامة ثقة متقنا، وممن عدّه من الحفّاظ ابن ناصر الدين قال في «بديعيّته» [4] :

_ [1] ترجمة (ابن المرحل) في «طبقات الإسنوي» (2/ 465) ، و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 36- 38) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 406- 408) . [2] في «وفيات ابن رافع» : «وشغل الناس» . [3] ترجمة (السروجي) في «ذيول العبر» (238) و «النجوم الزاهرة» (10/ 108) و «الوافي بالوفيات» (4/ 225) و «الدّرر الكامنة» (4/ 58) . [4] «بديعة البيان» (الورقة 26/ آ) .

محمّد بن أيبك السّروجي ... دار ذرى مواطن العروج وفيها الحافظ شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسيّ الجماعيلي الأصل ثم الصالحي الفقيه الحنبلي [1] المقرئ المحدث الحافظ الناقد النحوي المتفنن الجبل الراسخ. ولد في رجب سنة أربع وسبعمائة. وقرأ بالروايات، وسمع الكثير من ابن عبد الدائم، والحجّار، وخلق كثير، وعني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل، وبرع في ذلك، وأفتى ودرّس، ولازم الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، مدة. وقرأ عليه قطعة من الأربعين في أصول الدين للرازي، ولازم أبا الحجاج المزيّ، وأخذ عن الذهبي وغيره. وقد ذكره الذهبي في «طبقات الحفاظ» : فقال: ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة واعتنى بالرجال والعلل وبرع وتصدّى للإفادة والأشغال في الحديث والقراءات والفقه والأصلين والنحو، وله توسّع في العلوم، وذهن سيّال. وله عدة محفوظات. وتآليف وتعاليق مفيدة، كتب عنّي، واستفدت منه. ثم قال: وصنّف تصانيف كثيرة، بعضها كمّله، وبعضها لم يكمّله، لهجوم المنية. وعدّ له ابن رجب في «طبقاته» ما يزيد على سبعين مصنفا يبلغ التام منها ما يزيد على مائة مجلد [2] . توفي رحمه الله عاشر جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون. وفيها تقي الدّين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمّام الأنصاري السّبكي [3] الشافعي الفقيه المحدّث الأديب المفنّن.

_ [1] ترجمته في «المعجم المختص» (215- 216) و «تذكرة الحفاظ» (4/ 1508) و «ذيل الذهبي عليها» (49) ، و «ذيول العبر» (238- 239) و «الوافي بالوفيات» (2/ 161) ، و «ذيل ابن رجب» (2/ 436، 439) ، و «الدرر الكامنة» (3/ 331) ، و «القلائد الجوهرية» (2/ 313- 314) ، و «المقصد الأرشد» (2/ 360) . [2] قلت: وقد قامت مؤسسة الرسالة في بيروت بنشر كتابه «طبقات علماء الحديث» بتحقيق الأستاذين أكرم البوشي وإبراهيم الزيبق. [3] ترجمته في «ذيول العبر» (241- 242) و «الوافي بالوفيات» (3/ 284) و «طبقات السّبكي»

ولد سنة أربع وسبعمائة، وطلب الحديث في صغره، وسمع خلقا، وتفقّه على جدّه الشيخ صدر الدين، وعلى الشيخ تقي الدين السّبكي، والشيخ قطب الدين السّنباطي، وتخرّج بالشيخ تقي الدّين السّبكي في كل فنونه، وقرأ النّحو على أبي حيّان وتلا عليه بالسبع، ولازمه سبعة عشر عاما، ودرّس بالقاهرة وناب في الحكم. ثم قدم دمشق، وناب في الحكم أيضا، ودرّس في الشامية الجوّانية والرّكنية، وعلّق «تاريخا» للمتجددات في زمانه. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» [1] . قال ابن فضل الله [2] : ليس في الفقهاء بعد ابن دقيق العيد، أدرب منه. توفي في ذي القعدة، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون. وفيها بهاء الدّين أبو الثّناء محمود بن علي بن عبد الولي بن خولان البعلي الفقيه الحنبلي [3] الفرضي. ولد في حدود السبعمائة، وسمع الحديث من جماعة وقرأ على الحافظ الدّبيثي عدة أجزاء، وتفقّه على الشيخ مجد الدّين الحرّاني، ولازم الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، وبرع في الفرائض والوصايا والجبر والمقابلة. وكان مفتيا ديّنا متواضعا متودّدا ملازما للاشتغال والإشغال، حريصا على إفادة الطلبة، بارا بهم، محسنا إليهم تفقه به جماعة، وانتفعوا به، وبرع منهم طائفة. وتوفي ببعلبك في رجب، رحمه الله تعالى.

_ (9/ 167- 181) و «طبقات الإسنوي» (2/ 74) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 25) و «الدّرر الكامنة» (4/ 25) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 426) . [1] قال الذهبي: قدم علينا عام أربعين فسمع وأخذنا عنه وله فضائل وأدب وبلاغة واعتناء بالرواية مع الديانة والخير. «المعجم المختص» (242) . [2] يعني العمري. [3] ترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 439- 440) .

سنة خمس وأربعين وسبعمائة

سنة خمس وأربعين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحرّاني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي [1] . ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع من ابن الموازيني وغيره، وطلب بنفسه، وكتب الكثير، وسمع الكثير أيضا، وتفقّه في المذهب وأصول الفقه، وهو الذي بيّض مسودة الأصول لابن تيمية، ورتّبها. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: من أعيان أهل مذهبه في دين وتقوى ومعرفة بالفقه، أخذ عنّي ومعي. وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصّغير. وفيها علم الدّين سنجر بن عبد الله الأمير الكبير الجاولي الشافعي [2] . ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بآمد. ثم صار لأمير من الظاهريّة يسمّى جاولي. وانتقل بعد موته إلى بيت المنصور، وتنقلت به الأحوال إلى أن صار مقدّما بالشام، وكانت داره بدمشق غربي جامع تنكز، وبعضها شماليّه، فسأله تنكز عند بناء الجامع إضافة ما بين جامعه وبين الميدان، وكان هناك إصطبل وغيره، فأبى ذلك كلّ الإباء ووقفها، وكان ذلك سببا لنقله من دمشق، ثم ولي نيابة غزّة، ثم قبض عليه في شعبان سنة عشرين، اتّهم بأنه يريد الدخول إلى اليمن، وسجن

_ [1] ترجمته في «المعجم المختص» (34- 35) ، و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 440) و «المقصد الأرشد» (1/ 178- 179) . [2] ترجمة (سنجر) في «ذيل الذهبي على تذكرة الحفاظ» (28) «ذيول العبر» (247) و «النجوم الزاهرة» (10/ 109- 110) و «طبقات السبكي» (10/ 41) و «الدّرر الكامنة» (2/ 170- 172) و «حسن المحاضرة» (1/ 395) .

بالإسكندرية، وأحيط على أمواله، ثم أفرج عنه آخر سنة ثمان وعشرين، ثم استقر أميرا مقدّما بمصر واستقر من أمراء المشورة، ثم ولي حماة بعد موت الناصر مدة يسيرة، ثم ولي نيابة غزة فأقام بها أربعة أشهر، ثم عاد إلى مصر. وقد روى «مسند الشافعي» عن قاضي الشّوبك دانيال، وحدّث به غير مرة، ورتّب «مسند الشافعي» ترتيبا حسنا، وشرحه في مجلدات بمعاونة غيره. جمع بين شرحيه لابن الأثير والرافعي، وزاد عليهما من «شرح مسلم» للنووي، وبنى جامعا بالخليل في غاية الحسن، وجامعا بغزة، ومدرسة بها، وخانقاه بظاهر القاهرة. قال ابن كثير: وقف أوقافا كثيرة بغزة والقدس وغيرهما، وكان له معرفة بمذهب الشافعي، ورتّب «المسند» [1] ترتيبا حسنا فيما رأيته، وشرحه في مجلدات فيما بلغني. قال الحافظ زين الدين العراقي: إنه رتّب «الأم» للشافعي. توفي في رمضان ودفن بالخانقاه التي أنشأها. وفيها جلال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الحنفي النحوي العراقي الكوفي، المعروف بابن الفصيح [2] . طلب الحديث وسمع من الخزرجي والذهبي، وشارك في الفضائل. مولده في شوال سنة اثنتين وسبعمائة. قاله الصفدي. وفيها نجم الدّين أبو الحسن علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة الزّبيري القرشي الأسدي [3] . قال الصّفدي: شيخ أهل دمشق في عصره خصوصا في العربية، قرأ عليه أهل دمشق، وانتفعوا به ولد في جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة، وقرأ

_ [1] في «ط» : «المذهب» وهو تصحيف. [2] ترجمة (ابن الفصيح) في «ذيول العبر» (299) و «المعجم المختصر» (119) و «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «وفيات ابن رافع» (1/ 480) و «الجواهر المضية» (1/ 203- 206) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 245) ، و «وبغية الوعاة» (1/ 339) و «الدارس» (1/ 525- 526) . [3] ترجمته في «ذيول العبر» (245) ، و «فوات الوفيات» (2/ 49) و «الجواهر المضية» (4/ 283- 285) و «الدّرر الكامنة» (3/ 47- 49) و «بغية الوعاة» (2/ 166) و «الدارس» (1/ 548) .

النحو على العلاء بن المطرّز، والفقه على الشمس الحريري، والأصول على البدر بن جماعة، والعربية على الشرف الفزاري، والمجد التونسي [1] والمعاني والبيان على البدر بن النحوية، والميقات على البدر بن دانيال، وسمع الحديث على النجم الشّقراوي، والبرهان بن الدّرجي. قال: ولم أصنّف شيئا لمؤاخذتي للمصنّفين فكرهت أن أجعل نفسي غرضا غير أني جمعت منسكا للحج. وله النظم والنثر والكتابة المنسوبة ولي تدريس الركنية، ثم نزل عنها ورعا، وخطب بجامع تنكز. ومن شعره: أضمرت في القلب هوى شادن ... مشتغل في النّحو لا ينصف وصفت [2] ما أضمرت يوما له ... فقال لي المضمر لا يوصف توفي في رابع عشري رجب. وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الرحمن ابن عمر البهبهائي. صاحب «الكشف على الكشّاف» . قرأ على قوام الدّين الشيرازي، وهو قرأ على القطب العالي، وكان له حظّ وافر من العلوم، سيّما العربية، واخترمته المنية شابا عن سبع أو ثمان وثلاثين سنة. وفيها أبو عبد الله محمد بن علي المصري النحوي [3] . قال الخزرجي في «طبقات أهل اليمن» : كان فقيها فاضلا عارفا بالنحو والفقه واللغة والحديث والتفسير والقراءات. أعاد بالمؤيدية بثغر رودس وبالمجاهدية بها. وفيها شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان بن النّقيب [4] .

_ [1] في «آ» : «القونسي» وهو تحريف. [2] في «الجواهر المضية» : «وطلبت» . [3] انظر «طبقات صلحاء اليمن» ص (284) . [4] ترجمة (ابن النقيب) في «ذيل الذهبي على التذكرة» في «ذيول العبر» (248) ، و «طبقات

ولد تقريبا سنة اثنتين وستين وستمائة، وأخذ شيئا من الفقه عن الشيخ محيي الدّين النّووي وخدمه، وتفقه بالشيخ شرف الدّين المقدسي، وسمع الحديث، وسمع منه البرزالي وغير واحد، وأخذ عنه جمال الدّين بن جملة قديما. وولي قضاء حمص فطرابلس ثم حلب ثم صرف عنها وعاد إلى دمشق، وولي تدريس الشامية البرانية. قال السبكي: له الدّيانة، والعفّة، والورع، الذي طرد به الشيطان وأرغم أنفه، كان من أساطين المذهب. توفي في ذي القعدة ودفن بالصالحية. وفيها تقي الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن همام- بالضم والتخفيف- ابن راجي الله بن سرايا بن ناصر بن داود الإمام المحدّث العسقلاني الأصل المصري، المعروف بابن الإمام الشافعي [1] . مولده في شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة. وطلب الحديث، وقرأ وكتب بخطّه، وحصل الأجزاء والكتب الحديثية، وتخرج بالحافظ الدمياطي، وسمع من جماعة، وكان إماما بالجامع الصالحي ظاهر القاهرة وساكنا به، وصنف كتابا حسنا في الأذكار والأدعية، سماه «سلاح المؤمن» ، وكتاب «الاهتداء في الوقف والابتداء» من أخصر ما ألّف وأحسنه، وكتابا في المتشابه مرتبا على السور، واشتهر كتابه «سلاح المؤمن» في حياته. واختصره الذهبي. توفي في ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن مظفّر الدّين الخلخالي، ويعرف أيضا بالخطيبي الشافعي [2] .

_ السبكي» ، (9/ 307- 309) و «طبقات الإسنوي» (2/ 512) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 64- 66) و «الدّرر الكامنة» (3/ 298) و «الدارس» (1/ 37) . [1] ترجمة (ابن الإمام) . في «النجوم الزاهرة» (10/ 146) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 86- 87) و «غاية النهاية» (2/ 245) و «الدرر الكامنة» (4/ 203) و «الأعلام» (7/ 264) . [2] ترجمة (الخلخالي) في «طبقات الإسنوي» (1/ 505) و «الدرر الكامنة» (2/ 60) و «بغية الوعاة» (1/ 247) .

قال الإسنوي: كان إماما في العلوم العقلية [1] والنقلية، ذا تصانيف كثيرة مشهورة، منها «شرح المصابيح» و «مختصر ابن الحاجب» و «المفتاح» و «التلخيص» في علم البيان، وصنّف أيضا في المنطق. وتوفي بأرّان [2] بهمزة مفتوحة، وراء مهملة مشددة [سنة خمس وأربعين وسبعمائة تقريبا] . والخلخالي: نسبة إلى الخلخال، بخاءين معجمتين مفتوحتين، آخره لام: قرية من نواحي السلطانية [3] . وفيها الإمام أثير الدين أبو حيّان محمد بن يوسف ابن علي بن يوسف بن حيّان الأندلسي الغرناطي النّفزي [4]- نسبة إلى نفزة بكسر النون وسكون الفاء قبيلة من البربر- نحوي عصره ولغويّه ومفسّره ومحدّثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه. ولد بمطخشارش مدينة من حظيرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطّبّاع، والعربية عن أبي الحسن الأبذي، وأبي جعفر بن الزّبير، وابن أبي الأحوص، وابن الصائغ، وبمصر عن البهاء بن النحّاس وجماعة، وتقدم في النحو وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب، وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا، منهم أبو الحسن بن ربيع وابن أبي الأحوص، والقطب القسطلاني وأجاز له خلق من المغرب والمشرق، منهم الشرف الدمياطي، وابن

_ [1] عند الإسنوي: «النقلية والعقلية» . [2] أرّان من أصقاع إرمينية، وهو أيضا اسم لحرّان البلد المشهور من ديار مضر. «معجم البلدان» (1/ 136) . [3] قال العلّامة محمد كرد علي: ويدخل الخلخال في الثكنة الحميدية (الجامعة السورية) وانظر «غوطة دمشق» (55 و 59 و 127) . [4] ترجمة (أبي حيّان) في «ذيل الذهبي على تذكرة الحفاظ» (23) و «ذيول العبر» (243) ، و «النجوم الزاهرة» (10/ 111) و «فوات الوفيات» (2/ 282) و «طبقات السبكي» : (9/ 276- 307) و «طبقات الإسنوي» : (1/ 457- 459) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 88- 92) و «الدرر الكامنة» (4/ 302) و «بغية الوعاة» (1/ 280) .

دقيق العيد، والتّقي بن رزين، وأبو اليمن بن عساكر. وأكب على طلب الحديث، وأتقنه، وشرع فيه، وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ، واشتهر اسمه، وطار صيته، وأخذ عنه أكابر عصره، وتقدموا في حياته كالشيخ تقي الدّين السبكي، وولديه، والجمال الإسنوي، وابن قاسم، وابن عقيل، والسمين، وناظر الجيش، والسّفاقسي، وابن مكتوم، وخلائق. قال الصفدي: لم أره قط إلا يسمع [1] أو يشغل أو يكتب، أو ينظر في كتاب. وكان ثبتا قيّما عارفا باللغة، وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما، خدم هذا الفن أكثر عمره حتّى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما [2] . وله اليد الطّولى في التفسير والحديث وتراجم الناس، ومعرفة طبقاتهم خصوصا المغاربة، وأقرأ الناس قديما وحديثا، وألحق الصغار بالكبار، وصارت تلامذته أئمة وشيوخا في حياته، والتزم أن لا يقرئ أحدا إلّا في «كتاب سيبويه» أو «التسهيل» أو مصنّفاته، وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدّة الشبيبة على التعرض لأستاذه [3] أبي جعفر بن الطّبّاع. وقد وقعت بينه وبين أبي جعفر بن الزّبير واقعة فنال منه وتصدّى لتأليف في الردّ عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان، فأمر بإحضاره وتنكيله، فاختفى ثم ركب البحر، ولحق بالمشرق. وقال السيوطي: ورأيت في كتابه «النضار» الذي ألّفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أنّ مما قوّى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان: إني قد كبرت وأخاف أن أموت فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم لينتفعوا من بعدي. قال أبو حيان: فأشير إلى أن أكون من أولئك ورتّب [4] لي راتب جيد وكسوة وإحسان فتمنّعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك.

_ [1] في «ط» : «يسبح» . [2] ليست اللفظة في «آ» . [3] في «ط» : «للأستاذ» . [4] في «ط» : «وترتب» .

قال الصفدي: وقرأ على العلم العراقي، وحضر مجلس الأصبهاني وتمذهب للشافعي، وكان أبو البقاء يقول: إنه لم يزل ظاهريا. وقال ابن حجر: كان أبو حيّان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه. وقال الأدفوي: كان يفخر [بالبخل كما] [1] يفخر الناس بالكرم [2] ، وكان ثبتا صدوقا حجّة، سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، ومال إلى مذهب أهل الظّاهر، وإلى محبّة علي بن أبي طالب، كثير الخشوع، والبكاء عند قراءة القرآن، وكان شيخا طوالا حسن النّغمة، مليح الوجه، ظاهر اللّون، مشربا بحمرة، منوّر الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر، وكان يعظم ابن تيمية، ثم وقع بينه وبينه في مسألة نقل سيبويه في تبيين موضع من كتابه فأعرض عنه، ورماه في تفسيره «النهر» بكل سوء. وقال الصفدي: وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم وهو الذي جسّر الناس على مصنفات ابن مالك، ورغّبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض لهم في لججها، وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب هذه نحو الفقهاء، تولّى تدريس التفسير بالمنصورية والإقراء بجامع الأقمر [3] ، وكانت عبارته فصيحة لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف، وله من التصانيف «البحر المحيط» في التفسير [، من التصانيف «البحر المحيط» في التفسير] [4] ، ومختصره «النهي وإتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب» و «التذييل» و «التّكميل في شرح التسهيل» ، و «مطوّل الارتشاف» ، ومختصره مجلدان، ولم يؤلّف في العربية أعظم من هذين الكتابين، ولا أجمع، ولا أحصى للخلاف والأحوال.

_ [1] ليس ما بين القوسين في «آ» . [2] في «آ» : «بآدم» وهو خطأ. [3] انظر «حسن المحاضرة» (2/ 254) . [4] شرع بنشره في المملكة العربية السعودية، وصدر منه مجلدان، ضمّ الأول منهما: تفسير سورة الفاتحة، وسورة البقرة، وضم الثاني تفسير سورة آل عمران.

قال السيوطي: وعليهما اعتمدت في كتابي «جمع الجوامع» ، نفع الله به. ومن مؤلفاته: «التّنحيل» الملخّص من «شرح التّسهيل» للمصنف وابنه بدر الدين، «والإسفار» الملخّص من شرح سيبويه للصّفّار، والتجويد لأحكام سيبويه، والتذكرة في العربية، أربع مجلدات كبار، «والتقريب» في مختصر المقرّب، «والتّدريب» في شرحه، و «المبدع في التّصريف» و «الارتضاء في الضاد والظاء» [1] و «عقد اللآلئ» في القراءات على وزن الشاطبية وقافيتها، و «الحلل الحالية في أسانيد القراءات العالية» و «نحاة الأندلس» و «الأبيات الوافية في علم القافية» و «منطق الخرس في لسان الفرس» و «الإدراك للسان الأتراك» و «زهو الملك في نحو التّرك» و «الوهّاج في اختصار المنهاج» للنووي، وغير ذلك مما لم يكمل ك «مجاني الهصر في تواريخ [2] أهل العصر» . ومن شعره [3] : عداي لهم فضل عليّ ومنّة ... فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا هم بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا ومنه [3] : سبق الدّمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحبّ عنّي نقله فأجاد [4] السّطور في صفحة الخد ... ولم لا يجيد وهو ابن مقله ومنه [3] : راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض وظنّ قوم أنّ قلبي سلا ... والأصل لا يعتدّ بالعارض مات بالقاهرة في ثامن عشر صفر، ودفن بمقبرة الصّوفية، رحمه الله تعالى.

_ [1] انظر «كشف الظنون» (1/ 61) . [2] في «ط» : «تاريخ» . [3] البيتان في «طبقات الشافعية» للسبكي (9/ 285) . [4] في «طبقات السبكي» : «وأجاد» .

سنة ست وأربعين وسبعمائة

سنة ست وأربعين وسبعمائة فيها توفي الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون [1] . ولي السلطنة سنة ثلاث وأربعين كما تقدم، وكان حسن الشكل. تزوج بنت أحمد بن بكتمر التي من بنت تنكز [وبنت طقز تمر نائب الشام] ، وكان يميل إلى السّود، مع العفة وكراهة الظلم والمثابرة على المصالح. وكان أرغون العلائي زوج أمّه مدبّر دولته ونائب مصر آق سنقر السلّاري. ومات الصالح في ربيع الآخر، وله نحو عشرين سنة، ومدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر. وهو الذي عمّر البستان بالقلعة، وكانت أيامه طيبة، والناس في دعة وسكون خصوصا بعد قتل أخيه أحمد، واستقر عوض الصالح شقيقه الكامل شعبان. وفيها أبو بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام [2] بن علي بن منصور بن قوام، الشيخ العالم الصالح القدوة، نجم الدين البالسيّ [3] الأصل، الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قوام. ولد في ذي القعدة سنة تسعين وستمائة. وسمع وتفقه وكان شيخ زاوية والده، ودرّس في آخر عمره بالرّباط الناصري، وحدّث وسمع منه الحسيني وآخرون.

_ [1] ترجمة (الملك الصالح) في «ذيول العبر» (248) و «النجوم الزاهرة» (10/ 78) و «البداية والنهاية» 14/ 16) و «الدرر الكامنة» (1/ 380) والأخير هو مصدر المؤلف وعنه الاستدراكات. [2] ترجمة (ابن قوام) في «ذيول العبر» (252) و «الدّرر الكامنة» (460) و «الدارس» (1/ 120) . [3] البالسي: نسبة إلى بالس وهي بلدة بالشام بين حلب والرّقّة، «معجم البلدان» (1/ 328) .

قال ابن كثير: كان رجلا حسنا جميل المعاشرة، فيه أخلاق وآداب حسنة، وعنده فقه ومذاكرة ومحبة للعلم. مات في رجب، ودفن بزاويتهم إلى جانب والده. وفيها فخر الدّين أحمد بن الحسن بن يوسف، الإمام العلّامة الجاربردي الشافعي [1] ، نزيل تبريز أحد شيوخ العلم [2] المشهورين بتلك البلاد والتصدي لشغل الطلبة. أخذ عن القاضي ناصر الدّين البيضاوي، وشرح «منهاجه» و «الحاوي الصغير» ولم يكمله، وشرح «تصريف ابن الحاجب» . وله على «الكشّاف» [3] حواشي مفيدة. قال السّبكي: كان إماما فاضلا ديّنا خيّرا وقورا مواظبا على الاشتغال بالعلم، وإفادة الطلبة [وجدّه يوسف أحد شيوخ العلم المشهورين بتلك البلاد والتصدّي لشغل الطلبة] [4] . وله تصانيف معروفة [5] ، وعنه أخذ الشيخ نور الدّين الأردبيلي وغيره. توفي صاحب الترجمة بتبريز في شهر رمضان. وفيها تاج الدّين [6] علي بن عبد الله بن أبي الحسن الأردبيلي [7] التّبريزي الشافعي [8] ، المتضلّع بغالب الفنون من المعقولات والفقه والنحو والحساب والفرائض.

_ [1] ترجمة (الجاربردي) في «مرآة الجنان» (4/ 307) ، و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (9/ 8- 17) و «طبقات الإسنوي» (1/ 394) و «الدرر الكامنة» (1/ 132) ، و «بغية الوعاة» (1/ 303) و «البدر الطالع» (1/ 303) ، و «معجم المؤلفين» (1/ 198) . [2] في «آ» : «أحد شيوخ العالم» . [3] في «آ» : «وله على الكشف» . [4] سقط ما بين القوسين من «آ» . [5] في «ص» : «محرفة» . [6] ليست لفظتا «تاج الدين» من «آ» . [7] نسبته إلى أردبيل وهي من أشهر مدن أذربيجان بينها وبين تبريز سبعة أيام. [8] ترجمة (الأردبيلي) في «طبقات السبكي» (10/ 137) و «طبقات الإسنوي» (1/ 321- 322)

ولد سنة سبع وستين وستمائة، وأخذ عن قطب الدّين الشيرازي، وعلاء الدين النّعماني الخوارزمي وغيرهما، ودخل بغداد سنة ست عشرة. وحجّ ثم دخل مصر سنة اثنتين وعشرين. قال الذهبي: هو عالم كبير شهير، كثير التلامذة، حسن الصيانة، من مشايخ الصوفية. وقال السّبكي: كان ماهرا في علوم شتّى وعني بالحديث بأخرة وصنّف في التفسير والحديث والأصول والحساب، ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم. وقال الإسنوي: واظب العلم فرادى وجماعة، وجانب الملك، فلم يسترح قبل قيامته ساعة، كان عالما في علوم كثيرة من أعرف الناس ب «الحاوي الصغير» . وقال غيره: قرأ «الحاوي» كلّه سبع مرات في شهر واحد، وكان يرويه عن علي بن عثمان العفيفي عن مصنّفه، وتخرّج به جماعة، منهم برهان الدّين الرّشيدي، وناظر الجيش، وابن النّقيب. وتوفي بالقاهرة يوم الأحد تاسع عشري شهر رمضان، ودفن بتربته التي أنشأها قريبا من الخانقاة الدويدارية. وفيها مجد الدّين أبو الحسن عيسى بن إبراهيم بن محمد الماردي [1]- بكسر الراء نسبة إلى ماردة جدّ- النحويّ الشاعر. قال في «الدّرر» : تفقه على أحمد بن مندل ومهر واختصر «المعالم» للرازي. ومات في المحرم وهو في عشر السبعين. وفيها أسد الدين رميثة- بمثلثة مصغر- أبو عرادة [2] بن أبي نميّ- بالنون مصغر- محمد بن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة الحسني [3] .

_ و «الدرر الكامنة» (3/ 143) و «حسن المحاضرة» (1/ 315) و «بغية الوعاة» (2/ 171) . [1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (3/ 200- 201) . [2] في «آ» : «عرارة» . [3] ترجمته في «ذيول العبر» (226) و «الدرر الكامنة» (3/ 422- 423) .

ولي إمرة مكة مع أخيه، ثم استقل سنة خمس عشرة، ثم قبض عليه في ذي الحجة سنة ثمان عشرة، فأجرى الناصر عليه في الشهر ألفا، ثم هرب بعد أربعة أشهر، فأمسكه شيخ عرب آل حديث بعقبة إيلة، فسجن إلى أن أفرج عنه في محرم سنة عشرين، وردّ إلى مكة فلما كان في سنة إحدى وثلاثين تحارب هو وأخوه عطية، ثم اصطلحا، وكثر ضرر الناس منهما، ثم بلغ الناصر أنه أظهر مذهب الزيدية، فأنكر عليه، وأرسل إليه عسكرا. فلم يزل أمير الحاج يستميله حتى عاد، ثم أمنه السلطان فرجع إلى مكة، ولبس الخلعة، ثم حج الناصر سنة اثنتين وثلاثين، فتلقاه رميثة إلى ينبع، فأكرمه الناصر، واستقرّ رميثة وأخوه إلى أن انفرد رميثة سنة ثمان وثلاثين، ثم نزل عن الإمرة لولديه ثقبة وعجلان إلى أن مات. وفيها الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون الصّالحي. ولي السلطنة وعمره خمس سنين تقريبا، وذلك في أواخر سنة اثنتين وأربعين، واستمر مدة يسيرة وقوصون مدبر المملكة إلى أن حضر الناصر أحمد من الكرك فخلع وأدخل الدور إلى أن مات في هذه السنة في أيام أخيه الكامل شعبان، وله من العمر نحو الاثنتي عشرة سنة. وفيها ضياء الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي الشافعي القاضي [1] . ولد بمنية القائد [2] سنة خمس وخمسين وستمائة، وسمع من جماعة، وأخذ الفقه عن ابن الرّفعة وطبقته، وقرأ النحو على البهاء بن النّحّاس، والأصول على الأصفهاني. والقرافي، وأفتى وحدث، ودرّس بقبّة الشافعي وغيرها. وولي وكالة بيت المال، ونيابة الحكم بالقاهرة. قال الإسنوي: ووضع على «التنبيه» شرحا مطوّلا. وكان ديّنا مهيبا، سليم الصدر، كثير الصمت والتعميم [3] ، لا يحابي أحدا منقطعا عن الناس.

_ [1] ترجمة المناوي «في «طبقات الإسنوي» (2/ 466) و «الدرر الكامنة» (3/ 285- 286) . [2] منية القائد منسوبة إلى القائد فضل وهي في أول الصعيد قبلي الفسطاط وبينها وبين مدينة مصر يومان. «معجم البلدان» (5/ 219) . [3] في «آ» : «التصميم» .

وتوفي في رمضان ودفن بالقرافة. وفيها بدر الدين محمد بن محيي الدين يحيى [1] بن فضل الله [2] كاتب السر. ولد سنة عشر وسبعمائة وتعانى صناعة أبيه، وكان في خدمته بدمشق ومصر، وهو شقيق شهاب الدّين، وأرسله أخوه علاء الدّين إلى دمشق، فباشر كتابة السرّ بها عوضا عن أخيه شهاب الدين، وذلك في رجب سنة ثلاث وأربعين، وكان أحبّ إخوته إلى أبيه وأخيه شهاب الدّين، وكان عاقلا فاضلا ساكنا كثير الصمت، حسن السيرة، أحبّه الناس، وتوفي في رجب، والله أعلم.

_ [1] في «ط» و «آ» : «محمد بن محيي الدين بن يحيى» وهو خطأ. [2] انظر «ذيول العبر» (252- 253) و «النجوم الزاهرة» (10- 143) و «الدرر الكامنة» 4/ 282) .

سنة سبع وأربعين وسبعمائة

سنة سبع وأربعين وسبعمائة فيها خلع ثم قتل الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون [1] . قال في «الدرر» : ولي السلطنة سن ستّ وأربعين في ربيع الآخر، بعد أخيه الصالح، فاتفق أنه لما [2] ركب من باب النصر إلى الإيوان، لعب به الفرس، فنزل عنه، ومشى خطوات حتّى دخل إيوان دار العدل، فتطيّر الناس، وقالوا لا يقيم إلا قليلا، فكان كذلك، ثم باشر السلطنة بمهابة فخافه الأمراء والأجناد، لكنه أقبل على اللهو والنساء، وصار يبالغ في تحصيل الأموال، ويبذرها عليهم، وولع بلعب الحمام، وسهل في النزول عن الإقطاعات فثار عليه يلبغا بدمشق، وأشاع خلعه معتمدا على أن الناصر كان أوصاه، وأوصى غيره أنه من تسلطن من أولاده ولم يسلك الطريقة المرضية، فجروا برجله، وملكوا غيره، فلما بلغ الكامل جهز إليه عسكرا فاتفق الأمراء والأجناد وأصحاب العقد والحل في جمادى الأولى من هذه السنة، فخلع ثم خنق في يوم الأربعاء ثالث الشهر المذكور وقرروا أخاه المظفّر حاجي. وفيها سيف الدّين أبو بكر ابن عبد الله الحريري [3] الشافعي [4] . قال في «الدرر» : سمع من الحجّار، وقرأ بالروايات، ومهر في النحو، وولي تدريس الظاهرية البرانية، ومشيخة النحو بالناصرية. وذكره الذهبي في «المختص» وقال فيه: الإمام المحصّل، ذو الفضائل.

_ [1] انظر «الدرر الكامنة» (2/ 190) و «حسن المحاضرة» (2/ 118- 119) . [2] ليست اللفظة في «ط» . [3] ترجمه في «وفيات ابن رافع» (1/ 233) و «الدرر الكامنة» (1/ 445) و «الدارس» (1/ 46) و «بغية الوعاة» (1/ 469) . [4] ليست اللفظة في «آ» .

سمع وكتب وتعب واشتغل وأفاد سمع مني وتلا بالسّبع وأعرض عن أشياء من فضلات العلم. توفي في ربيع الأول ودفن بالصوفية. وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الكريم بن قاضي القضاة محيي الدين يحيى [1] بن الزكي [2] . ولد سنة أربع وستين وستمائة. وسمع من الفخر، وحدث، وكان من أعيان الدمشقيين، وبقية أهل بيته وكان أول ما درس سنة ست وثمانين بالمجاهدية، وولي مشيخة الشيوخ، سنة ثلاث وسبعمائة، لما تركها الشيخ صفيّ الدين الهندي، وكان رئيسا محتشما توفي في شوّال. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن عيسى الخضري [3] القاضي الشافعي [4] . خرج من مصر صحبة القاضي علاء الدين القونوي، وقد تضلّع من العلوم، وولي قضاء بعلبك مدة، ثم نقل إلى قضاء صفد، ثم تركه، وولي قضاء حمص. قال ابن رافع: وحمدت [5] سيرته، وكان فاضلا وأشغل الناس ببعلبك وصفد وحمص. وقال العثماني: قاضي صفد في «طبقات الفقهاء» : شيخي وأستاذي وأجلّ من لقيت في عيني، أحد مشايخ المسلمين والفقهاء المحقّقين والحفّاظ المتقنين، والأذكياء البارعين، والفضلاء الجامعين، والحكام الموفّقين، والمدّرسين الماهرين. قال: ولما ولي صفد أحياها ونشر العلم بها، ودرّس بها التدريس البديع، الذي لم يسمع مثله، وكان طريقه جدا، لا يعرف الهزل، ولا يذكر أحد عنده [6] بسوء.

_ [1] في «آ» : «محيي الدّين بن يحيي» وهو خطأ. [2] ترجمته في «ذيول العبر» (256- 257) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 404) و «الدارس» (2/ 158) . [3] في «آ» : «الحصري» وهو تحريف. [4] ترجمته في «وفيات ابن رافع» : (2/ 31- 32) و «الدرر الكامنة» (3/ 492) . [5] في «آ» : «حمدت» من غير الواو. [6] في «آ» «ولا يذكر عنده أحد» .

توفي بحمص في شعبان. وفيها شمس الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن نمير بن السّراج [1] . قال ابن حجر: قرأ على نور الدين الكفتي، وعلي المكين الأسمر وغيرهما. وغني بالقراءات، وكتب الخطّ المنسوب، وحدّث عن شامية بنت البكري وغيرها، وتصدّر للإقراء، وانتفع الناس به، وكان سليم الباطن، يعرف النحو ويقرئه. مات في شعبان وله سبع وسبعون سنة. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة [2] أخو الشيخ تقي الدّين. ولد سنة ثلاث وستين وستمائة بحرّان، وحضر على أحمد بن عبد الدائم، وسمع من ابن أبي اليسر والقاسم الإربلي، والقطب بن أبي عصرون، في آخرين. وجمع له منهم البرزالي ستة وثمانين شيخا. وكان يتعانى التجارة، وهو خيّر ديّن، حبس نفسه مع أخيه بالإسكندرية ودمشق محبة له وإيثارا لخدمته، ولم يزل عنده ملازما معه للتلاوة والعبادة إلى أن مات الشيخ، وخرج هو، وكان مشهورا بالديانة والأمانة وحسن السيرة، وله فضيلة ومعرفة. مات في ذي القعدة. قاله ابن حجر. وفيها أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي [3]- بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب. ملك تونس نحو ثلاثين سنة. توفي في رجب واستقر بعده ابنه أبو حفص عمر.

_ [1] ترجمته في «وفيات ابن رافع» (1/ 236) و «غاية النهاية» (2/ 256) و «الدرر الكامنة» (4/ 232- 233) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 508) و «بغية الوعاة» (1/ 235) . [2] ترجمته في «ذيول العبر» (259) و «الدرر الكامنة» (2/ 329) . [3] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 177) .

سنة ثمان وأربعين وسبعمائة

سنة ثمان وأربعين وسبعمائة قتل في ثالث عشر شعبانها الملك المظفر سيف الدّين حاجي بن محمد بن قلاوون [1] . ولد وأبوه في الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وولي السلطنة في العام الذي قبل هذا، كما تقدم، واتّفق رخص الأسعار في أول ولايته، ففرح الناس به، لكن انعكس مزاجهم عليه بلعبه وإقباله على اللهو والشغف بالنساء، حتّى وصلت قيمة عصبة حظيّته التي على رأسها مائة ألف دينار، وصار يحضر الأوباش بين يديه، يلعبون بالصراع وغيره، وكان مرة يلعب بالحمام فدخل عليه بعض الأمراء، ولامه وذبح منها طيرين، فطار عقله، وقال لخواصه: إذا دخل علي [2] فبضّعوه بالسيف، فسمعها بعض من يميل إليه، فحذّره، فجمع الأمراء وركب فبلغ ذلك المظفّر، فخرج فيمن بقي معه، فلما تراءى الجمعان ضربه بعض الخدم بطبر من خلفه، فوقع وكتّفوه ودخلوا به إلى تربة هناك، فقتلوه ثم قرّروا أخاه الناصر حسن مكانه في رابع عشر شعبان. قاله ابن حجر. وفيها كمال الدّين أبو الفضل جعفر بن ثعلب [3] بن جعفر بن الإمام العلّامة الأدفوي [4]- بضم الفاء نسبة إلى أدفو [5] بلد بصعيد مصر- الشافعي. ولد في شعبان سنة خمس وثمانين وقيل خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث بقوص والقاهرة، وأخذ المذهب والعلوم عن علماء ذلك العصر، منهم ابن دقيق العيد.

_ [1] ترجمته في «ذيول العبر» (267) ، و «الدرر الكامنة» (2/ 3- 5) . [2] في «ط» : «إلى» . [3] في «آ» و «ط» : «تغلب» وهو خطأ. انظر مصادره وانظر تعليق الزركلي في «الأعلام» (2/ 122) . [4] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (10/ 237) و «طبقات الإسنوي» (1/ 170) و «الدرر الكامنة» (2/ 172) و «حسن المحاضرة» (1/ 320) و «البدر الطالع» (1/ 182) . [5] قال ياقوت: إنها تقع بين أسوان وقوص. «معجم البلدان» (1/ 126) .

قال أبو الفضل العراقي: كان من فضلاء أهل العلم، صنّف تاريخا للصعيد [1] ، ومصنّفا في حل السّماع سمّاه «كشف القناع» وغير ذلك. وقال الصلاح الصفدي: صنّف «الإمتاع في أحكام السماع» و «الطالع السعيد في تاريخ الصّعيد» و «البدر السّافر في تحفة المسافر» في التاريخ انتهى. توفي في صفر بمصر ودفن بمقابر الصّوفية. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور ابن وزير المقدسي الشافعي [2] . ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبا، وقرأ على التّاج الفزاري، وولده برهان الدّين، وبرع في الفقه واللغة والعربية، وسمع الحديث الكثير بدمشق والقدس، ودرّس بالأسدية، وبحلقة صاحب حمص، وسمع منه الذهبي. وذكره في «المعجم المختص» : فقال: الإمام الفقيه المتقن المحدّث بقيّة السّلف. قرأ بنفسه، ونسخ أجزاء، وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن، وأعاد بالبادرائية، ثم تحوّل إلى القدس ودرّس بالصلاحية [ثم] تغيّر وجفّ دماغه في سنة اثنتين وأربعين. وكان إذا سمع عليه في حال تغيّره يحضر ذهنه. وكان يستحضر العلم جيدا. توفي بالقدس في شهر رمضان. وفيها الإمام الحافظ شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الذهبي [3] . قال التاج السّبكي في «طبقاته الكبرى» : شيخنا وأستاذنا محدّث العصر،

_ [1] اسمه «الطالع السعيد في نجباء الصعيد» وقد طبع بمصر بتحقيق الأستاذ سعد محمد حسن. [2] ترجمته في «معجم الشيوخ» (2/ 21) و «المعجم المختص» ص (163) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 40- 41) و «الدرر الكامنة» (3/ 99) . [3] ترجمة (الذهبي) في «ذيول العبر» (268) و «ذيل تذكرة الحفاظ» (34- 38) و «الوافي بالوفيات»

اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ وبينهم عموم وخصوص: المزّي، والبرزالي، والذّهبي، والشيخ الوالد، لا خامس لهم في عصرهم، فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة أمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها، وكان محطّ رحال تغبّيت ومنتهى رغبات من تغبّيت. تعمل المطيّ إلى جواره، وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خرّجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنّا أفضل الجزاء، وجعل حظّه من عرصات الجنان موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم، يذعن له الكبير والصغير من الكتب، والعالي والنازل من الأجزاء. كان مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة. وأجاز له أبو زكريا بن الصّيرفي، والقطب بن عصرون، والقاسم الإربلي وغيرهم. وطلب الحديث، وله ثمان عشرة سنة، فسمع بدمشق من عمر بن القواس، وأحمد بن هبة الله بن عساكر، ويوسف بن أحمد الغسولي، وغيرهم. وببعلبك من عبد الخالق بن علوان، وزينب بنت عمر بن كندي، وغيرهما. وبمصر من الأبرقوهي، وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب، وشيخ الإسلام بن دقيق العيد، والحافظين أبي محمد الدمياطي، وأبي العبّاس بن الظّاهري، وغيرهم. ولما دخل على شيخ الإسلام ابن دقيق العيد وكان المذكور شديد التّحري في الأسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام. قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ قال له: المخلّص. فقال: أحسنت، وقال:

_ (2/ 163) ، و «فوات الوفيات» (3/ 315) و «طبقات الشافعية الكبرى» . (9/ 100- 123) . و «طبقات الإسنوي» (1/ 558- 559) و «الدرر الكامنة» (3/ 336- 338) و «الدارس» و (1/ 78) و «القلائد الجوهرية» ص (328- 329) و «الدليل الشافي» (2/ 591) .

من أبو محمد الهلالي: قال سفيان بن عيينة. قال: أحسنت، اقرأ، ومكّنه من القراءة حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء. وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد العراقي، وأبي الحسين يحيى بن أحمد بن الصوّاف، وغيرهما. وبمكة من التّوزري وغيره. وبحلب من سنقر الزّيني وغيره. وبنابلس من العماد بن بدران. وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم. وسمع منه الجمّ الكثير، وما زال يخدم هذا الفنّ حتّى رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلّا أنه لا يتقلّص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال. وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السّؤالات من كل ناد، وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهو به الدّنيا وما فيها، طورا تراها ضاحكة عن تبسّم أزهارها، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والافتخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود من سكانها. توفي رحمه الله تعالى ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة بالمدرسة المنسوبة لأم الصّالح في قاعة سكنه، ورآه الوالد قبل المغرب، وهو في السياق، ثم سأله أدخل وقت المغرب، فقال له الوالد: ألم تصلّ العصر؟ فقال: نعم ولكن لم أصلّ المغرب إلى الآن. وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله، ومات بعد العشاء قبل نصف الليل، ودفن بباب الصغير. حضرت الصلاة عليه ودفنه، وكان قد أضرّ قبل موته بمدة يسيرة. أنشدنا شيخنا الذّهبي من لفظه لنفسه: تولّى شبابي كأن لم يكن ... وأقبل شيب علينا تولّى ومن عاين المنحنى والنّقى ... فما بعد هذين إلا المصلّى

انتهى ما قاله السّبكي ملخصا. وقال ابن تغري بردي في «المنهل الصافي» بعد ترجمة حسنة: وله أوراد هائلة، وتصانيف كثيرة مفيدة: منها «تاريخ الإسلام الكبير» في أحد وعشرين مجلدا، ومختصره «سير النبلاء» [1] في عدة مجلدات كثيرة، ومختصر «العبر في خبر من غبر» ومختصر آخر سمّاه «الدول [2] الإسلامية» ، ومختصره الصغير المسمى ب «الإشارة» [3] ، ومختصره أيضا وسمّاه «الإعلام بوفيات الأعلام» [4] واختصر «تهذيب الكمال» للمزي، وسمّاه «تذهيب التهذيب» واختصر منه أيضا [5] مجلدا سمّاه «الكاشف» . وله «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» و «المغني في الضعفاء» مختصره ومختصر آخر، قبله، و «النبلاء في شيوخ السّنّة» مجلدا، و «المقتنى في سرّ الكنى» و «طبقات الحفّاظ» مجلدين، و «طبقات مشاهير القرّاء» مجلد، و «التاريخ الممتع» في ستة أسفار، و «التجريد في أسماء الصحابة» و «مشتبه النّسبة» واختصر «أطراف المزّي» واختصر «تاريخ بغداد للخطيب» واختصر «تاريخ ابن السمعاني» واختصر «وفيات المنذري» و «الشريف النّسابة» ، واختصر «سنن البيهقي» على النصف من حجمها مع المحافظة على المتون، واختصر «تاريخ دمشق في عشر مجلدات» واختصر «تاريخ نيسابور للحاكم» واختصر «المحلّى» لابن حزم، واختصر «الفاروق» لشيخ الإسلام الأنصاري، وهذّبه، واختصر كتاب «جواز السماع» لجعفر الأدفوي، واختصر «الزّهد» للبيهقي، و «القدر» له، و «البعث» له، واختصر «الردّ على الرافضة» لابن تيميّة مجلد، واختصر «العلم [6] لابن عبد البر» واختصر «سلاح المؤمن» في الأدعية، وصنّف «الروع والأدجال في بقاء الدجال»

_ [1] وقد طبع هذا الكتاب في مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق عدد كبير من الأساتذة، وقد أشرف على تحقيقه وخرّج أحاديثه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله تعالى. [2] في «آ» : «بالدول» . [3] طبع هذا الكتاب بتحقيق صديقنا الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، ونشرته حديثا دار ابن الأثير ببيروت. [4] طبع هذا الكتاب بتحقيق الصديقين الفاضلين رياض عبد الحميد مراد وعبد الجبّار زكّار. [5] كذا في «آ» : «واختصر منه أيضا» . وفي «ط» : «واختصر أيضا منه» . [6] في «آ» «المعلم» وهو المعروف ب «جامع بيان العلم وفضله» .

وكتاب «كسروثن رتن الهندي» وكتاب «الزيادة المضطربة» وكتاب «سيرة الحلّاج» وكتاب «الكبائر» [1] وكتاب «تحريم أدبار النساء» كبيرة وصغيرة، وكتاب «العرش» وكتاب «أحاديث الصفات» وجزء «في فضل آية الكرسي» وجزء في «الشفاعة» وجزءان في «صفة النار» ، و «مسألة السماع» جزء، و «مسألة الغيب» ، وكتاب «رؤية الباري» وكتاب «الموت» وما بعده، و «طرق أحاديث النزول» ، وكتاب «اللّباس» ، وكتاب «الزلازل» و «مسألة دوام النار» وكتاب «التمسك بالسنن» وكتاب «التلويح بمن سبق ولحق» وكتاب «مختصر في القراءات» وكتاب «هالة البدر في أهل بدر» وكتاب «تقويم البلدان» وكتاب «ترجمة السّلف» و «دعاء المكروب» وجزء «صلاة التّسبيح» و «فضل الحج وأفعاله» و «كتاب معجم شيوخه الكبير» و «المعجم الأوسط» و «المعجم الصغير» و «المعجم المختص» . وله عدة تصانيف أخر [2] أضربت عنها لكثرتها. وقال الصفدي: ذكره الزّملكاني بترجمة حسنة، وقال أنشدني من لفظه لنفسه وهو تخيل جيد إلى الغاية: إذا قرأ الحديث عليّ شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلي [3] فما جازى بإحسان لأنّي ... أريد حياته ويريد قتلي ثم قال وأنشدني أيضا: العلم قال الله قال رسوله ... إن صحّ والإجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين الرسول وبين رأي فقيه انتهى.

_ [1] نشرته دار ابن كثير بتحقيق الأستاذ الفاضل محيي مستو وأعيد طبعه عدة مرات. [2] ليست اللفظة في «آ» . ومن مصنفاته أيضا «الأمصار ذوات الآثار» وقد قمت بتحقيقه ونشرته دار ابن كثير منذ سنوات. [3] في «آ» . إذا قرأ علي الحديث شخص ... وأخلى موضعا لوفاة نسلي والشطر الأول مختلّ الوزن، وقافية «ط» أفضل.

وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله ابن أبي الفرج بن أبي الحسن بن سرايا بن الوليد الحرّاني [1] نزيل مصر الفقيه الحنبلي القاضي، ويعرف بابن الحبّال. ولد بعد السبعين وستمائة تقريبا، وسمع من العزّ الحرّاني، وابن خطيب المزة، والشيخ نجم الدين بن حمدان، وغيرهم، وتفقه وبرع وأفتى وأعاد بعدة مدارس، وناب في الحكم بظاهر القاهرة. وصنّف تصانيف عديدة منها «شرح الخرقي» ، وهو مختصر جدا، وكتاب «الفنون» . وحدّث وروى عنه جماعة منهم ابن رافع، وكان حسن المحاضرة ليّن الجانب لطيف الذات ذا ذهن ثاقب. توفي في تاسع عشر ربيع الآخر. وفيها عزّ الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي [2] الخطيب، الصالح القدوة ابن الشيخ العزّ. ولد في رجب سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدائم والكرماني وغيرهما، وتفقّه قديما بعمّ أبيه الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، ودرّس بمدرسة جدّه الشيخ أبي عمر، وخطب بالجامع المظفّري دهرا، وكان من الصالحين الأخيار المتفق عليهم. وعمّر وحدّث بالكثير، وخرّجوا له «مشيخة» في أربعة أجزاء. ذكره الذهبي في «معجم شيوخه» فقال: كان فقيها عالما خيّرا متواضعا على طريقة سلفه. توفي يوم الاثنين عشري رمضان، ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر.

_ [1] ترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 442- 443) . [2] ترجمته في «ذيول العبر» (266) و «معجم الشيوخ» (2/ 131) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 441- 442) و «الدارس» (2/ 97) و «القلائد الجوهرية» (1/ 81) .

وفيها جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد البصّال [1]- بالباء الموحدة- اليمني الشافعي. تفقه على الفقيه عبد الرحمن بن شعبان، وصحب الشيخ عمر الصفار، ووضع شرحا على «التنبيه» وسئل أن يلي قضاء عدن، فامتنع وأخذ عنه الشيخ عبد الله اليافعي، ولبس منه خرقة التصوف. قال الإسنوي [2] : وكان صاحب كشف وكرامات ومشاهدات. وفيها قوام الدّين أبو محمد مسعود بن برهان الدّين محمد بن شرف الدين الكرماني الحنفي الصوفي [3] . قال في «الدرر» : ولد سنة أربع وستين وستمائة، واشتغل في تلك البلاد، ومهر في الفقه والأصول والعربية، وكان نظّارا بحّاثا. وقدم دمشق فظهرت فضائله، ثم قدم القاهرة، وأشغل الناس بالعلم، وله النظم الرائق، والعبارة الفصيحة. أخذ عنه البرزالي، وابن رافع، ومات في منتصف شوال.

_ [1] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (2/ 579) و «الدرر الكامنة» (3/ 377) . [2] في «طبقات الإسنوي» : «كان صاحب كشف ومشاهدات مات بعدن سنة خمس وأربعين وسبعمائة» . [3] ترجمته في «وفيات ابن رافع» : (1/ 248) و «النجوم الزاهرة» (10/ 183) و «الدرر الكامنة» (4/ 351) و «بغية الوعاة» (2/ 286) .

سنة تسع وأربعين وسبعمائة

سنة تسع وأربعين وسبعمائة فيها كان الطّاعون العام الذي لم يسمع بمثله، عمّ سائر الدنيا، حتّى قيل: إنه مات نصف الناس حتى الطّيور، والوحوش، والكلاب، وعمل فيه ابن الوردي مقامة عظيمة، ومات فيه كما يأتي قريبا. وفيها مات برهان الدّين إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري الشافعي النحوي [1] العلّامة. مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتفقّه على العلم العراقي، وقرأ القراءات على التقي بن الصائغ، وأخذ النحو عن الشيخين بهاء الدّين بن النحّاس، وأبي حيّان، والأصول عن الشيخ تاج الدّين البارنباري. والمنطق عن السيف البغدادي، وسمع وحدّث ودرّس وأفتى، وأشغل [2] بالعلم، وولي تدريس التفسير بالقبة المنصورية بعد موت الشيخ أبي حيّان، وتصدّر مدة، وعيّن لقضاء المدينة المشرفة، فلم يفعل، وممن أخذ عنه القاضي محبّ الدّين ناظر الجيش والشيخان زين الدّين العراقي وسراج الدين بن الملقّن. قال الصفدي: أقرأ الناس في «أصول ابن الحاجب» و «تصريفه» وفي «التسهيل» وكان يعرف الطب والحساب وغير ذلك. توفي بالقاهرة شهيدا بالطّاعون في شوال أو في ذي القعدة. وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري المقرئ النحوي [3] .

_ [1] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (10/ 234) و «الوافي» (6/ 164) ، و «طبقات السبكي» (9/ 399) ، و «طبقات الإسنوي» (1/ 602) و «غاية النهاية» (1/ 38) ، و «بغية الوعاة» (1/ 434) . [2] في «ط» : «واشتغل» . [3] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (1/ 459) و «الدرر الكامنة» (1/ 29- 30) و «بغية الوعاة» (1/ 451) .

أخذ عن ابن النحّاس وتلا على التقي الصائغ وابن الكفتي، ولازم درس أبي حيّان، وأخذ عنه الناس، وكان حسن التعليم، وسمع الحديث من الدّمياطي والأبرقوهي. مولده سنة نيف وسبعين وستمائة. ومات في الطاعون العام في ذي القعدة. وفيها علاء الدّين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي [1] . قال ابن قاضي شهبة: الشيخ الإمام السبكي ثم النووي- نسبة إلى نوى من أعمال القليوبية- وكان خطيبا بها تفقّه على الشيخ عز الدين النسائي وغيره، وكتب شرحا على «التنبيه» في أربع مجلدات، وصنّف كتابا آخر، فيه ترجيحات مخالفة لما رجّحه الرافعي والنووي. قال الزين العراقي: كان رجلا صالحا صاحب أحوال ومكاشفات، شاهدت ذلك منه غير مرة، وكان سليم الصدر، ناصحا للخلق، قانعا باليسير، باذلا للفضل بل لقوت يومه مع حاجته إليه. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن قيس الإمام العلّامة الشافعي المعروف بابن الأنصاري وابن الظهير [2] ، فقيه الديار المصرية وعالمها. ولد في حدود الستين وستمائة، وأخذ عن الضياء جعفر وخلق، وبرع في المذهب، وسمع من جماعة ودرّس وأفتى أشغل بالعلم، وشاع اسمه، وبعد صيته، وحدث بالقاهرة والإسكندرية. قال السبكي: لم يكن بقي من الشافعية أكبر منه. وقال الإسنوي: كان إماما في الفقه والأصلين، ومات وهو شيخ الشافعية بالديار المصرية، وكان فصيحا إلّا أنه لا يعرف النحو، فكان يلحن كثيرا. وقال الزين العراقي في «ذيله» : فقيه القاهرة، كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شمس الدّين بن عدلان.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 11- 12) . [2] ترجمته في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 11- 12) و «طبقات الإسنوي» (1/ 176) و «الدرر الكامنة» (1/ 296) .

توفي شهيدا بالطاعون يوم الأضحى أو يوم عرفة. وفيها تاج الدّين أبو محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن محمد القيسي الحنفي النحوي [1] . قال في «الدّرر» : ولد في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وأخذ النحو عن البهاء بن النحّاس، ولازم أبا حيّان دهرا طويلا، وأخذ عن السّروجي وغيره، وتقدّم في الفقه والنحو واللغة ودرّس، وناب في الحكم، وكان سمع من الدّمياطي اتفاقا قبل أن يطلب، ثم أقبل على سماع الحديث، ونسخ الأجزاء، والرواية عنه عزيزة، وقد سمع منه ابن رافع. وذكره في «معجمه» . وله تصانيف حسان منها «الجمع بين العباب والمحكم» في اللغة، و «شرح الهداية» في الفقه، و «الجمع المنتقاة في أخبار اللغويين والنحاة» ، عشر مجلدات وكأنه مات عنها مسودة فتفرقت شذر مذر. قال السيوطي: وهذا الأمر هو أعظم باعث لي على اختصار «طبقاتي الكبرى» في هذا المختصر يعني «طبقات النحاة» [2] . ومن تصانيفه «شرح مختصر ابن الحاجب» وشرح شافيته، وشرح «الفصيح» ، و «الدّر اللقيط من البحر المحيط» مجلدات، و «التذكرة» ثلاث مجلدات، سمّاها «قيد الأوابد» . توفي في الطاعون في رمضان. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلّي القرشي العمري [3] الشافعي القاضي الكبير الإمام الأديب البارع.

_ [1] ترجمته في «الوافي بالوفيات» (7/ 74- 76) و «الجواهر المضية» (192) و «الدرر الكامنة» (1/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 268) و «بغية الوعاة» (1/ 326- 329) و «الطبقات السنية» (1/ 381- 383) . [2] المعروف ب «بغية الوعاة» . [3] ترجمته في «المعجم المختص» «ذيول العبر» (275) و «النجوم» (10/ 334) و «الوافي» (7/ 252) و «فوات الوفيات» (1/ 157) و «وفيات ابن رافع» (1/ 282- 283) و «البداية والنهاية» (14/ 229) و «الدرر الكامنة» (1/ 331) و «حسن المحاضرة» (1/ 571) .

ولد بدمشق في شوال سنة سبعمائة، وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة، وتخرّج في الأدب بوالده وبالشّهاب محمود، وأخذ الأصول عن الأصفهاني، والنحو عن أبي حيّان، والفقه عن البرهان الفزاري، وابن الزّملكاني وغيرهما، وباشر كتابة السرّ بمصر نيابة عن والده، ثم إنه فاجأ السلطان بكلام غليظ، فإنه كان قويّ النفس، وأخلاقه شرسة، فأبعده السلطان، وصادره وسجنه بالقلعة، ثم ولي كتابة السرّ بدمشق، وعزل ورسم عليه أربعة أشهر، وطلب إلى مصر، فشفع فيه أخوه علاء الدّين، فعاد إلى دمشق واستمر بطّالا إلى أن مات، ورتّبت له مرتّبات كثيرة، وصنف كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» في سبعة وعشرين مجلدا، وهو كتاب جليل ما صنّف مثله، وفواضل السمر في فضائل عمر، أربع مجلدات، والتعريف بالمصطلح، وله ديوان في المدائح النبوية وغير ذلك. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» . وقال ابن كثير: كان يشبّه بالقاضي الفاضل في زمانه، حسن المذاكرة، سريع الاستحضار، جيد الحفظ، فصيح اللسان، جميل الأخلاق، يحب العلماء والفقراء. توفي شهيدا بالطاعون يوم عرفة. وفيها بدر الدّين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري [1] المولد النحوي اللغوي الفقيه المالكي البارع المعروف بابن أم قاسم، وهي جدته أم أبيه واسمها زهراء. وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة. فكانت شهرته تابعة لها. ذكر ذلك العفيف المطري في «ذيل طبقات القراء» . قال: وأخذ النحو والعربية عن أبي عبد الله [2] الطنجي، والسرّاج الدّمنهوري، وأبي زكريا الغماري، وأبي حيّان، والفقه عن الشرف المقيلي المالكي، والأصول عن الشيخ

_ [1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (2/ 32- 33) و «حسن المحاضرة» (1/ 536) و «بغية الوعاة» (1/ 517) . [2] في «آ» : «عبيد الله» وانظر «الدرر الكامنة» (2/ 32) .

شمس الدين بن اللبان، وأتقن العربية والقراءات على المجد إسماعيل التستري، وصنف وتفنن، وأجاد. وله شرح «التسهيل» وشرح «المفصّل» وشرح «الألفية» و «الجنى الدّاني في حروف المعاني» وغير ذلك، وكان تقيا صالحا مات يوم عيد الفطر. وفيها الإمام علاء الدّين طيبرس الجندي [1] النحوي. قال الصّفدي: هو الشيخ الإمام العالم الفقيه النحوي. أقدم من بلاده إلى البيرة، فاشتراه بعض الأمراء بها، وعلّمه الخط والقرآن، وتقدم عنده وأعتقه، فقدم دمشق، وتفقّه بها، واشتغل بالنحو واللغة والعروض والأدب والأصلين حتى فاق أقرانه، وكان حسن المذاكرة، لطيف المعاشرة، كثير التلاوة، والصلاة بالليل. صنّف «الطرفة» جمع فيها بين الألفية والحاجبية، وزاد عليها وهي تسعمائة بيت، وشرحها، وكان ابن عبد الهادي يثني عليها وعلى شرحها. ولد تقريبا سنة ثمانين وستمائة، ومات بالطاعون العام. ومن شعره: قد بتّ في قصر حجاج فذكّرني ... بضنك عيشة من في النار يشتعل بقّ يطير وبقّ في الحصير سعى ... كأنّه ظلل من فوقه ظلل وفيها زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن الوردي [2] المعرّي [3] الحلبي الشافعي. كان إماما بارعا في اللغة والفقه والنحو والأدب مفننا في العلم، ونظمه في الذروة العليا والطبقة القصوى، وله فضائل مشهورة. قرأ على الشرف البارزي وغيره. وصنف «البهجة» في نظم «الحاوي الصغير» ، و «شرح ألفية ابن مالك» ، و «ضوء

_ [1] ترجمته في «الدرر الكامنة» (2/ 228- 229) . [2] ترجمة (ابن الوردي» في «النجوم الزاهرة» (10/ 240) و «فوات الوفيات» (3/ 157- 160) و «طبقات السبكي» (10/ 373) ، و «الدرر الكامنة» (3/ 195- 197) . [3] في «آ» : «المصري» وانظر مصادره.

الدرة» على «ألفية ابن معطي» ، و «اللباب في علم [1] الإعراب» ، و «تذكرة الغريب» في النحو نظما، و «منطق الطير» في التصوف، وغير ذلك، وله مقامات في الطاعون العام. واتفق أنّه مات بأخرة في سابع ذي الحجة بحلب، والرواية عنه عزيزة. قال ابن شهبة: له مقدمة في النحو اختصر فيها الملحة سماها «التحفة» وشرحها، وله تاريخ حسن مفيد، وأرجوزة في تعبير المنامات، وديوان شعر لطيف، ومقامات مستظرفة. وناب في الحكم بحلب في شبيبته عن الشيخ شمس الدّين بن النّقيب، ثم عزل نفسه، وحلف لا يلي القضاء، لمنام رآه وكان ملازما للاشغال والاشتغال والتصنيف. شاع ذكره واشتهر بالفضل اسمه. وقال الصفدي: بعد ترجمة طويلة حسنة شعره أسحر من عيون الغيد، وأبهى من الوجنات ذوات التوريد. وقال السبكي: شعره أحلى من السّكّر المكرّر، وأغلى قيمة من الجوهر. وقال السويطي: ومن نظمه [2] : لا تقصد القاضي إذا أدبرت ... دنياك واقصد من جواد كريم كيف ترجّي الرزق من عند من ... يفتي بأنّ الفلس مال عظيم وله [2] : سبحان من سخّر لي حاسدي ... يحدث لي في غيبتي ذكرا لا أكره الغيبة من حاسد ... يفيدني الشّهرة والأجرا وقال وقد مر به غلام جميل له قرط: مرّ بنا [3] مقرطق ... ووجهه يحكي القمر هذا أبو لؤلؤة ... منه خذوا ثأر عمر

_ [1] ليست اللفظة في «آ» . [2] التبيان في «فوات الوفيات» . [3] ليست اللفظة في المطبوع.

وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الحرّاني ثم الدمشقي الفقيه الفرضي القاضي الحنبلي [1] ، أخو شرف الدين محمد. ولد سنة خمس وثمانين وستمائة، وسمع من يوسف بن الغسولي وغيره بالقاهرة وغيرها، ودخل بغداد وأقام بها ثلاثة أيام، وتفقه وبرع في الفقه والفرائض، ولازم الشيخ تقي الدّين، وغيره، وولي نيابة الحكم عن ابن منجّى. وكان ديّنا خيّرا، حسن الأخلاق، متواضعا، بشوش الوجه، متثبتا، سديد الأقضية، والأحكام. حدث ابن شيخ السّلامية عنه أنه قال: لم أقض قضية إلا وأعددت لها الجواب بين يدي الله. وذكره الذهبي في «المختص» فقال: عالم ذكيّ خيّر وقور متواضع بصير بالفقه والعربية. سمع الكثير، وتخرج بابن تيميّة وغيره. توفي شهيدا بالطاعون. وفيها صفي الدين أبو عبد الله الحسين بن بدران بن داود البابصري [2] البغدادي الخطيب الفقيه الحنبلي المحدّث النحوي الأديب. ولد آخر نهار عرفة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وسمع الحديث متأخرا، وعني بالحديث، وتفقه وبرع في العربية والأدب، ونظم الشعر الحسن، وصنّف في علوم الحديث، وغيرها واختصر «الإكمال» لابن ماكولا. قال ابن رجب [3] : وقرأت عليه بعضه وسمعت بقراءته «صحيح البخاري» على الشيخ جمال الدّين مسافر بن إبراهيم الخالدي، وحضرت مجالسه كثيرا.

_ [1] ترجمته في «المعجم المختص» (181) و «ذيول العبر» (4/ 151) و «النجوم الزاهرة» (10/ 240) ، و «وفيات ابن رافع» (2/ 86) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 443) و «الدرر الكامنة» (3/ 166- 167) . [2] ترجمته في «وفيات ابن رافع» (1/ 276) ، و «ذيل تذكرة الحنابلة» (2/ 443) و «الدرر الكامنة» (2/ 53) . [3] في ذيل ابن رجب: «واختصر الإكمال لابن ماكولا وعلقه في حياته وقرأ عليه بعضه وسمعت ... » .

وتوفي يوم الجمعة سابع عشري رمضان ببغداد مطعونا، ودفن بمقبرة باب حرب. وفيها أبو الخير سعيد ابن عبد الله الدّهلي [1] الحريري الحنبلي [2] الحافظ المؤرخ، مولى الصّدر صلاح الدّين عبد الرحمن بن عمر الحريري. سمع ببغداد من الدّقوقي وخلق، وبدمشق من زينب بنت الكمال وأمم، وبالقاهرة والإسكندرية وبلدان شتّى، وعني بالحديث وأكثر من السماع والشيوخ، وجمع تراجم كثيرة لأعيان أهل بغداد، وخرّج الكثير وكتب بخطّه الرديء كثيرا. قال الذهبي: له رحلة [إلى مصر] [3] ، وعمل جيد، وهمة في التاريخ، ويكثر المشايخ والأجزاء، وهو ذكي، صحيح الذهن، عارف بالرجال، حافظ. انتهى. وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي الأزجي البزار الفقيه الحنبلي [4] . المحدّث. ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة تقريبا، وسمع من إسماعيل بن الطّبّال، وابن الدواليبي وجماعة، وعني بالحديث، وقرأ الكثير، ورحل إلى دمشق، فسمع بها صحيح البخاري على الحجّار بالحنبلية، وأخذ عن الشيخ تقي الدّين ابن تيميّة، وحج مرارا، ثم أقام بدمشق، وكان حسن القراءة ذا عبادة وتهجّد. وصنّف كثيرا في الحديث وعلومه، ثم توجّه إلى الحجّ في هذه السنة فتوفي بمنزلة حاجر، قبل الوصول إلى الميقات، ومعه نحو خمسين نفسا بالطاعون، وذلك صبيحة يوم الثلاثاء حادي عشري ذي القعدة، ودفن بتلك المنزلة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الذهلي» وانظر مصادره. [2] ترجمته في «المعجم المختص» (104) و «ذيول العبر» (277) و «وفيات ابن رافع» (2/ 111- 112) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 445) و «الدرر الكامنة» (2/ 134- 135) . [3] بعدها في «المعجم المختص» : «وعمل جيد وتميّز في التاريخ وتكثير المشائخ والأجزاء ومعرفة الرجال» . [4] ترجمته في «المعجم المختص» (183) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 444- 445) و «الدرر الكامنة» (3/ 180) .

وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبّان المصري الشافعي الإمام [1] العلّامة. ولد سنة خمس وثمانين وستمائة. وسمع الحديث بدمشق والقاهرة من جماعة وتفقّه بابن الرّفعة وغيره، وصحب في التصوّف الشيخ ياقوت العرشي المقيم بالإسكندرية، ودرّس بقبة الشافعي وغيرها. وله مؤلفات منها «ترتيب الأم» للشافعي، ولم يبيّضه، واختصر «الروضة» ولم يشتهر لغلاقة لفظه، وجمع كتابا في علوم الحديث، وكتابا في النحو، وله تفسير لم يكمّله، وله كتاب «متشابه القرآن والحديث» تكلّم فيه على طريقة الصّوفية. قال الإسنوي: كان عارفا بالفقه والأصلين والعربية، أديبا شاعرا ذكيا فصيحا، ذا همة وصرامة وانقباض عن الناس. وقال الحافظ زين الدين العراقي: أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل، امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه، وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني، وادّعى عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس وتعصّب عليه بعض الحنابلة، وتخرج به جماعة من الفضلاء. توفي شهيدا بالطاعون في شوال. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق [2] بن داود، المعروف بابن عدلان الكناني المصري [3] شيخ الشافعية. ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من جماعة، وتفقه على ابن السّكّري وغيره، وقرأ الأصول على القرافي وغيره، والنحو على ابن النحّاس، وبرع في العلوم، وحدّث، وأفتى، وناظر، ودرّس بعدة أماكن، وأفاد وتخرّج به جهات، وشرح «مختصر المزني» شرحا مطولا لم يكمله.

_ [1] ترجمته في «الوافي» (2/ 168) و «طبقات الأسنوي» (2/ 370) و «مرآة الجنان» (4/ 333) و «الدرر الكامنة» (3/ 330- 331) و «حسن المحاضرة» (1/ 428) . [2] في «آ» : «لاجين» . [3] ترجمته في «طبقات الإسنوي» (2/ 237) و «الوافي» (2/ 168) و «الدرر الكامنة» (3/ 333- 334) و «حسن المحاضرة» (1/ 428) .

قال الإسنوي: كان فقيها، إماما يضرب به المثل في الفقه، عارفا بالأصلين والنحو والقراءات، ذكيا، نظّارا، فصيحا، يعبّر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة، مع السّرعة والاسترسال، ديّنا سليم الصّدر، كثير المروءة. وقال غيره: كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شهاب الدّين بن الأنصاري، وولي قضاء العسكر في أيام الناصر أحمد. وتوفي في ذي القعدة. وفيها عماد الدّين محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى البلبيسي المصري الشافعي [1] . أخذ الفقه عن ابن الرّفعة وغيره، وسمع من الدّمياطي وغيره، وولي قضاء الإسكندرية، ثم امتحن وعزل، وكان صبورا على الاشتغال، ويحثّ على الاشتغال ب «الحاوي» . قال الإسنوي: كان من حفّاظ مذهب الشافعي، كثير التولّع بالألغاز الفروعية، محبا للفقراء، شديد الاعتقاد فيهم. وقال الزّين العراقي: انتفع به خلق كثير من أهل مصر والقاهرة. توفي شهيدا في شعبان بالطّاعون. وفيها تقي الدّين محمد المعروف بابن الببائي ابن قاضي ببا الشافعي [2] . تفقه على العماد البلبيسي وابن اللبان وغيرهما من فقهاء مصر. ذكره الزين العراقي في «وفياته» فقال: برع في الفقه، حتّى كان أذكر فقهاء المصريين، له مع فقه النّفس والدّين المتين والورع. وكان يكتسب بالمتجر، يسافر إلى الإسكندرية مرّتين أو مرّة، ويشغل بجامع عمرو بغير معلوم. وكان يستحضر «الرافعي» و «الروضة» ويحلّ «الحاوي الصغير» حلّا حسنا.

_ [1] ترجمته في «طبقات السبكي» (9/ 128) ، و «طبقات الإسنوي» (1/ 295) ، و «الدرر الكامنة» (3/ 382) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 428) . [2] ترجمته في «الدرر الكامنة» (4/ 318) .

وصحب الشيخ أبا عبد الله بن الحاج وغيره من أهل الخير، وتوفي شهيدا بالطّاعون. وفيها شمس الدّين أبو الثّناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن علي الشّافعي [1] العلّامة الأصبهاني. ولد في شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة، واشتغل ببلاده، ومهر، وتميّز، وتقدم في الفنون، فبهرت فضائله، وسمع كلامه التّقي ابن تيميّة فبالغ في تعظيمه، ولازم الجامع الأموي ليلا، ونهارا مكبّا على التلاوة، وشغل الطلبة، ودرّس بعد ابن الزّملكاني بالرّواحية، ثم قدم القاهرة، وبنى له قوصون الخانقاه بالقرافة، ورتّبه شيخا لها. قال الإسنوي: كان بارعا في العقليات، صحيح الاعتقاد، محبّا لأهل الصّلاح، طارحا للتكلف. وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزّمان. صنف «تفسيرا كبيرا» وشرح «كافية ابن الحاجب» وشرح «مختصره الأصلي» وشرح «منهاج البيضاوي» و «طوالعه» وشرح «بديعية ابن السّاعاتي» وشرح «الساوية» في العروض، وغير ذلك. مات في ذي القعدة بالطّاعون، ودفن بالقرافة. وفيها محبّ الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن لب بن الصّايغ الأموي المرّي [2] . قال في «تاريخ غرناطة» : أقرأ النحو بالقاهرة إلى أن صار يقال له أبو عبد الله النّحوي، وكان قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش وغيره، ولازم أبا حيّان وانتفع بجاهه. وكان سهلا، دمث الأخلاق، محبا للطب، وتعانى الضّرب بالعود فنبغ فيه.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 172- 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 94) . [2] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 484) .

وقال في «الدّرر» : كان ماهرا في العربية واللغة، قيّما في العروض، ينظم نظما وسطا. توفي في رمضان بالطّاعون. وفيها يوسف بن عمر بن عوسجة العبّاسي النّحوي المقرئ [1] . ذكره الذهبي في «طبقات القراء» وأصحاب التّقي الصائغ. وقال في «الدّرر» : وكان شيخ العربية. انتهى.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 467) .

سنة خمسين وسبعمائة

سنة خمسين وسبعمائة في ربيعها الأول قتل أرغون شاه الناصري [1] . كان أبو سعيد أرسله إلى الناصر فحظي وتأمّر، وزوّجه بنت آق بغا عبد الواحد، ثم ولي الاستادارية في زمن المظفّر حاجي، ثم ولي نيابة صفد، ورجع إلى مصر، ثم ولي نيابة حلب، ثم دمشق، وتمكّن وبالغ في تحصيل المماليك والخيول، وعظم قدره، ونفذت كلمته في سائر الممالك الشامية والمصرية، ولم يزل على ذلك إلى أن برز أمر بإمساكه فأمسك وذبح، وكان خفيفا، قوي النّفس، شرس الأخلاق. قاله في «الدّرر» . وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي، ويعرف بالشّرقي [2] . قال ابن الزّبير: كان إماما في حفظ اللّغات وعلمها، لم يكن في وقته بالمغرب من يضاهيه أو يقاربه في ذلك، متقدما في علم العروض، مقصودا في الناس، مشكور الحال في علمه ودينه. انتهى. وفيها أبو العبّاس أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي الصّوفي [3] . قال الصّفدي: شيخ العربية بدمشق في زمانه، أخذ عن أبي حيّان،

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 350) . [2] انظر «بغية الوعاة» (1/ 416) . [3] انظر «بغية الوعاة» (1/ 309) .

وأبي جعفر بن الزّيّات، وكان منجمعا عن الناس، حضر يوما عند الشيخ تقي الدّين ابن السّبكي بعد إمساك تنكز بخمس سنين، فذكر إمساكه، فقال: وتنكز أمسك؟ فقيل له: نعم، وجاء بعده ثلاثة نواب أو أربعة، فقال: ما علمت بشيء من هذا. وكان بارعا في النحو، مشاركا في الفضائل، تلا على الصائغ، وشرح «التسهيل» واختصر «تهذيب الكمال» وشرع في تفسير كبير. مولده بعد التسعين وستمائة، ومات بعلّة الإسهال في ذي القعدة. وفيها جمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي [1] الحنبلي الفقيه الفرضي الأديب. ولد سنة سبع وسبعمائة تقريبا [2] ، وسمع الحديث على صفي الدّين بن عبد الحق، وعلي بن عبد الصّمد، وغيرهما. وتفقه على الشيخ صفي الدّين ولازمه وعلى غيره، وبرع في الفرائض والحساب، وقرأ الأصول، والعربية، والعروض، والأدب، ونظم الشعر الحسن، وكتب بخطّه الحسن كثيرا، واشتهر بالاشتغال والفتيا ومعرفة المذهب، وأثنى عليه فضلاء الطوائف. وكان صالحا، ديّنا، متواضعا، حسن الأخلاق، طارحا للتكلف. قال ابن رجب: حضرت دروسه وأشغاله غير مرّة، وسمعت بقراءته الحديث. وتوفي في طاعون سنة خمسين ببغداد بعد رجوعه من الحجّ. وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن خفاجا الصّفدي الشافعي [3] ، شيخ صفد مع ابن الرّسّام.

_ [1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 445- 446) . [2] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «تقديرا» . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 322) .

أخذ عن ابن الزملكاني وغيره. قال العثماني في «طبقاته» : كان ماهرا في الفرائض والوصايا، نقّالا للفروع الكثيرة، انقطع بقرية بقرب صفد يفتي ويصنّف ويتعبّد، ويعمل بيده في الزراعة لقوته وقوت أهله، ولا يقبل وظيفة ولا شيئا، وله مصنّفات كثيرة نافعة، منها «شرح التّنبيه» في عشر مجلدات، ومختصر في الفقه سمّاه «العمدة» وشرح «الأربعين» للنووي في مجلد ضخم، وغير ذلك، لكن لم يشتهر شيء منها. توفي بصفد. وفيها نجم الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي أبو القاسم وأبو محمد الأصفوني- بفتح الهمزة وبالفاء- الشافعي [1] . ولد بأصفون- بلدة في صعيد مصر- في سنة سبع وسبعين وستمائة، وتفقه على البهاء القفطي، وقرأ القراءات، وسكن قوص، وانتفع به كثيرون، وحجّ مرات من بحر عيذاب، آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وأقام بمكّة إلى أن توفي. قال الإسنوي: برع في الفقه وغيره، وكان صالحا، سليم الصّدر، يتبرّك به من يراه من أهل السّنّة والبدعة، اختصر «الرّوضة» وصنّف في الجبر والمقابلة. توفي بمنى ثاني [أيام] عيد الأضحى، ودفن بباب المعلاة. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدّين المنجّى بن عثمان بن أسعد بن المنجّى التّنوخي الحنبلي [2] قاضي القضاة. ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وسمع الكثير عن ابن البخاري وخلق، وولي القضاء من سنة اثنتين وثلاثين، وحدّث بالكثير. وقال ابن رجب: قرأت عليه «جزءا» فيه الأحاديث التي رواها مسلم في «صحيحه» عن الإمام أحمد بسماعه «الصحيح» من أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن أبي عصرون بإجازته من المؤيد.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 350) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 35) و «العقد الثمين» (5/ 415) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 447) و «الجوهر المنضد» ص (88- 89) .

توفي في شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون. وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محارب الصّريحي النّحوي المالقي بن أبي الجيش [1] . قال في «تاريخ غرناطة» : كان من صدور المقرئين. قائما على العربية، إماما في الفرائض والحساب، مشاركا في الفقه والأصول، وكثير من العقليات. أقرأ بمالقة، وشرع في تقييد على «التسهيل» في غاية الاستيفاء فلم يكمله. ومات في ربيع الآخر بعد أن تصدّق بمال جمّ، ووقف كتبه.

_ [1] انظر «الإحاطة» في «تاريخ غرناطة» (2/ 78- 79) و «الدّرر الكامنة» (4/ 248) و «بغية الوعاة» (1/ 235) . وقد تحرفت فيهما نسبته فلتصحح.

سنة إحدى وخمسين وسبعمائة

سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فيها توفي العلّامة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد ابن حريز الزّرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، بل المجتهد المطلق، المفسّر النّحويّ الأصولي، المتكلم، الشهير بابن قيم الجوزية [1] . قال ابن رجب: شيخنا. ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من الشّهاب النّابلسي وغيره، وتفقه في المذهب، وبرع، وأفتى، ولازم الشيخ تقي الدّين [2] وأخذ عنه، وتفنّن في علوم الإسلام. وكان عارفا بالتفسير، لا يجارى فيه، وبأصول الدّين. وإليه فيه المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك. وبالفقه وأصوله، والعربية، وله فيها اليد الطّولى، وبعلم الكلام، وغير ذلك. وعالما بعلم السّلوك وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم [ودقائقهم له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولي. قال الذهبي: في «المختص» : عني بالحديث] [3] ومتونه وبعض رجاله. وقد حبس مدة لإنكار شدّ الرّحال [4] إلى قبر الخليل. وتصدّر للإشغال ونشر العلم.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (269) و «الوافي بالوفيات» (2/ 270- 272) و «ذيول العبر» ص (282) و «البداية والنهاية» (14/ 234- 235) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 447- 452) و «الرد الوافر» ص (68- 69) و «النجوم الزاهرة» (10/ 299) و «الدليل الشافي» (2/ 583) و «الدّرر الكامنة» (3/ 400) و «المقصد الأرشد» (2/ 384- 385) و «بغية الوعاة» (1/ 62) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 90) و «البدر الطالع» (2/ 143- 146) . [2] يعني ابن تيميّة. [3] ما بين القوسين سقط من «ط» . [4] في «آ» و «ط» : «شدّ الرحيل» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .

وقال ابن رجب: وكان- رحمه الله- ذا عبادة وتهجّد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألّه، ولهج بالذّكر، وشغف بالمحبّة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته. لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني القرآن والحديث والسّنّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله. وقد امتحن وأوذي مرّات، وحبس مع الشيخ تقي الدّين في المرّة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه، ولم يفرج عنه إلّا بعد موت الشيخ. وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن وبالتدبّر والتفكّر، ففتح عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلّط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك. وحجّ مرّات كثيرة، وجاور بمكّة، وكان أهل مكّة يذكرون عنه من شدّة العبادة، وكثرة الطّواف أمرا يتعجّب منه، ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عليه «قصيدته النّونية» الطويلة في السّنّة [1] ، وأشياء من تصانيفه، وغيرها. وأخذ عنه العلم خلق كثير، من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به. وكان الفضلاء يعظّمونه ويسلّمون له، كابن عبد الهادي وغيره. وقال القاضي برهان الدّين الزّرعي عنه: ما تحت أديم السّماء أوسع علما منه. ودرّس بالصّدرية، وأمّ بالجوزية مدّة طويلة. وكتب بخطّه ما لا يوصف كثرة.

_ [1] أقول: وتسمى «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» وسيذكرها المؤلف باسمها هذا بعد قليل، وقد قام بطبعها المكتب الإسلامي بدمشق سنة (1382) هـ مع شرحها للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى الشرقي المتوفى سنة (1329) هـ، وهي تمثل عقيدة السّلف الصالح، وقد حذّر الشارح فيها من أهل وحدة الوجود، ومن الجهميين والمعطلين، وأثنى فيها على علماء أهل السّنّة والجماعة الذين ثبتوا على العقيدة الصحيحة (ع) .

وصنّف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلوم. وكان شديد المحبّة للعلم، وكتابته، ومطالعته، وتصنيفه، واقتناء كتبه. واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره. فمن تصانيفه كتاب «تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح مشكلاته، والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة» مجلد [1] ، كتاب «سفر الهجرتين وباب السعادتين» مجلد ضخم، كتاب «مراحل السائرين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» مجلدان، وهو شرح «منازل السائرين» لشيخ الإسلام الأنصاري، كتاب جليل القدر، كتاب «عقد محكم الاحقاء بين الكلم الطيّب والعمل الصّالح المرفوع إلى ربّ السماء» مجلد ضخم. كتاب «شرح أسماء الكتاب العزيز» مجلد، كتاب «زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء» مجلد، كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد» أربع مجلدات وهو كتاب عظيم جدا [2] ، كتاب «جلاء [3] الأفهام في ذكر الصّلاة والسلام على خير الأنام وبيان أحاديثها وعللها» مجلد [4] ، كتاب «بيان الدّليل على استغناء المسابقة عن التحليل» مجلد، كتاب «نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول» مجلد، كتاب «أعلام الموقعين عن ربّ العالمين» ثلاث مجلدات، كتاب «بدائع الفوائد» مجلدان،

_ [1] وقد طبع قبل سنوات في مصر بتحقيق العالمين الجليلين أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي رحمهما الله تعالى. [2] وهو من خيرة كتبه وقد طبع عدة مرات في مصر ولبنان والشام أفضلها التي قام بتحقيقها والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وزميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصدرت عن مؤسسة الرسالة ببيروت في خمس مجلدات وقد أعيد طبعها مصورة أكثر من عشرين مرة. وقام الأستاذ محمد أديب الجادر بإعداد فهارس تفصيلية لهذه الطبعة طبعت في مجلد مستقل ألحق بالمجلدات الخمس. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حلّ» . [4] وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان والكويت أفضلها التي صدرت بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط وزميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، عن مكتبة دار العروبة بالكويت، ثم بتحقيق الأستاذ محيي الدّين مستو عن دار ابن كثير بدمشق ودار التراث بالمدينة المنورة.

«الشافية الكافية في الانتصار للفرقة النّاجية» ، وهي القصيدة النّونية في السّنّة مجلد [1] ، كتاب «الصّواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة» مجلدان، كتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وهو كتاب صفة الجنّة مجلد [2] ، وكتاب «نزهة المشتاقين وروضة المحبين» مجلد [3] ، كتاب «الدّاء والدّواء» مجلد [4] ، كتاب «تحفة المودود في أحكام المولود» مجلد لطيف [5] ، كتاب «مفتاح دار السعادة» مجلد ضخم، كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية» مجلد، كتاب «مصايد الشيطان» مجلد، كتاب «الطّرق الحكمية» مجلد، «رفع اليدين في الصلاة» مجلد، «نكاح المحرم» مجلد، «تفضيل مكّة على المدينة» مجلد، «فضل العلم» مجلد، كتاب «عدة الصّابرين» مجلد، كتاب «الكبائر» مجلد، حكم تارك الصّلاة مجلد، «نور المؤمن وحياته» مجلد، «حكم إغمام هلال رمضان» مجلد، «التحرير فيما يحلّ ويحرم من لباس الحرير» مجلد، «إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان» مجلد، «إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان» مجلد، «جوابات عابدي الصّلبان وأن ما هم عليه دين الشيطان» مجلد، «بطلان الكيمياء من أربعين وجها» مجلد، «الرّوح» مجلد، «الفرق بين الخلة والمحبة ومناظرة الخليل لقومه» مجلد، «الكلم [6] الطيب والعمل الصالح» مجلد لطيف، «الفتح

_ [1] سبق التعريف بها قبل قليل من قبل والدي حفظه الله. انظر التعليق رقم (1) ص (288) . [2] وقد قام بتحقيقه حديثا الأستاذ الشيخ علي الشربجي بالاشتراك مع الأستاذ قاسم النوري، وهو قيد الطبع في مؤسسة الرسالة ببيروت كما ذكر لي. وقام بتحقيقه أيضا الأستاذ يوسف علي البديوي، وراجعه الأستاذ محيي الدّين مستو، ونشرته حديثا دار ابن كثير، ودار التراث بالمدينة المنورة. [3] المعروف بأن اسم الكتاب هو «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» وهو مطبوع في مصر قديما، ثم طبع في الشام بتحقيق الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله. [4] طبع عدة مرات في مصر ولبنان والشام، وأحسنها التي صدرت حديثا عن دار ابن كثير بتحقيق الأستاذ يوسف علي البديوي. [5] طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان، وأفضلها التي قام بتحقيقها والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وصدرت عن مكتبة دار البيان بدمشق عام 1391 هـ. وقد أعاد والدي حفظه الله تحقيق الكتاب منذ فترة قريبة وتقوم بطبعه الآن مكتبة عالم الكتب بالرياض في السعودية. [6] في «ط» : «الكلام» ولعله أراد كتابه «الوابل الصيب من الكلم الطيب» الذي قام بتحقيقه والدي

القدسي والتحفة المكية» ، كتاب «أمثال القرآن» ، «شرح الأسماء الحسنى» ، «أيمان القرآن» ، «المسائل الطرابلسية» مجلدان، «الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم» مجلدان، كتاب «الطاعون» مجلد لطيف. وغير ذلك. توفي- رحمه الله- وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب، وصلّي عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر، ثم بجامع جرّاح، ودفن بمقبرة الباب الصّغير. وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدّين [1]- رحمه الله- في النوم وسأله عن منزلته، فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر، ثم قال له: وأنت كدت تلحق بنا، ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة، رحمه الله. وفيها فخر الدّين أبو الفضائل وأبو المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم، الإمام العلّامة، فقيه الشام وشيخها ومفتيها، ابن الكاتب، المصري الأصل، الدمشقي الشافعي، المعروف بالفخر المصري [2] . ولد بالقاهرة سنة اثنتين، وقيل: إحدى وتسعين وستمائة، وأخرج إلى دمشق وهو صغير، وسمع الحديث بها وبغيرها، وتفقّه على الفزاري، وابن الوكيل، وابن الزّملكاني، وتخرّج به في فنون العلم، وأذن له في الإفتاء في سنة خمس عشرة، وأخذ الأصول عن الصّفي الهندي، والنحو عن مجد الدّين التّونسي، وأبي حيّان، وغيرهما. والمنطق عن الرّضي المنطيقي، والعلاء القونوي. وحفظ كتبا كثيرة، وحفظ «مختصر ابن الحاجب» في تسعة عشر يوما. وكان يحفظ في «المنتقى» كل يوم خمسمائة سطر. وناب في القضاء عن القزويني والقونوي، ثم ترك ذلك، وتفرّغ للعلم، وتصدّر للاشتغال والفتوى، وصار هو الإمام المشار إليه والمعوّل في

_ الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ونشرته مكتبة دار البيان بدمشق عام 1391 هـ. [1] يعني ابن تيميّة. [2] انظر «المعجم المختص» ص (246) «الوافي بالوفيات» (4/ 226) و «ذيول العبر» ص (284) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 188- 189) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 81- 84) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 138- 139) و «النجوم الزاهرة» (10/ 250) و «الدليل الشافي» (2/ 661- 662) و «الدّرر الكامنة» (4/ 51) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 245- 250) .

الفتوى عليه. وحجّ مرارا، وجاور في بعضها، وتعانى التجارة، وحصّل منها نعما طائلة، وحصلت له نكبة في آخر أيام تنكز، وصودر، وأخرجت عنه العادلية الصّغرى، والرّواحية. ثم بعد موت تنكز استعادهما. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: تفقّه وبرع، وطلب الحديث بنفسه، ومحاسنه جمّة. وكان من أذكياء زمانه. وقال الصلاح الكتبي: أعجوبة الزّمان. كان ابن الزّملكاني معجبا به وبذهنه الوقّاد، يشير إليه في المحافل، وينوّه بذكره، ويثني عليه. توفي في ذي القعدة، ودفن بمقابر باب الصغير قبلي قبّة القلندرية. وفيها، بل في التي قبلها، يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد الحارثي الكوفي النّحوي [1] . قال في «الدّرر» : ولد في شعبان سنة ثمان وسبعمائة، واشتغل بالكوفة، وبغداد، وصنّف «مفتاح الألباب» في النّحو، وقدم دمشق ومات بالكوفة.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 425- 426) و «بغية الوعاة» (2/ 341) .

سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة

سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة فيها توفي أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن دمسين اليمني [1] . قال الخزرجي في «تاريخ اليمن» : كان فقيها، نبيها، عالما، عارفا بالفقه وأصوله، والنحو واللغة، والحديث والتفسير. ورعا، زاهدا، صالحا، عابدا، متواضعا، حسن السيرة، قانعا باليسير، كثير الصّيام والقيام، وجيها عند الخاص والعام، يحبّ الخلوة والانفراد. تفقه، وجمع، وانتشر ذكره، وله كرامات، مات بزبيد. وفيها عماد الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الهادي [ابن عبد الحميد بن عبد الهادي] [2] بن يوسف بن محمد بن قدامة الصّالحي الحنبلي المقرئ [3] ، ولد الحافظ شمس الدّين المتقدم ذكره. سمع من الفخر بن البخاري، والشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وغيرهما. وسمع منه ابن رافع، والحسيني. وجمع، وتوفي في رابع صفر. وفيها أبو الحسن علي بن أبي سعيد [عثمان] بن يعقوب المرّيني [4] صاحب مراكش وفاس.

_ [1] ترجمته في كتاب «طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن» للخزرجي صاحب «العقود اللؤلؤية» وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما أعلم. [2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» . [3] انظر «الوافي بالوفيات» (7/ 159) و «ذيول العبر» ص (285) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 141) و «الدّرر الكامنة» (1/ 208) و «القلائد الجوهرية» (2/ 419) . [4] ترجمته في «الدّرر الكامنة» (3/ 85) و «النجوم الزاهرة» (10/ 251) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما، وقد نثر المقري أخباره في «نفح الطيب» انظر فهرسه.

وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن فتّوح الدّمنهوري [1] . قال الحافظ أبو الفضل العراقي: برع في النحو، والقراءات، والحديث، والفقه. وكان جامعا للعلوم. أخذ العربية عن الشّرف الشّاذلي، والقراءات عن التّقي الصّايغ، والأصول عن العلاء القونوي. والمعاني عن الجلال القزويني. والفقه عن النّور البكري. وسمع من الحجّار، والشّريف الموسوي. ودرّس وأفتى، وحدّث عنه أبو اليمن الطّبري. وقال الفارسي: توفي يوم الثلاثاء ثالث عشري ربيع الأول ومولده بعد ثمانين وستمائة. وفيها بهاء الدّين أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي الشافعي، المعروف بابن إمام المشهد [2] محتسب دمشق. ولد في ذي الحجّة سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع بدمشق، ومصر، وغيرهما. وكتب الطّباق بخطّه الحسن، وتلا بالسبع على الكفري وجماعة. وتفقّه على المشايخ برهان الدّين الفزاري، وابن الزّملكاني، وابن قاضي شهبة، وغيرهم. وأخذ النحو عن التونسي والقحفازي، وبرع في الحديث، والقراءات، والعربية، والفقه وأصوله. وأفتى، وناظر، ودرّس بعدة مدارس، وخطب بجامع التّوبة. وولي الحسبة ثلاث مرّات.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (185- 189) و «الدّرر الكامنة» (3/ 365) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (245) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الوافي بالوفيات» (4/ 222- 223) و «ذيول العبر» ص (285) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 153) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 84- 86) و «الدّرر الكامنة» (4/ 183- 184) .

ذكره الذهبي في «المختص» ، وقال ابن رافع: جمع مجلدات على «التمييز» للبارزي، وكتابا في «أحاديث الأحكام» في أربع مجلدات وناولني إيّاه. وتوفي في شهر رمضان، ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المرّاكشي المصري الشافعي [1] . ولد سنة إحدى، وقيل: ثلاث وسبعمائة، واشتغل بالقاهرة على العلاء القونوي وغيره من مشايخ العصر، وأخذ النحو عن أبي حيّان. وتفنّن في العلوم. وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة، وأعاد بقبّة الشافعي. وكان ضيّق الخلق، لا يحابي أحدا ولا يتحاشاه، فآذاه لذلك القاضي جلال الدّين القزويني أول دخوله القاهرة فلم يرجع، فشاور عليه السلطان، فرسم بإخراجه من القاهرة إلى الشّام مرسما عليه، فأقام بها. ودرّس بالمسرورية مدّة يسيرة، ثم أعرض عنها تزهّدا. قال الإسنويّ: حصّل علوما عديدة، أكثرها بالسّماع، لأنه كان ضعيف النّظر مقاربا للعمى. وكان ذكيا غير أنه كان عجولا محتقرا للناس، كثير الوقيعة فيهم. ولما قدم دمشق أقبل على الاشتغال والإشغال، وسماع الحديث، والتّلاوة، والنّظر في العلوم إلى الموت. وقال السّبكي: كان فقيها، نحويا، مفتيا، مواظبا على طلب العلم جميع نهاره وغالب ليله، يستفرغ فيه قواه ويدع من أجله طعامه وشرابه. وكان ضريرا، ولا نراه يفتر عن الطلب إلّا إذا لم يجد من يطالع له. توفي فجاءة في جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 147- 153) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 468) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 62) و «النجوم الزاهرة» (10/ 253) و «الدّرر الكامنة» (3/ 300) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 457) .

سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة

سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فيها على ما قاله في «ذيل الدّول» [1] قبض السلطان على الوزير علم الدّين بن زنبور، وصودر بعد الضّرب والعذاب، فكان المأخوذ منه من النّقد ما ينيف على ألفي ألف دينار، ومن أواني الذّهب والفضّة نحو ستين قنطارا، ومن اللؤلؤ نحو إردبّين، ومن الحياصات الذهب ستة آلاف، ومن القماش المفصّل نحو ألفين وستمائة قطعة، وخمسة وعشرين معصرة سكّر، ومائتي بستان، وألف وأربعمائة ساقية. ومن الخيل والبغال ألف. ومن الجواري سبعمائة، ومن العبيد مائة، ومن الطّواشية سبعين [2] ، إلى غير ذلك. وفي صفر كان الحريق العظيم بباب جيرون. وفيها توفي أمير المؤمنين أبو العبّاس الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي العبّاسي [3] . كان أبوه لما مات بقوص عهد إليه بالخلافة، فقدم الملك النّاصر عليه إبراهيم ابن عمّه لما كان في نفسه من المستكفي، وكانت سيرة إبراهيم قبيحة، وكان القاضي عزّ الدّين بن جماعة قد جهد كل الجهد في صرف السلطان عنه فلم

_ [1] ذكره الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» في الورقة (61) من المنسوخ منه، ويقوم بتحقيقه صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وقد فرغ من تحقيق المجلد الأول منه وهو تحت الطبع الآن في بيروت، وانظر «البداية والنهاية» (14/ 246) و «الدّرر الكامنة» (3/ 240- 241) . [2] في «الذيل التام على دول الإسلام» : «ستين» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (289) و «المنهل الصافي» (1/ 291) و «الدليل الشافي» (1/ 48) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الدّرر الكامنة» (1/ 137) و «تاريخ الخلفاء» ص (490- 500) .

يفعل، فلما حضرته الوفاة أوصى الأمراء بردّ الأمر إلى ولي عهد المستكفي ولده أحمد، فلما تسلطن المنصور عقد مجلسا وقال: من يستحق الخلافة؟ فاتفقوا على أحمد هذا، فخلع إبراهيم، وبايع أحمد، وبايعه القضاة، ولقّب الحاكم بأمر الله لقب جدّه. قال ابن فضل الله في «المسالك» : هو إمام عصرنا، وغمام مصرنا، قام على غيظ العدى وغرق بفيض النّدى، صارت له الأمور إلى مصائرها، وسيقت إليه مصائرها، فأحيا رسوم الخلافة، ورسم بما لم يستطع أحد خلافه، وسلك مناهج آبائه. وقد طمست، وأحياها بمناهج أبنائه وقد درست، وجمع شمل بني أبيه وقد طال بهم الشّتات، وأطال عذرهم وقد اختلفت السيآت، ورفع اسمه على ذرى المنابر وقد غبر مدة لا تطلع إلّا في أفاقه تلك النّجوم ولا تسحّ إلّا من سحبه تلك الغيوم والسّجوم، طلب بعد موت السّلطان وأنفذ حكم وصيته في تمام مبايعته والتزام متابعته. وكان أبوه قد أحكم له بالعقد المتقدم عقدها وحفظ له عند ذوي الأمانة عهدها. وذكر الشيخ زين الدّين العراقي: أن الحاكم هذا سمع الحديث على بعض المتأخرين، وأنه حدث. مات في الطّاعون في نصف السنة بمصر ودفن بها. وفيها أبو علي حسين بن يوسف بن يحيى ابن أحمد الحسيني السّبتي [1] نزيل تلمسان. قال في «تاريخ غرناطة» : كان [شريفا] ظريفا، شاعرا، أديبا، لوذعيّا، مهذّبا، له معرفة بالعربية، ومشاركة في الأصول والفروع، حجّ، ودخل غرناطة، وولي القضاء ببلاد مختلفة، ثم قضاء الجماعة بتلمسان.

_ [1] انظر «بغية الوعاة» (1/ 544) ولفظة «شريفا» مستدركة منه وهو المصدر الذي نقل المؤلف الترجمة عنه و «درّة الحجال» (1/ 244) .

ولد سنة ثلاث وستين وستمائة، ومات يوم الاثنين سابع عشر شوال. وفيها عضد الدّين عبد الرحمن بن أحمد ابن عبد الغفّار قاضي قضاة المشرق، وشيخ العلماء والشافعية بتلك البلاد الإيجي- بكسر الهمزة وإسكان التحتية ثم جيم- الشّيرازي [1] ، شارح «مختصر ابن الحاجب» وله المواقف. قال الإسنوي: كان إماما في علوم متعددة، محقّقا، مدقّقا، ذا تصانيف مشهورة، منها «شرح مختصر ابن الحاجب» و «المواقف والجواهر» وغيرها في علم الكلام. و «الفوائد الغياثية» في المعاني والبيان. وكان صاحب ثروة وجود وإكرام للوافدين عليه. تولى قضاء القضاة بمملكة أبي سعيد فحمدت سيرته. وقال السبكي: كان إماما في المعقولات، عارفا بالأصلين، والمعاني، والبيان، والنحو، مشاركا في الفقه، له في علم الكلام كتاب «المواقف» وغيره. وفي أصول الفقه «شرح المختصر» وفي المعاني والبيان «الفوائد الغياثية» . وكانت له سعادة مفرطة، ومال جزيل، وإنعام على طلبة العلم، وكلمة نافذة. مولده سنة ثمان وسبعمائة، وأنجب تلامذة، اشتهروا في الآفاق، مثل الشّمس الكرماني، والضّياء العفيفي، والسّعد التّفتازاني، وغيرهم. وقال التّفتازانيّ في الثناء عليه: لم يبق لنا سوى اقتفاء آثاره، والكشف عن خبيئات أسراره، بل الاجتناء من بحار ثماره، والاستضاءة بأنواره. توفي مسجونا بقلعة بقرب إيج [2] غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها واستمر محبوسا إلى أن مات.

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 46- 78) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 238) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 33) و «النجوم الزاهرة» (10/ 288) و «الدّرر الكامنة» (2/ 429- 430) و «بغية الوعاة» (2/ 75- 76) و «البدر الطالع» (1/ 326- 327) . [2] إيج: بلدة كثيرة البساتين والخيرات في أقصى بلاد فارس. انظر «معجم البلدان» (1/ 287) .

وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بليش العبدري الغرناطي النحوي [1] . قال في «تاريخ غرناطة» : كان فاضلا، منقبضا، متضلعا بالعربية، عاكفا عمره على تحقيق اللّغة. له في العربية باع مديد [2] ، مشاركا في الطبّ أثرى من التكسب بالكتب. وسكن سبتة مدّة، ورجع وأقرّ بغرناطة. وكان قرأ على ابن الزّبير، ومات في رجب. وفيها شهاب الدّين يحيى بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد القيسراني [3] أحد الموقّعين. ولد سنة سبعمائة، وورد مع أبيه من حلب فباشر أبوه توقيع الدّست، وباشر هو كتابة الإنشاء، وكان حسن الخلق جدا، تامّ الخلق، متواضعا، متودّدا، صبورا على الأذى، كثير التّجمّل في ملبوسه وهيئته، حتّى كان ابن فضل الله يقول: المولى شهاب الدّين جمّل الديوان. وكان يكتب قلم الرّقاع، قويا إلى الغاية، ثم باشر توقيع الدّست بعد أبيه سنة ست وثلاثين، ثم ولي كتابة السّرّ في نيابة تنكز، ثم أمسك وصودر، فلزم بيته مدة، ثم نقل إلى القاهرة، فكتب بها الإنشاء سنة [4] ، ما رأيت منه سوءا قطّ. وكان يتودد للصّالحين، ويكثر الصّوم والعبادة، ويصبر على الأذى، ولا يعامل صديقه وعدوه إلّا بالخير وطلاقة الوجه. مات بعلّة الاستسقاء بعد أن طال مرضه به في ثاني عشري رجب بدمشق، وصلّي عليه بالجامع الأموي بعد العصر.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 215- 216) و «بغية الوعاة» (2/ 233) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «باع شديد» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف. [3] انظر «ذيول العبر» ص (290) و «النجوم الزاهرة» (10/ 290) و «الدّرر الكامنة» (4/ 414) . [4] لفظة «سنة» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .

سنة أربع وخمسين وسبعمائة

سنة أربع وخمسين وسبعمائة فيها كما قال ابن كثير [1] : كان في ترابلس [2] بنت تسمى نفيسة، زوّجت بثلاثة أزواج ولا يقدرون عليها [يظنون أنها رتقاء] [3] فلما بلغت خمس عشرة سنة، غار ثدياها، ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليلا قليلا [4] إلى أن برز منه ذكر قدر أصبع وأنثيان، وكتب ذلك في محاضر. وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني، يعرف بابن الفخّار وبالإلبيري [5] النحوي. قال في «تاريخ غرناطة» أستاذ الجماعة، وعلم الصّناعة، وسيبويه العصر، وآخر [6] الطبقة من أهل هذا الفنّ. كان فاضلا، تقيا، منقبضا [7] ، عاكفا على العلم، ملازما للتدريس، إمام الأئمة من غير مدافع، مبرّزا، منتشر الذكر، بعيد الصّيت، عظيم الشّهرة، متبحّر العلم [8] ، يتفجّر بالعربية تفجّر البحر، ويسترسل استرسال القطر، قد خالطت

_ [1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 248) . [2] في «البداية والنهاية» «طرابلس» وهي المدينة المعروفة في شمال لبنان. [3] ما بين القوسين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [4] لفظة «قليلا» الثانية سقطت من «ط» . [5] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 57) و «بغية الوعاة» (2/ 174- 175) . [6] في «آ» و «ط» : «وأحد» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف. [7] في «بغية الوعاة» : «متعبدا» . [8] في «بغية الوعاة» : «مستبحر الحفظ» .

لحمه ودمه، ولا يشكل عليه منها مشكل، ولا يعوزه توجيه، ولا تشذّ عنه حجّة. جدّد بالأندلس ما كان قد درس من العربية من لدن وفاة أبي عليّ الشّلوبين. وكانت له مشاركة في غير العربية، من قراءة [1] ، وفقه، وعروض، وتفسير. وقلّ في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطلبة. وكان مفرط الطّول، نحيفا، سريع الخطو، قليل الالتفات والتعريج [2] ، جامعا بين الحرص والقناعة. قرأ على أبي إسحاق الغافقي، ولازمه، وانتفع به وبغيره. مات بغرناطة ليلة الاثنين ثاني عشر رجب. وفيها صدر الدّين محمد ابن علي بن أبي الفتح بن أسعد بن المنجّى الحنبلي [3] . حضر على زينب بنت مكّي [4] ، وسمع من الشّرف بن عساكر، وعمر بن القوّاس، وجماعة. وسمع منه الذهبي، والحسيني، وابن رجب. وحجّ مرارا. وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون. وفيها جمال الدّين أبو الحجّاج يوسف بن عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف ابن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي ثم الدمشقي [5] الحنبلي الشيخ، الإمام، العالم، العامل، العابد، الحبر. ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع «سنن ابن ماجة» من الحافظ ابن بدران النّابلسي، وسمع من التّقي سليمان وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى

_ [1] في «ط» : «من قراءات» . [2] في «آ» و «ط» : «والتغريج» والتصحيح من «بغية الوعاة» . [3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 158) و «الدّرر الكامنة» (4/ 58) و «المقصد الأرشد» (2/ 479) . [4] في «آ» : «بنت مملي» وفي «ط» : «بنت محلي» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» و «المقصد الأرشد» . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 149) و «الدّرر الكامنة» (4/ 463- 463) و «المقصد الأرشد» (3/ 141- 142) و «الجوهر المنضد» ص (180) .

المطعم، ووزيرة بنت المنجّى، وغيرهم. وسمع منه ابن كثير، والحسيني، وابن رجب. وكان من العلماء العبّاد الورعين، كثير التلاوة وقيام الليل، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومحبّة الحديث والسّنّة. توفي في العشر الأوسط من جمادى الآخرة ودفن بقاسيون .

سنة خمس وخمسين وسبعمائة

سنة خمس وخمسين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد الله الدمشقي القاضي الشافعي المعروف بالظّاهري [1] . مولده في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة. وسمع من جماعة، وتفقّه على الشيخ برهان الدّين الفزاري. وسمع منه البرزالي، والذهبي، وولده القاضي تقي الدّين. ودرّس بالأمجدية وغيرها. وأفتى، وولي قضاء الركب سنين كثيرة. وحجّ بضعا وثلاثين مرّة، وزار القدس أكثر من ستين مرة، وتوفي في شعبان ودفن بقاسيون. وفيها نجم الدّين أحمد بن قاضي القضاة عزّ الدّين محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] الخطيب بالجامع المظفّري. سمع من جدّه التّقي سليمان وغيره، وكان من فرسان الناس، وقلّ من كان مثله في سمته. توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (27- 28) و «الوافي بالوفيات» (7/ 139) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 171- 172) و «ذيول العبر» (299) و «النجوم الزاهرة» (10/ 298) و «الدليل الشافي» (1/ 52) و «الدّرر الكامنة» (1/ 167) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (298) و «الدّرر الكامنة» (1/ 267) و «المقصد الأرشد» (1/ 179) .

وفيها القاضي جمال الدّين أبو الطيّب الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن موسى بن تمّام الأنصاري الخزرجي السّبكي المصري ثم الدمشقي الشافعي [1] . ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأحضره أبوه التّقي السّبكي على جماعة من المشايخ، وسمع «البخاري» على الحجّار لمّا ورد مصر، وتفقه على والده وعلى الزّنكلوني وغيره، وأخذ النّحو عن أبي حيّان، والأصول عن الأصفهاني، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وثلاثين، ثم طلب الحديث بنفسه، فقرأ على المزّي، والذهبي، وغيرهما. ثم رجع إلى مصر، ثم عاد إلى الشام. وأفتى، وناظر، وناب عن والده في القضاء سنة خمس وأربعين، ودرّس بالشّامية البرّانية والعذراويّة، وغيرهما. قال ابن كثير: كان يحكم جيدا، نظيف العرض في ذلك، وأفتى وتصدّر، وكان لديه فضيلة. وقال أخوه في «الطبقات الكبرى» : كان من أذكياء العالم، وكان عجبا في استحضار «التسهيل» ودرّس بالأجر على «الحاوي الصغير» وكان عجبا في استحضاره، ومن شعره ملغزا ولعله في ريباس: يا أيّها البحر علما والغمام ندى ... ومن به أضحت الأيّام مفتخره أشكو إليك حبيبا قد كلفت به ... مورّد الخدّ سبحان الّذي فطره خمساه قد أصبحا في زيّ عارضه ... وفيه بأس شديد قلّ من قهره لا ريب فيه وفيه الرّيب أجمعه ... وفيه يبس ولين القامة النّضره وفيه كلّ الورى لمّا تصحّفه ... في ضيعة ببلاد الشّام مشتهره توفي في شهر رمضان قبل والده بسبعة أشهر، ودفن بتربتهم بقاسيون.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (88) و «ذيول العبر» ص (296- 297) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 411- 425) و «البداية والنهاية» (14/ 251) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 173- 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 25- 27) و «الدّرر الكامنة» (2/ 61- 63) .

وفيها زين الدّين أبو الحسن علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي، المعروف بابن شيخ العوينة [1] . كان جده الأعلى علي من الصّالحين، واحتفر عينا في مكان لم يعهد بالماء، فقيل له شيخ العوينة. ولد زين الدّين في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة، وقرأ القراءات على الشيخ عبد الله الواسطي الضّرير، وأخذ الشّاطبية عن الشيخ شمس الدّين بن الورّاق، وشرح «الحاوي» و «المختصر» ورحل إلى بغداد. وقرأ على جماعة من شيوخها. وسمع الحديث. وقدم دمشق وسمع بها من جماعة، ثم رجع إلى الموصل وصار من علمائها. وله تصانيف منها «شرح المفتاح» للسكّاكي، و «شرح مختصر ابن الحاجب» و «البديع لابن السّاعاتي» وغير ذلك. قال ابن حبيب: إمام، بحر علمه محيط، وظل دوحه بسيط، وألسنة معارفه ناطقة، وأفنان فنونه باسقة. كان بارعا في الفقه وأصوله، خبيرا بأبواب كلام العرب وفصوله، نظم كتاب «الحاوي» وشنّف سمع الناقل والرّاوي، وبينه وبين الشيخ صلاح الدّين الصّفدي مكاتبات. قال ابن حجر: وشعره أكثر انسجاما وأقل تكلفا من شعر الصّفدي. توفي بالموصل في شهر رمضان. وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن بن القبابي الحنبلي [2] . سمع من عيسى المطعم وغيره، وكان مشهورا بالصّلاح، كريم النّفس، كبير

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 136) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 177- 178) و «تذكرة النّبيه» (3/ 185) و «الدليل الشافي» (1/ 454) و «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 43- 44) و «الدّرر الكامنة» (3/ 43- 45) و «بغية الوعاة» (2/ 161) و «البدر الطالع» (1/ 442) . [2] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 297) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 178- 179) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 425) و «الدّرر الكامنة» (3/ 168) و «المقصد الأرشد» (2/ 302- 303) .

القدر، جامعا بين العلم والعمل. اشتغل وانتفع بابن تيميّة، ولم ير على طريقه في الصّلاح مثله، وخرّج له الحسيني مشيخة، وحدّث بها ومات ببيت المقدس. وفيها ناصر الدّين خطيب الشّام محمد بن أحمد [بن أحمد] [1] بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي [2] . ولد سنة ثمانين وستمائة، وسمع على الفخر بن البخاري مشيخته، ومن «جامع الترمذي» . وكان أحد العدول بدمشق. توفي مستهل ربيع الآخر. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن المهيني [3] . سمع من ابن البخاري، ومن التّقي سليمان، وحدّث، وكان بشوش الوجه، حسن الشكل، كثير التّودد للناس، وفيه تساهل للدنيا، وصحب الشيخ تقي الدّين ابن تيمية. وتوفي في رابع شوال بدمشق ودفن بالباب الصغير. قاله العليمي.

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 167- 168) و «الدّرر الكامنة» (3/ 309) . [3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 166) و «الدّرر الكامنة» (3/ 409) و «المقصد الأرشد» (2/ 383- 384) .

سنة ست وخمسين وسبعمائة

سنة ست وخمسين وسبعمائة في شهر ربيع الآخر منها أمطر [1] ببلاد الرّوم برد زنة الواحدة نحو رطل وثلثي رطل بالحلبي [2] . وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يوسف بن محمد وقيل عبد الدائم، المعروف بابن السّمين، وقال السيوطي في «طبقات النّحاة» : ويعرف بالسمين الحلبي ثم المصري [3] الشافعي النحوي المقرئ الفقيه العلّامة. قرأ النحو على أبي حيّان، والقراءات على ابن الصّايغ. وسمع وولي تصدير إقراء النحو بالجامع الطولوني، وأعاد بالشافعي، وناب في الحكم بالقاهرة، وولي نظر الأوقاف بها، ولازم أبا حيّان إلى أن فاق أقرانه، وسمع الحديث من يونس الدّبوسي، وله تفسير القرآن في نحو عشرين مجلدا و «إعراب القرآن» ألّفه في حياة شيخه أبي حيّان وناقشه فيه كثيرا، وشرح «التسهيل» وشرح «الشّاطبية» وغير ذلك. مات في جمادى الآخرة بالقاهرة. وفيها محيي الدّين أبو الرّبيع سليمان بن جعفر الإسنوي المصري الشافعي [4] .

_ [1] في «ط» : «مطر» . [2] وقد ذكر هذا الخبر بتوسع في «الذيل التام على دول الإسلام» في الورقة (74) من المنسوخ. [3] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 321) و «ذيول العبر» ص (309) و «الدّرر الكامنة» (1/ 339) و «بغية الوعاة» ص (402) . [4] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 179) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 28) و «الدّرر الكامنة» (2/ 145) .

ولد في أوائل سنة سبعمائة، وأفتى ودرّس، واشتغل، وأشغل. ذكره ابن أخته جمال الدّين الأسنوي في «طبقاته» وقال: كان فاضلا، مشاركا، في علوم [كثيرة] ، ماهرا في الجبر والمقابلة. صنّف «طبقات فقهاء الشافعية» ومات عنها وهي مسودة لا ينتفع بها. توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربة الصّوفية خارج باب النّصر. وفيها قاضي القضاة فخر الدّين أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن ممدود التّميمي الشّيرازي الشّافعي [1] . قال ابن السّبكي: تفقه على والده، وقرأ التفسير على قطب الدّين الشعّار صاحب «التقريب على الكشاف» . وولي قضاء القضاة بفارس وهو ابن خمس عشرة سنة، وعزل بعد مدة بالقاضي ناصر الدّين البيضاوي، ثم أعيد بعد ستة أشهر، واستمر على القضاء خمسا وسبعين سنة. وكان مشهورا بالدّين والخير والمكارم، وله «شرح مختصر ابن الحاجب» و «مختصر في الكلام» ونظم كثير. توفي بشيراز في رجب. وفيها جمال الدّين عبد الله بن شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزّرعي الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي الفاضل، ابن ابن قيّم الجوزية [2] . كان لديه علوم جيدة وذهن حاضر حاذق، وأفتى ودرّس، وناظر، وحجّ مرات. وكان أعجوبة زمانه. توفي يوم الأحد رابع عشر شعبان. وفيها الإمام تقي الدّين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن

_ [1] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 400- 403) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 21- 22) . [2] انظر «البداية والنهاية» (14/ 234) و «الدّرر الكامنة» (2/ 290) و «المقصد الأرشد» (2/ 57- 58) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 90) .

تمّام بن يوسف بن موسى بن تمّام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسور بن سوار بن سليم السّبكي [1] الشافعي المفسّر الحافظ الأصولي اللّغوي النّحوي المقرئ البياني الجدلي الخلافي، النظّار البارع، شيخ الإسلام، أوحد المجتهدين. قال السيوطي: ولد مستهلّ صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وقرأ القرآن [2] على التّقي بن الصّايغ، والتفسير على العلم العراقي، والفقه على ابن الرّفعة، والأصول على العلاء الباجي، والنحو على أبي حيّان، والحديث على الشّرف الدّمياطي. ورحل وسمع من ابن الصوّاف، والموازيني، وأجاز له الرّشيد بن أبي القاسم وإسماعيل بن الطبّال وخلق يجمعهم «معجمه» الذي خرّجه له ابن أيبك. وبرع في الفنون، وتخرّج به خلق في أنواع العلوم. [وناظر] وأقرّ له الفضلاء، وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني، فباشره بعفّة ونزاهة، غير ملتفت إلى الأكابر والملوك، ولم يعارضه أحد من نوّاب الشام إلّا قصمه الله [تعالى] . وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، والشّامية البرّانية، والمسرورية، وغيرها. وكان محقّقا، مدقّقا، نظّارا، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة والدقائق والقواعد المحرّرة التي لم يسبق إليها. وكان منصفا في البحث على قدم من الصّلاح والعفاف. وصنّف نحو مائة وخمسين كتابا مطوّلا ومختصرا، المختصر منها [لا بد وأن]

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (304) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 139) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 75- 76) و «النجوم الزاهرة» (10/ 318) و «البداية والنهاية» (14/ 352) و «الدّرر الكامنة» (3/ 63- 71) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 135) و «بغية الوعاة» (2/ 176- 178) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [2] في «بغية الوعاة» : «القراءات» .

يشتمل على ما لا يوجد في غيره، من تحرير وتدقيق وقاعدة واستنباط [1] ، منها «تفسير القرآن» و «شرح المنهاج» في الفقه. ومن نظمه: إنّ الولاية ليس فيها راحة ... إلا ثلاث يبتغيها العاقل حكم بحقّ أو إزالة باطل ... أو نفع محتاج سواها باطل وله: قلبي ملكت فما له ... مرمى لواش أو رقيب قد حزت من أعشاره ... سهم المعلّى والرّقيب يحييه قربك إن منن ... ت به ولو مقدار قيب [2] يا متلفي ببعاده ... عنّي أما لك من رقيب [3] ؟ وأنجب أولادا كراما أعلاما. وتوفي بمصر بعد أن قدم إليها، وسأل أن يولّى القضاء مكانه ولده تاج الدّين فأجيب إلى ذلك. وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات بن سعد بن بركات بن سعد بن كامل بن عبد الله بن عمر، من ذرية عبادة بن الصّامت، رضي الله عنه، الشيخ الكبير المسند المعمّر المكثر، المعروف بابن الخبّاز الحنبلي [4] . ولد في رجب سنة تسع وستين وستمائة، وحضر الكثير على ابن عبد الدائم وغيره، وسمع من المسلم بن علّان «المسند» [5] بكماله. وأجازه عمر الكرماني،

_ [1] في «بغية الوعاة» : «من تحقيق وتحرير لقاعدة، واستنباط وتدقيق» . [2] تحرفت في «ط» إلى «ولو نفذا رقيب» . [3] في «بغية الوعاة» : «أما خفت الرّقيب» . [4] انظر «ذيول العبر» ص (306) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 188) و «الدّرر الكامنة» (3/ 384- 385) و «المقصد الأرشد» (2/ 381- 382) و «القلائد الجوهرية» (2/ 290) . [5] يعني «مسند الإمام أحمد» .

والشيخ محيي الدّين النّووي، وخرّج له البرزالي مشيخة، وذكر له أكثر من مائة وخمسين شيخا. وسمع منه المزّيّ، والذّهبي، والسّبكي، وابن جماعة، وابن رافع، وابن كثير، والحسيني، والمقرئ وابن رجب، وابن العراقي، وغيرهم. وكان رجلا، جيدا، صدوقا، مأمونا، صبورا على الإسماع، محبا للحديث وأهله، مع كونه يكتب بيده في حال السماع. وحدّث مع أبيه وعمره عشرون سنة. وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان بدمشق عن سبع وثمانين سنة وشهرين، ودفن بباب الصغير. وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله بن أبي نصر، المعروف بابن البطائنيّ [1] الحنبلي، الشيخ العدل الأصيل. ولد في رمضان سنة ثمان وسبعين وستمائة، وسمع من ابن سنان، وابن البخاري، والشّرف بن عساكر. وسمع منه جماعة، منهم المقرئ ابن رجب، والحسينيّ. وباشر نيابة الحسبة بالشام. وتولى قضاء الرّكب الشامي، وتكسّب بالشهادة. وتوفي يوم الجمعة سادس رجب، ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (305- 306) و «ذيول تذكرة الحفاظ» ص (40) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 187) و «الدّرر الكامنة» (4/ 188) و «المقصد الأرشد» (2/ 508) و «القلائد الجوهرية» (2/ 570) .

سنة سبع وخمسين وسبعمائة

سنة سبع وخمسين وسبعمائة وقع فيها في جمادى الآخرة حريق بدمشق ظاهر باب الفرج لم يعهد مثله، بحيث كانت عدة الحوانيت المحرقة سبعمائة سوى البيوت [1] . وفيها توفي كمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن عمر بن أحمد [بن أحمد] [2] بن مهدي، الإمام العالم الورع المصري الشافعي النّشائي [3]- بالنون والمعجمة مخففا، نسبة إلى نشا قرية بريف مصر-. ولد في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من الحفّاظ الدّمياطي، ورضي الدّين الطبري، وجماعة. واشتغل على والده وغيره من مشايخ العصر، ودرس بجامع الخطيري [4] وخطب به، وأمّ أول ما بني، وأعاد بالظّاهرية والصّالحية، وغيرها. وصنّف التصانيف المفيدة الجامعة المحرّرة، منها «المنتقى» في خمس مجلدات، و «جامع المختصرات» وشرحه في ثلاث مجلدات. و «نكت التنبيه» وهو كتاب مفيد، و «الإبريز في الجمع بين الحاوي والوجيز» و «كشف غطاء الحاوي» و «مختصر سلاح المؤمن» وكلامه في مصنّفاته قويّ مختصر جدا. وفي فهمه عسر، فلذلك أحجم كثير من الناس عن مصنّفاته. وسمع منه، وحدّث عنه زين الدّين العراقي، وابن رجب الحنبلي.

_ [1] ذكر هذا الخبر الحافظ السخاوي بتوسع في «الذيل التام على دول الإسلام» فراجعه فهو مفيد. [2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» ومعظم المصادر. [3] انظر «ذيول العبر» ص (311) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 19) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 510) و «النجوم الزاهرة» (10/ 323- 324) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 12- 15) و «الدّرر الكامنة» (1/ 224- 225) و «حسن المحاضرة» (1/ 239) . [4] هو جامع الأمير أيدمر الخطيري ببولاق. انظر «النجوم الزاهرة» (8/ 223) الحاشية رقم (2) .

وذكره رفيقه الإسنويّ فقال: كان إماما، حافظا للمذهب، كريما متصوفا، طارحا للتكلّف، وفي أخلاقه حدّة كوالده. توفي في صفر ودفن بالقرافة الصّغرى. وفيها سلطان بغداد حسن بن أقبغا بن إيلكان بن خربندا بن أرغون بن هلاكو المغلي [1] ، ويعرف بحسن الكبير تمييزا له عن حسن بن تمرتاش [2] . وكان حسن الكبير، ذا سياسة حسنة، وقيام بالملك أحسن قيام، وفي ولايته وقع ببغداد الغلاء المفرط، حتى بيع الخبز بصنج الدّراهم، ونزح الناس عن بغداد، ثم نشر العدل، إلى أن تراجع الناس إليها، وكانوا يسمّونه الشيخ حسن لعدله. قال في «الدّرر» : وفي سنة تسع وأربعين توجه إلى تستر ليأخذ من أهلها قطيعة قرّرها عليهم فأخذها وعاد، فوجد نوابه في بغداد في رواق الغزر [3] ببغداد ثلاث قدور مثل قدور الهريسة، مملوءة ذهبا مصريا وصوريا ويوسفيا، وغير ذلك، فيقال: جاء وزن ذلك أربعين قنطارا بالبغدادي. ولما توفي قام ابنه أويس مقامه. وفيها جمال الدّين عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبّاس بن حامد بن خلف، المعروف بابن النّاصح، وهو لقب عبد الرحمن الحنبلي [4] . سمع على الفخر ابن البخاري، وحدّث. وكان رجلا، صالحا، مباركا، يتعانى التجارة، ثم ترك ذلك ولازم الجامع نحو الستين سنة. توفي في ذي القعدة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (311) و «النجوم الزاهرة» (10/ 323) و «الدّرر الكامنة» (2/ 14) وله ترجمة في «الذيل التام على دول الإسلام» للحافظ السخاوي الورقة (81) من المنسوخ. [2] في «آ» و «ط» : «حسن بن عرباس» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» مصدر المؤلف و «الدليل الشافي» (1/ 261) . [3] في «آ» و «ط» : «في رواق العدل» والتصحيح من «الدّرر الكامنة» مصدر المؤلف. [4] انظر «ذيول العبر» ص (314) و «الدّرر الكامنة» (2/ 243) .

وفيها السيد شرف الدّين أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد الحسيني الأرموي المصري الشافعي، المعروف بابن قاضي العسكر [1] . مولده سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من جماعة، واشتغل بالفقه والأصول والعربية، وأفتى، ودرّس بمشهد الحسين، والفخرية، والطيبرسية. وولي نقابة الأشراف والحسبة، ووكالة بيت المال، وحدّث، وسمع منه جماعة. قال ابن رافع: كان من أذكياء العالم، كثير المروءة، أديبا بارعا. وقال ابن السبكي: كان رجلا، فاضلا، ممدحا، أديبا، هو والشيخ جمال الدّين بن نباتة، والقاضي شهاب الدّين بن فضل الله، أدباء العصر، إلّا أن ابن نباتة، وابن فضل الله يزيدان عليه بالشعر، فإنه لم يكن له فيه يد، وأما في النثر فكان أستاذا ماهرا، مع معرفته بالفقه والأصول والنحو. توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (312) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 137) و «النجوم الزاهرة» (10/ 322) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 190- 192) و «حسن المحاضرة» (1/ 396) .

سنة ثمان وخمسين وسبعمائة

سنة ثمان وخمسين وسبعمائة فيها وثب مملوك يقال له: آي قجا من مماليك السلطان علي شيخو الناصريّ وكان شيخو هذا تقدم في أيام المظفّر واستقرّ في أول دولة الناصر حسن من رؤوس أهل المشورة، ثم كاتب القصص، إلى أن صار زمام الملك بيده وعظم شأنه في سنة إحدى وخمسين. كتب له بنيابة طرابلس وهو في الصّيد، فساروا به إلى دمشق، فوصل أمر بإمساكه، فأمسك وأرسل إلى الاسكندرية، فسجن بها، فلما استقرّ الصّالح أفرج عنه في رجب سنة اثنتين وخمسين، واستقرّ على عادته أولا، وكثر دخله حتّى قيل: إنه كان يدخل له من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته في كل يوم مائتا ألف، ولم يسمع بمثل ذلك في الدولة التركية، ولما وثب عليه المملوك وجرحه بالسيف في وجهه وفي يده اضطرب الناس، فمات من الزّحام عدد كثير، وأمسك المملوك، فقال: ما أمرني أحد بضربه ولكني قدمت له قصّة فما قضى حاجتي، فطيف بالمملوك، وقتل، وقطبت جراحات شيخو، فأقام نحو ثلاثة أيام والناس تعوده، السلطان فمن دونه، ثم مات في سادس عشر ذي القعدة وترك من الأموال ما لا يحصى. وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن المصري العسجدي [1] . ولد في رمضان سنة ست وثمانين وستمائة، وطلب الحديث وهو كبير،

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (8/ 42- 43) و «تذكرة النّبيه» (3/ 211) و «النجوم الزاهرة» (10/ 327) و «الدّرر الكامنة» (1/ 286- 289) .

فسمع من النّور البعلي، والدّبوسي، والواني، وغيرهم، وأكثر جدا. وكتب الطّباق، وأسمع أولاده، وكان أديبا، متواضعا، فاضلا، متدينا، يعرف أسماء الكتب ومصنّفيها، وطبقات الأعيان ووفياتهم، وولي تدريس الحديث بالمنصورية والفخرية وغيرهما. قال ابن حبيب: كان عالما، بارعا، مفيدا، مسارعا إلى الخير. ومن شعره: ولعي بشمعته وضوء جبينه ... مثل الهلال على قضيب مائس في خدّه مثل الذي في كفّه ... فاعجب لماء فيه جذوة قابس وفيها أرغون الصّغيّر الكاملي [1] نائب حلب. كان أحد مماليك الصّالح إسماعيل. رباه وهو صغير السّنّ حتّى صيّره أميرا، وزوّجه أخته لأمّه هي بنت أرغون العلائي. وكان جميلا جدا. قال الصفدي لما تزوّج خرج وعليه قباء مطرّز فبهر الناس بحسنه. ولما ولي الكامل حظي عنده، وكان يدعى أرغون الصّغيّر فصار يدعى أرغون الكاملي، ثم ولّاه النّاصر حسن نيابة حلب، فباشرها مباشرة حسنة، وخافه التّركمان والعرب، ثم ولي نيابة دمشق في أول دولة الصّالح صالح ثم اعتقل بالإسكندرية، ثم أفرج عنه، وأقام بالقدس بطّالا، وعمر له فيها تربة حسنة، ومات بها في شوال. وفيها قوام الدّين أمير، كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة الإتقاني الحنفي [2] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (316) و «الوافي بالوفيات» (8/ 356- 358) و «النجوم الزاهرة» (10/ 326) و «الدّرر الكامنة» (1/ 352- 354) . [2] انظر «ذيل العبر» ص (317) و «النجوم الزاهرة» (10/ 325- 326) و «الدليل الشافي» (1/ 155- 156) و «تذكرة النّبيه» (3/ 208- 209) و «الجواهر المضية» (2/ 279) و «الدّرر الكامنة» (1/ 414- 416) و «بغية الوعاة» (1/ 459- 460) و «حسن المحاضرة» (1/ 470) و «البدر الطالع» (1/ 158- 159) .

قال السيوطي [وقيل:] : اسمه لطف الله. قال ابن حبيب: كان رأسا في مذهب أبي حنيفة، بارعا في اللّغة والعربية. وقال ابن كثير: ولد بإتقان في ليلة السبت تاسع عشر شوال سنة خمس وثمانين وستمائة، واشتغل ببلاده، ومهر، وقدم دمشق سنة عشرين وسبعمائة، ودرّس وناظر، وظهرت فضائله. وقال ابن حجر: ودخل مصر، ثم رجع فدخل بغداد، وولي قضاءها، ثم قدم دمشق ثانيا، وولي بها تدريس دار الحديث الظّاهرية بعد وفاة الذّهبي، وتكلّم في رفع اليدين في الصّلاة، وادّعى بطلان الصّلاة به، وصنّف فيه مصنّفا، فردّ عليه الشيخ تقي الدّين السّبكي وغيره، ثم دخل مصر فأقبل عليه صرغتمش وعظم عنده جدا، وجعله شيخ مدرسته التي بناها، وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين، فاختار لحضور الدرس طالعا، فحضر والقمر في السّنبلة والزّهرة في الأوج، وأقبل عليه صرغتمش إقبالا عظيما، وقدّر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة وشيء، وكان شديد التعظيم [1] لنفسه [2] ، متعصبا جدا، معاديا للشافعيّة، يتمنى تلفهم [3] واجتهد في ذلك بالشام، فما أفاد، وأمر صرغتمش أن يقصر مدرسته على الحنفية. وشرح «الهداية» وحدّث ب «الموطأ» رواية محمد بن الحسن [4] بإسناد نازل جدا. وذاكر [5] القاضي عزّ الدّين ابن جماعة أن بينه وبين الزّمخشري اثنين، فأنكر ذلك، وقال: أنا أسنّ منك، وبيني وبينه أربعة أو خمسة. وكان أحد الدّهاة. وأخذ عنه الشيخ محبّ الدّين بن الوحديّة.

_ [1] في «بغية الوعاة» : «التعاظم» . [2] لفظة «لنفسه» وردت بعد لفظة «متعصبا» في «بغية الوعاة» مصدر المؤلف. [3] في «آ» و «ط» : «تلافهم» وما أثبته من «بغية الوعاة» . [4] أقول: وهو محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت. (ع) . [5] في «ط» : «وذكر» وهو خطأ، وفي «بغية الوعاة» : و «ذاكره» .

ومات في حادي عشر شوال. انتهى ما ذكره السيوطي في «طبقات النّحاة» . وفيها أحمد بن مظفّر بن أبي محمد بن مظفّر بن بدر بن الحسن بن مفرّج بن بكّار بن النابلسي، سبط الزّين خالد أبو العبّاس [1] . كان حافظا، مفيدا، حجّة، ذا صلاح ظاهر، لكنه عن الناس نافر. قاله ابن ناصر الدّين [2] . وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الولي بن جبارة المقدسي ثم الصالحي المرداوي الحنبلي المعمّر المسند المعروف بالحريري [3] . مولده سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع من الكرماني، وابن البخاري، وخلق. وأجاز له أحمد بن عبد الدائم، والنّجيب عبد اللطيف. قال الحسيني: وهو آخر من حدّث بالإجازة عنهم في الدّنيا، وسمع منه الذهبي، والبرزالي، والحسيني، وطائفة. وضعف بصره، وهو كثير التّلاوة والذّكر. توفي في ثالث عشر رمضان ببستان الأعسر، وصلّي عليه بجامع المظفّري، ودفن بالسفح بمقبرة المرادوة. وفيها شرف الدّين أبو سليمان داود بن محمد بن عبد الله المرداوي [4] الحنبلي الشيخ الإمام الصّالح، أخو قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي.

_ [1] انظر «المعجم المختص» (42- 43) و «معجم الشيوخ» (1/ 104) و «ذيول العبر» ص (315) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 31- 34) و «الدّرر الكامنة» (1/ 317) و «الداس في تاريخ المدارس» (1/ 555) . [2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (189/ ب- 190/ آ) وزاد ابن ناصر الدّين في ترجمته: «وله جزء في ذكر أبي هريرة، وجزء في ترجمة أبي القاسم بن عساكر» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (316) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) و «القلائد الجوهرية» (2/ 302- 303) . [4] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 188) و «المقصد الأرشد» (1/ 383- 384) .

سمع الكثير متأخرا على التّقي سليمان، وأجاز له جماعة، منهم ابن البخاري وغيره. وتوفي في رمضان ودفن بسفح قاسيون. وفيها تاج الدّين محمد ابن أحمد بن رمضان بن عبد الله الجزيريّ ثم الدمشقيّ الحنبليّ [1] . سمع من الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن عساكر، وابن الفرّاء، وأجاز له الصّيرفي، وابن الصّابوني، وابن البخاري، وابن الكمال، وخلق. وخرّج له ابن سعد «مشيخة» سمعها عليه جماعة، منهم الحسيني، وابن رجب. توفي مستهل رمضان وصلّي عليه بالأموي، ودفن بسفح قاسيون. وفيها مريم ستّ القضاة [2] بنت الشيخ عبد الرحمن بن أحمد ابن عبد الرحمن [3] الحنبلية، الشيخة الصّالحة، المسندة، من أصحاب الشيخ المسند أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر. ولدت عام أحد أو اثنين وتسعين وستمائة، وروت عن خلق، وحدّثت وأجازت لولدها شمس الدّين بن عبد القادر النابلسي، ويأتي ذكره إن شاء الله تعالى، وتوفيت في المحرّم. وفيها بهاء الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن منصور الهندي [4] الحنفي نزيل مكّة. قال الفاسي: كان عالما بالفقه والأصول والعربية مع حلم وأدب، وعقل راجح، وحسن خلق. جاور بالمدينة، وحجّ فسقط إلى الأرض فيبست أعضاؤه

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (317) و «الدّرر الكامنة» (3/ 405) و «القلائد الجوهرية» (2/ 310) . [2] في «آ» و «ط» : «مريم وتدعى قضاة» والتصحيح من «الأعلام» . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 345- 346) و «الأعلام» : (7/ 210) . [4] انظر «العقد الثمين» : (354- 355) و «إتحاف الورى» ص (273) .

وبطلت حركته، وحمل إلى مكّة، وتأخر عن الحجّ ولم يقم إلّا قليلا ومات. وفيها محبّ الدّين أبو الثناء محمود بن علي بن إسماعيل بن يوسف التّبريزي القونوي الأصل المصري الشافعي [1] . ولد بمصر سنة تسع عشرة وسبعمائة، وتوفي والده وهو صغير، فاشتغل وأخذ عن مشايخ العصر، ودرّس وأفتى وصنّف. ذكره رفيقه الإسنوي في «طبقاته» وبالغ في المدح له والثناء عليه، وشرع في تصنيف أشياء عاقه عن إكمالها انخرام الأمنية وانختام المنية [2] . وكمل «شرح المختصر» [3] في جزءين، وهو من أحسن شروحه. توفي في ربيع الآخر.

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 327) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 384) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 336- 337) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 199- 200) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 96- 98) و «الدّرر الكامنة» (4/ 328) . [2] في «آ» و «ط» : «احترام المنية» وأثبت العبارة بكاملها من «طبقات الشافعية» للإسنوي مصدر المؤلف. [3] يعني «مختصر ابن الحاجب» كما جاء مبينا في «طبقات الشافعية» للإسنوي.

سنة تسع وخمسين وسبعمائة

سنة تسع وخمسين وسبعمائة فيها توفي أبو الغيث بن عبد الله بن راشد السّكوني الكندي الحضرمي [1] . قال الخزرجي: كان فقيها، بارعا، محقّقا، عارفا بالفقه والنحو واللغة والمعاني والبيان والعروض والقوافي، أخذ عن جماعة من أهل زبيد، وولي القضاء بها وتدريس العفيفية، ثم نقله المجاهد إلى تعز لتدريس مدرسته فاستمر بها إلى أن مات. وفيها الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير الموصلي الحنبلي [2] . قدم الشام، وكان شيخا طوالا، ذكيا، له قدرة على نظم الألغاز، وكتابته جيدة. وكان يذكر أنه سمع «جامع الأصول» ودرّس. وتوفي في خامس عشر رمضان، وهو والد الشيخ عزّ الدّين الموصلي. وفيها علاء الدّين علي بن عبد الرحمن بن الحسين الخطيب بن الخطيب العثماني الصّفدي الشافعي [3] . ناب في الحكم بصفد، وخطب بها ودرّس، وقام بالفتوى بعد ابن الرسام، وله مختصر في الفقه سماه «النافع» .

_ [1] انظر «بغية الوعاة» (2/ 241) و «العقود اللؤلؤية» (1/ 107) . [2] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 59) و «المقصد الأرشد» (1/ 346- 347) . [3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 47) و «الدّرر الكامنة» (3/ 58- 59) .

توفي بصفد عقب وصوله من الحجّ وهو أخو القاضي شمس الدّين العثماني قاضي صفد، وصاحب «طبقات الفقهاء» المحشوة بالأوهام، و «تاريخ صفد» وغيرهما. قاله ابن قاضي شهبة. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن إسماعيل المعروف بالحفّة- بمهملة وفاء وقد يصغر فيقال حفيفة- الحنبلي [1] الشيخ الصّالح المقرئ الملقن المعمّر. سمع من ابن البخاري «مشيخته» ، وحدّث وسمع منه ابن رجب، والعراقي، وطائفة. وكان يقرئ بالجامع المظفّري، وقرأ عليه جماعة مستكثرة. توفي ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأول بالصّالحية ودفن بسفح قاسيون. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد المقدسي الأصل ثم الدمشقي [2] الحنبلي الشيخ الإمام. كان إماما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق، وحضر على ابن البخاري «المسند» وسمع من جدّه لأمّه الشيخ تقي الدين الواسطي، وابن عساكر، وغيرهما. وحدّث، وسمع منه الحسيني، وابن رجب. توفي يوم السبت سابع عشر شعبان بسفح قاسيون ودفن به. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عثمان بن موسى الآمدي ثم المكّي الحنبلي [3] . إمام مقام الحنابلة بمكّة- شرّفها الله تعالى- ولي الإمامة بعد وفاة والده، فباشرها أحسن مباشرة، واستمرّ نحو ثلاثين سنة، وسمع الحديث من والده وغيره.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (323- 324) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 209) و «الدّرر الكامنة» (3/ 294) و «المقصد الأرشد» (2/ 336) . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 212- 213) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 123) والمقصد الأرشد» (2/ 362- 363) و «القلائد الجوهرية» (2/ 428) . [3] انظر «العقد الثمين» (2/ 316) و «الدّرر الكامنة» (3/ 318) و «المقصد الأرشد» (2/ 508- 509) .

وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن محمد بن سعد [1] بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير [2] ، الشيخ الإمام العالم المتقن المحدّث المفيد الحنبلي المقدسي، ثم الصّالحي. ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: المحدّث الفاضل البارع، مفيد الطلبة، بكّر به والده، فسمع كثيرا وهو حاضر، وسمع من خلق كثير، وطلب بنفسه، وكتب ورحل، وخرّج للشيوخ. وقال الحسيني: سمع خلقا [3] كثيرا وجمّا غفيرا، وجمع فأوعى، وكتب ما لا يحصى، وخرّج لخلق من شيوخه وأقرانه، وأثنى عليه ابن كثير، وابن حبيب، وغيرهما. توفي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة بالصّالحية ودفن بقاسيون وقد قارب الستين.

_ [1] في «آ» و «ط» : «سعيد» والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] انظر «ذيول العبر» ص (323) و «المعجم المختص» ص (266) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 214- 216) و «البداية والنهاية» (14/ 263) و «الدّرر الكامنة» (4/ 283) و «ذيل تذكرة الحفّاظ» للحسيني ص (59- 61) و «تذكرة النّبيه» (3/ 216) . [3] لفظة «خلقا» سقطت من «ذيل تذكرة الحفّاظ» للحسيني فلتستدرك.

سنة ستين وسبعمائة

سنة ستين وسبعمائة فيها توفي خطيب مكّة وقاضيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطّبري [1] القاضي المكّي الشافعي من بيت العلم والقضاء والرئاسة والحديث. قال في «الدّرر» : ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وولي قضاء مكّة وهو شاب بعد أبيه، وولي الخطابة. وكان أسمع على الرّضي، والصّفي، والفخر التوزري، وغيرهم، وسمع منه غير واحد من شيوخنا، ومات في العشر الآخر من شعبان. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أبي الزّهر بن عطية الهكّاري الحنبلي [2] الشيخ الإمام. سمع من ابن البخاري «مشيخته» وغيرها. وسمع منه الذهبي، وابن رجب، وابن العراقي، وغيرهم. وكان شيخا صالحا حسنا من أولاد المشايخ. توفي ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن تمّام [3] بن السرّاج الحنبلي [4] الشيخ الصّالح.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (329) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 221- 222) و «العقد الثمين» (3/ 161- 166) و «الدّرر الكامنة» (1/ 297) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (329) و «الدّرر الكامنة» (1/ 263) و «المقصد الأرشد» (1/ 179- 180) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن سام» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 224- 225) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242- 243) و «القلائد الجوهرية» (2/ 419) و «المقصد الأرشد» (1/ 180- 181) .

حضر في الثانية على ابن القوّاس «معجم ابن جميع» وسمع الغسولي وغيره، وحدّث، وسمع منه الذّهبي والحسيني، وابن أيدغدي، وجماعة. وكان رجلا جيدا. توفي سابع ذي الحجّة بالصّالحية ودفن بقاسيون. وفيها زين الدّين عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل المقدسي المؤدّب الصّالحي الحنبلي [1] . سمع من ابن البخاري «سنن أبي داود» ومن التّقي الواسطي، وخطيب بعلبك، وحدّث، وسمع منه الحسيني، وابن أيدغدي، وجماعة. وكان من أهل الدّين والخير، وكان عامل الضيائية متودّدا كثير التحصيل للكتب الحديثية. توفي ليلة الخميس سادس عشر ذي القعدة. وفيها محمد بن عيسى بن عبد الله السّكسّكي النحوي الشافعي المصري [2] نزيل دمشق. قال في «الدّرر» : مهر في العربية، وشغل الناس بها، وكان كثير المطالعة والمذاكرة، وله أرجوزة في التصريف، وكتب شيئا على «منهاج النووي» وله سماع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وغيره، وكان كثير العبادة، حسن البشر، جيد التعليم، درّس وأفتى، وولي الخانقاه الشّهابية، وله أسئلة في العربية سأل عنها الشيخ تقي الدّين السّبكي فأجابه. مات في ثامن عشر ربيع الأول والله أعلم.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (330) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 222- 223) و «المقصد الأرشد» (2/ 303) و «الدّرر الكامنة» (3/ 175) و «القلائد الجوهرية» (1/ 286) . [2] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 129) و «بغية الوعاة» (1/ 205) .

سنة إحدى وستين وسبعمائة

سنة إحدى وستين وسبعمائة فيها توفي أورخان بن عثمان السلطان العظيم ثاني ملوك بني عثمان [1] . ولي سنة ست وعشرين وسبعمائة [2] بعد وفاة والده السلطان عثمان حق أول ملوك بني عثمان، وكانت ولاية صاحب الترجمة في أيام السلطان حسن صاحب مصر. قال القطيعي [3] : كان أورخان شديدا على الكفّار ففاق والده في الجهاد، وفتح البلاد فافتتح قلاعا كثيرة وحصونا منيعة، وفتح بروسة [4] وجعلها مقر سلطنته، ثم ولي بعده ولده [5] مراد. وفيها بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلي الحنبلي [6] الشيخ الصالح المقرئ الفقيه. ولد في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وستمائة، وسمع من التّاج عبد الخالق، وابن مشرف، والشيخ شرف الدّين اليونيني، وغيرهما. وكان خيّرا،

_ [1] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (41- 44) . [2] في «ط» : «وستمائة» وهو خطأ. [3] في «ط» : «القطبي» . [4] في «آ» و «ط» : «برسا» والتصحيح من «القاموس الإسلامي» (1/ 308) وتعرف في أيامنا ب «بورصة» وهي في الشمال الغربي لتركيا المعاصرة. [5] في «آ» : «ابنه» . [6] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 228- 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 479) و «المقصد الأرشد» (1/ 286) .

حسن السّمت، صحب الفقراء، وروى عنه ابن رجب حديث الربيع بنت النّضر وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» [1] . وجاور بمكّة. وتوفي بمعان مرجعه من الحجّ ليلة الجمعة رابع عشر ذي الحجّة ودفن هناك، وأرّخ الحافظ ابن حجر وفاته في المحرّم ولعله الأقرب. وفيها جمال الدّين الدارقوي الحنبلي [2] المقرئ للسبع، إمام الضيائية بدمشق. توفي في جمادى الأولى. قاله العليمي. وفيها صلاح الدّين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي [3] الشافعي الإمام المحقّق، بقية الحفّاظ. ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة، وسمع الكثير، ورحل، وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة، وأخذ علم الحديث عن المزّي وغيره، وأخذ الفقه عن الشيخين البرهان الفزاري ولازمه، وخرّج له «مشيخة» والكمال الزّملكاني وتخرّج به، وعلّق عنه كثيرا. وأجيز بالفتوى، وجدّ واجتهد، حتى فاق أهل عصره في الحفظ والإتقان، ودرّس بدمشق بالأسدية وغيرها، ثم انتقل إلى القدس مدرّسا بالصّلاحية، وحجّ مرارا، وجاور، وأقام بالقدس مدة طويلة يدرّس ويفتي ويحدّث ويصنّف، إلى آخر عمره. ذكره الذهبي في «معجمه» وأثنى عليه، وكذلك الحسيني في «معجمه»

_ [1] رواه أحمد في «المسند» والبيهقي وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وهو حديث صحيح. [2] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» الورقة (455) من المخطوط. [3] انظر «المعجم المختص» ص (92- 93) و «ذيول العبر» ص (335) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 35- 38) و «النجوم الزاهرة» (10/ 337) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 239) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 226- 227) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 121- 125) و «الدّرر الكامنة» (2/ 90) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 59) و «البدر الطالع» (1/ 245) .

و «ذيله» فقال: كان إماما في الفقه، والنحو، والأصول، مفنّنا في علم الحديث ومعرفة الرجال، علّامة في معرفة المتون والأسانيد، بقية الحفّاظ، ومصنّفاته تنبئ عن إمامته في كل فنّ. درس وأفتى وناظر، ولم يخلّف بعده مثله. وقال السّبكي: كان حافظا، ثبتا، ثقة، عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون، فقيها، متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، متفننا، أشعريا، صحيح العقيدة، سنّيّا، لم يخلّف بعده في الحديث مثله، لم يكن في عصره من يدانيه فيه. ومن تصانيفه «القواعد المشهورة» و «الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جدّه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم» . و «عقيلة المطالب في ذكر أشراف الصّفات والمناقب» و «جمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم» و «منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض» وكتابا في المدلّسين، وكتابا سماه «تلقيح الفهوم في صيغ العموم» وغير ذلك من التصانيف المتقنة المحررة [1] . توفي بالقدس في المحرّم ودفن بمقبرة باب الرّحمة إلى جانب سور المسجد. وفيها أبو الرّبيع سليمان [بن داود بن سليمان بن] محمد بن عبد الحقّ [2] الحنفي البليغ، الناظم الناثر، ولي ولايات جليلة. ومن شعره: من يكن أعمى أصمّ [3] ... يدخل الحان جهارا

_ [1] قلت: ومن مصنفاته الأخرى المطبوعة: «جزء في تفسير الباقيات الصالحات وفضلها» وقد صدر ضمن سلسلة نصوص تراثية عن دار ابن كثير بتحقيق الأستاذين د. علي أبو زيد، وحسن إسماعيل مروة، ومراجعة والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى. ورسالة «النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح» وقد نشرتها دار الإمام مسلم ببيروت بتحقيق الأستاذ محمود سعيد ممدوح، وهي رسالة نافعة. [2] انظر «الوافي بالوفيات» (15/ 381- 388) و «الدليل الشافي» (1/ 317- 318) و «الدّرر الكامنة» (2/ 149- 151) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [3] في «آ» و «ط» : «أصمّ أعمى» وما أثبته من «الدّرر الكامنة» مصدر المؤلّف.

يسمع الألحان تتلو ... وترى النّاس سكارى وفيها تقي الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد المقدسي الصّالحي البزوري العطّار الحنبلي، المعروف بابن قيّم الضيائية [1] . ولد في أواخر سنة تسع وستين وستمائة، وأخذ عن الفخر بن البخاري، وسمع من الشيخ شمس الدّين بن أبي عمر، وابن الزّين، وابن الكمال. وسمع منه الذهبي، وابن رافع، والحسيني، وابن رجب. وأجاز للشيخ شهاب الدّين بن حجّي، وللشيخ شرف الدّين بن مفلح. وكان مكثرا، مسندا، فقيها، وكان له حانوت بالصّالحية يبيع فيه العطر. توفي بالصالحية ليلة الثلاثاء خامس عشري المحرم ودفن بالرّوضة عن إحدى وتسعين سنة. وفيها جمال الدّين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري [2] الحنبلي النّحوي العلّامة. قال في «الدرر» : ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة، ولزم الشّهاب عبد اللطيف بن المرحّل، وتلا على ابن السّراج، وسمع على أبي حيّان «ديوان زهير بن أبي سلمى» ولم يلازمه ولا قرأ عليه، وحضر درس التّاج التّبريزي، وقرأ على التّاج الفاكهاني «شرح الإشارة» له إلّا الورقة الأخيرة، وتفقه للشافعي ثم تحنبل، فحفظ «مختصر الخرقي» في دون أربعة أشهر، وذلك قبل موته بخمس سنين، وأتقن العربية، ففاق الأقران، بل الشيوخ. وحدّث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتخرّج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدّر لنفع الطالبين، وانفرد

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (335- 336) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (2/ 283) و «القلائد الجوهرية» (2/ 283) . [2] انظر «ذيول العبر» ص (336) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 234- 235) و «الدّرر الكامنة» (2/ 308- 310) و «بغية الوعاة» (2/ 68- 70) و «حسن المحاضرة» (1/ 536) ومقدمة الأستاذ الدكتور مازن المبارك لرسالة «المباحث المرضية المتعلقة بمن الشرطية» ص (7- 22) الصادرة بتحقيقه عن دار ابن كثير.

بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البالغ، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التّصرّف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد، مع التواضع، والبرّ، والشفقة، ودماثة الخلق، ورقة القلب. قال ابن خلدون: وما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام، أنحى من سيبويه، وكان كثير المخالفة لأبي حيّان، شديد الانحراف عنه، صنّف «مغني اللّبيب عن كتب الأعاريب» [1] اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه، وقد كتب عليه حاشية وشرحا لشواهده، و «التوضيح على الألفية» مجلدا و «رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة» أربع مجلدات، و «عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب» مجلدان، و «التحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتّذييل» عدة مجلدات، و «شرح التسهيل» مسودة، و «شرح الشواهد الكبرى والصّغرى» و «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير» و «شرح اللّمحة» لأبي حيّان، و «شرح بانت سعاد» و «شرح البردة» و «التذكرة» خمس مجلدات، و «المسائل السّفرية» في النحو [2] ، وغير ذلك، وله عدة حواش على «الألفية» و «التسهيل» . ومن شعره: ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله ... ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل ومن لم يذلّ النفس في طلب العلى ... يسيرا يعش دهرا طويلا أخا ذلّ وله: سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى ... بكلّ شيء في الحياة قد أتى

_ [1] وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان وإيران، ومن أشهر طبعاته الطبعة التي صدرت في مصر بتحقيق العلّامة الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد. والطبعة التي صدرت عن دار الفكر ببيروت بتحقيق الأستاذين الدكتور مازن المبارك وعلي حمد الله، ومراجعة أستاذنا العلّامة سعيد الأفغاني العميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة دمشق حفظه الله وأطال عمره ونفع به. [2] نشرت ضمن مجموعة من رسائله في مكتبة سعد الدّين بدمشق بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة.

توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة، ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة الصّوفية بمصر. وفيها أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد الشريف الحسيني [1] الفقيه الجليل النّبيه، رئيس العلوم اللّسانية بالأندلس، وقاضي الجماعة بها. قال المقرئ المغربي المتأخر في كتابه «تعريف ابن الخطيب في ذكر مشايخ لسان الدّين بن الخطيب» : كان هذا الشريف آية الله الباهرة في العربية والبيان والأدب. قال محمد بن علي بن الصبّاغ العقيلي: كان آية زمانه وأزمة البيان طوع بنانه، له «شرح المقصورة القرطاجنية» ، أغرب ما تتحلى به الآذان، وأبدع ما ينشرح له الجنان إلى العقل الذي لا يدرك، والفضل الذي حمد منه المسلك، جرت بينه وبين الوالد نادرة، وذلك أن الوالد دخل عليه يوما لأداء شهادة، فوجد بين يديه جماعة من الغزاة يؤدون شهادة أيضا، فسمع القاضي منهم وقال: هل ثمّ من يعرفكم؟ فقالوا: نعم يعرفنا سيدي علي الصباغ، فقال القاضي: أتعرفهم يا أبا الحسن؟ فقال: نعم يا سيدي معرفة محمد بن يزيد، فما أنكر عليه شيئا، بل قال لهم: عرف الفقيه أبو الحسن ما عنده، فانظروا من يعرف معه رسم حالكم، فانصرفوا راضين، ولم يرتهن والدي في شيء من حالهم، ولا كشف القاضي لهم ستر القضية. قال محمد بن الصباغ: أما قول والدي معرفة محمد بن يزيد فإشارة إلى قول الشاعر: أسائل عن ثمالة كلّ حيّ ... فكلّهم يقول وما ثماله؟ فقلت محمّد بن يزيد منهم ... فقالوا الآن زدت بهم جهاله

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 352- 353) و «قضاة الأندلس» ص (171- 176) و «الدّيباج المذهب» ص (290) مصورة دار الكتب العلمية ببيروت و «الأعلام» (5/ 327) ونسبته في بعض المصادر «الحسني» .

قال: ففطن القاضي- رحمه الله تعالى- لجودة ذكائه إلى أنه يرتهن في شيء من معرفتهم ممتنعا من إظهار ذلك بلفظه الصريح، فكنّى واكتفى بذكاء القاضي الصحيح، رحمه الله تعالى. ومن شعر الشّريف: وأحور زان خدّيه عذار ... سبى الألباب منظره العجاب أقول لهم وقد عابوا غرامي ... به إذ لاح للدّمع انسكاب أبعد كتاب عارضه يرجّى ... خلاص لي وقد سبق الكتاب توفي في هذه السنة. وقال في «الإحاطة» : مولده سنة سبع وتسعين وستمائة، وتوفي سنة ستين وسبعمائة، والأول أصحّ. وفي حدودها قاضي القضاة أبو عبد الله جدّ المقري المتأخر، صاحب «نفح الطّيب» قال في «الإحاطة» : محمد بن محمد بن أحمد ابن أبي بكر [بن عبد الله] [1] بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المقّري [2] قاضي الجماعة بفاس. ولد بتلمسان، وكان أول من اتخذها من سلفة قرارا جدّه الخامس عبد الرحمن صاحب الشيخ أبي مدين، الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين. وقال حفيده المقّري في كتابه «التعريف بابن الخطيب» : وقد ألّف علم الدنيا ابن مرزوق تأليفا استوفى فيه التعريف بمولاي الجدّ سمّاه «النّور البدري في التعريف بالفقيه المقري» وهذا بناء منه على مذهبه أنه بفتح الميم وسكون القاف كما صرح بذلك في «شرح الألفية» عند قوله: ووضعوا لبعض الأجناس علم

_ [1] ما بين الرقمين لم يرد في «الإحاطة» الذي بين يدي. [2] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (2/ 191- 226) و «شجرة النّور الزكية» ص (232) .

وضبطه غيره وهم الأكثرون بفتح الميم وتشديد القاف، وعلى ذلك عوّل أكثر المتأخرين وهما لغتان في البلدة التي نسب إليها وهي قرية من قرى زاب إفريقية. وقال مولاي الجدّ: مولدي بتلمسان أيام أبي حمّ موسى بن عثمان، وقد وقفت على تاريخ ذلك، ولكني رأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السّلفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح بن رويان عن سنه، فقال لي: اقبل على شأنك فإني سألت علي بن محمد اللّبّان عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السّهمي عن سنّه، فقال لي: أقبل على شأنك فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنه، فقال لي أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنه، انتهى. وأنشد لبعضهم في المعنى: احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال ما استطعت ومذهب فعلى الثّلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفّر وبحاسد ومكذّب وقال في «الإحاطة» في ترجمة الفقيه المقري هذا: هذا الرجل مشار إليه بالعدوة الغربية، اجتهادا، وأدبا، وحفظا، وعناية، واضطلاعا، ونقلا، ونزاهة، سليم الصّدر، قريب الغور، صادق القول، مسلوب التصنع، كثير الهشة، مفرط الخفّة، ظاهر السذاجة، ذاهب أقصى مذاهب التخلق، محافظ على العمل، مثابر على الانقطاع، حريص على العبادة، قديم النّعمة متصل الخيرية، مكب على النظر والدرس، معلوم الصّيانة والعدالة، منصف في المذاكرة، حاسر الذراع عند المباحثة، رحب الصّدر في وطيس المناقشة، غير ضنين بالفائدة، كثير الالتفات، متقلب الحدقة، جهير بالحجّة، بعيد عن المراء والمباهتة، قائل بفضل أولي الفضل من الطلبة يقوم أتمّ القيام على العربية، والفقه، والتفسير، ويحفظ

الحديث، ويتهجر بحفظ التاريخ والأخبار والآداب، ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والمنطق والجدل، ويكتب ويشعر مصيبا، غرض الإصابة، ويتكلم في طريقة الصّوفية كلام أرباب المقال، ويعتني بالتدوين فيها شرّق وحجّ ولقي جلة ثم عاد إلى بلده فأقرأ به وانقطع إلى خدمة العلم. وقال المقّري في هذه الترجمة: سأل ابن فرحون ابن حكم هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت: رأى فحبّ فرام الوصل فامتنعت ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى ففكر ثم قال: نعم فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ 68: 19 [القلم: 19] إلى آخرها، ثم قال لابن فرحون: هل عندك غيره، فقال: نعم فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ الله 91: 13 [الشّمس: 13] إلى آخر السورة، وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد. وقال المقرّي صاحب الترجمة: رأيت بجامع الفسطاط من مصر فقيرا عليه قميص إلى جانبه دفاسة قائمة وبين يديه قلنسوة، فذكر لي هنالك أنهما محشوتان بالبرادة، وأن زنة الدفاسة أربعمائة رطل مصرية، وهي ثلاثمائة وخمسون مغربية، وزنة القلنسوة مائتا رطل مصرية، فعمدت إلى الدفاسة فأخذتها من طرفها أنا ورجل آخر وأملناها بالجهد فلم نصل بها إلى الأرض، وعمدت إلى القلنسوة فأخذتها من أصبع كان في رأسها فلم أطق حملها فتركتها، وكان يوم جمعة، فلما قضيت الصّلاة مررنا في جملة من أصحابنا بالفقير فوجدناه لابسا تلك الدفاسة في عنقه واضعا تلك القلنسوة على رأسه فقام إلينا وإلى غيرنا ومشى بهما كما يمشي أحدنا بثيابه، فجعلنا نتعجب ويشهد بعضنا بعضا على ما رأى، ولم يكن بالعظيم الخلقة. وقال: لما حللت ببيت المقدس وعرف به مكاني من الطلب، سألني بعض الطلبة بحضرة قاضيها فقال: إنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمرّ بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن عيّن المواقيت لأهل

الآفاق: «هنّ لهنّ ولمن مرّ عليهنّ من غير أهلهنّ» [1] وهذا قد مرّ على ذي الحليفة وليس من أهله، فيكون له، فقلت له: إن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من غير أهلهنّ» أي من غير أهل المواقيت، وهذا سلب كلي وإنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقيضه وهو الإيجاب الجزئي عليه، لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا، فلما لم يتناوله النّص رجعنا إلى القياس. ولا شك أنه لا يلزم أحد أن يحرم قبل ميقاته وهو يمرّ عليه، فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك. انتهى. قلت: الحديث صحيح، خرّجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، بلفظ: «هنّ لهم، ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ» وفي أكثر طرقه: «هنّ لهنّ» والأول أصحّ. وفيها القاضي صدر الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ثم المصري الحنبلي [2] الشيخ الإمام. سمع من العماد بن الشيخ شمس الدّين ابن العماد، والتّقي ابن تمّام، وغيرهما. وكان حسن الشكالة، مع تواضع وحسن كتابة، ولما كان والده قاضي الحنابلة بالدّيار المصرية رأى من الجاه والسعادة ما لم يره غيره من أولاد القضاة، ويقال: إنه كان في إصطبله ما يزيد على خمسين رأسا، وبسببه عزل والده من القضاء. توفي المترجم ليلة النّصف من ذي القعدة، والله أعلم.

_ [1] رواه البخاري رقم (1524) في الحج: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، ومسلم رقم (1181) (12) في الحج: باب مواقيت الحج والعمرة، وأبو داود رقم (1738) في مناسك الحج: باب في المواقيت، وانظر تتمة تخريجه في «جامع الأصول» (3/ 16) . [2] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 363) .

سنة اثنتين وستين وسبعمائة

سنة اثنتين وستين وسبعمائة استهلت والفناء بالدّيار المصرية فاش، وحصل للسلطان مرض ثم عوفي، ثم لما كان يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى وثب يلبغا الخاسكي وركب معه جماعة من الأمراء، وباتوا تحت القلعة، ثم هجموا على السلطان النّاصر وقبضوا عليه، ثم أحضروا صلاح الدّين محمد بن المظفّر حاجي بن الناصر محمد وأجلسوه على الكرسي وحلفوا له، ولقّبوه الملك المنصور، وعذبوا الناصر حتّى هلك بعد أيام، ودفنوه في مصطبة في داره، وكانت مدة سلطنته الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر، والثانية ست سنين وسبعة أشهر وأيام، ومات ولم يكمل ثلاثين سنة، وخلّف عشرة ذكور وست إناث، وصار المتكلّم في المملكة يلبغا. وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن موسى الزّرعي الشيخ الصّالح المعمّر الحنبلي [1] أحد الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر. كان فيه إقدام على الملوك وإبطال مظالم كثيرة، وصحب الشيخ تقي الدّين [2] دهرا وانتفع به، وكان له وجاهة عند الخاص والعام، ولديه تقشف وزهد. توفي بمدينة حبراص في المحرّم.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (345) و «النجوم الزاهرة» (11/ 12) و «البداية والنهاية» (14/ 274) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 59) بتحقيق الدكتور صالح مهدي عباس، طبع مؤسسة الرسالة، و «الدّرر الكامنة» (1/ 324) و «لحظ الألحاظ» ص (130) و «المقصد الأرشد» (1/ 198) . [2] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وفيها الحافظ علاء الدّين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحكري الحنفي [1] صاحب التصانيف. قال الصّفدي: سمع من التّاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدّين، ومن الواني، والحسيني، وغيرهما. وأكثر جدا من القراءة والسماع، وكتب الطّباق، وكان قد لازم الجلال القزويني، فلما مات ابن سيّد الناس تكلّم له مع السلطان، فولّاه تدريس الحديث بالظّاهرية، فقام الناس بسبب ذلك وقعدوا، وبالغوا في ذمّه وهجوه، فلما كان في سنة خمس وأربعين وقف له العلائيّ لما رحل إلى القاهرة على كتاب جمعه في العشق تعرّض فيه لذكر الصّدّيقة عائشة رضي الله تعالى عنها، فأنكر عليه ذلك، ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي، فاعتقله بعد أن عزّره فانتصر له ابن البابا وخلّصه، وكان يحفظ «الفصيح» لثعلب. ومن تصانيفه «شرح البخاري» و «ذيل المؤتلف والمختلف» و «الزهر الباسم» في السيرة النبوية. قال الشهاب ابن رجب: تصانيفه نحو المائة أو أزيد، وله مآخذ على أهل اللغة، وعلى كثير من المحدّثين. قال: وأنشدني لنفسه في «الواضح المبين» شعرا يدلّ على استهتاره وضعفه في الدّين. وقال زين الدّين بن رجب: كان عارفا بالأنساب معرفة جيدة، وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة، وتصانيفه كثيرة جدا. توفي في رابع عشر شعبان.

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 9) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 70) و «الدّرر الكامنة» (4/ 352- 354) و «حسن المحاضرة» (1/ 359) و «ذيل طبقات الحفّاظ» ص (365) و «لحظ الألحاظ» ص (133) و «البدر الطالع» (2/ 312- 313) ومقدمة صديقنا الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح لكتاب المترجم «تاج التراجم» وهي مفيدة نافعة.

سنة ثلاث وستين وسبعمائة

سنة ثلاث وستين وسبعمائة فيها توفي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العبّاسي [1] . بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين بعهد منه، وكان خيّرا، متواضعا، محبّا لأهل العلم. توفي في يوم الخميس ثاني عشري جمادى الأولى بمصر. وبويع بعده ولده محمد بعهد منه، ولقّب المتوكل. وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن عمر الإسنوي [2] الشافعي الإمام، ابن عمّ الشيخ جمال الدّين. قال ابن قاضي شهبة: كان أحد العلماء العاملين، اختصر «الشفاء» للقاضي عياض، وشرح «مختصر مسلم» [3] و «الألفية» لابن مالك، واشتغل قديما ببلده وغيرها، ثم أقام ببلده، ثم صار يجاور بمكّة سنة وبالمدينة سنة. قال له الشيخ عبد الله اليافعي: أنت قطبّ الوقت في العلم والعمل. توفي بمكّة بعد الحجّ. وفيها شمس الدّين أبو أمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (350) و «النجوم الزاهرة» (11/ 14) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 97- 98) و «الدّرر الكامنة» (1/ 443) و «تاريخ الخلفاء» ص (500) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 107- 108) و «العقد الثمين» (1/ 307- 308) ولقبه فيهما «نجم الدين» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 155- 156) و «الدّرر الكامنة» (3/ 342) و «بغية الوعاة» (1/ 35) و «در الحجال» (2/ 243) . [3] الذي اختصره الحافظ المنذري. انظر «كشف الظنون» (1/ 558) .

عبد الرحيم المغربي الأصل المصري، المعروف بابن النقّاش الشافعي [1] . مولده في رجب سنة عشرين وسبعمائة، وحفظ «الحاوي الصغير» ويقال: إنه أول من حفظه بالديار المصرية، واشتغل على الشيخ شهاب الدّين الأنصاري، والتّقي السبكي، وأبي حيّان، وغيرهم. وقرأ القراءات على البرهان الرّشيدي، ودرّس وأفتى، وتكلّم على النّاس، وكان من الفقهاء المبرّزين والفصحاء المشهورين، وله نظم ونثر حسن، وحصل له بمصر رئاسة عظيمة وشاع ذكره في الناس، ودرّس بعدة مدارس، وبعد صيته، وخرّج أحاديث الرافعي وسمّاه «كاشف الغمّة عن شافعية الأمة» وسمّاه أيضا «أمنية الألمعي في أحاديث الرافعي» وورد الشام في أيام السّبكي، وجلس بالجامع، ووعظ بجنان ثابت ولسان فصيح، من غير تكلّف، فعكف الناس عليه. ومن مصنفاته: «شرح العمدة» في نحو ثمان مجلدات، و «شرح ألفية ابن مالك» وكتاب «النظائر والفروق» و «شرح التسهيل» وله كتاب في التفسير مطول جدا، التزم فيه أن لا ينقل فيه حرفا من كتاب من تفسير من تقدّمه، وهذا عجب عجيب، وسماه «اللّاحق السابق» وكان يقول الناس اليوم رافعية لا شافعية، ونووية لا نبوية. توفي في شهر ربيع الأول. قاله ابن قاضي شهبة. وفيها أبو عبد الله شمس الدّين محمد بن عيسى بن حسين بن كثير كرّ [2] ، الشيخ المسند الحنبلي البغدادي [3] شيخ الزاوية جوار مسجد الحسين بالقاهرة. روى عن غازي الحلاوي من «المسند» مواضع، وتوفي بالقاهرة.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (349) و «النجوم الزاهرة» (11/ 13) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 248- 249) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 90- 91) و «الدّرر الكامنة» (4/ 71) و «البداية والنهاية» (14/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 176- 178) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» : إلى: «ابن كثير» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «الوافي بالوفيات» (4/ 305) و «الدّرر الكامنة» (4/ 245) و «المقصد الأرشد» (2/ 482) .

وفيها أقضى القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج المقدسي ثم الصّالحي الرّاميني الحنبلي [1] الشيخ الإمام العلّامة، وحيد دهره، وفريد عصره، شيخ الإسلام، وأحد الأئمة الأعلام. سمع من عيسى المطعّم، وغيره، وتفقه وبرع، ودرّس وأفتى، وناظر وحدّث، وأفاد، وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وتزوج ابنته، وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث. وكان آية وغاية في نقل مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه. قال عنه أبو البقاء السّبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه، وكان ذا حظّ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه. وذكره الذهبي في «المعجم «فقال: شاب عالم، له عمل ونظر في رجال السنن، ناظر وسمع، وكتب وتقدم، ولم ير في زمانه في المذاهب الأربعة من له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته «المنتقى في الأحكام» . وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدّين الحجّاوي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح، وحسبك بهذه الشهادة من مثل هذا. وحضر عند الشيخ تقي الدّين [2] ونقل عنه كثيرا. وكان يقول له: ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح. وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتّى إن ابن القيّم كان يراجعه في ذلك، وله مشايخ كثيرون، منهم: ابن مسلم، والبرهان الزّرعي، والحجّار، و [ابن] الفويرة، والقحفاوي [3] ، والمزّي، والذهبي، ونقل عنهما كثيرا. وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدّين السّبكي يثني عليه كثيرا. قال ابن كثير: وجمع مصنّفات منها على «المقنع» نحو ثلاثين مجلدا، وعلى

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (352) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 252) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 99- 100) و «الدّرر الكامنة» (4/ 261) و «المقصد الأرشد» (2/ 517) و «الجوهر المنضد» ص (112- 114) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 43) و «القلائد الجوهرية» (1/ 161) . [2] يعني ابن تيمية رحمه الله. [3] في «آ» و «ط» : «والبخاري» والتصحيح من «المقصد الأرشد» .

«المنتقى» مجلدين. وكتاب «الفروع» أربع مجلدات قد اشتهر في الآفاق، وهو من أجلّ الكتب وأنفعها وأجمعها للفوائد لكنه لم يبيضه كلّه ولم يقرأ عليه، وله كتاب جليل في أصول الفقه حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره وله «الآداب الشرعية الكبرى» مجلدان و «الوسطى» مجلد و «الصّغرى» مجلد لطيف. ونقل في كتابه «الفروع» في باب ذكر أصناف الزكاة أبياتا رويت عن يحيى بن خالد بن برمك في ذمّ السؤال وهي: ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا ولو نال الغنى بسؤال وإذا بليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرّم المفضال وإذا السّؤال مع النّوال وزنته ... رجح السّؤال وخفّ كلّ نوال توفي ليلة الخميس ثاني رجب بسكنه بالصّالحية ودفن بالرّوضة بالقرب من الشيخ موفق الدّين [1] ولم يدفن بها حاكم قبله، وله بضع وخمسون سنة.

_ [1] يعني ابن قدامة المقدسي رحمه الله.

سنة أربع وستين وسبعمائة

سنة أربع وستين وسبعمائة فيها اشتدّ الوباء والطّاعون بالبلاد الشّامية والمصرية [1] . وفيها خلع يلبغا وغيره من الأمراء السلطان صلاح الدّين المنصور محمدا محتجين باختلال عقله، خلعوه بحضرة الخليفة والقضاة، ثم سجن بقلعة الجبل وبايعوا شعبان بن الأمجد حسين بن الناصر محمد ولقّب بالأشرف شعبان. وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد [بن عبد الرحمن] [2] بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي الشافعي، المعروف بابن النّقيب [3] . سمع بدمشق من ابن الشّحنة، والفزاري، وابن العطّار، وغيرهم. وبالقاهرة من جماعة وأخذ القراءات عن الشّهاب الكفري، والنحو عن أبي حيّان، والمجد التّونسي، والأصول عن الأصفهاني، وولي عدة مدارس وإفتاء دار العدل، وناب في الحكم عن ابن المجد. قال ابن كثير: كان بارعا في القراءات والنحو والتصريف، وله يد في الفقه وغيره. توفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة الصّوفية.

_ [1] في «ط» : «والعربية» وهو خطأ. وقد ذكر هذا الخبر الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (112) من المنسوخ. [2] ما بين القوسين سقط من «آ» . [3] انظر «ذيول العبر» ص (363- 364) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 18) و «الوفيات» (2/ 266) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 130- 131) و «طبقات الشافعية» (3/ 102- 103) و «الدّرر الكامنة» (1/ 115) .

وفيها شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد الشّيرجي الزّاهد الحنبلي [1] المعيد بالمستنصرية ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها صلاح الدّين أبو الصّفا خليل بن أيبك بن عبد الله الصّفدي الشافعي [2] . مولده بصفد في سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة، وسمع الكثير، وقرأ الحديث، وكتب بعض الطّباق، وأخذ عن القاضي بدر الدّين بن جماعة، وأبي الفتح بن سيّد النّاس، والتّقي السّبكي، والحافظين أبي الحجّاج المزّي، وأبي عبد الله الذهبي، وغيرهم. وقرأ طرفا من الفقه، وأخذ النحو عن أبي حيّان، والأدب عن ابن نباتة، والشّهاب محمود ولازمه، ومهر في فنّ الأدب، وكتب الخطّ المليح، وقال النّظم الرائق، وألّف المؤلّفات الفائقة، وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق، ثم ولي كتابة السرّ بحلب، ثم وكالة بيت المال بالشام، وتصدى للإفادة بالجامع الأموي، وحدّث بدمشق وحلب وغيرهما. ذكره شيخه الذهبي في «المعجم المختص» فقال: الإمام العالم الأديب البليغ الأكمل، طلب العلم، وشارك في الفضائل، وساد في علم الرسائل، وقرأ الحديث، وكتب المنسوب، وجمع وصنّف، والله يمده بتوفيقه. سمع مني وسمعت منه، وله تآليف وكتب وبلاغة. انتهى. وذكر له السبكي في «الطبقات الكبرى» ترجمة مبسوطة مشتملة على فوائد ووقفت على ترجمة كتبها لنفسه نحو كرّاسين ذكر فيها أحواله ومشايخه وأسماء مصنّفاته وهي نحو الخمسين مصنّفا، منها ما أكمله، ومنها ما لم يكمله. قال:

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 265) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (91- 92) و «النجوم الزاهرة» (11/ 19- 21) و «الدليل الشافي» (1/ 290- 291) و «ذيول العبر» ص (364) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 5- 32) و «الوفيات لابن رافع» (2/ 268- 270) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 134- 136) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 119- 121) و «الدّرر الكامنة» (2/ 87) .

وكتبت بيدي ما يقارب خمسمائة مجلد. قال: ولعل الذي كتبت في ديوان الإنشاء ضعفا ذلك وذكر جملة من شعره. توفي بدمشق في شوال ودفن بالصّوفية. قاله ابن قاضي شهبة. وفيها بهاء الدّين عبد الوهاب بن عبد الولي بن عبد السلام المراغي المصري الإخميمي ثم الدمشقي الشافعي [1] الزّاهد القدوة. مولده في حدود سنة سبعمائة. اشتغل بالعلم وأشغل به، وحفظ «الحاوي الصغير» وسمع الحديث. قال ابن رافع: وجمع كتابا في أصول الفقه والدّين. وقال ابن كثير: كان له يد في أصول الدّين والفقه، وصنّف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة. وقال السبكي: أخذ بالقاهرة عن الشيخ تقي الدّين السّبكي، ولازم الشيخ علاء الدّين القونوي، ثم خرج إلى الشام واستوطنها. وكان إماما، بارعا في علم الكلام والأصول، ذا قريحة صحيحة وذهن صحيح وذكاء مفرط، وعنده دين كثير وتأله وعبادة ومراقبة، وصبر على خشونة العيش، وكان بيني وبينه صداقة وصحبة ومحبة ومراسلات كثيرة في مباحث جرت بيننا أصولا وكلاما وفقها، وصنّف في علم الكلام كتابا سمّاه «المنقذ من الزّلل في العلم والعمل» وأحضره إليّ لأقف عليه، فوجدته قد سلك طريقا انفرد بها وفي كتابه مويضعات يسيرة لم أرتضها. توفي في ذي القعدة مطعونا، ودفن بتربته داخل البلد. ومراغة: بفتح الميم وكسرها قرية من الصّعيد، إليها ينسب المترجم [2] .

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (365- 366) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 123- 124) و «البداية والنهاية» (14/ 304) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 276- 277) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 140- 141) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 138- 139) و «الدّرر الكامنة» (2/ 425) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 203) . [2] انظر «الروض المعطار» ص (535) وقد ذكر فيه بأنها على ضفة النيل.

ومراغة أيضا بلدة من بلاد أذربيجان [1] خرج منها جماعة من الأئمة والمحدّثين، وهي بفتح الميم ليس إلا. وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن عيسى بن عمر الباريني الشافعي [2] ، أحد مشايخ العلم بحلب. ولد ببارين قرية من حماة [3] سنة إحدى وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ شرف الدّين البارزي، وسمع من الحجّار وغيره، وسكن حلب. وكان إماما، عالما، فاضلا، فقيها، فرضيا، نحويا، أديبا، شاعرا، بارعا، ورعا، زاهدا، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر. درّس بعدة مدارس، وأخذ عنه الشيخ شمس الدّين بن الرّكن، وشمس الدّين الببائي، وشرف الدّين الدّاديخي، وغيرهم. وألّف في الفرائض والعربية، وكتب المنسوب. توفي بحلب في شوال ودفن خارج باب المقام، وقال فيه ابن حبيب: حلب تغيّر حالها لمّا اختفى ... من فضل زين الدّين عنها ما ظهر ومدارس الفقها بها قد أقفرت ... من بعد عامرها أبي حفص عمر وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن محمود بن أبي بكر الحرّاني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [4] الشيخ الصّالح. سمع من ابن القواس، والشرف بن عساكر، وعيسى المطعّم، وغيرهم. وسمع «صحيح البخاري» على اليونيني، وحدّث وسمع منه الحسيني، وشهاب الدّين بن رجب، وذكراه في «معجميهما» .

_ [1] انظر «معجم البلدان» (1/ 128) . [2] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 17) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 274) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 133) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 147- 148) و «الدّرر الكامنة» (3/ 183- 184) و «بغية الوعاة» (2/ 222) . [3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 320- 321) : بارين، مدينة حسنة بين حلب وحماة من جهة الغرب. [4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 272) و «الدّرر الكامنة» (3/ 190) و «المقصد الأرشد» (2/ 307) .

توفي في هذه السنة بدمشق ودفن بمقبرة السّالف ظاهر دمشق. وفيها عماد الدّين محمد بن الحسن بن علي بن عمر القرشي الأموي الإسنائي المصري الشافعي [1] . ولد بأسنا في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة، واشتغل بها على والده في الفقه والفرائض والحساب، إلى أن مهر في ذلك، ثم ارتحل إلى القاهرة، وأخذ عن مشايخها، وأخذ بحماة عن القاضي شرف الدّين البارزي. وسمع من جماعة. ذكره أخوه في «طبقاته» فقال: كان فقيها، إماما في علم الأصلين والخلاف والجدل وعلم التصوف، نظّارا، بحّاثا، فصيحا، حسن التّعبير عن الأشياء الدقيقة بالألفاظ الرّشيقة، ديّنا، خيّرا، كثير البرّ والصّدقة، رقيق القلب، طارحا للتكلف، مؤثرا للتقشف، برع في العلوم ولم يبق له في الأصلين والخلاف والجدل نظير، ولا من يقاربه في ذلك من أشياخه وغيرهم. صنّف مختصرا في علم الجدل سمّاه «المعتبر في علم النّظر» ثم وضع عليه شرحا جيدا. وصنّف في التصوف كتابا سمّاه «حياة القلوب» وتصنيفا في الردّ على النصارى. وناب في الحكم في القاهرة، وأضيف إليه نظر الأوقاف بها، وأوصى أن يعاد إلى من بعده قدر ما تناوله من المعلوم [2] . توفي في شهر رجب ودفن بتربة أخيه بمقبرة الصّوفية. وفيها صلاح الدّين محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن ابن شاكر بن هارون بن شاكر الكتبي الدّاراني ثم الدمشقي [3] المؤرّخ. سمع من ابن

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 17) و «ذيول العبر» ص (368) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 121- 122) و «الدّرر الكامنة» (3/ 421) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 182- 184) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 161- 163) . [2] يعني من الراتب. [3] انظر «ذيول العبر» ص (369) و «الوفيات» لابن رافع (3/ 263- 264) و «ذيل العبر» لابن العراقي ص (128) و «البداية والنهاية» (14/ 303) .

الشّحنة والمزّي، وغيرهما. وكان فقيرا جدا، ثم تعانى التجارة في الكتب فرزق منها مالا طائلا. توفي في رمضان. قاله في «الدّرر» . وفيها جمال الدّين أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمّام بن حسين بن يوسف الدمشقي [1] الشافعي الخطيب. ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «التعجيز» لابن يونس، وتفقّه على عمّه القاضي جمال الدّين، وتصدّر بالجامع الأموي، وأفتى ودرّس بالظّاهرية البرّانية، وناب في الحكم عن عمّه يوما واحدا، ثم ولي خطابة دمشق سنة تسع وأربعين، وأعرض عن الجهات التي في يده، واستمرّ في الخطابة إلى حين وفاته، مواظبا على الاشتغال [2] والإفتاء والعبادة. وكان معظّما، جاء إليه السلطان ويلبغا فلم يعبأ بهما، وسلّم عليهما وهو بالمحراب. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: شارك في الفضائل، وعني بالرّجال، ودرّس، وأشغل، وتقدم مع الدّين والتّصوف. وقال السبكي في «الطبقات» : بعد ترجمة حسنة: قلّ أن رأيت نظيره. توفي في شهر رمضان ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] انظر «ذيول العبر» ص (367- 368) و «المعجم المختص» ص (279) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 265- 266) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 385- 386) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 392- 393) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 129) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 184) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 346- 347) و «القلائد الجوهرية» (2/ 442- 443) . [2] في «ط» : «الاشغال» وما جاء في «آ» موافق لما جاء في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف.

سنة خمس وستين وسبعمائة

سنة خمس وستين وسبعمائة توفي فيها أبو جعفر أحمد بن عبد الحقّ بن محمد بن عبد الحقّ المالكي المالقي الجدلي النحوي، يعرف بابن عبد الحق [1] . قال في «تاريخ غرناطة» : من صدور أهل العلم، متضلع من صناعة العربية، حائز قصب السّبق فيها، عارف بالفروع والأحكام، مشارك في الأصول والأدب والطبّ، قائم على القراآت [2] تصدّر للإقراء ببلده، وقضى ببلّش وغيرها، فحسنت سيرته. قرأ على أبي عبد الله بن بكر، ولازمه، وتلا على أبي محمد بن أيوب، وروى عن أبي عبد الله الطّنجانيّ [3] وغيره. مولده ثامن شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، ومات يوم الجمعة سابع عشري رجب. وفيها شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سليمان الشّيرجيّ [4] البغدادي الحنبلي [5] ، الشيخ الصّالح العالم. سمع من الشيخ عفيف الدّين الدّواليبي «مسند الإمام أحمد» ومن علي بن

_ [1] انظر «الإحاطة في تاريخ غرناطة» (1/ 180- 182) . [2] في «الإحاطة» : «القراءات» . [3] في «ط» : «الطلجاني» وهو خطأ. [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «السّرجي» والتصحيح من مصدري الترجمة. [5] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 265) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) .

حصين، وقرأ بالروايات، واشتغل بالفقه، وأعاد بالمستنصرية. وكان فيه ديانة وزهد وخير، وله شعر مدح به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي التّتريّ [1] لأن التتار أسروه. وقال الحسيني: لأن الفرنج أسروه سنة قازان. سمع من سليمان بن حمزة، وتفقه في مذهب الإمام أحمد، وله مشايخ كثيرة. وحدّث، وسمع منه الحسيني، والمقرئ ابن رجب وذكراه في «معجميهما» وكان فاضلا، متعبدا، حسن الأخلاق والملتقى. توفي بالصّالحية يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة ودفن عند جدّه الشيخ أبي عمر. وفيها القاضي جمال الدّين أبو حفص عمر بن إدريس الأنباري ثم البغدادي الحنبلي [2] الشهيد الإمام الفاضل. قرأ على البابصري وغيره، وتفقه حتّى مهر في المذهب ونصره، وأقام السّنّة، وقمع البدعة ببغداد، وأزال المنكرات. وكان إماما في التّرسل والنّظم، وله نظم في مسائل الفرائض، وارتفع حتّى لم يكن في المذهب أجمل منه في زمانه، فغضب عليه جماعة من الرافضة، فظفروا به، فعاقبوه مدة، فصبر إلى أن توفي [3] شهيدا، وتأسف عليه أهل بغداد،

_ [1] انظر «البداية والنهاية» (14/ 307) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 162) و «لحظ الألحاظ» ص (145) و «الدّرر الكامنة» (2/ 336) و «القلائد الجوهرية» (2/ 308) و «المقصد الأرشد» (2/ 99) . [2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 446) و «الدّرر الكامنة» (3/ 154) و «المقصد الأرشد» (2/ 294- 296) . [3] في «ط» : «إلى أن مات» .

ودفن بمقبرة الإمام أحمد بالمدرسة التي عمرها بها [1] ثم إن أعداءه أهلكهم الله تعالى وانتقم منهم جميعا سريعا، وفرح أهل بغداد بهلاكهم. وفيها القاضي جمال الدّين عبد الصّمد بن خليل الخضري الحنبلي [2] محدّث بغداد، المدرّس بالبشيرية. كان يحدّث ويملي التفسير الرّسعني من حفظه، ويحضره الخلق، منهم المدرّسون والأكابر، وله ديوان شعر حسن، وخطب ووعظ، وقد مدح الشيخ تقي الدين الزّريراتي ورثاه، ورثى الشيخ تقي الدّين بن تيمية أيضا. توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد. وفيها نور الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي الأصل الدمشقي الأصيل الفقيه الشافعي [3] . ولد في رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من جماعة، وتفقّه ودرّس وحدّث. قال ابن كثير: كان من العلماء الفضلاء، ودرّس بالناصرية البرّانية مدة سنين بعد أبيه وبغيرها. وتوفي في ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون بزاويتهم. وفيها القاضي تقي الدّين أبو اليمن محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر العمري المكي الشافعي الحرازيّ [4] .

_ [1] لفظة «بها» سقطت من «ط» . [2] انظر «البداية والنهاية» (14/ 308) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 293) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 169) و «الدّرر الكامنة» (2/ 367) و «لحظ الألحاظ» ص (145) . [3] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 311) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 285- 286) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 159) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 150- 151) و «الدّرر الكامنة» (3/ 409) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحوازي» وتصحفت في «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 176) إلى

ولد بمكّة سنة ست وسبعمائة، وسمع بها كثيرا، وتفقه على والده، ورحل إلى القاضي شرف الدّين البارزي، وأجازه بالفتوى والتدريس. وكان من الفضلاء، وصار إليه أمر الفتيا والتدريس بمكة، ثم ولي القضاء في سنة ستين، ثم أضيف إليه الخطابة، فباشرها نحو سنتين، ثم عزل عن ذلك كلّه في سنة ثلاث وستين بأبي الفضل النويري فلزم بيته حتّى مات لا يخرج منه إلّا لحج أو صلاة غالبا. وكان في قضائه عفيفا نزها وإنما عزل بسبب حكم نقم عليه أنه أخطأ فيه. توفي بمكة في جمادى الأولى. وفيها القاضي تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن إبراهيم ابن عبد الرحمن السّلمي المصري المناوي الشافعي [1] . سمع من جماعة، وتفقه على عمّه ضياء الدّين المناوي وطبقته، ودرّس، وأفتى، وحدّث، وناب في الحكم عن القاضي عزّ الدّين ابن جماعة. وكان إليه الأمر في غيبته وحضوره، وولي قضاء العسكر، ودرّس بالمشهد الحسيني وجامع الأزهر، وخطب بالجامع الحاكمي. ذكره الإسنوي في «طبقاته» وقال: كان محمود الخصال مشكور السيرة. وقال غيره: كان مهابا، صارما، لكنه قليل البضاعة في العلوم، مع صرامته في القضاء والعمل بالحقّ والنّصرة للعدل، والدّربة بالأحكام، والاعتناء بالمستحقين من أهل العلم وغيرهم. وكان القاضي عزّ الدّين قد ألقى إليه مقاليد الأمور كلّها حتّى الأقاليم. توفي في ربيع الآخر، ودفن بتربته بظاهر باب تربة الشّافعي.

_ «الحزازي» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (11/ 85) و «العقد الثمين» (1/ 367) و «الدّرر الكامنة» (3/ 348) . [1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 85) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 127) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 467) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 283) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 157) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 159) و «الدّرر الكامنة» (3/ 380- 381) .

وفيها السّيّد شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي، نزيل الشّامية الجوانية الشّافعي المؤرّخ [1] . ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل وفضل، ودرّس بالصّارمية، وأعاد بالشّامية البرّانية، وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخطّه الحسن. فمن تصنيفه «مختصر الحلية» لأبي نعيم في مجلدات، سمّاه «مجمع الأحباب» و «تفسير» كبير، و «شرح مختصر ابن الحاجب» في ثلاث مجلدات، وكتاب في أصول الدّين مجلد. وكتاب في الردّ على الإسنوي في تناقضه. وكان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا. توفي في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم. وفيها العارف بالله المحقّق محمد بن محمد بن محمد المعروف بسيدي محمد وفا والد بني وفا المشهورين الإسكندري الأصل [2] المالكيّ المذهب الشّاذليّ طريقة. ولد بثغر الإسكندرية سنة اثنتين وسبعمائة، ونشأ بها، وسلك طريقة الشيخ أبي الحسن الشّاذلي، وتخرّج على يد الأستاذ ابن باخل، ثم رحل إلى إخميم، وتزوج بها، واشتهر هناك، وصار له سمعة ومريدون وأتباع كثيرة، ثم قدم مصر وسكن الرّوضة على شاطئ النّيل، وحصل له قبول من أعيان الدولة وغيرهم، وكان له فضيلة ومشاركة حسنة ونظم ونثر ومعرفة بالأدب، وكثر أصحابه، وصاروا يبالغون في تعظيمه، وكان لوعظه تأثير في القلوب، ثم سكن القاهرة، ولم يزل أمره يشتهر وذكره ينتشر مع جميل الطريقة وحسن السيرة إلى أن توفي يوم الثلاثاء

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 328) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 160- 161) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 328) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 158) و «الدليل الشافي» (2/ 693- 694) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 142) .

حادي عشر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزار. قاله في «المنهل الصّافي» . وفيها محبّ الدّين محمد بن علي بن مسعود الطّرابلسي، المعروف بابن الملّاح النّحوي [1] . قال في «الدّرر» : كان عارفا بالعربية، وافر الدّيانة، جيد النّظم والكتابة، مات بطرابلس. وفيها فتح الدّين أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم بن أبي الفتح القلانسي الحنبلي المسند [2] . ولد في ثالث عشر ذي الحجّة سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع الكثير من ابن حمدان، والأبرقوهي، وغيرهما. وحدّث فسمع منه المقرئ ابن رجب، وذكره في «مشيخته» وقال: فيه صبر وتودد على التحدّث، سمعت عليه بالقاهرة أجزاء، منها «السّباعيات» و «الثمانيات» . توفي بالقاهرة في جمادى الأولى. وفيها تقي الدّين [اليونيني] محمد بن الشيخ الإمام المؤرّخ قطب الدّين موسى بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [3] ، هكذا نقل هذا النسب والده المؤرخ قطب الدّين الحنبلي.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 90) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 176) و «لحظ الألحاظ» ص (147) و «بغية الوعاة» (1/ 192) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (256) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 284) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة» (4/ 235) و «لحظ الألحاظ» ص (147) و «المقصد الأرشد» (2/ 522- 523) و «الجوهر المنضد» ص (138) . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 269) و «المقصد الأرشد» (2/ 521- 522) .

سمع من أولاد عمه محمد [1] وأمة العزيز، وفاطمة، وزينب أولاد الشيخ شرف الدّين اليونيني. وكان رضيّ النّفس، قليل الكلام، حسن الخلق، كثير الأدب، يحمل حاجته بنفسه. توفي يوم الأحد ثالث ذي الحجّة.

_ [1] لفظة «محمد» سقطت من «ط» .

سنة ست وستين وسبعمائة

سنة ست وستين وسبعمائة فيها حصل بمكّة والشّام غلاء شديد. وفيها توفي قطب الدّين أبو عبد الله محمد وقيل محمود بن محمد الرّازي القطب المعروف بالتّحتانيّ [1] تمييزا له عن قطب آخر. كان ساكنا معه بأعلى المدرسة الظّاهرية. كان شافعيا، إماما، ماهرا في علوم المعقول، أحد أئمتها، اشتغل في بلاده بها فأتقنها، وشارك في العلوم الشّرعية، وأخذ عن العضد وغيره بدمشق، وشرح «الحاوي» و «المطالع» و «الإشارات» وكتب على «الكشّاف» حاشية، وشرح الشمسية في المنطق. قال السيوطي: قال شيخنا الكافيجي: السّيّد، والقطب التّحتانيّ، لم يذوقا علم العربية بل كانا حكيمين. وقال السّبكي في «الطبقات الكبرى» : إمام مبرّز في المعقولات، اشتهر اسمه وبعد صيته، ورد إلى دمشق سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة، عارفا بالتفسير والمعاني والبيان، مشاركا في النحو، يتوقد ذكاء.

_ [1] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 87) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 299- 300) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 322) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 183- 184) و «الدّرر الكامنة» (4/ 339) و «بغية الوعاة» (2/ 281) و «القلائد الجوهرية» (1/ 239) .

وقال ابن كثير: كان أحد المتكلمين العالمين بالمنطق وعلم الأوائل، وله مال وثروة. توفي في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون. وفيها الشيخ نور الدّين محمد بن محمود الإمام الفقيه الحنبلي [المحدّث المعيد] المقرئ البغدادي [1] . سمع وخرّج، وقرأ وأقرأ، وتميّز. وولي الحديث بمسجد يانس بعد القاضي جمال الدّين عبد الصمد المذكور قريبا. توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (458) من مصورة مكتبتي الخاصة، وما بين الحاصرتين زيادة منه.

سنة سبع وستين وسبعمائة

سنة سبع وستين وسبعمائة في يوم الأربعاء ثاني عشر محرمها، وصل فرنج أهل قبرس [1] إلى الإسكندرية في سبعين قطعة، فعاثوا ونهبوا، وأفسدوا وقتلوا، وأسروا ورجعوا إلى بلادهم، فعندها شرعت الدولة في عمل مراكب وعمارة بقصد قبرس [1] . وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن العلّامة شمس الدّين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية الحنبلي [2] . سمع من ابن الشّحنة وغيره، واشتغل في أنواع العلوم، وأفتى ودرّس وناظر. ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: تفقّه بأبيه، وشارك في العربية، وسمع وقرأ، وتنبّه، وأسمعه أبوه بالحجاز، وطلب بنفسه، ودرّس بالصّدرية والتدمرية، وله تصدير بجامع الأموي، وشرح «ألفية ابن مالك» وسمّاه: «إرشاد السّالك إلى حلّ ألفية ابن مالك» وكان له أجوبة مسكتة. انتهى. توفي ببستانه بالمزّة يوم الجمعة مستهل صفر وصلّي عليه بجامعها، ثم بجامع جراح، ودفن عند والده بباب الصّغير وبلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة، وترك مالا كثيرا. وفيها ستّ العرب بنت محمد بن الفخر علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري [3] الشّيخة الصّالحة الحنبلية المسندة المكثرة.

_ [1] المعروفة الآن ب «قبرص» . [2] انظر «المعجم المختص» ص (66- 67) و «البداية والنهاية» (14/ 314) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 303) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 195) و «الدّرر الكامنة» (1/ 58) . [3] انظر «المقصد الأرشد» (1/ 433- 435) .

حضرت على جدّها كثيرا، وعلى عبد الرحمن بن الزّين وغيرهما، وحدّثت، وانتشر عنها حديث كثير، وسمع منها الحافظان العراقي والهيثمي، والمقرئ ابن رجب وذكرها في «معجمه» . قال ابن رافع [1] : طال عمرها، وانتفع بها. توفيت بدمشق ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفنت بسفح قاسيون، وتقدم ذكر ولدها شمس الدّين محمد. وفيها قاضي القضاة عزّ الدّين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل الدمشقي المولد المصري الشافعي [2] . ولد بدمشق في المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة، ونشأ في طلب العلم، وسمع الكثير، وشيوخه سماعا وإجازة يزيدون على ألف وثلاثمائة. قاله ابن قاضي شهبة. وتفقه على والده والوجيزي وغيرهما، وأخذ الأصلين عن الباجي، والنحو عن أبي حيّان، وولي قضاء الدّيار المصرية مدة طويلة، وجعل النّاصر إليه تعيين قضاة الشام. وحدّث، وأفتى، وصنّف، وكان كثير الحجّ والمجاورة. وكان مع نائبه القاضي تاج الدّين المناوي كالمحجور عليه، له الاسم والمناويّ هو القائم بأعباء المنصب. فلما مات عجز القاضي عزّ الدّين عن القيام به فاستعفى، وكان يعاب بالإمساك ولم يحفظ عنه في دينه ما يشينه.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن قانع» والنقل عند ابن رافع في «الوفيات» . [2] انظر «المعجم المختص» (147- 148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 89) و «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 79- 81) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 388- 390) و «العقد الثمين» (5/ 457- 460) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 305- 307) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 200) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 378- 382) .

ذكره الذهبي في «المعجم المختص» وقد مات قبله بنحو عشرين سنة، وقال فيه: الإمام، المفتي، الفقيه، المدرّس، المحدّث. قدم علينا بوالده طالب حديث في سنة خمس وعشرين، فقرأ الكثير، وسمع وكتب الطّباق، وعني بهذا الشأن. وكان خيّرا، صالحا، حسن الأخلاق، كثير الفضائل، سمعت منه وسمع منّي. انتهى. وكان يقول: أشتهي أن أموت بأحد الحرمين معزولا عن القضاء فنال ما تمنى، فإنه استعفى من القضاء في السنة التي قبلها، وحجّ فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بعقبة باب المعلاة [1] إلى جانب قبر الفضيل بن عياض، بينه وبين أبي القاسم القشيري. وفيها الملك المجاهد صاحب اليمن علي ابن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول [2] . ولي السلطنة بعد أبيه في ذي الحجّة سنة إحدى وعشرين، وثار عليه ابن عمّه الظّاهر بن المنصور فغلبه، وقبض عليه، ثم استقرّت بلاد اليمن بيد الظّاهر، وجعل تعزّ بيد المجاهد، ثم حاصره، فخرّبت من الحصار، ثم كاتب المجاهد الناصر صاحب مصر، فأرسل له عسكرا إلى أن آل أمره بعد قصص طويلة إلى أن استولى المجاهد على البلاد اليمنية جميعا. وحجّ في سنة اثنتين وأربعين وكسا الكعبة، وفرّق هناك مالا كثيرا، ولما رجع وجد [3] ولده غلب على المملكة ولقّب المؤيد، فحاربه إلى أن قبض عليه، وقتله. ثم حجّ في سنة إحدى وخمسين، فقدم بخيله على محمل المصريين، فاختلفوا

_ [1] في «آ» و «ط» : «المعلى» والصواب ما أثبته، وقد سبق التنبيه على هذا التحريف من قبل في جزء متقدم. [2] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 91) و «الدّرر الكامنة» (3/ 49) و «معجم الأنساب والأسرات الحاكمة» لزامباور ص (184- 185) وترجم له الحافظ السّخاوي ترجمة موسعة في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (126) من المنسوخ. [3] في «آ» و «ط» : «وجده» .

ووقع بينهم الحرب، فأسر المجاهد، وحمل إلى القاهرة، فأكرمه السلطان الناصر وحلّ قيده، وقرّر عليه مالا يحمله، وخلع عليه، وجهّزه إلى بلاده، واستمر إلى هذه السنة، فمات. وتسلطن بعده ولده الأفضل عبّاس. وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن سعد الله بن مسعود الخليلي الحنبلي العدل [1] . سمع من سليمان بن حمزة، وعيسى المطعّم، وغيرهما. وحدّث، فسمع منه الحسيني وقال: خرّجت له «مشيخة» و «جزءا» من عواليه، وتفقه، وشهد على الحكّام، مع الصّيانة والرئاسة والتعفّف، وقد أجاز للشّهاب ابن حجّي. توفي يوم الأربعاء ثامن عشري شوال ودفن بسفح قاسيون. وفيها مجد الدّين أبو الفضل محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضّيف بن أبي عبد الله الأنصاري البعلبكي الشافعي [2] ، قاضي بعلبك، وابن قاضيها. ولد سنة إحدى وسبعمائة في رجب، واجتهد في الطلب، ودأب. وكان من الأئمة الحفّاظ والعلماء الراسخين. قاله العلّامة ابن ناصر الدّين [3] .

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 297) و «المقصد الأرشد» (2/ 542) و «القلائد الجوهرية» (2/ 401) . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 319- 320) و «الدّرر الكامنة» (4/ 206- 207) و «النجوم الزاهرة» (11/ 98) و «لحظ الألحاظ» ص (151) . [3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (190/ ب- 191/ آ) .

سنة ثمان وستين وسبعمائة

سنة ثمان وستين وسبعمائة فيها كانت زلزلة هائلة بصفد. وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن بصيص أبو العبّاس الزّبيدي [1] . قال الخزرجي: كان وحيد دهره في النحو واللغة والعروض، متفنّنا لوذعيّا، حسن السيرة، سهل الأخلاق، مبارك التّدريس. أخذ النحو عن جماعة، وأخذ عنه أهل عصره، وإليه انتهت الرئاسة في النحو، هرعت إليه الناس [2] من أقطار اليمن. وشرح مقدمة ابن بابشاذ شرحا جيدا لم يتم، وله منظومة في القوافي والعروض، وغير ذلك، وكان بحرا لا ساحل له. مات يوم الأحد حادي عشري شعبان. وفيها آقبغا الأحمدي الجلب [3] . قال في «الدّرر» : لا لا الملك الأشرف شعبان. كان من خواص يلبغا، ثم كان ممن اتفق على قتله [4] ، واستقرّ بعده أميرا كبيرا، ثم وقع بينه وبين استدمر فآل أمره إلى أن مات في سجن الإسكندرية في ذي القعدة.

_ [1] انظر «العقود اللؤلؤية» (1/ 111) و «بغية الوعاة» (1/ 335) و «معجم المؤلفين» (1/ 310) . [2] في «ط» : «رحل الناس إليه» . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 391- 392) . [4] في «الدّرر الكامنة» : «ممن اتفق مع قتلته» .

وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح شيخ الحجاز اليافعي اليمني ثم المكيّ الشافعي [1] . ولد قبل السبعمائة بقليل، وكان من صغره تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللّعب، فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة بعث به إلى عدن، فاشتغل بالعلم، وأخذ عن العلّامة أبي عبد الله البصّال وغيره، وعاد إلى بلاده، وحببت إليه الخلوة والانقطاع والسياحة في الجبال، وصحب الشيخ علي الطواشي، وهو الذي سلّكه الطريق، ثم لازم العلم، وحفظ «الحاوي الصغير» و «الجمل» للزّجاجي، ثم جاور بمكّة، وتزوج بها. ذكره الإسنوي في «طبقاته» وختم به كتابه، وذكر له ترجمة طويلة، وقال: كان إماما، يسترشد بعلومه ويقتدى، وعلما يستضاء بأنواره ويهتدى. صنّف تصانيف [2] كثيرة في أنواع العلوم، إلا أن غالبها صغير الحجم، معقود لمسائل مفردة، وكثير من تصانيفه نظم، فإنه كان يقول الشعر الحسن الكثير بغير كلفة. ومن تصانيفه: قصيدة مشتملة على قريب من عشرين علما إلّا أن بعضها متداخل، كالتصريف مع النحو، والقوافي مع العروض، ونحو ذلك. وكان يصرف أوقاته في وجوه البرّ وأغلبها في العلم، كثير الإيثار والصّدقة، مع الاحتياج، متواضعا مع الفقر، مترفعا عن أبناء الدّنيا، معرضا عمّا في أيديهم. وكان نحيفا، ربعة من الرجال، مربّيا للطلبة والمريدين، ولهم به جمال وعزّة، فنعق بهم غراب التفريق، وشتّت شمل سالكي الطريق، فتنكرت [3] طباعه، وبدت أوجاعه، فشكا من رأسه ألما، و [من] جسمه سقما، وأقام أياما قلائل.

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 313- 314) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 579- 583) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 225) و «الدّرر الكامنة» (2/ 247- 249) و «العقد الثمين» (5/ 104- 115) و «لحظ الألحاظ» ص (152) . [2] في «آ» و «ط» : «تصانيفا» . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سكرت» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 582) مصدر المؤلف.

وتوفي وهو إذ ذاك فضيل مكّة وفاضلها، وعالم الأبطح وعاملها، يرتفع ببركة دعائه عنها الويل، وينصبّ الوبل، وتنفتح [1] أبواب السماء، فيحضر [2] منها العالي ويسيل السّافل. انتهى. وقال ابن رافع: [اشتهر ذكره وبعد صيته] [3] وصنّف كتبا، منها: «مرهم العلل المعضلة» في أصول الدّين، و «الإرشاد والتّطريز» في التّصوف، وكتاب «نشر المحاسن» وكتاب «نشر الرّوض العطر في حياة سيدنا أبي العبّاس الخضر» وغير ذلك. وكان يتعصب للأشعري، وله كلام في ذمّ ابن تيميّة، ولذلك غمزه بعض من يتعصب لابن تيميّة من الحنابلة وغيرهم. ومن شعره: وقائلة ما لي أراك مجانبا ... أمورا وفيها للتّجارة مربح فقلت لها ما لي بربحك حاجة ... فنحن أناس بالسّلامة نفرح توفي بمكّة في جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب المعلاة جوار الفضيل بن عياض. واليافعي: نسبة إلى يافع، بالياء والفاء والعين المهملة، قبيلة من قبائل اليمن من حمير. وفيها نجم الدّين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الرّويسوني الحنبلي [4] الإمام الجليل القدوة. اشتغل بالعلم، وحفظ «المحرّر» في الفقه، وأعاد بالقبة البيبرسية. وكان حسن الأخلاق، متواضعا، من أعيان الحنابلة بمصر.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وتفتح» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [2] في «آ» و «ط» : «فيحص» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي. [3] ما بين القوسين لم يرد في «الوفيات» لابن رافع الذي بين يدي. [4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 313) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 224) و «المقصد الأرشد» (2/ 137) و «لحظ الألحاظ» ص (152) .

توفي بالقاهرة يوم الخميس تاسع عشري ربيع الأول. ورويسون: من أعمال نابلس. وفيها عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي الحنفي [1] . قال في «الدّرر» : ولد قبل الثلاثين وسبعمائة، ومهر في الفقه والعربية والقراءات [والأدب] . ودرّس، وولي قضاء حماة. وكان مشكور السيرة، ماهرا في الفقه والعربية [2] ونظم قصيدة رائية من الطويل ألف بيت، ضمّنها غرائب المسائل في الفقه، وشرحها، وهي نظم [جيد] متمكن. مات في ذي الحجّة. وفيها محيي الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة [3] الشّاعر المشهور المتقدم. تعانى الأدب، ونظم وسطا، وكتب النسخ وقلم الحاشية والغبار، وتكسّب من ذلك بدمشق، وقدم القاهرة بعد السبعين، ومات بها بالقرب من ذلك. كذا قال في الدرر، وجزم مختصر ضوء السخاوي [4] أنه توفي في هذه السنة. وفيها يلبغا بن عبد الله الخاصكي النّاصري [5] الأمير الكبير الشهير، أول ما أمّره النّاصر حسن مقدم ألف بعد موت تنكز، ثم كان يلبغا رأس من قام على أستاذه الناصر حسن، حتّى قتل، وتسلطن المنصور محمد بن حاجي، فاستقرّ

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 232) و «تاج التراجم» ص (138) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح نفع الله تعالى به، و «الدّرر الكامنة» (2/ 423- 424) و «لحظ الألحاظ» ص (152) و «بغية الوعاة» (2/ 123) . [2] في «الدّرر الكامنة» : «في الفقه والأدب» وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 311- 312) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 219) و «الدّرر الكامنة» (4/ 216- 223) . [4] هو عمر بن أحمد بن علي الشماع الحلبي، المتوفى سنة (936) هـ، وسترد ترجمته في الجزء العاشر من الكتاب إن شاء الله تعالى، ومختصره هو «القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي» . [5] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 216) و «الدّرر الكامنة» (4/ 438- 440) .

أتابكه، ثم خلعه في شعبان سنة أربع وستين، وتسلطن الأشرف شعبان، فتناهت إلى يلبغا الرئاسة ولقّب نظام الملك، وصار إليه الأمر والنّهي، وهو السّلطان في الباطن والأشرف بالاسم، وارتقى إلى أن صار العدد الكثير من مماليكه نواب البلاد، ومقدّمي ألوف، واستكثر من المماليك الجلبان، وبالغ في الإحسان إليهم والإكرام حتّى صاروا يلبسون الطّرر الذهبية العريضة، فإذا وقعت الشمس عليهم تكاد من شدّة لمعانها تخطف البصر، وبلغت عدة مماليكه ثلاثة آلاف، وكان يسكن الكبش بالقرب من قناطر السّباع، وكان موكبه أعظم المواكب، وأمنت في زمنه الطّرقات من العربان والتّركمان لقطعه أخبارهم [1] وآثارهم، وكان في زمنه وقعة الإسكندرية، وأخذ الفرنج لها في أوائل سنة سبع وستين، فقام أتمّ قيام، ونزعها من أيديهم، وصادر جميع النّصارى والرّهبان، واستنقذ من جميع الديار ما بها من الأموال فحصل [2] على شيء كثير جدا، حتّى يقال: اجتمع عنده اثنا عشر ألف صليب، منها صليب ذهب زنته عشرة أرطال مصرية. وكانت له صدقات كثيرة على طلبة العلم ومعروف كثير في بلاد الحجاز، وهو الذي حطّ المكس عن الحجّاج بمكّة، وعوّض أمراءها بلدا بمصر، وكان يتعصب للحنفية، حتى كان يعطي لمن يتمذهب لأبي حنيفة العطاء الجزيل، ورتّب لهم الجامكيات الزائدة، فتحول جمع من الشافعية لأجل الدنيا حنفية، وحاول في آخر عمره أن يجلس الحنفيّ فوق الشافعي فعاجله القتل، وذلك أن مماليكه منهم اقبغا المتقدم ذكره في أول هذه السنة، اجتمعوا على قتله ففرّ، ثم جاء طائعا في عنقه منديل، فأمر السلطان بحبسه، ثم أذن في قتله، وذلك في ربيع الآخر. قاله في «الدّرر» .

_ [1] في «ط» : «أجنادهم» وهو خطأ. [2] في «ط» : «تحصل» وهو خطأ.

سنة تسع وستين وسبعمائة

سنة تسع وستين وسبعمائة في ثاني عشري محرّمها طرق الفرنج طرابلس في مائة وثلاثين مركبا، فقتلوا وأسروا، وأفسدوا ونهبوا، ورجعوا. وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن لؤلؤ المصري الشافعي [1] . ولد سنة اثنتين وسبعمائة، واشتغل بالعلم وله عشرون سنة، فأخذ الفقه عن التّقي السّبكي، والقطب السّنباطي، وغيرهما. وأخذ النحو عن أبي حيّان، وبرع واشتغل بالعلم، وانتفع به الناس، وتخرّج به فضلاء، وحدّث، وصنّف تصانيف نافعة، منها «مختصر الكفاية» في ست مجلدات، و «نكت المنهاج» في ثلاث مجلدات. وهي كثيرة الفائدة، وكتاب على «المهذّب» في مجلدين، و «تهذيب التّنبيه» مختصر نفيس. ذكره صاحبه الإسنوي فقال: كان عالما بالفقه، والقراءات، والتفسير، والأصول، والنحو، يستحضر من الأحاديث شيئا كثيرا، أديبا، شاعرا، ذكيا، فصيحا، صالحا [2] ، ورعا، متواضعا، طارحا للتكلّف، متصوفا. كثير البرّ والمروءة، حسن الصوت بالقراءة، كثير الحجّ والمجاورة بمكّة والمدينة. وافر العقل، مواظبا على الاشتغال والإشغال والتصنيف، لا أعلم في أهل العلم بعده

_ [1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 514- 515) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 260- 262) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 106- 108) و «الدّرر الكامنة» (1/ 239) و «النجوم الزاهرة» (11/ 101) و «حسن المحاضرة» (1/ 434) . [2] لفظة «صالحا» سقطت من «طبقات الشافعية» للإسنوي المطبوع الذي بين يدي فلتستدرك.

من اشتمل على صفاته، ولا على أكثرها. ولم يكتب على فتوى تورعا، ولم يل تدريسا. وكان كثير الانبساط، حلو النّادرة، فيه دعابة زائدة. توفي في شهر رمضان بمصر، ودفن بتربة الشيخ جمال الدّين الإسنوي خارج باب النّصر. وفيها عز الدّين أبو يعلى حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدران [1] الإمام العلّامة الحنبلي المعروف بابن شيخ السّلامية. سمع من الحجّار، وتفقه على جماعة، ودرّس بالحنبلية وبمدرسة السلطان حسن بالقاهرة، وأفتى وصنّف تصانيف عدة، منها على «إجماع» ابن حزم استدراكات جيدة، وشرح على «أحكام» المجد بن تيميّة، وجمع على «المنتقى في الأحكام» عدة مجلدات، وله كتاب نقض الإجماع، واختار بيع الوقف للمصلحة موافقة لابن قاضي الجبل وغيره، وصنّف فيه مصنّفا سمّاه «رفع الماقلة في منع المناقلة» . وكان له اطلاع جيد ونقل مفيد على مذاهب العلماء المعتبرين، واعتناء بنصوص أحمد وفتاوى الشيخ تقي الدّين بن تيميّة. وله فيه اعتقاد صحيح وقبول لما يقوله وينصره ويوالي عليه ويعادي فيه، ووقف درسا وكتبا بتربته بالصّالحية، وعيّن لذلك الشيخ زين الدّين بن رجب. توفي بالصّالحية ليلة الأحد حادي عشري ذي الحجّة، ودفن عند والده وجدّه عند جامع الأفرم. وفيها بهاء الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الشافعي [2] .

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 337- 338) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 267- 268) و «الدّرر الكامنة» (2/ 77) و «الدليل الشافي» (1/ 279) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 75- 76 و 260) و «القلائد الجوهرية» (2/ 325 و 422) و «المقصد الأرشد» (1/ 362- 364) . [2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 239- 240) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 326- 328) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 245- 248) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة

قال ابن شهبة: رئيس العلماء، وصدر الشافعية بالدّيار المصرية، العقيلي الطّالبي البالسي الحلبي ثم المصري. ولد سنة أربع وتسعين وستمائة [وقيل: سنة سبعمائة] [1] وسمع الحديث، وأخذ الفقه عن الزّين بن الكتّاني [2] وغيره، وقرأ النحو على أبي حيّان، ولازمه في ذلك اثنتي عشرة سنة، حتى قال أبو حيّان: ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل. وأخذ الأصول والفقه عن العلاء القونوي ولازمه، وقرأ القراءات على التّقي الصّايغ، واشتهر اسمه وعلا ذكره، وناب في الحكم عن القاضي جلال الدّين، ثم عن العزّ بن جماعة، ودرّس بزاوية الشافعي بمصر في آخر عمره، وولي التفسير بالجامع الطّولوني، وختم به القرآن تفسيرا في مدة ثلاث وعشرين سنة، ثم شرع بعد ذلك من أول القرآن، فمات في أثناء ذلك، وشرح «الألفية» شرحا متوسطا حسنا لكنه اختصر في النصف الثاني جدا. وشرح «التسهيل» شرحا متوسطا سمّاه ب «المساعد» ، وشرع في تفسير مطوّل وصل فيه إلى أثناء [سورة] النساء، وله آخر لم يكمله سماه ب «التعليق الوجيز على كتاب العزيز» . وقال ابن رافع [3] : كان قويّ النّفس، تخضع له الدولة، ولا يتردد إلى أحد، وعنده حشمة بالغة وتنطع زائد في الملبس والمأكل. وكان لا يبقي على شيء. ومات وعليه دين، وقد ولي القضاء نحو ثمانين يوما، وفرّق على الطلبة والفقهاء في ولايته مع قصرها نحو ستين ألف درهم، يكون أكثر من ثلاثة آلاف دينار. وذكره الإسنوي في «طبقاته» ولم ينصفه، وفي كلامه تحامل عليه، وكان فيه لثغة.

_ (3/ 29- 132) و «الدّرر الكامنة» (2/ 266- 269) و «النجوم الزاهرة» (11/ 100- 101) و «حسن المحاضرة» (1/ 537) و «بغية الوعاة» (2/ 47- 48) و «درة الحجال» (3/ 65- 66) . [1] ما بين الحاصرتين مستدرك من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف. [2] تحرفت في متن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة إلى «الكتناني» وجاء الصواب في حاشية التحقيق منه في أسفل الصفحة. وهو مترجم في «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 358) . [3] لم أر هذا النقل عند ابن رافع في «الوفيات» الذي بين يدي وإنما نقلها المؤلّف رحمه الله عن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة بتصرف وهي عند ابن شهبة معزوة لابن رافع.

وروى عنه سبطه جلال الدّين، والجمال بن ظهيرة، والولي العراقي. ومات بالقاهرة ليلة الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول ودفن بالقرب من الإمام الشافعي. ومن شعره: قسما بما أوليتم من فضلكم ... للعبد عند قوارع الأيّام [1] وفيها قاضي القضاة موفق الدّين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجّاوي [2] الحنبلي، الإمام العلّامة قاضي القضاة بالدّيار المصرية. سمع الحديث بالقاهرة من ابن الصوّاف وطبقته، وحدّث، فسمع منه الحافظان الزّين العراقي والهيثمي، وتفقه وأفتى، ودرّس، وباشر القضاء من سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي. ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: عالم ذكيّ خيّر، صاحب مروءة وديانة وأوصاف حميدة. [وله يد طولى في المذهب] [3] وقدم علينا، وهو طالب حديث سنة سبع عشرة، فسمع من ابن عبد الدائم، وعيسى المطعّم، وعني بالرواية، وهو ممن أحبه [في] الله، وحمدت سيرته في القضاء، وانتشر في أيامه مذهب أحمد بالديار المصرية وكثر فقهاء الحنابلة بها. انتهى. وأثنى عليه الأئمة، منهم أبو زرعة ابن العراقي، وابن حبيب.

_ [1] وأتبعه السيوطي في «بغية الوعاة» ببيت آخر هو: ما غاض ماء وداده وثنائه ... بل ضاعفته سحائب الإنعام [2] انظر «المعجم المختص» ص (127- 128) و «الوافي بالوفيات» (17/ 596- 597) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 239- 241) و «الدّرر الكامنة» (2/ 297- 298) و «النجوم الزاهرة» (11/ 99) و «المقصد الأرشد» (2/ 58- 60) و «الجوهر المنضد» ص (74- 75) وقد تصحفت «الحجّاوي» فيه إلى «الحجازي» فلتصحح. [3] ما بين القوسين لم يرد في «المعجم المختص» .

توفي نهار الخميس سابع عشري المحرم بالقاهرة، ودفن بتربته التي أنشأها خارج باب النصر. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب بن سعد أخو شمس الدّين بن قيّم الجوزية الحنبلي [1] . كان إماما قدوة. سمع من ابن عبد الدائم وعيسى المطعّم، والحجّار. وحدّث. وذكره ابن رجب في «مشيخته» وقال: سمعت عليه كتاب «التوكّل» لابن أبي الدنيا بسماعه على الشّهاب العابد [2] ، وتفرّد بالرواية عنه. توفي ليلة الأحد ثامن عشري ذي الحجّة وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن بالباب الصغير. وفيها القاضي صدر الدّين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر بن عيّاش بن عسكر، المعروف بابن الخابوري [3] الشافعي، شيخ [4] طرابلس وخطيبها ومفتيها. أخذ عن البرهان الفزاري، والزّين بن الزّملكاني، ودخل مصر، أخذ عن علمائها. وسمع وحدّث وأشغل [5] وأفاد، وولي القضاء بصفد مدة، وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة. جاء رجل بفتوى إلى الشيخ فخر الدّين المصري، فقال له: من أين أنت؟ قال: من صفد، فقال: عندكم مثل ابن الخابوري وتسألنا هو أعلم منا؟ ورد الفتوى. ثم نقل إلى قضاء طرابلس، ثم عزل واستمرّ على الخطابة.

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 339) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 269- 270) و «الدّرر الكامنة» (2/ 326) و «المقصد الأرشد» (2/ 83- 84) و «الجوهر المنضد» ص (57) . [2] في «ط» : «العابر» وهو خطأ. [3] انظر «البداية والنهاية» (14/ 107) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 322) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 238- 239) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 148- 150) و «الدّرر الكامنة» (3/ 406- 407) . [4] لفظة «شيخ» سقطت من «آ» . [5] في «ط» : «واشتغل» وهو خطأ وما جاء في «آ» موافق لما عند ابن شهبة مصدر المؤلف.

قال ابن كثير: كان فقيها، جيدا، مستحضرا للمذهب، له اعتناء جيد، وقد أذن لجماعة بالإفتاء. توفي بالمحرّم وقد جاوز السبعين، ووالده كان قاضي بعلبك. قال ابن كثير: كان أكبر أصحاب الشيخ تاج الدّين الفزاري. توفي بدمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة عن سبعين سنة. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة الشيخ المسند المعمّر الأصيل الحنبلي [1] . ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وحضر على ابن البخاري، وتفرّد عنه برواية «جزء ابن نجيب» وسمع منه الحافظان الزّين العراقي والنّور الهيثمي، والشيخ شهاب الدّين بن حجي. توفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجّة بالصّالحية ودفن بقاسيون. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد اللطيف الحرّاني ثم المصري [2] الحنبلي، الإمام القدوة. سمع «صحيح البخاري» على الحجّار، وسمع أيضا على حسن الكردي وغيره، وحدّث، فسمع منه أبو زرعة العراقي توفي في رمضان بالقاهرة. وفيها قاضي القضاة جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن التّقي عبد الله بن محمد بن محمود الشيخ الإمام العلّامة الصّالح الخاشع، شيخ الإسلام المرداوي الحنبلي [3] .

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 337) و «ذيل العبر» (1/ 267) و «الدّرر الكامنة» (3/ 482- 483) و «الجوهر المنضد» ص (120- 122) و «القلائد الجوهرية» (2/ 426- 427) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 264) و «الدّرر الكامنة» (4/ 298) و «المقصد الأرشد» (2/ 543) . [3] انظر «المعجم المختص» ص (301- 302) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 325) و «تذكرة النبيه»

ولد سنة سبعمائة تقريبا، وسمع «صحيح البخاري» من ابن عبد الدائم، وابن الشّحنة، ووزيرة، وسمع من غيرهم، وأخذ النحو عن القحفازي. وولي قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة بعد موت ابن المنجّى بعد تمنّع زائد وشروط شرطها عليهم، واستمر إلى أن عزل في سنة سبع وستين بشرف الدّين بن قاضي الجبل، وذلك لخيرة عند الله تعالى. وكان يدعو أن لا يتوفاه الله قاضيا. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: الإمام المفتي الصّالح أبو الفضل، شاب خيّر، إمام في المذهب، وله اعتناء بالإسناد. وقال الشهاب بن حجي: كان عفيفا نزها، ورعا، صالحا، ناسكا، خاشعا، ذا سمت حسن [1] ووقار، يركب الحمارة [2] ، ويفصل الحكومات بسكون، عارفا بالمذهب، لم يكن فيهم مثله، وشرح «المقنع» وجمع كتابا في الفقه سمّاه «الانتصار» ومصنّفا سمّاه «الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي» وذلك أنه اختار جواز بيع الوقف لمصلحة وحكم به. وقال ابن حبيب في «تاريخه» : عالم علمه زاهر وبرهان ورعه ظاهر، وإمام تتّبع طرائقه وتغتنم ساعاته ودقائقه. كان لين الجانب، متلطفا بالطالب، رضيّ الأخلاق، شديد الخوف والإشفاق، عفيف اللّسان، كثير التواضع والإحسان، لا يسلك في ملبسه سبيل أبناء الزّمان، ولا يركب حتّى إلى دار الإمارة غير الأتان. توفي يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول بالصالحية، ودفن بتربة الموفق بسفح قاسيون.

_ (3/ 318) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 244- 245) و «الدّرر الكامنة» (4/ 470) و «النجوم الزاهرة» (11/ 100) و «المقصد الأرشد» (3/ 145- 147) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 42- 43) و «الجوهر المنضد» ص (176- 179) و «القلائد الجوهرية» (2/ 364- 366) . [1] لفظة «حسن» لم ترد في «المقصد الأرشد» . [2] في «المقصد الأرشد» : «يركب الحمار» .

سنة سبعين وسبعمائة

سنة سبعين وسبعمائة في رجبها هلك صاحب قبرس [1] الذي هجم على بلاد [2] الإسكندرية وتولى ولده فأرسل بهدية [3] إلى السلطان [3] ، وطلب الهدنة فوقع الصّلح ولله الحمد. وفيها توفي صاحب تونس إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم [4] واستقرّ بعده ابنه أبو البقاء خالد. وفيها قاضي القضاة بدر الدّين الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي الشيخ الإمام المقدسي الأصل ثم الدمشقي [5] . سمع من جدّه، وعيسى المطعم، وغيرهما. وحدّث، ودرّس بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون، ودرس بالجوزية أيضا. وكان بيده نصف تدريسها، وناب في الحكم عن ابن قاضي الجبل. وتوفي ليلة الخميس خامس ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] المعروفة الآن ب «قبرص» . [2] لفظة «بلاد» سقطت من «ط» . [3] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [4] انظر «النجوم الزاهرة» (11/ 107) . [5] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 341- 342) و «ذيل العبر» (1/ 279) و «الدّرر الكامنة» (2/ 35- 36) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 53- 54) و «القلائد الجوهرية» (1/ 99) .

وفيها رضي الدّين أبو مدين شعيب بن محمد بن جعفر بن محمد التّونسي النّحوي [1] . قال في «الدّرر» : كان أحد أذكياء العالم. ولد في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وأخذ عن ابن عبد السلام وغيره، وكان علّامة في الفقه، والنحو، والفرائض، والحساب، والمنطق، جيد القريحة، وافر الفضل، أتقن علوما عدة، حتّى الكتابة والتّزميك، وقدم القاهرة سنة سبع وخمسين ثم توطن حماة ومات بها. وفيها القاضي شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي ثم الدمشقي الشافعي [2] . مولده سنة ست عشرة وسبعمائة بغزّة، وأخذ بالقدس عن الشيخ تقي الدّين القلقشندي، وقدم دمشق، واشتغل بها، ثم رحل إلى القاضي شرف الدّين البارزي، فتفقه عليه. وأذن له بالفتيا، ثم عاد إلى دمشق، وجدّ واجتهد، وسمع الحديث، ودرّس، وأعاد، وناب للقاضي تاج الدّين السّبكي، وترك له تدريس الناصرية الجوانية، وألّف كتاب «ميدان الفرسان» جمع فيه أبحاث الرّافعي، وابن الرّفعة، والسبكي، وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات. توفي في شهر رجب ودفن بتربة السبكيين. وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سمحان الوائلي البكري العلّامة الشافعي الأصيل، إمام أهل اللغة في عصره المعروف بابن الشّريشي [3] أخذ عن والده، وقرأ النحو

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 192) و «بغية الوعاة» (2/ 4) . [2] انظر «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 155- 156) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 345- 346) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 165- 166) و «الدّرر الكامنة» (3/ 432) و «النجوم الزاهرة» (11/ 105) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 463) . [3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 344- 345) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 282- 283) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 178- 179) و «النجوم الزاهرة» (11/ 105) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 163) و «بغية الوعاة» (1/ 44) .

على أبي العبّاس الغسّاني، وبرع في الفقه، واللغة، والغريب، ونظم الشعر. وكان يستحضر «الفائق» للزمخشري و «الصحاح» و «الجمهرة» و «النهاية» و «غريب أبي عبيد» و «المنتهى في اللغة» للبرمكي وهو أكثر من ثلاثين مجلدا. وقد عقد له مجلس بحضرة أعيان علماء دمشق وامتحن في هذه الكتب في شعبان سنة ثلاث وستين، ونزل له والده عن درس الإقبالية، وكان قليل الاختلاط بالناس منجمعا على طلب العلم، وكان أخوه شرف الدّين يقول: أخي بدر الدّين أزهد مني. قال ابن حبيب في «تاريخه» : توفي في ربيع الآخر عن ست وأربعين سنة ودفن عند والده. وفيها أقضى القضاة صلاح الدّين أبو البركات محمد بن محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد التّنوخي المعرّي الحنبلي [1] . سمع الحجّار وطبقته، وحفظ «المحرّر» ودرّس بالمسمارية والصّدرية، وناب في الحكم لعمّه قاضي القضاة علاء الدّين، ثم ناب للقاضي شرف الدّين بن قاضي الجبل. وكان من أولاد الرؤساء، ذا دين وصيانة. حدّث ودرّس، وحجّ غير مرة، وكان كريم النّفس، حسن الخلق والشكل، ذا حشمة ورئاسة، على قاعدة أسلافه. توفي ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر، وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن بتربتهم بالصّالحية وقد جاوز الخمسين.

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 343- 344) و «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 279- 280) و «الدّرر الكامنة» (4/ 239- 240) و «المقصد الأرشد» (2/ 523- 524) و «الجوهر المنضد» ص (156) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 120) و «القلائد الجوهرية» (2/ 500) .

سنة إحدى وسبعين وسبعمائة

سنة إحدى وسبعين وسبعمائة فيها توفي قاضي القضاة شرف الدّين أبو العبّاس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلي، الشيخ الإمام، جمال الإسلام، صدر الأئمة الأعلام، شيخ الحنابلة، المقدسي الأصل ثم الدمشقي المشهور بابن قاضي الجبل [1] . مولده على ما كتبه بخطّه في الساعة الأولى من يوم الاثنين تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وكان متفننا، عالما بالحديث وعلله، والنحو، واللغة، والأصلين، والمنطق. وله في الفروع القدم العالي. قرأ على الشيخ تقي الدّين بن تيميّة عدة مصنّفات في علوم شتّى، وأذن له في الإفتاء فأفتى في شبيبته، وسمع في الصّغر من الفرّاء، وابن الواسطي، ثم طلب بنفسه بعد العشر وسبعمائة، وأجازه والده، والمنجّى التنوخي، وابن القوّاس، وابن عساكر. وفي مشايخه كثرة. ودرّس بعدة مدارس، ثم طلب في آخر عمره إلى مصر ليدرّس بمدرسة السّلطان حسن. وولي مشيخة سعيد السعداء، وأقبل عليه أهل [2] مصر وأخذوا عنه، وأقام بها مدة يدرّس ويشغل ويفتي، ورأس على أقرانه إلى أن ولي القضاء بدمشق بعد جمال الدّين المرداوي سنة سبع وستين، وكان عنده مداراة وحبّ

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (16) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 358) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 354) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 494- 295) و «الدّرر الكامنة» (1/ 120- 121) و «النجوم الزاهرة» (11/ 108) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 44- 46) و «القلائد الجوهرية» (2/ 491- 492) و «المعجم المختص» ص (16) . [2] لفظة «أهل» سقطت من «آ» .

للمنصب، ووقع بينه وبين الحنابلة، وباشر القضاء دون الأربع سنين إلى أن مات وهو قاض. وذكره الذهبي في «معجمه المختص» والحسيني فقال فيه: مفتي الفرق، سيف المناظرين. وبالغ ابن رافع وابن حبيب في مدحه. ومن إنشاده وهو بالقاهرة: الصّالحيّة جنّة ... والصّالحون بها أقاموا فعلى الدّيار وأهلها ... منّي التّحيّة والسّلام وله أيضا: نبييّ أحمد وكذا إمامي ... وشيخي أحمد كالبحر طامي واسمي أحمد وبذاك أرجو ... شفاعة أشرف الرّسل الكرام وله اختيارات في المذهب، منها «بيع الوقف للحاجة» ومنها أن النزول [عن الوظيفة] [1] تولية، وله عدة مصنّفات، منها كتاب «المناقلة في الأوقاف وما في ذلك من النزاع والخلاف» وتبعه على ذلك جماعة وكلّهم تبع للشيخ تقي الدّين [2] . توفي بمنزله بالصالحية يوم الثلاثاء رابع عشر رجب ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيخ الصّالحي المسند الشّيرازيّ الأصل ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بزغنش- بزاي مضمومة ثم غين معجمة ثم نون مضمومة ثم شين معجمة كذا ضبطه صاحب «المبدع» في كتابه «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد» - ويعرف أيضا بابن مهندس الحرم [3] .

_ [1] ما بين القوسين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الدارس في تاريخ المدارس» . [2] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى. [3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 350- 351) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 290) و «الدّرر الكامنة» (1/ 290) و «المقصد الأرشد» (1/ 181) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 125) و «القلائد الجوهرية» (2/ 419) .

ولد سنة بضع وسبعين وستمائة، وسمع على [1] الفخر بن البخاري، وحدّث فسمع منه الحسيني، وابن رجب، وغيرهما. وكان قيّم الضّيائية، رجلا، جيدا، كثير التّلاوة للقرآن، من الأخيار الصّالحين، وطال عمره، حتّى رأى من أولاده وأحفاده مائة، وهو جد المحدّث شهاب الدّين أحمد بن المهندس. توفي يوم الأحد ثامن المحرم ودفن بتربة الموفق بالرّوضة وقد قارب المائة. وفيها سري الدّين أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي بن عبد الله بن هانئ الغرناطيّ المالكي [2] . ولد سنة ثمان وسبعمائة بغرناطة، وأخذ عن جماعة من أهل بلده كابن جزي، وقدم القاهرة فذاكر أبا حيّان، ثم قدم الشام، وأقام بحماة واشتهر بالمهارة في العربية، وولي قضاء المالكية بحماة وهو أول مالكي ولي القضاء بها، ثم قضاء الشام، ثم أعيد إلى حماة، ثم دخل مصر وأقام يسيرا، وشرح «تلقين» أبي البقاء في النحو، وقطعة من «التسهيل» وكان يحفظ من الشواهد كثيرا جدا، ولم يكن من المالكية بالشام مثله في سعة علومه، وبالغ ابن كثير في الثناء عليه. قال: وكان كثير العبادة وفي لسانه لثغة في حروف متعددة، ولم يكن فيه ما يعاب إلّا أنه استناب ولده، وكان سيىء السيرة جدا، وكان يحفظ «الموطأ» ويرويه عن ابن جزي. وروى عنه ابن عشائر [3] ، والجمال خطيب المنصورية وجماعة. توفي في ربيع الآخر. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» . وفيها قاضي القضاة تاج الدّين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن موسى ابن تمّام السّبكي الشافعي [4] .

_ [1] لفظة «على» سقطت من «آ» . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 352) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 291- 292) و «الدّرر الكامنة» (1/ 380) و «بغية الوعاة» (1/ 456) وترجم له الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (147) من المنسوخ. [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ابن عساكر» والتصحيح من «بغية الوعاة» وهو محمد بن علي بن محمد السلمي الحلبي بن عشائر، وسترد ترجمته في وفيات سنة (789) من هذا المجلد ص (530) . [4] انظر «المعجم المختص» ص (152) و «البداية والنهاية» (14/ 316) و «الوفيات» لابن رافع

ولد بالقاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وسمع بمصر من جماعة، ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين، وسمع بها من جماعة، واشتغل على والده وغيره، وقرأ على الحافظ المزّي، ولازم الذهبي، وتخرّج به، وطلب بنفسه، ودأب، وأجازه شمس الدّين بن النّقيب بالإفتاء والتدريس، ولما مات ابن النّقيب كان عمره ثمان عشرة سنة، وأفتى، ودرّس، وصنّف وأشغل، وناب عن أبيه بعد وفاة أخيه القاضي حسين، ثم اشتغل بالقضاء بسؤال والده في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين، ثم عزل مدة لطيفة، ثم أعيد، ثم عزل بأخيه بهاء الدّين، وتوجه إلى مصر على وظائف أخيه، ثم عاد إلى القضاء على عادته، وولي الخطابة بعد وفاة ابن جملة، ثم عزل، وحصل له فتنة شديدة، وسجن بالقلعة نحو ثمانين يوما، ثم عاد إلى القضاء. وقد درّس بمصر والشام بمدارس كبار، العزيزية والعادلية الكبرى، والغزالية، والعذراوية، والشاميتين، والناصرية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وتدريس الشافعي بمصر والشيخونية والميعاد بالجامع الطولوني، وغير ذلك. وقد ذكره الذهبي في «المعجم المختص» وأثنى عليه. وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله. وقال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: خرّج له ابن سعد «مشيخة» ومات قبل تكميلها، وحصّل فنونا من العلم، من الفقه والأصول، وكان ماهرا فيه، والحديث والأدب، وبرع، وشارك في العربية، وكان له يد في النّظم والنثر، جيد البديهة، ذا بلاغة وطلاقة لسان وجراءة جنان، وذكاء مفرط، وذهن وقّاد، صنّف تصانيف عدة في فنون على صغر سنه وكثرة أشغاله قرئت عليه وانتشرت في حياته وبعد موته. قال: وانتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام، وحصلت له محنة بسبب

_ (2/ 362- 364) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 303- 306) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 140- 143) و «الدّرر الكامنة» (2/ 425) و «النجوم الزاهرة» (11/ 108) و «حسن المحاضرة» (1/ 328) .

القضاء وأوذي فصبر، وسجن فثبت، وعقدت له مجالس فأبان عن شجاعة وأفحم خصومه مع تواطئهم عليه، ثم عاد إلى مرتبته وعفا وصفح عمن قام عليه، وكان سيّدا، جوادا، كريما، مهيبا [1] ، تخضع له أرباب المناصب من القضاة وغيرهم. توفي شهيدا بالطّاعون في ذي الحجّة خطب يوم الجمعة وطعن ليلة السبت رابعه ومات ليلة الثلاثاء ودفن بتربتهم بسفح قاسيون عن أربع وأربعين سنة. ومن تصانيفه «شرح مختصر ابن الحاجب» في مجلدين سمّاه «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» و «شرح منهاج البيضاوي» و «القواعد المشتملة على الأشباه والنظائر» و «طبقات الفقهاء الكبرى» في ثلاثة أجزاء و «الوسطى» مجلد ضخم، و «الصّغرى» مجلد لطيف، و «الترشيح» في اختيارات والده [2] ، و «التوشيح» على التنبيه و «التصحيح» و «المنهاج» و «جمع الجوامع» في أصول الفقه وشرحه بشرح سماه «منع الموانع» و «جلب حلب» جواب عن أسئلة سأل عنها الأذرعي، وغير ذلك. وفيها موفق الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد بن علي بن شدّاد الحميري اليمني [3] . قال الخزرجي: كان فقيها، عالما، نحويا، لغويا، محدّثا، عارفا، محقّقا في فنونه، انتهت إليه الرئاسة في اليمن في القراءات، ورحل إليه الناس، وانتشر ذكره. مات ليلة الاثنين تاسع شوال. وفيها أقضى القضاة بدر الدّين أبو المعالي محمد بن محمد بن عبد اللطيف أبي الفتح بن يحيى بن علي بن تمّام الأنصاري الشافعي السّبكي [4] .

_ [1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة «مهيبا» وفي «آ» : «مهابا» . [2] قال ابن قاضي شهبة في «الطبقات» : «وفيه فوائد غريبة، وهو أسلوب غريب» . [3] ذكره عرضا البريهي في «طبقات صلحاء اليمن» ص (62) وانظر حاشية محققه الأستاذ عبد الله محمد الحبشي عليه. [4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 356- 357) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 297- 298) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 181- 183) و «الدّرر الكامنة» (4/ 189) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 254- 256) .

ولد بالقاهرة سنة أربع أو خمس أو ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جماعة بمصر والشام، وكتب بعض الطّباق، [واشتغل في فنون العلم] [1] وحصّل، ودرّس، وأفتى، وحدّث بالرّكنية وعمره خمس عشرة سنة في حياة جدّه لأمّه تقي الدّين السّبكي، وناب في الحكم لخاله تاج الدّين، ثم ولي قضاء العسكر. ولما ولي خاله بهاء الدّين قضاء الشام كان هو الذي يباشر عنه القضاء والشيخ بهاء الدّين لا يباشر شيئا في الغالب. ودرّس بالشاميتين الجوّانية أصالة والبرّانية نيابة عن خاله تاج الدّين. قال ابن كثير: وكان ينوب عن خاله في الخطابة، وكان حسن الخطابة، كثير الأدب والحشمة، متوددا إلى الناس وهم مجمعون على محبته، شابا، حسن الشكالة. توفي بالقدس في شوال، ودفن بمقابر باب الرّحمة.

_ [1] ما بين القوسين أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف. وكان مكانه في «آ» و «ط» : «وكان إماما عالما أوحد» .

سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة

سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة فيها ظهر في الشام، وحمص، وحلب، بعد العشاء حمرة عظيمة كأنها الجمر، وصارت في خلال النّجوم كالعمد البيض، حتّى سدت الأفق، ودام إلى الفجر، وخفي بسببه ضوء القمر، فتباكى النّاس وضجوا بالدعاء [1] . وفي محرّمها درّس بدمش بالمدرسة الأمينية تقي الدّين علي بن تاج الدّين عبد الوهاب السّبكي، وهو ابن سبع سنين وهذا من العجائب. وفيها توفي القدوة بدر الدّين الحسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي المجاور القرشي النابلسي الحنبلي [2] . طلب الحديث بنفسه، وسمع من عبد الله بن محمد بن أحمد بنابلس، ومن جماعة، بمصر، والإسكندرية، ودمشق. وولي إفتاء دار العدل بمصر، ودرّس بمدرسة السلطان الملك الأشرف، ورحل إلى الثّغر، وذكر الذهبي أنه علّق عنه، وصنّف «البرق الوميض في ثواب العيادة والمريض» و «شمعة الأبرار ونزهة الأبصار» . وتوفي في رابع عشر جمادى الآخرة.

_ [1] وذكر هذا الخبر أيضا ابن العراقي في «ذيل العبر» (2/ 308- 309) والحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (149- 150) من المنسوخ. [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 373- 374) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 318- 319) و «غاية النهاية» (1/ 231) و «الدّرر الكامنة» (2/ 36- 37) و «النجوم الزاهرة» (11/ 117) و «المقصد الأرشد» (1/ 336) و «الجوهر المنضد» ص (23) و «لحظ الألحاظ» ص (155) .

وفيها جمال الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم القرشي الأموي الإسنوي المصري [1] الشافعي الإمام العلّامة، منقح الألفاظ ومحقّق المعاني. ولد بأسنا في رجب سنة أربع وسبعمائة، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين، وسمع الحديث، واشتغل بأنواع العلوم، وأخذ الفقه عن الزّنكلوني، والسّنباطي، والسّبكي، والقزويني، والوجيزي، وغيرهم. والنحو عن أبي حيّان، والعلوم العقلية عن القونوي، والتّستري، وغيرهما. وانتصب للإقراء والإفادة من سنة سبع وعشرين، ودرّس التفسير بجامع طولون. وولي وكالة بيت المال، ثم الحسبة، ثم تركها وعزل من الوكالة، وتصدّى للإشغال والتّصنيف. ذكره تلميذه سراج الدّين بن الملقن في «طبقات الفقهاء» فقال: شيخ الشافعية، ومفتيهم، ومصنّفهم، ومدرّسهم، ذو الفنون: الأصول، والفقه، والعربية، وغير ذلك. وقال غيره: تخرّج به خلق كثير، وأكثر علماء الدّيار المصرية طلبته، وكان حسن الشكل، حسن التّصنيف، لين الجانب، كثير الإحسان للطلبة، ملازما للإفادة والتصنيف، من تصانيفه: «كافي المحتاج في شرح المنهاج» وصل فيه إلى المساقاة، وهو أنفع شروح «المنهاج» و «الكوكب الدّرّي» في تخريج مسائل الفقه على النحو، و «تصحيح التّنبيه» و «طبقات الشافعية» وغير ذلك. وقال السيوطي في «طبقات النّحاة» : انتهت إليه رئاسة الشافعية، وصار المشار إليه بالديار المصرية. وكان ناصحا في التعليم، مع البرّ، والدّين، والتواضع، والتودد، يقرّب الضعيف المستهان، ويحرص على إيصال الفائدة

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 370- 372) و «ذيل العبر» ص (314) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 132- 135) و «الدّرر الكامنة» (2/ 354) و «النجوم الزاهرة» (11/ 114) و «الدليل الشافي» (1/ 409) و «لحظ الألحاظ» ص (155) و «بغية الوعاة» (2/ 92- 93) و «حسن المحاضرة» (1/ 429- 434) و «درّة الحجال» (3/ 114- 115) .

للبليد، ويذكر عنده المبتدئ الفائدة المطروقة فيصغي إليه كأنّه لم يسمعها، جبرا لخاطره، مع فصاحة العبارة، وحلاوة المحاضرة والمروءة البالغة. توفي فجأة ليلة الأحد ثامن عشري جمادى الأولى بمصر، ودفن بتربة بقرب مقابر الصّوفية. وفيها أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم النّميري الحنبلي [1] ، المعروف والده بابن الصقيل. كان إماما، مسندا، جليلا، تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وأقام بها مدة، وتوفي بقلعة الجبل بالقاهرة. وفيها علاء الدّين علي بن عمر بن أحمد بن عبد المؤمن الصّوري الأصل الصالحي الحنبلي [2] الشيخ المسند الخيّر الصالح. ولد سنة اثنتين وتسعين وستمائة، وسمع من جدّه أحمد بن عبد المؤمن، والتّقي سليمان بن حمزة، وغيرهما. وأجاز له أبو الفضل بن عساكر، وابن القوّاس، ولحقه صمم [3] ، وكان يتلو القرآن كثيرا. وسمع منه الشّهاب بن حجي. توفي في العشر الآخر من جمادى الآخرة بالصّالحية ودفن بسفح قاسيون. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الزّركشي المصريّ الحنبلي [4] الشيخ الإمام العلّامة. كان إماما في المذهب، له تصانيف مفيدة، أشهرها «شرح الخرقي» لم يسبق إلى مثله، وكلامه فيه يدلّ على فقه نفسي وتصرف في كلام الأصحاب.

_ [1] انظر «حسن المحاضرة» (1/ 382) و «الدليل الشافي» (1/ 428) . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 373) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 318) وفيه: «علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن» فليصحح، و «الدّرر الكامنة» (3/ 87) و «لحظ الألحاظ» ص (155) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «صم» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» وهو عنده في القسم الذي لم يطبع بعد من الكتاب الورقة (462) من مصورة مكتبتي الخاصة.

أخذ الفقه عن قاضي القضاة موفق الدّين عبد الله الحجّاوي قاضي الدّيار المصرية، وقال ولده الشيخ زين الدّين عبد الرحمن: أخبرني والدي أن عمره- يعني عند وفاته- نحو خمسين سنة، وأن أصله من عرب بني مهنّا الذين هم من جند الشام ناحية الرّحبة. توفي ليلة السبت رابع عشري جمادى الأولى في حياة والدته الحاجة فقها، ودفن بالقرافة الصّغرى. وتوفيت والدته في خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك بن مكنون بن نجم العجلوني الدمشقي الحنبلي [1] خطيب بيت لهيا وابن خطيبها. سمع وزيرة، وأجاز له جماعة، منهم: القاسم ابن عساكر، وابن القوّاس، وحدّث، فسمع منه شهاب الدّين بن حجي «ثلاثيات البخاري» عن وزيرة. توفي في جمادى الأولى ببيت لهيا ودفن هناك. وفيها الجلال أبو ذر محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السّلمي البعلبكي [2] الحافظ ابن الخطيب المنعوت بالجلال. ذكره ابن ناصر الدّين في منظومته [3] فقال: محمّد فتى الخطيب الثّالث ... ذاك الجلال ذو علوم باحث وقال في «شرحها» [4] : مولده سنة تسع وسبعمائة بيقين. وكان إماما،

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 370) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 317) و «الدّرر الكامنة» (3/ 480) و «المقصد الأرشد» (2/ 426) و «الجوهر المنضد» ص (166) و «لحظ الألحاظ» ص (156) . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 378- 379) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 324) و «الدّرر الكامنة» (4/ 186) و «لحظ الألحاظ» ص (154) . [3] يعني في «بديعة البيان» وذكره في الورقة (26/ ب) منها. [4] يعني «التبيان شرح بديعة البيان» وذكر في الورقة (191/ آ) .

حافظا، من المتقنين، فقيها، كاتبا، ذا عربية ولغة، مع صلاح ودين. انتهى. وفيها أبو زكريا يحيى بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيني [1] المالكي النّحوي المقرئ [2] . كان إماما، عالما، عارفا بالقراءات والعربية، صالحا زاهدا. سمع ببلده من عبد الله بن أيوب، ومنه أبو حامد ابن ظهيرة، وجاور بمكّة مدّة، وأمّ بمقام المالكية، ومات بها. قاله السيوطي.

_ [1] في «آ» و «ط» : «العيني» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 410) و «بغية الوعاة» (2/ 330) و «غاية النهاية» (2/ 365) .

سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة

سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بها ابتدأ الحافظ ابن حجر كتابه «إنباء الغمر بأنباء العمر» [1] فإنه ولد في شعبانها. وفيها أمر السّلطان الملك الأشرف الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما [2] ، وفي ذلك يقول عبد الله بن جابر الأندلسي نزيل حلب: جعلوا لأبناء الرّسول علامة ... إنّ العلامة شأن من لم يشهر نور النّبوّة في كريم وجوههم ... تغني الشّريف عن الطّراز الأخضر وقال محمد بن [إبراهيم بن] بركة الدمشقي المزيّن [3] : أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف والأشرف السّلطان خصّهم بها ... شرفا ليفرقهم من الأطراف وفيها توفي الأصيل المسند نجم الدّين أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المعروف بابن النّجم الحنبلي [4] .

_ [1] طبع الكتاب في الهند سنة (1387) هـ، ثم صور في بيروت عام (1406) . وقام الأستاذ الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله بتحقيق المجلد الأول ونشره في دمشق عام (1399) هـ ولم يكمل تحقيقه ونشره فيما بعد. [2] قلت: ولا زال البعض منهم يفعله إلى أيامنا والخبر في «إنباء الغمر» (1/ 8) مع الأبيات. [3] هو محمد بن إبراهيم بن بركة العبدلي المزيّن، الأديب الشاعر، مات سنة (811) هـ. انظر «الدليل الشافي» (2/ 577- 578) و «النجوم الزاهرة» (13/ 173) . [4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 387) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 332) و «غاية النهاية» (1/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 105) و «إنباء الغمر» (1/ 21) .

ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وروى عن ابن البخاري، والتّقي بن عساكر، وغيرهما. وحدّث، وعمّر، وتفرّد. وقال ابن حجي: سمعنا منه مسموعه من «مشيخة ابن البخاري» و «أمالي ابن سمعون» . توفي ليلة الجمعة ثالث جمادى الآخرة ودفن بمقبرة جدّه. وفيها شهاب الدّين أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي المالكي [1] الفقيه المفتي، كاتب الحكم. مات في صفر وخلّف مالا كثيرا. وفيها بهاء الدّين أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمّام السّبكي [2] . ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وكان اسمه أولا تمّاما ثم غيّره أبوه بعد أن بلغ سنّ التمييز، وحفظ القرآن صغيرا، وتلا على التّقي الصّايغ، وسمع من الحجّار وغيره، واشتغل بالعلوم فمهر فيها، وأفتى ودرّس، وله عشرون سنة. وولي وظائف أبيه بالقاهرة وله إحدى وعشرون سنة لما تحوّل والده إلى قضاء الشام. قال ابن حبيب: إمام، علم، زاخر اليّم، مقرون بالوفاء الجم، وفضله مبذول لمن قصد وأمّ، وقلمه كم باب عدل فتح، وكم شمل معروف منح، وكان مواظبا على التّلاوة والعبادة وهو القائل: أتتني فأولتني [3] الّذي كنت طالبا ... وحيّت فأحيت لي منى ومآربا وقد كنت عبدا للكتابة أبتغي ... فرقّت على رقّي فصرت مكاتبا

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 115) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (29) وقد سقط اسمه من الفهرس فليستدرك ص 227 «الوفيات» لابن رافع (2/ 388- 389) و «الوافي بالوفيات» (7/ 246- 252) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 334) و «العقد الثمين» (3/ 383) و «الدّرر الكامنة» (1/ 210) و «إنباء الغمر» (1/ 21) و «النجوم الزاهرة» (11/ 121- 122) و «بغية الوعاة» (1/ 242) . [3] في «ط» : «فآلتني» ورواية «إنباء الغمر» : «فآتتني» .

وقال فيه والده وقد حضر درسه دروس أحمد خير من دروس عليّ ... وذاك عند عليّ غاية الأمل فقال الصلاح الصّفدي بديها: لأنّ في الفرع ما في الأصل ثمّ له ... مزيّة وقياس النّاس فيه [1] جلي [2] وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: له فضائل وعلم جيد، وفيه أدب وتقوى، ساد وهو ابن عشرين سنة، ودرّس في مناصب أبيه، وأثنى على دروسه. وقال غيره: كان كثير الحج والمجاورة والأوراد والمروءة، خبيرا بأمر دنياه وآخرته، ونال من الجاه ما لم ينله غيره، وولي إفتاء دار العدل، وقضاء الشام، وقضاء العسكر. وحدّث، فسمع منه الحفّاظ والأئمة، وصنّف «عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح» أبان فيه عن سعة دائرة في الفنّ، وصنّف غير ذلك. توفي بمكّة في رجب وله ست وخمسون سنة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عثمان البكري بن المجد [3] الشاعر. كانت له قدرة على النّظم وله مدائح في الأعيان. ومن شعره قصيدة أولها: رعاهم الله ولا روّعوا ... ما لهم ساروا ولا ودّعوا مات بمنية ابن خصيب [4] في شهر رمضان.

_ [1] في «آ» : «له» . [2] رواية البيت في «الوافي بالوفيات» : لأن الفرع ما في الأصل وله ... زيادة ودليل النّاس فيه جلي [3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 278) و «إنباء الغمر» (1/ 23) و «النجوم الزاهرة» (11/ 122) . [4] تصحفت في «ط» إلى «بمينة ابن خصيب» وهي مدينة كبيرة حسنة كثيرة الأهل والسكن على شاطئ النّيل في الصعيد الأدنى. انظر «معجم البلدان» (5/ 218) .

وفيها أبو بكر بن رسلان بن نصير [1] البلقيني أخو سراج الدّين [2] . كان يتردد إلى أخيه وهو أسنّ منه بقليل، وكان على طريقة والده. قدم على أخيه في هذه السنة ليزوّج ولده جعفر، فمرض عند الشيخ ومات، فأسف عليه لأنه مات في غربة وهو شقيقه، فصار يقول: ذهب أبو بكر سيذهب عمر، فبينا هو في هذه الحال إذ سمع قارئا يقرأ: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الْأَرْضِ 13: 17 [الرّعد: 17] فعاش بعد أخيه اثنتين وثلاثين سنة، وقد أنجب أبو بكر هذا أولادا نبغ منهم رسلان، وجعفر، وناصر الدّين. وفيها تقي الدّين أبو بكر [بن] محمد العراقي ثم المصري الحنبلي [3] . كان من فضلاء الحنابلة وتوفي في جمادى الأولى. وفيها بدر الدّين الحسن بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الغني المقدسي [4] . سمع من سليمان بن حمزة وغيره، وتفقه، وبرع، وأفتى، وأمّ بمحراب الحنابلة بجامع دمشق. توفي بالصالحية في ثامن عشري شعبان. وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الجبرتي [5] المقرئ المؤدّب [6] ، نزيل مكّة. سمع بدمشق من المزّي، وبمكّة من الوادي آشي، والزّين الطّبري،

_ [1] في «ط» : «نصر» وهو خطأ. [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 24- 25) . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 466) و «إنباء الغمر» (1/ 25) و «السحب الوابلة» ص (137) ولفظة «بن» مستدركة منها جميعا. [4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 391- 392) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 339) و «إنباء الغمر» (1/ 25) و «الدّرر الكامنة» (2/ 11) و «السحب الوابلة» (1/ 150) و «المقصد الأرشد» (1/ 315- 316) و «الجوهر المنضد» ص (25) و «القلائد الجوهرية» (2/ 305) . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحيري» والتصحيح من مصادر الترجمة جميعا. [6] انظر «العقد الثمين» (5/ 378) و «الدّرر الكامنة» (2/ 333) و «إنباء الغمر» (1/ 26) .

وغيرهم. وحدّث، فسمع منه أبو حامد بن ظهيرة، ومات في صفر. وفيها شمس الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن العزّ محمد بن العزّ إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصّالحي الحنبلي [1] الشيخ الإمام الخطيب الفرضي. ولد في رجب سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من ابن حمزة، وابن عبد الدائم، وغيرهما. وسمع منه شهاب الدّين بن حجي، وكان من خيار عباد الله، وله يد طولى في الفرائض، وله حلقة وخطابة بالجامع المظفّري. توفي يوم الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون. وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسن الحرّاني ثم الدمشقي، ابن المغربل، ويعرف قديما بابن سينا [2] . ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من القاسم بن مظفّر، وابن الشّيرازي، وغيرهما. وطلب بنفسه، وحصّل الكثير، وحدّث، وحجّ كثيرا. وذكره الذهبي في «المختص» . مات بحلب في حادي عشر ذي القعدة أو ذي الحجّة. وفيها سراج الدّين عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي الهندي [3] ، قاضي الحنفية بالقاهرة. تفقه على الوجيه الرّازي بمدينة دلّي [4] بالهند، والسّراج الثّقفي،

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 386- 387) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 331- 332) و «الدّرر الكامنة» (2/ 340) و «إنباء الغمر» (1/ 26- 27) و «المقصد الأرشد» (2/ 110) و «الجوهر المنضد» ص (58) و «القلائد الجوهرية» (2/ 308- 309) و «السحب الوابلة» ص (127) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (154- 155) و «الوفيات» لابن رافع (2/ 393) و «إنباء الغمر» (1/ 27- 28) و «الدّرر الكامنة» (2/ 448) . [3] انظر «تاج التراجم» ص (167) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، و «الدّرر الكامنة» (3/ 154) و «إنباء الغمر» (1/ 29) و «الفوائد البهية» ص (148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 120- 121) . [4] ذكرها أبو الفداء في «تقويم البلدان» ص (358) في معرض كلامه عن مدن الهند وقيدها فقال:

والرّكن البداوني [1] ، وغيرهم من علماء الهند. وحجّ فسمع بمكة. وقدم القاهرة نحو سنة أربعين فسمع بها، وظهرت فضائله، ثم ولي قضاء العسكر بعد أن كان ينوب عن الجمال التّركماني، ثم عزل، ثم قويت شوكته لما مات علاء الدّين التركماني، وولي ولده جمال الدّين فاستنابه، ولم يستنب غيره، فاستبدّ بجميع الأمور، وعظمت منزلته عند السلطان حسن، وقرر [2] في قضاء الحنفية استقلالا سنة تسع وستين. ومن تصانيفه: «شرح المغني» و «شرح الهداية» و «شرح بديع ابن الساعاتي» و «تائية ابن الفارض» . قال ابن حجر: كان واسع العلم، كثير الإقدام والمهابة، وكان يتعصب للصّوفية الاتحادية، وعزّر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض. مات في الليلة التي مات فيها البهاء السّبكي سابع رجب، وكان يكتب بخطّه مولدي سنة أربع وسبعمائة انتهى. وفيها زين الدّين عمر بن عثمان بن موسى الجعفري الدمشقي [3] . قال ابن حجر: تفقه، وبرع، ودرّس بالجاروخية، وخطب بجامع العقيبة. مات في نصف المحرم راجعا من الحجّ. وفيها أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي السّجزيّ [4] المكّي [5] دلّي: بدال مهملة، ولام مشدّدة مكسورتين، ثم مثناة تحتية. قلت: وتعرف الآن ب «دهلي» أو «دلهي» وهو الاسم الشائع للمدينة الآن.

_ [1] في «آ» و «ط» : «البداوي» والتصحيح من «تاج التراجم» . [2] في «ط» : «وقوي» . [3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 382) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 328) و «إنباء الغمر» (1/ 31- 32) و «الدّرر الكامنة» (3/ 176) . [4] في «آ» و «ط» : «البحيري» وفي «الدّرر» و «إنباء الغمر» : «الشحري» والتصحيح من «العقد الثمين» . [5] انظر «العقد الثمين» (8/ 81- 82) و «إنباء الغمر» (1/ 32) و «الدّرر الكامنة» (3/ 235) .

الحنفي، إمام مقام الحنفية بمكّة. صحب الشيخ أحمد الأهدل اليمني، وتزهد، ودار بمكّة وفي عنقه زنبيل. وفيها كمال الدّين محمد بن فخر الدّين أحمد بن كمال الدّين عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد بن حامد الهلالي الإسكندراني المالكي بن الرّبعي [1] قاضي الإسكندرية وابن قاضيها. ولد بها سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن مخلوف وغيره، وسمع بمكّة من عيسى المحجّي، وسمع منه الحافظ العراقي، وهو الذي أرّخه. وفيها عزّ الدّين محمد بن أبي بكر بن علي الصّوفي الصّالحي [2] أحد المسندين بدمشق. ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من ابن القواس «معجم ابن جميع» ومن إسماعيل بن الفرّاء بعض «سنن ابن ماجة» وحدّث، وتفرّد، وهو أحد من أجاز عاما. توفي بالصالحية في أحد الجمادين. وفيها جمال الدّين أبو الغيث محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق ابن الصّايغ الدمشقي [3] . سمع من الحجّار، وأسماء بنت صصرى، وغيرهما. وولي قضاء حمص وغزّة، ودرّس بالعمادية بدمشق، وأقام عند جدّه بحلب مدة، وناب في الحكم بسرمين [4] ومات في ذي الحجّة عن نحو الأربعين سنة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 32) . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 385- 386) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 330) و «إنباء الغمر» (1/ 32- 33) و «الدّرر الكامنة» (3/ 405) . [3] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 294- 295) و «ذيل العبر» (2/ 341- 342) و «إنباء الغمر» (1/ 33) و «الدّرر الكامنة» (3/ 484) و «النجوم الزاهرة» (11/ 120) . [4] سرمين: بلدة مشهورة من أعمال حلب قريبة من إدلب. انظر «معجم البلدان» (3/ 215) و «موسوعة حلب المقارنة» للأسدي (4/ 343) .

قال ابن حجر: وهو أخو شيخنا أبي اليسر أحمد. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن عيسى الاقصرائي [1] الحنفي. قدم دمشق، وسمع على المزّي وغيره، ودرّس بالعزّيّة البرّانيّة بالشرف الأعلى، وخطب بها. مات في ذي القعدة. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي [2] ثم الدمشقي بن الجواشنيّ [3] الحنفي. سمع من عيسى المطعّم، وابن عبد الدائم، وغيرهما. وعني بالعلم، وناب في الحكم. توفي [في] تاسع ربيع الآخر عن ستين سنة وأشهر. وفيها محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللّوشي [4]- بفتح اللام وسكون الواو بعدها معجمة- الغرناطي. سمع من جعفر بن الزّين «سنن النسائي الكبرى» و «الشفا» و «الموطأ» . وأخذ عن فضل المعافري. وكان عارفا بالحديث وضبط مشكله، وبالقراءات وطرقها، مشاركا في الفقه. توفي في جمادى الآخرة. وفيها شرف الدّين يحيى بن عبد الله الرّهوني- نسبة إلى رهون [5]

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 392- 393) و «ذيل العبر» (2/ 339) و «إنباء الغمر» (1/ 34) و «الدّرر الكامنة» (4/ 207) . [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 384- 385) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 330) و «إنباء الغمر» (1/ 34) و «الدّرر الكامنة» (2/ 242) . [3] في «آ» و «ط» : «الحواسني» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 35) و «الدّرر الكامنة» (4/ 298) . [5] في «ط» : «الزرهوني، نسبة إلى زرهون» وما جاء في النسخة «آ» موافق لما في «حسن المحاضرة» وهو الصواب.

جبل قرب فاس- الفقيه المالكي [1] . اشتغل، ومهر، ودرّس بالشيخونية، والحديث في الصرغتمشية، وله تخاريج وتصانيف، وتخرّج به المصريون. توفي في ثالث شوال. وفيها يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري اليلدي الحموي ابن الخباز [2] الشاعر الزجّال، تلميذ السّراج المحّار [3] . تمهّر، ونظم في الفنون، وشارك في الآداب، وكتب عنه الصّفدي وغيره، وكان يتشيّع. مات في ذي الحجّة وقد عمّر طويلا. قال الصّفدي: سألته عن مولده فقال: سنة سبع وتسعين وستمائة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 36) و «الدّرر الكامنة» (4/ 421) و «حسن المحاضرة» (1/ 460- 461) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 36- 37) و «الدّرر الكامنة» (4/ 426) و «النجوم الزاهرة» (11/ 121) . [3] هو سراج الدّين عمر بن مسعود بن عمر المحّار الكناني الحلبي، نزيل حماة. مات في دمشق سنة (711) هـ. انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 193) و «الأعلام» (5/ 66) .

سنة أربع وسبعين وسبعمائة

سنة أربع وسبعين وسبعمائة فيها كان الوباء الكثير بدمشق، دام قدر ستة أشهر، وبلغ العدد [1] في كل يوم مائتي نفر. وفيها كان الحريق بقلعة الجبل داخل الدّور السلطانية، استمرّ أياما وفسد منه شيء كثير، ويقال: إن أصله من صاعقة وقعت. وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الجعفريّ الدمشقي الحنفي [2] . برع في الفقه، وناب في الحكم، ودرّس، وتوفي في المحرّم. وفيها إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير اليمني [3] . كان عالما، صالحا، عارفا بالفقه، درّس وأفتى، وحدّث عن أبيه، وكان [4] مقيما بأبيات حسين من سواحل اليمن. وكان يلقّب ضياء الدّين. وسمع من الحجري وغيره، وحدّث. قاله ابن حجر. وفيها أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود البغدادي [5] نزيل دمشق، والد الحافظ زين الدّين بن رجب الحنبلي.

_ [1] يعني عدد الموتى. [2] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 396- 397) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 346) و «إنباء الغمر» (1/ 41) و «الدّرر الكامنة» (1/ 8) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 42) و «الدّرر الكامنة» (1/ 65) . [4] في «ط» : «فكان» . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 42- 43) و «الدّرر الكامنة» (1/ 130) .

ولد ببغداد، ونشأ بها، وقرأ بالروايات، وسمع من مشايخها، ورحل إلى دمشق بأولاده فأسمعهم بها، وبالحجاز، والقدس، وجلس للإقراء بدمشق، وانتفع به. وكان ذا خير ودين وعفاف. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الوارث البكري الفقيه الشافعي [1] وهو والد الشيخ نور الدّين الذي ولي الحسبة، وأخو عبد الوارث المالكي، وجدّ نجم الدّين عبد الرحمن. كان عارفا بالفقه والأصل والعربية، منصفا في البحث، اعتزل الناس في آخر عمره، وتوفي في رمضان. وفيها الحافظ الكبير عماد الدّين إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصرويّ [2] ثم الدمشقي الفقيه الشافعي [3] . ولد سنة سبعمائة، وقدم دمشق وله سبع سنين، سنة ست وسبعمائة مع أخيه بعد موت أبيه، وحفظ «التّنبيه» وعرضه سنة ثمان عشرة، وحفظ «مختصر ابن الحاجب» وتفقه بالبرهان الفزاري، والكمال بن قاضي شهبة، ثم صاهر المزّي. وصحب ابن تيميّة، وقرأ في الأصول على الأصبهاني. وألّف في صغره «أحكام التّنبيه» . وكان كثير الاستحضار، قليل النسيان، جيد الفهم، يشارك في العربية وينظم نظما وسطا. ذكره الذهبي في «معجمه المختص» فقال: الإمام المحدّث المفتي البارع.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 43) و «الدّرر الكامنة» (1/ 196) . [2] في «آ» و «ط» : «البصري» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] انظر «المعجم المختص» ص (74- 75) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 358- 360) و «ذيل تذكرة الحفّاظ» ص (57) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 113- 115) و «الردّ الوافر» ص (92- 95) و «إنباء الغمر» (1/ 45- 47) و «الدّرر الكامنة» (1/ 373- 374) و «النجوم الزاهرة» (11/ 123) و «طبقات الحفّاظ» ص (529) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 36- 37) و «طبقات المفسرين» (1/ 110) و «البدر الطالع» (1/ 153) ومقدمتنا لرسالته «ذكر مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضاعه» المنشورة في دار ابن كثير بتحقيقنا بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السوّاس، ضمن سلسلة نصوص تراثية عام (1407) هـ.

ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة، منهم الحسيني، و [ابن] العراقي وغيرهما. وسمع من الحجّار، والقاسم ابن عساكر، وغيرهما. ولازم الحافظ المزّي وتزوّج بابنته، وسمع عليه أكثر تصانيفه، وأخذ عن الشيخ تقي الدّين بن تيميّة فأكثر عنه. وقال ابن حبيب فيه: إمام روي التّسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل. سمع، وجمع، وصنّف، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنّف [1] ، وحدّث، وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ، والحديث، والتفسير. وهو القائل: تمرّ بنا الأيام تترى وإنّما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر فلا عائد ذاك الشّباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدّر ومن مصنفاته «التاريخ» المسمى ب «البداية والنهاية» [2] و «التفسير» [3] ، وكتاب في «جمع المسانيد العشرة» [4] واختصر «تهذيب الكمال» وأضاف إليه

_ [1] جاء في «المعجم الوسيط» (1/ 496) : شنّف الآذان بكلامه: أمتعها به. [2] نقوم بتحقيقه بالاشتراك مع عدد من الأساتذة الباحثين وفق منهج وضعه والدي الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، حفظه الله تعالى ونفع بأقواله وأعماله، معتمدين على ثلاث من مصورات نسخه الخطية الجيدة القيمة، وقد تمّ تحقيق بعض الأجزاء منه وسوف تأخذ طريقها إلى الطبع قريبا إن شاء الله تعالى في دار ابن كثير بدمشق وبيروت. [3] طبع عدة مرات في مصر والشام وبيروت، أفضلها التي أصدرتها دار المعرفة ببيروت وقام بإعداد فهارس لها الأخ الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي بالاشتراك مع الأستاذين محمد سليم إبراهيم سمارة وجمال حمدي الذهبي. وعلمت من الأخ الأستاذ علي مستو صاحب دار ابن كثير بأن الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم البنّا يقوم بتحقيقه في السعودية الآن بتكليف من إحدى دور النشر هناك. [4] واسمه «جامع المسانيد» وقد جمع فيه بين الكتب الستة، ومسند أحمد، ومسند أبي يعلى الموصلي، ومسند البزار، والمعجم الكبير للطبراني، ورتب أسماء الصحابة من رواة الأحاديث على حروف المعجم، وعرّف بكل منهم عند وروده في الكتاب لأول مرة، ثم ذكر الأحاديث التي لكل راو،

ما تأخر في «الميزان» . سمّاه «التكميل» و «طبقات الشافعية» وله «سيرة صغيرة» [1] وشرع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات إلى الحجّ، وشرح قطعة من «البخاري» وغير ذلك. وتلامذته كثيرة، منهم: ابن حجي، وقال فيه: أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها، ورجالها، وصحيحها، وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك. وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلّا واستفدت منه. وقال غيره كما قاله [2] ابن قاضي شهبة في «طبقاته» - كانت له خصوصية بابن تيميّة ومناضلة عنه واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأوذي. وتوفي في شعبان ودفن بمقبرة الصّوفية عند شيخه ابن تيميّة انتهى.

_ وذكر من روى عنهم من الصحابة والتابعين. ويعد هذا الكتاب من خيرة مصنّفات الحافظ ابن كثير في الحديث النبوي، وهو من أواخر الكتب التي صنّفها إن لم يكن آخرها، وقد توفي- رحمه الله- دون أن يتمه، غير أن ذلك لا يمنع من نشر القسم المتوفر منه، نظرا لما لآراء هذا الإمام العظيم في الأحاديث من القيمة الكبرى، ولا سيما الضعيفة منها. وقد قام بتحقيق هذا القسم الموجود من الكتاب في مصر الأخ الدكتور عبد المعطي قلعجي حفظه الله، وتتولى طبعه الآن دار الفكر ببيروت وسيصدر في سبعة وثلاثين مجلدا كما ذكر لي. ويقوم بتحقيقه في الرياض أيضا الأستاذ الشيخ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش حفظه الله، وقد صدر المجلدان الأول والثاني منه من طبعته وقد تفضل وأرسلهما لي جزاه الله تعالى خير الجزاء. [1] قلت: يريد كتابه «الفصول في اختصار سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم» ويعد هذا الكتاب أحد المصنّفات المختصرة القيمة التي تحدثت عن سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم باختصار مفيد نافع للعام والخاص، وذلك في القسم الأول منه. وأما القسم الثاني منه فقد تكلم فيه عن أحواله وشمائله وخصائصه صلّى الله عليه وسلّم باختصار نافع مفيد أيضا، الأمر الذي جعله محبّبا إلى قلوب الناس جميعا. وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في مصر طبعة سقيمة غير محققة، ثم طبع للمرة الثانية في دمشق بتحقيق الأستاذين الفاضلين د. محمد عيد الخطراوي، ومحيي الدّين مستو، وهي طبعة جيدة محررة متقنة مفهرسة نافعة، كتب لها الانتشار فأعيد طبعها عدة مرات، آخرها التي صدرت حديثا عن دار ابن كثير بدمشق ودار التراث بالمدينة المنورة. [2] في «ط» : «كما ذكره» .

وفيها أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقّاني، المعروف بابن أبي حرمة [1] . قال ابن حجر: كان فقيها، عارفا، فاضلا، زاهدا، صاحب كرامات شهيرة ببلاده، وهو من شقّان- بضم المعجمة وتشديد القاف وآخره نون من السواحل بين جدّة وحلي- انتهى. وفيها رافع بن الفزاري الحنبلي [2] ، نزيل مدرسة الشيخ أبي عمر. تفقه وعني بالحديث، وكان يقول الشعر، وولع بكتاب ابن عبد القوي «النظم» وزاد فيه وناقشه في بعض المواضع. ونسخ [منه عدة نسخ] [3] . وتوفي في ذي الحجّة بالطّاعون. وفيها أبو قمر سليمان بن محمد بن حميد بن محاسن الحلبي ثم النّيربي الصّابوني [4] . ولد سنة إحدى وسبعمائة بمصر، وأحضر على الحافظ الدّمياطي، وحدّث عن ستّ الوزراء، والحجّار. وذكره ابن رافع في «معجمه» ، وسمع منه البرهان محدّث حلب، وتوفي بالنّيرب في شهر رمضان. وفيها عبد العزيز بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحقّ أبو فارس المرّينيّ [5] صاحب فاس. لما مات أبوه أبو الحسن اعتقل، ثم أخرجه الوزير عمر بن عبد الله وبايعه

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 48) و «الدّرر الكامنة» (1/ 466) . [2] انظر «المقصد الأرشد» (1/ 397- 398) و «السحب الوابلة» ص (168) . [3] تنبيه: ما بين الحاصرتين مستدرك من «السحب الوابلة» وعزاه صاحبه ل «شذرات الذهب» ولم يرد في «آ» و «ط» منه ولعل صاحب «السحب الوابلة» قد وقف على نسخة أخرى من «الشذرات» فيها هذه الزيادة أو أنها وردت عنده من مصدر آخر، والله أعلم. وفي «المقصد الأرشد» : «ونسخ وجمع بعض المجاميع» . [4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 360) و «إنباء الغمر» (1/ 50- 51) و «الدّرر الكامنة» (2/ 162) . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 53- 55) .

وسلطنه، وذلك في شعبان سنة ثمان وستين، ثم قتل [1] الوزير لما همّ بخلعه، واستولى على أمواله، وتوجه من فاس إلى مرّاكش، ونازل أبا الفضل وقتله، ثم حارب عامر بن محمد المتغلّب بفاس حتّى هزمه، ثم ظفر به فقتله، وقتل تاشفين في سنة إحدى وسبعين، ثم ملك تلمسان يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين، ثم المغرب الأوسط، وثبتت قدمه، ودفع الثوار والخوارج، واستمال العرب، ولم يزل إلى [أن] طرقه ما لا بد منه، فمات بمعسكره من تلمسان في شهر ربيع الآخر، وتسلطن بعده ولده السّعيد محمد. وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعد [2] الأنصاري بن معاذ [3] . قال ابن حجر: كان يذكر أنه من ذرّية سعد بن معاذ الأوسي. وكان فاضلا، مشاركا في عدة علوم، متظاهرا بمذهب أهل الظّاهر، يناضل عنه ويجادل، مع شدّة بأس وقوة جنان، وكان يعاشر أهل الدولة، خصوصا القبط، وكتب بخطّه شيئا كثيرا خصوصا من كتب الكيمياء، وقد سمع من ابن سيّد النّاس ولازمه مدة طويلة، وسمع منه البرهان محدّث حلب، وأخذ عنه الشيخ أحمد القصير مذهب أهل الظّاهر، وكان يذكر لنا عنه فوائد ونوادر وعجائب. توفي بمصر في رابع شوال. وفيها علي بن الحسن بن قيس البابي الشّافعي [4] . عني بالعلم، وأفتى، وانتفع الناس به، ودرّس بالإسكندرية، ومات في صفر. وفيها عمر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم الكنانيّ الصالحي، المعروف بابن الكفتي [5] .

_ [1] في «ط» : «ثم قال» . [2] في «الدّرر الكامنة» : «خضر» . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 55- 56) و «الدّرر الكامنة» (3/ 5) . [4] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 398- 399) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 349) و «إنباء الغمر» (1/ 56) و «الدّرر الكامنة» (3/ 38) . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 56) و «الدّرر الكامنة» (3/ 148) .

سمع من ابن القوّاس «معجم ابن جميع» و «جزء ابن عبد الصّمد» وغير ذلك. وتفرّد بذلك، ومات في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة. وفيها ولي الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف العثماني الدّيباجي، المعروف بابن المنفلوطي الشافعي [1] . ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من جماعة، وتفقه، وبرع في فنون العلم، وأخذ عن النّور الأردبيلي، وحدّث، وأشغل، وكان قد نشأ بدمشق ثم طلب إلى الدّيار المصرية في أيام النّاصر حسن، ودرّس بالمدرسة التي أنشأها، والتفسير بالمنصورية، وغيرهما. قال الولي العراقي: برع في التفسير، والفقه، والأصول، والتصوف، وكان متمكنا من هذه العلوم، قادرا على التصرف فيها، فصيحا، حلو العبارة، حسن الوعظ، كثير العبادة والتّألّه. جمع وألّف، وأشغل وأفتى، ووعظ وذكّر، وانتفع النّاس به، ولم يخلّف في معناه مثله. وقال الحافظ ابن حجي: كان من ألطف الناس وأظرفهم، شكلا وهيئة، وله تآليف بديعة الترتيب. توفي في ربيع الأول، وذكر أنه لما حضرته الوفاة قال: هؤلاء ملائكة ربّي قد حضروا وبشّروني بقصر في الجنّة، وشرع يردد السلام عليكم، ثم قال: انزعوا ثيابي عنّي فقد جاءوا بحلل من الجنّة، وظهر عليه السّرور، ومات في الحال. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصّمد بن مرجان الحنبلي [2] الشيخ الصّالح القدوة، شيخ التّلقين بمدرسة

_ [1] انظر «الوفيات» لابن رافع (2/ 400) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 350) و «إنباء الغمر» (1/ 57- 59) و «الدّرر الكامنة» (3/ 306) و «النجوم الزاهرة» (11/ 125) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 358) و «إنباء الغمر» (1/ 59) و «الدّرر الكامنة» (3/ 373) و «القلائد الجوهرية» (1/ 177) و «المقصد الأرشد» (1/ 365) و «الجوهر المنضد» ص (123) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 110- 111) .

شيخ الإسلام أبي عمر. روى عن التّقي سليمان، ويحيى بن سعد الكثير، وحدّث، فسمع منه الحافظ ابن حجي، وتوفي في عاشر شعبان. وفيها الحافظ تقي الدّين أبو المعالي محمد بن جمال الدّين رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السّلّامي- بتشديد اللام- العميدي [1] المتقن المعمّر الرّحلة المصري المولد والمنشأ، ثم الدمشقي الشافعي. ولد في ذي القعدة سنة أربع وسبعمائة، وأحضره والده على جماعة، وأسمعه من آخرين، واستجاز له الحافظ الدّمياطي وغيره، ورحل به والده إلى الشام سنة أربع عشرة، وأسمعه من طائفة، ورجع به. وتوفي والده فطلب بنفسه بعد وفاته في حدود سنة إحدى وعشرين، وتخرّج في علم الحديث بالقطب الحلبي، وابن سيّد الناس، وسمع [وكتب، ثم رحل إلى الشام أربع مرات، وسمع] [2] بها من حفّاظها المزّي، والبرزالي، والذهبي، وذهب إلى بلاد الشمال، ثم قدم الشام خامسا صحبة القاضي السّبكي واستوطنها ودرّس بها بدار الحديث النّورية وبالفاضلية، وعمل لنفسه «معجما» في أربع مجلدات، وهو في غاية الإتقان والضبط، مشحون بالفضائل والفوائد، مشتمل على أكثر من ألف شيخ، وجمع وفيات ذيّل بها على البرزالي. وصنّف ذيلا على تاريخ بغداد لابن النجار أربع مجلدات، وقد عدم هو و «المعجم» في الفتن، وتخرّج به جماعة من الفضلاء وانتفعوا به، وخرّج له الذهبي «جزءا من عواليه وحدّث قديما وحديثا. وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال فيه: العالم المفيد، الرحّال المتقن، إل غير ذلك. وقال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان متقنا، محرّرا لما يكتبه، ضابطا لما ينقله، وعنه أخذت هذا العلم- أي علم الحديث- وقرأت عليه الكثير، وعلّقت

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (229- 230) و «ذيل تذكرة الحفّاظ» ص (52- 53) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 352- 355) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 166- 169) و «إنباء الغمر» (1/ 59- 62) و «الدّرر الكامنة» (3/ 439) و «النجوم الزاهرة» (1/ 124) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 94- 95) . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» .

عنه فوائد كثيرة، وكان يحفظ «المنهاج» و «الألفية» لابن مالك، ويكرر عليهما. وحصل له وسواس في الطهارة حتّى انحلّ بدنه وفسدت ثيابه وهيئته، ولم يزل مبتلى به إلى أن مات في جمادى الأولى بدمشق ودفن بباب الصغير. وقال ابن حبيب: إمام تقدم في علم الحديث ودراسته، وتميّز بمعرفة أسماء ذوي إسناده وروايته، ورحل وطلب، وسمع بمصر ودمشق وحلب، وأضرم نار التحصيل وأجج، وقرأ، وكتب، وانتقى، وخرّج، وعني بما روي عن سيّد البشر. وجمع «معجمه» [1] الذي يزيد على ألفي نفر. وكان لا يعتني بملبس ولا مأكل، ولا يدخل فيما أبهم عليه من أمر الدنيا أو أشكل، ويختصر في الاجتماع بالناس، وعنده في طهارة ثوبه وبدنه أيّ وسواس. انتهى. وفيها ظهير الدّين أبو محمد محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن قاسم بن العجمي الحلبي [2] . سمع «صحيح البخاري» و «سنن ابن ماجة» وغير ذلك. ولد سنة أربع وتسعين وستمائة. وسمع منه العراقي وأرّخه، وابن عساكر، وأبو إسحاق سبط ابن العجمي، وهو أقدم شيخ له، والبرهان آخر من روى عنه، وآخرون. وكتب الطبّاق والأجزاء، ونسخ كثيرا من الكتب بالأجرة، وكان يسترزق من الشهادة، وإذا طلب منه السماع طلب الأجرة لما يفوته من الشهادة بقدر ما يكفيه من القوت. قاله ابن حجر. وفيها شمس الدّين محمد بن فخر الدّين عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي [3] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «وجمع مسنده» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 60) وانظر «الوفيات» لابن رافع (1/ 44) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 345- 346) و «إنباء الغمر» (1/ 64) و «الدّرر الكامنة» (4/ 24) وكنيته فيه «أبو هاشم» . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 361) و «إنباء الغمر» (1/ 64- 65) و «الدّرر الكامنة» (4/ 44) .

قال ابن حجر: كان فاضلا، متواضعا، درّس بالأتابكية والقليجية، ومات في نيف وسبعين. وقال ابن كثير: كان من أحاسن الناس وفيه حشمة ورئاسة وإحسان. وأخوه شهاب الدّين أحمد [1] . كان فاضلا، رحل إلى مصر واشتغل بها، ومهر في المعقول، وولي قضاء عينتاب [2] . وأخوهما علاء الدّين [3] تلمذ للقوام الأبزازي، ومهر في الفتوى. وفيها ناصر الدّين محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري [4] الفقيه الشافعي. ولد سنة سبعمائة، واشتغل كثيرا، ثم ولي تدريس الفيّوم مدة طويلة، وكان عالما بالأصلين، والفقه، والعربية، والهيئة، وصنّف تصانيف مفيدة، وهو والد نور الدّين البكري، المعروف بابن قتيلة، مات بدهروط في شهر رمضان وهو يصلّي الصّبح. وفيها ناصر الدّين محمد بن محمد بن أحمد بن الصّفي بن العطّار [5] الدمشقي الحنفي الحاسب. نشأ في طلب العلم، وسمع الحديث، ومهر في الفقه، وبرع في الحساب، وأتقن المساحة إلى أن صار إليه [6] المنتهى في ذلك، والمرجع إليه عند الاختلاف، ولم يكن في دمشق من يدانيه في ذلك، ثم ترك ذلك بأخرة، واشتغل بالتّلاوة، وكان مأذونا له بالإفتاء ولوالده.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 65) في آخر ترجمة أخيه عثمان. [2] قلت: وهكذا تلفظ في أيامنا «عينتاب» موصولة، وهي في «معجم البلدان» (4/ 176) مفصولة «عين تاب» وقال: قلعة حصينة ورستاق بين حلب وأنطاكية وكانت تعرف بدلوك، ودلوك رستاقها، وهي الآن من أعمال حلب. [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 65) . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 66- 67) و «الدّرر الكامنة» (4/ 127) . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 67) و «الدّرر الكامنة» (4/ 168) . [6] في «ط» : «له» .

ومن شعره: حديثك لي أحلى من المنّ والسّلوى ... وذكرك شغلي كان في السّرّ والنّجوى سلبت فؤادي بالتّجنّي وإنّني ... صبرت لما ألقى وإن زادت البلوى وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي الشافعي [1] ، نزيل دمشق. ولد على رأس القرن، وكتب الخطّ المنسوب، ونظم الشعر فأجاد، وكان أكثر مقامه بطرابلس، ثم قدم دمشق، وولي خطابة يلبغا واتّجر في الكتب، فترك تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار. قال ابن حبيب: عالم علت رتبته الشهيرة، وبارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة، وبليغ تثني على قلمه ألسنة الأدب، وخطيب تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطّرب. كان ذا فضيلة مخطوبة وكتابة منسوبة، وجرى في الفنون الأدبية ومعرفة بالفقه واللغة والعربية، وله نظم «المنهاج» ونظم «المطالع» وعدة من القصائد النّبوية، وهو القائل في الذهبي لما اجتمع به: ما زلت بالطّبع أهواكم وما ذكرت ... صفاتكم قطّ إلّا همت من طربي ولا عجيب إذا ما ملت نحوكم ... والنّاس بالطّبع قد مالوا إلى الذّهب تصدّر بالجامع الأموي، وولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الصّالحي، عرف بالمنبجي [2] الحنبلي الشيخ الإمام العالم. له مصنّف في الطّاعون وأحكامه، جمعه في الطّاعون الواقع سنة أربع وستين، وفيه فوائد غريبة. وفيها بدر الدّين محمد بن شمس الدّين محمد ابن الشّهاب محمود الحلبي [3] ناظر الجيش والأوقاف بحلب. سمع على الحجّار، ومحمد بن

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 355) و «إنباء الغمر» (1/ 68- 69) . [2] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 524- 525) و «الجوهر المنضد» ص (156) و «السحب الوابلة» ص (448) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 69) .

النحّاس، وغيرهما. وحدّث وولي عدة وظائف، وأخذ عنه الحافظ العراقي وغيره، وتوفي عن خمس وسبعين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن الصالح الدمشقي المالكي القفصي [1] . سمع من الشّرف البارزي وغيره وولي مشيخة الحديث بالسّامرية، وناب في الحكم، وتوفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة. وفيها منكلي بغا بن عبد الله الشّمسي [2] أتابك العساكر بعد قتل أسندمر، وكان قبل نائب السلطنة بمصر، وولي إمرة دمشق، وحلب، وصفد، وطرابلس، وتزوّج بنت الملك الناصر، ثم بنت ابنه حسين أخت الملك الأشرف، وكان مشكور السيرة. قال ابن كثير: أثر بدمشق آثارا حسنة وأحبه أهلها، وهو الذي فتح باب كيسان، وهو من عهد نور الدّين الشهيد لم يفتح، وجدّد خطبة بمسجد الشّهرزوري، وبنى بحلب جامعا من أحسن الجوامع، وعمر الخان عند جسر المجامع والخان بقرية سعسع. وفيها شرف الدّين يعقوب ابن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب بن خطيب القلعة الحموي [3] . أخذ عن ابن جرير وغيره، ومهر في الفقه والعربية والقراءات، إلى أن انتهت إليه رئاسة العلم ببلده، وأخذ عنه أكثر فضلائها. وذكره ابن حبيب في «تاريخه» وأثنى عليه، وقال: انتهت إليه مشيخة بلده، واشتهر بالعلم والدّين والصّلاح، وكان خطيبا بليغا واعظا مذكرا.

_ [1] انظر «الوفيات» (2/ 398) و «ذيل العبر» (2/ 348) و «إنباء الغمر» (1/ 69- 70) و «الدّرر الكامنة» (4/ 296) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 361) و «إنباء الغمر» (1/ 70- 71) و «الدّرر الكامنة» (4/ 367) و «النجوم الزاهرة» (11/ 124- 125) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 71- 72) و «الدّرر الكامنة» (4/ 434) .

وفيها بهاء الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن يوسف بن أحمد بن يحيى ابن محمد بن علي بن الزّكي القرشي الدمشقي الشافعي [1] . وأجاز له في سنة خمس وتسعين وستمائة ابن عساكر، والعقيمي، والعزّ الفرّا، وآخرون. وأجاز له الرّشيد، وابن وزيرة، وابن الطبّال، وغيرهم من بغداد، وعني بالفقه والحساب، وكان يحفظ «التنبيه» وباشر نظر الأسرى وغير ذلك، وتوفي في ربيع الأول.

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 349) و «إنباء الغمر» (1/ 72) و «الدّرر الكامنة» (4/ 477) .

سنة خمس وسبعين وسبعمائة

سنة خمس وسبعين وسبعمائة فيها توفي بدر الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد ابن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري بن الخشّاب الشّافعي [1] . سمع على وزيرة، والحجّار، وابن القيم، وغيرهم. وحدّث، وناب في الحكم بالقاهرة، وكان فصيحا بصيرا بالأحكام، عارفا بالمكاتبات، ثم ولي قضاء حلب، ثم قضاء المدينة المنوّرة، وخرج منها بسبب مرض أصابه في أثناء هذه السنة، فمات في الطريق قرب ينبع. وفيها أبو بكر بن عبد الله الدّهروطي الفقيه الشافعي السّليماني [2] . قال ابن حجر: كان يحفظ الكثير من «الشّامل» لابن الصبّاغ، مع الزّهد والخير، وكان لأهل بلاده [3] فيه اعتقاد زائد، وكان يقول: إنه تجاوز المائة، ومات في شوال. وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا الحنفي القرشي [4] .

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 370) و «غاية النهاية» (1/ 8) و «إنباء الغمر» (1/ 83- 84) و «الدّرر الكامنة» (1/ 12) و «النجوم الزاهرة» (11/ 126) و «الدليل الشافي» (1/ 8) و «التحفة اللطيفة» (1/ 102- 104) و «لحظ الألحاظ» ص (159) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 372) و «طبقات الأولياء» ص (573- 576) و «إنباء الغمر» (1/ 84) . [3] في «ط» : «بلده» . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 86- 87) و «الدّرر الكامنة» (2/ 392) .

ولد سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع وهو كبير، وأقدم سماع له على ابن الصوّاف. وسمع من الرّشيد بن العلم «ثلاثيات البخاري» ومن حسين الكردي «الموطأ» ومن خلائق. ولازم الاشتغال، فبرع في الفقه، ودرّس وأفاد، وصنّف، وشرح «الهداية» سماه «العناية» وشرح «معاني الآثار للطحاوي» وعمل «الوفيات» من سنة مولده إلى سنة ستين. وصنّف «الجواهر المضية في طبقات الحنفية» [1] وغير ذلك. وتوفي في ربيع الأول بعد أن تغيّر وأضرّ. وفيها علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الكلائي البغدادي الحنبلي المقرئ، سبط الكمال عبد الحقّ [2] . ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأجاز له الدمياطي، ومسعود الحارثي، وعلي بن عيسى بن القيّم، وابن الصوّاف، وغيرهم. قال ابن حبيب: كان كثير الخير والتّلاوة، وحجّ مرارا، وجاور، وخرّج له ابن حبيب «مشيخة» . وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله [3] ابن أحمد بن النّاصح عبد الرحمن [بن محمد] [4] بن عيّاش [5] بن حامد السّوادي الأصل الدمشقي، الحنبلي، المعروف بقاضي اللّب [6] . كان من رؤساء الدمشقيين. أفتى، ودرّس، وحدّث، مع المروءة التّامّة والهيئة الحنة. وسمع منه ابن ظهيرة، ومات في ذي الحجّة.

_ [1] طبع في خمس مجلدات بدار العلوم بالرياض بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، وهي طبعة جيدة نافعة متقنة. [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 87- 88) و «الجوهر المنضد» ص (84) و «السحب الوابلة» ص (183) . [3] في «آ» : «محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ... إلخ» وفي «ط» : «محمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله ... إلخ» وما أبقيته موافق لما في مصادر الترجمة. [4] ما بين القوسين سقط من «ط» . [5] تصحفت «عيّاش» في «السحب الوابلة» إلى «عباس» فلتصحح. [6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 88) و «الدّرر الكامنة» (3/ 465) و «السحب الوابلة» ص (394) .

وفيها بدر الدّين محمد بن عبد الله الإربلي [1] الأديب المعمّر. ولد سنة ثمانين وستمائة، ومهر في الآداب، ودرّس بمدرسة مرجان ببغداد، ومات في جمادى الآخرة. وفيها تاج الدّين محمد بن عبد الله الكركي [2] . كان قاضيا ببلده، ثم بالمدينة النبوية، ثم قدم القاهرة، وولي نيابة الحكم بمصر عن ابن جماعة، وكان منفردا بذلك فيها، إلى أن مات في شعبان. وكان فاضلا، مستحضرا، مشكور السيرة. وفيها محبّ الدّين محمد بن عمر بن علي بن الحسيني القزويني ثم البغدادي [3] ، إمام جامع بغداد. كان أبوه آخر المسندين بها. حدّث عن أبيه وغيره، واشتغل بعد كبر إلى أن صار مفيد البلد، مع اللطافة، والكياسة، وحسن الخلق. توفي عن نيف وستين سنة. وفيها محمد بن عيسى اليافعي [4] الفقيه الشافعي، قاضي عدن. قال ابن حجر: كان فاضلا، خيّرا، وهو والد صاحبنا الفقيه عمر قاضي عدن. وفيها صلاح الدّين محمد بن مسعود [5] المقرئ المالكي. تلا بالسبع على التّقي الصّايغ، وكان متصديا للإقراء، حتّى إن القاضي محبّ الدّين ناظر الجيش كان يقرأ عليه.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 88) و «الدّرر الكامنة» (3/ 486) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 89) و «الدّرر الكامنة» (3/ 489) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 89) و «الدّرر الكامنة» (4/ 109) . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 89- 90) و «الدّرر الكامنة» (4/ 132) . [5] انظر «غاية النهاية» (2/ 262) و «إنباء الغمر» (1/ 90) و «الدّرر الكامنة» (4/ 257) .

وفيها محمود بن قطلوشاه السّرائي الحنفي بن عضد الدين [1] . قدم من بلاده وهو كبير فأقام بالشام مدة يشتغل، وأفاد وتخرج به جماعة، ثم أقدمه صرغتمش بعد وفاة القوام الإسنائي فولاه مدرسته، فلم يزل بها إلى أن مات، وكان غاية في العلوم العقلية والأصول والعربية والطب، مع التودد والسكون والانجماع، مع عظمة قدره عند أهل الدولة، مات في رجب عن أزيد من ثمانين سنة. قاله ابن حجر.

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 371) و «إنباء الغمر» (1/ 91- 92) و «النجوم الزاهرة» (11/ 126) و «بغية الوعاة» (2/ 280) و «حسن المحاضرة» (1/ 545- 546) .

سنة ست وسبعين وسبعمائة

سنة ست وسبعين وسبعمائة فيها توفي كمال الدّين إبراهيم بن أمين الدولة أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن هبة الله الحلبي الحنفي [1] . كان وكيل بيت المال بحلب، وولي بها عدة ولايات، وكان كاتبا مجيدا. سمع من سنقر الزّيني «البخاري» و «مشيخته» تخريج الكاملي والذهبي، ومن جماعات. وحدّث، فسمع منه ابن ظهيرة بحلب ودمشق. وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة. وفيها أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرّهاوي ثم المصري، المعروف بطفيق [2] . سمع من الكردي، والواني، والدّبوسي، والخثني [3] ، وغيرهم. وحدّث. وناب في الحسبة. سقط من سلّم فمات في ذي القعدة.

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 376) و «إنباء الغمر» (1/ 101- 102) و «الدّرر الكامنة» (1/ 6- 7) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «الطبقات السّنية» (1/ 171- 172) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 393) و «إنباء الغمر» (1/ 103- 104) و «الدّرر الكامنة» (1/ 119) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «الدليل الشافي» (1/ 43) و «الطبقات السنية» (1/ 378) . [3] تحرفت في «ط» إلى «والحسيني» .

وفيها شرف الدّين أحمد بن الحسين [1] بن سليمان الدمشقي الحنفي المعروف بابن الكفري [2] . أخذ عن أبيه وغيره، وناب في الحكم مدة، واشتغل، وتقدّم، ثم استقلّ بالحكم مدة أولها سنة ثمان وخمسين، ونزل عن القضاء لولده يوسف سنة ثلاث وستين، وأقبل على الإفادة والعبادة، وأقرأ القرآن بالروايات، حتّى مات عن خمس وثمانين سنة وقد كفّ بصره. وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الأربدي الدمشقي [3] . تفقه على ابن خطيب يبرود وغيره، وكان حنبليا ثم انتقل شافعيا فمهر في الفقه والأصول والأدب. وكان محبّبا إلى الناس، لطيف الأخلاق. أخذ القضاء عن الفخر المصري، وسمع من ابن عبد الدائم، وكانت له أسئلة حسنة في فنون من العلم. مات ليلة الجمعة تاسع عشر صفر. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي العنّابي [4] النّحوي [5] . اشتغل في بلاده، ورحل إلى أبي حيّان فلازمه، واشتهر بصحبته، وبرع في زمنه، ثم تحوّل بعده إلى دمشق، فعظم قدره، واشتهر ذكره، وانتفع به الناس، وصنّف كتبا، منها «شرح التسهيل» و «شرح التقريب» .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحسن» والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 389) و «إنباء الغمر» (1/ 104- 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «الطبقات السنية» (1/ 391) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 138) . [4] اختلف في نسبته، فقيل: «العناني» وقيل: «العنابي» وما أثبته من «ذيل العبر» لابن العراقي. [5] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 392) و «إنباء الغمر» (1/ 107) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «بغية الوعاة» (1/ 382) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 466- 467) و «درة الحجال» (1/ 98) .

قال ابن حبيب: إمام، عالم، حاز أفنان الفنون الأدبية، وفاضل ملك زمام العربية. وقال ابن حجّي: كان حسن الخلق، كريم النّفس، شافعي المذهب، مات بدمشق في تاسع عشري المحرم، وقد جاوز الستين. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد التّلمساني، المعروف بابن أبي حجلة [1] . نزيل دمشق ثم القاهرة. قال ابن حجر: ولد بزاوية جدّة بتلمسان سنة خمس وعشرين وسبعمائة، واشتغل، ثم قدم إلى الحجّ فلم يرجع، ومهر في الأدب، ونظم الكثير، ونثر فأجاد، وترسل ففاق، وعمل المقامات وغيرها، وكان حنفيّ المذهب، حنبلي الاعتقاد، كثير الحطّ على الاتحادية. وصنّف كتابا عارض به قصائد ابن الفارض، كلّها نبوية، وكان يحطّ عليه وعلى نحلته، ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم، وقد امتحن بسبب ذلك على يد السّراج الهندي. قرأت بخطّ ابن القطّان وأجازنيه. وكان ابن أبي حجلة يبالغ في الحطّ على ابن الفارض، حتّى إنه أمر عند موته فيما أخبرني به صاحبه أبو زيد المغربي أن يوضع الكتاب الذي عارض به ابن الفارض وحطّ عليه فيه معه في نعشه ويدفن معه في قبره، ففعل به ذلك. قال: وكان يقول للشافعية: إنه شافعي، وللحنفية: إنه حنفي، وللمحدّثين: إنه على طريقهم.

_ [1] انظر «ذيل العبر» (2/ 383) و «إنباء الغمر» (1/ 108- 110) و «الدّرر الكامنة» (1/ 329) و «النجوم الزاهرة» (11/ 131) و «لحظ الألحاظ» ص (162) و «حسن المحاضرة» (1/ 571- 572) و «نفح الطيب» (7/ 197- 198) و «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (172) من المنسوخ.

قال: وكان بارعا في الشعر مع أنه لا يحسن العروض. قال: وكان كثير العشرة للظّلمة ومدمني الخمر. قال: وكان جدّه من الصّالحين، فأخبرني الشّيخ شمس الدّين ابن مرزوق أنه سمّي بأبي حجلة لأن حجلة أتت إليه وباضت على كمّه. وولي مشيخة الصّهريج الذي بناه منجك. وكان كثير النّوادر، والنّكت، ومكارم الأخلاق. ومن نوادره أنه لقّب ولده جناح الدّين، وجمع مجاميع حسنة، منها «ديوان الصّبابة» [1] و «منطق الطّير» و «السجع الجليل فيما جرى من النّيل» و «السكردان» و «الأدب الغض» و «أطيب الطّيب» و «مواصيل [2] المقاطيع» و «النّعمة الشاملة في العشرة الكاملة» و «حاطب ليل» عمله كالتذكرة في مجلدات كثيرة و «نحر أعداء البحر» و «عنوان السّعادة» و «دليل الموت على الشهادة» و «بصيرات الحجال» [3] . وهو القائل: نظمي علا وأصبحت ... ألفاظه منمّقه فكلّ بيت قلته ... في سطح داري طبقه مات في مستهل ذي الحجّة وله إحدى وخمسون سنة. وفيها إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة الحموي الأصل المقدسي الشافعي [4] أخو القاضي بدر الدّين بن جماعة. ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع علي بن مزير وغيره، وناب في تدريس الصّلاحية، وخطب في المسجد الأقصى، وأفتى، ودرّس، ومات في ربيع الأول.

_ [1] طبع في مصر قديما على هامش كتاب «تزيين الأسواق» للأديب داود بن عمر الأنطاكي، ثم طبع منذ سنوات في مصر أيضا بتحقيق جديد فيما بلغني. [2] في «آ» و «ط» : «ومواصل» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [3] في «إنباء الغمر» : «قصيرات» . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 110) و «الدّرر الكامنة» (1/ 363) .

وفيها أويس بن الشيخ حسين بن حسن بن آقبغا المغلي ثم التّبريزي [1] ، صاحب بغداد وتبريز، وما معهما. بويع بالسلطنة سنة ستين، وكان محبّا للخير والعدل، شهما، شجاعا، خيّرا، عادلا، دامت ولايته تسع عشرة سنة، وقد خطب له بمكّة. عاش سبعا وثلاثين سنة. قيل: إنه رأى في النّوم أنه يموت في وقت كذا، فخلع نفسه من الملك، وقرّر ولده حسين، وصار يتشاغل بالصّيد، ويكثر العبادة، فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه. فيها بدر الدّين حسن بن علاء الدّين علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي [2] الشافعي [3] . ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع الحجّار وغيره، وناب في الحكم، وولي مشيخة سعيد السعداء، ودرّس بالشريفية، واختصر «الأحكام السلطانية» فجوّده، وكتب شيئا على «التنبيه» . ومات في شعبان عن خمس وخمسين سنة. وفيها جمال الدّين عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السّبكي [4] . مات هو، وأخوه عبد العزيز، وابن عمّهم علي ابن تاج الدّين الثلاثة في يوم واحد، خامس عشري ذي القعدة بالطّاعون، وعمّتهم ستيتة قبلهم بقليل. وفيها عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي [5] .

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 386- 387) و «إنباء الغمر» (1/ 111- 114) و «الدّرر الكامنة» (1/ 419) و «النجوم الزاهرة» (11/ 133) و «لحظ الألحاظ» ص (163) . [2] لفظة «القونوي» سقطت من «آ» . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 379- 380) و «إنباء الغمر» (1/ 116) و «الدّرر الكامنة» (2/ 20) و «لحظ الألحاظ» ص (163) . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 118) . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 118) .

كان مشهورا بالعلم، منصوبا للفتوى، وكان يوقّع عند الحكام. مات في ثالث رمضان. وفيها الشّريف جمال الدّين عبد الله بن محمد بن محمد الحسيني النيسابوري [1] . كان بارعا في الأصول والعربية، وولي تدريس الأسدية بحلب وغيرها، وأقام بدمشق مدة وبالقاهرة مدة، وولي مشيخة بعض الخوانق. وكان يتشيّع، وكان أحد أئمة المعقول، حسن الشّيبة. وهو القائل: هذّب النّفس بالعلوم لترقى ... وترى الكلّ وهو للكلّ بيت إنّما النّفس كالزّجاجة والعق ... ل سراج وحكمة الله زيت فإذا أشرقت فإنّك حيّ ... وإذا أظلمت فإنّك ميت توفي في هذه السنة عن سبعين سنة. وفيها علي بن عبد الوهاب بن علي السّبكي [2] . ولي خطابة الجامع الأموي بعد أبيه وله عشر سنين، ودرّس في حياة أبيه بالأمينية وعمره سبع سنين، ومات كما تقدم [3] مع ولدي عمّه [4] في يوم واحد. وفيها علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس بن مشرف [5]

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 118- 119) و «الدّرر الكامنة» (2/ 286- 287) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 121- 122) و «الدّرر الكامنة» (3/ 80) وقد سقطت معظم الترجمة منه فلتستدرك من «الإنباء» . [3] انظر ترجمة ابن عمّه «عبد الله بن أحمد بن علي السّبكي» المتقدمة قبل قليل ص (417) . [4] هما «عبد الله بن أحمد بن علي السّبكي» و «عبد العزيز بن أحمد بن علي السبكي» كما في ترجمة ابن عمّه المتقدمة. [5] في «آ» و «ط» : «ابن شرف» والتصحيح من «إنباء الغمر» .

التّغلبيّ الزّرعي ثم الدمشقي، المعروف بابن شمرنوح [1] . ولد بعد الثمانين وستمائة، ولم يرزق سماع الحديث بعلو، وكانت له عناية بالعلم، وولي قضاء عدة بلاد بحلب، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، ثم قضاء حلب مرّتين. ومن شعره: أحسن إلى من أسى ما اسطعت واعف إذا ... قدرت واصبر على رزء البليّات وماء وجهك خير السّلعتين فلا ... تبعه بخسا ولو باليوسفيّات فكلّ ما كان مقدورا ستبلغه ... وكلّ آت على رغم العدى [2] آت وكان يلقّب بالقرع. وكتب له بقضاء دمشق بعد السّبكي الكبير فلم يتمّ له، وباشر توقيع الدّست ونظر الجامع. وكان حسن الخطّ جدا، سريع الكتابة بحيث إنه كتب صداقا بمدة واحدة. وكان مفرط الكرم، حتّى إنه افتقر آخرا جدا وانقطع ببستانه خاملا إلى أن مات في جمادى الآخرة. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم الكناني العسقلاني الحنبليّ [3] ، قاضي دمشق. ولد سنة بضع عشرة، وسمع من أحمد بن علي الجزري، وأجاز له ابن الشّحنة، وناب أولا في الحكم بالقاهرة عن موفق الدّين، ثم ولي قضاء دمشق بعد موت ابن قاضي الجبل، وكان فاضلا متواضعا، ديّنا، عفيفا. وكان أعرج. وهو والد جمال الدّين عبد الله بن علاء الدّين الجندي شيخ ابن حجر. توفي في نصف شوال وقد نيّف على السبعين.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 122- 123) و «الدّرر الكامنة» (3/ 81- 83) . [2] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» و «الدّرر» : «على رغم العدى» وفي «آ» : «على رغم الفتى» . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 385) و «إنباء الغمر» (1/ 123) و «الدليل الشافي» (1/ 477) و «السّحب الوابلة» ص (309) .

وفيها أمين الدّين محمد بن القاضي برهان الدّين إبراهيم بن علي بن أحمد الدمشقي [1] ، الشهير بابن عبد الحق الحنفي، ويعرف بابن قاضي الحصن [2] . كان فاضلا، ممدّحا، من الأعيان. اشتغل ودرس بالعذراوية والخاتونية، وولي الحسبة، ونظر الجامع الأموي [3] . ومدحه ابن نباتة وغيره. توفي بدمشق في المحرم بالطّاعون عن بضع وستين سنة. وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله الخزرجي المكّي [4] . ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع الكثير من جدّه لأبيه صفي الدّين أحمد الطّبري، وأخيه الرّضي، والفخر التّوزري، وجماعة. وكان عارفا بالفرائض والفقه، حدّث بالكثير من مسموعاته، وكان يقال له أحيانا ابن الصّفي نسبة لجدّه لأمّه. توفي في تاسع عشر رجب. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع الدمشقي بن اللبّان المقري [5] .

_ [1] لفظة «الدمشقي» سقطت من «ط» . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 391) و «إنباء الغمر» (1/ 125) و «الدّرر الكامنة» (3/ 289) . [3] لفظة «الأموي» لم ترد في «ط» . [4] انظر «ذيل العبر» (2/ 376) و «العقد الثمين» (1/ 296) و «إنباء الغمر» (1/ 125- 126) و «الدّرر الكامنة» (3/ 328) . [5] انظر «ذيل العبر» (2/ 393) لابن العراقي و «غاية النهاية» (2/ 72- 73) و «إنباء الغمر» (1/ 126- 127) و «الدّرر الكامنة» (3/ 340) .

ولد سنة عشر أو ثلاث عشرة، وأخذ القراءات عن سبط ابن السّلعوس [1] ، ثم رحل، فأخذ عن ابن السراج، وعلى المرداوي، وأبي حيّان، وغيرهم. وتصدّر للإقراء، وأكثر الناس عليه. وكان يحفظ كثيرا من الشّواذ، وربما قرأ بعضها في الصّلاة فأنكر ذلك عليه. وحدّث عن ابن الشّحنة، ووجيهة بنت الصّعيدي الإسكندرانية، وغيرها. ومات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله السيد الشّريف الحسيني الواسطي الشّافعي [2] نزيل الشّامية الجوانية. ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل، وفضل، ودرّس بالصّارمية، وأعاد بالشّامية البرّانية، وكتب الكثير، نسخا، وتصنيفا بخط حسن، فمن تصانيفه [3] «مختصر الحلية» لأبي نعيم في مجلدات سمّاه «مجمع الأحباب» و «تفسير كبير» ، و «شرح مختصر ابن الحاجب» في ثلاث مجلدات، و «كتاب في أصول الدّين» مجلد، و «كتاب في الردّ على الإسنوي في تناقضه» . قال ابن حجي: كان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا. توفي بدمشق في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم. وفيها جمال الدّين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمّار بن متوّج بن جرير الحارثي الشافعي، مفتي الشام، المعروف بابن قاضي الزّبداني [4] .

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «السّعلوس» وهو أبو العبّاس أحمد بن محمد بن يحيى بن نحلة النابلسي، المعروف بسبط ابن السلعوس. انظر «غاية النهاية» (1/ 133) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 128) و «الدّرر الكامنة» (3/ 420- 421) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 328) . [3] في «آ» : «فمن تصنيفه» . [4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 389) و «إنباء الغمر» (1/ 128- 129) و «الدّرر الكامنة»

ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه على الفزاري، والكمال ابن قاضي شهبة، وابن الزّملكاني. وأذن له بالفتوى، ودرّس قديما بالنّجيبية، ثم بالظّاهرية الجوّانية، والعادلية الصّغرى، وأعاد بالشامية الجوانية. ودرّس بها نيابة. قال ابن حجي: اشتهر بدمشق في شأن الفتوى، وصار المشار إليها فيها، ولم يضبط عليه فتوى أخطأ فيها، وكان معظّما، يخضع له الشيوخ، ويقصد لقضاء حوائج النّاس عند القضاة وغيرهم، وله تواضع وأدب زائد. توفي بالطّاعون في مستهل المحرم، ودفن بسفح قاسيون. وفيها لسان الدّين محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السّلماني اللّوشي الأصل الغرناطي الأندلسي [1] . كان والده بارعا فاضلا، وتقدم ذكره سنة إحدى وأربعين. قال العلّامة المقري في كتابه «تعريف ابن الخطيب» : هو الوزير الشهير الكبير، الطائر الصّيت في المشرق والمغرب، المزرى [2] عرف الثناء عليه بالعنبر والعبير، المثل المضروب في الكتابة، والشعر، والطبّ، ومعرفة العلوم على اختلاف أنواعها ومصنّفاته تخبر عن ذلك، ولا ينبئك مثل خبير. علم الرؤساء الأعلام الذي خدمته السّيوف والأقلام، وغني بمشهور ذكره عن مسطور التعريف والإعلام، واعترف له بالفضل أصحاب العقول الرّاجحة والأحلام، عرّف هو

_ (3/ 423- 424) و «الدليل الشافي» (2/ 612) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 311- 312) . [1] انظر «الإحاطة» (4/ 438- 640) و «إنباء الغمر» (1/ 129- 133) و «الدّرر الكامنة» (3/ 469) و «الدليل الشافي» (2/ 641- 642) و «لسان الدّين بن الخطيب حياته وآثاره» للأستاذ محمد عبد الله عنان رحمه الله، وقد نثر صاحب «نفح الطيب» أخباره في أماكن متفرقة من كتابه. [2] لفظة «المزرى» سقطت من «ط» .

بنفسه آخر كتابه «الإحاطة» فقال: يقول مؤلّف هذا الديوان، تغمد الله خطله في ساعات أضاعها وشهوة من شهوات اللّسان أطاعها، وأوقات للاشتغال بما لا يعنيه استبدل بها اللهو لمّا باعها-: أما بعد حمد الله الذي يغفر الخطيّة، ويحثّ من النّفس اللّجوج المطيّة، فيحرك [1] ركابها البطيّة، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ميسّر سبل الخير الوطية، والرضى عن آله وصحبه منتهى الفضل [2] ومناخ الطّيّة. فإنني لما فرغت من تأليف هذا الكتاب الذي حمل عليه [3] فضل النشاط، مع الالتزام لمراعات السياسة السلطانية والارتباط، والتفتّ إليه، فراقني منه صوان درر، ومطلع غرر، قد تخلّدت مآثرهم بعد ذهاب أعيانهم، وانتشرت مفاخرهم بعد انطواء زمانهم، نافستهم في اقتحام تلك الأبواب، ولباس تلك الأثواب، وقنعت باجتماع الشّمل بهم، ولو في الكتاب. وحرصت على أن أنال منهم قربا، وأخذت [من] أعقابهم أدبا وحبّا. وكما قيل ساقي القوم آخرهم شربا. فأجريت نفسي مجراهم في التعريف، وحذوت بها حذوهم في بابي النّسب والتصريف، بقصد التشريف. والله لا يعدمني وإيّاهم واقفا يترحّم، وركاب الاستغفار بمنكبه يزحم، عند ما ارتفعت وظائف الأعمال، وانقطعت من التّكسّبات حبال الآمال، ولم يبق إلّا رحمة الله، التي تنتاش النّفوس وتخلّصها، وتعينها بميسم السّعادة وتخصصها. جعلنا الله ممن حسن ذكره ووقف على التماس ما لديه فكره [4] بمنه. ثم ساق نسبه وأوّليته بما يطول ذكره، إلى أن قال: ومع ذلك فلم أعدم الاستهداف للشّرور، والاستعراض للمحذور، والنّظر الشّزر، المنبعث من خزر العيون، شيمة من ابتلاه الله بسياسة الدّهماء، ورعاية [5] سخطة أرزاق السماء، وقتلة الأنبياء، وعبدة الأهواء، ممّن لا يجعل الله إرادة نافذة، ولا مشيئة

_ [1] في «آ» و «ط» : «فتحرك» وما أثبته من «الإحاطة» مصدر المؤلّف. [2] في «الإحاطة» : «منتهى القصد» . [3] لفظة «عليه» سقطت من «ط» . [4] في «الإحاطة» : «ومع ذلك فقد عادت هيف إلى أديانها، من الاستهداف للشرور» . [5] تحرفت في «ط» إلى «ودعاية» .

سابقة [1] ، ولا يقبل معذرة، ولا يجمل في الطلب، ولا يتجمّل [2] مع الله بأدب، ربنا لا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا. والحال إلى هذا العهد، وهو منتصف عام خمسة وستين وسبعمائة [3] . ثم قال المقري: وكان رحمه الله مبتلى بداء الأرق لا ينام من الليل إلّا اليسير جدا. وقد قال في كتابه «الوصول لحفظ الصحة في الفصول» : العجب مني مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلّف مثله في الطبّ، ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي، ولذا يقال له ذو العمرين، لأن الناس ينامون وهو ساهر. ومؤلفاته ما كان يصنّف غالبها إلّا بالليل. وقد سمعت بعض الرؤساء بالمغرب يقول: لسان الدّين ذو الوزارتين، وذو العمرين، وذو الميتتين، وذو القبرين. ثم قال المقري: واعلم أن لسان الدّين لما كانت الأيام له مسالمة لم يقدر أحد أن يواجهه بما يدنّس معاليه، أو يطمس معالمه. فلما قلبت الأيام له ظهر مجنّها وعاملته بمنعها بعد منحها ومنّها، أكثر أعداؤه في شأنه الكلام، ونسبوه إلى الزّندقة والانحلال من ربقة الإسلام بتنقّص النّبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام، والقول بالحلول والاتحاد، والانخراط في سلك أهل الإلحاد، وسلوك مذاهب الفلاسفة في الاعتقاد، وغير ذلك مما أثاره الحقد والعداوة والانتقاد، من مقالات نسبوها إليه خارجة عن السّنن السوي، وكلمات كدّروا بها منهل علمه الرّوي، لا يدين بها ويفوه إلا الضلال [4] والغوي، والظنّ أن مقامه- رحمه الله تعالى- من لبسها بريء، وجنابه- سامحه الله- عن لبسها عري. وكان الذي تولى كبر محنته وقتله تلميذه أبو عبد الله بن زمرك [5] ،................

_ [1] في «الإحاطة» : «سابغة» وهو تحريف. [2] في «الإحاطة» : «ولا يتلبس» . [3] في «الإحاطة» : «وهو أول عام أحد وسبعين وسبعمائة» وعلق محققه على ذلك بقوله: هكذا ورد هذا التاريخ في الإسكوريال وورد في «النفح» كالآتي: «وهو منتصف عام واحد وسبعين وسبعمائة» . [4] تحرفت في «ط» إلى «الضال» . [5] هو محمد بن يوسف بن محمد الصّريحي، أبو عبد الله، المعروف بابن زمرك. وزير من كبار الشعراء والكتّاب في الأندلس. سعى في أستاذه لسان الدّين ابن الخطيب حتى قتل خنقا. وقد

الذي لم يزل مضمر [1] الختلة، مع أنه حلّاه في «الإحاطة» أحسن الحلي، وصدّقه فيما انتحله من أوصاف العلى، ومن أعدائه الذين باينوه بعد أن كانوا يسعون في مرضاته سعي العبيد القاضي أبو الحسن بن الحسن النّباهي [2] ، فكم قبّل يده ثم جاهره [3] عند انتقال الحال، وجدّ في أمره مع ابن زمرك، حتّى قتل وانقضت دولته، فسبحان من لا يتحوّل ملكه ولا يبيد، وذلك أن ابن زمرك قدم على السلطان أبي العبّاس، وأحضر ابن الخطيب من السّجن، وعرض عليه بعض مقالات وكلمات وقعت له في كتاب «المحبّة» فعظم النكير فيها، فوبّخ ونكّل وامتحن بالعذاب، بمشهد من ذلك الملأ. ثم تلا إلى مجلسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه، وإفتاء بعض الفقهاء فيه، فطوقوا عليه السّجن ليلا، وقتلوه خنقا، وأخرجوا شلوه [4] من الغد، فدفن بمقبرة باب المحروق. ثم أصبح من الغد على شفير قبره طريحا، وقد جمعت له أعواد، وأضرمت عليه نار، فاحترق شعره، واسودّ بشره، فأعيد إلى حفرته. وكان في ذلك انتهاء محنته. أي ولذلك سمّي ذا القبرين، وذا الميتتين. وكان- رحمه الله تعالى- أيام امتحانه بالسّجن يتوقع مصيبة الموت فتهجس هواتفه بالشعر يبكي نفسه، ومما قال في ذلك: بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ ونحن صموت

_ جمع السلطان ابن الأحمر شعره وموشحاته في مجلد ضخم سمّاه «البقية والمدرك من كلام ابن زمرك» . مات سنة (793) هـ. انظر «الإحاطة» (3/ 300- 314) و «الأعلام» (7/ 154) والمصادر المذكورة في حاشيته. [1] تحرفت في «ط» إلى «مغمر» . [2] هو علي بن عبد الله بن محمد الجذامي المالقي النّباهي أبو الحسن، المعروف بابن الحسن. قاض من الأدباء المؤرخين. مات سنة (792) هـ. انظر «الإحاطة» (4/ 88- 101) و «الأعلام» (4/ 306) والمصادر المذكورة في حاشيته. [3] في «آ» و «ط» : «ثم جاهرك» وما أثبته يقتضيه السياق. [4] جاء في «مختار الصحاح» (شلو) : الشلو: العضو من أعضاء اللّحم.

وأنفسنا سكتت دفعة ... كجهر الصّلاة تلاها القنوت وكنّا عظاما فصرنا عظاما ... وكنّا نقوت فها نحن قوت وكنّا شموس سماء العلى ... غربن فناحت علينا السّموت فكم جدّلت ذا الحسام الظّبا ... وذو البخت كم جدّلته البخوت وكم سيق للقبر في خرقة ... فتى ملئت من كساه التّخوت فقل للعدا ذهب ابن الخطيب ... وفات ومن ذا الذي لا يفوت ومن كان يفرح منهم به ... فقل يفرح اليوم من لا يموت هذا الصحيح كما ذكره ابن خلدون، فلا يلتفت إلى غيره، وقد رؤي بعد الموت فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ببيتين قلتهما وهما: يا مصطفى من قبل نشأة آدم ... والكون لم تفتح له أغلاق أيروم مخلوق ثناءك بعد ما ... أثنى على أخلاقك الخلّاق وقال ابن حجر: ومن مصنفاته «الإحاطة بتاريخ غرناطة» ، و «روضة التعريف بالحبّ الشريف» ، و «الغيرة على أهل الحيرة» ، و «حمل الجمهور على السّنن المشهور» ، و «التّاج» على طريقة «يتيمة الدّهر» ، و «الإكليل الزّاهر فيما ندر عن التّاج من الجواهر» كالذيل عليه. و «عائد الصّلة» [1] في التاريخ. وغير ذلك انتهى. وفيها أبو جابر محمد بن عبد الله الهاروني الفقيه المالكي [2] ، مشهور بقلبه. كان ماهرا في مذهبه، كثير المخالفة في الفتوى، كثير الاستحضار، على هوج فيه. قاله ابن حجر.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وغائلة الصلة» والتصحيح من ترجمته في «الإحاطة» (4/ 460) وزاد: وصلت به «الصلة» للأستاذ أبي جعفر بن الزّبير. [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 397- 398) و «إنباء الغمر» (1/ 135) و «الدّرر الكامنة» (3/ 489) .

وفيها محمد بن عبد الله الصّفوي الهندي ثم الدمشقي الشافعي [1] . وكان روميّ الأصل، أسمعه مولاه صفي الدّين الهندي. وحفظ «التنبيه» في صغره، وألبسه الخرقة، وكان يلبسها عن مولاه، وأجاز له ابن القوّاس، وعائشة بنت المجد، وجماعة. وكان حسن الشّيبة، يعرف شدّ المناكب ويجوّدها، يضرب بصنعته المثل، أثنى عليه البرزالي، وتوفي عن ثمان وسبعين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزّمرّديّ بن الصّايغ الحنفي النحوي [2] . ولد سنة ثمان وسبعمائة أو بعدها بقليل، وسمع من الحجّار، والدّبوسي، وغيرهما. واشتغل في عدة فنون، ولازم أبا حيّان، ومهر في العربية وغيرها، ودرّس بجامع ابن طولون للحنفية. وولي قضاء العسكر. وكان فاضلا، بارعا، حسن النّثر والنّظم، كثير الاستحضار، قوي البادرة، دمث الأخلاق، وهو القائل: لا تفخرّن بما أوتيت من نعم ... على سواك وخف من كسر جبّار فأنت في الأصل بالفخّار مشتبه ... ما أسرع الكسر في الدّنيا لفخّار ومن تصانيفه: «شرح الألفية» مجلدين. و «شرح المشارق» ست مجلدات، و «التذكرة النّحوية» ، و «المباني في المعاني» ، و «المنهج القويم في القرآن العظيم» ، و «التّمر الجني في الأدب السّني» ، و «الغمز على الكنز» و «الاستدارك على مغني ابن هشام» استفتحه بقوله: الحمد لله الذي لا مغني سواه. ومن شعره أيضا:

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 136) و «الدّرر الكامنة» (3/ 489) . [2] انظر «ذيل العبر» (2/ 377- 378) و «الوافي بالوفيات» (3/ 244) و «إنباء الغمر» (1/ 137- 139) و «الدّرر الكامنة» (3/ 499) و «تاج التراجم» ص (221) بتحقيق صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح، نفع الله به، و «الدليل الشافي» (2/ 635) .

بروحي أفدي خاله فوق خدّه ... ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال تبارك من أخلى من الشّعر خدّه ... وأسكن كلّ الحسن في ذلك الخال وقال هو ما أحسن قول ابن أبي حجلة: تفرّد الخال عن شعر بوجنته ... فليس في الخدّ غير الخال والخفر يا حسن ذاك محيّا ليس فيه سوى ... خال من المسك في خال من الشّعر توفي صاحب الترجمة في شعبان. وفيها شمس الدّين أبو القاسم محمد بن علي بن عبد الله اليمني [1] . أقام بمصر ملازما لعزّ الدّين بن جماعة. وكان فاضلا، شافعيا، ووقع بينه وبين الأكمل، فنزح إلى الشام فأكرمه التّاج السّبكي، وأنزله ببعض الخوانق، ثم ترك ذلك زهدا. قال ابن حجّي: كان فاضلا، مفتيا. وقال ابن حجر: وقفت له على عدة تصانيف لطاف، تدلّ على اتساعه في العلم. توفي مطعونا. وفيها محمد بن أبي محمد الشافعي [2] . قال ابن حجر: قدم القاهرة من بلاد العجم، وأخذ عن القطب التّحتاني، وبرع في المعقول، وقرر له منكلي بغا معلوما [3] على تدريس بالمارستان

_ [1] انظر «ذيل العبر» (2/ 393) و «إنباء الغمر» (1/ 140- 141) و «الدّرر الكامنة» (4/ 70) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 394) و «إنباء الغمر» (1/ 144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 250) . [3] أي راتبا.

المنصوري، ثم قرّره في تدريس الفقه بالمنصورية، ثم ولي تدريس جامع المارداني، وأعاد تدريس الشافعي. وشغل الناس كثيرا، وانتفعوا به. مات في مستهل ذي الحجة. وفيها أبو موسى محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي [1] المحدّث الفاضل. سمع من ابن الخبّاز، وابن الحموي، وغيرهما. ولازم صلاح الدّين العلائي وغيره، وقدم دمشق، فلازم ابن رافع، وبرع في هذا الشأن [2] ، وجمع «تاريخ بيت المقدس» . وكان حنفيا فتحوّل شافعيا بعناية تاج الدّين البعلبكي. وله «وفيات» مختصرة إلى قرب هذه السنة. توفي في رمضان. وفيها جمال الدّين أبو المظفّر يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السّرمري الحنبلي [3] ، الشيخ العالم المفنّن الحافظ. ولد في رجب سنة ست وتسعين وستمائة، وتفقه ببغداد على الشيخ صفي الدّين عبد المؤمن وغيره، ثم قدم دمشق وتوفي بها. ومن تصانيفه «نظم مختصر ابن رزين» في الفقه. و «نظم الغريب في علوم الحديث» لأبيه نحو من [4] ألف بيت. و «نشر القلب الميت بفضل أهل البيت» ، و «غيث السّحابة في فضل الصّحابة» ، و «الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة» ، و «عقود اللآلي في الأمالي» ، و «عجائب الاتفاق» ، و «الثمانيات» .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 145) و «الدّرر الكامنة» (4/ 251) . [2] يعني علوم الحديث النبوي الشريف. [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 150- 151) و «الدّرر الكامنة» (4/ 473- 474) و «السحب الوابلة» ص (495- 496) . [4] لفظة «من» سقطت من «آ» .

قال ابن حجي: رأيت بخطّه ما صورته: مؤلفاتي تزيد على مائة مصنّف كبار وصغار في بضعة وعشرين علما، ذكرتها على حرف المعجم في «الروضة المورقة في الترجمة المونقة» وقد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه عليه، وحدّث عنه. وذكره الذهبي في «المعجم المختص» [1] وأثنى عليه. توفي في جمادى الأولى.

_ [1] لم ترد ترجمته في «المعجم المختص» المطبوع الموجود بين يدي.

سنة سبع وسبعين وسبعمائة

سنة سبع وسبعين وسبعمائة فيها كان الغلاء بحلب، حتّى بيع المكّوك [1] بثلاثمائة، ثم زاد إلى أن بلغ الألف، حتّى أكلوا الميتة والقطاط [2] والكلاب، وباع كثير من المقلّين أولادهم، وافتقر خلق كثير، ويقال: إن بعضهم أكل بعضا حتّى أكل بعضهم ولده، ثم أعقب ذلك الوباء حتى فني خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في القبر الواحد بغير غسل ولا صلاة، ويقال: إنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين، لكن أشدّه كان في الأولى. وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن علم الدّين محمد بن أبي بكر الأخنائي [3] ، وكان شافعي المذهب، وحفظ «التنبيه» ثم تحوّل مالكيا كعمّه. سمع على الحجّار وغيره، وولي الحسبة ونظر الخزانة، وناب في الحكم. ثم ولي القضاء استقلالا إلى أن مات، وكان مهيبا، صارما، قوّالا بالحقّ، قائما بنصر الشرع، رادعا للمفسدين، وقد صنّف مختصرا في الأحكام. مات في رجب. وفيها أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصّوفي [4] المسند.

_ [1] جاء في «المعجم الوسيط» (2/ 917) ما نصه: المكوك: مكيال قديم يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، قيل: يسع صاعا ونصفا. [2] القطاط: جمع قط وهو السّنّور الذكر كما في «مختار الصحاح» (قطط) ولكن لعله أراد أن يقول: «والقطط جمع قطة» والله أعلم. [3] انظر «ذيل العبر» (2/ 413- 414) و «إنباء الغمر» (1/ 159) و «الدّرر الكامنة (1/ 58) . [4] انظر «ذيل العبر» (2/ 405) و «إنباء الغمر» (1/ 160- 161) و «الدّرر الكامنة (1/ 176) .

سمع «صحيح مسلم» من زينب بنت كندي. وسمع من اليونيني وغيره، وأجاز له أبو الفضل بن عساكر، وابن القوّاس. وحدّث بالكثير، وارتحلوا إليه، واستدعاه التّاج السّبكي سنة إحدى وسبعين إلى دمشق، فقرأ عليه «الصحيح» . قال ابن حجي: كان خيّرا، حسنا، أخرجت له جزءا [1] . توفي مناهزا للتسعين. وفيها القاضي جمال الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن إلياس ابن الخضر الدمشقي، المعروف بابن الرّهاوي الشافعي [2] . أدرك الشيخ برهان الدّين، وحضر عنده، وتفقه على جماعة من علماء العصر، وقرأ بالروايات، واشتغل بالعربية، وقرأ الأصول والمنطق على الشّمس الأصفهاني، ودرّس وأفتى، وتعانى الحساب، ودرّس بالمسروريّة والكلّاسة. وولي وكالة بيت المال، وقام على القاضي تاج الدّين وآذاه من حوله، فمقته أكثر الناس لذلك، وناب في الحكم عن البلقيني. ودرّس بالشامية البرّانية، ثم أخذت منه بعد شهر، ودرّس بالنّاصرية الجوّانية ثم أخذت منه، وأوذي وصودر بعد موت القاضي تاج الدّين، وحصل له خمول، إلى أن توفي في ربيع الأول، عن سبع وسبعين سنة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم الشّارمساحي- نسبة إلى شارمساح بلد قرب دمياط [3]- الشّافعي [4] . تفقه على الشيخ جمال الدّين الإسنوي وغيره، وبرع في الفقه والأصول، وولي قضاء المحلّة، ومنفلوط، ودمياط، وغيرها. وكان موصوفا بالفضل والعقل.

_ [1] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «جزءا» ، وفي «آ» : «أجزاء» . [2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 108- 109) و «إنباء الغمر» (1/ 161- 162) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 285) . [3] انظر «معجم البلدان» (3/ 308) . [4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 424) و «إنباء الغمر» (1/ 163) .

وفيها شرف الدّين الحسين بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي [1] . رحل، وجمع، وأفاد، وذكره الذهبي في «المعجم المختص» فقال: شاب، متيقّظ. سمع، وخرّج، وكتب عني «الكاشف» : اعتنى به أبوه بحلب، وسمع بنفسه من بنت صصرى وغيرها، وكان مولده في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة، وأخذ عن والده، وعبد الرحمن، وإبراهيم ابني صالح، وغيرهم [2] . انتهى. وشرح «الفهرست» و «المشيخة» وأخذ عنه ابن أبي العشائر ووصفه بالفضل، وكان يوقّع على الحكم. توفي بحلب في ذي الحجّة. وفيها أبو يعلى حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله السّبكي المالكي [3] . سمع من الدّبوسي، والواني، وهذه الطبقة. وكتب، وطلب، ودرّس، وناب في الحكم، ووقّع في الدّست، وفي الأحباس، وله إلمام بالحديث. مات راجعا من الحج، ودفن برابغ عن نحو ثمانين سنة. وفيها ذو النّون بن أحمد بن يوسف السّرماري- بضم السين المهملة، وسكون الراء، نسبة إلى سرمارى قرية ببخارى [4]- الحنفي، يعرف بالفقيه [5] . أخذ عن مشايخ أذربيجان، وديار بكر، وغيرهم. ونزل عنتاب في حدود

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (88) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 424) و «إنباء الغمر (1/ 165- 166) و «الدّرر الكامنة» (2/ 79) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 117) و «البدر الطالع» (1/ 205) . [2] في «ط» : «وغيرهما» . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 166) و «الدّرر الكامنة» (2/ 76) . [4] انظر «معجم البلدان» (3/ 215) . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 167) .

الستين، فأقام بها يشغل الطلبة، وشرح «مقدمة أبي اللّيث» و «قصيد البستي» . وتصدّر بجامع النجّار بجوار ميدان عنتاب. وكان قائما بالأمر بالمعروف، شديدا في ذلك، إلى أن مات في رمضان. قاله العيني في «تاريخه» . وفيها بهاء الدّين عبد الله بن رضي الدّين محمد بن أبي بكر بن خليل، من ذريّة عثمان بن عفّان، العسقلاني ثم المكّي الشافعي [1] نزيل الجامع الحاكمي بالقاهرة. ولد آخر سنة أربع وتسعين وستمائة، وطلب العلم صغيرا بمكّة، فسمع من الصّفي والرّضي الطّبريين، والتّوزري، وغيرهم. وارتحل إلى دمشق، فأخذ عن مشايخها، وتفقه بالعلاء القونوي، والتّبريزي، والأصبهاني، وأخذ عن أبي حيّان وغيرهم، وأخذ عن ابن الفركاح، ورجع إلى مصر فاستوطنها، وحفظ «المحرّر» ومهر في الفقه، والعربية، واللغة، والحديث. وقد بالغ الذهبي في الثناء عليه في «بيان زغل العلم» وغيره. وقال في «معجمه الكبير» : المحدّث القدوة، هو ثوب عجيب في الورع والدّين، والانقباض، وحسن السّمت. وقال في «المعجم المختص» : هو الإمام القدوة، أتقن الحديث، وعني به، ورحل فيه. وقال الشيخ شهاب الدّين بن النّقيب بمكّة: رجلان صالحان، أحدهما يؤثر الخمول وهو ابن خليل، والآخر يؤثر الظهور وهو اليافعي. وكان ابن خليل ربما عرضت له جذبة فيقول فيها أشياء، وتصدى للإسماع في أواخر زمانه، ومع ذلك فلم يحدّث بجميع مسموعاته لكثرتها. توفي بالقاهرة في جمادى الأولى ودفن بتربة تاج الدّين بن عطاء بالقرافة، وشهد جنازته ما لا يحصى كثرة.

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (126- 127) و «ذيل العبر» (2/ 408) و «إنباء الغمر» (1/ 168- 171) و «الدّرر الكامنة» (2/ 191) و «العقد الثمين» (5/ 262- 267) .

وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسّان الأنصاري الدمشقي، ابن الشّاطر، ويعرف أيضا بالمطعّم الفلكي [1] . كان أوحد زمانه في ذلك، مات أبوه وله ست سنين فكفله جدّه وأسلمه لزوج خالته وابن عمّ أبيه علي بن إبراهيم بن الشّاطر فعلمه تطعيم العاج، وتعلّم علم الهيئة والحساب والهندسة، ورحل بسبب ذلك إلى مصر والإسكندرية، وكانت لا تنكر فضائله ولا يتصدى للتعليم ولا يفخر بعلومه، وله ثروة ومباشرات ودار من أحسن الدور وضعا وأغربها، وله الزّيج المشهور والأوضاع الغريبة المشهورة التي منها البسيط الموضوع في منارة العروس بجامع دمشق. يقال: إن دمشق زيّنت عند وضعه. وفيها علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الكناني الشافعي [2] . قال ولده الحافظ ابن حجر في «إنباء الغمر بأنباء العمر» : ولد في حدود العشرين وسبعمائة، وسمع من أبي الفتح بن سيّد الناس، واشتغل بالفقه والعربية، ومهر في الآداب، وقال الشعر فأجاد، ووقّع في الحكم، وناب قليلا عن ابن عقيل، ثم ترك لجفاء ناله من ابن جماعة، وأقبل على شأنه، وأكثر الحجّ والمجاورة، وله عدة دواوين منها: «ديوان الحرم» مدائح نبوية ومكّية في مجلدة، وكان موصوفا بالفضل، والمعرفة، والدّيانة، والأمانة، ومكارم الأخلاق. ومن محفوظاته «الحاوي» وله استدراك على «الأذكار» للنووي فيه مباحث حسنة، وهو القائل: يا ربّ أعضاء السّجود عتقتها ... من عبدك الجاني وأنت الواقي

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 172- 173) و «الدّرر الكامنة» (3/ 9) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 388- 389) و «الأعلام» (4/ 251) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 422- 423) و «إنباء الغمر» (1/ 174- 175) و «الدّرر الكامنة» (3/ 117) .

والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى ... فأنعم على الفاني بعتق الباقي تركني لم أكمل أربع سنين، وأنا الآن أعقله كالذي يخيل الشيء ولا يتحققه. وتوفي يوم الأربعاء خامس عشري رجب، وأحفظ منه أنه قال: كنية ولدي أحمد أبو الفضل. انتهى ملخصا. وفيها كمال الدّين عمر بن إبراهيم بن عبد الله الحلبي بن العجمي الشافعي [1] . ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من الحجّار، والمزّي، وغيرهما، وعني بهذا الشأن، وكتب الأجزاء والطّباق، ورحل إلى مصر، والإسكندرية، ودمشق، وسمع من أعيان محدّثيها، وأفتى. وانتهت [2] إليه رئاستها [3] بحلب [مع الشهاب الأذرعي. وذكره الذهبي في «معجمه المختص» ، وأثنى عليه ابن حبيب، وصنّف في الفقه وغيره. وتوفي بحلب] [4] في ربيع الأول، ودفن بتربة جدّه خارج باب المقام. وفيها كلثم [5] بنت محمد بن محمود بن معبد البعلية [6] . روت عن الحجّار. وعنها ابن بردس وغيره، وتوفيت في صفر. وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرية الرّبعي الاسكندراني [7] .

_ [1] انظر «المعجم المختص» ص (179) و «ذيل العبر» لابن اعراقي (2/ 405) و «إنباء الغمر» (1/ 175- 176) و «الدّرر الكامنة» (3/ 147) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 145- 147) . [2] في «آ» و «ط» : «فانتهت» وما أثبته من «إنباء الغمر» وهو ما يقتضيه السياق. [3] أي رئاسة الفتوى. [4] ما بين القوسين سقط من «آ» . [5] في «آ» و «ط» : «كليم» و «أعلام النساء» لكحالة (4/ 261) والتصحيح من مصدري الترجمة. [6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 177) و «الدّرر الكامنة» (3/ 268) . [7] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 420) و «إنباء الغمر» (1/ 177- 178) و «الدّرر الكامنة» (3/ 373) .

سمع من ابن مخلوف وخلائق لا تحصى، وعني بهذا الفنّ [1] ، وكتب العالي والنّازل، وخرّج له بعض مشايخه، وخرّج له الكمال الأدفوي «مشيخة» حدّث بها، ومات قبله. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن خطيب يبرود الشافعي [2] . ولد في سنة سبعمائة أو في التي بعدها، واشتغل بالعلم، وعني بالفقه والأصول والعربية، وأخذ عن ابن الفركاح، وابن الزّملكاني، وغيرهما. وأفتى، وولي تدريس أماكن كالشّامية الكبرى بدمشق، ومدرسة الشّافعية بالقرافة. قال ابن حجي: كان من أحسن الناس إلقاء للدرس، ينقّب، ويحرّر، ويحقّق. وكان الغالب عليه الأصول. وقال العثماني: كان يضرب بتواضعه المثل، وكان من أئمة المسلمين في كل فنّ، مجمع على جلالته، مسددا في فتاويه، وولي قضاء المدينة، وحدّث عن الحجّار وغيره. توفي بدمشق في شوال ودفن بباب الصغير عند الشيخ حمّاد. وفيها بهاء الدّين أبو البقاء محمد بن عبد البرّ بن يحيى بن علي بن تمّام السّبكي الشافعي [3] . ولد- كما قال ابن رافع- سنة سبع وسبعمائة، وتفقه على القطب السّنباطي، والمجد الزّنكلوني، وغيرهما. ولازم أبا حيّان، والجلال القزويني،

_ [1] أي فنّ الحديث النبوي. [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 420) و «إنباء الغمر» (1/ 179- 180) و «الدّرر الكامنة» (3/ 322) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 240) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 153- 155) . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 406- 408) و «إنباء الغمر» (1/ 183- 185) و «الدّرر الكامنة» (3/ 490) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 171- 174) و «حسن المحاضرة» (1/ 437) .

وابن عمّ أبيه تقي الدّين السّبكي، وغيرهم. وسمع من وزيرة، والحجّار، والواني، وغيرهم. وحدّث عنهم، وانتقل إلى دمشق سنة تسع وثلاثين عام ولي قريبه تقي الدّين القضاء، وناب عنه في الحكم بدمشق، ثم ولي استقلالا بعد صرف تاج الدّين السبكي مدة شهر واحد، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم رجع إلى القاهرة، فولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال، ثم ولي قضاءها في سنة ست وستين بعد العزّ بن جماعة، ثم ولي قضاء دمشق ومات بها. وكان الإسنويّ يقدّمه ويفضله على أهل عصره. وكان العماد الحسباني يشهد أنه يحفظ «الروضة» . وكان هو يقول: أعرف عشرين علما، لم يسألني عنها بالقاهرة أحد. ومع سعة علمه لم يصنّف شيئا. وكان يقول: أقرأت «الكشّاف» بعدد شعر رأسي. وتقدم على شيوخ الشام، وله بضع وثلاثون سنة. وذكره الذهبي في «المعجم المختص» [1] وأثنى عليه. وقال ابن حبيب: شيخ الإسلام، وبهاؤه، ومصباح أفق الحكم وضياؤه، وشمس الشريعة وبدرها، وحبر العلوم وبحرها. كان إماما في المذهب، طرازا لردائه المذهّب، رأسا لذوي الرئاسة والرتب، حجة في التفسير، واللغة، والنحو، والأدب، قدوة في الأصول والفروع، رحلة لأرباب السّجود والركوع، مشهور في البلاد والأمصار، سالك طريق من سلف من سالفة الأنصار. درّس وأفاد، وهدى بفتاويه إلى سبيل الرّشاد. توفي بدمشق في جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون بتربة السّبكيين. وفيها شمس الدّين محمد بن سالم بن عبد الرحمن بن عبد الجليل، الشيخ الإمام، العالم العامل، المفتي الحنبلي الدمشقي ثم المصري [2] . كان مقيما بالشام، فحصل له رمد، ونزل بعينيه ماء، فتوجه إلى مصر

_ [1] لم يرد ذكر له في «المعجم المختص» المطبوع الموجود بين يدي. [2] انظر «الجوهر المنضد» ص (122- 123) و «المقصد الأرشد» (2/ 417) و «السحب الوابلة» ص (242) .

للتداوي، ونزل في مدارس الحنابلة، وحصل له تدريس مدرسة السلطان حسن. وتوفي يوم السبت سادس عشري شعبان بالقاهرة. وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أسباسلار البعلي الحنبلي [1] . الشيخ الإمام، العلّامة البارع، النّاقد المحقّق، أحد مشايخ المذهب. له مختصر في الفقه سمّاه «التسهيل» عبارته وجيزة ومفيدة، وفيه من الفوائد ما لم يوجد في غيره من المطولات، أثنى عليه العلماء. وفيها جمال الدّين محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب [2] . ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وأحضر على سنقر الزّيني، وسمع من بيبرس العديمي وجماعة، وخرّج له أخوه الحسين «مشيخة» وحدّث بالكثير ببلده، وبمكّة. وكان خيّرا. توفي في جمادى بالقاهرة، فإنه كان رحل بولده ليسمعه، فأسمعه بدمشق من ابن أميلة وغيره، ثم توجّه إلى مصر، فأدركه أجله بها. وكان عنده من سنقر عدة كتب، منها «السّنن» لابن الصبّاح. سمعه منه محدّث حلب الحافظ برهان الدّين سبط ابن العجمي. وفيها صلاح الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن صورة الشافعي [3] . تفقه بالتّاج التّبريزي، والشّمس الأصبهاني، وبهاء الدّين بن عقيل، وناب عنه في الحكم بجامع الصّالح، وسمع الحديث من عبد الله بن هلال، والمزّي، وغيرهما. وكان من أعيان الشافعية.

_ [1] انظر «الجوهر المنضد» ص (144- 145) و «السحب الوابلة» ص (420) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 412- 413) و «إنباء الغمر» (1/ 187) و «الدّرر الكامنة» (4/ 104) . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 423- 424) و «إنباء الغمر» (1/ 188) .

سنة ثمان وسبعين وسبعمائة

سنة ثمان وسبعين وسبعمائة فيها- كما قال ابن حجر [1]- ظهر بدمشق نجم كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون. وفيها توفي [2] [عفيف الدّين بن] [2] فخر الدّين إبراهيم بن إسحاق بن يحيى بن إسحاق الآمدي ثم الدمشقي [3] . ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وسمع من ابن مشرف، وابن الموازيني وخلق، وأجيز من بغداد ودمشق والإسكندرية، وخرّج له صدر الدّين بن إمام المشهد «مشيخة» . وقد ولي نظر الإمام والأوقاف، ثم نظر الجيش والجامع بدمشق، وغير ذلك من المناصب الجليلة، وكان مشكور السيرة معظّما عند الناس، وحدث له في آخره صمم. وحدّث بمصر ودمشق، وتوفي في ربيع الأول. وفيها أحمد بن سالم بن ياقوت المكّي المؤذّن شهاب الدّين [4] . ولد سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة، وسمع من الفخر التّوزري، وتفرّد

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 195) . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الدّرر الكامنة» و «الطبقات السنية» وحاشية «إنباء الغمر» . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 200- 201) و «الدّرر الكامنة» (1/ 17) و «الطبقات السنية» (1/ 183- 184) . [4] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 431) و «إنباء الغمر» (1/ 201) و «الدّرر الكامنة» (1/ 134) و «العقد الثمين» (3/ 43) .

بالسماع منه، وسمع من الصّفي، والرّضي الطّبريين، وغيرهما. وكان إليه أمر زمزم وسقاية العبّاس. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني [1] المحدّث. ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة بدمشق، [وسمع] من علي [أحمد بن] علي الجزري، والذهبي وغيرهما. وبمصر من الميدومي. وبالقدس من علي بن أيوب وغيره، وحصّل الكتب والأجزاء، ودار على الشيوخ، ورافق الشيخ زين الدّين العراقي كثيرا. وأسمع أولاده، وصنّف «لغات مسلم» ، و «شرح الإلمام» ، ودرّس في الحديث بمدارس، وناب في الحكم. وكان محمود الخصال. توفي في جمادى الآخرة. وفيها أبو البركات أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد- سبعة في نسق سابعهم- ابن أبي بكر بن جماعة الزّهري بن النّظام القوصي ثم المصري [2] . ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من الواني، والدّبوسي، والحجّار، وغيرهم. وحدّث. وفيها عماد الدّين إسماعيل بن خليفة بن عبد العالي النّابلسي الأصل الحسباني الشافعي [3] . الامام العلّامة أبو الفداء. أخذ بالقدس عن تقي الدّين القلقشندي، ولازمه حتّى فضل. وقدم

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 435) و «إنباء الغمر» (1/ 202) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «الدّرر الكامنة» (1/ 219) . [2] انظر «ذيل العبر» (2/ 440) و «إنباء الغمر» (1/ 202- 203) و «الدّرر الكامنة» (1/ 300) . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 450) و «إنباء الغمر» (1/ 203- 205) و «الدّرر الكامنة» (1/ 366) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 162- 163 و 200- 201) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 111- 113) .

دمشق، فقرّر فقيها بالشامية البرّانيّة، ولم يزل في نمو وازدياد، واشتهر بالفضيلة، وزلام الفخر المصري، حتّى أذن له بالإفتاء، وأفتى ودرّس وأفاد، وقصد بالفتاوى من البلاد، وناب في الحكم. قال الحافظ ابن حجي: أحد أئمة المذهب، والمشار إليهم بجودة النّظر، وصحة الفهم، وفقه النّفس، والذكاء، وحسن المناظرة والبحث والعبارة. وكانت له مشاركة في غير الفقه، ونفسه قوية في العلم. وقال غيره: شرح «المنهاج» في عشرة أجزاء، ولم يشتهر لأن ولده لم يمكّن أحدا من كتابته فاحترق غالبه في الفتنة. وكان الأذرعي ينقل منه كثيرا، وكتب منه نسخة لنفسه. توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بباب الصغير قبلي جرّاح. وفيها تقي الدّين أبو الفداء إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح، شيخ الفقهاء الشافعية، القلقشندي المصري [1] ، نزيل القدس وفقيهه. ولد سنة اثنتين وسبعمائة بمصر، وقرأ بها وحصّل، ثم قدم دمشق بعد الثلاثين، فقرأ على الفخر المصري فأجازه بالإفتاء، وسمع الحديث الكثير، وحدّث، وأقام بالقدس مثابرا على نشر العلم والتصدي لإقراء الفقه، وشغل الطلبة، وزوّجه مدرّس الصّلاحية يومئذ الشيخ صلاح الدّين العلائي ابنته، وصار معيدا عنده بها، وجاءه منها أولاد أذكياء علماء، واشتهر أمره، وبعد صيته بتلك البلاد، ورحل إليه، وكثرت تلامذته. قال ابن حجي: وممن تخرّج به الإمام عماد الدّين الحسباني، وانتفع به أيضا حموه. وكان حافظا للمذهب، يستحضر «الروضة» ، ديّنا، مثابرا على الخيرات. توفي في جمادى الآخرة بالقدس.

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 434) و «إنباء الغمر» (1/ 205) و «الدّرر الكامنة» (1/ 370) و «الدليل الشافي» (1/ 126) .

وقال ابن حجر: حدّث ب «الصحيح» لمسلم عن الشريف موسى وب «الصحيح» [1] عن الحجّار. وفيها عبّاس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني [2] الملك الأفضل، صاحب زبيد وتعز. ولي سنة أربع وستين، وقام في إزالة المتغلبين من بني منكال إلى أن استبدّ بالمملكة، وكان يحب الفضل والفضلاء، وألّف كتابا سمّاه «نزهة العيون» وغير ذلك. وله مدرسة بتعز وأخرى بمكة. مات في ربيع الأول. وفيها جمال الدّين عبد الله بن كمال الدّين محمد بن إسماعيل بن أحمد ابن سعيد الحلبي ثم المصري ابن الأثير [3] . ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع من الحجّار ووزيرة، وحدّث ب «الصحيح» . وكان ماهرا في العربية، وقد ولي كتابة السّرّ بدمشق، ثم انقطع للعبادة بالقاهرة، ومات بها في جمادى الآخرة. وفيها تقي الدّين عبد الله بن محمد بن الصّايغ [4] . ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من إسحاق الآمدي، والحجّار، وغيرهما. وأجاز له ابن مكتوم، وعلي بن هارون وغيرهما. وكان أحد الرؤساء بدمشق، منوّر الشّيبة، حسن الصّور. مات في رجب.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 447) و «إنباء الغمر» (1/ 210) و «الدليل الشافي» (1/ 380) . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (1/ 211) و «إنباء الغمر» (1/ 211) . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 211) .

وفيها فخر الدّين عثمان بن أحمد بن عثمان الزّرعي، ابن شمر نوح، الشافعي [1] قاضي حلب. قال ابن حبيب: حكم بطرابلس وحلب عشرين سنة، وكان موصوفا بالرئاسة، والفضل، والإحسان، والتواضع، والبرّ، ومعرفة الأحوال. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد ابن المنحّى الشيخ الكبير الصالح الحنبلي [2] . سمع «صحيح البخاري» من وزيرة، وسمع من عيسى المطعّم وغيره، وحدّث، فسمع منه الشيخ شهاب الدّين بن حجي، وقال: هو من بيت كبير، ورجل جيد، وهو أخو الشيخة فاطمة بنت المنجّى شيخة ابن حجر العسقلاني التي أكثر عنها. عاشت بعده بضعا وعشرين سنة، حتّى كانت خاتمة المسندين بدمشق. توفي في ربيع الآخر عن ثمان وستين سنة. وفيها عمر بن حسن بن يزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم المزّي [3] . ولد سنة ثمانين وستمائة، وقال البرزاليّ: سنة اثنتين وثمانين، وهو المعتمد، وأسمع على الفخر بن البخاري «جامع الترمذي» ، و «سنن أبي داود» ، و «مشيخته» تخريج ابن الظّاهري، و «ذيلها» للمزّي، و «الشمائل» ، وتفرّد بالسنن و «الجامع» ، و «الذيل» ورحل الناس إليه. وكان صبورا على السماع، وأمّ بجامع المزّة مدة، وحدّث نحوا من خمسين سنة،

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 457) و «إنباء الغمر» (1/ 212- 213) و «الدّرر الكامنة» (2/ 436) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 164) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 215) و «المقصد الأرشد» (2/ 262) و «السحب الوابلة» ص (191) . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 432) و «إنباء الغمر» (1/ 216- 218) و «الدّرر الكامنة» (3/ 159) .

وسمع من جماعات، وخرّج له الناس في مشيخة لطيفة، وقرأ القراءات على ابن بصخان [1] . وله شعر وسط منه: ولي عصا من جريد النّخل أحملها ... بها أقدّم في نقل الخطا قدمي ولي مآرب أخرى أن أهشّ بها ... على ثمانين عاما لا على غنمي توفي في ربيع الآخر عن مائة سنة. وفيها عمر السّلفي الشافعي [2] من فقهاء المقادسة. مات في رجب. كذا ذكره ابن حجر. وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن المظفّر السّبكي المصري ابن السّكّري [3] المسند. سمع من وزيرة مسند الشافعي، وحدّث به، وله إجازة من جماعة من المصريين، وقد ذكره البرزاليّ من مسندي مصر. وفيها بدر الدّين محمد بن علي بن منصور الحلبي ثم الدمشقي ابن قوالح [4] . ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر على أبي الفضل بن عساكر، فسمع منه «صحيح مسلم» . وسمع «صحيح البخاري» من اليونيني، ومن ابن القوّاس «عمل اليوم والليلة» لابن السّنّي بفوت. ودرّس في العربية أكثر من ستين سنة، حتّى إن النّجم القحفازي كان منزلا عنده، ومات قبله بمدة طويلة، وتفرّد. قاله ابن حجي.

_ [1] هو محمد بن أحمد بن بصخان بن عين الدولة، الإمام، شيخ القرّاء، بدر الدّين، أبو عبد الله ابن السّراج الدمشقي المقرئ النحوي. مات سنة (743) هـ. انظر «الوافي بالوفيات» (2/ 159- 160) و «غاية النهاية» (2/ 57) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 218) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 219) . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 222- 223) و «الدّرر الكامنة» (4/ 80) .

وفيها نصير الدّين أبو المعالي محمد [بن محمد] [1] بن إبراهيم بن أبي بكر [2] ، هو ابن المؤرّخ شمس الدّين الجزري. ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وأسمع من المطعم، والشّيرازي، وغيرهما. ثم طلب بنفسه بعد الثلاثين، فقرأ الكتب، وسمع، وكتب الأجزاء، واشتغل بالفقه، وربما كتب على الفتوى، وكان السّبكي فمن دونه يرجعون إلى قوله، وولي مباشرة الأيتام. وكان مشكور السيرة، ذا همّة عالية. توفي في جمادى الآخرة. وفيها محبّ الدّين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي [3] ، ناظر الجيش الشافعي. ولد سنة سبع وتسعين وستمائة، واشتغل ببلاده، ثم قدم القاهرة، ولازم أبا حيّان، والتّاج التّبريزي، وغيرهما. وحفظ «المنهاج» و «الألفية» وبعض «التسهيل» وتلا بالسبع على الصّايغ، ومهر في العربية وغيرها، ودرّس فيها وفي «الحاوي» . وسمع من الشريف موسى، وست الوزراء، وغيرهما. وحدّث وأفاد، وخرّج له الياسوفي «مشيخة» . وشرح «التسهيل» إلّا قليلا. وشرح «تلخيص المفتاح» شرحا مفيدا. وكانت له في الحساب يد طولى، وولي نظر الجيش، ونظر البيوت، والديوان، وكان عالي الهمّة، نافذ الكلمة، كثير البذل والجود والرفد للطلبة والرفق بهم، وكان من العجائب. قال ابن حجر: إنه مع فرط كرمه في غاية البخل على الطّعام. وكان كثير الظّرف والنّوادر، وبلغت مرتباته في الشهر ثلاثة آلاف، وكان من محاسن الدنيا، مع الدّين والصّيانة. توفي في ثاني عشر ذي الحجّة.

_ [1] ما بين القوسين سقط من «آ» . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 224- 225) و «الدّرر الكامنة» (4/ 157) . [3] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 452) و «إنباء الغمر» (1/ 225- 227) و «الدّرر الكامنة» (4/ 290) .

وفيها قاضي القضاة شرف الدّين أبو البركات موسى بن فيّاض بن عبد العزيز بن فيّاض الحنبلي الفندقي النّابلسي [1] ، الشيخ الإمام الحبر. سمع من جماعة، منهم: أبو بكر بن عبد الدائم، وعيسى المطعم، وحدّث، وباشر حاكما رابعا. ولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين، وهو أول من ولي قضاء قضاة الحنابلة بها، وكان طارحا للتكلّف، جزيل الدّيانة والتعفف، مقبلا على العبادة، وأجاز لجماعة منهم الشيخ شهاب الدّين بن حجّي. توفي في ذي القعدة بحلب. وفيها جمال الدّين يوسف بن أحمد بن سليمان، المعروف بابن الطّحّان الحنبلي [2] ، الشيخ الإمام الأوحد ذو الفنون. قال شيخ الإسلام ابن مفلح: كان بارعا في الأصول، أخذه عن الشيخ شهاب الدّين الإخميمي، وأخذ العربية عن العنائي، وتفقه في المذهب على ابن مفلح، صاحب «الفروع» وغيره. وكان بارعا في المعاني والبيان، صحيح الذهن، حسن الفهم، جيد العبارة، إماما، نظّارا، مفتيا، مدرّسا، حسن السيرة، عنده أدب وتواضع، وله ثروة. توفي بالصّالحية يوم السبت سادس عشري شوال وله نحو أربعين سنة. وفيها جمال الدّين يوسف بن عبد الله بن حاتم بن محمد بن يوسف، الشهير بابن الحبّال الحنبلي [3] . قال العليمي [4] هو المسند المعمّر. سمع من القاضي تاج الدّين عبد الخالق، وابن عبد السّلام، وغيرهما.

_ [1] انظر «ذيل العبر» (2/ 451) و «إنباء الغمر» (1/ 227- 228) و «الدّرر الكامنة» (4/ 379) و «المقصد الأرشد» (3/ 8- 9) و «الجوهر المنضد» ص (168) و «السحب الوابلة» ص (475) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 229) و «المقصد الأرشد» (3/ 128- 129) و «الجوهر المنضد» ص (181) و «السحب الوابلة» ص (485) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 229) و «الدّرر الكامنة» (4/ 462) . [4] في «المنهج الأحمد» الورقة (464) من القسم غير المنشور منه.

قال الشيخ شهاب الدين بن حجي: سمعنا عليه مرارا «مسند الشافعي» رضي الله عنه. توفي ببعلبك عشية يوم الخميس سابع رجب، وصلّي عليه من الغد عقب صلاة الجمعة، ودفن بباب سطحا .

سنة تسع وسبعين وسبعمائة

سنة تسع وسبعين وسبعمائة فيها توفي أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري المشهور بالبلبيسي، الملقب سمكة [1] . كان بارعا في الفقه والعربية والقراءات، وكان الإسنوي يعظّمه، وهو من أكابر من أخذ عنه واشتغل وبرع، وأخذ عن علماء مصر، وسمع من الميدومي وغيره. قال ابن حجر: ورافق شيخنا العراقي في سماع الحديث، وقرأ بالروايات، وكان خيّرا، متواضعا. مات في المحرم. وفيها أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرّعيني الغرناطي الأندلسي [2] ، رفيق محمد بن جابر الأعمى، شارح «الألفية» وهما المشهوران بالأعمى والبصير. قال في «إنباء الغمر» : ارتحل إلى الحجّ، فرافق أبا عبد الله بن جابر الأعمى، تصاحبا وترافقا إلى أن صارا يعرفان بالأعميين، وسمعا في الرحلة من أبي حيّان، وأحمد بن علي الجزري، والحافظ المزّي، وغيرهم. وكان

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 466- 467) و «إنباء الغمر» (1/ 244) و «بغية الوعاة» (1/ 342) و «درّر الحجال» (1/ 49- 50) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 473) و «غاية النهاية» (1/ 151) و «إنباء الغمر» (1/ 244) و «النجوم الزاهرة» (11/ 189) و «الدّرر الكامنة» (1/ 340) و «التحفة اللطيفة» (1/ 274) و «بغية الوعاة» (1/ 403) و «درّة الحجال» (1/ 62) .

أبو جعفر شاعرا، ماهرا، عارفا بفنون الأدب، وكان رفيقه عالما بالعربية، مقتدرا على النّظم، واستوطنا البيرة من عمل حلب، وانتفع بهما أهل تلك البلاد. وقال السيوطي في «طبقات النّحاة» : أقام أبو جعفر بحلب نحو ثلاثين سنة، وكان عارفا بالنحو وفنون اللّسان، مقتدرا على النّظم والنثر، ديّنا، حسن الخلق، كثير التأليف في العربية وغيرها، شرح «بديعية» رفيقه وأجاز لأبي حامد ابن ظهيرة. مولده بعد السبعمائة، ومات منتصف رمضان. ومن شعره: لا تعاد النّاس في أوطانهم ... قلّما يرعى غريب الوطن وإذا ما عشت عيشا بينهم ... خالق النّاس بخلق حسن وفيها أحمد بن أبي الخير اليمني الصّيّاد [1] ، أحد المشهورين بالصّلاح والكرامات من أهل اليمن. كان محافظا على التّقوى، معظّما في النّفوس، اجتمع هو ورجل من الزّيدية، فتوافقا على دخول الخلوة، وإقامة أربعين يوما، لا أكل ولا شرب، فضجّ الزّيدي من رابع يوم، فأخرج وثبت ابن الصّيّاد إلى آخر الأربعين، فتاب الزّيدي على يده هو وجميع من معه، وتوفي في شوال وله أربعون سنة. وفيها الأمير اقتمر الحنبلي الصّالحي [2] . كان من مماليك الصالح إسماعيل، وولي رأس نوبة في دولة المنصور ابن المظفّر، ثم خازندارا في دولة الأشرف، ثم تقدم في سنة سبعين، ونفاه الجائي إلى الشام، ثم أعيد بطّالا، ثم استقرّ رأس نوبة، ثم نائب السلطنة بعد منجك، ثم قرّر في نيابة الشام إلى أن توفي بها في هذه السنة في رجبها، وكان أولا يعرف بالصّاحبي، وكان يرجع إلى دين، وعنده وسواس كثير في الطّهارة وغيرها فلقّب

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 245) . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 474) و «إنباء الغمر» (1/ 245) و «الدّرر الكامنة» (1/ 449) و «النجوم الزاهرة» (11/ 191) و «السّحب الوابلة» ص (122) .

لذلك الحنبلي، ثم ذكره الحنابلة في طبقاتهم، وكان يحب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. وفيها زين الدّين أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني المالكي [1] قاضي دمشق بعد موت المسلاتي، ثم قاضي حلب، ثم عزل، واستمر بدمشق بعد ذلك إلى أن مات، وكان سمع من ابن مشرف، مشاركا في العلوم إلّا أنه كان بذيء اللّسان مع حسن صورته. مات فجأة في شوال بدمشق وبلغ السبعين. قاله ابن حجر. وفيها أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطّرسوسي القاضي الحنفي [2] . سمع من عمّه العماد علي بن أحمد الطّرسوسي الحنفي، القاضي، وأبي نصر الشّيرازي، وغيرهما. وتوفي في شوال، وكان يعرف بابن أخي القاضي. وفيها الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصّرخدي، ثم الصّالحي، المعروف بابن هبل الطّحّان [3] . ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع من الفخر بن البخاري، ومن التّقي الواسطي، وأجازا له، وسمع بنفسه من التّقي سليمان، وأخيه، وفاطمة بنت سليمان، والدشتي، وعثمان الحمصي، وعيسى المغاري، وغيرهم. وحدّث بالكثير، ورحل إليه الناس، وتوفي في صفر. وفيها بدر الدّين أبو محمد الحسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن سريح بن عمر الدمشقي الأصل الحلبي [4] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 247- 248) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 248) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 248- 249) و «الدّرر الكامنة» (2/ 13) . [4] انظر «ذيل العبر» (2/ 468- 469) و «إنباء الغمر» (1/ 249- 251) و «الدّرر الكامنة»

ولد بحلب سنة عشر، وأحضر في الشهر العاشر من عمره على إبراهيم، وعبد الرحمن ابني صالح بن العجمي، وأحضر على بيبرس العديمي وغيره، ورحل، فسمع بالقاهرة من محمد بن معضاد، ومحمد بن غالي، وعبد المحسن بن الصّابوني، ويحيى بن المصري، وغيرهم. واشتغل وبرع إلى أن صار رأسا في الأدب والشروط. ثم انتقى وخرّج وأرّخ وتعانى في تأليفه السجع، وناب في الحكم، ووقّع في الإنشاء، وصنّف فيها، واشتهر بالأدب، ونظم، ونثر، وجمع مجاميع مفيدة، ثم لزم بيته بأخرة مقبلا على التصنيف، فمنها «درّة الأسلاك في دولة الأتراك» و «تذكرة النّبيه في أيام المنصور وبنيه» [1] . وكان دمث الأخلاق، حسن المحاضرة، حميد المذاكرة. مات ضحى يوم الجمعة حادي عشر ربيع الآخر بحلب، عن تسع وستين سنة، وهو والد الشيخ زين الدّين طاهر [2] وقد ذيّل على تاريخه. وفيها زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية [3] . سمعت من عيسى المطعم، وابن النّشو، وغيرهما، وحدّثت [4] بالكثير، وتوفيت في شعبان. وفيها محمد بن عبد الله الطّرابلسي الحلبي [5] الشافعي الفروع الحنبلي

_ (2/ 29) و «الدليل الشافي» (1/ 267) و «النجوم الزاهرة» (11/ 189- 190) و «البدر الطالع» (1/ 205) . [1] وقد تم طبعه في مصر بثلاث مجلدات كبيرة، وهي طبعة متقنة محررة. [2] هو طاهر بن الحسين بن عمر بن حبيب أبو العز الحلبي المعروف بابن حبيب. عالم فاضل، ولد ونشأ بحلب، وكتب بها في ديوان الإنشاء. وانتقل إلى القاهرة، فناب عن كاتب السرّ. وتوفي فيها سنة (808) هـ. من مصنفاته «ذيل» على تاريخ أبيه وغيره من التصانيف. انظر «الضوء اللامع» (4/ 3- 5) و «الأعلام» (3/ 221) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 252) . [4] تحرفت في «ط» إلى و «حدّث» . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 257) .

الأصول، صاحب ابن القيّم. حمل عنه الكثير، وكان فاضلا، مشهورا، وذهنه جيد، وله نظم حسن، وكان قصيرا جدا، ولم يعاشر الفقهاء، ودرس بالظّاهرية، ومات في رمضان. وفيها مجد الدّين أبو سالم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي [1] . جال في بلاد العجم، ولقي العلماء بها، واشتغل بالمعاني وغيرها، وقال الشعر، وكان يذكر أنه سمع «المشارق» من محمد بن محمد بن الحسين بن أبي العلاء الفيروزآبادي بسماعه من محمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري، المعروف بالخليفة، عن مؤلّفه، وحدّث بشيء من ذلك بحلب. ومن نظمه: أبا سالم اعمل لنفسك صالحا ... فما كلّ من لاقى الحمام بسالم وفيها مجد الدّين محمد بن محمد بن إبراهيم البلبيسي الإسكندراني الأصل [2] ، موقّع الحكم. سمع من الواني، والمزّي، وغيرهما. وتفقه بالمجد الزّنكلوني، وأخذ عن ابن هشام، وعني بالحساب، فكان رأسا فيه، وفي الشروط، وانتهت إليه معرفة السّجلات، وكان يوقّع عن المالكية وينوب عن الحنفية، ومن مصنّفاته حاشية على «المعونة» وشرحه للوسيلة. عاش ستين سنة. وفيها جمال الدّين أبو بكر محمد الإمام العلّامة كمال الدّين أبو العبّاس أحمد بن الإمام جمال الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان الإمام العلّامة الشافعي، بقية السّلف، القاضي البكري الوائلي الشّريشي الأصل الدمشقي [3] . مولده سنة أربع أو خمس وتسعين وستمائة، وأحضر على جماعة، وسمع

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 257- 258) و «الدّرر الكامنة» (4/ 82) . [2] انظر «ذيل العبر» (2/ 471) و «إنباء الغمر» (1/ 258) و «الدّرر الكامنة» (4/ 208) . [3] انظر «الدّرر الكامنة» (3/ 351- 352) و «القلائد الجوهرية» ص (91) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 117) .

من جماعة، وأجاز له آخرون، واشتغل في صباه، وتفنّن في العلوم، واشتهر بالفضيلة، ودرّس في حياة والده، ثم بعد وفاته بالرّباط النّاصري، ثم بعدة مدارس، وأفتى كلّ ذلك، وهو في سنّ الشبيبة، ثم ولاه القاضي علاء الدين القونوي قضاء حمص، فنزح إلى هناك وأقام زمنا طويلا ثم قدم دمشق في أول ولاية السّبكي، فولي تدريس البادرائية في سنة إحدى وأربعين، وأقام يشغل الناس في الجامع ويفتي، ثم نزل عن البادرائية لولده شرف الدّين سنة خمسين، والإقبالية لولده بدر الدّين، وتوجّه إلى مصر سنة تسع وستين، فولّاه البلقيني نيابة في الطريق، ثم توجّه هو إلى القاهرة، وعاد المترجم إلى دمشق، وباشر تدريس الشامية البرّانيّة والحكم يوما واحدا، ثم مرض ومات، وحدّث بمصر والشام، واختصر «الروضة» وشرح «المنهاج» في أربعة أجزاء، وله «زوائد» على «المنهاج» وكان حسن المحاضرة، دمث الأخلاق، وله خطب ونظم. توفي في شوال ودفن بتربتهم [1] في سفح قاسيون. وفيها جمال أبو الفضل محمد بن محمد بن عبد الرحمن السّامي [2] ، نزيل المدينة. تفقه بالعماد الحسباني، وأخذ عن تقي الدّين ابن رافع وغيره، وسمع من ابن أميلة وغيره، وتخرّج بالعفيف المطري، وسمع بمصر وغيرها، وكان ترافق هو وعبد السلام الكازروني إلى مكة، فيقال: إنه دسّ عليهما سمّ بسبب من الأسباب فقتلهما، فمات السّاميّ في صفر، والكازروني بعده بأيام، وقد حدّث باليسير ولم يكمل الأربعين. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن علي بن الشّمس أحمد بن خلّكان [3] الإربلي الأصل ثم الدمشقي [4] .

_ [1] في «آ» : «في تربتهم» . [2] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 467) و «إنباء الغمر» (1/ 256) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن ملكان» والتصحيح من «إنباء الغمر» وانظر التعليق عليه. [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 260) .

ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من الحجّار وغيره، وحدّث عن الحنبلي ب «المنتقى من النسفي» ، ومات في ربيع الآخر. وفيها شرف الدّين محمد بن محمد بن مشرّف بن منصور بن محمود الزّرعي [1] قاضي عجلون. كان من الفضلاء حسن السيرة. مات بدمشق في ربيع الأول. قاله ابن حجر. وفيها شمس الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي السّلاوي، يعرف بابن شقرا [2] . ولد بعد السبعمائة، وسمع سنة سبع وسبعمائة من شمس الدّين بن أبي الفتح، وبعد ذلك من القطب اليونيني وجماعة، وحدّث، فأخذ عنه الياسوفي، وابن حجي [3] ، وغيرهما، ومات في جمادى الأولى. وفيها بدر الدّين محمد بن ميكال اليمني [4] بن أمير حرس والمهجم وغيرهما من بلاد اليمن. خرج على المجاهد، وادعى أنه حسنيّ، وخطب له بالسلطنة على المنابر، ومات المجاهد في غضون ذلك فنهض الأفضل لحربه إلى أن فرّ، فلجأ إلى الإمام الزّيدي بصعدة [5] ، فأقام عنده إلى أن مات في هذه السنة. وفيها محمود بن أحمد الحلبي الجندي [6] . قال ابن حجر: إمام فارس، اشتغل كثيرا بحلب، ومهر، وحفظ كتبا.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 260) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 260) . [3] تحرفت في «ط» إلى «ابن حجر» . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 261) . [5] صعدة: مخلاف باليمن بينه وبين صنعاء ستون فرسخا، وبينه وبين خيوان ستة عشر فرسخا. انظر «معجم البلدان» (3/ 406) . [6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 261) .

وبحث وقرأ، ثم قدم دمشق، فمات بها وهو شاب وله دون الأربعين. وفي حدودها العلّامة عزّ الدّين يوسف الأردبيلي الشّافعي [1] صاحب كتاب «الأنوار في الفقه» . ذكره العثماني في «طبقاته» فيمن هو باق إلى سنة خمس وسبعين، وقال: كبير القدر، غزير العلم، أناف على التسعين، جمع كتابا في الفقه سمّاه «الأنوار» مجلدان لطيفان، عظيم النّفع، اختصر به «الروضة» وغيرها، وجعله خلاصة المذهب، وهو باق بأردبيل، أفاض الله عليه فضله الجزيل. انتهى. وله «شرح مصابيح البغوي» في ثلاثة أجزاء. وفي حدودها أيضا الأمير الفاضل ناصر الدّين محمد بن المقر الأشرف العالي الأمير البدري حسن كلي [2] ، أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية. كان فقيها حنبليا فاضلا ذكيا، له خط حسن إلى الغاية، وشعره في غاية الحسن، منه قوله: قلب المتيّم كاد أن يتفتّتا ... فإلى متى هذا الصّدود إلى متى يا معرضين عن المشوق تلفتوا ... فعوائد الغزلان أن تتلفّتا كنّا وكنتم والزّمان مساعد ... عجبا لذاك الشّمل كيف تشتّتا صدّ وبعد واشتياق دائم ... ما كلّ هذا الحال يحمله الفتى وفي حدودها أيضا الشيخ أبو طاهر إبراهيم بن يحيى بن غنّام المعبّر الحنبلي [3] . كان فاضلا، عالما، وله كتاب حسن في التعبير على حروف المعجم، رحمه الله تعالى.

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 484) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 186- 187) . [2] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» الورقة (465) من القسم المخطوط الذي لم ينشر بعد. [3] ترجم له العليمي في «المنهج الأحمد» الورقة (465) من القسم المخطوط.

سنة ثمانين وسبعمائة

سنة ثمانين وسبعمائة فيها كان الحريق العظيم بمصر بدار التّفاح ظاهر باب زويلة، لولا أن السور منع النّار النفوذ لاحترق أكثر المدينة، وأقام الناس في شيل التراب أكثر من ثلاثة أشهر. وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله الحكري المصري [1] . قال ابن حجر: ولي قضاء المدينة، وكان عارفا بالعربية، وشرح «الألفية» ثم رجع فمات بالقدس في جمادى الآخرة، وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس، وأمّ عنه نيابة في الجامع بدمشق. وفيها أبو العبّاس أحمد بن سليمان بن محمد العدناني البرشكي- بكسر الموحدة والراء وسكون المعجمة بعدها كاف [2]-. قال ابن حجر: ولد صاحبنا المحدّث زين الدّين عبد الرحمن. روى عن الوادياشي، والشريف المغربي، واشتغل ومهر، وله حواش على «رياض الصالحين» للنووي في مجلد، وله تأليف. روى عنه عبد الله بن مسعود بن علي بن القرشية وغيره، من أهل تونس. وفيها أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر [3] . قدم مصر بعد أن صحب الشريف حيدر بن محمد، فأقام مدة ثم رجع إلى

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 277) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 278) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 279) .

القدس وبه مات، واشتهر على ألسنة العوام باذار، وكان يعرف علم الحرف، ويدرّس كتب ابن العربي، وله اشتغال في المعقول وذكاء، وكان كثير التقشف، وللناس فيه اعتقاد. مات في ذي الحجّة، وقد أضرّ، وجاوز السبعين. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك [1] بن مكتوم العجلوني [2] بن خطيب بيت لهيا. ولد سنة تسع وسبعمائة، وسمع من الحجّار، وإسماعيل بن عمر الحموي، وغيرهما، وحدّث. وكان رئيسا وجيها، وله عدة مشاركات. مات في المحرم. وفيها أبو بكر بن الحافظ تقي الدّين محمد بن رافع [3] . ولد في رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال، والجزري، وغيرهما. وحدّث، ودرّس بالعزيزية بعد أبيه، ومات في رجب. وفيها الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقيه الشافعي [4] . رحل قديما، فسمع من الحجّار وغيره، ثم رجع، وحدّث ببغداد «صحيح البخاري» عن الحجّار و «تلخيص المفتاح» عن مصنّفه الجلال القزويني، وتوفي في شوال. وفيها بهاء الدين داود بن إسماعيل القلقيني [5] نسبة إلى قرية بين نابلس والرّملة. كان فاضلا شافعيا. درّس وأفتى، وسكن في حلب. ذكره القاضي علاء الدّين في «تاريخه» .

_ [1] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» وفي «آ» : «ابن مالك» . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 279) و «الدّرر الكامنة» (1/ 255) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 281) . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 281- 282) و «الدّرر الكامنة» (2/ 55) . [5] انظر «إنباء الغمر» (1/ 282) .

وفيها ضياء الدّين عبد الله بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني القرمي، ويسمى أيضا ضياء، ويعرف بقاضي القرم العفيفي الشافعي [1] ، أحد العلماء. تفقه في بلاده، وأخذ عن القاضي عضد الدّين وغيره، واشتغل على أبيه البدر التّستري، والخلخالي، وتقدم في العلم حتّى إن السّعد التّفتازاني قرأ عليه، وحجّ قديما، وسمع من العفيف المطري بالمدينة. وكان اسمه عبيد الله فغيّره لموافقته اسم عبيد الله بن زياد بن أبيه قاتل الحسين، وكان يستحضر المذهبين، ويفتي فيهما، ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله، مع الدّين المتين، والتواضع الزائد، وكثرة الخير، وعدم الشّرّ، وكانت لحيته طويلة جدا بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلّا وهي في كيس، وكان إذا ركب يفرقها فرقتين، وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا: سبحان الخالق، فكان يقول: عوامّ مصر مؤمنون حقّا لأنهم يستدلون بالصّنعة على الصّانع، ولما قدم القاهرة استقرّ في تدريس الشافعية بالشيخونية والبيبرسية وغير ذلك، وكان لا يملّ من الاشتغال حتّى في حال مشيه، وركوبه، ويحلّ «الكشّاف» و «الحاوي» حلّا إليه المنتهى، حتّى قيل: إنه يحفظهما، وكان يقول: أنا حنفي الأصول شافعي الفروع، وكان يدرس دائما بغير مطالعة، وكتب إليه زين الدّين طاهر بن الحسن بن حبيب: قل لربّ النّدى ومن طلب العل ... م مجدّا إلى سبيل السّواء إن أردت الخلاص من ظلمة الجه ... ل فما تهتدي بغير ضياء فأجاب: قل لمن يطلب الهداية منّي ... خلت لمع السّراب بركة ماء ليس عندي من الضّياء شعاع ... كيف يبغى الهدى من اسم الضّياء توفي في ثالث ذي الحجّة من هذه السنة، كما جزم به ابن حجر بالقاهرة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 282- 283) و «النجوم الزاهرة» (11/ 193) ، وسمّاه السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» «عبيد الله بن سعد» .

وفيها عبد الله بن عبد الله الجبرتي [1] صاحب الزاوية بالقرافة، أحد من يعتقد بالقاهرة. مات في سادس عشر المحرم. وفيها عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي، نزيل الإسكندرية، ويعرف بالشيخ نهار [2] . كان أحد من يعتقد ببلده، ويذكر عنه مكاشفات كثيرة. مات في جمادى الأولى. قاله ابن حجر. وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي الحلبي [3] . سمع من أبي بكر أحمد بن العجمي، وسمع منه ابن ظهيرة، والبرهان المحدّث، وغيرهما. وكان شيخا منقطعا عن الناس من بيت كبير. مات راجعا من الحج في ثالث المحرم. وفيها محيي الدّين عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي بن الزكي [4] الدمشقي [5] . كان من بيت كبير بدمشق، وسمع من زينب بنت [6] الكمال وغيرها، وطلب بنفسه واشتغل، وحدّث، وناب في الحكم، ودرّس، وكان من الرؤساء. مات في ذي القعدة، ولم يكمل الخمسين.

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 477) و «إنباء الغمر» (1/ 284) و «النجوم الزاهرة» (11/ 194) و «حسن المحاضرة» (1/ 527) . [2] انظر «طبقات الأولياء» ص (571) و «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 478) و «إنباء الغمر» (1/ 284) و «النجوم الزاهرة» (11/ 194) . [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 285) و «الدّرر الكامنة» (2/ 372) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «التركي» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [5] انظر «إنباء الغمر» (1- 285- 286) . [6] لفظة «بنت» سقطت من «ط» .

وفيها علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطّيبي ثم المصري [1] . سمع من الحجّار ووزيرة، وحدّث عن ابن مخلوف بالسادس من «الثقفيات» سماعا. وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة بالقاهرة، ومات في سابع عشر المحرم. وفيها صلاح الدّين محمد بن تقي الدّين أحمد بن العزّ إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي [2] ، مسند الدنيا في عصره. ولد سنة أربع وثمانين وستمائة، وتفرّد بالسماع من الفخر ابن البخاري. سمع منه «مشيخته» وأكثر «مسند أحمد» و «الشمائل» و «المنتقى الكبير» من «الغيلانيات» . وسمع من التّقي الواسطي، وأخيه محمد، وأحمد بن عبد المؤمن الصّوري، وعيسى المغاري، والحسن بن علي الخلّال، والعزّ الفرّاء، والتّقي بن مؤمن، ونصر الله بن عبّاس في آخرين، وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن طبرزد، وخرّج له الياسوفي «مشيخة» ، وحدّث بالإجازة عن النّجم بن المجاور، وعبد الرحمن بن الزّين، وزينب بنت مكّي، وزينب بنت العلم، وأسمع الكثير، ورحل الناس إليه، وتزاحموا عليه، وأكثروا عنه، وكان ديّنا، صالحا، حسن الإسماع، خاشعا، غزير الدّمعة، لا يكاد يمسك دمعته إذا قرئ عليه الحديث أو ذكر صلّى الله عليه وسلّم. أمّ بمدرسة جدّه، وأسمع الحديث أكثر من خمسين سنة، وقد أجاز لأهل مصر خصوصا من عموم. قال ابن حجر: فدخلنا في ذلك.

_ [1] انظر «ذيل العبر» لابن العراقي (2/ 478) و «إنباء الغمر» (1/ 286) و «الدّرر الكامنة» (3/ 55) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 288- 289) و «النجوم الزاهرة» (11/ 195) و «الدّرر الكامنة» (3/ 304) و «المقصد الأرشد» (2/ 363) و «الجوهر المنضد» ص (130- 131) .

مات في شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر، ونزل الناس بموته درجة، ودفن بتربة جدّه بسفح قاسيون. وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهوّاري [1] المالكي النحوي الأعمى، رفيق أبي جعفر الرّعيني، وهما المشهوران بالأعمى والبصير. كان ابن جابر هذا يؤلّف وينظم، والرّعيني يكتب، ولم يزالا هكذا على طول عمرهما إلى أن اتفق أن ابن جابر تزوّج فوقع بينه وبين رفيقه، فتهاجرا [2] ، ومات رفيقه في العام الماضي، وكتب ابن فضل الله في «المسالك» عن ابن جابر شيئا من شعره، ومات قبله بدهر، وذكر أنه حرص على أن يجتمع به فلم يتفق ذلك، وذكره الصّلاح الصّفدي في «تاريخه» ومات قبله بكثير. ومن تصانيف ابن جابر «شرح الألفية» لابن مالك، وهو كتاب مفيد جليل يعتني بإعراب الأبيات، وله «نظم الفصيح» و «نظم كفاية المتحفظ» و «بديعية» نظمها عال، وله شرح على «ألفية ابن معطي» في ثلاث مجلدات، وأجاز لمن أدرك حياته. وفيها محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفرّاء [3] الأشقر، الملقب بالقزل [4] . سمع المزّي، وابن القرشية [5] ، والبرزالي، وجماعة من أصحاب ابن عبد

_ [1] انظر «الوافي بالوفيات» (2/ 157- 158) و «إنباء الغمر» (1/ 290) و «الدّرر الكامنة» (3/ 339) و «غاية النهاية» (2/ 60) و «بغية الوعاة» (1/ 34- 35) . [2] في «آ» و «ط» : «فتهاجروا» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلّف. [3] تحرفت في «ط» إلى «العز» . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 291) . [5] في «الوافي بالوفيات» (5/ 337) : «ابن القريشة» وهو خطأ، وقد قيدها الصفدي في الكتاب كما جاءت في كتابنا ولكن لم ينتبه لذلك محقق الجزء المذكور المستشرق س. ديدرينغ. وفي «إنباء الغمر» : «ابن الفريسة» وهو خطأ أيضا. وهو إبراهيم بن بركات ابن أبي الفضل، وقد تقدمت ترجمته في ص (219) .

الدائم، وحدّث، وكان دمث الأخلاق يحب أصحاب الحديث وأصحاب ابن تيميّة. وحفظ القرآن على كبر وحفظه عليه جماعة. توفي في ربيع الآخر. وفيها ضياء الدّين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصّغّاني [1] ، نزيل المدينة ثم مكة، الفاضل الحنفي، صاحب الفنون. قال ابن حجر: هو والد صاحبنا شهاب الدّين بن الضّياء قاضي الحنفية الآن بمكة، وقد ادعى والده أنهم من ذرّيّة الصّغّاني، وأن الصّغّاني من ذرّيّة عمر بن الخطاب، وكان الضّياء قد سمع على الجمال المطري، والقطب بن مكرم، والبدر الفارقي، وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان كثير المال، فطلب منه جمّاز أميرها شيئا فامتنع، فسجنه، ثم أفرج عنه، فاتفق أنهما اجتمعا بالمسجد، فوقع من جمّاز كلام في حقّ أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فكفّره الضياء وقام من المجلس، فتغيب وتوصل إلى ينبع، واستجار بأميرها أبي الغيث، فأرسله إلى مصر، فشنّع على جمّاز، فأمر السلطان بقتله، فقتل في الموسم، فنهب آل جمّاز دار الضّياء، فتحول إلى مكة، فتعصب له يلبغا، فقرّر له درسا للحنفية في سنة ثلاث وستين، فاستمرّ مقيما بمكة إلى أن مات، وكان عارفا بالفقه والعربية، شديد التعصب للحنفية، كثير الوقيعة في الشافعية. وفيها محمد بن محمد بن عثمان بن أبي بكر الطّبري [2] . سمع من جدّه عثمان وجماعة بدمشق ومكة، وحدّث، وأخذ عنه السّراج الدّمنهوري وغيره، وكتب الكثير، وتوجّه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين، فأقام بها إلى أن مات.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 292- 293) و «الدّرر الكامنة» (4/ 177) و «الدليل الشافي» (2/ 691) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 294) .

وفيها الأمير موسى بن محمد بن شهري- بضم المعجمة وسكون الهاء- التّركماني [1] ، أحد أكابر الأمراء والنوّاب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية. كان يحب العلم ويذاكر، ويفهم كثيرا، ويتمذهب للشافعي، ويقال: إن الباريني أذن له في الإفتاء، وكان ذلك في سنة وفاته، وتوفي في رمضان وقد جاوز الأربعين.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 295) و «الدّرر الكامنة» (4/ 380) و «الدليل الشافي» (2/ 753) و «النجوم الزاهرة» (1/ 195) .

سنة إحدى وثمانين وسبعمائة

سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن شرف الدّين عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفّر بن بحر بن سادن [1] بن هلال الطّائي القيراطي [2] ، الشاعر المشهور. ولد في صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة، وتفقه، واشتغل، وتعانى النّظم، ففاق فيه، وله ديوان جمعه لنفسه يشتمل على نثر ونظم في غاية الإجادة، واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدّين السّبكي، وطارحه الصّفديّ بأبيات طائية أجاد القيراطيّ فيها غاية الإجادة. وله في محبّ الدّين ناظر الجيش، وفي تاج الدّين السّبكي غرر المدائح، ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدّين بن نباتة في غاية الحسن والطّول، وكان مع تعانيه النّظم والنثر، عابدا فاضلا، درّس بالفارسية. وكان مشهورا بالوسوسة في الطهارة، وقد حدّث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح، وعن ابن ملوك، وأحمد بن علي بن أيوب المستولي، والحسن بن السّديد الإربلي، وشمس الدّين بن السّراج، وحدّث عنه من نظمه القاضي عزّ الدّين بن جماعة، والقاضي تقي الدّين بن رافع، وغيرهما ممن مات قبله، وسمع منه جماعة. ومن شعره: كأنّ خدّيه ديناران قد وزنا ... فحرّر الصّيرفيّ الوزن واحتاطا

_ [1] في «الدّرر الكامنة» و «النجوم الزاهرة» : «ابن شادي» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 312- 313) و «الدّرر الكامنة» (1/ 31) و «الدليل الشافي» (1/ 18) و «النجوم الزاهرة» (11/ 196- 200) .

فشحّ بعضهما عن وزن صاحبه ... فزاده من فتيت المسك قيراطا توفي بمكة مجاورا في ربيع الآخر، وله خمس وخمسون سنة إلّا شهرا. وفيها شرف الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي [1] نزيل القاهرة. كان فاضلا، قدم دمشق، فولي قضاء المالكية بها، ثم قدم القاهرة في دولة يلبغا فعظّمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص، وقد ولي قضاء دمياط مدة، وحدّث عن أبيه، وابن الحبّال وغيرهما، ولم يكن بيده وظيفة إلّا نظر الخزانة، فانتزعها منه علاء الدّين بن عرب محتسب القاهرة، فتألم من ذلك ولزم بيته إلى أن كفّ بصره، فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة. قال ابن حجر: سمع منه من شيوخنا جماعة، ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدّين محمد بن البيطار، الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة [2] . وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني ابن خطيب بيت لهيا [3] . ولد في رمضان سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الضّياء إسماعيل بن عمر الحموي، وابن الشّحنة، وحدّث، وكان من الرؤساء. مات في المحرم. وفيها عماد الدّين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح [4] ، الشيخ الجليل، الحلبي الأصل، الدمشقي المولد، الصّالحي المنشأ، المعروف بابن الحبّال، الحنبلي، وكان والده يعرف بابن الصّايغ.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 313- 314) . [2] سترد ترجمته في المجلد التاسع إن شاء الله. [3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 314) . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 315) .

حضر على هدية بنت عسكر، وسمع من القاضي تقي الدّين سليمان، وعيسى المطعم، وكان له ثروة، ووقف أوقاف برّ على جماعة الحنابلة، وعنده فضيلة، وقسّم ماله قبل موته بين ورثته، وانقطع لإسماع الحديث في بستانه بالزّعيفرية، وتوفي ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الآخر، ودفن بالرّوضة عند والده. وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي [1] نزيل مصر، البغدادي، شيخ القراء. قدم القاهرة، وتلا على التّقي الصائغ، وسمع من حسن سبط زيادة، ووزيرة، وتاج الدّين بن دقيق العيد، وجماعة. خرّج له عنهم أبو زرعة ابن العراقي «مشيخة» وهو آخر من حدّث عن سبط زيادة، وتصدّر للإقراء مدة، وانتفع الناس به، ودرّس القراءات بجامع ابن طولون. قال ابن حجر: وقرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات، وشرح «الشاطبية» ونظم «غاية الإحسان» لشيخه أبي حيّان أرجوزة وقرضها شيخه. وتوفي في تاسع صفر عن تسع وسبعين سنة. وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التّلمساني المالكي العجيسي- بفتح العين المهملة، وكسر الجيم، وتحتية، ومهملة، نسبة إلى عجيس، قبيلة من البربر [2]-. ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وتقدم في بلاده، وتمهر في العربية والأصول والأدب، وسمع من منصور المشدّائي [3] ، وإبراهيم بن عبد الرفيع، وأبي زيد بن الإمام، وأخيه موسى، ورحل إلى المشرق في كنف وحشمة، فسمع بمكّة من عيسى الحجي وغيره، وبمصر من أبي الفتح بن سيّد

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 317) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 320) و «النجوم الزاهرة» (11/ 196) و «الدّيباج المذهب» ص (305) طبع دار الكتب العلمية ببيروت، و «النجوم الزاهرة» (11/ 196) و «الإحاطة» (3/ 103- 130) . [3] تحرفت في «ط» إلى «الشدائي» .

النّاس، وأبي حيّان، وغيرهما. وبدمشق من ابن الفركاح وغيره، وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب المدينة وغيره، واعتنى بذلك، فبلغت شيوخه ألفي شيخ، وكتب خطا حسنا، وشرح «الشفاء» و «العمدة» . قال في «تاريخ غرناطة» : وكان مليح التّرسل، حسن اللقاء والحطّ [1] ، كثير التودّد، ممزوج الدّعابة بالوقار، والفكاهة بالتنسك [2] ، غاصّ المنزل بالطلبة، مشارك في الفنون، اشتمل عليه [3] السلطان أبو الحسن، وأقبل عليه إقبالا عظيما، فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين، ودخل الأندلس، فاشتمل عليه سلطانها، وقلّده الخطابة، ثم وقعت له كائنة بسبب قتيل اتّهم بمصاحبته، فانتهبت أمواله، وأقطعت رباعه، واصطفيت أمّ أولاده، وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة، فركب البحر إلى المشرق، وتقدّمه أهله وأولاده، فوصل إلى تونس، فأكرم إكراما عظيما، وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان، وتدريس أكثر المدارس، ثم قدم القاهرة، وأكرمه الأشرف شعبان، ودرّس بالشيخونية، والصّرغتمشية، والنجمية، وكان حسن الشكل، جليل القدر، وأجاز للجمال ابن ظهيرة، وذكره في «معجمه» . ومن شعره: أنظر إلى النّوّار في أغصانه ... يحكي النّجوم إذا تبدّت في الحلك حيّا أمير المسلمين وقال قد ... عميت بصيرة من بغيرك مثّلك يا يوسفا حزت الجمال بأسره ... فمحاسن الأيام تومئ هيت لك أنت الذي صعدت به أوصافه ... فيقال فيه ذا [4] مليك أو ملك توفي- رحمه الله تعالى- في ربيع الأول.

_ [1] تصحفت في «آ» إلى «والحظ» . [2] في «الإحاطة» : «بالنّسك» . [3] في «آ» : «على» وهو خطأ. [4] في «آ» و «ط» : «إذا» والتصحيح من «الإحاطة» .

وفيها زين الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري الأسيوطي الشافعي [1] . تفقه على الدمنهوري، وكتب الخط الحسن، وشارك في الفضائل، وولي قضاء بلده، وكان صارما في أحكامه، وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه. وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي مروان عبد الملك بن عبد الله بن محمد ابن محمد المرجاني [2] التّونسي الأصل الإسكندراني الدار، نزيل مكة. ولد سنة أربع وعشرين، وكان خيّرا، صالحا، صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير، وكان يعرف علم الحرف. توفي في شوال. وفيها ناصر الدّين محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازيّ [3] الطّبردار، سبط العماد الدمياطي [4] . ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع «كتاب الخيل» تأليف الدّمياطي منه، وسمع عليه «كتاب العلم» للذهبي أيضا، وتفرّد بالرواية عنه بالسماع، وحدّث، فرحلت الناس إليه. مات في ربيع الأول أو رجب. وفيها شرف الدّين محمود [بن محمد] [5] بن أحمد بن صالح الصّرخدي [6] ، الفقيه الشافعي. أخذ عن الشيخ فخر الدّين المصري، وسمع الحديث.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 323) . [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 324) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحراوي» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «النجوم الزاهرة» . [4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 325) و «النجوم الزاهرة» (11/ 200) . [5] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف، واستدركته من «الدّرر الكامنة» . [6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 305) و «الدّرر الكامنة» (4/ 333) .

قال الحافظ شهاب الدّين ابن حجي: كان أحد الفقهاء الأخيار، وكان يجلس بالجامع يقرئ الطلبة شرحا وتصحيحا، وعنده تبتّل وخشوع، وله أوراد، وكان يصفر بالحناء، نحيفا، وانقطع بأخرة عن حضور المدارس لضعف بصره. قال لي والدي: قدم علينا- وهو شاب- الشامية، فكنا نشبّه طريقته بطريقة النّووي. توفي في ذي القعدة وقد جاوز الخمسين.

سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة

سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فيها كما قال السيوطي [1] ورد كتاب من حلب يتضمن أن إماما قام يصلي، وأن شخصا عبث به في صلاته، فلم يقطع الإمام الصّلاة حتّى فرغ، وحين سلّم انقلب وجه العابث وجه خنزير، وهرب إلى غابة هناك، فعجب الناس من هذا الأمر، وكتب بذلك محضر. وفيها أمر برقوق ببناء جسر الشريعة بطريق الشام، وجاء طوله مائة وعشرين ذراعا، وانتفع الناس به. وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحّان [2] [وكان الطحان] [3] الذي نسب إليه زوج أمّه، فإن أباه كان إسكافا، ومات وهو صغير، فربّاه زوج أمّه فنسب إليه. ولد أحمد هذا في محرم سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع البرزالي، وابن السّلعوس [4] وغيرهما، وأخذ القراءات عن الذّهبي وغيره، وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان الناس يقصدونه لسماع صوته بالتنكزية، وكان إمامها. وتوفي بدمشق في صفر.

_ [1] انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (503) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 19) . [3] ما بين القوسين سقط من «ط» . [4] تحرفت في «ط» إلى «السعلوس» .

ومن نظمه: طالب الدّنيا كظام ... لم يجد إلّا أجاجا فإذا أمعن فيه ... زاده وردا وهاجا وفيها شرف الدّين أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي، المعروف بابن منصور [1] . ولد سنة سبع عشرة، واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضا عن صدر الدّين ابن العزّ. وكان طلب إلى مصر ليولّى القضاء بعد موت ابن التركماني، فقدمها، فاتفق أن تولّى نجم الدّين ابن العزّ، فأقام بمصر مدة يدرّس، ثم ولي قضاءها في رمضان سنة سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين، فتركه ورجع إلى دمشق، واختصر «المختار» في الفقه وسمّاه «التحرير» ثم شرحه. وكان عارفا بالأصول والفروع، حسن الطريقة، جميل السيرة، له صيانة وتصمم في الأمور، وكان سمع من محمد بن دوالة، وعبد الرحمن بن تيميّة، وابنه، والمزّي، والبرزالي، وحبيبة بنت العزّ، وغيرهم. وتوفي في شعبان وله خمس وستون سنة، وهو أصغر سنا من أخيه صدر الدّين وأفقه. وفيها عماد الدّين أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي الشافعي [2] الزاهد بن السراج. ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع الحجّار، والمزّي، وغيرهما. وتفقه بالشّرف البارزي، وأذن له بالإفتاء، وأثنى عليه الذهبي في «المعجم المختص بالمحدّثين» وهو آخر من ترجم له في هذا «المعجم» . وكان يعمل المواعيد

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 21) و «الدّرر الكامنة» (1/ 221) و «النجوم الزاهرة» (11/ 205) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (304) و «إنباء الغمر» (2/ 23) و «الدّرر الكامنة» (1/ 437) .

ويجيد الخط ويقرأ «البخاري» في كل سنة بالجامع في رمضان، ويجتمع عنده الجمّ الغفير، وللناس فيه اعتقاد زائد. توفي في شوال عن سبع وسبعين سنة. وفيها علاء الدّين حجّي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرّف بن تركي السّعدي الحسباني [1] الشافعي، فقيه الشام وحافظ المذهب. ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، واشتغل في صغره بالقدس، وحفظ كتبا، وأخذ عن الشيخ تقي الدّين القلقشندي، ثم قدم الشام في سنة أربع وثلاثين، فقرأ على شيوخها، وسمع الحديث من البرزالي، [وأبي العبّاس الجزري] [2] وشيخه الذي أنهاه بالشامية البرّانية شمس الدّين ابن النّقيب، وغيرهم [3] ، وحدّث وأفتى، وأعاد [بالشاميّة البرّانية] [2] . وقال ولده حافظ العصر: أحد من اعتنى بالفقه وتحصيله وتقريره وحفظه وتحقيقه وتحريره، كان كثير الاطلاع، صحيح النقل، عارفا بالدقائق والغوامض، معروفا بحلّ المشكلات، مع فهم صحيح، وسرعة إدراك [4] ، وقدرة على المناظرة برياضة وحسن خلق، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وكان يقال فقهاء المذهب ثلاثة، هو أحدهم وخاتمتهم. وكان فارغا عن طلب الرئاسة في الدنيا، ليس له شغل إلّا الاشتغال في العلم والمطالعة، ولا يتردد إلى أهل الدولة، ولا يجمع مالا ولا يدّخره، وكان مع فهمه وذكائه لا يعرف صنجة عشرة من عشرين، ولا درهم من درهمين، ولا يحسن براية قلم، ولا تكوير عمامة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 25) و «الدّرر الكامنة» (2/ 6) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 203- 204) . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلّف. [3] في «آ» و «ط» : «وغيرهما» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة. [4] تحرفت في «ط» إلى «أدرك» .

توفي في صفر ودفن بمقبرة الصّوفية بطرفها الغربي إلى جانب ابن الصّلاح بينه وبين السّهروردي مدرس القيمرية. انتهى ملخصا. وفيها شرف الدّين عبّاس بن حسين بن بدر التّميمي الشافعي [1] . كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات، ودرّس بالسابقية بالقاهرة، وخطب بجامع أصلم. مات في ذي الحجّة، وكان برجله داء الفيل. قاله ابن حجر. وفيها أمين الدّين عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلّار الدمشقي العلّامة [2] . ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من الحجّار، والمزّي، والتّقي الصائغ، وأيوب الكحّال، وخلق بالشام، ومصر، وبغداد، والبصرة، وغيرها، وتفرّد بدمشق، وأتقن الفرائض، والعربية، والقراءات، وله فيها مؤلّفات حسنة مفيدة، وخرّج له السّرمريني «مشيخة» قرئت عليه، وأخذ عنه جماعات، منهم شمس الدّين بن الجزري، واستقرّ بعده في الإقراء بتربة أمّ الصّالح. قال ابن حجر: وكان ثقة، صحيح النقل، وله نظم، وألّف مؤلفات محرّرة. ومات في ثامن عشري شعبان وعمره ثمانون سنة. انتهى. وفيها نور الدّين علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوّي ثم المدني ثم المدلجي [3] . عني بالحديث، وجال في البلاد، وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش، وأبي حيّان، وابن عالي، والميدومي، وخلق. وحدّث بالإجازة عن

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 27) و «الدّرر الكامنة» (2/ 239) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 211) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 29) و «الدّرر الكامنة» (2/ 413) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 30) و «الدّرر الكامنة» (3/ 10) .

الرّضي الطّبري، والحجّار، ومهر في العربية والحديث، واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصا حدّثه بحديث عن آخر عنه، فقال له: أنا الفوّي، أسمعه مني يعلو سندك، وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي، وحدّث ببغداد، وأقام بالمدينة النّبوية مدة، ودرّس بها. وتوفي بالقاهرة في ربيع الآخر، وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة. وفيها علاء الدّين علي بن زيادة بن عبد الرحمن الحبكي [1]- بحاء مهملة وباء موحدة وكاف، نسبة إلى قرية من قرى حوران- الشّافعي الإمام الجليل. قدم دمشق، فاشتغل على ابن سلام، وحجي، ولازمه، وتفقه به، وحضر عند شيخ الشافعية ابن قاضي شهبة وغيره، وقرأ في الأصول والعربية، وكان الغالب عليه الفقه، وكان يفتي بأجرة، وعنده ديانة، وتورع، وملازمة لمباشرة وظائفه، لا يترك الحضور بها وإن بطّل المدرسون، وعنده وسواس في الطهارة. مات في ذي القعدة، ودفن بمقبرة الصّوفية بتربة القاضي شهاب الدّين الزّهري، وكان صاحبه. وفيها نور الدّين علي بن عبد الصّمد الحلاوي [2] المالكي الفرائضي. انتهت إليه رئاسة الفقه، وكان مشاركا في الفنون، عارفا بالمعاني، والبيان، والحساب، والهندسة، وكان يدرّس بغير مطالعة، مع جودة القريحة، وسيلان الذهن، وانتفع به خلق. وتوفي في العشر الأخير من ذي الحجّة. وفيها عمر بن عمرو بن يونس بن حمزة بن عبّاس العدوي الإربلي ثم الصالحي ابن القطان [3] ، نزيل صفد.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 31) و «الدّرر الكامنة» (3/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 212) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 32) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 32) .

سمع من التّقي سليمان، والفخر عبد الدائم، وابن الزرّاد، وغيرهم. وكان فاضلا، مقرئا للسبع، طلب الحديث، وكتب الكثير، وحدّث، وسمع منه ابن رافع، وكتب عنه في «معجمه» ومات قبله بمدة، وخرّج له الياسوفي جزءا، وعاش ستا وثمانين سنة سواء. قاله ابن حجر. وفيها جمال الدّين محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزّبيدي الشافعي [1] . كان عارفا بالأدب، مشاركا في غيره، مع الصّلاح والعبادة، وآثاره سائرة باليمن. قاله ابن حجر. وفيها شمس الدّين محمد بن نجم الدّين عمر بن شرف الدّين محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن قاضي شهبة الدمشقي الأسدي الشافعي، جدّ الشيخ تقي الدّين ابن قاضي شهبة صاحب «طبقات الشافعية» [2] . قال تقي الدّين المذكور في «الطبقات» المذكورة: هو جدي مولده في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة، وتفقه بعمّه الشيخ كمال الدّين، والشيخ برهان الدّين الفزاري، وأخذ النّحو عن عمّه المذكور، ولما توفي عمّه سنة ست وعشرين جلس مكانه، يشغل إلى أن ضعف، وانقطع بعد السبعين، كل ذلك وهو منجمع عن الناس، مقبل على العبادة وعدم الالتفات إلى أمور الدنيا، راضيا بالعيش الخشن، يخدم نفسه، ويشتري الحاجة ويحملها، وقد أخذ الناس عنه العلم طبقة بعد طبقة، وممن أخذ عنه من كبار العلماء: ابن خطيب يبرود، وابن كثير، والأذرعي. وولي في آخره تدريس الشامية البرانية بغير سؤال، فباشرها

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 33) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 35) و «الدّرر الكامنة» (4/ 110) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 236- 241) .

سنة وثلاثة أشهر، ثم نزل عنها لضعفه، وقد سمع من ابن الموازيني وغيره، وحدّث، فسمع منه خلق من الحفّاظ والمحدّثين، منهم: العراقي، والهيثمي، والقرشي، وابن سند، وابن حجي، والحسباني، والياسوفي، وغيرهم. قال ابن رافع: كان ابن قاضي شهبة بالشام مثل مجد الدّين الزّنكلوني بالقاهرة، وجميع الجماعة طلبته. وقال ابن حجي: كان عنده انجماع عن الناس، وعدم معرفة بأمور الدنيا، بمعزل عن طلب الرئاسة والدخول في المناصب، على أنه قد ولي نيابة الحكم بإشارة الشيخ تقي الدّين السّبكي، وكان لا يتصدى لذلك، وكان علماء البلد والمشار إليهم فيها غالبهم تلاميذه وتلاميذ تلاميذه. وتوفي في المحرم ودفن بباب الصغير إلى جانب عمّه الشيخ كمال الدّين. وفيها جلال الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود قاضي الحنفية، يلقّب جار الله، ويقال له الجار [1] . تقدم عند الأشرف بالطبّ، وكان نائبا في الحكم عن صهره السراج الهندي، وكان بارعا في العلوم العقلية، كالطب وغيره، وولي مشيخة سعيد السعداء، ودرّس في المنصورية وجامع ابن طولون، وولي قضاء الحنفية استقلالا إلى أن مات في رجب وقد جاوز الثمانين. وفيها شمس الدّين محمد الحكري المقرئ [2] . قرأ على البرهان الحكري، وناب في الحكم بجامع الصالح، وولي قضاء القدس وغزة. قال ابن حجر: ذكر لي الشيخ برهان الدّين بن رفاعة الغزّي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الإقراء. توفي في ذي الحجّة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 38) و «النجوم الزاهرة» (11/ 203) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 40) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) .

وفيها محيى الدّين يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكّي الشاعر الشافعي المعروف بالمبشّر [1] . مدح أمراء مكة، وكتب لهم الإنشاء، وكان غاية في الذكاء ويسّر عليه الحفظ. حفظ «التنبيه» في أربعة أشهر، وكان سمع من نجم الدّين الطّبري، وعيسى الحجّي، وغيرهما، وعاش سبعين سنة. وفيها أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرئ [2] ، نزيل مكة. تصدّى للقراءات وأتقنها، وأقرأ الناس، حتّى يقال: إن الجنّ كانوا يقرؤون عليه. قاله ابن حجر.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 41) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 42) .

سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة

سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي [1]- بفتح أوله والراء وسكون الذال المعجمة، نسبة إلى أذرعات بكسر الراء ناحية بالشام [2]- الشافعي، نزيل حلب. ولد سنة سبع وسبعمائة، وتفقه بدمشق قليلا، وناب في بعض النّواحي في الحكم، ثم تحوّل إلى حلب فقطنها، وناب في الحكم بها، ثم ترك ذلك، وأقبل على الاشتغال، والتّصنيف، والفتوى، والتدريس، وجمع الكتب. حتّى اجتمع عنده منها ما لم يحصل [عند غيره، وظفر من النقول بما لم يحصل] [3] لأهل عصره، وذلك بيّن في تصانيفه، وهو ثبت في النقل وبسيط في التصرفات، قاصر في غير الفقه. وسمع من طائفة وأجاز له القاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهما. وكان اشتغاله على كبر. وسبب همته في الاشتغال أنه رأى في المنام رجلا واقفا أمامه، وهو ينشد: كيف نرجو [4] استجابة لدعاء ... قد سددنا طريقه بالذّنوب

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 61- 63) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125- 128) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 190- 194) . [2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 130) : أذرعات: جمع أذرعة، جمع ذراع، جمع قلّة. وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمّان. [3] ما بين القوسين سقط من «ط» . [4] في «ط» : «كيف ترجو» .

قال: فأنشدته: كيف لا يستجيب ربّي دعائي ... وهو سبحانه دعاني إليه مع رجائي لفضله وابتهالي ... واتّكالي في كلّ خطب عليه قال: وانتبهت وأنا أحفظ لأبيات الثلاثة. قال الحافظ ابن حجر: اشتهرت فتاويه في البلاد الحلبية، وكان سريع الكتابة، صادق اللهجة، شديد الخوف من الله تعالى، وقدم القاهرة بعد موت الإسنوي، وأخذ عنه بعض أهلها، ثم رجع، ورحل إليه فضلاء المصريين، كالشيخ بدر الدّين الزّركشي، والشيخ برهان الدّين البيجوري، وأذن بالإفتاء لشرف الدّين الأنصاري، وشرف الدّين الدّاديخي، وقد بالغ ابن حبيب في الثناء عليه في «ذيله» على تاريخ والده [1] . ومن تصانيفه: «القوت على المنهاج» في عشر مجلدات، و «الغنية» أصغر من «القوت» و «المتوسط» ، و «الفتح بين الروضة والشرح» في نحو عشرين مجلدا، وغير ذلك. وضعف بصره في آخر عمره، وثقل سمعه جدا، وسقط من سلّم فانكسرت [2] رجله، فصار ضعيف المشي، وانتهت إليه رئاسة العلم بحلب، وتوفي بها في جمادى الآخرة، ودفن خارج باب المقام تجاه تربة ابن الصّاحب. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن كتامة [3] المحدّث ابن المحدّث. سمع من القاسم بن عساكر، وأبي نصر بن الشّيرازي، وغيرهما. وحدّث، وولي. نيابة الحكم، وتوفي بدمشق في رجب. وفيها ركن الدّين أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي القرميّ، ويقال له أيضا: قاضي قرم [4] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «ولده» وما أثبته هو الصواب. [2] تحرفت في «ط» إلى «فالكسرت» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 63) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 64) و «النجوم الزاهرة» (11/ 217) و «الطبقات السنية» (2/ 65) .

قدم القاهرة بعد أن حكم بقرم ثلاثين سنة، فناب في الحكم، وولي إفتاء دار العدل، ودرّس بالجامع الأزهر وغيره، وجمع شرحا على «البخاري» استمدّ فيه من شرح ابن الملقّن. قال العزّ بن جماعة: ولما ولي ركن الدّين التدريس قال: لأذكرنّ لكم ما لم تسمعوه، فعمل درسا حافلا، فاتفق أنه وقع منه شيء، فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفّروه، فبادر إلى الشيخ سراج الدّين الهندي، وكان قد استنابه في الحكم، فادعى عليه عنده، وحكم بإسلامه، فاتفق أنّه حضر درس السّراج الهندي بعد ذلك، ووقع من السّراج شيء، فبادر الرّكن وقال: هذا كفر، فضحك السّراج حتّى استلقى على قفاه، وقال: يا شيخ ركن الدّين تكفّر من حكم بإسلامك، فأخجله. توفي الرّكن في رجب. وفيها جمال الدّين إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العزّ بن صالح الحنفي، المعروف بابن الكشك [1] ، قاضي دمشق، وليها بعد القاضي جمال الدّين بن السّراج، فباشر دون السنة، وتركه لولده نجم الدّين، ودرّس بعدة مدارس بدمشق، وكان جامعا بين العلم والعمل، وكان مصمما في الأمور، حسن السيرة. توفي في شوال أو بعده بدمشق وقد جاوز التسعين. وفيها أنس [2] بن عبد الله الشّركسي [3] ، والد برقوق الملك. كان كثير البرّ والشفقة، لا يمرّ به مقيّد إلّا ويطلقه، ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ بعمارتها. توفي في شوال ودفن بتربة يونس، ثم نقل إلى المدرسة، وأعطى ولده جلال الدّين التباني ألف مثقال وستمائة مثقال ذهبا ليحج عنه، ويقال: إنه جاوز التسعين، وكان مستقرا في خدمة قطلوبغا.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 65- 66) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «أنس» وفي «النجوم الزاهرة» : «آنص» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 66) و «النجوم الزاهرة» (11/ 218) .

وفيها عماد الدّين أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي ثم الصالحي الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام. أحد أعيان شهود الحكم العزيز بدمشق. ولد بعد السبعمائة، وسمع من الحجّار، وجماعة، وحدّث عن ابن الشّحنة وغيره، وكان من فضلاء المقادسة، مليح الكتابة، حسن الفهم، له إلمام بالحديث. سمع من جماعة، وقرأ بنفسه قليلا، وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون. وفيها أم الهنا جويرية [2] بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن موسك الهكّاري [3] . سمعت من ابن الصّوّاف مسموعه من النسائي، و «مسند الحميدي» ومن علي ابن القيّم ما عنده من «صحيح الإسماعيلي» . وكانت خيّرة، دينة، أكثر الطلبة عنها. توفيت في صفر. وفيها جمال الدّين عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري بن حديدة [4] . ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع من ابن شاهد الجيش، وإسماعيل التفليسي، وابن الإخوة، وغيرهم، وعني بالحديث، وكتب الأجزاء والطّباق. وسمع كتابا سمّاه «المصباح المضيء» . وكان خازن الكتب بالخانقاه الصّلاحية بالقاهرة، وربما سمّي محمدا. وكان يذكر أنه سمع من الحجّار، ولم يظفروا له بذلك، مع أنه حدّث عنه بالثلاثيات. توفي في شعبان.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 68) و «القلائد الجوهرية» (2/ 572) . [2] مختلف في اسمها وكنيتها، ففي «الدّرر الكامنة» اسمها «جويرية» وكنيتها «أمّ أبيها» وفي «النجوم الزاهرة» : اسمها «جويرية» ولم يذكر كنية لها. [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 68) و «الدّرر الكامنة» (1/ 544) و «النجوم الزاهرة» (11/ 221) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 71) و «الدّرر الكامنة» (2/ 273) و «الأعلام» (6/ 286) .

وفيها فاطمة بنت الشّهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي المكية [1] ، المدينة. سمعت على جدّها لأبيها الرّضي الطّبري الكثير، وسمعت على أخيه الصّفي حضورا، وأجاز لها الفخر التّوزري، والعفيف الدلاصي، وأبو بكر الدّشتي، والمطعم وآخرون، وكانت خيّرة. ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة. وفيها أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لبّ، وقيل: ليث، الثعلبي الغرناطي [2] . قال في «تاريخ غرناطة» : كان عارفا بالعربية واللغة، مبرزا في التفسير قائما على القراءات، مشاركا في الأصلين، والفرائض، والأدب، جيد الحفظ والنظم، والنثر، قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ، وولي الخطابة بالجامع، وكان معظّما عند الخاصة والعامة. قرأ على أبي الحسن القيجاطي، والعربية على أبي عبد الله بن الفخّار. وروى عن محمد بن جابر الوادياشي. قال ابن حجر: وصنّف كتابا في الباء الموحدة، وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي. وفيها أمين الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الشّماع الشّافعي [3] . ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من وزيره «مسند الشافعي» بفوت يسير، و «صحيح البخاري» . وسمع على التّقي محمد بن عمر الحريري «تفسير الكواشي» بروايته عنه. ودرّس بالفقه، وأذن له الشرف البارزي في الإفتاء، وناب عن عزّ الدّين بن جماعة. وولي قضاء القدس عن السّبكي الكبير،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 221) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 77) و «الإحاطة» (4/ 253- 255) و «بغية الوعاة» (2/ 243) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 78) و «الدّرر الكامنة» (3/ 285) .

ثم ترك ذلك، وجاور بمكّة، فمات بها في نصف صفر. وفيها فخر الدّين محمد بن عبد الله بن العماد إبراهيم بن النّجم أحمد بن محمد بن خلف الحنبلي الحاسب [1] . سمع من التّقي سليمان، والحجّار، وطبقتهما، واشتغل بالفقه والفرائض والعربية، وأفتى ودرّس، وكان حسن الخلق تامّ الخلق، فيه دين، ومروءة ولطف، وسلامة باطن. مهر في الفرائض والعربية، وكان عارفا بالحساب، وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم له [2] ذلك. مات راجعا من القدس بدمشق. وفيها محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرّقّي ثم الصالحي المؤذن [3] . ولد سنة اثنتي أو ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع «صحيح البخاري» على عيسى المطعم، وأبي بكر بن عبد الدائم، وغيرهما، وحضر على التّقي سليمان، وسمع وهو كبير من المزّي، والجزري، والسّلاوي، وغيرهم. وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق، وابن مخلوق، وحسن الكردي، وعلي بن عبد العظيم، وابن المهتار، والوداعي، وابن مكتوم، وغيرهم من مصر والإسكندرية. وخرّج له ابن حجي «مشيخة» . وكان على طريقة السّلف من السّكون، والتواضع، والعفّة، وكفّ اللّسان، وكان عارفا بعلم الميقات، ويقرئ الناس متبرعا [4] . مات في شعبان. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان [5] ، شيخ زاوية قرية جبرين [6] . سمع من عمّ أبيه صافي بن نبهان،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 79) . [2] لفظة «له» سقطت من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 79) و «الدّرر الكامنة» (4/ 41) . [4] في «ط» : «تبرعا» . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 80) و «الدّرر الكامنة» (4/ 86) . [6] قال ياقوت: جبرين قورسطايا: بضم القاف، وسكون الواو، وفتح الراء، وسكون السين

وحدّث، فسمع منه البرهان سبط ابن العجمي، وأثنى عليه القاضي علاء الدين في «تاريخ حلب» . وتوفي في صفر. وفيها محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزّريدي [1] ، الحنفي، قاضي المدينة بعد أبيه. كان فاضلا، متواضعا، يكنى أبا الفتح، وهو بها أشهر. وفيها محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشّيرازي، الملقب طقطق [2] . ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من المزّي وغيره، وحدّث، وكان شيخا ظريفا يحفظ أشعارا ويذاكر بأشياء، ويتردد إلى مدارس الشافعية. مات في جمادى الآخرة. قاله ابن حجر. وفيها أبو حامد، وأبو المجد، وأبو الفيّاض، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمال السّرائي الأصل الدمشقي [3] . ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى، سنة سبع وسبعمائة، وقدم الشام كبيرا، وعني بالحديث على كبر، وطلبه، فسمع من الميدومي وغيره، [وكتب بخطّه الحسن، ونظم الشعر المقبول، وكتب عنه ابن سند، وسبط ابن العجمي، وغيرهما] [4] ، وكان ديّنا، خيّرا، يكنى أبا حامد، وأبا المجد، وأبا الفيّاض، وكان له ورع زائد، ولم يكن يملك شيئا إلّا ما هو

_ المهملة، وطاء مهملة، وألف وياء وألف: من قرى حلب من ناحية عزاز، ويعرف أيضا بجبرين الشمالي. وينسبون إليها جبراني على غير قياس. انظر «معجم البلدان» (2/ 101- 102) . [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) وفيه «الزرندي» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) و «الدّرر الكامنة» (4/ 230) . [4] ما بين القوسين سقط من «آ» .

لابسه، وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلّف هيئة، مع التواضع، والبشاشة، وحسن الخلق والخلق، وكان العلماء يترددون إليه ولا يقوم لأحد. وفيها يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي [1] . قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه، والأصول، والعربية، وانتفع الناس به، ومات في صفر. وفيها ولي الدّين يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي الحنبلي [2] . كان فاضلا، فقيها، وامتحن مرارا بسبب فتياه بمسألة ابن تيميّة في الطّلاق، وكذا في عدة مسائل، وحدّث عن الحجّار، وابن الرّضي، والشّرف بن الحافظ، وغيرهم، وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية، وسجن بسبب ذلك، ولا يرجع حتّى إنه بلغه أن الشيخ شهاب الدّين بن المصري يحطّ في درسه على ابن تيميّة في الجامع، فجاء إليه وضربه بيده وأهانه. مات في تاسع عشر صفر. قاله ابن حجر.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 83) . [2] انظر «المقصد الأرشد» (3/ 147- 148) و «الجوهر المنضد» ص (179) و «السحب الوابلة» ص (493) .

سنة أربع وثمانين وسبعمائة

سنة أربع وثمانين وسبعمائة فيها كان ابتداء دولة الجراكسة، فإنه خلع الصالح القلاووني، وتسلطن برقوق، ولقّب الظّاهر، وهو أول من تسلطن من الجراكسة، وسيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى. وفيها وقع الطّاعون بدمشق وتزايد في صفر ثم تناقص. وفيها وقع الغلاء الشديد بمصر ثم فرّج الله تعالى. وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن النّاصح [1] ، الإمام العلّامة. ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع من القاضي تقي الدّين سليمان، وأبي بكر بن عبد الدائم، وست الوزراء بنت منجّى. قال الشيخ شهاب الدّين بن حجي: حدّث وسمعنا منه، وكان يباشر في أوقاف الحنابلة، وهو رجل جيد، وبه صمم كأبيه. توفي يوم الأربعاء ثالث المحرم ودفن بسفح قاسيون. وفيها همام الدّين أمير غالب بن قوام الدّين أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غالب القلاني الإتقاني [2] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 179) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 108) و «النجوم الزاهرة» (11/ 294) و «الدّرر الكامنة» (1/ 416) .

كان بزيّ الجند، وله أقطاع، ثم ولي الحسبة فبدت منه عجائب، ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين، وانتزع التدريس [1] من علماء الحنفية، وكان مع فرط جهله وقلّة دينه، سليم الصّدر، جوادا، ويحكى عنه في أحكامه أشياء ما تحكى عن قراقوش وأطمّ، حتّى أنه حلّف امرأة ادعت وحكم على المدعي عليه أن يدفع لها ما حلفت عليه، وحكى ابن جماعة أنه قدمت إليه قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمّى أسد، فكتب إن كان وحشيا فلا يحضر. مات في جمادى الأولى عن خمسين سنة. قاله ابن حجر. وفيها تقي الدّين صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التّنوخي الحنفي بن خطيب النّيرب [2] . ولد سنة عشرين أو قبلها، وحضر على زينب بنت عبد السلام «مسند أنس» ثم سمعه عليها، وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم، وحدّث، وكان يشهد عنه جامع تنكز، وفيه انجماع وسكون. مات مطعونا في جمادى الأولى. وفيها عبّاس بن عبد المؤمن بن عبّاس الكفرماوي الحازمي الشافعي [3] ، قاضي جبة عسال. ولد قبل العشرين، وحضر عند الشيخ برهان الدّين بن الفركاح، واشتغل قديما، وولاه السّبكي الكبير قضاء الخليل، وسمع من الجزري، وابن النّقيب، وحدّث، وتولّى عدة بلاد، ثم ناب بدمشق عن ولي الدّين بن أبي البقاء، ثم ولي قضاء صفد سنة ثمانين، ومات في رجب. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن حمدان العينتاوي [4] .

_ [1] في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف: «التداريس» وفي «ط» : التدريس» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 111) و «الدّرر الكامنة» (2/ 202) وفيه «صالح بن عبد الوهاب» منسوبا إلى جدّه. [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 111) وفيه «الحارميّ» بالراء. [4] في «آ» و «ط» : «العيفناوي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 112) مصدر المؤلف.

ولد بعينتا [1] من نابلس، وكان حنبليا، فقدم الشام لطلب العلم، وتفقه بابن مفلح وغيره، وسمع من جماعة، وتميّز في الفقه، واختصر «الأحكام» للمرداوي، مع الدّين والتعفف. قاله ابن حجر. وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي المصري الشافعي [2] . سمع على الدّبوسي وغيره، وعني بالفقه، ودرّس في حياة ابن غيلان، ويقال: إن الشيخ سراج الدّين قرأ عليه في بداية أمره، وتفقه به جماعة، ومات في ذي الحجّة وقد جاوز الثمانين. وفيها بدر الدّين عبد الوهاب بن كمال الدّين أحمد بن علم الدّين محمد بن أبي بكر الأخنائي الشافعي ثم المالكي [3] . ولي القضاء، وحدّث عن صالح الأشنهي [4] ، وعبد الغفار السّعدي وغيرهما، وعزل سنة تسع وسبعين بالبساطي، فأقام معزولا، ثم حجّ وجاور في الرّحبية سنة ثلاث وثمانين، ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب. وفيها زين الدّين عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي [5] ، خطيب طرابلس. ولد سنة نيف وعشرين، وكان يقرأ «الصحيح» قراءة حسنة، ويفهم الحديث، وله عناية بضبط رجاله. مات في المحرم بحماة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «بعيفنا» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 113) و «الدّرر الكامنة» (2/ 377) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 113) و «النجوم الزاهرة» (11/ 294) واسم جدّه فيه: «علم الدّين محمود» . [4] في «ط» : «الأشمني» وفي «إنباء الغمر» : «الأشهي» . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) .

وفيها قيس بن يمن بن قيس الصّالحي [1] . سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم. ويحيى بن سعيد وجماعة، وحدث، ومات في ذي الحجة. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن راضي الصّلتي [2] . ولد سنة عشر، واشتغل، وقرأ كتبا، وقدم دمشق فاشتغل بالشامية، ثم دخل مصر بعد السبعين، وولى القضاء بقوص وغيرها، ثم رجع فمات بمصر في المحرم. وفيها محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي الحنبلي [3] . ولد قبل الأربعين، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه بابن مفلح وغيره، حتّى برع وأفتى، وكان إماما في العربية، مع العفّة والصّيانة والذكاء وحسن الإقراء، ومات بدمشق. قاله ابن حجر في «إنباء الغمر» . وفيها شرف الدّين محمد بن عبد الله الأرزكياني [4]- بالفتح، فالسكون، ففتح الزاي، وكسر الكاف، فتحتية، فنون، نسبة إلى أرزكيان، رجل من بخارى، أسلم على يد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. قال ابن حجر: كان أحد فضلاء العجم. شرح «المشارق» و «الكشّاف» وانتفع به أهل تلك البلاد، وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقاء، وقرئ عليه «الكشّاف» وغيره، وقد نقل عنه الشيخ شمس الدّين بن الصّايغ في شرحه للمشارق شيئا كثيرا. انتهى. وفيها موفق الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب الحنبلي [5] ، الإمام العالم تفقه في المذهب وحفظ «المقنع» حفظا جيدا، وكان يستحضره، وله

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) و «الدّرر الكامنة» (3/ 259) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 116) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 117) . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 118) و «المقصد الأرشد» (2/ 516) .

فضيلة، وكان من النّجباء الأخيار عنده حياء وتواضع، وهو سبط الشّيخ صلاح الدّين بن أبي عمر، وكان يؤمّ بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر. توفي يوم الأحد ثاني عشري صفر ولعله بلغ الثلاثين [1] سنة. وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري [2] الخطيب الشافعي القاضي الإسنوي. قدم مصر سنة إحدى وعشرين، وسمع على الحجّار، وتفقه على القطب السّنباطي، وابن القمّاح، وابن عدلان، وغيرهم. وأخذ العربية عن والد سراج الدّين ابن الملقن، ودرّس، وأفتى، وشرح «التعجيز» في الفقه، وناب في الحكم، وكان عالما، خيّرا، ذا مهابة وصيانة وعفاف، قائما بالحقّ، حتّى إنه كتب على قصة سئل فيها أن يحضر يلبغا- وهو إذ ذاك صاحب المملكة- يحضر هو [3] أو وكيله، فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده، ويقال: إن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا، وإنه لما جاءه الرسول قال له: قل له: إني أصالح غريمي، فقال له الرسول: والله ما أقدر أن أروح إلّا ومعي وكيل أو الغريم، يقول: قد رضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم، وأرسل للقاضي ذهبا وبغلة، فردّ ذلك، فاشتد اغتباطه به واعتقاده فيه، وكان في سمعه ثقل في كبره، ولذلك يقال له: الأطروش. مات في ثامن ربيع الأول. وفيها محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل الفرّاء الحمصي ثم الحلبي، المعروف بابن رياح، ويعرف أيضا بالقيّم وبالفقيه [4] .

_ [1] في «المنهج الأحمد» : «ولعله بلغ الثمانين» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 118) و «الدّرر الكامنة» (4/ 98) و «النجوم الزاهرة» (11/ 295) وفيه «الأسواني» . [3] لفظة «هو» سقطت من «آ» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 119) و «الدّرر الكامنة» (4/ 241) .

ولد بحمص سنة ست وسبعمائة، وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء، وكان مشكورا في صناعته، وحدّث ب «صحيح البخاري» عن ابن الشّحنة، وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص، ومات في جمادى الآخرة. وفيها شرف الدّين محمد بن محمد بن يوسف المرداوي الحنبلي [1] ، سبط القاضي جمال الدّين. ولد قبل الأربعين، وأخد عن جدّه، وتخرّج بابن مفلح، وسمع الحديث من جماعة ولم يكن بالصّين. مات في ربيع الآخر. قاله ابن حجر. وفيها جلال الدّين محمد بن النّظام محمود الشّافعي [2] ، إمام منكلي بغا. كان عارفا بالفقه والأصول والعربية والنظم، أخذ عن بهاء الدّين الإخميمي، وأبي البقاء، وتصدّر بالجامع، وكان بزي الجند، وكان يعرف قديما بابن صاحب شيراز، وحفظ «الحاوي الصغير» وغير ذلك، وتوفي في رمضان. وفيها مفتاح الزّيني السّبكي، مولى زين الدّين عبد الكافي، والد تقي الدّين السّبكي [3] . وكان تقي الدّين يركن إليه وكلمته نافذة عنده، وسمع من أولاده، ومن زينب بنت الكمال، وغيرها، وحدّث. توفي في جمادى الآخرة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 120) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 120) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 121) .

سنة خمس وثمانين وسبعمائة

سنة خمس وثمانين وسبعمائة فيها أحدث المؤذنون عقب الأذان الصّلاة والتّسليم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بأمر نجم الدّين الطّنبذي المحتسب [1] . وفيها قبض برقوق على الخليفة المتوكل وخلعه وحبسه بقلعة الجبل، وبويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك بالله بن الحاكم العبّاسي ولقّب الواثق بالله. وفي جمادى الآخرة منها أعيد الصّالح حاجي إلى السلطنة وغيّر لقبه بالمنصور، وحبس برقوق بالكرك ثم خرج من الحبس وعاد إلى ملكه. وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله التّهامي [2] قاضي الشرع بزبيد. قضى بها نيفا وخمسين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة.

_ [1] قلت: إن كانت الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من القربات إلى الله تعالى، ومما حضّ عليه التنزيل العزيز في قوله تعالى: إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 33: 56 (الأحزاب: 56) . وحضت عليه السّنّة المطهّرة في أحاديث كثيرة كحديث «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» وهو حديث صحيح انظر تخريجه في «جلاء الأفهام» ص (90) ، إلّا أن ذلك لا يعني التساهل في الجهر بالصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الأذان الذي علّمه الملك للصحابي الجليل عبد الله بن زيد الأنصاري ونقله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما علّمه إيّاه فبدأ ب «الله أكبر» ، وانتهى ب «لا إله إلّا الله» وما زاد على ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، وما زاد عليه الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولا التابعون ولا أتباع التابعين ومن بعدهم، حتى كانت هذه السنة (785) هـ التي أحدثت فيها هذه الصلاة بأمر نجم الدّين الطّنبذي هذا، ثم أخذ بها المقلدون من المشايخ والعوام وزادوا فيها الكثير الكثير إلى أن بلغت الصلاة على النّبيّ في بعض المساجد عندنا في الشام أطول ألفاظا من الأذان أو هي قريبة منه ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ونسأله تعالى أن يوفقنا إلى النهج السليم والعمل الصالح واتباع النصوص، وإن خالفت هوى المخالفين وأسخطتهم. [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 141) .

وفيها أبو بكر أحمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي ابن جزيّ [1] . أجاز له أبو عبد الله بن رشيد، وابن الرّبيع، وابن برطال، ومن مصر الحجّار وابن جماعة، وسمع من الوادياشي وخلق، وكان عالما بالفقه، والفرائض، والعربية، والنظم، وشرح «الألفية» وغيرها، وولي الخطابة بغرناطة والقضاء [2] بها، ونظمه سائر كأبيه. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي الحنفي المعروف بابن خضر [3] . ولد سنة ست وسبعمائة، وكان يدري الفقه والأصول، ودرّس بأماكن، وسمع من عيسى المطعم والحجّار، وغيرهما، وكان فاضلا. حدّث بدمشق وولي إفتاء دار العدل بها، وكان جلدا قويا، وشرح «الدّرر» للقونوي في مجلدات، وتوفي بدمشق في رابع عشر رجب. وفيها شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن مخلوف بن سري بن فضل الله بن سعد بن ساعد الأعرج السّعدي [4] . اشتغل بالعلم، وتعانى بالأدب، ونظم الشعر وهو صغير، وأدّب الأطفال. ومن شعره: وكيف يروم الرّزق في مصر عاقل ... ومن دونه الأتراك بالسّيف والتّرس وقد جمعته القبط من كلّ وجهه ... لأنفسهم بالرّبع والثّمن والخمس فللتّرك والسّلطان ثلث خراجها ... وللقبط نصف والخلائق في السّدس

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 141) و «الدّرر الكامنة» (1/ 293) . [2] تحرفت في «ط» إلى و «والقضاة» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 142) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 143) وفيه: «ابن مري» مكان «ابن سري» وانظر التعليق عليه.

وفيها عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي [1] الحنبلي الحافظ الإمام. ولد سنة عشرين وسبعمائة، وسمع من والده قطب الدّين اليونيني وطائفة، وعني بالحديث، ورحل في طلبه إلى دمشق، فأخذ عن مشايخها، وقرأ بنفسه، وكتب الكثير، ونظم «النهاية» لابن الأثير في غريب الحديث، ونظم «طبقات الحفّاظ» للذهبي. وخرّج وألقى المواعيد، وحدّث، وتخرّج به جماعة، وسمع منه ابنه الشيخ تاج الدّين، ومحمد بن نعمة الخطيب وغيرهما، وكان أحد الحفّاظ المكثرين المصنّفين المفيدين، حسن الخلق، كثير الدّيانة، لطيف البشرة. توفي في العشر الآخر من شوال. وفيها أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي [2] . حضرت على عيسى المطعم وغيره، وسمعت من الحجّار وغيره، وحدّثت. وفيها بدر الدّين حسن بن منصور بن ناصر الزّرعي الشافعي [3] . ناب في الحكم عن تاج الدّين السّبكي، ومن بعده، وكان أبوه قاضي نابلس، فأرسله إلى القدس ليشتغل، فأخذ عن تقي الدّين القلقشندي وغيره، ثم تنبّه، وولي القضاء في بعض البلاد، ثم استوطن دمشق، وناب في الحكم، وكان عنده تصميم [4] وقوة نفس، بحيث كان يعزل نفسه أحيانا. وباشر الأوقاف مباشرة حسنة، وعيّن مرّة لقضاء حلب، وتوفي في صفر.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 144) وفيه «ابن بردس» مكان «قيس» و «الدّرر الكامنة» (1/ 378) و «المقصد الأرشد» (1/ 273- 274) و «الأعلام» (1/ 324) ووفاته فيهما سنة (786 هـ) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 145) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 146) . [4] تحرفت في «ط» إلى «تصمم» .

وفيها قطب الدّين حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر الدّهقلي الشّيرازي [1] ، نزيل دمشق. قال ابن حجر: سمع الكثير، وأسمع أولاده، وكتب الطّباق بخطّه، وأخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم، وسكن الهند، ثم مات غريقا، وهو والد شيخنا عبد الرحمن. انتهى. وفيها علم الدّين سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن القاضي الحنبلي الكناني [2] العسقلاني المصري [3] . قدم من بلده نابلس صغيرا، واشتغل بالقاهرة في المذهب وبرع فيه، وصار من أعيان الجماعة، وأفتى، وتزوج بابنة قاضي القضاة موفق الدّين [وولي إعادات لدروس الحنابلة، وولي نيابة الحكم بمصر، وارتقى إلى أن صار أكبر النّواب، وتوفي يوم الاثنين ثالث عشري جمادى الآخرة بالقاهرة، ودفن بتربة القاضي موفق الدّين] [4] خارج باب النّصر. وفيها ولي الدّين أبو ذرّ عبد الله ابن أبي البقاء بهاء الدّين محمد بن عبد البرّ السّبكي الشافعي [5] . ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة، وأحضر على يحيى بن فضل الله، ومحمد بن علي، وأبي نعيم الإسعردي، وغيرهم، ثم سمع بدمشق من الجزري، والمزّي، وبنت الكمال، وغيرهم، واشتغل بالعلم، ومهر في الآداب، وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق، وعن تاج الدّين السّبكي، ثم استقلّ بالقضاء بعد أبيه، وكان ينظم جيدا، ويحفظ «الحاوي» ويذاكر به، ويدرّس منه، كان يدرّس في «الكشاف» وله مشاركة جيدة في العربية، وكان

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 146) . [2] لفظة «الكناني» سقطت من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 147) و «النجوم الزاهرة» (11/ 298) . [4] ما بين القوسين سقط من «آ» . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 147) و «النجوم الزاهرة» (11/ 298) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 209) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 39) .

قد باشر توقيع الدّست، وحج سنة ثلاث وخمسين، وسنة ثلاث وستين [1] ، وكان جيد الفهم، فطنا، عارفا بالأمور، كثير المداراة، لين العريكة، بعيدا من الشرّ، صبورا على الأذى، كثير الإحسان للفقراء سرّا، وتوفي في شوال بدمشق، ودفن عند أبيه بتربة السّبكيين. وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني [2] . سمع من الحجّار، واشتغل في الفقه، وقرأ على التاج المرّاكشي، وسمع من ابن الرّضي، وبنت الكمال، وحفظ «التّسهيل» وحدّث وأفاد. وتوفي في رجب. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن صقر الغسّاني [3] الشافعي [4] ، قاضي الأقضية بزبيد، وليها في زمن المجاهد، واستمر بضعا وثلاثين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الشّشتري [5] ثم المدني [6] . سمع «الشفاء» على محمد بن محمد بن حريث، وتفرّد عنه به. وتوفي في شعبان وله خمس وسبعون سنة. وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزّي الصّحراوي المعروف بابن قطليشا [7] .

_ [1] يعني وسبعمائة. [2] انظر «السحب الوابلة» ص (285) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العنتابي» والتصحيح من مصدري الترجمة، وتصحفت لفظة «صقر» في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» إلى «صفر» والتصحيح من «العقود اللؤلؤية» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 149) و «العقود اللؤلؤية» (2/ 177) . [5] في «إنباء الغمر» : «التشتري» وفي «الدّرر الكامنة» : «التستري» وفي «التحفة اللطيفة» : «الشستري» . [6] انظر «إنباء الغمر» (2/ 150) و «الدّرر الكامنة» (3/ 338) و «التحفة اللطيفة» (3/ 477- 478) . [7] انظر «إنباء الغمر» (2/ 151) .

ولد سنة أربع عشرة، وسمع من ابن الشّيرازي وغيره، وكان يشهد قسم الغلّات بالمزّة، وحدّث فروى عنه الياسوفي، وابن حجي، وابن الشرائحي، وآخرون، وتوفي في شعبان عن ثلاث وسبعين سنة. وفيها محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني [1] . سمع من أبي عبد الله القصري [2] ، وتلا عليه بالسبع، وناب في الخطابة بالمدينة، وكان خيّرا، وتوفي في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد [3] بن يوسف المرداوي الحنبلي [4] . كان ذا عناية بالفرائض، وقرأ الفقه، ولازم ابن مفلح، حتّى فضل، ودرّس، وتفقه أيضا بقاضي القضاة جمال الدّين المرداوي. قال ابن حجي: كان يحفظ فروعا كثيرة وغرائب، وله ميل إلى الشافعية، وكان بشع الشّكل جدا. توفي في ذي القعدة. وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصّالحي المنبجي [5] . قال ابن حجر: كان من فضلاء الحنابلة، سمع الحديث، وحفظ

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 151) و «الدّرر الكامنة» (3/ 457) . [2] في «آ» و «ط» : «الصّصري» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» وانظر «غاية النهاية» (2/ 47) . [3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» الورقة (468) من القسم المخطوط وهو مصدر المؤلف: «محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد» وفي «إنباء الغمر» : «محمد بن عبيد بن داود بن أحمد ... » . وفي «المقصد الأرشد» و «الجوهر المنضد» : «محمد بن عبيد بن أحمد» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 152) و «المقصد الأرشد» (2/ 434) و «الجوهر المنضد» ص (129) . [5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المنيحي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 152) مصدر المؤلف، و «السحب الوابلة» ص (448) .

«المقنع» وأفتى ودرّس، وكان يكتسب من حانوت له على طريق السّلف، مع الدّين، والتقشف، والتّعبّد. مات في رمضان، وهو صاحب «الجزء» المشهور في الطاعون، ذكر فيه فوائد كثيرة، عمله في سنة أربع وستين. انتهى. وفيها محمود بن الصّفدي الغرّابي [1]- نسبة إلى غرّابة بفتح المعجمة، وتشديد الراء، ثم موحدة من قرى صفد- الشّافعي. اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدّين المرّاكشي، وفخر المصري، وفضل وتنزل بالمدارس بدمشق، ثم رجع إلى صفد، فأقام بها يدرّس إلى أن مات بها في صفر. وفيها شرف الدّين أبو البركات موسى بن محمد [بن محمد] [2] بن الشّهاب محمود [3] . أحد الفضلا في الأدب والكتابة. كتب في الإنشاء، وفاق في حسن الخطّ والنّثر والنّظم، وناب في الحكم، وهو القائل وكتبها على مجموع: ومجموع كعقد الدّر نظما ... على تفضيله الإجماع يعقد يطابق كلّ معنى فيه حسنا ... فمجموعا تراه وهو مفرد توفي بالرّملة عن ثلاث وأربعين سنة. وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري العطّار الرّسام [4] . سمع من ابن الجزري، والمزّي، وحدّث، وتوفي في المحرم.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 153) . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 153) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 154) .

سنة ست وثمانين وسبعمائة

سنة ست وثمانين وسبعمائة فيها توفي إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي المعروف بالحازمي [1] ، عرف بذلك لكونه ولي قضاءها. اشتغل كثيرا، وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء. قال ابن حجي: كانت عنده فضيلة، ويستحضر «الحاوي الصغير» وناب في عدة بلاد. مات في ذي القعدة. وفيها إبراهيم بن عيسى الحلبي [2] . أحد فقهاء الشافعية. كان معيدا بالبادرائية، وبذلك اشتهر. قال ابن حجي: كان على سمت السّلف، سليم الفطرة، وخطه ضعيف، لكنه ألّف كثيرا، ووقف كتبه، ومات في رمضان بطرابلس. وفيها علم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدّم بن محمد بن حسن بن تمّام بن محمد الطّائي البساطي المالكي [3] . أصله من شبرابسيون [4] من الغربية، فنزل عمه عثمان ببساط [5] ، وأخوه خالد

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 165) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 166) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 168) و «الدّرر الكامنة» (2/ 148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 300) . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سيرابسيون» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «النجوم الزاهرة» و «التحفة السّنية بأسماء البلاد المصرية» لابن الجيعان ص (82) . [5] في «آ» : «بساط» .

في كفالته، فولد له سليمان هذا بها، ثم قدم القاهرة فصار عريفا بمكتب للسبيل، ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصّالح ثم استقلّ بالقضاء بعد أن اشتغل وتمهّر، وناب عن الأخنائي، ثم سعى على بدر الدّين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف، حتّى استقلّ بالقضاء سنة ثمان وسبعين، وكان متقشفا، مطّرح التكلّف، وكان طعامه مبذولا لكل من دخل عليه. قال ابن حجر: وكان يدّعي أنه يجتمع مع الخضر، وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها، وصرف عن القضاء في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، فلزم داره إلى أن مات في سادس عشر صفر. وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحلبي الأصل ابن ناظر الجيش [1] . ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وباشر كتابة الدّست في حياة أبيه، وتقدم في معرفة الفنّ، وصنف فيه تصنيفا لطيفا عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية، وكانت له عناية بالعلم، وسمع «الشفا» على الدلاصي وغيره، وولي نظر الجيش استقلالا بعد أبيه، وتوفي في حادي عشر جمادى الأولى. وفيها عماد الدّين عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن التّرجمان الحلبي [2] . سمع حضورا على العزّ إبراهيم بن صالح، وسمع وهو كبير على غيره، وكان ذا ثروة، وبنى مكتبا للأيتام، ووقف عليه وقفا، وسمع منه برهان الدّين المحدّث، وتوفي يوم عيد الفطر. وفيها أوحد الدّين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي حسن الإفريقي ثم المصري الحنفي، سبط القاضي كمال الدّين بن التركماني [3] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 171) و «النجوم الزاهرة» (11/ 301) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 171) و «الدّرر الكامنة» (2/ 353) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 172) وفيه: «ابن أبي حفص» و «الدّرر الكامنة» (2/ 421) وفيه: «ابن أبي فيض» و «النجوم الزاهرة» (11/ 301) .

اشتغل على مذهب الحنفية قليلا، وباشر توقيع الحكم، ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمّر، والسبب في معرفته به أن شخصا يقال له يونس كان أميرا بطبلخاناه في حياة الأشرف، وكان أوحد الدّين شاهد ديوانه، فادعى برقوق أنه ابن عمّه عصبته، فساعده أوحد الدّين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي، فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور، أعطى أوحد الدّين منها ثلاثة آلاف درهم، وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسين مثقالا ذهبا، فامتنع من أخذها واعتذر بأنه ما ساعده إلّا لله تعالى، فحسن اعتقاد برقوق فيه، فلما صار أمير طبلخاناه استخدمه شاهد ديوانه، ثم لما تأمّر جعله موقّعا عنده، فاستمر في خدمته، وبالغ في نصحه، واستقرّ موقع الدّست مع ذلك إلى أن تسلطن، فصيّره كاتب سرّه، وعزل بدر الدّين ابن فضل الله فباشرها أوحد الدّين مباشرة حسنة، مع حسن الخلق، وكثرة السّكون، وجمال الهيئة، وحسن الصّورة، والمعرفة التّامّة بالأمور، وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمرا عجيبا لكن لم تطل مدته وضعف، ثم اشتدّ به الأمر حتّى ذهبت منه شهوة الطّعام، وابتلي بالقيء فصار لا يستقرّ في جوفه شيء إلى أن مات في ذي الحجّة ولم يكمل الأربعين. وفيها القاضي جمال الدّين أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله النّويري- نسبة إلى النّويرة من عمل القاهرة- الشافعي المكّي [1] . كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب. ولد في شعبان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وسمع بدمشق من المزّي وغيره، وتفقه بدمشق على الشيخ شمس الدّين بن النّقيب، والتّقي السّبكي، والتّاج المراكشي، وغيرهم. وبمكّة من جماعة، وصار قاضي مكّة وخطيبها، وأخذ العربية عن الجمال بن هشام، وشارك في المعارف.

_ [1] انظر «العقد الثمين» (1/ 300- 307) و «إنباء الغمر» (2/ 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 326) و «النجوم الزاهرة» (11/ 303) .

قال الحافظ ابن حجي: كان رجلا عالما، يستحضر الفقه وغيره، بلغني أنه كان يستحضر «شرح مسلم» للنووي، وكان منسوبا، إلى كرم ونعمة وافرة. وقال ابن حبيب في «تاريخه» : إنه ولي قضاء مكّة نيفا وعشرين سنة. وقال ابن حجر: كان فصيح العبارة، لسنا، جيد الخطبة، متواضعا، محبّا للفقراء. توفي- وهو متوجه إلى الطائف- في ثالث عشر رجب، وحمل إلى مكّة فدفن بها، وخلّف تركة وافرة. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد الهكّاري ثم الصّلتي الشافعي [1] . اشتغل على أبيه بالصّلت، وكان مدرّسا، ثم درّس بعد أبيه، ثم قدم دمشق، فسمع بها، وتنقل في قضاء البرّ، ثم ولي قضاء حمص أخيرا. وكان لا يملّ من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد، ولخّص «ميدان الفرسان» [2] في قدر نصفه في ثلاث مجلدات، وهو اختصار عجيب. وتوفي بحمص في رجب ولم يكمل الخمسين سنة. وفيها أمين الدّين محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله الأنفي- بفتحات- المالكي [3] . ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وعني بالحديث، وظهر له سماع من الحجّار، فحدّث به، وسمع من البندنيجي، وأسماء بنت صصرى، وغيرهما، وكتب الكثير، وسمع العالي والنّازل، وأخذ عن البرزالي والذهبي، ونسخ كثيرا من مصنّفاته وغيرها، وولي قضاء حلب يسيرا، وكان يفتي على مذهب مالك،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 176) و «الدّرر الكامنة» (3/ 466) و «الأعلام» (6/ 236) . [2] قال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1916) : وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات، جمع فيه أبحاث الرافعي، وابن الرّفعة، والسّبكي. [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 177) و «الدّرر الكامنة» (4/ 62) .

وولي مشيخة الحديث بالنّاصرية، ومشيخة الخانقاه النّجمية، وأقام في قضاء حلب أربع سنين، ثم رجع إلى دمشق، فناب عن الماروني، ثم ترك. قال ابن حجي: كان حسن العشرة، يقصده الناس لحسن محادثته وتطلبه الرؤساء لذلك، ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه. وقال الذهبي في «المعجم المختص» [1] : وكان يحفظ كثيرا من الفوائد الحديثية والأدبية. انتهى. توفي في شوال عن ثمانين سنة تقريبا. وفيها محمد بن علي بن منصور بن ناصر الدمشقي الحنفي [2] . ولد سنة وسبعمائة أو قبلها، وأخذ عن أبيه، والبرهان بن عبد الحقّ، والنّجم القحفازي، والعلاء القونوي، وغيرهم. وسمع من الحجّار، والبندنيجي، وغيرهما: وحدّث، ودرّس في أماكن، وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ودرّس بالصّرغتمشية وغيرها، وكان بارعا في الفقه، صلبا في الحكم، متواضعا، لين الجانب. توفي بمصر في ربيع الأول. وفيها أكمل الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن كمال الدّين محمود بن أحمد الرّومي البابرتيّ الحنفي [3] . ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة، واشتغل بالعلم، ورحل إلى حلب، فأنزله القاضي ناصر الدّين بن العديم بالمدرسة السادحية، فأقام بها مدة ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين، فأخذ عن الشيخ شمس الدّين الأصبهاني، وأبي حيّان، وسمع من ابن عبد الهادي، والدلاصي وغيرهما، وصحب شيخون، واختصّ به، وقرّره شيخا بالخانقاه التي أنشأها، وفوّض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة،

_ [1] لم أقف على ترجمته في «المعجم المختص» الذي بين يدي. [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 178) و «النجوم الزاهرة» (11/ 302) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 179) و «الدّرر الكامنة» (4/ 250) و «النجوم الزاهرة» (11/ 302) .

وكان قوي النّفس عظيم الهمّة، مهابا، عفيفا في المباشرة، عمر أوقافها، وزاد معاليمها، وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول، وصنّف «شرح مشارق الأنوار» و «شرح البزدوي» و «الهداية» وعمل «تفسيرا» حسنا، وشرح «مختصر ابن الحاجب» وشرح «المنار» و «التلخيص» وغير ذلك. قال ابن حجر: وما علمته حدّث بشيء من مسموعاته، وكانت رسالته لا تردّ مع حسن البشر والقيام مع من يقصده، والإنصاف، والتواضع، والتلطف في المعاشرة، والتنزّه عن الدخول في المناصب الكبار، وكان أرباب المناصب على بابه قائمين بأوامره، مسرعين إلى قضاء مآربه، وكان الظّاهر يبالغ في تعظيمه، حتّى إنه إذا اجتاز به لا يزال واقفا على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق، ولم يزل على ذلك إلى أن مات بمصر في ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، وصلّى عليه عزّ الدّين الرّازي، ودفن بالخانقاه المذكورة. وفيها محمد بن مكّي العراقي الرّافضي [1] . كان عارفا بالأصول والعربية، فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة واعتقاد مذهب النّصيريّة، واستحلال الخمر الصّرف، وغير ذلك من القبائح، فضربت عنقه بدمشق في جمادى الأولى، وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس، وكان على معتقده. وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي [2] ، نزيل بغداد. ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 181) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 182) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 245) و «النجوم الزاهرة» (11/ 303) .

بالعلم، فأخذ عن والده، ثم حمل عن القاضي عضد الدّين ولازمه اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن غيره، ثم طاف البلاد، ودخل مصر والشام والحجاز والعراق، ثم استوطن بغداد، وتصدى لنشر العلم بها نحو ثلاثين سنة، وكان مقبلا على شأنه، معرضا عن أبناء الدنيا. قال ولده: كان متواضعا بارّا لأهل العلم، وسقط من علّية فكان لا يمشي إلّا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين سنة. وقال ابن حجي: صنّف شرحا حافلا على «المختصر» وشرحا مشهورا على «البخاري» وغير ذلك، وحجّ غير مرّة، وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة، وذكر أنه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدّين الفارقي. وذكر الشيخ ناصر الدّين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز، وكان شريف النّفس، مقبلا على شأنه، وشرح «البخاري» بالطائف وهو مجاور بمكة وأكمله ببغداد، وتوفي راجعا من مكة بمنزلة تعرف بروض مهنّا [1] في سادس عشر المحرم، ونقل إلى بغداد فدفن بها، وكان اتخذ لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحاق الشّيرازي، وبنيت عليه قبة، ومات عن تسع وستين سنة. وفيها شرف الدّين محمود بن عبد الله الأبطالي [2]- باللام- الحنفي [3] . قدم دمشق، فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة، ودرّس بالعزّية وتصدّر بالجامع، وكان من الصّوفية البسطامية. مات في رمضان وولي بعده المشيخة القاضي برهان الدّين بن جماعة.

_ [1] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان. [2] في «إنباء الغمر» : «الأنطالي» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 183- 184) .

سنة سبع وثمانين وسبعمائة

سنة سبع وثمانين وسبعمائة فيها كان الطّاعون العظيم بحلب، بلغت عدة الموتى فيه في كل يوم ألف نفس [1] . وفيها- كما قال ابن حجر- أحضر إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد، ويدان فقط، ومن تحت السرّة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أثنى ورجلين، فشاهدها الناس وأمر بدفنها [2] . وفيها توفي جمال الدّين إبراهيم بن ناصر الدّين محمد بن كمال الدّين عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم الحنفي [3] . سمع من الحجّار، وحدّث عنه، وكان هينا لينا ناظرا إلى مصالح أصحابه، ناب عن والده مدة بحلب، ثم استقلّ بعد وفاته، وكان يحفظ «المختار» ويطالع في شرحه. قال البرهان المحدّث: ادعى عنده مدع على آخر بمبلغ فأنكر، فأخرج المدّعي وثيقة فيها أقرّ فلان ابن فلان فأنكر المدّعى عليه أن الاسم المذكور في الوثيقة اسم أبيه. قال له: فما اسمك أنت؟ قال: فلان. قال: فما اسم [4] أبيك؟ قال: فلان. فسكت عنه القاضي وتشاغل بالحديث مع من كان عنده حتى

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 188) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 190) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 192) و «الدّرر الكامنة» (1/ 64) وفيه: «إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز» و «النجوم الزاهرة» (11/ 305) و «الطبقات السنية» (1/ 234) . [4] في «آ» : «فاسم» .

طال ذلك، وكان القارئ يقرأ عليه في «صحيح البخاري» فلما فرغ المجلس صاح القاضي: يا ابن فلان فأجابه المدّعى عليه مبادرا. فقال له: ادفع لغريمك حقّه، فاستحسن من حضر هذه الحيلة حيث استغفل المدّعى عليه حتّى التجأ للاعتراف. وقال البرهان الحلبي أيضا: كان من بقايا السّلف، وفيه مواظبة على الصّلوات في الجامع الكبير، لطيف اللّسان، وافر العقل، طويل الصّمت في غاية العفّة، مع المعرفة بالمكاتيب والشروط، كبير القدر عند الملوك والأمراء، كثير النّظر في مصالح أصحابه. توفي في سادس عشري المحرّم عن نيف وستين سنة. وفيها أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي الشافعي [1] ، مفتي أهل اليمن في زمانه. انتهت إليه الرئاسة في ذلك. مات في رجب. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي [2] ، نزيل حماة. ولد بمردا، وقدم دمشق للفقه، فبرع في الفنون، وتميّز، ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة، ودرّس، وأفاد، ولازمه علاء الدّين بن مغلي وبه تميّز. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الهادي بن أبي العبّاس الشّاطر الدّمنهوري، المعروف بابن الشيخ [3] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 111) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) وفيه: «أحمد بن عبد الرحمن بن محمد» و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) وفيه: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 195) .

ولد سنة ثلاث وثلاثين، وتعاني الآداب، فكان أحد الأذكياء، وكان أديبا، فاضلا، أعجوبة في حلّ المترجم. وهو القائل: نادى مناد لقرط ... فطاف سمع البريّه وشنّف الأذن منه ... قرط أتى للرعيّه وكان لا يسمع شعرا ولا حكاية إلّا ويخبر بعدد حروفها فلا يخطئ، جرّب ذلك عليه مرارا. مات في ذي القعدة. قاله ابن حجر. وفيها نجم الدّين أبو العباس أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الياسوفي الأصل الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجابي [1] . ولد في آخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع الحديث، وكتب بخطه طباقا، و «المشتبه» للذهبي، وأخذ الفقه عن المشايخ الثلاثة: الغزّي، والحسباني، وحجي، وغيرهم، وأخذ الأصول عن البهاء الإخميمي، ودرّس، وأفتى، واشتغل، واشتهر اسمه، وشاع ذكره، وكان أولا فقيرا، ثم تموّل، فإنه ورث هو وابنه مالا من جهة زوجته، وكثر ماله ونما، واتسعت عليه الدنيا، وسافر إلى مصر في تجارة، وحصل له وجاهة بالقاهرة، بكاتب السرّ الأوحد، وولي تدريس الظّاهرية، أخذها من ابن الشّهيد، وأعاد بالشّامية الجوّانية. قال الحافظ ابن حجي: برع في الفقه والأصول، وكان يتوقّد ذكاء، سريع الإدراك، حسن المناظرة، ما كان في أصحابنا مثله، له الإقدام والجرأة في المحافل، مع الكلام المتين، وكان ينسب إلى جدّه في بحثه، وربما خرج على من يباحثه، ومع ذلك ما كنت أحبّ مناظرة أحد سواه، ولا يعجبني مباحث غيره،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 194) و «الدّرر الكامنة» (1/ 200) ، و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 199) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 241) .

فإنه كان منصفا، سريع التصور، وإنما كان يحتدّ على من لا يجاريه في مضماره. انتهى. وقال ابن حجر: يقال: إنه سمّ مع أوحد الدّين بمصر. وتأخر عمل السمّ فيه إلى أن مات بدمشق بعد عوده في جمادى الأولى. وقد جاوز الخمسين، ودفن بمقبرة الصّوفية. وفيها شاه شجاع بن محمد بن مظفّر اليزديّ [1] . كان جدّه مظفّر صاحب درك يزد وكرمان في زمن أبي سعيد بن خربندا، ثم كان ابنه محمد، فقام مقامه، وأمنت الطرقات في زمنه، ولم يزل أمره يقوى حتّى ملك كرمان عنوة، انتزعها من شيخ بن محمود شاه، ثم تزوج محمد بن مظفّر امرأة من بنات الأكابر بكرمان، فقاموا بنصره، وفرّ شيخ إلى شيراز فحاصره محمد ابن مظفّر بها إلى أن ظفر به، فقتله واستقلّ بعد موت أبي سعيد بملك العراق كلّه، وأظهر العدل، وكان له من الأولاد خمسة: شاه ولي، وشاه محمود، وشاه شجاع، وأحمد، وأبو يزيد، فاتفقوا على والدهم، فكحلوه وسجنوه في قلعة من عمل شيراز، وذلك سنة ست وسبعمائة، فتولى شاه شجاع صاحب الترجمة شيراز، وكرمان، ويزد، وتولى شاه محمود أصبهان وغيرها، ومات شاه ولي، واستمرّ أحمد وأبو زيد في كنف شاه شجاع، ووقع الخلف بين شاه محمود وشاه شجاع، فآل الأمر إلى انتصار شاه شجاع، ومات شاه محمود، فاستولى شاه شجاع على أذربيجان، انتزعها من أويس، وكان شاه شجاع ملكا عادلا عالما بفنون من العلم، محبّا للعلم والعلماء، وكان يقرئ «الكشاف» والأصول، والعربية، وينظم الشعر بالعربي والفارسي، ويكتب الخطّ الفائق، مع سعة العلم والحلم والكرم، وكان قد ابتلي بترك الشبع، فكان لا يسير إلّا والمأكول على البغال صحبته، فلا يزال يأكل. ولما مات استقرّ ولده زين العابدين بعده إلى أن خرج عليه اللّنك فقتله وقتل أقاربه.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 198) و «الدّرر الكامنة» (2/ 187) .

وفيها شرف الدّين حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني البعلي [1] . ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وقرأ، وسمع الحديث، ورحل فيه، وأفتى، ودرّس، وأفاد، وتوفي في رمضان. وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد الله بن الزّين أبي الطّاهر محمد بن الجمال محمد بن المحبّ أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطّبري ثم المكي الشافعي [2] . ولد في محرم سنة ثلاث وعشرين بمكة، وسمع من والده، وعيسى الحجي، والأمين الآق شهري، والوادي آشي، وآخرين. وأجاز له الدّبوسي والحجّار وغيرهما. وقرأ على القطب بن مكرم، وغيرهم، ودخل الهند وحدّث بها، ودرّس في الفقه، وخطب، ثم رجع فولي قضاء بجيلة وما حولها مدة، ومات بالمدينة المنورة. وفيها عثمان بن فار بن مهنّا بن عيسى أمير آل فضل [3] . كان شابا، كريما، شجاعا، جميلا، يحب اللهو والخلاعة، ومات شابا. قاله ابن حجر. وفيها سعد الدّين فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشّامكاني [4]- نسبة إلى شامكان بالشين قرية بنيسابور- الفقيه الشافعي. قرأ على القاضي عضد الدّين وغيره، وحدّث عنه ب «شرح مختصر ابن الحاجب» و «المواقف» ، وغير ذلك. وصنّف في الأصول، والعربية، ونظم في العلوم العقلية، وتوفي في جمادى الأولى.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 198) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 202) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 204) وفيه «ابن قارا» و «الدّرر الكامنة» (2/ 447) و «النجوم الزاهرة» (11/ 305) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 204) .

وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن شجرة بن محمد التّدمري الأصل الدمشقي [1] الفقيه القاضي المفتي. اشتغل وتقدم واشتهر، وولي القضاء بمعاملة الشام، وآخر ما ولي قضاء القدس في أيام البلقيني، فشكاه أهل القدس، وجاءت كتب أعيانهم مشحونة بثلبه والحطّ عليه، فعزل، فقدم دمشق وأقام بها يدرّس بالمدرسة الموقوفة عليه وعلى أقاربه. قال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان يفتي كثيرا، ويكتب على الفتاوى خطّا حسنا بعبارة حسنة إلّا أنه كان سيء [2] السيرة في قضائه وفتواه، مشهورا بذلك. كان يتحمل للمستفتي حتّى يفتيه بما يوافق غرضه ويأخذ منه جعلا [3] على ذلك. حضر عندي مرّة فأعجبني فهمه واستنباطه في الفقه وغوصه على استخراج المسائل الحوادث من أصولها وردّها إلى القواعد. ثم ذكر ابن حجي كلاما لا أحبّ ذكره. توفي بدمشق في شهر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون. وفيها زين الدّين أو علم الدّين محمد بن القاضي تقي الدّين عبد الله ابن الإمام العلّامة زين الدّين محمد بن القاضي علم الدّين عبد الله بن عمر بن مكّي ابن عبد الصّمد بن أبي بكر بن [4] عطية الدمياطي الأصل الدمشقي الشافعي، سبط الشيخ تقي الدّين السّبكي [5] . مولده سبع وأربعين وسبعمائة، وحضر على جماعة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 206) و «الدّرر الكامنة» (3/ 403) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 220) . [2] لفظة «سيء» سقطت من «آ» . [3] أي مكافأة. [4] لفظة «ابن» سقطت من «ط» . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 207) و «الدّرر الكامنة» (3/ 482) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 226) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 378) .

قال ابن حجي: سمع من جدّه عدة من مصنّفاته، وله تحقيق، ودرّس بالعذراوية سنة تسع وستين، انتزعها من يد خاله القاضي تاج الدّين، وكان ينوب عنه، وكان من خيار الناس، وأغزر خلق الله مروءة، ما رأينا أحدا أكثر مروءة وتفضلا على أصحابه ومساعدة لمن يقصده، ولا أشدّ تواضعا وأدبا ورئاسة منه. توفي في شوال ودفن بتربة خاله بسفح قاسيون. وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن ميمون البلوي- بفتح الموحدة واللام نسبة إلى بلي بن عمرو بن الحارث بن قضاعة- الأندلسي [1] . قال ابن حجر: تقدم في الفرائض والعربية، وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره، ورافقه الشيخ أبو زرعة بن [2] العراقي في السّماع كثيرا.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 209) و «الدّرر الكامنة» (4/ 232) . [2] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .

سنة ثمان وثمانين وسبعمائة

سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فيها تمّت عمارة المدرسة البرقوقية بمصر بين القصرين، وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي، وقال في ذلك ابن العطّار: قد أنشأ الظّاهر السّلطان مدرسة ... فاقت على إرم مع سرعة العمل يكفي الخليليّ أن جاءت لخدمته ... شمّ الجبال لها تأتي على عجل ونزل إليها السلطان برقوق في ثاني عشر شهر رجب وقرّر أمورها ومدّ بها سماطا عظيما، ونقل أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها، وقرّر فيها علاء الدّين السّراي مدرس الحنفية بها وشيخ الصّوفية فيها، والشيخ أوحد الدّين الرّومي مدرّس الشافعية، والشيخ شمس الدّين بن مكين مدرّس المالكية، والشيخ صلاح الدّين بن الأعمى مدرّس الحنابلة، والشيخ أحمد زاده العجمي مدرّس الحديث، والشيخ فخر الدّين الضّرير إمام الجامع الأزهر مدرّس القراءات، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنّه على غيره من الموجودين غيره. قاله ابن حجر [1] . وفيها في شعبانها توفي أمير مكّة الشّهاب أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني [2] . واستقرّ ولده محمد بن أحمد، فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده، وحسن بن ثقبة، ومحمد بن عجلان، ففرّ

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 213- 216) . [2] انظر «العقد الثمين» (3/ 87- 96) و «إنباء الغمر» (2/ 223 و 227) و «الدّرر الكامنة» (1/ 201) و «النجوم الزاهرة» (11/ 308) .

منه غيّان بن مغامس [1] إلى القاهرة، فشكا إلى السلطان من صنيعه، والتزم بتعمير مكّة، وسعى في إمرتها فأجيب إلى ذلك. قال ابن حجر: كان أحمد بن عجلان عظيم الرئاسة والحشمة، اقتنى من العقار والعبيد شيئا كثيرا إلى غير ذلك. وفيها أحمد بن النّاصر حسن بن النّاصر محمد بن قلاوون الصّالحي [2] . كان أكبر إخوته وقد عيّن للسلطنة مرارا فلم يتفق له ذلك. ومات في رابع عشر جمادى الآخرة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري [3] ، نزيل حلب الشافعي سمع من حسن سبط زيادة وتفرّد به، وسمع منه شهاب الدين الذاربيبي المقرئ وغيره من الرحالة، وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون، وأكثر عنه المحدّث برهان الدّين. وفيها تاج الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب المعرّي [4] ثم البعلي ثم الدمشقي [5] . أحضر على ابن الموازيني، وست الأهل، وسمع من ابن مشرف، وابن النّور [6] ، والمطعم، والرّضي الطّبري، وغيرهم. وله إجازة من سنقر الزّيني، وبيبرس العديمي، والشرف الفزاري، وإسحاق النحّاس، والعماد النّابلسي، وغيرهم. وكان يذاكر بفوائد، وأصيب بأخرة فاستولت عليه الغفلة، ورأيت بخطّه «تذكرة» في نحو الستين مجلدة، وعبارته عاميّة، وخطّه رديء جدا. مات في المحرم. قاله ابن حجر.

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عفّان بن معاقس» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 223) و «العقد الثمين» (3/ 92) . [2] نظر «إنباء الغمر» (2/ 226) و «النجوم الزاهرة» (11/ 310) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 226) و «الدّرر الكامنة» (1/ 174) . [4] تحرفت في «ط» إلى «المصري» . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 228) . [6] في «آ» : «ابن النثور» بالثاء، وفي «إنباء الغمر» : «ابن النشو» .

وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد المعطي ابن مكّي بن طراد بن حسين بن مخلوف بن أبي الفوارس بن سيف الإسلام بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المكّي [1] المالكي [2] النّحوي. اشتغل كثيرا، ومهر في العربية، وشارك في الفقه، وأخذ عن أبي حيّان وغيره، وانتفع به أهل مكّة في العربية، وكان بارعا، ثقة، ثبتا، وله تأليف ونظم كثير. سمع من عثمان بن الصّفي وغيره، وكان حسن الأخلاق، مواظبا على العبادة، وأخذ عنه بمكّة المرجاني، وابن ظهيرة، وغيرهما. وحدّثتنا عنه بالسّماع شيختنا أم هانئ بنت الهوريني، وهو جدّ شيخنا نحوي مكّة قاضي القضاة محيي الدّين عبد القادر بن أبي القاسم. مولده سنة تسع وسبعمائة، وتوفي في المحرم. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» . وفيها بدر الدّين أحمد بن شرف الدّين محمد بن فخر الدّين محمد بن الصّاحب بهاء الدّين علي بن محمد بن حنّاء المصري، المعروف بابن الصّاحب [3] . قال ابن حجر: تفقّه، ومهر في العلم، ونظم ونثر، وفاق أهل عصره في ذلك، وفاق أيضا في معرفة لعب الشطرنج، وكان جمّاعا للمال، لطيف الذات، كثير النّوادر، ألّف تآليفا في الأدب وغيره، وكتب الخطّ، وكان يحسن الظّنّ بتصانيف ابن العربي ويتعصب له، ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدّين البلقيني، وكان يكثر الشطح، ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش، ويصرّح بالاتحاد.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 277) و «بغية الوعاة» (1/ 372) و «العقد الثمين» (3/ 149) . [2] لفظة «المالكي» سقطت من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 283) و «النجوم الزاهرة» (11/ 307) .

وهو القائل: أميل لشطرنج أهل النّهى ... وأشكوه من ناقل الباطل وكم رمت تهذيب لعابها ... وتأبى الطّباع على النّاقل مات في تاسع عشري جمادى الآخرة، وله إحدى وسبعون سنة. رأيته واجتمعت به وسمعت من تآليفه ونوادره. انتهى كلام ابن حجر. وفيها إسماعيل بن عبد الله النّاسخ المعروف بابن الزّمكحل [1] . قال في «إنباء الغمر» : كان أعجوبة دهره في كتابة قلم الغبار، مع أنه لا يطمس واوا ولا ميما، ويكتب آية الكرسي على أرزة، وكذلك [2] سورة الإخلاص، وكتب من المصاحف الحمائلية ما لا يحصى. انتهى. وفيها داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحميري [3] ، صاحب صنعاء [من جبال اليمن، حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء] [4] وانتزعها منه، ففرّ داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة، وهو آخر من وليها من أهل بيته، ودامت مملكتهم قريبا من خمسمائة سنة. وفيها زين الدّين سريجا- بفتح المهملة، وكسر الراء، بعدها تحتانية ساكنة، ثم جيم مفتوحة بغير مد- ابن بدر الدّين محمد بن سريجا الملطي ثم البارودي [5] . كان من أعيان تلك البلاد في زمانه في الفقه، والقراءات، والأدب، وغير ذلك، وله تصانيف، منها «شرح الأربعين النووية» سمّاه «نثر فوائد المربعين

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 231) و «النجوم الزاهرة» (11/ 308) . [2] في «ط» : «وكذا» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 233) و «الأعلام» (2/ 334) . [4] ما بين القوسين سقط من «آ» . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 233) و «الدّرر الكامنة» (2/ 130) .

النّبوية في نشر فوائد الأربعين النّووية» [1] ، و «جنّة الجازع وحبّة الجارع» صنّفه [2] عند موت ولد [3] له سنة إحدى وثمانين [4] ، وسدّ باب الضّلال، وصدّ ناب الضّلّال [5] في ترجمة الغزّالي. ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن «الشاطبية» أولها: يقول سريجا قانتا مبتهلا [6] ... بدأت بنظمي حامدا [7] ومبسملا ومن نظمه وأجاد: خذ بالحديث وكن به متمسّكا ... فلطالما ظمئت به الأكباد شدّ الرّحال له الرّجال إذا سعوا ... لأخطار ما صرّت له الآساد مات بماردين في المحرم وله ثمان وستون سنة. وأخذ عنه ولده عقيل [8] الذي مات سنة أربع عشرة وثمانمائة [وبدر الدّين بن سلامة [9] الذي مات سنة سبع وثلاثين وثمانمائة] [10] . وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج [11] الإمام الحنبلي، ابن صاحب «الفروع» .

_ [1] في «آ» و «ط» : «نشر فوائد المربعين النبوية في نثر فوائد الأربعين النووية» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [2] في «ط» و «إنباء الغمر» : «صنعه» . [3] تحرفت في «ط» إلى «والد» . [4] لفظة «وثمانين» سقطت من «ط» . [5] في «ط» : «وصد باب الغلال» . [6] كذا في «آ» : «مبتهلا» وفي «ط» : «متبهلا» وفي «إنباء الغمر» : «متبتلا» . [7] في «ط» : «بحمدي ناظما» . [8] مترجم في «إنباء الغمر» (7/ 37- 38) و «الضوء اللامع» (5/ 149) . [9] هو محمد بن أبي بكر بن محمد سلامة المارديني الحلبي الحنفي بدر الدّين. انظر ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 320- 321) و «الضوء اللامع» (7/ 195- 196) . [10] ما بين القوسين سقط من «ط» . [11] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 110- 111) و «الجوهر المنضد» ص (54) و «السّحب الوابلة» ص (215) .

كان أصغر أولاده، دأب واشتغل، وحفظ «المقنع» في الفقه، وكان شكلا حسنا، بارعا مترفها. توفي يوم الاثنين خامس جمادى الأولى ودفن بالرّوضة قريبا من والده وجدّه. وفيها قطب الدّين عبد اللّطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السّبكي [1] ، نزيل دمشق، ابن أخت التّقي السّبكي الشافعي. حضر على ابن الصوّاف مسموعه من النسائي، وتفرّد به، ومن أبي الحسن بن هارون من «مشيخة» جعفر الهمداني تخريج الزكي البرزالي، وحدّث. وكان كثير التّسري، يقال: إنه وطئ أزيد من ألف جارية. وروى عنه العراقي، وابن سند، وابن حجي، وغيرهم. وفيها محيي الدّين عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني القروي [2] . سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب، منها «الدعاء» للمحاملي، ومن محمد بن عبد المجيد الصوّاف «التوكل» وسمع بمكة من الرّضي الطّبري «مسلسلات ابن شاذان» وسمع من غيرهم. وحدّث، وقد خرّج له الذهبي جزءا من حديثه. وتوفي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة. وفيها شرف الدّين علي بن عبد القادر المراغي الصّوفي [3] . اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم وفاق في العلوم العقلية. قال السيوطي: كان فاضلا في العلوم العقلية والعربية، ويقرئ

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 237) و «الدّرر الكامنة» (2/ 408) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 238- 239) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 239) و «بغية الوعاة» (2/ 176) .

«الكشّاف» و «المنهاج» في الأصول، بارعا في الطّب والنّجوم، معتزليا، ونسب إلى رفض، فرفع إلى حاكم وعزّر واستتيب. وكان صوفيا بخانقاه السّميساطية، فأخرج منها وأنزل بخانقاه خاتون، فاستمرّ إلى أن مات بها. انتهى. وقرأ عليه تقي الدّين بن مفلح، ونجم الدّين بن حجي، وغيرهما. وتوفي في ربيع الآخر وقد جاوز الستين. وفيها الواثق بالله عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن المعتصم بن الواثق بن المستمسك بن الحاكم العباسي [1] الخليفة [2] . ولي الخلافة بعد خلع المتوكل في رجب سنة خمس وثمانين، وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشري [3] شوال واستقرّ بعده أخوه زكريا. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التّركستاني الأصل القرميّ [4] ، نزيل بيت المقدس. ولد بدمشق سنة عشرين وسبعمائة، ثم تجرّد، وخرج منها سنة إحدى وأربعين، فطاف البلاد، ودخل الحجاز واليمن، ثم أقام بالقدس، وبنيت له زاوية، وكان يقيم في الخلوة أربعين يوما لا يخرج إلّا للجمعة، وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهدا وورعا، وقصد بالزيارة من الملوك بسرور منهم، وله خلوات ومجاهدات، وسمع بدمشق من الحجّار وغيره، وكان يتورّع عن التحديث، ثم انبسط وحدّث. وكان عجبا في كثرة العبادة وملازمة التّلاوة، حتّى بلغ في اليوم ست ختمات، وقيل: بلغ ثمانية. وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له: إن

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 239) و «تاريخ الخلفاء» ص (505) . [2] لفظة «الخليفة» سقطت من «ط» . [3] في «تاريخ الخلفاء» : «تاسع عشر» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 240) و «الدّرر الكامنة» (3/ 335) و «النجوم الزاهرة» (11/ 309) .

الناس يذكرون عنك القول في سرعة التّلاوة فما القدر [1] الذي نذكر عنك أنك قرأته في اليوم الواحد؟ فقال: اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات. ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق، مع سعة العلم، ومحبة الانفراد، وقهر النّفس، وانتفع به جماعة. ومات في تاسع [2] شهر رمضان. قاله جميعه ابن حجر. وكانت وفاته بالقدس الشريف بخلوته، وصلّي عليه بالمسجد الأقصى، ثم ردّ إلى خلوته فدفن بها. ومن شعره: أسير وحدي بلا ماء ولا زاد ... إلى الحمى مستهاما ظامئا صادي ولا رفيق ولا خلّ يؤانسني ... خلعت نعلي مني شاطئ الوادي أدناني الحبّ منه ثم قرّبني ... كقاب قوسين أو أدنى وذا الهادي وله أيضا: ما زلت أقيم مذهب العشق زمان ... حتّى ظهرت أدلة الحقّ وبان ما زلت أوحّد الذي أعبده ... حتّى ارتحل الشّرك عن الحقّ وبان وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآصجي [3]- بمد وفتح المهملة بعدها جيم- الشّاعر الأديب. نزل مكّة، وجاور بها عدة سنين، وكان مكثرا. أكثر عنه نجم الدّين الجرجاني. قاله ابن حجر.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «القول» . [2] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» : «في تاسع» وفي «ط» : «في تاسع عشري» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 242) وفيه: «الآسجي» و «الدّرر الكامنة» (3/ 466) وفيه: «الآيجي» .

وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن تقي الدّين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز [1] المرداوي الحنبلي أبو عبد الله [2] . ولد سنة أربع عشرة، وسمع الكثير من جماعات كثيرة، منهم: الشّهاب الصّرخدي، وتفقه، وناب في القضاء، ثم استقلّ به إلى أن مات. وكان محمودا في ولايته إلّا أنه في حال نيابته عن عمّه كان كثير التصميم [3] بخلافه لما استقلّ. وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة، وكان كيسا، متواضعا، قاضيا لحوائج من يقصده، خبيرا بالأحكام، ذاكرا للوقائع، صبورا على الخصوم، عارفا بالإثباتات وغيرها، ولا يلحق في ذلك، وكان يركب الحمارة على طريقة عمّه، وقد خرّج له ابن المحبّ الصّامت أحاديث متباينة، وحدّث بمشيخة ابن عبد الدائم، عن حفيده محمد بن أبي بكر، عن جدّه سماعا. وتوفي في رمضان عن أربع وأربعين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن شهاب الدّين أحمد بن الشيخ المحدّث محبّ الدّين السّعدي المقدسي، المعروف بابن المحبّ [4] الحافظ الحنبلي. ولد سنة إحدى وثلاثين، وسمع من ابن الرّضي، والجزري، وبنت الكمال، وغيرهم. وأحضر على أسماء بنت صصرى، وعائشة بنت مسلم، وغيرهما. وعني بالحديث، وكتب الأجزاء والطّباق، وعمل المواعيد، وأخذ عن إبراهيم بن قيّم الجوزية، وكتب بخطّه الحسن شيئا كثيرا. وكان شديد التعصب لابن تيميّة. وتوفي يوم الأربعاء سابع جمادى الأولى بالصّالحية ودفن بالرّوضة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن عفّان» والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 242- 243) و «المقصد الأرشد « (2/ 427- 428) وهو مترجم في «المنهج الأحمد» الورقة (469) من القسم غير المطبوع. [3] تحرفت في «ط» إلى «التصمم» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) و «المقصد الأرشد» (2/ 511) .

وفيها محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي [1] . قال ابن حجر: قرأت بخطّ القاضي برهان الدّين بن جماعة: مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن حزب الله بدمشق في خامس عشري شعبان سنة ثمان وثمانين، وله تآليف وفضائل. قلت: منها كتاب سمّاه «عرف الطّيب في وصف الخطيب» صنّفه للبرهان المذكور. ومن نظمه قصيدة أولها: لبريق أرض الأبرّقين والنّقا ... قد طار منّي القلب إذ تألّقا انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف [بن إلياس] [2] القونوي الحنفي [3] ، نزيل المزّة. ولد سنة خمس عشرة أو في التي بعدها، وقدم دمشق شابا، وأخذ عن التّبريزي وغيره، وتنزّه عن مباشرة الوظائف حتّى المدارس، وكان الشيخ تقي الدّين السّبكي يبالغ في تعظيمه، وكان له حظ من عبادة وعلم وزهد وورع [4] . وكان شديد البأس على الحكام، شديد الإنكار للمنكر، أمّارا بالمعروف، يحب الانفراد والانجماع، قليل المهابة للأمراء والسلاطين، يغلظ لهم كثيرا. وكان قد أقبل على اشتغال بالحديث بأخرّة، والتزم أن لا ينظر في غيره، وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث. قال ابن حجي: كانت له وجاهة عظيمة، وكان ينهى أولاده وأتباعه عن

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) و «الدّرر الكامنة» (4/ 292) و «النجوم الزاهرة» (11/ 309) و «الفوائد البهية» ص (203- 204) . [4] لفظة «وورع» لم ترد في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف وانفردت بها «ط» .

الدخول في الوظائف، وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب نصها إلى فلان المكاس، أو الظّالم، أو نحو ذلك، وهم لا يخالفون له أمرا ولا يردّون له شفاعة. وكان الكثير من الناس يتوقّون الاجتماع به لغلظه في خطابه، وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتّى قال مرّة: أنا أعلم من النّووي وهو أزهد مني، وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب، ويحب من يتعانى ذلك، ويتردد إلى صيدا وبيروت على نيّة الرّباط، وقد باشر القتال في نوبة بيروت، وبنى برجا على الساحل. وقد صنّف كتابا في فقه الأئمة الأربعة سمّاه «الدّرر» وهو كتاب كبير على أسلوب غريب، واختصر «شرح مسلم» للنووي، وتعقب عليه مواضع. وشرح «مجمع البحرين» [1] في عشر مجلدات [2] . وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة، وأقام بالقدس مدة، ثم رجع إلى دمشق، وانقطع بزاويته بالرّبوة، ثم انقطع بزاويته بالمزّة، إلى أن توفي بالطّاعون في جمادى الآخرة. وفيها شرف الدّين محمد بن كمال الدّين يوسف بن شمس الدّين محمد بن عمر بن قاضي شبهة الشافعي [3] . اشتغل على جدّه ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات، وقال الشعر، وكتب الخطّ الحسن. قال ابن حجي: كان جميل الشّكل، حسن الخلق، وافر العقل، كثير التودد، ولي قضاء الزّبداني مدة، ثم تركه، وتوفي عشر الأربعين في ربيع الآخر، ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا، حتّى مات بعده عن قرب.

_ [1] هو «مجمع البحرين وملتقى النهرين» في فروع الحنفية، للإمام مظفّر الدّين أحمد بن علي بن تغلب، المعروف بابن السّاعاتي المتوفى سنة (694) هـ. جمع فيه بين «مختصر القدوريّ» و «المنظومة» مع زوائد، ورتّبه فأحسن وأبدع في اختصاره. انظر «الجواهر المضية» (1/ 208- 212) و «كشف الظنون» (2/ 1599- 1600) و «الأعلام» (1/ 175) . [2] وقال صاحب «الجواهر المضية» : «وشرحه في مجلدين» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 246) .

وفيها إمام الدّين محمد الأصبهاني [1] . قال ابن حجر: كان عالما، عابدا، مشهورا بالفضل والكرامات، وكان ينذر بوقوع البلاء على يد اللّنك ويخبر أنه ما دام حيّا لا يصيب أهل أصبهان أذى، فاتفقت وفاته في طروق اللّنك لهم في هذه السنة. انتهى. وفيا جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن جعفر الأنصاري، المعروف بابن الصّيرفي [2] . ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة، وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدّشتي، والقاضي سليمان، وعيسى المطعم، وغيرهم. وحدّث بالكثير، وكان يزين في القبان، ثم كبر وعجز، وكان بأخرة يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك، وآخر من حدّث عنه الحافظ برهان الدّين [3] ، محدّث حلب، وكان له «ثبت» يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء. توفي في ذي الحجّة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 247) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 248) و «الدّرر الكامنة» (4/ 473) . [3] تحرفت في «ط» إلى «بركات الدّين» .

سنة تسع وثمانين وسبعمائة

سنة تسع وثمانين وسبعمائة فيها كانت وفاة [1] ميخائيل الأسلمي [2] . كان نصرانيا، وأسلم في شعبان السنة التي قبلها بحضرة السّلطان، فأركب بغلة، وعمل تاجر الخاص، ثم قرّر في نظر إسكندرية في محرم هذه السنة، فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالإسكندرية بعد أن ثبت عليه أنه زنديق، وشهد عليه بذلك خمسون إلّا واحدا. وفيها ضربت الدّراهم الظّاهرية وجعل اسم السّلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس، فوقع عن قريب، ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدّنانير النّاصرية. وفيها توفي خليل بن فرح بن سعيد الإسرائيلي القدسي ثم الدمشقي القلعي الشّافعي [3] . أسلم ببيت المقدس، وله تسع عشرة سنة، وعني بالعلم، ولازم الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، وانتفع به، وقرأ القرآن، ولقّب فخر الدّين ومحبّ الدّين، وكان مولده في آخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وتفقه على مذهب الشافعي، فمهر وصار من أكثر الناس مواظبة على الطّاعة من قيام الليل وإدامة التّلاوة والمطالعة، وولي مشيخة القصّاعين ثم تركها لولده، وجاور في آخر عمره بمكّة، وقدم دمشق ممرضا فمات في حادي عشر صفر.

_ [1] لفظة «وفاة» سقطت من «آ» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 256) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 264) و «الدّرر الكامنة» (2/ 90) .

وفيها الحافظ صدر الدّين سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الياسوفيّ الدمشقي الشافعي [1] . ولد سنة تسع وثلاثين تقريبا، وسمع الكثير، وعني بالحديث، واشتغل بالفنون، وحدّث، وأفاد، وخرّج، مع الخط الحسن، والدّين المتين، والفهم القوي، والمشاركة الكثيرة. أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظّاهر، فسجن حتّى مات في السّجن، مع أنّه صنّف في منع الخروج على الأمراء تصنيفا حسنا، وكان مشهورا بالذكاء، سريع الحفظ، دأب في الاشتغال، ولازم العماد الحسباني وغيره، وفضل في مدة يسيرة، وتنزل في المدارس، ثم تركها، وقرأ في الأصول على الإخميمي، وترافق هو وبدر الدّين بن خطيب الحديثة، فتركا الوظائف، وتزهدا، وصارا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، أوذيا بسبب ذلك مرارا، ثم حبّب إلى الصّدر الحديث، فصحب ابن رافع، وجدّ في الطلب، وأخذ عن ابن البخاري كثيرا، ورحل إلى مصر، وسمع بها من جماعة، ودرّس، وأفتى، واستمرّ على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين، وينوّه بهم، مع صحّة الفهم وجودة الذّهن. قال ابن حجي: وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد، ويصرّح بتخطئة الكبار، واتفق وصول أحمد الظّاهري من بلاد الشرق، فلازمه، فمال إليه، فلما كانت كائنة تدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد الظّاهري ومن ينسب إليه، فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فذكرا أنهما من طلبة الياسوفي، فقبض على الياسوفي، وسجن بالقلعة أحد عشر شهرا، إلى أن مات في ثالث عشر شوال. ومن شعر الياسوفي: ليس الطّريق سوى طريق محمّد ... فهي الصّراط المستقيم لمن سلك من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرّشاد ومن يزغ عنها هلك

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 265) و «الدّرر الكامنة» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (11/ 312) .

وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السّجلماسي [1] ، المعروف بالحفيد، ابن رشد المالكي [2] . كان بارعا في مذهبه، وروى عن أبي البركات البلقيني، والعفيف المطري، والشيخ خليل، وولي قضاء حلب، ثم غزّة، ثم سكن بيت المقدس. قال القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» : كان فاضلا، يستحضر، لكن كلامه أكثر من علمه، حتّى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك، وأما من تأخر من أهل العلم فإنه كان لا يرفع بهم رأسا إلّا ابن عبد السّلام، وابن دقيق العيد، ووقع بينه وبين شهاب الدّين بن أبي الرّضا قاضي حلب الشافعي منافرة، فكان كل منهما يقع في حقّ الآخر، وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرّضا لكثرة وقوع الحفيد في الأعراض، وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد، ثم حجّ، وعاد إلى القاهرة، ومات عن ثلاث وسبعين سنة، وهو [3] معزول عن القضاء، ولم يكن محمودا. قاله ابن حجر. وفيها تاج الدّين عبد الواحد بن عمر بن عبّاد المالكي بن الحكّار [4] . برع في الفقه، وشارك في غيره. وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصّالحي النسّاج، المعروف بأبي الهول [5] . ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع الكثير من التقي سليمان وغيره، وحدّث، وكان سمحا بالتحديث، ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم، فكان لا يسمع

_ [1] تحرفت في «آ» إلى «السّلجماسي» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 267) و «الدّرر الكامنة» (2/ 343) و «النجوم الزاهرة» (11/ 313) . [3] لفظة «وهو» سقطت من «آ» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 267) . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 268) و «الدّرر الكامنة» (3/ 88) .

إلّا بمشقة، وقد حدّث بالكثير، وسمع منه السّكّري، وابن العجمي، وابن حجي، وآخرون، وتوفي في ربيع الأول عن نحو تسعين سنة. وفيها شمس الدّين أبو المجد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسني [1] ، نقيب الأشراف بحلب. ذكره طاهر بن حبيب في «ذيل تاريخ أبيه» ، وأثنى عليه بالفضل الوافر، وحسن المجالسة، وطيب المحاضرة، ومات في الطّاعون الكائن بحلب، واتفق أنه قبضت روحه وهو يقرأ سورة يس. وفيها الحافظ شمس الدّين، أبو بكر محمد بن المحبّ عبد الله بن أحمد ابن المحبّ عبد الله الصّالحي المقدسي الحنبلي المعروف بالصّامت [2] الشيخ الإمام الحافظ الأصيل، بقية المحدّثين. سمّي بالصّامت لكثرة سكوته ووقاره. سمع من عيسى المطعم، والقاضي تقي الدّين، وابن عبد الدائم، والقاسم بن عساكر. وقرأ على خالته زينب بنت الكمال كثيرا، وعلى أبيه، والمزّي، والبرزالي، والذهبي. وذكره في «معجمه المختص» وقال: فيه عقل وسكون، وذهنه جيّد، وهمّته عالية في التحصيل. وأثنى عليه الأئمة، وكان آخر من بقي من أئمة هذا الفنّ. وحدّث فسمع منه [3] خلق كثير، منهم: الشيخ شمس الدّين بن عبد الهادي، سمع منه في سنة ثلاثين. قال ابن حجر: كان كثير التقشف جدا، بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها، وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق، وإذا بعد

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 270) . [2] انظر «المعجم المختص» ص (235- 236) و «إنباء الغمر» (2/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 465) و «السحب الوابلة» ص (393) . [3] تحرفت في «ط» إلى «من» .

عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافيا، وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامّة، ولم يتزوج قطّ، وكانت إقامته بالضّيائية، وتوفي في خامس ذي القعدة، وباع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وبذّر ثمنها بسرعة لأنه كان كثير الإسراف على نفسه. وفيها محمد بن علي بن عمر بن خالد بن الخشّاب المصري [1] . سمع «الصحيح» من وزيرة، والحجّار، وحدّث به، وولي نيابة الحسبة، وأضرّ قبل موته. توفي في شعبان. وفيها الحافظ ناصر الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم بن حامد بن عشائر الشافعي الحلبي [2] . ولد سنة اثنتين وأربعين، وسمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة، وأخذ بدمشق عن ابن رافع، وكان بارعا في الفقه والحديث والأدب، حسن الخطّ جدا، ذا ثروة وملك كثير. جمع مجاميع جيدة، وحدّث وناظر، وألّف، وأسمع ولده ولي الدّين الكثير، وشرع في «تاريخ» لحلب يذيّل به على «تاريخ ابن العديم» ، رتّبه على حروف المعجم، وتمّمه في أربعة أسفار يذكر فيه من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئا من معاملتها، وكان رأسا ببلده، ذكر لقضائها، وكان خطيبا بها، ثم لما قدم القاهرة فاجأته الوفاة في ربيع الآخر فمات غريبا، ويقال: إنه مات مسموما. وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدّمراقي [3] الهندي الحنفي [4] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 78) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 85) . [3] في «إنباء الغمر» : «الدمراني» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 275) و «نزهة الخواطر» (2/ 148) .

قدم مكة قديما، وسمع من العزّ بن جماعة، وهو عالم بارع، وكان يعتمر في كل يوم، ويقرأ كل يوم ختمة، ويكتب العلم. قال ابن حجر: ولكنه كان شديد العصبية، يقع في الشافعي، ويرى ذلك عبادة. نقلت ذلك من خطّ الشيخ تقي الدّين المقريزي، ومات وقد قارب المائة. انتهى. وفيها صلاح الدّين محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن صالح إسماعيل بن العادل بن أيوب الدمشقي [1] . كان أحد الأمراء بدمشق، ومولده سنة عشر تقريبا، وأجاز له الدّشتي، والقاضي، وغيرهما، وحدّث، وتوفي في رمضان. وفيها محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي [2] التاجر. أجاز له التّقي سليمان وغيره، وحدّث. وفيها منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغابن منشا موسى ملك التّكرور [3] . وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين، وكان عادلا عاقلا. قاله ابن حجر. وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن الشيخ العلّامة شمس الدّين محمد بن القاضي نجم الدّين عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف بن قاضي شبهة الأسدي الشافعي [4] ، عمّ صاحب «الطبقات» . ولد سنة عشرين وسبعمائة، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه على

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) و «الدّرر الكامنة» (3/ 275) ضمن ترجمة أبيه. [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 277) و «الدّرر الكامنة» (4/ 272) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 404) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 250) .

والده، وعلى أهل عصره، وأذن له والده في الإفتاء، وكان يثني على فهمه، وتنقّل في قضاء البرّ، ثم ترك ذلك، وأقام بدمشق على وظائف والده، نزل له عنها في حياته، وكان فاضلا في الفقه، غير أنه حصل له ثقل في لسانه في مرضة مرضها، فكان يعسر عليه الكلام، وكان خيّرا، ديّنا، منجمعا [1] ، ساكنا، حسن الشكل. قال الحافظ برهان الدّين الحلبي: قال لي: ما أعلم منذ وعيت إلى الآن أني خلوت ساعة من وجع. توفي في شوال ودفن عند والده، رحمهما الله تعالى.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «منجما» .

سنة تسعين وسبعمائة

سنة تسعين وسبعمائة فيها أصاب الحاجّ [1] في رجوعهم في [2] ليلة تاسع المحرم عند ثغرة [3] حامد سيل عظيم، مات منه عدد كثير، عرف [4] منهم مائة وسبعة وثلاثين نفسا، وأما من لم يعرف فكثير جدا [5] . وفيها- كما قال ابن حجر-: هبّت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمي المارة في الطرقات، وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسماعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من لا يحصى عددهم، بحيث إنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرّة من جرار الخمر فارغات، إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد، من الزنا، واللواط، والتجاهر بذلك، فأمر الشيخ إسماعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال، ومات في سلخ شعبان. وكان نشأ على طريقة حسنة، واشتغل بالعلم، وانقطع بزاويته، وصار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا، ويحصل فيه من المفاسد والقبائح ما لا يعبّر عنه. انتهى. وفيها توفي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب زين الدّين أبي محمد عبد الرحيم بن قاضي مصر والشام بدر الدّين محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي الشافعي [6] ، قاضي مصر والشام، وخطيب الخطباء، وشيخ الشيوخ، وكبير طائفة الفقهاء، وبقية رؤساء الزّمان.

_ [1] في «ط» : «الحجّاج» . [2] سقطت لفظة «في» من «ط» . [3] تحرفت في «ط» إلى «ثغر» . [4] في «آ» : «غرق» وفي «ط» : «أغرق» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 278) . [6] انظر «إنباء الغمر» (2/ 292) و «الدّرر الكامنة» (1/ 38) و «النجوم الزاهرة» (11/ 314) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 188) .

ولد بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين، وقدم دمشق صغيرا، فنشأ عند أقاربه بالمزّة، وأحضر على جدّه، وسمع من أبيه وعمّه، وطلب الحديث بنفسه وهو صغير في حدود الأربعين، وسمع من شيوخ مصر والشام، ولازم المزّي، والذهبي، وأثني على فضائله، وحصّل الأجزاء، وتخرّج على الشيوخ، واشتغل في فنون العلم، وتوفي والده سنة تسع وثلاثين وهو صغير، فكتبت خطابة القدس باسمه، واستنيب له، ثم باشر بنفسه وهو صغير، وانقطع ببيت المقدس، ثم أضيف إليه تدريس الصّلاحية [1] بعد وفاة العلائي، ثم خطب إلى قضاء الدّيار المصرية بعد عزل أبي البقاء في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وباشره بنزاهة وعفّة ومهابة وحرمة، وعزل نفسه، فسأله السلطان وترضّاه حتّى عاد، واستمرّ إلى أن عزل نفسه ثانيا في شعبان سنة سبع وسبعين، وعاد إلى القدس على وظائفه، ثم سئل في العود إلى القضاء [2] فأعيد في صفر سنة إحدى وثمانين، فباشرها ثلاث سنين إلى أن عزل نفسه في صفر سنة أربع وثمانين، وعاد إلى القدس، ثم خطب إلى قضاء دمشق والخطابة بعد موت القاضي ولي الدّين في ذي القعدة سنة خمس وثمانين، ثم أضيف إلى مشيخة الشيوخ بعد سنة من ولايته، وقام في أمور كبار تمّت له. قال الحافظ ابن حجر: عزل نفسه في أثناء ولايته غير مرّة ثم يسأل ويعاد، وكان محببا إلى الناس [3] ، وإليه انتهت رئاسة العلماء في زمانه، فم يكن أحد يدانيه في سعة الصّدر، وكثرة البذل، وقيامة الحرمة، والصّدع بالحقّ، وقمع أهل الفساد، مع المشاركة الجيدة في العلوم، واقتنى من الكتب النّفيسة بخطوط مصنّفيها وغيرهم ما لم يتهيأ لغيره. انتهى. وجمع «تفسيرا» في عشر مجلدات، وفيه غرائب وفوائد، وتوفي شبه الفجأة في شعبان ودفن بتربة أقاربه بني الرّحبي بالمزّة.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «الصالحية» . [2] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «فأعيد» وفي «آ» : «فعاد» . [3] تحرفت في «ط» إلى «أناس» .

وفيها جمال الدّين أحمد بن محمد [1] بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللّخمي الأسيوطي [2] ثم المكّي [3] . ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وتفقه للشافعي بالزّملكوني، والتاج التّبريزي، والكمال النّسائي، ولازم الشيخ جمال الدّين الإسنوي، وصحب شهاب الدّين بن الميلق، وأخذ عنه في الأصول والتصوف، وسمع «صحيح البخاري» من الحجّار، وسمع «مسلم» من الواني، وحدّث عنهما وعن الدّبوسي ونحوه بالكثير، وسمع بدمشق من الرّضي، والمزّي، وجماعة، ومهر في الفنون، وناب في الحكم، ثم جاور بمكّة مدة طويلة من سنة سبعين وتصدى [4] للتدريس والتحديث، وجمع بين «الشرح الكبير» و «الروضة» و «التهذيب» بيّض نصف الكتاب في سبع مجلدات، وله «شرح بانت سعاد» . وتوفي بمكة في ثالث رجب. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن شمس الدّين أبي عبد الله محمد بن القاضي نجم الدّين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف الأسدي الشافعي، المعروف بابن قاضي شهبة [5] ، وهو والد صاحب «طبقات الشافعية» . قال ولده: مولده في رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وغيره، واشتغل على والده وأهل طبقته، وأذن له والده بالإفتاء، واشتغل في الفرائض، ومهر فيها، وصنّف فيها مصنّفا، ودرّس وأعار [6] ، وجلس للاشتغال

_ [1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «أحمد بن محمد ... » والذي في مصادر الترجمة: «إبراهيم بن محمد ... » . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 294) و «الدّرر الكامنة» (1/ 60) و «النجوم الزاهرة» (11/ 315) . [3] في مصادر الترجمة: «الأميوطي» . [4] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف: «وتصدى» وفي «ط» : «وتصدر» . [5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 296) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 200) و «معجم المؤلفين» (2/ 140) . [6] في «ط» : «وأعار» وهو خطأ.

بالجامع الأموي مدة، وكان كريم النّفس جدا، كثير الإحسان إلى الطلبة والفقهاء والغرباء، وإلى أقاربه وذوي رحمه، ولم يكن ببلده في طائفته أكرم منه ومن الشيخ نجم الدّين بن الجابي. توفي في ذي القعدة ودفن بالباب الصغير بمقبرة والده، رحمهما الله تعالى. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم [1] التركماني المعروف بابن الحجازي [2] . ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره، وأجاز له ابن المهتار، وست الوزراء، وغيرهما، وهو جدّ أبيه لأمّه، وطلب بنفسه بعد الثلاثين، وسمع من جماعة، وأجاز له جماعة، وكان فاضلا مشاركا. أقرأ الناس القراءات، ومات في رجب. وفيها شجاع الدّين أبو بكر بن محمد بن قاسم السّنجاري الحنبلي [3] ، نزيل بغداد، الشيخ الإمام المحدّث. كان فاضلا، مسندا، حدّث بالكثير، فمن ذلك «جامع المسانيد» و «مسند الشافعي» و «رموز الكنوز» في التفسير للرّسعني، و «كتاب التّوابين» لشيخ الإسلام موفق الدّين بن قدامة [4] ، وحدّث عنه الشيخ نصر الله البغدادي، وولده قاضي القضاة محبّ الدّين، وتوفي عن ثمانين سنة.

_ [1] تصحفت في «آ» إلى «جانم» وفي «ط» إلى «جاثم» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 127) و «غاية النهاية» (1/ 127) وقال في آخر ترجمته فيه: «ومات سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فيما أحسب، ودفن في السفح» . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 298) و «الدّرر الكامنة» (1/ 460) و «المقصد الأرشد» (3/ 153- 154) و «السحب الوابلة» ص (134) . [4] المطبوع بتحقيق والدي الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله.

وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل ثم المكّي، المعروف بالنّشاوري [1] [2] . ولد سنة خمس وسبعمائة، وقيل قبل ذلك، وسمع من الرّضي الطّبري، وأجاز له أخوه الصّفي، وحدّث بالكثير. قال ابن حجر العسقلاني: سمعت عليه «صحيح البخاري» بمكة، وتفرّد عن الرّضي بسماع «الثقفيات» وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره، وحدّث، ثم رجع إلى مكّة، وتغيّر قليلا، ومات بها في ذي الحجّة. وفيها عبد الواحد بن عبد الله المغربي، المعروف بابن اللّوز [3] . كان فاضلا، ماهرا في الطب والهيئة وغير ذلك، مات في شوال. قاله ابن حجر. وفيها العلاء علاء الدّين بن أحمد بن محمد بن أحمد السّيرامي- بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة [4]-. قال في «إنباء الغمر» : كان من كبار العلماء في المعقولات، قدم من البلاد الشرقية بعد أن درّس في تلك البلاد، فأقام في ماردين مدة، ثم فارقها لزيارة القدس، فلزمه أهل حلب للإفادة، وبلغ خبره الملك الظّاهر، فاستدعى به فقرّره شيخا ومدرّسا بمدرسته التي أنشأها بين القصرين، وأفاد النّاس في علوم عديدة، وكان إليه المنتهى في فعل المعاني والبيان، وكان متودّدا إلى الناس، محسنا إلى الطّلبة، قائما في مصالحهم، لا يلوي بشره عن أحد، مع الدّين المتين والعبادة الدائمة. مات في ثالث جمادى الأولى، وكانت جنازته حافلة، وقد جاوز السبعين. انتهى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «المعروف بالشاوري» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «الدّرر» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 300) و «الدّرر الكامنة» (2/ 300- 301) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 302) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 302) و «الدّرر الكامنة» (1/ 307) و «النجوم الزاهرة» (1/ 316) .

وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن يعقوب، شيخ الوضوء، الشافعي [1] . كان يقرئ بالسبع، ويشارك في الفضائل، وقيل له: شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلّم العامة الوضوء [2] . قال ابن حجي: قدم من صفد، وسمع على السّادجي أحد أصحاب الفخر، وتفقه بوالدي وغيره، وأذن له ابن الخطيب يبرود في الإفتاء، وكان التّاج السّبكي يثني عليه ويسلك مع ذلك طريق التصوف، ودخل القاهرة واجتمع بالسلطان، ورتّب له راتبا على المارستان المنصوري، وكان حسن الفهم، جيد المناظرة، يعتقد ابن عربي، وأقام بالقاهرة تسع سنين، وتوفي في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري [3] ، خطيب المزّة. سمع الكثير من التّقي سليمان، ووزيره، وابن مكتوم، وغيرهم، وتفرّد بأشياء، وأكثروا عنه، وهو آخر من حدّث عن ابن مكتوم ب «الموطأ» ، وعن وزيره ب «مسند الشافعي» وولي بأخرة قضاء الزّبداني، وتوفي في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة. وفيها بدر الدّين محمد بن إسماعيل الإربلي بن الكحّال [4] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 305) . [2] قلت: وكم تمنيت أن يفعل ذلك الخطباء وأئمة المساجد في أيامنا، فترى الكلام في الدّروس والخطب يدور حول كل شيء فيما عدا الطهارة. ولقد اطلعت على الكثير الكثير من جهل العامة بأمور الطهارة. فمن ذلك أروي هذه القصة: سألني أحد العامة وهو في حدود الخمسين عن غسل الجنابة وهو لا يدري إلى الآن كيف يغتسل من الجنابة وهل يغني غسل الجنابة عن الوضوء. ولما قلت له: إن الوضوء هو مفتاح غسل الجنابة بعد غسل العورة وإزالة أثر الجنابة، وأن غسل القدمين هو ختام غسل الجنابة. قال لي: هذه أول مرة أسمع فيها كيفية غسل الجنابة، وأنا من حوالي ثلاثين عاما أغتسل غسلا عاديا، ثم أتوضأ وبعدها أصلّي، فليت الخطباء بشكل خاص يعيرون أمور الطهارة اهتمامهم فينتج عن ذلك فوائد عظيمة للمجتمع والأمة بشكل عام، والله الموفق لكل خير. [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 306) و «الدّرر الكامنة» (3/ 323) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 306) .

قال ابن حجر: عني بالفقه والأصول، وكان جيد الفهم، فقيرا، ذا عيال، وهو مع ذلك راض قانع، جاوز الأربعين [1] . انتهى. وفيها عزّ الدّين أبو اليمن محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الرّبعي بن الكويك [2] . أصله من تكريت، ثم سكن سلفه الإسكندرية، وكانوا تجارا بها [3] . وسمع بالإسكندرية من العتبي، ووجيهة بنت الصّعيدي، وبدر الدّين بن جماعة، وعلي بن قريش، وأبي حيّان، وغيرهم. وكان رئيسا، مسموع الكلمة عند القضاة. توفي في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة.

_ [1] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» : «جاوز الأربعين» وفي «ط» : «جاوز السبعين» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 307) و «النجوم الزاهرة» (11/ 318) . [3] لفظة «بها» سقطت من «آ» .

سنة إحدى وتسعين وسبعمائة

سنة إحدى وتسعين وسبعمائة توفي شهاب الدّين أبو الخير أحمد بن عمر بن محمد بن أبي الرّضا [1] قاضي القضاة الحموي الشافعي، نزيل حلب. اشتغل في الفقه وغيره، وأخذ عن العلّامة شرف الدّين يعقوب خطيب قلعة حماة، ورحل إلى الشام، وقرأ على أهلها، ورحل إلى القاهرة، واشتغل بها، وقدم حلب سنة بضع وسبعين قاضي العسكر ومفتي دار العدل، فأقام بها يفتي ويفيد، ثم تولى قضاء حلب فحمدت سيرته. ذكره الحافظ برهان الدّين الحلبي سبط ابن العجمي فقال: فريد الشام ذكاء ومعرفة ودهاء وحفظا، غير أنه كان له أناس يعادونه وما يصنعه يخرجونه في قوالب رديئة ويتكلمون فيه بأشياء ليست فيه، ولكن الحسد حملهم على ذلك، وكان أوحد العلماء، متقنا، متفننا، أستاذا في القراءات وتوجيهها، والتفسير، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والنّظم، والنّثر الفائق، والإنشاء، عالما بالفقه والأصلين، ويحفظ جملة صالحة من الحديث وصناعته، يكاد يحفظ «شرح مسلم» و «معالم السنن» للخطابي، وكان أستاذا في معرفة الطبّ والعلاج، وهو رجل غريب في بابه، وكان يحافظ على الجلوس في المسجد لا يكاد يخرج منه إلّا لحاجته، وعنده حشمة، وله سياسة وكياسة، يعظّم العلم وأهله، ولا يقدّم عليهم أحدا. لم أر بحلب أحدا بعده من أهلها أعلم منه ولا من غيرها إلّا ما كان من شيخنا سراج الدّين البلقيني، إلى أن قال: وله مؤلفات

_ [1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 227) و «إنباء الغمر» (2/ 358) و «النجوم الزاهرة» (11/ 352، 382) و «الأعلام» (1/ 187) .

نفيسة، منها كتاب «الناسخ والمنسوخ» وكتاب في فنون القراءات [1] مجلد ضخم، ونظم «غريب القرآن» للعزيزي على قافية «الشّاطبية» ووزنها، وكتاب «مفاخرة بين السيف والقلم» وكتاب ليس فيه حرف معجم، وغير ذلك. ودخل بين التّرك فأخذ وحبس بالقلعة، ثم حمل مقيّدا إلى قريب من خان شيخون وقتل هناك في ذي القعدة، ثم نقل إلى حماة إلى مقبرة والده وأهله. وقال العيني في «تاريخه» : قتل شرّ قتلة، وكان ذلك أقلّ جزائه، فإن الظّاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولّاه القضاء من غير بذل ولا سعي، فجازاه بأن أفتى في حقّه بما أفتى، وقام في نصر أعدائه بما قام، وشهر السّيف، وركب بنفسه والمنادي بين يديه ينادي [2] : قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم، فإن الظّاهر من المفسدين العصاة الخارجين، فإن سلطنته ما صادفت محلا، إلى غير ذلك، وكان عنده بعض شيء من العلم، ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان مولعا بثلب أعراض الكبار، وكان باطنه رديئا وقلبه خبيثا. قال: وسمعت أنه كان يقع في حقّ الإمام أبي حنيفة. انتهى كلام العيني ملخصا. وفيها شهاب الدّين أحمد بن زين الدّين عمر بن الشّهاب محمود بن سلمان [3] بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي، المعروف بالقنّبيط [4] . قال ابن حجر: ولد سنة عشر أو نحوها، وسمع من أمين الدّين محمد بن أبي بكر بن النّحاس وغيره، ووقع في الدّست، فكان أكبرهم سنا وأقدمهم. مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة ولم يحدّث شيئا، وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدّين بن الجزري بقوله:

_ [1] في «ط» : «القرآن» . [2] في «ط» : «والمنادي ينادي بين يديه» . [3] تحرفت في «ط» إلى «سليمان» . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 362) .

باكر إلى دار عدل جلّق يا ... طالب خير فالخير في البكر فالدّست قد طاب واستوى وغلا ... بالقرع والقنّبيط والجزر وأشار بالقنّبيط إلى هذا، وبالجزر إلى نفسه، وبالقرع إلى أبي بكر بن محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين. انتهى. وفيها محبّ الدّين أحمد بن محمد المعروف بالسبتي [1] . انقطع بمصلى حولان ظاهر مصر، وكان معتقدا ويشار إليه بعلم الحروف والزايرجا [2] . ومات في عشري صفر وقد جاوز الثمانين ظنا، وكان حسن السّمت. وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن علي، المعروف بابن الوكيل [3] . عني بالفقه والعربية، وقال النظم فأجاد، وكان سمع بمكّة من الجمال بن عبد المعطي المكّي، وبدمشق من الصّلاح بن أبي عمر. ومن شيوخه في العلم صلاح الدّين العفيفي، ونجم الدّين بن الجابي، وجمال الدّين الأسيوطي، وشمس الدّين الكرماني، وكان يتوقد ذكاء. مات بالقاهرة في صفر. وفيها شهاب الدّين أحمد بن ركن الدّين بن أبي يزيد بن محمد السّرائي الحنفي الشهير بمولانا زاده [4] . قال [ابن حجر] [5] في «إنباء الغمر» : كان والده كثير المراعاة للعلماء

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) و «الدّرر الكامنة» (1/ 315) . [2] كذا في «آ» و «ط» : «والزايرجا» وفي «إنباء الغمر» : «الزّيجات» جمع «زيج» . وجاء في كتاب «معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة» لأدشير ص (82) : الزّيج: عند المنجمين كتاب تعرف به أحوال حركات الكواكب مأخوذ من زيك. [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) . [5] ما بين القوسين سقط من «آ» .

والتعهد للصالحين، وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوّضوا إليه النظر على أوقافهم، فكانت تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئا. وكان يقول: أنا أتجنبه ليرزقني الله ولدا صالحا، ثم مات الشيخ سنة ثلاث وستين وخلّف ولده هذا ابن تسع سنين، وقد لاحت آثار النّجابة عليه، فلازم الاشتغال حتّى أتقن كثيرا من العلوم، وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين، ثم رحل من بلاده فما دخل بلدا [1] إلّا عظّمه أهلها [2] لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية، ودقائق العربية، والمعاني، وكانت له مع ذلك يد طولى في النّظم والنّثر، ثم حبّب إليه السلوك، فبرع في طريق الصّوفية، وحجّ وجاور، ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة، ثم دخل القاهرة، ثم رجع إلى المدينة فجاور بها، ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعداء، واستقرّ مدرسا للمحدّثين بالظّاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين، وقرر مدرسا للصرغتمشية في الحديث أيضا، ثم إن بعض الحسدة دسّ إليه سمّا، فتناوله فطالت علّته بسببه إلى أن مات في المحرم. انتهى. وفيها صدر الدّين أبو المعالي عبد الخالق، ويقال له أيضا: محمد بن محمد بن محمد الشّعيبي- بالمعجمة والموحدة مصغرا- الإسفراييني [3] . ولد سنة أربع وثلاثين، وكان عارفا بالفقه، وحدّث بكتاب «المناسك» تصنيف أبيه عنه، وشرح منه قطعة، وجمع هو كتابا في المناسك أيضا كثير الفائدة [4] ، وكان مشهورا ببغداد. مات بفيد [5] منصرفا من الحجّ في المحرم.

_ [1] في «ط» : «ثم رحل من بلاده قلما فما دخل ... » وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [2] في «آ» و «ط» : «أهلوها» وأثبت لفظ «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 369- 370) . [4] في «آ» : «كثير الفوائد» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بفند» والتصحيح من «إنباء الغمر» وقال ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 282) : وفيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة ... يودع الحاج فيها أزوادهم وما يثقل

وفيها القاضي جمال الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي، المعروف بابن خير [1] . سمع من ابن الصّفي، والوادي آشي، وغيرهما، وكان عارفا بالفقه، ديّنا، خيّرا. ولي الحكم فحمدت سيرته. قال ابن حجر: قرأت عليه شيئا. مات في سابع عشر رمضان واستقرّ بعده تاج الدّين بهرام الدّميري في قضاء المالكية بعناية الخليفة المتوكل. انتهى. وفيها نجم الدّين عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين الحموي الأصل القاهري [2] . قال ابن حجر: سمع «الصحيح» من وزيرة، والحجّار، وسمع من غيرهما. وحدّث. سمعت عليه بمصر. مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة. انتهى. وفيها تقي الدّين عبد الوهاب بن سبع البعلبكي [3] . عني بالعلم وحصّل ودرّس، وألّف مختصرا في الأحكام، وولي قضاء بعلبك فلم يحمد في القضاء. مات بدمشق. وفيها فخر الدّين علي بن أحمد بن محمد بن التّقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [4] . ولد سنة أربعين، وسمع الكثير، ولازم ابن مفلح، وتفقه عنده، وخطب

_ من أمتعتهم عند أهلها فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ووهبوا لمن أودعوها شيئا من ذلك. [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 370) و «الدّرر الكامنة» (2/ 345) و «النجوم الزاهرة» (11/ 386) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 371) و «الدّرر الكامنة» (2/ 357) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 371) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 372) و «السحب الوابلة» ص (286) .

بالجامع المظفّري، وكان أديبا، ناظما، ناثرا، منشئا، له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون، وكان لطيف الشمائل. توفي في جمادى الآخرة. وفيها علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي [1] . كان عارفا بالنحو في بلاد اليمن. مات بعدن في صفر. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» . وفيها شرف الدّين الأشقر عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكراديّ الحنفيّ [2] . أصله من تركمان البلاد الشمالية، واشتغل في بلاده، ثم قدم القاهرة في دولة الأشرف، فصحب الملك الظّاهر قبل أن يتأمّر. وكانت له به معرفة من بلاده فلما كبر قرّره إماما عنده، وتقدم في دولته، وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية. وكان حسن الهيئة، مشاركا في الفضائل، جيد المحاضرة. مات في رابع عشري ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة. وفيها محبّ الدّين محمد بن بدر الدّين عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المغربي ثم المدني المالكي [3] . كانت له عناية بالعلم، وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين. وفيها تقي الدّين محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي [4] . قال ابن حجر: اشتغل ودرّس مكان عمّه أحمد في الأمينية وغيرها، وأفتى، ودرّس، وولي قضاء بعلبك وطرابلس، ولم يكن مرضيا في سيرته،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 373) و «بغية الوعاة» (2/ 198) . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 373) و «الدّرر الكامنة» (2/ 440) و «النجوم الزاهرة» (11/ 387) . [3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 375) . [4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 375) و «الدّرر الكامنة» (4/ 20) .

وجمع كتابا في الفقه مع قصور في [1] فهمه. وكان يكتب خطا حسنا، ويقرأ في المحراب قراءة جيدة، ويخطب بجامع رأس العين. مات في المحرم. انتهى. وفيها بدر الدّين أبو اليمن محمد بن سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير الكناني المصري البلقيني الشافعي، سبط بهاء الدّين بن عقيل [2] . قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : ولد في صفر سنة ست، وقيل سنة سبع وخمسين، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وستين وهو مراهق، وقد حفظ عدة كتب فعرضها على مشايخ الشام إذ ذاك، وأجاز له جماعة [3] من أصحاب البخاري، وابن القوّاس، وغيرهم، وأخذ عن والده وعن غيره من علماء عصره، منهم: جدّه الشيخ بهاء الدّين، وجمال الدّين الإسنوي، وتقدم وتميّز، وفاق أقرانه باجتهاده وجودة ذهنه، ودرّس واشتغل وأفتى، ونزل له والده عن قضاء العسكر في شعبان سنة تسع وسبعين، وكان حسن الذات، مليح الصّفات، وكان يكثر البحث مع والده ويعارضه، وكان والده يسرّ بذلك كثيرا. وقد ذكر له الأديب زين الدّين طاهر بن حبيب ترجمة حسنة، وقال: كان كلفا بالجود لا متكلفا، مطبوعا على مكارم الأخلاق لا متطبعا، وأخذ الفقه عن والده شيخ الإسلام، وبرع فيه، إلى أن روت عنه أفواه المحابر وألسنة الأقلام، وشارك أهل العلوم. فكان لهم منه أوفى نصيب، وجامل أرباب الفنون فظهر لهم بكل معنى غريب، ثم دوّن العلم الشريف، وكرّس، وباشر الوظائف الجليلة، وأفتى [4] ودرّس، وتولى قضاء العسكر بالدّيار المصرية، واستمرّ إلى أن تطاولت إليه يد القضاء

_ [1] لفظة «في» سقطت من «ط» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 376) و «الدّرر الكامنة» (4/ 105) و «النجوم الزاهرة» (11/ 389) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 233) وقد تصحفت «الكناني» فيه إلى «الكتاني» بالتاء و «معجم المؤلفين» (11/ 82) . [3] لفظة «جماعة» سقطت من «ط» . [4] لفظة «وأفتى» سقطت من «آ» .

القسرية، فتوفي في شعبان بالقاهرة، ودفن بمدرسة والده التي أنشأها بقرب جامع الحاكم وتألم والده عليه كثيرا، وتوفي عن نيف وثلاثين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري [1] ، ابن أخي جار الله الحنفي. قدم القاهرة، ولازم عمّه وغيره في الاشتغال، وولي إفتاء دار العدل، ومشيخة سعيد السّعداء، وكان بشوشا، حسن الأخلاق، عالما بكثير من المعاني والبيان والتصوف. ومات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين. وفيها سعد الدّين مسعود بن عمر بن عبد الله [2] هكذا أثبته السيوطي في «طبقات النحاة» بلفظ مسعود وهو المشهور، والذي أثبته ابن حجر في كتابيه «الدّرر الكامنة» و «إنباء الغمر» بلفظ محمود بن عمر بن عبد الله التّفتازاني الإمام العلّامة، عالم النحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والأصلين، والمنطق، وغيرهما. قال ابن حجر: ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بتفتازان- بفتح الفوقيتين والزاي، وسكون الفاء، وبالنون، قرية بنواحي نسا [3]- وأخذ عن القطب والعضد، وتقدم في الفنون، واشتهر ذكره، وطار صيته، وانتفع الناس بتصانيفه، وكان في لسانه لكنة، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق. انتهى ملخصا. وقال غيره: فرغ من تأليف «شرح الزّنجاني» حين بلغ ست عشرة سنة، ومن «شرح تلخيص المفتاح» في صفر سنة ثمان وأربعين بهراة، ومن اختصاره سنة ست وخمسين، ومن «شرح الرسالة الشّمسية» في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين بمزارجام، ومن «شرح التلويح» في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 377) و «النجوم الزاهرة» (11/ 389) وفيه: «محمود بن عبد الله» . [2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 377) و «الدّرر الكامنة» (4/ 350) و «بغية الوعاة» (2/ 285) . [3] انظر «معجم البلدان» (2/ 35) .

بكلستان تركستان، ومن «شرح العقائد» في شعبان سنة ثمان وستين، ومن «حاشية شرح مختصر الأصول» في ذي الحجّة سنة سبعين، ومن «رسالة الإرشاد» سنة أربع وسبعين كلّها بخوارزم، ومن «مقاصد الكلام» وشرحه في ذي القعدة سنة أربع وثمانين بسمرقند، ومن «تهذيب الكلام» في رجب، ومن شرح «القسم الثالث من المفتاح» في شوال كلها في سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند. وشرع في تأليف «فتاوى الحنفية» يوم التاسع من ذي القعدة سنة تسع وستين. ومن تأليفه «مفتاح الفقه» سنة اثنتين وسبعين، ومن «شرح تلخيص الجامع» سنة ست وثمانين كلها بسرخس، ومن «شرح الكشّاف» في الثاني من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند. ومن شعره: إذا خاض في بحر التفكّر خاطري ... على درّة من معضلات المطالب حقرت ملوك الأرض في نيل ما حووا ... ونلت المنى بالكتب لا بالكتائب ومنه أيضا: فرق فرق الدّرس وحصل مالا ... فالعمر مضى ولم تنل آمالا ولا ينفعك القياس والعكس ولا ... افعنلل يفعنلل افعنلالا ومنه: طويت بإحراز العلوم وكسبها ... رداء شبابي والجنون فنون فلمّا تحصّلت العلوم ونلتها ... تبيّن لي أن الفنون جنون وحكي بعض الأفاضل أن الشيخ سعد الدّين كان في ابتداء طلبه بعيد الفهم جدا، ولم يكن في جماعة العضد أبلد منه ومع ذلك فكان كثير الاجتهاد ولم يؤيسه جمود فهمه من الطلب، وكان العضد يضرب به المثل بين جماعته في البلاد، فاتفق أن أتاه إلى خلوته رجل لا يعرفه فقال له: قم يا سعد الدّين لنذهب إلى السير، فقال: ما للسير خلقت أنا، لا أفهم شيئا مع المطالعة فكيف إذا ذهبت

إلى السير ولم أطالع، فذهب وعاد، وقال له: قم بنا إلى السير، فأجابه بالجواب الأول ولم يذهب معه، فذهب الرجل وعاد، وقال له مثل ما قال أولا، فقال: ما رأيت أبلد منك، ألم أقل لك ما للسير خلقت فقال له: رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يدعوك فقام منزعجا ولم ينتعل بل خرج حافيا حتّى وصل به إلى مكان خارج البلد به شجيرات، فرأى النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- في نفر من أصحابه تحت تلك الشجيرات فتبسم له، وقال: «نرسل إليك المرّة بعد المرّة ولم تأت» . فقال: يا رسول الله ما علمت أنك المرسل وأنت أعلم بما اعتذرت به من سوء فهمي وقلة حفظي، وأشكو إليك ذلك. فقال له رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «افتح فمك» وتفل له فيه ودعا له، ثم أمره بالعود إلى منزله وبشّره بالفتح، فعاد وقد تضلّع علما ونورا. فلما كان من الغد أتى إلى مجلس العضد وجلس مكانه فأورد في أثناء جلوسه أشياء ظنّ رفقته من الطلبة أنها لا معنى لها لما يعهدون منه فلما سمعها العضد بكى وقال: أمرك يا سعد الدّين إليّ فإنك اليوم غيرك فيما مضى، ثم قام من مجلسه وأجلسه فيه وفخّم أمره من يومئذ. انتهى. وتوفي- رحمه الله- بسمرقند، وكان سبب موته ما ذكره في «شقائق النّعمان» في ترجمة ابن الجزري أن تيمورلنك جمع بينه وبين السيد الشّريف فأمر التّيمور بتقديم السّيد على السّعد، وقال: لو فرضنا أنكما سيّان في الفضل فله شرف النّسب، فاغتم لذلك العلّامة التّفتازاني وحزن حزنا شديدا فما لبث حتّى مات- رحمه الله تعالى-، وقد وقع ذلك بعد مباحثتهما عنده، وكان الحكم بينهما نعمان الدّين الخوارزمي المعتزلي فرجح كلام السيد الشريف على كلام العلّامة التّفتازاني. انتهى. وفيها منهاج الدّين الرّومي الحنفي [1] . كان أعجوبة في قلّة العلم والتلبيس على التّرك في ذلك.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 379) .

قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية [بمدرسة أم الأشرف. قاله ابن حجر. وقال: قال شيخنا ناصر الدّين بن الفرات: حضرت درسه] [1] مرارا، فكان لا ينطق في شيء من العلم بكلمة، بل إذا قرأ القارئ شيئا استحسنه، وربما تكلّم بكلام لا يفهم منه شيء. مات في رابع عشري ربيع الأول.

_ [1] ما بين القوسين سقط من «آ» .

سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة

سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة في صفرها أخرج برقوق الملك الظّاهر من السّجن وعاد إلى ملكه، فاستمرّ إلى أن مات سنة إحدى وثمانمائة في شوالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليّان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكّي الشافعي القرشي [1] . قال ابن أخيه القاضي جمال الدّين في معجم شيوخه الذي سمّاه «إرشاد الطالبين إلى شيوخ ابن ظهيرة جمال الدّين» ما لفظه: أبو العبّاس شهاب الدّين أحمد بن ظهير الدّين ظهيرة عمّي الإمام الفقيه المفتي. ولد بمكة في شهور سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وسمع بها من القاضي نجم الدّين محمد [بن الجمال] [2] بن المحبّ الطّبري، وأخيه الزّين محمد، وأحمد بن الرّضي الطّبري، والأمين الأقشهري، والجمال محمد بن أحمد بن خلف المطري، وعيسى بن عبد العزيز الحجي. سمع منه «صحيح البخاري» في آخرين، وتفقه على جماعة، منهم: العلّامة نجم الدّين الأصفوني وبه تخرّج، وأخذ الحساب والفرائض، وأخذ الأصول عن العلّامة جمال الدّين

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 53) و «الدّرر الكامنة» (1/ 143) و «العقد الثمين» (3/ 52) . [2] ما بين سقط من «آ» .

عبد الرحيم الإسنوي، وقرأ بالروايات على أبي إسحاق إبراهيم بن مسعود المروزي وغيره، وأذن له الحافظ أبو سعيد بن العلائي وغيره بالإفتاء، وتصدّر للاشتغال بالمسجد الحرام فانتفع به جماعة، وناب في الحكم عن القاضيين تقي الدّين وكمال الدّين، ثم ولي قضاء مكّة وخطابتها بعد موت شيخنا القاضي أبي الفضل، ثم عزل عن ذلك سنة ثمان وثمانين، فلازم شغل الطلبة بالحرم الشريف إلى أن توفي ليلة السبت ثالث عشري ربيع الأول وصلّي عليه من الغد بالمسجد الحرام ودفن بالمعلاة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن علي بن الحداد الزّبيدي [1] الحنفي الفرضي [2] . كان عارفا بالفرائض فاضلا. مات بزبيد في ذي الحجة. قاله ابن حجر. وفيها شرف الدّين إسماعيل بن حاجي الفروي [3]- بفتح الفاء وسكون الراء نسبة إلى فروة جد- الفقيه الشافعي [4] . كان أحد علماء بغداد، ثم قدم دمشق في حدود السبعين فأفاد بها في الجامع وغيره، ودرّس بالعينية وغيرها، وكان ديّنا، خيّرا، تصدّق بما يملكه في مرض موته، ومات في صفر. وفيها سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي [5] . قال ابن حجر: كان عارفا بمذهبه. مات في ذي الحجّة بالقاهرة، وكان أكولا مشهورا بذلك.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 37) و «الدّرر الكامنة» (1/ 322) . [2] اللفظة مستدركة من هامش «آ» . [3] بعدا في هامش «آ» الشافعي وسترد بعد. [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 38) و «الدّرر الكامنة» (1/ 365) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 39) .

وفيها عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي [1] . قدم دمشق، فاشتغل ومهر، واستنابه التاج السّبكي في إمامة الجامع والخطابة، واستمرّ ينوب في ذلك إلى أن مات. وكان ديّنا، خيّرا، ملازما للجامع، يشغل الطلبة. مات في ربيع الآخر. وفيها علاء الدّين علي بن خلف بن خليل بن عطاء الله الشافعي الغزّي [2] ، قاضي غزّة. مولده سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وهو أخو القاضي شمس الدّين الغزّي، وأسنّ منه. قال الحافظ ابن حجي: كان له قديم اشتغال بدمشق، وسمع من ابن الشّحنة، وجماعة، أجاز لي ولم أسمع منه. انتهى. وقال ابن قاضي شهبة: بلغني أن أخاه والشيخ عماد الدّين الحسباني قرءا عليه في أول أمرهما وأنه اجتمع بالشّيخ سراج الدّين البلقيني فسأله عن شيء يمتحنه به، فقال: تمتحنني وأنا لي تلميذان أفتخر بهما على الناس أخي والحسباني [3] . وولي قضاء غزّة مدة، ثم عزل بسبب سوء سيرة أولاده، وأقام مدة بقرن الحارة منقطعا إلى العبادة ورأيت آخرا بخطّه «مختصر تاريخ الإسلام» للذهبي، وبلغني أنه اختصر «التاريخ» جميعه. توفي في ربيع الآخر أو جمادى الأولى بغزّة. انتهى.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 39) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 40) و «الدّرر الكامنة» (3/ 46) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 211) و «معجم المؤلفين» (7/ 86) . [3] في «ط» : «الحسباني وأخر» .

وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم الكتّاني [1]- بتشديد الفوقية وبالنون- القرشي الملحي الدمشقي الإمام الفقيه الشافعي المحدّث المفسّر الواعظ. قال ابن قاضي شهبة: ولد في شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وورد دمشق بعد الأربعين، واشتغل بالفقه [2] على خطيب جامع جرّاح شرف الدّين قاسم، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين حجّي [3] ، وأخذ الأصول عن البهاء الإخميمي، واشتغل في الحديث، وشرع في عمل المواعيد، وكان يعمل مواعيد نافعة تفيد الخاصة والعامة، وانتفع به خلق كثير من العوام، وصار لديهم فضيلة، وأفتى، وتصدّر للإفادة، ودرّس بالمسرورية ثم بالناصرية، ووقع بينه وبين ابن جماعة بسببها وحصل له محنة، ثم عوض عنها بالأتابكيّة، ثم أخذت عنه فلما ولي ولده قضاء دمشق في سنة إحدى وتسعين ترك له الخطابة وتدريس النّاصرية والأتابكية، ثم فوض إليه دار الحديث الأشرفية، فلما عادت دولة الظاهر أخذ واعتقل مع ابنه بالقلعة، وجرت لهما محن، وطلب منهما أموال، فرهن الشيخ كثيرا من كتبه على المبلغ الذي طلب منهما. قال الحافظ ابن حجّي: برع في علم التفسير، وأما علم الحديث، فكان حافظا للمتون، عارفا بالرجال، وكان سمع الكثير من شيوخنا، وله مشاركة في العربية. انتهى. وكان مشهورا بقوة الحفظ ودوامه، إذا حفظ شيئا لا ينساه، شجاعا مقداما، كثير المساعدة لطلبة العلم، يقول الحقّ على من كان من غير مداراة في الحق ولا محاباة، وملك من نفائس الكتب شيئا كثيرا، وكان كثير العمل والاشتغال لا يملّ، ولم يزل حاله على أحسن نظام إلى أن قدّر الله عليه ما قدّر

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 42) و «الدّرر الكامنة» (3/ 194) وفيهما: «عمر بن مسلّم» و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 359- 360) . [2] في «ط» : «في الفقه» . [3] في «ط» : «علاء الدّين بن حجي» .

فتوفي معتقلا بقلعة دمشق في ذي الحجّة ودفن بالقبيبات وحضر جنازته من لا يحصى كثرة. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي المصري [1] ، المعروف بالرفاء. قال ابن حجر: عني بالعلم قليلا، وسمع الحديث فأكثر، وسمع العالي والنازل، وجاور كثيرا فكان يلقّب حمامة الحرم، وكان يسكن الناصرية بين القصرين، صحبته قليلا، ومات في جمادى الأولى. وفيها فخر الدّين محمد بن مجد الدّين أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب سبط شرف الدّين ابن الحافظ [2] . سمع من يحيى بن سعيد، وابن الشّحنة، والتقيّ ابن تيميّة، وغيرهم. وكان مكثرا من الحديث، وقد تفقّه على جدّه وأذن له في الإفتاء، وكان فاضلا، ذكيا، يتعانى كل شيء يراه حتّى الخياطة والنجارة والبناء والموسيقى، مع حسن الشكالة ولطف المعاشرة، ورقّة النّظم. مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة. وفيها محمد بن إسماعيل الأفلاقي [3]- نسبة إلى أفلاق قرية بالقرب من دمنهور- المالكي. كان فاضلا ينظم الشعر نظما وسطا. توفي في سادس جمادى الأولى. وفيها جمال الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي- بمهملة ومثلثتين مصغرا- الصّرد في الرّيمي- بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة نسبة إلى ريمة ناحية باليمن- الشافعي [4] . اشتغل في العلم [5] ، وتقدم في الفقه،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 45) و «الدّرر الكامنة» (3/ 341) و «النجوم الزاهرة» (12/ 122) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 45) و «الدّرر الكامنة» (3/ 345) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 46) و «النجوم الزاهرة» (12/ 122) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 47) و «الدّرر الكامنة» (3/ 486) و «الأعلام» (6/ 236) . [5] في «ط» : «بالعلم» .

فكانت إليه الرحلة في زمانه. وصنّف التصانيف النافعة منها «شرح التّنبيه» في أربعة وعشرين سفرا، أثابه الملك الأشرف على إهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم، يكون قدرها ببلادنا أربعة آلاف دينار، وله «المعاني الشريفة» و «بغية الناسك في المناسك» و «خلاصة الخواطر» وغير ذلك. ولّي قضاء الأقضية بزبيد دهرا. قال ابن حجر: قال لي الجمال المصري: كان الرّيمي كثير الازدراء بالنّووي، فرأيت لسانه في مرض موته قد اندلع [1] واسودّ، فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية للناظرين. انتهى. توفي في أوائل المحرم، وقيل: في أول صفر بزبيد قاضيا بها. وفيها شمس الدّين أبو [2] عبد الله محمد بن سليمان الصّرخدي [3] الشافعي الإمام العلّامة المصنّف الجامع بين أشتات العلوم. أخذ [4] العلوم عن مشايخها، وممن أخذ عنه شمس الدّين بن قاضي شهبة، والعماد الحسباني. وكان أجمع أهل البلد لفنون العلم. أفتى ودرّس، وأشغل وصنّف، غير أن لسانه كان قاصرا، وقلمه أحسن من لسانه، وكان حظّه من الدنيا قليلا، لم يحصل له شيء من المناصب، وإنما درّس بالتقوية والكلّاسة نيابة له، وتصدّر بالجامع، وكان ينصر مذهب الأشعري كثيرا ويعادي الحنابلة، وصنّف «شرح المختصر» ثلاثة أجزاء، واختصر «إعراب» السفاقسي. واعترض عليه [5] في مواضع، واختصر «قواعد العلائي» و «التمهيد» للإسنوي واعترض عليهما في مواضع، واختصر «المهمات» وله غير ذلك. وكتب الكثير بخطّه

_ [1] في «ط» : «انزلع» وهو تحريف. واندلع اللسان: خرج. «القاموس المحيط» (دلع) . [2] في «آ» : «ابن» وهو تحريف. [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 48) وفيه: «محمد بن عبد الله» ، و «الدّرر الكامنة» (3/ 449) . [4] لفظة «أخذ» سقطت من «آ» . [5] في «ط» : «عليهما» وهو تحريف.

واحترق غالب مصنّفاته في الفتنة قبل تبييضها. وكان فقيرا ذا عيال. توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير بالقرب من معاوية رضي الله تعالى عنه. وفيها صدر الدّين محمد بن علاء الدّين علي بن محمد بن محمد بن أبي العزّ الحنفي الصالحي [1] . اشتغل قديما، ومهر، ودرّس، وأفتى، وخطب بحسبان مدة، ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين، ثم ولّي قضاء مصر بعد ابن عمّه، فأقام شهرا، ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوة فاعتقل بسببها، وأقام مدة مقترا خاملا إلى أن جاء النّاصري فرفع إليه أمره فأمر بردّ وظائفه فلم تطل مدته بعد ذلك، وتوفي في ذي القعدة. وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني [2] ثم الدمشقي. سمع الحجّار، وحدّث، وكان ينسب إلى غفلة. قاله ابن حجر. وفيها صلاح الدّين محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسيّ [3] نزيل مصر. سمع «صحيح مسلم» على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب، والعزّ محمد بن عبد الحميد، وتفرّد عنهما بالسماع، وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن يس لكنه كان حاضرا. توفي في رمضان عن سبع وثمانين سنة. وفيها الحافظ شمس الدّين أبو العبّاس محمد بن موسى بن محمد بن

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 50) و «الدّرر الكامنة» (3/ 118) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 50) . [3] في «آ» و «ط» : «البلقيني» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (3/ 50) و «الدّرر الكامنة» (4/ 205) .

سند بن تميم، الإمام العالم الحافظ اللّخمي المصري الأصل الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سند [1] . ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وطلب الحديث في حدود الخمسين، وسمع من جماعة بدمشق ومصر، وقرأ الفقه على شرف الدين بن قاسم خطيب جامع جرّاح، وقرأ الأصول بالديار المصرية على الجمال الإسنوي، وأخذ العربية عن التاج المراكشي، وأذن له في إقرائها، وأخذ في القدس عن الحافظ صلاح الدّين العلائي وأجازه بالفتوى والتدريس، وصحب القاضي تاج الدّين ولازمه وناب في الحكم عن القاضي سري الدّين المالكي، ثم عن القاضي ولي الدّين. ذكره الذهبي في «المعجم المختص» [2] وهو آخر من ذكرهم فيه وفاة. وقال الحافظ شهاب الدّين بن حجّي: كان من أحسن الناس قراءة للحديث كان يرجح على كل أحد لحسن فصاحته، وخرّج لنفسه أربعين متباينة المتن والإسناد، وخرّج لغيره، وتعين في الفنّ. سمعنا بقراءته كثيرا وله محفوظات في الفقه، والأصول، والعربية، وأجازه بالفتيا ابن كثير، والقاضي تاج الدّين. وقال في «إنباء الغمر» : ناب عن بعض القضاة الشافعية، كالتاج السّبكي، وكان شديد اللزوم له وقارئا لتصانيفه، وناب عنه في مشيخة دار الحديث الأشرفية وغيرها [3] ، ثم تحول مالكيا فناب عن بعض المالكية، ثم رجع فناب عن أبي البقاء، ومات شافعيا عاشر صفر بدمشق، ودفن بمقبرة الصوفية وهو القائل: الحافظ الفرد إن أحببت رؤيته ... فانظر إليّ تجدني ذاك منفردا كفى لهذا دليل أنّني رجل ... لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سندا

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 51) و «الدّرر الكامنة» (4/ 270) . [2] لم أقف على ترجمته في المطبوع منه الموجود بين أيدينا. [3] كذا في «آ» : «وغيرها» وهو موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف وفي «ط» : «وغيرهما» .

وقرأت بخطّ البرهان المحدّث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطا فاحشا. وقرأت بخط ابن حجي: أنه تغير في أخرة تغيّرا شديدا، ونسي بعض القرآن، فكان يقال: إن ذلك لكثرة وقيعته في الناس. انتهى ملخصا. وفيها شرف الدّين يعقوب بن عيسى الأقصرائي ثم الدمشقي [1] . ولد سنة عشرين، وسمع من الحجار والمزّي وغيرهما. وحدّث وخطب ودرّس، وناب في الحكم، وكان رجلا خيرا. مات في ذي الحجة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 54) .

سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة

سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة فيها توفي أحمد بن زيد التّميمي الفقيه الشافعي [1] أحد المعلّمين في بلاد المخلاف [2] . سخط عليه الإمام صلاح الدّين بن علي في قضية جرت له، فأمر بقتله، فحمل المصحف مستجيرا به على رأسه فلم يغن ذلك عنه، وقتل في تلك الحالة، ثم أصيب الإمام بعد قليل، فقيل كان ذلك سببه. وفيها ولي الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي [3] قاضي القضاة. قرّر في بعض وظائفه ابنه بعد موته، منها درس الحديث بالشيخونية، ومات شابا في جمادى الآخرة. وفيها أحمد بن قطلوبغا العلائي الحلبي [4] . سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئا من «عشرة الحداد» [5] . وحدّث. مات في شعبان وقد جاوز السبعين.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 84) و «الدّرر الكامنة» (1/ 134) . [2] في «آ» و «ط» : «في بلاد المحلا» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف، وأراد بذلك «مخلاف صعدة» وانظر «معجم البلدان» (5/ 70) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 85) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 86) و «الدّرر الكامنة» (1/ 238) . [5] انظر «كشف الظنون» (2/ 1141) .

وفيها جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان الثّيري [1]- بكسر المثلثة وسكون التحتية [2] بعدها راء- الشيخ العلّامة جلال الدّين التبّاني الحنفي، وقيل: اسمه رسول. قدم القاهرة في آخر دولة الناصر، فأقام بمسجد بالتبّانة فغلب عليه نسبته إليها، وكان يذكر أنه سمع «صحيح البخاري» على علاء الدّين التركماني، وتلمذ للشيخين جمال الدّين بن هشام، وبهاء الدّين بن عقيل، فبرع في العربية، وصنف فيها وتفقّه على القوام الأتقاني، والقوام الكاسي، وانتصب للإفادة مدة وشرح «المنار» ، ونظم في الفقه «منظومة» وشرحها في أربع مجلدات، وعلّق على البزدوي، واختصر «شرح البخاري» لمغلطاي، وعلّق على «المشارق» و «التلخيص» ، وصنّف في منع تجدد الجمعة وفي أن الإيمان يزيد وينقص، وانتهت إليه رئاسة الحنفية وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع وأصرّ على الامتناع. ومات بالقاهرة في ثالث رجب. وفيها صلاح بن علي بن محمد بن علي العلويّ الزّيديّ [3] الإمام. ولي الإمامة بصعدة، وحارب صاحب اليمن مرارا وكاد يتغلّب على المملكة كلّها، فإنه ملك لحج وأبين، وحاصر عدن وهدم أكثر سورها، وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل عنها، ثم هاداه الأشرف، وصار يهاديه، وكان مهابا فاضلا عالما عادلا، سقط عن بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلّل حتّى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة. قاله ابن حجر. وفيها عائشة بنت السّيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج [4] الدمشقيّة [5] بنت عمّ بدر الدّين بن قواليج.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 87) و «النجوم الزاهرة» (12/ 123) . [2] في «ط» : «التحتانية» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 89) و «الأعلام» (3/ 207) و «فيه وفاته سنة 849 هـ» . [4] في «ط» : «قوالج» . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 90) و «الدّرر الكامنة» (2/ 236) و «أعلام النساء» (3/ 126) .

روت عن القاسم بن مظفّر والحجّار، وغيرهما، وحدّثت، وماتت في شوال. وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام السّروجي [1] ، حفيد القاضي شمس الدّين محمد بن بهرام. قال في «إنباء الغمر» : ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. واشتغل وتفقه [2] ، وتعانى الشروط، وصنّف فيه، وولي قضاء عين تاب، وكان حسن الخطّ، قدوة في فنّه. وفيها شرف الدّين أبو حاتم عبد القادر بن شمس الدّين أبي عبد الله محمد الآتي ذكره ابن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [3] قاضي القضاة العلّامة. كان من أهل العلم وبيته ورئاسته، تولّى قضاء دمشق في حياة والده، ولمّا دخل متواليا إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. سلّم له الموافق والمخالف في كثرة علومه، وكان في مبدإ أمره يقف الصفان له في صغره، يتأمّلون حسنه وحسن شكله. توفي مسموما بدمشق في شهر رمضان ومات سائر من أكل معه، وهو والد القاضي بدر الدين قاضي نابلس الآتي ذكره أيضا إن شاء الله تعالى، ولما بلغ والده موته انزعج لذلك كثيرا واختلط عقله، وما زال مختلطا إلى أن مات. وفيها صدر الدّين عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين [4] . سمع الدّبوسي، والقطب الحلبي، وغيرهما، وأجاز له الحجّار، وابن الزرّاد، وطائفة، وحدّث، وناب في الحكم بصلابة ومهابة، ودرّس بأماكن

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 90) . [2] في «ط» : «وتفقه واشتغل» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 91) و «النجوم الزاهرة» (12/ 125) و «السّحب الوابلة» ص (235) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 92) و «الدّرر الكامنة» (3/ 173) .

وكان [1] بيده تدريس الحديث بالظّاهرية البيبرسية وبالفاضلية، واستقرّ فيهما بعده العراقي، وتوفي في المحرم. وفيها فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنيّة [2] ، وتعرف ببنت الأعمى. أجاز لها الدّشتي، والقاضي، والمطعم، وحدّثت بمصر مدة، وماتت في آخر السنة. وفيها فتح الدّين أبو بكر محمد بن إبراهيم بن محمد القاضي، العالم المتفنّن الأديب الكاتب الفقيه الشافعي النابلسي الأصل ثم الدمشقي، المعروف بابن الشهيد [3] . كان كاتب السّرّ بدمشق. ولد سنة ثمان وعشرين، واشتغل في العلوم، وتفنّن، وفاق أقرانه في النّظم والنّثر والكتابة. وولي كتابة السر، ومشيخة الشيوخ في ذي القعدة سنة أربع وستين، فباشر مدة ثلاث سنين ونصف، ثم عزل ثم أعيد إلى الوظيفتين بعد أشهر، واستمرّ أكثر من سبع سنين، ثم عزل من كتابة السرّ، وأعيد غير مرّة ومدة ولايته خمس عشرة سنة وأشهر، ودرّس بالناصرية الجوانية والظّاهرية الجوّانية، وولاه منطاش الخطابة. وكان يخطب خطبا فصيحة بليغة لكن لم يكن عليها قبول، وكان بينه وبين الأمر سيف الدّين نائب الشام عداوة شديدة عند ما يلي نيابة الشام يعزل المذكور ويصادر ويؤذى، وتارة يختفي، وفي بعض النّوب في اختفائه منه نظم «السيرة النّبوية» من عدة كتب ثلاث مجلدات في خمسة وعشرين ألف بيت وسمّاه «الفتح

_ [1] في «ط» : (وكانت) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 93) و «أعلام النساء» (4/ 89) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 93) و «الدّرر الكامنة» (3/ 296) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 218) و «معجم المؤلفين» (8/ 218) .

القريب من سيرة الحبيب» وضمّ إلى ذلك فوائد «الرّوض» [1] مع زيادات وإشكالات تدلّ على طول باعه في العلم، وحدّث بها بدمشق، وممن سمع ذلك الحافظ شهاب الدّين بن حجّي، وحدّث بها بالقاهرة أيضا وشرح مجلدة منها في اثنتي عشرة مجلدة، وهو الثلث من المنظومة. وكان الشيخ سراج الدّين البلقيني يثني على فضائله. توفي قتيلا بظاهر القاهرة لقيامه على الظّاهر في شعبان. قال ابن حجر: لما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه- أي من الشام- فحمل إلى القاهرة مقيّدا وأودع السّجن مع أهل الجرائم، ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة وذلك قبل رمضان بيوم، ودفن إلى جانب أخيه شمس الدّين محمد بن إبراهيم [1] لأنه كان مقيما بالقاهرة ومات قبل قتل أخيه في هذه السنة. وإلى جانب أخيه الآخر نجم الدّين محمود بن إبراهيم [2] أخو اللذين قبله. تنقّل في البلاد، وولي كتابة السرّ بتنّيس عشرين سنة، ثم قدم [3] القاهرة، فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة، واتّفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطّويل. وفيها تقي الدّين محمد [بن أحمد] [4] بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الظّاهري [5] . سمع من الحجّار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه، وتوفي في صفر.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) «وسمّاه محمدا» . [3] في «آ» : «أقدم» . [4] ليس ما بين القوسين من «ط» . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) .

وفيها تقي الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم المصري [1] ابن إمام جامع ابن الرّفعة. قال ابن حجر: ولد سنة سبع عشرة، وسمع علي الحجّار، والواني، والدّبوسي وغيرهم، وكان عالما بالفقه، درّس بالشريفية ودرّس للمحدّثين بقبة بيبرس، وحدّث، وأفاد، ومات في ذي القعدة. وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني [2] المقرئ، إمام جامع طولون. ولد سنة أربع وسبعمائة، وتلا بالسبع على التّقي الصّائغ، وسمع عليه «الشاطبية» فكان خاتمة أصحابه بالسماع، وأقرأ الناس بأخرة فتكاثروا عليه. مات في المحرم. وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي محمد القرطبي ثم الغرناطي [3] ، نزيل دمشق. أمّ بالجامع، وكان فاضلا. توفي في ذي الحجّة. وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر الشافعي الدمشقي [4] ، كاتب السرّ، وليها مرتين قدر عشر سنين [5] ، وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة، وهو الذي قام معه في تدريس الشّامية البرّانية، ونشأ على طريقة مثلي، وباشر بعفة ونزاهة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 96) و «الدّرر الكامنة» (3/ 349) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 408- 409) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 96) و «الدّرر الكامنة» (3/ 352) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 97) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 97) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 410) . [5] في «ط» : «سنوات» .

وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرقي الأنصاري [1] . سمع من والده كثيرا، وأجاز له أبو جعفر بن الزّين، وقاضي فاس أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر، وتفرّد بذلك، وكان آخر المسندين ببلاد إفريقية، وكان زاهدا، مقبلا على القراءات والخير. مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر. وفيها محمد بن إسماعيل بن سراج الكفربطناوي [2] . حدّث بالصحيح عن الحجّار بمصر وغيرها، وكان من فقهاء المدارس بدمشق، وأذن له ابن النّقيب، وتوفي في إحدى الجمادين ببيسان راجعا من القاهرة. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي، المعروف بابن اليّونانية [3] . ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الحجّار، وتفقه فصار شيخ الحنابلة على الإطلاق، وسمع الكثير، وتميّز، وولي قضاء بعلبك سنة تسع وثمانين عوضا عن ابن النّجيب، وسمع عليه ببعلبك القاضي تقي الدّين بن الصّدر قاضي طرابلس، ولخص «تفسير ابن كثير» في أربع مجلدات وانتفع به. وتوفي في شوال. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف الرّكراكي المالكي [4] . قال ابن حجر: كان عالما بالأصول والمعقول وينسب لسوء الاعتقاد وسجن بسبب ذلك ونفي إلى الشام ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 98) وفيه: «البطرني» ، و «الدّرر الكامنة» (3/ 370) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 409) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 98) و «الدّرر الكامنة» (4/ 56) و «السّحب الوابلة» (3/ 4) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 102) و «النجوم الزاهرة» (12/ 124) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 413- 414) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 102) و «النجوم الزاهرة» (12/ 124) .

السنة فمات بحمص في رابع شوال ورثاه حجّاج بن عيسى بقوله: لهفي على قاضي القضاة محمّد ... إلف العلوم الفارس الرّكراكي قد كان رأسا في القضا فلأجل ذا ... أسفت عليه عصابة الأتراك ولما سمع شيخنا سراج الدّين بموته قال: لله درّ عقارب حمص، وكانت هذه تعدّ من [1] نوادر شيخنا، إلى أن وجد في «ربيع الأبرار» أن أرض حمص [2] لا تعيش فيها عقارب [2] وإن أدخل فيها عقرب غريبة [3] ماتت من ساعتها. وفيها مراد بن أورخان ثالث ملوك بني عثمان [4] . ولي السلطنة بعد موت أبيه سنة إحدى وستين [5] وسبعمائة، وكان شديد البطش والفتك في الكفّار، وافتتح كثيرا من البلاد منها أدرنة، ولما ضاق الكفّار به ذرعا أظهر واحد من ملوكهم الطّاعة له، وقدم ليقبّل يده فضرب السلطان بخنجر كان بيده، فاستشهد رحمه الله تعالى. وفيها شرف الدّين موسى بن عمر [بن منصور] [6] اللّوبياني الشّامي [7] . ولد بعد سنة عشرين، وسمع من الحجّار، وكان فقيها نبيها، أذن له ابن النّقيب في الإفتاء، وكان يدرّس ويفتي ويرتزق من الشهادة. توفي في ربيع الأول.

_ [1] رواية «ط» : «في» . [2] رواية «ط» : «لا يعيش فيها عقرب» . [3] في «ط» : «غريب» . [4] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (129- 136) بتحقيق الدكتور إحسان حقي، طبع دار النفائس. [5] لفظة «وستين» سقطت من «آ» . [6] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [7] انظر «إنباء الغمر» (3/ 103) .

سنة أربع وتسعين وسبعمائة

سنة أربع وتسعين وسبعمائة في شعبانها كان الحريق العظيم بدمشق، فاحترقت المئذنة الشرقية وسقطت، واحترقت الصّاغة والدهشة، وتلف من الأموال ما لا يحصى، وعمل في ذلك تقي الدّين ابن حجّة الحموي «مقامة» في نحو عشرة أوراق من رائق النثر وفائق النظم، وهي أعجوبة في فنّها. قاله ابن حجر. وفيها ثار الغلاء المفرط بدمشق. وفيها رجع تمرلنك إلى بلاد العراق في جمع عظيم، فملك أصبهان، وكرمان، وشيراز، وفعل بها الأفاعيل المنكرة، ثم قصد شيراز، فتهيأ منصور شاه لحربه، فبلغ تمرلنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن منصور من ذلك، بل استمرّ على حذره، ثم تحقق رجوع تمرلنك، فأمن، فبغته تمرلنك، فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز، ثم انثنى عزمه، وعزم على لقاء تمرلنك، فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار، لكن الكثرة غلبت الشّجاعة، فقتل منصور في المعركة ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين، فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين. وفيها توفي ناصر الدّين إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار [1] الصالحي، المعروف بابن السلّار [2] . ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من عبد الله بن أحمد بن تمّام، وابن الزرّاد، وست الفقهاء بنت الواسطي، وهو آخر من روى عن الدّمياطي بالإجازة، وكان له نظم ونباهة ونوادر ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن مختار» والتصحيح من مصدري الترجمة. [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 124) و «الدّرر الكامنة» (1/ 21) .

توفي في شعبان عن تسعين سنة، وكان موت والده سنة ست عشرة وسبعمائة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي الدّنيسريّ بن العطّار القاهري الشافعي [1] . ولد سنة ست وأربعين، وقرأ القرآن، واشتغل بالفقه، ثم تولع بالأدب، ونظم فأكثر، وأجاد المقاطيع في الوقائع، ومدح [2] الأكابر بالقصائد، ونظم «بديعية» ولم يكن ماهرا في العربية فيوجد في شعره اللّحن، وقد تهاجى هو وعيسى بن حجّاج، وله «نزهة الناظر في المثل السائر» . وكان حادّ البادرة، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكّة، سمّاها «فتوح مكة» وديوان مدائح في ابن جماعة سمّاه «قطع المناظر بالبرهان الحاضر» و «الدرر الثمين في التضمين» . وهو القائل: أتى بعد الصّبا شيبي وظهري ... رمي بعد اعتدال باعوجاج كفى أن كان لي بصر حديد ... وقد صارت عيوني من زجاج توفي في ربيع الآخر. وفيها عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدّين البسطامي [3] نزيل بيت المقدس، صاحب الأتباع. كان للناس فيه اعتقاد كثير، وله زاوية في القدس معروفة، وكان نشأ ببغداد، وتفقه بمذهب الشافعي، إلى أن أعاد [4] بالنظامية، فاتفق قدوم الشيخ علاء الدّين العشقي البسطامي فلازمه وانتفع به، وصار من مريديه، فسلّكه

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 125) و «النجوم الزاهرة» (12/ 128) . [2] في «ط» : «ومدائح» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 130) و «الدّرر الكامنة» (2/ 259) و «الدليل الشافي» (1/ 385) . [4] في «ط» : «عاد» .

وهذّبه، وتوجه معه لزيارة بيت المقدس فطاب للشيخ المقام بها فأقام وكثر أتباعه، واستمر يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات إلى أن حضرت شيخه الوفاة، فعهد إليه أن يقوم مقامه، فقام [1] أتم قيام، ورزقه الله تعالى القبول، وكثرت أتباعه، وكان كثير التواضع، مهيبا. توفي بالقدس في المحرم. وفيها عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [2] ، والد قاضي مكّة وأخو قاضيها. ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي، وعيسى بن الملوك، وغيرهما، وكان ديّنا، خيّرا، له نظم وعبادة. توفي في ربيع الآخر وحدّث عنه ولده. وفيها عبد الخالق بن علي بن الحسين بن الفرات المالكي [3] ، موقّع الحكم. برع في الفقه، وشرح «مختصر الشيخ خليل» وحمل عن الشيخ جمال الدّين بن هشام، وكتب الخط المنسوب، ودرّس، ووقّع على القضاة راتبة مرارا، وكان سمع من أبي الفتح الميدومي، وحدّث، وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها فخر الدّين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس الحنفي [4] ، الكاتب النّاظم النّاثر المشهور. ولي نظر الدولة مرارا، وتنقل في الولايات، وولي وزارة دمشق أخيرا، ثم استدعي أخيرا إلى القاهرة ليستقرّ وزيرا بها فاغتيل بالسمّ في الطريق فدخل القاهرة

_ [1] لفظة «فقام» سقطت من «آ» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 131) و «الدّرر الكامنة» (2/ 264) و «العقد الثمين» (5/ 183) و «الدليل الشافي» (1/ 385) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) و «الدّرر الكامنة» (2/ 230) و «النجوم الزاهرة» (12/ 131) و «الدليل الشافي» (1/ 400) .

ميتا، وكان ماهرا في الكتابة، عارفا بصناعة الحساب، أعجوبة في الذكاء، له الشعر الفائق والنّظم الرائق. قال ابن حجر: ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة، وهي الرسالة الطويلة، منها: وقعد لصيد السمك بالمرصاد، وأطاعه حرف النصر، فكلما تلا لسان البحر نون تلا لسان العزم صاد. وهو القائل: علقتها معشوقة خالها ... قد عمّها بالحسن بل خصّصا ما وصلها [1] الغالي وما جسمها ... لله ما أغلى وما أرخصا سمعت من لفظه شيئا من الشعر، وكانت بيننا مودة. قال المقريزي- بعد أن أثنى على أدبه وفضله-: إلّا أنه كان لعراقة آبائه في النّصرانية يستخف بالإسلام وأهله، ويخرج ذلك في أساليب من سخفه وهزله، من ذلك أنه سمع المؤذّن يقول: وأشهد أن محمدا رسول الله، فقال: هذا محضر له ثمانمائة سنة تؤدى فيه الشهادة وما ثبت. ومات وله عدة بنات نصارى، عامله الله بما يستحقه. انتهى كلام المقريزي. ومات في خامس عشر ذي الحجّة. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن بهاء الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة عزّ الدّين محمد بن قاضي القضاة تقي الدّين سليمان بن حمزة المقدسي الأصل ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي [2] . حضر على جدّ والده التّقي سليمان وغيره.

_ [1] في «إنباء الغمر» : «يا وصلها» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 135) و «الدّرر الكامنة» (3/ 60) و «المقصد الأرشد» (2/ 236) .

قال الشيخ شهاب الدّين [1] بن حجي: سمعت منه قديما، وكان رجلا حسنا، وقد بقي صدر بيت الشيخ أبي عمر، وكان عنده كرم وسماحة، كثير الضافية للناس. توفي ليلة السبت حادي عشري شعبان. وفيها علاء الدّين علي [بن مجاهد] [2] الجدلي [3] . اشتغل ببلده، ثم قدم القدس، فلازم التّقي القلقشندي، ثم قدم دمشق، فاشتغل، وقدم مصر سنة ثمانين، فأخذ عن الضّياء القرمي، وعاد إلى دمشق، وتصدّر بالجامع، وأشغل الناس، واختصّ بالقاضي سري الدّين، وأضاف إليه قضاء المجدل، ثم وقع بينهما، فأخذت وظائفه، ثم غرم مالا حتّى استعادها، وولي مشيخة النّجيبية بأخرة، وسكنها، وكان جيدا متوسطا في الفقه. توفي في شهر رمضان. قاله ابن حجر. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي بن مهاجر الحنفي [4] . ولد سنة ثمان وعشرين، وكان فاضلا، ورأس في الحنفية حتّى كان يقصد للفتوى، ثم ولي كتابة السرّ بحلب مدة، ثم صرف سنة سبع وثمانين، فدخل القاهرة، وتحوّل، فصار شافعيا، وولي قضاء حماة، ثم حلب، ثم عزل بابن أبي الرّضي، وكان ذا فضيلة في النّظم والنّثر، خيّرا، مهيبا، حسن الخطّ، أثنى عليه فتح الدّين بن الشهيد، وتوفي في ربيع الأول. وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزّركشي الشافعي، الإمام العلّامة المصنّف المحرّر [5] .

_ [1] في «ط» : «الشهاب» . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 137) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 328) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 397) و «النجوم الزاهرة» (12/ 134)

ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخين جمال الدّين الإسنوي، وسراج الدّين البلقيني، ورحل إلى حلب إلى الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، وكان فقيها، أصوليا، أديبا، فاضلا في جميع ذلك، ودرّس وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدّين بالقرافة الصّغرى. قال البرماوي: كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه، ومن تصانيفه «تكملة شرح المنهاج» للإسنوي، ثم أكمله لنفسه، و «خادم الشرح» و «الروضة» وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة، و «النكت على البخاري» و «البحر» في الأصول في ثلاثة أجزاء، جمع فيه جمعا كثيرا لم يسبق إليه، وشرح «جمع الجوامع» للسبكي في مجلدين، و «لقطة العجلان وبلّة الظمآن» ، وله غير ذلك. وكان خطّه ضعيفا جدا قلّ من يحسن استخراجه. توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة الصّغرى بالقرب من تربة بكتمر السّاقي. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللّخمي، الملقّب بالقاضي ابن الشّيرازي [1] . ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة، وسمع من جدّته ست الفخر ابنة عبد الرحمن بن أبي نصر «مشيخة كريمة» بسماعها منها، وتفرّد بذلك، وكان يذكر أنه سمع «البخاري» من ابن الشّحنة بحضور ابن تيمية، وكان من الرؤساء المعتبرين، وله مال جزيل وثروة، ووقف متسع، وأنفق ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته، وتوفي في جمادى الآخرة في عشر المائة.

_ و «الدليل الشافي» (2/ 609) . [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 141) و «الدّرر الكامنة» (3/ 493) .

وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي الرّشيد [1] . سمع القاضي، والمطعم، وابن سعد، وغيرهم. وحدّث وتوفي في شوال عن أربع وثمانين سنة. وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصّقلي [2] ، نزيل الحرمين. كان خيّرا. سمع من الزّيادي، وابن أميلة وغيرهما [3] ، ولازم قراءة الحديث بمكّة. توفي في شوال. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي الحنفي المرغياني [4] . ذكره ابن حبيب، وقال: سكن القاهرة، وكان من فضلاء الحنفية، وناب في الحكم، وولي مشيخة خانقاه طقز دمر بالقرافة، وتوفي في شوال. وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن النّجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري بن النّحاس [5] . ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه، وسمع من ابن الشّيرازي، وابن عساكر، والحجّار، وغيرهم، وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النّحاس، واعتنى به أخوه، فأسمعه الكثير، وخرّج له ابن الشّرائحي «مشيخة» فمات قبل أن يحدّث بها، وتوفي في شوال. وفيها بدر الدّين محمد بن نصر الله بن بصاقة الدّمشقي [6] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 142) و «الدّرر الكامنة» (4/ 6) و «السحب الوابلة» ص (383) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) و «العقد الثمين» (2/ 257) . [3] في «ط» : «وغيرهم» . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 241) . [6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 145) .

سمع على أسماء بنت صصرى، ولازم العنّابي، وابن هشام، ومهر في العربية، وأحسن الخطّ، وتوفي في رمضان. وفيها شرف الدّين موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني [1] ، أخو القاضي شهاب الدّين. قدم دمشق، ونزل بالبادرائية، وقرأ بالسبع على ابن اللّبّان، وسمع من ابن أميلة وغيره، وطلب بنفسه، وكان أسنّ من أخيه، فأسمع أخاه معه [2] قليلا، ولما ولي أخوه استنابه، وقرّر له بعض جهات. مات غريبا في رمضان. وفيها محيي الدّين يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعب [3] الرّحبي [4] . ولد سنة خمس عشرة، وسمع «الصحيح» من الحجّار، والمزّي، وحدّث به، وكان معتنيا بالعلم، وله رئاسة وحشمة، وكان البرهان بن جماعة قد صاهره، فكان له بذلك جاه كبير، وقد أكثر عن الجزري وغيره، ولازم ابن كثير، وأخذ عنه فوائد حديثية، وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيميّة، وكان تاجرا، فلما كبر دفع ماله لولده محمد، وأقبل على الإسماع، وكان يقصد لسماع «الصحيح» وله به نسخة قد أتقنها، وحجّ مرارا، وأصيب في رجليه بالمفاصل، وتوفي في شهر ربيع الأول، والله أعلم.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 147) . [2] في «ط» : «منه» وهو تحريف. [3] في «إنباء الغمر» : «ابن زعيب» . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 148) و «الدّرر الكامنة» (4/ 430) .

سنة خمس وتسعين وسبعمائة

سنة خمس وتسعين وسبعمائة فيها عاث تمرلنك بالعراق، وخرّب بغداد، وتبريز، وشيراز، وغيرها، واتصل شرر فتنته إلى الشام، ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع كلّ قلب لما يحكى عنه، فإنه أوسع القتل والنّهب والأسر ببغداد وما حولها وما داناها، وعاد إلى البصرة والحلّة وغيرها، وأكثر النّهب والتعذيب، ثم توجه نحو الشمال، فوصل إلى ديار بكر، وعضت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجّة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين. وفيها في ربيع الآخر حصل بحلب سيل عظيم، فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي، فوجد ثعبان فمه يسع ابن آدم إذا بلعه، وكان طوله أكثر من سبعة أذرع. وفيها وقع الفناء بالإسكندرية، فيقال: مات في مدة يسيرة عشرة آلاف. وفيها كان الطّاعون الشّديد بحلب بلغت عدة الموتى كلّ يوم خمسمائة نفس وأكثر. وفيها اجتمع بالقدس أربعة من الرّهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول، وصرحوا بذمّ الإسلام، فثار الناس عليهم فأحرقوهم. وفيها توفي أحمد بن إبراهيم الكتبي الصّالحي الحنفي [1] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 97) .

كان من فضلاء الحنفية، مشاركا في الفنون، أفتى وناظر، ولازم أبا البقاء السّبكي مدة، وقرأ عليه «الكشّاف» ، وهو المشار إليه في كتابة «السجلات» . توفي في رجب. وفيها شهاب الدّين أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطّاب بن رقم البقاعي الدمشقي المعروف بالزّهري [1] ، الفقيه الشافعي. ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين، وأخذ عن النّور الأردبيلي، والفخر المصري، وابن قاضي شهبة، وأبي البقاء السّبكي، والبهاء الإخميمي، ومهر في الفقه وغيره، وسمع الحديث من البرزالي وغيره، ودرّس كثيرا، وأفتى، وتخرّج به البهاء، وناب في الحكم عن البلقيني وغيره، ودرّس بالشامية والعادلية وغيرهما، وولي إفتاء دار العدل، واستقلّ بالقضاء في ولاية منطاش وأوذي بسبب ذلك، وكانت مدة ولايته شهرا ونصفا، وعدّ ذلك من زلّات العقلاء. قال ابن حجي: كان مشهورا بحلّ «المختصر» في الأصول، و «التمييز» في الفقه، وله نظم. وكان مشهورا [2] ، له حظ من عبادة، مع حفظ لسانه من الوقيعة في الناس، مهيبا مقتصدا في معاشه، كثير التّلاوة، وقد انتهت إليه رئاسة الشافعية بدمشق. وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «العمدة» أخذ «التنبيه» وزاده التصحيح، وشرح «التنبيه» في مجلدات، ومصنفاته ليست على قدر علمه، وكان شكلا حسنا مهيبا، كأنما خلق للقضاء. توفي في المحرم ودفن بمقبرة الصّوفية. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي [3] ، الفقيه المالكي.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 140) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 194) . [2] لفظة «مشهورا» سقطت من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 171) و «الدّرر الكامنة» (1/ 232) .

أخذ عن الأصفهاني وغيره، وشرح «ابن الحاجب» [1] في الفقه، وأخذ عن أبي حيّان وكان حسن الخط والعبارة، ماهرا في الأصول، فاضلا، إلّا أنه عيب عليه أنه كان يرتشي على الإذن في الإفتاء ويأذن لمن ليس بأهل، وشاع عنه أنه قال في النزع: قولوا لابن الشّريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس، فمات ابن الشريشي عقب ذلك. وفيها شهاب الدّين أحمد بن الضّياء محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي [2] الشافعي ابن عمّ القاضي صدر الدّين. ناب في الحكم، وولي مشيخة الخانقاه الجاولية، ومات في ربيع الأول. وفيها ولي الدّين أبو حامد أحمد بن الحافظ ناصر الدّين محمد بن علي بن محمد بن عشاير [3] ، خطيب حلب وابن خطيبها. أسمعه أبوه الكثير بحلب وغيرها [4] ، ورحل به إلى القاهرة، واشتغل ومهر، ونظم الشعر، وخطب بعد أبيه مدة، ومات بحلب [5] في ذي الحجّة بالطّاعون شابا. وفيها سليمان بن داود بن سليمان المزّي- بالزاي- المعروف بالعاشق [6] . حضر على ابن الشّيرازي وغيره، وحدّث، وكان كثير الحجّ. توفي مستهل صفر. وفيها الحافظ زين الدّين وجمال الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام المقرئ المحدّث شهاب الدّين أحمد بن الشيخ الإمام المحدّث أبي أحمد

_ [1] يعني «مختصر ابن الحاجب» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 240) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 238) . [4] في «ط» : «وغيره» . [5] لفظة «بحلب» سقطت من «ط» . [6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 174) .

رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن رجب [1] لقب جدّه عبد الرحمن، الشيخ الإمام العالم العلّامة، الزاهد القدوة، البركة، الحافظ، العمدة، الثقة، الحجّة، الحنبلي المذهب. قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة أربع أربعين وسبعمائة، وأجازه ابن النّقيب، والنّووي [2] ، وسمع بمكّة على الفخر عثمان بن يوسف، واشتغل بسماع الحديث باعتناء والده، وحدّث عن محمد بن الخبّاز، وإبراهيم بن داود العطّار، وأبي الحرم محمد بن القلانسي، وسمع بمصر من صدر الدين أبي الفتح الميدومي، ومن جماعة من أصحاب ابن البخاري، ومن خلق من رواة الآثار، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة وللناس عامة مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه، وله مصنّفات مفيدة، ومؤلّفات عديدة، منها «شرح جامع أبي عيسى الترمذي» و «شرح أربعين النّواوي» [3] ، وشرع في شرح «البخاري» فوصل إلى الجنائز، سمّاه «فتح الباري في شرح البخاري» ينقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين [4] ، وكتاب «اللطائف» [5] في الوعظ وأهوال القيامة، و «القواعد الفقهية» تدل على معرفة

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 175) و «الدّرر الكامنة» (2/ 321) و «الردّ الوافر» ص (106- 107) و «المقصد الأرشد» (2/ 81- 82) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 488- 489) و «الجوهر المنضد» ص (46) . [2] هو أحمد بن عبد المؤمن السبكي النووي. تقدمت ترجمته في ص (272) من هذا المجلد. [3] وقد طبع عدة مرات أفضلها التي صدرت في العام الماضي (1411 هـ) عن مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، والأستاذ إبراهيم باجس عبد المجيد. [4] وهو جدير بالنشر على ما به من النقص لاحتوائه على فوائد كثيرة متنوعة. انظر «كشف الظنون» (1/ 550) و «هدية العارفين» (1/ 527) . [5] واسمه الكامل «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» وقد طبع قديما في مصر سنة (1343) هـ دون تحقيق، وكنت قد شرعت بتحقيقه قبل أربع سنوات بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السواس، وأفردنا من القسم الذي أنجزنا تحقيقه منه- وهو في حدود ربعه- كتابا صغيرا سميناه «مجالس في سيرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» تولى مراجعته والحكم على أحاديثه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ونشرته دار ابن كثير بدمشق سنة (1408) هـ، ثم تخليت عن مشاركة

تامة بالمذهب [1] ، وتراجم أصحاب مذهبه رتّبه على الوفيات ذيّل بها على «طبقات ابن أبي يعلى» [2] . وله غير ذلك من المصنّفات. وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات، وكان يسكن بالمدرسة السّكرية بالقصّاعين. قال ابن حجي: أتقن الفنّ- أي فنّ الحديث- وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق، وتخرّج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق. توفي- رحمه الله- ليلة الاثنين رابع شهر رمضان بأرض الخميرية ببستان كان استأجره وصلّي عليه من الغد، ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ الفقيه أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشّيرازي ثم المقدسي الدمشقي المتوفى في ذي الحجّة سنة ست وثمانين وأربعمائة. قال ابن ناصر الدّين [3] : ولقد حدّثني من حفر لحد ابن رجب أن الشيخ زين الدّين ابن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام، قال [4] : فقال لي: احفر لي هاهنا لحدا، وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه، وقال: هذا جيد، ثم خرج. قال: فو الله ما شعرت بعد أيام إلّا وقد أتي به ميتا محمولا في نعشه فوضعته في ذلك اللّحد. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي الحنبلي [5] الإمام المفتي الزّاهد.

_ الأستاذ السواس في تحقيق «اللطائف» لأمر لا مجال لذكره هنا، غفر الله لي وله ولسائر المسلمين وألهمنا العمل بما يرضيه على النحو الذي يرضيه. [1] وهو مطبوع طبعة جيدة في مصر منذ سنوات طويلة. [2] واسمه «الذيل على طبقات الحنابلة» وهو مطبوع طبعة قديمة في مصر بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى. [3] انظر «الردّ الوافر» ص (107) . [4] لفظة «قال» سقطت من «ط» . [5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 336) و «السّحب الوابلة» ص (209) .

سمع من إسماعيل بن الفرّاء وغيره، وحدّث، وكان فاضلا، متعبدا. توفي في ثامن المحرم. وفيها عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي [1] . قدم أبوه وعمّه دمشق، فأقام بها، وأسمع أحمد [2] أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في هذه السنة، فحدّث عن أبي عمرو بن المرابط ب «السنن الكبرى» للنسائي بسماعه منه في «ثبت» كان معه، وحدّث عن محمد بن إسماعيل بن الخبّاز ب «مسند الإمام أحمد» كلّه، واعتماده على «ثبته» أيضا. قال ابن حجر: وسمع منه غالب أصحابنا، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة، وهو والد صاحبنا شهاب الدّين بن الفصيح. انتهى. وفيها علي بن أيدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي [3] . كان يلقب حنبل. سمع الكثير، وطلب بنفسه، وجمع «معجم شيوخه» وترجم لهم. قال ابن حجي: علّقت من «معجمه» تراجم وفوائد. قال: ولا يعتمد على نقله. مات في رجب. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم، المعروف بابن السّبع [4]- بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالعين المهملة-.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «الدّرر الكامنة» (2/ 353) وفيه: «عبد الرحيم بن أحمد بن علي» . [2] في «آ» : «أحد» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «السحب الوابلة» ص (292) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 178) و «الدّرر الكامنة» (3/ 111) .

قال ابن حجر: حضر بعض «البخاري» على وزيره، والحجّار، وسمع من يحيى بن فضل الله، والقاضي، ومحمد بن غالي، وغيرهم، وكان ممن يخشى لسانه، وكان أبوه قاضي المدينة. مات هو في رمضان وقد اختلط عقله. انتهى. وفيها علاء الدّين علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود- ثلاثة على نسق- ابن العطّار الحرّاني [1] ، سبط الشيخ زين الدّين الباريني. ولد بعد الستين وسبعمائة، وتفقه للشافعي بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره، وبرع في النحو والفرائض، وتصدى لنفع الناس، وتصدر بأماكن، وكانت دروسه فائقة، وكان يتوقّد ذكاء. ذكر القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» أنه حفظ ربع «ألفية العراقي» في يوم واحد ولو عمّر لفاق الأقران، لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي المقبري [2] . قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين، وهو كبير، فاشتغل، وأخذ عن ابن عدلان، والكمال النسائي، وغيرهما. ومهر في الفقه، وشارك في غيره، وكان ديّنا، مع فكاهة فيه، ودرّس بأماكن بالقاهرة، وأفاد، وولي مشيخة خانقاه بشتك، وناب في الحكم، وتوفي في شوال، وانتفع به جمع كثير. وفيها محبّ الدّين أبو البركات محمد بن أحمد بن الرّضي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الطّبري المكّي [3] . قال ابن حجر: ولد سنة بضع وعشرين، وسمع من عيسى الحجي، وطائفة من الوادي آشي، والأمين الأقشهري، وأجاز له الحجّار وآخرون، ومات في ذي القعدة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «الدّرر الكامنة» (3/ 126) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 182) و «الدّرر الكامنة» (3/ 306) .

اجتمعت به وصلّيت خلفه مرارا، وكان أعرج لأنه سقط فانكسرت رجله، وباشر العقود، وعمّر بعده أخوه أبو اليمن دهرا. انتهى. وفيها صلاح الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن ابن الأعمى الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام العالم الجيلي ثم المصري. اشتغل وحصّل وأشغل، وأعاد ودرّس، وأفتى، ودرّس بالظّاهرية الجديدة، وبمدرسة السلطان حسن. وتوفي بالقاهرة ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول ودفن من الغد بحوش الصّوفية. وفيها أمين الدّين محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي الآدمي [2] . ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن زوج ابنته الفخر بن الفصيح، وسمع من ابن الخبّاز، وابن تبّع [3] وغيرهما، وعني بالعربية، وأخذ عن الصّلاح الصّفدي وغيره، وكانت له وجاهة بدمشق، وباشر بها أماكن، وهو والد القاضي صدر الدّين. قال ابن حجي: لم يكن محمودا بالنسبة إلى الوقيعة في الناس، ومع ذلك فكان أحد أوصياء تاج الدّين السّبكي، ثم صار من أخصاء البرهان بن جماعة، ودرّس بالإينالية، وحصل دنيا واسعة وأموالا جمّة، وعرض عليه بعض الحكّام نيابته [4] فلم يقبل. وتوفي في جمادى الأولى فجأة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 185) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) و «المقصد الأرشد» (2/ 512) و «الجوهر المنضد» ص (125) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 183) . [3] تحرفت في «ط» إلى «سبع» . [4] في «ط» : «نيابة» .

وفيها جمال الدّين محمد بن يحيى بن سليمان السّكوني المغربي المالكي [1] . قال في «إنباء الغمر» : كان عارفا بالمعقولات إلّا أنه طائش العقل، ولي قضاء حماة وطرابلس. فلم يحمد، ثم ولي قضاء دمشق شهرين بعد غلبة الظّاهر، فبدا منه طيش أهين بسببه، وذلك أنه تصدّى لأذى الكبار وتغريم بعضهم، فكوتب فيه السلطان، وعرّفوه ثبوت فسقه، فقدم مصر، ثم نفي إلى الرّملة فمات بها في أوائل هذه السنة. وقال ابن حجي: كان كثير الدّعوي، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وشكا من غرمائه، فقال له: أنا ما عزلتك هم حكموا بعزلك، فأخذ يعرّض ببعض الأكابر، فعملوا عليه حتّى أخرجوه. وفيها شرف الدّين أبو البقاء محمود بن العلّامة جمال الدّين محمد بن الإمام كمال الدّين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الشريشي [2] الشافعي، العلّامة الورع، بقية السّلف، مفتي المسلمين وأقدم المدرسين وأقضى القضاة، البكري الوائلي. ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة بحمص، وأخذ العلم عن والده، والشيخ شمس الدّين بن قاضي شهبة، وأضرابهما، وقرأ في الأصول والنحو والمعاني والبيان، وشارك في ذلك كلّه [3] ، مشاركة قوية، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع عن الناس، ودرس بالبادرائية، نزل بها والده عنها، واستمرّ يدرّس بها إلى حين وفاته من سنة خمسين، وناب للقاضي تاج الدّين في آخر عمره فمن بعده، ولازم الاشتغال والإفتاء، واشتهر بذلك، وصار هو المقصود بالفتاوى من سائر الجهات، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) و «الدّرر الكامنة» (4/ 334) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 248) . [3] لفظة «كلّه» سقطت من «آ» .

وقال الشيخ زين الدّين القرشي: يقبح علينا أن نفتي مع وجود ابن الشّريشي، وتخرّج به خلق كثير، وكتب بخطّه أشياء كثيرة، وكان محببا إلى الناس، كلّه خير، ليس فيه شيء من الشرّ، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدّين الزّهري رئاسة الشافعية، وكان مباركا له في رزقه، ليس له سوى البادرائية وتصدير على الجامع، ولا يزال [1] يضيف الطلبة ويحسن إليهم ويكثر الحجّ. وقال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : لم أر في مشايخي أحسن من طريقته، ولا أجمع لخصال الخير منه، وكان يلعب بالشطرنج، وكان رأسا فيه. توفي في صفر ودفن بتربتهم بالصالحية مقابل الجامع الأفرم بالسفح. وفيها موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي [2] . كان عالما، صالحا، عابدا، على طريقة السّلف. نزل دمشق، وعيّن للقضاء فامتنع، ودرّس وأفاد، ثم تحوّل إلى القدس، وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة. توفي ببلد الخليل- صلوات الله عليه- بزاوية الشيخ عمر المجرّد [3] في أحد الجمادين. وفيها ناصر الدّين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري [4] الشيخ الإمام علّامة الزّمان، قاضي قضاة الحنابلة بنابلس. ولد سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وسمع من الميدومي وجماعة، واشتغل

_ [1] كذا في «آ» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «ولا يزال» وفي «ط» : «ولا زال» وهو أصوب وأوجه. [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) . [3] في «ط» : «المجود» وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) و «الدّرر الكامنة» (4/ 390) و «النجوم الزاهرة» (12/ 137) و «المقصد الأرشد» (3/ 60) و «الجوهر المنضد» ص (169) .

في العلوم، وتفنّن، وأفتى، ودرّس، وناب في القضاء عن حموه قاضي القضاة موفق الدّين مدة طويلة، ثم استقلّ بالقضاء بعد وفاته سنة تسع وستين، وكانت مباشرته للقضاء نيابة واستقلالا ما يزيد على ست وأربعين سنة، وكان من القضاة العدول، مثابرا على التهجد بالليل، ودرّس بالشيخونية، وحدّث. قال ابن حجر: كان دينا [1] ، عفيفا، مصونا، صارما، مهيبا، محبا في الطّاعة والعبادة. وحدّث ودرّس وأفاد، وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئا. انتهى. توفي ليلة الأربعاء حادي عشري شعبان بالقاهرة ودفن عند حموه قاضي القضاة موفق الدّين خارج باب النصر، وحضر جنازته نائب السلطنة سودون والحجّاب والقضاة والأعيان، وغيرهم. وفيها أبو تاشفين بن أبي حمو موسى يوسف [2] التّلمساني [3] آخر بني عبد الواد. خرج على أبيه وحاربه، وجرت له معه خطوب وحروب، إلى أن قتل أبوه في محرم سنة اثنتين وتسعين، وأسر أخوه أبو عمر فقتله [4] هو، وملك تلمسان، وصار [5] يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال، إلى أن قام أبو زبّان بن أبي حمو، فجمع جموعا، ونزل على تلمسان فحصرها، فكاده أخوه، وفرّق جمعه، ووفد على صاحب فاس فجهّز معه عسكرا، فمات أبو تاشفين صاحب الترجمة في شهر رمضان، فأقام وزيره أحمد بن العزّ ولده، فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصّبي والوزير، فخرج صاحب فاس إلى تلمسان

_ [1] لفظة «ديّنا» سقطت من «آ» . [2] في «آ» و «ط» : «أبو تاشفين موسى بن أبي حمد يوسف» وأثبت ما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 192- 193) . [4] في «ط» : «فقتل» . [5] في «ط» : «فصار» .

فملكها، وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان، وصارت لصاحب فاس، والله تعالى أعلم. وفيها أمّة الرحيم، ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدّين العلائي [1] . أسمعها [أبوها] من الحجّار وغيره، وحدّثت، وتوفيت في رابع شوال. وكذلك أسماء أختها [2] ، وماتت في العشرين منه.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) وما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق. [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) .

سنة ست وتسعين وسبعمائة

سنة ست وتسعين وسبعمائة في أولها سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها في بقية المحرم كلّه ودخلها عنوة في آخر الشهر فقتل صاحبها، وبنى من رؤوس القتلى مأذنتين [1] وثلاث قباب، وخرّب [2] البلد، واستولى على قلعتها، وهدم على أميرها دارا بعد أن نزل إليه بالأمان فمات تحت الرّدم، ثم أثخن في قتل الرجال وأسر النساء والأطفال. ثم نازل الموصل فصالحه صاحبها وسار في خدمته. ثم نزل رأس العين فملكها. ونازل الرّها فأخذها بغير قتال، ووقع النّهب والأسر، وانتهى ذلك في آخر صفر، واتفق هجوم الثلج والبرد، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التّحف والذخائر، وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقبل هديته وأكرم ملتقاه، ورعى له كونه راسله قبل جميع تلك البلاد، ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده. ثم سار إلى ماردين وتملّك [3] البلاد بأسرها، فاستولى على بلاد الجزيرة والموصل، وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والسّبي، والأسر، والنّهب، والتعذيب.

_ [1] في «ط» : «مأذنتين» وفي «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «منارتين» . [2] في «ط» : «وضرب» . [3] في «ط» : «وتلك» .

ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء، فلما أتى الرّبيع نازل ماردين [1] في جمادى الآخرة، وبنى قدامها جوسقا يحاصرها منه ففتحها عن قرب وقتل ما لا يحصى، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك، ثم رجع عن [2] البلاد الشامية إلى تبريز لما بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدّشت والسراي وغيرهما، مشى على بلاده فصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد ثم رجع إلى تبريز فأقام بها قليلا. ثم توجه إلى قتال صاحب السراي وغيرها، وكان طقتمش خان قد استعدّ لحربه، فالتقيا جميعا، ودام القتال، فكانت الهزيمة على القفجاق والسّراي فانهزموا وتبعهم إلى أن ألجأهم إلى داخل بلادهم. وأرسل اللّنك صاحب سيواس القاضي برهان الدّين أحمد يستدعي منه طاعته فلم يجبه، وأرسل نسخة كتابه إلى الظّاهر صاحب مصر، وإلى أبي يزيد ملك الرّوم. وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصّنهاجي المالكي القاضي [3] . ولد سنة سبع عشرة، وسمع من الوادياشي وغيره، وتفقه بدمشق على القاضي بدر الدّين الغماري المالكي، وتزوج بنته بعده، وكان يحفظ «الموطأ» وولي قضاء دمشق غير مرّة أولها سنة ثلاث وثمانين، فلما جاءه التوقيع لم يقبل، وصمّم على عدم المباشرة، وامتنع من لبس الخلعة فولّي غيره، ثم ولّي في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضا، فلم يزالوا به حتّى قبل، فباشر ثلاث سنين، ثم صرف، ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من الحمّام وقد ناهز الثمانين، وهو صحيح النّقيبة، حسن الوجه واللّحية. وفيها السلطان أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «مارقين» . [2] في «ط» : «إلى» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 218) و «الدّرر الكامنة» (1/ 30) .

يعقوب بن عبد الحقّ المريني صاحب فاس، لقبه المستنصر بالله أمير المسلمين [1] . تملّك فاس في شوال سنة ثمان وثمانين، وملك طنجة وغيرها من بلاد المغرب. توفي في المحرم وقام بعده ابنه أبو فارس ولم تطل مدته. وفيها أبو السّباع وأبو العبّاس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي جعفر الحفصي [2] الهنتاتي [3]- بفتح الهاء، وسكون النون، بعدها مثناة فوقية، وبعد الألف مثناة أخرى، نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب- صاحب تونس وإفريقية وغيرهما. كان يقال له أبو السّباع. ولي المملكة في ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعين، وكل من ذكر [4] في عمود نسبه ولي السلطنة إلّا أباه وجدّ أبيه. توفي في شعبان واستقرّ بعده ولده عبد العزيز. وفيها أحمد بن يعقوب الغماري [5] ، المالكي. كان فاضلا في مذهبه، درّس وأفتى، وولي قضاء حماة، ثم صرف، فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة. وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزّي ابن أخي الحافظ جمال الدّين [6] . سمع الحجّار، والمزّي، وغيرهما. وحدّث. وتوفي في المحرم عن خمس وسبعين سنة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 219) و «الدّرر الكامنة» (1/ 30) و «النجوم الزاهرة» (12/ 142) و «الدليل الشافي» (1/ 36) . [2] تحرفت في «ط» إلى «الجعفي» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 223) و «الدّرر الكامنة» (1/ 257) و «النجوم الزاهرة» (12/ 143) . [4] لفظة «ذكر» سقطت من «ط» . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 224) و «الدّرر الكامنة» (1/ 338) . [6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 224) و «الدّرر الكامنة» (1/ 338) .

وفيها علاء الدّين علي بن نجم الدّين بن عبد الواحد بن شرف الدّين محمد بن صغير [1] ، رئيس الأطباء بالديار المصرية. قال ابن حجر: كان فاضلا، مفنّنا، انتهت إليه المعرفة، وكان ذا حدس صائب جدا، يحفظ عنه المصريون أشياء كثيرة، وكان حسن الصورة، بهي الشكل، جميل الشّيبة، أخذ عنه شيخنا ابن جماعة، وكان يثني على فضائله، اجتمعت به مرارا، وسمعت فوائده، وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفرده للقرض، فكان يقرض من يحتاج من غير استفضال، بل ابتغاء الثواب. قرأت بخط الشيخ تقي الدّين المقريزي: كان يصف الدواء للموسر بأربعين ألفا [2] ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس. قال: وكنت عنده، فدخل عليه شيخ شكا ما به من السّعال، فقال: لعلك تنام بغير سراويل؟ قال: أي والله، قال: لا تفعل، نم بسراويلك، فمضى فصدفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله، فقال: عملت بما قال فبرئت. قال: وكان لنا جار حدث لابنه رعاف [3] حتّى أفرط، فانحلت قوى الصغير، فقال له شرّط آذانه [4] فتعجب وتوقف، فقال: توكل على الله وافعل. قال: ففعل ذلك فبرئ، وله من هذا النمط أشياء عجيبة. مات بحلب في ذي الحجّة ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم. وفيها أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي الحسني [5] الفاسي ثم المكي المالكي، سبط الخطيب بهاء الدّين محمد بن التّقي عبد الله بن المحبّ الطبري [6] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 228) و «الدّرر الكامنة» (3/ 79) و «النجوم الزاهرة» (12/ 140) و «الدليل الشافي» (1/ 462) . [2] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «بأربعين ألفا» وفي «آ» : «بأربعين فلسا» . [3] الرّعاف: سيلان الدم من الأنف. انظر «معجم الوسيط» (1/ 367) . [4] في «إنباء الغمر» : «أذنيه» وانظر التعليق عليه. [5] تحرفت في «ط» إلى «الحببي» . [6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 229) و «العقد الثمين» (1/ 383) .

ولد بمكة في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين، وسمع بها على عثمان بن الصّفي أحمد بن محمد الطّبري وغيره، وبالمدينة على الزّين بن علي [1] الأسواني، والجمال الطّبري وغيرهما، وأجاز له جماعة من مصر والشام، وحدّث، وتوفي بمكة المشرّفة في خامس صفر. وفيها محمد بن علي بن سالم الفرغاني [2] أحد شهود الحكم بدمشق. اشتغل بالقراءات، وتلا بالسبع على اللبّان، وأقرأ. وتوفي في ذي الحجّة. وفيها ناصر الدّين محمد بن محمد بن داود بن حمزة [3] . ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع على عمّ أبيه التّقي سليمان وغيره، وأجاز له الكمال إسحاق النحّاس، وأولاد ابن العجمي الثلاثة، وتفرّد بالرواية عنهم، وتوفي في رجب. وفيها تاج الدّين محمد بن محمد المليحي، المعروف بصائم الدّهر [4] . ولي نظر الأحباس والجوالي والحسبة، وخطب بمدرسة السلطان حسن بالقاهرة، وكان ساكنا، قليل الكلام، جميل السيرة. توفي في صفر. وفيها أمين الدّين يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الحنبلي [5] . قال ابن حجر: عمّ شيخنا عبد الله بن علاء الدّين. سمع الميدومي وغيره، وحدّث، رأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه.

_ [1] لفظة «علي» سقطت من «ط» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 231) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 233) و «الدّرر الكامنة» (4/ 176) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 234) و «النجوم الزاهرة» (12/ 141) وفيه «المليجي» بالجيم، و «الدليل الشافي» (2/ 701) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 237) .

سنة سبع وتسعين وسبعمائة

سنة سبع وتسعين وسبعمائة فيها كانت الوقعة بين تمرلنك وبين طقتمش خان، فدام القتال ثلاثة أيام، ثم انكسر طقتمش خان، ودخل بلاد الروس، واستولى تمرلنك على القرم، وحاصر بلد كافا ثمانية عشر يوما ثم استباحها وخرّبها. وفيها توفي أبو محمد إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي [1] ، نزيل القاهرة. قال ابن حجر في «إنباء الغمر بأنباء الغمر» : أسلم على يد الشيخ تقي الدّين بن تيميّة وهو دون البلوغ، وصحبه إلى أن مات، وأخذ عن أصحابه، ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من الحسن الإربلي، وابن السرّاج الكاتب، وإبراهيم بن الخيمي، وأبي الفتح الميدومي ونحوهم، وكان شافعي الفروع، حنبلي الأصول، ديّنا، خيّرا، متألها. قرأت عليه عدة أجزاء، وأجازني قبل ذلك. قلت له يوما: رضي الله عنكم وعن والديكم، فنظر إليّ منكرا ثم قال: ما كان على الإسلام. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري الضّرير المقرئ [2] . أخذ القراءات عن الشيخ تقي الدّين البغدادي وغيره، وتوفي في صفر.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 254) و «الدّرر الكامنة» (1/ 25) و «النجوم الزاهرة» (12/ 143) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 257) و «الدّرر الكامنة» (1/ 217) .

وفيها أبو بكر بن عبد البرّ بن محمد الموصلي الشافعي [1] . قال في «ذيل الإعلام» : الشيخ الإمام القدوة الزّاهد العابد الخاشع العالم النّاسك الرّبّاني بقية مشايخ علمه الصّوفية وجنيد الوقت. كان في ابتداء أمره حين قدم من الموصل وهو شاب يتعانى الحياكة، وأقام بالقبيبات عند منزله المعروف زمانا طويلا على هذه الحال، وفي أثناء ذلك يشتغل بالعلم، ويسلك طريق الصّوفية والنّظر في كلامهم، ولازم الشيخ قطب الدّين مدة، واجتمع بغيره، وكان يطالع أيضا كتب الحديث، ويحفظ جملة من الأحاديث ويعزوها إلى رواتها، وله إلمام جيد بالفقه، وكلام الفقهاء، فاشتهر أمره، وصار له أتباع، وكان شعاره إرخاء عذبة خلف الظّهر، ثم علا ذكره وبعد صيته، وصار يتردد إليه نوّاب الشام ويمتثلون أوامره، وسافر بأخرة إلى مصر مستخفيا، وحجّ غير مرّة، ثم عظم قدره عند السلطان، وكان يكاتبه بما فيه نفع للمسلمين، ثم إن السلطان عام أول اجتمع به في منزله وصعد إلى علّية كان فيها، وأعطاه مالا فلم يقبله، وكان إذ ذاك بالقدس الشريف. وقال في «إنباء الغمر» : وكان يشغل في «التنبيه» و «منازل السائرين» وكان ولده عبد الملك يذكر عنه أنه قال: كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلسا أو درهما فأنظر أقرب دار فأعطيهم إيّاه وأقول: لقيته قريب داركم. توفي بالقدس في شوال وقد جاوز الستين. وفيها سعيد بن عمر بن علي الشريف البعلي الحنبلي [2] . قال ابن حجر: كان من قدماء الفقهاء بدمشق، أفاد ودرّس، وأفتى وحدّث. مات في المحرم عن نيف وستين سنة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 259) وفيه «ابن عبد الله» و «الدّرر الكامنة» (1/ 449) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 262) وفيه: «سعيد بن نصر» .

وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي الشافعي المكي [1] ، ولد الشيخ عفيف الدّين. اشتغل بفنون من العلم، وحفظ «الحاوي» وكانت تعتريه حدّة، وفيه صلاح، وله شعر منه قوله: ألا إن مرآة الشّهود إذا انجلت ... أرتك تلاشي الصدّ والبعد والقرب وصانت فؤاد الصّبّ عن ألم الأسى ... وعن ذلّة الشكوى وعن منّة الكتب وله سماع من أبيه، وبالشام من ابن أميلة، وبمصر من البهاء بن خليل، ولزم السياحة، والتجريد، فمات غريقا بالرّحبة بين الشام والعراق، وله ست وأربعون سنة. وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشّماخي- بفتح المعجمة، وفي آخره خاء معجمة، نسبة إلى الشّماخ جدّ- الزّبيدي [2] ، محدّث زبيد. أخذ عنه عفيف الدّين العلوي وغيره، وتوفي في شعبان. وفيها نور الدّين عبد الرحمن بن أفضل الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني الصّوفي الحنفي [3] . ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وكان عارفا بالفقه والتصوف، وله أتباع ومريدون، وقد حدّث ب «المشارق» [4] ، عن عمر بن علي القزويني، عن محمد بن عراك الواسطي، عن الصّغّاني إجازة. وهو القائل: زعم الّذين تشرّقوا وتغرّبوا ... أنّ الغريب وإن أعزّ ذليل فأجبتهم إن الغريب إذا اتّقى ... حيث استقلّ به الرّكاب جليل

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 262) و «العقد الثمين» (5/ 364) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 263) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 263) . [4] يعني «مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية» انظر «كشف الظنون» (2/ 1688) .

وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد القادر بن محيي الدّين عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور الجعفري النّابلسي الحنبلي [1] المعروف بالجنّة، الإمام العلّامة. ولد بنابلس سنة سبع وعشرين تقريبا، وسمع بها من الإمام شمس الدّين أبي محمد عبد الله بن محمد بن يوسف، وسمع على الحافظ صلاح الدّين العلائي، والشيخ إبراهيم الزّيتاوي وغيرهم مما لا يحصى كثرة، ورحل إلى دمشق، فسمع بها، وكان من الفضلاء الأكابر، وكان يلقّب بالجنّة لكثرة ما عنده من العلوم لأن الجنّة فيها ما تشتهي الأنفس، وكان عنده ما تشتهي أنفس الطلبة، وانتهت إليه الرحلة في زمانه، ولما مات ولده قاضي القضاة شرف الدّين عبد القادر المتقدم ذكره حصل له عليه اختلاط وسلب عقله، واستمرّ على ذلك إلى أن مات ببلده نابلس في شوال. وله مصنّفات حسنة، منها «مختصر طبقات الحنابلة» ومنها «تصحيح الخلاف المطلق في المقنع» مطولا ومختصرا و «مختصر كتاب العزلة» لأبي سليمان الخطّابي، وقطعة من «تفسير القرآن العظيم» من أوله، وشرع في شرح «الوجيز» وصحب ابن قيّم الجوزية، فقرأ عليه أكثر تصانيفه، وكان خطّه حسنا جدا. وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني [2] . سمع من الزّين الأسواني «الشفاء» للقاضي عياض، وحدّث عنه، وعن الوادي آشي، وقد ولي أبوه قضاء المدينة، وولي هو مشيخة خانقاه قوصون، وكان مشكورا، وتزوج ببنت القاضي فخر الدّين القاياتي، وعاش القاياتي بعده مدة، وناب في الحكم، وكان قد حفظ كتبا منها «الشفاء» و «الإلمام» و «المقامات» وعرضها. وتوفي في رجب.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 272) و «الدّرر الكامنة» (4/ 20) و «السحب الوابلة» ص (388) و «غاية النهاية» (2/ 173) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 265) .

وفيها أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي الحسني [1] أمير مكة وابن أميرها. ولي في أول شعبان سنة تسع وثمانين، وكان في غالب ولايته في الحروب، ولم يهنأ له عيش إلى أن قتل في شوال، قتله جماعة من آل بيتهم، ودفن بالمعلاة [2] ، واستقرّ بعده أخوه حسن بن عجلان. وفيها علي بن محمد القليوبي ثم المصري [3] . قال ابن حجر: أحد المهرة في مذهب الشافعي. ناب في الشيخونية، وتوفي في رجب. وفيها سراج الدّين عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي [4] . قال ابن حجر: سمع من أحمد بن علي الجزري، وعلي بن عبد المؤمن ابن عبد، وغيرهما، وحدّث، ولم يتهيأ لي السماع منه، مع حرصي على ذلك. توفي بمصر وقد جاوز الثمانين. وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري، البزّاز بسوق الفاضل، المعروف بابن المطرّز [5] . سمع من الواني، والدبوسي، وغيرهما. وحدّث بالكثير، وأجاز له إسماعيل بن مكتوم، والمطعم، ووزيرة، وأبو بكر بن عبد الدّائم، وغيرهم من دمشق. قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، وتوفي في جمادى الأولى.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 266) و «النجوم الزاهرة» (12/ 144) و «العقد الثمين» (6/ 206) و «الدليل الشافي» (1/ 464) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المعلّى» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) و «النجوم الزاهرة» (12/ 150) .

وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم القيسي السّويدي الأصل. الدمشقي الشافعي، المعروف بابن مكتوم [1] ، الفقيه المحدّث النّحوي. ولد في بضع وأربعين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «التّنبيه» ثم «الحاوي» وطلب الحديث، وقرأ بنفسه، وكان يقرئ «صحيح البخاري» بالجامع في رمضان بعد الظهر مدة. قال ابن حجي: هو رجل فاضل، قرأ في الفقه على والدي، وعلى الحسباني ولازمه، وقرأ في النحو على أبي العبّاس العنّابي، وبرع فيه، وتصدى للإشغال بالجامع خمس عشرة سنة، وكان يفتي بأخرة، وأعاد بالنّاصرية وبالعادلية الصّغرى، وولي مشيخة النحو بالناصرية أيضا، وكان رجلا خيّرا، عنده ديانة، وله عبادة من صوم وقراءة. انتهى. وقال ابن قاضي شهبة: كان فيه إحسان إلى طلبة العلم والفقراء، يضيفهم، ويفطّرهم في رمضان، وعنده برّ وصلة لأقاربه، وتقلّل في ملبسه، ويشتري حاجته بنفسه ويحملها، وهو قليل الخلطة بالفقهاء وغيرهم. توفي في جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده وعمّه عند قبر الشيخ حمّاد. وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة الشّاذلي ابن بنت الميلق [2] . سمع من أحمد بن محمد الحكمي وغيره من أصحاب النّجيب وغيره،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 347) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 222) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 371) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 494) و «النجوم الزاهرة» (12/ 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 230) و «تاريخه» (3/ 568- 569) و «معجم المؤلفين» (10/ 131) .

واعتنى بالعلم، وتعانى طريق التصوف، وفاق أهل زمانه في حسن الأداء في المواعيد، وأنشأ الخطب البليغة، وقال الشعر الرائق، والتفت عليه جماعة من الأمراء والعامة، إلى أن ولي القضاء، فباشره بمهابة وصرامة، ولم يحمد مع ذلك في ولايته، وأهين بعد عزله بمدة. وقال ابن القطّان: كان شديد البخل بالوظائف، وكان أيام هو واعظا خيرا من أيام هو قاضيا. توفي في أحد الجمادين وقد جاوز الستين. وفيها محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي [1] ، إمام الصرغتمشية. سمع من الوادي آشي، ومحمد بن غالي في آخرين [2] واعتنى بالقراءات والفقه، وأخذ عن قوام الدّين الأتقاني وغيره، وله إلمام بالحديث، وناب في الحكم، وسمع منه ابن حجر وغيره، وتوفي في رجب. وفيها غياث الدّين أبو المكارم محمد بن صدر الدّين محمد بن محيي الدّين عبد الله بن أبي الفضل محمد بن علي بن حمّاد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي الشافعي، المعروف بابن العاقولي [3] . قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : صدر العراق، ومدرّس بغداد وعالمها، ورئيس العلماء بالمشرق. مولده في رجب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ببغداد، ونشأ بها، وسمع من والده وجماعة، وأجاز له جماعة. قال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان مدرس المستنصرية ببغداد كأبيه وجده، ودرّس أيضا بالنظامية كأبيه، ودرّس هو بغيرهما، وكان هو وأبوه وجدّه كبراء بغداد، وانتهت إليه الرئاسة بها في مشيخة العلم والتدريس، وصار المشار

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 66) و «النجوم الزاهرة» (12/ 148) . [2] في «ط» : «وآخرين» وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 275) و «الدّرر الكامنة» (4/ 194) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 241) و «بغية الوعاة» (1/ 225) و «الأعلام» (7/ 43) .

إليه والمعول عليه، تهرع القضاة والوزراء إلى بابه والسلطان يخافه، وكان بارعا في الحديث، والمعاني، والبيان، وشرح «مصابيح البغوي» وخرّج لنفسه «أربعين حديثا» ، وفيها أوهام وسقوط رجال في الأسانيد [1] ، وكانت نفسه قوية وفهمه جيدا، وكان بالغا في الكرم، حتّى ينسب إلى الإسراف، ولما دخل تمرلنك بغداد هرب منها مع السلطان أحمد، فنهبت أمواله، وسبيت حريمه، وقدم الشام، واجتمعنا به، وأنشدنا من نظمه، فلما رجع السلطان إلى بغداد رجع معه، فأقام دون خمسة أشهر. وقال الحافظ برهان الدّين الحلبي: كان إماما علّامة، متبحرا في العلوم، غاية في الذكاء، مشارا إليه، وكان يدخله كل سنة زيادة على مائة ألف درهم وكلّها ينفقها، وصنّف في الردّ على الرافضة في مجلد. توفي في صفر ودفن بالقرب من معروف الكرخي بوصية منه. قال ابن حجر: شرح «منهاج البيضاوي» و «الغاية القصوى» له، وحدّث بمكّة وبيت المقدس، وأنشد لنفسه بالمدينة: يا دار خير المرسلين ومن بها ... شغفي وسالف صبوتي وغرامي نذر عليّ لئن رأيتك ثانيا ... من قبل أن أسقى كؤوس حمامي لأعفّرنّ على ثراك محاجري ... وأقول هذا غاية الإنعام وفيها محمد بن أبي محمد الأقصرائي، نزيل القاهرة الحنفي [2] . قال ابن حجر: درّس بمدرسة ايتمش للحنفية، وهو والد صاحبنا بدر الدّين محمود وأخيه أمين الدّين يحيى. وتوفي في جمادى الأولى.

_ [1] قلت: وله كتاب «الرّصف لما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الفعل والوصف» وقد طبع سنة (1393) هـ بدمشق أول مرة، وقام بتحقيقه وتدقيقه وتخريج أحاديثه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط وشاركه العمل في تحقيقه وتخريج أحاديثه شقيقه السيد إبراهيم الأرناؤوط، وأسهم بقراءته وتدقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ثم صورت طبعته في مصر سنة (1406) هـ. [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 278) و «النجوم الزاهرة» (11/ 149) .

سنة ثمان وتسعين وسبعمائة

سنة ثمان وتسعين وسبعمائة فيها رجع اللنك بعساكره من بلاد الدّشت بعد أن أثخن فيهم، فوصل إلى السلطانية في شعبان، ثم توجّه إلى همذان، وأمر بالإفراج عن الظّاهر صاحب ماردين، فوصل إليه في رمضان، فتلقاه واعتذر إليه، وأضافه أياما ثم خلع عليه وأعطاه مائة فرس وجمالا وبغالا وخلعا كثيرة، وعقد له لواء، وكتب له ستة وخمسين منشورا كل منشور بتولية بلد من البلاد التي كان تيمور افتتحها في سنة ست وتسعين ما بين أذربيجان إلى الرّها وشرط عليه أنه [1] يلبي دعوته كلّما طلبه. وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي، المعروف بابن العزّ [2] ، الشيخ الإمام الفقيه المفتي. سمع من عيسى المطعم، وابن عبد الدائم، والحجّار، وأكثر عن القاضي تقي الدّين سليمان، ويحيى بن سعد، وحدّث عن المعمار، وهو آخر من حدّث عنه، وعن القاضي [3] بالسماع، وكان شيخا طوالا عليه أبّهة. أقعد في آخر عمره، وسمع «جزء ابن عرفة» على نحو من ثمانين شيخا، و «جزء ابن الفرات» على نحو من خمسين شيخا.

_ [1] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» (3/ 291) مصدر المؤلف: «أنه» وفي «ط» : «أن» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 297) و «الدّرر الكامنة» (1/ 109) و «المقصد الأرشد» (1/ 78) و «السحب الوابلة» ص (50) . [3] يعني القاضي تقي الدّين سليمان المتقدم ذكره في الترجمة.

توفي ليلة الاثنين العشرين من شهر ربيع الأول ودفن بمقبرة الشيخ موفق الدّين وقد كمل له إحدى وتسعون سنة إلّا خمسة أيام. وفيها أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي [1] إمام القلعة بدمشق. قال ابن حجر: سمع من أبي بكر بن الرّضي وغيره، وحدّث، وأجاز لي غير مرة. وتوفي في شوال وله ثمانون سنة. وفيها أبو سعد أحمد بن شمس الدّين محمد بن موسى بن سند [2] . ولد سنة سبع وأربعين، وأحضره أبوه على ابن الخبّاز، وابن الحموي، وغيرهما. وأسمعه من ابن القيّم وغيره، واشتغل في العربية وغيرها، ووعظ الناس، ومات في شعبان. وفيها عماد الدّين إسماعيل بن أحمد بن علي الباريني الحلبي [3] الفقيه الشافعي. ولد سنة تسع عشرة، وقدم من حلب إلى دمشق وهو طالب علم، فقرأ على الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، وولاه البلقيني قضاء بعلبك، ثم ولي خطابة القدس، [ثم توجه إلى مصر، وكان ممن قام على التّاج السّبكي مع البلقيني، ثم ولي قضاء الشّوبك، ثم قضاء القدس] [4] ، وحدّث، وأفتى، ودرّس. وتوفي في ربيع الأول ببيت المقدس وقد جاوز الثمانين. وفيها بدر الدّين خليل بن محمد بن عبد الله النّاسخ الحلبي [5] . ولد بدمشق بعد العشرين، وأحضره أبوه عند ابن تيميّة فمسح رأسه ودعا له، واشتغل فمهر في عدة فنون، ثم سكن حلب، ووقّع في الحكم، واشتهر،

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 296) و «الدّرر الكامنة» (1/ 206) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 297) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 299) و «الدّرر الكامنة» (1/ 365) . [4] ما بين القوسين سقط من «آ» . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «الدّرر الكامنة» (2/ 93) .

وكان يذكر أنه سمع من الوادي آشي، وابن النّقيب الشافعي. توفي في ربيع الأول. وفيها ستّ الرّكب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر [1] ، أخت كاتبه [2] . قال ابن حجر: ولدت في رجب سنة سبعين [3] في طريق الحجّ، وكانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد أمي، أصبت بها في جمادى الآخرة من هذه السنة. وفيها سعد بن إبراهيم الطّائي الحنبلي البغدادي [4] . قال في «إنباء الغمر» : كان فاضلا، وله نظم فمنه: خانني ناظري وهذا دليل ... لرحيلي [5] من بعده عن قليل وكذا الرّكب إن أرادوا قفولا ... قدّموا ضوءهم أمام الحمول وفيها سفر شاه بن عبد الله الرّومي الحنفي [6] . تقدم في العلم ببلاده، وتقدم عند أبي يزيد بن عثمان، وقدم القاهرة رسولا من صاحب الرّوم فأخذ عن فضلائها، وأكرمه السلطان، وحصل له وعك، واستمرّ إلى أن بغته الأجل بالقاهرة، فمات في جمادى الآخرة. وفيها طقتمش خان التّركي صاحب بلاد الدّشت [7] . قتل في هذه السنة بعد أن انكسر من اللّنك، قتله أمير من أمراء التتار، يقال له تمرقطلو.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «أعلام النساء» (2/ 154) . [2] يعني أخت الحافظ ابن حجر كاتب ومؤلف «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [3] يعني وسبعمائة. [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «السحب الوابلة» ص (171) وفيه «سعيد بن إبراهيم القطان» وهو تحريف. [5] تحرفت في «ط» إلى «لرحيل» . [6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) . [7] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) .

وفيها عبد الله بن عمر بن محلى بن عبد الحافظ البيتليدي- بفتح الموحدة، وسكون المثناة التحتية [1] ، وفتح المثناة الفوقية، بعدها لام مكسورة خفيفة، ثم مثناة تحتانية ساكنة- الورّاق الدمشقي [2] . قال ابن حجر: سمع من أبي بكر بن الرّضي، وشرف الدّين بن الحافظ، ومحمد بن علي الجزري، وغيرهم. أجاز لي غير مرة، ومات في ذي القعدة. وفيها فخر الدّين عثمان بن عبد الله العامري [3] أخو تقي الدّين. كان شافعيا بارعا في الفقه، وهو منسوب إلى كفر عامر قرية من ناحية الزّبداني، فربما قيل فيه الكفر العامري. أخذ عن الشّرف الشّريشي، وأثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذّهن، وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء. توفي في ذي الحجّة كهلا دون الأربعين. وفيها موفق الدّين علي بن عبد الله الشّاوري الزّبيدي اليمني الشّافعي [4] . كان بارعا في الفقه والصّلاح، مع الدّين والتواضع، وعرض عليه القضاء فامتنع. توفي في صفر. وفيها فرج بن عبد الله الشّرفي الحافظي الدمشقي [5] ، مولى شرف الدّين بن الحافظ. قال ابن حجر: سمع من يحيى بن سعد، وابن الزّرّاد وغيرهما، وأجاز لي غير مرّة. وتوفي في شوال وقد قارب التسعين.

_ [1] في «آ» : «التحتانية» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 305) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 306) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 307) و «الدّرر الكامنة» (3/ 230) .

وفيها محبّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي الشّافعي ابن الهايم [1] . قال ابن حجر في «إنباء الغمر» : ولد سنة ثمانين أو إحدى وثمانين، وحفظ القرآن. وهو صغير جدا، وكان من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة، واشتغل في الفقه، والعربية، والقراءات، والحديث، ومهر في الجميع في أسرع مدة، ثم صنّف، وخرّج لنفسه ولغيره، رافقني في سماع الحديث كثيرا، وسمعت بقراءته «المنهاج» عن شيخنا برهان الدّين وهو أذكى من رأيت من البشر، مع الدّين، والتواضع، ولطف الذات، وحسن الخلق، والصّيانة. مات في رمضان وأصيب به أبوه وأسف عليه كثيرا، عوّضه الله الجنّة، انتهى بحروفه. وفيها عزّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي- بهمزة وميم مفتوحتين وبعد الألف سين مهملة- الدمشقي [2] . قال ابن حجر: سمع من الحجّار «صحيح البخاري» ، وحدّث. أجاز لي، وكان ناظر الأيتام بدمشق، ويتكسب بالشهادة تحت السّاعات، ويوقّع على الحكّام، أقام على ذلك أكثر من ستين سنة. مات في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين. وفيها محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي [3]- بمعجمتين وبينهما نون مفتوحتان [4]- الحنفي. ناب في الحكم، وكان أحد طلبة الصّرغتمشية، وكان فاضلا. جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين، ومات في جمادى الأولى.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 308) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) و «النجوم الزاهرة» (12/ 154) . [4] في «ط» : «مفتوحات» .

وفيها مقبل بن عبد الله الصّرغتمشي [1] . تفقه وتقدم في العلم، وصنّف وشرح، وشارك في العربية، ومات في رمضان. وأنجب ولده محمدا [2] فشارك في الفضائل، ومهر في الحساب، وكان قصير القامة، أحدب مات قبل أبيه بشهرين. قاله ابن حجر. وفيها ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التّركماني الحنفي [3] ، نزيل عنتاب، قدمها فأخذ عن الشيخ فخر الدّين إياس وغيره، وباشر بها بعض المدارس، ولازم الإفادة. أخذ عنه القاضي بدر الدّين العيني، وهو الذي ترجمه، وقال: إنه عاش أكثر من سبعين سنة. مات في سابع عشر ذي الحجّة. وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن تقي الدّين أحمد بن العزّ إبراهيم ابن الخطيب شرف الدّين عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي [4] ، أخو مسند عصره صلاح الدّين الصّالحي إمام مدرسة جدّه الشيخ أبي عمر. سمع من الحجّار وغيره، ومهر في مذهبه، وكان فاضلا، جيد الذّهن، صحيح الفهم، معروفا بذلك. أثنى عليه ابن حجي بذلك. وقال ابن حجر: مهر في مذهبه، وكان يعاب بفتواه بمسألة الطلاق البتة. أجاز لي. انتهى. توفي يوم الأحد ثامن عشر رمضان وصلّي عليه من الغد، ودفن بمقبرة جدّه أبي عمر.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) و «النجوم الزاهرة» (12/ 154) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) و «الدّرر الكامنة» (4/ 445) و «المقصد الأرشد» (3/ 129) و «الجوهر المنضد» ص (173) .

سنة تسع وتسعين وسبعمائة

سنة تسع وتسعين وسبعمائة فيها وصلت كتب من جهة تمرلنك فعوقبت [1] رسله بالشام وأرسلت الكتب التي معهم إلى القاهرة ومضمونها التحريض على إرسال قريبه أطلمش الذي أسره قرا يوسف، فأمر السلطان أطلمش المذكور أن يكتب إلى قريبه كتابا، يعرّفه فيه ما هو عليه من الخير والإحسان بالدّيار المصرية، وأرسل السلطان ذلك مع أجوبته. ومضمونها: أنك إذا أطلقت الذين عندك من جهتي أطلقت من عندي من جهتك، والسلام. وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصّوفي الملقّن [2] . قدم دمشق وهو كبير، وأقرأ القرآن بالجامع، وصارت له جماعة مشهورة، ويقال: إنه قرأ عليه أكثر من ألف نفس اسمه محمد خاصة، وكان الفتوح يأتيه فيفرّقه في أهل حلقته، وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج منه، واستسقوا به مرّة بدمشق، وكان شيخا طوالا، كامل البنية، وافر الهمّة، كثير الأكل. مات في شعبان عن مائة وعشرين سنة، وكانت جنازته حافلة جدا. وفيها إبراهيم بن عبد الله، وسمّاه الغسّاني في «تاريخه» حسن بن عبد الله [3] . قال الغسّاني المذكور: حسن بن عبد الله الأخلاطي الحسيني. كان منقطعا في منزله، ويقال: إنه كان يصنع اللازورد، ويعرف الكيمياء،

_ [1] في «ط» : «فعوقب» وتحرفت في «إنباء الغمر» إلى «فعوقت» فلتصحح. [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 335- 336) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 336) و «الدّرر الكامنة» (1/ 32) .

واشتهر بذلك، وكان يعيش عيش الملوك ولا يتردد لأحد، وكان ينسب إلى الرفض لأنه كان لا يصلي الجمعة، ويدّعي من يتبعه أنه المهدي، وكان في [1] أول أمره قدم حلب- أي من بلاد العجم التي نشأ بها- فنزل بجامعها منقطعا عن الناس، فذكر للظّاهر أنه يعرف الطب معرفة جيدة، فأحضره إلى القاهرة ليداوي ولده فلم ينجع، فاستمر مقيما بمنزله على شاطئ النيل إلى أن مات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين، وخلّف موجودا كثيرا ولم يوص بشيء، فنزل قلمطاي الدويدار الكبير فاحتاط على موجودة فوجد عنده جام ذهب وقوارير فيها خمر وزنانير للرّهبان ونسخة من الإنجيل، وكتبا تتعلق بالحكمة والنّجوم والرّمل، وصندوق فيه فصوص مثمنة على ما قيل. وفيها برهان الدّين أبو الوفا إبراهيم بن نور الدّين أبي الحسن علي بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي [2] . ولد بالمدينة الشريفة، ونشأ بها، وسمع من الحافظ جمال الدّين المطري، والوادياشي. سمع منه «الموطأ» ، وغيرهما. وتفقه وبرع، وصنّف، وجمع، وحدّث، وولي قضاء المالكية بالمدينة المنورة، وكانت وفاته بها في ذي الحجّة ودفن بالبقيع وقد جاوز التسعين. وفيها نجم الدّين أحمد [بن إسماعيل] [3] بن محمد بن أبي العزّ [بن صالح بن أبي العزّ] [4] وهيب [5] الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الكشك [6] .

_ [1] لفظة «في» سقطت من «ط» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 338) و «الدّرر الكامنة» (1/ 48) و «التحفة اللطيفة» (1/ 132) . [3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» . [4] ما بين القوسين سقط من «ط» . [5] كذا في «إنباء الغمر» و «الدّرر» : «وهيب» وفي «آ» و «ط» : «وهب» . [6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 339) و «الدّرر الكامنة» (1/ 107) و «النجوم الزاهرة» (12/ 160) و «الطبقات السنية» (1/ 284) .

ولد سنة عشرين، وسمع من الحجّار وحدّث عنه، وتفقه وولي قضاء مصر سنة سبع وسبعين فلم تطب له، فرجع، وولي قضاء دمشق مرارا آخرها سنة اثنتين وتسعين، ثم لزم داره، وكان خبيرا بالمذهب. درّس بأمكان وهو أقدم المدرسين والقضاة، وكان عارفا صارما، وأجاز له سنة مولده وبعدها القاسم بن عساكر، ويحيى بن سعد، وابن الرزّاز، وابن شرف، وزينب بنت سكّر، وغيرهم. وأجاز هو للحافظ ابن حجر، وضربه أخ له مختل بسكين فقتله، رحمه الله. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم الصّفدي [1] ، نزيل مصر، المعروف بابن شيخ الوضوء. قال ابن حجر: كانت له عناية بالعلم، وعرف والده بشيخ الوضوء لأنه كان يتعاهد المطاهر فيعلّم العوام الوضوء، وهو والد الشيخ شهاب الدّين، وتوفي المترجم في ربيع الأول. وفيها محبّ الدّين أحمد بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز النّويري الشافعي [2] ، قاضي مكّة وابن قاضيها. ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأسمعه أبوه على البدر بن جماعة وغيره، وتفقه بأبيه وغيره، وناب عن أبيه، وولي قضاء المدينة في حياته، ثم تحوّل إلى قضاء مكّة سنة سبع وثمانين فمات بها. وكان عارفا بالأحكام مشكورا. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أسد بن قطليشا العطّار [3] . ولد سنة بضع وعشرين وسبعمائة، وحدّث عن زينب بنت الكمال، وأبي بكر بن الرّضي، وغيرهما. قال ابن حجر: أجاز لي، ومات في ربيع الأول وقد جاوز السبعين.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 340) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 341) و «الدّرر الكامنة» (1/ 244) و «العقد الثمين» (3/ 123) و «التحفة اللطيفة» (1/ 221) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 341) و «الدّرر الكامنة» (1/ 262) .

وفيها أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] . قال في «إنباء الغمر» : سمع من الحجّار، وحدّث، وكان به صمم. مات في المحرّم وقد جاوز الثمانين. أجاز لي. انتهى. وفيها عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن الشيخ زين الدّين عبد الرحمن ابن أبي بكر بن أيوب الزّرعي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن قيم الجوزية [2] . كان من الأفاضل، واقتنى كتبا نفيسة، وهي كتب عمّه الشيخ شمس الدّين ابن القيم، وكان لا يبخل بعاريتها. توفي يوم السبت خامس عشري رجب. وفيها زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم ابن تيميّة الحنبلية [3] بنت أخي الشيخ تقي الدّين. قال ابن حجر: سمعت من الحجّار وغيره، وحدّثت، وأجازت لي. وفيها زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية [4] ، يعرف أبوها بابن العصيدة. حدّثت بالإجازة العامة عن الفخر بن البخاري وغيره، وأجازت لابن حجر، وزاد عمرها على المائة وعشر سنين. وفيها سعد بن عبد الله البهائي السّبكي الشافعي [5] مولى أبي البقاء.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 343) و «الدّرر الكامنة» (1/ 438) و «السّحب الوابلة» ص (125) . [2] انظر «الجوهر المنضد» ص (21) و «المقصد الأرشد» (1/ 265) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 629- 630) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 345) و «أعلام النساء» (2/ 74) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 345) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 346) .

سمع من زينب بنت الكمال، والجزري بدمشق، ومن العلّامة شمس الدّين بن القمّاح، وإسماعيل بن عبد ربّه بالقاهرة، ومن غيرهم. وأجاز للحافظ ابن حجر العسقلاني، وتوفي في رمضان. وفيها عبد الله بن علي بن عمر السّنجاري الحنفي [1] ، قاضي صور. ولد سنة اثنتين وعشرين، وتفقه بسنجار، وماردين، والموصل، وإربل. وحمل عن علماء تلك البلاد، وحدّث عن الصّفي الحلّي بشيء من شعره، وقدم دمشق أخذ بها عن القونوي الحنفي، ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدّين الأصبهاني، وأفتى ودرّس، وتقدم، ونظم [2] «المختار» في فقه الحنفية، وغير ذلك. وكان يصحب أمير [3] علي المارداني، فأقام معه بمصر مدة، وناب في الحكم، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، ودرّس بالصالحية، وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، لين الجانب. ومن شعره: لكلّ امرئ منّا من الدّهر شاغل ... وما شغلي ما عشت إلّا المسائل وكان يحفظ كثيرا من الحكايات والنّوادر، وعنده سكون وتواضع. توفي بدمشق في ربيع الآخر. وفيها أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حمّاد بن تركي بن عبد الله المعرّي [4] ، نزيل القاهرة الشافعي. ولد سنة أربع أو خمس عشرة [5] ، وسمع من الدّبوسي، والواني، وابن

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 346) و «الدّرر الكامنة» (2/ 277) و «الطبقات السنية» (4/ 175- 176) و «الفوائد البهية» ص (103) . [2] في «ط» و «نظر» وهو تحريف. [3] لفظة «أمير» سقطت من «آ» . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 347) و «الدّرر الكامنة» (2/ 324) و «النجوم الزاهرة» (12/ 157) . [5] يعني وسبعمائة.

سيّد النّاس، وخلق كثير. وأجاز له ابن الشّيرازي، والقاسم بن عساكر، والحجّار، وخلق كثير أيضا. وطلب بنفسه، وتيقظ، وأخذ الفقه عن السبكي وغيره. وكان يقظا نبيها، مستحضرا، عابدا، قانتا. وكان يتسبب في حانوت بزّاز ظاهر باب الفتوح، ثم ترك ذلك. قال ابن حجر: وكان بينه وبين أبي مودّة وصحبة، فكان يزورنا بعد موت أبي وأنا صغير، ثم اجتمعت به لما طلبت الحديث، فأكرمني، وكان يديم الصبر لي على القراءة إلى أن أخذت عنه [1] أكثر مروياته، وقد تفرّد برواية «المستخرج على صحيح مسلم» لأبي نعيم، قرأته عليه كلّه، وحدّثت بالكثير من مسموعاته. وقال لي شيخنا العراقي مرارا: عزمت على أن أسمع عليه شيئا. وقد تغيّر قليلا في أول هذه السنة، واتفق له لمّا كان في الحانوت أن أودع عنده شخص مائتي دينار فوضعها في صندوق بالحانوت، فنقب اللّصوص الحانوت وأخذوا ما فيه، فطابت نفس صاحب الذّهب ولم يكذّب الشيخ ولا اتهمه، فاتفق أن الشيخ رأى في النّوم بعد نحو [2] ستة أشهر من يقول له: إن الذهب الوديعة في الحانوت وأنه وقع من اللّص لما أخذ الصندوق في الدّروند، فأصبح فجاء إلى الحانوت فوجد الصّرّة كما هي قد غطّاها التّراب، فأخذها وجاء إلى صاحب الذهب، فقال: خذ ذهبك، فقال: ما علمت منك إلّا الصّدق والأمانة وقد نقب حانوتك وسرق الذهب فلم كلّفت نفسك واقترضت هذا الذهب، فحدّثه بالخبر، فقال: لا آخذ منه شيئا وأنت في حلّ منه، فعالجه حتّى أعياه، فامتنع من أخذه، فحجّ الشيخ وجاور مدة حتّى أنفق الذهب. وتوفي بمصر في تاسع عشري ربيع الآخر.

_ [1] لفظة «عنه» سقطت من «ط» . [2] لفظة «نحو» سقطت من «ط» .

وفيها أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي [1] الشافعي مسند الشام في عصره. أحضره أبوه على وزيرة بنت المنجّى، والقاضي سليمان، وإسماعيل بن مكتوم، وابن عبد الدائم، وأسمعه من عيسى المطعم، وابن الشيرازي، وابن مشرف، والقاسم بن عساكر، وأهل عصره، فأكثر عنهم. قال في «إنباء الغمر» : وخرّج له «أربعين حديثا» ، وحدّث بها في حياة أبيه سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وحدّث في غالب عمره، وكان صبورا على الإسماع، محبا لأهل الحديث والروايات، ويذاكر بأشياء حسنة، وأمّ بجامع كفر بطنا عدة سنين، وأضر بأخرة، وتفرّد بكثير من الشيوخ والروايات، وأجاز لي غير مرة. مات في ربيع الأول بقرية كفر بطنا وله إحدى وثمانون سنة. وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني، المعروف بالحجار [2] . قال ابن حجر: روى عن جدّه، وسمع من أصحاب الفخر، وعني بالعلم، وتفقه قليلا. مات في عيد الأضحى. وذكر لنا السّكّري أنه رأى سماعه «الموطأ» على الوادياشي. انتهى. وفيها عثمان بن محمد بن وجيه الشّيشيني [3]- بمعجمتين مكسورتين بعد كل منهما تحتانية ساكنة، ثم نون قبل ياء النّسب-. سمع «جامع الترمذي» من العرضي، ومظفّر الدّين العسقلاني بسندهما

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 350) و «الدّرر الكامنة» (2/ 341) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 351) و «التحفة اللطيفة» (3/ 56) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 351) .

المعروف، وكان يباشر في الشهادات وينوب في الحكم ببعض البلاد، وكان ذا مروءة ومواساة لأصحابه، وأجاز للحافظ ابن حجر. وتوفي يوم نصف ربيع الآخر. وفيها علي بن أحمد بن عبد العزيز النّويري ثم المكّي المالكي [1] . ولد سنة أربع وعشرين، وسمع من عيسى الحجّي، والزّين بن علي، والوادياشي، وغيرهم. وتفقه، وباشر إمامة مقام المالكية بمكة خمسا وثلاثين سنة، وناب في الحكم عن أبيه أبي الفضل، ثم عن ابن أخيه، وكان ذا مروءة وعصبية، وتصلب في الأحكام، مع المهابة. وفيها شرف الدّين عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي الغزّي الشافعي [2] . ولد سنة تسع وخمسين، وقدم دمشق وهو كبير، فأخذ عن ابن حجي، والحسباني، وابن قاضي شهبة، وغيرهم. وعني بالفقه والتدريس، وناب في الحكم، وولي قضاء داريّا، وأخذ عن ابن الخابوري الفقه بطرابلس، وأذن له في الفتوى، وكان بطيء الفهم، متشاغلا في الأحكام، مع المعرفة التّامة. وله تصنيف في أدب القضاء جوّده، وهو حسن في بابه، وكان في أول أمره فقيرا، ثم تزوج فماتت الزوجة فحصل له منها مال له صورة، ثم تزوج أخرى كذلك، ثم أخرى، إلى أن أثرى وكثر ماله. قال ابن حجي: كان أكثر الناس يمقتونه. مات في رمضان. قاله ابن حجر. وفيها زين الدّين قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النّويري المالكي [3] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 352) و «الدّرر الكامنة» (3/ 17) و «العقد الثمين» (6/ 132) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 355) و «الدّرر الكامنة» (3/ 205) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 216) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 273) و «البدر الطالع» (1/ 515) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 357- 358) .

تفقه، وقرأ المواعيد، وأعاد للمالكية بأماكن، وتصدّر بالجامع الأزهر وغيره، وكان صالحا، خيّرا، ديّنا، متواضعا. مات في المحرم عن نحو ستين سنة. وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطّرابلسي الحنفي [1] . تفقه ببلده على شمس الدّين بن إيمان التركماني وغيره، وبدمشق على صدر الدّين بن منصور، وقدم القاهرة فتقرّر من طلبة الصرغتمشية، وأخذ عن السّراج الهندي، وناب عنه في الحكم، وسمع على الشيخ جمال الدّين الأسيوطي بمكّة. وولي القضاء بالقاهرة مرتين استقلالا، وكان خبيرا بالأقضية، عارفا بالوثائق. قال العثماني في «تاريخه» : كان شيخا مهابا، مليح الشّيبة، فقيها، مشاركا في الفنون، عارفا بالشعر، وطرق أحوال الأحكام. انتهى. توفي في ذي الحجّة قبل انسلاخ الشهر بيوم، وقد زاد على السبعين. وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الكفرسوسي اللّبّان المعمّر [2] . قال ابن حجر: زاد على المائة يقرؤون عليه بإجازته العامة من الأبرقوهي ونحوه، وأجاز لي. انتهى. وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلامة بن المسلم بن البهاء الحرّاني ثم الصّالحي [3] المؤذن، المعروف بابن البهاء. سمع من القاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهما. وحدّث في سنة ست وثمانين بالصحيح، قرأه عليه بدر الدّين بن مكتوم، ومات في هذه السنة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 357) و «النجوم الزاهرة» (12/ 157) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 358) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 359) .

وفيها محبّ الدّين محمد بن العلّامة جمال الدّين عبد الله بن يوسف بن هشام [1] . حضر على الميدومي وغيره، وسمع من بعده، وقرأ العربية على أبيه وغيره، وشارك في غيرها قليلا، وكان إليه المنتهى في حسن التعليم، مع الدّين المتين. مات في رجب عن نحو خمسين سنة. وفيها ناصر الدّين محمد بن الشيخ عزّ الدّين محمد بن الشيخ ناصر الدّين داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي، المسند الأصيل المقرئ [2] . أجاز له إسحاق النحّاس وجماعة، وسمع من القاضي سليمان، وكان إمام المسجد المعروف بأبيه عزّ الدّين، وقد أضرّ في آخر عمره. انقطع ثلاثة أيام مطعونا، وتوفي في ليلة ثامن رجب ودفن بتربة جدّه الشيخ أبي عمر على والده. وفيها شرف الدّين أبو الخطّاب محمد بن القاضي جمال الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سبط التّقي السّبكي [3] . ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأحضر على ابن الخبّاز وغيره، وأجاز له ابن الملوك وجماعة من المصريين، وكان أبوه قاضي المالكية، ثم تحوّل هو شافعيا مع أخواله السّبكية، ونشأ بينهم، فسلك طريقهم، وولي إفتاء دار العدل، وناب في الحكم عن برهان الدّين بن جماعة نحو سنة بعد أن صاهره على ابنته فصرف عن قريب، ثم استقلّ بالحكم بعده، وولي خطابة

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 359) و «بغية الوعاة» (1/ 148) . [2] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 176) و «المقصد الأرشد» (2/ 512) و «الجوهر المنضد» ص (127) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 360) و «النجوم الزاهرة» (12/ 160) .

المسجد الأقصى بعد وفاة ولد البرهان بن جماعة، ثم طلب للقاهرة ليولّى القضاء فأدركه أجله بها في شهر رجب، وكان عفيفا، صارما، مع لين جانب، شريف النّفس، حسن المباشرة للأوقاف، مقتصدا في مأكله وملبسه. وفيها جمال الدّين محمود بن علي القيصري الرّومي الحنفي، المعروف بالعجمي [1] . قدم القاهرة قديما [واشتغل بالفنون، ومهر، وولي الحسبة مرارا، ثم نظر الأوقاف، ودرّس بالمنصورية في التفسير] [2] وولي مشيخة الشيخونية، وقضاء الحنفية، ونظر الجيش. وكان بحالة إملاق، ثم وصل إلى ما وصل إليه، حتّى قال: هذا الذي حصل لي- أي من الغنى- غلطة من غلطات الدهر، وكان عنده دهاء، مع حشمة زائدة وسخاء، وكان فصيحا بالعربية والتركية والفارسية، كثير التأنق في ملبسه ومأكله. مات في سابع ربيع الأول. وفيها يوسف بن أمين الدّين عبد الوهاب بن يوسف بن السّلّار الشّمّاع [3] . حضر على الحجّار وغيره، وحدّث، وأجاز لابن حجر. وتوفي في المحرم عن سبعين سنة، والله تعالى أعلم.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 362) و «النجوم الزاهرة» (12/ 158) . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 366) .

سنة ثمانمائة

سنة ثمانمائة فيها نازل تمرلنك الهند فغلب على ولي كرسي المملكة، وفتك على عادته، وخرّب، وكان توجّه إليها على طريق غريبة على البرّ ووصل زحفه [1] إلى اليمن، وكان السبب المحرّك له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله، فتوجه في عساكره، وكان فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده يلوا [2] الوزير، واستقر في المملكة، فقصده اللّنك فاستقبله يلوا بجد وصدّر أمام عسكره الفيلة عليها المقاتلة، فلما استقبلتها خيل اللّنك هربت منها، فبادر اللّنك وأمر باستعمال قطع من الحديد على صفة الشّوك وألقاها في المنزلة التي كان بها، فلما أصبحوا واصطفوا للقتال أمر عساكره بالتقهقر إلى خلف، فظنوا أنهم انهزموا، فتبعوهم، فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكائن في الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها، ورجعت القهقرى من ألم الحديد، فكانت أشدّ عليهم من عدوهم، بحيث طحنت المقاتلة الرجّالة [3] والفرسان، فانهزموا بغير قتال. وفيها في شوال كان الحريق العظيم بدمشق عمّ الحريريين والقواسين والسّيوفيين [4] وبعض النحاسين [5] ، ووصلت النّار إلى حائط الجامع، وإلى قرب

_ [1] في «إنباء الغمر» : (رجيفه) وانظر التعليق عليه. [2] في «إنباء الغمر» : (ملّو) وانظر التعليق عليه. [3] في «آ» و «ط» : «الرجال» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (3/ 375) مصدر المؤلف. [4] في «ط» : «السوفيين» وهو خطأ. [5] تصحفت في «ط» إلى «النخاسين» .

النّورية، واحترقت الجوزية، وحمّام نور الدّين، وغير ذلك. وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم الثلاثاء ثالث عشرينه [1] . وفيها برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي، المعروف بالقاضي [2] الشيخ الإمام الصّالح، أخو الحافظ شمس الدّين. حضر على الحجّار، وسمع من أحمد بن علي الحريري، وعائشة بنت المسلّم، وزينب بنت الكمال، وحدّث، فسمع منه الحافظ ابن حجر، وتوفي في شوال. وفيها إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد [بن عبد المؤمن بن سعيد] [3] بن علوان بن كامل التّنوخي البعلي ثم الشّامي [4] ، نزيل القاهرة الشافعي، شيخ الإقراء، ومسند القاهرة. ولد سنة تسع أو عشر وسبعمائة، وأجاز له إسماعيل بن مكتوم، وابن عبد الدائم، والقاسم بن عساكر، وجمع كثير يزيدون على الثلاثمائة، ثم طلب الحديث بنفسه، فسمع الكثير من أبي العبّاس الحجّار، والبرزالي، والمزّي، وخلق كثير يزيدون [5] على المائتين، وعني بالقراءات فأخذ عن البرهان الجعبري، والبرقي، وغيرهما. ثم رحل فأخذ عن أبي حيّان، وابن السّرّاج وغيرهما، ومهر في القراءات، وكتب مشايخه له خطوطهم بها، وتفقه على المازري بحماة، وابن النّقيب بدمشق، وابن القمّاح بالقاهرة، وغيرهم، وأذنوا له، وأفاد، وحدّث قديما. قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، ولازمته طويلا، وخرّجت له عشاريات

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 382) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 398) و «الدّرر الكامنة» (1/ 10) و «السّحب الوابلة» ص (22) . [3] ما بين القوسين سقط من «آ» . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 398) . [5] في «ط» : «يزيد» .

مائة [1] ، ثم خرّجت له «المعجم الكبير» في أربعة وعشرين جزءا، فصار يتذكر به مشايخه وعهده القديم، فانبسط للسماع، وحبّب إليه، فأخذ عنه أهل البلد والرّحّالة فأكثروا عنه، وكان قد أضرّ بأخرة، وحصل له خلط ثقل منه لسانه، فصار كلامه قد يخفى بعضه بعد أن كان لسانه كما يقال كالمبرد. ومات فجأة من غير علّة في جمادى الأولى. انتهى. وفيها تاج الدّين أحمد بن القاضي فتح الدّين محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي الكرم محمد بن الشهيد الشامي [2] الفقيه الشافعي. شارك في الفنون، والنّظم، والنّثر، ودرّس في عدة أماكن، وباشر قضاء العسكر، وكان محبوبا إلى النّاس. توفي في ذي القعدة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي الشّوبكي [3] ، نزيل مكة. قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه والعربية، مع الدّين والورع، وأتقن القراءات، وجاور بمكة نحو عشر سنين، فقرءوا عليه ومات بها في ربيع الأول، وهو في عشر الخمسين، وكانت جنازته حافلة جدا. وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن سرور بن سليمان البرماوي الشافعي [4] ابن خطيب الحديثة. قال ابن حجي: اشتغل وحصّل، وذكر في النّبهاء من [5] بعد

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «غاية» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (101) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 402) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 403) و «الدّرر الكامنة» (1/ 304) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 403) و «الدّرر الكامنة» (2/ 24) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 206) . [5] لفظة «من» سقطت من «ط» .

الخمسين [1] . وقرّر في عدة وظائف، ثم تركها، وأقبل على العبادة والمواظبة على الأوراد الشاقة، ولم يغيّر زي الفقهاء، وكان شكلا حسنا، نيّر الوجه، منبسطا، ولا يكون في الخلوة إلّا مصليا أو تاليا، أو ذاكرا، أو مطالعا في كتاب، وكان يبدي مسائل ومشكلات ويحسن الجواب، ولم يكن في عصره من الفقهاء أعبد منه، وكان أخوه القاضي شرف الدّين قد كفاه همّ الدنيا. مات في سلخ رمضان. انتهى. وفيها زينب بنت عثمان بن محمد بن لؤلؤ الدمشقية [2] . سمعت الحجّار، وأجازت للحافظ ابن حجر. وفيها أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحقّ المريني [3] ، صاحب فاس وبلاد المغرب. توفي في جمادى الآخرة واستقرّ بعده أخوه أبو سعيد عثمان ودبّر أمر المملكة أحمد بن علي القبائلي على عادته في أيام أخيه. وفيها تاج الدّين أبو محمد عبد الله بن علي بن عمر السّنّجاري الحنفي [4] المعروف بقاضي صور- بفتح الصاد المهملة بلدة بين حصن كيفا وبين ماردين بديار بكر [5]-. ولد بسنجار سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وتفقه بها وبالموصل وماردين، وكان إماما عالما بارعا مفننا في الفقه، والأصلين، والعربية، واللغة. أفتى ودرّس سنين، وقدم إلى دمشق ثم إلى القاهرة، وأخذ عن علماء المصريين، وألّف عدة كتب، منها: «البحر الحاوي» في الفتاوى، و «نظم المختار» في الفقه، و «نظم السّراجية» في الفرائض، و «نظم سلوان المطاع لابن ظفر» .

_ [1] يعني وسبعمائة. [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 404) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 404) . [4] لفظة «الحنفي» سقطت من «آ» وانظر «إنباء الغمر» (3/ 405) و «النجوم الزاهرة» (12/ 162) . [5] تنبيه: كذا قيّدها المؤلّف بفتح الصاد المهملة، والذي في «معجم البلدان» (3/ 434) «صوّر» بالضم ثم التشديد والفتح، وقال: هي قرية على شاطئ الخابور، بينها وبين الفدين نحو أربعة فراسخ. وانظر «المسالك والممالك» ص (74) .

وناب في الحكم بالقاهرة ودمشق وولي وكالة بيت المال بدمشق، وكان من محاسن الدنيا. توفي في [1] آخر هذه السنة، رحمه الله تعالى. وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي الوسم بن هبة الله بن المقداد القيسي الصّقلي الأصل ثم الدمشقي [2] . قال ابن حجر: سمع من الحجّار، وحفيد العماد، والمزّي، وهلال بن أحمد البصراوي، وأيوب بن نعمة الكحّال، وغيرهم. وحدّث، وهو رجل جيد أجاز لي غير مرّة. وكان قد انفرد بسماع «مسند الحميدي» . انتهى. وفيها مجد الدّين عبد الرحمن بن مكّي الأقفهسي [3] المالكي. تفقه وناب في الحكم، وتوفي في جمادى الأولى. وفيها علاء الدّين علي بن صلاح الدّين محمد بن زين الدّين محمد بن المنجّى بن محمد بن عثمان الحنبلي التّنوخي [4] قاضي الشام. تقدم في العلم إلى أن صار أمثل فقهاء الحنابلة في عصره، مع الفضل والصّيانة والدّيانة والأمانة، وناب عن ابن قاضي الجبل، ثم استقلّ بالقضاء سنة ثمان وثمانين بعد موت ابن التّقي، ثم صرف مرارا، وأعيد، إلى أن مات في رجب بالطّاعون بمنزله بصالحية دمشق. وفيها علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي [5] المحدّث سبط القاضي نجم الدّين الدمشقي، ويعرف بابن الصّايغ وبابن خطيب عين ترما، وبالجوزي لأن أباه كان إمام مسجد الجوزة بدمشق.

_ [1] لفظة «في» سقطت من «ط» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 406) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) . [4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) و «السحب الوابلة» ص (311) . [5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) .

ولد في ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة، وسمع من ابن تيميّة، والقاسم بن عساكر، ووزيرة، والحجّار، وخلق، وتفرّد بالسماع منهم، وخرّجت له عنهم «مشيخة» وأجاز له سنة ثلاث عشرة التّقي سليمان، والمطعم، والدّبوسي، وابن سعد، وابن الشّيرازي، وظهر سماعه للصحيح من ست الوزراء بأخرة، فقرءوا عليه بدمشق، ثم قدم القاهرة فحدّث به مرارا. قال ابن حجر: سمعت عليه «سنن ابن ماجة» و «مسند الشافعي» و «تاريخ أصبهان» وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار، فأكثرت عنه، وكان صبورا على التسميع، ثابت الذهن، ذاكرا، ينسخ بخطّه وقد جاوز التسعين. صحيح السمع والبصر، رجع إلى بلده فأقام بمنزله إلى أن مات في ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن يسير البعلبكي، المعروف بابن الأقرع الحنبلي الأعجوبة [1] . قال في «إنباء الغمر» : اشتغل كثيرا، وتمهر، وكان جيد الذهن، قوي الحفظ، يعمل المواعيد عن ظهر قلب، وله عند العامة بدمشق قبول زائد، وكان طلق اللّسان، حلو الإيراد. مات في شهر رمضان مطعونا. انتهى. وفيها بهاء الدّين أبو البقاء محمد بن حجي الحسباني الشافعي [2] ، أخو قاضي الشام الآن نجم الدّين عمر، والشيخ شهاب الدّين. ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وعني بالعلم، وشارك في عدة فنون، وكان حسن الصّوت بالقرآن جدا. توفي في شوال شابا.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) وفيه: «محمد بن بشير» . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) .

وفيها أبو عبد الله محمد بن سلامة التّوزري المغربي الكركي [1] نزيل القاهرة. قال ابن حجر: كان فاضلا، مستحضرا لكثير من الأصول والفقه، صحب السلطان في الكرك فارتبط عليه واعتقده، ثم قدم عليه فعظمه جدا، وكان يسكن في مخزن في اسطبل الأمير قلمطاي الدويدار، وإذا ركب إلى القلعة ركب على فرس بسرج ذهب، وكبنوش مزركش من مراكب السلطان، وكان داعية إلى مقالة ابن العربي الصّوفي يناضل عنها ويناظر عليها، ووقع له مع شيخنا الشيخ سراج الدّين البلقيني مقامات. اجتمعت به وسمعت كلامه، وكنت أبغضه في الله تعالى، وكان قد حجّ في السنة الماضية، ووقع بينه وبين ابن النقّاش وغيره ممن حجّ من أهل الدّين وقائع وكتبوا عليه محضرا بأمور صدرت منه فيها ما يقتضي الكفر، ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه. مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول، ولمّا مات أمر السلطان ليبلغا السالمي بمائتي دينار ليجهزه بها، فتولى غسله وتجهيزه، وأقام على قبره خمسة أيام بالمقرءين على العادة. انتهى كلام ابن حجر. وفيها جمال الدّين محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزّرندي المدني الحنفي [2] . عني بالفقه والحديث، وبرع في مذهب الإمام الأعظم. توفي بين مكة والمدينة. وفيها أمين الدّين محمد بن محمد بن علي الأنصاري الحمصي الدمشقي الحنفي [3] . تقدم في الأدب، وأخذ الفقه عن رمضان الحنفي، والعربية عن تقي الدّين ابن الحمصية، وولي كتابة السرّ بحمص، ثم بدمشق.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) و «النجوم الزاهرة» (12/ 165) . [2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 413) و «التحفة اللطيفة» (3/ 654) . [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 414) و «النجوم الزاهرة» (12/ 163) .

قال ابن حجر: قدم القاهرة مع نائبها تنم فاجتمعت به، وسمعت عليه قطعة من نظمه، وأجاز لي، وكان شكلا حسنا، مع التواضع والأدب، وكان له في النظم والنثر اليد البيضاء طارح فتح الدّين بن الشهيد، وعلاء الدّين التّبريزي، وفخر الدّين بن مكانس وغيرهم، وأثنى عليه طاهر بن حبيب، وقال: كانت له مشاركة في الفنون، وكتابة فائقة، وعبارة رائقة. توفي في ربيع الأول ولم يكمل الخمسين. ومن شعره: كلّما قلت قد نصرت عليه ... لاح من عسكر اللّحاظ كمينا خنت فيه مع التشويق صبري ... ليت شعري فكيف أدعى أمينا وفيها شمس الدّين محمد بن المبارك بن عثمان الحلبي الرّومي الأصل الحنفي [1] . أصله من قرية يقال لها فنرى [2] . قرأ ببلاده «الهداية» على التاج بن البرهان، ثم قدم حلب، فأخذ عن الشيخ شمس الدّين بن الأقرب وقطبها، وكان صالحا، خيّرا، متعبدا، وهو آخر فقهاء حلب المتعبدين العاملين، كثير التلاوة والخير والعبادة والإيثار. قدم القاهرة فأخذ عن العراقي، وابن الملقن، والجلال التباني، وحجّ، وجاور، ومات في ثامن عشر شهر رمضان. وفيها بدر الدّين محمد بن يوسف بن أحمد بن الرّضي عبد الرحمن الدمشقي الحنفي [3] . اشتغل، وبرع، وسمع من ابن الخبّاز، وابن عبد الكريم، وكان أعرف

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 415) و «الدّرر الكامنة» (4/ 153) . [2] في «آ» و «ط» : «يرى» من غير تنقيط وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 416) .

من بقي من الحنفية بنقل الفقه، مع جودة النباهة، ودرّس بأماكن وأفتى، وناب في الحكم، وكان هو المعتمد عليه في المكاتيب بدمشق، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن أبي المجد الحكّار [1] . سمع من الميدومي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، وأجاز له جماعة من المصريين والشاميين، وحدّث، وسمع منه الحافظ ابن حجر، وتوفي في رجب، والله تعالى أعلم.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 416) .

تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا للمجلد الثامن من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي في اليوم الثاني من شهر ربيع الثاني الأغر لعام 1412 هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعيننا على الانتهاء من تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه تعالى خير مسؤول، وأسرع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين محمود الأرناؤوط

المجلد التاسع

[المجلد التاسع] تقديم [1] للأستاذ الدكتور شاكر الفحّام نائب رئيس مجمع اللّغة العربيّة بدمشق المدير العام لهيئة الموسوعة العربيّة - 1- أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الصالحي الحنبلي المعروف بابن العماد (1032- 1089 هـ) من أبرز من أنجبته دمشق من المؤرخين في القرن الحادي عشر الهجري. وصفه تلميذه المحبي في (خلاصة الأثر) فأضفى عليه حلل الثناء تقديرا لمكانته العلمية، وتحدّث بإعجاب بالغ عن سعة معرفته بالعلوم المختلفة، وعدد تآليفه، وأشاد بمهارته في تعليم طلابه والآخذين عنه. شهر ابن العماد بكتابه العظيم: (شذرات الذهب) الذي لخص فيه أحداث ألف عام (سنة 1- 1000 هـ) ، وعني فيه بتراجم العلماء والأعلام. وقد فرغ من تأليفه في يوم الاثنين التاسع عشر من شهر رمضان المعظم من شهور سنة ثمانين وألف [2] وكان في نحو الثامنة والأربعين من عمره.

_ [1] تفضل الأستاذ الكبير الدكتور شاكر الفحّام بكتابة هذا التقديم بعد اطلاعه على المجلدات السبعة الأولى الصادرة من الكتاب، وعلى تجربة الطبع الأولى للمجلد الثامن منه، فجزاه الله تعالى خير الجزاء وحفظه ذخرا لطلبة العلم في هذه الدّيار. (المحقق) . [2] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443.

ودلّ هذا الكتاب على سعة اطلاع ابن العماد، وكثرة الكتب التي نقل عنها. وقد ذكر طائفة من تلك الكتب في مقدمة كتابه [2] ، ونثر الكثير منها في متن الكتاب، وأغفل ذكر جملة منها فقال: «وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبته ولطلب الاختصار» [3] . وعني الخالفون بكتاب (الشذرات) ووألوا إليه، ومما يدل على تلك العناية ما انتهى إلينا من اختصار ابن شقدة الدمشقي (ت. 116 هـ) له في كتابه: (منتخب شذرات الذهب) [4] . - 2- طبع كتاب (شذرات الذهب) طبعته الأولى سنة (1350- 1351 هـ) . أصدرته مكتبة القدسي بالقاهرة في ثمانية أجزاء، وأثبتت على صفحته الأولى أنه طبع عن نسخة المصنّف المحفوظة في دار الكتب المصرية، مع مقابلة بعضها بنسختين في الدار أيضا، وبعضها بنسخة الأمير عبد القادر الجزائري. ونشرت في مطلع الجزء الأول من الكتاب صورة الصفحة الأولى من مخطوط (الشذرات) وقد ظهر فيها: «انتقل، ولله الحمد والمنّة، إلى ملك جامعه الفقير أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد، غفر الله تعالى ذنوبه، آمين» ، وتحت هذا التملك ختمه. ثم ظهر في أسفل الصفحة: «دخل، ولله الحمد والمنة، وفي ... وأحوجهم إلى وجود ربه ... ابن عبد الحي بن ... العماد، غفر ... لهم أجمعين، آمين» . ثم جاء في ختام الجزء الرابع المطبوع: «نجز الجزء الأول [أي من تجزئة الأصل] من (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) في منتصف جمادى الثانية الذي هو من شهور سنة إحدى وثمانين وألف على يد أفقر عباد الله محمد بن أحمد بن شيخ المحيا ... وهذه نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى. وهي ثاني نسخة، ولله الحمد» [5] .

_ [2] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 111- 112. [3] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443. [4] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 6: المقدمة (1- 2) . [5] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 4: 348.

وقال الناسخ في آخر الكتاب: «وكان الفراغ من نسخه يوم الخميس خامس عشر شهر رجب الفرد الذي هو من شهور سنة أربعة وثمانين وألف على يد الفقير الحقير محمد بن أحمد المحيوي الصالحي ... وهي أول نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى» . [6] وذكر الناشر في مطلع الكتاب ترجمة ابن العماد مقتبسة من (النعت الأكمل) و (السحب الوابلة) ، و (خلاصة الأثر) . ثم ذكر جملة من مصادر ابن العماد [7] . ووعد بإضافة تعليقات للسيد أحمد رافع الطهطاوي، ولكنه لم يستطع الوفاء بما وعد [8] . وقد يسرت مكتبة القدسي بطبعتها الاطلاع على كتاب نفيس، كانت تتشوق إليه النّفوس. - 3- لم يلق الكتاب آنذاك ما يستحق من التحقيق والتدقيق والمراجعة، فوقع فيه التصحيف والتحريف والسقط. ومرّت على طبعته تلك خمس وخمسون سنة، وهي الطبعة الوحيدة التي تصورها المطابع، وتتداولها الأيدي، حتى انتدب الأستاذ محمود الأرناؤوط لتحقيق الكتاب تحقيقا علميا، فأعد للأمر عدته، وشدّ له حيازيمه، واعتمد مخطوطة الظاهرية (رقم 3465 عام) أصلا [9] . وهي نسخة فرغ شعبان بن عبد الله الشافعي المخزومي من كتابتها صبيحة يوم الجمعة رابع عشر شهر شوال من شهور سنة خمس وثمانين وألف. ونقلت من خط مؤلّفها. وهي ثالث نسخة تمت. كما عاد في تحقيقه إلى النسخة المطبوعة [10] .

_ [6] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443. [7] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 1: 363- 364، 8: 487. [8] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 1: 362. [9] انظر وصف المخطوطة في فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية- التاريخ وملحقاته للأستاذ يوسف العش ص 11، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية- التاريخ وملحقاته للأستاذ خالد الريان ص 656. [10] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 97- 98، 105.

ثم أفاد في التحقيق من كتاب: (منتخب شذرات الذهب) لابن شقدة [11] . وعني بتخريج النصوص والأشعار من مظانها، ونسبة ما أغفله ابن العماد فلم يعزه، مستدركا تارة من المصادر، ومصححا تارة أخرى. وقد ضبط الألفاظ وفسّر المشكل. وقد تولى والد المحقق الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وهو العالم المحدّث الثقة، تخريج الأحاديث النبوية والإشراف على التحقيق فحظي الكتاب بمزيّة لا تضاهى [12] . وقدّم الأستاذ محمود للكتاب بمقدمة أطال فيها عنان القول متحدثا عن مشهوري المؤرخين الذين سبقوا ابن العماد، ثم ترجم لابن العماد، وكشف عن قيمة كتاب (الشذرات) بين كتب المؤرخين، وبيّن النهج الذي سلك في تحقيق الكتاب [13] . وقد كلّفته هذه الخطة العلمية التي انتهجها العودة إلى مصادر كثيرة تطالعك بوجوهها في حواشي الكتاب، وتكشف لك عن هذا الجهد الجاهد الذي أخذ به نفسه ليقدّم الكتاب في أبهى حلّة، وقد استكمل حقّه في التحقيق. وزيّن المحقّق الكتاب بتعليقات ضافية تلوح كالدرر، فبدا الكتاب بتعليقاته ومصادره مجمع فوائد، تأخذ بيد قارئه لتهديه إلى مراده بأيسر سبيل. ولا أزعم أن الكتاب قد خلا من الغلط والسهو فذلك فوق الوسع، وقد سأل الأستاذ المحقّق ألا يبخل أحد عليه باستدراك وقع له، فالكتاب إرث الأمة، يتعاون الناصحون المخلصون ليبلغوا بالكتاب المحقّق ما يرجون له من الإتقان [14] .

_ [11] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 5: 6، 6: المقدمة (1- 2) . [12] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 10 و 95- 101. [13] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 7- 105. [14] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 99.

ولئن كان المحقّق قد وفق التوفيق كله في تحقيق متن الكتاب، إنه قد أخذ نفسه من بعد، بتهيئة فهارس ضافية، تفتح مغاليق هذا الكتاب الضخم، لتجعله لقارئه على طرف الثّمام. لا أملك إلا أن أهنئ الأستاذ محمود الأرناؤوط على ما بذل من جهد حتى أظهر كتاب (شذرات الذهب) بحلّته القشيبة، ميسرا للواردين. جزاه الله الجزاء الأوفى على ما بذل وقدم وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا 18: 46. دمشق في 8 ربيع الأول 1413 هـ. 5 أيلول 1992 م الدكتور شاكر الفحّام

نسخة أخرى من منتخب شذرات الذهب بين أيدينا

نسخة أخرى من منتخب شذرات الذّهب بين أيدينا بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أنعمت فتمم، ويسرت السّبيل فسدّد الخطا، يا أرحم الراحمين. وبعد: فقد من الله تعالى علينا بمصورة نسخة خطية أخرى من «منتخب شذرات الذهب» للعلّامة المؤرخ البارع الشيخ عبد الرحيم بن مصطفى بن أحمد بن محمد الشهير بابن شقدة الدّمشقي الصّالحي [1] ، وهذه النسخة الجديدة هي في الأصل من محفوظات مكتبة الرئيس الشيخ محمد تاج الدّين الحسنيّ الدّمشقي [2] ، وهي نسخة خزائنية نفيسة وخطها جميل جدا، وتقع في (1489) صفحة، وقد وقفت عليها في مكتب البحث العلمي العائد للشركة المتحدة للتوزيع بدمشق في بداية عام (1412) هـ، واستأذنت القائمين عليه بالاستفادة منها وتصوير نسخة عنها فأذنوا لي بذلك، جزاهم الله تعالى خير الجزاء [3] .

_ [1] هكذا ورد اسمه في صدر «المنتخب» بنسختيه، وقد سبق التعريف به وبكتابه في صدر المجلد السادس عند الكلام على مصورة النسخة الخطية الأخرى من «المنتخب» التي توفرت لنا واستعنا بها في التحقيق ابتداء من أول المجلد المذكور. [2] انظر ترجمته في «الأعلام» للعلّامة الأستاذ خير الدّين الزركلي (7/ 82- 83) الطبعة السادسة، و «معالم وأعلام» للأستاذ أحمد قدامة (1/ 304) و «أعلام دمشق في القرن الرابع عشر» للدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفورص (252) و «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري» للأستاذين محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة (2/ 576- 578) . [3] ومن حسنات هذه النسخة القيّمة من «المنتخب» أنها نسخت عن نسخة بخط العالم الكبير الشيخ حسن بن عمر الشّطّي البغدادي الأثري الحنبلي السّلفي المتوفى سنة (1274 هـ) كما هو مبين في صورة الصفحة الأخيرة منها المرفقة مع هذه الكلمة.

وقد استفدت من المراجعة في نسخة «المنتخب» هذه ابتداء من أول المجلد التاسع من الكتاب وإلى نهاية المجلد العاشر والأخير منه. وأرى من المفيد أن أشير هنا إلى أن القيمة الحقيقة لكتاب «شذرات الذهب» إنما تكمن في العدد الكبير جدا من التراجم المختلفة المنوعة التي احتوت عليها مجلداته العشر، والتي لا يجاريه في عددها وتنوعها أي مصدر آخر من المصادر الموثوقة الأخرى لفنّي التأريخ والسّير مما خلّفه الأسلاف من علماء هذه الأمّة العظيمة، أحسن الله إليهم. وأضرع إلى الله عزّ وجل أن يعينني ويعين والدي- المشرف على تحقيق الكتاب- على الانتهاء من إخراج ما بقي من مجلدات هذا السّفر الجليل على أحسن صورة ترضي الله تعالى، وتسعد فؤاد كل محبّ للتراث العربي الإسلامي إن شاء الله تعالى. وختاما اكرر ما قلته في آخر مقدمتي للمجلد الأول من هذا الكتاب [1] وفي الكلمة التي كتبتها بين يدي المجلد الخامس منه: إن هذا الكتاب هو في نهاية الأمر إرث لأفراد الأمة جميعهم، والنصح للقائمين على تحقيقه وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها. راجيا من جميع العالمين في فنّ التحقيق وسواهم أن لا يبخلوا عليّ بملاحظاتهم وتصويباتهم، ولسوف أذكر أصحابها بالجميل في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى [2] . اللهم إني أسألك أن تسدّد خطاي لما فيه الخير والفلاح في الدّنيا والآخرة، وأن تجعلني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يعملون أضعاف ما يتكلمون، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا. دمشق 29 من شهر رمضان المبارك لعام 1412 هـ. محمود الأرناؤوط

_ [1] ص (99) . [2] عنواني الدائم هو: (ص. ب/ 6000/ دمشق- الجمهورية العربية السورية) .

سنة إحدى وثمانمائة وهي أول القرن التاسع من الهجرة

بسم الله الرحمن الرحيم سنة إحدى وثمانمائة وهي أول القرن التاسع من الهجرة قال ابن حجر [1] : دخلت وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظّاهر أبو سعيد برقوق، وسلطان الرّوم أبو يزيد بن عثمان، وسلطان اليمن من نواحي تهامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد، وسلطان اليمن من نواحي الجبال الإمام الزّيدي الحسني علي بن صلاح، [2] وسلطان المغرب الأدنى أبو فارس عبد العزيز الحفصيّ [2] ، وسلطان المغرب الأوسط [3] أبو سعيد عثمان [3] المرّيني، وسلطان المغرب الأقصى ابن الأحمر، وصاحب البلاد الشرقية تيمور كوركان، المعروف باللّنك، وصاحب بغداد أحمد بن أويس، وأمير مكّة حسن بن عجلان بن رميثة الحسني، وبالمدينة ثابت بن نفير، والخليفة العبّاسي، أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن المعتضد بالله أبي بكر، ويدعى أمير المؤمنين، ونازعه في هذا الاسم الإمام الزّيدي وبعض ملوك المغرب، وصاحب اليمن، لكن خطيبها يدعو في خطبته للمستعصم العبّاسي أحد الخلفاء ببغداد. وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسني، وبحلب أرغون شاه، وبطرابلس آقبغا الجمالي، وبحماة القلمطاوي [4] ، وبصفد شهاب الدّين بن الشيخ علي، وبغزّة طيفور. انتهى.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (4/ 1- 2) . [2] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [3] ما بين الرقمين من «إنباء الغمر» الذي بين يدي. [4] تحرفت في «ط» إلى «الغلمطاوي» .

وقال الحافظ السّخاوي [1] : قد أفردت تراجم أهله في ست مجلدات. وفيها غزا اللّنك بلاد الهند، واستولى على دلّي [2] ، وسبى منها خلقا كثيرا، ولما رجع إلى سمرقند بيع السّبي [3] الهندي [3] برخص عظيم لكثرته. وفيها توفي العلّامة برهان الدّين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي [4]- بفتح الهمزة، وسكون الموحدة بعدها نون، وفي آخره سين، نسبة إلى أبناس قرية صغيرة بالوجه البحري-. ولد على ما نقل من خطّه بأبناس سنة خمس وعشرين وسبعمائة تقريبا [5] . وقدم القاهرة وله بضع وعشرون سنة، وسمع بها وبدمشق من جماعة. وخرّج له الحافظ ولي الدّين بن العراقي «مشيخة» وتخرّج في فقه الشافعية على الشيخين جمال الدّين الإسنائي، وولي الدّين المنفلوطي، وغيرهما. وتخرّج في الحديث بمغلطاي. قال المؤرخ ناصر الدّين بن الفرات: كان شيخ الدّيار المصرية، مربيا للطلبة، وله مصنفات في الحديث، والفقه، والأصول، والعربية، وحجّ وجاور مرات. وقال الحافظ ابن حجر: مهر في الفقه، والأصول، والعربية، وشغل فيها، وبنى زاوية بالمقس ظاهر القاهرة، وأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على التفقه ويرتب لهم ما يأكلون [6] ، ويسعى لهم في الرزق، خصوصا الواردين من النّواحي، فصار أكثر الطلبة بالقاهرة تلامذته، وتخرّج به خلق كثير، وكان حسن التعليم، لين الجانب، متواضعا، بشوشا، متعبدا، متقشفا، مطّرح التكلّف، وقد عيّن للقضاء فتوارى، وذكر أنه فتح المصحف فخرج: قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 12: 33

_ [1] قلت: قاله في الورقة (48/ 1) من كتابه «الذيل التام على دول الإسلام» ويقصد بذلك كتابه «الضوء اللامع» . [2] وتعرف الآن: ب- «دلهي» وهي عاصمة دولة الهند الآن كما كانت في السابق. [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» و «إنباء الغمر» (4/ 144- 147) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 1- 4) وقد ذكره المؤلف فيمن مات سنة (802 هـ) . انظر ص (27) . [5] وجاء في «الضوء اللامع» ما نصه: «وقال مرة حين سئل عنه: لا أدري يعني تحقيقا» . [6] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» وفي «ط» : «ما يأكلونه» .

[يوسف: 33] ولم يزل مستمرا على طريقته وإفادته ونفعه إلى أن حجّ، فمات راجعا في المحرّم بعيون القصب بالقرب من عقبة إيلة ودفن هناك. وفيها شهاب الدّين أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدّمشقي ابن الخبّاز [1] ، نزيل الصّالحية. قال في «إنباء الغمر» : سمع من أبي بكر بن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وغيرهما، وحدّث. سمع منه صاحبنا الحافظ غرس الدّين وأظنه استجازه لي، ومات في شهر ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن محمد العبّادي الحنفي [2] . تفقّه على السّراج الهندي، وفضل، ودرّس، وشغل، ثم صاهر القليجي، وناب في الحكم، ووقّع على القضاة [3] . ودرّس بمدرسة النّاصر حسن، وكان يجمع الطلبة ويحسن إليهم، وحصلت له محنة مع السّالمي، وأخرى مع الملك الظّاهر. وتوفي في ثامن أو تاسع عشر ربيع الآخر. وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشّيباني البعلبكي ثم الصّالحي [4] ، أحد رواة «الصحيح» عن الحجّار. وسمع أيضا من [5] غيره، وله إجازة من أبي بكر بن محمد بن عنتر السّلمي وغيره، وحدّث، ومات في ذي الحجّة. وفيها القاضي برهان الدّين أحمد بن عبد الله السّيواسي [6] الحنفي، قاضي سيواس.

_ [1] «إنباء الغمر» (4/ 36) و «الضوء اللامع» (1/ 195) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 39) و «الدّرر الكامنة» (1/ 112) ولم يذكر فيه سنة وفاته، و «الطبقات السنية» (1/ 288) و «الدليل الشافي» (1/ 36) و «الضوء اللامع» (1/ 262) . [3] في «ط» : «القضاء» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 309) . [5] في «ط» : «منه» . [6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 40) و «الدّرر الكامنة» (1/ 344) وفيه وفاته أواخر سنة (800) و «الضوء اللامع» (1/ 370) و «الطبقات السّنية» (1/ 374) .

قدم حلب، واشتغل بها، ودخل القاهرة، ورجع إلى سيواس فصاهر صاحبها، ثم عمل عليه حتّى قتله، وصار حاكما بها، وقد قتل في المعركة لما نازله التتار الذين كانوا بأذربيجان، وكان جوادا فاضلا. وله نظم. وفيها القاضي عماد الدّين أبو عيسى أحمد بن عيسى بن موسى بن جميل المعيريّ [1]- بكسر الميم، وسكون العين المهملة، وفتح التحتية، وآخره راء، نسبة إلى معير بطن من بني أسد [2]- الكركي العامري الأزرقي الشّافعي. ولد في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وحفظ «المنهاج» واشتغل بالفقه وغيره، وسمع الحديث من التبّاني [3] وغيره، وسمع بالقاهرة من أبي نعيم بن الحافظ تقي الدّين عبيد الإسعردي وغيره، وحدّث ببلده قديما سنة ثمان وثمانين، ولما قدم القاهرة قاضيا خرّج له الحافظ أبو زرعة «مشيخة» سمعها عليه الحافظ ابن حجر، وكان أبوه قاضي الكرك، فلما مات استقرّ مكانه وقدم القاهرة سنة اثنتين وسبعين، ثم قدمها سنة اثنتين وثمانين. وكان كبير القدر في بلده، محبّبا إلى أهلها بحيث لا يصدرون إلّا عن رأيه، فاتفق أن الظّاهر لما سجن في الكرك قام هو وأخوه علاء الدّين علي في خدمته، فحفظ لهما ذلك، فلما تمكّن أحضرهما إلى القاهرة وولّى عماد الدّين قضاء الشافعية، وعلاء الدّين كتابة السرّ، وذلك في رجب سنة اثنتين وتسعين [4] ، فباشر بحرمة ونزاهة، واستكثر من النوّاب وشدّد في ردّ رسائل الكبار، وتصلب في الأحكام فتمالؤوا عليه، فعزل في أواخر سنة أربع وتسعين، واستمرت عليه وظائف كثيرة، ثم شغرت خطابة الأقصى وتدريس الصّلاحية سنة تسع وتسعين، فقررهما عليه السّلطان، وباشرهما بالقدس، وانجمع عن الناس، وأقبل على العبادة

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 41) و «الضوء اللّامع» (2/ 60) . [2] وفي «الضوء اللامع» «المقيري» : بضم الميم، ثم قاف مفتوحة، وآخره راء مصغر نسبة للمقيري قرية من أعمال الكرك» . [3] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «البياني» . [4] كذا في «آ» و «الضوء اللامع» : «اثنتين وتسعين» وفي «ط» و «إنباء الغمر» : «اثنتين وسبعين» .

والتّلاوة إلى أن مرض، فنزل عن خطابة القدس لولده شرف الدّين عيسى، ثم مات في سابع عشري [1] ربيع الأول. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السلّار الصّالحي [2] ابن أخي الشيخ ناصر الدّين إبراهيم. ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأحضر على أبي العبّاس بن الشّحنة، وأجاز له أيوب بن نعمة الكحّال، والشّرف بن الحافظ، وعبد الله بن أبي التّائب، وآخرون. وحدّث، فسمع منه الحافظ غرس الدّين، وأجاز لي [3] ، وتوفي في أواخر ذي الحجّة. وفيها تاج الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي الشافعي الخطيب [4] . ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، واشتغل، وتفقه، ولم يحصل له من سماع الحديث ما يناسب سنّه، لكنه لما جاور بمكة سمع من الكمال بن حبيب عدّة كتب، حدّث عنه بها ك- «معجم ابن قانع» و «أسباب النزول» و «جزء ابن ماجة» . وولي أمانة الحكم بالقاهرة، ودرّس بالجامع الخطيري، وخطب به، وناب في الحكم ببولاق، ومات في ربيع الأول. وفيها ناصر الدّين أحمد بن جمال الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن رشيد الدّين محمد بن عوض الإسكندراني الزّبيري [5]- نسبة إلى الزّبير بن العوّام- المالكي. قال ابن حجر: مهر [6] وفاق الأقران في العربية، وولي قضاء بلده، ثم قدم القاهرة، وظهرت فضائله، وولي قضاء المالكية بها فباشره بعفّة ونزاهة، وناب عنه البدر الدّماميني، وقال فيه من أبيات:

_ [1] وفي رواية: «سابع عشر» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 44) و «الضوء اللامع» (2/ 105) . [3] تحرفت هذه اللفظة في «آ» و «ط» إلى «والمعازفي» والتصحيح من مصدري الترجمة. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 44- 45) و «الضوء اللامع» (2/ 123) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 46) و «الضوء اللامع» (2/ 192) . [6] تحرفت في «ط» إلى «بهر» .

وأجاد فكرك في بحار علومه ... سبحا لأنّك من بني العوّام وكان عاقلا، متودّدا، موسّعا عليه في المال، سليم الصّدر، طاهر الذيل، قليل الكلام، لم يؤذ أحدا بقول ولا فعل، وعاشر النّاس بجميل فأحبوه، شرح «التسهيل» و «مختصر ابن الحاجب» ، وتوفي في أول شهر رمضان. وفيها الملك الظّاهر برقوق بن آنص [1] بن عبد الله الجركسي العثماني [2] . ذكر الخواجا عثمان الذي أحضره من بلاد الجركس أنه اشتراه منه يلبغا الكبير، واسمه حينئذ الطنبغا، فسمّاه برقوقا لنتوء في عينيه، فكان في خدمة يلبغا من جملة المماليك الكتابية، ثم كان فيمن نفي إلى الكرك بعد قتل يلبغا، ثم اتصل بخدمة منجك نائب الشام، ثم حضر معه إلى مصر، ثم اتصل بخدمة الأشرف شعبان، فلما قتل الأشرف ترقى برقوق إلى أن أعطي إمرة أربعين، وكان هو وجماعة من إخوته في خدمة إينبك [3] ثم [4] ، لما قام طلقتمر [5] على اينبك، وقبض عليه ركب بركة، وبرقوق ومن تابعهما على المذكور، وأقاما طشتمر العلائي مدبرا لمملكة أتابكا واستمروا [6] في خدمته إلى أن قام عليه مماليكه في أواخر سنة تسع وسبعين، فآل الأمر إلى استقلال بركة وبرقوق في تدبير المملكة بعد القبض على طشتمر، فلم تطل الأيام حتّى اختلفا وتباينت أغراضهما، وقد سكن برقوق في الاصطبل السلطاني، وأول شيء صنعه أن قبض على ثلاثة من أكابر الأمراء كانوا من أتباع بركة، فبلغه ذلك، فركب على برقوق، ودام الحرب بينهما أياما، إلى أن قبض على بركة وسجنه بالإسكندرية، وانفرد برقوق بتدبير المملكة إلى أن دخل شهر رمضان سنة أربع وثمانين، تم له أمر الاستقلال [7] بالملك فجلس على تخت

_ [1] في «آ» و «ط» : «ابن أنس» وما أثبته من مصادر الترجمة. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 50) و «الضوء اللامع» (3/ 10- 11) و «الدليل الشافي» (1/ 187) . [3] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» : «إينبك» وفي «الضوء اللامع» : «أيبك» . [4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شم» بالشين. [5] في «آ» و «ط» : «طلعتمر» بالعين والتصحيح من مصدري الترجمة. [6] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «واشتهروا» والتصحيح من مصدري الترجمة. [7] في «ط» : «الأمر استقلالا» .

الملك ولقّب الملك الظاهر، وبايعه الخليفة وهو المتوكل محمد بن المعتضد، والقضاة، والأمراء، ومن تبعهم، وخلعوا الصّالح حاجي بن الأشرف، وأدخل به إلى دور أهله بالقلعة، واستمرّ في الملك إلى وفاته، وجرت عليه أتعاب، وكان شهما شجاعا، ذكيا، خبيرا بالأمور، عارفا بالفروسية، خصوصا اللعب بالرّمح، يحب الفقراء ويتواضع لهم، ويتصدق كثيرا ولا سيما إذا مرض، وأبطل في ولايته كثيرا من المكوس، وضخم ملكه حتّى خطب له على منابر توريز [1] ، وضربت الدنانير والدراهم فيها باسمه، وعلى منابر ماردين والموصل وسنجار وغير ذلك، وكان جهوري الصوت، كبير اللّحية، واسع العينين، محبّا لجمع المال، طمّاعا، جدا. ومن آثاره المدرسة القائمة بين القصرين بالقاهرة، لم يتقدم بناء مثلها، وعمل جسر الشريعة وانتفع به المسافرون كثيرا. وفي ذلك يقول شمس الدّين محمد المزيّن: بنى سلطاننا للنّاس جسرا ... بأمر والوجوه له مطيعة مجازا في الحقيقة للبرايا ... وأمرا بالسّلوك على الشّريعه وبالجملة فإنه كان أعظم ملوك الجراكسة بلا مدافعة، بل المتعصب يقول: إنه أعظم ملوك الترك قاطبة. وتوفي على فراشه ليلة نصف شوال بالقاهرة عن نحو ستين سنة، وترك من الذهب العين ألفي ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار، ومن الأثاث وغيره ما قيمته ألف ألف دينار [2] وأربعمائة ألف دينار [2] . قاله المقريزي. وعهد بالسلطنة إلى ابنه فرج ولده يومئذ عشر سنين. وفيها الشيخ الصّالح عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكّي

_ [1] انظر «تقويم البلدان» ص (400) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

المعروف بالحرفوش [1] ، صاحب كتاب «الحريفيش» في الوعظ. كان رجلا عالما زاهدا صوفيا واعظا، مشهورا بالخير، وللناس فيه اعتقاد زائد، ويخبر بأشياء فتقع كما يقول. وجاور بمكة أكثر من ثلاثين سنة، ومات في أول هذه السنة. وفيها ستّ القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير [2] ابنة أخي الحافظ عماد الدّين. حدّثت بالإجازة عن القاسم بن عساكر وغيره من الشيوخ الشام، وعن علي الواني وغيره من شيوخ مصر، وخرّج لها صلاح الدّين «أربعين حديثا» عن شيوخها. وتوفيت في جمادى الآخرة وقد جاوزت الثمانين. وفيها صفية بنت القاضي عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن العزّ الصّالحية [3] . ولي أبوها القضاء، وحدّثت هي بالإجازة عن الحجّار، وأيوب الكحّال، وغيرهما، وسمعت من عبد القادر الأيوبي، وماتت في المحرّم. وفيها جمال الدّين عبد الله بن شهاب الدّين أحمد بن صالح بن أحمد بن خطّاب الزّهري الشافعي [4] . ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وستين، وحفظ «التمييز» وأذن له أبوه في الإفتاء، ودرّس بالقليجية وغيرها، وناب في الحكم، وكان عالي الهمّة. توفي في المحرّم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 63) و «الضوء اللامع» (5/ 20) و «العقد الثمين» (5/ 171) و «إتحاف الورى» ص (417) . [2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 60) و «الضوء اللامع» (12/ 57) و «أعلام النساء» (2/ 164) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 64- 62) و «أعلام النساء» (2/ 331- 332) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 62) و «الضوء اللامع» (5/ 7) .

وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي عبد الله السّكوني [1]- بفتح السين المهملة وضم الكاف وفي آخره نون، نسبة إلى سكون بطن من كندة- المالكي، أحد المدرسين في مذهبه. كان بارعا في العلم، مع الدّين والخير، ودرّس بالأشرفية. وتوفي في ربيع الآخر. وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسماعيل بن أحمد الصّالحي المعروف بابن الذّهبي الحنبلي [2] ناظر المدرسة الصّلاحية بالصّالحية. حدّث عن ابن أبي النائب، ومحمد بن أيوب بن حازم، وزينب بنت الكمال، وأجاز له الحجّار، وأجاز هو للشهاب بن حجر. وقال: بلغني أنه تغيّر بآخرة، ولم يحدّث في حال تغيره. وتوفي في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين. وفيها صدر الدّين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفري الشافعي [3] . عنى بالفقه، وناب في الحكم في دمشق، ومات بها في المحرم عن أربعين سنة، وكانت له همّة في طلب الرئاسة. قاله ابن حجر. وفيها عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملكاوي [4] ابن أخي الشيخ شهاب الدّين الشافعي. اشتغل بالفقه، وحفظ «المنهاج» ونظر في الفرائض، واعترته في آخر أمره غفلة، وكان مع ذلك حافظا لأمره، وتوفي في المحرم ولم يكمل الخمسين.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 63) و «الضوء اللامع» (5/ 20) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 64) و «الضوء اللامع» (4/ 45) و «المقصد الأرشد» (2/ 82) و «الجوهر المنضد» ص (53) و «القلائد الجوهرة» ص (425) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 65) و «الضوء اللامع» (4/ 89) وفيه: «الكفيري» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 66) .

وفيها علي بن أحمد بن الأمير بيبرس [1] الحاجب المعروف بأمير علي بن الحاجب المقرئ. تلا بالسبع، وكان حسن الأداء، مشهورا بالمهارة في العلاج، يقال: عالج بمائة وعشرة أرطال. مات في ربيع الآخر وقد شاخ. قاله ابن حجر. وفيها علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر [2] . اشتهر بالنّظم، وكان له إلمام بالتاريخ، وعلّق «تاريخا» لحوادث زمانه. ومن شعره: كأنّ الرّاح لمّا راح يسعى ... بها في الرّاح ميّاس القوام سنا المرّيخ في كفّ الثّريّا ... يحيّينا به بدر التّمام ومنه: مليح قام يجذب غصن بان ... فمال الغصن منعطفا عليه وميل الغصن نحو أخيه طبع ... وشبه الشّيء منجذب إليه وأجاز ابن حجر العسقلاني. وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة. وفيها عمر بن سراج الدّين عبد اللطيف بن أحمد المصري الفيّومي الشافعي [3] ، نزيل حلب. تفقه بالقاهرة على السّراج البلقيني وغيره، ثم رحل إلى حلب، فولي بها قضاء العسكر، ثم عزل، وكان فقيها بارعا في الفرائض، مشاركا في بقية العلوم. وله نظم ونثر [4] ، وخمّس البردة.

_ [1] ترجمته في «أنباء الغمر» (4/ 67) و «الوضوء اللامع» (5/ 165) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 67) و «الضوء اللامع» (5/ 194) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 74) و «الضوء اللامع» (4/ 324) . وفيه: «عبد اللطيف ابن أحمد» . [4] في «ط» : «وله نثر ونظم» .

ومن شعره: دع منطقا فيه الفلاسفة الألى ... ضلّت عقولهم ببحر مغرق واجنح إلى نحو البلاغة واعتبر ... إنّ البلاء موكّل بالمنطق ومنه فيما يحيض من الحيوان الناطق وغيره: المرأة والخفّاش ثمّ الأرنب ... والضّبع الرّابع ثمّ المرآب وفي كتاب «الحيوان» يذكر للجاحظ: أنكر عنه ما لا ينكر. قتل في أواخر المحرم في خان غباغب خارج دمشق وهو قاصد الديار المصرية. وفيها قنبر بن عبد الله العجمي الشّرواني الأزهري الشافعي [1] . اشتغل في بلده، وقدم الديار المصرية فأقام بالجامع الأزهر، وكان معرضا عن الدنيا، قانعا باليسير، يلبس صيفا وشتاء قميصا ولبادا، وعلى رأسه كوفية لبد لا غير، وكان لا يتردد إلى أحد، ولا يسأل من أحد شيئا، وإذا فتح عليه بشيء ما أنفقه على من حضر، وكان يحبّ السّماع والرقص، ويتنزه في أماكن النّزهة على هيئته، ومهر في الفنون العقلية، وتصدّر بالجامع الأزهر، واشتغل، وكان حسن التقرير، جيد التعليم. قال ابن حجر: اجتمعت به مرارا، وسمعت درسه، وكان يذكر بالتّشيّع، وشوهد مرارا يمسح على رجليه من غير خف. وتوفي في شعبان. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي العزّ بن أحمد بن أبي العزّ بن صالح بن وهب الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي، المعروف بابن النشو [2] . ولد سنة إحدى وعشرين، وأسمع من الحجّار، وإسحاق الآمدي،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 76) و «الضوء اللامع» (6/ 225) . [2] ترجمته في «إنباء القمر» (4/ 80) .

وعبد القادر بن الملوك، وغيرهم، وحدّث، وكان أحد العدول بدمشق، وتوفي في صفر. وفيها شرف الدّين أبو بكر محمد بن عمر العجلوني [1] نزيل حلب، المعروف بابن خطيب سرمين. أصله من عجلون، ثم سكن أبوه عزاز، وولي خطابة سرمين، وقرأ المترجم بحلب على الباريني، وسمع من ابن العجمي وغيره، ووعظ على الكرسي بحلب، وحجّ وجاور بمكّة مرارا، وسمع منه في مجاورته في هذه السنة ابن حجر، وكتب هو عن أبي عبد الله بن جابر الأعمى المغربي قصيدته البديعية [2] وحدّث بها عنه، وسمعها منه ابن حجر. وتوفي بمكة في سادس عشر صفر. وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الرّشادي [3] الفقيه الشافعي. اشتغل كثيرا ونسخ بخطّه الكثير، ودرّس، بالعصرونية، وكان منجّما قليل الشرّ. أفتى ودرّس. وتوفي في ربيع الأول وقد جاوز الأربعين. وفيها الملك المنصور محمد بن الملك المظفّر حاجي بن النّاصر محمد بن قلاوون الصّالحي [4] . ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وولي السلطنة بعد عمّه النّاصر حسن في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين، ودبّر دولته يلبغا، وسافر معه إلى الشام، وكان عمره إذ ذاك نحو خمس عشرة سنة، فترعرع بعد أن رجع من السفر، وكثر أمره ونهيه، فخشي يلبغا منه، فأشاع أنه مجنون، وخلعه من السلطنة في شعبان سنة

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 80) و «الضوء اللامع» (7/ 33) و «العقد الثمين» (1/ 363) . [2] في «ط» : «البديعة» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 82) و «الضوء اللامع» (7/ 114) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 83) و «الضوء اللامع» (7/ 216) و «الدليل الشافي» (2/ 611) .

أربع وستين، فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وشهرين وخمسة أيام، واعتقل بالحوش في المكان الذي به ذرّيّة الملك الناصر إلى أن مات في تاسع محرم هذه السنة، وخلّف عشرة أولاد، وقرّر لهم الملك الظّاهر مرتبا. وفيها نسيم الدّين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي النّيسابوري ثم الكازروني [1] الفقيه الشافعي. نشأ بكازرون، وكان يذكر أنه من ذرّيّة أبي علي الدّقّاق، وأنه ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وأن المزّي أجاز له، واشتغل بكازرون على أبيه، وبرع في العربية، وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة، مع عبادة ونسك وخلق رضيّ. وحجّ وأقام بمكّة مدة طويلة، ثم حجّ سنة اثنتين وثمانين، وجاور بمكة أيضا نحو ست عشرة سنة، وكان حسن التعليم، غاية في الورع، وانتفع به أهل مكّة وغيرهم. قال السيوطي: وروى لنا عنه جماعة من شيوخنا المكّيّين. وتوفي ببلده في هذه السنة. وفيها أمين الدّين محمد بن علي بن عطاء الدمشقي [2] . كان فاضلا، بارعا [3] في التصوف والعقليات، درّس بالأسدية. وكان يسجل على القضاة وإليه النّظر على وقف جدّه الصّاحب شهاب الدّين بن تقي الدّين مات في ذي الحجّة. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن عبد الكافي البكري بن سكر [4]- بضم المهملة وتشديد الكاف- الحنفي المصري، نزيل مكة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 84) و «الضوء اللامع» (10/ 21) و «بغية الوعاة» (1/ 113) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 86) و «الضوء اللامع» (8/ 196) . [3] في «ط» : «فارعا» وهو خطأ. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 86) و «الضوء اللامع» (8/ 196) و «غاية النهاية» (2/ 207) و «العقد الثمين» (2/ 201) .

ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وطلب الحديث والقراءات، وسمع ما لا يحصى ممن لا يحصى، وجمع شيئا كثيرا، بحيث كان لا يذكر له «جزء» حديثي إلّا ويخرّج سنده من ثبته عاليا أو نازلا. وذكر أن سبب كثرة مروياته وشيوخه أنه كان إذا قدم الركب مكّة طاف على الناس في رحالهم ومنازلهم يسأل من له رواية أو حظ من علم، فيأخذ عنه مهما استطاع، وكتب بخطّه ما لا يحصى من كتب الحديث، والفقه، والأصول، والنحو، وغيرها. وخطّه رديء، وفهمه بطيء، وأوهامه كثيرة. قال ابن حجر: سمعت منه بمكة وقد أقرأ القراءات بها وتغير بأخرة تغيّرا يسيرا. وكان ضابطا للوفيات، محبا للمذاكرة. مات في صفر. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن يعقوب الشّافعي النّابلسي الأصل، نزيل حلب [1] . ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة، وكان فقيها مشاركا في العربية والميقات، وحفظ أكثر «المنهاج» و «التمييز» للمازري، وأكثر «الحاوي» و «العمدة» و «الشّاطبية» و «التسهيل» و «مختصر ابن الحاجب» و «منهاج البيضاوي» وغيرها. وكان يكرّر عليها. قال البرهان المحدّث بحلب: كان سريع الإدراك، محافظا على الطّهارة، سليم اللّسان، صحيح العقيدة، لا أعلم بحلب أحدا من الفقهاء على طريقته. مات في تاسع عشر ربيع الآخر. وفيها بدر الدّين محمد بن جمال الدّين محمد بن أحمد بن طوق الطّواويسي [2] الكاتب. سمع بعناية زوج أخته الحافظ شمس الدّين الحسيني من أصحاب الفخر

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 88) و «الضوء اللامع» (8/ 225) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 89) و «الضوء اللامع» (9/ 5) .

وغيرهم، وحدّث عن زينب بنت الخبّاز وغيرها، وأجاز له جماعة، وباشر ديوان الإنشاء مع الشّهرة بالأمانة. وتوفي في آخر ذي الحجّة وقد قارب التسعين. وفيها بدر الدّين محمود بن عبد الله الكلستاني [1] نسبة إلى الكلستان، لأنه كان في مبدأ أمره يقرأ كتاب سعدي [2] العجمي، المعروف بالكلستاني السّرائي نسبة إلى مدينة من مدن الدّشت الحنفي كاتب السرّ بالدّيار المصرية. اشتغل ببلاده ثم ببغداد، وقدم دمشق خاملا، ثم قدم مصر، فحصل له نوع يسر وظهور لقربه عند الجوباني، فلما ولي نيابة الشام قدم معه، وولي تدريس الظّاهرية، ثم ولي مشيخة الأسدية بعد الياسوفي، وأعطى تصدير الجامع الأموي، ثم رجع إلى مصر فأعطاه الظّاهر وظائف كانت لجمال الدّين محمود القشيري، فلما رضي عن جمال الدّين استعاده بعضها، منها تدريس الشيخونية، ثم لما سار السلطان إلى حلب احتاج إلى من يقرأ له كتابا بالتّركي، ورد عليه من اللّنك فلم يجد من يقرؤه، فاستدعى به، وكان قد صحبهم في الطريق، فقرأه، وكتب الجواب فأجاد، فأمره السلطان أن يكون صحبته إلى أن ولّاه كتابة السرّ فباشرها [3] بحشمة ورئاسة، وكان يحكي عن نفسه أنه أصبح ذلك اليوم لا يملك الدرهم الفرد، فما أمسى ذلك اليوم إلّا وعنده من الخيل والبغال والجمال والمال والمماليك والملبوس والآلات ما لا يوصف كثرة، وكان حسن الخطّ جدا مشاركا في النّظم والنثر والفنون، مع طيش وخفّة. وتوفي في خامس جمادى الأولى وخلّف أموالا جمّة يقال إنها وجدت بعده مدفونة في كراسي المستراح. قاله ابن حجر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 92) و «الضوء اللامع» (10/ 136) و «الدليل الشافي» (2/ 726) . [2] في «ط» : «سعد» . [3] في «ط» : «وباشرها» .

سنة اثنتين وثمانمائة

سنة اثنتين وثمانمائة في آخر شوال وقع بالحرم المكّي حريق عظيم أتى على نحو ثلثه واحترق من العمد الرخام مائة وثلاثون عمودا صارت كلسا والذي احترق من باب العمرة إلى باب حزورة. وفيها توفي إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي [1] . قدم القاهرة، وولي مشيخة الرّباط بالبيرسية، وكان يعرف بإبراهيم شيخ، واعتنى بالحديث كثيرا، ولازم الشيخ زين الدّين العراقي، وحصّل النّسخ الحسنة، واعتنى بضبطها وتحسينها، وكان يحفظ «الحاوي» ويدرّس غالبه، مع الخير والدّين، ومن لطائف قوله: كان أول خروج تمرلنك في سنة (عذاب) يشير [إلى] [2] أن أول [3] ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وكان يحسن عمل صنائع عديدة، مع الدّين والصّيانة. وتوفي في ربيع الأول. وفيها إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إسحاق الدّجوي- بضم الدال المهملة وسكون الجيم وبالواو، نسبة إلى دجوة قرية على شط النّيل الشرقي على بحر رشيد- ثم المصري [4] النّحوي.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 143) و «الضوء اللامع» (1/ 58) . [2] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [3] لفظة «أول» سقطت من «ط» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 144) و «الضوء اللامع» (1/ 153) و «بغية الوعاة» (1/ 427) وفيه وفاته سنة (830 هـ) .

قال ابن حجر: أخذ عن الشّهاب بن المرحّل، والجمال بن هشام، وغيرهما. ومهر في العربية، وأشغل الناس فيها. وكان جلّ ما عنده حلّ «الألفية» . وفيه دعابة. مات في ربيع الأول وقد بلغ الثمانين. وفيها برهان الدّين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي [1] الشافعي، نزيل القاهرة. ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي، وأبي الفتح الميدومي، ومغلطاي، وبه تخرّج، وغيرهم، واشتغل في الفقه، والحديث، والأصول، والعربية، وتفقه بالإسنوي، والمنفلوطي، وغيرهما. ودرّس بعدة أماكن، واتخذ بظاهر القاهرة مدرسة فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على الفقه، ورتّب لهم ما يأكلون، وسعى لهم في الأرزاق، حتّى صار كبار الطلبة بالقاهرة من تلامذته، وممن أخذ عنه الفقه ابن حجر العسقلاني. وكان متقشفا، عابدا، طارحا للتكلف، وعين للقضاء فتوارى، وتفاءل بالمصحف خرج له قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 12: 33 [يوسف: 33] ، ولم يزل على طريقته الحسنة إلى أن حجّ، فتوفي راجعا في المحرّم، ودفن بعيون القصب، ورثاه الزّين العراقي بأبيات دالية. وفيها القاضي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن قاضي القضاة نصر الله ناصر الدّين أبي الفتح بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد العسقلاني الأصل ثم المصري الكناني [2] الحنبلي. الإمام العالم. ولد في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وأخذ العلم عن أبيه وغيره، ونشأ على طريقة حسنة، وناب عن والده، ثم استقلّ بالقضاء في الديار المصرية بعد

_ [1] تنبيه: سبق أن ترجم له المؤلف في سنة (801 هـ) ص (12) من هذا المجلد فلتراجع. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 184) و «الضوء اللامع» (1/ 179) و «المقصد الأرشد» (1/ 239) و «الدليل الشافي» (1/ 30) .

وفاة والده في شعبان سنة خمس وتسعين، وسلك مسلك والده في العقل والمهابة والحرمة، وكان الظّاهر برقوق يعظّمه. قال ابن حجر: كان خيّرا، صيّنا، وضيء الوجه، ولم يزل على ولايته إلى أن توفي يوم السبت تاسع ربيع الأول، ودفن عند والده بتربة القاضي موفق الدّين، وهو والد قاضي القضاة عزّ الدّين الكناني. وفيها جلال الدّين أحمد بن نظام الدّين إسحاق بن مجد الدّين بن عاصم سعد الدّين محمد الأصبهاني [1] الحنفي، المعروف بالشيخ أصلم [2] . ولد في حدود الستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وتفقه بوالده وغيره، وولي مشيخة سرياقوس، وسار فيها سيرة جيدة إلى الغاية، وكان جميلا، فصيحا، مهابا، بهيا، وله فضل وإفضال ومكارم، وكان له خصوصية عند الملك الظّاهر برقوق أولا، ثم تنكّر له وعزله عن مشيخة سرياقوس، ثم أعيد إليها بعد موته إلى أن مات. قال العيني: كان ينسب إلى معرفة علم الحرف وليس بصحيح، وكان يجمع من أموال الخانقاه ويطعم الناس من غير استحقاق، وكان يجمع في مجلسه ناسا أراذل وأصحاب ملاهي. انتهى. وتوفي بالخانقاه المذكورة خامس عشري ربيع الآخر. وفيها أبو الخير أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي [3] . قال ابن حجر: سمع بإفادة أبيه من الكبار، كالحجّار وغيره من المسندين، والمزّي، وغيره من الحفّاظ بدمشق، ورحل به إلى القاهرة، فأسمعه من أبي حيّان، ومن عدّة من أصحاب النّجيب، وسكن بيت المقدس إلى أن صار من

_ [1] في «آ» و «ط» : «أحمد بن نظام الدّين إسحاق بن مجد الدّين محمد بن سعد الدّين عاصم» وما أثبته من «إنباء الغمر» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 148) و «الضوء اللامع» (1/ 226) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 149) و «الضوء اللامع» (1/ 296) .

أعيانه، وكانت الرحلة في سماع الحديث بالقدس إليه، فحدّث بالكثير، وظهر له في أواخر عمره سماع ابن ماجة على الحجّار رحلت إليه من القاهرة بسببها في هذه السنة، فبلغني وفاته وأنا بالرّملة فعرّجت عن القدس إلى الشام، وكان موته في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة، وقد أجاز لي غير مرّة. انتهى. وفيها أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي [1]- بفتح الميم والجيم مخففا إحدى قرى العرب-. وكان شاعرا ماهرا، طاف البلاد، وتكسّب بالشعر، وله مدائح وأهاجي كثيرة. مات بالقاهرة في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين. وفيها جمال الدّين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي، المعروف بابن عبد الحقّ، ويعرف قديما بابن قاضي الحصن [2] ، وعبد الحق هو جدّه لأمّه [3] ، وهو ابن خلف الحنبلي. سمع الكثير بإفادة جدّه لأمّه من محمد بن أبي النائب، وعائشة بنت المسلم الحرّانية، والمزّي، وخلق كثير من أصحاب ابن عبد الدائم. قال ابن حجر: سمعت عليه كثيرا أو كان قد تفرّد بكثير من الروايات، وكان عسرا في التحديث. مات في ثاني ذي الحجّة وقد جاوز السبعين. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي [4] . قال ابن حجر: سمع من العزّ محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر، وغيره، ولي منه إجازة، وتوفي في المحرم وله إحدى وستون سنة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 152) و «الضوء اللامع» (1/ 324) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 152) و «الضوء اللامع» (2/ 33) و «الطبقات السنية» (1/ 405) . [3] في «الضوء اللامع» : «جدّ جدّه لأمّه» وهو خطأ. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 153) و «الضوء اللامع» (2/ 74) و «السحب الوابلة» ص (90) .

وفيها أبو طاهر أحمد بن محمد الأخوي الخجندي الحنفي [1] ، نزيل المدينة، الإمام العلّامة. حدّث بجزء عن عزّ الدين بن جماعة، وأشغل الناس بالمدينة أربعين سنة، وانتفع به لدينه وعلمه، وتوفي وقد جاوز الثمانين. وفيها القاضي مجد الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى قاضي القضاة الكنانيّ البلبيسيّ [2] الحنفي، قاضي مصر. ولد ليلة السابع من شعبان سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن عبد الهادي، وعبد الرحمن ابن الحافظ المزّي، وصدر الدّين الميدومي، وخلائق، وتفقه فبرع في الفقه، والأصلين، والفرائض، والحساب، والأدب وشارك في عدة علوم، كالحديث، والنحو، والقراءات [3] ، وباشر في مبدأ أمره توقيع الحكم مدة طويلة، ثم ولي نيابة الحكم بالقاهرة مرارا ثم استقلّ بقضاء قضاء الحنفية بها، وكان إماما، بارعا، متفننا [4] ، فكه المحاضرة، بهج الزّي، له يد في النّظم والنثر، وله ديوان شعر في مجلد منه: إن كنت يوما كاتبا لرقعة ... تبغي بها نجح وصول الطّلب إياك أن تغرب في ألفاظها ... فتكتسي حرفة أهل الأدب. ومنه: لا تحسبنّ الشّعر فضلا بارعا ... ما الشّعر إلّا محنة وخبال فالهجو قذف والرّثاء نياحة ... والعتب ضغن والمديح سؤال قال المقريزي: وشعره كثير وأدبه غزير، وفضله جمّ غير يسير، ولقد صحبته

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 154) و «الضوء اللامع» (2/ 194) و «الطبقات السّنية» (2/ 89) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 158) و «الضوء اللامع» (2/ 286) و «الطبقات السّنية» (2/ 175- 176) و «حسن المحاضرة» (1/ 472) . [3] في «آ» : «والقرآن» . [4] في «آ» : «مفننا» .

مدة أعوام وأخذت عنه فوائد، وكان لي به أنس وللناس بوجوده جمال إلّا أنه امتحن بالقضاء في دنياه كما امتحن به ابن ميلق في دينه، وكان في ولايتهما كما قال الآخر: تولّاها وليس له عدوّ ... وفارقها، وليس له صديق [1] انتهى. وتوفي في أول ربيع الأول. وفيها بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي [2] ، زوج القاضي تقي الدّين الأسنائي. سمعت على عبد الرحمن بن عبد الهادي، وحدّثت وماتت في سلخ المحرم. وفيها خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلية [3] ثم الصّالحية [4] . قاله ابن حجر. روت عن عبد الله بن قيم الضيائية وماتت في أواخر السنة ولي منها إجازة. وفيها سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثمّ المدني المعروف بالسقا [5] . قال ابن حجر: سمع من محمد بن علي الجزري، وفاطمة بنت العزّ إبراهيم، وابن الخبّاز، وغيرهم. وحدّث. سمعت منه بالمدينة الشريفة، وكان باشر أوقاف الصّدقات بالمدينة وسيرته مشكورة، ثم أضرّ بأخرة. ومات في أواخر هذه السنة وقد ناهز الثمانين. انتهى.

_ [1] في «ط» : «صدوق» . [2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 161) و «الضوء اللامع» (12/ 13) و «أعلام النساء» (1/ 128) . [3] في «آ» و «ط» : «الحينية» وما أثبته من «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» وفي «أعلام النساء» : «الحلبية» وهو خطأ فليصحح. [4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 162) و «الضوء اللامع» (12/ 27) و «أعلام النساء» (1/ 324) . [5] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 163) و «الضوء اللامع» (3/ 260) و «التحفة اللطيفة» (2/ 175) .

وفيها سراج الدّين عبد اللطيف بن أحمد الفوي الشافعي [1] نزيل حلب. ولد سنة أربعين وسبعمائة تقريبا، وقدم القاهرة، واشتغل بالفقه على الإسنوي وغيره، وأخذ الفرائض عن صلاح الدّين العلائي فمهر فيها، ثم دخل حلب، فولي قضاء العسكر، ثم عزل، ثم ولي تدريس الظّاهرية، ثم نوزع في نصفها، وكان يقرئ في محراب الجامع الكبير، ويذكر الميعاد بعد صلاة الصبح في محراب الحنابلة، وكان ماهرا في علم الفرائض، مشاركا في غيرها، وله نظم ونثر ومجاميع. طارح الشيخ زاده لما قدم عليهم بنظم ونثر فأجابه، ولم يزل مقيما بحلب إلى أن خرج منها طالبا القاهرة، فلما وصل خان غباغب أصبح مقتولا وذهب دمه هدرا. وفيها عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشّرجي [2]- بفتح المعجمة وسكون الراء، بعدها جيم- نزيل زبيد. كان عارفا بالعربية، مشاركا في الفقه، ونظم «مقدمة ابن بابشاذ» في ألف بيت وشرح ملحة الأعراب، وله تصنيف في النجوم. قال ابن حجر: كان حنفي المذهب اجتمعت به بزبيد، وسمع علي شيئا من الحديث، وكان السلطان الأشرف يشتغل عليه، وأنجب ولده أحمد. انتهى. وفيها عبد المنعم بن عبد الله المصري الحنفي [3] . اشتغل بالقاهرة، ثم قدم حلب فقطنها، وعمل المواعيد، وكان يحفظ ما يلقيه في الميعاد دائما من مرّة أو مرتين، شهد له بذلك البرهان المحدّث. قال: وكان يجلس مع الشهود، ثم دخل إلى بغداد، فأقام بها، ثم عاد إلى حلب فمات بها في ثالث صفر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 165) و «الضوء اللامع» (4/ 324) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 167) و «الضوء اللامع» (4/ 325) و «بغية الوعاة» (2/ 107) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 168) و «الضوء اللامع» (5/ 88) .

وفيها علاء الدّين علي بن محمود بن أبي بكر بن إسحاق بن أبي بكر بن سعد الدّين بن جماعة الكناني الحموي بن القبّاني [1] . اشتغل بحماة، ثم [2] قدم دمشق في حدود الثمانين وسبعمائة، وولي إعادة البادرائية، ثم تدريسها عوضا عن شرف الدّين الشّريشي، وكان ربما أمّ وخطب بالجامع الأموي، وكان يفتي، ويدرّس، ويحسن المعاشرة، وكان طويلا، بعيد ما بين المنكبين، حجّ مرارا، وجاور، وتوفي في ذي القعدة، وقد شارك علاء الدّين بن مغلي [3] قاضي حماة في اسمه واسم أبيه وجدّه ونسبه حمويا، وليس هو ابن مغلي فليعلم. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي بن السّراج [4] ، أخو المحدّث عماد الدّين. سمع من الحجّار «الصحيح» ، ومن محمد بن حازم، والمزّي، والبرزالي، والجزري، وغيرهم. وتوفي في رجب وقد قارب الثمانين. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن محمد المصري [5] ، ويعرف بابن شيخ السنين الحنفي [6] . برع في المذهب، ودرّس، وأفتى، وناب في الحكم، وأحسن في إيراد مواعيده بجامع الحاكم، وكتب الخطّ الحسن، وخرّج «الأربعين النووية» وجمع مجاميع مفيدة. وتوفي في سلخ صفر في الأربعين وتأسف النّاس عليه.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 171) و «الضوء اللامع» (6/ 34) . [2] لفظة «ثم» سقطت من «ط» . [3] تحرفت في «ط» إلى «ابن مقلي» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 172) و «الضوء اللامع» (6/ 293) . [5] تحرفت في «ط» إلى «المعرّي» . [6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 174) و «العقد الثمين» (2/ 6) .

وفيها أبو السّعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [1] . ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، واشتغل بالفقه والفرائض، ومهر فيها، وناب في الحكم عن صهرة القاضي شهاب الدّين، وهو والد أبي البركات، وتوفي في صفر. وفيها محمد بن عبد الله بن نشابة الحرضي- بفتح المهملتين ومعجمة- ثم العريشي [2]- بعين مهملة، وراء وشين معجمة، نسبة إلى قرية يقال لها عريش من عمل حرض، وحرض آخر بلاد اليمن من جهة الحجاز بينها وبين جلا مفازة-. كان محمد المذكور فقيها شافعيا، ذكره ابن الأهدل في «ذيل تاريخ الحميدي» . وقال خلفه ولده عبد الرحمن: وكان مولده سنة أربع وسبعين، وتفقه بأبيه، وبأحمد مفتي مور، وذكر أنه اجتمع به بعد الثلاثين وثمانمائة بأبيات حسين وهو مفتي بلده ومدرّسها، وينوب في الحكم. انتهى ملخصا. وفيها بدر الدّين محمد بن عسّال الدمشقي الشافعي [3] . ولد قبل الخمسين وسبعمائة، وتفقه بالسّراج البلقيني، وأجازه بالإفتاء، وشهد عند الحكّام، وولي قضاء بعلبك عن البرهان بن جماعة، ثم ولي قضاء حمص، وتوفي في ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن جمال الدّين عمر بن إبراهيم بن العجمي الحلبي الشافعي [4] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 174) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 175) و «الضوء اللامع» (8/ 115) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 176) و «الضوء اللامع» (8/ 139) وفيهما: «عبيدان» وجاء في حاشية «إبناء الغمر» ما نصه: وقع في با «عسال» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 177) و «الضوء اللامع» (8/ 234) .

ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل في شبيبته، وحفظ «الحاوي» ، ونزل في المدارس، وجلس مع الشهود، ثم ولي بعض المدارس بعد والده، ونازعه الأذرعي ثم الفوي، ثم استقرّ ذلك بيده، وكان سمع المسلسل بالأولية من الشيخ تقي الدّين السّبكي، ومن محمد بن يحيى بن سعد، وحدّث به عنهما، وله إجازة حصّلها له أبوه فيها المزّي وتلك الطبقة، ولكنه لم يحدّث بشيء منها، وكان سليم الفطرة، نظيف اللّسان خيّرا، لا يغتاب أحدا، رحمه الله. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري المالكي [1] . قال ابن حجر: أخذ العربية عن أبي حيّان وغيره، وسمع الكثير من مشايخ مكّة، كاليافعي، والفقيه خليل، وسمع بالإسكندرية من النّويري، وابن طرخان. وحدّث بالكثير، وكان عارفا باللغة والعربية، كثير المحفوظ للشعر لا سيما الشواهد، قوي المشاركة في فنون الأدب. تخرّج به الفضلاء. وقد حدّثنا [2] بالبردة [2] بسماعة من أبي حيّان عن ناظمها، وأجاز لي غير مرّة. وقال السيوطي في «طبقات النحاة» تفرّد على رأس الثمانمائة خمسة علماء بخمسة علوم: البلقيني بالفقه، والعراقي بالحديث، والغماري هذا بالنحو، والشّيرازي صاحب «القاموس» باللغة، ولا استحضر الخامس. انتهى. وتوفي في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهلي [3]- نسبة إلى باهة بالموحدة. التحتية قرية من قرى مصر من الوجه القبلي- المصري الحنبلي. قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وسمع من شيوخنا ونحوهم، وعني بالتحصيل، ودرّس وأفتى، وكان له نظر في كلام ابن عربي فيما قيل. انتهى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 179) و «الضوء اللامع» (9/ 149) و «بغية الوعاة» (1/ 230) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 181) و «الضوء اللامع» (9/ 224) و «السحب الوابلة» ص (445) .

وقال ابن حجي: كان أفضل الحنابلة بالدّيار المصرية وأحقّهم بولاية القضاء. توفي في شعبان عن ستين سنة. وفيها محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي [1]- بضم المعجمة وسكون اللام ثم فاء- ابن شيخ المعظمية. قال ابن حجر: سمع الحجّار، وحضر على إسحاق الآمدي، وأجاز له أيوب الكحّال وغيره، وأجاز لي غير مرّة. وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها محمد بن محمد الجريدي القيرواني [2] . تفقه ثم تزهد، وانقطع، وظهرت له كرامات، وكان يقضي حوائج الناس، وكان ورعه مشهورا، وحجّ سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بمكة إلى أن مات. وفيها مقبل بن عبد الله الرّومي الشّافعي [3] عتيق الناصر حسن. طلب العلم، واشتغل في الفقه وتعمق في مقالة الصّوفية الاتحادية، وكتب الخطّ المنسوب إلى الغاية، وأتقن الحساب وغيره، ومات في أوائل السنة وقد جاوز الستين. قاله ابن حجر. وفيها ملكة بنت الشريف عبد الله بن العزّ إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصّالحي [4] . قال ابن حجر: أحضرت على الحجّار، وعلى محمد بن الفخر البخاري، وعلى أبي بكر بن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وغيرهم. وأجاز لها ابن

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 182) و «الضوء اللامع» (9/ 240) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 182) وفيه «الجريدي» وانظر التعليق عليه، و «الضوء اللامع» (10/ 41) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 183) و «الضوء اللامع» (10/ 168) . [4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 184) و «الضوء اللامع» (12/ 127) و «أعلام النساء» (5/ 103) .

الشّيرازي، وابن عساكر، وابن سعد، وإسحاق الآمدي، وغيرهم. وحدّثت بالكثير، وأجازت لي وتوفيت في تاسع عشر جمادي الأولى وقد جاوزت الثمانين. وفيها عزّ الدّين يوسف بن الحسن بن الحسن [1] بن محمود السّرائي ثم التّبريزي الحلاوي الحنفي ظنا، ويعرف بالحلوائي أيضا [2] . قال في «تاريخ حلب» : قال ولده بدر الدّين لما قدم علينا: ولد- أي صاحب الترجمة- سنة ثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن العضد وغيره، ورحل إلى بغداد فقرأ على الكرماني، ثم رجع إلى تبريز، فأقام بها ينشر العلم ويصنف إلى أن بلغه أن ملك الدعدع قصد تبريز لكون صاحبها أساء السيرة مع رسول أرسله إليه في أمر طلبه منه، وكان الرسول جميل الصّورة إلى الغاية فتولع به صاحب تبريز، فلما رجع إلى صاحبه أعلمه بما صنع معه، وأنه اغتصبه نفسه أيّاما وهو لا يستطيع الفلت منه، فغضب أستاذه، وجمع عسكره، وأوقع بأهل تبريز فأخربها، وكان أوّل ما نازلها سأل عن علمائها، فجمعوا له فآواهم في مكان وأكرمهم، فسلم معهم ناس كثير ممن اتبعهم، ثم لما نزح عنهم تحوّل عزّ الدّين إلى ماردين، فأكرمه صاحبها، وعقد له مجلسا حضره فيه علماؤها مثل شريح، والهمام، والصّدر، فأقروا له بالفضل، ثم لما ولي إمرة تبريز أمير زاده بن اللّنك طلب عزّ الدّين المذكور وبالغ في إكرامه وأمره بالاستقرار عنده فأخبره بما كان شرع في تصنيفه واستعفاه، ثم انتقل بأخرة إلى الجزيرة فقطنها إلى أن مات بها في هذه السنة. ومن سيرته أنه لم تقع منه كبيرة، وما لمس بيده دينارا ولا درهما، وكان لا يرى إلّا مشغولا بالعلم أو التصنيف، وشرح «منهاج البيضاوي» وعمل حواشي على «الكشّاف» وشرح «الأسماء الحسنى» . قاله ابن حجر. وفيها يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتّاني بالمثناة الفوقية الثقيلة الصّالحي [3] .

_ [1] كذا في «الشذرات» وفي «الإنباء» و «الضوء» : «يوسف بن الحسن بن محمود ... » . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 185) و «الضوء اللامع» (10/ 309) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 187) و «الضوء اللامع» (10/ 323) .

سمع من الحجّار حضورا، ومن الشرف بن الحافظ، وأحمد بن عبد الرحمن الصّرخدي، وعائشة بنت مسلم الحرّانية، وغيرهم. وأجاز له الرّضي الطّبري، وهو خاتمة أصحابه. وأجاز له أيضا ابن سعد، وابن عساكر، وآخرون. وحدّث بالكثير، وكان خيّرا، وأجاز لابن حجر وغيره. وتوفي في نصف صفر عن ثلاث وثمانين سنة .

سنة ثلاث وثمانمائة

سنة ثلاث وثمانمائة دخلت والناس في أمر مريج من اضطراب البلاد الشمالية بطروق تمرلنك. وفيها كائنته بدمشق وما والاها، وسيأتي ذلك مفصلا في ترجمته في سنة سبع وثمانمائة إن شاء الله تعالى. وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن الشيخ عماد الدّين إسماعيل النّقيب بن إبراهيم المقدسي النابلسي الحنبلي [1] ، أقضى القضاة. تفقه على جماعة، منهم ابن مفلح. وكان فقيها جيدا متقنا للفرائض، وناب عن قاضي القضاة شمس الدّين النّابلسي فباشر مباشرة حسنة، وله «تعليقة» على «المقنع» . توفي بالصّالحية في خامس رمضان وقد ناهز الستين، ودفن بالرّوضة. وفيها برهان الدّين أبو سالم إبراهيم بن محمد بن علي التّادلي- بالمثناة الفوقية وفتح المهملة، نسبة إلى تادلة [2] من جبال البربر بالمغرب- المالكي [3] ، قاضي المالكية بدمشق. ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وكان قوي العين، مصمما في الأمور، ملازما لتلاوة القرآن والأسباع، وشجاعا، جريئا، ولي قضاء الشام سنة ثمان وسبعين

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 245) و «الضوء اللامع» (1/ 32) و «المقصد الأرشد» (1/ 214) و «السحب الوابلة» ص (24) . [2] في «الروض المعطار» ص (127) : «تادلي» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 246) و «الضوء اللامع» (1/ 155) .

إلى هذه المدة عشر مرار، يتعاقب هو والقفصي وغيره، وولي أيضا قضاء حلب. وتوفي في جمادى الأولى من جراحات جرحها لما حضر وقعة اللّنكية. وفيها برهان الدّين وتقي الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح بن مفرّج الرّاميني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [1] الحافظ، شيخ الحنابلة ورئيسهم، وقاضي قضاتهم. ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ كتاب عديدة، وأخذ عن جماعة، منهم: والده، وجدّه قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وقرأ على البهاء السّبكي، واشتغل وأشغل، وأفتى ودرّس، وناظر وصنّف، وشاع اسمه، واشتهر ذكره، وبعد صيته، ودرّس بدار الحديث الأشرفية بالصّالحية والصاحبة [2] وغيرهما، وأخذ عنه جماعات، منهم: ابن حجر العسقلاني. ومن تصانيفه كتاب «فضل الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم» وكتاب «الملائكة» وشرح «المقنع» و «مختصر ابن الحاجب» و «طبقات أصحاب الإمام أحمد» وتلف غالبها في فتنة تيمور، وناب في الحكم لابن المنجّى وغيره، وانتهت إليه مشيخة الحنابلة، وكان له ميعاد في الجامع الأموي بمحراب الحنابلة، بكرة نهار السبت يسرد فيه نحو مجلد ويحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب، ثم ولي القضاء بدمشق. ولما وقعت فتنة التتار كان ممن تأخر بدمشق، ثم خرج إلى تيمور ومعه جماعة، ووقع بينه وبين عبد الجبّار المعتزلي إمام تيمور مناظرات وإلزامات بحضرة تمرلنك، فأعجبه ومال إليه، فتكلم معه في الصّلح فأجاب إلى ذلك، ثم غدر، فتألم صاحب الترجمة إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشري شعبان ودفن عند رجل والده بالروضة. وفيها عزّ الدّين أبو جعفر أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 247) و «الضوء اللامع» (1/ 167) و «المقصد الأرشد» (1/ 236) و «الدليل الشافي» (1/ 27) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 47 و 85) و «الدّر المنضد في أسماء كتب مذهب الامام أحمد» ص (90- 91) . [2] في «ط» : «والصاحبية» .

محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصّادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الإسحاقي الحلبي [1] الشافعي، الرئيس الجليل، نقيب الأشراف. ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من جدّه لأمّه الجمال إبراهيم بن الشّهاب محمود، والقاضي ناصر الدّين بن العديم، وغيرهما. وأجاز له بمصر أبو حيّان، والوادي آشي، والميدومي، وآخرون من دمشق وغيرها، واشتغل كثيرا، واعتنى بالأدب، ونظم الشعر فأجاد. قال القاضي علاء الدّين: كان من حسنات الدّهر زهدا، وورعا، ووقارا، ومهابة، وسخاء، لا يشك من رآه أنه من السّلالة النّبوية [2] ، حتى انفرد في زمانه برئاسة حلب، وتردد إليه القضاة فمن دونهم، وحدّث بالإجازة من الوادي آشي، وأجاز لابن حجر وغيره. ومن شعره: يا رسول الله كن لي ... شافعا [3] في يوم عرضي فأولو الأرحام نصّا ... بعضهم أولى ببعض وكان تحوّل في كائنة تيمور إلى تبريز من أعمال حلب بينهما مرحلتان من جهة الفرات، فمات بها في رجب، ونقل إلى حلب فدفن عند أهله. وفيها أحمد بن آق برس [4] بن يلغان [5] بن كنجك [6] الخوارزمي ثم الصّالحي [7] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 249) و «الضوء اللامع» (1/ 219) . [2] في «آ» : «من سلالة النبوة» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [3] أقول: كذا كتبها الشاعر لضرورة الوزن، والصواب أن يقال: «اللهم فشفعة في.» (ع) . [4] في «الضوء اللامع» : «أحمد بن آق برس- بالسين المهملة آخره وربما قلبت صادا-» . [5] في «الضوء اللامع» : «ابن بلغاق» . [6] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «كنجك» وفي «إنباء الغمر» : «كجك» . [7] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 254) و «الضوء اللامع» (1/ 190) .

قال ابن حجر: سمع من إسحاق بن يحيى الآمدي، ومحمد بن عبد الله بن المحبّ، وزينب بنت الكمال. أخذت عنه بالصالحية كثيرا وكان خيّرا. مات في الفتنة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن راشد بن طرخان الملكاوي [1] الدمشقي الشافعي [2] أقضى القضاة. كان أحد العلماء الأئمة المعتبرين. اشتغل في الفقه، والحديث، والنحو، والأصول. قال الزّهري: ما في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره، وكان ملازما للاشتغال، وتخرّج به جماعة، وناب في القضاء، ودرّس في الدماغية، وناب في الشامية الجوانية، وقصد بالفتاوى من سائر الأقطار، وكان يكتب عليها كتابة حسنة وخطّه جيد. كان في ذهنه وقفة وعبارته ليست كقلمه، وكان يميل إلى ابن تيمية كثيرا. ويعتقد رجحان كثير من مسائله، وفي أخلاقه حدّة، وعنده نفرة من الناس. انفصل من الوقعة وهو متألم مع ضعف بدنه السابق، وحصل له جوع فمات في رمضان وهو في عشر السبعين ظنا، ودفن بمقبرة باب الفراديس بطرفها الشمالي من جهة الغرب. قاله ابن قاضي شهبة. وفيها أحمد بن ربيعة المقرئ [3] ، أحد المجوّدين للقراءة والعارفين بالعلل. أخذ عن ابن اللّبّان وغيره، وانتهت إليه رئاسة هذا الفنّ بدمشق، ومع ذلك كان عاملا لمعاناة ضرب المندل، واستحضار الجنّ. توفي في شعبان وقد جاوز السبعين.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «المكاوي» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 253) و «الضوء اللامع» (1/ 299) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 13- 14) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 254) و «الضوء اللامع» (1/ 300) و «غاية النهاية» (1/ 53) .

وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله النّحريري المالكي [1] . قدم القاهرة وهو فقير جدا، فاشتغل، وأقرأ الناس في العربية، ثم ولي قضاء طرابلس فسار إليها، ونالته محنة من منطاش، ضربه فيها وسنه بدمشق، فلما فرّ منطاش رجع إلى القاهرة وقد تموّل، فسعى إلى أن ولي قضاء المالكية في محرم سنة أربع وتسعين فلم تحمد سيرته، فصرف في ذي القعدة، واستمرّ إلى أن مات معزولا في رجب. وفيها سعد الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي [2] بن محمد [2] المحمدي القوصي [3] . ولد بقوص، وتفقه، ثم دخل القاهرة واشتغل، ثم دخل الشام فأقام بها، ثم دخل العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز، ثم استمرّ مقيما بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في ربيع الآخر. وفيها أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي [4] ، وكيل بيت المال بها. سمع الكثير من الحجّار، وابن تيمية، والمزّي، وغيرهم. وولي نظر المارستان النّوري قديما، ووكالة بيت المال، ونظر الأوصياء، وكان مشكورا في مباشراته، ثم ترك ذلك، وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن مات. قال ابن حجر: قرأت عليه كثيرا، وكان [5] ناصر الدّين بن عدنان يطعن في نسبه. مات في ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 255) و «الضوء اللامع» (1/ 372) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 256) و «الضوء اللامع» (1/ 375) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 257) و «الضوء اللامع» (2/ 45) . [5] في «ط» : «فكان» .

وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم الرّملة، يلقب، زغلش- بزاي أوله ومعجمتين بينهما لام- الحنبلي، ويعرف بابن العجمي وبابن المهندس [1] . سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام، ثم طلب بنفسه، وحصّل كثيرا من الأجزاء والكتب، وتمهّر ثم افتقر. قال ابن حجر: سمعت منه بالرّملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية واستطابها، وصار زري الملبس والهيئة. سمعت منه في ثاني عشر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة وقد سمع أبوه من الفخر علي، وحدّث، ومات شهاب الدّين هذا في وسط السنة وتمزّقت كتبه مع كثرتها. انتهى. وفيها موفق الدّين أبو العبّاس أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني الحنبلي العسقلاني [2] قاضي الحنابلة بالديار المصرية. استقرّ فيها بعد موت أخيه برهان الدّين في يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة، وتفقه على والده، وعلى الشيخ مجد الدّين سالم، وقرأ العربية على البرهان الواحدي، وسمع الحديث من والده، وابن الفصيح، وأجاز له ابن أميلة وغيره، ولم يحدّث، وكان حسن الذات، جميل الصّفات، كثير الحياء، حسن السيرة. وتوفي بمصر في حادي عشر رمضان عن أربع وثلاثين سنة. وفيها جلال الدّين أسعد بن محمد بن محمود الشّيرازي الحنفي [3] . قدم بغداد صغيرا، فاشتغل على الشيخ شمس الدّين السّمرقندي، والشمس الكرماني، وقرأ عليه «صحيح البخاري» . أكثر من عشرين مرة، وجاور معه بمكّة

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 259) و «الضوء اللامع» (2/ 86) و «السحب الوابلة» ص (91) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 261) و «الضوء اللامع» (2/ 239) و «السحب الوابلة» ص (116) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 263) و «الضوء اللامع» (2/ 279) و «الطبقات السنية» (2/ 171) .

سنة خمس وسبعين، وكان يقرئ ولديه ويشغلهما، ويشغل في النحو والصّرف وغيرهما [1] ودرس [1] وأعاد، وحدّث وأفاد، وكانت عنده سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع، ويكتب خطا حسنا. كتب «البخاري» في مجلد وأخرى في مجلدين، وكتب «الكشاف» و «البيضاوي» وغير ذلك. وولي آخر إمامة السميساطية بدمشق ومات بها في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين. وفيها الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عبّاس بن المجاهد علي بن المؤيد داود بن المظفّر عمر بن المنصور علي بن رسول اليمني ممهد الدّين [2] . قال ابن حجر: التركماني الأصل، ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمسا وعشرين سنة، وكان في ابتداء أمره طائشا ثم توقّر وأقبل على العلم والعلماء، وأحبّ جمع الكتب، وكان يكرم الغرباء ويبالغ في الإحسان إليهم. امتدحته لما قدمت بلده فأثابني، أحسن الله جزاءه. توفي في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل الستين انتهى. وفيها إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي [3] نزيل دمشق. كان بارعا [4] في مذهبه، وناب في الحكم، وأفتى وتفقه به الشاميون. ومات في شعبان عن نحو سبعين سنة، وقد ضعف بصره. وفيها عماد الدّين أبو بكر إبراهيم بن العزّ محمد بن العزّ إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي، المعروف بالفرائضي [5] .

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 264) و «الضوء اللامع» (2/ 299) و «الدليل الشافي» (1/ 124) و «غاية الأماني في أخبار القطر اليماني» (2/ 508) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 260) و «الضوء اللامع» (2/ 301) . [4] في «آ» : «عارفا» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 266) و «الضوء اللامع» (11/ 12) و «المقصد الأرشد» (3/ 153) .

سمع الكثير على الحجّار، وابن الزرّاد، وغيرهما. وأجاز له أبو نصر بن الشّيرازي، والقاسم بن عساكر، وآخرون. قال ابن حجر: أكثرت عليه، وكان قبل ذلك عسرا في التحديث، فسهّل الله تعالى له خلقه. مات عام الحصار عن نحو ثمانين سنة. انتهى. وفيها شرف الدّين أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الحموي الأصل ثم المصري الشافعي [1] . سمع الكثير من جدّه، والميدومي، ويحيى بن فضل الله، وغيرهم. وأجاز له مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه، واشتغل مدة، وناب عن أبيه في الحكم والتدريس، ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم. قال ابن حجر: وكان يدري أشياء عجيبة، رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ ما فيه من غير أن يكون شاهده. مات في رابع عشر جمادى الأولى بمصر عن خمس وسبعين سنة. وفيها عزّ الدّين الحسن بن محمد بن علي العراقي المعروف بأبي أحمد [2] ، الشاعر المشهور، نزيل حلب. قال ابن خطيب الناصرية: كان من أهل الأدب، وله النظم الجيد، وكان خاملا، وينسب إلى التشيع وقلّة الدّين، وكان يجلس مع العدول للشهادة بمكتب داخل باب النّيرب. ومن نظمه: ولمّا اعتنقنا للوداع عشيّة ... وفي كلّ قلب من تفرّقنا جمر بكيت فأبكيت المطيّ توجّعا ... ورقّ لنا من حادث السّفر السّفر

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 269) و «الضوء اللامع» (11/ 47) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 274) و «الضوء اللامع» (3/ 126) .

جرى درّ دمع أبيض من جفونهم ... وسالت دموع كالعقيق لنا حمر فراحوا وفي أعناقهم من دموعنا ... عقيق وفي أعناقنا منهم درّ وله مؤلّف سمّاه «الدّرّ النّفيس من أجناس التجنيس» يشتمل على سبع قصائد. وله عدة قصائد في مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرتبة على حروف المعجم. وتوفي بحلب في سابع عشر المحرم. وفيها خديجة بنت أبي بكر بن عبد الملك الصّالحية المعروفة ببنت اللّوري [1] . قال ابن حجر: حدّثتنا عن زينب بنت الكمال، وماتت في حصار دمشق. وفيها بهاء الدّين أبو الفتح رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن بن نصير بن صالح البلقيني الشافعي [2] ابن أخي سراج الدّين. اشتغل بالفقه كثيرا، ومهر، وشارك في غيره، وناب في الحكم، وتصدى للإفتاء والتدريس، وانتفع به في جميع ذلك، وكان كثير المنازعة لعمّه في اعتراضاته على الرافعي. قال ابن حجي: كان من أكابر العلماء، وحمدت سيرته في القضاء. وتوفي في آخر جمادى الأولى وله سبع وأربعون سنة، وكثر تأسف الناس عليه. وفيها زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبّاس بن جعوان [3] . قال ابن حجر: سمعت من الحجّار، وعبد القادر بن الملوك، وغيرهما. وماتت في شوال وسمعت عليها أيضا.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 276) و «الضوء اللامع» (12/ 26) و «أعلام النساء» (1/ 324) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 277) و «الضوء اللامع» (3/ 225) و «الدليل الشافي» (1/ 305) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 279) و «الضوء اللامع» (12/ 40) و «أعلام النساء» (2/ 100) .

وفيها ستّ الكلّ بنت أحمد بن محمد بن الزّين القسطلّانية ثم المكية [1] . حدّثت بالإجازة عن يحيى بن فضل الله، ويحيى بن البصري، وابن الرّضي، وغيرهم من الشاميين والمصريين، وسمع منها ابن حجر بمكّة. وفيها شرف الدّين شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي [2] . سمع من أصحاب الفخر، وكان بصيرا بمذهبه، ودرّس في العربية، وحصل له خلل في عقله، ومع ذلك يدرّس ويتكلم في العلم. وتوفي في شوال. وفيها شمس الملوك بنت ناصر الدّين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب بن الملك العادل الدمشقيّة [3] . قال ابن حجر: روت عن زينب بنت الكمال. وماتت في شعبان ولي منها إجازة. انتهى. وفيها تقي الدّين عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله القدسي ثم الصّالحي [4] . سمع من الحجارة وغيره. وقال ابن حجر: قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة. وفيها تقي الدّين أبو الفتح عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سلمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف قاضي القضاة الكفري الدمشقي الحنفي [5] . ولد بدمشق سنة ست وأربعين وسبعمائة، وسمع على أصحاب ابن عبد الدائم، وغيرهم، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وغير ذلك، وتولى قضاء قضاة الحنفية بدمشق هو وأخوه زين الدّين عبد الرحمن، وأبوه، وجدّه، وكان مشكور السيرة، محمود الطريقة.

_ [1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 279) و «الضوء اللامع» (12/ 57) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 280) و «الضوء اللامع» (3/ 300) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 280) و «الضوء اللامع» (12/ 69) و «أعلام النساء» (2/ 304) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 282) و «الضوء اللامع» (5/ 40) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 284) و «الضوء اللامع» (5/ 73) و «الدليل الشافي» (1/ 392) .

وتوفي في عشري ذي القعدة في أسر الطّاغية تيمور. وفيها تقي الدّين عبد الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بابن عبيد الله [1] . كان إماما، علّامة، رحلة. سمع علي الحجّار، ومن ابن الرّضي، وبنت الكمال، والجزري، وغيرهم. وسمع من ابن حجر. سمع من لفظه «المسلسل بالأولية» وسمع عليه غير ذلك. وتوفي بالصالحية بعد كائنة تيمور. وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي [2] . قال ابن حجر: حدّثنا عن المزّي وغيره. مات في رجب. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي الشافعي [3] . ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وأسمع على جماعة، وسمع بدمشق من جماعة، وحدّث، وكان عنده علم بالميقات، وولي رئاسة المؤذنين. قال الحافظ ابن حجي: كان بارعا في الحساب، والفرائض، والميقات، شرح «الجعبرية» و «الأشنهية» و «الياسمينية» وله مجاميع حسنة. انتهى. وأخذ عنه ابن حجر. وتوفي في مستهل جمادى الأولى. وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر بن الخضري الطّيبي [4] .- بتشديد التحتانية بعدها موحدة-.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 282) و «الضوء اللامع» (5/ 45) و «السحب الوابلة» ص (263) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 286) و «الضوء اللامع» (4/ 89) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 287) و «الضوء اللامع» (4/ 119) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 289) و «الضوء اللامع» (4/ 231) .

ولد قبل ثلاثين وسبعمائة، وأسمع على يحيى بن فضل الله، وصالح بن مختار، وآخرين. وقّع في الحكم عند أبي البقاء فمن بعده، وباشر نظر الأوقاف. قال ابن حجر: سمعت عليه شيئا، وخرّجت له «جزءا» ومات في ثالث عشر المحرم. وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفرّاء المعروف بابن القمر، سبط الحافظ الذهبي [1] . سمع بإفادة جدّه منه، ومن زينب بنت الكمال، وأحمد بن علي الجزري في آخرين. قال ابن حجر: حدّثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة. وفيها كريم الدّين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الرزّاق بن إبراهيم بن مكانس [2] . ولي الوزارة وغيرها، مرارا. وكان مهابا مقداما متهورا، وقبض عليه بسبب تهوره وصودر، ثم ضرب بالمقارع، ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدّين من الإنسانية والأدب إلّا أنه كان مفضالا كثير الجود لأصحابه. قال في «المنهل» : كان من أعاجيب الزّمان في الخفّة، والطيش، وقلّة العقل، وسرعة الحركة، يقال: إنه لما أعيد إلى الوزارة بعد أن ضرب بالمقارع قال لمن معه وهو في موكبه بالحلقة والناس بين يديه: يا فلان ما هذه الرّكبة غالية بعلقة مقارع. وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري جمادى الآخرة. وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 91) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 312) و «النجوم الزاهرة» (13/ 22) و «الدليل الشافي» (1/ 425) .

الأنصاري السّعدي العبادي- بالضم والتخفيف- الكركي ثم الدمشقي [1] الشافعي الكاتب المجوّد. ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين، فسمع بها من أحمد بن علي الجزري والسّلاوي، ثم عاد إلى بلده، ثم استوطن دمشق من سنة خمس وأربعين، واشتغل في الفقه، وسمع أيضا من زينب ومحمد ابني إسماعيل بن الخبّاز، وفاطمة بنت العزّ، ثم دخل مصر، فأقام بها مدة، وتزوج بنت العلّامة جمال الدّين بن هشام، ثم جاور بمكّة، ثم عاد إلى دمشق، وحدّث. سمع منه الياسوفي وغيره، ومات في شعبان. وفيها علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصّالحي الحنبلي [2] سبط أبي العبّاس بن المحبّ. ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان أقدم من بقي من شهود الحكم بدمشق، فإنه شهد عند قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وكان رجلا خيّرا. سمع من ابن الرّضي، وزينب بنت الكمال، وعائشة بنت المسلم، وقرأ عليه الشّهاب بن حجر وغيره، وتوفي في رمضان. وفيها علي بن أيوب الماحوزي [3] ، النسّاج الزّاهد. كان يسكن بقرية قبر عاتكة، وينسج بيده، ويباع ما ينسجه بأغلى ثمن، ويتقوت منه هو وعائلته، ولا يزور أحدا، وكانت له مشاركة في العلم. قال ابن حجي: هو عندي خير من يشار إليه بالصّلاح في وقتنا، وكان طلق الوجه، حسن العشرة، له كرامات ومكاشفات. توفي في عاشر ربيع الآخر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 293) و «الضوء اللامع» (5/ 139) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 295) و «الضوء اللامع» (5/ 187) و «المقصد الأرشد» (2/ 214) و «السحب الوابلة» ص (179) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 296) .

وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن عبّاس بن شيبان البعلي. ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن اللحام [1] ، شيخ الحنابلة في وقته. اشتغل على الشيخ زيد الدّين بن رجب. قال البرهان بن مفلح في «طبقاته» : وبلغني أنه أذن له في الإفتاء، وأخذ الأصول عن الشّهاب الزّهري، ودرّس وناظر، واجتمع عليه الطلبة وانتفعوا به، وصنّف في الفقه والأصول، فمن مصنّفاته «القواعد الأصولية» و «الأخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدّين بن تيميّة» و «تجريد العناية في تحرير أحكام النهاية» وناب في الحكم عن قاضي القضاة علاء الدّين بن المنّحى رفيقا للشيخ برهان الدّين بن مفلح، ثم ترك النّيابة، وتوجه إلى مصر، وعيّن له وظيفة القضاء بها فلم ينبرم ذلك، واستقرّ مدرس المنصورية إلى أن توفي يوم عيد الفطر، وقيل الأضحى، وقد جاوز الخمسين. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن يحيى الصّرخدي الشافعي [2] نزل حلب. تفقّه بالموضعين، وسمع من المزّي وغيره، وجالس الأزرعي، وكان يبحث معه ولا يرجع إليه، وكان يلازم بيته غالبا ولا يكتب على الفتاوى إلّا نادرا، ثم درّس بجامع تغري بردي. قال القاضي علاء الدّين قاضي حلب في «تاريخه» : قرأت عليه، وانتفعت به كثيرا، وناب في الحكم عن ابن أبي الرّضا وغيره، وكان البلقيني لما قدم حلب وجالسه يثني عليه. وتوفي بأيدي اللنكية. وفيها نور الدّين علي بن يوسف بن مكّي بن عبد الله الدّميري ثم المصري [3] ابن الجلال المالكي [4] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 301) و «الضوء اللامع» (5/ 320) و «المقصد الأرشد» ، (2/ 237) . و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 124) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 303) و «الضوء اللامع» (6/ 26) . [3] في «آ» : «العزي» وفي «ط» : «الغزي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 305) و «الضوء اللامع» (6/ 55) .

أصله من حلب، وكان جدّه مكّي يعرف بابن نصر، ثم قدم مصر، وسكن دميرة، فولد له بها يوسف، فاشتغل بفقه المالكية، وسكن القاهرة، وناب عن البرهان الإخنائي، وعرف بجلال الدّميري، وولد له هذا، فاشتغل حتّى برع في مذهب مالك، ولم يكن يدري من العلوم شيئا سوى الفقه، وكان كثير النقل لغرائب مذهبه، شديد المخالفة لأصحابه، إلى أن اشتهر صيته في ذلك، وناب في الحكم مدة، ثم ولي القضاء استقلالا في أول هذه السنة، وعيب بذلك لأنه اقترض مالا بفائدة حتّى بذله للولاية، وكان منحرف المزاج مع المعرفة التّامة بالأحكام، وسافر مع العسكر إلى قتال اللنك فمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللّجون. وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الحنبلي [1] ، الشيخ المسند المعمّر. أحضر على زينب بنت الكمال، وأسمع على أحمد بن علي الجزري، وعبد الرحيم بن أبي اليسر، وهو ابن أخت الشيخة فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الآتي ذكرها. توفي في شعبان في فتنة التّيمور. وفيها زين الدّين عمر بن براق الدّمشقي الحنبلي [2] . كان سريع الحفظ، قوي الفهم، على طريقة ابن تيمية، وكان له طلبة وأتباع، وكان ممن أوذي في الفتنة، وأخذ ماله، وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب، ثم مات في عاشر شوال. وفيها زين الدّين عمر بن جمال الدّين عبد الله بن داود الكفري [3] ، الفقيه الشافعي. قال ابن حجر: اشتغل كثيرا حتى قيل: إنه كان يستحضر «الروضة» وعرض

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 311) و «الضوء اللامع» (6/ 115) و «السّحب الوابلة» ص (322) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 308) و «الضوء اللامع» (6/ 75) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 309) و «الضوء اللامع» (6/ 97) .

عيه الحكم فامتنع، وأفتى بدمشق، ودرّس، وتصدّر بالجامع، وكان قوي النّفس، يرجع إلى دين ومروءة. قتل في الفتنة التمرية. وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي الملقّن [1] . أسمعه أبوه الكثير من المزّي، والذهبي، والبرزالي، وزينب بنت الكمال، وخلق كثير. وكان مكثرا جدا، كثير البرّ للطلبة، شديد العناية بأمرهم، يقوم بأحوالهم ويؤدّبهم، وكان لا يضجر من التسميع. قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، وسمعت عليه ومعه. مات في شعبان وقد جاوز السبعين. وفيها عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية ثم الصّالحية [2] . قال ابن حجر: روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغار، وماتت في ثالث عشر شعبان. وفيها عمران بن إدريس بن معمّر- بالتشديد- الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي [3] . ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وعني بالقراءات، فقرأ على ابن اللّبّان وغيره، ولازم القاضي تاج الدّين السّبكي، وقرأ وحصّل، وكان في لسانه ثقل، فكان لا يفصح بالكلام إلّا إذا قرأ. وكان يحجّ على قضاء الرّكب الشامي، وسمع من بعض أصحاب الفخر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 310) و «الضوء اللامع» (6/ 116) . [2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (4/ 312) و «الضوء اللامع» (12/ 75) و «أعلام النساء» (3/ 132) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 306) و «الضوء اللامع» (6/ 63) .

قال ابن حجي: لم يكن مشكورا في ولايته، ولا شهاداته، وكان يلبس دلقا ويرخي عذبة عن يساره، وكان فقير النّفس، لا يزال يظهر الفاقة، وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها، وكان كثير الأكل جدا، وكان يقرأ حسنا. مات بعد الكائنة العظمى. وفيها فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية ثم الصّالحية الحنبلية أم يوسف [1] . كان أبوها محتسب الصالحية، وهو عمّ الحافظ شمس الدّين. أسمعت الكثير على الحجّار وغيره، وأجاز لها أبو نصر بن الشّيرازي وآخرون من الشام، وحسن [2] الكردي، وعبد الرحيم المنشاوي، وآخرون من مصر. قال ابن حجر: قرأت عليها الكثير من الكتب والأجزاء بالصّالحية، ونعم الشيخة كانت. ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين. وفيها قاضي القضاة صدر الدّين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السّلمي المناوي ثم القاهري الشافعي [3] . ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عزّ الدّين بن جماعة، وأمّه بنت قاضي القضاة زين الدّين عمر البسطامي، فنشأ في حجر السعادة، وحفظ «التنبيه» وأسمع من الميدومي، وابن عبد الهادي، وغيرهما تجمعهم مشيخته التي خرّجها له أبو زرعة في خمسة أجزاء، وناب في الحكم وهو شاب، ودرّس وأفتى، وولي إفتاء دار العدل، وتدريس الشيخونية والمنصورية، وخرّج أحاديث المصابيح.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 313) و «الضوء اللامع» (12/ 101) و «أعلام النساء» (4/ 133) . [2] في «ط» : «حسين» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 315) و «الضوء اللامع» (6/ 249) .

قال ابن حجر: سمعت منه، وكتب [شيئا] [1] على «جامع المختصرات» . ثم ولي القضاء استقلالا، وكان كثير التودد إلى الناس، معظّما عند الخاص والعام، محبّبا إليهم. وكان له عناية بتحصيل الكتب النّفيسة، على طريق ابن جماعة، فحصّل منها شيئا كثيرا، وسافر مع العسكر فأسر [2] مع اللّنكية، فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته، حتّى مات وهو معهم في القيد غريقا. غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى أهوالا عسى الله أن يكون كفّر بها عنه ما جناه [3] عليه القضاء. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي بن الظّهير [4] . سمع من ابن الخبّاز وغيره، وأكثر عن أصحاب الفخر بطلبه، وكان خيّرا يتغالى في مقالات ابن تيمية. توفي في [5] تاسع عشر شوال عن ستين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعرّي ثم الحلبي بن الرّكن الشافعي [6] . كان ينسب إلى أبي [7] الهيثم التّنوخي عمّ أبي العلاء المعرّي. ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وتفقه [8] ، وأخذ عن الزّين الباريني، والتّاج ابن الدّريهم، وبدمشق عن التّاج السّبكي، وكتب كثيرا، وخطب بجامع حلب

_ [1] سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «إنباء الغمر» . [2] تحرفت في «ط» إلى «فأسرع» . [3] تصفحت في «ط» إلى «ما جباه» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 317) و «الضوء اللامع» (6/ 276) . [5] لفظة «في» سقطت من «آ» . [6] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 319) و «الضوء اللامع» (7/ 12) . [7] تحرفت في «آ» إلى «ابن» . [8] في «ط» : «تفقه» من غير الواو.

مدّة. وكان حاد الخلق، مع كثرة البرّ والصّدقة، وله ديوان خطب، ونظم وسط. وأخذ عنه القاضي علاء الدّين، وابن الرّسّام. وتوفي في الكائنة العظمى. وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس البابي ثم الحلبي [1] . ولد بالباب [2] ثم قدم حلب، وكان يسمّى سالما، فتسمى محمدا، وقرأ على عمّه العلّامة علاء الدّين علي البابي، والزين الباريني، وبرع في الفرائض والنحو، وشارك في الفنون، وأشغل الطلبة، وأفتى ودرّس، وكان ديّنا، عفيفا، وولّاه القاضي شرف الدّين الأنصاري قضاء ملطية، فلما حاصرها ابن عثمان عاد إلى حلب إلى أن عدم في الكائنة التّيمورية. وفيها بدر الدّين محمد بن الحافظ عماد الدّين إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي الشافعي [3] . ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، واشتغل، وتميّز، وطلب، وسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم. قال ابن حجر: وسمع معي بدمشق، ثم رحل إلى القاهرة، فسمع من بعض شيوخنا، وتمهّر في هذا الشأن قليلا، وتخرّج بابن النّجيب، وشارك في الفضائل، مع خطّ حسن، ودرّس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أمّ الصّالح. مات في ربيع الآخر فارا عن دمشق بالرّملة، وكان قد علّق «تاريخا» للحوادث التي في زمنه. انتهى. وقال ابن حجي: لم يكن محمود السّيرة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 136) و «بغية الوعاة» (1/ 54) . [2] الباب: بلدة كبيرة تقع في الشمال الشرقي لمدينة حلب بينها وبين منبج نحو ميلين. انظر خبرها في «معجم البلدان» (1/ 303) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 321) و «الضوء اللامع» (7/ 138) .

وفيها محمد بن حسن بن عبد الرّحيم الصّالحي الدّقّاق [1] . قال ابن حجر: حدّثنا عن الحجّار، سمعت منه أجزاء انتهى. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله [2] محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي، المعروف بابن المنصفي [3] . ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، واشتغل في الفقه، وشارك في العربية والأصول، وسمع الكثير من أصحاب ابن البخاري، وسمع بمصر أيضا، وحصلت له محنة بسبب مسألة الطّلاق المنسوبة إلى ابن تيميّة، ولم يرجع عن اعتقاده، وكان خيّرا، ديّنا. قاله ابن حجر. وقال: سمعت منه شيئا. ومات في شعبان بعد أن عوقب، واستمرّ متألما. انتهى. وقال ابن حجي: كان فقيها، محدّثا، حافظا، قرأ الكثير، وضبط وحرّر، وأتقن وألّف، وجمع، مع المعرفة التّامة. تخرّج بابن المحبّ، وابن رجب، وكان يفتي ويتقشف، مع الانجماع، ولم تكن الحنابلة ينصفونه، وأقام بالضّيائية ثم بالجوزية. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي الشافعي [4] . تفقه، ومهر، واعتنى بالأصول والعربية، وكان من عدول دمشق، وقرأ «الروضة» على علاء الدّين حجي، وكتب عليها حواشي مفيدة، وأذن له في الإفتاء، ودرّس وأجاد، وتصدّر وأفاد، وكان أكثر أقرانه استحضارا للفقه، وكان أسمر شديد السّمرة، وكان يكتب الحكم [5] ، وكتب من مصنّفات التّاج السّبكي له كثيرا.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 323) و «الضوء اللامع» (7/ 224) . [2] في «ط» : «أبو عبيد الله» وهو خطأ. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 323) و «المقصد الأرشد» (2/ 409) و «السحب الوابلة» ص (378) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 262) . [5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المحكم» والتصحيح من مصدري الترجمة.

وتوفي في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللّنكية وقد قارب الستين. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن عثمان بن شكر البعلي الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام. سمع الحديث من جماعة، وروى، وألّف، وجمع، وكانت كتابته حسنة وعباراته جيدة في التصنيف حدّث ب «معجم ابن جميع» وتوفي بغزّة. وفيها الحافظ ناصر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق [2] الشيخ الإمام. تفقه، وطلب الحديث، فسمعه من صلاح الدّين بن أبي عمر، وتخرّج بابن المحبّ، وتمهر في فنون الحديث، وسمع العالي والنّازل، وخرّج، ورتّب «المعجم الأوسط» على الأبواب، و «صحيح ابن حبان» . قال ابن حجر: استفدت منه كثيرا، وسمع معي على الشيوخ بالصّالحية وغيرها، ولم أر في دمشق من يستحق، اسم الحافظ غيره. وتوفي في ذي القعدة أسفا على ولده أحمد ولم يكمل الخمسين، وكان اللّنكية قد أسروه وله نحو عشر سنين. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي الكفر بطناوي [3] . سمع بإفادة جدّه منه، ومن زينب بنت الكمال، وغيرهما. قال ابن حجر: سمعت منه، وكان من شيوخ الرواية. قتل بالعقوبة في حادي

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 327) و «الضوء اللامع» (8/ 146) و «المقصد الأرشد» (2/ 431) وسيكرر المؤلف ترجمته بعد قليل. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 300) و «المقصد الأرشد» (2/ 437) و «القلائد الجوهرية» (2/ 323) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 327) و «الضوء اللامع» (7/ 301) .

عشري جمادى الأولى، وقيل: بل ضرب عنقه صبرا، وكان ببلده كفر بطنا، فأخذه العسكر التمري وقتلوه. وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر- بضم المعجمة وسكون الكاف- البعلي ثم الدمشقي الحنبلي النبحالي- بفتح النون وسكون الموحدة بعدها مهملة [1] سمع من ابن الخبّاز وغيره، وأجاز له الميدومي وغيره، وكان خيّرا، صالحا، ديّنا، متواضعا. أفاد وحدّث، وجمع مجاميع حسنة، منها كتاب في الجهاد، وكان خطّه حسنا ومباشرته محمودة، وجمع وألّف بعبارة جيدة. توفي بغزّة في رمضان عن ثمان وسبعين سنة. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن مقلّد المقدسي الحنفي [2] ، قاضي قضاة دمشق، وليه فحسنت سيرته. وكان فقيها بارعا ذكيا، أفتى، ودرّس، وأقرأ، وتوفي بغزّة فارّا من تيمور في ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين المالكي [3] العلّامة، مدرّس ظاهرية برقوق. كان إماما، فقيها، بارعا، أفتى ودرّس وأشغل عدة سنين، وانتهت إليه رئاسة المالكية في زمنه، وتوفي بالقاهرة في عشري ربيع الآخر. وفيها شرف الدّين محمد بن معين الدّين محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدّماميني ثم الإسكندراني الشافعي [4] . تفقه، واشتغل بالعربية والمعقول، وكان ديّنا، يعاني الكتابة، وباشر في أعمال

_ [1] تقدمت ترجمته قبل قليل. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 341) و «الضوء اللامع» (10/ 22) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 330) و «الضوء اللامع» (9/ 54) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 331) و «الضوء اللامع» (9/ 63) .

الدولة بالإسكندرية، ثم سكن القاهرة، وكان حادّ [1] الذهن، وبرع في الفقه والأصول، وولي حسبة القاهرة مرارا ووكالة بيت المال، مع الكسوة. ثم نظر الجيش، وسعى في القضاء فلم يتمّ له، ودفع في كتابة السرّ قنطارا من الذهب وهو عشرة آلاف دينار فلم يتفق له، وقبض عليه ثم أفرج عنه، وولي قضاء الإسكندرية، فلم يلبث أن مات بها مسموما في المحرّم. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن عبد البرّ بن يحيى بن علي بن تمّام السّبكي الخزرجي الشافعي [2] . أسمع في صغره من ابن أبي اليسر، ونفيسة بنت الخبّاز، وعلى ابن العزّ عمر، وغيرهم، واشتغل بالفقه والأصول، وولي القضاء مرارا وفوض [3] له قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجّه إليه، وولي خطابة الجامع بعد ابن جماعة، ودرّس بالأتابكية بدمشق، وكان لين الجانب، قليل الحرمة في مباشرته، وكان بخيلا بالوظائف وغيرها، مع حسن خلق وفكاهة، كثير الإنصاف، وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده، واستقرّ في يده تدريس الشافعي إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين. وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغميّ التونسي المالكي [4] شيخ الإسلام بالمغرب. سمع من ابن عبد السلام الهوّاري [5] والوادي آشي، وابن سلمة، وغيرهم. واشتغل بالفنون. قال ابن ظهيرة في «معجمة» [5] إمام علّامة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «حديد» والتصحيح من مصدري الترجمة. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 333) و «الضوء اللامع» (9/ 88) و «الدرس في تاريخ المدارس» (1/ 135) [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «وفرض» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 336) و «الضوء اللامع» (9/ 240) و «نيل الابتهاج على هامش الديباج» ص (274) . [5، 5] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .

ولد بتونس سنة ست عشرة وسبعمائة، وقرأ بالروايات على ابن سلمة وغيره، وبرع في الأصول، والفروع، والعربية والمعاني، والبيان، والفرائض، والحساب، وسمع من الوادي آشي «الصحيحين» . وكان رأسا في العبادة، والزّهد، والورع، ملازما للشغل بالعلم. رحل إليه الناس، وانتفعوا به، ولم يكن بالعربية من يجري مجراه في التحقيق، ولا من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له. وكانت الفتوى تأتي إليه من مسافة شهر، وله مؤلفات مفيدة، منها «المبسوط في المذهب» في سبعة أسفار، و «مختصر الحوفي» في الفرائض. وقال ابن حجر: أجاز لي، وكتب لي خطه لما حجّ. وعلّق عنه بعض أصحابه كلاما في التفسير كثير الفوائد في مجلدين. وتوفي ليلة الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ولم يخلّف بعده مثله. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد [1] بن محمد [1] بن عمر بن الفقيه أبي بكر بن قوام الصّالحي [2] . قال ابن حجر: كان ديّنا، خيّرا، به طرش كثير. سمع الكثير من الحجّار وإسحاق الآمدي وغيرهما، فقرأنا عليه شبيها بالأذان، وكنا نتحقق أنه يسمع ما نقرؤه بامتحانه تارة وبصلاته على النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- أخرى، وبالرّضا عن الصحابة كذلك. مات في شعبان متحرقا بدمشق وقد جاوز الثمانين انتهى. وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي المؤقت المعروف بالورّاق [3] .

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 339) و «الضوء اللامع» (9/ 262) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 340) و «الضوء اللامع» (10/ 6) .

قال في «إنباء الغمر» : سمع من ابن أبي التائب، وابن الرّضي، وغيرهما. سمعت منه الكثير، ومات في رمضان بدمشق. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد بن مقلّد المقدسي ثم الدمشقي الحنفي [1] . ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وبرع في الفقه والعربية والمعقول، ودرّس وأفتى، وناب في الحكم. ثم ولي القضاء استقلالا نحو سنة ثم عزل، ولم تحمد مباشرته، ثم سار إلى القاهرة، فسعى في العود فأعيد، فوصل إلى الرّملة فمات بها في ربيع الآخر. وفيها محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضّرير [2] قرأ بالروايات، واشتغل في الفقه، ومات في رجب. وفيها محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكّي [3] من بيت الملك، وقد ناب في إمرة مكّة، وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع أمرا دونه، وكانت لديه فضيلة، وينظم الشعر، مع كرم وعقل. مات في شوال وقد جاوز الأربعين. وفيها القاضي شرف الدّين موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري الشافعي [4] ، قاضي حلب. ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ونشأ في حجر عمّه شهاب الدّين خطيب حلب. قال في «المنهل» : تفقه على شمس الدّين محمد العراقي شارح «الحاوي» ، وعلى الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، وقدم القاهرة، فأخذ عن الجمال

_ [1] سبقت ترجمته قبل قليل. انظر ص (60) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 342) و «الضوء اللامع» (10/ 41) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 342) و «الضوء اللامع» (10/ 42) و «العقد الثمين» (2/ 348) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 343) و «الضوء اللامع» (10/ 189) و «الدليل الشافي» (2/ 753) .

الإسنوي [1] ، والولي الملوي، وسمع من الحافظ مغلطاي وغيره، وبدمشق من ابن المهندس، وأحمد الأيكي المعروف بابن زغلش. ثم عاد إلى حلب، وقد برع في فنون، وتولّى خطابة الجامع، ثم استقرّ قاضي قضاة حلب، وفي أيّامه قدم تيمور إلى البلاد الشّامية، وحضر مجلس تيمور، ورسم عليه ثم أفرج عنه [2] ، وكان عالما، كبيرا، مشكور السيرة وله «شرح الغاية القصوي» للبيضاوي. وتوفي بحلب في شهر رمضان. وفيها يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي [3] نزيل حلب. اشتغل كثيرا في الفقه وغيره بدمشق، ثم قدم حلب، فقرّر في قضاء الباب، ثم قضاء سرمين، وكان فاضلا في الفقه، مقتصرا عليه. مات في الكائنة العظمى. قاله القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» . وفيها جمال الدّين يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين [4] بن عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي [5] . أصله من خرت برت [6] ، وولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، ونشأ بملطية، واشتغل بحلب، حتّى مهر، ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير، فأخذ عن علمائها، وسمع من العزّ بن جماعة، ومغلطاي، وحدّث عنه بالسيرة النبوية، وذكر أنه سمعها منه سنة ستين [7] ، واشتغل، وحصّل، وأفتى، ودرّس، وكان يستحضر

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «الاسنوي» وفي «إنباء الغمر» : «الاسنائي» . [2] لفظة «عنه» سقطت من «آ» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 345) و «الضوء اللامع» (10/ 292) . [4] في «آ» و «ط» : «ابن أبي بكر» والتصحيح من مصدري الترجمة. [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 346) و «الضوء اللامع» (10/ 335) . [6] كذا في «آ» و «ط» ومصدري الترجمة «خرت برت» مفصولة وفي «معجم البلدان» (2/ 355) : «خرتبرت» بالفتح ثم السكون، وفتح التاء المثناة، وباء موحدة مكسورة، وراء ساكنة، وتاء مثناة من فوقها، هو اسم أرمنيّ، وهو الحصن المعروف بحصن زياد الذي يجيء في أخبار بني حمدان في أقصى ديار بكر من بلاد الروم، بينه وبين ملطية مسيرة يومين، وبينهما الفرات. [7] يعني وستين وسبعمائة.

«الكشاف» والفقه على مذهبهم، فاستدعاه برقوق لما مات الشمس الدّين الطّرابلسي، فحضر من حلب سنة ثمانمائة، واستقرّ في قضاء الحنفية مدة قدرها مائة وعشرة أيام فباشر مباشرة عجيبة، فإنه قرّب الفسّاق، واستكثر من استبدال الأوقاف، وقتل مسلما بنصرانيّ، ثم لما مات الكلستاني، استقرّ بعده في تدريس الصّر غتمشية، واشتهر أنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الرّبا، وأنه كان يقول: من نظر في كتاب البخاري تزندق. قاله ابن حجر. وقد أثنى ابن حجي على علمه. وقال العيني: كان عنده بعض شح وطمع، وتغفّل، وكان قد حصّل بحلب مالا كثيرا فنهب في الفتنة، وكان ظريفا ربع القامة. قال: وهو أحد مشايخي، قرأت عليه بحلب سنة ثمانين انتهى. وقال القاضي علاء الدين الحلبي في «تاريخه» : لما هجم اللّنكية البلاد عقد مجلس بالقضاة والعلماء لمشاطرة الناس في أموالهم، فقال الملطي: إن كنتم تعملون بالشوكة فالأمر لكم، وأما نحن فلا نفتي بهذا، ولا يحلّ أن يعمل فوقفت الحال، وكانت من حسناته، ولما طلب إلى مصر على رأس القرن قال لي: أنا الآن ابن خمس وسبعين، ومات بالقاهرة في ربيع الآخر. انتهى. وقال في التاريخ المذكور: مات في هذه السنة من الفقهاء الشافعية في الكائنة وبعدها: علاء الدّين الصّرخدي [1] . وشرف الدّين الداديخي [2] . وشهاب الدّين بن الضعيف [3] .

_ [1] هو علي بن محمد بن يحيى الصّرخدي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 303) و «الضوء اللامع» (6/ 36) . [2] هو أبو بكر بن سليمان بن صالح الدّاديخي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 267) و «الضوء اللامع» (11/ 34) . [3] هو أحمد بن يونس الغزي ثم الحلبي الشافعي. ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 253) .

وشمس الدّين البابي [1] . وبهاء الدّين داود الكردي [2] . وشمس الدّين ابن الزّكي الجعبري [3] .

_ [1] هو محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب البابي ثم الحلبي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 136) . [2] هو داود بن علي الكردي. ترجمته في «إنباء الغمر» (4/ 277) و «الضوء اللامع» (3/ 214) . [3] ذكره ابن حجر في «إنباء الغمر» (4/ 350) كما ذكر في كتابنا، وانظر تعليق محققه عليه.

سنة أربع وثمانمائة

سنة أربع وثمانمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الشافعي [1] . اشتغل بدمشق، وحصّل، ومهر في القراءات، وكان يشغل بالفرائض بالجامع بين العشاءين. وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ثم المصري السّويدائي [2]- نسبة إلى السّويداء قرية من أعمال حوران- الشّافعي. اعتنى به أبوه، فأسمعه الكثير من يحيى ابن المصري وجماعة من أصحاب ابن عبد الدّائم، والنّجيب، وغيرهم، وأكثر له من الشيوخ والمسموع، واشتغل في الفقه، وبحث في «الروضة» . وكان يتعانى الشّهادات، ثم أضرّ بأخرة وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النّصر. قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، ونعم الشيخ كان، وتفرّد بروايات كثيرة، وكان الشيخ جمال الدّين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته، مات في تاسع عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الخالق بن علي بن حسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي [3] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 146) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 278) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 28) و «الضوء اللامع» (1/ 323) .

اشتغل بالفقه، والعربية، والأصول، والطبّ، والأدب، ومهر في الفنون، ونظم الشعر الحسن، ومنه: إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة ... ويستحسن الأقوام منك التّقبّحا [1] تزيّا بزيّ التّرك واحفظ لسانهم ... وإلّا فجانبهم وكن متصولحا وفيها نور الدّين أحمد بن علي بن أبي الفتح الدمشقي [2] نزيل حلب، المعروف بالمحدّث. سمع الكثير من أصحاب الفخر وغيرهم بدمشق وحلب، واشتغل في علم الحديث وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق، وأخذ الأدب عن الصّلاح الصّفدي، وكان حسن المحاضرة. وفيها القاضي تقي الدّين أحمد بن محمد [3] بن محمد [3] بن المنجّى بن عثمان بن أسعد بن محمد بن المنجّى الحنبلي الشيخ الإمام [4] . حصّل ودأب، وكان له شهامة ومعرفة وذهن مستقيم. وناب لأخيه القاضي علاء الدّين، ثم اشتغل بقضاء قضاة دمشق بعد فتنة تيمور مدة أشهر، وذكر عنه الشيخ شرف الدّين بن مفلح أنه ابتدأ عليه قراءة «الفروع» لوالده، فلما انتهى في القراءة إلى الجنائز حضره أجله، ومات معزولا في ذي الحجّة ولم يكمل الخمسين سنة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد المصري، نزيل القرافة ابن النّاصح [5] .

_ [1] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «المقبّحا» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 29) و «الضوء اللامع» (2/ 35) . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 30) و «الضوء اللامع» (2/ 202) و «المقصد الأرشد» (1/ 183) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 48) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 30) و «الضوء اللامع» (2/ 202) .

قال ابن حجر: سمع من الميدومي، وذكر أنه سمع من ابن عبد الهادي، وحدّث عنه بمكّة ب «صحيح مسلم» وحدّث عن الميدومي ب «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» سماعا. أخذت عنه قليلا، وكان للناس فيه اعتقاد، ونعم الشيخ كان، سمتا وعبادة ومروءة. مات في أواخر رمضان، وتقدم في الصلاة عليه الخليفة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن المهندس المقدسي الحنبلي [1] المتقن الضّابط. ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة، ورحل، وكتب، وسمع على الحفّاظ، وروى عنه جماعة من الأعيان، منهم القاضي [2] سعد الدّين الدّيري الحنفي، وتوفي بالقدس الشّريف في شهر رمضان. وفيها تقي الدّين أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني المقدسي الحنفي [3] سمع من الميدومي، وحدّث عنه، وناب في الحكم، وتوفي في أواخر السنة ببيت المقدس. وفيها عماد الدّين أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السّعدي الدمشقي ثمّ المصري الحنبلي [4] . ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع من المزّي والذّهبي، وغيرهما، وأحبّ الحديث فحصّل طرفا صالحا منه، وسكن مصر قبل الستين فقرّر في طلب الشيخونية، فلم يزل بها حتّى مات، وجمع الأوامر والنّواهي من الكتب الستة، واختصر «تهذيب الكمال» . قال ابن حجر: اجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة، وحدّث عن الذهبي، ومات في أواخر جمادى الأولى.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (478) من القسم المخطوط. [2] في «المنهج الأحمد» : «القاضي القضاة» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 32) و «الضوء اللامع» (11/ 49) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 32) و «الضوء اللامع» (11/ 66) .

وفيها بركة السّيّد الشريف المعتقد، المعروف بالشريف بركة [1] . قال في «المنهل الصّافي» : كان لتيمور فيه اعتقاد كثير إلى الغاية، وله معه ماجريات، من ذلك أن تيمور لما أخذ السّلطان حسين صاحب بلخ سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ثم سار لحرب القآن تقتمش ملك التتار وتلاقيا على أطراف تركستان، واشتدّ الحرب بينهما، حتّى قتل أكثر أصحاب تيمور، وهمّ تيمور بالفرار، وظهرت الهزيمة على عسكره، ووقف في حيرة، وإذا بالسّيّد هذا قد أقبل على فرس، فقال له تيمور: يا سيدي انظر حالي، فقال له: لا تخف، ثم نزل عن فرسه ووقف على رجليه يدعو ويتضرّع، ثم أخذ من الأرض ملء كفّه من الحصباء، ورمى بها في وجوه عسكر تقتمش خان، وصرخ بأعلى صوته: باغي قجتي ومعناه باللغة التركية العدو هرب، فصرخ بها معه تيمور وعسكره، وحمل بهم على القوم، فانهزموا أقبح هزيمة، وظفر تيمور بعساكر تقتمش وقتل وأسر على عادته القبيحة، وله معه أشياء من هذا النمط، ولهذا كانت منزلته عند تيمور إلى الغاية، ودام معه إلى أن قدم دمشق سنة ثلاث وثمانمائة، وقد اختلف في أصل هذا الشريف، فقيل: إنه كان مغربيا حجّاما بالقاهرة، ثم سافر إلى سمرقند، وادعى أنه شريف علويّ، وقيل: إنه من أهل المدينة النبوية، وقيل: من أهل مكة، وعلى كل حال فأنا لا أعتقد عليه لمصاحبته وإعانته لتيمور على أغراضه الكفرية، فأمره إلى الله تعالى. انتهى باختصار. وفيها صالح بن خليل بن سالم بن عبد النّاصر بن محمد بن سالم الغزّي الشّافعي [2] . سمع من الميدومي، وحدّث عنه، وناب في الحكم، وتوفي في ذي القعدة ببيت المقدس. وفيها زين الدّين عبد اللطيف بن تقي الدّين محمد بن الحافظ

_ [1] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 189) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 34) و «الضوء اللامع» (3/ 311) .

قطب الدّين. عبد الكريم بن عبد النّور بن منير الحلبي ثم المصري [1] . قال ابن حجر: أحضر على ابن عبد الهادي، وسمع من الميدومي، وسمعت منه، وكان وقورا، خيّرا. مات في وسط صفر. وفيها عبد المؤمن العينتابي المعروف بمؤمن الحنفي [2] قال العيني في «تاريخه» : كان فاضلا في عدة علوم، منها الفقه، وكان حسن الوجه، مليح الشكل، درّس بعينتاب، ثم تحوّل إلى حلب، فأقام بها إلى أن مات. وفيها فخر الدّين عثمان بن عبد الرحمن المخزومي البلبيسي ثم المصري الشافعي [3] المقرئ الضرير، إمام الجامع الأزهر. تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السبع، وصار أمّة وحده. قال ابن حجر: وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجنّ يقرؤن عليه. قرأ عليه خلق كثير، وكان صالحا خيّرا، أقام بالجامع الأزهر يؤمّ فيه مدة طويلة، وقد حدّث عنه خلق كثير في حياته، انتفع به ما لا يحصى عددهم في القراءة، وانتهت إليه الرئاسة في هذا الفنّ، وعاش ثمانين سنة، وتوفي في ثاني ذي القعدة. وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي الوادي آشي ثم المصري، المعروف بابن الملقّن [4] . قال في «المنهل» : رحل أبوه نور الدّين من الأندلس إلى بلاد التّرك، وأقرأ أهلها هناك القرآن الكريم، فنال منهم مالا جزيلا، فقدم به إلى القاهرة واستوطنها،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 35) و «الضوء اللامع» (4/ 335) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 35) و «الضوء اللامع» (5/ 90) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 130) و «غاية النهاية» (1/ 506) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 41) و «الضوء اللامع» (6/ 100) .

فولد له بها سراج الدّين هذا في يوم السبت رابع عشري ربيع الأول، سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وتوفي والده وله من العمر سنة واحدة، وأوصى إلى الشيخ شرف الدّين عيسى المغربي الملقّن لكتاب الله بالجامع الطولوني، وكان صالحا، فتزوّج أمّ الشيخ سراج الدّين، وربّاه، فعرف بابن الملقّن نسبة إليه، وقرأه القرآن ثم العمدة، ثم أراد أن يشغله على مذهب الإمام مالك، فقال له بعض أولاد ابن جماعة: أقرئه «المنهاج» فأقرأه وأسمعه على الحافظين ابن سيّد الناس، وقطب الدّين الحلبي، وأجاز له الحافظ المزّي وغيره من دمشق ومصر وحلب، وطلب الحديث بنفسه، وعني به، وسمع الكثير من حفّاظ عصره، كابن عبد الدائم وغيره، وتخرّج بابن رجب ومغلطاي، ورحل إلى دمشق في سنة سبع وسبعين، فسمع بها من متأخري أصحاب الفخر بن البخاري، وبرع، وأفتى، ودرّس، وأثنى عليه الأئمة، ووصف بالحافظ، ونوه بذكره القاضي تاج الدّين السّبكي، وكتب له تقريظا [1] على شرحه ل «المنهاج» ، وتصدى للإفتاء والتدريس دهرا طويلا، وناب في الحكم، ثم طلب للاستقلال بوظيفة القضاء فامتحن بسبب ذلك في سنة ثمانين، ولزم داره، وأكبّ على الأشغال والتصنيف، حتّى صار أكثر أهل زمانه تصنيفا، وبلغت مصنّفاته نحو ثلاثمائة مصنّف، وكان جمّاعة للكتب جدا، ثم احترق غالبها قبل موته، وكان ذهنه مستقيما قبل أن تحترق كتبه ثم تغيّر حاله بعد ذلك، وهو ممن كان تصنيفه أحسن من تقريره، وبالغ بعضهم فقال: إنه أحضر إليه بعض تصانيفه فعجز عن تقرير ما تضمنه، وقام من المجلس ولم يتكلم، وأخذ عنه جماعات من الحفّاظ وغيرهم، منهم حافظ دمشق ابن ناصر الدّين، ووصفه بالحفظ والإتقان. وقال ابن حجر: كان موسّعا عليه في الدنيا، مديد القامة، حسن الصورة، يحبّ المزاح والمداعبة، مع ملازمة الاشتغال والكتابة، حسن المحاضرة، جميل الأخلاق، كثير الإنصاف، شديد القيام مع أصحابه، وربما اشتهر بابن النّحوي، وربما كتب بخطّه كذلك ولذلك اشتهر بها ببلاد اليمن وتغيّر حاله بأخرة فحجبه

_ [1] في «ط» : «تقريظا» وكلاهما بمعنى.

ولده نور الدّين إلى أن مات في سادس عشري [1] ربيع الأول بالقاهرة، ودفن على والده بحوش الصّوفية خارج باب النّصر. وفيها نجم الدّين محمد بن نور الدّين علي بن العلّامة نجم الدّين محمد بن عقيل بن محمد بن الحسن بن علي البالسي ثم المصري الشافعي [2] . قال ابن حجر: تفقه كثيرا، ثم تعانى الخدم عند الأمراء، ثم ترك ولزم بيته، ودرّس بالطّيبرسية إلى أن مات، وأضرّ قبل موته بيسير، ونعم الشيخ كان، خيرا، واعتقادا، ومروءة، وفكاهة لازمته مدة وحدّثني عن ابن عبد الهادي، ونور الدّين الهمداني، وغيرهما. مات في عاشر المحرم وله أربع وسبعون سنة. انتهى. وفيها أبو جعفر محمد بن محمد بن عنقة- بنون وقاف وفتحات- البسكري- بفتح الموحدة وبعدها مهملة، نسبة إلى بسكرة [3] بلد بالمغرب- ثم المدني [4] . كان يسكن المدينة ويطوف البلاد، وقد سمع من جمال الدّين بن نباتة قديما، ثم طلب بنفسه، فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق، وحمل عن ابن رافع، وابن كثير، وحصّل الأجزاء، وتعب كثيرا، ولم ينجب. قال ابن حجر: سمعت منه يسيرا، وكان متوددا، رجع من إسكندرية إلى مصر فمات بالسّاحل غريبا، رحمه الله تعالى. وفيها عزّ الدّين يوسف بن الحسن بن محمود السّرّائي الأصل التّبريزي، الشهير بالحلوائي- بفتح أوله وسكون اللام مهموز- الفقيه الشافعي [5] . ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وتفقه ببلاده، وقرأ على القاضي عضد الدّين

_ [1] في «ط» : «في سادس عشر» وهو خطأ. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 49) . [3] انظر «معجم البلدان» (1/ 422- 423) و «الروض المعطار» ص (113- 114) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 50- 51) و «الضوء اللامع» (9/ 172) . [5] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (802) ص (37) .

وغيره، وأخذ ببغداد عن شمس الدّين الكرماني الحديث و «شرحه للبخاري» ومهر في أنواع العلوم، وأقبل على التدريس، وشغل الطلبة، وعمل على البيضاوي شرحا، وتحوّل من تبريز لما خرّبه الدعادعة وهم أصحاب طقتمش [1] خان إلى ماردين، فأقام بها مدة، ثم راسله [2] مرزا ابن اللّنك، وقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها، وكتب على «الكشاف» حواشي، وشرح «الأربعين النواوية» . وكان زاهدا، عابدا، معرضا، عن أمور الدنيا، مقبلا على العلم، حجّ وزار المدينة وجاور بها سنة، وكان لا يرى مهموما قطّ. ورجع إلى الجزيرة لما كثر الظّلم في تبريز فقطنها إلى أن توفي بها، وخلّف ولدين بدر الدّين محمد، وجمال الدّين محمد. وفيها يوسف بن حسين الكردي الشّافعي [3] نزيل دمشق. كان عالما، صالحا، معتقدا، تفقّه وحصّل. قال الشيخ شهاب الدّين الملكاوي: قدمت من حلب سنة أربع [4] وستين وسبعمائة، وهو كبير يشار إليه، وكان يميل إلى السّنّة وينكر على الأكراد في عقائدهم وبدعتهم، وكان له اختيارات، منها المسح على الجوربين مطلقا، وكان يفعله، وله فيه مؤلّف لطيف، جمع فيه أحاديث وآثارا. ومنهاج تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا جدّ. وقال ابن حجي: كان يميل إلى ابن تيميّة ويعتقد صواب ما يقول في الفروع والأصول، وكان من يحبّ ابن تيميّة يجتمع إليه، وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الصّالحيّة، وأعاد بالظاهرية، وقد وقع بينه وبين ولده الشيخ زين الدّين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة، وتهاجرا مدة، إلى أن وقعت فتنة اللّنك فتصالحا، ثم جلس مع الشهود، وأحسن إليه ولده في فاقته ولم يلبث أن مات في شوال.

_ [1] في «ط» : «ظغتمش» وهو خطأ. [2] في «ط» : «أرسله» وهو خطأ. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 54- 55) و «الضوء اللامع» (10/ 311) . [4] تحرفت في «ط» إلى «ربع» .

سنة خمس وثمانمائة

سنة خمس وثمانمائة فيها استولى تمرلنك على أبي يزيد بن عثمان وأسر ولده موسى، ثم مات أبو يزيد في الأسر إمّا من القهر أو من غيره، وكان أبو يزيد من خيار ملوك الأرض، ولم يكن يلقّب [بلقب] ولا أحد من أبنائه وذريته، ولا دعي بسلطان ولا ملك، وإنما يقال الأمير تارة، وخوند [1] خان تارة أخرى، وكان مهابا يحبّ العلم والعلماء، ويكرم أهل القرآن، وكان يجلس بكرة النهار في مراح من الأرض متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم، فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال، وكان الأمن في بلاده فاشيا للغاية، وكان يشترط [2] على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون، إلى غير ذلك من الأوصاف الحسنة، وترك لما مات [من الأولاد] سليمان [3] ، ومحمدا، وموسى، وعيسى، فاستقلّ بالملك سليمان [3] وسيأتي شيء من ذكره في ترجمة تيمور [4] . وفيها استولى تيمور على غالب البلاد الرّومية ورجع إلى بلاده في شعبان من هذه السنة. وفيها استشهد سعد الدّين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي بن صبر الدّين [5] ، ملك الحبشة.

_ [1] قال الشيخ محمد أحمد دهمان في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (70) : الخوند: في الفارسية، السيد العظيم أو الأمير، استعملت في العربية لقبا بمعنى السيد أو السيدة. [2] في «ط» و «إنباء الغمر» : «يشرط» . [3] في «آ» و «ط» : «سلمان» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [4] انظر «إنباء الغمر» (5/ 55- 60) وما بين الحاصرتين في الخبر مستدرك منه. [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 88) و «الضوء اللامع» (7/ 16) .

استقر في مملكة الحبش بعد أخيه حقّ الدّين، فسار سيرته في جهاد الكفرة [1] ، وكانت عنده سياسة، وكسرت عساكره، وتعددت غاراته، واتسعت مملكته، حتّى وقع له مرّة أن بيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة، وبلغ سهمه من بعض الغنائم أربعين ألف بقرة لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرّقها وله في مدة ولايته وقائع وأخبار يطول ذكرها، فلما كان في هذه السنة جمع الحطي صاحب الحبشة جمعا عظيما وجهز عليه أميرا يقال له باروا، فالتقى الجمعان، فاستشهد من المسلمين جمع كثير، منهم أربعمائة شيخ من الصّلحاء أصحاب العكاكيز، وتحت يد كلّ واحد منهم عدة فقراء [2] واستبحر القتل في المسلمين حتّى هلك أكثرهم، وانهزم من بقي، ولجأ سعد الدّين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر، فحصروه فيها، إلى أن وصلوا إليه، فأصيب في جبهته بعد وقوعه في الماء ثلاثة أيام، فطعنوه فمات، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة، واستولى الكفّار على بلاد المسلمين، وخرّبوا المساجد، وبنوا بدلها الكنائس، وأسروا وسبوا ونهبوا، وفرّ أولاد سعد الدّين، وهمّ صبر الدّين علي ومعه تسعة من إخوته إلى البرّ الآخر فدخلوا مدينة زبيد، فأكرمهم النّاصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولا ومالا، فتوجهوا إلى مكان يقال له سيّارة فلحق بهم بعض عساكرهم، واستمرّ صبر الدّين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطي وحرق عدة من الكنائس، وغنم عدة غنائم. قاله ابن حجر. وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري الشافعي [3] . تفقه، ولازم الشيخ ولي الدّين الملوي، وبرع في الفنون، ودرّس مدة، وأفاد، وتعانى التّصوّف، وتكلّم على مصطلح المتأخرين فيه، وكان ذكيا، وسمع منه ابن حجر، ومات في جمادى الأولى.

_ [1] في «ط» : «الكفر» . [2] في «ط» : «فقرأ» وهو خطأ. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 93) و «الضوء» (1/ 359) .

وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي [1] قاضي كرك نوح. قال ابن حجي: كان من خيار الفقهاء، وقد ولي القضاء القدس، وولي الخطابة والقضاء بكرك نوح ثم القدس، وناب في الخطابة بالجامع الأموي، وفي تدريس البادرائية، وتوفي في ذي الحجّة. وفيها أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الحنبلي [2] ، نزيل غزّة. سمع من الميدومي، ومحمد بن إبراهيم بن أسد، وأكثر عن العلائي وغيرهم، وكان صالحا، دينا، خيّرا، بصيرا ببعض المسائل. سكن غزّة واتخذ بها جامعا، وكان للناس فيه اعتقاد، ونعم الشيخ كان، وقرأ عليه ابن حجر عدة أجزاء، ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة. وفيها أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي [3] ، المعروف بالثّوم- بمثلثة مضمومة-. قال ابن حجر: روى عن أحمد بن علي بن الجزري وغيره، وكان له مال وثروة، ثم افتقر بعد الكائنة. وتوفي في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك العثماني الصّرميني من معرّة صرمين [4] الشافعي.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 94) و «الضوء اللامع» (1/ 371) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 94) و «الضوء اللامع» (2/ 140) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 95) و «الضوء اللامع» (2/ 163) . [4] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله: «الصّرميني من معرّة صرمين» وهو خطأ، والصواب: «المصريني من معرّة مصرين» ومعرّة مصرين من أعمال سرمين. انظر «معجم البلدان» (5/ 155) و «الدّر المنتخب» ص (164) والتعليق على «در الحبب» (1/ 187) وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «المعرّي من معرّة سرمين» .

اشتغل، ومهر، وكان قاضي بلده مدة، ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر، فاغتيل بعد صلاة الصبح، ضرب في خاصرته فمات ثالث عشر شوال، وكانت سيرته حسنة وفيه سكون. وفيها تاج الدّين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز قاضي القضاة ابن الدّميري [1] المالكي [2] . كان إماما في الفقه والعربية وغيرهما، وتصدّر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به الطلبة، ثم ولي قضاء قضاة المالكية، بالدّيار المصرية فحمدت سيرته، ولم يزل ملازما للاشتغال والأشغال، وقد انتهت إليه رئاسة السّادة المالكية في زمنه. وتوفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة. وفيها سعد الدّين بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد النّووي ثم الخليلي الشافعي [3] . ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ومهر، وأخذ عن الذهبي، وشمس الدّين بن نباتة وغيرهما، وحمل عن التّاج المراكشي، وابن كثير، وقرأ عليه «مختصره» في علم الحديث، وأذن له، وحدّث، وأفتى، ودرّس. قال ابن حجي: كان ذا ثروة جيدة فاحترقت داره في الفتنة، وأخذ ماله فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود، ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلد الخليل عليه السلام، فمات هناك في جمادى الأولى. وفيها سارة بنت علي بن عبد الكافي السّبكي [4] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الديري» والتصحيح من مصادر الترجمة. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 98) و «الضوء اللامع» (3/ 19) و «نيل الابتهاج» ص (101) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 100) و «الضوء اللامع» (3/ 254) . [4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 102) و «الضوء اللامع» (12/ 51) و «أعلام النساء» (2/ 138) .

قال ابن حجر: أسمعت من أحمد بن علي الجزري، وزينب بنت الكمال، وسمعت على أبيها أيضا، وتزوجها أبو البقاء، فلما مات تحولت إلى القاهرة، ثم رجعت إلى دمشق في أيام سري الدّين، وكان صاهرها، ثم رجعت إلى القدس، ثم إلى القاهرة، فسمعنا منها قديما، ثم في سنة موتها. ماتت بالقاهرة في ذي الحجّة وقد جاوزت السّبعين. وفيها عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرّحمن الحرستاني ثم الصّالحي المؤذن [1] . سمع من الشّرف ابن الحافظ وغيره، وأجاز له الحجّار، وسمع منه ابن حجر. وفيها عبد الجبّار بن عبد الله المعتزلي الحنفي الخوارزمي [2] عالم الدّشت، صاحب تيمور لنك وإمامه وعالمه. ولد في حدود سنة سبعين وسبعمائة، وكان إماما عالما بارعا، متقنا للفقه، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، واللغة انتهت إليه الرئاسة في أصحاب تيمور، وكان هو عظيم دولته، ولما قدم تيمور البلاد الحلبية والشامية كان عبد الجبّار هذا معه، وباحث وناظر علماء البلدين، وكان فصيحا باللغات الثلاث [3] العربية، والعجمية، والتركية، وكانت له ثروة، ووجاهة، وعظمة، وحرمة زائدة إلى الغاية، وكان ينفع المسلمين في غالب الأحيان عند تيمور، وكان يتبرّم من صحبة تيمور ولا يسعه إلّا موافقته، ولم يزل عنده حتّى مات في ذي القعدة. وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي ثم المكّي المالكي [4] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 102) و «الضوء اللامع» (5/ 18) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 103) و «الضوء اللامع» (4/ 35) و «الدليل الشافي» (1/ 394) . [3] في «ط» : «الثلاثة» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 104) و «الضوء اللامع» (4/ 149) .

سمع من تاج الدّين ابن بنت أبي سعد، وشهاب الدّين الهكّاري، وغيرهما، وعني بالفقه فمهر فيه إلى الغاية، وشارك في غيره، ودرّس، وأفتى أكثر من أربعين سنة. وتوفي بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة. وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن الشيخ عفيف الدّين عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكّي الشافعي [1] . اشتغل بالفقه، وأذن له الأبناسي، وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ورحل إلى دمشق، فسمع من ابن أميلة وغيره، وتفقّه بالأميوطي وغيره، وكان خيّرا، عابدا، ورعا، قليل الكلام فيما لا يعنيه، وسمع منه ابن حجر. وتوفي في رجب عن خمس وخمسين سنة. وفيها الحافظ سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح- وصالح هذا أول من سكن بلقينة- ابن شهاب [2] الدين [2] بن عبد الخالق بن مسافر بن محمد البلقيني الكناني الشافعي [2] شيخ الإسلام. ولد ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم وهو ابن سبع سنين، وحفظ «المحرّر» في الفقه، و «الكافية» لابن مالك في النحو، و «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و «الشاطبية» في القراءات، وأقدمه أبوه إلى القاهرة وله اثنتا عشرة سنة، فطلب العلم، واشتغل على علماء عصره، وأذن له في الفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة، وسمع من الميدومي وغيره، وقرأ الأصول على شمس الدّين الأصفهاني، والنّحو على أبي حيّان، وأجاز له من دمشق الحافظان المزّي والذّهبي، وغيرهما، وفاق الأقران، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، فقيل: إنه مجدّد القرن التاسع، وما رأى مثل نفسه، وأثنى عليه العلماء وهو شاب، وانفرد في آخره برئاسة العلم، وولي إفتاء دار

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 105) و «الضوء اللامع» (5/ 102) و «العقد الثمين» (5/ 534) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 107) و «الضوء اللامع» (6/ 85) و «الدليل الشافي» (1/ 497) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 42- 52) .

العدل، وقضاء دمشق سنة تسع وستين وسبعمائة، فباشره مدة يسيرة، ثم عاد إلى القاهرة، وسافر إلى حلب سنة ثلاث وتسعين صحبة الظّاهر برقوق، واشتغل بها، ثم عاد صحبة السلطان، وعظم، وصار يجلس في مجلس السلطان فوق قضاة القضاة، وأكب على الأشغال والتصنيف، وانتفع به عامة الطلبة، وأتته الفتاوى من الأقطار. ومن تصانيفه: شرحان على «الترمذي» «تصحيح المنهاج» لكنه لم يكمل [1] وغير ذلك [1] ، وكان أعجوبة زمانه حفظا واستحضارا. قال برهان الدّين المحدّث: رأيته فريد دهره، فلم تر عيني أحفظ للفقه ولأحاديث الأحكام منه، ولقد حضرت دروسه وهو يقرئ «مختصر مسلم» للقرطبي [2] يتكلم على الحديث الواحد من بكرة إلى قريب الظّهر، وربما أذّن الظّهر ولم يفرغ من الحديث الواحد، واعترفت له علماء جميع الأقطار بالحفظ وكثرة الاستحضار. انتهى. وتزوج بنت ابن عقيل، ولازمه [3] في شبيبته. وممن أخذ عنه حافظ دمشق ابن ناصر الدّين وأثنى عليه بالحفظ وغيره، والحافظ ابن الحجر وقال: خرّجت له أربعين حديثا عن أربعين شيخا حدّث بها مرارا، وقرأت عليه «دلائل النّبوة» للبيهقي فشهد لي بالحفظ في المجلس العام، وقرأت عليه دروسا من «الروضة» وأذن لي، وكتب لي [4] خطه بذلك. انتهى. وتوفي بالقاهرة نهار الجمعة حادي عشر ذي القعدة وصلّى عليه ولده جلال الدّين عبد الرحمن، ودفن بمدرسته التي أنشأها.

_ [1] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» . [2] هو الإمام الحافظ المحدّث أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي المالكي، المتوفى سنة (656) . وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص (473) ومختصره لصحيح مسلم طبع في مصر منذ فترة قريبة، وقد صنّف شرحا لمختصره المشار إليه سمّاه «المفهم في شرح مختصر مسلم» وهو شرح نفيس جدير بالنشر والإخراج نظرا لما فيه من الفوائد النافعة. [3] في «ط» : «ولازمته» وهو خطأ. [4] لفظة «لي» سقطت من «ط» .

وفيها عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي [1] ، قاضي تمرلنك. مات بعد رجوعه من الرّوم في هذه السنة. قاله ابن حجر. وفيها أمّ عمر كلثم [2] بنت الحافظ تقي الدّين محمد بن رافع السّلامي الدمشقية [3] . سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضورا وغيره، وأجازت لابن حجر. وتوفيت في ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد [4] بن محمود النّابلسي [5] الحنبلي، الشيخ الإمام العلّامة. تفقه على الشيخ شمس الدّين بن عبد القادر، وقرأ عليه العربية وأحكمها، ثم قدم دمشق بعد السبعين، فاستمر في طلب العلم في حلقة بهاء الدّين السّبكي، ثم جلس [في الجوزية] يشهد، واشتهر أمره، وعلا صيته [وكان له معرفة وكتابة حسنة] ، وقصد في الاشتغال [6] ، ولم يزل يترقى حتّى ولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق، وعزل وتولى مرارا، وكانت له حلقة لإقراء العربية يحضرها الفضلاء، ودرس بعدة مدارس، وكان ذا عظمة وبهجة زائدة، لكن باع من الأوقاف كثيرا بأوجه واهية سامحه الله، وتوفي بمنزله بالصالحية ليلة السبت ثاني عشر المحرم. وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي الشافعي [7] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 109) و «الضوء اللامع» (6/ 147) . [2] تصحف اسمها في «آ» و «ط» إلى «كليم» والتصحيح من مصادر الترجمة. [3] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 115) و «الضوء اللامع» (12/ 118) و «أعلام النساء» (4/ 284) . [4] كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» للعليمي مصدر المؤلف: «محمد بن محمد بن أحمد» والذي في باقي المصادر «محمد بن أحمد» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 116) و «المقصد الأرشد» (2/ 366) و «الضوء اللامع» (7/ 170) و «المنهج الأحمة» الورقة (479) من القسم المخطوط وما بين الحاصرتين في الترجمة زيادة منه. [6] في «آ» و «ط» : «في الأشغال» والتصحيح من «المنهج الأحمد» مصدر المؤلف و «المقصد الأرشد» . [7] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 119) و «الضوء اللامع» (7/ 125) .

اشتغل بالقاهرة، وحفظ «المنهاج» واتصل بالقاضي برهان الدّين ابن جماعة، ولما ولي قضاء الشام استنابه واعتمد عليه في أمور كثيرة، وكان حسن المباشرة، مواظبا عليها، وعنده ظرف ونوادر، وكان مقلّا، مع العفّة، ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فرّ إلى القاهرة، فاستنابه القاضي جلال الدّين. ومات في ذي القعدة. وفيها علم الدّين محمد بن ناصر الدّين محمد بن محمد الدمشقي القفصي المالكي [1] . كان أبوه جنديا، ثم ألبس ولده كذلك، ثم شغله بالعلم وهو كبير، ودار في الدروس، واشتغل كثيرا لكن مع قصور فهم وقلّة عقل وعناية بالعلم. ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرّة في مدة خمس وعشرين سنة، أولها سنة تسع وسبعين، وولي قضاء حلب وحماة مرارا، وكان عفيفا. قال القاضي علاء الدّين في «ذيل تاريخ حلب» : أصيب في الوقعة الكبرى بماله، وأسرت له ابنة، وسكن عقب الفتنة بقرية من قرى سمعان إلى أن نزح التتر عن البلاد، فرجع [2] إلى حلب على ولايته. قال: وكان بيننا صحبة، وكان يكرمني، وولّاني عدة وظائف علمية، ثم توجه إلى دمشق فقطنها، وولي قضاءها، ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين، وهو قاضي دمشق. انتهى. وفيها محمد بن يوسف الإسكندراني المالكي [3] . قال ابن حجر: كان فقيه أهل الثّغر، درّس وأفتى، وانتهت إليه الرئاسة في العلم، وكان عارفا بالفقه، مشاركا في غيره، مع الدّين والصّلاح. انتهى. وفيها محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن هلال الدولة عمر بن منير الحارثي الدمشقي [4] ، موقع الدست بدمشق.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 122) و «الضوء اللامع» (10/ 13) . [2] في «آ» و «ط» : «رجع» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 123) و «الضوء اللامع» (10/ 137) و «نيل الابتهاج» ص (279) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 124) و «الضوء اللامع» (10/ 143) .

كان كاتبا، مجوّدا، ناظما، ناثرا، مشهورا بالخفّة والرقاعة والضّنانة بنفسه. أخذ عن صلاح الدّين الصّفدي وغيره، وسمع من إبراهيم بن الشّهاب محمود، وأجازت له زينب بنت الكمال. ومن عيون [1] شعره ما قاله في فرجية خضراء أعطاه إيّاها بعض الرؤساء: مدحت إمام العصر صدقا بحقّه ... وما جئت فيما قلت بدعا ولا وزرا تبعت أبا [2] ذرّ بمصداق لهجتي ... فمن أجل هذا قد أظلّتني الخضراء [3] وتوفي بالقاهرة فجأة وله فوق الستين. وفيها بدر الدّين محمود بن محمد بن عبد الله العينتابي [4] ، الحنفي العابد الواعظ. أخذ في بلاد الرّوم عن الشيخ موفق الدّين، وجمال الدّين الأقصرائي، ثم قدم عينتاب فنزل بجامع مؤمن مدة يذكّر الناس، وكان يحصل للناس في مجلسه رقّة [5] وخشوع وبكاء، وتاب على يده جماعة، ثم توجه إلى القدس زائرا، فأقام مدة، ثم رجع إلى حلب، فوعظ الناس في الجامع العتيق. قال البدر العينتابي: أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزّي، والفرائض السراجية، وغير ذلك، وذكرته في هذه السنة تبركا انتهى.

_ [1] في «آ» و «إنباء الغمر» : «ومن عنوان» . [2] في «ط» : «أبي» . [3] إشارة منه إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذرّ» رواه الترمذي رقم (3802) في المناقب: باب مناقب أبي ذرّ رضي الله عنه، وابن ماجة رقم (156) ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/ 342) وصححه، ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 125) و «الضوء اللامع» (10/ 146) . [5] في «آ» و «ط» : «دقة» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.

وفيها أمّ عيسى مريم بنت أحمد بن أحمد بن قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن إبراهيم الأذرعي [1] . قال ابن حجر: سمعت الكثير من علي بن عمر الواني، وأبي أيوب الدّبوسي، والحافظ قطب الدّين الحلبي، وناصر الدّين بن سمعون، وغيرهم، وأجاز لها التّقي الصّائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز، وغيره من الأئمة بدمشق، خرّجت لها «معجما» في مجلدة، وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازة، وهي أخت شمس الدّين المتقدم ذكره في هذه السنة عاشت أربعا وثمانين سنة ونعمت الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبة في العلم، وهي آخر من حدّثت عن أكثر مشايخها المذكورين، وقد سمع أبو العلاء الفرضي من يوسف الدبوسي، وسمعت هي منه، وبينهما في الوفاة مائة وبضع سنين. انتهى.

_ [1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (5/ 126) و «الضوء اللامع» (12/ 124) و «أعلام النساء» (5/ 37) .

سنة ست وثمانمائة

سنة ست وثمانمائة وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن صدّيق بن إبراهيم بن يوسف المؤذّن، المعروف بالرسّام [1] . كان أبوه بوّاب الظّاهرية، مسند الدّنيا من الرجال، سمع صاحب الترجمة الكثير من الحجّار، وإسحاق الآمدي، والشيخ تقي الدّين بن تيميّة، وطائفة، وتفرّد بالرواية عنهم، ومتّع بسمعه وعقله. قال ابن حجر: سمعت منه بمكّة، وحدّث بها بسائر مسموعاته، وقد رحل في السنة الماضية إلى حلب ومعه «ثبت» مسموعاته، فأكثروا عنه وانتفعوا به، وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر، ورجع إلى دمشق ولم يتزوج، فمات في شوال وله خمس وثمانون سنة وأشهر. انتهى. وفيها أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي [2]- نسبة إلى عسالق عرب [3] . قال ابن الأهدل في «تاريخ اليمن» : كان فقيها، نحويا، لغويا، مفسّرا، محدّثا، وله معرفة تامّة بالرجال والتواريخ، ويد قويّة في أصول الدّين. تفقه بأبيه وغيره، ولم يكن يخاف في الله لومة لائم، في إنكار ينكره [4] الشرع، لازم التّدريس وإسماع الحديث والعكوف على العلم، وعليه نور وهيبة، وأضر بأخرة. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 157) و «الضوء اللامع» (1/ 147) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 197) و «بغية الوعاة» (1/ 294) وقد تأخرت هذه الترجمة في «آ» إلى عقب ترجمة القاضي السلطان برهان الدين أبي العبّاس التي سترد بعد قليل. [3] وقال السخاوي في «الضوء اللامع» : «نسبة إلى العسالق طائفة من العرب» . [4] في «آ» و «ط» : «ما أنكره» والتصحيح من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.

وفيها أحمد بن علي بن محمد بن علي البكر العطاردي المؤذّن، المعروف بابن سكّر [1] . سمع بإفادة أخيه شمس الدّين من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره، وحدّث بالقاهرة، فسمع منه ابن حجر وغيره. وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين. وفيها عبد الله بن عبد الله الدّكاري [2] المغربي المالكي [3] ، نزيل المدينة، أقرأ بها، ودرّس، وأفاد، وناب في الحكم عن بعض القضاة، وكان يتجرأ على العلماء سامحه الله. قاله ابن حجر. وفيها الحافظ زين الدّين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني المولد العراقي الأصل الكردي العراقي الشافعي [4] ، حافظ العصر. قال في «إنباء الغمر» : ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» واشتغل بالقراءات، ولازم المشايخ في الرواية، وسمع في غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش، وابن عبد الهادي، وعلاء الدّين التّركماني، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدّين بن البابا، وتشاغل بالتخريج، ثم تنبّه للطلب بعد أن فاته السّماع من مثل يحيى المصري آخر من روى حديث السّلفي عالى بالإجازة، ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدائم، والنّجيب بن علاق، وأدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه، وهو من أعلى مشايخه إسنادا، وسمع أيضا من ابن الملوك وغيره، ثم رحل إلى دمشق، فسمع من ابن الخبّاز، ومن أبي عبّاس المرداوي، ونحوهما، وعني بهذا الشأن، ورحل فيه مرّات إلى دمشق

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 160) و «الضوء اللامع» (2/ 33) . [2] في «آ» و «ط» : «الأكاري» والتصحيح من مصدري الترجمة. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 168) و «الضوء اللامع» (5/ 29) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 170) و «الضوء اللامع» (4/ 171) و «ذيل طبقات الحفاظ» للذهبي ص (370) و «الدليل الشافي» (1/ 409) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 33) . و «طبقات الحفاظ» ص (538- 540) و «حسن المحاضرة» (1/ 360) .

وحلب والحجاز، وأراد الدخول إلى العراق ففترت همّته من خوف الطريق، ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجه إلى تونس فلم يقدر له ذلك، وصنّف «تخريج أحاديث الإحياء» واختصره في مجلد ولم يبيضه [1] ، وكتبت منه النسخ الكثيرة، وشرع في إكمال «شرح الترمذي» لابن سيّد الناس، ونظم «علوم الحديث» لابن الصلاح وشرحها، وعمل عليه نكتا، وصنّف أشياء أخر كبارا وصغارا، وصار المنظور إليه في هذا الفنّ من زمن الشيخ جمال الدّين الإسنائي وهلم جرا، ولم نر في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرّج غالب أهل عصره، ومن أخصهم به نور الدّين الهيثمي، وهو الذي درّبه وعلّمه كيفية التخريج والتصنيف، وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له، وصار الهيثميّ لشدة ممارسته أكثر استحضارا للمتون من شيخه، حتّى يظنّ من لا خبرة له أنه أحفظ منه وليس كذلك، لأن الحفظ المعرفة، وولي شيخنا العراقي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين، فأقام بها نحو ثلاث سنين، ثم سكن القاهرة، وأنجب ولده القاضي القضاة ولي الدّين. لازمت شيخنا [2] عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها، وقرأت عليه كثيرا من المسانيد والأجزاء، وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن، وكتب لي خطه بذلك مرارا، وسئل عند موته من بقي بعده من الحفّاظ فبدأ بي، وثنّى بولده، وثلّث بالشيخ نور الدّين، وتوفي عقب خروجه من الحمّام في ثاني شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة، نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدّين، وفي ذلك أقول في المرثية: لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتّى الشّهر كالشّهر عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر انتهى باختصار. وفيها القاضي بل السّلطان برهان الدّين أبو العبّاس أحمد [بن عبد الله] [3]

_ [1] في «آ» و «ط» : «وبيضه» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [2] يعني المترجم. [3] ترجمته في «درر العقود الفريدة» للمقريزي (1/ 253- 256) و «الضوء اللامع» (1/ 370- 371)

صاحب سيواس وقاضيها وسلطانها. ولد بها وبها نشأ، ثم قدم حلب، وقرأ بها مدة قليلة، وقدم القاهرة، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى سيواس. قال المقريزي: أحمد حاكم قيصرية، وتوقات، وسيواس. اعلم أن مملكة [1] الرّوم كانت أخيرا لبني قلج أرسلان الذين أقاموا بها دين الإسلام لما انتزعوها من يد ملك القسطنطينية، وكان كرسيهم قونية وأعمالهم كثيرة جدا إلى أن اتخذت سيواس كرسي ملكهم، ثم إن صاحب الترجمة قدم القاهرة وأخذ بها عن شيوخ زمانه، فعرف بالذكاء حتّى حصل على طرف من العلم، فبشّره بعض الفقراء بأنه يتملك بلاد الرّوم وأشار إليه بعوده إليها، فمضى إلى سيواس ودرّس بها وصنّف، ونظم الشعر وهو يتزيا بزي الأجناد، وسلك طريقة الأمراء فيركب بالجوارح والكلاب إلى الصيد، ويلازم الخدم السلطانية إلى أن مات [السلطان] ابن أرثنا [2] صاحب سيواس عن ولد صغير اسمه محمد، فأقيم بعده، وقام الأمراء بأمره، وأكبرهم الذي يرجعون إليه في الرأي قاضي سيواس، والد البرهان هذا، فدبّر الأمر المذكورون مدة حياة القاضي، فلما مات ولّي ابنه برهان الدّين هكذا مكانه، فسدّ مسدّه، وأربى عليه بكثرة علمه، وحسن سياسته، وجودة تدبيره، وأخذ في إحكام أمره، فأول ما بدا به بعد تمهيد قواعده أن فرّق أعمال ولايته على الأمراء، وبقي من الأمراء اثنان فريدون وغضنفر فثقلا عليه فتمارض ليقعا في قبضته، فدخلا عليه يعودانه، فلما استقرّ بهما الجلوس خرج عليهما من رجاله جماعة أقعدهم في مخدع، فقبضوا عليهما وخرج من فوره، فملك الأمر من غير منازع، ولقّب بالسلطان ثم خرج فاستولى على مملكة قرمان، وقاتل من عصى عليه، ونزع توقات، واستمال إليه تتار الرّوم، وهم جمع كبير لهم بأس ونجدة وشجاعة، وانضاف إليه الأمير عثمان قرايلك [3] بتراكمينه فعزّ جانبه، ثم إن قرايلك

_ وما بين الحاصرتين في صدر الترجمة زيادة منه. [1] في «آ» و «ط» : «ممالك» والتصحيح من «درر العقود الفريدة» مصدر المؤلف. [2] في «درر العقود الفريدة» : «ابن أرثنا» ولفظة «السلطان» مستدركة منه. [3] في المواطن الخمسة من «آ» و «ط» : «قرانبك» وما أثبته من «السّلوك» (3/ 3/ 1042 و 1151

خالف عليه ومنع تقادمه التي كان يحملها إليه، فلم يكترث به القاضي برهان الدّين احتقارا له، فصار قرايلك يتردد إلى أماسية وأزرنجان، إلى أن قصد ذات يوم مصيفا بالقرب من سيواس، ومرّ بظاهر المدينة، فشق عليّ القاضي برهان الدّين كونه لم يعبأ به، وركب عجلا بغير أهبة ولا كثرة جماعة، وساق في أثره ليوقع به، فكّر عليه قرايلك بجماعته فأخذه قبضا باليد، وتفرّقت عساكره [1] شذر مذر، وكان قرايلك عزم أن يعيده إلى مملكته، فنزل عليه شيخ نجيب، فما زال به حتّى قتله. وكان- رحمه الله- فقيها، فاضلا، كريما، جوادا، قريبا من الناس، شديد البأس، أديبا، شاعرا، ظريفا، لبيبا [2] ، مقداما، يحبّ العلم والعلماء، ويدني إليه أهل الخير والفقراء، وكان دائما يتخذ يوم الاثنين والخميس والجمعة لأهل العلم خاصة، لا يدخل عليه سواهم، وأقلع قبل موته، وتاب، ورجع إلى الله تعالى. ومن مصنّفاته كتاب «الترجيح على التلويح» . وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق [3] . وقتل في ذي القعدة. انتهى كلام المقريزي باختصار. وفيها الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله تعالى الشيخ أبو بكر بن داود الصّالحي [4] الحنبلي المسلك، المخلص الفقيه المتين. قال الشّهاب بن حجي: كان معدودا في الصّالحين، وهو على طريقة السّنّة، وله زاوية حسنة بسفح قاسيون فوق جامع الحنابلة، وله إلمام بالعلم. ومات في سابع عشري رمضان. انتهى أي ودفن بحوش تربته من جهة الشمال قريبا من الطريق. قال الشيخ إبراهيم ابن الأحدب في «ثبته» والدّعاء عند قبره مستجاب [5] .

_ و1166) و «النجوم الزاهرة» (13/ 59) والضبط عنه. وفي «درر العقود الفريدة» : «قرايلوك» . [1] في «ط» : «عسكره» . [2] في «درر العقود الفريدة» : «لينا» . [3] في «درر العقود الفريدة» : «سوق نافقة» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 166) و «الضوء اللامع» (11/ 31) و «السحب الوابلة» ص (127) . [5] قلت: وذلك من المبالغة في الإطراء، فالدعاء لا يحتاج قبوله من الله تعالى إلى وسيط. قال تعالى:

وقال فيه أيضا: له التصانيف النّافعة، منها «قاعدة السفر» ومنها «الوصية النّاصحة» لم يسبق إلى مثلها، ومنها «النّصيحة الخالصة» وغير ذلك من التصانيف النافعة الدالة على فقهه وعلمه وبركته، له مغارة في زاويته انقطع عن الخلق فيها. انتهى. وفيها عبد الصّادق بن محمد الحنبلي الدمشقي [1] . كان من أصحاب ابن المنجّى، ثم ولي قضاء طرابلس، وشكرت سيرته، وقدم دمشق فتزوج بنت السّلاوي زوجة مخدومه تقي الدّين بن المنجّى، وسعى في قضاء دمشق. وتوفي في المحرم سقط عليه سقف بيته فهلك تحت الرّدم. وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله الحكري المصري [2] ، الفقيه الحنبلي، العالم الواعظ، قاضي القضاة. ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة، واشتغل في الحديث والفقه، وولي القضاء بالديار المصرية بعد عزل القاضي موفق الدّين في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة، وقدم مع السلطان الناصر فرج [3] إلى دمشق، وكان يجلس بمحراب الحنابلة يعظ الناس، وكانت مدة ولايته للقضاء خمسة أشهر، واستمرّ معزولا إلى أن مات في تاسع المحرم. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عمرو بن سلمعان الخوارزمي [4] ، وكان أبوه من الأجناد فنشأ هو على أجمل طريق وأحسن سيرة، وأكبّ على الاشتغال بالعلم، ثم طالع في كتب ابن حزم فهوي كلامه، واشتهر في محبّته والقول بمقالته، وتظاهر بالظّاهر، وكان حسن العبادة، كثير الإقبال على التضرع

_ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ 2: 186 (البقرة: 186) . [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 208) و «السّحب الوابلة» ص (220) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 177) و «الضوء اللامع» (5/ 216) و «المقصد الأرشد» (2/ 223) و «الجوهر المنضد» ص (86) و «السحب الوابلة» ص (185) . [3] في «ط» : «الفرج» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 178) و «الضوء اللامع» (5/ 266) .

والدّعاء والابتهال، ونزل عن إقطاعه سنة بضع وثمانين، وأقام بالشام، ثم عاد إلى مصر، وباشر عند بعض الأمراء. وتوفي في تاسع صفر. وفيها نور الدّين علي [بن محمد] بن عبد الوارث بن جمال الدّين محمد بن زين الدّين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن محمد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق القرشي البكري التّيمي [1] الشافعي ظنا. اشتغل بالعلم، ومهر في الفقه خاصة، وكان كثير الاستحضار، قائما بالأمر بالمعروف، شديدا على من يطلع منه على أمر منكر فجرّه الإكثار من ذلك إلى أن حسّن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة، فولي حسبة مصر مرارا، وامتحن بذلك حتّى أضرّ ذلك به. ومات في ذي القعدة مفصولا وله ثلاث وستون سنة. وفيها زين الدّين عمر بن إبراهيم بن سليمان الرّهاوي الأصل ثم الحلبي [2] ، كاتب الإنشاء بحلب. قرأ على الشيخ شمس الدّين الموصلي، وأبي المعالي بن عشائر، وتعانى الأدب، وبرع في النّظم وصناعة الإنشاء وحسن الخط، وولي كتابة السّرّ بحلب، ثم ولي خطابة جامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري، وكان فاضلا ذا عصبية ومروءة. وهو القائل: يا غائبين وفي سرّيّ محلّهم ... دم الفؤاد بسهم البين مسفوك أشتاقهم ودموع العين جارية ... والقلب في ربقة الأشواق مملوك

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 179) و «الضوء اللامع» (5/ 317) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 179) و «الضوء اللامع» (6/ 64) .

ومن شعره: وحائك يحكيه بدر الدّجى ... وجها ويحكيه القنا قدّا ينسج أكفانا لعشّاقه ... من غزل جفنيه وقد سدّا توفي في ثاني ربيع الآخر. وفيها أبو حيّان محمد بن فريد الدّين حيّان بن العلّامة أثير الدّين أبي حيّان محمد بن يوسف الغرناطي ثم المصري [1] . ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جدّه، ومن ابن عبد الهادي، وغيرهما، وكان حسن الشّكل، منوّر الشّيبة، بهي المنظر، حسن المحاضرة، أضرّ بأخرة، وسمع منه ابن حجر وغيره، وتوفي في ثالث رجب. وفيها شمس الدّين محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسماعيل الطّائي الشافعي ابن خطيب الناصرية [2] . ولد سنة ثلاث وأربعين، وحفظ «التنبيه» وتفقه على أبي الحسن البابي، والكمال بن العجمي، والجمال بن الشّريشي، وسمع من بدر الدّين بن حبيب وغيره، وولي خطابة النّاصرية، واشتهر بها أيضا، وكان كثير التّلاوة والعبادة، سليم الصّدر، وهو والد قاضي قضاة حلب. وتوفي في جمادي الأولى. وفيها شمس الدّين محمد بن سلمان [3] بن عبد الله بن الحرّاني الشافعي الحموي [4] ، نزيل حلب. أصله من الشرق، وأقدمه أبوه طفلا فسكن حماة، وعلّمه صناعة الحرف، ثم ترك وأقبل على الاشتغال، وأخذ عن شرف الدّين يعقوب خطيب القلعة،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 184) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 185) و «الضوء اللامع» (7/ 249) . [3] في «آ» و «ط» : «محمد بن سليمان» والتصحيح من مصدري الترجمة. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 186) و «الضوء اللامع» (7/ 255) .

والجمال يوسف بن خطيب المنصورية وصاهره، ثم رحل إلى دمشق، وأخذ عن بدر الدّين القرشي، ورأس، وحصّل، وشارك في الفنون، ثم قدم حلب سنة ثلاث وسبعين، وناب في الحكم، ثم ولي [1] قضاء الرّها، ثم قضاء بزاعة [2] ثم ناب في الحكم بحلب أيضا، وولي عدة تداريس، وكان فاضلا تقيا، مشكورا في أحكامه. وتوفي في سابع ربيع الأول بالفالج. وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسن المصري القمني الصّوفي [3] . سمع من شمس الدّين بن القمّاح «صحيح مسلم» بفوت، وسمع من غيره، وحدّث، فسمع منه ابن حجر وغيره. وتوفي عن سبع وسبعين سنة. وفيها أبو بكر يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن زكريا الغرناطي [4] . كان إماما في الفرائض والحساب، وشارك في الفنون، وصنّف في الفرائض كتاب «المفتاح» وولي القضاء ببلده. وتوفي في ربيع الأول.

_ [1] لفظة «ولي» سقطت من «ط» . [2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 409) : بزاعة: سمعت من أهل حلب من يقوله بعضهم بالضم والكسر، ومنهم من يقول: بزاعا بالقصر، وهي بلدة من أعمال حلب في وادي بطنان بين منبج وحلب ... وفيها عيون ومياه جارية وأسواق حسنة وقد خرج منها بعض أهل الأدب. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 193) و «الضوء اللامع» (9/ 212) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 194) و «الضوء اللامع» (10/ 229) .

سنة سبع وثمانمائة

سنة سبع وثمانمائة فيها توفي محيى الدّين أبو اليسر أحمد بن تقي الدّين عبد الرحمن [1] بن نور الدّين بن محمد بن محمد بن الصّائغ الأنصاري [2] نزيل الصّالحية. ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي، وأحمد بن علي الجزري، وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فأكثر، وسمع من زين الدّين بن الوردي، وعني بالآداب، وطلب بنفسه، وكتب الطّباق، وتخرّج بابن سعد، وتفرّد بأشياء سمعها، وسمع منه ابن حجر وغيره بدمشق، وكان عسرا في الرواية. توفي في شهر رمضان. وفيها شهاب الدّين أحمد بن كندغدي [3]- بضم الكاف وسكون النّون ودال مضمومة وغين معجمة ساكنة ودال مهملة مكسورة، لفظ تركي معناه بالعربية ولد النهار- الإمام العلّامة الفقيه الحنفي. ولد بالقاهرة، وكان أبوه علاء الدّين أستادار [4] للأمير آقتمر، وكان شهاب الدّين هذا يتزيّا بزيّ الجند، وطلب العلم، واشتغل على علماء عصره،

_ [1] في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «أحمد بن عبد الله» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 226) و «الضوء اللامع» (1/ 368) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 227) و «الضوء اللامع» (2/ 64) و «الطبقات السنية» (2/ 12- 13) . [4] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في «معجم الألفاظ التاريخية» ص (14) : الاستدار، بضم الهمزة، لقب مملوكي يطلق على القائم على شؤون الخاصة للسلطان.

وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وغير ذلك، وتفقه به جماعة، وصحب الأمير شيخ الصّفوي، ثم اختصّ عند الملك الظّاهر برقوق، وعظم في الدولة بذلك. قال المقريزي: وكان يتّهم بأنه هو الذي رخّص للسلطان في شرب النّبيذ على قاعدة مذهبه، فأفضى ذلك إلى أن تعاطى ما أجمع على تحريمه، وقد شافهته بذلك فلم ينكره منّي، فلما كانت أيام الناصر فرج بعثه رسولا إلى تيمور بعد أن عيّنت أنا، فمات بحلب في شهر ربيع الأول وقد قارب الخمسين أو بلغها، وكان من أذكياء الناس وفضلائهم. انتهى. وفيه تاج الدّين تاج بن محمود الأصفهندي العجمي الشّافعي [1] ، نزيل حلب. قدم من بلاد العجم حاجّا، ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسة الرّواحية، وأقرأ بها النحو، ثم أقبلت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ لغير [2] الاشتغال، بل يقرئ من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع، ومن الظهر إلى العصر بجامع منكلي بغا، ويجلس من العصر إلى المغرب بالرّواحية، وكان عفيفا، ولم يكن له حظّ ولا يطلع إلى [3] أمر من أمور الدنيا، وأسر مع اللّنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرّما، فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول، وأخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا به، وشرح «المحرر» في الفقه. وتوفي عن ثمان وسبعين سنة. وفيها تمر وقيل تيمور- كلاهما يجوز- ابن ايتمش قنلغ بن زنكي بن سيبا بن طارم طر بن طغربك بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا الطاغية تيمور كوركان ومعناه باللغة العجمية صهر الملوك [4] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 229) و «الضوء اللامع» (3/ 25) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 23) و «بغية الوعاة» (1/ 478) . [2] في «ط» : «بغير» . [3] في «ط» : «على» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 231) و «الضوء اللامع» (4/ 46) و «النجوم الزاهرة» (12/ 253) .

ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى خواجا أبغار من عمل كشّ أحد مدائن ما وراء النهر وبعد هذه البلدة عن سمرقند يوم واحد. يقال: إنه رؤي ليلة ولد كأنّ شيئا يشبه الخودة تراءى طائرا في جو السماء، ثم وقع إلى الأرض في فضاء فتطاير منه شرر حتى ملأ الأرض، وقيل: إنه لما خرج من بطن أمّه وجدت كفّاه ملوءتين دما فزجروا أنه تسفك على يديه الدماء، وقيل: إن والده كان إسكافا، وقيل: بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ، وكان أحد أركان دولته، وإن أمّه من ذرّية جنكز خان، وقيل: إن أول ما عرف من حاله أنه كان يتحرم فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليمرّ بها فانتبه الراعي ورماه بسهم فأصحاب كتفه ثم ردفه بآخر فلم يصبه، ثم بآخر فأصاب فخذه، وعمل عليه الجرح الثاني حتى عرج منه، ولهذا يسمى تمرلنك، فإن لنك باللغة العجمية أعرج، ثم أخذ في التحرم وقطع الطريق، وصحبه في تحرمه جماعة عدّتهم أربعون رجلا، وكان تيمور يقول لهم في تلك الأيام: لا بد أن أملك الأرض وأقتل ملوك الدّنيا فيسخر منه بعضهم ويصدّقه البعض لما يروه من شدّة حزمه وشجاعته. قال ابن حجر: كان من أتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرّيّة جنكز خان، فلما مات وقرّر في السلطنة ولده محمود استقرّ تيمور أتابكة [1] ، وكان أعرج، وهو اللّنك بلغتهم، فعرف بتمر اللنك، ثم خفّف وقيل: تمرلنك، وتزوج أمّ محمود وصار هو المتكلم في المملكة، وكانت همّته عالية، وتطلع [2] إلى الملك، فأول ما جمع عسكرا ونازل صاحب [3] بخارى فانتزعها من يد أميرها حسن المغلي، ثم نازل خوارزم فاتفق وفاة أميرها حسن المغلي، واستقرّ أخوه يوسف وانتزعها اللّنك أيضا، ولم يزل إلى أن انتظم له ملك ما وراء النهر، ثم سار إلى سمرقند، وتملّكها، ثم زحف إلى خراسان وملكها، ثم ملك هراة، ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع وثمانين، فلجأ صاحبها شاه وتعلّق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجّه اللّنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان فهلك شاه في

_ [1] في «ط» : «أتابك» . [2] في «آ» : «ويطّلع» وفي «ط» : «ويتطلع» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [3] لفظة «صاحب» لم ترد في «إنباء الغمر» .

الحصار، وملكها اللّنك، ثم ملك أصبهان، وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدّين وأعانه طقتمش خان صاحب صراي، فرجع إليهم، ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقلّ بمملكة المغل، وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها، ثم تحول إلى فارس وفيها أعيان بني المظفّر اليزدي فملكها، ثم رجع إلى بغداد سنة خمس وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها، وفرّ أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام، واتصلت مملكة اللّنك بعد بغداد بالجزيرة [1] وديار بكر، فبلغته أخباره الظّاهر برقوق فاستعدّ له، وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان فنزل بقراباغ [2] ، فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين، ففرّ إلى بلغار، وانضم عسكر المغل إلى اللّنك، فاجتمع معه فرسان التتار والمغل وغيرهم، ثم رجع إلى بغداد، وكان أحمد فرّ منها، ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكها، وهرب أحمد ثانيا، وسار إلى أن وصل سيواس فملكها، ثم حاصر بهنسا مدة، وبلغ ذلك أهل حلب ومن حولها فانجفلوا، ونازل حلب في ربيع الأول فملكها وفعل فيها الأفاعيل الشنيعة، ثم تحول إلى دمشق في ربيع الآخر- أي سنة ثلاث وثمانمائة- وسار حتّى أناخ على ظاهر دمشق من داريّا إلى قطنا والحولة وما يلي تلك البلاد، ثم احتاط بالمدينة، وانتشرت عساكره في ظواهرها تتخطف الهاربين. وقال صاحب «المنهل الصّافي» وصار تيمور يلقي من ظفر به تحت أرجل الفيلة، حتّى خرج إليه أعيان المدينة بعد أن أعياه أمرهم يطلبون منه الأمان، فأوقفهم ساعة ثم أجلسهم وقدّم إليهم طعاما وأخلع عليهم وأكرمهم ونادى في المدينة بالأمان والاطمئنان، وأن لا يعتدي أحد على أحد، فاتفق أن بعض عسكره نهب شيئا من السوق فشنقه وصلبه برأس سوق البزوريين، فمشى ذلك على الشاميين وفتحوا أبواب المدينة فوزّعت الأموال التي كان فرضها عليهم لأجل الأمان على الحارات، وجعلوا دار الذهب هي المستخرج، ونزل تيمور بالقصر الأبلق [3]

_ [1] يعني جزيرة أقور. [2] قراباغ: ورد ذكرها في كتاب «بلدان الخلافة الشرقية» ص (213) وقال عنها: هي في شرقي الرّان. [3] كان القصر الأبلق في مكان التكية السلمانية الشهيرة وسط دمشق على ضفة بردى، وعلى أنقاضه

من الميدان، ثم تحول منه إلى دار وهدمه وحرقه، وعبر المدينة من باب الصغير، حتى صلّى الجمعة بجامع بني أميّة، وقدّم القاضي الحنفي محمود بن الكشك للخطبة والصلاة، ثم جرت مناظرات [1] بين إمامه عبد الجبّار، وفقهاء دمشق، وهو يترجم عن تيمور بأشياء، منها وقائع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية، وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين، وأن ذلك كلّه كان بمعاونة أهل دمشق له، فإن كانوا استحلوه فهم كفّار، وإلّا فهم عصاة بغاة، وإثم هؤلاء على أولئك، فأجابوه بأجوبة قبل بعضها وردّ البعض، ثم قام من الجامع وجدّ في حصار القلعة حتّى أعياه أمرها، ولم يكن بها يومئذ إلّا نفر يسير جدا، ونصب عليها عدة مناجيق، وعمر تجاها قلعة عظيمة من خشب، فرمى من بالقلعة على القلعة التي عمرها بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها، فأنشأ قلعة أخرى، ثم سلّموها له بعد أربعين يوما بالأمان، ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح لمن معه النّهب والسّبي [2] ، والقتل والإحراق، فهجموا المدينة ولم يدعوا بها شيئا قدروا عليه، وطرحوا على أهلها أنواع العذاب، وسبوا النّساء والأولاد، وفجروا بالنساء جهارا، ولا زالوا على ذلك أياما، وألقوا النار في المباني حتّى احترقت بأسرها، ورحل عنها يوم السبت ثالث شعبان سنة ثلاث وثمانمائة، ثم اجتاز بحلب وفعل بأهلها ما قدر عليه، ثم على الرّها وماردين، ثم على بغداد وحصرها أيضا حتى أخذها عنوة في يوم عبد النّحر من السنة ووضع السيف في أهلها، وألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهلها، فوقع القتل، حتى سالت الدّماء أنهارا وقد أتوه بما التزموه، فبنى من هذه الرؤوس مائة وعشرين مئذنة، ثم جمع أموالها وأمتعتها وسار إلى قرى باغ فجعلها خرابا بلقعا. ثم قال ابن حجر: فلما كان سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الرّوم فغلب عليها

_ أقيمت التكية على عهد العثمانيّين حكام آخر الدول الإسلامية الكبرى. انظر «غوطة دمشق» لكرد علي ص (185) . [1] في «ط» : «مناظرة» . [2] في «ط» : «والسّلب» .

وأسر صاحبها- أي أبا يزيد بن عثمان- ومات معه في الاعتقال، ودخل الهند، فنازل مملكة المس لمين حتى غلب عليها، وكان مغرى بقتل المسلمين وغزوهم وترك الكفّار، وكان شيخا، طوالا، شكلا، مهولا، طويل اللّحية، حسن الوجه، بطلا شجاعا جبّار، ظلوما، غشوما، سفّاكا للدماء، مقداما على ذلك، وكان أعرج، سلت رجله في أوائل أمره، وكان يصلي عن قيام، وكان جهوري الصّوت، يسلك الجدّ مع القريب والبعيد، ولا يحبّ المزاح، ويحب الشطرنج، وله فيها يد طولى، وزاد فيها جملا وبغلا، وجعل رقعته عشرة في أحد عشر، وكان ماهرا فيه لا يلاعبه فيه إلا الأفراد، وكان يقرّب العلماء، والصّلحاء، والشّجعان، والأشراف، وينزلهم منازلهم، ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه، وكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب، وما أخرب البلاد إلّا بذلك، وكان من أطاعه في أول وهلة أمن، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن، وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب، وفراسة قلّ أن تخطئ، وكان عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعها، لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها، سفرا ولا حضرا، وكان مغرى بمن له صناعة ما، إذا كان حاذقا فيها، وكان أمّيّا لا يحسن الكتابة، وكان حاذقا باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة، وكان يقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلا، ولذلك أفنى جمعا جمّا بكفره، مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها، وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم، فلا يتوجه إلى جهة إلّا وهو على بصيرة من أمرها، وبلغ من دهائه أنه كان إذا قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية، فيكاتب جواسيس تلك الجهات، فيأخذ أهل تلك الجهة المذكورة حذرها ويأنس غيرها، فإذا ضرب بالنّفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال، عرّج بهم ذات اليمين فلا يصل الخبر الثاني إلّا ودهم الجهة التي يريد وأهلها غافلون، وكان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين وقصورا عجيبة، وكانت من أعظم النّزه، وبنى عدة قصاب سمّاها بأسماء البلاد الكبار، كحمص، ودمشق، وبغداد، وشيراز. انتهى وقال في «المنهل» وكان يستعمل المركّبات والمعاجين ليستعين بها على

افتضاض الأبكار، وخرج من سمرقند في شهر رجب- أي من هذه السنة- قاصدا بلاد الصّين والخطا، وقد اشتدّ البرد حتّى نزل على سيحون وهو جامد فعبره، ومرّ سائرا، واشتد عليه وعلى من معه الرّياح والثلج، وهلكت دوابهم، وتساقط الناس هلكى، ومع ذلك فلا يرقّ لأحد، ولا يبالي بما نزل بالناس، بل يجدّ في السير، فلما وصل إلى مدينة انزار [1] أمر أن يستقطر له الخمر حتّى يستعمله بأدوية حارة وأفاويه لدفع البرد وتقوية الحرارة، وشرع يتناوله ولا يسأل عن أخبار عسكره وما هم فيه، إلى أن أثّرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه، فالتهب مزاجه حتّى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السّير السّريع وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثّلج على بطنه لعظم ما بن من التّلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام، فتلفت كبده وصار يضطرب ولونه يحمر إلى أن هلك في يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان وهو نازل بضواحي انزار [1] ، ولم يكن معه من أولاده سوى حفيده خليل بن أميران شاه بن تيمور فملك خزائن جدّه وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمّة جدّه إلى أن دفنه على حفيده محمد سلطان بمدرسته، وعلّق بقبته قناديل الذهب، من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال دمشقية، وتقصد تربته بالنّذور للتبرك من البلاد البعيدة- لا تقبّل الله ممن يفعل ذلك- وإذا مرّ على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلالا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة. وتوفي عن نيف وثمانين سنة، وخلّف من الأولاد أميران شاه والقآن معين الدّين شاه رخ صاحب هراة، وبنتا يقال لها سلطان بخت، وعدة أحفاد. انتهى باختصار. وفيها جمال الدّين أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك الهندي السّعودي الأزهري المعروف بالحلاوي [2]- بمهملة ولام خفيفة-. ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع الكثير من يحيى المصري،

_ [1] لم أعثر على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 239) و «الضوء اللامع» (5/ 38) .

وأحمد بن علي المستولي، وإبراهيم الخيمي، وجمع جمّ من أصحاب النّجيب، وابن علّان، وابن عبد الدائم فأكثر. قال ابن حجر: كان ساكتا،: خيّرا، صبورا على الإسماع، قلّ أن يعتريه نعاس، قرأت عليه «مسند أحمد» في مدة يسيرة في مجالس طوال، وكان لا يضجر، وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرّواية من شيوخنا أحسن أداء منه، ولا أصغى للحديث. وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين. وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس بن نصر النّحريري المالكي [1] . ولد سنة أربعين وسبعمائة، واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر، وسمع من الظّهير بن العجمي وغيره، ثم ناب في الحكم بحلب، ثم ولي قضاء حلب سنة سبع وستين، ثم أراد الظّاهر إمساكه لمّا قام عليه، فأحس بذلك فهرب إلى بغداد، فأقام بها على صورة فقير، فلم يزل هناك إلى أن وقعت الفتنة اللّنكية، ففرّ إلى تبريز، ثم إلى حصن كيفا، فأكرمه صاحبها، فأقام عنده، وكان صاحب الترجمة يحبّ الفقهاء الشافعية وتعجبه مذاكرتهم، ثم رجع إلى حلب، ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحجّ ورجع قاصد الحصن، وكان إماما، فاضلا، فقيها، يستحضر كثيرا من التاريخ، ويحب العلم وأهله، وكان من أعيان الحلبيين. وتوفي بسرمين راجعا من الحجّ بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول. وفيها عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرّشيدي [2] . قال ابن حجر: سمع الميدومي، وابن الملوك، وغيرهما، وكان يلازم قراءة «صحيح البخاري» وسمعت لقراءته، وكان حسن الأداء، وسمعت منه من «المعجم الكبير» أجزاء.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 241) و «الضوء اللامع» (5/ 42) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 244) و «الضوء اللامع» (5/ 43) .

مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر. انتهى. وفيها [1] أبو بكر [1] عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرّجاء ابن أبي الأزهر الدمشقي، المعروف بابن السّلعوس [2] . سمع من زينب بنت الخبّار، وحدّث عنها، وأجاز لابن حجر. وفيها شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي ثم المصري الحنبلي [3] . ولد ببغداد، وقدم [4] إلى القاهرة وهو كبير، فحجّ، وصحب القاضي تاج الدّين السّبكي وأخاه الشيخ بهاء الدّين، وتفقه على قاضي القضاة موفق الدّين وغيره، وعيّن لقضاء الحنابلة بالقاهرة فلم يتمّ ذلك، ودرّس بمدرسة أمّ الأشرف شعبان، وبالمنصورية، وولي إفتاء دار العدل، ولازم الفتوى، وانتهت إليه رئاسة الحنابلة بها، وانقطع نحو عشر سنين بالجامع الأزهر يدرّس ويفتي، ولا يخرج منه إلّا في النّادر، وأخذ عنه جماعات. وأنشد قبل موته من نظمه [5] . قرب الرّحيل إلى ديار الآخره ... فاجعل بفضلك خير عمري آخره وارحم مقيلي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقي ناخره فأنا المسيكين الذي أيّامه ... ولّت بأوزار غدت متواترة لا تطردنّ [6] فمن يكن لي راحما ... وبحار جودك يا إلهي زاخره

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 245) و «الضوء اللامع» (4/ 84) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 247) و «الضوء اللامع» (5/ 88) وفيه «ابن داود بن سليمان» و «المقصد الأرشد» (2/ 138) . [4] في «ط» : «قدم» . [5] الأبيات في «المقصد الأرشد» (2/ 139) . [6] في «المقصد الأرشد» : «فلئن طردت» .

يا مالكي يا خالقي يا رازقي ... يا راحم الشّيخ الكبير وناصره مالي سوى قصدي لبابك سيّدي ... فاجعل بفضلك خير عمري آخره وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر شوال. وفيها جلال الدّين عبيد الله [1] بن عبد الله الأردبيلي الحنفي [2] . لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها، وقدم القاهرة فولي قضاء العسكر، ودرّس بمدرسة الأشرف بالتّبانة وغير ذلك. وتوفي في أواخر شهر رمضان. وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم بن علي القضامي الحموي الحنفي [3] . تفقه بالقاضي صدر الدّين بن منصور، وأخذ النحو عن سري الدّين المالكي، وبرع في الأدب، وكتب في الحكم عن البارزي، ثم ولي القضاء بحماة، وكان من أهل العلم والفضل والذكاء، مع الدّين، والخير، والرئاسة، وسمع منه ابن حجر لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة. ومن شعره: عين على المحبوب قد قال لي ... راح إلى غيرك يبغي اللّجين فجئته بالتّبر مستدركا ... وقلت ما جئتك إلّا بعين وتوفي ثامن عشر ربيع الأول. وفيها نور الدّين علي بن سراج الدّين عمر ابن الملقّن الشافعي [4] . ولد في سابع شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وسمع من أبيه وبعض المشايخ بالقاهرة، ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة، وأسمعه هناك، وناب

_ [1] في «ط» : «عبد الله» وهو خطأ. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 248) و «الضوء اللامع» (5/ 117) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 250) و «الضوء اللامع» (5/ 155) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 267) .

في الحكم، ودرّس بمدارس أبيه بعده، وكان عنده سكون وحياء، وتمول في الآخر، وكثرت معاملاته. وتوفي في شعبان. وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثميّ الشافعي [1] الحافظ. ولد في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وصحب الشيخ زين الدّين العراقي وهو صغير، فسمع معه من ابتداء طلبه على أبي الفتح الميدومي، وابن الملوك، وابن القطرواني، وغيرهم من المصريين. ومن ابن الخبّاز، وابن الحموي، وابن قيّم الضّيائية، وغيرهم من الشاميين. ثم رحل جميع رحلاته معه- أي مع العراقي- وحجّ معه حجّاته، ولم يكن يفارقه حضرا ولا سفرا، وتزوج بنته، وتخرّج به في الحديث، وقرأ عليه أكثر تصانيفه، فكتب عنه جميع مجالس إملائه، وسمع بنفسه، وعني بهذا الشأن، وكتب، وجمع، وصنّف، فمن تصانيفه «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» جمع فيه زوائد المعاجم الثلاث للطبراني [2] ، و «مسند الإمام أحمد بن حنبل» و «مسند البزّار» و «مسند أبي يعلى» [3] وحذف أسانيدها، وجمع «ثقات ابن حبّان» ورتّبها على حروف المعجم، وكذا «ثقات العجلي» ورتّب «الحلية» على الأبواب، وصار كثير الاستحضار للمتون جدا لكثرة الممارسة، وكان هينا، لينا، خيرا محبّا لأهل الخير، لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث، كثير الخير، سليم الفطرة. قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير قرينا [4] الشيخ، ومما قرأت عليه بانفراده نحو النّصف من «مجمع الزوائد» له وغير ذلك، وكان يشهد لي بالتقدم في الفنّ،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 256- 260) و «ذيل تذكرة الحفاظ» ص (372- 373) و «الضوء اللامع» (5/ 200) و «طبقات الحفاظ» ص (541) و «حسن المحاضرة» (1/ 362) . [2] في «ط» : «الطبراني» . [3] الكبير منها وهو المفقود، وأما المنشور في دار المأمون للتراث بدمشق بتحقيق الأستاذ حسين الأسد فهو «مسنده الصغير» كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند ترجمته في المجلد الرابع ص (35) . [4] في «ط» : «قرأنا» .

جزاه الله عني خيرا، وكنت قد تتبعت أوهامه في كتابه «مجمع الزوائد» فبلغني أن ذلك شقّ عليه فتركته رعاية له. انتهى. وتوفي بالقاهرة ليلة الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان ودفن خارج باب البرقوقية. وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وفا [1] . قال في «المنهل الصّافي» : الشيخ الواعظ، المعتقد الصّالح، الأديب الأستاذ، المعروف بسيّد علي بن والإسكندري الأصل المالكي الشّاذلي، صاحب النّظم الفائق، والألحان المحزنة الحسنة، والحزب المعروف عنده بني وفا. ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ومات أبوه، وتركه صغيرا، ونشأ هو وأخوه أحمد تحت كنف وصيّهما العبد الصّالح شمس الدّين محمد الزّيلعي فأدّبهما وفقههما، فنشآ على أحسن حال وأجمل طريقة، ولما صار عمر سيدي علي هذا سبع عشرة سنة جلس موضع أبيه، وعمل الميعاد، وأجاد وأفاد، وشاع ذكره، وبعد صيته، واشتهر أعظم من شهرة أبيه. قال المقريزي: وتعددت أتباعه وأصحابه، ودانوا بحبّه، واعتقدوا رؤيته عبادة، وتبعوه في أقواله وأفعاله، وبالغوا في ذلك مبالغة زائدة، وسمعوا ميعاده المشهد، وبذلوا رغائب أموالهم، هذا مع تحجّبه وتحجب أخيه التحجب الكثير، إلّا عند عمل الميعاد والبروز لقبر أبيهما أو تنقلهما في الأماكن، فنالا من الحظّ ما لا ناله من هو في طريقتهما، وكان- أي صاحب الترجمة- جميل الطريقة، مهابا، معظّما، صاحب كلام بديع ونظم جيدا. انتهى. ثم قال في «المنهل» : وكان فقيها، عارفا بفنون من العلوم، بارعا في التصوف، مستحضرا لتفسير القرآن الكريم، وله تآليف، منها كتاب «الباحث على الخلاص في أحوال الخواص» و «تفسير القرآن العزيز» ، وكتاب «الكوثر المترع في الأبحر الأربع» في الفقه، وديوان شعر معروف، منه:

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 253) و «الضوء اللامع» (6/ 21) و «نيل الابتهاج» ص (206) .

ترفّق فسهم الوجد في مهجتي رشق ... ملكت فأحسن فالتجلد قد أبق وطال عليّ الهجر واتصل الضّنى ... وقصّر عنّي الصّبر وانعدم الرّمق وهي طويلة. انتهى ملخصا. وقال ابن حجر في «إنباء الغمر» : كان له نظم كثير، واقتدار على جلب الخلق، مع خفّة ظاهرة، اجتمعت به مرّة في دعوة، فأنكرت على أصحابه إيمائهم إلى جهته بالسّجود، فتلا هو وهو في وسط السماع يدور فأينما تولوا فثمّ وجه الله، فنادى من كان حاضرا من الطلبة: كفرت كفرت، فترك المجلس وخرج هو وأصحابه، وكان أبوه معجبا به. وأذن له في الكلام على الناس، وكان أكثر إقامته بالرّوضة قريب المشتهى، وشعره ينعق بالاتحاد المفضي إلى الإلحاد، وكذا نظم والده، ونصب في أواخر أمره منبرا في داره، وصار يصلي الجمعة هو ومن يصاحبه، مع أنه مالكي المذهب يرى أن الجمعة لا تصحّ في البلد وإن كبر إلا في المسجد العتيق من البلد. انتهى باختصار. وتوفي الرّوضة يوم الثلاثاء ثاني عشري ذي الحجة، ودفن عند أبيه في القرافة. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد الحنفي، المعروف بابن الفرات المصري [1] . سمع من أبي بكر بن الصنّاج [2] راوي «دلائل النبوة» وتفرّد بالسماع منه، وسمع «الشفاء» للقاضي عياض من الدلاصي، وأجاز له أبو الحسن البندنيجي، وتفرّد بإجازته [3] في آخرين، وكان لهجا بالتاريخ، فكتب تاريخا كبيرا جدا، بيّض بعضه، فأكمل منه المائة الثامنة، ثم السابعة، ثم السادسة في نحو عشرين مجلدا،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 267- 268) و «الضوء اللامع» (8/ 51) و «حسن المحاضرة» (1/ 556) . [2] تصحفت في «ط» إلى «الصباح» . [3] في «ط» : «إجازته» وهو خطأ.

ثم شرع في تبييض الخامسة والرابعة فأدركه أجله، وكتب شيئا يسيرا من [1] أول القرن التاسع، وتاريخه هذا كثير الفائدة إلا أنه بعبارة عامية جدا، وكان يتولى عقود الأنكحة، ويشهد في الحوانيت ظاهر القاهرة، مع الخير والدّين والسلامة. مات ليلة عيد الفطر وله اثنتان وسبعون سنة. وفيها أبو الطّيب محمد بن عمر بن علي السّحولي [2]- بضم المهملتين- اليمني ثم المكّي المؤذّن. ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة في رمضان، وسمع «الشفاء» على الزّبير بن علي الأسواني، وهو آخر من حدث عنه، وسمع على الجمال المطري وغيره، وأجاز له عيسى الحجي وآخرون، وسمع منه ابن حجر في آخرين. وتوفي يوم التّروية وقد أضرّ بأخرة، وكان حسن الخطّ، جيد الشعر. وفيها شمس الدّين محمد بن قرموز الزّرعي [3] . تفقه قليلا، وحصّل، ومهر [4] ، ونظم الشعر الحسن، وولي قضاء القدس وغيره، ثم توجه إلى قضاء الكرك فضعف، فرجع إلى دمشق، فمات بها في رجب وقد بلغ السبعين. وفيها سراج الدّين أبو الطّيب محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود الرّبعي، المعروف بابن الكويك [5] . قال ابن حجر: سمع من الميدومي وغيره، وهو أخو شيخنا شرف الدّين أبو الطّيب الأصغر. توفي في وسط السنة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «منه» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 269) و «الضوء اللامع» (8/ 251) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 269- 270) . [4] تحرفت في «ط» إلى: «معهد» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 270- 271) و «الضوء اللامع» (9/ 112) .

وفيها شرف الدّين عيسى بن حجّاج السّعدي المصري الحنبلي، الأديب الفاضل، المعروف بعويس العالية [1] . كان فاضلا في النحو واللغة، وله النّظم الرائق، وله «بديعية» في مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم، مطلعها: سل ما حوى القلب في سلمى من العبر ... فكلّما خطرت أمسى على خطر وله أشياء كثيرة، وسمي عويس العالية، لأنه كان عالية في لعب الشطرنج، وكان يلعب به استدبارا. وتوفي في أوائل المحرم ذكره العليمي في «طبقاته» .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 260) و «الضوء اللامع» (6/ 151) و «المنهج الأحمد» الورقة (479) من القسم المخطوط منه.

سنة ثمان وثمانمائة

سنة ثمان وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي- بفتح الهمزة، وسكون القاف، وفتح الفاء وسكون الهاء- المعروف بابن العماد [1] . أحد أئمة الفقهاء الشافعية. ولد قبل الخمسين وسبعمائة، واشتغل في الفقه والعربية، وغير ذلك، وأخذ عن الجمال الإسنوي وغيره، وصنّف التصانيف المفيدة نظما ونثرا ومتنا وشرحا، منها «أحكام المساجد» و «أحكام النّكاح» و «حوادث الهجرة» وكتاب «التبيان فيما يحلّ ويحرم من الحيوان» و «رفع الإلباس عن دهم الوسواس» و «شرح حوادث الهجرة» له، و «القول التّام في أحكام المأموم والإمام» وغير ذلك. وسمع منه ابن حجر، وكتب عنه برهان الدّين محدّث حلب. وفيها أبو هشام أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير بن حازم المصري، المعروف بابن البرهان الظّاهري التّيمي [2] . ولد بين القاهرة ومصر في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وهو أحد من قام على الظّاهر برقوق، وكان أبوه من العدول، ونشأ أحمد بالقاهرة، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي، ثم صحب شخصا ظاهريّ المذهب

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 313) و «الضوء اللامع» (2/ 47) و «الطبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 15) و «البدر الطالع» (1/ 93) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 316) و «الضوء اللامع» (2/ 96) .

فجذبه [1] إلى النّظر في كلام أبي محمد بن حزم فأحبه، ثم نظر في كلام ابن تيميّة فغلب عليه، حتّى صار لا يعتقد أن أحدا أعلم منه، وكانت له نفس أبيّة ومروءة وعصبية، ونظر كثيرا في أخبار الناس، فكانت نفسه تطمح إلى المشاركة في الملك وليس له قدم فيه، لا من عشيرة، ولا من وظيفة، ولا من مال، ثم رحل إلى الشام والعراق يدعو إلى طاعة رجل من قريش، فاستقرأ جميع الممالك فلم يبلغ قصدا، ثم رجع إلى الشام فاستغوى كثيرا من أهلها ومن أهل خراسان، وآخر الأمر قبض عليه وعلى جماعة من أصحابه بحمص، وحمل الجميع في القيود إلى الديار المصرية فأوقفه الظّاهر برقوق بين يديه ووبّخه على فعله، وضرب أصحابه بالمقارع، ثم حبسه مدة طويلة، ثم أطلقه في سنة إحدى وتسعين، وطال خموله إلى أن توفي. وأطنب المقريزي في الثناء عليه، وأمعن، وزاد، لكونه كان ظاهريا، وذكر أنه كان فقيرا عادما للقوت. وتوفي يوم الخميس السادس والعشرين من جمادى الأولى. وفيها شيخ زادة العجمي الحنفي [2] . قدم من بلاده إلى حلب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وهو شيخ ساكن يتكلّم في العلم بسكون، ويتعانى حلّ المشكلات، فنزل في جوار القاضي محبّ الدّين بن الشّحنة، فشغل الناس. قال ابن حجر: وكان عالما بالعربية والمنطق والكشّاف، وله اقتدار على حلّ المشكلات من هذه العلوم، ولقد طارحه سراج الدّين الفوّي بأسألة من العربية وغيرها، نظما ونثرا [3] ، منها في قول «الكشّاف» [4] إن الاستثناء في قوله تعالى: إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ 15: 58- 59 [الحجر: 58- 59] متصل أو

_ [1] في «ط» : «مجلبة» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 321) و «الضوء اللامع» (3/ 231) . [3] في «آ» و «ط» : «نظم ونثر» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [4] انظر «الكشّاف» (2/ 581- 582) وقد نقل عنه بتصرف.

منقطع؟ فأجابه جوابا حسنا بأنه إن كان يتعلق بقوم يكون منقطعا لأن القوم صفتهم الإجرام أو عن الضّمير في صفتهم فيكون متصلا، واستشكل أن الضّمير هو الموصوف المقيّد بالصّفة، فلو قلت: مررت بقوم مجرمين إلا رجلا صالحا كان الاستثناء منقطعا، فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين، فأجاب بأنه لا إشكال. قال: وغاية ما يمكن أن يقال إن الضّمير المستكن في المجرمين، وإن كان عائدا إلى القوم بالإجرام إلّا أن إسناد الإجرام إليه يقتضي تجرّده عن اعتبار اتصافه بالإجرام فيكون إثباتا للنائب إلى آخر كلامه. ثم دخل القاهرة وولي بعد ذلك تدريس الشيخونية ومشيختها، فأقام مدة طويلة إلى أن كان في أواخر هذه السنة فإنه طال ضعفه، فسعى عليه القاضي كمال الدّين بن العديم أنه خرّف، ورتّب على الوظيفة، فاستقرّ فيها بالجاه، فتألم لذلك هو وولده، ومقت أهل الخير ابن العديم بسبب هذا الصنيع، ومات الشيخ زاده عن قرب ودفن بالشيخونية. وفيها أمين الدّين سالم بن سعيد بن علوي الحسّاني الشافعي [1] . قدم القدس وهو ابن عشرين سنة، فتفقه بها، ثم قدم دمشق في حياة السّبكي، واشتغل وداوم على ذلك، وتفقه بعلاء الدّين حجي وغيره، وأخذ النّحو عن السّكسكي وغيره، وقدم القاهرة، فقرأ في النحو على ابن عقيل، وفي الفقه على البلقيني، وقدم معه دمشق، ولما ولي قضاءها ولّاه قضاء بصرى، ثم لم يزل ينتقل في النيابة بالبلاد إلى أن مات في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين. وفيها زين الدّين أبو العزّ طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب بن شريح الحلبي الحنفي [2] . ولد بعد الأربعين وسبعمائة بقليل، واشتغل بالعلم، وتعانى الأدب، ولازم الشيخين أبا جعفر الغرناطي، وابن حازم، وسمع من إبراهيم بن الشّهاب محمود

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 323) و «الضوء اللامع» (3/ 241) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 324) و «الضوء اللامع» (4/ 3) .

وغيره، وأجاز له أبو العبّاس المرداوي خاتمة أصحاب ابن عبد الدائم وجماعة، وحصّل، وبرع في الأدب وغيره، وصنّف، وكتب في ديوان الإنشاء بحلب، ثم رحل إلى دمشق، وأقام بها مدة، ثم توجه إلى القاهرة، وكتب بها في ديوان الإنشاء، وولي عدة وظائف، وكان يكتب الخطّ المنسوب، وله نظم ونثر، نظم «تلخيص المفتاح» في المعاني والبيان، وشرح «البردة» للبوصيري، وخمّسها، وذيّل على تاريخ والده. ومن شعره: قلت له إذ ماس في أخضر ... وطرفه ألبابنا يسحر لحظك ذا أو أبيض مرهف ... فقال هذا موتك الأحمر وتوفي بالقاهرة [1] يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجّة. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن علي بن خلف الفارسكوري [2] الشافعي العلّامة. ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وقدم القاهرة، ولازم الاشتغال، وتفقه على الشيخ جمال الدّين، والشيخ سراج الدّين وغيرهما. وسمع الحديث فأكثر، وكتب بخطّه المليح كثيرا، ثم تقدّم وصنّف، وعمل شرحا على «شرح العمدة» لابن دقيق العيد، وجمع فيه أشياء حسنة، وكان له حظّ من العبادة والمروءة والسّعي في قضاء حوائج الغرباء لا سيما أهل الحجاز، وقد ولي قضاء المدينة، ولم تتم له مباشرة ذلك، واستقرّ في سنة ثلاث وثمانمائة في تدريس المنصورية، ونظر الظّاهرية ودرسها فعمرها أحسن عمارة، وحمد [3] في مباشرته، وقد جاور بمكة، وصنّف بها شيئا يتعلق بالأحكام. قال ابن حجر: وكان يودني وأوده، وسمع بقراءتي وسمعت بقراءته، وأسفت

_ [1] في «ط» : «في القاهرة» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 326) و «الضوء اللامع» (4/ 96) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 30) و «معجم المؤلفين» (5/ 155) . [3] في «ط» : «وجد» .

عليه جدا، وقد سئل في مرض موته أن ينزل عن بعض وظائفه لبعض من يحبّه من رفقته، فقال لا أتقيّد بها حيّا وميتا. وتوفي في رجب وله ثلاث وخمسون سنة. وفيها ولي الدّين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمي الإشبيلي المالكي، المعروف بابن خلدون [1] . ولد يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمدينة تونس، ونشأ بها، وطلب العلم، وسمع من الوادي آشي وغيره، وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال إفرادا وجمعا، وأخذ العربية عن أبيه، وأبي عبد الله السّائري وغيرهما، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام وغيره، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي شيخ المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب والكتابة، وولي كتابة السّرّ بمدينة فاس لأبي عنان، ولأخيه أبي سالم، ورحل إلى غرناطة في الرسيلة سنة تسع وستين، وكان ولي بتونس كتابة العلّامة ثم ولي الكتابة بفاس، ثم اعتقل سنة ثمان وخمسين نحو عامين، ودخل بجاية، فراسله صاحبها فدبّر أموره، ثم رحل بعد أن مات إلى تلمسان باستدعاء صاحبها فلم يقم بها، ثم استدعاه عبد العزيز بفاس، فمات قبل قدومه فقبض عليه، ثم خلص فسار إلى مراكش، وتنقلت به الأحوال إلى أن رجع إلى تونس سنة ثمانين فأكرمه سلطانها، فسعوا به عند السلطان إلى أن وجد غفلة ففرّ إلى الشرق، وذلك في شعبان سنة أربع وثمانين، ثم ولي قضاء المالكية بالقاهرة، ثم عزل، وولي مشيخة البيبرسية، ثم عزل عنها، ثم ولي القضاء مرارا آخرها في رمضان من هذه السنة فباشره ثمانية أيام فأدركه أجله، وكان ممن رافق العسكر إلى تمرلنك، وهو مفصول عن القضاء، واجتمع بتمرلنك،

_ [1] ترجمته في «الإحاطة» (3/ 497- 516) و «إنباء الغمر» (5/ 327) و «الضوء اللامع» (4/ 145) و «نيل الابتهاج» ص (169) و «حسن المحاضرة» (1/ 462) و «الأعلام» (3/ 330) و «معجم المؤلفين» (5/ 188- 191) .

وأعجبه كلامه وبلاغته وحسن ترسله، إلى أن خلّصه الله من يده، وصنّف «التاريخ الكبير» في سبع مجلدات ضخمة، ظهرت [1] فيه فضائله، وأبان فيه عن براعته، وكان لا يتزيّا بزيّ القضاة [2] بل هو مستمر على طريقته في بلاده. قال لسان الدّين بن الخطيب في «تاريخ غرناطة» : رجل فاضل، جمّ الفضائل، رفيع القدر، وأصيل [3] المجد، وقور المجلس، عالي الهمّة، قوي الجأش، متقدم في فنون عقيلة ونقلية، كثير الحفظ، وصحيح التّصوّر، بارع الخطّ [4] ، حسن العشرة، مفخرة [5] من مفاخر الغرب [6] . قال هذا كلّه في ترجمته والمترجم في حد الكهولة. انتهى. وتوفي وهو قاض فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان، ودفن بمقابر الصّوفية خارج باب النصر، وله ست وسبعون سنة وخمسة وعشرون يوما. وفيها قوام الدّين قوام بن عبد الله الرّومي الحنفي [7] . قال ابن حجر: قدم الشام وهو فاضل في عدة فنون، فأشغل وأفاد، وصاهر بدر الدّين بن مكتوم، وولي تصديرا بالجامع، وصحب النّواب، وكان سليم الباطن، كثير المروءة والمساعدة للناس. مات في ربيع الآخر بدمشق. وفيها شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الجعبري الحنبلي العابر [8] .

_ [1] في «ط» : «أظهرت» . [2] في «ط» : «القضاء» . [3] في «ط» : «أسيل» وما جاء في «آ» موافق لما في «الاحاطة» مصدر المؤلف. [4] في «ط» : «بارع الحظ» . [5] في «ط» : «فخر» . [6] في «الاحاطة» : «مفخرة من مفاخر التخوم المغربية» . [7] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 335) و «الضوء اللامع» (6/ 225) . [8] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 336) و «الضوء اللامع» (7/ 157) و «السّحب الوابلة» ص (365) وفيه: «محمد بن أبي بكر بن إسماعيل ... » .

كان يتعانى [1] صناعة القبان، وتنزل [2] في دروس الحنابلة، وتنزل [2] في سعيد السعداء، وفاق في تعبير الرؤيا. ومات في جمادى الآخرة. وفيها أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العبّاسي [3] . ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة أو نحوها، وتولى الخلافة في سنة ثلاث وستين بعهد من أبيه إليه، واستمرّ في ذلك إلى أن مات في شعبان من هذه السنة سوى ما تخلّل من السنين التي غضب عليه فيها الظّاهر برقوق. واستقرّ بعده في الخلافة ولده أبو الفضل العبّاسي ولقّب المستعين بالله بعهد من أبيه. وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين أبي بكر بن محمد بن الشّهاب محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي [4] . ولد في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وحضر علي البرزالي، وأبي بكر بن قوام، وشمس الدّين بن السّرّاج، والعلم سليمان المنشد، بطريق الحجاز في سنة تسع وثلاثين، وسمع في سنة ثلاث وأربعين من عبد الرحيم بن أبي اليسر، ويعقوب بن يعقوب الجزري، وغيرهما، وحدّث، وكان شكلا حسنا، كامل الثّغر، مفرط السّمن، ثم ضعف بعد الكائنة العظمى وتضعضع حاله بعد ما كان مثريا، وكان يكثر الانجماع عن الناس، مكبّا على الأشغال بالعلم، ودرّس بالبادرائية نيابة، وكان كثير من الناس يعتمد عليه لأمانته ونقله.

_ [1] في «ط» : «يتعاطى» . [2] في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «ونزل» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 336) و «الضوء اللامع» (7/ 168) و «تاريخ الخلفاء» ص (501- 505) و «حسن المحاضرة» (2/ 81- 84) و «السلوك» (4/ 1/ 23- 24) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 338- 340) و «الضوء اللامع» (7/ 201) .

توفي في خامس عشري جمادي الأولى، وكان أبوه موقّع الدّست بدمشق، وكان قد ولي قبل ذلك كتابة السّرّ. وفيها شمس الدّين محمد بن الحسن الأسيوطي [1] . كان عالما بالعربية، حسن التعليم لها، انتفع به جماعة، وكان يعلّم بالأجرة، وله في ذلك وقائع عجيبة ننبئ عن دناءة شديدة وشح مفرط، وكان منقطعا إلى القاضي شمس الدّين بن الصّاحب الموقّع، ونبغ [2] له ولده شمس الدّين محمد، لكن مات شابا قبله رحمهما الله تعالى. قاله ابن حجر. وفيها محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان البرشسي- بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء وفتح المعجمة بعدها سين مهملة [3]- الشافعي [4] . اشتغل قديما، وسمع من القلانسي ونحوه، وحدّث، وأفاد، ودرّس، مع الدّين والخير، وله منظومة في علم الحديث، وشرحها، وشرح أسماء رجال الشافعي، وله كتاب في فضل الذّكر، وغير ذلك، وسمع عليه ابن حجر، وتوفي عن سبعين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الخضر الزّبيري [5] العيزري الغزّي الشافعي [6] . ولد في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وتفقه بالقاهرة على ابن عدلان، وأحمد بن محمد العطّار، ومحيى الدّين ولد مجد الدّين الزّنكلوني. وقرأ على البرهان الحكري، ورجع إلى غزّة سنة أربع وأربعين وسبعمائة، فاستقرّ بها،

_ [1] ترجمته في «إنباه الرواة» (5/ 340) و «بغية الوعاة» (1/ 91) وفيه: «السيوطي» . [2] تصفحت في «ط» إلى «ونبع» . [3] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه: «البرشسي» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «البرشنسي» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 341) و «الضوء اللامع» (7/ 290) . [5] في «ط» : «ابن الخضري الزبيدي» وهو خطأ. [6] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 344) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 73) و «الضوء اللامع» (9/ 218) و «البدر الطالع» (2/ 254) .

ودخل دمشق، وأخذ عن البهاء المصري، والتّقي والتاج السّبكيّين، وغيرهم، وأذن له البدر محمود بن علي بن هلال في الإفتاء، وأخذ عن القطب التّحتاني [1] ، وصنّف تصانيف في عدة فنون، وكتب على أسئلة من عدة علوم، وله مناقشة على «جمع الجوامع» وذكر أنه شرحه، واختصر «القوت» للأذرعي، وله «تعليق على الشرح الكبير» للرافعي، ونظم في العربية أرجوزة سمّاها «قضم الضّرب في نظم كلام العرب» . وتوفي في نصف ذي الحجّة. وفيها كمال الدّين أبو البقاء محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدّميري [2]- بالفتح والكسر، نسبة إلى دميرة قرية بمصر- الشافعي العلّامة. ولد في أوائل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وتفقه على الشيخ بهاء الدّين أحمد السّبكي، والشيخ جمال الدّين الإسنوي، والقاضي كمال الدّين النّويري المالكي، وأجازه بالفتوى والتدريس، وأخذ الأدب عن الشيخ برهان الدّين القيراطي، وبرع في الفقه، والحديث، والتفسير، والعربية، وسمع «جامع الترمذي» على المظفّر العطّار المصري، وعلى علي بن أحمد الفرضي الدمشقي «مسند أحمد بن حنبل» بفوت يسير، وسمع بالقاهرة من محمد بن علي الحراوي وغيره، ودرّس في عدة أماكن، وكان ذا حظّ من العبادة تلاوة وصياما ومجاورة بالحرمين، ويذكر عنه كرامات كان يخفيها، وربما أظهرها وأحالها على غيره، وصنّف «شرح المنهاج» في أربع مجلدات، ونظم في الفقه أرجوزة طويلة، وله كتاب «حياة الحيوان» كبرى وصغرى ووسطى، أبان فيها عن طول باعه وكثرة اطلاعه، وشرع في «شرح ابن ماجة» [3] فكتب مسودة وبيّض بعضه، ودرّس بالأزهر وبمكة المشرّفة، وتزوج بها في بعض مجاوراته، ورزق فيها أولادا.

_ [1] تقدمت ترجمته في المجلد الثامن ص (355) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 347) و «الطبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 77- 79) و «الضوء اللامع» (10/ 59) و «حسن المحاضرة» (1/ 439) . [3] يعني «سنن ابن ماجة» .

وتوفي بالقاهرة في الثالث جمادى الأولى. وفيها شمس الدّين محمد الحنبلي، المعروف بابن المصري [1] . قال ابن حجر: كان من نبهاء الحنابلة، يحفظ «المقنع» ، وهو آخر طلبة القاضي موفق الدّين موتا، وكان قد ترك وصار يتكسّب في حانوت بالصّاغة. وفيها محيى الدّين محمود بن نجم الدّين أحمد بن عماد الدّين إسماعيل بن العزّ الحنفي بن الكشك [2] . اشتغل قليلا، وناب عن أبيه، واستقلّ بالقضاء وقتا، ولما كانت فتنة تيمور دخل معهم في المنكرات، وولي القضاء من قبلهم، ولقّب قاضي المملكة، واستخلف بقية القضاة من تحت يده، وخطب بالجامع، ودخل في المظالم، وبالغ في ذلك فكرهه الناس ومقتوه، ثم اطلع تمر على أنه خانه فصادره وعاقبه وأسره إلى أن وصل تبريز، فهرب ودخل القاهرة، فكتب توقيعا بقضاء الشام فلم يمضه نائب الشام شيخ، واستمرّ خاملا، وتفرّق أخوه وأولاده وظائفه، ثم صالحوه على بعضها. وتوفي في ذي الحجة. قاله ابن حجر. وهو والد رئيس الشام شهاب الدّين.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 348) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 348) و «الضوء اللامع» (10/ 127) .

سنة تسع وثمانمائة

سنة تسع وثمانمائة فيها قويت فتن جكم، وشيخ، ونوروز، حتى بويع جكم بالسلطنة بالشام، ولقّب بالعادل، ثم قتل في أثناء ذلك، كبا به فرسه فمات. وفيها توفي صارم الدّين إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق الحنفي [1] . ولد بمصر في حدود خمسين وسبعمائة، وتزيا بزي الجند، وطلب العلم، وتفقه يسيرا، ومال إلى الأدب، ثم حبّب إليه التاريخ فمال إليه بكلّيته، وكتب الكثير، وصنّف. قال الشيخ تقي الدّين المقريزي: مال إلى فنّ التاريخ، فأكبّ عليه حتّى كتب نحو مائتي سفر من تأليفه وغيره، وكتب تاريخا كبيرا على السنين، وآخر على الحروف، وأخبار الدولة التركية في مجلدين، وأفرد سيرة الملك الظّاهر برقوق، وكتب «طبقات الحنفية» وامتحن بسببها، وكان عارفا بأمور الدولة التّركية ومذاكرا بجملة أخبارها، مستحضرا لتراجم أمرائها، ويشارك في أخبار غيرها مشاركة جيدة، وكان جميل العشرة، فكه المحاضرة، كثير التّودّد، حافظا للسانه من الوقيعة في الناس، لا تراه يذمّ أحدا من معارفه بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمى به أحدهم، ويعتذر عنهم بكل طريق، صحبته مدة، وجاورني سنين. انتهى كلام المقريزي.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 16) و «الضوء اللامع» (1/ 145) و «الطبقات السنية» (1/ 225- 226) .

وقال [1] ابن حجر: ولي في آخر الأمر إمرة دمياط، فلم تطل مدته فيها، ورجع إلى القاهرة، [2] وكان مع اشتغاله بالأدب عريّا عن العربية، عامّيّ العبارة. مات بالقاهرة [2] في أواخر ذي الحجّة وقد جاوز الستين. وفيها شهاب الدّين أحمد بن خاص التّركي الحنفي [3] ، أحد الفضلاء المتميزين من الحنفية. أخذ عنه [4] بدر الدّين العيني المحتسب، وكان يطريه. وتوفي بالقاهرة. قاله ابن حجر. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله العجمي الحنبلي [5] أحد الفضلاء الأذكياء. قال ابن حجر: أخذ عن كثير من شيوخنا، ومهر في العربية والأصول، وقرأ في علوم الحديث، ولازم [الإقراء، و] الاشتغال [6] في الفنون. مات عن ثلاثين سنة بالطّاعون في شهر رمضان بالقاهرة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصّمد البغدادي الجوهري [7] . ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقدم من بغداد قديما مع أخيه عبد الصّمد، فسمعا من المزّي، والذهبي، وداود بن العطّار، وغيرهم، وسمع بالقاهرة من شرف الدّين بن عسكر، وكان يحبّ التواجد في السماع مع المروءة التّامة والخير والمعرفة بصنف الجوهر.

_ [1] في «ط» : «مآل» . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 17) و «الضوء اللامع» (1/ 319) . [4] في «ط» : «عن» وهو خطأ. [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 18) و «الضوء اللامع» (1/ 372) . [6] في «ط» : «الأشغال» وما بين الحاصرتين مستدرك من «إنباء الغمر» . [7] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 18) و «الضوء اللامع» (2/ 55) .

قال ابن حجر: قرأت عليه «سنن ابن ماجة» بجامع عمرو بن العاص، وقرأت عليه قطعة كبيرة من «طبقات الحفّاظ» للذهبي، وقطعة كبيرة من «تاريخ بغداد» للخطيب. مات في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين وتغيّر ذهنه قليلا. وفيها أحمد بن محمد بن عبد الغالب الماكسيني [1] . ولد في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحدّث وهو من بيت رواية، وكان يكتب القصص، ثم جلس مع الشهود بالعادلية، وكان يكتب خطا حسنا. وتوفي في صفر. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن قماقم- وقماقم لقب أبيه- الدّمشقي الفقّاعي [2] الشافعي [3] . كان أبوه فقّاعيا، واشتغل هو بالعلم، وأخذ عن علاء الدّين بن حجي، وقرأ. بالرّوايات على ابن السّلّار. قدم القاهرة في سنة الكائنة العظمى فأقام بها مدة، ورجع إلى دمشق، وسمع على البلقيني في الفقه والحديث. قال ابن حجي: كان يستحضر البويطي، وسمعت [4] البلقيني يسمّيه البويطي الكبير في استحضاره له، ودرّس بالأمجدية. وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 19) و «الضوء اللامع» (2/ 124) . [2] في «الضوء اللامع» : «الفقاعي نسبة لبيع الفقّاع» . قلت: والفقّاع: شراب. انظر «تاج العروس» (فقع) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 167) . [4] في «آ» و «ط» : «سمعت» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.

وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الشّافعي [1] . قال ابن قاضي شهبة: الإمام العالم أبو العبّاس الحواري الدمشقي. مولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة. قدم دمشق، وقرأ القرآن، ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدّين الزّهري، واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدّين ولازمه كثيرا، وحضر عند مشايخ العصر، إلى أن تنبه وفضل، وانتهى في الشامية البرّانية سنة خمس وثمانين، وظهر فضله، وأذن له الشيخ شهاب الدّين الزّهري بالإفتاء، ثم نزل له الشيخ شهاب الدّين بن حجي عن إعادة الشّامية البرّانية بعوض، وجلس للاشغال بالجامع، ولما كان بعد الفتنة ناب في القضاء، ولازم الجامع للإشغال وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتاوى، وكان يكتب عليها كتابة حسنة، ودرّس في آخر عمره بالعذراوية، وكان عاقلا، ذكيا، يتكلّم في العلم بتؤدة وسكون، وعنده [2] إنصاف، وله محاضرة حسنة ونظم، وكان في يده جهات كثيرة، ومات ولم يحجّ، مرض بالاستسقاء وطال مرضه، حتى رأى العبر في نفسه. وتوفي بالبيمارستان النّوري في جمادى الأولى، ودفن بمقابر الصّوفية عند شيخه. انتهى باختصار. وفيها بدر الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن محمد [3] الطّنبذي- بضم الطاء والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة، نسبة إلى طنبذا قرية بمصر- الشافعي [4] ، العالم الأوحد.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 210) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 18) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 320) . [2] في «آ» و «ط» : «عنده» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف. [3] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، و «الضوء اللامع» : «أحمد بن عمر بن محمد» وفي «إنباء الغمر» : «أحمد بن محمد» فقط. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 21- 23) و «الضوء اللامع» (2/ 56) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 16) .

قال ابن قاضي شهبة: أحد مشاهير الشافعية الأعلام بالقاهرة، اشتغل كثيرا، ولازم أبا البقاء، والإسنوي، والبلقيني، وغيرهم، وأفتى، ودرّس، ووعظ، ومهر في العربية، والتفسير، والأصول، والفقه، وسمع الحديث من جماعة، وكان ذكيا، فصيحا، يلقي على الطّلبة دروسا حافلة، وتخرّج به جماعة كثيرة، لكنه لم يكن مرضيّ الدّيانة، سامحه الله. توفي في ربيع الأول. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد البالسي الأصل ثم الدمشقي الحنفي الحواشي [1] . اشتغل في صباه، وصاهر أبا البقاء على ابنته، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم، وولي نظر الأوصياء ووظائف كثيرة بدمشق، وكان حسن السّيرة، ثم ناب في الحكم، وسعى في القضاء استقلالا، فباشر قليلا جدا، ثم عزل، ثم سعى فلم يتمّ له ذلك. وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن عمر الإسعردي [2] . قال ابن حجر: صاحبنا، كان من بيت نعمة وثروة، فأحبّ سماع الحديث، فسمع الكثير، وكتب الطّباق، وحصّل الأجزاء، وسمع من أصحاب التّقي سليمان وغيرهم، وأحبّ هذا الشأن، وذهبت أجزاؤه في قصة تمرلنك، وقد رافقني في السماع وأعطاني أجزاء بخطّه، وبلغني أنه حدّث في هذه السنة بدمشق ببعض مسموعاته. ومات بدمشق في ربيع الأول.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 23) و «الضوء اللامع» (2/ 216) وفيهما «الجواشني» مكان «الحواشي» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 27) و «الضوء اللامع» (3/ 112) .

وفيها خير الدّين خليل بن عبد الله البابرتي [1] الحنفي [2] . كان فاضلا في مذهبه، محبّا للحديث وأهله، مذاكرا بالعربية، كثير المروءة، وقد عيّن لقضاء الحنفية مرّة فلم يتمّ ذلك، وولي قضاء القدس. وفيها شهاب الدّين رسول بن عبد الله القيصري ثم الغزّي الحنفي [3] . قدم دمشق في حدود السبعين وسبعمائة وهو فاضل، وسمع من ابن أميلة، وابن حبيب، ثم ولي نيابة الحكم بدمشق في أول دولة الظّاهر، ثم ولي قضاء غزّة في أيّام ابن جماعة، وحصّل مالا كثيرا بعد فقر شديد، ثم مات بدمشق في جمادى الأولى وقد شاخ. وفيها شرف الدّين صدّيق بن علي بن صدّيق الأنطاكي [4] . ولد سنة بضع وأربعين، وقدم من بلاده بعد الستين، فاشتغل بالعلم ونزل [5] في المدارس، ورافق الصّدر الياسوفي في السماع، فأكثر عن ابن رافع، وسمع من بقية أصحاب الفخر وغيرهم، وكان على دين وصيانة، ولم يتزوج، ثم سكن القاهرة، وصار أحد الصّوفية بالبيبرسية، وأجاز لابن حجر، وكان يتردّد إلى دمشق. توفي بمصر بالطّاعون في رمضان. وفيها جمال الدّين عبد الله بن خليل بن يوسف المارداني [6] الحاسب [أبو أمّ سبط المارديني] [7] ، وانتهت إليه الرئاسة في علم الميقات في زمانه، وكان عارفا بالهيئة، مع الدّين المتين، وله أوضاع وتأليف، وانتفع به أهل زمانه، وكان أبوه من

_ [1] في «آ» و «ط» : «الفايزي» والتصحيح من «الضوء اللامع» و «الطبقات السنية» وفي «إنباء الغمر» : «البابري» وهو تحريف، قلت: وقيل عنه أيضا: «ويعرف بالعنتابي» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 28) و «الضوء اللامع» (3/ 199) و «الطبقات السنية» (3/ 219) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 367) و «الضوء اللامع» (3/ 225) و «الطبقات السّنية» (3/ 247) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 30) و «الضوء اللامع» (3/ 320) . [5] في «آ» و «ط» : «وتنزل» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. [6] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 31) و «الضوء اللامع» (5/ 19) . [7، 7] ما بين الرقمين لم يرد في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» .

الطّبّالين، ونشأ هو مع قرّاء الجوق، وكان له صوت مطرب، ثم مهر في الحساب، وكان شيخ الخاصكي قد قدّمه ونوّه به. ومات في جمادى الآخرة. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن يوسف بن الكفري الحنفي [1] . قال ابن حجر: ولد سنة إحدى وخمسين، وتفقه على ابن الخبّاز، وأسمعه أبوه من جماعة. سمعت منه في الرحلة، وولي القضاء غير مرّة بعد الفتنة، ولم يكن محمود السيرة، وكان متحريا لكتبه ويعرف أسماءها، مع وفور جهل بالفقه وغيره. ومات في يوم الأحد ثالث ربيع الآخر. وفيها قطب الدّين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النّور بن منير الحلبي ثم المصري [2] . سمع من الحسن الإربلي، وأحمد بن علي المستولي، وغيرهما، وتصرّف بأبواب القضاة، وسمع منه ابن حجر. وتوفي في نصف السنة عن ثلاث وسبعين سنة. وفيها علاء الدّين علي بن إبراهيم القضاميّ [3] الحموي الحنفي [4] أحد الفضلاء. أخذ العربية عن سري الدّين أبو هانئ المالكي، والفقه عن أثير الدّين بن وهبان، وتمهّر، وبهرت فضائله، وولي قضاء بلده، وقدم القاهرة سنة الكائنة العظمى فاشتهرت فضائله وعرفت فنونه، وحدّث وأفاد، فسمع منه ابن حجر وغيره.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 33) و «الضوء اللامع» (4/ 159) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 34) و «الضوء اللامع» (4/ 317) و «حسن المحاضرة» (1/ 358) . [3] في «آ» و «ط» : «القضاعي» والتصحيح من مصدري الترجمة. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (5/ 250) و (6/ 35) و «الضوء اللامع» (5/ 155) .

وتوفي في ربيع الآخر. وفيها علي بن أحمد اليمني الملقّب بالأزرق [1] . قال ابن حجر: من أهل أبيات حسين. كان كثير العناية بالفقه، فجمع فيه كتابا كبيرا. انتهى. وفيها سراج الدّين عمر بن منصور بن سليمان القرمي الحنفي، المعروف بالعجمي [2] . قال في «المنهل» : كان فقيها بارعا فاضلا، قدم إلى الديار المصرية فنوّه قاضي القضاة جمال الدّين محمود القيصري العجمي بذكره، فولي حسبة مصر وعدة وظائف، ودرّس التفسير بالقبّة المنصورية وغيرها، وتصدّر للإقراء والتدريس، وكان مشكور السيرة في دينه ودنياه، وله عبادة، وأوراد، وصلاة وقراءة، وصدقات، وكان يغلب عليه الخير وسلامة الباطن، وكانت العامة تسمّيه فلق، فإنه كان إذا أراد تأديب أحد يقول: هات فلق، يعني الفلقة، وكان جميل الصّورة، مليح الشكل، عنده بشاشة وطلاقة. وتوفي يوم الاثنين خامس عشر جمادى الأولى. انتهى. وفيها أبو اليمن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الطّبري المكّي الشافعي [3] إمام المقام. ولد في شعبان سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي، والزّين أحمد بن محمد بن المحبّ الطّبري، وابن عمّ أبيه عثمان بن الصّفي الطّبري، وقطب الدّين بن مكرم، وعثمان بن شجاع بن عيسى الدّمياطي، وعيسى بن الملك المعظّم، وأجاز له يحيى بن فضل الله، وأبو بكر بن الرّضي، وزينب بنت

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 92) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 39) و «الضوء اللامع» (6/ 138) و «الدليل الشافي» (1/ 506) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 40) و «الضوء اللامع» (6/ 287) و «العقد الثمين» (1/ 285) و «إتحاف الوري» (3/ 455) .

الكمال، ونحوهم. وولي إمامة المقام نيابة، ثم استقلالا، وسمع منه ابن حجر وغيره، وكان خيّرا، سليم الباطن، معتقدا، وهو آخر من حدّث عن عيسى، ومن ذكر بعده بالسماع، وعن يحيى بالإجازة. وتوفي في صفر وقد ناهز الثمانين. وفيها شمس الدّين محمد بن تقي الدّين إسماعيل بن علي القلقشندي المصري ثم القدسي الشافعي [1] . ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وسمع من الميدومي وغيره، وأخذ عن الشيخ صلاح الدّين [العلائي] وعن والده تقي الدّين، ومهر، وبهر، وساد، حتّى صار شيخ بيت المقدس في الفقه، وعليه مدار الفتوى. وتوفي بها في رجب. وفيها ناصر الدّين محمد بن أنس الحنفي الطّنتدائي [2] ، نزيل القاهرة. كان عارفا بالفرائض، وأقرأ بالجمع، وانتفعوا به، وكان حسن السّمت، كثير الدّيانة، محبّا للحديث. قال ابن حجر: كتبت عنه الكثير، وسمع من ناصر الدّين الجرداوي وغيره، ومات وله دون الأربعين. وفيها محمد بن أبي بكر بن أحمد النّحريري المالكي [3] ، أخو خلف. ناب في الحكم، وتنبه في الفقه، ودرّس. ومات في صفر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 41) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 65) و «الضوء اللامع» (7/ 137) . [2] في «آ» و «ط» : «الطنبذاوي» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (6/ 43) مصدر المؤلف و «الضوء اللامع» (7/ 148) قلت: والطنتدائي نسبة إلى «طنتدا» انظر «التحفة السنية في أسماء البلاد المصرية» ص (85) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 44) و «الضوء اللامع» (7/ 157) .

وفيها تقي الدّين أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة الشّافعي الدّجوي [1]- بضم الدال المهملة، وسكون الجيم، نسبة إلى دجوة، قرية على شطّ النّيل الشرقي على بحر رشيد. ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وسمع من ابن عبد الهادي، والميدومي، وغيرهما، وتفقه، واشتغل، وتقدّم، ومهر، وكان ذاكرا للعربية، واللغة، والغريب، والتاريخ، مشاركا في الفقه وغيره، وكان بيده عمالة المودع الحكمي، فشانته هذه الوظيفة، وكان كثير الاستحضار. سمع منه ابن حجر وغيره، ونوّه السّالمي بذكره، وقرّره مستمعا عند كثير من الأمراء، وحدّث مرارا ب «صحيح مسلم» ، وقرأ عليه طاهر بن حبيب وغيره. توفي ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الأولى. وفيها محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز الحلبي [2] ، نزيل القاهرة ومكّة. جاور كثيرا، وسكن القاهرة زمانا، وحدّث عن أحمد بن محمد الجوخي، ومحمود بن خليفة، وابن أبي عمر، وغيرهم، وسمع منه ابن حجر، وتوفي بمكة. وفيها يحيى بن محمد التّلمساني الأصبحي المالكي النحوي [3] . قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة تقريبا، وكان ماهرا في العربية والشعر، وسمع «صحيح مسلم» من أبي عبد الله بن مرزوق، و «الموطأ» من أبي القاسم العنبري، وأجاز له الوادياشي وأبو القاسم بن يربوع، واشتغل في عدة فنون، وأجاز لابن حجر. قدم حاجّا سنة تسع وثمانمائة، ومات راجعا من الحجّ في ذي الحجّة من السنة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 45) و «الضوء اللامع» (9/ 91) و «الدليل الشافي» (2/ 700) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 47) و «العقد الثمين» (2/ 358) و «الضوء اللامع» (2/ 358) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 249) و «بغية الوعاة» (2/ 343) وفي تاريخ وفاته خلاف.

وفيها جمال الدّين يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عبد الله بن خطيب المنصورية الحموي الشافعي القاضي [1] . ولد في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل بحماة، فأخذ عن بهاء الدّين الإخميمي المصري، وبدمشق على صدر الدّين الخابوري، وتاج الدّين السّبكي، وجمال الدّين الشّريشي، وجدّ، ودأب، وحصّل، إلى أن تميّز ومهر، وفاق أقرانه في العربية وغيرها من العلوم، وشرح «الاهتمام مختصر الإلمام» في ست مجلدات، و «ألفية ابن مالك» و «فرائض المنهاج» وغير ذلك، وله نظم حسن وشهرة ببلده وغيرها، وانتهت إليه مشيخة العلم بالبلاد الشمالية، ورحل الناس إليه، وفاق الأقران، وكان ساكنا، خيّرا. وتوفي بحماة في تاسع شوال.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 87) و «الضوء اللامع» (10/ 308) و «بغية الوعاة» (2/ 355) .

سنة عشر وثمانمائة

سنة عشر وثمانمائة فيها توفي أحمد بن محمد [بن أبي العبّاس الحفصيّ [1] ابن أخي السلطان أبي فارس، صاحب بجاية مات في هذه السنة، فقرر السلطان بدله أخاه الريّان محمدا. [وفيها] إسماعيل بن عمر] [2] المغربي المالكي [3] ، نزيل مكّة. جاور بها مدة، وكان خيرا فاضلا عارفا بالفقه تذكر له كرامات وتوفي في رمضان. وفيها سيف الدّين سيف، وقيل: يوسف- وبه سمّاه المقريزي- ابن عيسى السّيرامي [4] الحنفي [5] ، نزل القاهرة. قال ابن حجر: كان منشأه بتبريز، ثم قدم حلب لما حرقها تمرلنك، ثم استدعاه الظّاهر من حلب فقرّره في المشيخة بمدرسته عوضا عن علاء الدّين السيرامي سنة تسعين، ثم ولّاه مشيخة الشيخوخة بعد وفاة عزّ الدّين الرّازي، مضافة إلى الظاهرية، وأذن له أن يستنيب في الظّاهرية ولده الكبير وهو محمود،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 72- 73) و «الضوء اللامع» (2/ 118) . [2] ما بين الحاصرتين سقط بطرفة عين من المؤلف رحمه الله واستدركته من مصدره «إنباء الغمر» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 73) و «الضوء اللامع» (2/ 304) و «العقد الثمين» (3/ 303- 304) وقد أطال في ترجمته فيحسن بالباحث الرجوع إليه. [4] في «آ» و «ط» : «السّيرافي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 75- 77) و «السّلوك» (4/ 1/ 65) و «الضوء اللامع» (3/ 289) و (10/ 327) .

فباشر مدة، ثم ترك الشيخونية، واختصر على الظّاهرية، وكان ديّنا، خيّرا، كثير العبادة، وكان شيخنا عزّ الدّين ابن جماعة يثني على فضائله. وتوفي في ربيع الأول، وولي المشيخة بعده ولده يحيى. وفيها أبو المعالي عبد الله بن المحدّث شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني الشافعي [1] . ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأحضره أبوه على الميدومي، وأسمعه على القلانسي والعرضي [2] ، وغيرهما. وطلب بنفسه، فسمع الكثير، وحصّل الأجزاء، ثم ناب في الحكم، وفتر عن الاشتغال. وتوفي في عاشر رمضان. وفيها عبد الله بن أبي يحيى الدّويري اليماني الشافعي [3] ، أحد الفضلاء من أهل تعز. أفتى ودرّس بالمظفّرية، وكان مشكور السيرة. وفيها عبد الله بن محمد الهمداني الحنفي [4] ، مدرس الجوهرية بدمشق. كان يدري القراءات ويقرئ، وكان خيّرا، عارفا بمذهبه. توفي في جمادى الأولى وقد بلغ السبعين. وفيها جلال الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب الأنصاري النيسابوري الأصل ثم الدمشقي، المعروف بابن خطيب داريّا [5] . قال ابن حجر: ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وعني بالأدب، ومهر في اللغة وفنون الأدب، وقال الشعر في صباه، ومدح جماعات من الأمراء والعلماء،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 77) و «الضوء اللامع» (5/ 8) . [2] تحرفت في «ط» إلى «الفرضي» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 170) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 70) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 80) و «الضوء اللامع» (6/ 310) و «بغية الوعاة» (1/ 25) .

وتقدم في الإجادة إلى أن صار شاعر عصره من غير مدافع، وقد طلب الحديث بنفسه كثيرا، وسمع من القلانسي ومن بعده، ولازم الشيخ مجد الدّين الشّيرازي صاحب اللغة وصاهره، وسمعت من شعره ومن حديثه، وطارحني وطارحته، ومدحني، وكان بعد الفتنة أقام بالقاهرة مدة في كنف ابن غراب، ثم رجع إلى بيسان من الغور الشامي فسكنها، وكان له بها وقف. وتوفي بها في ربيع الأول. وفيها موسى بن عطية المالكي الفقيه [1] . قال ابن حجر: سمع من إبراهيم الزّيتاوي «سنن ابن ماجة» وقرأ عليه الكلوتاتي بعضا، وهو والد شمس الدّين محمد صاحبنا.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 83) و «الضوء اللامع» (10/ 184) .

سنة إحدى عشرة وثمانمائة

سنة إحدى عشرة وثمانمائة في عاشر شعبانها جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس، فخرب من اللّاذقية، وجبلة، وبلاطنس [1] أماكن عديدة، وسقطت قلعة بلاطنس، فمات تحت الرّدم خمسة عشر نفسا، وخرّبت شغر بكاس [2] كلها وقلعتها، ومات جميع أهلها إلّا خمسين نفسا، وانتقلت بلد قدر ميل بأشجارها وأبنيتها وأهلها لم يشعروا بذلك، وخرب من قبرص أماكن كثيرة، وشوهد ثلج [3] على رأس الجبل الأقرع، وقد نزل البحر وطلع وبينه وبين البحر عشرة فراسخ، وذكر أهل البحر أن المراكب في البحر المالح وصلت إلى الأرض لما انحسر البحر ثم عاد الماء كما كان. قاله ابن حجر. وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان بن عبد الله الأوحدي [4] ، المقرئ الأديب. ولد في المحرم سنة إحدى وستين، وقرأ بالسبع على التّقي البغدادي، ولازم الشيخ فخر الدّين البلبيسي.

_ [1] جاء في «معجم البلدان» (1/ 478) : بلاطنس: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب. [2] في «آ» و «ط» : «شغر كاس» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف. وجاء في «معجم البلدان» (3/ 352) : «بلاد شغر: قلعة حصينة مقابلها أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين بينهما واد كالخندق لهما، كلّ واحدة تناوح الأخرى، وهما قرب أنطاكية، وهما اليوم لصاحب حلب ... » . [3] في «آ» و «ط» : «بلح» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 112) و «الضوء اللامع» (1/ 358) و «حسن المحاضرة» (1/ 556) .

قال ابن حجر: وسمع معي من بعض مشايخي، وكان لهجا بالتاريخ، وكتب مسودة كبيرة لخطط مصر والقاهرة، وبيّض بعضه، وأفاد فيه وأجاد. وله نظم كثير منه: إنّي إذا ما نابني ... أمر نفى تلذّذي واشتدّ منه [1] جزعي ... وجهّت وجهي للّذي وتوفي في تاسع عشر جمادى الآخرة. وفيها تاج الدّين أحمد بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى البلبيسي الأصل المقري المالكي، المعروف بابن الظّريف [2] . سمع من ناصر الدّين بن التّونسي وغيره، وطلب العلم، فأتقن الشروط، ومهر في الفرائض، وانتهى إليه التمييز في فنّه، مع حظّ كبير من الأدب، ومعرفة حلّ المترجم، وفك الألغاز، مع الذكاء البالغ، وقد وقّع للحكام، وناب في الحكم، وقد نقم عليه بعض شهاداته وحكمه، ثم نزل عن وظائفه بأخرة، وتوجه إلى مكّة فمات بها في شهر رجب. وفيها أحمد بن محمد بن ناصر بن علي الكناني المكّي الحنبلي [3] . ولد قبل الخمسين وسبعمائة، ورحل إلى الشام، فسمع من ابن قوالح، وابن أميلة بدمشق، ومن بعض أصحاب ابن مزهر بحماة، وتفقه، وكان خيّرا فاضلا، جاور بمكة فحصل له مرض أقعده [4] فعجز عن المشي حتّى مات. وفيها تقيّ الدّين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الدمشقي الحنفي، ابن شيخ الربوة [5] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «مني» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 113) و «الضوء اللامع» (2/ 14) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 115) و «الضوء اللامع» (2/ 209) و «العقد الثمين (3/ 175) ووفاته سنة (812) . [4] في «آ» : «القعدة» وفي «ط» : «العقدة» وما أثبته من «إنباء الغمر» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 116) و «الضوء اللامع» (11/ 68) .

اشتغل في الفقه، ومهر في المذهب، ودرّس بالمقدّمية، وأفتى، وكان اشتغل على الشيخ صدر الدّين بن منصور وغيره. وتوفي في ربيع الأول عن ستين سنة. وفيها أبو بكر بن محمد بن صالح الجبلي- بكسر الجيم وسكون الموحدة وباللام نسبة إلى جبلة مدينة باليمن- اليمني الشافعي [1] . نشأ بتعز، وتفقه بجماعة من أئمة بلده، ومهر في الفقه، ودرّس بالأشرفية وغيرها من مدارس تعز، وتخرّج به جماعة، وكان يقرّر من «الرافعي» وغيره بلفظ الأصل، ويشارك في غير الفقه، وله أجوبة كثيرة على مسائل شتّى، وولي القضاء مكرها مدة يسيرة، ثم استعفى. وتوفي في شهر رمضان. وفيها الجنيد بن محمد البلياني الأصل، نزيل شيراز [2] . قال ابن حجر: سمع مع أبيه بمكّة من ابن عبد المعطي، والشّهاب بن ظهيرة، وأبي الفضل النّويري، وجماعة، وبالمدينة وبلاده، وأجاز له القاضي عزّ الدّين بن جماعة، ومن دمشق عمر بن أميلة، وحسن بن هبل، والصّلاح ابن أبي عمر في آخرين، خرّج له عنهم الشيخ شمس الدّين الجزري مشيخة، وحدّث بها، وصار عالم شيراز ومحدّثها وفاضلها، وتوفي بها. وفيها صدر الدّين سليمان بن عبد الناصر بن إبراهيم الأبشيطي الشافعي [3] . ولد قبل الثلاثين وسبعمائة، واشتغل قديما، وسمع من الميدومي وغيره، وبرع في الفقه وغيره، وناب في الحكم بالقاهرة وغيرها، وكانت فيه سلامة، وكان

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 117) و «الضوء اللامع» (11/ 87) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 7) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 117) و «الضوء اللامع» (3/ 79) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 118) و «الضوء اللامع» (3/ 265) .

الصّدر المناوي يعظّمه، وعجز بأخرة وتغيّر قليلا، مع استحضاره للعلم جيدا، جاوز الثمانين. قاله ابن حجر. وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن فزارة بن محمد بن يوسف الكفري الحنفي [1] ، قاضي القضاة. قال في «المنهل الصافي» : ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا، وأحضر على محمد بن إسماعيل بن الخبّاز، وسمع على بشر بن إبراهيم بن محمود بن البعلي، وتفقه بعلماء عصره، حتّى برع في الفقه والأصلين والعربية، وشارك في عدة فنون، وأفتى، ودرّس، وتولى قضاء القضاة بدمشق هو وأبوه وأخوه وجدّه، وهم بيت علم وفضل ورئاسة، ثم قدم القاهرة بعد سنة ثلاث وثمانمائة، وولي قضاءها مدة وحمدت سيرته، وأفتى ودرّس بها، ولازم الاشتغال والإشغال إلى أن توفي ثالث ربيع الآخر. انتهى. وفيها جمال الدّين أبو حفص عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن أبي جرادة، قاضي القضاة ابن العديم، الحنفي العقيلي الحلبي [2] . ولد بحلب سنة ستين أو إحدى وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وتفقه وبرع، وتولى قضاء العسكر بها، ثم استقلّ بقضائها سنة أربع وتسعين، وأفتى، ودرّس، وشارك في العربية والأصول والحديث، وسمع من ابن حبيب وابنه، وباشر القضاء بحرمة وافرة، وكان رئيسا محترما، من بيت علم وفضل ورئاسة. قال ابن حجر: قدم القاهرة غير مرة، وفي الآخر استوطنها لما طرق التتار البلاد الشامية وأسر مع من أسر، ثم خلّص بعد رجوع اللّنك، فقدم القاهرة في شوال- أي سنة ثلاث وثمانمائة- ثم سعى، وولي قضاء القضاة بها في سادس

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 33 و 118) و «الضوء اللامع» (4/ 159) و «الدليل الشافي» (1/ 408) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 122) و «الضوء اللامع» (6/ 65) .

عشري رجب سنة خمس وثمانمائة، ودرّس بالشيخونية والمنصورية، ثم نزل عنهما لولده محمد، وباشرهما في حياته. وكان عمر هذا من رجال الدّنيا دهاء ومكرا، ماهرا في الحكم، ذكيا، خبيرا بالسعي في أموره، يقظا، غير متوان في حاجته، كثير العصبية لمن يقصده، لا يتحاشى من جمع المال من أي وجه كان. انتهى ملخصا. وقال صاحب «المنهل» : وحطّ عليه المقريزي، وذكر له مساوئ، وقوله فيه غير مقبول لأمور جرت بينهما. وتوفي قاضيا بمصر ليلة السبت ثاني عشر جمادى الآخرة. وفيها أبو القاسم قاسم بن علي بن محمد بن علي الفاسي المالكي [1] . سمع من أبي جعفر الطّنجالي [2] الخطيب، والقاضي أبي القاسم بن سلمون، والحسين بن محمد بن أحمد التّلمساني في آخرين وتلا بالسبع على جماعة، وقرأ الأدب، وتعانى النّظم، وجاور بمكّة، فخرج له غرس الدّين خليل الأقفهسي «مشيخة» وحدّث بها، وكان يذكر أنها سرقت منه بعد رجوعه من الحجّ، ويكثر التأسف عليها. ومن شعره: معاني عياض أطلعت فجر فخره ... لما قد شفى من مؤلم الجهل بالشّفا مغاني رياض من إفادة ذكره ... شذا زهرها يحيى من أشفى على شفا وتوفي بالبيمارستان المنصوري. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي [3] ، نزيل القاهرة الشافعي.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 124) و «الضوء اللامع» (6/ 183) . [2] في «آ» و «ط» : «الطحالي» وفي «إنباء الغمر» : «الطحاوي» وكلاهما خطأ والتصحيح من «الضوء اللامع» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 126) و «الضوء اللامع» (6/ 56) .

ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وصحب الصّالحين، ولازم الشيخ محمد القرمي ببيت المقدس، وتلمذ له، ثم قدم القاهرة فقطنها، وكان لا يضع جنبه إلى الأرض بل يصلي في الليل ويتلو فإذا نعس أغفى إغفاءة وهو محتبي، ثم يعود، وكان يواصل الأسبوع كاملا، وذكر أن السبب فيه أنه تعشى مع أبويه قديما، فأصبح لا يشتهي أكلا، فتمادى على ذلك ثلاثة أيام، فلما رأى أنه لم قدرة على الطي تمادى فيه فبلغ أربعينا، ثم اقتصر على سبع، وكان فقيها، وكان يكثر في الليل من قول سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا 17: 108 [الإسراء: 108] ، وكان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء. ومن شعره: لم يزل الطّامع في ذلّة ... قد شبّهت عندي بذلّ الكلاب وليس يمتاز عليهم سوى ... بوجهه الكالح ثمّ الثياب. توفي بمكة في ذي القعدة. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله القزويني ثم المصري [1] . قال ابن حجر: سمع من مظفّر الدّين بن العطّار وغيره، وكان على طريقة الشيخ يوسف الكوراني المعروف بالعجمي لكنه حسن المعتقد، كثير الإنكار على مبتدعة الصّوفية، اجتمع بي مرارا، وسمعت منه أحاديث، وكان كثير الحجّ والمجاورة بالحرمين، ومات في شعبان بمكة. وفيها رضي الدّين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي المدني الشافعي ابن الطّبري [2] . ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، وسمع من العز بن جماعة، وأجاز له يوسف القاضي، والميدومي، وغيرهما من مصر، وابن الخبّاز وجماعة من دمشق،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 127) و «الضوء اللامع» (7/ 105) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 128) و «الضوء اللامع» (7/ 299) .

وكان نبيها في الفقه، له حظّ من حسن خطّ ونظم، ودرّس، وكان مؤذّن الحرم النّبوي وبيده نظر مكة. قال ابن حجر: ثم نازع صهره شيخنا زين الدّين بن الحسين في قضاء المدينة فوليه في أول سنة إحدى عشرة، فوصلت إليه الولاية وهو بالطائف، فرجع إلى مكة، وسار إلى المدينة فباشره بقية السنة، وحجّ فتمرض فمات في خامس عشر ذي الحجّة عن اثنتين وستين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمود بن يحيى بن عبد الله بن منصور السّلمي الدمشقي الحنفي، المعروف بابن خطيب زرع [1] . كان جدّ والده خطيب زرع، فاستمرت بأيديهم، وولد هذا في ذي الحجة سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وكان حنفيا فتحول شافعيا، وناب في قضاء بلده، ثم تعلّق على فنّ الأدب ونظم [2] الشعر، وباشر التوقيع عند الأمراء، ثم اتصل بابن غراب امتدحه، وقدم معه إلى القاهرة، وكان عريض الدعوى جدا، واستخدمه ابن غراب في ديوان الإنشاء، وصحب بعض الأمراء، وحصّل وظائف، ثم رقّت حاله بعد موت ابن غراب. ومن شعره: وأشقر في وجهه غرّة ... كأنّها في نورها فجر بل زهرة الأفق لأني أرى ... من فوقها قد طلع البدر وله فيما يقرأ مدحا، فإذا صحّف كان هجوا: التّاج بالحقّ فوق الرأس يرفعه ... إذ كان فردا حوى وصفا مجالسه فضلا وبذلا وصنعا فاخرا وسخا ... فأسأل [3] الله يبقيه ويحرسه

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 130) و «الضوء اللامع» (8/ 210) . [2] في «آ» و «ط» : «ونظام» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [3] في «ط» : «وأسأل» .

وتصحيفه هجو كما قال: الباخ بالخفّ فوق الرأس يرقعه ... إذ كان قردا حوى وضعا مخالسه فصلا ونذلا وضيعا فاجرا وسخا ... فأسأل الله ينفيه ويخرسه وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فهد القرشي الهاشمي المكّي الشافعي [1] . ولد بمكة سنة ستين وسبعمائة تقريبا، وسمع من العزّ ابن جماعة ما لا يحصى، ومن ابن حبيب «سنن ابن ماجة» بفوت، و «مقامات الحريري» وغير ذلك، وأجاز له عدة مشايخ من الشام ومصر والإسكندرية، وحدّث، وكان رحل إلى القاهرة، وسكن بالصّعيد ببلدة يقال لها أصفون لأن جدّه لأمّه الشيخ نجم الدّين الأصفوني كان له بها رزق ودور موقوفة على ذريته فأقام بها مدة، ثم عاد إلى مكة. وتوفي بها يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول. وفيها جلال الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن أبي البقاء محمد بن عبد الله بن يحيى بن علي بن تمّام السّبكي الشافعي المصري [2] . ولد سنة سبعين وسبعمائة، واشتغل في صباه قليلا، وكان جميل الصورة. قال ابن حجر: لكنه صار قبيح السيرة، كثير المجاهرة بما أذرى بأبيه في حياته وبعد موته، بل لولا وجوده لما ذمّ أبوه، وقد ولي تدريس الشافعي بعد أبيه بجاه ابن غراب بعد أن بذل في ذلك دارا تساوي ألف دينار، وولي تدريس الشيخونية بعد صدر الدّين المناوي بعد أن بذل لنوروز [3] مالا جزيلا، وكان ناظرها. مات في جمادى الأولى. انتهى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 131) و «الضوء اللامع» (9/ 231) و «العقد الثمين» (2/ 333) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 132) و «الضوء اللامع» (9/ 224) . [3] في «ط» : «النوروز» .

وفيها يلبغا بن عبد الله السّالمي الظّاهري [1] . قال ابن حجر كان من مماليك الظّاهر ثم صيّره خاصكيا، وكان ممن قام له بعض القبض عليه في أخذ صفد فحمد له ذلك، ثم ولّاه النّظر على خانقاه سعيد السّعداء سنة سبع وتسعين، وتنقلت به الأحوال فعمل الاستدارية الكبرى، والإشارة، وغير ذلك، وكان طول عمره يلازم الاشتغال بالعلم ولم يفتح عليه بشيء سوى أنه يصوم يوما بعد يوم ويكثر التّلاوة، وقيام الليل، والذكر، والصّدقة، وكان يحبّ العلماء والفضلاء ويجمعهم، وقد لازم سماع الحديث معنا مدة، وكتب بخطّه الطّباق، وأقدم علاء الدّين بن أبي المجد من دمشق حتّى سمع الناس عليه «صحيح البخاري» ومرارا، وكان يبالغ في حبّ ابن العربي وغيره من أهل طريقته ولا يؤذي من ينكر عليه. مات مخنوقا وهو صائم في رمضان بعد صلاة عصر يوم الجمعة. انتهى ملخصا، والله أعلم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 133) و «الضوء اللامع» (10/ 289) و «الدليل الشافي» (2/ 794) و «النجوم الزاهرة» (13/ 171) .

سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

سنة اثنتي عشرة وثمانمائة في ثالث عشر شعبانها قتل بالقاهرة [شخص] شريف لأنه ادعى عليه أنه عوتب في شيء فعله فعزّر بسببه، فقال: قد ابتلي الأنبياء، فزجر عن ذلك، فقال: قد جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حارة اليهود أكثر من هذا، فاستفتي في حقّه فأفتوا بكفره، فضربت عنقه بين القصرين بحكم القاضي المالكي شمس الدّين المدني. قاله ابن حجر [1] . وفيها قتل محمد بن أميرزا [2] شيخ ابن عمّ تمرلنك صاحب فارس، قام عليه أخوه إسكندر شاه فغلبه، وكان محمد كثير العدل والإحسان فيما يقال فتمالا عليه بعض خواصه فقتله تقرّبا إلى خاطر أخيه إسكندر شاه، واستولى إسكندر على ممالك أخيه فاتسعت مملكته. وفيها شمس الدّين أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشّرجي [3]- بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبالجيم نسبة إلى شرجة موضع بنواحي مكة- ثم الزّبيدي. قال السيوطي النّحوي ابن النّحوي، اشتغل كثيرا، ومهر في العربية، ودرّس بصلاحية زبيد.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (6/ 172) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 175- 76) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 182) و «الضوء اللامع» (1/ 354) و «بغية الوعاة» (1/ 330) وفي «ط» : «محمد بن أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشرجي» وهو خطأ ولا أدري من أين جاء ناشرها ب «محمد بن» في أول الاسم مع أنه صرح بأنها ليست في «الأصل» !.

وقال ابن حجر: اجتمعت به، وسمع عليّ شيئا من الحديث، وسمعت من فوائده. مات بحرض عن أربعين سنة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد [1] . قال في «المنهل» : الشيخ الزّاهد الصّالح، المعروف بابن وفاء الشّاذلي المالكي. ولد بظاهر مدينة مصر سنة ست وخمسين وسبعمائة، ونشأ على قدم جدّ، ولزم الخلوة، وقام أخوه سيدي علي بعمل الميعاد وتربية الفقراء، كل ذلك وسيدي أحمد هذا ملازم للخلوة قليل الاجتماع بالناس إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر شوال، ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه، وترك أولادا عدة، كبيرهم سيدي أبو الفضل عبد الرحمن غرق في النيل سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وله شعر جيد إلى الغاية، وسيدي أبو الفتح محمد وهو عالمهم ورئيسهم رحمه الله، وسيدي أبو المكارم إبراهيم، ومات سنة ثلاث وثلاثين عن خمس وثلاثين سنة، وسيدي أبو الجود حسن، ومات سنة ثمان وثمانمائة عن تسع عشرة سنة، وسيدي أبو السيّادات يحيى وهو باق إلى الآن ومولده سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. انتهى. وفيها أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي [2] ، أخو الشيخ جمال الدّين. اشتغل قليلا، وسمع من عزّ الدّين بن جماعة وغيره. وتوفي بمكة في جمادى الأولى. وفيها أبو بكر بن عبد الله بن قطلوبك [3] المنجّم الشاعر. تعانى التنجيم والآداب، وكان بارعا في النّظم والمجون، وله مطارحات مع

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 183) و «الضوء اللامع» (2/ 302) و «الدليل الشافي» (1/ 77) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 184) و «الضوء اللامع» (11/ 38) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 185) و «الضوء اللامع» (11/ 40) .

أدباء عصره أولهم شمس الدّين المزيّن، ثم خطيب زرع، ثم علي البهائي، واشتهر بخفّة الرّوح والنّوادر المطربة. وهو القائل: حنفيّ مدرّس حاز خدّا ... كرياض الشّقيق في التّنميق لو رآه النّعمان في مجلس الدّر ... س لقال النّعمان هذا شقيقي وتوفي في صفر. وفيها عبد الله بن أحمد اللّخمي التّونسي الفرّياني [1]- بضم الفاء، وتشديد الراء، بعدها تحتانية خفيفة، وبعد الألف نون، نسبة إلى فرّيانة قرية قرب سفاقس [2]- المالكي. كان فاضلا، مشاركا في الفقه، والعربية، والفرائض، مع الدّين والخير. توفي راجعا من مكة إلى مصر، ودفن بعد عقبة إيلة. وفيها موفق الدّين أبو الحسن علي بن الحسن [3] بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهّاس الخزّرجي الزّبيدي [4] مؤرخ اليمن. اشتغل بالأدب، ولهج بالتاريخ فمهر فيه، وجمع لبلده تاريخا كبيرا على السنين، وآخر على الأسماء، وآخر على الدول، وكان ناظما ناثرا، وعلي بن وهّاس جدّ جدّه هو الذي يقول فيه الزّمخشريّ صاحب «الكشّاف» : ولولا ابن وهّاس وسابق فضله ... رعيت هشيما واستقيت مصرّدا وتوفي المترجم في أواخر هذه السنة وقد جاوز السبعين. وفيها موفق الدّين علي بن محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 188) و «الضوء اللامع» (5/ 7) . [2] انظر «معجم البلدان» (4/ 259) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن الحسين» والتصحيح من مصدري الترجمة. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 190) و «الضوء اللامع» (5/ 210) و «الإعلان بالتوبيخ» ص (134) طبعة القدسي، و «الأعلام» (4/ 274) وفيه أسماء مصنفاته التي أشار إليها المؤلف.

عمر بن عبد الرحمن النّاشري الزّبيدي [1] ، الشاعر المشهور. اشتغل بالأدب ففاق أقرانه، ومدح الأفضل ثم الأشرف ثم الناصر، وكانوا يقترحون عليه الأشعار في المهمات فيأتي بها على أحسن وجه، وكانت طريقة شعره الانسجام والسّهولة دون تعاني المعاني التي لهج بها المتأخرون. حجّ في سنة إحدى عشرة ورجع فمات بنواحي حرض في المحرم أو في الذي بعده وقد جاوز الستين. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي الشافعي [2] العالم الكبير. تلمذ للشيخ ولي الدين الملوي. قال ابن حجر: رأيت سماعه على العرضي، ومظفّر الدّين ابن العطّار في جامع الترمذي، وما أظنه حدّث عنهما، واشتهر بالدّين والخير، وكان متقلّلا جدا إلى أن قرّر في مشيخة الخانقاه النّاصرية بسرياقوس فباشرها إلى أن مات في جمادى الأولى، وكان متواضعا ليّنا. انتهى. وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الحلبي المعروف بابن سحلول [3] . كان عمّه عبد الله وزيرا بحلب، وسمع محمد «المسلسل بالأولية» من عبد الكريم، وسمع عليه «الأربعين المخرّجة من صحيح مسلم» بسماعه من زينب الكندية عن المؤيد، وسمع من ابن الحبّال جزء المناديلي، وولي مشيخة خانقاه والده، ثم في مشيخة الشيوخ بعد موت الشيخ عزّ الدّين الهاشمي، وكان أهل حلب يترددون إليه لرئاسته، وحشمته، وسؤدده، ومكارم أخلاقه. وكان مواظبا على إطعام من يرد عليه، ثم عظم جاهه لما استقرّ جمال الدّين

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 190) و «الضوء اللامع» (5/ 290) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 192) و «الضوء اللامع» (8/ 83) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 66) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 193) و «الضوء اللامع» (8/ 45) .

الأستادار في التكلم في المملكة فإنه كان قريبه من قبل الأم، وسافر من حلب إلى القاهرة، فبالغ جمال الدّين في إكرامه، وجهّزه إلى الحجاز في أبّهة زائدة، وأحمد ولد جمال الدّين يومئذ أمير الركب، فحجّ وعاد، فمات بعقبة أيلة في شهر الله المحرم، وسلم مما آل إليه أمر قريبه جمال الدّين وآله. وفيها ناصر الدّين محمد بن عمر بن إبراهيم بن القاضي العلّامة شرف الدّين هبة الله البارزي الشافعي الحموي [1] قاضي حماة هو وأسلافه. كان موصوفا بالخير والمعرفة، فاضلا، عفيفا، مشكورا في الحكم، باشر القضاء مدة، ومات بحماة. وفيها جلال الدّين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التّستري الأصل ثم البغدادي الحنبلي [2] نزيل القاهرة. ولد في حدود الثلاثين وسبعمائة، ومات أبوه وهو صغير، فربّاه الشيخ الصّالح أحمد السقّا، وأقرأه القرآن، واشتغل بالفقه، فمهر، وسمع الحديث من جمال الدّين الحضري، وكمال الدّين الأنباري، وآخرين، وقرأ الأصول على بدر الدّين الإربلي، وأخذ عن الكرماني شارح «البخاري» «شرح العضد على ابن الحاجب» وباشر عدة مدارس ببغداد، وصنّف في الفقه وأصوله، ونظم «الوجيز في الفقه» في ستة آلاف بيت. وذكر صاحب «الإنصاف» أنه من جملة الكتب التي نقل منها في «إنصافه» . ونظم «أرجوزة» في الفرائض مائة بيت جيدة في بابها، واختصر «ابن الحاجب» . وله غير ذلك. وذكر ببغداد وانتفع الناس به، وخرج منها لما قصدها اللّنك، فوصل إلى دمشق فبالغوا في إكرامه، ثم قدم القاهرة وتقرّر في تدريس الحنابلة بمدرسة الظّاهر برقوق، وحدّث بالقاهرة ب «جامع المسانيد» لابن الجوزي. وتوفي في عشري صفر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 194) و «الضوء اللامع» (8/ 236) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 196) و «الضوء اللامع» (10/ 198) و «الجوهر المنضد» ص (171- 172) .

وفيها جمال الدّين يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري ثم الحلبي [1] ، نزيل القاهرة. ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وكان أبوه خطيب ألبيرة، فصاهر الوزير شمس الدّين عبد الله بن سحلول، فنشأ جمال الدّين في كنف خاله، وكان أولا بزي الفقهاء، وحفظ القرآن، وكتبا في الفقه والعربية، وسمع من ابن جابر الأندلسي قصيدته «البديعية» وعرض عليه «ألفية ابن معطي» ، وأخذ عنه شرحها له بحلب، ثم قدم مصر بعد سنة سبعين وهو بزي الجند، فتنقلت به الأحوال بها إلى أن باشر الوزارة مع عدة وظائف كبار، وصار هو مرجع الإقليمين المصري والشامي، لا يتمّ أمر من أمورهما وإن قلّ إلّا بمعرفته وإرادته، ولم يبق فوق منصبه إلّا الملك، مع أنه كان ربما مدح باسم السلطنة فلا يغير ذلك ولا ينكره، ثم آل أمره إلى أن قتل في جمادى الآخرة. قال ابن حجر: ولقد رأيت له مناما صالحا بعد قتله، حاصله أني ذكرت وأنا في النوم ما كان فيه، وما صار إليه، وما ارتكب من الموبقات، فقال لي قائل: «إن السّيف محّاة للخطايا» [2] فلما استيقظت اتفق أني نظرت هذا اللفظ بعينه في «صحيح ابن حبّان» في أثناء حديث، فرجوت له بذلك الخير.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 198) و «الضوء اللامع» (10/ 294) . [2] هو جزء من حديث طويل رواه ابن حبان في «صحيحه» رقم (4663) في الجهاد، باب فضل الشهادة، وإسناده حسن. ورواه أحمد في «المسند» (4/ 185) والدارمي في «سننه» رقم (2411) في الجهاد، باب في صفة القتل في سبيل الله، وأبو داود الطيالسي رقم (1267) ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 164) والطبراني (17/ 310 و 311) وذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 291) وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا أبي المثنى الأملوكي، وهو ثقة.

سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

سنة ثلاث عشرة وثمانمائة في ليلة الحادي والعشرين من محرّمها اجتمع رجلان من العوام بدمشق فشربا الخمر فأصبحا محروقين ولم يوجد بينهما نار ولا أثر حريق في غير بدنهما وبعض ثيابهما، وقد مات أحدهما وفي الآخر رمق، فأقبل الناس أفواجا لرؤيتهما في [1] والاعتبار بحالهما [2] . وفيها كانت الحادثة العظيمة [3] بفاس من بلاد المغرب حتّى خربت [4] . وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان الحريري الدّمشقي، المعروف بالسّلاوي الشافعي [5] . ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أو نحوها، وسمع من ابن رافع، وابن كثير، وتفقه على علاء الدّين ابن حجي، والتّقي الفارقي، وسمع الحديث بنفسه فأخذه عن جدّه محمد بن عمر السّلاوي، وتقي الدّين بن رافع، وابن كثير. ثم أخذ في قراءة المواعيد، وقرأ «الصحيح» مرارا على عدة مشايخ، وعلى العامة، وكان صوته حسنا وقراءته جيدة، وولي قضاء بعلبك سنة ثمانين، ودرّس وأفتى، ثم ولي قضاء المدينة، ثم تنقل في ولاية القضاء بصفد، وغزّة، والقدس، وغيرها. وكان كثير العيال. وتوفي في صفر.

_ [1] في «ط» : «إلى رؤيتهما» . [2] انظر «إنباء الغمر» (6/ 226) . [3] في «آ» : «العظيمي» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [4] انظر «إنباء الغمر» (6/ 236) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 244) و «الضوء اللامع» (2/ 81) .

وفيها غياث الدّين أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا ابن أيلكان [1] سلطان بغداد، وتبريز، وغيرهما، من بلاد العراق. قال في «المنهل الصّافي» : ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان سلطانا فاتكا له سطوة على الرّعية، مقداما، شجاعا، مهابا، سفّاكا للدماء، وعنده جور وظلم على أمرائه وجنده، وكانت له مشاركة في عدة علوم ومعرفة تامّة بعلم النّجامة، ويد في معرفة الموسيقا، وفي تأديته يجيد ذلك إلى الغاية، منهمكا في اللّذات التي تهواها الأنفس [2] مسرفا على نفسه جدا. وكان الأستاذ عبد القادر من جملة ندمائه. وكان يقول الشعر باللغات الثلاث: الأعجمية، والتركية، والعربية. ومن شعره: حماك ما قربت حماك لعلّة ... فلا تروم وتشتهي ما أشتهي لو لم تكن مشغوفة بك في الهوى ... ما عانقتك وقبّلت فاك الشّهي واستمر ببلاد العراق إلى سنة خمس وتسعين، فخرج من بغداد فارّا من تيمور، فأرسل اللّنك ابنه في أثره، فأدركه بالحلّة، فتواقعا، وانتصر ابن تيمور ونهب ابن أويس، وسبيت حريمه، ونجا هو في طائفة وهم عراة، وقصد حلب لائذا بجناب الملك الظّاهر برقوق سلطان مصر، فأكرمه نائب حلب غاية الإكرام بأمر برقوق، ثم برز المرسوم السلطاني بطلبه إلى القاهرة، فتوجه إليها [2] ، فأكرمه برقوق غاية الإكرام، وأنعم عليه أجل الإنعام، وأعطاه تقليد نيابة السلطنة ببغداد، فأهوى ابن أويس لتقبيل الأرض فلم يمكّنه الظّاهر من ذلك إجلالا له، ثم سار إلى بغداد فدخلها بعد ذهاب التتار منها بعد وفاة تيمور، واستمرّ بها حاكما على عادته،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 238- 242) و «الضوء اللامع» (1/ 244) و «الدليل الشافي» (1/ 41) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» وانفردت به «آ» فقط.

إلى أن تغلب قرا يوسف على التتار وأخذ منهم تبريز وما والاها، فوقع الخلف بينه وبين ابن أويس، فتقابلا للقتال، فكانت الكرّة على ابن أويس، وأخذ أسيرا، ثم قتل يوم الأحد آخر شهر ربيع الآخر. وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد النّاصر بن تاج الرئاسة المحلّي الزّبيري الشافعي [1] . ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل قديما، ووقع على القضاة، وصاهر القاضي موفق الدّين الحنبلي على ابنته، وكان قد سمع من الميدومي وحدّث عنه، ثم ناب في الحكم مدة طويلة، وكانت معه عدة جهات من الضواحي ينوب فيها، وقرّره الملك الظّاهر في القضاء سنة تسع وتسعين في جمادى الأولى فباشره إلى أثناء رجب سنة إحدى وثمانمائة، واستمرّ بطالا خاملا إلى أن مات. وكان عارفا بالشروط والوثائق، ومطّرحا للتكلف، وفوض له تدريس الناصرية والصالحية فباشرهما مباشرة حسنة، ولم يذم في مدة قضائه، وكتب قطعة على «التنبيه» وعمل تاريخا حسنا نقل منه ابن حجر كثيرا. وتوفي في أول شهر رمضان. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن المؤرخ شمس الدّين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري ثم الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجزري [2] . ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ومات أبوه وله سنة، فربّاه عمّه نصير الدّين، وأسمعه من جماعة من أصحاب الفخر، وحضر على المرداوي صاحب عمر الكرماني، وقرأ وأعاد بالتقوية، وحدّث، وباشر نظر الأيتام، مع خفض جناح، وطهارة لسان، ولين عريكة، وحج غير مرّة، وجاور، وعلّق وفيات، وأصيب بماله في فتنة اللّنك، ولم يكن فيه [3] ما يعاب به إلّا مباشرته مع قضاة السوء.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 246) و «الضوء اللامع» (4/ 138) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 248) و «الضوء اللامع» (5/ 157) . [3] لفظة «فيه» سقطت من «ط» .

وبرع في مذهبه وعمل الميعاد، وأقرأ الحديث بجامع بني أميّة. وتوفي بدمشق في ذي الحجة. وفيها علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي الشافعي [1] . سمع من الطيالسي، وحدّث عنه، ولازم الشيخ ولي الدّين المنفلوطي ونحوه، واشتغل كثيرا، وتنبه، وأشغل، وأفاد، ودرّس، وأعاد، وأفتى، وشارك في العلوم، وانتفع به أهل مصر كثيرا، مع الدّين المتين، والسكون، والتقشف، والانجماع، وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو، وتحوّل إلى القاهرة، وسكن جوار جامع الأزهر. ومات رابع شعبان عن سبعين سنة. وفيها أبو زيد علي بن زيد بن علوان بن صبرة [2] بن مهدي بن حريز الردماوي الزّبيدي [3] تسمى بأخرة عبد الرحمن. ولد برد ما وهو مشارق اليمن دون الأحقاف في جمادى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ونشأ بها، وجال في البلاد، ثم حجّ وجاور مدة، وسكن الشام، ودخل العراق ومصر، وسمع من اليافعي، والشيخ خليل، وابن كثير، وابن خطيب يبرود، وبرع في فنون، من حديث، وفقه، ونحو، وتاريخ، وأدب، وكان يستحضر من الحديث كثيرا ومن الرجال، ويذاكر من «كتاب سيبويه» ويميل إلى مذهب ابن حزم، وتحوّل إلى البادية، فأقام بها نحو عشرين سنة يدعو إلى الكتاب والسّنّة، ثم قدم القاهرة وقد ضعف بصره، وكان شهما قوي النّفس، له معرفة بأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 249) و «الضوء اللامع» (5/ 163) . [2] في «ط» : «ابن صبرط» وهو خطأ. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 250) و «الضوء اللامع» (5/ 221) و «بغية الوعاة» (2/ 167) وفيه: «الدّرماوي» مكان «الردماوي» .

ومن شعره: ما العلم إلّا كتاب الله والأثر ... وما سوى ذاك لا عين ولا أثر إلا هوىّ وخصومات ملفقّة ... فلا يغرّنّك من أربابها هدر توفي بالقاهرة في أول ذي القعدة. قاله المقريزي. وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الرّبعي الرّشيدي [1] ، نزيل القاهرة الشافعي. قدم القاهرة فاشتغل بالعلم، ولازم البلقيني، ثم الدّميري، ودرّس بعده في الحديث بقبة بيبرس، وكان قد فاق في استحضار الفقه، فصار كثير [2] النقل، كثير البحث، وكان يقظا نبيها، كثير العصبية. توفي في رجب وقد جاوز الخمسين، ودرّس بعده بالقبة المذكورة ابن حجر. وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن الصّريحي [3] . قال ابن حجر: سمع «صحيح مسلم» على ابن عبد الهادي، و «سنن أبي داود» على عبد القادر بن أبي الدّر. سمعت منه قديما وحديثا، وحدّث في العام الماضي مع الشيخ نور الدّين الأنباري بالسنن في البيبرسية، وكان صوفيا بها. مات في شعبان. انتهى. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن علي الدمشقي الحريري [4] الحنفي [5] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 237) . [2] تصحفت في «ط» إلى «كبير» . [3] في «آ» و «ط» : «الصريحي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (6/ 252) و «الضوء اللامع» (5/ 238) وفيه: «الصرنجي: بصاد أو سين مهملة» . [4] في «آ» و «ط» : «الجزيري» وما أثبته منه من «الضوء اللامع» و «إنباء الغمر» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 253) و «الضوء اللامع» (5/ 328) .

ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وتفقه، وتعانى، حفظ السير والمغازي، فكان يستحضر شيئا كثيرا منها، وكان كثير اليسار، فتزوج الشيخ شهاب الدّين الغزّي ابنته فماتت بعد أمّها بقليل. قاله ابن حجر. وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي المالكي المكّي الخزرجي [1] . ولد سنة أربعين وسبعمائة، وسمع من عثمان بن الصّفي الطّبري «سنن أبي داود» ومن إبراهيم بن محمد بن نصر الله الدمشقي «مشيخته» وحدّث بمكة، وكان مشاركا في الفقه، مع الدّيانة والمروءة. وتوفي في تاسع المحرم. وفيها أمّ الحسن فاطمة بنت أحمد بن محمد علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن زيد الحسنية الحلبية [2] ، أخت نقيب الأشراف. ولدت سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وسمعت على جدّها لأمّها جمال الدّين إبراهيم بن الشّهاب محمود، وأجاز لها المزّي وجماعة، وحدّثت بحلب. وتوفيت في العشر الأول من المحرم وقد جاوزت الثمانين سنة. وفيها بدر الدّين محمد بن خاص بك السّبكي الحنفي [3] . كان ينسب إلى الظّاهر بيبرس من جهة النساء. اشتغل في مذهب الحنفية فبرع، وأخذ عن أكمل الدّين وغيره، وكان يجيد البحث، مع الدّيانة، والمروءة، والعصبية لمذهبه وأهله. وتوفي في خامس رجب وقد جاوز الخمسين.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 253) و «الضوء اللامع» (6/ 38) . [2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (6/ 255) و «الضوء اللامع» (12/ 88) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 258) .

وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى المصري الشافعي، المعروف بابن القطّان [1] . كان أبوه قطّانا وأخوه كذلك، واشتغل هذا بالعلم، ومهر، ولازم الشيخ بهاء الدّين بن عقيل وصاهره على بنت له من جارية، وسكن مصر، ودرّس، وأفتى، وصنّف. قال ابن حجر: قرأت عليه، وأجاز لي، ولم يحصل له سماع في الحديث على قدر سنه، وقد حدّث ب «صحيح مسلم» بإسناد نازل، وسمع معنا على بعض شيوخنا كثيرا وبقراءتي، وكان ماهرا في القراءات، والعربية، والحساب، وناب في الحكم بأخرة فتهالك على ذلك إلى أن مات انتهى. أي وتوفي في أواخر شوال عن نيف وثمانين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن سعد الدّين بن محمد بن نجم الدّين محمد البغدادي، نزيل القاهرة الزركشي [2] مهر في القراءات، وشارك في الفنون، وتعانى النّظم، وله قصيدة حسنة في العروض وشرحها، ونظم «العواطل الحوالي» ست عشرة قصيدة على ستة عشرة بحرا ليس فيها نقطة، وسمع منه ابن حجر، وسمع هو أيضا من ابن حجر، ورافقه في السماع، وجرت له في آخر عمره محنة. وتوفي في ذي الحجّة. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشّوبكي الحنبلي [3] . قدم دمشق، وتفقه بها، وتولى وظائف وخطابة. وتوفي في المحرم. وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن بون [4] الخوارزميّ الحنفي،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 259) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 72) و «البدر الطالع» (2/ 226) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 262) و «الضوء اللامع» (9/ 208) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 263) و «السّحب الوابلة» ص (451) . [4] في «آ» و «ط» : «ابن نون» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «العقد الثمين» .

المعروف بالمعيد [1] ، نزيل مكة وإمام مقام الحنفية بها. جاور بمكّة زيادة على أربعين سنة، وسمع الحديث، وتفقّه، وبرع، وأفتى، ودرّس، واستقرّ معيدا بدرس الحنفية للأتابك يلبغا العمري بمكة فعرف بالمعيد، وكان بارعا في الفقه، والأصول، والعربية، وتصدّر للإقراء بالمسجد الحرام عدة سنين وانتفع الناس به، مع الدّيانة والصّيانة، وحدّث عن الوادي آشي وغيره. ومن شعره: أفنى بكلّ وجودي في محبّته ... وأنثني ببقاء الحبّ ما بقيا لا خير في الحبّ إنّ لم يغن صاحبه ... وكيف يوجد صبّ بعد ما لقيا وتوفي بمكة المشرّفة في آخر جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (6/ 263) و «الضوء اللامع» (10/ 45) و «العقد الثمين» (2/ 349) .

سنة أربع عشرة وثمانمائة

سنة أربع عشرة وثمانمائة في رجبها رجم رجل تركماني بدمشق تحت قلعتها اعترف بالزّنا وهو محصن فأقعد في حفرة ورجم حتّى مات [1] . وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري [2] ، نزيل مكة المشرّفة المالكي. أقام بمكة ثلاثين سنة، وكان يتكسّب بالنسخ بالأجرة، مع العبادة، والورع، والدّين المتين، وكان يحجّ ماشيا من مكة، وأثنى عليه المقريزي، وتوفي بمكّة. وفيها محيى الدّين أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام العلّامة القدوة ابن النّحاس الدمشقي الشافعي [3] . صنّف في الجهاد كتابا حافلا سمّاه «مصارع العشاق» [4] استجاب الله فيه دعاءه، فإنه قال في أول سجعه فيه [5] : أحمدك اللهم [ربّ] وأسألك أعلى رتب الشهادة. واختصره هو بنفسه، وله «تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين» في الحوادث والبدع نفيس في بابه، قتل بدمياط لما دهمها الفرنج، فخرج هو وجماعة من أهلها، وجرت وقعة كبيرة، فقتل في المعركة مقبلا غير مدبر.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 23) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 29) وفيه «إبراهيم بن أحمد» و «الضوء اللامع» (1/ 13) و «العقد الثمين» (3/ 249) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 31) و «الضوء اللامع» (1/ 203) . [4] واسمه الكامل كما في «كشف الظنون» (2/ 1686) : «مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق» . [5] انظر «كشف الظنون» وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن مفلح بن مفرج الرّاميني ثم الدمشقي الصّالحي [1] الحنبلي، وأخو الشيخ تقي الدّين. ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، واشتغل على أخيه الشيخ برهان الدّين وغيره، وحصّل ودأب، وأجاز له جدّه قاضي القضاة جمال الدّين المرداوي، وقاضي القضاة شرف الدّين بن قاضي الجبل، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على الله تعالى، وكان فقيها صالحا متعبدا. توفي بالصّالحية وصلّي عليه بالجامع المظفّري ودفن بالرّوضة عند رجل والديه. وفيها بدر الدّين حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي الشافعي، المعروف بابن قاضي أذرعات [2] . تفقه في صباه على الشّرف ابن الشّريشي، والنّجم بن الجابي، وتعانى الأدب، وفاق الأقران، ومهر في الفنون، ودرّس، وأفتى، وناظر، وناب في الحكم، ثم تركه تورعا، وولي عدة إعادات، وأذن له البلقيني بالإفتاء لما قدم الشام سنة ثلاث وتسعين، وكان يثني عليه كثيرا، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى، واجتمع بابن حجر، فسمع كل منهما من الآخر. وتوفي بدمشق بالطّاعون في المحرم أو صفر، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان. وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي الوفا الشّاذلي المالكي المصري [3] . اشتغل في صباه قليلا، وتعانى النّظم، فقال الشعر الفائق، وكان ذكيا، حسن الأخلاق، لطيف الطّباع. ومن نظمه في «مرثية محبوب» له:

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 32) و «الضوء اللامع» (2/ 207) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 34) و «الضوء اللامع» (3/ 152) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 35) و «الضوء اللامع» (4/ 58) وفيه: «ويسمى محمدا أيضا» .

مضت قامة كانت أليفة مضجعي ... فلله ألحاظ لها ومراشف ولله أصداغ حكين عقاربا ... فهنّ على الحكم المعنّى سوالف وما كنت أخشى أمس إلا من الجفا ... وإنّي على ذاك الجفا اليوم آسف رعى الله أيّاما وناسا عهدتهم ... جيادا ولكنّ اللّيالي صيارف غرق في بحر النّيل. وهو: محمد بن عبيد اليشكالسي [1] . وعبد الله بن أحمد التّنسي [2] جمال الدّين قاضي المالكية وابن قاضيهم. وفيها علي بن سيف [3] علي بن سليمان اللّواتي الأصل الأبياري النّحوي الشافعي المصري [4] ، نزيل دمشق. ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بغزّة يتيما فقيرا، فحفظ «التنبيه» ثم دخل دمشق فعرضه على تاج الدّين السّبكي فقرّره في بعض المدارس، واستمرّ في دمشق، وأخذ عن العنّابي وغيره، ومهر في العربية، وأشغل الناس، وأدّب أولاد ابن الشهيد، وقرأ عليه «التيسير» وسمع الكمال بن حبيب، وابن أميلة، وغيرهما، وكان خازن كتب السميساطية، وحصّل كثيرا من الكتب والوظائف، وفاق في حفظ اللغة، وعني بالأصول، فقرا «مختصر ابن الحاجب» دروسا على المشايخ، وأكثر مطالعة كتب الأدب، ولم يتزوج قطّ، ونهب ما حصّله في فتنة اللّنك، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى، فأقام بها، وحصّل كتبا، ثم قدم دمشق، ثم رجع ففوضت له مشيخة البيبرسية، ثم قرّر في تدريس الشافعي، وحدّث بالبيبرسية ب «سنن أبي داود» و «جامع الترمذي» عن ابن أميلة، وبغير ذلك. وسمع منه ابن حجر. قال: وكان فقير النّفس، شديد الشكوى، وكلما

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 36- 42) و «الضوء اللامع» (8/ 139) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 36) و «الضوء اللامع» (5/ 12) . [3] في «آ» و «ط» : «ابن سند» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 38) و «الضوء اللامع» (5/ 230) و «بغية الوعاة» (2/ 169) .

حصل له شيء اشترى به كتبا، ثم تحوّل بما جمعه إلى دمشق في هذه السنة، وجمع جزءا في الرد على «تعقبات أبي حيّان» لابن مالك. وتوفي بدمشق في ذي الحجّة وتفرّقت كتبه شذر مذر. وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن محمد العرضي الغزّي الشافعي [1] . ولد قبل الستين وسبعمائة، واشتغل بالفقه فمهر فيه إلى أن فاق الأقران، وصار يستحضر أكثر المذهب، مع المعرفة بالطبّ وغيره. توفي في جمادى الأولى. وفيها فتح الدّين محمد بن محمد بن الشيخ شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري الدمشقي [2] الشافعي، نزيل بلاد الرّوم ثم دمشق. باشر الأتابيكة بدمشق إلى أن مات. قال ابن حجي: كان ذكيا، جيد الذهن، يستحضر «التنبيه» ويقرأ بالروايات. أخذ ذلك عن أبيه وعن الشيخ صدقة، وغيرهما، وعاش والده بعده دهرا، وباشر تدريس الأتابكية بدمشق ونظرها إلى أن توفي في صفر مطعونا. وفيها محمد الشّبراوي [3] . قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وكان مقتدرا على الدّرس، فدرّس كتاب «الشفا» وعرضه، ثم درّس «مختصر مسلم» للمنذري، ولم يكن بالماهر. مات في سلخ السنة. انتهى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 42) و «الضوء اللامع» (9/ 287) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 43) و «الضوء اللامع» (9/ 287) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 44) وفيه: «محمد بن مسكين بن مسعود الشبراوي» و «الضوء اللامع» (7/ 262) وفيه: «محمد بن سليمان بن مسعود الشبراوي» .

وفيها يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي الجبلي- بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة- اليماني الشافعي [1] . تفقه على رضي الدّين بن أبي داود، وسمع من علي بن شدّاد، واشتغل كثيرا، وكان عابدا، ديّنا خيّرا [2] ، يتعانى السّماعات على طريق الصّوفية ويجتمع الناس عنده لذلك. توفي في جمادى الآخرة وقد بلغ ثمانين سنة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 45) و «الضوء اللامع» (11/ 247) . [2] في «ط» : «خيّرا ديّنا» .

سنة خمس عشرة وثمانمائة

سنة خمس عشرة وثمانمائة فيها تسلطن شيخ المحمودي، ولقّب بالمؤيد، وكنّي بأبي نصر، وذلك بعد خلع النّاصر وسلطنة المستعين الخليفة وخلعه، وقتل الناصر فرج. وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي [1] . تفقّه واحترف بتأديب الأطفال بالقاهرة، ثم حجّ وجاور، وسلك طريق الورع والنّسك، وصار يتكسّب بالنسخ، ويحجّ ماشيا، وكان غاية في الورع والتّحري. مات في عشر التسعين. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال قاضي القضاة الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الحسباني [2] . ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. قال المقريزي: وتفقّه بأبيه وغيره، وسمع من أصحاب الفخر، وطلب بنفسه فأكثر جدا بدمشق والقاهرة، ولم يزل يسمع حتّى سمع من هو دون شيوخه، مع ذكاء وتفنّن، وكتب تفسيرا أجاد فيه لو كمل، وعلّق على «الحاوي» في الفقه شرحا، وخرّج أحاديث «الرّافعي» وشرح «ألفية ابن مالك» في النحو، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ولي قضاء القضاة بها غير مرّة فلم تحمد سيرته، وكان

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (1/ 13) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (1/ 237) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 9) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 164) .

لا يزال يخرج على السلطان ويترامى على الشّرّ، ويلج في مضايق الفتن حبّا في الرئاسة. انتهى كلام المقريزي. وعدّة ابن ناصر الدّين في الحفّاظ وأثنى عليه [1] . وتوفي بدمشق في يوم الأربعاء عشر ربيع الآخر عن خمس وستين سنة وسبعة أشهر وأيام. وفيها شهاب الدّين أحمد بن رضي الدّين أبي بكر بن موفق الدّين علي بن محمد النّاشري الزّبيدي اليمني الشافعي [2] . قال ابن حجر في «أنباء الغمر» : عني بالعلم، وبرع في الفقه، وشارك في غيره، وتخرّج به أهل بلده مدة طويلة، وولي قضاء زبيد، فراعى الحقّ في أحكامه فتعصبوا عليه فعزل، وانتهت إليه رئاسة الفتوى ببلده، وكان شديد الحطّ على صوفية زبيد المنتمين إلى كلام ابن العربي، وكان يستكثر من كلام من يرد عليه، فجمع من ذلك شيئا كثيرا في فساد مذهبه ووهاء عقيدته، اجتمعت به بزبيد ونعم الشيخ كان. مات في خامس عشري المحرم وقد جاوز السبعين. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري ثم المقدسي الشافعي الفرضي الحاسب ابن الهائم [3] . ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، واشتغل بالقاهرة، وحصّل طرفا صالحا من الفقه، وعني بالفرائض والحساب، حتّى فاق الأقران، ورحل إليه النّاس من الآفاق، وصنّف التصانيف النّافعة في ذلك، ودرّس بالقدس في أماكن، وناب عن القمني في تدريس الصّلاحية مدة، فلما قدم نوروز القدس في هذه السنة لملاقاة

_ [1] وذلك في «التبيان شرح بديعة البيان» (194/ ب) حيث قال فيه: وكان أحد العلماء الحفّاظ النّقاد. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 80) و «الضوء اللامع» (1/ 257) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 8) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 157) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 17) و «البدر الطالع» (1/ 117) .

زوجته بنت الظّاهر قرّر الهروي في الصّلاحية ثم قسمها بينه وبين ابن الهائم لقيام أهل البلد معه، وسمع منه ابن حجر. وتوفي في بيت المقدس في جمادى الآخرة. وفيها تغري بردي بن عبد الله- ومعنى تغري بردي بلغة التتار الله أعطى- الظّاهري [1] نائب الشام. قال ولده في «المنهل الصّافي» : كان والدي روميّ الجنس، اشتراه الملك الظّاهر برقوق في أوائل سلطنته تقريبا وأعتقه، وجعله في يوم عتقه خازكيا، ثم صار ساقيا، وأنعم عليه فجعله رأس نوبة الجمدارية، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة دمشق غير مرّة. وقال ابن حجر: ولي نيابة حلب فسار فيها سيرة حسنة، وأنشأ بها جامعا، ثم ولي نيابة دمشق. قال القاضي علاء الدّين في «تاريخه» : كان عنده عقل وحياء وسكون، حليما، عاقلا، مشارا إليه بالتعظيم في الدول، وكان جميلا، حسن الصّورة جدا، وكان يلهو لكن في سترة وحشمة وإفضال، والله يسمح له. انتهى. وقال ولده: استقرّ في نيابة دمشق ثالث مرة على كره منه، وذلك سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. وتوفي واليا لها [2] يوم الخميس سادس عشر المحرم، وصلّى عليه الملك النّاصر فرج لأنه كان يومئذ في دمشق، وشهد دفنه يوم الجمعة بتربة الأمير تنم نائب الشام بميدان الحصا، ثم قتل الناصر بعد أيام في صفر من السنة المذكورة، وخلّف والدي عشرة أولاد ستة ذكور وأربع إناث، وخلّف أموالا كثيرة استولى عليها الملك النّاصر فرج، منها ألف مملوك إلا ثلاثين مملوكا. وفيها جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشّيباني المكّي [3] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 83) و «الضوء اللامع» (3/ 29) و «الدليل الشافي» (1/ 215- 216) . [2] في «ط» : «واليا بها» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 84) و «الضوء اللامع» (3/ 52) .

سمع على تاج الدّين ابن بنت أبي سعد، ونور الدّين الهمداني، وعزّ الدّين ابن جماعة، وشهاب الدّين الهكّاري، وحدّث عنهم. قال ابن حجر: قرأت عليه أحاديث من «جامع الترمذي» بمدينة ينبع، وكان خيّرا عاقلا. مات في هذه السنة. وهو الذي قال فيه صدر الدّين بن الآدمي البيتين المشهورين وسنذكرهما في ترجمته. انتهى. وفيها رقية بنت العفيف عبد السّلام بن محمد بن مزروع المدنية [1] . حدّثت بالإجازة عن شيوخ مصر والشام كالختني، وابن المصري، وابن سيّد النّاس من المصريين، والمزّي وغيره من الشاميين. وتوفيت عن سبع وثمانين سنة. وفيها طيبغا [2] الشّريفي عتيق الشّريف شهاب الدّين [3] ، نقيب الأشراف بحلب. قال القاضي علاء الدّين في «تاريخه» : سمع من أولاد مولاه من الجمال بن الشّهاب محمود، وتعلّم الخطّ معهم ففاق في الخطّ الحسن، وكتب الناس عليه، واستقرّ في وظيفة تعليم الخطّ بالجامع الكبير، وتسمى عبد الله، وأجلسه الكمال بن العديم مع الشهود العدول، وفرّ في الكائنة العظمى إلى القاهرة، فأقام بها مدة، وحدّث بها، وعلّم الخطّ. كتبت عليه بحلب، وقرأت عليه الحديث بالقاهرة في سنة ثمان وثمانمائة. وتوفي في آخر هذه السنة. انتهى. وفيها عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية [4] .

_ [1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 80) و «الضوء اللامع» (12/ 36) و «أعلام النساء» (1/ 454) . [2] في «آ» و «ط» : «طنبغا» وهو تصحيف والتصحيح من مصدري الترجمة. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 86) و «الضوء اللامع» (4/ 13) . [4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (12/ 77) و «أعلام النساء» (3/ 180) .

سمعت مع زوجها الحافظ شمس الدّين الحسني من ابن الخبّاز، والمرداوي، ومن بعدهما، وحدّثت. وتوفيت في رمضان عن بضع وستين سنة. وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن طيمان- بفتح الطاء المهملة وسكون الياء التحتانية- المصري الطّيماني الشّافعي [1] ، نزيل دمشق. ولد قبل السبعين وسبعمائة بيسير، وحفظ «الحاوي الصغير» ولازم البلقيني، وعزّ الدّين ابن جماعة، واشتغل بالقاهرة، ونبغ في الفقه، وشارك في الفنون، ثم نزل دمشق، وأفتى، ودرّس، وكان يلبس قريبا من زي التّرك، وكان ذكيا ماهرا لا يتكلم إلّا معربا، ويتعانى طريق الصّوفية، وكان يتردد إلى دمشق بسبب وقف له، وحضر عند شيوخها، وشهدوا له بالتقدم في الفقه. وأقام بدمشق يفتي، ويشغل، ويصنّف، ويدرّس، وشرع في جمع أشياء لم تكمل، واختصر شرح الشيخ شرف الدّين الغزي على «المنهاج» ولخص من كلام الأذرعي وغيره أشياء، على «المنهاج» لم تشتهر لغلاقة لفظه واختصاره، وأثنى عليه ابن حجي، وأخبر أنه أخذ عنه، وقتل بمنزله بالتعديل في الفتنة التي بين الناصر وغرمائه في صفر عن نحو سبع وأربعين سنة، ودفن بمقابر الحميرية [2] بالقرب من قبر عاتكة إلى جانب الشيخ الزّاهد علي بن أيوب، رحمهما الله تعالى. وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الله الهندي، المعروف بالفافا [3] [4] بفاءين، لقّب بذلك لكثرة نطفة بالفاء [4] . قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه والأصول والعربية، أقام بمكة أزيد من أربعين سنة، فأفاد الناس في هذه العلوم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 78) و «الضوء اللامع» (5/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 28) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 256) . [2] في «آ» : «الحمرية» وفي «ط» : «الحموية» وما أثبته من «الدارس في تاريخ المدارس» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 89) و «الضوء اللامع» (6/ 98) . [4، 4] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .

ومات في ذي الحجّة عن سبعين سنة. وفيها الملك النّاصر فرج بن برقوق بن أنس [1] . ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وسمّاه أبوه بلغاق، ثم سمّاه فرجا، وأجلس على التخت يوم الجمعة نصف شوال سنة إحدى وثمانمائة بعهد من أبيه وعمره عشر سنين وستة أشهر، وقتل بمصر سلطانا ليلة السبت سادس عشر صفر. وفيها زين الدّين أبو الخير محمد بن زيد الدّين أبي الطّاهر أحمد بن جمال الدّين محمد بن الحافظ محبّ الدّين عبد الله الطّبري [2] . سمع من الفخر القونوي، وابن بنت سعد، وابن جماعة، والعلائي، وأجاز له أحمد بن علي الجزري، وابن القمّاح، وابن عالي، والمستوري، وغيرهم. وتفرّد بإجازة الجزري بمكّة، وحدّث بأشياء كثيرة بالإجازة عن جماعة من المصريين والشّاميين، وبرع في العلم، وعرف بالمروءة. وتوفي في رمضان. وفيها بهاء الدّين أبو حامد محمد بن أبي الطّيب أحمد بن بهاء الدّين محمد بن علي بن سعيد بن [3] إمام المشهد الشافعي ظنا. ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وأحضره أبوه وأسمعه على بعض [4] أصحاب الفخر، وابن القواس، ونحوهم. وتوفي أبوه وهو صغير، فأدّبه رجل أعمى، وبرع من [5] صباه، وكان صحيح الفهم، دينا، عاقلا، نشأ نشأة حسنة، وأفتى، ودرّس، وعرض عليه حموه شهاب الدّين الحسباني النّيابة في الحكم فامتنع.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 89) و «الضوء اللامع» (6/ 168) و «الدليل الشافي» (2/ 520) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 90) و «الضوء اللامع» (7/ 46) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 90) و «الضوء اللامع» (7/ 46) . [4] لفظة «بعض» سقطت من «ط» . [5] في «ط» : «في» .

وتوفي في ذي القعدة بعلّة الاستسقاء. وفيها جمال الدّين محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم المكّي الحلوي [1]- بفتح المهملة وسكون اللام، نسبة إلى حلي كظبي مدينة باليمن، المعروف بابن العليف- بمهملة ولام وفاء مصغر-. ولد بحلي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ونزل بمكّة، وسمع من العزّ بن جماعة، وكان غاليا في التشيّع وتعاني والنّظم فمهر فيه وفاق أقرانه إلّا أنه كان عريض الدّعوى ومدح ملوك اليمن، وأمراء مكّة، وينبع، وانقطع إلى حسن بن عجلان بمكّة. ومن مدائحه في النّاصر لدين الله صلاح الدّين بن علي بن محمد صاحب صنعاء: جادك الغيث من طلول بوالي [2] ... كبروج من النّجوم خوالي فقدت بيض أنسها فتساوى ... بيض أيامها وسود الليالي قاسمتني وجدي بها فتساوى ... حالها بعد من أحبّ وحالي وهي طويلة. وله فيه من أخرى: يا وجه آل محمّد في وقته ... لم يبق بعدك منهم إلا قفا لو كانت الأشراف آل محمد ... كتب العلوم لكنت فيها المصحفا أو كانت الأسباط آل محمد ... يا ابن النّبيّ لكنت فيها يوسفا وتوفي في سابع رجب. وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي المعروف بابن اليونانية [3] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 91) و «العقد الثمين» (1/ 471) . [2] لفظة «بوالي» سقطت من «آ» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 94) و «الضوء اللامع» (9/ 145) .

ولد أول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وسمع الحديث، وقرأ، ودرّس، وأفتى، وشارك في الفضائل، وكان عارفا بأخبار أهل بلده. [1] وهو ابن أخي الشيخ شمس الدّين البعلبكي. قاله ابن حجر [1] . وفيها محبّ الدّين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي ابن أيوب بن الشّحنة محمود [2] والشّحنة جدّه الأعلى محمود، الشهير بابن الشّحنة التّركي الأصل الحلبي [3] الحنفي. ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون، وتفقه، وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، والأدب، وأفتى، ودرّس، وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب، ثم دمشق، إلى أن قبض عليه الظّاهر برقوق في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقدم به إلى القاهرة، ثم أفرج عنه، ورجع إلى حلب فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة ثلاث عشرة وثمانمائة لقيامه مع جماعة على الناصر، ثم أفرج عنه، فقدم القاهرة، ثم عاد إلى دمشق صحبة الملك الناصر المذكور سنة أربع عشرة وثمانمائة، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولّاه قضاء الحنفية بالقاهرة فلم يتمّ لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد بن العديم لقضاء الدّيار المصرية، واستقرّ ابن الشّحنة في قضاء حلب وأعطى تداريس بدمشق. قال ابن حجر كان كثير الدعوى والاستحضار، عالي الهمّة، وعمل تاريخا لطيفا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق. ومن نظمه: ساق المدام فكلّ ما في النّا ... س من وصف المدامة فيكا فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيك ووجنتيك وفيكما

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 95) و «الضوء اللامع» (10/ 3) . [3] لفظة «الحلبي» لم ترد في «آ» .

وله: أسير بالجرعى أسيرا ومن ... همّي لا أعرف كيف الطّريق. في منحني الأضلع وادي الغضا ... وفوق سفح الخدّ وادي العقيق انتهى. وقال القاضي علاء الدّين في «ذيل تاريخ حلب» : وله: «ألفية رجز» تشتمل على عشرة علوم، و «ألفية» اختصر فيها منظومة النّسفي وضم إليها مذهب أحمد. وله تآليف أخرى في الفقه، والأصول، والتفسير. انتهى. وتوفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر. وفيها شرف الدّين مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار الأنطاكي النّحوي [1] ، نزيل دمشق. قدم إلى حلب، وقد حصّل طرفا صالحا من العربية، ثم قدم دمشق، فأخذ عن الصّفدي، وابن كثير، وغيرهما، وتقدم في العربية، وفاق في حسن التّعليم حتّى كان يشارط عليه إلى أمد معلوم بمبلغ معلوم، وكان يكتب حسنا وينظم جيدا، وكان يتعانى الشّهادة ولو لم يكن بالمحمود فيها، وكان مزّاحا قليل التّصوّن. مات في تاسع شعبان وهو في عشر الثمانين. قاله ابن حجر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 98) و «الضوء اللامع» (10/ 157) .

سنة ست عشرة وثمانمائة

سنة ست عشرة وثمانمائة في ربيعها الأول ظهر الخارجيّ الذي ادعى أنه السّفيانيّ، وهو رجل عجلونيّ يسمّي عثمان بن ثقالة، اشتغل بالفقه قليلا بدمشق، ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور [1] ودعا إلى نفسه، فأجابه بعض الناس، فأقطع الإقطاعات، ونادى أن مغل هذه السنة مسامحة، ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب، وعشير، وترك، وعمل له ألوية خضراء، وسار إلى وادي إلياس، وبث كتبه إلى النّواحي ترجمتها بعد البسملة: [من] السّفياني إلى حضرة فلان، أن يجمع فرسان هذه الدولة السّلطانية الملكية الإمامية الأعظمية الربّانية المحمدية السّفيانية، ويحضر بخيله ورجاله مهاجرا إلى الله ورسوله، ومقاتلا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، فسار عليه في أوائل ربيع الآخر غانم الغزّاوي، وجهز إليه طائفة، وطرقوه وهو بجامع عجلون، فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه، فاعتقل الأربعة، وكتب إلى المؤيد بخبره فأرسلهم إلى قلعة صرخد [2] . وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن خضر الصّالحي الحنفي [3] . ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة، واشتغل على أبيه، وناب في القضاء بمصر، ودرّس وأفتى، وولي إفتاء دار العدل، وكان جريئا مقداما، ثم ترك الاشتغال بأخرة وافتقر.

_ [1] في «معجم البلدان» (2/ 197) : الجيدور: كورة من نواحي دمشق فيها قرى، وهي في شمالي حوران، ويقال: إنها والجولان كورة واحدة. [2] قاله الحافظ ابن حجر في «إنباء الغمر» (7/ 106- 107) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 118) و «الضوء اللامع» (1/ 13) .

وتوفي في ربيع الأول، وكانت وفاة أبيه سنة خمس وثمانين وسبعمائة. وفيها برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الشّافعي الغزّي القرشي النّوفلي، الشهير بابن زقّاعة [1]- بضم الزاي، وفتح القاف المشدّدة، وألف، وعين مهملة، وهاء-. قال في «المنهل» : كان إماما بارعا مفنّنا في علوم كثيرة لا سيما معرفة الأعشاب، والرياضة، وعلم التصوف. مولده سنة أربع وعشرين وسبعمائة على الصحيح. قال المقريزي: عانى صناعة [2] الخياطة، وأخذ القراءات عن الشيخ شمس الدّين الحكري، والفقه عن بدر الدّين القونوي، والتّصوف عن الشيخ عمر حفيد الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من نور الدّين على الفويّ، وقال الشعر، ونظر في النّجوم وعلم الحرف، وبرع في معرفة الأعشاب، وساح في الأرض، وتجرّد وتزهّد فاشتهر ببلاد غزّة، وعرف بالصّلاح. انتهى اختصارا. قلت: بالجملة كانت رئاسته في علوم كثيرة، وله حظّ وافر [3] عند ملوك مصر، ونال من الحرمة والوجاهة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه، فإنه كان يجلس فوق قضاة القضاة. ومن شعره اللّطيف: ومن عجبي أن النّسيم إذا سرى ... سحيرا بعرف البان والرّند والآس يعيد على سمعي حديث أحبّتي ... فيخطر لي أن الأحبّة جلّاسي ومنه أيضا: ووردي خدّ نرجسيّ لواحظ ... مشايخ علم السّحر عن لحظه رووا وواوات صدغيه حكين عقاربا ... من المسك فوق الجلّنار قد التووا

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 119) و «الضوء اللامع» (1/ 130) و «الدليل الشافي» (1/ 28) . [2] في «آ» : «صنعة» . [3] في «آ» : «وله حظ زائد» .

ووجنته الحمراء تلوح كجمرة ... عليها قلوب العاشقين قد انكووا وودّي له باق ولست بسامع ... لقول حسود والعواذل إن عووا وو الله لا أسلو ولو صرت رمّة ... وكيف وأحشائي على حبّه انطووا وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر ذي الحجة، ودفن خارج باب النصر انتهى. ما قاله صاحب «المنهل» باختصار. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علاء الدّين حجّي بن موسى بن أحمد بن سعيد [1] بن غشم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني الدمشقي الشافعي [2] الحافظ، مؤرخ الإسلام. قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وغيره، وسمع الحديث من خلائق، وأجاز له خلق من بلاد شتّى، وقرأ بنفسه الكثير، وكتب الكثير، وقد كتب أسماء مشايخه مجرّدا في بعض مجاميعه على حروف المعجم، وأخذ الفقه عن والده، والشيخ شمس الدّين بن قاضي شهبة، وقاضي القضاة بهاء الدّين أبي البقاء وغيرهم، واستفاد من مشايخ العصر، منهم الأذرعي، والحسباني، وابن قاضي الزّبداني، وابن خطيب يبرود، والغزّي، والقاضي تاج الدّين السّبكي، وشمس الدّين الموصلي، وتخرّج في علوم الحديث بالحافظين ابن كثير، وابن رافع، وأخذ النحو عن أبي العبّاس العناني وغيره، ودرّس وأفتى، وأعاد وناب في الحكم، وصنّف، وكتب بخطّه الحسن ما لا يحصى كثرة، فمن ذلك شرح على «المحرّر» لابن عبد الهادي، كتب منه قطعة، وردّ على مواضع من «المهمات» للإسنوي، وعلى مواضع من الألغاز له وبيّن [3] غلطه فيها، وجمع فوائد في علوم متعددة في

_ [1] في «ط» : «سعد» وهو خطأ. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 121- 124) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 10) و «الضوء اللامع» (1/ 269) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 138) . [3] في «ط» : «بين» من غير الواو.

كراريس كثيرة سمّاها «جمع المفترق» وكتابا سمّاه «الدارس من أخبار المدارس» يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه، وتراجم من درّس بالمدرسة إلى آخر وقت، وهو كتاب نفيس يدلّ على اطلاع كثير، وقد وقفت على كراريس منه. وكتب «ذيلا» [1] على «تاريخ ابن كثير» وغيره، بدأ فيه من سنة إحدى وأربعين يذكر فيه حوادث الشهر، ثم من توفي فيه، وهو مفيد جدا، كتب منه ست سنين، ثم بدأ من سنة تسع وستين فكتب إلى قبيل وفاته بيسير، وكان قد أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته، وأخذت «التاريخ» المذكور وزدت عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ، وتراجم أكثر من التراجم التي ذكرها بكثير، وبسطت الكلام في ذلك، وجاء إلى آخر سنة أربعين وثمانمائة في سبع مجلدات كبار، ثم اختصرته في نحو نصفه، وقد ولي الشيخ في آخر عمره، الخطابة ومشيخة الشيوخ شريكا لغيره، وانتهت المشيخة في البلاد الشامية إليه،

_ [1] قلت: الذي ترجح عندي بأن الحافظ ابن كثير قد توقف في «تاريخه» أول الأمر سنة (738 هـ) ، ثم تابع التأريخ إلى سنة (774 هـ) ويشهد لذلك كلام الحافظ ابن حجر في أول كتابه «إنباء الغمر» (1/ 4) حيث يقول: ... وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلا على ذيل التاريخ الحافظ عماد الدّين ابن كثير فإنه انتهى في «تاريخه» إلى هذه السنة. وما كتبه الحافظ السخاوي في أوائل سنة (774) حيث قال: وفي أثناء شعبانها انتهى «تاريخ العماد ابن كثير» وكان حين ضرره وضعفه يملي فيه على ولده عبد الرحمن. ويبدو بأن النسخة التي كانت محفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب من «البداية والنهاية» والتي اعتمدناها كنسخة أولى في تحقيقنا للكتاب مع طائفة من الأساتذة المحققين في طبعته التي ستصدر عن دار ابن كثير هي نسخة نسخت عن النسخة الأولى المشار إليها، ثم نسخ عن النسخة التامة نسخ أخرى، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحافظ السخاوي قد نقل عن «البداية والنهاية» في كتابه «الذيل التام على دول الإسلام» الذي يقوم بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وأقوم بمراجعته، وقد أنجزنا منه المجلد الأول وهو تحت الطبع الآن، ومعلوم بأن كتاب السخاوي يبدأ بحوادث سنة (745 هـ) . وأما ما كتبه ابن حجي، وابن قاضي شهبة من التذييل على «البداية والنهاية» فإنما كان على النسخة الأولى من «البداية والنهاية» المتوقفة عند سنة (738 هـ) وأنهما لم يطلعا على النسخة الأخرى منه التي تممها ابن كثير بنفسه من الكتاب، والله أعلم، وانظر ما كتبه العلّامة الشيخ محمد راغب الطباخ في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (18/ 376) وما كتبه العلّامة الشيخ محمد أحمد دهمان في المجلة المذكورة (20/ 90) وما بعدها حول هذا الموضوع، والله الموفق لكل خير وصواب.

وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة، وخطه مليح، وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه، وكان حسن الشكل، ديّنا، خيّرا، له أوراد من صلاة وصيام، وعنده أدب كثير وحشمة وحسن معاشرة، وعنه أخذت هذا الفنّ، واستفدت منه كثيرا. توفي في المحرم ودفن عند والده على جادة الطّريق. انتهى كلام ابن قاضي شهبة. وفيها أحمد بن علي بن النّقيب المقدسي الحنفي [1] . قال ابن حجر: ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتقدم في فقه الحنفية، وشارك في فنون، وكان يؤم بالمسجد الأقصى. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني الشافعي [2] . قال ابن قاضي شهبة فيه: الشيخ الإمام العالم المفنّن، قاضي القضاة، خطيب الخطباء [3] ، إمام البلغاء، ناصر الشّرع. ولد بقرية النّاصرة من البلاد الصّفدية سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، وله عشر سنين، وحفظ «المنهاج» في مدة يسيرة، ثم «المنهاج» للبيضاوي، و «الألفية» وغير ذلك، وقدم دمشق، وعرض كتبه على جماعة من العلماء، منهم القاضي [4] تاج الدّين السّبكي، والمشايخ: ابن خطيب يبرود، وابن قاضي الزّبداني، وابن قاضي [4] شهبة، وابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهم. وأخذ عنهم، وسمع الحديث من جماعة من المسندين، وقرأ النحو على الشيخ أبي عبد الله المالكي، وغيره، ومهر في ذلك، وكتب الخطّ الحسن، ثم رجع إلى

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «الضوء اللامع» (2/ 46) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 124) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 20) و «الضوء اللامع» (2/ 231) . [3] في «ط» : «خطيب الخطابة» . [4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

صفد، وقد أجيز، وأخذ من طلب العلم أربه، فاشتغل بالعلم، وأفتى، وفاق في النّظم، والنثر، وصحب الفقراء والصّالحين، ثم توجه إلى الدّيار المصرية، واجتمع بالملك الظّاهر فولاه خطابة بالجامع الأموي، فقدم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين، ثم لما قدم السلطان في سنة ثلاث وتسعين ولّاه القضاء في ذي الحجّة، فباشر بعفّة، ومهابة زائدة وتصميم في الأمور، مع نفوذ لحكمه، وكان يكاتب السلطان بما يريد فيرجع الجواب بما يختاره، وانضبطت [1] الأوقاف في أيامه، وحصل للفقهاء معاليم كثيرة، ودرّس الفقه والتفسير في مدارس كثيرة، وولي مشيخة الشيوخ، ثم وقعت له أمور أوجبت تغير خاطر السلطان عليه، منها أنه طلب أن يقرضه من مال الأيتام شيئا فامتنع فعزله بعد ما باشر سنتين ونصفا، وكشف عليه، وعقدت له مجالس وحصل في حقّه تعصب، ولفّقت عليه قضايا باطلة أظهر الله براءته منها ولم يسمع عنه مع كثرة أعدائه أنه ارتشى في حكم من الأحكام، ولا أخذ شيئا من قضاة البر كما فعله من بعده من القضاة، ثم ولي خطابة القدس مدة طويلة ثم خطابة دمشق ومشيخة الشيوخ، ثم ولاه الناصر القضاء في صفر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ولم يمكنه إجراء الأمور على ما كان أولا لتغير الأحوال واختلاف الدول، ثم صرفه الأمير شيخ عند استيلائه على دمشق في جمادى الآخرة من السنة وفي فتنة الناصر، ولي قضاء الدّيار المصرية مدة الحصار، ثم انتقض، وكان خطيبا بليغا له اليد الطولي في النّظم والنّثر، مع السّرعة في ذلك، وكان من أعظم أنصار الحقّ وأعوانه، أعزّ الله تعالى به الدّين، وكفّ به أكفّ المفسدين، وكان ظاهر الدّيانة، وكثير البكاء، وكتب الكثير بخطّه، وجمع أشياء. انتهى باختصار. وقال ابن حجر: اجتمعت به ببيت المقدس والقاهرة، وأنشدني من نظمه، وسمعت عليه، وهو القائل: ولما رأت شيب رأسي بكت ... وقالت عسى غير هذا عسى فقلت البياض لباس الملوك ... وإنّ السّواد لباس الأسى فقالت صدقت ولكنّه ... قليل النّفاق بسوق النّسا

_ [1] في «ط» : «والضبطت» .

وله في العقيدة قصيدة أولها: أثبت صفات العلى وانف الشبيه فقد ... أخطا الذي على ما قد بدا جمدوا وضلّ قوم على التأويل قد عكفوا ... فعطّلوا وطريق الحقّ مقتصد انتهى. وتوفي في أوائل المحرم ودفن بسفح قاسيون بحوش زاوية الشيخ أبي بكر بن داود. وفيها زين الدّين هو زين الدّين أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن يونس العثماني المراغي ثم المصري [1] الشافعي، نزيل المدينة. ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأجاز له أبو العبّاس بن الشّحنة، فكان آخر من حدّث عنه في الدنيا بالإجازة، وأجاز له أيضا المزّي، والبرزالي، والحجّار، وآخرون من دمشق، وحماة وحلب وغيرها، وتفرّد بالرواية عن أكثرهم، وسمع بالقاهرة من جماعة، وخرج له الحافظ ابن حجر أربعين حديثا عن أربعين شيخا، وقرأ على الشيخ تقي الدّين السّبكي شيئا من محفوظاته عرضا قبل أن يلي القضاء ولازم الشيخ جمال الدّين الأسنوي، وولي قضاء المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة، وأخذ عن مغلطاي وغيره من المحدّثين، وشرح المنهاج الفقهي، واختصر «تاريخ المدينة» وحصل للمدينة جهات تقوم بحاله، ولازم الأشغال، والتحديث بالروضة الشريفة إلى أن صار شيخها المشار إليه، ثم عزل عن قضائها فتألم لذلك. وتوفي بالمدينة المنورة في ذي الحجّة. وفيها رضي الدّين أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني بن المستأذن [2] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 128) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 4) و «الضوء اللامع» (11/ 28) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 129) و «الضوء اللامع» (11/ 98) .

قال ابن حجر: حجّ كثيرا، وقدم القاهرة، وتعانى النّظر في الأدب، ومهر في القراءات، وتكلّم على النّاس بجامع عدن، وخطب ولم ينجب، سمعت من نظمه، وسمع مني كثيرا. مات وقد جاوز السبعين. انتهى. وفيها حسام الدّين حسن بن علي بن محمد الأبيوردي [1]- بفتح الهمزة والواو، وسكون التحتية، وكسر الباء، وسكون الراء- نسبة إلى باورد بلدة بخراسان، الشافعي الخطيب، نزيل مكة. أخذ عن السعد التّفتازاني وغيره، وبرع في المعقولات، ودخل اليمن، واجتمع بالناصر ففوض إليه تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنيّة بها، وصنّف «ربيع الجنان في المعاني والبيان» وغير ذلك. وفيها عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل أبوها الصّالحية [2] الحنبلية المذهب المحدّثة محدّثة دمشق. ولدت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وحضرت في أوائل الرابعة من عمرها جميع «صحيح البخاري» على مسند الآفاق الحجّار، وروت عن خلق، وروى عنها الحافظ ابن حجر، وقرأ عليها كتبا عديدة، وكانت في آخر عمرها أسند أهل زمانها، مكثرة سماعا وشيوخا. قاله العليمي [3] في «طبقات الحنابلة» وتوفيت في أحد الربيعين ودفنت بالصالحية. قال ابن حجر: تفرّدت بالسّماع من الحجّار، ومن جماعة، وسمع منها

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 131) و «الضوء اللامع» (7/ 118) . [2] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 132) و «الضوء اللامع» (12/ 81) و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط منه و «أعلام النساء» (3/ 187) . [3] في «آ» و «ط» : «العلموي» وهو خطأ والصواب ما أثبته فإن المؤلف قد نقل عن «المنهج الأحمد» .

الرّحالة فأكثروا، وكانت سهلة في الأسماع، سهلة الجانب، ومن العجائب أن ستّ الوزراء كانت آخر من حدّثت عن ابن الزّبيدي بالسّماع، ثم كانت عائشة آخر من حدّثت عن صاحبه الحجّار بالسّماع وبين وفاتيهما مائة سنة. وفيها عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي البجائي المغربي [1] الأصل والمولد والمنشأ، نزيل مكة. قال ولده قطب الدّين أبو الخير، ولد والدي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ببجاية من بلاد الغرب، ورحل من بلده وعمره ثمان عشرة سنة، وقدم القاهرة، وحجّ سنة أربع وستين، ثم عاد إلى القاهرة، ثم حجّ في سنة سبعين، وقطن بمكة إلى أن مات. وقال الشيخ تقي الدّين الفاسي: قدم ديار مصر في شبيبته، فأخذ بها عن الشيخ [يحيى الرّهوني، وغيره من علمائها، وسكن الجامع الأزهر، ثم انتقل إلى مكة، وأخذ بها عن الشيخ] موسى المرّاكشي وغيره، وسمع بها من المناوي، وسعد الدّين الإسفرائيني، وغيرهما، ودرّس بالحرم الشريف، وأفتى باللفظ تورعا، وكان ذا معرفة بالفقه. قال ابن حجر: تفقه، وأفاد، ودرّس، وأعاد، وأفتى. وتوفي بمكة في شوال ودفن بالمعلاة. وفيها فخر الدّين عثمان بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام البرماوي [2] الشافعي، شيخ قرّاء مدرسة الظّاهر برقوق. قال في «المنهل» : كان إماما بارعا في معرفة القراءات، عالما بالفقه

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133) و «الضوء اللامع» (4/ 230) و «نيل الابتهاج» على هامش «الديباج المذهب» ص (187) و «العقد الثمين» (5/ 472) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 133- 134) و «الضوء اللامع» (5/ 123) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 40) و «الدليل الشافي» (1/ 438) .

والحديث والعربية، تصدّر للإقراء عدة سنين إلى أن توفي فجأة بعد خروجه من الحمّام يوم الاثنين تاسع عشر شعبان. والبرماوي: نسبة إلى برمة بلدة بالغربية من أعمال القاهرة بالوجه البحري وإليها ينسب جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم. انتهى. وفيها فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نفيس الدّاودي التّبريزي الحنفي الطبيب [1] . ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمّه بديع بن نفيس فتميّز في الطب، وقرأ «المختار» في الفقه، وتردّد إلى مجالس العلم، وتعلم الخطّ، وباشر العلاج، وكان بارع الجمال، فانتزعه برقوق وصار من أخص المماليك عنده، واشتهر، وشاع ذكره، واستقر في رئاسة الطب بعد موت عمّه بديع، ثم عالج برقوق فأعجبه، وكان يدري كثيرا من الألسن، ومن الأخبار، فراج عند برقوق، وباشر رئاسة الطب بعفة ونزاهة. قال البقاعي: كان ذا باع طويل في الطبّ، حتّى إنه مرّ يوما في سوق الكتبيين فرأى شخصا ينسخ في كتاب وليس به مرض، فتأمله وقال: هذا يموت اليوم، فكان كذلك. وقال المقريزي: كان له فضائل جمّة غطّاها شحّه حتّى اختلق عليه أعداؤه معايب برأه الله منها، فإني صحبته مدة طويلة تزيد على العشرين [سنة] ، ورافقته سفرا وحضرا، فما علمت عليه إلّا خيرا، بل كان من خير أهل زمانه عقلا، وديانة، وحسن عبارة [2] ، وتأله، ونسك، ومحبة للسّنّة وأهلها، وانقياد إلى الحقّ، وصبر على الأذى، وجودة للحافظة. وكان يعاب بالشّح بماله، فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون إليه، وقد جوزي بذلك فإنه لما نكب في هذه السنة تخلّى عنه كل أحد عن الزيارة، فلم يجد مغنيا ولا معينا، فلا قوة إلّا بالله.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 137) و «الضوء اللامع» (6/ 165) . [2] في «ط» : «وحسن عبادة» .

وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن خليل المصري الغرّاقي [1]- بفتح المهملة، وتشديد الراء، وبعد الألف قاف، نسبة إلى بعض قرى الدّيار المصرية- الشافعي. اشتغل كثيرا، وتمهّر في الفرائض، وأشغل الناس فيها بالجامع الأزهر، وكثرت طلبته، وأمّ بالجامع المذكور نيابة، مع الدّين، والخير، وحسن السّمت، والتواضع، والصّبر على الطلبة. وكان يقسم «التنبيه» و «المنهاج» فيقرن بينهما جميعا في مدة لطيفة، وقد سمع من العزّ بن جماعة بمكّة، وحدّث، وجاور كثيرا، وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر، ويختم كل يوم ختمة. وتوفي في خامس شعبان. وفيها محمد بن عبد الله الحجيني [2] الحنفي، الملقب بالقطعة [3] . قال ابن حجر: كان من أكثر الحنفية معرفة باستحضار الفروع، مع جمود ذهنه، وكان خطّه رديئا إلى الغاية، وكان رثّ الثياب والهيئة، خاملا. مات في رمضان. انتهى. وفيها جمال الدّين محمد بن عمر العوادي [4]- بفتح المهملة وتخفيف الواو- التّعزي [5] الشافعي. اشتغل ببلده، وأشغل الناس كثيرا، واشتهر، وأفتى، ودرّس، ونفع الناس، وكثرت تلامذته، وولي القضاء ببلده فباشر بشهامة، وترك مراعاة لأهل الدولة فتعصبوا عليه، حتّى عزل، وقد أراق في مباشرته الخمور، وأزال المنكرات، وألزم اليهود بتغيير عمائمهم، ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال والنفع للناس إلى أن مات.

_ [1] في «آ» و «ط» : «العراقي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (7/ 139) و «الضوء اللامع» (6/ 307) . [2] في «آ» و «ط» : «الحجبي» والتصحيح من مصدري الترجمة. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 120) . [4] في «آ» و «ط» : «العواري» بالراء والتصحيح من مصدري الترجمة. [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 140) و «الضوء اللامع» (8/ 249 و 269) .

وفيها شهاب الدّين موسى بن أحمد بن موسى الرّمثاوي ثم الدمشقي الشافعي [1] . ولد تقريبا سنة ستين وسبعمائة، واشتغل على الشيخ شرف الدّين الغزّي، ولازمه، وأذن له في الإفتاء، وأخذ الفرائض عن محبّ الدّين المالكي وفضل فيها، وأخذ بمكّة عن ابن ظهيرة، وأخذ طرفا من الطبّ عن الرئيس جمال الدّين، وكتب بخطّه، ومهر، وتعانى الزراعة، ثم تزوج بنت شيخه فماتت معه فورث منها مالا، ثم بذل مالا حتّى ناب في الحكم واستمرّ، ثم ولي قضاء الكرك. قال ابن قاضي شهبة في «تاريخه» : كان سيء السيرة، وفتح أبوابا من الأحكام الباطلة، فاستمرت بعده [2] وكان عنده دهاء، وصاهر الإخنائي، وقد امتحن. ومات بدمشق في ربيع الأول، وقيل: إنه سمّ، والله أعلم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 143) و «الضوء اللامع» (10/ 178) . [2] في «ط» : «بعد» .

سنة سبع عشرة وثمانمائة

سنة سبع عشرة وثمانمائة في سابع شعبانها دخل الفرنج مدينة سبتة من بلاد المغرب وخرّبوها وأخذوا ما كان بها من الأموال والذخائر، حتّى الكتب العلمية، وتركوها قاعا خرابا، ومع ذلك فهي بأيديهم فلا قوة إلّا بالله، وكان أهلها وهم محاصرون أرسلوا قصيدة طنّانة يستجدون فيها أهل الإسلام من أهل مصر وغيرهم [1] مطلعها: حماة الهدى سبقا وإن بعد المدى ... فقد سألتكم نصرها ملّة الهدى فلم تفدهم شيئا، غير أن أجيبوا بقصيدة من نظم ابن حجّة ويا ليتها مثلها. وفيها توفي تقي الدّين أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني العامري- نسبة إلى قرية كفر عامر من قرى- الزّبداني [2] ابن قاضي الزّبداني الشافعي. ولد في ذي الحجّة سنة خمسين وسبعمائة، واشتغل بدمشق، فبرع في الحساب، وشارك في الفقه، وقرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى، وكان قد أسر مع التمرية ثم تخلّص، وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له: علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الدّيكة في أول الليل. قال: وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك، وكان يقرأ في المحراب جيدا، وولي قضاء كفر طاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب، وكان دينا، خيرا، يتعانى المتجر. توفي بدمشق في ذي الحجّة.

_ [1] في «ط» : «وغيرها» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 153) و «الضوء اللامع» (11/ 52) .

وفيها سعد الدّين سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي ثم العيني [1] نزيل حلب. كان فاضلا عاقلا، دينا له مروءة ومكارم أخلاق، وله وقع في النّفوس لخيره ونفعه للطلبة وإحسانه إليهم بعلمه وجاهه. مات في أول شعبان، وخلّف ولده سعد الدّين سعد الله، ولم تطل مدّته بل مات في [2] سنة إحدى وعشرين ولم يتكهّل [3] . وفيها عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم ابن أبي المعالي الشّيباني المكّي [4] . سمع من عثمان بن الصّفي الطّبري، والسّراج الدّمنهوري، وغيرهما، وتفرّد بالرواية عنهم بمكة، وكان خطيبا بجدّة. توفي في ربيع الآخر وقد قارب الثمانين. وفيها جمال الدّين عبد الله بن علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله الكناني العسقلاني الحنبلي، المعروف بالجندي [5] ، سبط أبي الحرم القلانسي. ولد سنة خمسين وسبعمائة، وأحضر على الميدومي، وسمع من الأتقوي، والعرضي، وألبسه الميدومي خرقة التصوف، وحدّث باليسير في آخر عمره، وأحب الرواية، وأكثروا عنه، وكان ذا سمت حسن، وديانة ونادرة حسنة، ويتكلم في مسائل الفقه، وسمع منه ابن حجر جزءا من حديث أبي الشيخ بسماعه على جدّه

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 154) و «الضوء اللامع» (3/ 248) و «الطبقات السنية» (4/ 9) . [2] لفظة «في» سقطت من «ط» . [3] في «ط» و «طبقات السنية» : «يكتهل» وفي «إنباء الغمر» : «يكهل» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 155) و «الضوء اللامع» (5/ 21) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 155) و «الضوء اللامع» (5/ 34) و «المقصد الأرشد» (2/ 47- 48) و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط، و «الجوهر المنضد» ص (76) و «السحب الوابلة» ص (259- 260) .

أبي الحرم القلانسي بسنده، وقرأ عليه أيضا «سباعيات» مونسة خاتون بنت الملك العادل بسماعه على جدّه أيضا عنها سماعا. وتوفي في القاهرة في رجب. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمود المدني الزّرندي [1]- بالزاي، والراء، والنون، نسبة إلى زرند بلد بأصبهان- الحنفي. ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة النبوية، وسمع على العزّ بن جماعة، والصّلاح العلائي، وأجاز له الزّبير الأسواني، وهو آخر من حدّث عنه، وتفقه، وبرع في الفقه وغيره، وولي قضاء الحنفية بالمدينة النبوية نحوا من ثلاث وثلاثين سنة مع حسبتها، وحمدت سيرته لعفّته ودينه، ولم يزل بالمدينة إلى أن توفي بها في ربيع الأول. وفيها الحافظ جمال الدّين أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق بن محمد بن سليمان المخزومي المكي الشافعي [2] . ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا، وعني بالحديث، فرحل فيه إلى دمشق، وحماة، وحلب، والقدس، ومصر، وغيرها، وحصل الأجزاء، ونسخ، وكتب الكثير بخطه الدقيق الحسن، وبرع في الفقه والحديث، وأخذ عن ابن أميلة، وصلاح الدّين بن أبي عمر، وجمع من أصحاب التّقي سليمان، ومن بعدهم، وتفقه بعمه أبي الفضل النّويري، وبالبهاء السّبكي، وبالأذرعي، والبلقيني، ولزم العراقي في الحديث، وانتفع الناس به بمكة، وأشغلهم نحوا من أربعين سنة، وخرّج له غرس الدّين خليل «معجما» عن شيوخه بالسماع والإجازة في مجلدة، وشرح هو قطعة من «الحاوي» وله عدة ضوابط نظما ونثرا، وله أسئلة تدل على باع

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 156) و «الضوء اللامع» (4/ 105) و «التحفة اللطيفة» (2/ 518) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 157) و «الضوء اللامع» (8/ 83) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 67) و «العقد الثمين» (2/ 53) .

واسع في العلم استدعى الجواب عنها من البلقيني فأجابه عنها، وهي معروفة تلقّب بالأسئلة المكّية، وحدّث بكثير من مروياته بالمسجد الحرام، وسمع منه ابن حجر، وقال: وهو أول شيخ سمعت الحديث بقراءته بمصر في [1] سنة ست وثمانين، وولي قضاء مكة، وعزل، وأعيد مرارا، وكان كثيرا العبادة والأوراد، مع السّمت الحسن والسّكون والسّلامة. وتوفي قاضيا بمكة في شهر رمضان. وفيها مجد الدّين أبو الطّاهر محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر الفيروزآبادي. [2] اللّغوي الشافعي العلّامة. قال السخاوي في «الضوء اللّامع» : ولد في ربيع سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون، ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع، وانتقل إلى شيراز، وهو ابن ثمان، وأخذ الأدب واللغة عن والده وغيره من علماء شيراز، وانتقل إلى العراق، فدخل واسط، وأخذ عن الشّرف عبد الله بن بكتاش، وهو قاضي بغداد، ومدرّس النّظامية بها، وولي بها تداريس وتصادير، وكثرت فضائله، وظهرت، وكثر الآخذون عنه، فكان ممن أخذ عنه الصّفدي، والفهّامة ابن عقيل، والجمال الإسنوي، وابن هشام، ثم قدم القاهرة وأخذ عن علمائها، ورجال في البلاد الشرقية والشامية، ودخل الرّوم والهند، ولقي جمعا من الفضلاء، وحمل عنهم شيئا كثيرا تجمعهم [3] مشيخته تخريج الجمال بن موسى المرّاكشي، وفيه أن مروياته [4] الكتب الستة، و «سنن البيهقي» و «مسند أحمد» و «صحيح ابن حبّان» و «مصنّف ابن أبي شيبة» وغير ذلك من [5] مشايخ عديدة، وجمّ غفير، ثم دخل زبيد في

_ [1] لفظة «في» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 159) و «الضوء اللامع» (10/ 79) و «العقد الثمين» (2/ 392- 401) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 79) و «البدر الطالع» (2/ 280) و «بغية الوعاة» ص (117) . [3] في «ط» : «تجمعه» . [4] في «ط» : «مرواياته» . [5] في «ط» : «على» .

رمضان سنة ست وتسعين بعد وفاة قاضي الأقضية باليمن كلّه الجمال الرّيمي شارح «التنبيه» فتلقاه الأشراف إسماعيل وبالغ في إكرامه، وصرف له ألف دينار سوى ألف أخرى أمر صاحب عدن أن يجهّزه بها، واستمر مقيما في كنفه على نشر العلم، وكثر الانتفاع به، وأضيف إليه قضاء اليمن كلّه في ذي الحجّة سنة سبع وتسعين بعد ابن عجيل، فارتفق بالمقام في تهامة، وقصده الطلبة، وقرأ السلطان فمن دونه عليه، واستمرّ بزبيد مدة عشرين سنة، وهي بقية أيام الأشرف ثم ولده الناصر، وكان الأشرف قد تزوّج ابنته لمزيد جمالها، ونال منه رفعة وبرّا بحيث إنه صنّف كتابا وأهداه له على طباق فملأها له دراهم، وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مرارا، وجاور بالمدينة والطائف، وعمل بها مآثر حسنة، وكان يجب الانتساب إلى مكة ويكتب بخطّه الملتجئ إلى حرم الله تعالى، ولم يدخل بلدا إلّا وأكرمه متوليها وبالغ في تعظيمه، مثل شاه منصور ابن شجاع صاحب تبريز، والأشرف صاحب مصر، والسلطان بايزيد خان بن عثمان متولي الرّوم، وابن أويس صاحب بغداد، وتمرلنك، وغيرهم واقتنى كتبا كثيرة، حتى نقل عنه أنه قال: اشتريت بخمسين ألف مثقال كتبا، وكان لا يسافر إلّا وفي صحبته منها أحمال ويخرجها في كل منزل وينظر فيها، لكنه كان كثير التبذير، وإذا أملق باع منها، وإذا أيسر اشترى غيرها، وصنّف كتبا كثيرة، منها «بصائر ذوي التمييز في الطائف الكتاب العزيز» مجلدان، و «تنوير المقباس في تفسير ابن عبّاس» أربع مجلدات، و «تيسير فاتحة الإهاب بتفسير فاتحة الكتاب» مجلد كبير، و «الدرّ النّظيم المشير [1] إلى فضائل [2] القرآن العظيم» و «حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص» و «شرح خطبة الكشّاف» و «شوارق الأسرار العليّة في شرح مشارق الأنوار النّبوية» مجلدان، و «منح [3] الباري بالسّيل [4] الفسيح الجاري في شرح صحيح البخاري» كمّل ربع

_ [1] في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» و «المرشد» وما أثبته من «العقد الثمين» . [2] في «العقد الثمين» : «إلى مقاصد» . [3] في «آ» و «ط» : «فتح» وهو خطأ والتصحيح من «العقد الثمين» و «كشف الظنون» (2/ 1859) . [4] كذا في «آ» و «ط» وفي «العقد الثمين» و «كشف الظنون» : «بالسيح» والسّيح: الماء الجاري. انظر «مختار الصحاح» (سيح) .

العبادات منه، في عشرين مجلدا، و «الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد» ثلاثة مجلدات، و «النّفخة العنبرية في مولد خير البريّة» و «الصّلات والبشر في الصّلاة على خير البشر» و «الوصل والمنى في فضل منى» و «المغانم المطابة في معالم طابة» [1] و «مهيج [2] الغرام إلى البلد الحرام» و «إثارة الحجون [3] لزيارة الحجون» عمله في ليلة، و «أحاسن اللطائف في محاسن الطائف» و «فصل الدّرة من الخرزة في فضل السّلامة على الخبزة» و «روضة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر [4] » و «المرقاة الوفية في طبقات الحنفية» و «البلغة في ترجمة أئمة النّحاة واللغة [5] » و «الفضل الوفي في العدل الأشرفي» و «نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان» مجلد، و «تعيين الغرفات للمعين على عين عرفات» و «منية السّول في دعوات الرّسول» و «التجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح» و «تسهيل طريق الوصول إلى» الأحاديث الزائدة على جامع الأصول» و «الأحاديث الضعيفة» [6] و «الدّر الغالي في الأحاديث العوالي» و «سفر السّعادة» و «المتفق وضعا المختلف صقعا» ، و «اللّامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب» قدّر تمامه في مائة مجلد يقرب كل مجلد منه «صحاح الجوهري» كمل منه خمس مجلدات، و «القاموس المحيط» [7] و «القابوس الوسيط» و «مقصود ذوي الألباب في علم الإعراب» مجلد، و «تحبير

_ [1] حققه علّامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر حفظه الله، ونشرته دار اليمامة في الرياض سنة (1389 هـ-) [2] في «آ» و «ط» : «وتهييج» والتصحيح من «العقد الثمين» و «الضوء اللامع» و «كشف الظنون» (2/ 1916) . [3] في «آ» و «ط» : «وإثارة الشجون» والتصحيح من «العقد الثمين» و «الضوء اللامع» والحجون: الكسلان. انظر «القاموس المحيط» (حجن) . [4] يعني الجيلاني. [5] حققه الأستاذ محمد المصري نفع الله به ونشرته وزارة الثقافة بدمشق سنة (1392 هـ-) ، ثم أعيد طبعه في الكويت سنة (1407) هـ- في جمعية إحياء التراث الإسلامي. [6] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : وهو في مجلدات. [7] نشر عدة مرات في مصر ولبنان وغيرها آخرها الطبعة الصادرة في مجلد واحد كبير عن مؤسسة الرسالة ببيروت، وهي طبعة جيدة متقنة، جزى الله تعالى ناشرها ومن قام عليها خير الجزاء. وانظر مقالة صديقنا الدكتور يحيى مير علم التقيمية لهذه الطبعة في «المجلة المعجمية» التونسية، العدد الرابع، ص (153- 177) لعام (1408) هـ فهي مفيدة.

الموشّين فيما يقال بالسين والشين» تتبع [1] فيه أوهام «المجمل» لابن فارس في ألف موضع، و «المثلث الكبير» في خمس مجلدات، و «الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف» [2] و «تحفة القماعيل فيمن تسمى من الناس والملائكة بإسماعيل» و «أسماء السراح في أسماء النكاح» و «الجليس الأنيس في أسماء الخندريس [3] » مجلد، و «أنواء الغيث في أسماء اللّيث» [4] و «ترقيق الأسل في تصفيق [5] العسل» كرّاسين، و «زاد المعاد في وزن بانت سعاد [6] » وشرحه في مجلد، و «النّخب الظرائف في النّكت الشّرائف» وغير ذلك من مختصر ومطول. وقال الخزرجي في «تاريخ اليمن» : إنه لم يزل في ازدياد من علو الجاه، والمكان، ونفوذ الشّفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار، ورام في عام تسع وتسعين الوصول إلى مكة شرّفها الله تعالى، فكتب إلى السلطان ما مثاله ومما ينهيه إلى المعلوم الشريف: ضعف العبد، ورقّة جسمه، ودقّة بنيته، وعلو سنّه، وآل أمره إلى أن صار كالمسافر الذي تحزّم وانتقل إذ وهن العظم، والرأس اشتعل، وتضعضع السنّ، وتقعقع الشنّ، فما هو إلا عظام في جراب، وبنيان قد أشرف على الخراب، وقد ناهز العشر التي تسميها العرب دقّاقة الرّقاب، وقد مرّ على المسامع الشريفة غير مرّة في «صحيح البخاري» ، في [7] قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ المرء ستّين سنة فقد أعذر الله إليه» [8] فكيف من نيّف على السبعين وأشرف على الثمانين، ولا

_ [1] في «آ» و «ط» : «وتبع» والتصحيح من «الضوء اللامع» مصدر المؤلف. [2] أسقط المؤلف ابن العماد اسمي كتابين من كتب الفيروزآبادي أثناء نقله عن «الضوء اللامع» هما: «الدّرر المثبتة في الغرر المثلثة» و «بلاغ المتقين في غرائب اللعين» وفي «العقد الثمين» سمّاه: «بلاغ التلغين في غرائب الملغين» . [3] الخندريس: الخمر القديمة (يونانية) . انظر «المنجد في اللغة» (خند) . [4] أسقط المؤلف ابن العماد اسم مؤلّف ابن العماد اسم مؤلّف آخر بعده أثناء نقله عن «الضوء اللامع» هو «أسماء الحمد» . [5] في «آ» و «ط» : «في تضعيف» والتصحيح من «الضوء اللامع» وانظر «كشف الظنون» (1/ 401) . [6] وقبله في «الضوء اللامع» من مؤلّفاته: «مزاد المزاد» . [7] في «ط» : «من» . [8] رواه البخاري في «صحيحه» رقم (6056) في الرقاق: باب من بلغ ستين سنة، فقد أعذر الله إليه

يجمل بالمؤمن أن يمضي عليه أربع سنين ولا يتجدد له شوق إلى ربّ العالمين وزيارة سيّد المرسلين [1] وقد ثبت في الحديث النبوي ذلك [2] والعبد له ست سنين عن تلك المسالك، وقد غلب عليه الشوق حتّى فاق عمرو بن طوق، ومن أقصى أمنيته أن يجدّد العهد بتلك المعاهد، ويفوز مرة أخرى تلك المشاهد، وسؤاله من المراحم العلية الصّدقة عليه بتجهيزه في هذا العام قبل اشتداد الحرّ وغلبة الأوام، فإن الفصل أطيب، والرّيح أزيب، وأيضا كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفا أنهم كانوا يبردون البريد لتبليغ سلامهم لحضرة [3] سيّد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، فاجعلني- جعلني الله فداك- ذلك البريد، فلا أتمنى شيئا سواه ولا أريد: شوقي إلى الكعبة الغرّاء قد زادا ... فاستحمل القلص الوخّادة الزّادا واستأذن الملك المنعام زيد على ... واستودع الله أصحابا وأولادا فلما وصل كتابه إلى السلطان كتب على طرّته ما مثاله: إن هذا الشيء ما ينطق به لساني ولا يجري به قلمي، فقد كانت بلاد [4] اليمن عمياء، فاستنارت، فكيف يمكن أن نتقدم وأنت أعلم أن الله قد أحيا بك ما كان ميّتا من العلم، فبالله عليك إلا ما وهبتنا بقية هذا العمر، والله يا مجد الدّين يمينا بارّة إني أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك، أنت اليمن وأهله.

_ في العمر، بلفظ «أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [1] أقول: الأولى أن يقال: وزيارة مسجد سيد المرسلين (ع) . [2] ذكره عبد الرزاق في «مصنفه» رقم (8826) في باب فضل الحج بلفظ «أربعة أعوام» وهو حديث قدسي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد رواه ابن حبّان في «صحيحه» رقم (3703) في الحج، باب فضل الحج والعمرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ المحروم» وهو حديث صحيح، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 206) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في «الأوسط» ورجاله رجال الصحيح. [3] في «ط» : «إلى حضرة» . [4] لفظة «بلاد» سقطت من «آ» .

وقال الفاسي [1] : وله شعر كثير، ونثر أعلى [2] ، وكان كثير الاستحضار لمستحسنات [من] الشعر والحكايات، وله خطّ جيّد مع السرعة. وكان كثير [3] الحفظ، حتى قال: ما كنت أنام حتّى أحفظ مائتي سطر. وكانت له دار بمكّة على الصّفا عملها مدرسة للأشرف صاحب اليمن، وقرّر بها مدرسين وطلبة، وفعل بالمدينة كذلك، وله بمنى دور، وبالطائف بستان، وقد سارت الرّكبان بتصانيفه، سيما «القاموس» فإنه أعطي قبولا كثيرا. قال الأديب المفلق نور الدّين علي بن محمد العفيف المكّي الشافعي [4] لما قرأ عليه «القاموس» : مذ مدّ مجد الدّين في أيامه ... من فيض بحر علومه القاموسا ذهبت صحاح الجوهريّ كأنّها ... سحر المدائن حين ألقى موسى ومن شعره هو: أحبّتنا الأماجد إن رحلتم ... ولم ترعوا لنا عهدا وإلّا نودّعكم ونودعكم قلوبا ... لعلّ الله يجمعنا وإلّا وقال المقري في كتاب «زهر الرّياض» [5] في أخبار عياض» : قلت: ومن أغرب ما منح الله به المجد مؤلّف «القاموس» أنه قرأ بدمشق بين باب النصر والفرج تجاه نعل النّبي [6] صلى الله عليه وسلم على ناصر الدّين أبي عبد الله محمد بن جهبل «صحيح مسلم» في ثلاثة أيام، وتبجّج بذلك فقال:

_ [1] انظر «العقد الثمين» (2/ 397- 400) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار. [2] جملة «ونثر أعلى» لم ترد في «العقد الثمين» الذي بين يدي ولفظة «من» التي بين الحاصرتين مستدركة منه. [3] في «العقد الثمين» : «وكان سريع» . [4] في «ط» : «نور الدّين بن العفيف المكّي الشافعي» وما جاء في «آ» هو الصواب، وهو مترجم في «الضوء اللامع» (5/ 279) و «السحب الوابلة» ص (303- 304) . [5] كذا في «آ» و «ط» : «زهر الرياض» وهو خطأ والصواب: «أزهار الرياض» . انظر «كشف الظنون» (1/ 72) . [6] أقول: نعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليس بدمشق، ولا أثره، والتبرّك بذلك المكان خلاف السّنّة (ع) .

قرأت بحمد الله جامع مسلم ... بجوف دمشق الشّام جوف الإسلام على ناصر الدّين الإمام بن جهبل ... بحضرة حفّاظ مشاهير أعلام وتمّ بتوفيق الإله وفضله ... قراءة ضبط في ثلاثة أيام فسبحان المانح الذي يؤتي فضله من يشاء، وكان يرجو وفاته بمكّة فما قدّر له ذلك، بل توفي بزبيد ليلة العشري من شوال، وهو متمتّع بحواسه، وقد ناهز التسعين. وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم في المنهل الصّافي- صدر الدّين أبو الحسن علي بن محمد قاضي القضاة الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الأدمي [1] . ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم، وطلب العلم، حتّى تفقه وبرع، وشارك في عدة فنون، ومهر في الأدب، وقال الشعر الفائق الرائق، وولي كتابة سرّ دمشق، ثم عزل، وولي قضاءها، وكان خصيصا بالأمير شيخ المحمودي نائب دمشق، وامتحن من أجله، فلما تسلطن شيخ المذكور عرف له ذلك، وولّاه قضاء قضاة الحنفية بالدّيار المصرية فلم تطل مدته، بل باشر أقل من سنة. ومن شعره: يا متّهمي بالسّقم كن مسعفي ... ولا تطل رفضي فإني عليل أنت خليلي فبحقّ الهوى [2] ... كن لشجوني راحما يا خليل ومنه: قد نمّق العاذل يا منيتي ... كلامه بالزّور عند الملام

_ [1] ترجمته في «المنهل الصافي» (1/ 481) و «النجوم الزاهرة» (14/ 143) و «الضوء اللامع» (6/ 8- 9) . [2] أقول: لا يحلف بحق الهوى ولا بغيره، بل بالله تعالى فقط. (ع) .

وما درى جهلا بأنّي فتى ... لم يرع سمعي عاجلا فيك لام ومنه قصيدته الرائية المشهورة [1] التي مطلعها [1] : عدمت غداة البين قلبي وناظري ... فيا مقلتي حاكي السّحاب وناظري وتوفي ليلة السبت ثامن شهر رمضان.

_ [1، 1] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .

سنة ثمان عشرة وثمانمائة

سنة ثمان عشرة وثمانمائة فيها كان بمصر طاعون وغلاء عظيمان. وفي أولها كانت كائنة الشيخ سليم- بفتح السين- وذلك أنه كان بالجيزة بالجانب الغربي من النّيل كنيسة للنصاري، فقيل إنهم جدّدوا فيها شيئا كثيرا، فتوجه الشيخ سليم من الجامع الأزهر ومعه جماعة فهدموها، فاستعان النصارى بأهل الدّيوان من القبط، فسعوا عند السلطان بأن هذا الشيخ افتأت على المملكة وفعل ما أراد بيده بغير حكم حاكم، فاستدعى بالمذكور فأهين، فاشتدّ ألم المسلمين لذلك، ثم توصّل النصارى ببعض قضاة السوء إلى أن أذن لهم في إعادة ما تهدّم، فجر ذلك إلى أن شيّدوا ما شاءوا بعلّة إعادة المنهدم [1] الأول، فلله الأمر [2] . وفيها كانت كائنة شمس الدّين ابن عطاء الله الرّازي، المعروف بالهروي [3] الذي شاع عنه أنه يحفظ اثني عشر ألف حديث، وأنه يحفظ «صحيح مسلم» بأسانيده، ويحفظ متون البخاري، فجرت مناظرة بينه وبين ابن حجر بحضرة الملك المؤيد، وظهر زيفه [4] ومن جملتها أنه سأله أن يزيد على السبعة الذين يظلهم الله في ظله، فعجز فزاد ابن حجر سبعة أخرى بأحاديث حسان، وأربعة عشر بأحاديث ضعاف، وذكر ذلك في «إنباء الغمر» [5] فراجعه.

_ [1] في «ط» : «المتهدم» . [2] انظر الخبر في «إنباء الغمر» (7/ 191- 192) . [3] سترد ترجمته في وفيات سنة (829 هـ-) . [4] في «آ» : «زيغه» . [5] انظر «إنباء الغمر» (7/ 171) .

قلت: أوصلهم بعضهم إلى تسع وثمانين، وممن أوصلهم إلى هذا المقدار العلّامة ابن علّان المكّي المدرك في كتابه «شرح رياض الصالحين» [1] للنووي. وفيها توفي أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الشّاغوري الدمشقي الشافعي [2] . ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وعرض على ابن جملة [3] وطبقته، وأخذ عن العماد الحسباني وذويه، ثم فتر عن الطلب، واعتذر بأنه لم يحصل له نيّة خالصة، وكان ذا أوراد، من تلاوة، وقيام، وقناعة، واقتصاد في الحال، وفراغ عن الرئاسة مع سلامة الباطن. توفي في صفر. وفيها خلف بن أبي بكر النّحريري المالكي [4] . أخذ عن الشيخ خليل في شرح ابن الحاجب، وبرع في الفقه، وناب في الحكم، وأفتى ودرّس، ثم توجه إلى المدينة المنورة، فجاور بها معتنيا بالتدريس، والإفادة، والانجماع، والعبادة، إلى أن مات بها في صفر عن ستين سنة. وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي عبد الله الدّمشقي الفرخاوي [5]- نسبة إلى فرخا، بفاء وخاء معجمة مفتوحتين، بينهما راء ساكنة، قرية من عمل نابلس-، قال ابن حجر: عني بالفقه، والعربية، والحديث، ودرّس وأفاد، وكان قد أخذ عن العنّابي، فمهر في النحو، وكان يعتني ب «صحيح مسلم» ويكتب منه نسخا، وقد سمع من جماعة من شيوخنا بدمشق. ومات في عمل الرّملة.

_ [1] قلت: واسم كتابه «دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» وهو مطبوع متداول. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 195) و «الضوء اللامع» (2/ 331) . [3] تقدمت ترجمته في المجلد الثامن ص (347) ضمن وفيات سنة (764) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 196) و «التحفة اللطيفة» (2/ 19) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 199) و «الضوء اللامع» (5/ 69) .

وفيها موفق الدّين علي بن أحمد بن علي بن سالم الزّبيدي الشافعي [1] . أصله من مكّة. ولد بها سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وعني بالعلم، فبرع في الفقه والعربية، ورحل إلى مصر والشام، وأخذ عن جماعة، ثم رجع إلى مكّة، وتحوّل إلى زبيد فمات بها في ذي القعدة. وفيها أبو الحسن علاء الدّين بن محمد بن العفيف النّابلسي الحنبلي [2] . ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وولي قضاء نابلس. قال العليمي في «طبقاته» : كان من أئمة الحديث، وهو من مشايخ شيخنا شيخ الإسلام [3] تقي الدّين [3] القرقشندي. وتوفي بنابلس. انتهى. وفيها عزّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي الحنفي الصّالحي، المعروف بابن خضر [4] . ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، واشتغل، ومهر، وأذن له في الإفتاء، وناب في الحكم، وصار المنظور إليه في أهل مذهبه بالشام. وتوفي في شوال. وفيها شمس الدّين محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف التركماني الأصل التّبّاني- بالمثناة الفوقية وتشديد الموحدة نسبة إلى بيع التبن- الحنفي [5] . ولد في حدود السبعين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، ومهر في العربية والمعانيّ، وأفاد ودرّس، ثم اتصل بالملك المؤيد، وهو حينئذ نائب الشام، فقرّره

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 200) و «الضوء اللامع» (5/ 183) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» و «المنهج الأحمد» الورقة (481) من القسم المخطوط منه. [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 201) و «الضوء اللامع» (7/ 60- 61) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 201) و «الضوء اللامع» (7/ 213) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 568) .

في نظر الجامع الأموي وفي عدة وظائف، وباشر مباشرة غير مرضية، ثم ظفر به النّاصر فأهانه وصادره، فباع ثيابه واستعطى باليد [1] وأحضره [2] إلى القاهرة، ثم أفرج عنه، فلما قدم المؤيد القاهرة عظم قدره، ونزل له القاضي جلال الدّين البلقيني عن درس التفسير بالجمالية، واستقرّ في قضاء العسكر، ثم رحل مع السلطان في سفرته إلى نوروز، فاستقرّ قاضي الحنفية بالشام فباشره مباشرة لا بأس بها، ولم يكن يتعاطى شيئا من الأحكام بنفسه بل له نوّاب يفصلون القضايا بالنّوبة على بابه. وتوفي بدمشق في تاسع عشري رمضان. وفيها نجم بن عبد الله القابوني [3] أحد الفقراء الصّالحين. انقطع بالقابون ظاهر دمشق مدة، وكان صحب جماعة من الصالحين، وكان ذا اجتهاد وعبادة، وتحكى عنه كرامة، وللناس فيه اعتقاد. وتوفي في صفر.

_ [1] في «ط» : «بالسيد» وهو خطأ. [2] في «ط» : «فأحضره» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 203) و «الضوء اللامع» (10/ 197) .

سنة تسع عشرة وثمانمائة

سنة تسع عشرة وثمانمائة استهلت والغلاء والطّاعون باقيين زائدين بمصر وطرابلس، حتى قيل مات بطرابلس في عشرة أيام عشرة آلاف نفس، وتواتر انتشار الطّاعون في البلاد، حتّى قيل إن أهل أصبهان لم يبق منهم إلّا النّادر، وأن أهل فاس أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكانوا ستة وثلاثين ألفا، حتى كادت البلدان تخلو من أهلها [1] . وفيها أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدّعاء له في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان، فصنع ذلك واستمرّ. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن قاضي المالكية بمكّة تقي الدّين علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن السيد الشريف الحسني الفاسي [2] محتدا المكي مولدا ومنشأ ووفاة، المالكي مذهبا، والد الحافظ المؤرخ تقي الدّين الفاسي. قال ولده المذكور في «تاريخه» : ولد والدي في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمكّة، وسمع بها على قاضيها شهاب الدّين الطّبري تساعيّات جدّه الرّضي الطّبري، وتفرّد بها عنه، وعلى الشيخ خليل المالكي «صحيح مسلم» خلا المجلد الرابع من تجزئة أربعة، وسمعه بكماله على

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 206) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 229) و «الضوء اللامع» (2/ 35) و «العقد الثمين» (3/ 109) و «نيل الابتهاج» ص (76) على هامش «الدّيباج المذهب» .

الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي، وعلى القاضي عزّ الدّين بن جماعة «الأربعين التساعية» له، ومنسكه الكبير، وغير ذلك، وعلى القاضي موفق الدّين الحنبلي قاضي الحنابلة بمصر، وسمع بالقاهرة من قاضيها أبي البقاء السّبكي «صحيح البخاري» ومن غيره، وسمع بحلب، وأجاز له جماعة من أصحاب ابن البخاري وطبقته وغيرهم، وحفظ كتبا علمية في صغره، واشتغل في الفقه، والمعاني، والبيان، والعربية، والأدب، وغير ذلك، وكان ذا فضل ومعرفة تامّة بالأحكام والوثائق، وله نظم كثير ونثر، ويقع له في ذلك أشياء حسنة، إلى أن قال: وتوفي بأثر صلاة الصبح من يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال بمكّة ودفن بالمعلاة. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الحوراني [1] ثم الدمشقي الشافعي [2] . ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وقدم دمشق من بلده، وقرأ القرآن، ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدّين الزّهري، واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدّين ولازمه كثيرا، وحضر عند مشايخ العصر، إلى أن تنبّه، وفضل، ومهر، واشتهر بالفضل، وناب في الحكم بدمشق، وأفتى ودرّس، ولازم الجامع للاشغال [3] ، وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتاوى، وكان يكتب عليها كتابة حسنة، ودرّس في آخر عمره بالعذراوية، وكان عاقلا، ذكيا، يتكلم في العلم بتؤدة وسكون، وعنده إنصاف، وله محاضرة حسنة، ونظم رائق، منه قوله: وا خجلتي وفضيحتي في موقف ... صعب المسالك والخلائق تعرض وتوقّعي لمهدّد لي قائل ... أصحيفة سودا وشعرك أبيض

_ [1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «الحوراني» ، وفي «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة و «الدارس في تاريخ المدارس» : «الحوّاري» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 230) و «الضوء اللامع» (2/ 210) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 18- 19) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 320) . [3] في «آ» : «للاشتغال» .

وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، ووهم من أرخه سنة تسع [1] . وفيها ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشي المخزومي المكّي [2] . ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع بمكّة من العزّ بن جماعة وغيره، وأجاز له من شيوخ مصر الجزائري، وأبو الحرم القابسي، وجماعة، وروى عن القلانسي «جزء الغطريف» بسماعه له من ابن خطيب المزّة، وأخذ عنه حافظ العصر ابن حجر «جزء الغطريف» لغرابة اسمه. وتوفي بمكّة ليلة الخميس العاشر من صفر [3] . وفيها عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي [4] . قال ابن حجر: من بيت كبير، ولد في ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي بن بقاء الملقّن، وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي وغيرهما، وحدّث، ومات بالصّالحية. انتهى. وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدّكّالي [5] بفتح الدال المهملة، والكاف المشددة، وباللام نسبة إلى دكّالة بلد بالمغرب [6]- ثم المصري الشافعي ابن النقّاش. قال ابن حجر: ولد في [7] رابع عشر ذي الحجّة سنة سبع وأربعين وسبعمائة

_ [1] يعني سنة (809) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 231) و «العقد الثمين» (5/ 77- 78) و «الضوء اللامع» (4/ 15) . [3] في «ط» : «عاشر صفر» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 232) و «الضوء اللامع» (4/ 82) و «السحب الوابلة» ص (205) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 232) و «الضوء اللامع» (4/ 140) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 31- 32) . [6] انظر «معجم البلدان» (2/ 459) . [7] لفظة «في» سقطت من «ط» .

بالقاهرة، واشتغل بالعلم، ودرّس بعد وفاة أبيه وله بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي، والقلانسي وغيرهما، واشتهر بصدق اللهجة، وجودة الرأي، وحسن التذكير، والأمر بالمعروف، مع الصّرامة والصّدع بالوعظ في خطبه وقصصه، وصارت له وجاهة عند الخاصة والعامة، وانتزع خطابة جامع ابن طولون من ابن بهاء الدّين السّبكي، فاستمرت بيده، وكان مقتصدا في ملبسه مفضالا على المساكين، كثير الإقامة في منزله مقبلا على شأنه، عارفا بأمر دينه ودنياه، يتكسب من الزراعة وغيرها، ويبرّ أصحابه مع المحبة التّامة في الحديث وأهله، وله حكايات مع أهل الظّلم، وامتحن مرارا، ولكن ينجو سريعا بعون الله، وقد حجّ مرارا وجاور، وكانت بيننا مودة تامة. مات ليلة الحادي عشر من ذي الحجّة ودفن عند باب القرافة، وكان الجمع في جنازته حافلا جدا، فرحمه الله تعالى. انتهى. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي [1] . حفظ «التنبيه» في صباه، وقرأ على الشّرف بن الشّريشي، ثم تعانى عمل المواعيد فنفق سوقه فيها، واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة، وصار على ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير، وكان رائجا عند العامة مع الدّيانة وكثرة التّلاوة، وكان ولي قضاء بعلبك، ثم طرابلس، ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق، وقدم مصر وجرت له محنة مع القاضي جلال الدّين البلقيني، ثم رضي عنه وألبسة ثوبا من ملابسه، واعتذر إليه ورجع إلى بلده، وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه، ومع ذلك لا يسأل عن شيء إلّا بادر بالجواب، ولم يزل بينه وبين الفقهاء منافرات. قال ابن حجر: ويقال: إنه يرى حلّ المتعة على طريقة ابن القيم وذويه. ومات مطعونا في ربيع الآخر وهو في عشر السبعين.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 233) و «الضوء اللامع» (4/ 110) .

وفيها أمين الدّين عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الحنفي الطّرابلسي [1] . نزيل القاهرة القاضي ابن القاضي. ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة، واشتغل في حياة أبيه، وولي القضاء استقلالا بعد موت الملطي فباشره بعفّة ومهابة، وكان مشكور السيرة إلا أنه كان كثير التعصب لمذهبه مع إظهار محبته [2] للآثار عار من أكثر الفنون إلّا استحضار شيء يسير من الفقه. توفي بالطّاعون في خامس عشري ربيع الأول. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عيسى الفهري البسطي [3] . اشتغل ببلاده، ثم حجّ، ودخل الشام، ونزل بحلب على قاضيها الجمال النّحريري، واقرأ بحلب «التسهيل» وعمل المواعيد، وكان يذكر في المجلس بنحو سبعمائة سطر يرتّبها أولا ثم يلقيها ويطرّزها بفوائد ومجانسات، ثم رحل إلى الرّوم، وعظم قدره ببرصا [4] ، وكان فاضلا ذكيا أديبا يعمل المواعيد بالجامع، ثم دخل الرّوم فسكنها، وحصل له ثروة، ثم دخل القرم، وكثر ماله، واستمر هناك إلى أن مات. وفيها شمس الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر الحسيني الدمشقي [5] الشافعي المحدّث الشهير. مات أبوه سنة خمس وستين وسبعمائة وهو صغير، فحفظ القرآن و «التنبيه» ، وقرأ على ابن السلّار، وابن اللّبان، ومهر في ذلك، حتّى صار شيخ الإقراء بالقرمية، وكتب الخطّ المنسوب، وجلس مع الشهود مدة، ووقّع، وكان عين البلد

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 235) و «الضوء اللامع» (5/ 106) . [2] في «آ» : «محبة» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 236) و «الضوء اللامع» (5/ 273) . [4] التي تعرف الآن ب (بورصة) وهي في الشمال الغربي لتركيا المعاصرة. [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 237) و «الضوء اللامع» (5/ 32) .

في ذلك، وكان مشكورا في ذلك، وولي نقابة الأشراف مدة يسيرة، وولي نظر الأوصياء أيضا، ومات في شوال. وفيها جلال الدّين غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الخشبي- بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة- المدني الحنفي [1] . ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسمع من ابن أميلة وغيره بدمشق، وسمع منه ابن حجر، وكان نبيها في العلم، ثم خمل، وانقطع بالقاهرة، وتوفي بالطّاعون. وفيها محمد بن أحمد بن أبي البيريّ ابن الحدّاد الشافعي [2] . أخذ عن أبي جعفر، وأبي عبد الله الأندلسيّين، وتمهّر في العربية، وحفظ «المنهاج» وكان يستحضر أشياء حسنة، وحدّث عن شرف الدّين ابن قاضي الجبل وغيره، وتوفي بالبيرة [3] . وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التّونسي المالكي المعروف بالوانّوغيّ [4]- بتشديد النون المضمومة، وسكون الواو، بعدها معجمة-. قال السيوطي: ولد بتونس سنة تسع وخمسين وسبعمائة، ونشأ بها، وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العبّاس البواني خاتمة أصحاب ابن الزّبير بالإجازة، وسمع أيضا من ابن عرفة، وأخذ عنه الفقه، والتفسير، والأصلين، والمنطق، وعن الولي بن خلدون الحساب، والهندسة، والأصلين، والمنطق، والنحو عن أبي العبّاس البصّار، وكان شديد الذكاء، سريع الفهم، حسن الأداء للتدريس والفتوى، وإذا رأى شيئا وعاه وقرّره وإن لم يعتن به، وله تآليف على

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 238) و «الضوء اللامع» (6/ 159) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 238) و «الضوء اللامع» (7/ 197) . [3] في «ط» : «في البيرة» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 239) و «الضوء اللامع» (7/ 3) و «العقد الثمين» (1/ 308) و «بغية الوعاة» (1/ 31- 32) .

قاعدة ابن عبد السّلام، وعشرون سؤالا في فنون من العلم تشهد بفضله بعث بها إلى القاضي جلال الدّين البلقيني، وقد وقفت على الأسئلة وجوابها ولم أقف على الردّ، وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء ومراعاة السائلين في الإفتاء، وأجاز لغير واحد من شيوخنا المكيين [1] . ومات بمكة المشرّفة سحر يوم الجمعة تاشع عشري [2] ربيع الآخر. وفيها محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي [3] . ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، واشتغل، وحفظ «المنهاج الفقهي» و «المحرّر» لابن عبد الهادي، وغيرهما، وأخذ عن الزّهري، والشّريشي، والصّرخدي، وغيرهم، ولازم الملكاوي، ومهر في الفقه والحديث، وجلس للاشتغال [4] بالجامع والنّفع إلى الطلبة، وكان قليل الغيبة والحسد، بل حلف أنه ما حسد أحدا. توفي مطعونا في ربيع الآخر. وفيها عزّ الدّين محمد بن شرف الدّين أبي بكر بن عزّ الدّين عبد العزيز بن بدر الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الشافعي [5] . ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمدينة ينبع. قال السيوطي في ترجمته العلّامة المفنّن، المتكلّم الجدلي النّظّار النّحوي

_ [1] في «ط» : «المكين» وهو خطأ. [2] في «بغية الوعاة» : «تاسع عشر» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 240) و «الضوء اللامع» (7/ 148) . [4] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «للاشتغال» وفي «آ» : «للاشتغال» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 240) و «الضوء اللامع» (7/ 171- 174) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 60) و «بغية الوعاة» (1/ 63- 66) .

اللّغوي البياني الخلافي، أستاذ الزّمان، وفخر الأوان، الجامع لأشتات جميع العلوم. وقال ابن حجر: سمع من القلانسي، والعرضي، وغيرهما، وحفظ القرآن في شهر واحد كل يوم حزبين، واشتغل بالعلوم على كبر، وأخذ عن السّراج الهندي، والضّياء القرمي، والمحبّ ناظر الجيش، والرّكن القرمي، والعلاء السّيرامي، وجار الله، والخطابي، وابن خلدون، والحلاوي، والتاج السّبكي وأخيه البهاء، والسراج البلقيني، والعلاء بن صفير الطبيب، وغيرهم، وأتقن العلوم، وصار بحيث يقضى له في كل فنّ بالجميع، حتى صار المشار إليه بالدّيار المصرية في الفنون العقلية، والمفاخر به علماء العجم في كل فنّ، والمعوّل عليه، وأقرأ، وتخرّج به طبقات من الخلق، وكان أعجوبة زمانه في التقرير، وليس له في التأليف حظ، مع كثرة مؤلفاته حتى التي [1] جاوزت الألف، فإن له على كل كتاب أقرأه التأليف والتأليفين والثلاثة وأكثر، ما بين شرح مطول ومتوسط ومختصر، وحواش ونكت، إلى غير ذلك، وكان قد سمع الحديث على جدّه، والبايني، والقلانسي، وغيرهم، وأجاز له أهل عصره مصرا وشاما، وكان ينظم شعرا عجيبا غالبه بلا وزن، وكان منجمعا عن بني الدّنيا، تاركا للتعرض للمناسب، بارّا بأصحابه، مبالغا في إكرامهم، يأتي مواضع النّزه، ويحضر حلق المنافقين [2] وغيرهم، ويمشي بين العوام، ولم يحجّ، ولم يتزوج، وكان لا يحدّث إلّا متوضئا ولا يترك أحدا يستغيب عنده مع محبته المزاح والمفاكهة واستحسان النادرة، وكان يعرف علوما عديدة، منها الفقه، والتفسير، والحديث، والأصلين [3] ، والجدل، والخلاف، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، والهيئة، والحكمة، والزّيج، والطبّ، والفروسية، والرّمح، والنّشاب، والدّبوس، والثقاف، والرّمل، وصناعة النفط، والكيمياء، وفنون أخر. وعنه أنه قال: أعرف ثلاثين علما لا يعرف أهل عصري أسماءها.

_ [1] في «ط» : «حتى» . [2] تصفحت في «ط» إلى «المنافقين» . [3] في «ط» : «والأصلان» .

وقال في رسالته «ضوء الشمس» : سبب ما فتح به عليّ من العلوم منام رأيته. وقال السيوطي: وقد علّقت أسماء مصنّفاته في نحو كرّاسين، ومن عيونها في الأصول «شرح جمع الجوامع مع [1] نكت عليه» و «ثلاث نكت على مختصر ابن الحاجب» و «حاشية على شرح البيضاوي للإسنوي» و «حاشية على المغني» و «ثلاثة شروح على القواعد الكبرى» و «ثلاث نكت عليها» و «ثلاث شروح على القواعد الصّغرى» و «ثلاث نكت عليها» و «إعانة الإنسان على أحكام اللّسان» و «حاشية على الألفية» و «حاشية على شرح الشافية للجار بردي» وغير ذلك. وأخذ عنه جمع، منهم: الكمال بن الهمام، وابن قزيل، والمشس القاياتي، والمحبّ بن الأقصرائي، وابن حجر، وقال: لازمته من سنة تسعين [2] إلى أن مات، وكنت لا أسميه في غيبته إلّا إمام الأئمة، وقد أقبل في الأخير على النظر في كتب الحديث، وكان ينهى أصحابه عن دخول الحمّام أيّام الطّاعون، فقدّر أن الطّاعون ارتفع أو كاد، فدخل هو الحمّام وخرج فطعن عن قرب، ومات. وقال العلّامة البقاعي: حدّثني الشيخ محبّ الدّين الأقصرائي- وكان ممن لازم الشيخ عزّ الدّين- أنه رأى رجلا تكروريا اسمه الشيخ عثمان ما غفا- بالغين المعجمة والفاء- وردّ إلى القاهرة، وله عشرة بنين، رجال أتى بهم إلى الشيخ عزّ الدّين للاستفادة، فقرأ عليه كتابا، فكان إذا قرّر له مسألة ففهمها [3] وقف ودار ثلاث دورات على هيئة الراقص، ثم انحنى للشيخ على هيئة الراكع [4] ، وجلس، فإذا جلس قام بنوه العشرة ففعلوا مثل فعله. وقال ابن حجر: وكان يعاب الشيخ عزّ الدّين بالتزيّي بزيّ العجم من طول الشارب [5] وعدم السّواك حتّى سقطت أسنانه.

_ [1] لفظة «مع» سقطت من «بغية الوعاة» فلتستدرك. [2] يعني وسبعمائة. [3] لفظة «ففهمها» سقطت من «ط» . [4] أقول: لا يجوز الانحناء على هيئة الراكع لأحد من البشر. (ع) . [5] في «الشوارب» .

وتوفي في عشري ربيع الآخر، واشتد أسف الناس عليه، ولم يخلّف بعده مثله. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد المشهدي بن القطّان [1] . قال ابن حجر: أخذ عن الشيخ ولي الدّين الملوي ونحوه، واعتنى بالعلوم العقلية، واشتغل كثيرا حتّى تنبه، وكان يدري الطبّ ولكن ليست له معرفة بالعلاج. سمعت من فوائده. ومات في الطّاعون عن نحو ستين سنة. انتهى. وفيها محمد بن علي بن معبد القدسي المالكي، المعروف بالمدني [2] . ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، واشتغل قليلا، وأخذ عن جمال الدّين بن خير ولازمه، وسمع الحديث من محيى الدّين بن عبد القادر الحنفي، وحدّث، ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية فباشره، مع قلّة علمه به مدة، ثم نزل عنه، ثم ولي القضاء في الأيام الناصرية، ثم صرف وأعيد مرارا، وكان مشكورا في أحكامه، ووقعت له كائنة صعبة مع شريف حكم بقتله فأنكر عليه ذلك أهل مذهبه، ولم يكن بالماهر في مذهبه. وتوفي في عاشر ربيع الأول. وفيها ناصر الدّين محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي، نزيل القاهرة ابن العديم الحنفي [3] . ولد سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بحلب، وأسمع على عمر بن ايدغمش مسند حلب، وعلى غيره، وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في عدة فنون على عدة مشايخ، وقرأ بنفسه على العراقي قليلا من منظومته، وكان يتوقّد ذكاء،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 244) و «الضوء اللامع» (8/ 217) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 244- 245) و «الضوء اللامع» (8/ 220) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 245) و «الضوء اللامع» (8/ 235) وقد تقدمت ترجمته في «آ» إلى ما قبل ترجمة «المشهدي» وأبقيتها كما جاءت في «ط» .

مع هوج ومحبّة في المزاح والفكاهة، إلى أن مات أبوه، وأوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلّفه، فقبل الوصية، ورشا على الحكم إلى أن وليه، ثم صار يرشي أهل الدولة بأوقاف الحنفية بأن يؤجّرها لمن يخطر منه ببال بأبخس أجرة ليكون عونا له على مقاصده، إلى أن كاد يخرّبها، ولو دام قليلا لخربت كلّها، وصار في ولايته القضاء كثير الوقيعة في العلماء، قليل المبالاة بأمر الدّين، كثير التّظاهر بالمعاصي ولا سيما الرّبا، سيء المعاملة جدا، أحمق أهوج، متهوّرا، وقد امتحن وصودر، وهو مع ذلك قاضي الحنفية، ثم قام في موجب قتل الناصر قياما بالغا ولم ينفعه ذلك، لأنه ظنّ أن ذلك يبقيه في المنصب، فعزل عن قرب، ثم لما وقع الطّاعن في هذه السنة ذعر منه ذعرا شديدا، وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية ورقى، ثم تمارض لئلا يشاهد ميّتا ولا يدعى إلى جنازة لشدة خوفه من الموت، فقدّر الله أنه سلم من الطّاعون وابتلي بالقولنج الصّفراوي، فتسلسل به الأمر إلى أن اشتد به الخطب، فأوصى، ثم مات في ليلة السبت تاسع ربيع الآخر. قاله ابن حجر. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن مؤذّن الزنجبيلية الحنفي [1] . اشتغل وهو صغير، فحفظ «مجمع البحرين» و «الألفية» وغيرهما، وأخذ الفقه عن البدري المقدسي، وابن الرّضي، ومهر في الفرائض، وأخذها عن الشيخ محبّ الدّين، واحتاج الناس إليه فيها، وجلس للاشتغال بالجامع الأموي، وكان خيّرا، ديّنا. وتوفي في شوال. وفيها نجم الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد [2] بن محمد [2] بن عبد الدائم الباهي الحنبلي [3] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 247) و «الضوء اللامع» (9/ 129) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 247) و «الضوء اللامع» (9/ 129) و «الحسب الوابلة» ص (445) .

برع في الفنون، وتقرّر مدرسا للحنابلة في مدرسة جمال الدّين برحبة باب العيد، وكان عاقلا، صيّنا، التأدّب. توفي في [1] ليلة الجمعة رابع عشري ربيع الأول بالطّاعون عن بضع وثلاثين سنة. وفيها قطب الدّين محمد الأبرقوهي [2] . أحد الفضلاء ممن قدم القاهرة في رمضان سنة ثماني عشرة، فأقرأ «الكشاف» و «العضد» وانتفع به الطلبة. ومات في آخر صفر مطعونا. وفيها مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهوّاري المصري [3] ، نزيل دمشق، الشافعي. ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة، وطلب بعد أن كبر، فقرأ على الشيخ صلاح الدّين العلائي، والولي المنفلوطي، والبهاء بن عقيل، والإسنوي وغيرهم، ومهر في الفرائض، والميقات، وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره، ثم سكن دمشق، وانقطع بقرية عقربا، وكان الرؤساء يزورونه، وهو لا يدخل البلد، مع أنه لا يقصده أحد إلّا أضافه وتواضع معه، وكان متديّنا، متقشّفا، سليم الباطن، حسن الملبس، مستحضرا لكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم، وله كتاب سمّاه «بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح» . وتوفي بقرية عقربا شهيدا بالطّاعون، وكان ذميم الشّكل جدا، رحمه الله. وفيها همام الدّين، همام بن أحمد الخوارزمي الشافعي [4] . اشتغل في بلاده، ثم جاء إلى حلب قبل اللّنكية، فأنزله القاضي شرف الدّين

_ [1] لفظة «في» لم ترد في «ط» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 248) و «الضوء اللامع» (10/ 114) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 248) و «الضوء اللامع» (10/ 155) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 250) و «الضوء اللامع» (7/ 128) وفيه: «محمد بن أحمد» .

في دار الحديث البهائية، ثم قدم القاهرة في الدولة الناصرية وحصل له بها حظ عظيم [1] وجاه كبير، وسماع كلمة، وأقبل عليه الطلبة لأجل الجاه، وأقرأ «الحاوي» و «الكشّاف» ثم طال الأمر، فاقتصر على «الكشّاف» وكان ماهرا في إقرائه إلّا أنه بطيء العبارة جدا بحيث يمضئ قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات، وكانت مشاركة في العلوم العقلية مع اطراح التكلّف، وكان يمشي في السّوق، ويتفرج في الحلق في بركة الرطلي وغيرها، وكانت له ابنة ماتت أمّها فصار يلبسها بزيّ الصّبيان ويحلق شعرها. ويسمّيها سيدي علي، وتمشي معه في الأسواق، إلى أن راهقت، وهي التي تزوجها الهروي فحجبها بعد ذلك. وتوفي في العشر الأخير من ربيع الأول وقد جاوز السبعين. قاله ابن حجر. وفيها صلاح الدّين يوسف [بن أحمد بن غازي] ابن أخي الملك العادل سليمان [2] . قال البرهان البقاعي: كان إماما، عالما، صالحا، ذكيا جدا، زاهدا، حتى قال شيخنا: ما رأيت مثله، وكان قد عرفت نفسه عن الدّنيا فتركها، ورحل إلى القاهرة لقصد الاشتغال بالعلم، ثم التوجه إلى بعض الثّغور للجهاد، فاخترمته المنية في الطّاعون. وفيها يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي [3] . قدم القاهرة، ووعظ الناس بالجامع الأزهر، وحصّل كثيرا من الكتب، مع لين الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير من التفسير والمواعظ. توفي بالطّاعون وقد جاوز الخمسين، وخلّف تركة جيدة [4] ورثها أخوه أبو بكر، ومات بعده بقليل.

_ [1] لفظة «عظيم» لم ترد في «ط» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 293) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «الأعلام» (8/ 215) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 251) و «الضوء اللامع» (10/ 319) . [4] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «جيدة» وفي «آ» : «جليلة» .

سنة عشرين وثمانمائة

سنة عشرين وثمانمائة فيها قتل الشيخ نسيم الدّين التّبريزي [1] ، نزيل حلب، وهو شيخ الحروفية [2] . سكن حلب، وكثر أتباعه، ونشأت بدعته، وشاعت، فآل أمره إلى أن أمر السلطان بقتله، فضربت عنقه، وسلخ جلده، وصلب. وفيها- كما قال ابن حجر- وضعت جاموسة ببلبيس [3] مولودا برأسين وعينين وأربع أيد وسلسلتي ظهر، ودبر واحد، ورجلين اثنتين لا غير، وفرج واحد أنثى، والذنب مفروق باثنين، فكانت من بديع صنع الله تعالى. وفي أواخرها مالت المئذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة بمصر من جامع المؤيد، وكادت تسقط، واشتد خوف الناس منها، وتحولوا من حواليها، فأمر السلطان بنقضها فنقضت بالرّفق إلى أن أمنوا شرّها، وعامل السلطان من ولي بناءها بالحلم، وكان ناظر العمارة ابن البرجي، فقال تقي الدّين بن حجّة في ذلك: على البرج من بابي زويلة أنشئت ... منارة بيت الله والمعبد المنجي فأخنى بها البرج الخبيث أمالها ... ألا صرّحوا يا قوم باللعن للبرجي

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 269- 270) . [2] الحروفية: فرقة من فرق الشيعة اشتقت اسمها من حروف الأبجدية الثمانية والعشرين لاعتقادهم أن لهذه الحروف أسرارها لها أثر في حياة الإنسان، وتنسب هذه الفرقة إلى فضل الله الاستراباذي. انظر «القاموس الإسلامي» للأستاذ أحمد عطية الله (2/ 68) . [3] لفظة «بلبيس» سقطت من «آ» ، وفي «إنباء الغمر» (7/ 271) : «ببلقيس» .

وقال الشّهاب بن حجر العسقلاني: لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته بالحسن تزهو وبالزّين تقول وقد مالت عن القصد أمهلوا ... فليس على جسمي أضرّ من العين فغضب الشيخ بدر الدّين العيني وظنّ أن ابن حجر عرّض به، فاستعان بالنّواجي الأبرص فنظم له بيتين معرّضا بابن حجر، ونسبهما العينيّ لنفسه، وهما: منارة كعروس الحسن إذ جليت ... وهدمها بقضاء الله والقدر قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلط ... ما أوجب الهدم إلّا خسة الحجر وفيها توفي [1] شهاب الدّين أحمد بن أحمد الغزّاوي المالكي [2] . قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وبرع في العربية وغيرها، وشارك في الفنون، وشغل الناس، وقد عيّن مرّة للقضاء فلم يتمّ ذلك. مات في تاسع عشر شعبان. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن يهودا الدمشقي الطرابلسي النحوي الحنفي [3] . ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، وتعابى العربية، فمهر في النحو، واشتهر به، وأقرأ فيه، ونظم «التسهيل» في تسعمائة بيت، وكان تحول بعد فتنة اللّنك إلى طرابلس فقطنها فانتفع به أهلها إلى أن مات في آخر هذه السنة، وكان يتكسّب بالشهادة. وفيها برهان الدّين حيدرة الشيرازي ثم الرّومي [4] .

_ [1] لفظة «توفي» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 283) وفيه «الفراوي» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 284) و «الضوء اللامع» (2/ 246) و «بغية الوعاة» (1/ 401) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 168) وفيه «حيدر بن أحمد بن إبراهيم و «بغية الوعاة» (1/ 549) ولفظة «أقرأ» التي بين حاصرتين في الترجمة مستدركة منه.

قال السيوطي: كان علّامة بالمعاني، والبيان، والعربية، وأخذ عن التّفتازاني، وشرح «الإيضاح» للقزويني شرحا ممزوجا وقدم الرّوم [وأقرأ] وأخذ عنه شيخنا العلّامة محيى الدّين الكافيجي. انتهى. وفيها داود بن موسى الغماري المالكي [1] . عني بالعلم، ثم لازم العبادة، وتزهّد، وجاور بالحرمين أزيد [2] من عشرين سنة، وكانت إقامته بالمدينة المنوّرة أكثر منها بمكة. وتوفي في مستهل المحرّم. وفيها جمال الدّين عبد الله بن إبراهيم بن خليل البعلبكي الدمشقي، المعروف بابن الشرائحي الشافعي [3] . قال ابن حجر: ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ جمال الدّين بن بردس وغيره، ثم دخل دمشق، فأدرك جماعة من أصحاب الفخر، وأحمد بن سنان، ونحوهم، فسمع منهم، ثم من أصحاب ابن القوّاس، وابن عساكر، ثم من أصحاب القاضي، والمطعّم، ومن أصحاب الحجّار، ونحوه، ومن أصحاب الجزري، وبنت الكمال، والمزّي فأكثر جدا، وهو مع ذلك أمّي وصار أعجوبة دهره في معرفة الأجزاء والمرويات ورواتها، ولديه مع ذلك محفوظات وفضائل ومذاكرات حسنة، وكان لا ينظر إلّا نظرا ضعيفا، وقد حدّث بمصر والشام، وسمعت منه، وسمع معي الكثير في رحلتي، وأفادني أشياء، وكان شهما، شجاعا، مهابا جدا كله، لا يعرف الهزل. قدم القاهرة بعد الكائنة العظمى فقطنها مدة طويلة، ثم رجع إلى دمشق، وولي تدريس الحديث بالأشرفية إلى أن مات في هذه السنة. انتهى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 285) و «الضوء اللامع» (3/ 216) و «العقد الثمين» (4/ 261) و «التحفة اللطيفة» (2/ 37) . [2] في «ط» : «أكثر» . [3] ترجمته في «التبيان شرح بديعة البيان» الورقة (195/ آ) و «إنباء الغمر» (7/ 286) و «الضوء اللامع» (5/ 2) .

وقال ابن ناصر الدّين: الحافظ المفيد الضّرير. كان فقيها، فرضيا، آية في حفظ الرّواة المتأخرين. حدّث ب «صحيح مسلم» وثاني ليلة ختمه مات. انتهى. وفيها جمال الدّين عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر البشيتي [1]- بفتح الموحدة، وكسر الشين المعجمة، وتحتية، وفوقية، نسبة إلى بشيت قرية بأرض فلسطين [2] . ولد عاشر شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه بسراج الدّين بن الملقّن، وأخذ العربية عن الشّمس الغماري، واختصّ به، وبرع في الفقه والعربية واللغة، وكتب الخطّ المنسوب، وصنّف كتابا جليلا في الألفاظ المعرّبة، وكتابا استوعب فيه أخبار قضاة مصر، وكتابا في شواهد العربية أوسع الكلام فيه. وتوفي بالإسكندرية في رابع ذي القعدة. وفيها فراج الكفل الحنبلي [3] . قال العليمي في «طبقاته» : هو الشيخ الإمام العالم الفقيه. توفي في هذه السنة. انتهى. وفيها عزّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النّويري ثم المكّي العقيلي الشافعي [4] . ولد سنة أربع أو خمس وسبعين وسبعمائة، واشتغل وهو صغير، وناب لأبيه في الخطابة والحكم، ثم استقلّ بعد وفاته في رمضان سنة تسع وتسعين إلى أن صرف في ذي الحجّة سنة ثمانمائة، ثم وليها مرارا، ثم استقرّت بيده الخطابة

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 287) وفيه «البششي» وهو خطأ و «الضوء اللامع» (5/ 7) . [2] انظر «معجم البلدان» (1/ 429) . [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (498) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (321) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 288) و «الضوء اللامع» (7/ 44- 45) و «العقد الثمين» (1/ 371) .

وغيرها، ثم استقرّ في الخطابة ونظر الحرم والحسبة حتّى مات. وكان مشكور السيرة في غالب أموره. وتوفي في ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن جعفر البلالي- نسبة إلى بلالة من أعمال عجلون-. نشأ هناك، وسمع الحديث، واشتغل بالعلم، وسلك طريق الصّوفية، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي. ثم قدم القاهرة فاستوطنها بضعا وثلاثين سنة، واستقرّ في مشيخة سعيد السعداء مدة متطاولة، مع التواضع الكامل، والخلق الحسن، وإكرام الوارد [1] ، وصنّف «مختصر الإحياء» فأجاد فيه، وطار اسمه في الآفاق، ورحل إليه بسببه، ثم صنّف تصانيف أخرى، وكانت له مقامات وأوراد، وله محبون معتقدون ومبغضون منتقدون. توفي في رابع شوال وقد جاوز السبعين. وفيها عزّ الدّين محمد بن بهاء الدّين علي بن عزّ الدّين عبد الرحمن بن محمد بن التّقي سليمان المقدسي الحنبلي [2] ، خطيب الجامع المظفّري بالصّالحية وابن خطيبه. ولد سنة أربع وستين وسبعمائة، وحفظ «المقنع» وسمع الحديث وبرع في الفقه والحديث، وأخذ عن ابن رجب، وابن المحبّ، وكان له النّظم الرائق، وباشر القضاء، وحج وأكثر المجاورة بمكة، ودرس بدار الحديث الأشرفية بالجبل، وكان في آخره عين الحنابلة، وألف مؤلفات حسنة، منها «نظم المفردات» سمّاه «النّظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد» واقترح عليه صاحب مجد الدّين عمل مؤلّف على نمط «عنوان الشرف» لابن المقري [3] فعمل قطعة نظما أولها:

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «الوارد» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 290) و «الضوء اللامع» (8/ 187) و «السحب الوابلة» ص (418) . [3] هو إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن إبراهيم الشرجي الحسيني الشاوري اليمني، المعروف بابن

أشار المجد مكتمل المعاني ... بأن أحذو على حذو اليماني وتوفي مغرب ليلة الأحد سابع عشري ذي القعدة. وفيها كمال الدّين أبو البركات محمد بن أبي السّعود محمد بن حسين بن علي بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي قاضي مكة [1] . ولد سنة خمس وستين وسبعمائة، وأحضر في سنة سبع وستين على العزّ بن جماعة، وسمع من غير واحد، وولي قضاء مكة، ونظر الأوقاف بها والرّبط، وباشر ذلك، ثم عزل، واستمرّ معزولا إلى أن توفي بمرض ذات الجنب ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجّة ودفن صبيحتها بالمعلاة، وخلّف عدة أولاد صغار. قاله في «المنهل» . وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبادة السّعدي [2] الأنصاري الحنبلي قاضي قضاة دمشق. أخذ عن ابن رجب، وابن اللّحام، وكان فردا في زمنه في معرفة الوقائع والحوادث، استقلّ بقضاء دمشق بعد وفاة ابن المنجّى، وكانت وظيفة القضاء دولا بينه وبين القاضي عزّ الدّين ناظم المفردات، إلى أن لحق بالله تعالى ليلة الخميس خامس رجب وله خمسون سنة. وأما ولده قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد فولد في صفر سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وكان من خيار المسلمين، كثير التّلاوة لكتاب الله العزيز ناب لأبيه في القضاء، ثم استقلّ بعد وفاة والده في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين، ثم عزل في صفر سنة ثلاث وعشرين، ثم عرض عليه المنصب مرارا فلم يقبله، وحصلت له الراحة الوافرة إلى أن توفي، ودفن عند والده بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدّين ولم أطلع على تاريخ وفاته.

_ المقري، عالم باحث من أهل اليمن. مات سنة (837 هـ-) . انظر «بغية الوعاة» (1/ 444) و «كشف الظنون» (2/ 1175) و «الأعلام» (1/ 310- 311) . [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 77) و «العقد الثمين» (2/ 287) و «الدليل الشافي» (2/ 701) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 291) و «الضوء اللامع» (9/ 88) و «المقصد الأرشد» (2/ 491) .

وفيها شرف الدّين نعمان بن فخر بن يوسف الحنفي [1] . ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وكان والده عالما، فأخذ عنه، وقدم دمشق، وجلس بالجامع بعد اللّنك للاشغال، ودرّس في أماكن، وكان ماهرا في الفقه، بارعا في ذلك. مات في شعبان. قاله ابن حجر، والله أعلم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 293) و «الضوء اللامع» (10/ 201) .

سنة إحدى وعشرين وثمانمائة

سنة إحدى وعشرين وثمانمائة فيها كما قال برهان الدّين البقاعي: ومن خطّه نقلت في ليلة الأحد تاسع شعبان أوقع ناس من قريتنا خربة [1] روحا من البقاع يقال لهم بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة، فقتلوا تسعة أنفس، منهم أبو عمر بن حسن الرّباط بن علي بن أبي بكر، وأخواه محمد سويد شقيقه وعلي أخوهما لأبيهما، وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني، وكنت إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، فخرجنا من القرية المذكورة واستمرّينا ننقل في قرى وادي التّيم والعرقون وغيرهما، إلى أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدّنيوية والأخروية، فنقلني جدّي لأمي علي بن محمد السّليمي إلى دمشق، فجودت القرآن وجددت حفظه، وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ، ثم على الشّمس بن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة، واشتغلت بالنّحو، والفقه، وغيرهما من العلوم، وكان ما أراد الله من التنقل في البلاد والفوز بالعزّ والحجّ أدام الله نعمه آمين، ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة، فإنها استمرّت أكثر من ثلاثين سنة، ولعلها زادت على مائة وقعة، كان فيها ما قاربت القتلى فيه ألفا. انتهى بحروفه. وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي الشافعي [2] نزيل القاهرة.

_ [1] في «ط» : «خرجت» وهو خطأ والصواب ما جاء في «آ» وخربة روحا تابعة مدراشيا. انظر «قاموس لبنان» لوديع نقولا حناص (95) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 330) و «الضوء اللامع» (2/ 8) .

تفقه، ومهر، وتعانى الأدب، وكتب في الإنشاء، وناب في الحكم، وكان يستحضر «الحاوي» وكتب شيئا على «جامع المختصرات» وصنّف كتابا حافلا سمّاه «صبح الأعشى في معرفة الإنشا» [1] . وكان مستحضرا لأكثر ذلك، وصنّف غير ذلك، وكان مفضالا، وقورا في الدول إلى أن توفي ليلة السبت عاشر جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة. وفيها بدر الدّين أبو عمر حسين بن علي بن محمد بن داود البيضاوي الأصل المكّي، المعروف بالزّمزمي [2] . ولد قبل السبعين وسبعمائة، وأجاز له الصّلاح بن أبي عمر، وابن أميلة، وحسن بن الهبل، وجماعة من قادمي مكّة، واشتغل بالعلم، ومهر في الفرائض والحساب، وفاق الأقران في معرفة الهيئة والهندسة، وحدّث باليسير. وتوفي في ذي الحجّة. وفيها صلاح الدّين وغرس الدّين أبو الصّفا خليل بن محمد [3] بن محمد [3] بن عبد الرحمن الأقفهسي المصري [4] المحدّث الحافظ. ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة تقريبا، واشتغل بالفقه قليلا وبالفرائض والحساب والأدب، ثم أحب الحديث، فسمع بنفسه من غرس الدّين المليجي، وصلاح الدّين البلبيسي، وصلاح الدّين الزّفتاوي، وغيرهم، ثم حجّ سنة خمس وتسعين، وجاور، فسمع بمكة من شيوخها، ثم قدم دمشق سنة سبع وتسعين للسماع، فسمع من ابن الذّهبي وغيره، وأكثر عن ابن العزّ، وسمع الكثير.

_ [1] وهو من خيرة الكتب المصنفة في المعارف العامة في عصر المؤلف، وقد طبع في مصر منذ سنوات طويلة، وصورت طبعته من بعد ذلك عدة مرات، واختصره الأستاذ عبد القادر زكّار في خمسة أجزاء صغيرة أصدرتها وزارة الثقافة بدمشق ضمن سلسلة المختار من التراث العربي. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 331- 332) و «الضوء اللامع» (3/ 151) و «العقد الثمين» (4/ 205) . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 332) و «الضوء اللامع» (3/ 202) .

قال ابن حجر: ثم قدم إلى مصر سنة ثمان وتسعين فلازمنا في الأسمعة، وسافر صحبتي إلى مكة في البحر، فجاور بها، ثم رحل إلى دمشق مرة ثانية، فأقام بها، ورافقني في السماع في سنة اثنتين وثمانمائة بدمشق، ورجع معي إلى القاهرة، ثم حجّ سنة أربع، وجاور سنة خمس، فلقيته في آخرها مشمرا على ما أعهده من الخير، والعبادة، والتخريج، والإفادة، وحسن الخلق، وخدمة الأصحاب، واستمر مجاورا إلى أن خرج إلى المدينة وتوجه في ركب العراق، ثم ركب البحر إلى كنباية [1] من بلاد الهند، ثم رجع إلى هرمز، ثم جال في بلاد المشرق، فدخل هراة، وسمرقند، وغيرها، وقد خرّج لشيخنا مجد الدّين الحنفي «مشيخة» ولشيخنا جمال الدّين بن ظهيرة «معجما» وخرّج لنفسه «المتباينات» فبلغت مائة حديث، وخرّج أحاديث الفقهاء الشافعية، ونظم الشعر. وتوفي بيزد، خرج من الحمام فمات فجأة. انتهى. وفيها سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي [2] . قدم حلب مع والده وهو شاب، واشتغل بالعلم، وتفقّه، ومهر، ودرّس في حلب بمدارس منها، فاتفق أن فجأة الموت في رابع جمادى الأولى وأسف الناس عليه. وفيها عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الحرّاني ثم الحلبي الحنبلي [3] . كان يذكر أنه من ذريّة ابن أبي عصرون، وكان شافعي الأصل، وولي قضاء الثّغر شافعيا، وكانت له وظائف في الشافعية، ثم انتقل حنبليا، وولي قضاء الحنابلة بحلب. قال القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» : كان حسن السيرة، ولي القضاء، ثم صرف، ثم أعيد مرارا ثم صرف قبل موته بعشرة أشهر، فمات في شعبان.

_ [1] انظر «أحسن التقاسيم» للمقدسي ص (359 و 365) طبع دار إحياء التراث العربي ببيروت. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 334) و «الضوء اللامع» (3/ 247) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 334) و «الضوء اللامع» (5/ 2) و «السحب الوابلة» ص (246) .

وفيها عبد الرحمن بن هبة الله الملحاني اليماني [1] . قال ابن حجر: جاور بمكة، وكان بصيرا بالقراءات، سريع القراءة، قرأ في الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة، وكان ديّنا، عابدا، مشاركا في عدة علوم. مات في رجب. انتهى. وفيها كمال الدّين محمد بن حسن بن محمد بن محمد بن خلف الله الشّمنّي- بضم المعجمة والميم، وتشديد النون، نسبة إلى شمنّة مزرعة بباب قسطنطينية- ثم الإسكندري المالكي [2] . ولد سنة بضع وستين، واشتغل بالعلم في بلده ومهر، ثم قدم القاهرة، فسمع بها من شيوخها، وسمع في الإسكندرية، وتقدم في الحديث، وصنّف فيه، وتخرّج بالبدر الزّركشي، والزّين العراقي، ونظم الشعر الحسن، ثم استوطن القاهرة، وأصيب في بعض كتبه. وتوفي في ربيع الأول. وفيها غياث الدّين محمد بن علي بن نجم الكيلاني التاجر [3] . ولد في حدود سبعين وسبعمائة، وكان أبوه من أعيان التّجار، فنشأ ولده هذا في عزّ ونعمة طائلة، ثم شغله أبوه بالعلم بحيث كان يشتري له الكتاب الواحد بمائة دينار وأزيد، ويعطي معلميه فيفرط، فمهر في أيام قلائل، واشتهر بالفضل، ونشأ متعاظما، ثم لما مات أبوه التهى عن العلم بالتجارة، وتنقلت به الأحوال، فصعد وهبط، وغرق وسلم، وزاد ونقص، إلى أن تزوّج جارية من جواري الناصر يقال لها سمراء، فهام بها، وأتلف عليها ماله وروحه، وطلّق لأجلها زوجته ابنة عمه، وأفرطت هي في بغضه إلى أن قيل: إنها سقته السّمّ فتعلّل مدة، ولم تزل به [4]

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 335) و «الضوء اللامع» (4/ 248) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 339) و «الضوء اللامع» (8/ 71) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 71) . [4] في «ط» : «بها» وهو خطأ.

حتى فارقها، فتدلّه عقله من حبّها إلى أن مات ولها بها، ويحكى أنها تزوجت بعده رجلا من العوام فأذاقها الهوان وأحبّته وأبغضها عكس ما جرى لها مع غياث الدّين، ويحكى أنها زارته في مرضه واستحللته فحاللها من شدّة حبّة لها. ومن شعره فيها: سلوا سمراء عن حربي وحزني ... وعن جفن حكى هطّال مزن سلوها هل عراها ما عراني ... من الجنّ الهواتف بعد جن سلوا هل هزّت الأوتار بعدي ... وهل غنّت كما كانت تغنّي ويقول في آخرها: سأشكوها إلى مولى حليم ... ليعفو في الهوى عنّها وعنّي قال ابن حجر: وهذا آخر ما عرفنا خبره من المتيّمين. مات في سابع عشر شوال. وفيها شرف الدّين أبو الطّاهر محمد بن عزّ الدّين أبي اليمن محمد بن عبد اللّطيف بن أحمد بن محمود، المعروف بابن الكويك الرّبعي التّكريتي ثم الإسكندري [1] ، نزيل القاهرة الشافعي المسند المحدّث. ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وأجاز له فيها المزّي، والبرزالي، والذهبي، وبنت الكمال، وإبراهيم بن القريشة، وابن المرابط، وعلي بن عبد المؤمن في آخرين، وهو آخر من حدّث عنهم بالإجازة في الدنيا، وسمع بنفسه من الإسعردي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، ولازم القاضي عزّ الدّين بن جماعة، وتعانى المباشرات، فكان مشكورا فيها، وتفرّد بأخرة بأكثر مشايخه، وتكاثر عليه الطلبة ولازموه، وحبّب إليه التّحديث ولازمه. قال ابن حجر: قرأت عليه كثيرا من المرويات بالإجازة والسماع، من ذلك «صحيح مسلم» في أربعة مجالس سوى مجلس الختم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 341) و «الضوء اللامع» (9/ 111) و «الدليل الشافي» (2/ 687) .

وقال في «المنهل» تصدّر للإسماع عدة سنين، وأضرّ بأخرة، وكان شيخا، ديّنا، ساكنا، كافّا عن الشّرّ، من بيت رئاسة، ولم يشتهر بعلم. وتوفي يوم السبت سادس عشري ذي القعدة. وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن عبد الله الحميدي- نسبة إلى امرأة ربّته كانت تعرف بأمّ عبد الحميد- الحنفي [1] . نشأ بالإسكندرية، وتفقّه، وبرع في عدة علوم، وكانت له ثروة، ويتعانى المتجر، وتولى قضاء الإسكندرية فحمدت سيرته، وكانت له ديانة وصيانة، وأفتى ودرّس بالثّغر، إلى أن توفي بالإسكندرية ليلة خمس وعشرين من جمادى الآخرة وقد أناف على الثمانين.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 343) و «الضوء اللامع» (10/ 331) .

سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة

سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة في ربيع الآخر منها، كما قال ابن حجر [1] : اتفق أن شخصا له أربعة أولاد ذكور، فلما وقع الموت في الأطفال، سألت أمهم [2] أن تختنهم لتفرح بهم قبل أن يموتوا، فجمع الناس لذلك على العادة، وأحضر المزيّن، فشرع في ختن واحد بعد آخر، وكل من يختن يسقى شرابا مذابا بالماء على العادة، فمات الأربعة في الحال عقب ختنهم، فاستراب أبوهم بالمزيّن، وظنّ أن مبضعه مسموم، فجرح المزيّن نفسه ليبرئ ساحته، وانقلب فرحهم عزاء، ثم ظهر في الزّير الذي كان يذاب منه الشراب حيّة عظيمة ماتت فيه وتمزقت [3] فكانت سبب هلاك الأطفال، ولله الأمر. وفيها توفي شهاب الدّين أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرّج بن يزيد بن عثمان بن جابر العامري الغزّي ثم الدمشقي الشافعي [4] . ولد سنة بضع وستين وسبعمائة بغزّة، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين بن خلف، وحفظ «التنبيه» وقدم دمشق بعد الثمانين وهو فاضل، فأخذ عن الشّريشي، والزّهري، وشرف الدّين الغزّي بلديّة، وغيرهم، ومهر في الفقه والأصول، وجلس بالجامع يشغل الناس في حياة مشايخه، وأفتى، ودرّس، وأعاد، ثم أصيب بماله

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 358) . [2] في «إنباء الغمر» : «أمه» . [3] في «آ» و «ط» : «وتمزعت» والتصحيح من «إنباء الغمر» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 363) و «الضوء اللامع» (1/ 356) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 100- 102) .

وكتبه بعد الفتنة اللنكية، وناب في القضاء، وعيّن مرّة مستقلا فلم يتم، وولي إفتاء دار العدل، واختصر «المهمات» اختصارا حسنا، وكتب عليه «الحاوي» و «جمع الجوامع» ، ودرّس بأماكن، وأقبل على الحديث حتّى لم يبق بالشام في آخر عمره من يقاربه في رئاسة فقه الشافعية إلا ابني [1] نشوان، وكان يرجع إلى دين وعفّة من صغره، وعلو همّة، ومروءة، ومساعدة لمن يقصده، مع عجلة فيه، وحسن عقيدة، وسلامة باطن، وجاور في أواخر أمره بمكة فمات بها مبطونا في شوال وله اثنتان وستون سنة. وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطريّ المدنيّ [2] . سمع من العزّ ابن جماعة، وعنى بالعلم، وكان يذاكر بأشياء حسنة، ثم تزهّد، ودخل اليمن، فأقام بها نحوا من عشرة أعوام، وكان ينسب إلى معاناة الكيمياء. توفي في أول ذي الحجّة. وفيها أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عيّاش الجوخي الدمشقي [3] ، نزيل تعز. ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، وتعانى بيع الجوخ فرزق منه دنيا طائلة، وعني بالقراءات، فقرأ على جماعة، وكان يقرأ في كل يوم نصف ختمة، وكان قد أسمع في صغره على علي بن العزّ عمر حضورا «جزء ابن عرفة» وحدّث به عنه، وقرأ بدمشق على شمس الدّين بن اللّبان، وابن السلّار، وغيرهما، وتصدى للقراءات، فانتفع به جمع من أهل الحجار واليمن، وكان غاية في الزّهد في الدنيا، فإنه ترك بدمشق أهله، وماله، وخيله، وخدمه، وساح في الأرض، وحدّث، وهو مجاور بمكّة، واستمرّ في إقامته باليمن في خشونة العيش حتّى مات. وكان بصيرا بالقراءات، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنجب ولده المقرئ عبد الرحمن مقرئ الحرم.

_ [1] في «ط» : «ابن» وهو خطأ. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 365) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 365) و «الضوء اللامع» (2/ 203) .

وفيها أحمد بن يوسف بن محمد الدمشقي [1] ، الشاعر المشهور، عرف بابن الزّعيفريني. قال في «المنهل الصّافي» : كانت له فضيلة، ويكتب الخطّ المنسوب، وينظم الشعر، ويشتغل بعلم الحرف، ويزعم أن له فيه اليد الطّولى، وحصل له حظ بهذا المعنى عند جماعة من أعيان الأمراء وغيرهم، إلى أن ظفر بعض أعيان الدولة بأبيات من نظمه بخطّه نظمها للأمير جمال الدّين الاستادار يوهمه أنه سيملك مصر، ويملك بعده ابنه. فقطع الملك الناصر فرج لسانه وعقدتين من أصابعه، ورفق به عند القطع فلم يمنعه ذلك من النطق، لكنه أظهر الخرس مدة أيام الناصر، ثمّ تكلّم بعد ذلك، وأخذ في الظّهور والكتابة بيده اليسرى، فلم يرج في الأيام المؤيّدية، وانقطع إلى أن مات. ومن شعره: ما كتبه بيده اليسرى إلى قاضي القضاة صدر الدّين علي بن الأدمي الحنفي: لقد عشت دهرا في الكتابة مفردا ... أصوّر منها أحرفا تشبه الدّرّا وقد صار خطي [2] اليوم أضعف ما ترى ... وهذا الذي قد يسّر الله لليسرى فأجابه صدر الدّين المذكور: لئن فقدت يمناك حسن كتابة ... فلا تحتمل همّا ولا تعتقد عسرا وأبشر ببشر دائم ومسرّة ... فقد يسّر الله العظيم لك اليسرى [3] وتوفي ابن الزّعيفريني يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول. وفيها تندو بنت حسين بن أويس [4] .

_ [1] ترجمته في «المنهل الصافي» (2/ 272- 273) و «الدليل الشافي» (1/ 98) و «الضوء اللامع» (2/ 250) . [2] في «أ» : «حظي» وهو تصحيف. وفي «المنهل الصافي» : «وقد عاد خطي» . [3] تنبيه: هذا البيت سقط من «المنهل الصافي» المطبوع فليستدرك من هنا. [4] ترجمتها في «إنباء الغمر» (7/ 366) و «الضوء اللامع» (12/ 16) و «أعلام النساء» (1/ 179) .

كانت بارعة الجمال، وقدمت مع عمّها أحمد بن أويس إلى مصر، فتزوجها الظّاهر برقوق، ثم فارقها، فتزوجها ابن عمها شاه ولد ابن شاه زاده بن أويس، فلما رجعوا إلى بغداد ومات أحمد أقيم شاه ولد في السلطنة فدبّرت مملكته حتّى قتل، وأقيمت هي بعده في السلطنة، ثم ملكت تستر وغيرها، واستقلّت بالمملكة مدة، وصار في ملكها الحويزة وواسط، يدعى لها على منابرها، وتضرب السّكة باسمها، إلى أن ماتت في هذه السنة. وقام بعدها ابنها أويس بن شاه ولده. قاله ابن حجر. وفيها علم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن نجم الدّين فرج بن سليمان الحجبي [1] الحنبلي بن المنجّى. ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، واشتغل على ابن الطحّان وغيره، ورحل إلى مصر، فأخذ عن ابن الملقّن وغيره، ثم عاد بعد فتنة اللّنك، فناب في القضاء، وشارك في الفقه وغيره، وأشغل الناس بالجامع الأموي وبمدرسة أبي عمر. وتوفي في ربيع الآخر. وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن مظفّر بن أبي بكر البلقيني [2] قريب شيخ الإسلام سراج الدّين الشافعي. اشتغل على الشيخ سراج الدّين، وكان يشارك في الفنون، ويذاكر بالفقه مذاكرة حسنة. قال ابن حجر: رافقنا في سماع الحديث كثيرا، وناب في الحكم، وكان سيء السيرة في القضاء، جمّاعة للمال من غير حلّه في الغالب، زري الملبس، مقترا على نفسه إلى الغاية. توفي في ثالث عشري جمادي الأولى وخلّف مالا كثيرا جدا فحازه ولده.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) و «الضوء اللامع» (3/ 369) و «السّحب الوابلة» ص (174) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) و «الضوء اللامع» (4/ 232) وفيه: «عبد العزيز بن محمد بن مظفّر بن نصير» .

وفيها نجم الدّين عبد اللطيف بن أحمد بن علي الفاسي الشافعي [1] . قال ابن حجر: سمع معنا كثيرا من شيوخنا، ولازم الاشتغال في عدة فنون، وأقام في القاهرة [2] مدة بسبب الذّب عن منصب أخيه تقي الدّين قاضي المالكية، إلى أن مات مطعونا في هذه السنة. انتهى. وفيها مجد الدّين فضل الله بن القاضي فخر الدّين عبد الرحمن بن عبد الرزّاق بن إبراهيم، الشهير بابن مكانس القبطي المصري الحنفي [3] الشاعر المشهور. ولد في سابع شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ في كنف والده الوزير فخر الدّين، وعنه أخذ الأدب، وقرأ النحو، والفقه، والأدب على علماء مصره، إلى أن برع ومهر، ونظم الشعر وهو صغير السنّ جدا، وكتب في الإنشاء وتوقيع الدّست مدة في حياة أبيه بدمشق، وكان أبوه وزيرا بها، ثم قدم القاهرة وساءت حالته بعد أبيه، ثم خدم في ديوان الإنشاء، وتنقّلت رتبته فيه إلى أن جاءت الدولة المؤيدية فأحسن إليه القاضي ناصر الدّين البارزي كثيرا، واعتنى به، ومدح السلطان بقصائد فأثابه ثوابا حسنا. وشعره في الذّروة العليا، وكذلك منثورة، وجمع هو ديوان أبيه ورتّبه، وفيه يقول والده: أرى ولدي قد زاده الله بهجة ... وكمّله في الخلق والخلق مذ نشا سأشكر ربّي حيث أوتيت مثله ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا ومن شعره هو: تساومنا شذا أزهار روض ... تحيّر ناظر فيه وفكري فقلت نبيعك الأرواح حقا ... بعرف طيّب منه ونشر

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 367) . [2] في «أ» : «بالقاهرة» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 368) و «الدليل الشافي» (2/ 522) و «الضوء اللامع» (6/ 172) .

ومنه: جزى الله شيبي كلّ خير فإنّه ... دعاني لما يرضى الإله وحرّضا فأقلعت عن ذنبي وأخلصت تائبا ... وأمسكت [1] لما لاح لي الخيط أبيضا قال ابن حجر: وكانت بيننا مودة أكيدة، اتصلت نحوا من ثلاثين سنة، وبيننا مطارحات، وكان قليل البضاعة من العربية، فربما وقع له اللّحن الظّاهر، وأما الخفي فكثير جدا. مات في يوم الأحد خامس عشر ربيع الآخر. انتهى. وفيها الخواجا محمد الزّاهد البخاري [2] . قال في «المنهل الصّافي» في ترجمة. تيمور: اجتمع في أيامه- أي تمرلنك- بسمرقند ما لم يجتمع لغيره من الملوك، فمن ذلك الفقيه عبد الملك من أولاد صاحب «الهداية الفقهية» فإنه كان بلغ الغاية في الدروس، والفتيا، ونظم القريض، ويعرف النّرد والشطرنج، ويلعب بهما جيدا في حالة واحدة دائما مدى الأيام، والخواجا محمد الزّاهد البخاري أي صاحب الترجمة المحدّث المفسّر. صنّف «تفسيرا للقرآن العظيم» في مائة مجلد. ومات بالمدينة النبوية سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. انتهى. وفيها محمد بن عبد الله بن شوعان الزّبيدي الحنفي [3] . قال ابن حجر: انتهت إليه الرئاسة في مذهب أبي حنفية بزبيد، ودرّس وأفاد. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الماجد العجيمي [4] سبط العلّامة جمال الدّين بن هشام الشافعي.

_ [1] في «آ» و «ط» : «واسكت» والتصحيح من «الضوء اللامع» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 20) و «الأعلام» (7/ 44- 45) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 369) و «الضوء اللامع» (8/ 90) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 669) و «الضوء اللامع» (8/ 122) وفيه «محمد بن عبد الأحد» .

أخذ عن خاله الشيخ محبّ الدّين بن هشام، ومهر في الفقه، والأصول، والعربية، ولازم الشيخ علاء الدّين البخاري لما قدم القاهرة، وكذلك الشيخ بدر الدّين الدّماميني، وكان كثير الأدب، فائقا في معرفة العربية، ملازما للعبادة، وقورا، ساكنا. توفي في العشرين من شعبان. وفيها نظام الدّين محمد بن عمر الحموي الأصل الحنفي، المعروف بالتّفتازاني [1] ، لعله تشبيها لنفسه بالسعد. قال ابن حجر: كان أبوه حصريا، فنشأ هذا بين الطلبة، وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وتعانى الآداب، واشتغل في بعض العلوم الآلية، وتعليم كلام العجم، وتزيا بزيّهم، وتسمى نظام الدّين التّفتازاني، وغلب عليه الهزل والمجون، وجاد خطه، وقرّر موقعا في الدرج، وكان عريض الدعوى، وله شعر وسط. وقال محب الدّين الحنبلي: كان حسن المنادمة، لطيف المعاشرة، ولم يتزوج قطّ، وكان متّهما بالولدان، وكان يأخذ الصغير فيربيه أحسن تربية، فإذا كبر وبلغ حدّ التزويج زوّجه. انتهى. وتوفي في رابع عشري ذي القعدة عن نحو الستين. وفيها أبو البركات محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري [2] المالكي، قاضي المدينة. مات بها في المحرم. قاله ابن حجر. وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد النّحريري [3] ، المعروف بابن أمين الحكم. قال ابن حجر: سمع على جماعة من شيوخنا، وعني بقراءة «الصحيح»

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 369) و «الضوء اللامع» (8/ 271) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 370) و «الضوء اللامع» (9/ 127) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 371) و «الضوء اللامع» (9/ 274) .

وشارك في الفقه والعربية، وأكثر المجاورة بالحرمين، ودخل اليمن، فقرأ الحديث بصنعاء وغيرها، ثم قدم القاهرة بأخرة فوعك، ومات بالمارستان عن نحو من خمسين سنة. انتهى. وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمود الجعفري البخاري [1] . اشتغل ببلاده، ثم قدم مكّة، فجاور بها، وانتفع الناس به في علوم المعقول. وتوفي بمكة في العشر الأخير من ذي الحجّة عن ستة وسبعين سنة. وفيها يوسف ابن شريكار العنتابي المقري [2] . قال العنتابي في «تاريخه» : ولد بعنتاب، وتعانى القراآت فمهر فيها، وانتفعوا به، وكان يتكلّم على الناس بلسان الوعظ، وكان فصيح اللّسان، حلو المنطق، مليح الوجه، له يد في التفسير، وعاش خمسا وستين سنة. انتهى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 337) و «الضوء اللامع» (10/ 20) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 273) و «الضوء اللامع» (10/ 317) .

سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة

سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة في ثالث رمضان ذبح جمل بغزّة فأضاء لحمه كما تضيء الشّموع، وشاع ذلك وذاع حتى بلغ حد التواتر، قاله ابن حجر [1] . وفيها توفي صارم [2] الدّين إبراهيم بن شيخ المحمودي الظّاهري [3] الملك المؤيد أبوه. قال في «المنهل» : ولد بالبلاد الشامية في أوائل القرن تقريبا، وأمه أم ولد جاركسية تسمى نوروز. وكان ملكا شجاعا، شابا، حسنا، مقداما، كريما، ساكنا، وعنده أدب وحشمة ملوكية، وكان يميل إلى الخير، والعدل، والعفّة عن أموال الرّعية إلّا أنه كان مسرفا على نفسه، سامحه الله. انتهى. وقال ابن حجر: أغرى والده عليه بأنه كان يتمنى موته ويعد الأمراء بمواعيد إذا وقع ذلك، فحقد عليه ودسّ بعض خواصه أن يعطيه ما يكون سببا لقتله من غير إسراع، فدسّوا عليه من سقاه من الماء الذي يطفأ فيه الحديد، فلما شربه أحس بالمغص في جوفه فعالجه الأطباء مدة، وندم السلطان على ما فرط منه، فتقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه، فلازموه نصف شهر إلى أن كاد يتعافى، فدسّوا إليه ثانيا من سقاه بغير علم أبيه، فانتكس، واستمر إلى ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة، فمات، فاشتد جزع السلطان عليه، إلا أنه تجلّد، وأسف الناس

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 390) . [2] في «آ» : «صدر الدّين» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 380- 381) و «الضوء اللامع» (1/ 53) و «المنهل الصافي» (1/ 78- 82) و «الدليل الشّافي» (1/ 16) .

كافة على فقده، ولم يعش أبوه بعده إلا ستة أشهر تزيد أياما كدأب [1] من قتل أباه أو ابنه على الملك قبله عادة مستقرّة وطريقة مستقرأة. انتهى. وفيها زين الدّين أبو المحاسن تغري برمش بن يوسف بن عبد الله التركماني [2] الحنفي. قدم القاهرة شابا، وقرأ على الجلال التّباني [3] وغيره، وتفقه بجماعة من أعيان العلماء، وكان كثير الاستحضار لفروع مذهبه، ويحفظ بعض مختصرات. قال في «المنهل» : وكان يميل إلى الصّوفية، مع أنه [كان] يبالغ في ذمّ ابن عربي وأتباعه [4] ، وأحرق كتبه. وأرسله المؤيد شيخ [5] إلى الحجاز وعلى يديه مراسيم تتضمن النظر في أحوال مكة المشرّفة، وجاور بها، وأخذ بالأمر فيها بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومنع المؤذنين من المدائح النّبوية فوق المنابر ليلا، ومنع المدّاحين من الإنشاد في المسجد الحرام [6] ومنع الصّغار من الخطابة في ليالي رمضان، ومن الوقيد في الليالي المعروفة بالحرم [6] ، وجرى له مع أهل مكة أمور بسبب ذلك يطول شرحها، ثم عاد إلى القاهرة، وكان يميل إلى دين وخير. انتهى. وقال ابن حجر: كان يكثر الحطّ على ابن العربي وغيره من متصوفي الفلاسفة، وبالغ في ذلك، وصار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن العربي، وربط مرّة كتاب «الفصوص» في ذنب كلب، وصارت له بذلك سوق نافقة عند جمع كثير، وقام عليه جماعة من أضداده فما بالي بهم. وقال المقريزي ذاما له: رضي من دينه وأمانته بالحطّ على ابن العربي، مع

_ [1] في «ط» : «لدأب» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 394) و «الضوء اللامع» (3/ 31) و «المنهل الصافي» (4/ 56- 57) و «الدليل الشافي» (1/ 218) ووفاته فيه (820) . [3] في «آ» : «التبياني» . [4] لفظة «وأتباعه» لم ترد في «المنهل الصافي» المطبوع فلتستدرك. [5] في «المنهل الصافي» : «الملك المؤيد» . [6، 6] ما بين الرقمين سقط من «ط» .

عدم معرفته بمقالته، وكان يتعاظم مع دناءته، ويتمصلح مع رذالته، حتّى انكشفت للناس سيرته، وانطلقت الألسن بذمّة بالدّاء العضال، مع عدم مداراته وشدّة انتقامه ممن يعارضه في أغراضه، ولم يزل على ذلك حتّى مات بمكة ليلة الأربعاء مستهل المحرّم. وفيها جمال الدّين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل قاضي القضاة الأقفهسي المالكي [1] قاضي الدّيار المصرية. نشأ بالقاهرة، وطلب العلم، وتفقه بالشيخ خليل وغيره إلى أن برع في الفقه والأصول، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم، ثم استبدّ به، ثم صرف، ثم ولي، وكان مشكور السيرة في أحكامه، ديّنا، خيّرا، وشرح رسالة الشيخ خليل. وتوفي على القضاء في رابع عشر جمادى الأولى. وفيها محمد بن مورمة البخاري الحنفي [2] . قال ابن حجر: يلقّب نبيرة- بنون وموحدة وزن عظيمة- ذكر أنه من ذرّية حافظ الدّين النّسفي، ونشأ ببلاده، وقرأ الفقه، وسلك الزّهد، وحجّ في هذه السنة، وأراد أن يرجع إلى بلاده فذكر أنه رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في النّوم، فقال له: «إن الله قد قبل حجّ كلّ من حجّ في هذا العام وأنت منهم» وأمره أن يقيم بالمدينة فأقام، فاتفقت وفاته يوم الجمعة ودفن بالبقيع. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن حسين المخزومي البرقي الحنفي [3] . كان مشهورا بمعرفة الأحكام، مع قلّة الدّين وكثرة التهتّك، وقد باشر عدة أنظار وتداريس. مات في جمادى الأولى. قاله ابن حجر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 396) ، و «الضوء اللامع» (5/ 71) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 399) وفيه (ابن بوزنة) و «الضوء اللامع» (7/ 207) وفيه: محمد بن بورسة. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 400) و «الضوء اللامع» (9/ 78) .

وفيها شمس الدّين محمد بن العلّامة شمس الدّين محمد بن سليمان بن الخرّاط الحموي [1] ، الشاعر المنشئ الموقّع. أخذ عن أبيه وغيره، وقال الشعر فأجاد، ووقع في ديوان الإنشاء، وكان مقرّبا عند ابن البارزي، ومات ولم يكمل الخمسين وعاش أخوه زين الدّين عبد الرحمن بعده وهو أسن منه إلى سنة أربعين. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد الصّغير [2]- بالتصغير- الطبيب المشهور. ولد في خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان أبوه فرّاشا، فاشتغل هو بالطبّ، وحفظ «الموجز» وشرحه، وتصرّف في العلاج، فمهر، وصحب البهاء الكازروني، وكان حسن الشكل، له مروءة. مات بعد مرض طويل في عاشر شوال. قاله ابن حجر. وفيها القاضي ناصر الدّين محمد بن محمد بن عثمان البارزي [3] الشافعي كاتب السرّ. ولد في شوال سنة تسع وستين وسبعمائة، وحفظ «الحاوي» في صغره، واستمرّ يكرّر عليه ويستحضر منه، وتعانى الشعر، والأدب، وكتب الخط الجيد، ثم ولي قضاء بلده وكتابة السرّ بها، وقضاء حلب، وكتابة السرّ بالقاهرة طول دولة المؤيد. وكان لطيف المنادمة، كبير الرئاسة، ذا طلاقة وبشر وإحسان للعلماء والفضلاء على طريقة قدماء الكرماء. وتوفي بالقاهرة يوم الأربعاء ثامن شوال.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 400) و «الضوء اللامع» (9/ 83) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) و «الضوء اللامع» (9/ 137) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 137) .

وفيها الحافظ جمال الدّين أبو المحاسن محمد بن موسى بن علي بن عبد الصّمد بن محمد بن عبد الله المراكشي الأصل ثم المكي [1] . ولد في ثالث رمضان سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وأجاز له وهو صغير قبل التسعين وبعدها أبو عبد الله بن عرفة، وتقي الدّين بن حاتم، وناصر الدّين بن الميلق، وجماعة، وتفقه، وحبّب إليه، الطلب، فسمع بمكة على مشايخ مكّة، كابن صديق ومن دونه، وعلى القادمين عليها، وأخذ علم الحديث عن الشيخ جمال الدّين بن ظهيرة، والحافظ تقي الدّين الفاسي، والحافظ صلاح الدّين الأقفهسي، وتخرّج به في معرفة العالي والنّازل، ورحل إلى الدّيار المصرية، فسمع من شيوخها، ثم رحل إلى الشام، فأدرك عائشة بنت عبد الهادي خاتمة أصحاب الحجّار، وجال في رحلته، فسمع بحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، والقدس، والخليل، وغزّة، والرّملة، والإسكندرية، وغيرها، ورجع وقد كمل معرفته، وخرّج لغير واحد من مشايخه، وعمل تراجم مشايخه فأفاد، وخرّج لنفسه «أربعين» متباينة لكن لم يلتزم فيها السماع، ورحل إلى اليمن، فسمع بها، ومدح الناصر أحمد فأجازه وولّاه مدرسة هناك، فأقام بتلك البلاد، وصار يحجّ كل سنة، وكان حافظا، ذا مروءة وقناعة وصبر على الأذى، باذلا لكتبه [2] وفوائده، موصوفا بصدق اللهجة وقلّة الكلام. قدم في هذه السنة حاجّا فعاقهم الرّيح، فخشي فوات الحجّ، فركب البحر، وأجهد نفسه، فأدرك الحجّ لكنه توعك، واستمرّ مريضا إلى أن مات بمكة في ثامن عشر ذي الحجّة ودفن بالمعلاة. وفيها القاضي شرف الدّين أبو الفتح موسى بن محمد بن نصر البعلبكي، المعروف بابن السّقيف- تصغير سقف- الشافعي [3] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 401) ، و «الضوء اللامع» (10/ 56) و «العقد الثمين» (2/ 364) . [2] في «آ» : «كتبه» . [3] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 142) ، و «إنباء الغمر» (7/ 403) ، و «الضوء اللامع» (10/ 191) .

ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن الخطيب جلال الدّين، والحديث عن عماد الدّين بن بردس، وغيرهما، واشتغل بدمشق على ابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهما، ومهر، وتصدّى للإفتاء والتدريس ببلده من أول سنة إحدى وثمانين وهلم جرا، وولى قضاء بلده مرارا فحمدت سيرته، وكان كثير البرّ للطلبة، سليم الباطن، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وله أوراد وعبادة، وانتهت إليه رئاسة الفقه ببلده إلى أن توفي في جمادى الآخرة. وفيها جمال الدّين يوسف بن الشيخ إسماعيل الأنبابي [1] . قال ابن حجر: ابن القدوة إسماعيل. أخذ الكثير عن شيوخنا، وقرأ في الفقه، والأصول، والعربية، وأكثر جدا، ثم انقطع بزاوية أبيه بأنبابة، وأحبه الناس واعتقدوه، وحجّ مرارا، وكان يذكر لنفسه نسبا إلى سعد بن عبادة، ومات في شوال وخلّف مالا كثيرا جدا. انتهى. وفيها السلطان قرا يوسف بن محمد قرا التّركماني [2] ملك العجم. كان في أول أمره من التركمان الرحّالة النزّالة، فتنقلت به الأحوال إلى أن استولى بعد اللّنك على عراق العرب والعجم، ثم ملك تبريز، وبغداد، وماردين، وغيرها، واتسعت مملكته، وكان ينتمي إلى أحمد بن أويس، وتزوج أحمد أخته، ثم وقع بينهما، وتقابلا، فهرب أحمد منه، فملك بغداد سنة خمس وثمانمائة، فأرسل إليه اللّنك عسكرا، فهرب إلى دمشق، واجتمع مع أحمد بن أويس وتصالحا، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن قتل مرزاشاه بن اللّنك في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة، واستبدّ بملك العراق، وسلطن ابنه محمد شاه ببغداد، ثم نهب سنجار، والموصل، وأوقع بالأكراد، واختلف الحال بينه وبين شاه رخ، ثم تصالحا وتحالفا وتصاهرا، ثم انتقض الصّلح سنة سبع عشرة وتحاربا. وفي سنة إحدى وعشرين سبى أهل عنتاب، وقتل، وأسر، وأفحش في القتل والسّبي بحيث أبيع

_ [1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 146) و «إبناء الغمر» (7/ 404) و «الضوء اللامع» (10/ 302) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 397) و «الضوء اللامع» (6/ 216) .

صغير واحد بدرهمين، وحرق المدينة، وأخذ أموالها، وتوجه إلى البيرة فنهبها، ثم بلغه أن ولده محمد شاه عصى عليه ببغداد فتوجه إليه وحصره واستصفى أمواله وعاد إلى تبريز، وكان شديد الظّلم، قاسي القلب، لا يتمسك بدين، واشتهر عنه أن في عصمته أربعين امرأة، وقد خرجت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين. وتوفي بتبريز في ذي القعدة وقام بعده ابنه إسكندر .

سنة أربع وعشرين وثمانمائة

سنة أربع وعشرين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن هلال الحلبي [1] . اشتغل قديما على الشيخ شمس الدّين بن الخرّاط وغيره، وكان مفرط الذّكاء، وأخذ التّصوف عن شمس الدّين البلالي، ثم توغل في مذهب أهل الوحدة ودعا إليه، وصار كثير الشطح، وجرت له وقائع، وكان أتباعه يبالغون في إطرائه ويقولون: هو نقطة الدائرة، إلى غير ذلك من مقالاتهم المستبشعة. قاله ابن حجر. وفيها جقمق [2] . كان من أبناء التّركمان، فاتفق مع بعض التجار أن يبيعه ويقسم ثمنه بينهما ففعل، فتنقل في الخدم حتّى تقرّر دويدارا ثانيا عند الملك المؤيد قبل سلطنته، ثم استمرّ، وكان يتكلم بالعربية [3] لا يشك من جالسه أنه من أولاد الأحرار، ثم استقرّ دويدارا كبيرا إلى أن قرّره الملك المؤيد في نيابة الشام، فبنى السوق المعروف بسوق جقمق، وأوقفه على المدرسة التي بناها قرب الأموي، ثم أظهر العصيان لما مات الملك المؤيد. قال المقريزي: كان سيء السيرة، شديدا في دواداريته على الناس، حصّل أموالا كثيرة، وكان فاجرا، ظلوما، غشوما، لا يكف عن قبيح [4] . انتهى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 434) ، و «الضوء اللامع» (2/ 241) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 435) ، و «الضوء اللامع» (3/ 74- 75) . [3] في «آ» : «بالعربي» . [4] في «ط» : «قبح» .

قتله ططر بدمشق بعد أن صادره، في أمواله في أواخر شعبان، ودفن بمدرسته لصيق الكلّاسة. وفيها الملك المؤيد شيخ بن عبد الله المحمودي [1] . قدم القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان جميل الصورة، فمات جالبه، فاشتراه محمود تاجر المماليك، وانتسب إليه، وقدّمه لبرقوق فأعجبه وجعله خاصكيا، ثم جعله من السّقاة، ونشأ ذكيا، فتعلم الفروسية من اللعب بالرّمح، ورمي النّشّاب والضّرب بالسيف وغير ذلك، ومهر في جميع ذلك، مع جمال الصّورة، وكمال العشرة، والتهتّك، وضرب بسبب ذلك، ثم تنقلت به الأحوال من الإمارة على الحاج وغير ذلك، إلى أن ولي نيابة الشام، ثم تسلطن يوم الاثنين مستهل شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة. قال في «المنهل» : وكان ملكا، شجاعا، مقداما، مهابا، سيوسا، عارفا بالحروب والوقائع، جوادا على من يستحق الإنعام، بخيلا على من لا يستحقه إلى الغاية، طويلا، بطينا، واسع العينين، أشهلهما، كثّ اللّحية، جهوري الصّوت، فحّاشا، سبّابا، ذا خلق سيء، وسطوة، وجبروت، وهيبة زائدة، يرجف القلب عند مخاطبته، محبّا لأهل العلم، مبجلا للشرع، مذعنا له، غير مائل إلى شيء من البدع، إلا أنه كان مسرفا على نفسه، متظاهرا بذلك، وبنى أماكن تقام فيها الخطبة، منها جامعه المؤيدي داخل باب زويلة الذي ما عمر في الإسلام أكثر زخرفة وأحسن ترخيما منه بعد جامع دمشق. وتوفي يوم الاثنين تاسع المحرم. وسلطنوا ولده المظفّر أبا السعادات وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام. قال المقريزي: واتفق في موته موعظة وهو أنه لما غسّل لم يوجد له منشفة ينشف بها، فنشّف في منديل لبعض من حضر من الأمراء، ولا وجد له مئزر يستره،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 435) و «الضوء اللامع» (3/ 308) و «المنهل الصافي» (6/ 263- 312) و «الدليل الشافي» (1/ 346) .

حتّى أخذ له مئزر صوف صعيدي من فوق رأس بعض جواريه، ولا وجد له طاسة يصب بها عليه الماء وهو يغسل، مع كثرة ما خلّف من الأموال. انتهى. ودفن بقبته التي أنشأها بالجامع المؤيدي بباب زويلة. وفيها أبو الفتح ططر بن عبد الله الظّاهري [1] ، ملك الدّيار المصرية والشامية. كان من جملة مماليك الظّاهر برقوق، ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة مقدم ألف بالدّيار [2] المصرية، وتنقلت به الأحوال إلى أن مرض الملك المؤيد، وأوصى له بالتكلم على ابنه أحمد، فلما مات المؤيد خرج ططر إلى البلاد الشامية بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر، وعزل، وولّي، ثم دخل حلب، ثم عاد إلى دمشق، واستمال الخواطر، وتحبّب إلى الأمراء، ثم عزم على خلع الملك المظفّر لصغره، فخلعه في تاسع عشري شعبان من هذه السنة، وتسلطن هو، ولقّب بالملك الظّاهر أبي الفتح، وجلس على كرسي الملك، ثم في سابع عشر شهر رمضان برز من دمشق إلى الدّيار المصرية فوصلها يوم الخميس رابع شوال، فمرض ولزم بيته إلى يوم الثلاثاء أول ذي القعدة، نصل، ودخل الحمام، وتباشر الناس بعافيته، ثم أخذ مرضه يتزايد إلى ثاني ذي الحجّة، فجمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة، وعهد لولده محمد، وأن يكون الأمير جانبك الصّوفي متكلما في الأمور، وحلف الأمراء على ذلك، كما حلف هو غير مرّة لابن الملك المؤيد، وتوفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجّة وله نحو خمسين سنة، ودفن بالقرافة بجوار الإمام اللّيث بن سعد، وكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوما، وفي هذه المدة اليسيرة لا يستقلّ ما فعل من الانتقام والجور وسفك الدماء، فأتعب نفسه، ومهد لغيره، وكان ملكا عارفا فطنا، عفيفا عن المنكرات، مائلا إلى العدل، يحب الفقهاء وأهل العلم، ويذاكر بالفقه، ويشارك فيه، وله فهم وذوق في البحث، بارعا في حفظ الشعر التركي، عارفا بمعانيه، وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط، مع طيش

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 438) و «الضوء اللامع» (4/ 7- 8) ، و «الدليل الشافي» (1/ 363) . [2] في «آ» : «الدّيار» .

وخفّة، وكان قصيرا جدا كبير اللّحية أسودها، مليح الشكل، يتكلم بأعلى حسّه، وفي صوته بحة، شنعة، كثير التعصب لمذهب الحنفية، يريد أن لا يدع أحدا من الفقهاء غير الحنفية. قاله في «المنهل الصّافي» . وفيها جلال الدّين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدّين عمر بن رسلان البلقيني [1] الشافعي. ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وأمه بنت القاضي بهاء الدّين بن عقيل النّحوي، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن وعدة متون في عدة علوم، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، والتفسير، والمعاني، والبيان، وأفتى، ودرّس في حياة والده، وتولى قضاء العسكر بالدّيار المصرية في حياة والده أيضا. قال المقريزي: لم يخلّف بعده مثله في كثرة علومه بالفقه وأصوله، والحديث، والتفسير، والعربية، والنّزاهة عما ترمي به قضاة السوء. انتهى. وممن أثنى عليه جلال الدّين بن ظهيرة المكّي، وأنشد فيه لنفسه: هنيئا لكم يا أهل مصر جلالكم ... عزيز فكم من شبهة قد جلا لكم ولولا اتّقاء الله جلّ جلاله ... لقلت لفرط الحبّ جلّ جلالكم وقال ابن تغري بردي، بعد أن أثنى عليه أحسن الثناء: وأنا أعرف به من غيري فإنه كان تأهل بكريمتي، وما نشأت إلّا عنده، وقرأت عليه غالب القرآن الكريم، وكان إذا توجه إلى منتزه يأخذني صحبته إلى حيث سار، فإذا أقمنا بالمكان يطلبني ويقول: اقرأ الماضي من محفوظك فأقرأ عليه ما شاء الله أن أقرأه. وتوفي ليلة الخميس بعد العشاء الآخرة بساعة الحادي عشر من شوال. وفيها تاج الدّين أبو نصر عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد بن

_ [1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 112) و «إنباء الغمر» (7/ 440) و «الضوء اللامع» (4/ 106) و «الدليل الشافي» (1/ 403) و «النجوم الزاهرة» (14/ 237) .

خطاب البقاعي [1] الفاري- بالفاء والراء الخفيفة- نسبة إلى قرية بالبقاع تسمّى بيت فار- الدمشقي الشافعي. ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وحفظ «التمييز» وغيره، واشتغل على والده، وعلى النّجم ابن الجابي، والشريشي، وغيرهم، ونشأ هو وأخوه عبد الله على خير وتصون، ودرّس في حياة أبيه بالعادلية الصّغرى، واستمرت بيده إلى أن مات، ودرّس بعد أبيه بالشامية البرّانية، وولي إفتاء دار العدل، وناب في الحكم مدة طويلة، وولّاه الأمير نوروز القضاء باتفاق الفقهاء عليه بعد موت الأخنائي، فباشره مباشرة حسنة، فلما غلب المؤيد على نوروز صرفه ولم يعزله بسوء، فلزم الشباك الكمالي بجامع دمشق يفتي، وبالشامية يدرّس، وكان حسن الرأي والتدبير، ديّنا له حظ من عبادة إلّا أنه لم يكن مشكورا في مباشرة الوظائف، وكان عاقلا، ساكنا، كثير التّلاوة، يقوم اللّيل، كثير الأدب والحشمة، طاهر اللّسان. توفي في أحد الرّبيعين. قاله ابن حجر. وفيها قتل أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الخالق المريني [2] . قتله مدبر مملكته عبد العزيز الكناني، وقتل إخوته وأولاده وأكابر البلد وأبطالها وشيوخها، وكانت فتنة كبيرة انقطعت فيها دولة بني مرين من فاس، وأقام محمد بن أبي سعيد في المملكة، واستبدّ هو بتدبير الأمور، فسبحان من لا يزول ملكه. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم البوصيري الشافعي [3] . قال ابن حجر: كان خيّرا، ديّنا، كثير النّفع للطلبة، يحج كثيرا ويقصد الأغنياء لنفع الفقراء وربما استدان للفقراء على ذمته ويوفي الله عنه، وكانت له عبادة، وتؤثر عنه كرامات.

_ [1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 116) و «إنباء الغمر» (7/ 442) و «الضوء اللامع» (5/ 96) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 427) و «الضوء اللامع» (5/ 124) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 445) .

مات في سادس ربيع الآخر. انتهى. وفيها عزّ الدّين محمد بن خليل بن هلال الحاضري الحلبي الحنفي [1] . ولد في أحد الجمادين سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ورحل إلى دمشق، فأخذ بها عن جماعة، منهم ابن أميلة، قرأ عليه «سنن أبي داود» و «الترمذي» ودخل القاهرة، فأخذ عن الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، والجمال الإسنوي، ورحل إلى القاهرة مرة أخرى، وتفقه ببلده، وحفظ كتبا نحو الخمسة عشر كتابا في عدة فنون، وقرأ على العراقي في علوم الحديث، وأجاز له، ولازم العلم إلى أن انفرد، وصار المشار إليه ببلاده، وولي قضاء بلده، ودرّس، وأفتى، وكان محمود السيرة، مشكور الطريقة. قال البرهان المحدّث: لا أعلم بالشام كلها مثله ولا بالقاهرة مثل مجموعه الذي اجتمع فيه من العلم الغزير، والتواضع، والدّين المتين، والذّكر، والتّلاوة. انتهى. وتوفي في أحد الجمادين. وفيها رضي الدّين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله الفاسي الحسني المكّي المالكي [2] . ولد في رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وسمع الحديث، وتفقه، وأفتى، ودرّس، وولي قضاء المالكية، ثم عزل، فناب عن القاضي الشافعي، وكان خيّرا ساكنا، متواضعا، ذاكرا للفقه. توفي في ربيع الأول. وأخوه محبّ الدّين أبو عبد الله محمد [3] . كان أسنّ منه أجاز له ابن أميلة وغيره، ومهر في الفقه.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 446) و «الضوء اللامع» (7/ 232) . [2] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 105) و «إنباء الغمر» (7/ 447) و «الضوء اللامع» (8/ 41) . [3] ترجمته في «العقد الثمين» (2/ 113) و «إنباء الغمر» (7/ 447) .

سنة خمس وعشرين وثمانمائة

سنة خمس وعشرين وثمانمائة فيها كما قال ابن حجر [1] : ولدت فاطمة بنت القاضي جلال الدّين البلقيني من بعلها تقي الدّين رجب بن العماد قاضي الفيّوم ولدا خنثى، له ذكر وفرج أنثى، وقيل: إن له يدين زائدتين نابتتان في كتفيه، وفي رأسه قرنان كقرني الثّور، فيقال: ولدته ميتا، ويقال: مات بعد أن ولدته. انتهى. وفيها أخذ الفرنج مدينة سبتة من أيدي المسلمين [2] . وفيها كان الطّاعون الشديد بحلب، حتّى خلال أكثر البلد من الناس [2] . وفيها برهان الدّين إبراهيم بن أحمد البيجوري الشافعي [3] . ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، وأخذ عن الإسنوي، ولازم البلقيني، ورحل إلى الأذرعي بحلب سنة سبع وسبعين، وبحث معه، وكان الأذرعي يعترف له بالاستحضار، وشهد له الشيخ جمال الدّين الحسباني عالم دمشق بأنه أعلم الشافعية بالفقه في عصره. وقال محيى الدّين المصري: فارقته سنة خمس وثمانين وهو يسرد «الروضة» حفظا، وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، لا يتردد إلى أحد، سليم الباطن، لا يكتب

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (7/ 448- 449) . [2] انظر «إنباء الغمر» (7/ 464) . [3] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 91) و «إنباء الغمر» (7/ 470) و «الضوء اللامع» (1/ 17) .

على الفتوى تورعا، وولي بأخرة مشيخة الفخرية بين السورين، وكان الطلبة يصححون عليه تصانيف العراقي نقلا وفهما، وكانوا يراجعون العراقي في ذلك فلا يزال يصلح في تصانيفه ما ينقلونه له عنه، ولم يخلّف بعده من يقارنه، وكان فقيرا جدا، مع قلّة وظائف. وتوفي يوم السبت رابع عشر رجب، رحمه الله تعالى. وفيها برها الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عيسى بن عمر بن زياد العجلوني الدمشقي الشافعي، الشهير بابن خطيب عذراء [1] . ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بعجلون، وحفظ «المنهاج» في صغره، واشتغل على مشايخ عصره، ودأب في الفقه خصوصا «الروضة» وتصدّر للاشغال مدة طويلة، وولي قضاء صفد في أيام الظّاهر برقوق سنة ثلاث وثمانمائة، وقدم دمشق سنة ست وثمانمائة، وولي نيابة الحكم، وأقام على ذلك سنين، ثم تنزه عن ذلك كلّه وأكب على الأشغال، وصار يفتي ويدرّس، إلى أن حصل له فالج فلزم منه الفراش من غير أن يتكلم إلى أن توفي سابع عشري المحرم. وفيها صدر الدّين أبو بكر بن تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن مفلح المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [2] . ولد سنة ثمانين وسبعمائة، وتفقه قليلا، واستنابه أبوه وهو صغير، واستنكر الناس منه ذلك، ثم ناب لابن عبادة، وشرع في عمل المواعيد بجامع الأرموي، وشاع اسمه، وراجع بين العوام، وكان على ذهنه كثير من التفسير، والأحاديث، والحكايات، مع حضور شديد في الفقه، وولي القضاء استقلالا في شوال سنة سبع عشرة فباشر خمسة أشهر ثم عزل وتوفي في جمادى الآخرة. قاله ابن حجر.

_ [1] ترجمته في «طبقات ابن قاضي شهبة» (4/ 93) و «إنباء الغمر» (7/ 471) و «الضوء اللامع» (1/ 156) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 473) و «الضوء اللامع» (11/ 13) ، و «السحب الوابلة» ص (123) .

وفيها نفيس الدّين سليمان بن إبراهيم بن عمر التّعزي [1] الشافعي [2] ، الفقيه العلوي- نسبة إلى علي بن بلي بن وائل-. سمع أباه، وابن شدّاد، وغيرهما، وعني بالحديث، وأحب الرواية، واستجيز له من جماعة من أهل مكة. قال ابن حجر: وسمع مني، وسمعت منه، وكان محبّا في السماع والرواية، محثا على ذلك، مع عدم مهارة فيه، فذكر لي أنه مرّ على «صحيح البخاري» مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة، وحصل من شروحه كثيرا، وحدّث بالكثير، وكان محدّث أهل بلده. مات في ذي الحجّة، وقد جاوز الثمانين. وفيها صدقة بن سلامة بن حسين بن بدران بن إبراهيم بن جملة الجيدوري [3] ثم الدمشقي المقرئ. عني بالقراءات وأتقنها، وأقرى بالجامع الأموي، وأدّب خلقا، وانتفعوا به، وله تآليف في القراآت. توفي في عاشر جمادى الأولى. وفيها أسد الدّين عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا التّنكزي [4] ، مسند الشّام. قال ابن حجر: تفرّد، وحدّث، وحجّ في سنة أربع وعشرين وثمانمائة بمكّة، ورجع فمات بدمشق في ثاني عشر ذي القعدة، وكان مسند الشام. وفيها عثمان بن سليمان الصّنهاجي [5] .

_ [1] في «آ» : «التغري» وهو خطأ. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 474) ، و «الضوء اللامع» (3/ 29) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 475) و «الضوء اللامع» (3/ 317) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (4/ 132) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (5/ 129) .

قال ابن حجر في «إنباء الغمر» : من أهل الجزائر الذين بين تلمسان وتونس، رأيته كهلا وقد جاوز الخمسين وقد شاب أكثر لحيته، وطوله إلى رأسه ذراع واحد بذراع الآدميين لا يزيد عليه شيئا، وهو كامل الأعضاء، وإذا قام قائما يظنّ من رآه أنه صغير قاعد، وهو أقصر آدمي رأيته، وذكر لي أنه صحب أبا عبد الله بن الغمار، وأبا عبد الله بن عرفة، وغيرهما، ولديه فضيلة ومحاضرة حسنة. انتهى. وفيها علي بن أحمد بن علي المارديني [1] . سمع من ابن قواليح «صحيح مسلم» بدمشق، وحدّث عنه. وتوفي بمكّة في شوال. وفيها صبر الدّين علي بن سعد الدّين محمد [2] ملك المسلمين بالحبشة. كان شجاعا، فارسا، شديدا على كفرة الحبشة، وجرت له معهم وقائع عديدة. وتوفي مبطونا واستقرّ بعده أخوه. وفيها شمس الدّين أبو المعالي محمد بن أحمد بن معالي الحبتي [3]- بفتح الحاء المهملة، وسكون الموحدة، وفوقية، نسبة إلى حبتة بنت ملك بن عمرو بن عوف- الحنبلي المحدّث. ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع من عمر بن أميلة، والعماد بن كثير، وغيرهما، ومهر في فنون كثيرة، وتفقّه بابن قاضي الجبل، وابن رجب، وغيرهما، وتعانى الآداب فمهر، وقدم القاهرة في رمضان سنة أربع وثمانمائة، وحدّث بها ببعض مسموعاته، وقصّ على الناس في عدة أماكن، وناب في الحكم، وكان يحب جمع المال، مع مكارم الأخلاق، وحسن الخلق، وطلاقة الوجه، والخشوع التّام.

_ [1] ترجمته في «العقد الثمين» (6/ 138) ، و «إنباء الغمر» (7/ 436) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 476) ، و «الضوء اللامع» (5/ 283) . [3] ترجمته في «المقصد الأرشد» (2/ 67) و «إنباء الغمر» (7/ 480) و «الضوء اللامع» (7/ 107) .

قال ابن حجر: سمعنا بقراءته «صحيح البخاري» في عدة سنين بالقلعة، وسمعنا من مباحثه وفوائده ونوادره وماجرياته. وتوفي فجأة ليلة الخميس وقت العشاء ثامن عشري المحرم بالقاهرة. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن خالد الشافعي، المعروف بابن البيطار [1] . سمع من مشايخ ابن حجر معه، وغيره، وكان وقورا، ساكنا، حسن الخلق، كثير التّلاوة. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد الزّراتيتي الحنبلي [2] المقرئ إمام الظّاهرية البرقوتية. ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وعني بالقراءات، ورحل فيها إلى دمشق وحلب، وأخذ عن المشايخ، واشتهر بالدّين والخير. قال ابن حجر: سمع معنا الكثير، وسمعت منه شيئا يسيرا، ثم أقبل على الطلبة بأخرة، فأخذوا عنه القراآت، ولازموه، وأجاز للجماعة، وانتهيت إليه الرئاسة في الإقراء بمصر، ورحل إليه من الأقطار، ونعم الرجل كان. توفي يوم الخميس سادس جمادي الآخرة بعد أن أضرّ. وفيها السلطان محمد جلبي بن با يزيد [3] بن مراد بن أورخان بن [4] عثمان. كان يلقب بكرشي. كان شجاعا مقداما مجاهدا، فتح عدة قلاع وبلاد،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 481) و «الضوء اللامع» (8/ 180) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 482) و «الضوء اللامع» (9/ 11) ، و «السحب الوابلة» ص (413) . [3] في «آ» و «ط» : «بن أبي يزيد» والصواب ما أثبته نقلا عن «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (777) و «الشقائق النعمانية» ص (37) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 484) و «الضوء اللامع» (10/ 47) و «الشقائق النعمانية» ص (37) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (149- 152) و 777) .

وبنى المدارس، وعمر العماير، وهو أول من عمل الصرة [1] للحرمين الشريفين من آل عثمان، رحمه الله تعالى. وفيها بدر الدّين محمود بن العلّامة شمس الدّين الأقصرائي [2] الأصل المصري المولد والدار والوفاة الحنفي. ولد سنة بضع وتسعين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وطلب العلم، فبرع في الفقه والعربية، وشارك في عدة فنون، ورأس على أقرانه، وجالس الملك المؤيد شيخ، ثم اختص بالملك الظّاهر ططر اختصاصا زائدا، وتردّد الناس إلى بابه، وتحدّثوا برفعته فعوجل بمنيته ليلة الثلاثاء خامس المحرم.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الصر» والتصحيح من «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (152) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (7/ 484) و «الضوء اللامع» (10/ 143) وفيه «محمود بن محمد بن إبراهيم بن أحمد البدر» .

سنة وست وعشرين وثمانمائة

سنة وست وعشرين وثمانمائة فيها كان طاعون مفرط بالشام، حتّى قيل: إن جملة من مات في أيام يسيرة زيادة على خمسين ألفا، ووقع أيضا بدمياط طاعون عظيم. وفيها توفي إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي الخواجا [1] التّاجر المشهور صاحب المدرسة بالجسر الأبيض. كان كثير المال، واسع العطاء، كثير البذل. قاله ابن حجر. وفيها الحافظ ولي الدّين أبو زرعة أحمد بن حافظ العصر شيخ الإسلام عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي [2] الإمام بن الإمام، والحافظ ابن الحافظ، وشيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام الشافعي. ولد في ذي الحجّة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبكّر به أبوه، فأحضره عند المسند أبي الحرم القلانسي في الأولى، وفي الثانية، واستجاز له من أبي الحسن العرضي، ثم رحل به إلى الشام في سنة خمس وستين وقد طعن في الثالثة، فأحضره عند جمع كثير من أصحاب الفخر ابن البخاري وأنظارهم، ثم رجع، فطلب بنفسه وقد أكمل أربع عشرة سنة، فطاف على الشيوخ، وكتب الطّباق، وفهم الفنّ، واشتغل في الفقه، والعربية، والمعاني، والبيان، وأحضر على جمال

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 120) و «الضوء اللامع» (1/ 118) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 21) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 103) و «الضوء اللامع» (1/ 302) و «حسن المحاضرة» (1/ 206) و «الدليل الشافي» (1/ 53) و «البدر الطالع» (1/ 72) .

الدّين الإسنوي، وشهاب الدّين ابن النّقيب، وغيرهما، وأقبل على التّصنيف، فصنّف أشياء لطيفة في فنون الحديث، ثم ناب في الحكم، وأقبل على الفقه، فصنّف «النّكت على المختصرات الثلاثة» جمع فيها بين «التوشيح» للقاضي تاج الدّين السّبكي، وبين «تصحيح الحاوي» لابن الملقّن، وزاد عليهما فوائد من «حاشية الروضة» للبلقيني، ومن «المهمات» للإسنوي، وتلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرأوه عليه، واختصر أيضا «المهمات» وأضاف إليها «حواشي البلقيني على الروضة» . وكان لما مات أبوه تقرّر في وظائفه، فدرّس بالجامع الطّولاني وغيره، ثم ولي القضاء الأكبر، وصرف عنه، فحصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض تلامذته، بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغي، فكان يقول: لو عزلت بغير فلان ما صعب عليّ، وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم، وقياما في الحقّ وطلاقة وجه، وحسن خلق، وطيب عشرة. وتوفي في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر رمضان عن ثلاث وستين سنة وثمانية أشهر، ودفن عند والده، رحمهما الله تعالى. وفيها مجد الدّين أبو البركات سالم بن سالم بن أحمد المقدسي ثم المصري الحنبلي [1] ، قاضي القضاة بالدّيار المصرية وشيخ الإسلام بها. ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وقدم القاهرة في سنة أربع وستين، واستقرّ في القضاء بعد وفاة القاضي موفق الدّين بن نصر الله المتقدّم ذكره، وكان يعدّ من فقهاء الحنابلة وأخيارهم، باشر القضاء نيابة واستقلالا أكثر من ثلاثين سنة بتواضع وعفّة، وعزل بابن مغلي، فقال بعضهم عند عزله: قضى المجد قاضي الحنبليّة نحبه ... بعزل وما موت الرّجال سوى العزل وقد كان يدّعى قبل ذلك سالما ... فخالطه فرط انسهال من المغلي

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 28) و «الضوء اللامع» (3/ 241) و «السّحب الوابلة» ص (170) .

وتوفي يوم الخميس تاسع عشري [1] ذي القعدة بعد أن ابتلي بالزّمانة والعطلة عدة سنين. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدّين محمد بن إسماعيل القلقشندي [2] الشافعي، سبط الشيخ صلاح الدّين العلائي. اشتغل على أبيه وغيره، وأحبّ الحديث وطلبه، وكتب الطّباق بخطّه، وصنّف، ونظم، وكان فاضلا نبيها. قال ابن حجر: سمع معي في الرحلة إلى دمشق، كثيرا بها، وبنابلس، والقدس، وغيرها، وصار مفيد بلده في عصره، وقدم القاهرة في هذه السنة فأسمع ولده بها من جماعة، وكان حسن العقل والخط، حاذقا، رجع إلى بلده فمات بها، وأسفنا عليه، رحمه الله تعالى. انتهى. وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن علي بن أحمد النّويري ثم المكّي الشافعي العقيلي [3] . ولد سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وتفقّه، ومهر، وقرأ «سنن أبي داود» على السّراج البلقيني سنة اثنتين وثمانمائة، وكان أبوه مالكي المذهب، فخالفه وأقام بالقاهرة مدة، وأخذ عن شيوخها، وأذن له الشيخ برهان الدّين الأنباسي، وبدر الدّين الطّنبدي، ثم دخل اليمن وولي القضاء بتعزّ، ثم رجع إلى مكة فتوفي بها في حادي عشر ذي الحجّة. وفيها عبد القادر، ويدعى محمدا، ابن قاضي الحنابلة علاء الدّين علي بن محمود بن المغلي السّليماني ثم الحموي الحنبلي [4] . نشأ على طريقة حسنة، ونبغ، وحفظ «المحرّر» وغيره.

_ [1] في «آ» : «تاسع عشر» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 29) و «الضوء اللامع» (4/ 124) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 31) و «الضوء اللامع» (4/ 221) و «العقد الثمين» (5/ 452) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 31) و «الضوء اللامع» (4/ 280) .

وتوفي مراهقا في نصف ذي القعدة وأسف أبوه عليه جدا، ولم يكن له ولد غيره. وفيها نور الدّين علي بن رمح بن سنان بن قنا الشافعي [1] . سمع من عزّ الدّين ابن جماعة وغيره، ولم ينجب، وصار بأخرة يتكسّب في حوانيت الشهود، وهو أحد الصّوفية بالخانقاه البيبرسية. وتوفي عن أزيد من ثمانين سنة. وفيها زين الدّين وسراج الدّين عمر بن عبد الله بن علي بن أبي بكر، الأديب الشاعر، الأنصاري الأسواني [2] نزيل القاهرة. ولد بأسوان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وقدم القاهرة فأقام بها مدة، ثم توجه إلى دمشق، وأخذ الأدب عن الشيخ جلال الدّين ابن خطيب داريا، ثم عاد إلى القاهرة واستوطنها إلى أن مات بها. قال المقريزي: كان يقول الشعر، ويتقن شيئا من العربية، مع تعاظم وتطاول وإعجاب بنفسه، واطّراح جانب الناس، لا يرى أحدا وإن جلّ شيئا، بل يصرّح بأن أبناء زمانه كلّهم ليسوا بشيء، وأنه هو العالم دونهم، وأنه يجب على الكافة تعظيمه والقيام بحقوقه وبذل أموالهم كلها له، لا لمعنى فيه يقتضي ذلك، بل سوء طباع، وكان يمدح فلا يجد من يوفيه حقه بزعمه، فيرجع إلى الهجاء، فلذلك كان مشنوءا عند الناس. ومن شعره [3] : إنّ دهري لقد رماني بقوم ... هم على بلوتي أشدّ حثيثا إن أفه بينهم بشيء أجدهم ... لا يكادون يفقهون حديثا

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 32) و «الضوء اللامع» (5/ 220) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 33) و «الضوء اللامع» (6/ 95) . [3] البيتان في «إنباء الغمر» ورواية الشطر الأول من البيت الأول فيه كما يلي: إن ذا الدهر قد رماني بقوم

وتوفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول. وفيها زين الدّين عمر بن محمد الصّفدي ثم النّيني [1]- بنون مفتوحة، ثم ياء تحتية ساكنة، ثم نون- الشافعي. اشتغل قديما، ومهر، حتّى صار يستحضر «الكفاية» لابن الرّفعة، وأخذ بدمشق عن علاء الدّين حجي وأنظاره. وسمع من ابن قوالح، وناب في الحكم في بلاد عديدة في معاملات حلب، ثم قدم القاهرة قبل العشرين وثمانمائة، ونزل بالمؤيدية في طلبة الشافعية، وكان كثير التقتير على نفسه. وتوفي بمصر في جمادى الأولى وقد قارب الثمانين، ووجد له مبلغ عند بعض الناس فوضع يده عليه ولم يصل لوارثه منه شيء، عفا الله عنه. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن المكّي [2] . ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وتعانى الشهادة، ولازم مجلس القاضي شمس الدّين بن التّقي، وولي رئاسة المؤذنين بجامع الأموي، وكان من خيار العدول، عارفا، جهوري الصّوت، حسن الشكل، طلق الوجه، منوّر الشّيبة، أصيب بعدة أولاد له كانوا أعيان عدول البلدة مع النجابة والوسامة فماتوا بالطاعون ثم توفي هو في جمادى الأولى. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد الغزّي الحلبي المقرئ، المعروف بابن الركّاب [3] . ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بغزّة، وتعانى الاشتغال بالقراءات، فمهر، وقطن بحلب، واشتغل في الفقه بدمشق مدة، ثم أقبل على التّلاوة والإقراء، فانتفع

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 34) و «الضوء اللامع» (6/ 118) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 36) و «الضوء اللامع» (8/ 101) و «السحب الوابلة» ص (396) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 36) و «الضوء اللامع» (8/ 158) وفيه: «ابن أبي البركات» .

به [1] أهل حلب، واقرأ أكابرهم وفقراءهم بغير أجرة. وممن قرأ عليه قاضي حلب علاء الدّين ابن خطيب الناصرية، وكان قائما بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومواظبة الإقراء، مع الهرم. وتوفي في تاسع عشر ربيع الأول. وفيها محمد بن الشيخ شمس الدّين محمد بن عبد الدائم البرماوي [2] . كان قد مهر، وحفظ عدة كتب، وتوجه مع أبيه إلى الشام فمات بالطّاعون، ولم يكمل العشرين سنة، وأسف عليه أبوه، ولم يقم بالشام بعده بل قدم القاهرة.

_ [1] لفظه «به» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 37) و «الضوء اللامع» (9/ 90) .

سنة سبع وعشرين وثمانمائة

سنة سبع وعشرين وثمانمائة فيها توفي الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بن الأفضل عبّاس بن المجاهد علي صاحب اليمن [1] . استقرّ في المملكة بعد أبيه سنة ثلاث وثمانمائة، وجرت له كائنات، وكان فاجرا جائرا. قال ابن حجر: مات بسبب صاعقة سقطت على حصنه من زجاج فارتاع من صوتها فتوعك. ثم مات في سادس عشر جمادى الآخرة. قال الله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها من يَشاءُ 13: 13 [الرّعد: 13] . انتهى بحروفه. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله البوتيجي الشافعي [2] . تفقه ومهر، وحفظ «المنهاج» وكان يتكسّب بالشهادة، ثم تركها تورعا. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن أحمد النّويري المكّي المالكي [3] ، قاضي مكّة وإمام المالكية بحرمها الشريف وابن إمامهم. ولد في صفر سنة ثمانين وسبعمائة، وسمع على والده، والعفيف عبد الله،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 49) و «الضوء اللامع» (1/ 239) و «الدليل الشافي» (1/ 41) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 50) و «الضوء اللامع» (1/ 371) . [3] ترجمته في «العقد الثمين» (3/ 98) و «الضوء اللامع» (2/ 8) .

وبقراءة أخيه عبد العزيز المذكور في السنة التي قبلها على الشيخ نصر الله بن أحمد البغدادي الحنبلي، ومن جماعة أخر بمكّة. وحفظ «رسالة ابن أبي زيد المالكي» وتفقه على الشريف أبي الخير الفاسي وغيره، وأفتى، ودرّس، وولي بعد وفاة والده بمدة إمامة المالكية بالحرم، ثم بعد مدة طويلة ولي القضاء فلم يتمّ أمره، ودام مصروفا إلى أن توفي قبيل العصر من يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن بالمعلاة، وكان له ثروة. وفيها القاضي محبّ الدّين أحمد بن الشيخ جمال الدّين محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي [1] قاضي مكّة وابن قاضيها، ومفتيها وابن مفتيها. ولد في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وحفظ «المنهاج» وعدة كتب، وتفقه بوالده وغيره، وأذن له في الإفتاء الشّهاب الغزّي، والشّهاب ابن حجي، وغيرهما. وكان ماهرا في الفقه والفرائض، حسن السيرة في القضاء، ولي من سنة ثماني عشرة إلى أن مات. وتوفي في جمادى الأولى، وخلت مكّة بعده ممن يفتي فيها على مذهب الشافعي. قاله ابن حجر. وفيها زين الدّين أبو بكر بن عمر بن محمد الطّريني ثم المحلّي المالكي [2] الشيخ الفاضل المعتقد. كان صالحا، ورعا، حسن المعرفة بالفقه، قائما في نصر الحق، وله أتباع وصيت كبير. وتوفي في حادي عشر ذي الحجّة وقد جاوز الستين. وفيها الملك العادل فخر الدّين أبو المفاخر سليمان بن الملك الكامل

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 50) و «الضوء اللامع» (2/ 134) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 51) و «الضوء اللامع» (11/ 64) .

غازي بن محمد بن أبي بكر بن شادي [1] صاحب حصن كيفا وابن صاحبه. تسلطن في الحصن بعد موت أبيه، وحسنت أيامه، وكان مشكور السيرة، محبّبا للرعية، مع الفضيلة التّامة، والذكاء، والمشاركة الحسنة، وله نظم، ونثر، وديوان شعر لطيف. ومن شعره: أريعان الشّباب عليك منّي ... سلام كلّما هبّ النّسيم سروري مع زمانك قد تناءى ... وعندي بعده وجد مقيم فلا برحت لياليك الغوادي ... وبدر التّمّ لي فيها نديم يغازلني بغنج والمحيّا ... يضيء وثغره درّ نظيم وقد مثل لدنّ [2] إن تثنّى ... وريقته بها يشفي السّقيم إذا مزجت رحيق مع رضاب ... ونحن بليل طرّته نهيم ونصبح في ألذّ العيش حتّى ... تقول وشاتنا هذا النّعيم ونرتع في رياض الحسن طورا ... وطورا للتّعانق نستديم واستمرّ في مملكة الحصن إلى أن توفي، وأقيم بعده ولده الملك الأشرف أحمد المقتول بيد أعوان قرايلك في سنة ست وثلاثين وثمانمائة. وفيها عبيد الله [3] بن محمد بن محمد [4] بن محمد [4] بن زبد- بالزاي والباء الموحدة [5]- البعلبكي الشافعي، المعروف بان زبد [6] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 53) و «الضوء اللامع» (3/ 268) و «المنهل الصافي» (6/ 48- 51) و «الدليل الشافي» (1/ 320) . [2] في «الضوء اللامع» : «وقد سل لدن» . [3] كذا في «آ» و «ط» : «عبيد الله» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «عبد الله» . [4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [5] كذا في «آ» و «ط» : «ابن زبد بالزاي والباء الموحدة» وفي «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «ابن زيد» بالياء. [6] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 54) و «الضوء اللامع» (5/ 65- 66) .

ولد سنة ستين وسبعمائة تقريبا، وتفقه على ابن الشّريشي، والقرشي، وغيرهما بدمشق. ثم ولي قضاء بلده قبل اللّنك، ودرّس وأفتى، ثم ولي قضاء طرابلس في سنة عشر، ثم ولاه المؤيد قضاء دمشق عوضا عن نجم الدّين بن حجي في سنة تسع عشرة، ثم في سنة ست وعشرين في أيام الأشرف، وكانت مدته في الولايات يسيرة جدا الأولى ستة أشهر، والثانية شهرا ونصفا. ولما صرف في النّوبة الثانية حصل له ذلّ كبير، وقهر زائد، وذهب غالب ما كان حصّله في عمره، ولحقه فالج، فاستمرّ به إلى أن مات في ربيع الأول. قاله ابن حجر. وفيها أبو محمد بن عبد الله بن مسعود بن علي الملبّي [1] المعروف بابن القرشية [2] . أخذ عن أبيه عن الوادياشي، وعن أبي عبد الله بن عرفة، وأبي علي عمر بن قدّاح الهواري، وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية. أخذ عنه «المسلسل بالأولية» و «مصافحة المعمّرين» وأبي عبد الله بن مرزوق في آخرين تتضمنهم «فهرسته» التي أجاز فيها لابن أخيه أبي الفرج سرور بن عبد الله القرشي. وتوفي بتونس على ما ذكره ابن أخيه سرور. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد الزّرندي المدني الحنفي [3] قاضي الحنفية بالمدينة المنورة. ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة، وسمع على عزّ الدّين بن جماعة، وصلاح الدّين العلائي، وأجاز له الزّبير بن علي الأسواني، فكان خاتمة أصحابه. وتوفي في ربيع الأول.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «الحلبي» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 55) و «الضوء اللامع» (5/ 70) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 56) و «الضوء اللامع» (4/ 105) و «التحفة اللطيفة» (2/ 518) .

وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أبي الفتح محمد بن أبي المكارم أحمد بن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الشريف الحسني الفاسي [1] الأصل المكي الحنبلي أخو قاضي القضاة سراج الدّين عبد اللّطيف الحنبلي. ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وقرأ، وتفقه، وناب في الحكم عن أخيه شقيقه سراج الدّين المذكور. وتوفي بمكة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان، ودفن بالمعلاة. قاله تقي الدّين الفاسي في «تاريخه» . وفيها نور الدّين علي [بن محمد] بن عبد الكريم الفوي [2] . قال ابن حجر: سمع من الشيخ جمال الدّين بن نباتة، وأحمد بن يوسف الخلاطي، وغيرهما. وحدّث بالكثير. سمعت عليه «السيرة النبوية» لابن هشام ونعم الشيخ كان. مات في خامس ذي الحجّة وبلغ الستين. وفيها [3] نور الدّين [3] علي بن لؤلؤ [4] . قال ابن حجر: كان عالما متورّعا، لا يأكل إلّا من عمل يده، ولم يتقلّد وظيفة قطّ، ولازم الإقراء بالجامع الأزهر وغيره، وانتفع الناس به، وله مقدّمة في العربية سهلة المأخذ. مات في عشر الستين. انتهى. وفيها عيسى بن يحيى الرّيغي- براء، ومثناة تحية، وغين معجمة، نسبة

_ [1] ترجمته في «العقد الثمين» (5/ 47) و «الضوء اللامع» (4/ 287) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 56) و «الضوء اللامع» (5/ 313) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 57) و «الضوء اللامع» (5/ 276) .

إلى ريغة إقليم بالمغرب- المغربي [1] المالكي، نزيل مكة. قال الفاسي: كان خيرا متعبدا معتنيا بالعلم نظرا وإفادة، وله في النحو وغيره يد، وسمع الحديث بمكّة على جماعة من شيوخها والقادمين إليها، وكان كثير السعي في مصالح الفقراء والطّرحاء، وجمعهم من الطرقات إلى البيمارستان المستنصري بالجانب الشامي من المسجد الحرام، وربما حمل الفقراء المنقطعين بعد الحجّ إلى مكّة من منى، وجاور بمكة سنين كثيرة تقارب العشرين [2] وتأهل فيها بنساء من أعيان مكة، ورزق بها أولادا، وبها توفي ليلة الاثنين سلخ المحرم، ودفن بالمعلاة وهو في عشر الستين ظنا [2] وفيها محمد بن أحمد بن المبارك الحموي بن الخرزي الحنفي [3] ولد قبل سنة ستين وسبعمائة، واشتغل على الصّدر منصور وغيره [4] من أشياخ الحنفية بدمشق، ثم سكن حماة، وتحول إلى مصر بعد اللّنك، وناب في الحكم، ثم تحوّل إلى دمشق، ودرّس، وكان مشاركا في عدة فنون إلّا أن يده في الفقه ضعيفة، وكان كثير المرض. وتوفي في شعبان. وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن سليمان بن جعفر القرشي المخزومي الإسكندراني [5] المالكي النحوي الأديب. قال السيوطي في «طبقات النّحاة» : [6] ولد بالإسكندرية سنة أربع وستين وسبعمائة، وتفقه، وتعانى الأدب ففاق في النحو [6] والنّظم، والنّثر، والخط، ومعرفة الشّروط، وشارك في الفقه وغيره، وناب في الحكم، ودرّس بعدة مدارس، وتقدم، ومهر، واشتهر ذكره، وتصدّر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، ثم رجع إلى

_ [1] ترجمته في «العقد الثمين» (6/ 472) و «الضوء اللامع» (5/ 158) وفيه «الريفي» . [2- 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 58) و «الضوء اللامع» (7/ 38) . [4] لفظة «وغيره» سقطت من «ط» . [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 184) و «بغية الوعاة» (1/ 66) . [6- 6] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

الإسكندرية، واستمرّ يقرئ بها، ويحكم، ويتكسب بالتجارة، ثم قدم القاهرة، وعيّن للقضاء لم يتفق له، ودخل دمشق سنة ثمانمائة، وحجّ منها، وعاد إلى بلده، وتولي خطابة الجامع، وترك الحكم، وأقبل على الاشتغال، ثم أقبل على أشغال الدنيا وأمورها، فتعانى الحياكة، وصار له دولاب متّسع، فاحترقت داره، وصار عليه مال كثير، ففرّ إلى الصّعيد، فتبعه غرماؤه، وأحضروه مهانا إلى القاهرة، فقام معه الشيخ تقي الدّين بن حجة، وكاتب السرّ ناصر الدّين البارزي، حتّى صلحت حاله، ثم حجّ سنة تسع عشرة، ودخل اليمن سنة عشرين، ودرّس بجامع زبيد نحو سنة فلم يرج له بها أمر، فركب البحر إلى الهند، فحصل له إقبال كثير، وعظّموه، وأخذوا عنه، وحصل له دنيا عريضة، فبغته الأجل ببلد كلبرجة من الهند في شعبان، قتل مسموما. وله من التصانيف: «شرح الخزرجية» و «جواهر البحور» في العروض، و «تحفة الغريب في شرح مغني اللّبيب» و «شرح البخاري» و «شرح التسهيل» و «الفواكه البدرية» من نظمه و «مقاطع الشرب ونزول الغيث» وهو حاشية على الغيث الذي انسجم في «شرح لامية العجم» للصّفدي و «عين الحياة» مختصر «حياة الحيوان» للدّميري، وغير ذلك. روى لنا عنه غير واحد. ومن شعره: رماني زماني بما ساءني ... فجاءت نحوس وغابت سعود وأصبحت بين الورى بالمشيب ... غليلا فليت الشّباب يعود وله في امرأة جبّانة: مذ تعانت لصنعة الجبن خود [1] ... قتلتنا عيونها الفتّانة لا تقل لي كم مات فيها قتيل؟ ... كم قتيل بهذه الجبّانة

_ [1] رواية الشطر الأول من البيتين في «بغية الوعاة» كما يلي: منذ عانت صناعة الجبن خود

انتهى كلام السيوطي بحروفه ومن نظمه أيضا: قلت له والدّجى مولّ ... ونحن بالأنس في التّلاقي قد عطس الصّبح يا حبيبي ... فلا تشمّته بالفراق وله ملغزا في غزال: إنّ من قد هويته ... محنتي في وقوفه فإذا زال ربعه ... زال باقي حروفه وفيها نجم الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف الذّروي الأصل الصّعيدي ثم المكّي الشافعي، المعروف بالمرجاني [1] . ولد سنة ستين وسبعمائة بمكة، وأسمع على العزّ بن جماعة وغيره، وقرأ في الفقه والعربية، وتصدى للتدريس والإفادة، وله نظم حسن ونفاذ في العربية، وحسن عشرة، ورحل في طلب الحديث إلى دمشق، فسمع من ابن خطيب المزّة، وابن المحبّ، وابن الصّيرفي، وغيرهم بإفادة الياسوفي وغيره، وكان يثني عليه وعلى فضائله، وحدّث قليلا، فسمع منه ابن حجر. وتوفي في رجب. وفيها شمس الدّين محمد بن سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد المقدسي الحنفي، المعروف بابن الدّيري [2] نسبة إلى مكان بمردا من جبل نابلس. ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وسبعمائة، وتعانى الفقه والاشتغال في الفنون، وعمل المواعيد، ثم تقدم في بلده حتّى صار مفتيها والمرجوع إليه فيها، وكانت له أحوال مع الأمراء وغيرهم، يقوم فيها عليهم ويأمرهم بكف الظّلم، واشتهر اسمه، فلما مات ناصر الدّين بن العديم في سنة تسع عشرة استدعاه المؤيد فقرّره في قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان قدمها مرارا، فباشرها بصرامة، وشهامة،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 159) و «الضوء اللامع» (7/ 182) و «العقد الثمين» (1/ 429) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 60) و «الضوء اللامع» (8/ 88) وفيهما: «محمد بن عبد الله بن سعد ... » .

وقوة نفس، ثم انمزج مع المصريين، ومازج [1] الناس، وكان منقادا لما يأمر ويروم ابن البارزي، ولما كملت المؤيدية قرّر في مشيختها، وظنّ أن السلطان لا يخرج عنه القضاء، فجاء الأمر بخلاف ظنّه، فإنه لما قرّره في المشيخة قال له: استرحنا واسترحت، يشير بذلك إلى كثرة الشكاوي عليه من الأمراء، وكان ابن الديري، كثير الازدراء بأهل عصره، لا يظنّ أن أحدا منهم يعرف شيئا، مع دعوى عريضة وشدّة إعجاب مع شدّة التعصب لمذهبه والحطّ على مذهب غيره، سامحه الله. وكان يأسف على بيت المقدس، ويقول: سكنته أكثر من خمسين سنة، ثم أموت في غيره، فقدرت وفاته به في سابع ذي الحجّة، واستقرّ ولده سعد الدّين في مشيخة المؤيدية. وفيها المولى حافظ الدّين محمد بن محمد الكردي الحنفي المشهور بابن البزّازي [2] له كتاب مشهور من الفتاوى، اشتهر ب «الفتاوى البزّازية» وكتاب في مناقب الإمام الأعظم، وكتاب في «المطالب العالية» نافع جدا، ولما دخل بلاد الرّوم ذاكر وباحث المولى الفناري، وغلبه في الفروع، وغلبه الفناري في الأصول. وتوفي في أواسط رمضان. وفيها شرف الدّين يعقوب بن جلال، واسم جلال رسولا [3] ، ويسمى أيضا أحمد الرّومي الحنفي العجمي الأصل المصري المولد والدار والوفاة، المعروف بالتبّاني- بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الموحدة التحتية، لسكنه بالتبانة خارج القاهرة-. نشأ بالقاهرة، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه، والأصلين، والعربية، والمعاني، والبيان، وأفتى، ودرّس سنين، وولي وكالة بيت المال، ونظر الكسوة،

_ [1] في «إنباء الغمر» : «وساس» وفي «الضوء اللامع» : «وياسر» . [2] ترجمته في «تلفيق الأخبار» (2/ 39) و «أعلام» (7/ 45) و «معجم المؤلفين» (3/ 177- 178) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 61) و «الضوء اللامع» (10/ 282) و «الدليل الشافي» (2/ 790) .

ومشيخة خانقاه شيخون، كان ذا همّة عالية، ومكارم، وبرّ، وإيثار، وصدقة، وحرمة في الدولة، وكلمة مسموعة، وصلة بالأمراء والأكابر، واختص بالملك المؤيد شيخ اختصاص كثيرا، وعظم، وضخم، وتردّد الناس إلى بابه، وهو منع ذلك ملازم للاشتغال والإشغال، مع الدّيانة والصّيانة. قاله في «المنهل الصّافي» . وشرع في شرح «المشارق» . وتوفي بالقاهرة فجأة يوم الأربعاء سادس عشر صفر عن نيف وسبعين سنة، واستقرّ بعده في الشيخونية سراج الدّين قارئ «الهداية» .

سنة ثمان وعشرين وثمانمائة

سنة ثمان وعشرين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأسدي العبشمي، الشهير جدّه بالطواشي [1] . ولد بعد الستين وسبعمائة، وأحضر في الثالثة على ابن جماعة، وأسمع على الضّياء الهندي وغيره، وأجاز له الكمال بن حبيب، ومحمد بن جابر، وأبو جعفر الرّعيني، وأبو الفضل النّويري، والزّرندي، والأميوطي، وغيرهم، وكان خيّرا، ديّنا، منقطعا عن الناس. توفي بمكة يوم الجمعة سابع عشر شعبان. وفيها الإمام في الأدب وفنونه الزّين شعبان بن محمد بن داود المصري الأثاري [2] . قاله في [3] «ذيل دول الذهبي» . وفيها الحافظ نور الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف الشّافعي المكي السّلمي، المعروف بابن سلامة [4] . ولد في سابع شوال سنة ست وأربعين وسبعمائة بمكّة، وسمع بها من الشيخ خليل المالكي، والعزّ ابن جماعة، وغيرهما، ورحل إلى بغداد، فسمع بها على جماعة، ورحل إلى البلاد الشامية والمصرية، فسمع بها على من لا يحصى ما لا

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 80) و «الضوء اللامع» (1/ 256) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 82) و «الضوء اللامع» (3/ 301) و «الذيل التام على دول الإسلام» . [3] لفظة «في» سقطت من «آ» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 85) و «الضوء اللامع» (5/ 183) و «العقد الثمين» (6/ 139) .

يحصى، وسمع ببيت المقدس، وبلد الخليل، ونابلس، والإسكندرية، وعدة من البلاد، وأجاز له جماعة كثيرة، وله مشيخة شيوخة بالسّماع والإجازة، و «فهرست» ما سمعه وقرأه من الكتب والأجزاء تخريج الإمام تقي الدّين بن فهد، وتفقه بجماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس جماعة، منهم سراج الدّين بن الملقّن، وبرهان الدّين الأبناسي، وكان له حظ من العبادة، وله عناية كثيرة بالقراءات. ومن نظمه وقد أهدى للشيخ شمس الدّين بن الجزريّ من ماء زمزم: ولقد نظرت فلم أجد يهدى لكم ... غير الدّعاء المستجاب الصّالح أو جرعة من ماء زمزم قد سمت ... فضلا على مدّ الفرات السّائح هذا الذي وصلت له يد قدرتي ... والحقّ قلت ولست فيه بمازح فأجابه الشيخ شمس الدّين بن الجزري: وصل المشرّف من إمام مرتضى ... نور الشّريعة ذي الكمال الواضح وذكرت أنّك قد نظرت فلم تجد ... غير الدّعاء المستجاب الصّالح أو جرعة من ماء زمزم حبّذا ... ما قد وجدت ولست فيه بمازح أما الدّعاة فلست أبغي غيره ... ما كنت قطّ إلى سواه بطامح وتوفي ابن سلامة بمكّة المشرّفة يوم السبت رابع عشري شوال. وفيها القاضي علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلي الحنبلي [1] أعجوبة الزّمان الحافظ. قال في «المنهل» : ولد بحماة، وقيل بسلمية سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ونشأ بحماة، وطلب العلم، وقدم دمشق، فتفقّه بابن رجب الحنبلي وغيره، وسمع «مسند الإمام أحمد» وغيره، وبرع في الفقه، والنحو، والحديث، وغير ذلك. وتولى قضاء حماة وعمره نحو عشرين سنة، ثم قضاء حلب، وعاد إلى بلده حماة،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 86) و «الضوء اللامع» (6/ 34) و «الدليل الشافي» (1/ 481) .

وولي قضاءها، وحمدت سيرته، إلى أن طلبه السلطان المؤيد شيخ إلى الدّيار المصرية، وولاه قضاء قضاة الحنابلة بها مضافا إلى قضاء حماة. وكان إماما، عالما، حافظا، يحفظ في كل مذهب من المذاهب الأربعة كتابا يستحضره في مباحثه. وكان سريع الحفظ إلى الغاية، ويحكى عنه في ذلك غرائب، منها ما حكى بعض الفقهاء قال: استعار منّي أوراقا نحو عشرة كراريس، فلما أخذها منّي احتجت إلى مراجعتها في اليوم، فرجعت إليه بعد ساعة هنيّة وقلت: أريد أنظر في الكراريس نظرة ثم خذها ثانيا، فقال: ما بقي لي فيها حاجة قد حفظتها، ثم سردها من حفظه. وتوفي بالقاهرة قاضيا يوم الخميس العشرين من المحرّم، ودفن بتربة باب النصر، وخلّف مالا جمّا ورثه ابن أخيه محمود. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري البيري [1] الشافعي [2] أخو جمال الدّين الاستادار. ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، وتفقه على أبي البركات الأنصاري، وسمع من أبي عبد الله بن جابر، وأبي جعفر الغرناطي نزيل البيرة بحلب، وولي قضاء البيرة مدة، ثم قضاء حلب سنة ست وثمانمائة، ثم تحوّل إلى القاهرة في دولة أخيه، وتوجه إلى مكّة فجاور بها، ثم قدم فعظم قدره، وعيّن للقضاء، ثم ولي مشيخة البيبرسية، ثم درّس بالمدرسة المجاورة للشافعي، ثم انتزعتا منه بعد كائنة أخيه، ثم أعيدت إليه البيبرسية في سنة ست عشرة، ثم صرف عنها بابن حجر في سنة ثماني عشرة، ثم قرّر في مشيخة سعيد السّعداء، وكان قد ولي خطابة بيت المقدس. وتوفي في سحر يوم الجمعة رابع عشري ذي الحجّة.

_ [1] لفظة «البيري» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 89) و «الضوء اللامع» (7/ 43) و «الدليل الشافي» (2/ 595) .

وفيها شمس الدّين محمد بن القاضي شهاب الدّين أحمد الدّمزي المالكي [1] . ولد سنة بضع وستين وسبعمائة، وتفقّه، وأحبّ الحديث، فسمعه وطاف على الشيوخ. قال ابن حجر: وسمع معنا كثيرا من المشايخ [2] وكان حسن المذاكرة، جيد الاستحضار، ودرّس بالناصرية الحسنية وغيرها [2] . وكان قليل الحظ. مات في العشرين من جمادى الأولى. انتهى. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن المحبّ عبد الله السّعدي المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي [3] ، المحدّث الإمام. ولد في شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وأحضره والده في السنة الأولى من عمره مجالس الحديث، وأسمعه كثيرا على عدة شيوخ، منهم عبد الله ابن القيّم، وأحمد بن الحوفي، وعمر بن أميلة، وستّ العزّ ابنة محمد بن الفخر بن البخاري، وحدّث قبل فتنة تمرلنك وبعدها، وصنّف شرحا على البخاري، وله نظم ونثر، وكان يقرأ «الصحيحين» في الجامع الأموي، وحصل به النّفع العام. توفي بطيبة في رمضان وقد رأى في نومه من نحو عشرين سنة ما يدل على موته هناك. وفيها شمس الدّين محمد الحموي النّحوي، المعروف بابن العيّار [4] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 91) وفيه «الدفري» . [2- 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 93) و «الضوء اللامع» (9/ 194) و «السحب الوابلة» ص (427) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 93) و «بغية الوعاة» (1/ 289) .

قال ابن حجر: كان في أول أمره حائكا، ثم تعانى الاشتغال فمهر في العربية، وأخذ عن ابن جابر وغيره، ثم سكن دمشق، ورتّب له على الجامع تصدير بعناية البارزي، وكان حسن المحاضرة، ولم يكن محمودا في تعاطى الشهادات. مات في ذي القعدة. انتهى.

سنة تسع وعشرين وثمانمائة

سنة تسع وعشرين وثمانمائة في رمضانها كان فتح قبرس، وعمل زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن الخرّاط موقّع الدست بالقلعة قصيدة طويلة فائية أولها: بشراك يا ملك الملوك الأشرف ... بفتح قبرس بالحسام المشرفي فتح بشهر الصّوم تمّ قتاله ... من أشرف في أشرف في أشرف قالت دمى تلك البلاد وقد عفا ... إنجيلهم أهلا بأهل المصحف وفي آخرها: لم تخلف الأيام مثلك فاتكا ... ملكا ومثلي شاعرا لم تخلف فيك التّقى والعدل والإحسان في ... كلّ الرّعية والوفا والفضل في وبيع السّبي والغنائم، وحمل الثمن إلى الخزانة السلطانية، وفرّق في الذين جاهدوا منه بعضه. وفيها نهب المدينة عاملها عجلان بن ثابت لما بلغه أنه عزل بابن عمه حسن بن جمّاز، وهدم أكثر بيوتها، وحرق، وسلم منه بيوت الرافضة، وأقام قاضيا رافضيا بها يقال له: الصّيقل، ولم يسلم منه من أرباب الخدم إلّا القاضي الشافعي لأنه استجار بقريب لعجلان يقال له: مانع فأجاره. وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد القطوي الشافعي [1] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 109) و «الضوء اللامع» (2/ 208) .

ولد بقطية سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وأبوه إذ ذاك الحاكم [1] بها، ونشأ نشأة حسنة، وحفظ «الحاوي» ، واشتغل في الفرائض، ولازم الشيخ شمس الدّين العراقي في ذلك، وكان يستحضر «الحاوي» وكثيرا من شرحه، واشتغل في العربية قليلا، ثم ولي قضاء قطية [2] بعد أبيه، ثم ولي قضاء غزّة في أول الدولة المؤيدية، ثم استقرّ في دمياط [3] مع بقاء قطية معه، فاستناب فيها قريبة زين الدّين عبد الرحمن، واستمرّ في دمياط [3] في غاية الإعزاز والإكرام، وكان كثير الاحتمال، حسن الأخلاق، وصاهر ابن حجر على ابنته رابعة، ودخل بها وهي [4] بكر سنة خمس عشرة، وولدت منه بنتا، ثم مات عنها في شهر رمضان، وكثر الأسف عليه. وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى بن موسى بن حريز بن سعيد بن داود بن قاسم بن علي بن علوي بن ناشي بن جوهر بن علي بن أبي القاسم بن سالم بن عبد الله بن عمر بن موسى بن يحيى بن علي الأصغر بن محمد المتّقي بن حسن العسكري [5] بن علي بن محمد الجواد بن علي الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحصني،- نسبة إلى الحصن قرية من قرى حوران [6]- ثم الدمشقي الفقيه الشافعي [7] . ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وتفقه بالشّريشي، والزّهري، وابن الجابي، والصّرخدي، والغزّي، وابن غنّوم. وأخذ عن الصّدر الياسوفي، ثم

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «الحكم» . [2] تحرفت في «ط» إلى «قضية» . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [4] لفظة «وهي» سقطت من «آ» . [5] لفظة «العسكري» سقطت من «ط» . [6] قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 265) : «حصن مقدية» : هو من أعمال أذرعات من أعمال دمشق. [7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 110) وفيه «محمد بن عبد الله» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 97- 99) و «الضوء اللامع» (11/ 81) و «درر العقود الفريدة» (1/ 190- 191) .

انحرف عن طريقته، وحطّ على ابن تيميّة [1] ، وبالغ في ذلك، وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق، وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة، وكان يميل إلى التقشف ويبالغ في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وللناس فيه اعتقاد زائد، ولخّص «المهمات» في مجلد، وكتب على «التنبيه» . قال القاضي تقي الدّين الأسدي: كان خفيف الرّوح، منبسطا، له نوادر، ويخرج إلى النّزه ويبعث الطلبة على ذلك، مع الدّين المتين، والتّحري في أقواله وأفعاله، وتزوّج عدة نساء، ثم انقطع وتقشّف وانجمع، وكل ذلك قبل القرن [2] ثم ازداد بعد الفتنة تقشّفه وانجماعه، وكثرت مع ذلك أتباعه، حتّى امتنع من مكالمة الناس، ويطلق لسانه في القضاة وأصحاب الولايات، وله في الزّهد والتّقلّل من الدنيا حكايات تضاهي ما نقل عن الأقدمين، وكان يتعصب للأشاعرة، وأصيب في سمعه وبصره فضعف، وشرع في عمارة رباط داخل باب الصغير، فساعده الناس بأموالهم وأنفسهم، ثم شرع في عمارة خان السّبيل ففرغ في مدة قريبة، وكان قد جمع تآليف كثيرة قبل الفتنة، وكتب بخطّه كثيرا في الفقه والزّهد. وقال السخاوي: شرح «التنبيه» و «المنهاج» وشرح «مسلم» في ثلاث مجلدات، ولخص «المهمات» في مجلدين، وخرّج أحاديث «الإحياء» مجلد [3] وشرح «النواوية» مجلد، و «أهوال القيامة» مجلد، وجمع «سير نساء السّلف العابدات» مجلد، و «قواعد الفقه» مجلد، و «تفسير القرآن إلى الأنعام» آيات متفرقة مجلد، و «تأديب القوم» مجلد، و «سير السالك» مجلد، و «تنبيه السالك على مضار [4] المهالك» ست مجلدات، و «شرح الغاية» مجلد، و «شرح النهاية»

_ [1] لفظة «تيمية» سقطت من «آ» . [2] أي قبل دخول القرن التاسع الهجري. [3] قلت: لم أعثر على ذكر لكتابه المذكور عند السخاوي في «الضوء اللامع» ولكن ذكره ابن قاضي شهبة في «طبقاته» في معرض حديثه عن مؤلفاته ولعل المؤلف قد نقل عنه وعزا النقل للسخاوي. والله أعلم. [4] في «ط» : «مظان» وما جاء في «آ» موافق لما عند ابن قاضي شهبة والسخاوي، وفي اسم الكتاب اختلاف.

مجلد، و «قمع النّفوس» مجلد، و «دفع الشّبه» مجلد، و «شرح أسماء الله الحسنى» مجلد، و «المولد» مجلد. وتوفي بخلوته بجامع المزّاز بالشاغور بعد مغرب ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة وصلّى عليه بالمصلي، صلّى عليه ابن أخيه، ثم صلّي عليه ثانيا عند جامع كريم الدّين، ودفن بالقبيبات في أطراف العمارة على جادة الطريق عند والدته، وحضر جنازته عالم لا يحصيهم إلا الله، مع بعد المسافة وعدم علم أكثر الناس بوفاته، وازدحموا على حمله للتبرك به، وختم عند قبره ختمات كثيرة، وصلّى عليه أمم ممن فاتته الصلاة على قبره، ورؤيت له منامات صالحة في حياته وبعد موته. انتهى. وفيها شمس الدّين شمس بن عطاء الهروي الرّازي الأصل [1] القاضي الشافعي. كان يكتب أيام قضائه محمد بن عطا قال ابن حجر: كان شيخا عالما [2] ، ضخما، طوالا، أبيض اللحية، مليح الشكل، إلا أن في لسانه مسكة. وقال الحافظ تاج الدّين محمد بن الغرابيلي [3] ما نصه- كما نقله عنه البرهان البقاعي-: محمد بن عطا شمس الدّين أبو عبد الله الهروي، شيخنا الامام العالم، أحد عجائب الوقت في كل أموره، حتى في كذبه وزوره، ولم ير مثل نفسه، ولا والله ما رأى أحد من أهل عصره المخرّفة مثله [4] في كل شيء من العلوم والظلم،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 113) . [2] لفظة «عالما» لم ترد في «ط» و «إنباء الغمر» . [3] هو محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود السالمي القاهري ثم الكركي المقدسي الشافعي، ويعرف بابن الغرابيلي، محدّث، حافظ، مؤرخ، مشارك في بعض العلوم. ولد بالقاهرة وتوفي فيها سنة (835 هـ-) . انظر «الضوء اللامع» (9/ 306- 308) و «معجم المؤلفين» (11/ 296) . [4] في «ط» : «ولا والله ما رأى من أهل عصره أحد مثله» ولفظة «المخرّقة» تصحفت فيها إلى «المخرقة» وتأخرت إلى ما بعد لفظة «والظلم» .

ولولا أني كنت أشاهد جوارحه في كل وقت لقلت: إنه شيطان، خرج إلى الناس في زي إنسان. أفردت ترجمة تشتمل على عجائبه في نحو كرّاسة. مات- رحمه الله وأرضى عنه خصومه- يوم الاثنين بعد الفجر تاسع عشر ذي الحجّة من جمرة طلعت بين كتفيه، وصلّى عليه بعد الظهر بالمسجد الأقصى، وحمل إلى تربة ماملا فدفن إلى جوار شيخنا العلّامة أحد الزّهّاد عمر البلخي، رحمه الله تعالى. انتهى بحروفه. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن علي بن إسحاق بن سلام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الدمشقي الشافعي [1] . ولد سنة خمس أو ست وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» و «الألفية» و «مختصر ابن الحاجب» . وتفقه على علاء الدّين بن حجي، وابن قاضي شهبة، وغيرهما. وأخذ الأصول عن الضّياء القرمي، وارتحل إلى القاهرة، فقرأ «المختصر» على الركراكي، وكان يطريه، حتّى كان يقول يعرفه أكثر من مصنّفه، فاشتهر وتميّز ومهر، وأصيب في الفتنة الكبرى بماله وفي يده بالحرق وأسروه، فسار معهم إلى ماردين، ثم انفلت منهم، وقرّره ابن حجي في الظّاهرية البرّانية، ونزل له التّاج الزّهري عن العذراوية، ودرّس بالرّكنية، وكان يقرئ في الفقه و «المختصر» إقراء حسنا، وله يد في الأدب والنّظم والنثر، وكان بحثه أقوى من تقريره، وكان مقتصدا في ملبسه وغيره، شريف النّفس، حسن المحاضرة، ينسب إلى نصرة مقالة ابن العربي، وكان يطلق لسانه في جماعة من الكبار، واتفق أنه حجّ في هذه السنة، فلما ردّ من الحجّ والزيارة مات في وادي بني سالم في أواخر ذي الحجّة، وحمل إلى المدينة فدفن بالبقيع وقد شاخ. وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن علي بن فارس المصري الحنفي،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 114) و «الضوء اللامع» (5/ 251) .

المعروف بقارئ الهداية [1] . قال في «المنهل» : شيخ الإسلام وعالم [2] زمانه. ولد بالحسينيّة ظاهر القاهرة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن العظيم، وطلب العلم، وتفقه بجماعة من علماء عصره، وجدّ ودأب، حتّى برع في الفقه وأصوله، والنحو، والتفسير، وشارك في عدة علوم، وصار إمام عصره ووحيد دهره، وتصدّى للإقراء والتدريس والفتوى عدة سنين، وانتهت إليه رئاسة السادة الحنفية في زمانه، وانتفع به غالب الطلبة، وصار المعوّل عليه في الفتوى بالدّيار المصريّة، وشاع ذكره، وبعد صيته، وتولى عدّة مدارس ووظائف دينية، وكان مهابا، وقورا، أوقاته مقسّمة للطلبة، وعلى دروسه خفر ومهابة، هذا مع اطراح الكلفة، والاقتصاد في ملبسه، والتعاطي لشراء ما يحتاجه من الأسواق بنفسه، وكان يسكن بين القصرين، ويذهب لتدريس الشيخونية على حمار، ولم يركب الخيل. انتهى ملخصا. وفيها كمال الدّين أبو الفضل محمد بن أحمد بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [3] ابن عمّ الشيخ جمال الدّين محمد. ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وسبعمائة، وسمع من عزّ الدّين بن جماعة، والشيخ خليل المالكي، والموفق الحنبلي، وابن عبد المعطي، وناب في الخطابة، وحدّث، وأضر بأخرة، وتوفي في صفر. وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن خالد بن أيوب الحفناوي- بفتح الحاء المهملة، وسكون الفاء، ونون، نسبة إلى حفنا قرية بمصر [4]- الشافعي [5]

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 115) و «الضوء اللامع» (6/ 109) و «الدليل الشافي» (1/ 501- 502) . [2] في «ط» : «وعلم» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 117) و «العقد الثمين» (1/ 293) . [4] انظر «التحفة السنية» ص (29) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 117) و «الضوء اللامع» (10/ 312) .

نشأ بحلب، وقرأ الفقه على ابن أبي الرضي، وقرأ عليه القراآت، ثم سافر إلى ماردين، فأخذ عن زين الدّين سريجا، وولي قضاء ملطية مدة، ثم دخل القاهرة، وولي [1] قضاء حلب، ثم قضاء طرابلس، ثم كتابة السرّ بصفد، وكان حسن الشكل، فائق الخطّ، قوي النّظم. وتوفي بطرابلس في ثالث عشر المحرم.

_ [1] في «ط» : «وتولى» .

سنة ثلاثين وثمانمائة

سنة ثلاثين وثمانمائة في عاشر جمادى الآخرة منها قبض على تغري بردي المحمودي وهو يومئذ رأس نوبة [كبير] ، وهو يلعب مع السلطان بالأكرة في الحوش، وذكر أن ذنبه أنه اختلس من أموال قبرس، وشيّع في الحال إلى الإسكندرية مقيّدا. ومن عجائب ما اتفق له في تلك الحال أن شاهد ديوانه شمس الدّين محمد بن الشامية لحقه قبل أن يصل إلى البحر، فقال له- وهو يبكي-: يا خوند! هل لك عندي مال؟ وقصد أن يقول: لا. فينفعه ذلك بعده عند السلطان وغيره، فكان جوابه له: أنا لا مال لي بل [المال] للسلطان، فلما سمعها ابن الشّامية دق صدره، واشتد حزنه، وسقط ميّتا من غير ضعف ولا علّة. قاله ابن حجر [1] . وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن يوسف الزّعيفريني الدمشقي ثم القاهري [2] . قال ابن حجر: كان أديبا بارعا. وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن نصير المتبولي الشافعي [3] القاضي، أحد نوّاب الحكم. قال في «المنهل» : ولد في حدود سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان فقيها

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 121) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 125) و «الضوء اللامع» (2/ 250) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 124) و «الضوء اللامع» (2/ 230) و «الدليل الشافي» (1/ 91) .

محدّثا. سمع الكثير، وحدّث عن محمد بن ازبك، وعمر بن أميلة، وستّ العرب، وآخرين. وتوفي يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول. انتهى. وفيها أويس بن شاه در بن شاه زاده بن أويس [1] صاحب بغداد. قتل في الحرب بينه وبين محمد شاه بن قرا يوسف، واستولى محمد شاه على بغداد مرّة أخرى. وفيها الملك المنصور عبد الله بن الناصر أحمد بن الأشرف [2] صاحب اليمن. توفي في جمادى الأولى، واستقرّ بعده الأشرف إسماعيل بن الناصر أحمد. وفيها نجم الدّين أبو الفتوح عمر بن حجّي بن موسى بن أحمد بن سعد السّعدي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي [3] . ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة، وقرأ القرآن، ومات والده وهو صغير، فحفظ «التنبيه» في ثمانية أشهر، وحفظ كثيرا من المختصرات، وأسمعه أخوه الشيخ شهاب الدّين من ابن أميلة وجماعة، واستجاز له من جماعة، وسمع هو بنفسه من جماعة كثيرة، وأخذ العلم عن أخيه وابن الشّريشي، والزّهري، وغيرهم، ودخل مصر سنة تسع وثمانين، فأخذ عن ابن الملقّن، والبدر الزّركشي، والعزّ بن جماعة، وغيرهم. وأذن له ابن الملقن، ولازم الشّرف الأنطاكي. قال ابن حجر: تعلّم العربية، وكان قليل الاستحضار إلّا أنه حسن الذّهن، جيد التّصرف، وحجّ سنة ست وثمانين، ثم ولي إفتاء دار العدل سنة اثنتين

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 127) و «الضوء اللامع» (2/ 324) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 127) و «الضوء اللامع» (5/ 5) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 129) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 122) و «الضوء اللامع» (6/ 78) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 257) و «الدليل الشافي» (1/ 496) .

وتسعين، وجرت له كائنة مع الباعوني هو والغزّي وغيرهما، فضربهم وطوّفهم، وسجنوا بالقلعة، وذلك في رمضان سنة خمس وتسعين، ثم حجّ سنة تسع وتسعين، وجاور وولي قضاء حماة مرتين، ثم قضاء الشام مرارا. وقال في «المنهل» : ثم طلب لقضاء الدّيار المصرية فامتنع، ولما كانت دولة الأشرف برسباي طلبه إلى الديار المصرية وخلع عليه باستقراره في كتابة السرّ في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وباشر ذلك بتجمّل وحرمة وافرة وعدم التفات إلى رفقته من مباشري الدولة، فعمل عليه بعضهم حتّى عزل وأخرج من القاهرة على وجه شنع في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين إلى دمشق، ثم جهّز إليه تقليد بقضاء دمشق، فباشر، وكان حاكما، صارما، مقداما، رئيسا، فاضلا، ذا حرمة وإحسان لأهل العلم والخير، واستمر قاضيا إلى أن قتل ببستانه في النّيرب خارج دمشق، ولم تدر زوجته إلّا وهو يضطرب في دمه، وذلك في ليلة الأحد مستهل ذي القعدة ولم يعرف قاتله. وفيها فتح الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن ختلوا الحلبي ابن الشّحنة [1] أخو العلّامة محبّ الدّين الحنفي. كان أصغر سنا من أخيه، واشتغل كثيرا في الفقه، وناب عن أخيه في الحكم، ثم تحوّل بعد الفتنة العظمى مالكيا، وولي القضاء، ثم عزل، وحصل له نكد لاختلاف الدول، ثم عاد إلى القضاء مرارا. قال القاضي علاء الدّين الحلبي: رافقته في القضاء، وكان صديقي وصاحبي وعنده مروءة وحشمة، وأنشد له من نظمه: لا تلوموا الغمام إن صبّ دمعا ... وتوالت لأجله الأنواء فاللّيالي أكثرن فينا الرّزايا ... فبكت رحمة علينا السّماء

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 150) و «إنباء الغمر» (8/ 128) .

وفيها تاج الدّين أبو عبد الله محمد بن المحدّث عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي الحنبلي [1] . ولد يوم السبت تاسع عشري جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة ببعلبك، وسمع من والده، وأسمعه أيضا من عدة، منهم أبو عبد الله بن الخبّاز. سمع منه «صحيح مسلم» و «جزء ابن عرفة» وهو آخر من حدّث عنه. وسمع من أبي عبد الله محمد بن يحيى بن السعر جميع «مسند الإمام أحمد» وتفرّد برواية «المسند» عنه ومن ابن الجوخي، وابن أميلة، وجماعة من أصحاب ابن البخاري، وحدّث، ورحل الناس إليه، وانتفع به جماعة، منهم الشيخ تقي الدّين بن قندس، وكان ملازما للاشغال في العلم ورواية الحديث، ولا يخلّ بتلاوة القرآن، مع قراءته لمحفوظاته، وكان طلق الوجه، حسن الملتقى، كثير البشاشة، ذا فكاهة ولين، مع عبادة وصلاح وصلابة في الدّين، مبالغا في حبّ الشيخ تقي الدّين بن تيميّة، وكان كثير الصّدقة سرّا، ملازما لقيام الليل، وله نظم ونثر، ومن نظمه ما كتب على استدعاء إجازته لجماعة: أجزت للإخوان ما قد سألوا ... مولاهم ربّ العلى في الأثر وذاك بالشّرط الّذي قرّره ... أئمّة النّقل رواة الأثر وتوفي ببعلبك في شوال. وفيها بدر الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل البشتكي [2] . كان أبوه فاضلا، فنزل بخانقاه بشتاك الناصري، فولد له بدر الدّين هذا بها، وكان جميل الصّورة، فنشى محبّا في العلم، وحفظ القرآن وعدة مختصرات، وتعانى الأدب فمهر فيه، ولازم ابن أبي حجلة، وابن الصّايغ، ثم قدم ابن نباتة فلازمه، ثم رافق جلال الدّين بن خطيب داريّا، وأخذ عن البهاء السّبكي وغيره.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 133) و «الضوء اللامع» (7/ 142) و «السحب الوابلة» ص (364) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 132) و «الضوء اللامع» (6/ 277) .

قال ابن حجر: وبالجملة، كان عديم النظير في الذكاء وسرعة الإدراك، إلا أنه تبلّد ذهنه بكثرة النسخ. سمعت منه كثيرا من شعره وفوائده. ومن نظمه: وكنت إذا الحوادث دنّستني ... فزعت إلى المدامة والنّديم لأغسل بالكؤوس الهمّ عنّي ... لأنّ الرّاح صابون الهموم وكانت وفاته فجأة داخل [1] الحمّام فمات في الحوض يوم الاثنين ثالث عشري جمادي الآخرة. وفيها شمس الدّين محمد بن خالد بن موسى الحمصي القاضي الحنبلي [2] المعروف بابن زهرة- بفتح الزاي- أول حنبلي ولي قضاء حمص. كان أبوه خالد شافعيا، فيقال إن شخصا رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال له: إن خالدا ولد له ولد حنبلي، فاتفق أنه كان ولد له هذا، فشغّله لما كبر بمذهب الحنابلة. وقرأ على ابن قاضي الجبل، وزين الدّين بن رجب، وغيرهما، وولي قضاء حمص. وفيها تقي الدّين محمد بن عبد الواحد بن العماد محمد بن القاضي علم الدّين أحمد بن أبي بكر الأخنائي [3] المالكي نائب الحكم. قال ابن حجر: كان من خيار القضاة. مات في سادس ذي الحجّة بمكة، وكان قد جاور بها [4] في هذه السنة. انتهى. وفيها محيي الدّين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن

_ [1] في «ط» : «دخل» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 134) و «السحب الوابلة» ص (378) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 135) و «الضوء اللامع» (8/ 132) . [4] في «آ» : «وكان قد جاور بمكة» .

محمد بن محمد بن محمد بن الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزّالي الشافعي الطّوسي [1] . قدم من بلاده إلى حلب في شهر رمضان من هذه السنة بعد أن كان دخل الشام قديما، وسمع من مسند الوقت ابن أميلة، وحدّث عنه في هذه القدمة. قال في «ذيل تاريخ حلب» : رأيت أتباعه يذكرون عنه علما كثيرا، وزهدا، وورعا، وأخبر عنه بعض الطلبة أنه حجّ مرارا، منها واحدة ماشيا على قدم التجريد، وكان معظّما في بلاده، وأخذ عنه إبراهيم بن علي الزّمزمي المكّي. وتوفي بحلب في العشر الأخير من شهر رمضان، وكانت جنازته مشهودة. انتهى، والله أعلم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 135) و «الضوء اللامع» (9/ 289) .

سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة

سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة فيها ولد السّخاوي تلميذ ابن حجر. وفيها توفي شمس الدّين محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله الكفيري [1] الشافعي العجلوني الأصل ثم الدمشقي [2] . ولد في العشر الأول من شوال سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وأخذ عن ابن قاضي شهبة وغيره، ولازم الشيخ شمس الدّين الغزّي مدة طويلة، واشتهر بحفظ الفروع، وكتب بخطه الكثير، وناب في الحكم، وولي بعض التداريس، وحجّ مرارا، وجاور، وولي مرة قضاء الركب، وجمع شرحا على «البخاري» في ست مجلدات. وكان قد لخص شرح ابن الملقن، وشرح الكرماني، ثم جمع بينهما، وسمع على ابن أميلة، وابن قواليح [3] وابن المحبّ، وابن عوض، وخلائق وصنّف «عين النّبيه في شرح التنبيه» واختصر «الروض الأنف» للسهيلي وسماه «زهر الروض» . وتوفي في ثالث عشر المحرم. وفيها تاج الدّين أبو حامد محمد بن بهادر بن عبد الله [4] .

_ [1] في «آ» : «الكفري» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 160) و «الضوء اللامع» (7/ 111) . [3] في «ط» : «ابن قوالح» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 204- 205) .

قال البرهان البقاعي: الإمام العلّامة القدوة سبط ابن الشهيد. كان يعرف علوما كثيرة، ويحلّ أي كتاب قرئ عليه سواء كان عنده له شرح أم لا، وكان فصيح العبارة، حسن التقرير، صحيح الذّهن، دينا، شديد الانجماع عن الناس، مع خفّة الروح، ولطافة المزاج، والصّبر على الطلبة، وعدم الميل إلى الدنيا، وكثرة التلاوة لكتاب الله تعالى، وإيثار العزلة والانقطاع في الجامع، مع التجمل في اللّباس والهيئة. وتوفي صبح يوم الثلاثاء تاسع شهر رمضان بدمشق عن ثلاث وثلاثين سنة، ولم أر جنازة أحفل من جنازته، وو الله لم يحصل لي بأحد من النفع ما حصل لي به. انتهى ملخصا. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الدائم بن عيسى بن فارس البرماوي الشافعي [1] . ولد في نصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وكان اسم والده فارسا فغيّره البرماوي، وتفقه وهو شاب، وسمع من إبراهيم بن إسحاق الآمدي، وعبد الرحمن بن علي [2] القارئ، وغيرهما. قال الحافظ تاج الدّين بن الغرابيلي الكركي ما نصه: هو أحد الأئمة الأجلاء، والبحر الذي لا تكدّره الدّلاء، فريد دهره ووحيد عصره، ما رأيت أقعد منه بفنون العلوم، مع ما كان عليه من التواضع والخير، وصنّف التصانيف المفيدة، منها «شرح البخاري» شرح حسن، ولخص «المهمات» و «التوشيح» ونظم «ألفية» في أصول الفقه لم يسبق إلى مثل وضعها وشرحها شرحا حافلا نحو مجلدين، وكان يقول: أكثر هذا الكتاب هو جملة ما حصلت في طول عمري، وشرح «لامية ابن مالك» شرحا في غاية الجودة، واختصر «السيرة» وكتب الكثير، وحشّى الحواشي المفيدة، وعلّق التعاليق النّفيسة والفتاوي العجيبة، وكان من عجائب دهره.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 161) و «الضوء اللامع» (8/ 280) . [2] لفظة «علي» سقطت من «ط» .

جاور بمكة سنة، ثم قدم إلى القاهرة، فوافى موت شيخنا شمس بن عطا الهروي، فولّي الصّلاحية، وقدم القدس، فأقام بها قريب سنة غالبها ضعيف بالقرحة [1] . وتوفي بها يوم الخميس ثامن عشري أحد الجمادين، ودفن بتربة ماملا بجوار الشيخ أبي عبد الله القرشي. انتهى. وكان بينه وبين ابن حجر نوع وقفة، والله أعلم.

_ [1] في «آ» : «بالقرية» .

سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة

سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة فيها توفي أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي المكّي [1] أخو محمد، وعبد الواحد. قال ابن حجر: ولد سنة ستين وسبعمائة، وسمع من محمد بن أحمد بن عبد المعطي «صحيح ابن حبّان» ومن عبد الله بن أسعد اليافعي «صحيح البخاري» ومن عزّ الدّين بن جماعة وغيرهم، وأجاز له الصّلاح ابن أبي عمر، وابن أميلة، وابن هبل، وابن قواليح، وغيرهم، وحدّث. وتوفي بمكّة يوم الخميس رابع ذي القعدة. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس محمد بن عمر بن أحمد، وقيل عبد الله، المعروف بالشّاب التائب الشافعي [2] . قال في «المنهل الصّافي» : الفقيه الشافعي، الواعظ المذكّر بالله تعالى. مولده بالقاهرة في حدود الستين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وتفقه، ومال إلى التّصوف، وطاف البلاد، وحجّ مرارا، ودخل اليمن مرتين، والعراق، والشام، وكثيرا من البلاد الشرقية. وكان ماهرا في الوعظ، والناس فيه اعتقاد زائد، وبنى زوايا بعدة بلاد، كمصر والشام وغيرهما، واستوطن دمشق فمات بها يوم الجمعة ثامن عشر رجب. انتهى ملخصا.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 180) و «الضوء اللامع» (1/ 191) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 181) و «الدليل الشافي» (1/ 67) و «الضوء اللامع» (2/ 5) وفيها جميعا: «أحمد بن عمر ... » فليحرر.

وفيها نور الدّين علي بن عبد الله [1] . قال في «المنهل» : «الشيخ الأديب المعتقد، النحريري المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشهير بابن عامرية. كان أديبا شاعرا فاضلا وأكثر شعره في المدائح النبوية. توفي بالنّحريرية [2] في يوم الخميس سادس عشر ربيع الآخر. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشّطّنوفي [3]- بفتح الشين المعجمة وتشديد الطاء المهملة، نسبة إلى شطّنوف بلد بمصر [4]- النحوي. قال السيوطي: ولد بعد الخمسين وسبعمائة، وقدم القاهرة شابا، واشتغل بالفقه، ومهر في العربية، وتصدّر بالجامع الطولوني في القراآت، وفي الحديث بالشيخونية، وانتفع به الطلبة، وسمع الحديث، وحدّث، ولم يرزق الإسناد العالي، وكان كثير التّواضع، مشكور السيرة. أخذ عنه النحو جماعة، شيخنا تقي الدّين الشّمنّي، وحدّثنا عنه خلق، منهم شيخنا علم الدّين البلقيني. وتوفي ليلة الاثنين سادس عشر ربيع الأول. وفيها الحافظ تقي الدّين أبو الطّيب محمد بن أحمد بن علي الفاسي ثم المكّي المالكي [5] مفيد البلاد الحجازية وعالمها.

_ [1] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (15/ 153) و «الدليل الشافي» (1/ 459) و «الضوء اللامع» (5/ 254) . [2] النحريرية: بلدة بمصر. انظر «تحفة السّنية» ص (70) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 187) و «الضوء اللامع» (6/ 256) و «بغية الوعاة» (1/ 10- 11) . [4] شطنوف: بلدة بمصر. انظر «التحفة السّنية» ص (106) . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 187) و «العقد الثمين» (1/ 331) و «الدليل الشافي» (2/ 585) و «الضوء اللامع» (7/ 18) .

ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وأجاز له بإفادة الشيخ نجم الدّين المرجاني ابن عوض، وابن السّلار، وابن المحبّ، وجماعة من الدماشقة، وعني بالحديث، فسمع بعد التسعين من جماعة ببلده، ورحل إلى القاهرة والشام مرارا، وولي قضاء بلده للمالكية، وهو أول مالكي ولي القضاء بها استقلالا، وصنّف «أخبار مكة» و «أخبار ولاتها» و «أخبار من نبل بها من أهلها وغيرهم» عدة مصنّفات طوال وقصار، وذيّل على «العبر» للذهبي، وعلى «التقييد» لابن نقطة، وعمل «الأربعين المتباينة» و «فهرست مروياته» وكان لطيف الذات، حسن الأخلاق، عارفا بالأمور الدينية والدنيوية، له غور [1] ودهاء، وتجربة وحسن عشرة، وحلاوة لسان، يجلب [2] القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته. قال ابن حجر: رافقني في السماع كثيرا بمصر، والشام، واليمن، وغيرها، وكنت أوده وأعظمه وأقوم معه في مهماته، ولقد ساءني موته وأسفت على فقد مثله، فلله الأمر، وكان قد أصيب ببصره، وله في ذلك أخبار، ومكن من قدحه فما أطاق ذلك ولا إفادة. انتهى. ومن مصنّفاته «العقد الثمين في أخبار البلد الأمين» [3] و «غاية المرام في أخبار البلد الحرام» . وتوفي بمكة في رابع شوال. وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنباري- بالباء الموحدة، وبعد الألف راء، ثم نون، ثم موحدة، نسبة إلى بارنبار قرية قرب دمياط- الشافعي النحوي [4] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «تمور» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف. [2] في «ط» : «يخلب» . [3] طبع في مصر على مراحل وحقق الجزء الأولى منه الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي، والأجزاء الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع الأستاذ فؤاد سيد، والجزء الثامن د. محمود محمد الطناحي، وهي طبعة جيدة، لكنها بحاجة ماسة إلى فهارس مفصلة تلحق بها لكي يتم الانتفاع بالكتاب على أكمل وجه. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 189) و «الضوء اللامع» (8/ 138) و «بغية الوعاة» (1/ 169) .

قال السيوطي: ولد قبيل سبعين وسبعمائة، وقدم القاهرة، فاشتهر، ومهر في الفقه، والعربية، والحساب، والعروض، وغير ذلك. وتصدّر بالجامع الأزهر تبرعا، ودرّس وأفتى مدة، وأقرأ وخطب، وناب في الجمالية عن حفيد الشيخ ولي الدّين العراقي، ثم انتزعها منه الشيخ شمس الدّين البرماوي، وأصابه فالج أبطل نصفه، واستمر موعوكا [1] إلى أن مات ليلة الأحد حادي عشر ربيع الأول. وفيها محمد ويدعى الخضر بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم النّويري الشافعي [2] . ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه قليلا، وأسمع على العزّ بن جماعة، وابن حبيب، وابن عبد المعطي، والأميوطي، ومن بعدهم. وأجاز له البهاء بن خليل، والجمال الإسنوي، وأبو البقاء السّبكي، وغيرهم، وناب في الحكم عن قريبة عزّ الدّين بن محبّ الدّين. وولي قضاء المدينة مدة يسيرة، ولم يصل إليها، بل استناب ابن المطري، وصرف، وكان ضخما جدا، وانصلح بأخرة، وهو والد أبي اليمن خطيب الحرم. وتوفي في رابع عشر ذي الحجّة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «موعكا» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 189) و «الضوء اللامع» (8/ 161) .

سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة فيها كما قال البرهان البقاعي أخبرني الفاضل البارع بدر الدّين حسين البيري الشافعي أنه سكن آمد مدة وأنها أمطرت بها ضفادع، وذلك في فصل الصيف، وأخبرني أن ذلك غير منكر في تلك الناحية بل هو أمر معتاد، وأن الضفادع تستمر إلى زمن الشتاء فتموت، وأخبرني أن أهل المدينة وهي آمد أخبروه أنها أمطرت عليهم مرّة حيّات ومرة أخرى دما. انتهى. وفيها كان الغلاء الشديد بحلب ودمشق، والطّاعون المفرط بدمشق، وحمص، ومصر، حتى قال ابن حجر [1] ركب أربعون نفسا مركبا يقصدون الصعيد، فما وصلت إلى الميمون [2] حتى مات الجميع، وأن ثمانية عشر صيّادا اجتمعوا في مكان، فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر، فجهّزهم الأربعة، فمات منهم وهم مشاة ثلاثة، فلما وصل بهم الآخر إلى المقبرة مات. انتهى. وفيها مات صاحب الحبشة إسحاق بن داود بن سيف أرغد الحبشي الأمحري [3] . توفي في ذي القعدة، وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة. وأقيم بعده ولده أندراس، فملك أربعة أشهر وهلك، فأقيم عمّه خرنباي بن

_ [1] انظر «فتح الباري» (8/ 200) . [2] الميمون: قرية جبلية بالصعيد الأدنى قرب الفسطاط على غربي النيل. انظر «معجم البلدان» (5/ 245) و «التحفة السنية» ص (141) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 209) و «الضوء اللامع» (2/ 277) و «الدليل الشافي» (1/ 116) .

داود فهلك في سبعة أشهر، فأقيم سلمون بن إسحاق بن داود المذكور فهلك سريعا، فأقيم بعده صبيّ صغير إلى أن هلك في طاعون سنة تسع وثلاثين. وفيها صارم الدّين إبراهيم بن ناصر الدّين بن الحسام الصّقري [1] . نشأ طالبا للعلم، فتأدب، وتعلّم الحساب والكتابة، والأدب والخط البارع، وولي حسبة القاهرة في أواخر أيام المؤيد. وتوفي مطعونا في ثامن عشر جمادى الآخرة. وفيها زين الدّين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمني الشافعي [2] الشيخ الإمام العالم. ولد بناحية قمن من ريف مصر [3] . وقدم القاهرة، وتفقّه بها على جماعة من علماء عصره [4] وبرع في المذهب [4] وصحب أعيان الأمراء فأثرى بعد فقر، وتولى تدريس الصلاحية بالقدس الشريف، ودرّس بعدة مدارس، وكتب على الفتاوى، واشتغل. وتوفي ليلة الجمعة ثالث عشر رجل عن نحو ثمانين سنة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الشّريف الحسيني الدمشقي الأصل والمولد والمنشأ المصري الوفاة الشافعي [5] . ولد في سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ومع والده نقابة الأشراف بدمشق [6] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 205) و «الضوء اللامع» (1/ 157) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 209) و «الضوء اللامع» (11/ 63) . [3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 398) : قمن: بكسر أوله، وفتح ثانيه، وآخره نون، بوزن سمن، كذا ضبطه الأديبي وأفاد فيه المصريون، قرية من قرى مصر نحو الصعيد. وانظر «التحفة السنية» ص (145) . [4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 206) و «الضوء اللامع» (2/ 5) و «الدليل الشافي» (1/ 62) . [6] لفظة «بدمشق» سقطت من «ط» .

[1] قال ابن حجر: وكان فيه جراءة وإقدام، ثم ترقّى بعد موت أبيه، فولي نقابة الأشراف بدمشق [1] ثم كتابة السّرّ في سلطنة المؤيد، ثم ولي القضاء بدمشق في سلطنة الأشرف. انتهى. وقال في «المنهل» : تفقه على مذهب الشافعي، وولي بدمشق عدة وظائف سنية، وتكرّر قدومه إلى القاهرة، إلى أن طلبه الأشرف برسباي إلى الديار المصرية، وولّاه كتابة سرّها فباشرها مباشرة حسنة، وسار فيها أجمل سيرة، على أنه لم تطل أيّامه، فإن قدومه إلى القاهرة كان في ذي الحجّة سنة اثنتين وثلاثين. وتوفي ليلة الخميس ثامن عشري جمادى الآخرة بالطّاعون. وتولي كتابة السّرّ من [2] بعده أخوه أبو بكر الملقّب عماد الدّين ولم تطل أيامه فمات ليلة الجمعة ثالث عشر رجب من هذه السنة بعد أخيه بستة عشر يوما، وكان [3] قدم مصر لزيارة أخيه فطعن ومات. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن حاتم، الشيخ الإمام الرّحلة، قاضي القضاة ابن الحبّال البعلي الحنبلي [4] . ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وتفقه، وسمع الحديث، وولي قضاء طرابلس، ثم قضاء دمشق سنة أربع وعشرين وثمانمائة، إلى أن صرف سنة اثنتين وثلاثين في شعبان بسبب ما اعتراه من ضعف البصر والارتعاش، وكان مع ذلك كثير العبادة، ملازما على الجمعة والجماعة، منصفا لأهل العلم. قال الشاب التائب: كان أهل طرابلس يعتقدون فيه الكمال بحيث أنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في هذا الزّمان لكان هو.

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] لفظة «من» لم ترد في «ط» . [3] لفظة «وكان» لم ترد في «ط» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 207) و «الضوء اللامع» (2/ 26) و «السحب الوابلة» ص (84) .

وتوفي بطرابلس بعد قدومه إليها في يوم واحد، وذلك في ربيع الأول. وفيها صدر الدّين أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيسري، المعروف بابن العجمي الحنفي [1] . ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بها، واعتنى به أبوه في صغره، وصلّى بالناس التراويح بالقرآن أول ما فتحت الظاهرية سنة ثمان وثمانين وهو ابن إحدى عشرة سنة لم يكملها، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وباشر التوقيع في ديوان الإنشاء، ثم ولي الحسبة مرارا، ونظر الجوالي، وغير ذلك، إلى أن تمت له عشر وظائف نفيسة، وأفتى ودرّس، وكان كريما، حسن المحاضرة، متواضعا، فصيحا، بحّاثا، طلق اللّسان، مستحضرا، ذكيا. توفي بالطّاعون يوم السبت رابع عشر رجب. وفيها تاج الدّين إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد التّدمري الشافعي [2] خطيب الخليل. قال ابن حجر: ذكر أنه أخذ [3] عن قاضي حلب شمس الدّين محمد بن أحمد بن المهاجر، وعن شيوخنا العراقي وابن الملقّن، وغيرهما. وأجاز له ابن الملقّن في الفقه، ومات ليلة عيد رمضان. انتهى. وفيها أمير المؤمنين المستعين أبو الفضل العبّاس بن المتوكل بن المعتضد [4] . استقر في الخلافة بعهد من أبيه في رجب سنة ثمان وثمانمائة [5] . وقرّر أيضا سلطانا مع الخلافة مدة، إلى أن تسلطن المؤيد فعزله من الخلافة، وقرّر فيها أخاه

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 208) و «الضوء اللامع» (2/ 223) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 208) و «الضوء اللامع» (2/ 276) . [3] لفظة «أخذ» سقطت من «ط» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 213) و «الضوء اللامع» (4/ 19) و «تاريخ الخلفاء» ص (505) . [5] في «آ» : «ثمان وثمانين» وهو خطأ.

داود، ولقّب المعتضد، واعتقل المستعين بالإسكندرية، فلم يزل بها إلى أن تكلّم ططر في المملكة، فأرسل في إطلاقه، وأذن له في المجيء إلى القاهرة، فاختار الاستمرار بالإسكندرية لأنه استطابها، وحصل له مال كثير من التجارة، إلى أن توفي بها شهيدا بالطّاعون، وخلّف ولده يحيى. وفيها جمال الدّين عبد الله بن محبّ الدّين خليل بن فرح بن سعيد القدسي الأصل الدمشقي البرماوي، المعروف بالقلعي [1] . قال البرهان البقاعي: هو شيخنا الرّبّاني الصّوفي العارف. كان إماما، عارفا، مسلّكا، مربيا، قدوة، ذا قدم راسخ في علم الباطن، مشاركا في الفقه والنحو مشاركة جيدة، أستاذا في علم الكلام، ذا حافظة قويّة، مفتوحا عليه في الكلام في الوعظ، يحفظ حديثا كثيرا ويعزوه إلى مخرجيه، وله مصنّفات، منها «منار سبل الهدى وعقيدة أهل التّقى» بحثت عليه بعضه وأقمت عنده مدّة بزاويته بالعقيبة الصّغرى. ومات بدمشق يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الأول. انتهى. وفيها نسيم الدّين عبد الغني بن جلال الدّين عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي المكّي [2] . اشتغل كثيرا، ومهر وهو صغير، وأحبّ الحديث، فسمع الكثير، وحفظ، وذاكر، ودخل اليمن، فسمع من الشيخ مجد الدّين الفيروزآبادي، وكتب عن ابن حجر الكثير. وتوفي مطعونا بالقاهرة. وفيها علي بن عنان بن معافس بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكّي الشريف [3] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 214) و «الضوء اللامع» (5/ 18) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 215) و «الضوء اللامع» (4/ 251) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 216) و «الضوء اللامع» (5/ 272) .

ولي إمرة مكّة مدة، ودخل المغرب بعد عزله عنها فأكرمه أبو فارس متولي تونس، ثم عاد إلى القاهرة فتوفي بها مطعونا في ثالث جمادى الآخرة، وكان عنده فضيلة ومعرفة ويحاضر بالأدب وغيره. وفيها فاطمة بنت خليل بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح الشيخة المسندة المعمّرة الحنبلية [1] الأصيلة بنت الشيخ صلاح الدّين، وهي بنت أخي قاضي القضاة ناصر الدّين نصر الله بن أحمد الحنبلي. شاركت الشيخ زين الدّين القبّاني في أكثر مروياته، وهي التي ذكرها شيخ الإسلام ابن حجر في «المشيخة المخرّجة» للقبايي التي سمّاها ب «المشيخة الباسمة» للقبّابي، وفاطمة. توفيت في آخر يوم الجمعة الأول من جمادى الأولى بالقاهرة، وصلّي عليها بباب النصر ودفنت هناك. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن سليمان الأذرعي الحنفي [2] . أخذ عن ابن الرّضي، والبدر المقدسي، وتفقه حنفيا ثم بعد اللّنك. انتقل إلى مذهب الشافعي، وولي قضاء بعلبك وغيرها، ثم عاد حنفيا، وناب في الحكم، ودرّس وأفتى، وكان يقرئ «البخاري» جيدا، ويكتب على الفتوى كتابة حسنة بخط مليح، وتوجه إلى مصر في آخر عمره، فعند وصوله طعن فمات غريبا شهيدا في جمادى الآخرة. وفيها السلطان الصالح محمد ططر [3] . خلع في خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين، وأقام عند السلطان الملك الأشرف مكرّما إلى أن طعن ومات في سابع عشري جمادي الآخرة.

_ [1] ترجمتها في «الضوء اللامع» (12/ 91) و «أعلام النساء» (4/ 53) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 218) و «الضوء اللامع» (6/ 313) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 218) و «الضوء اللامع» (274) و «الدليل الشافي» (2/ 630) .

وفيها الحافظ شمس الدّين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، المعروف بابن الجزري [1] الشافعي، مقرئ الممالك الإسلامية. ولد بدمشق ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه بها، ولهج بطلب الحديث والقراآت وبرّز فيهما، وعمر للقراء مدرسة سمّاها دار القرآن، وأقرأ الناس، وعيّن لقضاء الشام مرة ولم يتم ذلك لعارض، وقدم القاهرة مرارا، وكان شكلا حسنا، مثريا، فصيحا بليغا، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمش، فاتفق أنه نقم عليه شيئا فتهدده، ففرّ منه، فنزل البحر إلى بلاد الرّوم في سنة ثمان وتسعين، فاتصل بأبي يزيد بن عثمان فعظّمه وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت، وأكثروا عنه، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللّنكية، فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللّنك، فعظّمه وفوّض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز، وأخذ عنه أهل تلك البلاد القراآت والحديث، ثم اتفق أنه حجّ سنة اثنتين وعشرين فنهب، ففاته الحجّ، وأقام بينبع، ثم بالمدينة المنورة، ثم بمكّة إلى أن حجّ ورجع إلى العراق، ثم عاد سنة ست وعشرين، وحجّ، ودخل القاهرة سنة سبع، فعظّمه الملك الأشرف وأكرمه، وحجّ في آخرها، وأقام قليلا، ودخل اليمن تاجرا فأسمع الحديث عند صاحبها ووصله، ورجع ببضاعة كثيرة، فدخل القاهرة في سنة سبع، وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة، إلى أن وصل شيراز. قال ابن حجر: وقد انتهت إليه رئاسة علم القراآت في الممالك، وكان قديما، صنّف «الحصن الحصين» في الأدعية، ولهج به أهل اليمن، واستكثروا منه، وسمعوه عليّ قبل أن يدخل هو إليهم، ثم دخل إليهم فأسمعهم، وحدّث بالقاهرة ب «مسند أحمد» و «مسند الشافعي» وغير ذلك. وسمع بدمشق وبمصر من ابن أميلة، وابن الشيرجي، ومحمود بن خليفة، وعماد الدّين ابن كثير، وابن أبي عمر، وخلائق وبالإسكندرية، من عبد الله بن الدّماميني، وببعلبك من أحمد بن

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 255) و «غاية النهاية» (2/ 247) و «الدليل الشافي» (2/ 697) .

عبد الكريم، وطلب بنفسه، وكتب الطّباق، وعني بالنّظم، وكانت عنايته بالقراءات أكثر، وذيّل «طبقات القراء» للذهبي وأجاد فيه، ونظم قصيدة في القراآت الثلاثة [1] ، وجمع «النشر في القراآت العشر» وقد سمعت بعض العلماء يتّهمه بالمجازفة في القول، وأما الحديث فما أظن ذلك به، إلا أنه كان إذا رأى للعصريين شيئا أغار عليه ونسبه لنفسه، وهذا أمر قد أكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به، وكان يلقّب في بلاده الإمام الأعظم، ولم يكن محمود السيرة في القضاء، وأوقفني بعض الطلبة من أهل تلك البلاد على جزء فيه «أربعون حديثا» عشاريّات فتأملتها فوجدته خرّجها بأسانيده من جزء الأنصاري وغيره، وأخذ كلام شيخنا العراقي في «أربعينه العشاريات» . انتهى باختصار. وبالجملة فإنه كان عديم النّظير، طائر الصّيت. انتفع الناس بكتبه وسارت في الآفاق مسير الشمس. وتوفي بشيراز في ربيع الأول، ودفن بمدرسته التي بناها بها، رحمه الله تعالى. وفيها جلال الدّين نصر الله بن عبد الرحمن [2] بن أحمد بن إسماعيل، المعروف بالشيخ نصر الله العجمي الحنفي الأنصاري البخاري الرّوياني الكجوري [3] . ولد بكجور إحدى قرى رويان من بلاد العجم سنة ست وستين وسبعمائة تقريبا ونسبته إلى أنس بن مالك، وتجرّد، وبرع في علم الحكمة والتصوف، وشارك في الفنون، وكتب الخطّ الفائق، ودخل القاهرة على قدم التجريد، وصحب الأمراء والأكابر، وحصل له قبول زائد، ونالته السعادة، وجمع الكتب النّفيسة، وكان يتكلّم في علم التصوف على طريقة ابن عربي، وفاق في علم الحرف وما أشبهه.

_ [1] سمّاها المترجم في كتابه «غاية النهاية» (2/ 250) : «الدرّة في القراآت الثلاثة» . [2] فى معظم المصادر: «نصر الله بن عبد الله» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 222) و «الضوء اللامع» (10/ 198) و «الدليل الشافي» (2/ 758) و «النجوم الزاهرة» (15/ 165- 166) .

قال ابن تغري بردي: وكانت له تصانيف كثيرة في عدة فنون، وصنع مرة للوالد خاتما يضعه على الثعبان فيفر منه أو يموت فأعجب به الوالد إعجابا كثيرا وأنعم عليه برزقه في برّ الجيزة نحو مائة فدان وأظنها إلى الآن وقفا على زاويته بقرب خان الخليلي، وكانت له وجاهة في الدولة، ولم يزل وافر الحرمة إلى أن. توفي بالقاهرة ليلة الجمعة سادس رجب ودفن ببيته وأوصى أن يكون زاوية، فوقع ذلك، وفتح لها شبّاك على الطريق بالقرب من خان الخليلي. وفيها القاضي تقي الدّين يحيى بن العلّامة شمس الدّين محمد بن يوسف الكرماني البغدادي [1] . ولد في رجب سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وسمع من أبيه وغيره، ونشأ ببغداد، وتفقه بأبيه وغيره، وشارك في عدة علوم، وقدم القاهرة هو وأخوه في حدود الثمانمائة بشرح أبيهما على «البخاري» فابتهج الناس به، وكتبت منه نسخ عديدة، وعرف تقي الدّين هذا بالفضيلة، وتقرّب غاية التقرب من السلطان شيخ في حال إمارته وسلطنته، وكان عالما فاضلا، شرح «البخاري» و «مسلم» واختصر «الرّوض الأنف» . وله مصنّف في الطب وغير ذلك. وتوفي بالقاهرة في الطّاعون يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة. قاله في «المنهل» . وفيها نظام الدّين يحيى بن يوسف [2] ، وقيل: سيف، وهو الأشهر، ابن عيسى السّيرامي الأصل والمولد المصري الدار والوفاة، الحنفي شيخ الشيوخ بمدرسة الظّاهر برقوق، وابن شيخها. [3] قدم مع والده وإخوته في السابعة من عمره إلى القاهرة بعد موت العلاء السيرامي، ونشأ بالقاهرة تحت كنف والده، وبه تفقه، حتّى برع في الفقه، والأصلين، واللغة، والعربية، والمعاني، والبيان، والجبر، والمقابلة، والمنطق، والطب، والحكمة، والهندسة، والهيئة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 225) و «الضوء اللامع» (10/ 259) و «الدليل الشافي» (2/ 781) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 224) و «الضوء اللامع» (10/ 259) و «الدليل الشافي» (2/ 781) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 224) و «الضوء اللامع» (10/ 266) .

وشارك في عدة فنون، وتصدّر للإفتاء والتدريس والإشغال عدة سنين، وتفقه به جماعة من أعيان الناس وانتفعوا به في المعقول والمنقول. وكان إماما، ديّنا، وافر الحرمة، مهابا، وقورا، معظّما في الدول، محببا للملوك، كثير الخير، حادّ الذّهب، جيد التّصور، مليح الشّكل، فصيح العبارة، بحّاثا، مناظرا، مقداما، شهما، قويا في ذات الله، كثير العبادة. توفي بالقاهرة في الطّاعون في جمادى الآخرة. وفيها يعقوب بن إدريس بن عبد الله، الشهير بقرا يعقوب الرّومي [1] الحنفي النّكدي، نسبة إلى نكدة من بلاد ابن قرمان. ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة، واشتغل في بلاده، ومهر في الأصول، والعربية، والمعاني، والبيان، وكتب على «المصابيح» شرحا، وعلى «الهداية» حواشي، ودخل البلاد الشامية، وحجّ سنة تسع عشرة، ثم رجع، وأقام بلا رندة، يدرّس ويفتي، ثم قدم القاهرة، فاجتمع بمدبّر المملكة ططر فأكرمه إكراما زائدا، ووصله بمال جزيل، فاقتنى كتبا كثيرة، ورجع إلى بلاده فأقام بلا رندة إلى أن مات في شهر ربيع الأول بها.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 225) و «الضوء اللامع» (10/ 282) .

سنة أربع وثلاثين وثمانمائة

سنة أربع وثلاثين وثمانمائة فيها توفي مجد الدّين إسماعيل بن أبي الحسن علي بن محمد البرماوي المصري الشافعي [1] . ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، ودخل القاهرة قديما، وأخذ عن المشايخ، وسمع، ومهر في الفقه والفنون، وتصدى للتدريس، وخطب بجامع عمرو بمصر. وتوفي في نصف ربيع الآخر. وفيها شرف الدّين أبو محمد عبد الله بن القاضي شمس الدّين محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج الرّاميني ثم الدمشقي الحنبلي [2] الإمام، علّامة الزّمان، شيخ المسلمين. قال ابن حجر: ولد في ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة، وتوفي أبوه وهو صغير، فحفظ القرآن، وصلّى به، وكان يحفظه إلى آخر عمره ويقوم به في التراويح في كل سنة بجامع الأفرم، وله محفوظات كثيرة، منها «المقنع» في الفقه، و «مختصر ابن الحاجب» في الأصول، و «ألفية ابن مالك» و «ألفية الجويني» في علوم الحديث، و «الانتصار» في الحديث مؤلّف جدّه جمال الدّين المرداوي. وكان علّامة في الفقه، يستحضر غالب فروع والده، أستاذا في الأصول، بارعا في التفسير والحديث، مشاركا فيما سوى ذلك. وكان شيخ الحنابلة بالمملكة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 239) و «الضوء اللامع» (2/ 295) و «الدليل الشافي» (1/ 126) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 240) و «الضوء اللامع» (5/ 66) و «السحب الوابلة» ص (268) .

الإسلامية، وأثنى عليه أئمة عصره كالبلقيني والدّيري، وسمع من جدّه لأمه جمال الدّين المرداوي، وابن قاضي الجبل، وغيرهما، وأفتى ودرّس، وناظر، واشتغل. وتوفي ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة ودفن عند والده وإخوته بالرّوضة. وفيها وجيه الدّين [1] عبد الرحمن بن الجمال المصري [2] . ولد بزبيد، وتفقّه، وتزوج بنت عمّه النّجم المرجاني، وقطن مكّة، وأشغل الناس بها في الفقه، واشتهر بمعرفته. وتوفي في سابع عشر رجب. وفيها سراج الدّين عمر بن منصور بن عبد الله البهادري الحنفي [3] . أحد خلفاء الحكم بالقاهرة. ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وكان إماما بارعا في الفقه، والنحو، واللغة. انتهت إليه الرئاسة في علم الطب، وتقدم على أقرانه في ذلك لغزير حفظه، وكثرة استحضاره، ونقول أقوال الحكماء قديما وحديثا. وكان شيخا معتدل القامة، مصفرّ اللّون جدا، وكان مع تقدمه في علم الطبّ غير ماهر بالمداواة يفوقه أقل تلامذته لقلة مباشرته لذلك، فإنه لم يتكسب بهذه الصناعة، وناب في الحكم. وتوفي يوم السبت ثاني عشر شوال ولم يخلّف بعده مثله. وفيها شمس الدّين محمد بن الحسن بن محمد الحسني الحصني- ابن أخي الشيخ تقي الدّين- الشافعي [4] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «وحيد الدّين» وأثبت ما في مصدري الترجمة. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 241) و «الضوء اللامع» (4/ 126) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 242) و «الضوء اللامع» (6/ 139) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 243) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 213) .

اشتغل على عمّه ولازم طريقته في العبادة والتجرّد، ودرّس بالشامية، وقام في عمارة البادرائية، وكان شديد التعصب على الحنابلة. وتوفي في ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن حمزة بن محمد بن محمد الرّومي بن الفنري- بالفاء والراء المهملة، بالنسبة إلى صنعة الفنيار- الحنفي [1] . قال السيوطي: كان عارفا بالعربية، والمعاني، والقراآت. كثير المشاركة في الفنون. ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأخذ عن العلّامة علاء الدّين الأسود شارح «المغني» والجمال محمد بن محمد بن محمد الأقصرائي ولازم الاشتغال، ورحل إلى مصر، وأخذ عن الشيخ أكمل الدّين وغيره، ثم رجع إلى الرّوم فولي قضاء برصة، وارتفع قدره عند ابن عثمان جدّا. واشتهر ذكره، وشاع فضله، وكان حسن السّمت، كثير الفضل والإفضال غير أنه لعّاب بنحلة ابن العربي وبإقراء «الفصوص» ولما دخل القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك، واجتمع به فضلاء العصر، وذاكروه وباحثوه، وشهدوا له بالفضيلة، ثم رجع. وكان قد أثرى، وصنّف في الأصول كتابا. أقام في عمله ثلاثين سنة، واقرأ العضد نحو العشرين مرة، وأخذ عنه ولازمه شيخنا العلّامة [2] محيي الدّين [2] الكافيجي، وكان يبالغ في الثناء عليه ومات في رجب. انتهى كلام السيوطي. وفيها محمد بن الشيخ بدر الدّين الحمصي المعروف بابن العصياني [3] . قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وكان في أول أمره جامد الذهن، ثم اتفق أنه سقط من مكان فانشق رأسه نصفين، ثم عولج فالتأم، فصار حفظة، ومهر في العلوم العقلية وغيرها، وكان يرجع إلى دين، وينكر المنكر، ويوصف بحدّة ونقص عقل.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 243) و «بغية الوعاة» (1/ 97) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (1/ 248) و «الضوء اللامع» (6/ 255) .

مات في صفر. انتهى. وفيها قاضي القضاة نور الدّين أبو الثناء محمود بن أحمد بن محمد الهمداني الفيّومي الشافعي، المعروف بابن خطيب الدّهشة [1] . أصله من الفيّوم، وولد والده بالفيّوم، وكان يعرف بابن ظهير، ثم رحل إلى حماة واستوطنها، وولي خطابة الدهشة، وولد له ابنه هذا في حدود سنة خمسين وسبعمائة، وبها نشأ، وحفظ القرآن الكريم [2] وعدة متون [3] ، وتفقه على جماعات من علماء حماة وغيرهم، وبرع في الفقه، والعربية، والأصول، واللغة، وغير ذلك. وأفتى ودرّس، مع الدّين المتين والورع والعفّة، واشتهر ذكره، وعظم قدره، وانتفع به عامة أهل حماة، إلى أن نوّه بذكره القاضي ناصر الدّين بن البارزي كاتب السرّ بالدّيار المصرية، عند الملك المؤيد شيخ فولّاه قضاء حماة، وحسنت سيرته، وأظهر في ولايته من العفّة والصّيانة ما هو مشهور عنه، ودام في الحكم إلى أن صرف في دولة الأشرف برسباي، فلزم داره على أجمل طريقة، وأخذ في الإقراء والأشغال. ومن تصانيفه: «مختصر القوت» للأذرعي في أربع مجلدات، سمّاه «لباب القوت» و «تكملة شرح منهاج النووي» في الفقه للسبكي في ثلاث عشرة مجلدة، وكتاب «التّحفة في المبهمات» وكتاب «تحرير الحاشية في شرح الكافية» لابن مالك في النحو ثلاث مجلدات، وكتاب «تهذيب المطالع» في اللغة الواردة في «الصحيحين» و «الموطأ» ست مجلدات، واختصره في جزءين، وسمّاه «التقريب» و «منظومة» في صناعة الكتابة نحو تسعين بيتا وشرحها، وكتاب «اليواقيت المضية في المواقيت الشرعية» وغير ذلك. ومن شعره: غصن النّقا لا تحكه ... فما له في ذا شبه

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 249) و «الضوء اللامع» (10/ 129) و «الدليل الشافي» (2/ 721) . [2] في «آ» : «وحفظ القرآن العظيم» . [3] في «آ» : «وعدة فنون» .

فرامه قلت: اتّئد ... ما أنت إلّا حطبه ومنه: وصل حبيبي خبر ... لأنه قد رفعه بنصب قلبي غرضا ... إذ صار مفعولا معه وتوفي بحماة يوم الخميس سابع شوال. قيل: لما احتضر تبسم ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون .

سنة خمس وثلاثين وثمانمائة

سنة خمس وثلاثين وثمانمائة فيها خرب الشرق من بغداد إلى تبريز من فرط الغلاء وعمومه، حتّى أكلوا الكلاب والميتة [1] . وفيها أجريت عيون مكة حتى دخلتها وامتلأت برك باب المعلى ومرت على الصفا وسوق الليل وعم النفع بها [2] . وفيها- كما قال ابن حجر [3]- ثارت فتنة عظيمة بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق، وتعصب الشيخ علاء الدّين البخاري نزيل دمشق على الحنابلة، وبالغ في الحطّ على ابن تيميّة [4] وصرّح بتكفيره، فتعصب جماعة من الدماشقة لابن تيميّة [4] . وصنّف صاحبنا الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين جزءا في فضل ابن تيميّة [5] وسرد أسماء من أثنى عليه وعظّمه من أهل عصره فمن بعدهم على حروف المعجم، مبينا لكلامهم، وأرسله إلى القاهرة، فكتب عليه غالب المصريين التصويب، وخالفوا علاء الدّين البخاري في إطلاق القول بتكفيره وتكفير من أطلق

_ [1] انظر الخبر بأوسع من هذا في «إنباء الغمر» (8/ 260) . [2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 251) . [3] انظر «إنباء الغمر» (8/ 258) . [4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [5] هو كتابه «الردّ الوافر» وقد طبع أول مرة طبعة تجارية في مطبعة كردستان العلمية في مصر سنة (1329 هـ) ، ثم طبعه صاحب المكتب الإسلامي ببيروت سنة (1393 هـ) ، وأعاد طبعه بعد ذلك طبعة أخرى احتوت على إضافات كثيرة.

عليه أنه شيخ الإسلام، وخرج مرسوم السلطان إلى أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره، ومن أظهر شيئا مجمعا عليه سمع منه، وسكن الأمر. انتهى. وفيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل الإبشيطي [1] . قال ابن حجر: تفقه قليلا، ولزم قريبه الشيخ صدر الدّين الإبشيطي، وأدّب جماعة من أولاد الأكابر، ولهج بالسيرة النبوية، فكتب منها كثيرا، إلى أن شرع في جمع كتاب حافل في ذلك، وكتب منه نحوا من ثلاثين سفرا تحتوي على «سيرة ابن إسحاق» وما وضع عليها من كلام السّهيلي وغيره، وعلى ما احتوت عليه «المغازي» للواقدي، وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد بن كثير، وغير ذلك، وعنى بضبط الألفاظ الواقعة فيها، ومات في سلخ شوال، وقد جاوز السبعين. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن علي، المعروف ببوّاب الكاملية الحنبلي [2] . قال العليميّ في «طبقاته» : الشيخ الإمام العالم القدوة، عنى بالحديث كثيرا، وسمع، وكان يتغالى في حبّ الشيخ تقي الدّين [3] ، ويأخذ بأقواله وأفعاله، وكتب بخطّه «تاريخ ابن كثير» وزاد فيه أشياء حسنة، وكان يؤم في مسجد ناصر الدّين تجاه المدرسة التي أنشأها [4] نور الدّين الشهيد، وكان قليل الاجتماع بالناس وعنده عبادة وتقشف وتقلل من الدّنيا. وكان شافعيا ثم انتقل إلى عند جماعة الحنابلة وأخذ بمذهبهم. وتوفي يوم السبت تاسع عشر صفر وقد قارب الثمانين ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 261) و «الضوء اللامع» (1/ 244) . [2] ترجمته في «المقصد الأرشد» (1/ 81) و «المنهج الأحمد» الورقة (485) من القسم غير المنشور منه، و «السحب الوابلة» ص (53) . [3] يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى. [4] في «المقصد الأرشد» ، و «المنهج الأحمد» : «الذي أنشأه» .

وفيها شهاب الدّين أحمد بن تقي الدّين عبد الرحمن بن العلّامة جمال الدّين بن هشام المصري النّحوي [1] . اشتغل كثيرا بمصر، وأخذ عن الشيخ عزّ الدّين ابن جماعة وغيره، وفاق في العربية وغيرها، وكان يجيد لعب الشطرنج، وانصلح بأخرة. قال البرهان البقاعي: كان شريف النّفس لم يتدنس بشيء من وظائف الفقهاء، وكان ثاقب الذّهن، نافذ الفكر، فاق جميع أقرانه في هذا الشأن، مع صرف غالب زمانه في لعب الشطرنج. انتهى. سكن دمشق فمات بها في رابع جمادى الآخرة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله الكلوتاتي الحنفي [2] . قال في «المنهل الصّافي» : المسند المعمّر المحدّث. ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى بالحديث، وسمع الكثير، وقرأ من سنة تسع وسبعين بنفسه على المشايخ فأكثر، حتى قرأ «صحيح البخاري» نحوا من خمسين مرة، ودأب وحصّل، وأفاد الطلبة، وحدّث سنين بالقاهرة إلى أن توفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من جمادى الآخرة. انتهى. وفيها حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس [3] ، وآخر ملوك العراق من ذرية أويس. كان اللّنك أسره وأخاه حسنا وحملهما إلى سمرقند ثم أطلقا فساحا في الأرض فقيرين مجرّدين، فأما حسن فاتصل بالناصر فرج، وصار في خدمته، ومات عنده قديما، وأما حسين هذا فتنقّل في البلاد إلى أن دخل العراق فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس، وكان أبوه صاحب البصرة فمات فملك ولده

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 263) و «الضوء اللامع» (2/ 329) و «بغية الوعاة» (1/ 322) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 263) و «الضوء اللامع» (1/ 378) و «الدليل الشافي» (1/ 59) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 264) و «الضوء اللامع» (3/ 160) و «الدليل الشافي» (1/ 274) .

شاه محمد، فصادفه حسين قد حضره الموت فعهد إليه بالمملكة، فاستولى على البصرة وواسط وغيرها، ثم حاربه أصبهان شاه بن قرا يوسف، فانتهى حسين إلى شاه رخ بن اللّنك فتقوى بالانتماء إليه، وملك الموصل وإربل، وتكريت، وكانت مع قرا يوسف فقوي أصبهان شاه واستنقذ البلاد، وكان يخرّب كل بلد ويحرقه، إلى أن حاصر حسينا بالحلّة منذ سبعة أشهر، ثم ظفر به بعد أن أعطاه الأمان، فقتله خنقا. وفيها زين الدّين خالد بن قاسم العاجلي ثم الحلبي الحنبلي [1] . ولد في رمضان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، ولازم القاضي شرف الدّين بن فيّاض، وولده أحمد، وأخذ عن شمس الدّين بن اليّونانيّة [2] وأحبّ مقالة ابن تيميّة، وكان من رؤوس القائمين مع أحمد بن البرهان على الظّاهر، وهو آخر من مات منهم، وتنزّل بالآثار النبوية، وكان قد غلب عليه حبّ المطالب، فمات ولم يظفر بطائل، ونزله المؤيد بمدرسته في الحنابلة. ومات في ثالث ذي الحجة. قاله ابن حجر. وفيها قطب الدّين وجمال الدّين عبد الله بن نور الدّين محمد بن قطب الدّين عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث البهنسي [3] . ولد في رجب سنة خمس وخمسين وسبعمائة، واشتغل، وسمع الحديث، وقال الشعر. وكان موسرا، لكنه أكثر التّقتير على نفسه جدا، وأصيب في عقله بأخرة وأكمل الثمانين سنة. ومن شعره: إذا الخلّ قد ناجاك بالهجر فاصطبر ... وسامح له واغفر بنصح وداره

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 265) و «الضوء اللامع» (3/ 172) و «السحب الوابلة» ص (162) . [2] تصحفت في «آ» و «إنباء الغمر» «ابن اليانونية» والصواب ما جاء في «ط» وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (793) من المجلد الثامن ص (566) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 266) و «الضوء اللامع» (5/ 53) .

فإن عاد فأقله ثمّ لا تذكر اسمه ... وحوّل طريق القصد عن باب داره وتوفي في شهر رمضان. وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم التّفهني [1]- بفتح المثناة الفوقية، وكسر الفاء وسكون الهاء، ونون، نسبة إلى تفهن [2] قرية بمصر- الحنفي. ولد سنة بضع وستين وسبعمائة، ومات أبوه وهو صغير، فانتقل إلى القاهرة وهو شاب، وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش، ثم ترقّى إلى أن صار عريفا، وتنزل في الطلبة هناك، ولازم الاشتغال، ودار على الشيوخ، فمهر في الفقه والعربية، وجاد خطّه، وشهر اسمه، وخالط الأتراك، وصحب بدر الدّين محمود الكلستاني كاتب السرّ، فاشتهر ذكره، وناب في الحكم، وولي تدريس الصّرغتمشية، وولّاه المؤيد شيخ قضاء الحنفية في سنة اثنتين وعشرين فباشره مباشرة حسنة، وكان حسن العشرة، كثير العصبيّة لأصحابه، عارفا بأمور الدّنيا، على أنه يقع منه في بعض الأمور لجاج شديد يعاب به، ولا يستطيع بتركه، وصرف عن القضاء سنة تسع وعشرين بالعيني، ثم أعيد في سنة ثلاث وثلاثين، ثم صرف قبل موته في جمادى الآخرة، وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال، ويقال: إن أمّ ولده دسّت عليه سمّا لأنه لما توفيت زوجته ظنّت أمّ ولده أنها تنفرد به، فتزوج امرأة، وأخرج أم ولده فحصل [3] لها غيرة، والعلم عند الله. وفيها زين الدّين عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد المغربي الأصل البصروي [4] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 266) و «الضوء اللامع» (3/ 98) . [2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «تفهن» وفي «معجم البلدان» (2/ 37) ذكر ياقوت بليدة في مصر من ناحية الجيزة سمّاها «تفهنا» وذكرها هكذا أيضا ابن الجيعان في «التحفة السّنية بأسماء البلاد المصرية» ص (74) وذكر أخرى باسم «تفهنه الصغرى» ص (27) . [3] في «ط» : «فحصلت» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) و «بغية الطلب» (2/ 216) .

قدم دمشق، فاشتغل بالفقه، والعربية، والقراآت وفاق في النحو، وشغل الناس وهو بزي أهل البرّ، وكان قانعا باليسير، حسن العقيدة، موصوفا بالخير والدّين، سليم الباطن، فارغا من الرئاسة. توفي في رابع جمادى الآخرة. وفيها شرف الدّين عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسي الشّافعي [1] أحد نوّاب الحكم تفقه بالجمال الإسنوي، ولازم البلقيني، وأذن له بالتدريس، قيل والفتوى، وناب في الحكم عن البرهان بن جماعة. وغيره مدة طويلة. ومات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين. وفيها جمال الدّين محمد بن سعد الدّين [2] ملك الحبشة للمسلمين. وليّ بعد فقد أخيه منصور في سنة ثمان وعشرين، وكان شجاعا بطلا مديما للجهاد، وأسلم على يديه خلائق من الحبشة، قتله بنو عمه في جمادى الآخرة، واستقرّ بعده أخوه شهاب الدّين أحمد. وفيها الحافظ تاج الدّين محمد بن ناصر الدّين محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود الكركي ابن الغرابيلي [3] ، سبط العماد الكركي. قال ابن حجر: ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة، حيث كان جدّه لأمّه حاكما، ونقله أبوه إلى الكرك حيث عمل إمرتها ثم تحوّل به إلى القدس سنة سبع عشرة، فاشتغل، وحفظ عدة مختصرات، ك- «الكافية» لابن الحاجب، و «المختصر» الأصلي، و «الإلمام» و «الألفية» في الحديث، ولازم الشيخ عمر البلخي فبحث عليه في العضد، والمعاني، والمنطق، وتخرّج أيضا بنظام الدّين قاضي العسكر، وبابن الديري الكبير، ومهر في الفنون إلّا الشعر، ثم أقبل على الحديث بكليته،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) و «الضوء اللامع» (6/ 156) و «الدليل الشافي» (1/ 510) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 268) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 269) و «الضوء اللامع» (9/ 306) .

فسمع الكثير، وعرف العالي والنازل، وقيّد الوفيات وغيرها من الفنون، وشرع في شرح على «الإلمام» ونظر في التواريخ والعلل، وسمع الكثير ببلده، ورحل إلى الشام والقاهرة فلازمني، وكان الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما يبلغهم من جميل أوصافه فيمتنع، انتهى باختصار. وألّف مجلدا لطيفا في الحمام يرحل إليه. وتوفي بالقاهرة في جمادى الآخرة.

سنة ست وثلاثين وثمانمائة

سنة ست وثلاثين وثمانمائة في ثامن عشري شوالها كسفت الشّمس كسوفا عظيما من بعد العصر إلى قرب المغرب، وصلّوا الكسوف، وظنّوا أنها غربت كاسفة فانجلت قبيل الغروب انجلاء تاما [1] . وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن حجّاج الأبناسي الشّافعي [2] . قال البرهان البقاعي: كان علّامة وقته، ومحقّق زمانه، ملازما لابن الحجر، ومعظّما له، ونفعه كثير، وكان إماما، عالما بالمعقولات، فقيها، نحويا، مفوها، جريئا في قوله، شهم النّفس، حديد الذّهن، فحل المناظرة، ثابتا عند المضايق. وتوفي بالمغس في زاوية شيخه وسميه البرهان الأبناسي، ودفن بباب الشّعرية بمكان هناك كأنه زاوية. انتهى. وفيها الملك الأشرف أحمد بن العادل سليمان الأيوبي [3] صاحب حصن كيفا. قال ابن حجر: كان دينا فاضلا، له شعر حسن، وقفت على «ديوانه» وهو يشتمل على نوائح في أبيه وغزل وزهديات، وغير ذلك، وكان جوادا محبا في العلماء، خرج في عسكره لملاقاة السلطان على حصار آمد، فاتفق أنه نزل لصلاة الصبح فوقع به فريق من التركمان فأوقعوا به على غرّة فقتل، ووصل بقية أصحابه

_ [1] انظر الخبر بتوسع في «إنباء الغمر» (8/ 280) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 286) و «الضوء اللامع» (1/ 37) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 287) و «الضوء اللامع» (1/ 308) .

وولده خليل، فقرّر ولده في مملكة أبيه، ولقّب بالصّالح. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمود بن محمد، المعروف بابن خازوق الحنبلي [1] قاضي القضاة. قال العليمي: ولي قضاء حلب ثم عزل عنها، فولي قضاء طرابلس، ثم أعيد إلى قضاء حلب، وتوفي بها في آخر السنة. وفيها زين الدّين أبو بكر الأنبابي الشافعي [2] أحد نوّاب الحكم. كان كثير الاشتغال، وأخذ عن الشيخ علاء الدّين الأقفهسي، وابن العماد، والبلقيني، وغيرهم، وكان خيّرا. مات في شعبان. وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن قاضي القضاة محيي الدّين [محمود] ، المعروف بابن الكشك الدمشقي الحنفي [3] ، قاضي قضاة دمشق ورئيسها من بيت علم ورئاسة وعراقة. ولد بدمشق، ونشأ بها، وطلب العلم، وتفقه، وولي قضاءها مرارا، وجمع في بعض الأحيان بين قضائها ونظر جيشها، وقدم القاهرة غير مرّة، وكانت له ثروة وإفضال. وتوفي بدمشق ليلة الخميس سابع ربيع الأول. وفيها بدر الدّين حسن بن شرف الدّين أبي بكر بن أحمد القدسي المشهور بابن بقيرة- بالتصغير وإمالة الراء- الحنفي [4] . اشتغل قديما من سنة ثمانين وهلم جرا بالقدس، ثم بالشام، ثم بالقاهرة،

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (485) من القسم المخطوط منه. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 289) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 308) و «الدليل الشافي» (1/ 89) و «الضوء اللامع» (2/ 220) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 630) وما بين الحاصرتين مستدرك منها. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 289) .

وكان مفوّها، عارفا بالعربية وغيرها. وولي مشيخة الشيخونية. وتوفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، وقد قارب السبعين. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد القزويني الشافعي، المعروف بالحلّالي [1]- بمهملة ولام مشددة- من أهل جزيرة ابن عمر، وهو ابن أخت العالم نظام الدّين عالم بغداد. ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، وبرع في الفقه، والقراءات، والتفسير، وحجّ، وقدم حلب لزيارة القدس فزاره، ثم رجع إلى حلب، وهو في سنّ الكهولة، فظهرت فضائله، ودخل القاهرة في سنة أربع وثلاثين، وأخذوا عنه، ثم رجع، فلما وصل إلى بلده مات بعد أربعة أشهر. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن محمد المنهاجي الشافعي، المعروف بسبط ابن اللّبان [2] . ولد بعد السبعين وسبعمائة، واشتغل قديما، فأخذ عن العزّ ابن جماعة، وشمس الدّين بن القطّان، ومشايخ العصر. قال ابن حجر: قرأ على ابن القطّان البخاري بحضوري، وقرأ عليّ ترجمة البخاري يوم الختم، وتعانى نظم الشعر فمهر فيه، ومهر في الفقه والأصول، وعمل المواعيد، وشغل الناس [3] ولزم بأخرة جامع عمرو بن العاص يقرأ فيه الحديث والمواعيد، ويشغل الناس [3] ، وكان واسع المعرفة بالفنون، حجّ في هذه السنة من البحر فسلم ودخل مكّة في شهر رجب فجاور إلى زمن إقامة الحجّ، فحجّ وقضى نسكه، ورمى جمرة العقبة، ثم رجع فمات بمنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 290) و «الضوء اللامع» (4/ 154) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 133) و «الضوء اللامع» (8/ 49) . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .

وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الحقّ بن إسماعيل السّبتي المالكي [1] . قال ابن حجر: ولد سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وأخذ عن الحاج أبي القاسم بن أبي حجّة ببلده، ووصل إلى غرناطة، وتفرّد بالأدب، وقدم القاهرة سنة اثنتين وثلاثين، فحجّ، وحضر عندي في الإملاء وأوقفي على شرح البردة له وله آداب وفضائل مات في صفر انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن موسى الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قديدار [2] . ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة تقريبا، وقرأ القرآن في صغره، وحفظ «المنهاج» و «العمدة» و «الألفية» وتلا بالسبع على جماعة، منهم ابن اللّبان، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي وغيره، وأقبل على العبادة، واشتهر من بعد سنة تسعين حتّى إن اللّنك لما طرق الشام أرسل من حماه وحمى من معه، وكان السلطان شيخ يعظّمه، وكان سهل العريكة، لين الجانب، متواضعا جدّا، محبا في العلماء والمحدّثين، يتردد إلى بيروت للمرابطة، وله بها زاوية فيها سلاح كثير، وكلمته نافذة عند الفرنج، ويكتب إليهم بسبب المسلمين فيقبلون ما يكتب به، وحصل له في آخر عمره ضعف في بدنه، وثقل سمع. وتوفي ليلة عيد الفطر.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 293) و «الضوء اللامع» (8/ 223) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 293) و «الضوء اللامع» (8/ 223) .

سنة سبع وثلاثين وثمانمائة

سنة سبع وثلاثين وثمانمائة فيها أحصي من بالإسكندرية من الحاكة فكان فيها ثمانمائة نول، وكان ذلك وقع آخر القرن الثامن، فكانت أربعة عشر ألف نول، ومن ذلك أن كتّاب الجيش أحصوا قرى مصر قبليها وبحريها فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية بعد أن كانت في أوائل دولة الفاطميين عشرة آلاف قرية [1] . وفيها هبّت بدمياط رياح عاصفة فتقصف نخيل كثير، وتلفت أشجار الموز وقصب السكر من الصّقيع، وانهدمت عدة دور، وفزع الناس من شدّة الريح، حتّى خرجوا إلى ظاهر البلد، وسقطت صاعقة فأحرقت شيئا كثيرا، ثم نزل المطر فدام طويلا [2] . وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الأولى وقع بمكة سيل عظيم ارتفع في المسجد الحرام أربعة أذرع، وتهدّمت منه دور كثيرة، ومات تحت الردم جماعة [3] . وفيها توفي إبراهيم بن داود بن محمد بن أبي بكر العبّاسي [4] ، ولد أمير المؤمنين المعتضد بن المتوكل العبّاسي الشافعي. كان رجلا حسنا كبير الرئاسة، قرأ القرآن، وحفظ «المنهاج» واشتغل كثيرا

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 303) . [2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 300) . [3] انظر «إنباء الغمر» (8/ 300- 301) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 307) و «الضوء اللامع» (1/ 50) .

وخلف أباه لمّا سافر خلافة حسنة شكر عليها، ومات بمرض السّلّ في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة، ولم يكمل الثلاثين، ولم يبق لأبيه ولا له ذكر، وذكر أنه تمام عشرين ولدا ذكرا. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الكشك [1] . قال ابن حجر: انتهت إليه رئاسة أهل الشام في زمانه، وكان شهما، قوي النّفس، يستحضر الكثير من الأحكام، ولي قضاء الحنفية استقلالا مدة، ثم أضيف إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها، ثم صرف [2] عنهما معا، ثم أعيد لقضاء الشام، وكان بينه وبين نجم الدّين ابن حجي معاداة، فكان كل منهما يبالغ في الآخر لكن كان ابن الكشك أجود من ابن [3] حجي، سامحهما الله تعالى. وتوفي ابن الكشك بالشام في صفر عن بضع وخمسين سنة. وفيها تقي الدّين أبو بكر بن علي بن حجّة الحموي الأديب البارع الحنفي [4] شاعر الشام، المعروف بابن حجّة. ولد بحماة سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ، وحفظ القرآن الكريم، وطلب العلم، وعانى عمل الحرير يعقد الأزرار [5] وينظم الأزجال، ثم مال إلى الأدب، ونثر ونظم، ثم سافر إلى دمشق، ومدح أعيانها، واتصل بخدمة نائبها الأمير شيخ المحمودي، ثم قدم صحبته إلى القاهرة، فلما تسلطن قرية وأدناه وجعله من ندمائه وخواصه، وصار شاعره، وله فيه عدة مدائح، وعظم في الدولة،

_ [1] سبقت ترجمته في وفيات سنة (836) ص (315) وذكرت مظانها هناك. [2] تحرفت في «ط» إلى «حرف» . [3] لفظة «ابن» سقطت من «ط» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 310) و «الضوء اللامع» (11/ 53) و «النجوم الزاهرة» (15/ 189) وقد صنّف الأستاذ الدكتور محمود الرّبداوي مصنّفا حافلا في سيرته، نشرته دار قتيبة بدمشق فيحسن بالباحث الرجوع إليه. [5] في «ط» : «يعقد الأزر» .

وصارت له ثروة وحشمة، وسئل الحافظ ابن حجر من شاعر العصر؟ فقال: الشيخ تقي الدّين بن حجّة. انتهى. ونظم «بديعيته» المشهورة [1] على طريقة شيخه الشيخ عزّ الدّين الموصلي وشرحها شرحا حافلا عديم النّظير، وجمع مجاميع أخرى [2] مخترعة. ولما توفي الملك المؤيد تسلّط عليه جماعة من شعراء عصره، وهجوه لأنه كان ظنينا بنفسه وشعره مزريا بغيره من الشعراء، ينظر غالب [3] شعراء عصره كأحد تلامذته، ولا زالوا به حتّى خرج من مصر، وسكن وطنه حماة، ومات بها. ومن قولهم فيه: زاد ابن حجّة بالإسهال من فمه ... وصار يسلح منثورا ومنظوما وظنّ أن قد تنبّا في ترسّله ... لو صحّ ذلك قطعا كان معصوما ومن شعره هو: سرنا وليل شعره منسدل ... وقد غدا بنومنا مظفّرا [4] فقال صبح ثغره مبتسما ... عند الصّباح يحمد القوم السّرى ومنه: في سويداء مقلة الحبّ نادى ... جفنه وهو يقنص الأسد صيدا لا تقولوا ما في السّويدا رجال ... فأنا اليوم من رجال السّويدا ومنه: أرشفني ريقه وعانقني ... وخصره يلتوي من الرّقّة [5]

_ [1] انظرها في «البديعيات» ص (93) وما بعدها لصديقنا العزيز الدكتور علي أبو زيد، نفع الله تعالى به. [2] في «آ» : «أخر» . [3] لفظة «غالب» سقطت من «ط» . [4] في «آ» و «ط» : «مظفرا» وفي «إنباء الغمر» : «مسفرا» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» . [5] في «ط» : «من الدقة» .

فصرت من خصره وريقته ... أهيم بين الفرات والرّقّة ومنه وقد بدا به مرضه الذي مات فيه وكان بردية وسخونة: برديّة برّدت عظمي وطابقها ... سخونة ألّفتها قدرة الباري فامنن بتفرقة الضّدّين من جسدي ... يا ذا المؤلّف بين الثّلج والنّار وتوفي بحماة في خامس عشري شعبان على حالة حسنة. وفيها شرف الدّين أبو محمد إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله المقرئ ابن علي بن عطية الشّاوري اليمني الشافعي [1] عالم البلاد اليمنية وإمامها ومفنّنها المعروف بابن المقرئ. ولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين وبها نشأ، وتفقه على الكاهلي وغيره، ثم انتقل إلى زبيد فأكمل تفقهه على العلّامة جمال الدّين شارح «التنبيه» وغيره، وبرع في العربية والفقه، وبرز في المنظوم والمنثور، وأقبل عليه ملوك اليمن، وولاه الأشرف صاحب اليمن تدريس المجاهدية بتعز والنّظامية بزبيد، ولما مات مجد الدّين الفيروزآبادي طمع المذكور في ولاية القضاء فلم يتم له، واستمرّ على ملازمة العلم والتصنيف والإقراء، ومن مصنّفاته «مختصر الروضة» للنووي سمّاه «الروض» و «مختصر الحاوي الصغير» وشرحه، وكتاب «عنوان الشّرف الوافي» وهو كتاب حسن لم يسبق إلى مثله يحتوي على خمسة فنون [2] ، وفيه يقول بعضهم: لهذا كتاب لا يصنّف مثله ... لصاحبه الجزء العظيم من الحظّ عروض وتاريخ ونحو محقّق ... وعلم القوافي وهو فقه أولي الحفظ فأعجب به حسنا وأعجب أنّه ... بطين من المعنى خميص من اللّفظ

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 309) و «الضوء اللامع» (2/ 292) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 109) وفيه: «إسماعيل بن محمد بن أبي بكر الحسيني» و «بغية الوعاة» (1/ 444) و «البدر الطالع» (1/ 142) . [2] طبع عام (1407 هـ) في مكتبة أسامة بمدينة تعز في اليمن، وهي طبعة أنيقة فاخرة لكنها تفتقر إلى التوثيق والفهرسة.

وله مع ذلك النّظم الرائق، والنثر الفائق، ونظم «بديعية» على نمط «بديعية العز» الموصلي وشرحها شرحا حسنا التزم في «البديعية» في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي، وعمل مرّة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت آلافا، وشهد بفضله علماء عصره، منهم ابن حجر، وقد اجتمع به بمكّة المشرّفة، وأنشده: مدّ الشّهاب بن علي بن حجر ... سورا على مودّتي من الغير فسور ودي فيك قد بنيته ... من الصّفا والمروتين والحجر فأجابه ابن حجر بقصيدة أولها: يا أيّها القاضي الذي مراده ... يأتي على وفق القضاء والقدر ومن شعر ابن المقرئ: يا من لدمع ما رقي وحبيبه ... ولوجد قلب ما انقضى ولهيبه ومتيّم قد هذّبته يد الهوى ... بصحيح وجد غير ما تهذيبه خانته مهجته فما تمشي على ... عاداته الأولى ولا تجريبه وحشا تعسّفه الغرام وحلّه ... قسرا وليس بكفئه وضريبه يا هند قد أضرمت من ذكر [1] الجفا ... في القلب ما لا ينطفي وغريبه أنا من عرفت غرامه فاستخبري ... عن حال مأخوذ الحجا وسليبه وتوفي بزبيد يوم الأحد آخر صفر. وفيها عبد الله بن مسعود التّونسي المالكي الشيخ الجليل، المعروف بابن القرشيّة [2] . قال ابن حجر: أخذ عن والده، وقرأت بخطّه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة أبا عبد الله بن عرفة، وقاضي الجماعة أبا العبّاس أحمد بن محمد بن جعدة وأبا

_ [1] في «آ» : «فكر» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 315) و «الضوء اللامع» (5/ 70) .

القاسم أحمد الغبريني، وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية، وأبا عبد الله بن مرزوق، ومنهم أبو الحسن محمد بن أبي العبّاس الأنصاري البطرني، وذكر أنه قرأ عليه القرآن. وسمع عليه كثيرا من الحديث وألبسه خرقة التصوف. انتهى باختصار. وفيها السلطان أبو فارس عبد العزيز بن أبي العبّاس أحمد صاحب تونس [1] . قال أبو عبد الله محمد بن عبد الحقّ السّبتي: كان لا ينام من الليل إلّا قليلا، وليس له شغل إلّا النظر في مصالح ملكه، وكان يؤذن بنفسه ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر، ويقرّب أهل الخير، وقد أبطل كثيرا من المفاسد بتونس، منها الصّالة وهو مكان يباع [2] فيه الخمر للفرنج ويحصل منه في السنة شيء كثير، ولم يكن ببلاده كلها شيء من المكوس، لكنه يبالغ في أخذ الزكاة والعشر، وكان محافظا على عمارة الطّرق حتّى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده، وكان يرسل الصّدقات إلى القاهرة، والحرمين، وغيرها، ولا يلبس الحرير، ولا يتختم بالذهب، ويسلّم على الناس، وكتب إليه ابن عرفة مرّة، والله لا أعلم يوما يمرّ إلّا وأنا داع لكم بخير الدّنيا والآخرة، فإنكم عماد الدّين، ونصرة المسلمين. وتوفي وهو قاصد تلمسان. وفيها أبو الحسن علي بن حسين بن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن زكنون [3] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 316) و «الضوء اللامع» (4/ 214) و «النجوم الزاهرة» (15/ 192) . [2] في «ط» : «وهو كان يباح» وهو خطأ. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 319) و «الضوء اللامع» (5/ 214) و «النجوم الزاهرة» (15/ 214) و «المقصد الأرشد» (2/ 237- 238) و «المنهج الأحمد» الورقة (486) من القسم غير المطبوع منه، «السّحب الوابلة» ص (293) و «الجوهر المنضد» ص (95- 99) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (370) .

قال ابن حجر: ولد قبل الستين، وكان في ابتداء أمره جمّالا، وسمع على يحيى بن يوسف الرّحبي، ويوسف الصّيرفي، ومحمد بن محمد بن داود، وغيرهم، وكان يذكر أنه سمع من ابن المحبّ. ثم أقبل على العبادة والاشتغال، فبرع، وأقبل على «مسند أحمد» فرتّبه على الأبواب، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب «المغني» وغيره، وفرغ في مجلدات كثيرة، وكان منقطعا في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق [1] وكان يقرئ الأطفال، ثم انقطع. ويصلي الجمعة بالجامع الأموي، ويقرأ عليه بعد الصلاة في «الشرح» وثار بينه وبين الشافعية شرّ كبير بسبب الاعتقاد، وكان زاهدا، عابدا، قانتا، خيّرا، لا يقبل لأحد شيئا، ولا يأكل إلّا من كسب يده. توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة وكانت جنازته حافلة. انتهى. وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة المارديني الحلبي الحنفي [2] . اشتغل ببلده مدة، ولقي أكابر المشايخ، وحفظ عدة مختصرات، ومهر في الفنون، وشغل الناس، وقدم إلى حلب مرارا فاشتغل بها، ثم درّس في أماكن، وأقام بها مدة عشرين سنة ثم رجع، ولما غلب قرا ملك على ماردين نقله إلى آمد فأقام مدة ثم أفرج عنه، فرجع إلى حلب فقطنها، ثم حصل له فالج قبل موته بنحو عشر سنين فانقطع، ثم خفّ عنه وصار يقبل الحركة، وكان حسن النّظم والمذاكرة، فقيها، فاضلا، صاحب فنون من العربية، والمعاني، والبيان. وتوفي بحلب عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلّف بعده مثله. وفيها تاج الدّين محمد بن أبي بكر بن محمد المقرئ، الشهير بابن تمريه [3] .

_ [1] لا زال عامرا إلى الآن والحمد لله، وقد تعاقب على التدريس فيه جمهرة من العلماء الأعلام، ويقوم بالتدريس فيه منذ أكثر من عشر سنوات والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى وأطال عمره وأحسن إليه في الدنيا والآخرة. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 320) و «الضوء اللامع» (7/ 195) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 321) و «الضوء اللامع» (7/ 199) .

ولد قبل الثمانين وسبعمائة بيسير، وكان أبوه تاجرا بزّازا، فنشأ هو محبا في الاشتغال، مع حسن الصورة والصّيانة، وتعانى القراءات فمهر فيها، ولازم الشيخ فخر الدّين بالجامع الأزهر، والشيخ كمال الدّين الدّميري، وصار شيخ الإقراء بالقاهرة. وتوفي يوم الجمعة عاشر صفر. وفيها جمال الدّين أبو المحاسن محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر العبدري الشّيبي الشافعي [1] قاضي مكة. ولد في رمضان سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وسمع على برهان الدّين بن صديق وغيره، وأجازه، الحافظ العراقي وغيره، ورحل إلى شيراز وبغداد، ونظر في التواريخ، وصنّف حوادث زمانه، و «طيب الحياة» مختصر «حياة الحيوان» مع زوائد وتعاليق على «الحاوي» . وولي قضاء مكّة وحجابة البيت. وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشري من ربيع الآخر [2] . وفيها القاضي بدر الدّين أبو اليمن محمد بن العلّامة نور الدّين علي الحكريّ المصريّ الحنبلي [3] . ناب في الحكم بالقاهرة دهرا طويلا، وكان من أعيانهم، وأعاد ببعض المدارس، ومهر في الفقه والفنون، وكان شكلا حسنا، وكان يستشرف أن يلي قضاء الحنابلة بالدّيار المصرية ولو فسح في أجله لوصل ولكن اخترمته المنية ثالث ربيع الأول بالقاهرة في حياة شيخ المذهب قاضي القضاة محبّ الدّين أبو نصر الله. وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن القمّاح التّونسي [4] المالكي المحدّث بتونس.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 322) و «الضوء اللامع» (9/ 13) و «النجوم الزاهرة» (15/ 186) . [2] في «إنباء الغمر» : «ربيع الأول» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 323) و «الضوء اللامع» (8/ 181) و «المقصد الأرشد» (2/ 481) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 324) .

سمع من ابن عرفة وجماعة، وحجّ، فسمع من تاج الدّين بن موسى خاتمة من كان عنده حديث السّلفي بالعلوّ، بالسماع المتصل بالقاهرة من حافظ العصر الزّين العراقي، ومن مسند القاهرة برهان الدّين السّامي، ومن جماعة، وحدّث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن زبير بالإجازة، وعن غيره من المشارقة، وحدّث بالكثير، وكان حسن الأخلاق، محبّا للحديث وأهله. وتوفي بتونس في أواخر ربيع الآخر. وفيها شمس الدّين محمد بن شفليش [1] الحلبي [2] . قال ابن حجر: أحد الفقهاء بها. اشتغل كثيرا وفضل. سمعت من نظمه بحلب، وكتب عنّي كثيرا. مات في جمادى الأولى. انتهى. وفيها ناصر الدّين محمد بن الفخر المصري، المعروف بابن النّيدي [3] . قال ابن حجر: كان أبوه تاجرا، فنشأ هو محبا في العلم، فمهر في العربية، وصاهر شيخنا العراقي على ابنته، ثم ماتت معه، فتزوج بركة بنت الشيخ ولي الدّين أخي زوجته الأولى، وماتت في عصمته، وخلّف ولدين، وكان معروفا بكثرة المال فلم يظهر له شيء، وله بضع وستون سنة. انتهى. وفيها جلال الدّين أبو المظفّر محمد بن فندو ملك بنجالة، ويلقب بكاس [4] . كان أبوه كافرا، فثار على شهاب الدّين مملوك سيف الدّين حمزة بن غياث الدّين أعظم شاه بن إسكندر شاه فغلبه على بنجاية، وأسره، وكان أبو المظفّر قد

_ [1] في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» : «محمد بن شفشيل» والتصحيح من «إنباء الغمر» وهامش «ط» وهامش «الإنباء» . قال السخاوي في «الضوء» : شفليش: بمعجمتين الأولى مفتوحة بعدها فاء ساكنة، ثم لام وياء، ورأيت من كتبه: شفتيل. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 325) و «الضوء اللامع» (7/ 266- 267) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 325) و «الضوء اللامع» (./ 147) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 326) و «الضوء اللامع» (8/ 280) و «النجوم الزاهرة» (15/ 192) .

أسلم، فثار على أبيه، واستملك منه البلاد، وأقام شعار الإسلام، وجدّد ما خرّبه أبوه من المساجد، وراسل صاحب مصر بهدية واستدعي بعهد من الخليفة، وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء الدّين البخاري نزيل مصر ثم دمشق، وعمر بمكة مدرسة هائلة، وكانت وفاته في ربيع الآخر. وأقيم بعده ولد المظفّر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة. وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة الدمشقي الحنبلي [1] . ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وكان يتعانى التجارة، وولي قضاء الإسكندرية مدة، وكان عارفا بالطب، وله دعاو في الفنون أكثر من علمه. وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سابع شهر رمضان.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 326) و «الضوء اللامع» (9/ 124) .

سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة

سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة فيها كان وباء عام في بلاد المسلمين والكفّار، مات به من لا يحصى كثرة [1] . وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحي بن عبد الخالق بن عبد العزيز الأسيوطي [2] . سمع من أبيه، ومن عبد الرحمن بن القارئ، وأجاز له، وكان يواظب التّكسّب بالشهادة في جامع ظاهر الورّاقين. ومات في ثاني عشر ربيع الآخر. وفيها شهاب الدّين أحمد بن ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير البلقيني [3] الشافعي ابن أخي سراج الدّين البلقيني. ولد سنة ست وتسعين وسبعمائة، وقرأ القرآن، وحفظ كتبا، ودرّبه أبوه في توقيع الحكم، واشتغل في القراآت والعربية، وكان حسن الصوت بالقرآن، أمّ بالمدرسة المالكية بالقرب من مشهد الحسين، ووقع في الحكم، ثم ناب في القضاء بأخرة، وخدم ابن الكوين وهو كاتب السرّ، ثم ابن مزهر فأثرى، وصارت له وجاهة، وحصّل جهات، ثم تمرض أكثر من سنة.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 344) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 358) و «الضوء اللامع» (1/ 323) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 359) و «الضوء اللامع» (2/ 102) .

وتوفي في السادس والعشرين من رجب بعلّة السّلّ، ودفن عند أبيه بمقابر الصّوفية. وفيها مجد الدّين أبو الطاهر إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم البيضاوي الزّمزمي [1] المؤذن بمكّة. قال ابن حجر: ولد سنة ست وستين وسبعمائة، وأجاز له صلاح الدّين بن أبي عمر، وعمر بن أميلة، وأحمد بن النجم، وابن مقبل، وآخرون. وكان يتعانى النّظم، وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بآلاته، ثم أخذ العروض عن الشيخ نجم الدّين المرجاني ومهر، وكان فاضلا، ورحل إلى القاهرة، فسمع من بعض شيوخنا، وكان قليل الشرّ، مشتغلا بنفسه وعياله، مشكور السيرة، ملازما لخدمة قبة العبّاس، وله سماع من قدماء المكّيين، وحدّث بشيء يسير سمعت من نظمه. وأخوه إبراهيم [2] . ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وأجاز له في سنة سبع وثمانين الشّهاب بن ظهيرة وآخرون، واشتغل في عدة فنون، وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض والحساب فمهر فيها. انتهى كلام ابن حجر. وفيها زكي الدّين أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس المهجمي الأصل ثم المصري [3] . قال ابن حجر: رفيقي ولد بعد السبعين وسبعمائة بيسير، ونشأ في حال بزّة وترفه، ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين، ولازم الشيوخ، وسمع معي من عوالي شيوخي مثل ابن الشّحنة، وابن أبي المجد، وبنت الأذرعي، وغيرهم فأكثر جدا، وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرّحلة الشامية، ورافقني في الاشتغال على

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 360) و «الضوء اللامع» (2/ 302) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (1/ 86) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (11/ 19) .

الأبناسي، والبلقيني، والعراقي، وغيرهم. ثم دخل اليمن سنة ثمانمائة، فاستمر بالمهجم وبعدن، إلى أن عاد من قرب، فسكن مصر، ثم ضعف بالدّرب، واختل عقله جدا، وسئم منه جيرانه فنقلوه إلى المارستان، فأقام به نحو شهرين ومات، وصلّيت عليه ودفنته بالتربة الرّكنية بيبرس في سلخ المحرم. انتهى. وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر اللّوبياني [1] الفقيه الشافعي، أحد الفضلاء الشافعية بدمشق. باشر تدريس الشّامية الجوّانية وغيرها. وتوفي في شوال. وفيها شرف الدّين وبدر الدّين حسين بن علي بن سبع المالكي البوصيري [2] . قال ابن حجر: ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع على المحبّ الخلاطي أكثر «الدارقطني» أنا الدمياطي، و «صفة التصوف» لابن طاهر، خلا من أول زهد إلى آخر الكتاب. وسمع أيضا على عزّ الدّين ابن جماعة غالب «الأدب المفرد» للبخاري، وعرض على مغلطاي شيئا من محفوظة، وأجاز له، وكان من الطلبة بالشيخونية، وحدّث. سمع منه رضوان، وابن فهد، والبقاعي، وغيرهم. وأجاز لابني محمد ومن معه. ومات في ربيع الأول. انتهى. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي، المعروف بابن زريق [3] . ولد في رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وأسمعه عمّه الكثير من ابن المحب، وابن عوض، وابن داود، وابن الذهبي، وابن العزّ، ومن مسموعه على

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 361) و «الضوء اللامع» (11/ 43) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 362) و «الضوء اللامع» (3/ 105) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (355) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 363) و «الضوء اللامع» (4/ 63) و «السحب الوابلة» ص (201) .

ابن العزّ السادس من مسند أنس من «المختارة» للضياء، والثاني والسبعين منها. وسمع على ابن داود من «أمالي» المحاملي رواية أبي عمر بن مهدي، أنا سليمان بن حمزة. وتوفي فجأة ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر. وفيها زين الدّين أبو زيد وأبو هريرة عبد الرحمن بن نجم الدّين عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر بن عبد المحسن القبابي [1]- نسبة إلى القباب الكبرى من قرى أشمون الرّمان بالوجه الشرقي من أعمال القاهرة [2]- ثم المقدسي الحنبلي المسند. ولد في ثالث عشر شعبان سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وأجاز له أبو الفتح الميدومي، وجلّ شيوخ العراقي، وسمع من الشيخ تقي الدّين السّبكي، وصلاح الدّين بن أبي عمر، وابن أميلة، وصلاح الدّين العلائي، والتبّاني، وابن رافع، والخلاطي، وابن جماعة، ومغلطاي، وابن هبل، وخلائق، تجمعهم «مشيخة» خرّجها له ابن حجر سمّاها «المشيخة الباسمة» للقبابي، وفاطمة، وكان أحد الفقهاء المبجلين بالقدس الشريف، وقد أكثر عنه الرّحالة وغيرهم، وقصد لذلك، وتفرّد بأكثر مشايخه، وأخذ عنه خلق، منهم ابن حجر. وتوفي ببيت المقدس في سابع ربيع الآخر. وفيها جلال الدّين أبو المحامد عبد الواحد [3] بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب الفوي الأصل ثم المكّي العلّامة النحوي، الشهير بالمرشدي [4] . قال ابن حجر: ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين وسبعمائة بمكة، وأسمع

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 363) و «الضوء اللامع» (4/ 113) و «السحب الوابلة» ص (209) . [2] انظر «التحفة السنية» ص (49) . [3] في «آ» و «ط» : «عبد الرحمن» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 364) و «الضوء اللامع» (5/ 93) و «بغية الوعاة» (2/ 118) .

علي الشّاوري، والأميوطي، والشّهاب بن ظهيرة، وغيرهم. ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعض شيوخنا، ومهر في العربية، وقرأ الأصول، والمعاني، والفقه. وكان نعم الرّجل مروءة وصيانة. ومات في يوم الجمعة رابع عشري شعبان وكثر الأسف عليه. انتهى. وفيها علاء الدّين علي بن طيبغا بن حاجي بك التّركماني العينتابي الحنفي [1] . كان فاضلا وقورا، مهر في الفنون، وقرّره السلطان الأشرف مدرسا وخطيبا بالتربة التي أنشأها بالصّحراء. وتوفي بطريق الحجاز، ودفن بالقرب من الينبع. وفيها نور الدّين علي بن محمد بن موسى بن منصور المحلّي ثم المدني [2] . وقال ابن حجر: ولد في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وسبعمائة بالمدينة المنورة، وسمع على ابن حبيب، وابن خليل، وابن القارئ، وأبي البقاء السّبكي، وغيرهم. وأجاز له ابن أميلة، وابن الهبل، وابن أبي عمر، وحدّث باليسير، وأجاز لنا، وليس ببلاد الحجاز أسند منه يوم مات. وتوفي في ثالث شوال. وفيها نجم الدّين محمد بن عبد الله بن عبد القادر الواسطي السّكاكيني [3] الشافعي. قرأ على العاقولي، وصدر الدّين الإسفرايني مصنّف «ينابيع الأحكام في

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 365) و «الضوء اللامع» (5/ 233) و «الدليل الشافي» (1/ 458) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 365) و «الضوء اللامع» (6/ 24) و «التحفة اللطيفة» (3/ 258) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 366) و «الضوء اللامع» (8/ 67) وقد ذكر فيه تمام نسبه فيحسن بالباحث الرجوع إليه.

مذاهب الأربعة الأعلام» ومهر في النظم، والقراءات، والفقه. يقال: إنه أقرأ «الحاوي» ثلاثين مرّة، وله «شرح على منهاج البيضاوي» ونظم بقية القراءات العشر، و «تكملة» للشاطبي على طريقته حتّى يغلب على سامعه أنه نظم الشّاطبي. وخمّس «البردة» و «بانت سعاد» . وتوفي بمكة في سادس عشري ربيع الآخر. وفيها تقي الدّين محمد بن بدر الدّين محمد بن سراج الدّين عمر البلقيني الشافعي [1] . ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ومات أبوه وهو طفل، فربّاه جدّه، وحفظ القرآن، وصلّى بالناس وهو صغير نحو عشرة سنين، ودرّس في «المنهاج» ولازم الكمال الدّميري وغيره، وكان ذكيا، حسن النّغمة. ونشأ في إملاق، ولما ولي عمّه القضاء نبه قليلا، وولي بأخرة نيابة الحكم بمينة الأمل وغيرها من الضواحي، ودرّس بعد موت عمّه جلال الدّين بجامع طولون، وتمول بملازمة ناظر الجيوشي عبد الباسط، وحصل وظائف وإقطاعات، وصار كثير المال جدا في مدة يسيرة، وحدّث عن جدّه بشيء يسير. وتوفي بالقاهرة ليلة الثاني عشر من شوال، ودفن على أبيه وجدّه، وخلّف ولدا كبيرا وآخر صغيرا وابنتين.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 367) و «الضوء اللامع» (9/ 171) و «الدليل الشافي» (2/ 686) .

سنة تسع وثلاثين وثمانمائة

سنة تسع وثلاثين وثمانمائة فيها وقع ببرصا طاعون عظيم واستمر أربعة أشهر [1] . وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان وفشا الطّاعون بهراة، حتّى قيل: إن عدّة من مات بهراة ثمانمائة ألف. وكذلك فشا الوباء في بلاد اليمن جميعها وفي بلاد البربر والحبشة [2] . وفيها توفي أمير زاه إبراهيم بن شاه رخ [3] صاحب شيراز. وكان قد ملك البصرة وكان فاضلا حسن الخط جدا توفي في رمضان. وفيها أحمد بن شاه رخ [4] ملك الشرق. مات في شعبان بعد أن رجع من بلاد الجزيرة، ثم فرار الرّوم، فحزن عليه أبوه، واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز، وكرمان، وهذا كان أشدهم [5] ويقال له: أحمد جوكي. قاله ابن حجر. وفيها همّام الدّين أحمد بن عبد العزيز السّبكي [6] ثم الشّيرازي [7] .

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (8/ 375) . [2] انظر «إنباء الغمر» (8/ 386 و 392) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 359 و 393) و «الدليل الشافي» (1/ 16) و «الضوء اللامع» (1/ 52) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 358 و 393) و «الضوء اللامع» (1/ 209) و «الدليل الشافي» (1/ 48) . [5] في «آ» : «وهذا أعهدهم» . [6] كذا في «آ» و «ط» : «السّبكي» وفي «إنباء الغمر» : «الشبكي» وفي «الضوء اللامع» : «الشيفكي» . [7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 393) و «الضوء اللامع» (1/ 348) .

قال ابن حجر: قرأ على الشّريف الجرجاني «المصباح في شرح المفتاح» . وقدم مكة فنزل في رباط، فاتفق أنه كان يقرئ في بيته فسقط بهم البيت إلى طبقة سفلى فلم يصب أحدا منهم شيء، وخرجوا يمشون، فلما برزوا سقط السقف الذي كان فوقهم. وكان حسن التقرير، قليل التكلف، مع لطف العبارة، وكثرة الورع، عارفا بالسلوك على طريق [1] كبار الصوفية. وكان يحذّر من مقالة ابن عربي وينفّر عنها. مات في خامس عشري شهر رمضان. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن محمد الزّاهدي [2] الحفّار [3] المعمّر العابد خادم ضريح الشيخ رسلان بدمشق. ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وأسمع من زينب بنت الكمال وغيرها، وقرأ الناس عليه بإجازتها. وتوفي في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان. وفيها الأمير حسين بن أمير المسلمين أبي فارس الحفصي [4] . قال ابن حجر: الإمام العلّامة المفتي الأمير ابن الأمير. كان أخوه لما مات في العام الماضي استقرّ ولده في المملكة أي مملكة المغرب، ثم أراد الحسين هذا الثورة، فظفر به وقتله، وقتل أخوين له، وعظمت المصيبة بقتل الحسين، فإنه كان فاضلا، مناظرا، ذكيا، رحمه الله.

_ [1] في «آ» : «على طريقة» وما جاء في «ط» موافق لما في «الإنباء» و «الضوء» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 394) و «الضوء اللامع» (2/ 145) . [3] في «إنباء الغمر» : «الخباز» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 396) .

وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر محمد بن علي المصري ثم الدمشقي [1] . تفقه قليلا، وأسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره، فسمع على الكمال بن حبيب «سنن ابن ماجة» وعلى ابن المحبّ «جزء العالي» أنا الحجّار و «عشرة الحداد» أنا إبراهيم بن صالح وعلي الصّلاح بن أبي عمر مسند عائشة من «مسند أحمد» . وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها ركن الدّين عبد الرحمن بن علي بن محمد الحلبي الحنفي [2] . الشريف، المعروف بالدّخان. اشتغل بدمشق، فمهر في المذهب، وناب في الحكم مدة، ثم ولي القضاء استقلالا بعد موت ابن الكشك. وتوفي ليلة الأحد سابع المحرّم. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العدناني الشهير بالبرشكي [3] المحدّث الرّحال الفاضل. أخذ ببلاده عن جماعة، ورحل إلى المشرق سنة ست عشرة، فحجّ، وحمل عنه المشايخ، وأجاز له البرهان الشامي، وكان حسن الأخلاق، لطيف المجالسة، كريم الطّباع، رحمه الله تعالى. قاله ابن حجر. وفيها عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن عبد الله بن عبد الباقي بن عبد الله بن أبي المنا البابي [4] نزيل حلب الشافعي الضّرير النحوي، المعروف بالشيخ عبيد. ولد في حدود سنة ست وستين وسبعمائة، واشتغل على شرف الدّين

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 398) و «الضوء اللامع» (4/ 89) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 399) و «الضوء اللامع» (1034) «طبقات السّنية» (4/ 291) و «الدليل الشافي» (1/ 402) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 399) و «الضوء اللامع» (4/ 132) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 400) و «الضوء اللامع» (5/ 87) و «بغية الوعاة» (2/ 111- 112) .

الأنصاري، وشمس الدّين النابلسي، وغيرهما. وتقدم فيهما، وأخذ عنه جمع جمّ. وناب في الإمامة والخطابة بالجامع إلى أن مات في جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة جدا. وفيها ولي الدّين عبد الولي بن محمد بن الحسن الخولاني اليمني الشافعي [1] . ولد بقرب تعز، ولازم بها الإمام رضي الدّين بن الخيّاط، والإمام جمال الدّين محمد بن عمر العوادي، وغيرهما. ولازم الشيخ مجد الدّين الفيروزآبادي [2] . وأخذ عنه النحو واللغة، وجاور معه بمكة والطائف، ومهر إلى أن صار مفتي تعز مع ابن الخيّاط. وتوفي بالطّاعون. وفيها الحافظ جمال الدّين محمد بن الإمام رضي الدّين أبي بكر بن محمد بن الخيّاط اليمني الشافعي [3] حافظ البلاد اليمنية. قال ابن حجر: تفقه بأبيه وغيره حتى مهر، ولازم الشيخ نفيس الدّين العلوي في الحديث، فما مضى إلّا اليسير، حتى فاق عليه، حتى كان لا يجاريه في شيء، وتخرّج بالشيخ تقي الدّين الفاسي، وأخذ عن القاضي مجد الدّين الشيرازي- أي صاحب «القاموس» - واغتبط به حتّى كان يكاتبه فيقول إلى اللّيث ابن اللّيث والماء ابن الغيث. ودرّس جمال الدّين بتعز وأفتى، وانتهت إليه رئاسة العلم بالحديث هناك، وأخذ عن الشيخ شمس الدّين الجزري لما دخل اليمن بأخرة. ومات بالطاعون في هذه السنة. انتهى.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 400) و «الضوء اللامع» (5/ 96) . [2] كذا في «آ» و «ط» : «الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي» وفي مصدري الترجمة «الشيخ مجد الدين الشيرازي» وهو المقصود بذلك. وسوف يسير المؤلف إلى ذلك في الترجمة التالية. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 407) و «الضوء اللامع» (7/ 194) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (228) .

وفيها تاج الدّين أبو الفتح محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن علي بن الشّرابيشي الشافعي [1] . طلب الفقه، وسمع من ابن خليل، وأكثر عنه، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السّبط وهذه الطبقة، ولازم ابن الملقّن، والعراقي. قال ابن حجر: وسمع معي كثيرا، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرّة، وتصدى للإسماع، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات. وكان يعلّق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة، حتّى حصّل من ذلك جملة كبيرة، ثم تسلّط عليه بعض أهله يسرقون المجلدات مفرقات من عدة كتب قد أتقنها وحرّرها فيبيعونها تفاريق، والتي لم تجلد يبيعونها كراريس، وتغيّر عقله بأخرة. وتوفي يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. وفيها المنتصر أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي فارس [2] صاحب تونس. لم يتهنّ في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن. وتوفي في حادي عشري صفر. واستقرّ بعده شقيقه عثمان ففتك في أقاربه وغيرهم بالقتل والأسر، وخرج عليه عمّه أبو الحسن صاحب بجاية. وفيها محيي الدّين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن حسن العبّابي- نسبة إلى عبّاب بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة جدّ- الشافعي المصري [3] . ولد في آخر سنة ستين وسبعمائة، وقدم القاهرة فاشتغل بها، وحفظ «التنبيه» و «الألفية» و «مختصر ابن الحاجب» وحضر دروس البلقيني، وابن الملقّن،

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 407) و «الضوء اللامع» (8/ 241) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 408) و «النجوم الزاهرة» (5/ 197) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 409) و «الضوء اللامع» (10/ 263) .

والأبناسي، وغيرهم، واشتغل في علم الحديث على العراقي، ولازم العزّ بن جماعة في قراءة «المختصر» ومحبّ الدّين بن هشام في العربية، وطاف على الشيوخ، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل، فلازم الزّهري، وأثنى على فضائله، حتى قال: ما قدم علينا من طلبة مصر مثله، وأذن له، وتكلّم على الناس بالجامع، وسكن بعد الفتنة بيت روحا فأقام بها، ودخل إلى مصر مع الشاميين، ثم عاد فلازم عمل الميعاد، واجتمع عليه العامة، وانتفعوا به، وقرأ «صحيح البخاري» عند نوروز، ثم ناب في الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرة وثمانمائة، واستمرّ في ذلك. قال ابن حجر: ولم يكن في أحكامه محمودا، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضرّ وهو مستمر على الحكم، وكان يؤخذ بيده فيعلّم بالقلم، وكان فصيحا، ذكيا، جيد الذهن، مشاركا في عدة فنون، مفتيا. وأقبل في أخرة على إقراء الفقه والتدريس، وسمع عليّ شيئا. وتوفي في ثامن عشر صفر. انتهى باختصار. وفيها الشيخ أبو الطّاهر بن عبد الله المرّاكشي المالكي [1] قال ابن حجر: الشيخ المغربي نزيل مكة. كان قرأ على عبد العزيز الحلماوي قاضي مرّاكش وغيره، وكان خيّرا ديّنا، صالحا. توفي بمكة في شوال.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 410) «الضوء اللامع» (11/ 116) .

سنة أربعين وثمانمائة

سنة أربعين وثمانمائة فيها توفي إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي [1] . قال ابن حجر: دخل بلاد العجم، وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره، وأقام بمكة، وكان حسن الخلق، كثير البشر بالطلبة، انتفعوا به كثيرا في عدة فنون وجلّها المعاني والبيان، وكان يقرّرها تقريرا واضحا. مات في آخر المحرم. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر البوصيري الشافعي [2] . ولد في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وسكن القاهرة، ولازم العراقي على كبر فسمع منه الكثير، ولام ابن حجر فكتب عنه «لسان الميزان» و «النكت على الكاشف» والكثير من التصانيف، ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية، وكان كثير السكون والعبادة والتّلاوة، مع حدّة الخلق، وجمع أشياء، منها «زوائد سنن ابن ماجة» على الكتب «الأصول الستة» [3] وعمل «زوائد المسانيد العشرة» [4]

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 431) و «الضوء اللامع» (1/ 19) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 431) و «الضوء اللامع» (1/ 251) و «النجوم الزاهرة» (15/ 209) و «درر العقود الفريدة» (2/ 323) . [3] وسمّاه «مصباح الزجاجة» وقد طبع في دار الجنان ببيروت بمجلدين سنة (1406 هـ) بتحقيق الأستاذ كمال يوسف الحوت. [4] وسمّاه «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» وهو غير مطبوع وتوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية وتحتفظ بمصورة منها الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

و «زوائد السنن الكبير للبيهقي» [1] وكتاب «تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب» [2] لم يبيضه ولم يزل مكبّا على الاشتغال والنسخ إلى أن توفي ليلة ثامن عشري المحرم بالقاهرة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السّمسار الشافعي، المعروف بابن المحمّرة ويعرف أبوه بابن البحلاق [3] . ولد في صفر سنة سبع وستين وسبعمائة، وحفظ القرآن وهو صغير، و «العمدة» و «المنهاج» . وسمع من عبد الله بن علي الباجي، وتقي الدّين بن حاتم، ونحوهما. وأكثر عن البرهان الشامي، وابن أبي المجد، وناب في الحكم، وباشر عدة مدارس. قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفصلها. وولي بعض البلاد فحصّل منها مالا، وصار يتجر بعد أن كان مقلّا يتكسّب من شهادة المخبز بالخانقاه الصّلاحية. ولما ولي قضاء الشام سار سيرة مرضية بحسب الوقت، ولم يعدم من يفتري عليه، إلّا أنه كان متساهلا بحيث لا يتجنب عن القضايا الباطلة، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل شيئا، ولا ينكر على ما يصدر من نوّابه، مع اطلاعه على حالهم. انتهى. وقال ابن حجر: استمرّ بالقاهرة إلى أن شعرت مشيخة الصّلاحية بصرف الشيخ عزّ الدّين القدسي عنها، فسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين فباشرها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر. انتهى.

_ [1] قال الأستاذ عمر رضا كحالة في «معجم المؤلفين» لا (1/ 175) : يقع في مجلدين أو ثلاثة. [2] انظر «إيضاح المكنون» (1/ 245) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 432- 434) و «الدليل الشافي» (1/ 81) و «النجوم الزاهرة» (15/ 206- 207) و «الضوء اللامع» (2/ 186- 187) و «درر العقود الفريدة» (1/ 268) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (4/ 107- 109) وفي بعض المصادر: «أحمد بن محمد بن صلاح» .

وفيها ستّ العيش أمّ عبد الله وأم الفضل عائشة بنت القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد الكاتبة الفاضلة الصّالحة الكنانية العسقلانية الأصل ثم المصرية الحنبلية، سبطة القلانسي [1] . ولدت سنة إحدى وستين وسبعمائة، وحضرت على جدّها فتح الدّين القلانسي أكثر «العلامات» وغيرها، وسمعت من العزّ ابن جماعة، والقاضي موفق الدّين الحنبلي، وناصر الدّين الحراوي. ولها إجازة من محبّ الدّين الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين، وأكثر عنها الطلبة آخرا، وكانت خيّرة تكتب خطا جيدا، وهي والدة القاضي عزّ الدّين ابن قاضي المسلمين برهان الدّين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزي الأصل، نزيل القاهرة، المعروف بابن الخرّاط [2] الأديب الشاعر موقّع الدّست. ولد بحماة في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وقدم مع والده إلى حلب فنشأ بها، واشتغل على والده وغيره في الفقه وغيره، ثم تولّع بالأدب، واشتهر، وأكثر من مدح أكابر أهل حلب، ومدح جكم بقصائد طنّانة فأجازه، واختصّ به ونادمه، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها. وقدم أخوه شمس الدّين إلى القاهرة صحبة ابن البارزي، فسعى له في كتابة السرّ بطرابلس فوليها، ثم قدم الديار المصرية فقطنها، وقرّر في كتابة الإنشاء، وكانت بيده وظائف كثيرة. وولي قضاء الباب [3] بعد والده، فاستمر معه إلى أن مات، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة. وتوفي ليلة الثلاثاء مستهلّ المحرم.

_ [1] ترجمتها في «إنباء الغمر» (8/ 438) و «الضوء اللامع» (2/ 78) و «أعلام النساء» (3/ 181) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 438) و «الضوء اللامع» (4/ 130) و «النجوم الزاهرة» (15/ 205) . [3] الباب: بلدة كبيرة تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب. انظر «معجم البلدان» (1/ 303) .

وفيها تاج الدّين عبد الرحمن بن عمر بن محمود بن محمد الشافعي الحلبي، المعروف بابن الكركي [1] . ولد بحلب سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسمع من جماعات، وولي قضاء حلب مدة، ثم نزل عن ذلك، واستمرّت بيده جهات قليلة يتبلغ منها. قال ابن حجر: سكن القاهرة مدة، وناب عني في الحكم، وحجّ، وتوجه، فلقيته بحلب لما توجهت إليها، وأجاز لأولادي. وتوفي في ثاني عشري شهر رمضان. وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن أحمد بن الضبيّ الشافعي [2] . قال ابن حجر: كان خطيبا بجامع يونس بالقرب من قنطرة السّباع، وكان ديّنا، خيّرا، مقبلا على شأنه، لازمني نحو الثلاثين سنة [3] ، وكتب أكثر تصانيفي، منها «أطراف المسند» ، وما كمل من «شرح البخاري» [4] وهو أحد عشر سفرا، و «المشتبه» [5] و «لسان الميزان» و «الأمالي» وهي في قدر أربع مجلدات، و «تخريج الرافعي» . وكتب لنفسه من تصانيف غيري. واشتغل بالعربية، ولم تكن له همّة في غير الكتابة. وكان متقلّلا من الدنيا، قانعا باليسير، صابرا. توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر [6] رمضان. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد المناوي الأصل الجوهري الشافعي، المعروف بابن الرّيفي [7] .

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 440) و «الضوء اللامع» (4/ 115) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 443) و «الضوء اللامع» (7/ 135) . [3] لفظة «سنة» سقطت من «آ» . [4] يعني «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» وهو مطبوع متداول. [5] يعني «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه» وقد طبع منذ سنوات طويلة في مصر بأربع مجلدات، وقام بتحقيقه الشيخ علي محمد البجاوي، وراجعه الشيخ محمد علي النجار. [6] في «ط» : «ثاني عشري» . [7] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 443) وفيه «المعروف بابن الريقي» بالقاف، و «الضوء اللامع» (9/ 46) .

قال ابن حجر: حصلت له ثرورة من قبل بعض حواشي الناصر من النساء، وأكثر من القراءة [1] على الشيخ برهان الدّين البيجوري، فقرأ عليه «الروضة» وفي «الرافعي الكبير» وفي «الرافعي الصغير» ، وغير ذلك ولازم [2] دروس الولي العراقي، وكان كثير التّلاوة والإحسان للطلبة. توفي يوم الخميس خامس شوال وكانت جنازته مشهودة. وفيها مجد الدّين أبو الطّاهر محمد بن محمد بن علي بن إدريس بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن العلوي- نسبة إلى بني علي بن بلي بن وائل- التّعزي الشافعي [3] . ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة، وقرأ القرآن، وحصّل طرفا من العربية، ونظم الشعر، وأحبّ طلب الحديث، فأخذ عن الجمال ابن الخيّاط بتعز، وحضر عند الفيروزآبادي، وأجاز له، وحجّ سنة تسع وثلاثين، فسمع بمكّة، ثم قدم القاهرة فأكثر على ابن حجر السماع ليلا ونهارا، وكتب بخطّه كثيرا، ثم بغته الموت فتوعك أياما. وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة. وفيها شمس الدّين محمد المغربي الأندلسي النحوي [4] . قال ابن حجر: ولي قضاء حماة. وأقام بها مدة، ثم توجه إلى الرّوم فأقام بها، وأقبل الناس عليه، وكان شعلة نار في الذكاء، كثير الاستحضار، عارفا بعدة علوم خصوصا العربية، وقد قرأ في علوم الحديث عليّ، وكان حسن الفهم. مات في شعبان ببرصا من بلاد الرّوم.

_ [1] في «آ» : «من القراءات» . [2] في «آ» : «والتزم» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 444) و «الضوء اللامع» (9/ 145) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (323) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 447) و «الضوء اللامع» (10/ 26) و «بغية الوعاة» (1/ 290) .

وفيها شرف الدّين موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان السّبكي الشافعي [1] . ولد سنة اثنتين [2] وستين [2] وسبعمائة تقريبا في شبك العبيد، وكان متصديا لشغل الطلبة بالفقه جميع نهاره، وأقام على ذلك نحو عشرين سنة، ولم يخلّف بعده نظيره في ذلك. وتوفي بمرض السّلّ يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة. وفيها شهاب الدّين أبو الخير نعمة الله بن الشيخ شرف الدّين محمد بن عبد الرحيم البكري الجرهي- بكسر الجيم وفتح الراء الخفيفة [3]-. ولد بشيراز سنة خمس عشرة وثمانمائة، وسمع الكثير، وحبّب إليه الطلب. قال ابن حجر: سمع من أبيه وجماعة بمكة، ثم قدم القاهرة فأكثر عنّي، وعن الشيوخ، وفهم، وحصّل كثيرا من تصانيفي، ومهر فيها، وكتب الخطّ الحسن، وعرف العربية. ثم بلغه أن أباه مات في العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد، ورجع هو وأخوه قاصدين مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا في رجب أو شعبان ظنا، ونجاه أخوه، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جدّة، فاتفق وقوع الحريق بها، فاحترق مع من احترق، لكنه عاش وفقد رجليه معا، فإنهما احترقتا [4] ، والله أعلم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 449) و «الضوء اللامع» (10/ 176) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 449) و «الضوء اللامع» (10/ 202) . [4] في «آ» : «احترقا» وهو خطأ.

سنة إحدى وأربعين وثمانمائة

سنة إحدى وأربعين وثمانمائة فيها وقع الطّاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر [1] بحماة وحمص وحلب [2] ثم تحول إلى دمشق في [3] أواخر الشتاء، ثم اتصل بالبلاد المصرية [4] . وفيها توفي الحافظ برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن خليل الشيخ الإمام الحافظ الحلبي، المعروف بالقوف [5] سبط ابن العجمي [6] . قال في «المنهل الصّافي» : مولده في ثاني عشري رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وقرأ الحديث على الشيخ كمال الدّين عمر بن العجمي، و [المحدّث] شرف الدّين [الحسين بن عمر] بن حبيب، والظّهير ابن العجمي، وخلق. وقرأ النحو على الشيخين أبي جعفر، وأبي عبد الله الأندلسيين، وغيرهما. واشتغل في الفقه، والقراآت، والتصريف، والبديع، والتصوف. ورحل فسمع بحماة، ودمشق، والقاهرة من الحافظ ابن المحبّ، وصلاح الدّين بن أبي عمر، والحافظ زين الدّين العراقي، والحافظ سراج الدّين بن الملقّن، وغيرهم. وسمع بالإسكندرية، والقدس، وغزّة، وسمع منه جماعة كثيرون، منهم ابن

_ [1] في «ط» : «فأكثر» . [2] في «ط» : «بحماة وحلب وحمص» . [3] لفظة «في» سقطت من «ط» . [4] انظر الخبر في «إنباء الغمر» (8/ 6) . [5] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : لقّبه به بعض أعدائه وكان يغضب منه. [6] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 26) و «الضوء اللامع» (1/ 138) و «المنهل الصافي» (1/ 147- 153) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

حجر، وابن ناصر الدّين حافظ دمشق، وغيرهما. ورحلت إليه الطلبة. وكان إماما، حافظا، بارعا مفيدا. سمع الكثير، وألّف التآليف المفيدة الحسنة، وكتب على «صحيح البخاري» وعلى «سيرة ابن سيّد الناس» وعلى كتاب «الشفا» للقاضي عياض. وصنّف «نهاية السول في رواية الستة الأصول» و «شرح سنن ابن ماجة» وذيّل على كتاب «الميزان» للذهبي. وتوفي بحلب ضحى يوم الاثنين السادس والعشرين من شوال. انتهى. وفيها [1] شهاب الدّين [1] أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن المادح المعروف بالقرداح [2] الواعظ. ولد سنة ثمانين وسبعمائة. قال ابن حجر: كان [3] قد انتهت إليه رئاسة الفنّ، ولم يكن في مصر والشام من يدانيه. وكان طيّب النّغمة، عازفا بالموسيقا، يجيد الأعمال ويتقنها، ولا ينشد غالبا إلّا معربا، ومهر في علم الميقات، وكان ينظم نظما وسطا. سمعت منه ومدحني مرارا، وكان يعمل الألحان وينقل كثيرا منها إلى ما ينظمه، فإذا اشتهر وكثر استعمل غيره، وهو أحد مفاخير الدّيار المصرية، ولم يخلّف بعده مثله. وخلّف كتبا كثيرة تزيد على ألف مجلّد، وخلّف مالا جزيلا خفي غالبه على ورثته. انتهى. وفيها الملك الأشرف برسباي بن عبد الله أبو النصر الدّقماقي الظّاهر الجاركسي [4] سلطان الدّيار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، الثاني والثلاثون من ملوك التّرك، والثامن من ملوك الجراكسة.

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 15) و «الضوء اللامع» (2/ 142) وقال السخاوي: «ويعرف بابن القرداح، وربما قيل له القرداح بضم القاف ومهملات وهو لقب أبيه» . [3] لفظة «كان» لم ترد في «ط» . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 16) و «النجوم الزاهرة» (15/ 210) و «الدليل الشافي» (1/ 186) و «الضوء اللامع» (3/ 8) و «لطائف أخبار الأول فيمن تصرف بمصر من أرباب الدول» ص (134- 135) .

أخذ من بلاد الجركس، وأبيع بالقرم. ثم اشتراه بعض التجار وقدم به إلى الجهة الشامية، فلما وصل إلى مدينة ملطية اشتراه نائبها الأمير دقماق المحمدي، ثم أرسله إلى الملك الظّاهر برقوق في جملة تقدمة هائلة، ثم أعتقه برقوق، وتنقلت به الأيام إلى أن صار ساقيا في دولة الناصر فرج، ثم انحرف إلى جهة الأميرين شيخ، ونوروز، وصار معهما إلى أن قتل الناصر، وقدم صحبة الأمير شيخ إلى الديار المصرية، وصار من جملة الأمراء بها، ولا زال يترقّى إلى أن صار أمير مائة مقدم ألف، ثم ولي نيابة طرابلس سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ثم عزل وقبض عليه وحبس بالمرقب ثم أفرج عنه، وصار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، ثم عاد إلى الدّيار المصرية صحبة الملك الظّاهر ططر سنة أربع وعشرين، ثم تنقلت به الأحوال، إلى أن بويع بالسلطنة في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين، فساس الملك أحسن سياسة، ونالته السعادة، وفتحت في أيامه عدة فتوحات، منها ماغوصة قبرص، ثم بقية جزيرة قبرص، وأسر ملكها جينوس، ولم يقتل من المسلمين إلّا القليل، ثم عرض عليه جينوس ومن معه من الأسرى وهو يرفل في قيوده على برسباي، فذرفت عيناه، وأعلن بالحمد والشكر، ورتّب له ما يكفيه، ثم أطلقه وأعاده بعد أن ضرب عليه الجزية واستمرت، وكان برسباي ملكا، جليلا، مهابا، عارفا، سيوسا، متواضعا، حسن الخلق، شهما، شجاعا، ذا شيبة نيّرة، وهيئة حسنة، متجملا في حركاته، حريصا على ناموس الملك، لا يتعاطى شيئا من المسكرات، محبا لجمع المال، مكثرا من المماليك، شرها في جمع الخيول والجمال وغيرها. وكانت أيامه في غاية الحسن، مرض في أوائل شعبان وتطاول به المرض، ولما قوي عليه المرض وسط طبيبه العفيف الأسلمي رئيس الأطباء، وزين الدّين خضر في يوم السبت رابع شوال. ولما قدم العفيف للتوسيط [1] استسلم وثبت حتّى صار قطعتين، وقدم خضر فراع، وجزع جزعا شديدا، ودافع عن نفسه، وصاح وبكى، فتكاثروا عليه، ووسطوه توسيطا معذبا لتلوّيه واضطرابه فساءت القالة في السلطان، وقوي مرضه من حينئذ، وابتلي بالصّرع المهول، إلى

_ [1] في «آ» : «التوسط» .

أن توفي قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذي الحجّة عن نيّف وستين سنة. وتسلطن بعده ولده العزيز يوسف بعهد منه، وكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة وثمانية شهور وخمسة أيام، وهو الذي أنشأ المدرسة الأشرفية في القاهرة بين القصرين وغيرها من الآثار الجميلة. وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن أقضى القضاة ناصر الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة، الشيخ الإمام العالم المحدّث الحنبلي، الشهير بابن زريق [1] . قرأ القرآن، واشتغل، فقرأ «الخرقي» . وأخذ الفقه عن جماعة، منهم الشيخ شرف الدّين بن مفلح. قرأ عليه قطعة كبيرة من «فروع» والده، ويقال: إنه كان يحفظ ثلث «الفروع» والشيخ شمس الدّين بن القباقبي [2] ، وأذن له في الإفتاء، وكان له ذهن جيد ومحاضرة حسنة، وناب في الحكم، ثم ترك، وأقبل على عمل الميعاد بالجامع المظفّري، وقرأ «صحيح البخاري» فيه، مع تقشف وديانة، إلى أن لحق بالله تعالى في الطّاعون، ودفن بالرّوضة قريبا من الشيخ موفق الدّين، وتأسف الناس على فقده. وفيها أحمد بن يحيى الشّاوي اليمني الصّوفي [3] . قال المناوي في «طبقاته» : كان كبير القدر، سريا، رفيع الذّكر، سنّيّا، صاحب أحوال وكرامات، منها أنه قصده جمع من الزّيدية ممن لا يثبت الكرامات وقصدوا امتحانه، وكان عنده جبّ فيه ماء، فجعل يغرف منه تارة لبنا وتارة سمنا وأخرى عسلا، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه. ودخل على القاضي عثمان بن محمد النّاشري وقد أرجف بموته ثم خرج وعاد إليه وقال لأهله: قد استمهلت له ثلاث سنين، فأقام القاضي بعدها ثلاث

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و «المقصد الأرشد» (1/ 185) و «السحب الوابلة» ص (90) . [2] تحرفت في «آ» إلى «القبابي» . [3] ترجمته في «طبقات الأولياء» للمناوي الورقة () .

سنين لا تزيد ولا تنقص. وكان يحصل له وجد عظيم عند السّماع فيتكلم بغرائب من العلوم والمعارف والحقائق. انتهى. وفيها القاضي تاج الدّين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي [1] . سمع على ابن منّاع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه من عيسى المطعم. وسمع على البرهان الشامي وغيره، وحدّث قليلا، وناب في الحكم عن أخيه أمين الدّين [2] وغيره، وولي إفتاء دار العدل، وكان يصمم في الأحكام ولا يتساهل كغيره، وأقعد في أواخر عمره، وحصلت له رعشة، ثم فلج فحجب، وأقام على ذلك إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرّم. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن مصلح الدّين موسى بن إبراهيم الرّومي الحنفي، الشيخ الإمام العلّامة [3] . ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وكان فقيها، بارعا، مفنّنا [4] في علوم شتّى. تخرّج بالشريف الجرجاني، والسعد التّفتازاني وحضر أبحاثهما بحضرة تيمور وغيره، فكان يحفظ تلك الأسئلة والأجوبة المفحمة ويتقنها، وقدم مصر مرّات، ونالته الحرمة الوافرة من الملك الأشرف برسباي، وولّاه مشيخة الصّوفية بمدرسته التي أنشأها وتدريسها فباشرها مدة ثم تركها وتوجه إلى الحجّ. وكان دأبه الانتقال من بلد إلى بلد. وكان متضلعا من العلوم، عالما، مفنّنا، محقّقا، عارفا بالجدل، بارعا في علوم كثيرة، إلا أنه يستخف بكثير من علماء مصر. وانضم إليه طلبتها لما قدم آخرا، وأخذ في الأشغال [5] فلم تطل مدته. وتوفي يوم الأحد العشرين من شهر رمضان.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 22) و «الضوء اللامع» (4/ 183) . [2] في «ط» : «أمير الدين» وهو خطأ. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 24) و «الضوء اللامع» (6/ 41) . [4] في «آ» : «مفتيا» وهو تحريف. [5] في «آ» : «في الاشتغال» .

وفيها علاء الدّين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد البخاري العجمي [1] الحنفي [2] العلّامة، علّامة الوقت. قال ابن حجر: ولد سنة تسع وسبعين وسبعمائة ببلاد العجم [2] ، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمّه العلاء عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات عن السعد التفتازاني وغيره، ورحل إلى الأقطار، واجتهد في الأخذ عن العلماء، حتّى برع في المعقول والمنقول، والمفهوم والمنطوق، واللغة والعربية، وصار إمام عصره. وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه، ثم قدم مكّة فأقام بها، ودخل مصر فاستوطنها، وتصدر للإقراء بها، فأخذ عنه غالب من أدركناه من كل مذهب وانتفعوا به، علما، وجاها، ومالا. ونال عظمة بالقاهرة، مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها، حتّى ولا السلطان، والكلّ يحضر إليه. وكان ملازما، للإشغال، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والقيام بذات الله تعالى، مع ضعف كان يعتريه. وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان الإقامة بمصر مرارا فلم يقبل. وسار إليها فأقام بها إلى أن مات [3] في خامس شهر رمضان، ولم يخلّف بعده مثله في العلم، والزّهد، والورع، وإقماع أهل الظلم والجور.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 29) و «الضوء اللامع» (10/ 13) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] في «ط» : «فأقام بها حتى مات» .

سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة

سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة فيها خلعوا الملك العزيز بن برسباي بعد أن كان له في السلطنة ثلاثة أشهر وأقيم الملك الظاهر أبو سعيد جقمق [1] . وفيها توفي إبراهيم ابن حجي الحنبلي الكفل حارسي [2] الشيخ الإمام العلّامة برهان الدّين. قاله العليمي في «طبقاته» . وفيها شهاب الدّين أحمد بن تقي الدّين محمد بن أحمد الدّميري المالكي المعروف بابن تقي [3] ، وكانت أمه أخت القاضي تاج الدّين بهرام، فكان ينتسب إليها ولا ينتسب لأبيه، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها أحمد بن أخت بهرام. قال ابن حجر: كان فاضلا، مستحضرا للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها، فصيحا، عارفا بالشروط والأحكام، جيد الخطّ، قوي الفهم، لكنه كان زري الهيئة، مع ما ينسب إليه من كثرة المال، وقد عيّن للقضاء مرارا فلم يتفق. وكان في صباه آية في سرعة الحفظ، بحيث يحفظ الورقة من «مختصر ابن الحاجب» من مرتين أو ثلاث. وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول ولم يكمل الستين، وخلّف ذكرين وأنثى.

_ [1] انظر «لطائف أخبار الأول» ص (135) . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (24) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 78) و «الضوء اللامع» (2/ 78) .

وفيها علم الدّين أحمد بن القاضي تاج الدّين محمد بن القاضي علم الدّين محمد بن القاضي كمال الدّين محمد بن القاضي برهان الدّين محمد الأخنائي المالكي [1] أحد نوّاب الحكم بالقاهرة. قال في «المنهل» : كان فقيها، فاضلا، مستحضرا لفروع مذهبه، من بيت علم ورئاسة وفضل. ناب في الحكم عدة سنين، وكان مشكور السيرة في أحكامه، وله ثروة وحشمة. مات بعد مرض طويل بالقاهرة في يوم الأربعاء خامس عشري شهر رمضان. وفيها الملك الظّاهر هزبر الدّين [2] عبد الله، وقيل يحيى بن إسماعيل بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول [3] ، صاحب اليمن بن الأشرف. ملك اليمن في رجب سنة ثلاثين وثمانمائة، وضعفت مملكته، وخربت ممالك اليمن في أيامه لقلة محصوله بها من استيلاء العربان على أعمالها، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الخميس سلخ رجب. وملك بعده ابنه الملك الأشرف إسماعيل وله نحو العشرين سنة فساءت سيرته. وفيها [4] نور الدّين [4] علي بن عبد الرحمن بن محمد الشلقامي الشافعي [5] . قال ابن حجر: ولد في الطاعون الكبير سنة تسع وأربعين وسبعمائة، أو في

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 79) و «الدليل الشافي» (1/ 81) و «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» ص (78) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «الضوء اللامع» : «هزبر الدين» وفي «الدليل الشافي» : «هزير الدين» . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 14) و (10/ 222) و «الدليل الشافي» (1/ 383) . [4، 4] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 81) و «الضوء اللامع» (5/ 237) .

حدودها، وهو أسنّ من بقي من الفقهاء الشافعية. حضر دروس الجمال الإسنائي، وكان من أعيان الشهود، وله فضيلة ونظم. مات راجعا من الحجّ بالقرب من السّويس. وفيها موفق الدّين علي بن محمد بن قحر- بضم القاف، وسكون المهملة بعدها راء- الشافعي الزّبيدي [1] . قال في «المنهل» : الإمام العالم [2] المفنّن، عالم زبيد ومفتيها. ولد سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وانتهت إليه رئاسة العلم والفتوى بزبيد إلى أن توفي بها في ثاني شوال. انتهى. وفيها حافظ دمشق شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي الشهير بابن ناصر الدّين الشافعي، وقيل الحنبلي [3] . ولد في أواسط محرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق، وبها نشأ، وحفظ القرآن العزيز وعدة متون، وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن المحبّ، وتلا بالروايات على ابن البانياسي، ثم أكب على طلب الحديث، ولازم الشيوخ، وكتب الطباق. وسمع من خلق، منهم بدر الدّين بن قوام، ومحمد بن عوض، والعزّ الأبناسي، وابن غشم المرداوي، والصّدر المناوي، ونجم الدّين بن العز، وبرهان الدّين بن عبد الهادي، وأبو هريرة بن الذّهبي، وخلائق يطول ذكرهم.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 82) و «الضوء اللامع» (5/ 312) و «الدليل الشافي» (1/ 480) . [2] في «ط» : «العامل» . [3] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (238- 239) و «السلوك» (4/ 3/ 1148) و «الضوء اللامع» (8/ 103- 106) و «النجوم الزاهرة» (15/ 465) و «الدليل الشافي» (2/ 581) وقد استوفى الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي ذكر مصادر ترجمته في مقدمته لكتابه «توضيح المشتبه» فيحسن بالباحث الرجوع إليها.

وأخبر السخاوي أنه قرأ على ابن حجر، وابن حجر قرأ عليه، ومهر في الحديث، وكتب، وخرّج، وعرف العالي والنازل، وخرّج لنفسه ولغيره، وصار حافظ الشام بلا منازع، وأخذ العربية عن البانياسي وغيره، والفقه عن ابن خطيب الدهشة، والسّراج البلقيني. وأجاز له من القاهرة الحافظ الزّين العراقي، والسّراج بن الملقّن، وغيرهما. واشتهر اسمه، وبعد صيته، وألّف التآليف الجليلة، منها «توضيح مشتبه الذهبي» [1] في ثلاث مجلدات كبار، وجرّد منه كتاب «الإعلام بما وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام» [2] و «بديعة البيان عن موت الأعيان» [3] ، نظما وشرحها في مجلد سمّاه «التبيان» [4] وقصيدة في أنواع علوم الحديث، سمّاها «عقود الدّرر في علوم الأثر» وشرحها شرحين مطول ومختصر. وكتاب «السّرّاق من الضعفاء» و «كشف القناع عن حال من افترى الصّحبة والأتباع» و «إتحاف السّالك برواية الموطأ عن مالك» و «جامع الآثار في مولد المختار» ثلاثة أسفار كبار، و «مورد الصادي في مولد الهادي» واختصر منه «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» . وله مصنّفات في المعراج، وكذا في الوفاة النبوية. و «افتتاح القاري لصحيح البخاري» و «تحفة الأخباري بترجمة البخاري» و «منهاج السّلامة في ميزان القيامة» و «التنقيح لحديث التسبيح» و «جزء في فضل يوم عرفة» و «جزء في فضل يوم عاشوراء» [5] و «برد الأكباد عن موت الأولاد» و «نفحات الأخيار في مسلسلات الأخبار»

_ [1] يقوم بتحقيقه الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي ويطبع في مؤسسة الرسالة في بيروت وقد صدر منه المجلد الأول ولا زالت مجلداته الأخرى قيد الإعداد للطبع كما ذكر لي محققه. [2] قام بتحقيقه الأستاذ عبد ربّ النبي محمد بإشراف الدكتور محمد شوقي خضر، ونال عليه درجة الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المركمة، ونشرته مكتبة العلوم والحكم في المدينة المنورة عام (1407 هـ) . [3] وقد ذكر فيها طبقات الحفاظ من المحدّثين، ولدينا مصورة لإحدى نسخها الخطية وهي جديرة بالنشر. [4] واسمه الكامل «التبيان شرح بديعة البيان» وقد احتوى على فوائد هامة جدا تتصل بأعلام المحدّثين من رجالات القرون السالفة، ولدينا مصورة عن أحدى نسخة الخطية وهو جدير بالتحقيق والنشر. [5] لفظة «يوم» سقطت من «آ» .

و «الأربعون المتباينة الأسانيد والمتون» و «مسند تميم الدّاري وترجمته» و «عرف العنبر في وصف المنبر» و «الروض الندي في الحوض المحمدي» . مجلد ذكر فيه طرق حديث الحوض من ثمانين طريقا. و «ربع الفرع في شرح حديث أم زرع» و «رفع الدّسيسة بوضع الهريسة» و «جزء» فيه أحاديث ستة عن حفاظ ستة في معان ستة من مشايخ الأئمة الستة بين مخرّجها وبين روايتها ستة. و «نيل الأمنية بذكر [1] الخيل النبوية» و «الإملاء الأنفسي في ترجمة عسعسي» و «إعلام الرّواة بأحكام حديث القضاة» و «الأعلام الواضحة في أحكام المصافحة» و «إطفاء حرقة الحوبة بإلباس خرقة التوبة» و «مختصر في مناسك الحج» وعدة مصنّفات أخر. وتوفي بدمشق في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [2] . قال العليمي: الشيخ الإمام [3] العالم القاضي. كان من أهل الفضل، وهو من بيت علم ورئاسة، وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة تدلّ على فضله، وصنّف «مناسك الحجّ» وهو حسن، وله رواية في الحديث وخطه [4] حسن. ولي قضاء الحنابلة بنابلس وباشر مدة طويلة، وتوفي بها. وتوفي ولده زين الدّين جعفر في سنة أربع وأربعين. وولده الثاني القاضي زين الدّين عمر في سنة ست وأربعين وثمانمائة. وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن

_ [1] لفظة «بذكر» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (487) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (274) . [3] لفظة «الإمام» لم ترد في نسخة «المنهج الأحمد» الذي بين يدي. [4] في «آ» و «ط» : «وخط» والتصحيح من «المنهج الأحمد» مصدر المؤلف.

عثمان بن نعيم بن محمد بن حسن بن غنّام البساطي المالكي النحوي [1] . قال السيوطي: ولد في جمادى الأولى سنة ستين وسبعمائة ببساط، وانتقل إلى مصر، واشتغل بها كثيرا في عدة فنون، وكان نابغة الطلبة في شبيبته، واشتهر أمره، وبعد صيته، وبرع في فنون المعقول، والعربية، والمعاني، والبيان، والأصلين. وصنّف فيها وفي الفقه، وعاش دهرا في بؤس بحيث إنه كان ينام على قشر القصب، ثم تحرّك له الحظ فولي تدريس المالكية بمدرسة جمال الدّين الاستادار، ثم مشيخة تربة الملك الناصر، ثم تدريس البرقوقية، وتدريس الشيخونية. وناب في الحكم عن ابن عمّه. ثم تولى القضاء بالديار المصرية سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فأقام فيه عشرين سنة متوليا لم يعزل منه، وكان سمع الحديث من التّقي البغدادي وغيره، ولم يعتن به. ومن تصانيفه «المغني» في الفقه، و «شفاء الغليل في مختصر الشيخ خليل» و «شرح ابن الحاجب الفرعي» و «حاشية على المطوّل» و «حاشية على شرح المطالع» للقطب. و «حاشية على المواقف» للعضد. و «نكت على الطوالع» للبيضاوي، و «مقدمة» في أصول الدّين. وأخذ عنه جماعة من أئمة العصر، منهم شيخنا الإمام الشّمنّي، وقاضي القضاة محيى الدّين المالكي قاضي مكّة. وحدّثنا عنه غير واحد. ومات بالقولنج ثاني عشر شهر رمضان وأمطرت السماء بعد دفنه مطرا غزيرا أي وكانت وفاته بالقاهرة. وفيها جمال الدّين محمد بن سعيد بن كبّن- بفتح الكاف وشدة الموحدة بعدها نون- اليمني [2] قاضي عدن.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 82) و «النجوم الزاهرة» (15/ 466) و «الضوء اللامع» (7/ 5) و «بغية الوعاة» (1/ 32- 33) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 85) و «الضوء اللامع» (7/ 250) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (334) .

كان فاضلا مشاركا في علوم كثيرة، ولي القضاء بعد نحوا من أربعين سنة تخللتها، ولاية القاضي عيسى اليافعي مددا مفرقة. وتوفي بعدن وأسف الناس عليه لما كان فيه من المداراة، وخفض الجناح ولين الجانب والإصلاح بين الخصوم وقد قارب الثمانين. وفيها شرف الدّين أبو النّون يونس بن حسين بن علي بن محمد بن زكريا الزبيري [1] بن الجزّار الألواحي، نزيل القاهرة الشافعي [2] . ولد بالقاهرة سنة خمس وستين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن القارئ، وناصر الدّين الطبردار وغيرهما، وحدّث بالكثير، وعرض «العمدة» على الجمال الإسنوي، ولازم السّراج البلقيني. قال ابن حجر: وجمع لنفسه مجاميع مفيدة، لكنه كان عريا من العربية فيقع له اللحن الفاحش. وكان كثير الابتهال والتوجه، ولا يعدم في طول عمره عاميا يتسلط عليه وخصوصا ممن يجاوره، وسمع منه خلق. وتوفي ليلة الخميس رابع عشر ذي الحجّة.

_ [1] في «آ» : «الزبيدي» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 88) و «الضوء اللامع» (10/ 342) .

سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة

سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة فيها توفي برهان [الدّين] إبراهيم بن فلاح النابلسي [1] الحنبلي. كان من العلماء العاملين. توفي بصالحية دمشق. وفيها تقي الدّين عبد اللطيف بن القاضي بدر الدّين محمد بن الأمانة [2] . قال ابن حجر: درّس في الحديث بالمنصورية، وفي الفقه بالمدرسة الهكارية مكان أبيه أياما. ومات وهو شاب في يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة، وكان مشكور السيرة على صغر سنة. انتهى. وفيها القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عمر بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية الطائي الشافعي الحلبي [3] قاضي حلب وفقيهها، المعروف بابن خطيب الناصرية. ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (488) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (30) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 115) و «الضوء اللامع» (5/ 303) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 115) و «الضوء اللامع» (5/ 303) و «الدليل الشافي» (1/ 480) .

المرحّل، وهو أقدم شيخ له، ومن عمر بن أيدغمش خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل. وكان إماما عالما، مفنّنا، شديد الحبّ للقضاء، حتى بلغ من غيرته عليه أنه أوصى بأن يسعى به لابن بنته أثير الدّين بن الشّحنة في قضاء الشافعية بحلب، مع أنه حنفي المذهب. توفي يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة بحلب ولم يخلّف بها [1] بعده مثله ولا قريبا منه. وفيها جمال الدّين محمد بن عبد الله الكازروني المدني [2] الشيخ الإمام العالم. انتهت إليه رئاسة العلم بالمدينة النبوية. وولي قضاءها وخطابتها، ثم صرف، ودخل القاهرة مرارا ولم يخلّف بعده من يقارنه بالمدينة المنورة. وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي بكر المصري الصالحي- نسبة إلى قرية يقال لها مينة أم صالح بناحية مليج الغربية وإلى حارة الصالحية بالبرقية داخل القاهرة- الشافعي المذهب [3] . ولد قبل الستين وسبعمائة، وعني بالقراءات فأتقن السبع على جماعة، ورحل إلى دمشق، واشتغل بالفقه، وتولى تدريس الفقه البرقوقية عن الشيخ أوحد بحكم نزوله له عنه بمبلغ كبير من الذهب، واتصل بالأمير قطلوبغا الكركي فقرّره إماما بالقصر، وناب بجاهه في الحكم أحيانا، وأم قطلوبغا المذكور. ثم ولي مشيخة القراءات بالمدرسة المؤيدية لما فتحت وما تزوج. وكان مولعا بالمطالب، ينفق ما يتحصل له فيها، مع التقتير على نفسه، وكفّ بصره في أواخر عمره، واختل ذهنه، عفا الله عنه. قاله ابن حجر.

_ [1] لفظة «بها» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 117) و «التحفة اللطيفة» (3/ 612) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 117) .

وفيها صلاح الدّين خليل بن أحمد الأديب المعروف بابن الغرس [1] المصري [2] الشاعر المشهور. قال في «المنهل الصّافي» : كان أديبا ذكيا فاضلا، يلبس لبس أولاد الأتراك، واشتغل في ابتداء أمره بفقه الحنفية، ثم غلب عليه الأدب، [ونظّم القريض] حتّى صار معدودا من الشعراء المجيدين. وكان ضخما جسيما إلّا أنه كان لطيفا، حاذقا، حلو المحاضرة، حسن البديهة. ومن شعره: عجوزة حدباء عاينتها ... تبسّمت. قلت: استري فاكي سبحان من بدّل ذاك البها ... بقبح أشداق [3] وأحناك ومنه أيضا: خليليّ ابسطا لي الأنس إنّي ... فقير، متّ في حبّ الغواني وإن تجدا مداما أو قيانا ... خذاني للمدامة والقيان توفي في شعبان وقد نيّف على الخمسين.

_ [1] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الفرس» بالفاء وهو تحريف، والتصحيح من «الدليل الشافي» و «الضوء اللامع» وقال السخاوي: ويعرف بابن الغرز. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 191) و «الدليل الشافي» (1/ 290) و «المنهل الصافي» (5/ 232- 234) وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [3] في «الضوء اللامع» : «أحداق» .

سنة أربع وأربعين وثمانمائة

سنة أربع وأربعين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح الشافعي، المعروف بالعجيمي [1] قاضي المحلة. قال في «المنهل» : كان فقيها عالما فاضلا، ولي نيابة الحكم بالمحلّة وغيرها عدة سنين، وكثر ماله من ذلك، وكانت له وجاهة، واستمرّ على ذلك إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشري جمادى الأولى عن أكثر من ثمانين سنة. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي [2] الشافعي الصّوفي الشيخ الإمام العالم الصالح القدوة. ولد برملة فلسطين سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ثم رحل لأخذ العلوم، فسمع الحديث على جماعة كثيرة، وبرع في الفقه، حتّى أجازه قاضي القضاة الباعوني بالإفتاء، وتصدى للإقراء وما قرأ عليه أحد إلّا انتفع، وكان يكني جماعته بكنى كأبي طاهر، وأبي المواهب فلا يتخلف أثرها، ولزم الإفتاء والتدريس مدة، ثم ترك ذلك، وسلك طريق الصّوفية القويم، وجدّ واجتهد، حتّى صار منارا يهتدي به السّالكون، وشعارا يقتدي به الناسكون، وغرست محبته في قلوب الناس فأثمر له ذلك الغراس. ومن تصانيفه النافعة: «شرح سنن أبي داود» و «البخاري» وعلّق على «الشفا» وشرح «مختصر ابن الحاجب» و «جمع الجوامع» و «منهاج البيضاوي» وشرح «أرجوزته الزبد» في كبير وصغير، و «تصحيح الحاوي» و «مختصر الروضة» و «المنهاج» و «أدب القاضي» للغزّي و «الأذكار» و «حياة الحيوان» ونظم في علم

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 137) و «الضوء اللامع» (1/ 253) و «الدليل الشافي» (1/ 37) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 212) و «الدليل الشافي» (1/ 45) و «البدر الطالع» (1/ 49) .

القراآت، وأعرب «الألفية» و «شرح الملحة» وعمل «طبقات الشافعية» ونظم من علوم القرآن ستين نوعا. ومن نظمه في المواضع التي لا يجب فيها ردّ السلام: ردّ السّلام واجب إلّا على ... من في صلاة أو بأكل شغلا أو شرب او قراءة أو أدعية ... أو ذكر او خطبة أو تلبية أو في قضاء حاجة الإنسان ... أو في إمامة أو الأذان أو سلّم الطّفل أو السّكران ... أو شابّة يخشى بها افتتان أو فاسق أو ناعس أو نائم ... أو حالة الجماع أو محاكم أو كان في الحمّام أو مجنونا ... هي اثنتان بعدها عشرونا قال المناوي في «طبقات الأولياء» : وله كرامات لا تكاد تحصى، منها أنه شفع عند طوغان كاشف الرّملة فلم يقبل شفاعته. وقال: طولتم علينا يا ابن رسلان، إن كان له سرّ فليرم هذه النّخلة لنخلة بقربه فما تم كلامه إلّا وهبّت ريح عاصفة فألقتها فبادر الشيخ معتذرا، ومنها أنه لما أتمّ كتاب «الزّبد» أتى به إلى البحر وثقّله بحجر، وألقاه في قعره، وقال: اللهم إن كان خالصا لك فأظهره وإلا فأذهبه، فصعد من قعر البحر حتّى صار على وجه الماء ولم يذهب منه حرف [1] . ومنها أنه سمع عند إنزاله القبر يقول: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ 23: 29 [المؤمنون: 29] . وكان صائما قائما، قلّما يضطجع بالليل. وتوفي بالقدس يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان عن إحدى وسبعين سنة، وارتجت الدّنيا لموته، ولم يخلّف بعده بتلك الدّيار مثله. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن صالح المحلّي الشافعي [2] .

_ [1] أقول: في هذا الكلام مبالغات. (ع) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 138) و «الدليل الشافي» (1/ 50) و «المنهل الصافي» (1/ 319) .

قال في «المنهل» : الشيخ الإمام العلّامة. كان إماما بارعا في الفقه، والأصول، والفرائض، والنحو، والتصريف، وتصدّر للتدريس عدة سنين، وخطب مدة، مع سلوك ونسك وعبادة وصلاح، وكان للناس فيه اعتقاد حسن، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الأربعاء ثامن عشري ذي الحجّة. انتهى. وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين أبو الفضل أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي ثم المصري [1] الحنبلي، شيخ الإسلام، وعلم الأعلام، المعروف بابن نصر الله شيخ المذهب، ومفتي الديار المصرية. ولد ببغداد في ضحوة يوم السبت سابع عشر رجب سنة خمس وستين وسبعمائة، وسمع بها من والده الشيخ نصر الله، ومن نجم الدّين أبي بكر بن قاسم، ونور الدّين علي بن أحمد المقرئ. وعنى بالحديث، ثم قدم القاهرة مع والده، وأخذ عن مشايخ، منهم سراج الدّين البلقيني، وزين الدّين العراقي، وابن الملقّن. وأخذ عن الشيخ زين الدّين بن رجب بالشام، وسمع بحلب من الشّهاب بن المرحّل. وولي تدريس الظّاهرية البرقوقية وغيرها. وناب في الحكم عن ابن المغلي، وناظر وأفتى، وانتفع به الناس. وكان متضلعا بالعلوم الشرعية، من تفسير، وحديث، وفقه، وأصول. قال برهان الدّين ابن مفلح في «طبقاته» : وهو من أجل مشايخنا، وانتهت إليه مشيخة الحنابلة بعد موت مستخلفه [2] قاضي القضاة [2] علاء الدّين ابن مغلي. وله عمل كثير في «شرح مسلم» . وله «حواشي على المحرّر» حسنة، وعلى «الفروع» ، وكتابة على الفتوى نهاية. وأفتى [3] بصحة الخلع حيلة، وعدم وقوع الطلاق بفعل المحلوف عليه في

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 139) و «الضوء اللامع» (2/ 233) و «المنهج الأحمد» الورقة (488) من القسم المخطوط منه، و «السحب الوابلة» ص (109- 115) و «المقصد الأرشد» (1/ 202- 204) . [2، 2] ما بين الرقمين مستدرك من «المقصد الأرشد» مصدر المؤلف. [3] بدأ المؤلف بالنقل عن «المنهج الأحمد» ولفظة «به» التي بين الحاصرتين مستدركة منه.

زمن البينونة. ويأتي نظير ذلك في ترجمة نور الدّين الشيشيني. ومن فوائده أن من اشترى حصة مبلغها النصف مثلا من بناء على أرض محتكرة، فليس لشريكه طلب الشفعة في البناء المبيع دون الأرض. ومنها قوله: كثيرا ما يقع في سجلات القضاة الحكم بالموجب تارة، والحكم بالصّحة أخرى، وقد اختلف كلام المتأخرين في الفرق بينهما وعدمه، ولم أجد لأحد من أصحابنا كلاما منقولا في ذلك، والذي نقوله بعد الاستعصام بالله تعالى وسؤاله التوفيق: إن الحكم بالصّحة لا شك أنه يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعا، فإذا ادعى رجل أنه ابتاع من آخر عينا واعترف المدّعي عليه بذلك، لم يجز للحاكم الحكم بصحة البيع بمجرد ذلك، حتّى يدعي المدّعى أنه باعه العين المذكورة وهو مالك لها، ويقيم البينة بذلك، فأما لو اعترف له البائع بذلك لم يكف [1] في جواز الحكم بالصّحة لأن اعترافه يقتضي ادعاء ملك العين المبيعة وقت البيع، ولا يثبت ذلك بمجرّد دعواه، فلا بد من بيّنة تشهد بملكه وحيازته حال البيع، حتّى يسوغ للحاكم الحكم بالصّحة. وأما الحكم بالموجب- بفتح الجيم- فمعناه الحكم بموجب الدعوى الثابتة بالبيّنة أو علم القاضي أو غيرهما، هذا هو معنى الموجب، ولا معنى للموجب غير ذلك. [2] انتهى ملخصا، وله غير ذلك [2] . وكان لا ينظر بإحدى عينيه مع حسن شكله وأبهته، واستقلّ بقضاء مصر مددا. وأجازه الشمس الكرماني بإجازة عظيمة، ووصفه بالفضيلة مع صغر السنّ، وتمثل فيه بقول الشاعر: إنّ الهلال إذا رأيت نموّه ... أيقنت أن سيصير بدرا كاملا وتوفي بالقاهرة صبيحة يوم الأربعاء النصف من جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة وعشرة أشهر إلّا يومين، واستقرّ ولده يوسف بعده في تدريس المنصورية والأشرفية.

_ [1] في «ط» : «لم يكن» ولفظة «في» التي بعدها سقطت منها. [2، 2] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .

وفيها قاضي القضاة موفق الدّين علي بن أبي بكر اليمني الشافعي، الشهير بالنّاشري [1] . كان عالم مدينة تعز باليمن، وقاضيها ومفتيها، وبها توفي في خامس عشري صفر عن تسعين سنة. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن عثمان بن عمر بن صالح الدمشقي الشافعي، الشهير بابن الصّيرفي [2] . ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ، وطلب العلم، وسمع الحديث على أبي الحسن علي بن أبي المجد، والزّين عمر البالسي، وفاطمة بنت المنجّى، والكمال بن النّحاس، وغيرهم وحفظ عدة متون في مذهبه، وتفقه على الشّرف الغزّي، والشّهاب الملكاوي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، والحديث، وقدم القاهرة سنة ثلاث وثمانمائة، فأخذ عن السّراج البلقيني، والحافظ الزّين العراقي، وقرأ الأصول على العزّ بن جماعة، ثم عاد إلى دمشق، واشتهر في آخر عمره، وتصدّر بجامع بني أميّة، وأفتى ودرّس بالشّامية البرّانيّة، وبدار الحديث الأشرفية، وصنّف عدة تصانيف، منها كتاب «الوصول إلى ما في الرافعي من الأصول» مجلد. وكتاب «نتائج الفكر في ترتيب مسائل المنهاج على المختصر» في أربع مجلدات. وكتاب «ذهب الفقيه السّاري في ترتيب مسائل المنهاج على أبواب البخاري» وهو كبير جدا. وكتاب «خطب» في مجلد. وكتاب «زاد السائرين في فقه الصّالحين» وهو شرح ل «التنبيه» ، وناب في الحكم في أواخر عمره. وكان ديّنا، سليم الصّدر، متواضعا، متقشفا في ملبسه، ملازما للاشتغال والإشغال إلى أن توفي بدمشق ليلة الاثنين حادي عشر رمضان ودفن بمقابر الصّوفية.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 205) و «الدليل الشافي» (1/ 447) و «مصادر الفكر الإسلامي» ص (200) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 259) و «الدليل الشافي» (1/ 463) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 463) .

وفيها برهان الدّين إبراهيم بن البحلاق البعلي الحنبلي [1] ، شيخ الحنابلة ومدرّسهم ومفتيهم بمدينة بعلبك. له سماع كثير للحديث. وتوفي ببعلبك في أواسط شوال. وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسماعيل الحنبلي، المعروف بابن الرّسّام [2] . ولد تقريبا سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وولي قضاء حماة، ثم قضاء حلب، وقدم الشام والقاهرة مرارا، وأسمع «الصحيح» من شمس الدّين بن اليّونانية. وسمع من العراقي، وأجاز له جماعة، منهم ابن المحبّ، وابن رجب. وكان يعمل المواعيد، وله كتاب في الوعظ على نمط كتاب شيخه ابن رجب المعروف ب «لطائف المعارف» [3] . وتوفي في شوال. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي، المعروف بأبي شعر [4] ، الشيخ الإمام العلّامة القدوة الحافظ. نشأ على خير ودين، واشتغل على الشيخ علاء الدّين بن اللّحام، وأذن له بالإفتاء شمس الدّين القباقبي، وحضر زين الدّين ابن رجب، وعني بالحديث وعلومه، وكان استاذا في التفسير، وله مشاركة جيدة في الفقه، والأصلين، والنحو، وكان متبحّرا في كلام الشيخ تقي الدّين ابن تيميّة، إلى أن وقع له كائنة مع بعض الناس، فلزم بيته بصالحية دمشق، وعكف عليه جماعة كثيرة وانتفعوا به، وكانت هيئته تذكّر بالسّلف الصّالح.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 184) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 249) و «السحب الوابلة» و «المنهج الأحمد» الورقة (491) . [3] تقدم التعليق عليه عند ترجمة الحافظ ابن رجب الحنبلي في المجلد الثامن ص (579- 580) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 82) و «الدليل الشافي» (1/ 399) و «المنهج الأحمد» الورقة (491) و «السحب الوابلة» ص (202) .

وله كشف سريع [1] ، وصبر في حقّ الله تعالى. توفي في ثامن عشري شوال ودفن بالرّوضة قريبا من الشيخ موفق الدّين. وتوفي قبله ولده برهان الدّين إبراهيم [2] في الطّاعون سنة إحدى وأربعين. وكان شابا، حسنا، دينا، فاضلا، تأسف الناس عليه. وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن عمر بن حسن بن حسين بن علي بن صالح التّلواني الشّافعي [3] . أصله من المغرب، وسكن والده بجروان قرية بالمنوفية بالوجه البحري من أعمال القاهرة، فولد له بها الشيخ نور الدّين هذا بعد سنة ستين وسبعمائة فنشأ بها، وحفظ القرآن العزيز [4] ، ثم سكن تلوانة [5] بالمنوفية أيضا فعرف بالتلواني، ثم قدم القاهرة، وطلب العلم، وأكبّ على الاشتغال، ولازم السّراج البلقيني وغيره، وأجازه البلقيني بالفتوى والتدريس، وتصدر لهما، وانتفع به جماعة، وحضر دروسه غالب علماء العصر، وتولى عدة وظائف دينية وتداريس عديدة، منها تدريس قبّة الشافعي، إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث عشري ذي القعدة وقد أناف على الثمانين وحواسه سليمة. وفيها شمس الدّين محمد بن عمّار بن محمد المالكي [6] الإمام العالم العلّامة. ولد في حدود الستين وسبعمائة، واشتغل قديما، ولقي المشايخ، وسمع من كثيرين، وقرأ بنفسه. قال ابن حجر: وسمع معي بالقاهرة، والإسكندرية، وكان صاحب فنون،

_ [1] أقول: وهذا أيضا من المبالغات التي تخرج عن الأمور الشرعية. (ع) . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (253) عقب ترجمة أبيه، و «الضوء اللامع» (1/ 59) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 148) وفيه: «علي بن الحسن بن عمر» و «الضوء اللامع» (5/ 263) . [4] لفظة «العزيز» سقطت من «آ» . [5] انظر «التحفة السّنية» ص (104) . [6] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 154) و «الضوء اللامع» (8/ 232) و «الدليل الشافي» (2/ 664) .

وقد جمع مجاميع كثيرة، وشرح «العمدة» وكتب على «التسهيل» واختصر كثيرا من الكتب المطولة، وسكن بمصر بجوار جامع عمرو بن العاص، وانتفع به المصريون، وسكن تربة الشيخ أبي عبد الله الجبرتي بالقرافة مدة، وكان حسن المحاضرة محبا في الصالحين حسن المعتقد. وتوفي ليلة السبت رابع عشري ذي الحجة وقد أكمل ستا وثمانين سنة. انتهى.

سنة خمس وأربعين وثمانمائة

سنة خمس وأربعين وثمانمائة فيها توفي تقي الدّين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصّمد المقريزي [1] الحنفي البعلي الأصل المصري [2] المولد والدار والوفاة الإمام العالم البارع، عمدة المؤرّخين، وعين المحدّثين. ولد بعد سنة ستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وتفقه على مذهب الحنفية، وهو مذهب جدّه العلّامة شمس الدّين محمد بن الصّايغ، ثم تحول شافعيا بعد مدة طويلة [3] ، وسمع الكثير من البرهان النشاوري، والبرهان الآمدي، والسّراج البلقيني، والزّين العراقي. وسمع بمكّة من ابن سكّر وغيره، وله إجازة من الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، والجمال الإسنوي، وغيرهما. وكان علما من الأعلام، ضابطا مؤرّخا، مفنّنا، محدّثا، معظّما في الدولة [4] ، ولي حسبة القاهرة غير مرّة وعرض عليه قضاء دمشق فأبى، وكتب الكثير بخطّه، وانتقى، وحصّل الفوائد، واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ وغيره، حتى صار يضرب به المثل، وكان منقطعا في داره ملازما للخلوة والعبادة، قلّ أن يتردد لأحد إلا لضرورة، إلا أنه كان كثير التعصب على السادة الحنفية وغيرهم لميله إلى مذهب الظاهر.

_ [1] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «وهي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 170) و «الضوء اللامع» (2/ 21) و «الدليل الشافي» (1/ 63) و «النجوم الزاهرة» (15/ 490) و «حوادث الدهور» (1/ 63- 68) و «المنهل الصافي» (1/ 394- 399) و «التبر المسبوك» ص (21- 24) . [3] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «واستقر عليه أمره» . [4] في «ط» : «في الدول» .

قال ابن تغري بردي: قرأت عليه كثيرا من مصنفاته، وكان يرجع إلى قولي فيما أذكره له من الصواب، وأجاز لي جميع ما تجوز له وعنه روايته. ومن مصنّفاته «إمتاع الأسماع فيما للنّبي صلى الله عليه وسلم من الحفدة والمتاع» في ست مجلدات، وكتاب «الخبر عن البشر» ذكر في القبائل لأجل نسب النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أربع مجلدات، وعمل له مقدمة في مجلد، وله كتاب «السلوك في معرفة دول الملوك» في عدة مجلدات يشتمل على ذكر الحوادث إلى يوم موته. ذيّلت عليه في حياته من سنة أربعين وثمانمائة [1] وسميته «حوادث الدّهور في مدى الأيام والشهور» ولم ألتزم فيه ترتيبه، وله كتاب «درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة» [2] ذكر فيه من مات بعد مولده إلى يوم وفاته، وكتاب «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» في عدة مجلدات [3] وهو في غاية الحسن. وكتاب «مجمع الفرائد ومنبع الفوائد» كمل منه نحو الثمانين مجلدا كالتذكرة، وله غير ذلك. وتوفي يوم الخميس سادس عشر [4] شهر رمضان بالقاهرة ودفن بمقبرة الصّوفية خارج باب النصر. انتهى. وفيها أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله [5] . كانت خلافته ثمانية وعشرين سنة وشهرين وتوفي يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول وقد قارب التسعين واستقر بعده شقيقه المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بعهد منه.

_ [1] قلت: المطبوع منه في دار عالم الكتب ببيروت عام (1410 هـ) بتحقيق الدكتور محمد كمال الدّين عزّ الدّين علي يبدأ بحوادث سنة (845 هـ) . [2] حقق ما عثر عليه منه مع دراسة موسعة مفيدة الدكتور محمد كمال الدّين عزّ الدّين علي ونشره في مجلدين صغيرين في مكتبة عالم الكتب هذا العام (1412 هـ) . [3] نشر في مصر قديما بثلاث مجلدات كبار من غير تحقيق وبحرف متعب للباحث وهو بأمس الحاجة إلى التحقيق والنشر الجديد. وقد نشرت وزارة الثقافة بدمشق مختصرا له ضمن سلسلة المختار من التراث. [4] في «الضوء اللامع» : «سادس عشري» . [5] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 173) و «الضوء اللامع» (3/ 215) و «النجوم الزاهرة» (15/ 489) و «حوادث الدهور» (1/ 61- 62) و «الدليل الشافي» (1/ 296) .

وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن الجلال نائب الحكم الزّيتوني، الشافعي [1] . قال ابن حجر: أخذ عن شيخنا برهان الدّين الأبناسي وغيره، واشتغل كثيرا، وتقدم، ومهر، ونظم الشعر المقبول الجيد، وأفاد، وناب في الحكم، وتصدّر، وكان قليل الشرّ، كثير السّكون والكلام. وتوفي في يوم الخميس سادس عشر رجب وأظنه قارب السبعين. وفيها جمال الدّين عبد الله بن محمد بن الدّماميني- نسبة إلى دمامين قرية بالصّعيد [2]- الإسكندراني [3] قاضي الإسكندرية. وليها أكثر من ثلاثين سنة، وكان قليل البضاعة في العلم، لكنه كثير البذل، ضخم الرئاسة، سخي النّفس، أفنى مالا كثيرا في قيام صورته في المنصب، ودفع من يعارضه وركبه الدّين، ثم توفي يوم الأحد ثاني عشر ذو القعدة عن نحو خمس وستين سنة. وفيها زين الدّين أبو ذرّ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الزّركشي المصري [4] الحنبلي المسند العلّامة بن الإمام العلّامة شمس الدّين أبي عبد الله المتقدم ذكره. ولد في سابع عشر رجب سنة خمسين وسبعمائة، وسمع الكثير، وانفرد في آخر عمره بسماع «مسلم» من البياني بسنده فإنه آخر من روى عنه بالسماع، وكان خيّرا فاضلا، ناب في الحكم بمصر مدة طويلة، واستقرّ في تدريس الأشرفية المستجدة بالقاهرة في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وروى عنه خلق من

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 173) و «الضوء اللامع» (5/ 60) . [2] الدمامين من أعمال القوصية. انظر «التحفة السنية» ص (193) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 174) و «الضوء اللامع» (5/ 53) و «النجوم الزاهرة» (15/ 491) و «حوادث الدهور» (1/ 68) . [4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (491) و «الضوء اللامع» (4/ 136) و «السحب الوابلة» ص (214) .

الأعيان، منهم القاضي عزّ الدّين الكناني الآتي ذكره، وقاضي القضاة سعد الدّين الدّيري الحنفي، وكمال الدين بن أبي شريف الشّافعي، وخلق من العلماء، وغيرهم. وتوفي بالقاهرة في أحد الجمادين. وفيها زين الدّين [1] أبو محمد [1] وأبو الفرج عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان بن قريج- بقاف وجيم مصغرا- ابن الطحّان [2] الحنبلي الصّالحي المسند. ولد في خامس عشر محرم سنة ثمان وستين وسبعمائة على الصحيح، واعتنى به أبوه، فأسمعه على صلاح الدّين بن أبي عمر، وعلي بن أميلة جامع «الترمذي» و «السنن» لأبي داود، و «مشيخة» الفخر بن البخاري، و «عمل اليوم والليلة» [3] لابن السّني، وعلى زينب بنت قاسم ما في المشيخة من «جزء الأنصاري» و «صحيح مسلم» وغيرهم. وقرأ بنفسه على ابن المحبّ، وسمع على أبي الهول علي بن عمر الجزري كتاب «الذّكر» لابن أبي الدنيا. وقرأ على أحمد بن العماد، وأبي بكر بن العزّ، ومحمد بن الرّشيد، وغيرهم. وأكثر من الرواية والمشايخ، بحيث صار من كبار المسندين المشار إليهم. وأخذ عنه خلق كثير، وقدم مصر فأسمع «سنن أبي داود» وقطعة كبيرة من «المسند» . وتوفي بقلعة الجبل يوم الاثنين سابع عشري صفر. وفيها عبد المؤمن ابن المشرقي الشافعي [4] . قال البرهان البقاعي: نزيل القدس الشريف. مات يوم الجمعة يوم عرفة بالقدس، وكان يوما مشهودا. وكان فاضلا، وله يد طولى في الوعظ، وله صوت

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 176) و «الضوء اللامع» (4/ 160) و «المنهج الأحمد» (الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (216) . [3] في «آ» : «عمل يوم وليلة» . [4] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر.

عال بحيث إنه إذا وعظ في باب حطّة سمعه من تحت الزّيتون. انتهى. وفيها علاء الدّين علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي الحنبلي [1] الشيخ الإمام المسند المحدّث. ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبكّر به أبوه إلى السماع، فأسمعه كثيرا، وعمّر، وصار إليه المنتهى في علو الإسناد في الدنيا. ورحل إليه الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين الدمشقي بجماعة من أهل الشام للسماع عليه ببعلبك. وتوفي يوم الثلاثاء العشرين من ذي الحجة. قاله العليمي. وفيها شمس الدّين محمد بن عمر بن عبد الله بن محمد بن غازي الدّنجاوي الشافعي [2] الإمام البارع المفنّن الأديب. ولد بثغر دمياط سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا، واشتغل في الفقه والعربية، فبرع فيهما، وتعانى الأدب، فمهر، وقرّره شرف الدّين يحيى ابن العطّار في خزانة الكتب بالمؤيدية. وكان خفيف ذات اليد، توعك يسيرا فرأى في توعكه أنه يؤم بناس كثيرة، وأنه قرأ سورة نوح، ووصل إلى قوله تعالى: إِنَّ أَجَلَ الله إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ 71: 4 [نوح: 4] فاستيقظ وجلا فقصّ المنام على بعض أصحابه. وقال: هذا دليل أنني أموت في هذا الضعف. وكان كما قال. وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء حادي عشري ذي القعدة وصلّى عليه بالأزهر الشّمس القاياتي. وفيها ضياء الدّين محمد بن محمد بن محمد [3] بن محمد [3] بن

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 139) و «الدليل الشافي» (1/ 451) و «المنهج الأحمد» الورقة (491- 492) و «السحب الوابلة» ص (290) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 179) و «الضوء اللامع» (8/ 247) . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنعم بن عمران بن حجّاج الأنصاري السّفطي [1] . قال ابن حجر: هو ابن شيخنا ناصر الدّين شيخ الآثار النبوية على شاطئ النيل. كان خيّرا، فاضلا، مشهورا بالخير والدّيانة، وولي المشيخة بعد أبيه، فأقام فيها نيّفا وثلاثين سنة. وتوفي في شوال. وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن محمد البالسي ثم القاهري [2] . ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وسمع الكثير من ابن الملقّن، وصاهره على ابنته، وسمع من غيره أيضا. واستجاز له ابن الملقّن من مسندي الشام، منهم عمر بن أميلة، وأحمد بن السّيف، وصلاح الدّين بن أبي عمر، وأحمد بن المهندس، وآخرون. وحدّث في أواخر عمره، وكان حسن الخطّ، أحد رؤساء القاهرة. ناب في الحكم في عدة بلاد. تمرّض مدة ومات صحيح السّمع والبصر والأسنان.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الصّفطي» بالصاد والتصحيح من «إنباء الغمر» (9/ 180) مصدر المؤلف و «الضوء اللامع» (9/ 285) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 180) و «الضوء اللامع» (10/ 44) .

سنة ست وأربعين وثمانمائة

سنة ست وأربعين وثمانمائة فيها توفي زين الدّين عبادة- بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة- ابن علي بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل الله [1] بن فهد بن عمرو الأنصاري الخزرجي المالكي النحوي [2] . قال السيوطي: مشهور باسمه. ولد في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ومهر في الفقه والعربية، وسمع الحديث من التّنوخي، والحلاوي، وغيرهما. وصار رأس المالكية، وعيّن للقضاء بعد موت الدمياطي فامتنع، وولي تدريس الأشرفية، والشيخونية، والظّاهرية، وانقطع في آخر عمره إلى الله تعالى، وأعرض عن الاجتماع بالناس، وامتنع من الإفتاء، وانتفع به جماعة، وسمع منه صاحبنا النّجم بن فهد وغيره. وتوفي في رمضان، وقيل: شوال. انتهى. وفيها جمال الدّين عبد الله السّنباطي [3] الشافعي الواعظ. قال ابن حجر: لازم مجلس الشيخ سراج الدّين البلقيني، يقرأ عليه من كلامه، وكلام غيره، وكان يتكلّم على الناس بالجامع الأزهر من نحو سبعين سنة،

_ [1] لفظ الجلالة سقط من «آ» . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 193) و «الضوء اللامع» (4/ 16) و «بغية الوعاة» (2/ 26) و «الدليل الشافي» (1/ 380) و «النجوم الزاهرة» (15/ 492) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (359- 360) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 193) و «الضوء اللامع» (5/ 14) و «النجوم الزاهرة» (15/ 494) .

ومع ذلك يشتغل بالعلم ويستحضر في الفقه، وقد ناب في الحكم عن القاضي جلال الدّين وغيره. وتوفي في رمضان بعد مرض طويل. وفيها قاضي الأقاليم عزّ الدّين أبو البركات عبد العزيز بن الإمام العلّامة علاء الدّين أبي الحسن علي بن العزّ بن عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي مولدا ثم المقدسي [1] الحنبلي الشيخ الإمام العالم المفسّر. ولد ببغداد في [2] سنة سبعين وسبعمائة، واشتغل بها. ثم قدم دمشق فأخذ الفقه عن ابن اللحّام، وعرض عليه «الخرقي» واعتنى بالوعظ، وعلم الحديث، ودرّس وأفتى، وله مصنّفات، منها «مختصر المغني» و «شرح الشاطبية» . وصنّف في المعاني والبيان، وجمع كتابا سمّاه «القمر المنير في أحاديث البشير النذير» وولي قضاء بيت المقدس بعد فتنة اللّنك في سنة أربع وثمانمائة، وهو أول حنبلي ولي القدس، وطالت مدته، وجرى له فصول [3] ثم ولي المؤيدية بالقاهرة، ثم ولي قضاء الدّيار المصرية في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين [3] ثم ولي قضاء دمشق في دفعات يكون مجموعها ثمان سنين. وكان يسمّى بقاضي الأقاليم لأنه ولي قضاء بغداد، والعراق، وبيت المقدس، ومصر، والشام. وكان فقيها، ديّنا، متقشفا، عديم التكلّف في ملبسه ومركبه، له معرفة تامّة. ولما ولي قضاء مصر صار يمشي لحاجته في الأسواق ويردف عبده على بغلته، وأشياء من هذا النّسق. وكانت جميع ولايته من غير سعي. وتوفي بدمشق ليلة الأحد مستهل ذي القعدة، ودفن عند قبر والده بمقابر باب كيسان إلى جانب الطريق. قاله العليمي.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 194) و «الضوء اللامع» (4/ 222) و «النجوم الزاهرة» (15/ 493) و «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (221) و «حوادث الدهور» (1/ 80- 82) . [2] لفظة «في» سقطت من «آ» . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

وفيها القاضي جمال الدّين محمد بن عمر بن علي الطّنبذي، المعروف بابن عرب الشافعي [1] . ولد بعد الخمسين وسبعمائة بيسير، واشتغل، وحفظ «التنبيه» ووقّع على القضاة في العشرين من عمره. شهد على أبي البقاء السّبكي سنة ثلاث وسبعين فأداها بعد نيف وسبعين سنة، وولي حسبة القاهرة، ووكالة بيت المال غير مرة، وناب في الحكم، وجرت له خطوب، وانقطع بأخرة في منزله، مع صحة عقله وقوة جسده، وكان أكثر إقامته ببستان له بجزيرة الفيل، سقط من مكان فانكسرت ساقه فحمل في محفّة من جزيرة الفيل إلى القاهرة فأقام نحو أربعة أشهر، ثم توفي ليلة الخميس الثامن من شهر رمضان. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمد البدرشي [2] ثم القاهري الشافعي [3] . كان إماما عالما. توفي في شوال عن نحو ستين سنة.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 197) و «الضوء اللامع» (8/ 250) . [2] في «آ» و «ط» : «البدري» والتصحيح من «الضوء اللامع» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 209) .

سنة سبع وأربعين وثمانمائة

سنة سبع وأربعين وثمانمائة فيها توفي زين الدّين أبو بكر بن إسحاق بن خالد الكختاوي المعروف بالشيخ باكير النحوي [1] . قال السيوطي: ولد في حدود السبعين وسبعمائة، وكان إماما عالما بارعا متفننا في علوم، وتفرّد بالمعاني والبيان، وفي لسانه لكنة، مع سكون، وعقل زائد، وحسن شكل، وشيبة منوّرة، وجلالة عند الخاص والعام. ولي قضاء حلب فحمدت سيرته، وأفتى ودرّس بها، واستدعاه الملك الأشرف برسباي إلى مصر، وولاه مشيخة الشيخونية بحكم وفاة البدر القدسي، وانتفع به جماعة. وممن أخذ عنه والدي- رحمه الله تعالى-. مات ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى. انتهى. وفيها نور الدّين علي بن أحمد بن خليل بن ناصر بن علي بن طيء المشهور قديما بابن السقطي، وأخيرا بابن بصّال الإسكندراني الأصل [2] . ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. قال ابن حجر: واشتغل كثيرا في عدة فنون، ولم يكن بالماهر وكان يتعانى توقيع الإنشاء، وسمع من سراج الدّين بن الملقّن وغيره، وكتب بخطّه كثيرا من

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 26) و «بغية الوعاة» (1/ 467) و «النجوم الزاهرة» (15/ 501) و «حوادث الدهور» (1/ 100) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 215) و «الضوء اللامع» (1/ 166) .

تصانيف ابن الملقّن. وحدّث باليسير، ولازم مجالس الإملاء عندي نحوا من عشرين سنة. وتوفي آخر يوم الأربعاء ثالث عشري رجب [1] . انتهى. وفيها ناصر الدّين [2] أبو المعالي محمد بن السلطان الظّاهر جقمق [3] . ولد في رجب سنة ست عشرة وثمانمائة، وقرأ القرآن، واشتغل بالعلم، وحفظ كتبا، ومهر في مدة يسيرة، ولازم الشيخ سعد الدّين بن الدّيري قبل أن يلي القضاء، وأخذ عن الكافيجي وغيره، وكان محبا في العلم والعلماء، وولي الإمرة بعد سلطنة أبيه بقليل، وجلس رأس الميسرة، وأصابه مرض السّلّ، ثم بعده توفي ليلة السبت الثاني عشر من ذي الحجّة بعلّة البطن في القاهرة. وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن أحمد بن المجبّر التّزمنتي [4]- بكسر المثناة الفوقية، وسكون الزاي، والنون، وفتح الميم، وآخره فوقية، نسبة إلى تزمنت [5] قرية من عمل البهنسا-. ولد سنة سبعين وسبعمائة. قال ابن حجر: كان فاضلا. اشتغل ودار على الشيوخ، ودرّس في أماكن، وناب في الحكم عن علم الدّين البلقيني. وكان صديقه. وتوفي ليلة الجمعة خامس عشر رجب. انتهى. أي واختلط قبل موته، والله تعالى أعلم.

_ [1] في «ط» : «جمادى الأولى» وهو خطأ. [2] في «ط» : «نور الدين» وهو خطأ. [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 216) و «الضوء اللامع» (7/ 210) و «النجوم الزاهرة» (15/ 502) . [4] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 219) . [5] انظر «التحفة السنية» ص (165) .

سنة ثمان وأربعين وثمانمائة

سنة ثمان وأربعين وثمانمائة فيها كان بالقاهرة الطّاعون العظيم بحيث كان يخرج في اليوم الواحد ما يزيد على الألف [1] . وفيها توجه الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد الفرياني- بضم الفاء، وكسر الراء المشددة، نسبة إلى فرّيانة قرية قرب سفاقس- المغربي إلى جبال حميدة بالأرض المقدسة، وهي جبال شاهقة صعبة المرتقى ليس لها مسلك يسع أكثر من واحد وبأعلى جبل منها سهلة بها مزدرع وعيون ماء وكروم، وأقوام في غاية المنعة والقوة، من التجأ إليهم أمن ولو حاربه السلطان فمن دونه، فنزل الفرّياني عندهم، وادعى أنه المهدي، وقيل: ادعى أنه القحطاني، وراج أمره هناك، وكان قدم القاهرة وأكثر التّردد إلى المقريزي وواظب الجولان في قرى الرّيف الأدنى بعمل المواعيد ويذكّر الناس، وكان يستحضر كثيرا من التواريخ والأخبار الماضية، ويدّعى معرفة الحديث النّبوي ورجاله، وتحوّل عن مذهب مالك، وادعى أنه يقلّد الشافعي، وولي قضاء نابلس إلى أن ظهر منه ما ظهر [2] . وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم الفيشي [3]- بالفاء والشين المعجمة بينهما تحتية مثناة- الحنّائي- بكسر المهملة وتشديد النون مع المد [4]- النحوي المالكي.

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (9/ 219- 220) و «حوادث الدهور» (1/ 103- 104) . [2] انظر خبره في «إنباء الغمر» (9/ 226- 228) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 228) و «الضوء اللامع» (2/ 69) و «بغية الوعاة» (1/ 356) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (80- 81) . [4] تنبيه: كذا قيدها المؤلف رحمه الله، والذي في «إنباء الغمر» و «الضوء اللامع» : «الحنّاوي» .

ولد في شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة. قال ابن حجر: سمع من جماعة قبلنا، وسمع معنا من شيوخنا، وقرأ بنفسه، وطلب، وولي نيابة الحكم، ودرّس في أماكن. وكان من الصّوفية البيبرسية. وكان وقورا، ساكنا، قليل الكلام، كثير الفضل، انتفع، به جماعة في العربية وغيرها. وقال السيوطي: ألّف في النحو، وسمع منه صاحبنا ابن فهد. وتوفي ليلة ثامن عشر جمادى الأولى. وفيها زين الدّين عبد الرحيم بن علي الحموي الواعظ، المعروف بابن الآدمي [1] . قال ابن حجر: تعانى عمل المواعيد فبرع فيها، واشتهر، وأثرى، وقدم القاهرة بعد اللّنكية فاستوطنها إلى أن مات. وولي في غضون ذلك خطابة المسجد الأقصى ثم صرف، واستمرّ في عمل المواعيد والكلام في المجالس المعدة لذلك، واشتهر اسمه، وطار صيته، وكان غالب لا يقرأ إلّا من كتاب، مع نغمة طيبة وأداء صحيح. وكان يقرأ «صحيح البخاري» في شهر رمضان في عدة أماكن إلى أن مات فجأة في الثاني من ذي القعدة بعد أن عمل يوم موته الميعاد في موضعين وقد جاوز الثمانين، وترك أولادا أحدهم شيخ يقرب من الستين. وفيها زين الدّين عبد الخلاق بن أحمد بن الفرزان [2] الحنبلي الشيخ الإمام توفي بنابلس في هذه السنة. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن كميل المنصوري الشافعي، الشهير بابن كميل [3] . قال ابن حجر: اشتغل كثيرا، وحفظ «الحاوي» ونظم الشعر ففاق الأقران. عرفته سنة أربع وعشرين، حججنا جميعا، وكنا نجتمع في السير ونتذاكر في

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 229) و «الضوء اللامع» (3/ 170) . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (194) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 230) و «الضوء اللامع» (7/ 28) .

الفنون. وكان يتناوب نيابة الحكم بالمنصورة هو وبن عمّه شمس الدّين محمد بن خلف بن كميل، ويتعاهد السفر للقاهرة في كل سنة مرّة أو مرتين، وله مدائح نبوية مفلقة، وقصائد في جماعة من الأعيان ثم استقلّ بقضاء المنصورة، وضم إليه سلمون، ثم زدته مينة بني سلسيل فباشر ذلك كله، وكان مشكور السيرة، ونشأ له ولد اسمه أحمد فنبغ واغتبط به. مات [1] أي في ذي القعدة [1] شمس الدّين فجأة وذلك أنه توجه إلى سلمون فنزل في المسجد وله فيه خلوة فوقها طبقة وللطبقة سطح مجاور المئذنة فاتفق هبوب ريح عاصف في تلك الليلة واشتد في آخرها، وفي أول النهار، فصلّى الصبح، ودخل خلوته فقصف الرّيح نصف المئذنة فوقع على سطح الطبقة، فنزل به إلى سطح الخلوة فنزل الجميع على الخلوة وشمس الدّين لم يشعر بذلك حتّى نزل الجميع عليه. وجاء الخبر إلى ولده، فتوجه من المنصورة مسرعا فنبش عنه، فوجد الخشب مصلبا عليه، ولم يخدش شيء من جسمه، بل تبين أنه مات غمّا لعجزه عن التخلص. وفيها الخواجا الكبير الشّمس محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد الحلبي، ثم الدمشقي، ويعرف بابن المزلق [2] . كان ذا ثروة كبيرة ومآثر حسنة بالشام وغيرها.

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 173) .

سنة تسع وأربعين وثمانمائة

سنة تسع وأربعين وثمانمائة فيها في ليلة الجمعة ثامن المحرم سقطت بالقاهرة المنارة التي بالمدرسة الفخرية في سويقة الصاحب التي أنشئت بعد الستمائة بقليل وهلك في الروم جماعة كثيرة [1] . وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الذّهبي، المعروف بابن ناظر الصحابية الحنبلي [2] ، المسند المعدل الضابط. ولد سنة ست وستين [3] وسبعمائة. قال ابن حجر: وسمع على محمد بن الرّشيد، وعبد الرحمن المقدسي «جزء أبي الجهم» أنا الحجّار. وسمع على والده شيخنا، وعلى ابن المهندس الحنفي جميع رسالة الحسن البصري إلى عبد الرحمن الرفادي يرغبه في المقام بمكّة، وعلى العماد الخليل قالا: أنا الحجّار، وسمع على الشّهاب أحمد بن العزّ. وذكر لي شيخنا الإمام المحدّث الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن ناصر الدّين- رحمه الله- غير مرّة أنه قال: ذكر لي والده [4]- يعني

_ [1] انظر «إنباء الغمر» (9/ 232) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 238) و «الضوء اللامع» (1/ 324) و «السحب الوابلة» ص (64) . [3] قال السخاوي في «الضوء اللامع» : «ولد في سنة اثنتين وستين وسبعمائة وأرخه بعضهم بسنة ست وستين لغرض» . [4] لفظة «والده» لم ترد في «ط» .

زين الدّين بن ناظر الصاحبة- أنه قال: ما فرحت بشيء أعظم من أني أحضرت ولدي هذا يعني أحمد المذكور جميع «مسند الإمام أحمد» على البدر أحمد بن محمد بن محمود بن الزقاق بن الجوخي، أنا زينب بنت مكّي، أنا حنبل. قال شيخنا ابن ناصر الدّين: وكان شيخنا زين الدّين بن ناظر الصّاحبة من الثقات. قدم القاهرة فحدّث بها بالمسند وغيره، ثم رجع إلى بلده فمات في هذه السنة. انتهى كلام ابن حجر. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عمر النّحريري، المعروف بالسعودي الشافعي [1] . ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» وغير ذلك، وطلب العلم، وجلس مؤدّبا للأولاد مدة، ثم قدم القاهرة في حدود التسعين فأجلس مع الشهود، ولازم البلقيني الكبير وخدمه، وصار يجمع له أجرة أملاكه، وهو مع ذلك يؤدّب الأولاد، وخرج من تحت يده جماعة فضلاء، وكان كثير المذاكرة، وحجّ فأخذ عن جماعة هناك، ودخل بيت المقدس فسمع من شهاب الدّين بن الحافظ صلاح الدّين العلائي. ومن ابن خاله شمس الدّين القلقشندي، وغيرهما. ومرض مرضا شديدا في حدود سنة ثلاثين، فلما عوفي منه عمي وتنوعت عليه في آخر عمره الأمراض، حتى ثقل سمعه جدا، وأقعد، ولسانه لا يفتر عن التّلاوة إلى أن توفي فجأة في العشر الأخير من شهر رمضان. وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي- بفتح الواو والنون نسبة إلى ونا قرية بصعيد مصر- القرافي [2] الشافعي. ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وأخذ عن الشيخ شمس الدّين البرماوي وطبقته، واشتهر بالفضل، وتزوّج إلى الشيخ نور الدّين

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 241) و «الضوء اللامع» (7/ 30) . [2] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 242) و «النجوم الزاهرة» (15/ 509) و «الضوء اللامع» (7/ 140) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) .

التلواني، وصحب جماعة من الأعيان، ونزل في المدارس طالب ثم تدريسا، وولي تدريس الشيخونية، ثم ولي قضاء الشام مرتين، ثم رجع بعد أن استعفي من القضاء فأعفي، وذلك سنة سبع وأربعين فسعى في تدريس الصّلاحية بجوار الشافعي فباشرها سنة ونيّفا، ثم ضعف نحو الشهرتين إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر. وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن أبي بكر الحلبي الأصل الغزّي القدسي [1] . كان مقرئا، بارعا، صاحب فضائل، وله «بديعية» عارض بها الصّفي الحلّي. وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين. وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الرحمن بن علي التّفهني الحنفي [2] . ولد قبيل القرن، واشتغل كثيرا، ومهر، وكان صحيح الذّهن، حسن المحفوظ، كثير الأدب والتواضع، عارفا بأمور دنياه، مالكا لزمام أمره، ولي في حياة والده قضاء العسكر وإفتاء دار العدل، وتدريس الحديث بالشيخونية. وولي بعد وفاة والده تدريس الفقه بها، ومشيخة البهائية الرّسلانية، وتدريس الفانبيهية بالرّميلة، وحصلت له محن من جهة تغري بردي الدّويدار مع اعترافه بإحسان والده له، ومرض مرضا طويلا إلى أن مات في ثامن شهر رمضان. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أحمد الواسطي الأصل ثم الغمري ثم المحلّي الشافعي، المعروف بالغمري [3] .

_ [1] ترجمته في «التبر المسبوك» (135) و «الضوء اللامع» (11/ 266) و «الأعلام» (6/ 117) . [2] ترجمته في «التبر المسبوك» ص (136) و «إنباء الغمر» (9/ 243) و «الضوء اللامع» (7/ 293) . [3] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 244) و «الضوء اللامع» (8/ 238) و «التبر المسبوك» ص (136) .

ولد سنة ست وثمانين وسبعمائة بمينة غمر، ونشأ بها فحفظ القرآن، و «التنبيه» ثم قدم القاهرة فأقام بالجامع الأزهر للاشتغال مدة، وأخذ الفقه عن شيوخ الجامع، وعن المارديني في الميقات، وتدرّب بغيره في الشهادة، وتكسّب بها قليلا. وكان في غاية التقلل، حتّى كان يقع له أنه يطوي أسبوعا كاملا، ويتقوت بقشر الفول، وقشر البطيخ، ونحو ذلك. وتكسب ببلده وببلبيس بالعطر حرفة أبيه. وكان يطلب منه الشيء فيبذله لطالبه مجانا، فيجيء والده فيسأله ما بعت فيقول: كذا وكذا بلاش، فيحمده ويدعو له. ثم أعرض عن جميع ذلك ولازم التجرد والتعبد، واعتزل دهرا طويلا بعد ما تفقه، وصحب غير واحد من سادات الصّوفية، حتى فتح له، وأذن له في التربية والإرشاد، وتصدى لذلك بكثير من النواحي، وقطن المحلّة الكبرى، ووسع المدرسة الشمسية، وأحكم بناءها. ثم عمر بالقاهرة بخط سوق أمير الجيوش جامعا كانت الخطة مفتقرة إليه جدا. واشتهر صيته، وكثر أتباعه، وذكرت له أحوال وخوارق، وجدّد عدة مواضع بكثير من الأماكن، يعجز عنها السلطان وقصد للزيارة والتبرك من جميع الأقطار، كل جميع ذلك مع الزّهد والتحذير من البدع والحوادث والإعراض عن أبناء الدنيا وأرباب المناصب. وحجّ مرارا، وجاور، وزار بيت المقدس. ومن تصانيفه كتاب «النّصرة في أحكام الفطرة» و «محاسن الخصال في بيان وجوه الحلال» و «العنوان في تحريم معاشرة الشباب والنسوان» و «المحكم المضبوط في تحريم عمل قوم لوط» و «الانتصار لطريق الأخيار» و «الرياض المزهرة في أسباب المغفرة» و «قواعد الصوفية» و «الحكم المشروط في بيان الشروط» جمع فيه شروط أبواب الفقه ومنح المنة في التلبس بالسنة في أربع مجلدات والوصية الجامعة والمناسك. ومن كراماته أنه دخل عليه أحمد النحّال فوجد له سبع أعين فغشي عليه فلما أفاق قال له الشيخ إذا كمل الرجل صار له سبع أعين على عدد أقاليم الدنيا [1] . ومنها أنه كان يقعد في الهواء متربعا أخبر القاضي زكريا أنه رآه كذلك.

_ [1] أقول: هذا ليس من الكرامات، وإنما هو من الشطحات. (ع) .

وتوفي يوم الثلاثاء آخر يوم من شعبان بالمحلّة الكبرى، ودفن في جامعه. وفيها شمس الدّين محمد بن أمين الدّين محمد بن أحمد المنهاجي [1] الشافعي وأبوه سبط الشيخ شمس الدّين بن اللبّان. ولد سنة سبعين وسبعمائة، وحفظ القرآن، و «التنبيه» وولي حسبة مصر، وكان مثريا، وناب في الحكم مرارا، ولا زال ينخفض ويرتفع إلى أن مات.

_ [1] ترجمته في «إنباء الغمر» (9/ 245) و «الضوء اللامع» (9/ 50) و «التبر المسبوك» ص (149) .

سنة خمسين وثمانمائة

سنة خمسين وثمانمائة فيها تم تاريخ ابن حجر «إنباء الغمر» . وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن رضوان الحلبي الشافعي. قال ابن حجر: كان ممن اشتغل بالفقه ومهر وتميّز ونزل في المدارس بحلب، وولي بعض التداريس، وناب في الحكم، ثم صحب ولد السلطان الظّاهر جقمق لما أقام مع والده بحلب فاختص به، ثم قدم عليه القاهرة فلازمه حتّى صار إماما له. وكان ممن مرّضه في ضعفه الذي مات فيه، وقرّرت له بجاهه وظائف، وندبه السلطان في الرسيلة إلى حلب في بعض المهمات، فلما مات ولد السلطان رقّت حاله واستعيد منه التدريس الذي كان استقرّ فيه بحلب، ثم توجه إلى الحجّ في العام الماضي فسقط عن الجمل فانكسر منه شيء، ثم تداوى، فلما رجع سقط مرّة أخرى فدخل القاهرة مع الركب، وهو سالم إلى أن مات، وكان ينسب إلى شيء يستقبح ذكره، والله أعلم بسريرته. انتهى. وفيها تقريبا برهان الدّين إبراهيم بن عبد الخالق السّيليّ [1] الحنبلي [2] شيخ الحنابلة بنابلس. قال العليمي: كان من أهل العلم، ويقصده الناس للكتابة على الفتوى وعبارته حسنة جدا لكن خطّه في غاية الضعف. وتوفي بمكة المشرّفة ودفن باب المعلاة.

_ [1] قال السخاوي في «الضوء اللامع» (11/ 208) : «نسبة إلى سيلة قرية بالقرب من القدس» . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (492) و «السحب الوابلة» ص (26) وجاء في متنه توفي بمكة المشرّفة سنة خمس وثمانمائة والصواب ما جاء في حاشية فلتصحح.

وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن يوسف المرداوي [1] الحنبلي الإمام الحافظ المفنّن العلّامة، أحد مشايخ المذهب. أخذ الفقه عن الشيخ علاء الدّين بن اللحّام [وكان من أهل العلم والدّين] باشر القضاء بمردا مدة طويلة، وكان يقصد بالفتاوى من كل إقليم. ومن تلامذته الأعيان شمس الدّين العليمي وغيره، وعرض عليه قضاء حلب فامتنع، واختار قضاء مردا، وكان يكتب على الفتاوى بخط حسن وعبارة [2] جيدة تدل على تبحره وسعة علمه. وكان إماما في النحو يحفظ «محرّر» الحنابلة و «محرّر» الشافعية. وإذا سئل عن [3] مسألة أجاب عنها على مذهبه ومذهب غيره. وتوفي بمردا في صفر وقد جاوز السبعين. وفيها شهاب الدّين أحمد بن رجب بن طيبغا، الشهير بابن المجدي الشافعي [4] الفرضي العلّامة. ولد بالقاهرة سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ بها، ولازم علماء عصره، وجدّ في الطلب إلى أن برع في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية، وشارك في علوم كثيرة غيرها، كالهندسة، والميقات، وفاق فيها أهل عصره، وانفرد بها، وما زال مستمرا، على الاشتغال والإشغال، وصنّف تصانيف كثيرة مشهورة، منها «شرح الجعبرية» في الفرائض، إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر ذي القعدة. وفيها الشمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي- بالقاف وبعد الألف الأولى ياء تحتية، وبعد الثانية مثناة فوقية، نسبة إلى قايات بلد

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 252) و «المنهج الأحمد» الورقة (493) وما بين الحاصرتين زيادة منه و «السحب الوابلة» ص (118) . [2] في «ط» : «وعبارته» وهو خطأ. [3] لفظة «عن» سقطت من «آ» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 300) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) و «البدر الطالع» (1/ 56) و «النجوم الزاهرة» (15/ 515) .

قرب الفيّوم- ثم القاهري الشافعي [1] قاضي القضاة ومحقّق الوقت، وعلّامة الآفاق. ولد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريبا [2] ، وحضر دروس السّراج البلقيني، وأخذ عن البدر الطّنبذي، والعزّ بن جماعة، والعلاء البخاري، وغيرهم. وبرع في الفقه والعربية والأصلين والمعاني، وسمع الحديث، وحدّث باليسير. وولي تدريس البرقوقية، والأشرفية، والشافعي، والشيخونية، وقضاء الشافعية بمصر فباشره بنزاهة وعفّة. وأقرأ زمانا، وانتفع به خلق، وشرح «المنهاج» . توفي ليلة الاثنين ثامن عشري المحرم بالقاهرة، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 212) و «النجوم الزاهرة» (15/ 513) و «حسن المحاضرة» (1/ 440) . [2] لفظة «تقريبا» سقطت من «آ» .

سنة إحدى وخمسين وثمانمائة

سنة إحدى وخمسين وثمانمائة في أثناء شوّالها وقعت صاعقة هائلة ببيت المقدس. وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجنديّ [1] المدني العالم، وقد جاوز السبعين. وفيها الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن شهاب الدّين أحمد بن محمد بن قاضي شهبة الشافعي [2] صاحب «طبقات الشافعية» . كان إماما، علّامة، تفقه بوالده وغيره، وسمع من أكابر أهل عصره، وأفتى ودرّس وجمع وصنّف. من مصنّفاته «شرح المنهاج» و «لباب التهذيب» و «الذيل على تاريخ ابن كثير» [3] و «المنتقى من تاريخ الإسكندرية» للنّويري، و «المنتقى من الأنساب»

_ [1] تحرفت ترجمته في «آ» إلى «الجحدري» والصواب ما جاء في «ط» وترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 24) و «التبر المسبوك» ص (188) و «التحفة اللطيفة» (1/ 105) و «نظم العقيان» ص (15) و «البدر الطالع» (1/ 24) و «الأعلام» (1/ 29) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 21- 24) و «النجوم الزاهرة» (15/ 523) و «البدر الطالع» (1/ 164) . [3] وقد قام بتحقيقه الأستاذ الدكتور عدنان درويش وحصل على درجة الدكتوراه بإخراجه المجلد الثالث منه بإتقان يقتدى به فيه لجودته، ونشره المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق عام 1399 هـ. وقد فرغ من تحقيق المجلدين الأول والثاني منذ فترة قريبة وشرع بطبعهما المعهد المذكور وسوف يصدران قريبا كما أكد لي الدكتور درويش نفع الله تعالى به.

لابن السمعاني، و «المنتقى من نخبة الدّهر في عجائب البرّ والبحر» و «المنتقى من تاريخ ابن عساكر» [1] وغير ذلك. وتوفي بدمشق فجأة يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة. وفيها القآن معين الدّين شاه رخ بن تيمور لنك صاحب سمرقند وبخارى وغيرهما [2] . وفيها القاضي عزّ الدّين عبد الرحيم بن القاضي ناصر الدّين [محمد بن عبد الرحيم] علي بن الحسين [3] الحنفي [4] الإمام المسند المعمّر، المحدّث الرّحلة المؤرّخ، المعروف بابن الفرات. ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة، وسمع بها من والده، والحسين بن عبد الرحمن بن سباع التّكريتي [5] ، وغيرهما وأجاز له العزّ بن جماعة، والصّلاح الصّفدي، وابن قاضي الجبل، وغيرهم. تجمعهم «مشيخة» تخريج الإمام المحدّث سراج الدّين عمر بن فهد. وحدّث سنين، وتفرّد بأشياء عوال، وسمع منه الأعيان والفضلاء، وصار رحلة زمانه. قال ابن تغري بردي: وأجاز لي بجميع مسموعاته ومروياته، وكانت له معرفة تامة بالفقه والأحكام، وناب في الحكم بالقاهرة سنين إلى أن توفي بها في أواخر ذي الحجّة. وفيها ركن الدّين عمر بن قديد الحنفي النّحوي [6] .

_ [1] وهو جدير بالنشر. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 292) و «الدليل الشافي» (1/ 340) . [3] في بعض المصادر: «ابن الحسن» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 186) و «النجوم الزاهرة» (15/ 524) و «الدليل الشافي» (1/ 410) و «التبر المسبوك» ص (192- 193) و «نظم العقيان» ص (127) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (139- 140) . وما بين الحاصرتين مستدرك منها. [5] تحرفت نسبته في «آ» إلى «الشربتي» . [6] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 113) و «بغية الوعاة» (2/ 222) .

قال السيوطي: كان علّامة بارعا فاضلا عالما بالأصول، والنحو، والتصريف [1] وغيرها. لازم الشيخ عزّ الدّين ابن جماعة، وأخذ عنه عدة فنون، وتصدّر للإقراء، وتخرّج به جماعة، وله «حواش» و «تعاليق» و «فوائد» . وكان منقطعا عن أبناء الدّنيا، طارحا للتكلّف، متقشفا في ملبسه. انتهى.

_ [1] في «ط» : «والصرف» .

سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة

سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة فيها توفي شيخ الإسلام علم الأعلام أمير المؤمنين في الحديث حافظ العصر شهاب الدّين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد، الشهير بابن حجر [1] ، نسبة إلى آل [2] حجر- قوم تسكن الجنوب الآخر على بلاد الجريد وأرضهم قابس- الكناني العسقلاني الأصل المصري المولد، والمنشأ، والدار، والوفاة، الشافعي. ولد في ثاني عشري شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ومات والده وهو حدث السنّ فكفله بعض أوصياء والده [3] إلى أن كبر، وحفظ القرآن العظيم، وتعانى المتجر، وتولع بالنظم، وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية، ثم حبّب الله إليه طلب الحديث، فأقبل عليه، وسمع الكثير بمصر وغيرها، ورحل، وانتقى، وحصّل.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 36- 40) و «طبقات الحفاظ» ص (547) و «التبر المسبوك» ص (230- 236) و «الذيل على رفع الإصر» ص (75- 89) و «حسن المحاضرة» (1/ 363) و «الدليل الشافي» (2/ 64) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (70) و «نظم العقيان» ص (45- 53) و «بدائع الزهور» (2/ 339- 340) و «درة الحجال» (1/ 64- 72) و «النجوم الزاهرة» (15/ 532) و «الذيل التام على دول الإسلام» الورقة (87) من المخطوط، وهو قيد التحقيق الآن. يقوم بتحقيقه صاحبي الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وقد فرغ من المجلد الأول منه، وقمت بمراجعته والتقديم له وسوف يصدر قريبا إن شاء الله تعالى. [2] لفظة «آل» سقطت من «آ» . [3] في «الضوء اللامع» : «ونشأ يتيما في كنف أحد أوصيائه الزكي الخروبي» .

وسمع بالقاهرة: من السّراج البلقيني، والحافظين ابن الملقّن والعراقي، وأخذ عنهم الفقه أيضا. ومن البرهان الأبناسي، ونور الدّين الهيثمي، وآخرين. وبسرياقوس [1] : من صدر الدّين الإبشيطي. وبغزّة: من أحمد بن محمد الخليلي. وبالرّملة: من أحمد بن محمد الأيكي. وبالخليل: من صالح بن خليل بن سالم. وببيت المقدس: من شمس الدّين القلقشندي، وبدر الدّين بن مكّي، ومحمد المنبجي، ومحمد بن عمر بن موسى. وبدمشق: من بدر الدّين بن قوام البالسي، وفاطمة بنت المنجّى التّنوخية، وفاطمة بنت عبد الهادي، وعائشة بنت عبد الهادي، وغيرهم. وبمنى: من زين الدّين أبي بكر بن الحسين. ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة، وأقبل على الاشتغال والإشغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار حافظ الإسلام. قال بعضهم: كان شاعرا، طبعا، محدّثا صناعة، فقيها تكلّفا، انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم ومعرفة العالي والنّازل، وعلل الأحاديث، وغير ذلك. وصار هو المعوّل عليه في هذا الشأن في سائر الأقطار، وقدوة الأمّة، وعلّامة العلماء، وحجة الأعلام، ومحيي السّنّة. وانتفع به الطلبة، وحضر دروسه وقرأ عليه غالب علماء مصر، ورحل الناس إليه من الأقطار، وأملى بخانقاه بيبرس نحوا من عشرين سنة ثم انتقل لما عزل عن منصب القضاء بالشّمس القاياتي إلى دار الحديث الكاملية بين القصرين، واستمرّ على ذلك. وناب في الحكم عن جماعة، ثم ولاه الملك الأشرف برسباي قضاء القضاة الشافعية بالدّيار المصرية عن

_ [1] سرياقوس: من أعمال القليبوية بنواحي القاهرة. انظر «معجم البلدان» (3/ 218) و «التحفة السّنية» ص (10) .

علم الدّين البلقيني بحكم عزله، وذلك في سابع عشري محرم سنة سبع وعشرين، ثم لا زال يباشر القضاء ويصرف مرارا كثيرة إلى أن عزل نفسه سنة مات في خامس عشري جمادى الآخرة، وانقطع في بيته ملازما للاشغال والتصنيف. ومن مصنّفاته: «تغليق التعليق» [1] وصل في تعليقات البخاري، وهو أول تصانيفه، وهو كتاب نفيس وشرح «البخاري» في نيف وعشرين مجلدا سمّاه «فتح الباري» وصنّف له مقدمة في مجلد ضخم [2] . [3] وكتاب «فوائد الاحتفال في بيان أحوال الرجال المذكورين في البخاري زيادة على «تهذيب الكمال» في مجلد ضخم [3] . وكتاب «تجريد التفسير من صحيح البخاري على ترتيب السور» [4] وكتاب «تقريب الغريب وإتحاف المهرة بأطراف العشرة» في ثمان مجلدات، ثم أفرد منه «أطراف مسند الإمام أحمد» وسمّاه «أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي» في مجلدين [5] و «أطراف الصحيحين» و «أطراف المختارة» للضياء مجلد ضخم، و «تهذيب تهذيب الكمال» للحافظ المزّي في ست مجلدات، ومختصرة «تقريب التهذيب» مجلد ضخم [6] وكتاب «تعجيل المنفعة برواية رجال الأئمة الأربعة» أصحاب المذاهب [7] و «الإصابة في تمييز الصحابة» خمس مجلدات. و «لسان الميزان وتحرير الميزان» و «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه» مجلد ضخم، و «طبقات الحفّاظ» في مجلدين. و «الدر الكامنة في المائة الثامنة» و «إنباء الغمر بأنباء العمر» و «قضاة مصر» مجلد ضخم، و «الكافي الشاف في تحرير أحاديث الكشّاف» مجلد، و «الاستدراك عليه» مجلد آخر.

_ [1] نشره المكتب الإسلامي في بيروت محققا تحقيقا جيدا قبل سنوات قليلة. [2] لفظة «ضخم» لم ترد في «ط» . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» وهذا الكتاب جدير بالنشر إذا وجد. [4] وهذا أيضا لم ينشر بعد من مصنفاته وهو جدير بالنشر إذا وجد. [5] في «ط» : «في مجلدات» . [6] نشر قديما في مصر بتحقيق فضيلة الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، ونشر منذ سنوات قليلة في بيروت نشرة جيدة متقنة بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد عوامة. [7] أراد بذلك الأئمة المجتهدين المتبوعين أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، رحمهم الله وجزاهم كل خير عنّا وعن المسلمين جميعا.

و «التمييز في تخريج أحاديث الوجيز» مجلدين، و «الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية» و «الإعجاب ببيان الأسباب» مجلد ضخم، و «الأحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام» و «الزّهر المطوّل في بيان الحديث المعدل» و «شفاء الغلل في بيان العلل» و «تقريب النهج بترتيب الدرج» و «الأفنان في رواية القرآن» و «المقترب في بيان المضطرب» و «التعريج على التدريج» و «نزهة القلوب في معرفة المبدل من المقلوب» و «مزيد النفع بما رجح فيه الوقف على الرفع» و «بيان الفصل بما رجّح فيه الإرسال على الوصل» و «تقويم السناد بمدرج الإسناد» و «الإيناس بمناقب العباس» و «توالي التأسيس بمعاني ابن إدريس» و «المرجة الغيثية عن الترجمة اللّيثية» و «الاستدراك على الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء» مجلد [1] و «تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب الأصلي» مجلدين، و «تحفة الظّراف بأوهام الأطراف» [2] مجلد، و «المطالب العالية من رواية المسانيد الثمانية» [3] و «التعريف الأوحد بأوهام من جمع رجال المسند» [4] و «تعريف أولي التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» وكتاب «الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام» و «تعريف الفئة بمن عاش مائة من هذه الأئمة» و «القصد الأحمد فيمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد» و «إقامة الدلائل على معرفة الأوائل» والخصال المكفّرة للذنوب المقدّمة والمؤخرة» و «الشمس المنيرة في معرفة الكبيرة» و «الإتقان في فضائل القرآن» مجلد، و «الأنوار بخصائص المختار» و «الآيات النّيّرات للخوارق المعجزات» و «النبأ الأنبه في بناء الكعبة» و «القول المسدّد في

_ [1] وهو جدير بالنشر إذا وجد نظرا لما فيه من الفوائد النافعة والتعقيبات الماتعة، يسّر الله تعالى إخراجه. ونشره. [2] قلت: لعله أراد «النّكت الظراف على الأطراف» المنشور بهامش «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» الذي حققه فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الصمد شرف الدّين ونشرته الدار القيمة في بمباي بالهند ثم أعاد نشره مصورا كما هو المكتب الإسلامي ببيروت عام (1403 هـ) . [3] قام بتحقيقه فضيلة الأستاذ الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله ونشر في الكويت منذ سنوات، ثم أعادت نشره دار المعرفة ببيروت مصورا عام (1407 هـ) وألحقت به مجلدا للفهارس العامة أعده الأخ الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي نفع الله تعالى به. [4] وهو جدير بالنشر إن وجدت أصوله الخطية.

الذّب عن المسند» و «بلوغ المرام بأدلة الأحكام» و «بذل الماعون في فضل [1] الطّاعون» و «المنحة فيما علّق به الشافعي القول على الصحة» و «الأجوبة المشرقة على الأسئلة المفرقة» و «منسك الحج» و «شرح مناسك المنهاج» و «تصحيح الرّوضة» كتب منه ثلاث مجلدات، و «نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر» وشرحها «نزهة النظر بتوضيح نخبة الفكر» و «الانتفاع بترتيب الدارقطني على الأنواع» و «مختصر البداية والنهاية» لابن كثير [2] ، و «تخريج الأربعين النووية بالأسانيد العلية» و «الأربعين المتباينة» و «شرح الأربعين النووية» و «ترجمة النووي» ، وغير ذلك. وله ديوان شعر. ومن شعره: أحببت وقّادا كنجم طالع ... أنزلته برضا الغرام فؤادي وأنا الشّهاب فلا تعاند عاذلي ... إن ملت نحو الكواكب الوقّاد وكان- رحمه الله تعالى- صبيح الوجه، للقصر أقرب، ذا لحية بيضاء، وفي الهامة نحيف الجسم، فصيح اللّسان، شجي الصوت، جيد الذكاء، عظيم الحذق، رواية للشعر وأيام من تقدمه ومن عاصره، هذا مع كثرة الصّوم، ولزوم العبادة، واقتفاء السّلف الصالح، وأوقاته مقسمة للطلبة، مع كثرة المطالعة والتأليف والتصدي للإفتاء والتصنيف. وتوفي ليلة السبت ثامن عشري ذي الحجّة ودفن بالرّميلة. وكانت جنازته حافلة [3] مشهودة [4] . وفيها الأمير سيف الدّين أبو محمد تغري برمش بن عبد الله الجلالي

_ [1] في «ط» : «بفضل» وما جاء في «آ» موافق لما في «كشف الظنون» (1/ 237) . [2] وهذا الكتاب هام جدا وجدير بالنشر إن توفرت أصوله الخطية. [3] لفظة «حافلة» سقطت من «آ» . [4] في «ط» : «مشهورة» .

المؤيدي [1] الفقيه الحنفي، نائب القلعة بالديار المصرية. قال هو: قدم بي الخواجا جلال الدّين من بلادي إلى حلب، فاشتراني جقمق بحلب ولي سبع أو ثمان سنين، وأتى بي إلى الدّيار المصرية، وقدّمني إلى أخيه الأمير [2] جاركس القاسمي المصارع، فأقمت عنده إلى أن خرج عن طاعة الملك الناصر فرج، واستولى الناصر على مماليكه، فأخذني فيمن أخذ، وجعلني من جملة المماليك السّلطانية الكتابية بالطبقة بقلعة الجبل، إلى أن قتل الناصر، واستولى المؤيد شيخ على الدّيار المصرية [3] اشتراني فيمن [3] اشتراه من المماليك الناصرية، وأعتقني، وجعلني جمدارا مدة طويلة. قال صاحب «المنهل» : استمر تغري برمش إلى أول رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة فأنعم عليه بإمرة عشرة، ونيابة القلعة، فباشر ذلك بحرمة وافرة، وصار معدودا من أعيان الدولة، وقصدته الناس لقضاء حوائجهم، ثم أخذ أمره في انتقاص لسوء تدبيره، وصار يتكلّم في كل وظيفة، ويداخل السلطان فيما لا يعنيه، فتكلّم فيه من له رأس عند السلطان وهو لا يعلم، إلى أن أمر بنفيه إلى القدس في السنة التي قبل هذه، فذهب إلى القدس، وأقام به إلى أن توفي به. وكان له فضل ومعرفة بالحديث، لا سيما أسماء الرجال، فإنه كان بارعا في ذلك، وكانت له مشاركة جيدة في الفقه، والتاريخ، والأدب، محسنا لفنون الفروسية، فصيحا باللغة العربية والتركية، ومقداما، محبا لطلبة العلم وأهل الخير، متواضعا، كثير الأدب، جهوري الصّوت، أشقر، ضخما، للقصر أقرب. كثّ اللّحية، بادره الشيب. قرأ «صحيح البخاري» على القاضي محب الدّين بن نصر الله الحنبلي، و «صحيح مسلم» على الزّين الزركشي، و «السنن الصّغرى» للنسائي على الشّهاب الكلوتاتي، و «سنن ابن ماجة» على شمس الدّين محمد

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 33) و «النجوم الزاهرة» (15/ 530) و «الدليل الشافي» (1/ 219) و «المنهل الصافي» (4/ 68- 74) . [2] لفظة «الأمير» سقطت من «آ» . [3، 3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

المصري، و «سنن أبي داود» على الحافظ ابن حجر. وقرأ ما لا يحصى على من لا يحصى. وتفقه بسراج الدّين قارئ الهداية، وبسعد الدّين الديري. وتوفي في ثالث شهر رمضان عن نيف وخمسين سنة. وفيها زين الدّين أبو النّعيم- بفتح النون المشددة- رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة بن البهاء بن سعيد العتبي [1] الشافعي المستملي المصري [2] البارع، مفيد القاهرة. ولد في رجب سنة تسع وستين وسبعمائة بمينة عقبة الجيزة، ونشأ بها، ثم دخل القاهرة، واشتغل بها في عدة علوم، وتلا بالسبع على الإمام نور الدّين الدّميري المالكي سبع ختمات، ثم بالسبع، وقراءة يعقوب على الشمس الغماري، وأجاز له ثم بالثمان المذكورة على ركن الدّين الأشعري المالكي. وتفقه بالشّمس العراقي، والشمس الشّطنوفي، والشمس القليوبي، والصّدر الأمشيطي، والعزّ بن جماعة، وغيرهم. وأخذ النحو عن شمس الدّين الشّطّنوفي، والغماري، والشمس البساطي. وكتب عن الزّين العراقي مجالس كثيرة من أماليه، وسمع الحديث من التّقي بن حاتم، والبرهان الشامي، وابن الشّحنة، وخلائق. ثم حبّب إليه الحديث، فلازم السماع من أبي الطّاهر بن الكويك. فأكثر عنه، ولازم الحافظ ابن حجر، وكتب عنه الكثير، وتفقه به أيضا، وحجّ ثلاث حجّات، وجاور مرتين. وسمع بمكّة من الزّين المراغي وغيره، وخرّج لبعض الشيوخ ولنفسه «الأربعين المتباينات» وغير ذلك. وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، غزير المروءة، رضي الخلق، ساكنا، بشوشا، طارحا للتكلّف، سليم الباطن. توفي عصر يوم الاثنين ثالث رجب بالقاهرة.

_ [1] في «آ» : «العقبي» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 33- 34) و «التبر المسبوك» ص (237- 238) و «النجوم الزاهرة» (15/ 530- 532) و «بدائع الزهور» (2/ 267) و «الدليل الشافي» (1/ 219) و «حوادث الدهور» (1/ 193) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 8) من المنسوخ.

وفيها قطب الدّين محمد بن عبد القوي [1] بن محمد بن عبد القوي [1] البجائي، ثم المكّي المالكي [2] شاعر مكة. كان إماما أديبا ماهرا. توفي في ذي الحجّة، وقد جاوز التسعين، والله أعلم.

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 71) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (233- 234) .

سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة

سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة فيها توفي ألوغ بك بن القآن معين الدّين شاه رخّ [1] ، صاحب هراة، ابن الطّاغية تيمور لنك، وقيل: اسمه تيمور على اسم جدّه، وقيل: محمد، صاحب سمرقند، فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية، والهيئة، والهندسة، طوسي زمانه، الحنفي المذهب. ولد في حدود تسعين وسبعمائة، ونشأ في أيام جدّه، وتزوج في أيامه أيضا. وعمل له جدّه العرس المشهور. ولما مات جدّه تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولّاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيّفا وثلاثين سنة، وعمل بها رصدا عظيما انتهى به إلى سنة وفاته، وقد جمع لهذا الرّصد علماء هذا الفنّ من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموال، وأجرى [2] لهم الرواتب الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهرع إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار ويرسل يطلب من سمع به هذا، مع علمه الغزير وفضله الجمّ واطلاعه الكبير وباعه الواسع في هذه العلوم، مع مشاركة جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، والتاريخ، وأيام الناس. قيل: إنه سأل بعض حواشيه ما تقول الناس عنّي وألحّ عليه، فقال: يقولون: إنك ما تحفظ القرآن الكريم، فدخل من وقته وحفظه في أقل من ستة أشهر حفظا متقنا. وكان أسنّ أولاد أبيه، واستمر بسمرقند إلى أن خرج عن طاعته ولده

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 265) و «الدليل الشافي» (1/ 154) . [2] في «ط» : «وأجزل» .

عبد اللطيف، وسببه أنه لما ملك المترجم هراة طمع عبد اللطيف أن يوليه هراة فلم يفعل، وولاه بلخ، ولم يعطه من مال جدّه شاه رخ شيئا. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمه مسيكا، فسأمته أمراؤه لذلك، وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعته، وكان في نفسه ذلك، فانتهز الفرصة وخرج عن الطّاعة، وبلغ أباه الخبر فتجرّد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنّه أن ولده لا يثبت لقتاله، فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك ولده سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهرا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون الملك لولده، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولده في ذلك فأذن له، ودخل سمرقند وأقام بها، إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرا في حضرة والده ألوغ بك فعظم ذلك عليه، فإنه كان في طاعته وخدمته حيث سار، ولم يمكنه الكلام فاستأذن [1] ولده عبد اللطيف في الحجّ فأذن له، فخرج قاصدا للحجّ إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، وقد حذّر بعض الأمراء ابنه منه، وحسّن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتله، فدخل عليه مخيّمه واستحيا أن يقول: جئت لقتلك، فسلّم عليه ثم خرج، ثم دخل ثانيا وخرج، ثم دخل ففطن ألوغ بك، وقال له: لقد علمت بما جئت به فافعل ما أمرك به، ثم طلب الوضوء وصلّى، ثم قال: والله لقد علمت أن هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يوم ولد، ولكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيش بعدي إلّا خمسة أشهر ثم يقتل أشرّ قتلة، ثم سلّم نفسه فقتله المذكور، وعاد إلى ولده. وقتل ولده عبد اللطيف بعد خمسة أشهر. وفيها زين الدّين أبو محمد بن عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عيّاش المقرئ المسند الزّاهد المعمّر، الشهير بابن عيّاش [2] .

_ [1] في «ط» : «فأذن» وهو خطأ. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 59) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (122) .

ولد بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وأخذ القراءات عن أبيه إفرادا وجمعا، وقرأ عليه ختمة جامعة للقراءات العشرة بما تضمنه كتاب «ورقات» المهرة في تتمة قراءات الأئمة العشرة» تأليف والده، وقرأ على الشيخ شمس الدّين محمد بن أحمد العسقلاني «القراءات العشرة» فساوى والده في علو السّند، وذلك لما رحل إلى القاهرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ثم رحل إلى مكة المشرّفة واستوطنها وانتصب بها لإقراء القراءات بالمسجد الحرام كلّ يوم، وانتفع به عامة الناس، وصار رحلة زمانه، وتردّد إلى المدينة المنوّرة، وجاور بها غير مرّة، وتصدى بها أيضا للإقراء، وأقام بها سنين، ثم عاد إلى مكة واستمر إلى أن مات بها في هذه السنة. وفيها قاضي قضاة الحرمين، الشريف الحسيب سراج الدّين أبو المكارم عبد اللطيف بن أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي عبد الله محمد الحسني الفاسي الأصل المكّي الحنبلي [1] . ولد في شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة بمكّة المشرّفة، ونشأ بها، وسمع الحديث على العفيف النّشاوري، والجمال الأميوطي، وإبراهيم بن صديق، وغيرهم. وأجاز له السّراج البلقيني، والحافظان الزّين العراقي، والنّور الهيثمي، والسّراج ابن الملقّن، والبرهان الشامي، وأبو هريرة ابن الذّهبي، وأبو الخير ابن العلائي، وجماعة، وخرّج له التّقي ابن فهد «مشيخة» وولي إمامة الحنابلة بالمسجد الحرام، وقضاء مكة المشرّفة، ثم جمع له بين قضاء الحرمين الشريفين مكة والمدينة سنة سبع وأربعين وثمانمائة، واستمرّ إلى أن مات. وهو أول من ولي قضاء الحنابلة بالحرمين، ودخل بلاد العجم غير مرّة. وكان له حظّ وافر عند الملوك والأعيان. وتوفي بعلة الإسهال، ورمي الدّم في ضحى يوم الاثنين سابع شوال بمكة المشرّفة، ودفن بالمعلاة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 333) و «النجوم الزاهرة» (15/ 546) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (144) و «السحب الوابلة» ص (244) .

وفيها قاضي القضاة أمين الدّين أبو اليمن محمد بن محمد بن علي النّويري المكّي الشافعي [1] قاضي مكّة وخطيبها. باشر خطابة مكّة عدة سنين، ثم ولّي قضاءها في سنة اثنتين وأربعين، ثم عزل، ثم ولّي. ومات قاضيا وخطيبا بمكة في هذه السنة. وفيها شرف الدّين يحيى بن أحمد بن عمر الحموي الأصل الكركي القاهري، ويعرف بابن العطّار [2] الشافعي المفنّن. توفي في ذي الحجّة عن أزيد من أربع وستين سنة. وفيها شرف الدين يحيى بن سعد الدّين محمد بن محمد المناوي المصري الشافعي [3] قاضي القضاة. ولد بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وكان والده يتعانى الخدم الديوانية، وتزوّج وليّ الدّين العراقي بابنته أخت المترجم، فحبّب لصاحب الترجمة طلب العلم لصهارته بالولي العراقي، فاشتغل وتفقّه بجماعة من علماء عصره، وأخذ المعقول عن الكمال بن الهمام وغيره، وبرع في الفقه، وشارك في غيره، وأفتى ودرّس، وعرف بالفضيلة والدّيانة، واشتهر ذكره. وولي تدريس الصّلاحية. ثم ولي قضاء قضاة الشافعية بعد علم الدّين البلقيني فلم يمتنع بل ابتهج بذلك، وأظهر السّرور، ثم غيّر ملبسه ومركبه، وترك ما كان عليه أولا من التقشف والتواضع، وسلك طريق من تقدمه من القضاة من مراعاة الدولة وامتثال ما يأمرونه به، ومال إلى المنصب ميلا كلّيا بخلاف ما كان يظنّ به، واستكثر من

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 144) و «النجوم الزاهرة» (15/ 546) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (269) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 217) و «النجوم الزاهرة» (15/ 544) و «التبر المسبوك» ص (294) . [3] تنبيه: كذا أرخ المؤلف وفاته في هذه السنة (853) وقد تبع في ذلك ابن تغري بردي في «الدليل الشافي» (2/ 780) . ثم أعاد الترجمة له سنة (871) ص (463) من هذا المجلد وهو الصواب.

النّواب. وولي جماعة كثيرة، وانقسم الناس في أمره إلى قادح ومادح، وكانت ولايته القضاء قبيل موته بيسير. وتوفي بالقاهرة في ثاني رجب. وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل المغربي الأندلسي ثم القاهري، ويعرف بالرّاعي المالكي [1] . كان إماما عالما، ولد بغرناطة سنة نيّف وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالفقه، والأصول، والعربية، ومهر فيها، واشتهر اسمه بها، وسمع من أبي بكر بن عبد الله بن أبي عامر، وأجاز له جماعة، ودخل القاهرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، واستوطنها، وحجّ، ثم رجع إلى القاهرة، وأقرأ بها، وانتفع به جماعة، وأمّ بالمؤيدية، وله نظم حسن، وشرح «الألفية» و «الجرومية» وحدّث عنه ابن فهد وغيره، وأضرّ بأخرة. وتوفي في سابع عشري ذي الحجّة. وفيها- بل في التي قبلها كما جزم به السّيوطي- زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السّندبيسيّ [2]- بفتح السين المهملة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة، وكسر الموحدة، وسكون التحتية، آخره سين مهملة- النّحوي ابن النّحوي. ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة تقريبا، وبرع في الفنون، لا سيما في العربية. وكان أخذها عن الزّين الفارسكوري، وأخذ الحديث عن الولي العراقي، وسمع من الحلاوي، وابن الشّحنة، والسّويداوي، وجماعة. وأجاز له ابن العلاء، وابن الذّهبي، وخلق.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 203) و «نيل الابتهاج» ص (310) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 150) و «بغية الوعاة» (2/ 89) وفيهما: «مات ليلة الأحد سابع عشر صفر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة» و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (133- 134) .

وكان عالما، فاضلا، بارعا، مواظبا على الاشتغال، حسن الدّيانة، كثير التواضع، أقرأ الناس، وحدّث ب «جامع الحاكم» [1] . وسمع منه النّجم بن فهد وغيره. وتوفي ليلة الأحد سابع عشر صفر.

_ [1] يريد «المستدرك على الصحيحين» .

سنة أربع وخمسين وثمانمائة

سنة أربع وخمسين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم [1] . قال ابن تغري بردي: الإمام، العالم، العلّامة، [البارع] ، المفنّن، الأديب، الفقيه، اللّغوي، النحوي، المؤرخ، الدمشقي، الحنفي، المعروف بابن عربشاه. كان إمام عصره في المنظوم والمنثور، تردّد إلى القاهرة غير مرة، وصحبني في بعض قدومه إلى القاهرة، وانتسج بيننا صحبة أكيدة ومودة، وأسمعني كثيرا من مصنّفاته نظما ونثرا، بل غالب ما نظمه ونثره [2] وألّفه، وكان له قدرة على نظم العلوم، وسبكها في قالب المديح والغزل، وسيظهر لك فيما كتبه لي لمّا استجزته، كتبه بخطّه، وأسمعنيه من لفظه غير مرة، وهو هذا: بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 الحمد الله الذي زيّن مصر الفضائل بجمال يوسفها العزيز، وجعل حقيقة ذراه مجاز أهل الفضل فحلّ به كل مجاز ومجيز، أحمده حمد من طلب إجازة كرمه فأجاز، وأشكره شكرا أوضح لمزيد نعمه علينا سبيل المجاز، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله يجيب سائله، ويثيب آمله، ويطيب لراجيه نائله، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيّد من روى عن ربّه وروي عنه، والمقتدى لكل من أخذ عن العلماء وأخذ منه صلى الله عليه ما رويت الأخبار، ورؤيت الآثار، وخلّدت أذكار الأبرار في صحائف الليل والنهار، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، وسلّم، وكرّم، وشرّف، وعظم.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 126) و «النجوم الزاهرة» (15/ 549) و «الدليل الشافي» (1/ 80- 81) و «المنهل الصافي» (2/ 131- 145) . [2] لفظة «ونثره» لم ترد في «المنهل الصافي» فستدرك من هنا.

وبعد: فقد أجزت الجناب الكريم العالي [1] ، ذا القدر المنيف الغالي، والصدر الذي هو بالفضائل حالي، وعن الرذائل خالي، المولوي الأميري الكبيري الأصيلي العريقيّ الكاملي الفاضلي المخدومي [الجماليّ] أبا المحاسن، الذي ورد فضائله وفواضله غير آسن، يوسف بن المرحوم المقرّ الأشرف الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري المالكي المخدومي السّيفي تغري بردي الملكي الظاهري، أدام الله جماله وبلّغه [2] من المرام كماله، وهو ممن تغذّى بلبان الفضائل، وتربى في حجر قوابل الفواضل، وجعل اقتناء العلوم دأبه، ووجه إلى مدين الآداب ركابه، وفتح إلى دار الكمالات بابه، وصيّر أحرازها في خزائن صدره اكتسابه، فحاز بحمد الله تعالى حسن الصّورة والسيرة، وقرن بضياء الأسرّة صفاء السّريرة، وحوى السّماحة، والحماسة، والفروسية، والفراسة، ولطف العبارة والبراعة، والعرابة واليراعة، والشهامة والشجاعة، فهو أمير الفقهاء، وفقيه الأمراء، وظريف الأدباء، وأديب الظّرفاء: فمهما تصفه صف وأكثر فإنّه ... لأعظم ممّا قلت فيه وأكبر [3] فأجزت له معولا عليه- أحسن الله إليه- أن يروي عني هذه المنظومة المزبورة المرقومة، التي سمّيتها «جلوة الأمداح الجمالية في حلّتي العروض والعربية» عظّم الله تعالى شأن من أنشئت فيه، وحرسه بعين عنايته وذويه، وسائر ما تجوز لي وعني روايته، وينسب إلى علمه ودرايته، من منظوم ومنثور، ومسموع ومسطور، بشروطه المعتبرة، وقواعده المحرّرة، عموما، وما أذكر لي من مصنّفات خصوصا، فمن ذلك «مرآة الأدب في علمي المعاني والبيان» منها بعد ذكر الخطبة في تقسيم العربية وذكر فائدته وأقسامه: بدر تأدّب حتّى كلّه أدب ... يقول من يهو وصلي يكتسب أدبي

_ [1] كذا في «ط» و «المنهل الصافي» : «الكريم العالي» وفي «آ» : «العالي الكريم» . [2] في «ط» : «وأبلغه» . [3] تنبيه: ورد هذا البيت نثرا ضمن سياق الإجازة في «النجوم الزاهرة» و «المنهل الصافي» فليصحح، وفيهما: «وأكثر» مكان «وأكبر» .

بدا بتاج جمال في حلى أدب ... تسربل الفضل بين العجب والعجب يصن كلامي وخطّي في معاهدتي ... عن الخطا إنّني بدر من العرب هذا وقدر علومي كالبروج [1] علا ... فمن ينلها يصر في الفضل كالشّهب أصولها مثل أبواب الجنان زهت ... ينال من نالها ما رام من رتب خذ بكر نظم تجلّت وجهها غزل ... وروحها العلم والجثمان من أدب فريد لفظي إذا ما رمت جوهره ... ترى الصّحاح كثغر زين بالشّنب وإن تصرّف من عقد ومن عقد ... إلى عقود فهذا الصّرف كالذّهب لفظي من الشّهد مشتقّ بخطّي ذا ... سيف فدونك علم الضّرب والضّرب أصل المعاني إذا ما رمت من كلمي ... فقل هي الدّرّ واقصد نحونا تصب معناي زاد على حسني فصنّف في ... علم المعاني وفي حسني وفي حسبي طورا أبين كما طورا أبين لذا ... فنّ البيان غدا مرآة مطّلبي طبعي وشعري وأوزاني يناط بها ... علم العروض مناط الودّ بالسّبب حسني وظرفي وآدابي قد انتظمت ... نظم القوافي فخذ علمي وسل نسبي قد أخلف [2] البان قدّي حين خطّ على ... خدّي لريحان خطّ ليس في الكتب هذا على أصل حسني يستزاد فلا ... تعب ودونك علم الخطّ لا تخب في وصفي النّظم والنّثر البديع فخذ ... علم القريض مع الإنشاء والخطب وإن تحاضر فحاضر في مغازلتي ... واحفظ تواريخ ما أمليه من نخب واقصد بديع معانيّ الّتي بهرت ... عند البيان عقول العجم والعرب إنّي أنا البدر سار في منازله ... مكمّل الحسن بين الرّأس والذّنب ومن ذلك «العقد الفريد في علم التوحيد» وأوله بعد الخطبة: سبى القلب ظبيّ من بني العلم أغيد ... له مقلة كحلى وخدّ مورّد

_ [1] جاء في هامش «ط» ما نصه: «يشير إلى تقسيم العربية إلى اثني عشر قسما. كما في هامش الأصل» . [2] كذا في «آ» و «المنهل الصافي» : «قد أخلف» وفي «ط» : «قد خلّف» .

أوحّد من أنشاه للخلق فتنة ... فيسأل ما التّوحيد وهو يعربد فقلت له: الإيمان بالله من يرى ... لحاظك باري الخلق والكون يشهد فبالكتب والأملاك والرّسل صل فتى ... براه هواك القاتل المتعمّد وإن تفنني هجرا أقم يوم بعثتي ... وقد نشر الأموات والحوض يورد وقد كوّرت شمس وشقّقت السّما ... وكلّ الورى نحو القصاص تحشّدوا وقد نصب الميزان وامتدّ جسرهم ... وأقبلت في ثوب الجمال تردّد أنادي وقد شبّثت كفّي بذيله ... وتضريج أكفاني ولحظك يشهد حبيبي بم استحللت قتل مبرّأ ... وما ذنبه إلّا ضنّي فيك مكمل. فقال: أما هذا بتقدير من قضى ... وحكم مضى ما فيه قطّ تردّد فقلت: بلى والخير والشّر قدّرا ... وكلّ بتقدير المهيمن مرصد فقال: فمن هذا الّذي ذاك حكمه ... وتقديره صفه لكميا أوحّد فقلت: إله واحد لا مشارك ... له، لم يلد، كلّا، ولا هو والد واستطردت من ذلك إلى ذكر الصّفات وتنزيه الذات إلى أن قلت: هو الله من أنشاك للخلق فتنة ... ليسفك من جفنيه سيف مهنّد ومن: مصنّفاتي المنثورة تاريخ تمرلنك «عجائب المقدور في نوائب تيمور» [1] . ومنها: «فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظّرفاء» . ومنها «خطاب الإهاب [2] الناقب وجواب الشّهاب الثاقب» . ومنها: «الترجمان المترجم بمنتهى الأرب في لغة الترك والعجم والعرب» . ومن النظم القصيدة المسماة «العقود النصيحة» أولها: لك الله هل ذنب فيعتذر الجاني ... بلى صدق ما أنهاه إنّي بكم فاني

_ [1] نشرته مؤسسة الرسالة ببيروت منذ سنوات قليلة بتحقيق الأخ الفاضل الأستاذ أحمد فائز الحمصي. [2] تحرفت في «آ» إلى «الأوهاب» .

ومن سوء حظّ الصّبّ أن يلعب الهوى ... بأحشائه، والحبّ يومي بولعان ومن شيم الأحباب قتل محبّهم ... إذا علموه فيهم صادقا عاني ومن ذلك: «غرة السّير في دول الترك والتتر» . وكان عند كتابة هذه الإجازة لم يتم. واقتصر في «التذكرة» على هذه المصنّفات العشرة للوجازة لا للإجازة. هذا، وأما مولدي فداخل دمشق ليلة الجمعة الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة تسعين وسبعمائة، ثم ذكر ترجمة طويلة لنفسه. قال صاحب «المنهل» : ومن نظمه معمّى [1] : وجهك الزّاهي كبدر ... فوق غصن طلعا واسمك الزّاكي كمشكا ... ة سناها لمعا في بيوت أذن اللّ- ... هـ لها أن ترفعا عكسها [2] صحّفه تلقى ... الحسن فيها أجمعا وتوفي يوم الاثنين [3] خامس رجب بالقاهرة عن اثنتين وستين سنة وستة أشهر وعشرين يوما. انتهى. وفيها كمال الدّين محمد بن صدقة المجذوب الصّاحي [4] ، الولي المكاشف الدمياطي الأصل ثم المصري الشافعي. اشتغل، وحفظ «التنبيه» و «الألفية» وتكسّب بالشهادة بمصر، ثم حصل له جذب، وظهرت عليه الأحوال الباهرة والخوارق الظاهرة، وتوالت كراماته، وتتابعت آياته، واشتهر صيته، وعظم أمره، وهرع الأكابر لزيارته، وانقاد له الأماثل، حتّى الفقهاء، كالكمال إمام الكاملية وغيره.

_ [1] وقال ابن تغري بردي في «الدليل الشافي» : «ومن شعره معميا في اسم جامعه» . [2] في «ط» : «عكسه» . [3] لفظة «الاثنين» سقطت من «آ» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 270) .

ومن كراماته أن رجلا سأله حاجة فأشار بتوقفها على خمسين دينارا، فأرسلها إليه، فوصل القاصد إليه بها، فوجده قاعدا بباب الكاملية، فبمجرّد وصوله إليه أمره بدفعها لامرأة مارّة بالشارع لا تعرف، فأعطاها إيّاها، فانكشف بعد ذلك أن ولدها كان في الترسيم على ذلك المبلغ بعينه لا يزيد ولا ينقص عند من لا رحمة عنده، بحيث خيف عليه التلف. توفي بمصر وصلّي عليه في محفل حافل، ودفن بالقرافة بجوار قبر الشيخ أبي العبّاس الخرّاز. قاله المناوي في «طبقات الأولياء» .

سنة خمس وخمسين وثمانمائة

سنة خمس وخمسين وثمانمائة في خامسها بويع بالخلافة القائم بأمر الله حمزة بن المتوكل على الله بعد وفاة أخيه المستكفي بالله سليمان بن المتوكل على الله [1] بويع سليمان هذا بالخلافة يوم موت أخيه المعتضد بالله [2] وذلك في سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأقام في الملك عشر سنين، وبلغ من العزّ فوق أخيه، وحمل السلطان نعشه. وفيها توفي كمال الدّين أبو المناقب أبو بكر بن ناصر الدّين محمد بن سابق الدّين أبي بكر بن فخر الدّين عثمان بن ناصر الدّين محمد بن سيف الدّين خضر بن نجم الدّين أيوب بن ناصر الدّين محمد بن الشيخ العارف بالله همام الدّين الهمامي الخضيري السّيوطي الشافعي [3] . قال ولده في «طبقات النحاة» : ولد في أوائل القرن بسيوط، واشتغل بها، ثم قدم القاهرة بعد عشرين وثمانمائة، فلازم الشيوخ شيوخ العصر، [ودأب] إلى أن برع في الفقه، والأصلين، والقراآت، والحساب، والنحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والمنطق، وغير ذلك، ولازم التدريس والإفتاء. وكان له في الإنشاء اليد الطّولى. وكتب الخطّ المنسوب، وصنّف «حاشية» على «شرح الألفية» لابن

_ [1] ترجمته في «تاريخ الخلفاء» ص (511- 513) و «النجوم الزاهرة» (16/ 1) و «الدليل الشافي» (1/ 320) و «المنهل الصافي» (5/ 183- 184) . [2] ترجمته في «تاريخ الخلفاء» ص (509- 511) و «الدليل الشافي» (1/ 296) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 72- 73) و «حسن المحاضرة» (1/ 441) و «بغية الوعاة» (1/ 472) و «التبر المسبوك» ص (356- 357) و «نظم العقيان» ص (95- 96) و «حوادث الدهور» (2/ 344) .

المصنّف حافلة في مجلدين، وكتابا في القراآت، وحاشية على «العضد» . وتعليقا على «الإرشاد» لابن المقرئ، وكتابا في صناعة التوقيع، وغير ذلك. أخبرني بعض أصحابه أن الظّاهر جقمق عيّنه مرّة لقضاء القضاة بالديار المصرية، وأرسل يقول للخليفة المستكفي بالله: قل لصاحبك يطلع نوليه. فأرسل الخليفة قاصدا إلى الوالد [1] يخبره بذلك فامتنع. قال الحاكي: فكلّمته في ذلك، فأنشدني: وألذّ من نيل الوزارة أن ترى ... يوما يريك مصارع الوزراء ومن نجباء تلامذته الشيخ فخر الدّين المقدسي، وقاضي مكّة برهان الدّين بن ظهيرة، وقاضيها نور الدّين بن أبي اليمن، وقاضي المالكية محيي الدّين بن تقي الدّين [2] ، والعلّامة محيي الدّين بن مصيفح في آخرين. مات ليلة الاثنين وقت أذان العشاء خامس صفر، ودفن بالقرافة قريبا من الشّمس الأصفهاني. انتهى. وفيها أمير المدينة أميان بن مانع بن علي بن عطية الحسيني [3] . توفي في جمادى الآخرة، واستقرّ بعده زبيري [4] بن قيس. وفيها جمال الدّين أبو محمد بن عبد الله بن الشيخ الإمام العالم محبّ الدّين أبي عبد الله محمد بن هشام الأنصاري المصري الحنبلي [5] القاضي. كان من أهل العلم، ومن أعيان فقهاء الديار المصرية وقضاتها، باشر القضاء

_ [1] في «آ» : «قاصدا للوالد» . [2] لفظة «الدين» سقطت من «ط» . [3] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 5- 6) و «الضوء اللامع» (2/ 321) . [4] في «آ» و «ط» : «زيري» وما أثبته من «الضوء اللامع» وفي «النجوم الزاهرة» : «زبير» . [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 56) و «السحب الوابلة» ص (266) و «المنهج الأحمد» الورقة (494) .

نيابة عن قاضي القضاة محبّ الدّين بن نصر الله، ثم عن قاضي القضاة بدر الدّين البغدادي، فوقعت حادثة أوجبت تغيّر خاطر بدر الدّين المذكور عليه، فعزله عن القضاء، ثم صار يحسن إليه ويبره إلى أن توفي بمصر في المحرّم الحرام. وفيها الشيخ عبد الواحد البصير المقرئ الحنبلي الوفائي [1] . توفي بدرب الحجاز الشريف في عوده من الحجّ بالعلا [2] . وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي الحنبلي [3] قاضي مكّة المشرّفة. ولد بكفر لبد من أعمال نابلس في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسكن مدينة حلب قديما ودمشق، وسمع على الأعيان، وقرأ على ابن اللحّام، والتّقي ابن مفلح، والحافظ زين الدّين بن رجب، وكان عالما، خيّرا، كتب الشروط، ووقّع على الحكّام دهرا طويلا، وتفرّد بذلك، وصنّف التصانيف الجيدة، منها «سفينة الأبرار الحاملة للآثار والأخبار» ثلاث مجلدات في الوعظ، وكتاب «الآداب» وكتاب «المسائل المهمة فيما يحتاج إليه العاقل في الخطوب المدلهمّة» وكتاب «كشف الغمّة في تيسير الخلع لهذه الأمة» و «المنتخب الشافي من كتاب الوافي» اختصر فيه «الكافي» للموفق. وجاور بمكّة مرارا، وجلس بالحضرة النبوية بالمدينة الشريفة بالرّوضة، واستجازه الأعيان، وآخر مجاوراته سنة ثلاث وخمسين، فمات قاضي مكّة في تلك السنة فجهّز إليه الولاية في أوائل سنة أربع وخمسين، فاستمر بها قاضيا نحو سنة. وتوفي في أوائل هذه السنة وخلّف دنيا ولا وارث له، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (494) . [2] جاء في «المعانم المطالبة» ص (282) ما نصه: العلا- بالضم والقصر- موضع بناحية وادي القرى. نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك. وعلّق عليه محققه العلّامة الشيخ حمد الجاسر بقوله: أصبح هذا الموضع بلدة كبيرة الآن. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 309) و «التبر المسبوك» ص (363) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (204- 205) وفيه: «المقدسي ثم الحلبي الحنبلي» .

وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمد بن خالد بن زهر الحمصي الحنبلي [1] . قرأ «المقنع» وشرحه على والده، وأصول ابن الحاجب، و «ألفية ابن مالك» . على غيره، وأذن له القاضي علاء الدّين ابن المغلي بالإفتاء، وولي القضاء بحمص بعد وفاة والده، واستمرّ قاضيا إلى أن توفي بها في ذي القعدة ودفن بباب تدمر. وفيها بدر الدّين أبو الثناء، وأبو محمد، محمود بن القاضي شهاب الدّين أحمد بن القاضي شرف الدّين موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العينتابي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة، الحنفي، المعروف بالعيني [2] . قال تلميذه ابن تغري بردي: هو العلّامة، فريد عصره ووحيد دهره، عمدة المؤرّخين، مقصد الطّالبين قاضي القضاة. ولد سادس عشري شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة في درب كيكن. ونشأ بعينتاب، وحفظ القرآن العظيم، وتفقّه على والده وغيره، وكان أبوه قاضي عينتاب. وتوفي بها في سنة أربع وثمانين وسبعمائة. ورحل صاحب الترجمة إلى حلب، وتفقه بها أيضا، وأخذ عن العلّامة جمال الدّين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره، ثم قدم القدس، فأخذ عن العلاء السّيرامي لأنه صادفه زائرا به، ثم صحبه معه إلى القاهرة في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وأخذ عنه علوما جمّة، ولازمه إلى وفاته، وأقام بمصر مكبّا على

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 79) وفيه: «محمد بن محمد بن خالد بن موسى، ويعرف بابن زهرة» و «السحب الوابلة» ص (434) و «المنهج الأحمد» الورقة (494) . [2] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 8) و «الضوء اللامع» (10/ 131) و «بغية الوعاة» (2/ 275) و «الدليل الشافي» (2/ 721- 722) و «حسن المحاضرة» (1/ 473) و «معجم الشيوخ» ص (292- 295) .

الاشتغال والإشغال [1] . وولي حسبة القاهرة بعد محن جرت له من الحسدة، وعزل عنها غير مرة، وأعيد إليها. ثم ولي عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وأفتى، ودرّس، وأكب على الأشغال والتصنيف، إلى أن ولي نظر الأحباس، ثم قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية يوم الخميس سابع عشري ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، فباشر ذلك بحرمة وافرة وعظمة زائدة، لقربه من الملك الأشرف برسباي، واستمرّ فيه إلى سنة اثنتين وأربعين، وكان فصيحا باللغتين العربية والتركية. وقرأ وسمع ما لا يحصى من الكتب والتفاسير، وبرع في الفقه، والتفسير، والحديث، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ. ومن مصنّفاته: «شرح البخاري» في أكثر من عشرين مجلدا، و «شرح الهداية» و «شرح الكنز» و «شرح مجمع البحرين» و «شرح تحفة الملوك» في الفقه، و «شرح الكلم الطّيب» لابن تيمية، و «شرح قطعة من سنن أبي داود» و «قطعة كبيرة من سيرة ابن هشام» و «شرح العوامل المائة» و «شرح الجاربردي» وله كتاب في «المواعظ والرقائق» في ثمان مجلدات، و «معجم مشايخه» مجلد. و «مختصر الفتاوى الظهيرية» و «مختصر المحيط» و «شرح التّسهيل» لابن مالك مطولا ومختصرا، و «شرح شواهد ألفية ابن مالك» شرحا مطولا وآخر مختصرا، وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه، وانتفع به غالب علماء عصره فمن بعدهم، و «شرح معاني الآثار» للطحاوي في اثنتي عشرة مجلدة، وله كتاب «طبقات الشعراء» و «طبقات الحنفية» و «التاريخ الكبير» [2] على السنين في عشرين مجلدا، واختصره في ثلاث مجلدات، و «التاريخ الصغير» في ثمان مجلدات، وعدة تواريخ أخر. وله «حواش على شرح ألفية بن مالك» و «حواش على شرح السيد عبد الله» و «شرح عروض ابن الحاجب» و «اختصر تاريخ ابن خلكان» . وله غير ذلك. وكان أحد أوعية العلم، وأخذ عنه من لا يحصى. ولما أخرج عنه نظر

_ [1] لفظة «والاشغال» سقطت من «آ» . [2] وهو معروف ب «عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان» وقد نشرت منه بعض الأجزاء في مصر بتحقيق الدكتور عبد الرزاق الطنطاوي القرموط.

الأحباس في سنة ثلاث وخمسين عظم عليه ذلك لقلّة موجودة، وصار يبيع من أملاكه وكتبه، إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجّة بالقاهرة، وصلّي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بمدرسته التي بقرب داره، وكثر أسف الناس عليه، رحمه الله تعالى

سنة ست وخمسين وثمانمائة

سنة ست وخمسين وثمانمائة فيها توفي زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ تقي الدّين أبي الصّدق أبي بكر بن الشيخ نجم الدّين أبي سليمان داود بن عيسى الحنبلي الدمشقي الصّالحي الصّوفي القادري البسطامي [1] شيخ الطّريقة، وعلم الحقيقة، العالم الناسك. ولد سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وتفقه بجماعة، منهم برهان الدّين، وأكمل الدين ابنا شرف الدّين بن مفلح صاحب «الفروع» وتخرّج بجماعة، منهم والده. ونشأ على طريقة حسنة، ملازما للذكر وقراءة القرآن والأوراد التي رتّبها والده. كان محبّبا إلى الناس، يتردد إليه النّواب، والقضاة، والفقهاء، من كل مذهب. اشتغل في فنون كثيرة، وكتب بخطّه الحسن كثيرا، وألّف كتبا عديدة، منها «الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وهو أجلّها، وكتاب «نزهة النّفوس والأفكار في خواص النبات والحيوان والأحجار» وكتاب «الدرّ المنتقى المرفوع في أوراد اليوم والليلة والأسبوع» و «المولد الشريف» . وكان بشوشا يتعبّد بقضاء الحوائج، مسموع الكلمة في الدولة الأشرفية والظّاهرية، وتكلّم على مدرسة الشيخ أبي عمر، والبيمارستان القيمري، فحصل

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 62) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (124- 125) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 202) .

له [1] به النّفع من عمارة جهاتهما، وعمل مصالحهما، ورغب الناس في نفع الفقراء بكل ممكن. وتوفي ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر، ودفن بالتربة التي أنشأها قبلي زاويته المشرفة على الطريق يمين الداخل. أخبرني أخي في الله الشيخ أحمد بن علي بن أبي سالم أنه سلّم عليه فردّ عليه السلام من قبره [2] ، رحمه الله تعالى. وفيها القاضي أمين الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة شمس الدّين محمد، وأخو شيخ الإسلام سعد الدّين بن عبد الله بن الدّيري العبسي المقدسي الحنفي [3] ، ناظر حرمي القدس والخليل. ولد بالقدس في شعبان سنة سبع عشرة وثمانمائة، وحفظ القرآن العزيز، وبعض مختصرات في مذهبه، وتفقه بأخيه سعد الدّين، وغلب عليه الأدب، وقال الشعر الجيد، وكان له خفّة وزهو، ويتزيّا بزيّ الأمراء، وله كرم وإفضال على ذويه، وربما يتحمل من الديون جملا بسبب ذلك. وتوفي على نظر القدس الشريف في أوائل ذي الحجّة. وفيها علي [4] الدّين أبو الفتوح علي بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي الشافعي القرشي [5] . ولد بالقاهرة في ذي الحجّة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونشأ بها، وحفظ

_ [1] لفظة «له» لم ترد في «آ» . [2] أقول: هذا من المبالغات والشطحات التي لا دليل عليها، فردّ السلام في القبر خاص بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم لحديث «ما من أحد يسلّم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام» . رواه أبو داود رقم (2041) وإسناده حسن. (ع) [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 134) و «الدليل الشافي» (1/ 406) . [4] في «ط» : «علاء» وهو خطأ [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 161) و «نظم العقيان» ص (130) و «حسن المحاضرة» (1/ 443) و «النجوم الزاهرة» (16/ 12) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (166) و «الدليل الشافي» (1/ 450) .

القرآن العظيم وعدة متون في مذهبه، وتفقّه بعلماء عصره، كالسّراج البلقيني، وولده جلال الدّين، والعز بن جماعة، وسراج الدّين ابن الملقّن، وغيرهم. وأخذ الحديث عن الزّين العراقي، والنّور الهيثمي، وسمع على جماعة منهم البرهان الشامي، والعلاء بن أبي [1] المجد، والجمال الحلاوي، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، والمعاني، والبيان، والقراآت، وشارك في عدة علوم، وتصدى للإفتاء، والتدريس، والأشغال، وانتفع به الطلبة. وتفقّه به جماعة من الأعيان. وولي تدريس الشافعي، وطلب إلى قضاء دمشق فامتنع، ورشح لقضاء القضاة بالديار المصرية غير مرة، وتصدّر للتدريس وسنّة دون العشرين، وولي عدة مدارس. وتوفي أول يوم من هذه السنة. وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن محمد [2] بن محمد [2] بن عثمان بن محمد الجهني الأنصاري الحموي ثم القاهري الشافعي [3] أوحد الرؤساء، كاتب السرّ، بمصر. كان إماما، عالما، ناظما، نائرا. ولد بحماة في ذي الحجّة سنة ست وتسعين وسبعمائة، ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العظيم، و «التمييز» في الفقه، وقرأه على الحافظ برهان الدّين الحلبي، المعروف بالقوف. ثم قدم الدّيار المصرية مع والده، فتفقه بالولي العراقي، والعزّ بن جماعة، وأخذ عنهما العقليات، وعن القاضي شمس الدّين البساطي المالكي، وغيرهم. وأخذ النحو عن الشيخ يحيى المغربي العجيسي، واجتهد في التحصيل، وساعده فرط ذكائه واستقامة ذهنه، حتى برع في المنطوق والمفهوم، وصارت له اليد الطولى في المنثور والمنظوم.

_ [1] لفظة «أبي» سقطت من «آ» . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 236) و «نظم العقيان» ص (168) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (279- 280) و «النجوم الزاهرة» (16/ 13) و «الدليل الشافي» (2/ 677) .

ومن شعره ما كتب [1] به على سيرة ابن ناهض تهكّما بعد كتابة والده: مرّت على فهمي وحلو لفظها ... مكرّر فما عسى أن أصنعا ووالدي دام بقا سؤدده ... لم يبق فيها للكمال موضعا وولي قضاء قضاة دمشق، وحج. قال في «المنهل» : وكان أعظم من رأينا في هذا العصر. وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سادس عشري صفر. وفيها يوسف بن الصّفّي الكركيّ ثم القاهري [2] . كان فاضلا أديبا. ومن شعره [3] : كلّ يوم إلى ورا ... بدّل البول بالخرا فزمانا تهوّدا ... وزمانا تنصّرا وستصبو إلى المجو ... س إن الشّيخ عمّرا توفي في رجب عن نحو تسعين سنة.

_ [1] في «ط» : «ما كتبه» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 318) و «النجوم الزاهرة» (16/ 21) و «الدليل الشافي» (2/ 802) . [3] تنبيه: هكذا عزا المؤلف الأبيات لصاحب الترجمة وهو وهم منه، والصواب كما قال السخاوي نقلا عن المقريزي بأنها لأبي القاسم خلف بن فرج الألبيري المعروف بالسمير. وانظر التفاصيل في ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 318) .

سنة سبع وخمسين وثمانمائة

سنة سبع وخمسين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن أبي بكر النّاشري [1] الإمام العالم [2] . توفي في حياة أبيه عن بضع وأربعين سنة. وفيها الملك الظّاهر أبو سعيد جقمق بن عبد الله العلائي الظّاهري [3] ، سلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية، والأقطار الحجازية، الرابع والثلاثون من ملوك التّرك، والعاشر من الجراكسة. جلب من بلاد الجركس إلى الدّيار المصرية. آل أمره بعد تنقلات وتقلبات إلى أن ولي السلطنة، وتوطدت له الدولة خصوصا بعد أن قتل نائب حلب ونائب الشام [4] لما خرجا عن طاعته، وصفا له الوقت، وغزا في أيامه رودس ولم يفتحها، وعمّر في أيامه أشياء كثيرة من مساجد، وجوامع، وقناطر، وجسور، وغير ذلك مما فعله هو وأرباب دولته، وعمّر عين حنين، وأصلح مجاريها، وعمّر مسجد الخيف بمنى، وجدّد في الحرم الشريف مواضع، ورمّم [5] الكعبة، وصرف مالا عظيما في جهات الخير، وله مآثر حميدة. وكان مغرما بحب الأيتام والإحسان إليهم وإلى غيرهم، متواضعا، محبّا للعلماء،

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 146) . [2] قال السخاوي: درّس وأفتى، واشتغل أولا بالقراءات السبع، له يد طولى في الجبر والمقابلة. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 71) و «حوادث الدهور» (2/ 460- 463) و «النجوم الزاهرة» (15/ 256 و 449- 454) و «الدليل الشافي» (1/ 246) و «نظم العقيان» ص (103) . [4] في «آ» : «ونائب دمشق» . [5] في «ط» : «ورم» .

والفقهاء، والأشراف، والصالحين، يقوم لمن يدخل عليه منهم، جوادا، برّا، طاهر الفم والذيل، فقيها، فاضلا، شجاعا، عارفا بأنواع الفروسية، لم يزن، ولم يلط، ولم يسكر، عفيفا عن المنكرات والفروج، لا نعلم أحدا من ملوك مصر في الدولة الأيوبية والتّركية على طريقته من العفّة والعبادة، مرض في أواخر ذي الحجة سنة ست وخمسين، وطال به المرض إلى أن خلع نفسه من السلطنة في يوم الخميس الحادي والعشرين من محرّم هذه السنة، وسلطن ولده الملك المنصور عثمان. ثم توفي ليلة الثلاثاء ثالث صفر بعد خلعه باثني عشر يوما عن نيف وثمانين سنة، وكانت مدة سلطنته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، ثم خلع ولده المنصور بعد أربعين يوما من ولايته وحبس بالإسكندرية. وتولى السلطنة الملك الأشرف إينال. قلت: وجقمق هذا غير جقمق [1] باني الجقمقية بقرب دمشق، فإن ذاك كان أمير دوادارا ثم ناب في دمشق، وتقدم ذكره في سنة أربع وعشرين وثمانمائة. وفيها أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان الصّوفي [2] ، وبنو جعمان [3] بيت علم وصلاح قل أن يوجد لهم نظير في اليمن. قال المناوي في «طبقات الأولياء» في حقّ صاحب الترجمة: كان إماما، عالما، عارفا، محقّقا، عابدا، زاهدا، مجتهدا. أخذ عن النّاشري وغيره، وانتهت إليه الرئاسة في العلم والصّلاح في اليمن، وله كرامات، منها أنه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره، وإذا قصده أحد في حاجة توجه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسر من القرآن ثم يعلمه فيجيبه [4] . انتهى.

_ [1] لفظة «جقمق» سقطت من «ط» . [2] لم أعثر على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع المطبوعة، و «طبقات الأولياء» للمناوي مخطوط يوجد القسم الأول منه فقط في الظاهرية وهو في الطبقات المبكرة من الأولياء فقط. [3] قال الامام الشوكاني في «ملحق البدر الطالع» ص (7) في حديث عن العلّامة الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن جعمان اليمني الزّبيدي ما نصه: «جعمان: بفتح الجيم، وسكون العين المهملة» . [4] قلت: هذا وأمثاله من الشطحات التي تبدو آفتها للجاهل قبل العالم من الناس، فهل حصل هذا

وفيها أبو القاسم محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النّويري القاهري المالكي [1] . اشتغل على علماء عصره، ومهر، وبرع، ونظم ونثر، وكان علّامة. وتوفي بمكة في جمادى الأولى. وفيها أكمل الدّين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدّين عبد الله [2] بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج [3] الشيخ الإمام العلّامة المفتي الحنبلي. اشتغل بعد فتنة تمرلنك، ولازم والده، ومهر على يديه، وكان له فهم صحيح، وذهن مستقيم، وسمع من والده، والشيخ تاج الدّين بن بردس، وأفتى في حياة والده وبعد وفاته، وناب في الحكم عن القاضي محب الدّين بن نصر الله بالقاهرة، وعيّن لقضاء دمشق فلم ينبرم ذلك، وكان له سلطنة على الأتراك، ووعظ، ووقع له مناظرات مع جماعة من العلماء والأكابر، وحصل له في سنة ثلاث وأربعين داء الفالج، وقاسى منه أهوالا، ثم عوفي منه، ولكن لم يتخلص منه [4] بالكلية. وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر شوال، ودفن بالروضة على والده إلى جانب جدّه صاحب «الفروع» رحمهم الله تعالى. وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو المحاسن محمد بن ناصر الدّين للصحابة الكرام وللتابعين وأتباعهم وهم خير خلق الله عزّ وجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يحصل لمتأخر عنهم بستة قرون، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب في القول والعمل والاعتقاد، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه خير مسؤول. وانظر التعليق الذي كتبه والدي حفظه على الصفحة (422) .

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 246) و «نيل الابتهاج» ص (311) . [2] في «آ» و «ط» : «أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدّين أبي عبد الله بن محمد» وما أثبته من مصادر الترجمة. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 112) و «المنهج الأحمد» الورقة (495) و «السحب الوابلة» ص (408) . [4] لفظة «منه» سقطت من «ط» .

محمد بن شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان بن داود [1] البغدادي الأصل ثم المصري [2] الحنبلي الإمام العالم. ولد بالقاهرة سنة إحدى وثمانمائة، ونشأ بها، واشتغل بالعلم، وناب في القضاء بالديار المصرية، واشتغل، ودرّس، وناظر وأفتى، ثم استقلّ بقضاء القضاة يوم الاثنين عشري جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة، فباشر على أحسن وجه، وكان عفيفا في ولايته، لا يقبل رشوى ولا هدية، وبهذا ظهر أمره واشتهر اسمه في الآفاق. وكان مقصدا، وانتهت إليه في آخر عمره رئاسة المذهب، بل رئاسة عصره. وكان معظّما عند الملك الظّاهر جقمق، مسموع الكلمة عند أركان الدولة، وكانت له معرفة تامة بأمور الدنيا، ويقوم مع غير أهل مذهبه، ويحسن إليهم، ويرتّب لهم الأموال، ويأخذ لهم الجوائز، ويعتني بشأنهم، خصوصا أهل الحرمين الشريفين. وكان عنده كرم ويميل إلى محبّة الفقراء، وفتح عليه بسبب ذلك. قال البرهان بن مفلح: ولقد شاهدته- وهو في أبهته وناموسه- بمسجد الخيف يقبّل يد شخص من الفقراء ويمرها على وجهه. توفي يوم الخميس ثامن شهر جمادى الأولى. وكان ولده شرف الدّين محمد [3] توفي قبله. وكان ديّنا، عفيفا، فاضلا، له معرفة بالأمور كأبيه، وباشر نيابة الحكم عن والده، وانقطع نسله، ودفن خارج باب النصر في تربة جدّ والده الشيخ عبد المنعم، ووجد عليه والده والناس.

_ [1] في «الضوء اللامع» و «السحب الوابلة» : «ابن داود بن سليمان» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 131) و «المنهج الأحمد» الورقة (495) و «السحب الوابلة» ص (438) و «المقصد الأرشد» (2/ 514- 516) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 235) .

سنة ثمان وخمسين وثمانمائة

سنة ثمان وخمسين وثمانمائة فيها تقريبا توفي الشيخ عفيف الدّين أبو المعالي علي بن عبد المحسن بن الدّواليبي البغدادي ثم الشّامي الحنبلي [1] الخطيب شيخ مدرسة أبي عمر. ولد ببغداد في حادي عشري المحرم سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وسمع بها من شمس الدّين الكرماني «صحيح البخاري» في سنة خمس وثمانمائة، وقدم دمشق فاستوطنها، وولي خطابة الجامع المظفّري، ومشيخة مدرسة الشيخ أبي عمر. وكان إماما عالما، ذا سند عال في الحديث. وتوفي بصالحية دمشق ودفن بالسّفح.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 255) و «السحب الوابلة» ص (301) .

سنة تسع وخمسين وثمانمائة

سنة تسع وخمسين وثمانمائة فيها وقع سيل عظيم بمكّة، ودخل الحرم حتّى قارب الحجر الأسود. وفيها توفي أمير مكة الزّين أبو زهير بركات بن البدر أبي المعالي حسن بن عجلان بن رميثة [1] ولم يكمل ستين سنة. وفيها صاحب حصن كيفا حسن بن عثمان بن العادل الأيوبي [2] . وفيها عزّ الدّين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن محمد بن أحمد القيلوي [3]- بالقاف، ثم تحتانية ساكنة، ثم لام مفتوحة، وبعد الواو ياء النسب، نسبة إلى قرية بأرض بغداد يقال لها قيلويه مثل نفطويه- نزيل القاهرة الحنفي الإمام العلّامة. قال البرهان البقاعي في «عنوان الزمان» : ولد سنة ثمانين وسبعمائة تقريبا بالجانب الشرقي من بغداد، وقرأ به القرآن برواية عاصم، وحفظ كتبا في الفقه، والأصول، والنحو، والمعاني، وغير ذلك. فأكثر من المحفوظات جدا، ثم سمع «البخاري» على الشيخ محمد بن الجاردي، وأخذ عنه فقه الحنابلة، وعن الشيخ عبد الله بن عزيز- بالزايين والتثقيل والمصغر- وعن الشيخ محمود المعروف بكريكر- بالتصغير-، وغيرهم. وبحث في فقه الشافعية أيضا. ثم تحنّف، وأخذ الأصول عن الشيخ أحمد الدواليبي، والنحو عن الشيخ أحمد بن المقداد وغيره، والطب

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 13) و «النجوم الزاهرة» (16/ 178) و «الدليل الشافي» (1/ 188) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 103) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 198) و «الدليل الشافي» (1/ 412) .

عن الموفق الهمذاني، والفرائض عن الشيخ عبد القادر الواسطي، وانتفع به في غير ذلك، ثم ارتحل إلى العجم لما نجّاه [1] الله تعالى من فتنة تمرلنك العظمى، فلازم ضياء الدّين الهروي الحنفي، وأخذ عنه فقه الحنفية بعد أن حفظ «مجمع البحرين» [2] وقرأ على غيره، وقرأ في عدة علوم على من لا يحصى، ثم ارتحل إلى أرزنجان [3] من بلاد الرّوم، فأخذ التصوف عن الشيخ يار علي السيواسي، ثم دخل بلاد الشام، وحلب، وبيت المقدس، فاجتمع بالقدوة العلّامة شهاب الدّين بن الهايم، ثم رحل إلى القاهرة، فأخذ الحديث عن الولي العراقي، والجمال الحنبلي الجندي، والشّمس الشّامي، وهذه الطبقة فأكثر جدا، ودرّس في القاهرة بعدة أماكن، ولازمه الناس، وانتفعوا به جدا، وهو رجل خيّر، زاهد مؤثر للانقطاع عن الناس والعفّة والتقنّع بزراعات يزرعها، ولم يحصل له إنصاف من رؤساء الزّمان في أمر الدنيا، وعنده رياضة زائدة، وصبر على إشغال الناس له [4] واحتمال جفاهم، ولم يعتن بالتصنيف. ومن شعره: شرابك المختوم في آنيه ... وخمر أعدائك في آنيه فليت أيّامك لي آنيه ... قبل انقضاء العمر في آنيه انتهى ملخصا. أي وتوفي في رمضان بالقاهرة وقد تجاوز الثمانين.

_ [1] في «آ» : «أنجاه» . [2] يعني «مجمع البحرين وملتقى النهرين» وهو في فروع الحنفية، لمصنّفه الامام مظفر الدّين أحمد بن علي بن تغلب المعروف بابن الساعاتي، المتوفى سنة (694) . انظر «كشف الظنون» (2/ 1599- 1600) و «تاج التراجم» ص (16) . [3] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 150) : أرزنجان: بالفتح، ثم السكون، وفتح الزاي، وسكون النون، وجيم وألف ونون، وأهلها يقولون: أرزنكان، بالكاف: وهي بلدة طيبة مشهورة نزهة كثيرة الخيرات والأهل، من بلاد إرمينية بين بلاد الروم وخلاط، قريبة من أرزن الروم، وغالب أهلها أرمن، وفيها مسلمون وهم أعيان أهلها، وشرب الخمر والفسق بها ظاهر وشائع، ولا أعرف أحدا نسب إليها. قلت: وقد تحرف اسمها في «آ» إلى «أذربيجان» . [4] لفظة «له» سقطت من «آ» .

وفيها معين الدّين عبد اللطيف بن أبي بكر بن سليمان القاضي بن القاضي الحلبي الأصل المصري المولد والمنشأ [1] الشافعي. قال في «المنهل الصّافي» : ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة تخمينا، ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العزيز، وصلّى بالناس في سنة أربع وعشرين، وحفظ عدة مختصرات، وتفقه على الشّرف السّبكي. وقرأ المعقول على التّقي الشّمنّي، وعلى الشّمس الرّومي، وكتب الخط المنسوب، وتدرّب بوالده وغيره، وكتب في التوقيع بديوان الإنشاء بالديار المصرية. ثم ولي كتابة سرّ حلب بعد عزل والده في آخر الدولة الأشرفية، فباشرها على أحسن وجه، وحظي عند نائبها ثم عزل، وعاد إلى توقيع دست القاهرة، واستمرّ على ذلك إلى أن توفي والده سنة أربع وأربعين وثمانمائة، فاستقرّ مكانه في كتابة السرّ بمصر. وفيها شمس الدّين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النّواجي [2] الشافعي المصري [3] الإمام العلّامة الأديب. قال في «عنوان الزمان» : ولد بالقاهرة بعد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريبا، وقرأ بها القرآن، وتلا بعض السبع على الشيخ أمير حاج، والشّمس الزراتيتي [4] ، وعلى شيخنا الشّمس الجزري، وحفظ «العمدة» و «التنبيه» و «الشاطبية» و «الألفية» وعرض بعضها على الشيخ زين الدّين العراقي، وذكر أنه أجاز له [هو] وغيره، ثم أقبل على التفهم، فأخذ الفقه عن الشمس البرماوي، والبرهان البيجوري، وغيرهما. والنحو وغيره من المعقول عن الشيخ عزّ الدّين بن جماعة، والشّمس البساطي، والشمس بن هشام العجيمي، وحجّ مرتين، ودخل دمياط، وإسكندرية، وتردّد إلى المحلّة، وأمعن النّظر في علوم الأدب، وأنعم حتى

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 325) و «النجوم الزاهرة» (16/ 206) ووفاته فيهما سنة (863) . [2] قال السخاوي: النواجي: نسبة لنواج بالغربية بالقرب من المحلّة. وانظر «التحفة السنّية» ص (99) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 229- 232) و «الدليل الشافي» (2/ 615) . [4] تصفحت في «ط» إلى «الزراتيني» .

فاق أهل العصر، فما رام بديع معنى إلّا أطاعه، وأنعم وأطال الاعتناء بالأدب، فحوى فيه قصب السّبق إلى أعلى الرّتب. ومن مصنّفاته «حاشية على التوضيح» في مجلدة، وبعض حاشية على «الجاربردي» وكتاب «تأهيل الغريب» يشتمل على قصائد مطوّلات كلّها غزل، و «الشّفا في بديع الاكتفاء» و «خلع العذار في وصف العذار» و «صحائف الحسنات» و «روضة المجالسة [1] [2] في بديع المجانسة [2] » و «مراتع الغزلان في وصف الحسان من الغلمان» و «حلبة [3] الكميت في وصف الخمر» . وكان سمّاه أولا «الحبور والسّرور في وصف الخمور» فحصلت له بسببه محنة عظيمة واستفتى عليه فغيّر تسميته. ومن شعره ما ذكره في «الشّفا» : بعد صباح الوجه عيشي مضى ... فيا رعى الله زمان الصّباح وبتّ أرعى النّجم لكنّني ... أهفو إذا هبّ نسيم الصّباح ومنه: عسى شربة من ماء ريقك تنطفي [4] ... بها كبدي الحرّي وتبرى من الظّما فحتّام لا أحظى بها وإلى متى ... أقضي زماني في عسى ولعلّ ما ومنه: لقد تزايد همّي مذ نأى فرج ... عنّي وصدري أضحى ضيّقا حرجا ورحت أشكو الأسى والحال ينشدني ... يا مشتكي الهمّ دعه وانتظر فرجا ثم ذكر له أشياء حسنة وأخرى بضدها، وأظهر تحاملا عليه، فلذلك لم أذكر شيئا من ذلك، فرحمهما الله تعالى.

_ [1] في «آ» : «روضة المجانسة» وفي «ط» : «وروضة المجالس» والتصحيح من «كشف الظنون» (1/ 932) و «الضوء اللامع» (7/ 230) . [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] في «ط» : «حلية» وهو تصحيف، وانظر «كشف الظنون» (1/ 687) و «الضوء اللامع» (7/ 230) . [4] في «آ» : «ينطفي» .

سنة ستين وثمانمائة

سنة ستين وثمانمائة فيها توفي المولى سيد علي العجمي [1] الحنفي. قال في «الشقائق» : حصّل العلوم في بلاده، ويقال: إنه قرأ على السيد الشريف، ثم أتى بلاد الرّوم، فأتى بلدة قسطموني وواليها إذ ذاك إسماعيل بك، فأكرمه غاية الإكرام، ثم أتى إلى مدينة أدرنة، فأعطاه السلطان مراد خان مدرسة جدّه السلطان بايزيد خان بمدينة بروسا، وعاش إلى زمن السلطان محمد [خان] ، واجتمع عنده مع علماء زمانه، وباحث [2] معهم، وظهر فضله بينهم، وله من التصانيف «حواش على حاشية شرح الشمسية» للسيد الشريف، و «حواش على حاشية شرح المطالع» للسيد الشريف أيضا و «حواش على شرح المواقف» للسيد الشريف. وكان له خط حسن [3] . انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن نصير الدمشقي ثم القاهري [4] . كان ممن تعانى الأدب، ومهر في عمل المواليا وغيره، وصار قيّما.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (62) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [2] كذا في «آ» و «الشقائق النعمانية» : «وباحث» وفي «ط» : «وبحث» . [3] زاد صاحب «الشقائق» ما نصه: «يحكي والدي أنه رأى بخطه «الكشّاف» وكان ذلك الكتاب من أغلى نسخ «الكشاف» لحسن خطه وصحته» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 211) .

وفيها منصور بن الحسين بن علي الكازروني الشّافعي [1] الإمام العلّامة. كان إماما، عالما، مصنّفا، مفيدا، صحيح العقيدة، صنّف «حجة السّفرة البررة على المبتدعة الفجرة الكفرة» . وتوفي بمكة المشرّفة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 170) .

سنة إحدى وستين وثمانمائة

سنة إحدى وستين وثمانمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن علي البعلي [1] الشافعي، المعروف بابن المراحلي [2] . كان إماما فاضلا نبيلا. توفي في ذي الحجّة عن أربع وثمانين سنة. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد الغني السوسي [3] الحنفي العارف بالله تعالى المسلك العالم العامل القطب الغوث. قال المناوي في «طبقاته» : كان من أفراد الصّلحاء المسلّكين بالقاهرة. عالي الرّتبة جدا، حتى يقال: إن الشيخ محمد الحنفي إنما نال ما وصل إليه بلحظه. وكان تفقّه على ذوي المذاهب الأربعة. وله كرامات ومكاشفات، منها أن الكمال بن الهمام لما دخل مكّة سأل العارف عبد الكريم الحضرمي أن يريه القطب فوعده لوقت معين، ثم دخل معه فيه إلى المطاف، وقال له: ارفع رأسك، فرفع،

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 159) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 67) من المنسوخ. [2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة الورقة (272/ ب) من نسخة شستربتي، والصفحة (1250) من نسخة الشيخ الرئيس تاج الدّين الحسني: «المعروف بابن المراحلي» وفي «الضوء اللامع» و «الذيل التام» : «المعروف بابن المرحّل» . [3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «المنتخب» لابن شقدة (272/ ب) : «السّوسي» والصواب «السّرسي» كما في مصادر الترجمة. والسّرسي: نسبة إلى «سرس» من أعمال المنوفية. انظر «التحفة السّنية» ص (105) .

فوجد شيخا على كرسي بين السماء والأرض، فتأمله فإذا هو صاحب الترجمة، فاندهش [1] ، وصار يقول من دهشته بأعلى صوته: هذا صاحبنا، ولم نعرف مقامه، فاختفى عنه، ولما رجع الكمال إلى مصر بادر للسلام عليه، وقبّل قدميه، فقال: أكتم ما رأيته [2] . وتوفي بالقاهرة عن نحو ثمانين سنة ودفن بالقرافة. وفيها القاضي قاسم بن القاضي جلال الدّين أبي [الفضل عبد الرحمن بن] عمر البلقيني [3] الشافعي [4] الإمام العالم. توفي في شوال عن خمس وستين سنة. قاله في «ذيل الدول» . وفيها كمال الدّين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي ثم الإسكندري، المعروف بابن الهمام الحنفي [5] الإمام العلّامة. قال في «بغية الوعاة» : ولد سنة تسعين وسبعمائة، وتفقه بالسّراج قارئ الهداية، ولازمه في الأصول وغيرها، وانتفع به وبالقاضي محبّ الدّين بن الشّحنة لما دخل القاهرة سنة ثلاث عشرة، ولازمه، ورجع معه إلى حلب، وأقام عنده إلى أن مات، وأخذ العربية عن الجمال الحميديّ والأصول. وغيره عن البساطي [6] ،

_ [1] في «ط» : «فدهش» . [2] أقول: وهذا أيضا من الشطحات. (ع) . [3] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «التلفيتي» والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] ترجمته في «الدليل الشافي» (2/ 527) و «النجوم الزاهرة» (16/ 188) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (197) و «الضوء اللامع» (6/ 181) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 68) من المنسوخ وما بين الحاصرتين مستدرك منها. [5] ترجمته في «الدليل الشافي» (2/ 650) و «النجوم الزاهرة» (16/ 187) وقد تحرفت نسبته فيه إلى «السيرامي» و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (240- 241) و «الضوء اللامع» (8/ 127) و «الذليل التام» (2/ 69) من المنسوخ، و «بغية الوعاة» (1/ 166) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [6] تحرفت ترجمته في «بغية الوعاة» إلى «السّنباطي» فلتصحح، والبساطي نسبة إلى «بساط» من قرى الغربية بالأعمال البحرية من أعمال مصر. كما في «الضوء اللامع» (7/ 5) وهو محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم البساطي، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (842) من هذا المجلد ص (356) .

والحديث عن أبي زرعة ابن العراقي، والتّصوف [1] عن الخوافي [1] ، والقراآت عن الزّراتيتي، وسمع الحديث عن الجمال الحنبلي، والشمس الشامي، وأجاز له المراغي، وابن ظهيرة [1] ورقية المدنية [1] ، وتقدم على أقرانه، وبرع في العلوم، وتصدى لنشر العلم فانتفع به خلق، وكان علّامة في الفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والتصوف، والموسيقي وغيرها، ومحقّقا، جدليا، نظّارا. وكان يقول: [1] أنا [1] لا أقلّد في المعقولات أحدا. وقال البرهان الأبناسي من أقرانه: طلبت حجج الدّين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره. وكان للشيخ نصيب وافر ممّا لأرباب الأحوال من الكشف والكرامات، وكان تجرّد أولا بالكلّية، فقال له أهل الطريق: ارجع فإنّ للناس حاجة بعلمك. وكان يأتيه الوارد كما يأتي الصّوفيّة لكنه [2] يقلع عنه بسرعة لأجل مخالطته للناس [3] . أخبرني بعض الصّوفية من أصحابه أنه كان عنده في بيته الذي بمصر، فأتاه الوارد، فقام مسرعا [4] . قال الحاكي: وأخذ بيدي يجرّني، وهو يعدو في مشيه [5] ، وأنا أجري معه إلى أن وقف عليّ المراكب، فقال: ما لكم واقفين ها هنا؟ فقالوا: أوقفتنا [6] الرّيح. وما هو باختيارنا، فقال: هو الذي يسيّركم، وهو الذي يوقفكم. قالوا: نعم. قال الحاكي: وأقلع عنه الوارد، فقال [لي] : لعلي شققت عليك؟ قال:

_ [1، 1] ما بين الرقمين مستدرك من «بغية الوعاة» . [2] في «بغية الوعاة» : «إلا أنه» . [3] في «آ» و «ط» : «بالناس» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف. [4] أقول: وهذا أيضا من الشطحات. (ع) . [5] في «بغية الوعاة» : «في مشيته» . [6] في «آ» و «ط» : «أوقفنا» وما أثبته من «بغية الوعاة» .

فقلت: أي والله، وانقطع قلبي من الجري. فقال: لا تأخذ عليّ فإني لم أشعر بشيء مما فعلته. وكان الشيخ يلازم لبس الطّيلسان كما هو السّنّة، ويرخيه كثيرا على وجهه وقت حضور الشيخونية. وكان يخفّف الحضور جدا ويخفّف صلاته، كما هو شأن الأبدال، فقد نقلوا أن صلاة الأبدال خفيفة. وكان الشيخ أفتى برهة من عمره، ثم ترك الإفتاء جملة. وولي من الوظائف تدريس الفقه بالمنصورية وبقبّة الصالح، وبالأشرفية، [التي بقرب المشهد النّفيسي، ثم نزل عنها لشيخنا الشيخ سيف الدّين الحنفي تلميذه، لما قرّره الأشرف برسباي شيخنا في مدرسته عوضا عن العلاء الرّومي، ثم رغب عنها، واستقرّ بعد ذلك في مشيخة] الشيخونية [1] ، فباشرها مدة أحسن مباشرة، غير ملتفت إلى أحمد من الأكابر وأرباب الدولة، ثم رغب عنها لمّا جاور بالحرمين، واستقرّ بعده شيخنا العلّامة محيي الدّين الكافيجي. وكان حسن اللّقاء، والسّمت، والبشر، والبزّة، طيّب النّغمة، مع الوقار والهيبة والتواضع المفرط، [والإنصاف] والمحاسن الجمّة. وكان أحد الأوصياء عليّ. وله تصانيف، منها «شرح الهداية» سمّاه «فتح القدير للعاجز الفقير» وصل فيه إلى أثناء الوكالة، و «التحرير في أصول الفقه» و «المسايرة» [2] في أصول الدّين، و «كرّاسة في إعراب سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» . وله «مختصر» في الفقه سمّاه «زاد الفقير» . وله نظم نازل. مات يوم الجمعة سابع رمضان. انتهى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وبالأشرفية والشيخونية» . [2] تحرفت في «بغية الوعاة» إلى «والمسامرة» فلتصحح.

سنة اثنتين وستين وثمانمائة

سنة اثنتين وستين وثمانمائة فيها وقع في بولاق حريق لم يسمع بمثله. وفيها توفي إبراهيم الزيّات المجذوب [1] . قال المناوي في «طبقاته» : كان معتقدا عند الخاصة والعامة، يزوره الأكابر والأصاغر. وله خوارق وكرامات كثيرة، وقصد للزيارة من الآفاق. وكان غالب أكله اللّوز. مات في ذي القعدة بموضع مقامه بقنطرة قديدار. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن حسين القاهري السّيفي يشبك الحنفي الصّوفي، ويعرف بابن مبارك شاه [2] . قال في «ذيل الدول» : [3] كان إماما علامة [3] . انتهى. وفيها- أو في التي قبلها، وبه جزم العليمي [4] في «طبقاته» - تقي الدّين

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 184) . [2] ترجمته في «بدائع الزهور» (2/ 345) و «الضوء اللامع» (2/ 65) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 73) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (54- 57) . [3، 3] ما بين الرقمين لم يرد في الأصل المعتمد في تحقيق ومراجعة «الذيل التام على دول الإسلام» لذا لزم التنبيه. [4] في «آ» و «ط» : «العلموي» وهو سبق قلم من المؤلف والصواب ما أثبته فإنه ينقل عن «المنهج الأحمد» للعليمي الورقة (496) .

أبو الصّدق أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس البعلي [1] الحنبلي الإمام العلّامة ذو الفنون. ولد على ما كتبه بخطه قرب [2] سنة تسع وثمانمائة، وسمع على التاج بن بردس وغيره، وتفقّه في المذهب، وحفظ «المقنع» وعني بعلم الحديث كثيرا. وقرأ الأصول على ابن العصياتي بحمص، وأذن له بالإفتاء والتدريس جماعة، منهم الشيخ شرف الدّين بن مفلح، ثم قرأ المعاني والبيان على الشيخ يوسف الرّومي، والنحو على ابن أبي الجوف، وكان مفنّنا في العلوم، ذا ذهن ثاقب، ثم بعد وفاة شيخه ابن مفلح طلبه الشيخ عبد الرحمن بن داود وأجلسه في مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، فتصدى لإقراء الطلبة ونفعهم، ثم ولي نيابة الحكم عن العزّ البغدادي مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على الاشتغال في العلم وكسب يده، وأخذ عنه العلم جماعة وانتفعوا به، منهم شيخ المذهب علاء الدّين المرداوي، والشيخ تقي الدّين الجراعي، وغيرهما من الأعلام. وكان من عباد الله الصّالحين، وله «حاشية على الفروع» و «حاشية على المحرّر» . وتوفي يوم عاشوراء ودفن بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدّين. وفيها تقريبا داود بن محمد بن إبراهيم بن شدّاد بن المبارك النّجدي الأصل الرّبيعي النسب الحموي المولد الحنبلي، المعروف بالبلاعي [3]- نسبة إلى بلدة تسمّى البلاعة- الفقيه الفرضي. أخذ العلم عن قاضي القضاة علاء الدّين بن المغلي. وكان له يد طولى في الفرائض والحساب. ومن تلامذته الأعيان من قضاة طرابلس وغيرها. وتوفي بحماة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 14) و «المنهج الأحمد» الورقة (496) و «القلائد الجوهرية» (2/ 397) و «السحب الوابلة» ص (124) . [2] في «المنهج الأحمد» : «قريب» . [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (497- 498) و «السحب الوابلة» ص (166) وقد تأخرت ترجمته في «آ» إلى ما بعد ترجمة القاضي نور الدّين التالية.

وفيها القاضي نور الدّين علي بن محمد بن أقبرس الشافعي [1] الإمام العلّامة. قال في «العنوان» : ولد سنة إحدى وثمانمائة بالقاهرة، وأخبرني أنه تلا بالسبع على الشّمس الزراتيتي [2] ، والشيخ أمير حاج، وأنه أخذ الفقه عن الشيخ شمس الدّين الأبو صيري، والشيخ عزّ الدّين بن جماعة، والشمس البرماوي. والمنطق [3] . وكان رفيقه الكمال بن الهمام عن الجلال الهندي، وأثنى على علمه به، ولازم الشمس البساطي فانتفع به في النحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والأصلين، والمنطق، وغير ذلك. وعنده فضيلة، وكلامه أكثر من فضيلته، وعنده جرأة وطلاقة لسان وقدرة على الدخول في الناس، وعلى صحبة الأتراك. صحب جقمق العلائي، ولازمه حتّى عرف به، فلما ولي السلطنة حصل له منه حظ وولّاه وظائف، منها نظر الأوقاف، ووسّع في دنياه جدا. وناب في القضاء للشمس الهروي وغيره، وله نظم وسط ربما وقع فيه الجيد، وكذا نثره، وسمع شيخنا ابن حجر وغيره، وحجّ، وجاور، وسافر إلى دمشق، وزار القدس، ودخل ثغر إسكندرية ودمياط. ومن نظمه: يا ربّ ما لي غير رحمتك التي ... أرجو النّجاة بها من التّشديد مولاي لا علمي ولا عملي إذا ... حوسبت ما عندي سوى التّوحيد انتهى ملخصا. وتوفي بالقاهرة في صفر وقد جاوز الستين.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 292) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 72) من المنسوخ و «الدليل الشافي» (1/ 480) و «النجوم الزاهرة» (16/ 190) . [2] تصحفت في «ط» : إلى «الزراتيني» . [3] كأن لفظة «والمنطق» هنا قد أثبتها المؤلف رحمه الله أثناء النقل عن «الضوء اللامع» من مكانها الصحيح بعد سطرين، والله أعلم.

وفيها نور الدّين أبو الحسن علي بن محمد المتبولي، الشهير بابن الرزّاز الحنبلي [1] الإمام العلّامة. كان من أعيان فقهاء الدّيار المصرية وقضاتها، باشر نيابة القضاء عن ابن المغلي ومن بعده، وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة. وتوفي بالقاهرة في حادي عشر ربيع الأول ودفن بتربة الشيخ نصر المنبجي. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن زهر [2] الحنبلي الحمصي [3] . كان من أهل الفضل. قرأ «المقنع» على والده، وروى الحديث بسند عال، روى عن الشيخ شمس الدّين بن اليّونانية عن الحجّار. وكان ملازما للعبادة والخشوع والصّلاح.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 15) و «المنهج الأحمد» الورقة (497) من المخطوط و «السحب الوابلة» ص (310) . [2] في «الضوء اللامع» و «السحب الوابلة» : «ابن زهرة» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 129) و «السحب الوابلة» ص (211) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) .

سنة ثلاث وستين وثمانمائة

سنة ثلاث وستين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن صالح بن عثمان الأشليمي [1] ثم الحسيني القاهري الشافعي [2] الإمام العلّامة [3] . وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن المجد المخزومي الحنبلي النابلسي [4] الإمام العالم. توفي بنابلس. وتوفي فيها أيضا في هذه السنة زين الدّين عبد المغيث ابن الأمير ناصر الدّين محمد بن عبد المغيث الحنبلي [5] . وفيها برهان الدين أبو الخير إبراهيم بن أحمد بن عبد الكافي الطّباطبي [6] المقرئ الصّوفي الشافعي السّيّد الشريف.

_ [1] في «آ» و «ط» ومعظم المصادر «الأسليمي» بالسين المهملة وهو خطأ، والصواب ما أثبته نقلا عن «نظم العقيان» و «الأشليمي» نسبة إلى «أشليم» من أعمال الغريبة بمصر. انظر «التحفة السّنية» ص (64) وتعليقنا على ترجمته في «الذيل التام على دول الإسلام» للسخاوي. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 114) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 77) من المنسوخ، و «نظم العقيان» ص (58) . [3] قال السخاوي: ويعرف بابن صالح، وأورد من نظمه: وقد حفظ الله الحديث بحفظه ... فلا ضائع إلّا شذا منه طيّب وما زال يملأ الطّرس من بحر صدره ... لآلئ إذ يملي علينا ونكتب [4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «السحب الوابلة» ص (104) . [5] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «الضوء اللامع» (5/ 84) و «السحب الوابلة» ص (272) . [6] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 14) و «التحفة اللطيفة» (1/ 101- 102) ، و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 77) من المنسوخ.

قال المناوي: كان يطلق بكل صالحة يده ولسانه، ويطوي على المعارف اليقينية جنانه، ولا يلتفت إلى الدنيا ولا يقبلها، ويشتري حاجته من السوق ويحملها. أخذ عن المحبّ الطّبري، والكمال الكازروني، والحافظ ابن حجر. وتصدى للإقراء بالحرمين، وأخذ عنه الأماثل، وله اليد الطولى في التصوف، وعنه أخذ جدّنا الشّرف المناوي التصوف، واستمرّ ملازما طريقته المرضية إلى أن حان أجله وأدركته المنيّة، وتوفي بمكة. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد البلاطنسي [1] ثم الدمشقي الشافعي [2] الإمام العالم. توفي في صفر عن أربع وستين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن أحمد الحموي ثم الحلبي الشافعي الصّوفي، ويعرف بابن الشمّاع [3] . كان إماما، عالما، عاملا [4] ، زاهدا، علّامة. توفي بطيبة المشرّفة في ذي القعدة عن بضع وسبعين سنة، ودفن بالبقيع.

_ [1] قلت: البلاطنسي: نسبة إلى «بلاطنس» بضم الطاء والنون والسين المهملة: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب. انظر «معجم البلدان» (1/ 478) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 86) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 76) من المنسوخ، و «نظم العقيان» ص (150) و «النجوم الزاهرة» (16/ 199) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 143) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 76- 77) من المنسوخ. [4] لفظة «عاملا» سقطت من «آ» .

سنة أربع وستين وثمانمائة

سنة أربع وستين وثمانمائة فيها كان الطّاعون العظيم بغزّة، ثم الشام والقدس، ومات فيه من لا يحصى. وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن علي بن محمد بن داود البيضاوي ثم المكّي الشافعي، ويعرف بالزّمزمي [1] الإمام العلّامة. توفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن الشحّام [2] الحنبلي المؤذن بالجامع الأموي. ولد في خامس عشري المحرم سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه جماعة من الأعيان. وتوفي بالقدس الشريف في نهار الثلاثاء تاسع جمادى الآخرة. وفيها تقريبا قاضي القضاة تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن محمد بن الصّدر البعلي الحنبلي [3] . ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وروى عمّن عن الحجّار. وسمع على الشيخ شمس الدّين بن اليّونانية البعلي ببعلبك. وولي قضاء طرابلس مدة

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 86) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (45- 46) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 41) و «السحب الوابلة» ص (85) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 90) و «السحب الوابلة» ص (134) .

طويلة، وكان حسن السيرة، وأجاز الشيخ نور الدّين العصياتي، وأخذ عنه جماعات. وفيها جلال الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلّي [1] الشافعي تفتازاني العرب، الإمام العلّامة. قال في «حسن المحاضرة» : ولد بمصر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واشتغل، وبرع في الفنون، فقها، وكلاما، وأصولا، ونحوا، ومنطقا، وغيرها. وأخذ عن البدر محمود الأقصرائي، والبرهان البيجوري، والشمس البساطي، والعلاء البخاري، وغيرهم. وكان علّامة، آية في الذكاء والفهم. كان بعض أهل عصره يقول فيه: إن ذهنه يثقب الماس. وكان هو يقول عن نفسه: إنّ فهمي لا يقبل الخطأ، ولم يك [2] يقدر على الحفظ، وحفظ كرّاسا من بعض الكتب فامتلأ بدنه حرارة. وكان غرّة هذا العصر في سلوك طريق السّلف، على قدم من الصّلاح والورع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظّلمة والحكّام، ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم، ولا يأذن لهم في الدخول عليه. وكان عظيم الحدّة جدا لا يراعي أحدا في القول، يؤسي في عقود المجالس على قضاة القضاة وغيرهم وهم يخضعون له ويهابونه ويرجعون إليه، وظهرت له كرامات، وعرض عليه القضاء الأكبر فامتنع، وولي تدريس الفقه بالمؤيّدية والبرقوقية، وقرأ عليه جماعة. وكان قليل الإقراء، يغلب عليه الملل والسآمة، وسمع الحديث من الشّرف بن الكويك. وكان متقشفا في مركوبه وملبوسه، ويتكسّب بالتجارة، وألّف كتبا تشدّ إليها الرّحال في غاية الاختصار والتحرير والتنقيح وسلاسة العبارة وحسن المزج والحل، وقد

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 39) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 80- 81) من المنسوخ، و «حسن المحاضرة» (1/ 442) و «صفحات لم تنشر من بدائع الزهور في وقائع الدهور» لابن إياس ص (68) و «الأعلام» (5/ 333) و «معجم المؤلفين» (8/ 311- 312) وكتابي «زهرات الياسمين» ص (75- 77) طبع مكتبة دار العروبة بالكويت. [2] في «آ» : «ولم يكن» وكلاهما بمعنى.

أقبل عليها الناس وتلقوها بالقبول وتداولوها، منها «شرح جمع الجوامع» في الأصول، و «شرح المنهاج» في الفقه، و «شرح بردة المديح» و «مناسك» و «كتاب في الجهاد» ومنها أشياء لم تكمل ك «شرح القواعد» لابن هشام، و «شرح التسهيل» كتب منه قليلا جدا، و «حاشية على شرح جامع المختصرات» و «حاشية على جواهر الأسنوي» و «شرح الشمسية» في المنطق، وأجلّ كتبه التي لم تكمل «تفسير القرآن» كتب منه من أول الكهف إلى آخر القرآن، وهو ممزوج محرّر في غاية الحسن، وكتب على الفاتحة وآيات يسيرة من البقرة وقد كملته [1] بتكملة على نمطه من أول البقرة إلى آخر الإسراء [2] . وتوفي في أول يوم من سنة أربع وستين وثمانمائة انتهى.

_ [1] القائل: الحافظ جلال الدّين السيوطي في «حسن المحاضرة» مصدر المؤلف. [2] قلت: واشتهر هذا التفسير من بعد ذلك ب «تفسير الجلالين» وقد طبع عدة مرات في مصر والشام ولبنان، آخرها طبعته المتقنة الجيدة المصادرة عن دار ابن كثير، وقد تفضل بالتقديم لها والدي الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وقمت أنا بالتعريف بالجلالين عقب تقديمه، وقد صدرت هذه الطبعة عام (1407) هـ- وأعيد طبعها مصورة عدة مرات آخرها هذا العام.

سنة خمس وستين وثمانمائة

سنة خمس وستين وثمانمائة في صفرها كان بمكّة سيل عظيم [1] . وفيها توفي الملك الأشرف سيف الدّين أبو النصر إينال العلائي [2] تسلطن في صبيحة يوم الاثنين لثمان مضين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وهو الثاني عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وهو جركسي جلبه الخواجا علاء الدّين إلى مصر، فاشتراه الظّاهر برقوق، وأعتقه الناصر فرج بن برقوق، وتنقّل في الدولة إلى أن صار في أيام الأشرف برسباي أمير مائة مقدّم ألف، وولاه الظّاهر جقمق الدوادارية الكبرى، إلى أن جعله أتابكا، واستمر إلى أن تسلطن، وتم أمره في الملك، وطالت أيّامه نحو ثمان سنين وشهرين وأياما. وكان طويلا، خفيف اللحية، بحيث اشتهر بإينال الأجرود، وكان قليل الظّلم، قليل سفك الدماء، متجاوزا عن الخطأ والتقصير، إلّا أن مماليكه ساءت سيرتهم في الناس، واستمرّ سلطانا إلى أن خلع نفسه من السلطنة وعقدها لولده الملك المؤيد شهاب الدّين أبي الفتح أحمد بن إينال العلائي في يوم الأربعاء رابع عشر ليلة خلت من جمادى الأولى. وتوفي والده بعد ذاك بيوم واحد، ثم خلعه أتابكة خشقدم بعد خمسة أشهر وخمسة أيام، وولي السلطنة عوضه الملك الظّاهر خشقدم يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان.

_ [1] ذكر هذا الخبر السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 84) من المنسوخ بأطول مما هنا. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 328) و «النجوم الزاهرة» (16/ 57) و «الدليل الشافي» (1/ 175) .

وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن عمر البلقيني [1] الإمام العالم. توفي في ذي القعدة عن ثلاث وخمسين سنة. وفيها عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الكناني الحموي، المعروف بابن جماعة [2] . توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة. وفيها أبا علوي عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن اليمني الصّوفي [3] . كان شيخ حضرموت، وركنها، وصوفيّها، وزاهدها. له أتباع وخدم، مع الولاية الظّاهرة والأسرار الباهرة. وتوفي في رمضان.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 188) و «الذيل التام» (2/ 89) من المنسوخ. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 51) و «الذيل التام» (2/ 88) من المنسوخ. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 16) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 91) من المنسوخ.

سنة ست وستين وثمانمائة

سنة ست وستين وثمانمائة فيها توفي السيد حسن [1] بن محمد بن أيوب الحسني [2] الشافعي، المعروف بالسّيّد النّسابة. كان إماما، عالما، أخباريا. توفي في مستهل صفر وقد قارب المائة. وفيها السّلطان خلف [بن محمد بن سليمان] الأيوبي [3] صاحب حصن كيفا، وهو آخر ملوك الحصن من بني أيوب. وفيها شمس الدّين أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي بكر القاهري الشافعي [4] الصّوفي الإمام الزاهد توفي في ربيع الأول عن نحو ثمانين سنة.

_ [1] في «ط» : «حسين» وهو خطأ. [2] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (354) و «الضوء اللامع» (3/ 121) و «الذيل التام» (2/ 93) من المنسوخ، و «نظم العقيان» ص (104- 105) . [3] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 273) و «الضوء اللامع» (3/ 184) وما بين الحاصرتين زيادة أثبتها منه، و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 95) من المنسوخ، و «بدائع الزهور» (2/ 392) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 300) .

سنة سبع وستين وثمانمائة

سنة سبع وستين وثمانمائة في ربيع الآخر وقع بمكّة سيل عظيم حتى دخل المسجد الحرام، وارتقى الماء إلى نحو قفل باب الكعبة [1] . وفي حدودها توفي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن التّاج عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي الحنبلي [2] . ولد في ثالث ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقرأ على علماء عصره، وجدّ، واجتهد، حتى صار إماما، عالما، محدّثا، زاهدا، يشار إليه بالبنان. وفيها أبو بكر [3] بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشنديّ المقدسي الشافعي [4] . كان إماما، عالما، عاملا، محدّثا، فقيها. توفي ببيت المقدس جمادي الآخرة عن بضع وثمانين سنة. وفيها أبو السّعادات [سعد] بن محمد بن عبد الله بن سعد النّابلسي الأصل المقدسي [5] نزيل القاهرة الحنفي.

_ [1] ذكر هذا الخبر بأطول مما هنا السّخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 96) من المنسوخ. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 73) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «السحب الوابلة» ص (29) . [3] قال الأستاذ الزركلي في «الأعلام» (2/ 69) : «ويسمى عبد الله» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 69) و «الذيل التام» (2/ 98) من المنسوخ. [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 249) و «الذيل التام» (2/ 98) من المنسوخ و «الأعلام» (3/ 87) وما بين الحاصرتين مستدرك منها، ويعرف «بابن الدّيري» .

كان إماما، عالما [1] ، علّامة، شيخ مذهب النّعمان في زمنه. توفي في ربيع الآخر عن نحو مائة سنة. وفيها تقريبا زين الدّين أبو عبد الله بلال بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم القادري [2] الحنبلي الفقيه الإمام العالم. وفي حدودها شمس الدّين محمد بن عبد الله المتبولي الحنبلي، المشهور بابن الرزّاز [3] . كان إماما، عالما، فقيها.

_ [1] لفظة «عالما» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 18) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) و «السحب الوابلة» ص (145) . [3] ترجمته في «النهج الأحمد» الورقة (498) .

سنة ثمان وستين وثمانمائة

سنة ثمان وستين وثمانمائة فيها توفي قاضي القضاة علم الدّين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدّين عمر البلقيني [1] الشافعي الإمام العلّامة. قال السيوطي في «حسن المحاضرة» : وهو شيخنا حامل لواء مذهب الشافعي في عصره. ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن والده وأخيه، والنحو عن الشّطّنوفي، والأصول عن العزّ ابن جماعة. وسمع على أبيه «جزء الجمعة» وختم «الدلائل» وغير ذلك، وعلى الشّهاب ابن حجي «جزء ابن نجيد» وحضر عند الحافظ أبي الفضل العراقي في الإملاء، وتولى مشيخة الخشابيّة والتفسير بالبرقوقية بعد أخيه، وتدريس الشريفيّة بعد القمني، وتولى القضاء الأكبر سنة ست وعشرين بعزل الشيخ ولي الدّين، وتكرّر عزله وإعادته، وتفرّد بالفقه، وأخذ عنه الجمّ الغفير، وألحق الأصاغر بالأكابر والأحفاد بالأجداد، وألّف «تفسير القرآن» وكمّل «التدريب» لأبيه وغير ذلك. قرأت عليه الفقه، وأجازني بالتدريس، وحضر تصديري، وقد أفردت ترجمته بالتأليف. ومات يوم الأربعاء خامس رجب. انتهى. وفيها جمال الدّين عبد الله بن أبي بكر بن خالد بن زهرا الحمصي الحنبلي [2] الإمام العلّامة.

_ [1] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 351) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (357) و «الضوء اللامع» (3/ 312) و «حسن المحاضرة» (1/ 444) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 15) و «المنهج الأحمد» الورقة (498) .

قرأ «الفروع» على ابن مغلي، وله عليه «حاشية» لطيفة. وقرأ «تجريد العناية» على مؤلّفه القاضي علاء الدّين بن اللحّام، والأصول له أيضا. وأخذ عن عمّه القاضي شمس الدّين، وعلماء دمشق. وكان من أكابر الفضلاء. وتوفي في هذه السنة عن أكثر من مائة سنة. وفيها أبو الحسن علي بن سودون البشبغاوي القاهري الحنفي [1] الإمام العلّامة. أخذ عن علماء عصره، وتفنّن في العلوم، وكان مملقا فأخذ في رواج أمره بالمجون، ويقال: إنه أول من أحدث خيال الظلّ، وألف كتابا حافلا صدّره «نظم فائق في مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم» وغيره وعجزه خرافات، ويقال: إن والده كان قاضيا بمصر، وأنه سمع بأن ولده تعاطى التمسخر مع الأراذل تحت قلعة دمشق، فأتى إلى الشام، ووقف على حلقة فيها ولده يتعاطى ذلك فلما رأى والده أنشد: قد كان يرجو والدي ... بأن أكن قاضي البلد ما تمّ إلّا ما يريد ... فليعتبر من له ولد وبالجملة فقد كان من أعاجيب الزمان. وتوفي بدمشق في رجب عن ثمان وخمسين سنة. وفيها السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشّرواني الحنفي الصوفي الخلوتي [2] . قال في «الشقائق» : ولد بمدينة شماخي، وهي أمّ مدائن ولاية شروان، وكان أبوه من أهل الثروة، وكان هو صاحب جمال وكمال، يلعب بالصّولجان، فبينا هو يلعب فيه إذ مرّ عليه الشيخ بيرزاده [ابن الشيخ الحاج عزّ الدّين] الخلوتي، فلما رأى أدبه وجماله دعا له بالفوز بطريق الصّوفية [فرأى السيد يحيى في تلك الليلة واقعة تغيّرت بها أحواله] ، فالتجأ المترجم إلى خدمة الشيخ صدر الدّين الخلوتي،

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 229) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (164- 165) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

ولازم خدمته، فكره والده ذلك لدخوله الخلوة مع الصّوفية مع هذا الجمال، وأنكر على الشيخ صدر الدّين [أيضا] لإذنه له في ذلك، ونصح ولده فلم ينفع، حتى قيل: إنه قصد إهلاك الشيخ صدر الدّين. واتفق أن السيد يحيى لم يحضر الجماعة في صلاة العشاء لاشتغاله بالتنور، وكان الوقت باردا، فدخل الشيخ بيته من كوة الدار، وأخذ بيده، وقال: قم يا ولدي، فقال له والده: لأي شيء دخل شيخك من الكوة ولم يدخل من الباب، وأنت تعتقد أنه متشرع، فقال: خاف من الشوك في الطريق، فقال: وأي شوك هو؟ قال: إنكارك [عليه] فعند ذلك زال إنكاره، ولازم أيضا خدمة الشيخ المذكور، ثم إن السيد يحيى انتقل بعد موت شيخه، من شماخي إلى بلدة باكو [1] من ولاية شروان، وتوطن هناك، واجتمع عليه الناس، حتى زادت جماعته على عشرة آلاف [2] ، ونشر الخلفاء إلى أطراف الممالك. وكان هو أول من سنّ ذلك. وكان يقول بجواز إكثار الخلفاء لتعليم الآداب للناس، وأما المرشد فلا يكون إلّا واحدا. وحكي أنه لم يأكل طعاما في آخر عمره مقدار ستة أشهر. وتوفي في بلدة باكو. انتهى ملخصا. وفيها العزيز يوسف بن الأشرف برسباي [3] . توفي بالإسكندرية في المحرم عن أربعين سنة. وتوفي بعده أخوه الشّهابي أحمد [4] عن نحو سبع وعشرين سنة في هذه السنة أيضا، ولم يكن بينهما ثلاثة أشهر.

_ [1] باكو: هي عاصمة جمهورية أذربيجان المعاصرة التي نالت استقلالها منذ فترة قريبة. [2] عبارة «الشقائق النعمانية» : «واجتمع عليه الناس مقدار عشرة آلاف» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 304) و «النجوم الزاهرة» (16/ 326) و «الدليل الشافي» (2/ 799) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 247) .

سنة تسع وستين وثمانمائة

سنة تسع وستين وثمانمائة فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن الحسن [1] العباسي [2] السيد الحسيب النّسيب الحنبلي، الإمام العلّامة. ولد سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وأخذ عن ابن المغلي، وابن زهر الحمصي، وولي قضاء حماة فباشره فوق ثلاثين سنة بعفّة وديانة. وكان يروم الخلافة وربما تكلّم له فيها، لأنه كان من ذرّيّة العبّاس رضي الله عنه. وكان من أهل العلم والفضل. وتوفي بحماة في أوائل هذه السنة. وولي قضاء حماة بعده ولد ولده قاضي القضاة محيي الدّين عبد القادر بن القاضي موفق الدّين بن القاضي شهاب الدّين [3] واستمرّ بها نحو عشر سنين إلى أن توفي رحمه الله. وفيها السلطان عبد الحق بن أبي سعيد المرّيني [4] صاحب فاس. توفي في رمضان.

_ [1] كذا في «آ» و «المنهج الأحمد» مصدر المؤلف، و «السحب الوابلة» : «أحمد بن الحسن» وفي «ط» و «الضوء اللامع» : «أحمد بن الحسين» وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (873) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 274) و «المنهج الأحمد» الورقة (499) و «السحب الوابلة» ص (58) . [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (499) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 37) .

سنة سبعين وثمانمائة

سنة سبعين وثمانمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة المقدسي الشافعي الناصري الباعوني الدمشقي [1] ، الإمام العالم العلّامة. توفي في ربيع الأول عن بضع وتسعين سنة. وتوفي بعده في رمضان هذه السنة أخوه شمس الدّين محمد بن أحمد [2] الإمام العالم النّاظم النّاثر. وفيها شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى المنوفي الشافعي، المعروف بابن أبي السعود [3] . كان إماما، فاضلا، عالما. توفي بطيبة في شوال عن ست وخمسين سنة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن زيد الحنبلي [4] الإمام العلّامة النحوي المفسّر المحدّث.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 26) و «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (38) و «الدليل الشافي» (1/ 7) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 7) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 114) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 231) و «التحفة اللطيفة» (1/ 161) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 71) و «المنهج الأحمد» الورقة (499) .

قال العليمي: اعتنى بعلم الحديث كثيرا، ودأب فيه، وكان أستاذا في العربية، وله يد طولى في التفسير، وانتفع به الناس، وكان يقرأ على الشيخ علي ابن زكنون [1] «ترتيب مسند الإمام أحمد» له وكذلك غيره من كتب الحديث. وكان أستاذا في الوعظ، وله كتاب خطب في غاية الحسن، وتوفي في سلخ صفر. وفيها بيرنصع بن جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني [2] صاحب بغداد. توفي في ثاني ذي القعدة. وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن علي بن عمر بن علي الأنصاري الأندلسي ثم القاهري الشافعي، المعروف بابن الملقّن [3] .

_ [1] هو الإمام العلّامة المحدّث المفسّر الفقيه الحنبلي الأصولي أبو الحسن علي بن الحسين بن عروة المشرقي، ويعرف بابن زكنون أيضا. ولد قبيل سنة (760) ونشأ في ابتداء أمره جمّالا، ثم أعرض عن ذلك، وحفظ القرآن، وتفقه، وأخذ العلم عن طائفة كبيرة من العلماء الأعلام. وانقطع إلى الله تعالى في مسجد القدم بآخر أرض القبيات ظاهر دمشق يؤدّب الأطفال به احتسابا، مكبا على الاشتغال بما يعنيه. وحصلت له شدائد ومحن كثيرة فصبر واحتسب، وكانت له عناية بتحصيل نفائس الكتب وبالجمع، حتى إنه رتب «مسند الإمام أحمد بن حنبل» - الذي أشار إليه المؤلف- على أبواب البخاري، وشرحه في مائة وعشرين مجلدا، طريقته فيه أنه إذا جاء لحديث الإفك مثلا يأخذ نسخة من شرحه للقاضي عياض فيضعها بتمامها، وإذا مرّت مسألة فيها تصنيف مفرد لابن القيم أو لشيخه شيخ الإسلام ابن تيميّة أو غيرهما وضعه بتمامه، فكان كتابه من أهم المصادر التي نقلت عنها رسائل ابن تيمية ومصنّفاته التي أتلفت أو أحرقت على أيدي خصومه وأعوانهم. مات بمنزله في مسجد القدم سنة (837) وصلّي عليه هناك قبل الظهر ودفن في حديقة المسجد، وقد أوقف من كتبه الكثير على مدرسة الشيخ أبي عمر المقدسي في الصالحية قرب دمشق، وهي يومئذ من أحاسن المكتبات الإسلامية، وقد تقدمت ترجمته في ص (323- 324) من هذا المجلد، فلتراجع هناك. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 22) وفيه: «بير بضع» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 101) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 111) من المنسوخ.

كان إماما، علّامة. توفي في شوال عن ثمانين سنة. قاله في «ذيل الدول» . وفيها القاضي نور الدّين أبو الحسن علي بن شهاب الدّين أحمد الشّيشيني الحنبلي [1] الإمام العلّامة. قال العليمي: كان من أهل العلم، فقيها، مفتيا باشر نيابة الحكم بالدّيار المصرية، وكان يكتب على الفتوى كتابة جيدة، وأفتى في خلع الحيلة إن العمل على صحته ووقوعه، ورأيت خطه بذلك، وتقدم نظير ذلك في ترجمة ابن نصر الله البغدادي. انتهى ملخصا. وفيها ملك صنعاء عامر بن طاهر العدني اليماني [2] . وفيها قاضي القضاة نظام الدّين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الرّاميني المقدسي ثم الصالحي الحنبلي [3] الإمام العلّامة الواعظ الأستاذ. ولد ظنا سنة ثمانين وسبعمائة، فإن له حضورا على الشيخ الصّامت سنة أربع وثمانين، وسمع من والده، وعمه الشيخ شرف الدّين، وجماعة، وحضر عند ابن البلقيني، وابن المغلي، وغيرهما من الأئمة. وكان رجلا ديّنا يعمل الميعاد يوم السبت بكرة النهار على طريقة والده، وقرأ «البخاري» على الشيخ شمس الدّين بن المحبّ، وأجازه، وباشر نيابة الحكم بدمشق مدة، ثم استقلّ بالوظيفة بعد عزل ابن الحبّال سنة اثنتين وثلاثين، واستمرّت الوظيفة بينه وبين العزّ البغدادي دولا إلى أن مات البغدادي، وتوفي المترجم بصالحية دمشق ودفن بالرّوضة قريبا من والده وجده.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 187) و «المنهج الأحمد» الورقة (499) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 16) وانظر «طبقات صلحاء اليمن» ص (172) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 66) و «القلائد الجوهرية» (1/ 87) و «السحب الوابلة» ص (315)

وفيها شمس الدّين محمد بن علي الدمشقي ثم القوصي القاهري الشافعي، ويعرف بابن الفالاتي [1] . كان إماما عالما. توفي في ذي القعدة عن ست وأربعين سنة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 197) .

سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

سنة إحدى وسبعين وثمانمائة في حدودها توفي أحمد بن عروس المغربي التونسي [1] . قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان من أكابر الأولياء من أهل الجذب بتونس، له كرامات ظاهرة، وأحوال باهرة، منها أنه كانت الطيور الوحشية تنزل عليه وتأكل من يده. ومنها أنه كان عنده جمع وافر من الفقراء، فكان يمدّ يديه في الهواء ويحضر لهم ما يكفيهم من القوت. وكان مهابا جدّا، لا يقدر على لقائه كل أحد، يقشعر البدن لرؤيته. وكان جالسا على سطح فندق بتونس ليلا ونهارا، ولم يزل كذلك حتى مات. وفيها شهاب الدّين أحمد البيت لبدي الحنبلي [2] الإمام العلّامة. وفيها القاضي وجيه الدّين أسعد بن علي بن محمد بن المنجّى التّنوخي الحنبلي [3] . قال العليمي: كان من أهل الفضل ورواة الحديث الشريف، وهو من بيت مشهور بالعلماء، وتقدم ذكر أسلافه. باشر نيابة الحكم بدمشق عن بني مفلح وكانت سيرته حسنة. انتهى.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 259) . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (500) وفيه: «البيت ليدي» بالياء. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 279) و «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 120) من المنسوخ.

وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أحمد الخجندي المدني الحنفي [1] الإمام العالم. توفي في صفر ولم يكمل الثلاثين. وفيه قاضي القضاة شرف الدّين أبو زكريا يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف بن عبد السلام المناوي المصري الشافعي [2] جدّ الشيخ عبد الرؤوف المناوي شارح «الجامع الصغير» وذكره في «طبقاته» وأثنى عليه بما لا مزيد عليه. وقال السيوطي في «حسن المحاضرة» : هو شيخنا، شيخ الإسلام، ولد سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ولازم الشيخ ولي الدّين العراقي، وتخرّج به في الفقه والأصول، وسمع الحديث عليه، وعلى الشّرف بن الكويك، وتصدّر للإقراء والإفتاء، وتخرّج به الأعيان، وولي تدريس الشافعي، وقضاء الدّيار المصرية. وله تصانيف، منها: «شرح مختصر المزني» . وتوفي ليلة الاثنين ثاني جمادى الآخرة، وهو آخر علماء الشافعية ومحقّقيهم، وقد رثيته بقولي: قلت لمّا مات شيخ العصر حقّا باتّفاق ... حين صار الأمر ما بين جهول وفسّاق أيّها الدّنيا لك الويل إلى يوم التّلاق انتهى.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 277) و «التحفة اللطيفة» (2/ 246) . [2] ترجمته في «الدليل الشافي» (2/ 780) و «الضوء اللامع» (10/ 254) و «حسن المحاضرة» (1/ 445) و «ذيل رفع الإصر» ص (440) و «النجوم الزاهرة» (16/ 353) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 117- 118) من المنسوخ.

سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة

سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة قال في «ذيل الدول» [1] : في أواخر ربيعها الأول أمطرت السماء وقت العصر حصى أبيض زنة الحصاة ما بين رطل وأكثر وأقل، مع برق ورعد وظلمة، ثم وقع في عصر الذي يليه مطر على العادة، انتهى. وفيها توفي شهاب الدّين أحمد [2] بن عبد الرحمن [2] بن محمد بن خالد بن زهرا الحمصي الحنبلي [3] الإمام العالم. قرأ «المقنع» على عمّه القاضي شمس الدّين، و «ألفية ابن مالك» وبحثها عليه، وقرأ الأصول على الشيخ بدر الدّين العصياتي. وتوفي بحمص. وفيها تقي الدّين أبو العبّاس أحمد بن العلّامة كمال الدّين محمد بن محمد بن علي بن يحيى بن محمد بن خلف الله الشّمنّي [4]- بضم المعجمة والميم، وتشديد النون- القسنطيني [5] الحنفي هو، المالكي والده وجدّه. قال

_ [1] ذكر السخاوي هذا الخبر في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 122) من المنسوخ. [2، 2] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «السحب الوابلة» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 178) و «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «السحب الوابلة» ص (95) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 174) و «بغية الوعاة» وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه (1/ 375- 381) و «البدر الطالع» (2/ 174) و «الأعلام» (1/ 230) . [5] في «آ» و «ط» : «القسطنطيني» والتصحيح من مصادر الترجمة.

السيوطي في «بغية الوعاة» : هو شيخنا الإمام العلّامة المفسّر المحدّث الأصولي المتكلّم النّحوي البياني، إمام النّحاة في زمانه، وشيخ العلماء في أوانه. شهد بنشر علومه العاكف والبادي، وارتوى من بحار علومه [1] الظمآن والصّادي. وأما التفسير، فهو بحر [2] المحيط كشّاف دقائقه بلفظه الوجيز الفائق على الوسيط والبسيط. وأما الحديث، فالرحلة في الرواية والدّراية إليه، والمعوّل في حلّ مشكلاته وفتح مقفلاته عليه. وأما الفقه، فلو رآه النّعمان لأنعم به عينا، أو رام أحد مناظرته لأنشد: وألفى قولها كذبا ومينا [3] وأما الكلام، فلو رآه الأشعريّ لقرّبه وقرّ به، وعلم، أنه نصير الدّين ببراهينه وحججه المهذّبة المرتّبة. وأما الأصول: فالبرهان لا يقوم عنده بحجّة، وصاحب المنهاج لا يهتدي معه إلى محجّة. وأما النحو: فلو أدركه الخليل لاتّخذه خليلا، أو يونس لآنس به وشفى منه غليلا. وأما المعاني: فالمصباح لا يظهر له نور عند هذا الصباح، وما [ذا] يفعل المفتاح، مع من ألقت إليه المقاليد أبطال الكفاح؟ إلى غير ذلك من علوم معدودة، وفضائل مأثورة مشهودة:

_ [1] في «بغية الوعاة» : «من بحار فهومه» . [2] في «آ» و «ط» : «فبحره» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلّف وهو أصح. [3] قال الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله في تعليقه على «بغية الوعاة» : عجز بيت لعدي بن زيد، وهو من شواهد «الإيضاح» للقزويني ص (178) وصدره: وقدّدت الأديم لراهشيه..............

هو البحر لا بل دون ما علمه البحر ... هو البدر [لا] بل ما دون طلعته البدر هو النّجم لا بل دونه النّجم رتبة ... هو الدّرّ لا بل دون منطقه الدّرّ هو العالم المشهور في العصر والذي ... به بين أرباب النّهى افتخر العصر هو الكامل الأوصاف في العلم والتّقى ... فطاب به في كلّ ما قطر الذّكر محاسنه جلّت عن الحصر وازدهى ... بأوصافه نظم القصائد والنّثر ولد بإسكندرية في رمضان سنة إحدى وثمانمائة، وقدم القاهرة مع والده، وكان من علماء المالكية، فتلا على الزراتيتي، وأخذ عن الشمس الشّطّنوفي، ولازم القاضي شمس الدّين البساطي وانتفع به في الأصلين، والمعاني، والبيان، وأخذ عن الشيخ يحيى السّيرامي وبه تفقه، وعن العلاء البخاري، وأخذ الحديث عن الشيخ ولي الدّين العراقي، وبرع في الفنون، واعتنى به والده في صغره، وأسمعه الكثير من التّقي الزّبيري، والجمال الحنبلي، والشيخ ولي الدّين وغيرهم. وأجاز له السّراج البلقيني، والزين العراقي، والجمال ابن ظهيرة، والهيثمي، والكمال الدّميري، والحلاوي، والجوهري، والمراغي، وآخرون. وخرّج له صاحبنا الشيخ شمس الدّين السّخاوي «مشيخة» وحدّث بها وبغيرها، وخرّجت له «جزءا» فيه الحديث المسلسل بالنّحاة وحدّث به. وهو إمام، علّامة، مفنّن، منقطع القرين، سريع الإدراك. قرأ التفسير، والحديث، والفقه، والعربية، والمعاني، والبيان، والأصلين، وغيرها، وانتفع به الجمّ الغفير، وتزاحموا عليه، وافتخروا بالأخذ عنه، مع العفّة، والخير، والتواضع، والشهامة، وحسن الشكل، والأبّهة والانجماع عن بني الدّنيا. وأقام بالجمالية مدة. ثم ولي المشيخة والخطابة بتربة قايتباي الجركسي بقرب الجبل، وطلب لقضاء الحنفية بالقاهرة سنة ثمان وستين فامتنع، وصنّف «شرح المغني» لابن هشام، و «حاشية على الشفا» و «شرح مختصر الوقاية» في الفقه و «شرح نظم النّخبة» في الحديث لوالده [1] . وله النّظم الحسن.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ولوالديه» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.

ولم يزل الشيخ يودّني، ويحبّني، ويعظّمني [1] ، ويثني عليّ كثيرا. وتوفي- رحمه الله تعالى- قرب العشاء ليلة الأحد سابع عشري ذي الحجّة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن صالح بن عمر المرعشلي الحلبي [2] الإمام العالم العلّامة. توفي في ذي الحجّة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن أسد بن عبد الواحد الأميوطي الشافعي [3] الإمام العالم. توفي في ذي الحجّة أيضا بين الحرمين. قاله في «ذيل الدول» . وفيها الملك جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني [4] صاحب العراقين. وفيها السلطان الملك الظّاهر سيف الدّين أبو سعيد خشقدم الناصري [5] . قال في «الأعلام» : ولي السلطنة يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة خمس وستين وثمانمائة، وهو روميّ جلبه الخواجا ناصر الدّين وبه عرف، واشتراه المؤيد شيخ وأعتقه، وصار خاصكيا عنده، وتقلّب في الدولة إلى أن جعله الأشرف إينال أتابكا لولده، فخلعه وتسلطن مكانه، وكان محبا للخير وكسا الكعبة الشريفة في أول ولايته على العادة، ولكن كانت كسوة الجانب الشرقي

_ [1] في «آ» : «ويعظني» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 254) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 227) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 124) من المنسوخ. و «نظم العقيان» ص (36) . [4] ترجمته في «الدليل الشافي» (1/ 252) و «النجوم الزاهرة» (16/ 384) و «الضوء اللامع» (3/ 80) . [5] ترجمته في «النجوم الزاهرة» (16/ 253) و «الدليل الشافي» (2/ 286) و «الضوء اللامع» (3/ 176) .

والجانب الشامي بيضاء بجامات سود، وفي الجامات التي بالجانب الشرقي بعض ذهب، وأرسل في سنة ست وستين منبرا. وكانت مدة سلطنته ست سنين ونصفا تقريبا. ومرض فطال مرضه. وتوفي يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول. وتسلطن في ذلك اليوم الملك الظّاهر أبو النصر بلباي المؤيدي وهو الرابع عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وكان ضعيفا عن تدبير الملك وتنفيذ الأمور، فخلعه الأمراء من السلطنة في يوم السبت لسبع مضين من جمادى الأولى، فكانت مدة سلطنته شهرين إلّا أربعة أيام. وتسلطن بعد خلعه عوضا عنه الملك الظّاهر أبو سعيد تمربغا الظّاهري وهو الخامس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بمصر، وكان له فضل وصلاح وتودّد للناس وحذق ببعض الصنائع، بحيث صار يعمل القسي الفائقة بيده، ويعمل السّهام عملا فائقا، ويرمي بها أحسن رمي، مع الفروسية التّامة، ومع ذلك ما صفا له دهره يوما. ورماه عن كبد قوسه أبعد مرمى، وما زال به الأمر إلى أن خلعوه ونفوه إلى الإسكندرية. وولي السلطنة الملك الأشرف قايتباي المحمودي في ظهر يوم الاثنين. سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وهو السادس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بمصر. انتهى أي وكانت سلطنة الظّاهر تمربغا شهرين إلا يوما واحدا. وفيها عبد الأول بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدي المكّي الحنفي [1] الإمام العالم. توفي في ربيع الأول عن أربع وخمسين سنة. وفيها نور الدين علي بن نرد بك [2] الفخري [3] الحنفي الإمام الفاضل أحد الأفراد.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 21) . [2] في «الضوء اللامع» : «ابن برد بك» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 196- 170) .

توفي في رمضان عن ثلاث وثلاثين سنة. وفيها القاضي محب الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن الجناق القرشي الحنبلي [1] الإمام العلّامة. اشتغل ودأب، وقرأ على الشيخ تقي الدّين بن قندس، ثم على الشيخ علاء الدّين المرداوي، وأذن له في الإفتاء، وولي نيابة الحكم بالدّيار المصرية، فباشره بعفّة. وكان يلقي الدروس الحافلة، ويشتغل عليه الطلبة، ولما استخلفه القاضي عزّ الدّين في سنة ست وستين وثمانمائة أنشد لنفسه: إلهي ظلمت النّفس إذ صرت قاضيا ... وأبدلتها بالضّيق من سعة الفضا وحمّلتها ما لا تكاد تطيقه ... فأسألك التّوفيق واللّطّف في القضا وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد العمري العليمي- نسبة إلى سيدنا علي بن عليل المشهور عند الناس بعلي بن عليم، والصحيح أنه عليل باللام وهو من ذريّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه- الحنبلي المقدسي [2] . قال ولده في «طبقات الحنابلة» : ولد في سنة سبع وثمانمائة بالرّملة، ونشأ بها، ثم توجه إلى مدينة صفد، فأقام بها، وقرأ القرآن وحفظه برواية عاصم، وأتقنها، وأجيز بها من مشايخ القراءة، ثم عاد إلى مدينة الرّملة، واشتغل بالعلم على مذهب الإمام أحمد، وحفظ «الخرقي» [3] وكل أسلافه شافعية لم يكن فيهم حنبلي سواه، وهو من بيت كبير. ثم اجتهد في تحصيل العلم، وسافر إلى الشام، ومصر، وبيت المقدس. وأخذ عن علماء المذهب وأئمة الحديث، وفضل في فنون من العلم، وتفقّه بالشيخ يوسف المرداوي، وبرع في المذهب، وأفتى،

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 72) و «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «السحب الوابلة» ص (350) . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (500) و «السحب الوابلة» ص (384) . [3] يعني «مختصر الخرقي» .

وناظر، وأخذ الحديث عن جماعة من أعيان العلماء، وقرأ «البخاري» مرارا و «الشفا» كذلك، وكتب بخطه الكثير، وكان بارعا في العربية، خطيبا، بليغا. وصنّف في الخطب، وولي قضاء الرّملة استقلالا، ولم يعلم أن حنبليا قبله [1] وليها، ثم ولي قضاء القدس مدة طويلة، ثم أضيف إليه قضاء بلد الخليل عليه السلام، ثم ولي قضاء الرّملة تسعة وخمسين يوما إلى أن دخل الوباء، فتوفي بالطّاعون يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة. انتهى ملخصا.

_ [1] لفظة «قبله» سقطت من «آ» .

سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة

سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة فيها توفي جمال الدّين محمد بن أبي بكر النّاشري الصّامت [1] . قال المناوي في «طبقاته» : برع في الفقه، وشارك في عدة فنون، ثم أقبل على التعبّد والتزهّد، وترك الرئاسة، وحبّ الخمول والعزلة واستقل بخويصة نفسه حتى مات ولم يخلف بعده مثله. انتهى [2] .

_ [1] لعله المترجم في «الضوء اللامع» (7/ 187) رقم (441) مع العلم بأن السخاوي قال في ترجمته: مات بعد الثمانمائة. [2] قلت: وفيها مات العلّامة المحقّق محمد بن إبراهيم الشّرواني، أحد أفراد الدهر في علوم المعقولات. كان حسن العشرة، مع المودّة البالغة، والمحاسن الجنّة. مات في مستهل شهر صفر. انظر ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 48) و «نظم العقيان» ص (135) .

سنة أربع وسبعين وثمانمائة

سنة أربع وسبعين وثمانمائة فيها توفي جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن الأمير الكبير سيف الدّين تغري بردي [1] الحنفي [2] الإمام العلّامة. ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة [3] وثمانمائة، وربّاه زوج أخته قاضي القضاة ناصر الدّين بن العديم الحنفي إلى أن مات، فتزوج بأخته جلال الدّين البلقيني الشافعي، فتولى تربيته، وحفظ القرآن العزيز، ولما كبر اشتغل بفقه الحنفية، وحفظ «القدوري» وتفقه بشمس الدّين محمد الرّومي، وبالعيني وغيرهما، وأخذ النحو عن التّقي الشّمنّي ولازمه كثيرا، وتفقه به أيضا، وأخذ التصريف عن الشيخ علاء الدّين الرّومي وغيره، وقرأ «المقامات الحريرية» على قوام الدّين الحنفي، وأخذ عنه العربية أيضا، وقطعة جيدة من علم الهيئة، وأخذ البديع والأدبيات عن الشّهاب بن عربشاه الحنفي وغيره، وحضر على ابن حجر العسقلاني، وانتفع به، وأخذ عن أبي السّعادات ابن ظهيرة، وابن العليف، وغيرهما، ثم حبّب إليه علم التاريخ، فلازم مؤرخي عصره، مثل العيني، والمقريزي، واجتهد في ذلك إلى

_ [1] قال الأستاذ العلّامة خير الدّين الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمة المترجم من «الأعلام» (8/ 222) تغري بردي: تترية، بمعنى «عطاء الله» أو «الله أعطى» كان يكتبها الأتراك «تكري ويردي» ويلفظون الكاف نونا، والواو أقرب إلى ال بحركة بين الفتح والكسر. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 305) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 143) و «البدر الطالع» (2/ 351) و «دائرة المعارف الإسلامية» (1/ 396) و «بدائع الزهور» (3/ 45) و «إنباء الهصر» ص (175) و «الأعلام» (8/ 222- 223) . [3] في معظم المصادر: «ولد سنة ثلاث عشرة» .

الغاية، وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوره، وصحة فهمه، ومهر، وكتب، وحصّل، وصنّف، وانتهت إليه رئاسة هذا الشأن في عصره، وسمع شيئا كثيرا من كتب الحديث، وأجازه جماعات لا تحصى مثل ابن حجر، والمقريزي، والعيني. ومن مصنفاته كتاب «المنهل الصّافي [1] والمستوفي بعد الوافي» في ستة مجلدات [2] ، ومختصره المسمى ب- «الذيل [3] الشّافي على المنهل الصّافي [1] ومختصر سمّاه «مورد اللطافة في ذكر من ولي السلطنة والخلافة» [4] و «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» [5] وذيل على «الإشارة» للحافظ الذهبي سماه ب «البشارة في تكملة الإشارة» [6] وكتاب «حلية الصفات في الأسماء والصناعات» مرتبا على الحروف، وغير ذلك. ومن شعره: تجارة الحبّ غدت ... في حبّ خود كاسده ورأس مالي هبة ... لفرحتي بفائدة ومنه مواليا في عدة ملوك التّرك: أيبك قطن يعقبو بيبرس ذو الإكمال ... بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال لاجين بيبرس برقوق شيخ ذو الإفضال ... ططر برسباي جقمق ذو العلا إينال وتوفي في ذي الحجّة.

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] بدئ نشره في مصر منذ سنوات عديدة، وقد صدر منه ست مجلدات كبار حتى الآن، وهي محققة تحقيقا جيدا. [3] كذا قال، والمعروف في اسمه «الدليل ... » وهو مطبوع في مجلدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة بتحقيق الأستاذ المحقق فهيم محمد شلتوت، وهي طبعة متقنة محررة مفهرسة. [4] طبع قديما جدا في كمبردج سنة (1207) هـ- ومنه نسخ خطية كثيرة في بلدان مختلفة. [5] وقد طبع في مصر منذ سنوات عديدة وقام بتحقيقه عدد كبير من الأساتذة المحققين. [6] وهو جدير بالنشر إن توفرت نسخه الخطية.

وفيها زين الدّين عمر بن محمد بن أحمد بن عجيمة الحنبلي [1] الإمام العالم الفقيه الصالح. توفي بمردا في هذه السنة، رحمه الله. وفي حدودها زين الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبّال الحنبلي الطرابلسي [2] . قال العليمي في «طبقاته» : سكن بصالحية دمشق مدة يقرئ بها القرآن والعلم، وكان يباشر نيابة الحكم عن قاضي القضاة شهاب الدّين بن الحبّال، ثم تركها، وأقبل على الاشتغال بالعلم، وأخبرت أنه كان يأكل في كل سنة مشمشة واحدة، ومن الخوخ سبعة، ولا يأكل طعاما بملح. انتهى. وفي حدودها أيضا شمس الدّين محمد بن محمد اللؤلؤي الحنبلي [3] . ولد سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان من الصالحين، وله سند عال في الحديث الشريف. قاله العليمي أيضا.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (323) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 43) و «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (194) . [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (451) .

سنة خمس وسبعين وثمانمائة

سنة خمس وسبعين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أبو الطّيب أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي القاهري الشافعي، المعروف بالشهاب الحجازي [1] الشاعر المفلق. ولد في شعبان سنة تسعين وسبعمائة، وسمع على المجد الحنفي، والبرهان الأبناسي، وأجاز له العراقي، والهيثمي، وعني بالأدب كثيرا، حتى صار أوحد أهل زمانه، وصنّف كتاب أديبة، منها «روض الآداب» و «القواعد» و «المقامات» و «التذكرة» وغير ذلك. ونظم، ونثر، وطارح، وكتب الخط الحسن، وتميّز في فنون، لكنه هجر ما عدا الأدب منها، وأثنى عليه الأكابر، مع المداومة على التّلاوة والكتابة وحسن العشرة، والمجالسة، وحلو الكلام، وطرح التكلّف، والمحاسن الوافرة. وتوفي في شهر رمضان [2] . وفيها المولى علاء الدّين علي بن محمود بن محمد بن مسعود بن محمود بن محمد بن محمد بن محمد بن عمر الشّاهرودي [3]- نسبة إلى قرية قريبة من بسطام- البساطمي- وبسطام بلدة من بلاد خراسان- الهروي الرّازي

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 147) و «حسن المحاضرة» (1/ 573) و «ذيل معجم الشيوخ» لابن فهد ص (345) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 148) . [2] ومن نظمه ما أورده في «الضوء اللامع» و «الذيل التام» : قالوا إذا لم يخلّف ميّت ذكرا ... ينسى، فقلت لهم في بعض أشعاري: بعد الممات أصيحابي ستذكرني ... بما أخلّف من أولاد أفكاري [3] تحرفت في «ط» إلى «الشاهرودي» .

العمري البكري الحنفي [1] الشهير بمصنّفك، لقّب بذلك لاشتغاله بالتصنيف في حداثة سنّة، والكاف للتصغير في لغة العجم، وهو من أولاد الإمام فخر الدّين الرّازي، فإن صاحب الترجمة قال في بعض تصانيفه: كان للإمام الرازي ولد اسمه محمد، وكان الإمام يحبّه كثيرا. وأكثر مصنفاته صنّفه لأجله، وقد ذكر اسمه في بعضها. ومات محمد في عنفوان شبابه، وولد له ولد بعد وفاته وسمّوه أيضا محمدا. وبلغ رتبة أبيه في العلم ثم مات، وخلّف ولدا اسمه محمود، وبلغ أيضا رتبة الكمال، ثم عزم على سفر الحجاز، فخرج من هراة، فلما وصل بسطام أكرمه أهلها لمحبّتهم للعلماء، سيما أولاد فخر الدّين الرازي، فأقام هناك بحرمة وافرة، وخلّف ولدا اسمه مسعود، وسعى في تحصيل العلم، لكنه لم يبلغ رتبة آبائه، وقنع برتبة الوعظ، لأنه لم يهاجر، وخلّف ولدا اسمه محمد أيضا [2] ، فحصّل من العلوم ما يقتدي به أهل تلك البلاد، ثم خلّف ولدا اسمه مجد الدّين محمود، فصار هو أيضا مقتدى الناس في العلم، وهو والدي. انتهى. وولد مصنّفك في سنة ثلاث وثمانمائة، وسافر مع أخيه إلى هراة لتحصيل العلوم في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وقرأ على المولى جلال الدّين يوسف الأوبهي تلميذ التفتازاني، وعلى قطب الدّين الهروي، وقرأ فقه الشافعي على الإمام عبد العزيز الأبهري، وفقه الحنفية على الإمام فصيح الدّين بن محمد. ولما أتى بلاد الرّوم صار مدرسا بقونية، ثم عرض له الصّمم، فأتى قسطنطينية، فعيّن له السلطان محمد كل يوم ثمانين درهما، وروي عنه أنه قال: لقيت بعض المشايخ من بلاد العجم وجرى بيننا مباحثه، وأغلظت القول في أثنائها، ولما انقطع البحث قال لي: أسأت الأدب عندي وإنك تجازي بالصّمم، وبأن لا يبقى بعدك عقب. وكان إماما، عالما، علّامة، صوفيا. أجيز له بالإرشاد من بعض خلفاء زين الدّين الخوافي، وكان جامعا بين رئاستي العلم والعمل، ذا شيبة عظيمة نيّرة.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (100- 102) و «البدر الطالع» (1/ 497) و «الفتح المبين» (3/ 45- 46) . [2] لفظة «أيضا» سقطت من «ط» .

وكان يلبس عباء وعلى رأسه تاج، وحضر هو وحسن جلبي الفناري عند محمود باشا الوزير، فذكر حسن جلبي تصانيف المولى مصنّفك، وقال: قد رددت عليه في كثير من المواضع، ومع ذلك فقد فضّلته عليّ في المنصب. وكان حسن جلبي لم ير مصنّفك قبل، فقال له الوزير: هل تعرف مصنّفك؟ قال: لا. فقال: هذا هو- وأشار إليه- فخجل حسن جلبي، فقال له الوزير: لا تخجل فإن به [1] صمما لا يسمع أصلا. وكان سريع الكتابة، يكتب لك يوم كرّاسا من تصنيفه. وكان يقرّر للطلبة بالكتابة. ومن تصانيفه «شرح الإرشاد» و «شرح المصباح» في النحو، و «شرح آداب البحث» و «شرح اللباب» و «شرح المطول» و «شرح المفتاح» للتفتازاني، و «حاشية على التلويح» و «شرح البزدوي» و «شرح القصيدة الروحية» لابن سينا، و «شرح الوقاية» و «شرح الهداية» و «حدائق الإيمان لأهل العرفان» و «شرح المصابيح» للبغوي، و «شرح شرح المفتاح» للسيد، و «حاشية على حاشية شرح المطالع» وشرح بعضا من أصول فخر الإسلام البزدوي، و «شرح الكشّاف» وصنّف باللّسان الفارسي «أنوار الأحداق» و «حدائق الإيمان» و «تحفة السلاطين» و «التحفة المحمودية» و «التفسير الفارسي» أجاد في ترتيبه واعتذر عن تأليفه بهذا اللّسان أنه أمره بذلك السلطان محمد خان والمأمور معذور. وله أيضا «شرح الشمسية» باللسان الفارسي، و «حاشية على شرح الوقاية» لصدر الشريعة، و «حاشية على شرح العقائد» وغير ذلك. وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقسطنطينية، ودفن قرب مزار أبي أيوب الأنصاري. وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمد بن الإمام النابلسي الحنبلي [2] .

_ [1] في «الشقائق» : «فإن له» . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (451) .

ولي قضاء نابلس [1] وباشر قضاء الرّملة، وكان إماما، عالما. وتوفي بنابلس [1] في جمادى الآخرة. وتوفي ولده عبد المؤمن [2] قبله في سنة سبعين.

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ذكر العليمي خبر وفاته عقب ترجمة أبيه في «المنهج الأحمد» الورقة (504) .

سنة ست وسبعين وثمانمائة

سنة ست وسبعين وثمانمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن محمد بن مفلح الحنبلي [1] الكفل حارسي، الإمام العالم الخطيب المقرئ. توفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجّة بكفل حارس [2] ، ودفن بحرم المسجد الكبير عند قبر جدّه. وفيها قاضي القضاة عزّ الدّين أبو البركات أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل، ثم المصري [3] الحنبلي الإمام [4] العالم العامل المفنّن الورع الزّاهد المحقّق المتقن، شيخ عصره وقدوته. ولد في ذي القعدة سنة ثمانمائة، وتوفي والده وهو رضيع، فنشأ هو واشتغل بالعلم وبرع، ولقي المشايخ، وروى الكثير، ودأب في الصغر، وحصّل أنواعا من العلوم، ثم باشر نيابة الحكم بالدّيار المصرية عن ابن سالم، ثم عن ابن المغلي، ثم عن المحبّ ابن نصر الله، ثم ولي قضاء الدّيار المصرية. وكان ورعا، زاهدا، باشر بعفّة ونزاهة وصيانة وحرمة، مع لين جانب، وتواضع، وعلت كلمته، وارتفع أمره عند السلاطين وأركان الدولة والرّعية، وكتب

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (35) . [2] كفل حارس: قرية تقع في الجنوب الغربي من نابلس على بعد 23 كيلو مترا، وبها عدد كبير من الآثار. انظر «معجم بلدان فلسطين» للأستاذ محمد محمد شرّاب ص (631- 632) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 205) و «حسن المحاضرة» (1/ 484) و «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (42) . [4] لفظة «الإمام» سقطت من «آ» .

الكثير في علوم شتّى ولكن لم ينتفع بما كتبه لإخماله لذلك، ودرّس وأفتى، وناظر، وله من التصانيف «مختصر المحرّر» في الفقه وتصحيحه ونظمه، ومنظومات متعددة في علوم عديدة، فقها، ونحوا، وأصولا، وتصريفا، وبيانا، وبديعا، وحسابا، وغير ذلك. وله من غير النظم «توضيح الألفية وشرحها» و «شروح» غالب هذه المنظومات وتوضيحاتها، إلى غير ذلك من التواريخ والمجاميع. واختصر «تصحيح الخلاف المطلق في المقنع» للشيخ شمس الدّين بن عبد القادر النابلسي. وكان ينظم الشّعر الحسن، وكان مرجع الحنابلة في الديار المصرية إليه، ولم يزل كذلك إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر جمادى الأولى، وصلّى عليه السلطان قايتباي والقضاة وأركان الدولة. وكانت جنازته حافلة، ودفن بالصحراء من القاهرة. وفيها شمس الدّين [1] محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد القلقشندي القاهري الشافعي [2] الإمام العالم. توفي في ربيع الأول عن نحو ثمانين سنة. وفيها نجم الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزّرعي ثم الدمشقي [3] الشافعي الإمام العلّامة المفنّن، المعروف بابن قاضي عجلون. أخذ عن علماء عصره، وبرع، ومهر، وأخذ عنه من لا يحصى. وتوفي في شوال عن خمس وأربعين سنة. وفي حدودها أمّ عبد الله نشوان بنت الجمال عبد الله بن علي الكنانية ثم المصرية الحنبلية الرئيسة [4] .

_ [1] في «الضوء اللامع» و «الذيل التام» : «نجم الدين» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 322) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 155) من المنسوخ. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 96) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 154- 155) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (150) و «بدائع الزهور» (3/ 69) . [4] ترجمتها في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «الضوء اللامع» (12/ 129) و «السحب الوابلة» ص (519) .

روت عن العفيف النشاوري وغيره، وروى عنها جماعة من الأعيان، منهم القاضي كمال الدّين الجعفري النابلسي وغيره، وكانت خيّرة صالحة، وتقدم ذكر والدها جمال الدّين، المعروف بالجندي، وهي من أقارب القاضي عزّ الدّين الكناني، وكانت على طريقته في العفّة والزّهد، حتى في قبول الهدية [1] وتوفيت بالقاهرة [1] .

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

سنة سبع وسبعين وثمانمائة

سنة سبع وسبعين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور العامري الرّملي الشافعي [1] الإمام العالم العلّامة. توفي ليلة نصف شعبان عن بضع وسبعين سنة. وفيها علي بن أحمد بن عثمان بن محمد بن إسحاق السّلمي [2] المناوي الأصل القاهري [3] الإمام العالم. توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الأول عن أربع وستين سنة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 161) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (43) . [2] تحرفت نسبته في «ط» إلى «السّالمي» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 169) .

سنة ثمان وسبعين وثمانمائة

سنة ثمان وسبعين وثمانمائة فيها توفي إبراهيم بن عبد ربّه الصّوفي [1] . قال المناوي في «طبقاته» : زاهد مشهور بالصّلاح، معدود من ذوي الفلاح. أخذ عن الشيخ محمد الغمري، والشيخ مدين، وغيرهما. وكان مقيما في خلوة بجامع الزاهد، وللناس فيه اعتقادا، وربما لقّن الذكر، وسلك، بل كان من أرباب الأحوال، دخل مرّة بيت الشيخ مدين في مولده، فأكل الطعام المولد كله، وأكل مرّة لحم بقرة كاملة، ثم طوي بعدها سنة. ومن كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدّين إمام جامع الغمري أنه قال له: بعدك نسأل في مهماتنا من؟ قال: من بينه وبين أخيه ذراع من تراب فاسألني أجيبك، فمرضت بنته، فالتمسوا لها بطيخة فما وجدت، فجاء إلى قبره وقال: الوعد، ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلّم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت [2] . ومناقبه كثيرة. وتوفي في صفر ودفن بباب جامع الزاهد. وفيها بدر الدّين حسن بن أحمد [بن حسن بن أحمد] بن عبد الهادي، المشهور بابن المبرد [3] الحنبلي، الإمام العالم القاضي.

_ [1] كتاب «طبقات الأولياء» للمناوي، مخطوط لم يطبع بعد وغير متوفر بين أيدينا. [2] هذه إحدى المبالغات والشطحات الكثيرات التي يتداولها المتصفون بالصوفية وما لها من دليل أو رصيد، فمن أين لميت أن يتصرف من قبره أيا كانت منزلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ولد آدم وأعظمهم منزلة عنده في الدنيا والآخرة انتهت صلته الجسمية والتصرفية فيما يتصل بعالم الأحياء بموته صلى الله عليه وسلم، والله نسأل أن يلهمنا الاعتقاد السليم والتطبيق السّليم لدينه دون زيادة أو نقصان. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 92) وما بين الحاصرتين زيادة منه.

باشر نيابة الحكم بدمشق مدة، وتوفي بها في رجب. وفيها خطّاب بن عمر بن مهنّا الغزّاوي العجلوني الدمشقي الشافعي [1] الإمام العالم. توفي بدمشق في رمضان وقد قارب السبعين. وفيها زين الدّين عبد القادر بن عبد الله بن العفيف الحنبلي [2] الشيخ الإمام العالم. توفي بنابلس في ذي الحجّة. وفيها نور الدّين علي بن إبراهيم بن البدرشي المالكي القاهري الأصل [3] القاضي الإمام العالم. توفي ببيت المقدس في مستهل جمادى الأولى قاضيا بها.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 181) . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (226) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 160) .

سنة تسع وسبعين وثمانمائة

سنة تسع وسبعين وثمانمائة فيها تقريبا توفي المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري الحنفي [1] الإمام العلّامة. قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، قسّم أيّامه بين العلم والعبادة، وكان يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابة للتواضع، وكان يحبّ الفقراء والمساكين، ويعاشر الصّوفية. وكان مدرّسا بالمدرسة الحلبية بأدرنة، وكان ابن عمّه المولى علي الفناري قاضيا بالعسكر في أيام السلطان محمد خان، فدخل عليه، وقال: استأذن من السلطان إني أريد أن أذهب إلى مصر لقراءة كتاب [2] «مغني اللبيب» في النحو على رجل مغربي سمعته بمصر يعرف ذلك الكتاب غاية المعرفة، فعرضه على السلطان فأذن له، وقال: قد اختل دماغ ذلك المرء، وكان السلطان محمد لا يحبه لأجل أنه صنّف «حواشيه على التلويح» باسم السلطان بايزيد في حياة والده، ثم إنه دخل إلى مصر، وكتب كتاب «مغني اللبيب» بتمامه، وقرأه على ذلك المغربي قراءة تحقيق وإتقان، وكتب ذلك المغربي بخطّه على ظهر كتابه إجازة له في ذلك الكتاب، وقرأ هناك «صحيح البخاري» على بعض تلامذة ابن حجر، وحصل له منه إجازة في ذلك الكتاب، وفي رواية الحديث عنه، ثم إنه حجّ، وأتى بلاد الرّوم، وأرسل كتاب «مغني اللبيب» إلى السلطان محمد، فلما نظر فيه زال عنه تكدر خاطره عليه، وأعطاه مدرسة أزنيق، ثم إحدى الثمان، وكان يذهب بعد الدرس إلى زيارة قاضي زادة، وفي الغد يزوره قاضي زاده، ثم عيّن له في كل يوم

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 127) وفيه وفاته سنة (886) و «الشقائق النعمانية» ص (114- 115) والبدر الطالع» (1/ 208) وفيه وفاته سنة (886) و «الأعلام» (2/ 216- 217) وفيه أيضا وفاته سنة (886) . [2] لفظة «كتاب» سقطت من «ط» .

ثمانين درهما. وسكن ببرسا إلى أن مات، وله «حواش على المطول» و «حواش على شرح المواقف» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» للعلّامة التفتازاني، وكلها مقبولة متداولة. وفيها المولى خير الدّين خليل بن قاسم بن حاجي صفارح الحنفي [1] . قال في «الشقائق» : وهو جدّي لوالدي، كان جدّه الأعلى أتى من بلاد العجم إلى بلاد الرّوم هاربا من فتنة جنكز خان، وتوطن في نواحي قصطموني، وكان صاحب كرامات يستجاب الدّعاء عند قبره [2] ، وولد له ولد اسمه محمود، حصّل شيئا من الفقه والعربية، ولم يترق إلى درجة الفضيلة، وولد له ولد اسمه أحمد، وهو أيضا كان عارفا بالعربية والفقه، ولم يبلغ مبلغ الفضيلة، وولد له ولد اسمه حاج صفا، كان فقيها، عابدا، صالحا، ولم تكن له فضيلة زائدة، وولد له ولد اسمه قاسم، مات وهو شاب في طلب العلم، وولد له صاحب الترجمة، وقد بلغ مبلغ الفضيلة. قرأ في بلاده مباني العلوم، ثم سافر إلى مدينة برسا، وقرأ هناك على ابن البشير، ثم سافر إلى أدرنة، وقرأ هناك على أخي مولانا خسرو، وقرأ الحديث والتفسير على المولى خير الدّين العجمي، ثم أتى مدينة برسا، وقرأ على المولى يوسف بالي بن المولى شمس الدّين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى بيكان [3] ، واشتهر عنده بالفضيلة التامة، وأرسله إلى مدرسة مظفر الدّين الواقعة في بلدة طاش كبري من نواحي قسطموني [4] ، وعيّن له كل يوم ثلاثون درهما لوظيفة التدريس، وخمسون درهما من محصول كرة النحاس، وعاش هناك في نعمة وافرة وعزّة متكاثرة، ثم عزله السلطان محمد لما أخذ تلك البلاد من يد إسماعيل بك،

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (72- 74) . [2] أقول: وهذه أيضا من الشطحات، فإنه لا يجوز الدعاء عند قبره. (ع) . [3] في «آ» و «ط» : «بكان» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» . [4] في «آ» و «ط» : «قصطموني» بالصاد، وما أثبته من «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف. وجاء في حاشية الدكتور إحسان حقي على «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (139) ما نصه: قسطموني: في شمال الأناضول على بعد نحو مائة كم عن البحر الأسود. قلت: وتعرف الآن ب «قسطمونة» .

فذهب إلى كرة النحاس، فكان يعظ الناس هناك في كل جمعة. وتوفي هناك. انتهى ملخصا. وفيها زين الدّين قاسم بن قطلوبغا [1] بن عبد الله الجمالي [2] المصري [3] نزيل الأشرفية الحنفي العلّامة المفنّن. قال البرهان البقاعي في «عنوان الزمان» : ولد سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا بالقاهرة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، ثم أخذ في الجدّ، حتّى شاع ذكره، وانتشر صيته، وأثنى عليه مشايخه، وصنّف التصانيف المفيدة، فمن تصانيفه «شرح درر البحار» و «تخريج أحاديث الاختيار» بيض في جزءين، و «رجال شرح معاني الآثار للطحاوي» بيض في مجلد، و «تخريج أحاديث البزدوي» في الأصول مجلد لطيف، و «أحاديث الفرائض» كذلك، و «تخريج أحاديث شرح القدوري» للأقطع، مجلد لطيف. «وثقات الرجال» كمل في أربع مجلدات، و «تصحيح على مجمع البحرين» لابن الساعاتي، و «شرح فرائض المجمع» و «حاشية على التلويح» وصل فيها إلى أثناء بحث السنة في مجلد، و «شرح منظومة ابن الجزري» في علم الحديث المسماة ب «الهداية» ، وغير ذلك [4] مما غالبه في المسودات إلى الآن [5] . انتهى ملخصا. وأخذ عن ابن الهمام وغيره [4] من علماء عصره، وأخذ عنه من لا يحصى كثرة.

_ [1] قال صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح التركماني، نفع الله به، في مقدمته لكتاب المترجم «تاج التراجم» ص (3) : قطلوبغا: اسم مركّب من كلمتين، هما «قطلو» بمعنى المبارك أو الميمون. و (بغا) بمعنى الفحل. والاسم يعني بجملته: الفحل المبارك، أو الفحل الميمون. [2] في «ط» : «الجمال» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 184) و «البدر الطالع» (2/ 45) و «الفوائد البهية» ص (99) و «هدية العارفين» (1/ 830) و «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» (3/ 48) وقد استوفى ترجمته صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح في مقدمته لكتاب المترجم «تاج التراجم» ص (3- 26) الصادر بتحقيقه حديثا عن دار المأمون للتراث بدمشق. [4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [5] قلت: وقد أحصى الأستاذ إبراهيم صالح مؤلفاته في مقدمته لكتاب «تاج التراجم» فبلغت مائة وثلاثة مؤلفات.

وبالجملة فهو من حسنات الدّهر، رحمه الله تعالى. وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وسبعين سنة. وفيها الظّاهر أبو سعيد تمربغا الرّومي الظّاهري الجقمقي [1] . ولي السلطنة قليلا ثم خلع، مع مزيد عقله، وتودده، ورئاسته، وفصاحته. توفي بالإسكندرية في ذي الحجّة وقد جاوز الستين. وفيها العادل خشقدم خير بك الدوادار [2] . خلع المترجم قبله، وتسلطن ليلا، ولقّب بالعادل، ثم أمسك وصودر، وسجن بالإسكندرية. وتوفي في ربيع الثاني ببيت المقدس. وفيها محيى الدّين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرّومي البرعمي الحنفي، المعروف بالكافيجي [3] لقّب بذلك لكثرة اشتغاله بكتاب «الكافية» في النحو. قال السيوطي في «بغية الوعاة» : شيخنا العلّامة أستاذ الأستاذين. ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالعلم أوّل ما بلغ، ورحل إلى بلاد العجم والتتر، ولقي العلماء الأجلاء، فأخذ عن الشمس الفنري، والبرهان حيدرة، والشيخ واجد، وابن فرشته شارح «المجمع» وغيرهم. ورحل إلى القاهرة أيام الأشرف برسباي فظهرت فضائله، وولي المشيخة بتربة الأشرف المذكور، وأخذ عنه الفضلاء والأعيان، ثم ولي مشيخة الشيخونية لما رغب عنها ابن الهمام.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 40) و «تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين» على هامش «لطائف أخبار الأول ص (140) . [2] ترجمته في «بدائع الزهور» (3/ 97) وفيه «خاير بك» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 259) وفيه: «ابن سعيد» و «بغية الوعاة» (1/ 117) .

وكان الشيخ إماما كبيرا في المعقولات كلها والكلام، وأصول الفقه، والنحو، والتصريف، والإعراب، والمعاني، والبيان، والجدل، والمنطق، والفلسفة [1] والهيئة بحيث لا يشقّ أحد غباره في شيء من هذه العلوم. وله اليد الحسنة في الفقه، والتفسير [1] والنظر في علوم الحديث وألّف فيه. وأما تصانيفه في العلوم العقلية فلا تحصى بحيث إني سألته أن يسمي لي جميعها لأكتبها في ترجمته، فقال: لا أقدر على ذلك. قال: ولي مؤلفات كثيرة أنسيتها، فلا أعرف الآن أسماءها. وأكثر تصانيف الشيخ مختصرات، وأجلّها وأنفعها على الإطلاق «شرح قواعد الإعراب» و «شرح كلمتي الشهادة» . وله «مختصر في علوم الحديث» و «مختصر في علوم التفسير» يسمّى «التيسير» قدر ثلاث كراريس. وكان يقول: إنه اخترع هذا العلم ولم يسبق إليه. وذلك لأن الشيخ لم يقف على «البرهان» للزركشي، ولا على «مواقع العلوم» للجلال البلقيني. وكان الشيخ- رحمه الله تعالى- صحيح العقيدة في الديانة [2] ، حسن الاعتقاد في الصوفية، محبا لأهل الحديث، كارها لأهل البدع، كثير التعبد على كبر سنه، كثير الصّدقة والبذل، لا يبقي على شيء، سليم الفطرة، صافي القلب، كثير الاحتمال لأعدائه، صبورا على الأذى، واسع العلم جلدا. لازمته أربع عشرة سنة فما جئته من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك. قال لي يوما ما إعراب زيد قائم، فقلت قد صرنا في مقام الصّغار ونسأل عن هذا؟ فقال لي: في زيد قائم مائة وثلاثة عشر بحثا، فقلت لا أقوم من هذا المجلس حتى أستفيدها، فأخرج لي تذكرتها، فكتبتها منها. وما كنت أعدّ الشيخ إلّا والدا بعد والدي. وكان يذكر أنه كان بينه وبين والدي صداقة تامّة. وأن والدي كان منصفا له بخلاف أكثر أهل مصر.

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] في «ط» و «بغية الوعاة» : «في الديانات» .

توفي الشيخ شهيدا بالإسهال ليلة الجمعة رابع جمادى الأولى. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد السّيلي [1] الإمام الحنبلي العالم الفرضي. قال العليمي قدم من السيلة إلى دمشق في سنة سبع عشرة وثمانمائة، فاشتغل، وقرأ «المقنع» وتفقه على الشيخ شمس الدّين بن القباقبي. وقرأ علم الفرائض والحساب على الشيخ شمس الدّين الحواري، وصار أمّة فيه. وله اطلاع على كلام المحدّثين والمؤرّخين، ويستحضر تاريخا كثيرا. وله معرفة تامة بوقائع العرب، ويحفظ كثيرا من أشعارهم. أفتى، ودرّس مدة، ثم انقطع في آخر عمره في بيته. توفي يوم السبت سابع عشر شوال ودفن بالروضة. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن، المعروف بابن أمير حاج الحلبي الحنفي [2] عالم الحنفية بحلب وصدرهم. كان إماما، عالما، علّامة، مصنّفا. صنّف التصانيف الفاخرة الشهيرة، وأخذ عنه الأكابر، وافتخروا بالانتساب إليه. وتوفي بحلب في رجب عن بضع وخمسين سنة. وفيها أمين الدّين يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي [3] . قال في «حسن المحاضرة» : هو شيخ الحنفية في زمانه، أي بالقاهرة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 65) وفيه: «محمد بن موسى» و «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (450) . والسّيلي: نسبة لقرية بالقرب من القدس يقال لها سيلة. قاله السخاوي في «الضوء اللامع» (11/ 208) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 209) و «البدر الطالع» (2/ 254) و «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» (3/ 47) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 240) و «حسن المحاضرة» (1/ 478) وفيهما وفاته سنة (880) .

ولد سنة نيف وتسعين وسبعمائة، وانتهت إليه رئاسة الحنفية في زمانه. انتهى، أي ومات في أواخر ذي الحجّة راجعا من الحجّ. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد المصري الشافعي، المعروف بابن القطّان [1] الإمام، العالم، العلّامة. توفي في ذي القعدة وقد جاوز الستين. وفيها يحيى بن محمد بن أحمد الدمياطي، ثم القاهري [2] الشافعي، الإمام العالم. توفي ليلة سابع المحرم عن نحو ثمانين سنة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 248) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 244) .

سنة ثمانين وثمانمائة

سنة ثمانين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد السّلفيتي الحنبلي [1] الشيخ الإمام العالم الزّاهد الورع. وفيها قاضي القضاة [2] محيى الدّين عبد القادر بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري العبّادي [3] المالكي النحوي، نحوي مكة. قال في «بغية الوعاة» : أما التفسير، فإنه كشّاف خفيّاته، وأما الحديث، فإليه الرّحلة في رواياته [ودرايته] . وأما الفقه، فإنه مالك زمامه وناصب أعلامه، وأما النحو، فإنه محيي ما درس من رسومه، ومبدي ما أبهم من معلومه، وإذا ضلّ طالبوه عن محجّته اهتدوا إليه بنجومه، ورثه لا عن كلالة، ثم قام به أتمّ قيام، فلو رآه سيبويه لأقرّ له لا محالة. وأما آدابه ومحاضراته، فحدّث عن البحر ولا حرج، وأما مجالساته، فأبهى من الرّوض الأنف إذا تفتح [4] زهره وأرج. وأما زهده في قضاياه، فقد سارت به الرّكبان. وأما غير ذلك من محاسنه، فكثير يقصر عن سردها اللّسان. ولد في ثامن عشر ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثمانمائة بمكّة، ونشأ بها صيّنا [خيّرا] ، وسمع بها من التّقي الفاسي، وأبي الحسن بن سلامة وجماعة، وأجازت

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (119) . [2] في «ط» : «قاضي القاضي» وهو خطأ. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 283) و «بغية الوعاة» وما بين الحاصرتين مستدرك منه (2/ 104) و «نيل الابتهاج» على هامش «الديباج» ص (185) . [4] في «آ» و «ط» : «إذا انفتح» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.

له عائشة بنت عبد الهادي، وابن الكويك، وعبد القادر الأرموي، والبدر الدمامينيّ [وخلق] . وتفقه على جماعة، وأجاز له البساطي بالإفتاء والتّدريس، وأخذ عنه العربية، وبرع فيها، وفي الفقه. وكتب الخطّ المنسوب، وتصدّر بمكّة للإفتاء وتدريس الفقه، والتّفسير، والعربية، وغير ذلك. وهو إمام، علّامة، بارع في هذه العلوم الثلاثة، بل ليس بعد شيخي الكافيجي، والشّمنّي أنحى منه مطلقا. ويتكلم في الأصول كلاما حسنا. حسن المحاضرة، كثير الحفظ للآداب والنّوادر، والأشعار، والأخبار، وتراجم الناس وأحوالهم، فصيح العبارة، طلق اللّسان، قادر على التّعبير عن مراده بأحسن عبارة وأعذبها وأفصحها، لا تملّ مجالسته، كثير العبادة، والصّلاة، والقراءة، والتواضع، ومحبّة أهل الفضل والرّغبة في مجالستهم، ولم ينصفني في مكة أحد غيره، ولم أتردّد لسواه، ولم أجالس سواه. وكتب لي على «شرح الألفية» تقريظا بليغا. و [كان] قد دخل القاهرة، واجتمع بفضلائها. وولي قضاء المالكية بمكّة بعد موت أبي عبد الله النّويري في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، فباشره بعفّة ونزهة، وعزل وأعيد مرارا، ثم أضرّ بأخرة فأشار بأن يولّى تلميذه ظهيرة بن أبي حامد بن ظهيرة، ثم قدّر أن ظهيرة المذكور توفي في آخر سنة ثمان وستين، وقدح لقاضي القضاة محيى الدّين، فأبصر، فأعيد إلى الولاية، واستمرّ. وله تصانيف، منها «هداية السّبيل في شرح التّسهيل» لم يتم، و «حاشية على التوضيح» و «حاشية على شرح الألفية» للمكودي. وقرأت عليه جزء الأماني لابن عفّان. وأسندت حديثه في «الطبقات الكبرى» . ومات في مستهل شعبان. انتهى. وفيها علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر المصري المكّي الشافعي، ويعرف بابن الفاكهاني [1] الإمام العالم العلّامة. توفي في رمضان عن بعض وأربعين سنة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 324) .

وفيها زين الدّين عمر بن إسماعيل المؤدّب الحنبلي [1] . قال العليمي: كان رجلا مباركا، يحفظ القرآن، ويقرئ الأطفال بالمسجد الأقصى بالمجمع المجاور لجامع المغاربة من جهة القبلة، والناس سالمون من لسانه ويده. توفي بالقدس الشريف في شهر رجب. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد التّبريزي الإيجي الشّيرازي الشافعي، السيد الشريف الحسني الحسيني [2] الإمام العالم. توفي بمكة عن خمس وستين سنة. وفيها القاضي يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني المقدسي ثم الصالحي الدمشقي [3] قاضي الشافعية بدمشق. توفي في ربيع الثاني عن أربع وسبعين سنة.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (318) . [2] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (268- 269) و «الضوء اللامع» (9/ 126) وفيهما وفاته سنة (855) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 298) .

سنة إحدى وثمانين وثمانمائة

سنة إحدى وثمانين وثمانمائة فيها توفي كما قال في «ذيل الدول» [1]- شيخ فضلاء العصر أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني الشافعي [2] الإمام العلامة توفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة. وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النّويري الغزّي المالكي [3] قاضي المالكية الإمام العالم. توفي بغزّة في جمادى الآخرة. وفيها تقريبا الشيخ جمال الدّين بير جمال الشّيرازي العجمي [4] الشافعي الصّوفي الإمام القدوة المسلّك العارف. قال المناوي: كان من كبار العابدين المسلّكين، ومن أهل العلم والدّين المتين. قدم مكّة ثم القاهرة، وصحبته نحوا من أربعين [5] من مريديه ما بين علماء أكابر، وصوفية أماثل، وأبناء رؤساء، منهم الإمام عميد الدّين قاضي شيراز، ترك

_ [1] قلت: ترجمته في القسم الساقط من النسخة التي اعتمدنا عليها في مراجعة «الذيل التام على دول الإسلام» للسخاوي، وقد استدركنا هذه الترجمة في الكتاب المذكور نقلا عن «الشذرات» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 76) وفيه: «ابن شاذي» بالذال، و «البدر الطالع» (1/ 166) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 188) . [4] ترجمته في «جامع كرامات الأولياء» (1/ 370) . [5] في «ط» : «وصحبته نحو أربعين» .

الدنيا وتبعه، وكان أتباعه على قلب واحد في طاعته والانقياد التام [1] إليه، وكلّهم على طهر دائما، وكان طريقه مداومة الذكر القلبي لا اللساني، وإدامة الطهارة، ولبس المسوح من وبر الإبل، وملازمة كل إنسان حرفته. وكانت جماعته على أقسام، فالعلماء والطلبة يشغلهم بالكتابة، ومن دونهم كلّ بحرفته ما بين غزل، ونسج، وخياطة، وتجليد كتب، وغيرها. وكان دائم النصيحة والتسليك، موصلا إلى الله تعالى من أراده. وله كرامات منها أن السيد علي بن عفيف الشّيرازي عارضه وأنكر عليه، فأصابه خرّاج في جنبه. فمات فورا. وتوفي صاحب الترجمة ببيت المقدس. انتهى. وفيها داود بن بدر الحسني الصّوفي [2] . قال المناوي: كان من الأولياء المشهورين، وأكابر العارفين. نشأ بشرافات قرية بقرب بيت المقدس [3] ، وله كرامات، منها أن القرية التي كان بها أهلها كلهم نصارى ليس فيهم مسلم إلّا الشيخ وأهل بيته، وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه، فشق ذلك عليه، فتوجه بسببهم، فصار كل شيء عملوه خلّا وماء، وعجزوا، فارتحلوا منها، ولم يبق فيها إلا الشيخ وجماعته، فشق على مقطعها، فاستأجرها منه، وبنى بها زاوية لفقرائه. ومنها أنه لما عقد القبة التي على القبر الذي أعدّه ليدفن فيه أتي طائر فأشار إليها فسقطت، فأمر الشيخ بإعادتها، ففعل كذلك، فأمر ببنائها ثالثا، وحضر الشيخ، فلما انتهت أتى الطائر ليفعل فعله، فأشار إليه الشيخ فسقط ميتا، فنظروا إليه فإذا هو رجل عليه أبّهة وشعر رأسه مسدول طويل، فغسّله وكفّنه، وصلى عليه

_ [1] لفظة «التام» سقطت من «آ» . [2] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر باستثناء «جامع كرامات الأولياء» (2/ 7) وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (701) نقلا عن «الأنس الجليل» . [3] وقال في «معجم بلدان فلسطين» ص (467) : شرفات: قرية تطل على مدينة القدس من بعد نحو خمسة أكيال.

ودفنه، وقال: بعث لحتفه، وهو ابن عمي، اسمه أحمد الطير، غارت همته من همتنا، وأراد طفي الشهرة بهدم القبة، ويأبى الله إلّا ما أراده، فكان أول من دفن بها [1] . وتوفي المترجم في هذه السنة ودفن بالقبة أيضا. انتهى. وفيها سيف الدّين محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمريّ القاهري الحنفي النحوي [2] . قال السيوطي في كتابيه «حسن المحاضرة» و «طبقات النّحاة» : شيخنا الإمام العلّامة سيف الدّين الحنفي. ولد تقريبا على رأس ثمانمائة، وأخذ عن السّراج قارئ الهداية، والزّين التّفهني، ولزم العلّامة كمال الدّين ابن الهمام وانتفع به، وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، وغير ذلك. وكان شيخه ابن الهمام يقول عنه: هو محقّق الدّيار المصرية، مع ما هو عليه من سلوك طريق السّلف، والعبادة، والخير، وعدم التردّد إلى أبناء الدنيا، والانقباض عليهم. لازم التدريس، ولم يفت، واستنابه ابن الهمام في مشيخة الشيخونية لمّا حجّ أول مرة. وولي مشيخة مدرسة زين الدّين الأستادار، ثم تركها، ودرّس التفسير بالمنصورية، والفقه بالأشرفية العتيقة. وسئل تدريس الحديث في مدرسة العيني لما رتّبت فيها الدروس في سنة سبعين، فامتنع مع الإلحاح عليه. وله «حاشية» مطوّلة على «توضيح ابن هشام» كثيرة الفوائد. وتوفي يوم الثلاثاء ثاني عشري ذي القعدة، وهو آخر شيوخي موتا، لم يتأخر بعده أحد ممن أخذت عنه العلم إلّا رجل قرأت عليه ورقات «المنهاج» وقلت أرثيه:

_ [1] في «ط» : «فيها» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 173) و «حسن المحاضرة» (1/ 478) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «بغية الوعاة» (1/ 231) .

مات سيف الدّين منفردا ... وغدا في اللّحد منغمدا عالم الدّنيا وصالحها ... لم تزل أحواله رشدا [يبكيه دين النّبيّ إذا ... مات أتاه ملحد كمدا] إنّما يبكى على رجل ... قد غدا في الخير معتمدا لم يكن في دينه وهن ... لا ولا للكبر منه ردا عمره أفناه في نصب ... لإله العرش مجتهدا من صلاة أو مطالعة ... أو كتاب الله مقتصدا لا يوافيه لمظلمة ... بشر [1] أو مدّع فندا في الّذي قد كان من ورع ... لم يخلّف بعده أحدا دانت الدّنيا لمنصرم ... ورحيل النّاس قد أفدا ليت شعري من نؤمّله ... بعد هذا الحبر ملتحدا ثلمة في الدّين موتته ... ما لها من جابر أبدا قد روينا ذاك في خبر ... وهو موصول لنا سندا فعليه هامعات رضا ... ومن الغفران سحب ندى وبعثنا ضمن زمرته ... مع أهل الصّدق والشّهدا انتهى. وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمود بن خليل الحلبي الحنفي، المعروف بابن أجا [2] الإمام العالم. توفي بحلب في جمادى الآخرة عن ستين سنة. وفيها محمد بن يعقوب بن المتوكل العبّاسي [3] أخو أمير المؤمنين.

_ [1] في «ط» : «بشره» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 43) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 86) .

توفي في جمادى الثانية عن أربع وستين سنة. وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدّين عبد القادر بن العلّامة المحقّق شمس الدّين أبي عبد الله محمد الجعفري النابلسي [1] الحنبلي. تقدم ذكر والده وجدّه. ولد سنة اثنتين، وقيل: إحدى وتسعين وسبعمائة، ونشأ على طريقة حسنة، وهو من بيت علم ورئاسة، وسمع من جدّه، وابن العلائي، وجماعة، وباشر القضاء بنابلس نيابة عن ابن عمّه القاضي تاج الدّين عبد الوهاب المتقدم ذكره. ثم وليها استقلالا بعد الأربعين والثمانمائة عوضا عن القاضي شمس الدّين بن الإمام المتقدم ذكره. ثم أضيف إليه قضاء القدس مدة، ثم عزل من القدس، واستمرّ قاضيا بنابلس. وولي أيضا قضاء الرّملة، ونيابة الحكم بالديار المصرية. وكان حسن السيرة، عفيفا في مباشرة القضاء، له هيبة عند الناس، حسن الشكل، عليه أبّهة ووقار. رزق الأولاد، وألحق الأحفاد بالأجداد، ومتّع بدنياه، وعزل عن القضاء في أواخر عمره، واستمر معزولا إلى أن توفي بنابلس يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان وله نحو التسعين سنة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 69) و «المنهج الأحمد» الورقة (505- 506) و «السحب الوابلة» ص (390) .

سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة

سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة فيها توفي تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن محمد الحمصي المنبجي الحنبلي [1] . قال العليمي: قرأ «العمدة» للشيخ الموفق، والنظم للصرصري، ثم قرأ «المقنع» و «أصول الطوفي» و «ألفية ابن مالك» . وحفظ القرآن، واشتغل بالمنطق والمعاني والبيان، وأتقن الفرائض، والجبر، والمقابلة، وتفقّه على ابن قندس، وأذن له في الإفتاء، وكان مشتغلا بالعلم، ويسافر للتجارة، وصحب القاضي عزّ الدّين الكناني بالدّيار المصرية. وتوفي بالقاهرة في رجب عن نحو ثلاث وستين سنة، ودفن بالقرب من محب الدّين بن نصر الله [2] البغدادي. وفيها حسن بك بن علي بك بن قرابلوك [3] متملك العراقين، وأذربيجان، وديار بكر. توفي في جمادى الآخرة أو رجب. وفيها العلمي شاكر بن عبد الغني [4] بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب القاهري، الشهير بابن الجيعان [5] .

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «السحب الوابلة» ص (137) وفيه: «المنيحي» . [2] لفظ الجلالة سقط من «آ» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 112) . [4] في «ط» : «شاكر بك عبد الغني» . [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 291) .

توفي في ربيع الآخر وقد جاوز التسعين. وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عمر العقيلي الحنفي، المعروف بابن العديم [1] الإمام العالم العلّامة [2] . توفي في ذي الحجّة وقد جاوز السبعين. وفيها قاضي القضاة علاء الدّين أبو الحسن علي بن قاضي القضاة صدر الدّين أبي بكر بن قاضي القضاة تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي [3] الإمام العلّامة، شيخ الإسلام. ولد سنة خمس عشرة وثمانمائة، وكان من أهل العلم والرئاسة. ولي قضاء حلب وباشره مدة طويلة، ثم قضاء الشام، وأضيف إليه كتابة السرّ بها، ثم أعيد إلى قضاء حلب، ثم عزل، واستمرّ معزولا إلى الموت، ولم يكن له حظّ من الدنيا. وكان موصوفا بالسّخاء، والشهامة. وتوفي بحلب في صفر. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الله بن الزّكي الغزّي الحنبلي [4] الإمام العالم. توفي بنابلس في جمادى الآخرة في حياة والده، ودفن بمقبرة القلاس. وفيها القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد العزيز النّويري المكّي [5] قاضي المالكية بها، وابن قاضي الشافعية بها. كان إماما، عالما. توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 218) . [2] لفظة «العلّامة» سقطت من «ط» . [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «الضوء اللامع» (5/ 198) و «السحب الوابلة» ص (290) . [4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «السحب الوابلة» ص (307) . [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 12) .

وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التّونسي ثم القاهري المالكي الصوفي، ويعرف بابن زغدان- بمعجمتين ونون آخره- البرلسي [1] ، نسبة لقبيلة. قال المناوي: صوفيّ، حبر، كلامه، مسموع، وحديث قدره مرفوع، إمام الورعين، كنز العارفين، علّم الزّاهدين. ولد سنة عشرين وثمانمائة بتونس، فحفظ القرآن، وكتبا، وأخذ العربية عن أبي عبد الله الرّملي وغيره، والفقه عن البرزالي وغيره، والمنطق عن الموصلي، والأصلين والفقه عن إبراهيم الأخضري، ثم قدم مصر، فأخذ الحديث عن ابن حجر، والتصوف عن يحيى بن أبي وفاء، وصار آية في فهم كلام الصوفية. وكان له اقتدار تام على التقرير، وبلاغة في التعبير، وكان جميل الصورة والملبس والتعطر، وأغلب أوقاته مستغرق في الله ومع الله، وكان له خلوة بسطح جامع الأزهر، مكان المنارة التي عملها الغوري، وكان يغلب عليه سكر الحال، فيتمايل في صحن الجامع، فيتكلّم الناس فيه بحسب ما في أوعيتهم حسنا وقبحا. وله تصانيف، منها «مراتب الكمال» في التصوف، و «شرح الحكم» [2] لم يتم ولا نظير له في شروحها، و «مواهب المعارف» وكتاب «فوائد حكم الإشراق إلى صوفية جميع الآفاق» قال الشعراني [3] : ولم يؤلّف في الطريق مثله، وكان داعية إلى ابن عربي، شديدا في المناضلة عنه والانتصار له، وله مؤلّف في حلّ سماع العود. ومن كلامه: ما اعترض أحد على أهل الطريق فأفلح. ومنه: إنما نزلت سورة أَلَمْ نَشْرَحْ 94: 1 [الانشراح: 1] عقب وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 [الضّحى: 11] إشارة إلى من حدّث بالنعمة، فقد شرح الله صدره كأنه

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 66) . [2] أي «شرح الحكم العطائية» . [3] في «آ» و «ط» : «الشعراوي» والصواب ما أثبته.

قال: إذا حدّثت بنعمتي ونشرتها، شرحت لك [1] صدرك. قال: فاعقلوه فإنه لا يسمع إلّا من ربّاني. وقال: حكم الملك القدّوس أن لا يدخل حضرته أحدا من أهل النّفوس. توفي بالقاهرة ودفن بمقبرة الشّاذلية مع أصحاب الشيخ أبي الحسن الشّاذلي. انتهى ملخصا. وفيها الكمالي أبو البركات قاضي جدّة محمد بن علي بن محمد بن محمد بن حسين القرشي المكّي الشافعي، المعروف بابن ظهيرة [2] الإمام العالم الأصيل. توفي سلخ ربيع الآخر عن ستين سنة. وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد المرداوي السّعدي الحنبلي، المعروف بابن التنبالي [3] الإمام الفقيه العلّامة. قال العليمي: كان من أهل العلم والدّين، اختصر كتاب «الفروع» للعلّامة شمس الدّين بن مفلح، وكان يحفظ «الفروع» [أو غالبه] ، و «جمع الجوامع» وغيرهما. ويكتب على الفتوى، وتلمذ له جماعات من الأفاضل. وتوفي بدمشق. انتهى.

_ [1] لفظة «لك» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 208) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 332) و «المنهج الأحمد» الورقة (507) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة

سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد الإبشيطي [1]- بكسر الهمزة، وسكون الموحدة، وكسر المعجمة، آخره طاء مهملة- الشافعي ثم الحنبلي الصّوفي الإمام العلّامة البارع المفنّن. قال العليمي: مولده بإبشيط [2] في سنة اثنتين وثمانمائة، وكان من أهل العلم، والدّين، والصّلاح، مقتصدا، في مأكله وملبسه، وكان يلبس قميصا خشنا، ويلبس فوقه في الشتاء فروة كبّاشية، وإذا اتسخ قميصه يغسله في بركة المؤيدية بماء فقط، وكان بيده خلوة له بقعة منها فيها برش خوص، وتحت رأسه طوبتان، وإلى جانبه قطعة خشب عليها بعض كتب له، وبقية الخلوة فيها حبال السّاقية والعليق، بحيث لا يختص من الخلوة إلّا بقدر حاجته. وكان له كل يوم ثلاثة أرغفة يأكل رغيفا واحدا ويتصدق بالرغيفين. وكان معلومه [3] في كل شهر نحو أشرفي، يقتات منه في كل شهر بنحو خمسة أنصاف فضة، وهي عشرة دراهم شامية أو أقلّ، والباقي من الأشرفي يتصدّق به. وكان هذا شأنه دائما، لا يدّخر شيئا، يفضل عن كفايته، مع الزّهد، ووقع له مكاشفات وأحوال تدلّ على أنه من كبار الأولياء، وانقطع في آخر عمره بالمدينة الشريفة أكثر من عشرين سنة، وتواتر القول بأنه كان يقرئ الجان.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 235- 237) و «المنهج الأحمد» الورقة (507) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 181) من المنسوخ. [2] ابشيط من أعمال الغربية في مصر. انظر «التحفة السّنية» ص (71) . [3] أي راتبه.

وتوفي بالمدينة المشرّفة في شهر رمضان. وفيها تقي الدّين أبو بكر بن زيد الجراعي [1] الحنبلي الإمام العلّامة الفقيه القاضي. كان من أهل العلم والدّين، وهو رفيق الشيخ علاء الدّين المرداوي في الاشتغال على الشيخ تقي الدّين بن قندس، وباشر نيابة القضاء بدمشق، وتوجه إلى الدّيار المصرية، فاستخلفه القاضي عزّ الدّين الكناني في الحكم، وباشر عنه بالمدرسة الصالحية، وله «غاية المطلب في معرفة المذهب» و «تصحيح الخلاف المطلق» مجلد لطيف. و «الألغاز الفقهية» مجلد لطيف. و «شرح أصول ابن اللحّام» مجلد. وكان يحدّ السكران بمجرد وجود الرائحة على إحدى الروايتين، وسئل عن دير قائم البناء تهدّم من حيطانه المحيطة به هدما صارت الحيطان منه قريبة من الأرض فطلع لأهله حرامية لصوص وقتلوا راهبا، فهل للرّهبان رفع الحيطان كما كانت تحرّزا من اللصوص، وهل لهم أن يبنوا على باب الدّير فرنا وطاحونا؟ والحالة أن هذا الدّير بعيد من المدينة غير مشرف على عمارة أحد من المسلمين، فما الحكم في ذلك؟، فأجاب بالجواز في بناء الحائط المتهدّم. قال: وأما بناء الفرن والطاحون، فإن كانت الأرض مقرة في أيديهم فلهم البناء لأنهم إنما يمنعون من إحداث المتعبدات لا من غيرها، والله أعلم. توفي بدمشق. وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن العماد الحموي الحنبلي [2] . رحل في ابتداء أمره إلى القاهرة، واشتغل بالعلم على القاضي جمال الدّين بن هشام، ثم اشتغل بدمشق على الشيخ جمال الدّين يوسف

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 32- 33) و «المنهج الأحمد» الورقة (507) و «السحب الوابلة» ص (127) و «تاريخ البصروي» بتحقيق العلبي ص (86) وقد تحرفت «الجراعي» فيه إلى «الخزاعي» فلتصحح. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 260) و «المنهج الأحمد» الورقة (508) .

المرداوي، وتفقه على ابن قندس، وأذن له بالإفتاء، وباشر نيابة الحكم بحلب، ثم قدم القاهرة، وأقام بها مدة يحترف بالشهادة، ثم أتى مدينة حماة فتوفي بها في شعبان. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر البلقيني القاهري [1] الشافعي الإمام العالم. توفي في شعبان وقد زاحم الثمانين. وفيها ملك اليمن علي بن طاهر بن تاج الدّين [2] . توفي في ربيع الثاني عن بضع وسبعين سنة. وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن الزّكي الغزّي الحنبلي [3] . ولي قضاء الحنابلة بغزّة في دولة الملك الظّاهر جقمق، فباشر مباشرة حسنة. وكان شكلا حسنا، عليه أبّهة ووقار، واستمر في الولاية إلى أن توفي بغزّة في شوال.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 310) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 182) من المنسوخ. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 233) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 183) من المنسوخ. [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (508) .

سنة أربع وثمانين وثمانمائة

سنة أربع وثمانين وثمانمائة فيها توفي أقضى القضاة برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح الحنبلي [1] الشيخ الإمام البحر الهمام العلّامة القدوة الرّحلة الحافظ المجتهد الأمة، شيخ الإسلام، سيّد العلماء والحكّام، ذو الدّين المتين والورع واليقين، شيخ العصر وبركته. اشتغل وحصّل، ودأب، وجمع، وسلّم إليه القول والفعل من أرباب المذاهب كلّها، وصار مرجع الفقهاء والناس، والمعوّل عليه في الأمور. وباشر قضاء دمشق مرارا، مع الدّين، والورع، ونفوذ الكلمة، وصنّف «شرح المقنع» في الفقه [2] و «طبقات الأصحاب» مرتبة على حروف المعجم، سمّاه «المقصد الأرشد في ترجمة أصحاب الإمام أحمد» [3] . وصنّف كتابا في الأصول [4] ، وغير ذلك.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (508- 509) و «الضوء اللامع» (1/ 152) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 59- 61) و «السحب الوابلة» ص (33- 34) و «منادمة الأطلال» ص (232- 233) . [2] قلت: واسمه «المبدع شرح المقنع» وهو من خيرة مراجع الفقه الحنبلي، وقد قام بتحقيقه والتعليق عليه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله بالاشتراك مع الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وأسهم في تصحيح تجارب طبعه الأستاذ أحمد القطيفاني، وصدر عن المكتب الإسلامي بدمشق وبيروت في تسعة مجلدات قبل فترة طويلة. [3] وهو من خير مصادر تراجم الحنابلة وقد قام بتحقيقه وتوثيقه والتعليق عليه الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين حفظه الله، ونشرته مكتبة الرشد في الرياض في ثلاث مجلدات سنة (1410 هـ) . [4] منها «مرقاة الوصول إلى علم الأصول» ذكر الدكتور العثيمين في مقدمة «المقصد الأرشد» وأطال الكلام عليه فليراجع.

وتوفي بدمشق في خامس شعبان بمنزله بالصالحية، ودفن بالرّوضة عند أسلافه. وفيها موفق الدّين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خليل الطّرابلسي [1] الشافعي الإمام العالم. توفي في ذي القعدة عن ست وستين سنة. وفيها شرف الدّين عبد القادر بن قاضي القضاة بدر الدّين محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [2] الإمام العالم الصّوفي. كان أكبر أولاد أبيه، وشيخ الفقراء الصمادية، وكان يحترف بالشهادة بمجلس والده بنابلس، وبمجلس أخيه القاضي كمال الدّين بالقدس. وكان رجلا خيّرا، على طريقة حسنة. توفي بنابلس في شوال. وفيها أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المتوكل على الله أبي بكر بن سليمان الهاشمي العبّاسي [3] آخر الإخوة الخمسة المستقرّين في الخلافة. توفي في المحرّم عن ست وثمانين سنة، وبويع بالخلافة ولد أخيه العزي عبد العزيز بن الشرفي يعقوب بن المتوكل.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 198) وفيه: «أحمد بن إبراهيم بن محمود ... » . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (509) و «السحب الوابلة» ص (236) . [3] ترجمته في «تاريخ الخلفاء» ص (513) .

سنة خمس وثمانين وثمانمائة

سنة خمس وثمانين وثمانمائة فيها توفي الإمام برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط [1] البقاعي [2] الشافعي المحدّث المفسّر الإمام العلّامة المؤرّخ. ولد سنة تسع وثمانمائة- قال هو:- في ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة أوقع ناس من قريتنا خربة روحا [3] من البقاع يقال لهم: بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة، فقتلوا تسعة أنفس، منهم أبي عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر، وأخواه محمد سويد شقيقه [4] ، وعلي أخوهما لأبيهما، وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني، وكنت إذ ذاك ابن اثنتين عشرة سنة، فخرجنا من القرية المذكورة، واستمرينا نتنقل في قرى وادي التيم، والعرقوب، وغيرهما، إلى أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدّي لأمي [5] علي بن محمد السّليمي إلى دمشق، فجوّدت [6] القرآن، وجدّدت حفظه، وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ، ثم على الشّمس ابن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة، واشتغلت بالنحو، والفقه، وغيرهما من العلوم، وكان ما أراد الله تعالى

_ [1] قال العلّامة الزركلي في «الأعلام» : الرباط: بضم الراء وتخفيف الباء. [2] ترجمته في «نظم العقيان» ص (24) و «البدر الطالع» (1/ 19) و «الضوء اللامع» (1/ 101- 111) و «الأعلام» (1/ 56) و «الذيل التام» (2/ 192) من المنسوخ. [3] انظر «قاموس لبنان» ص (95) . [4] لفظة «شقيقه» سقطت من «ط» . [5] في «آ» : «جدّي لأبي» . [6] تحرفت في «آ» إلى «فجردت» .

من التنقّل في البلاد والفوز بالغزو والحجّ- أدام الله نعمه آمين-. ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة، فإنها استمرت أكثر من ثلاثين سنة، ولعلها زادت على مائة وقعة، كان فيها ما قاربت القتلى فيه ألفا. انتهى بحروفه. وأخذ المترجم عن أساطين عصره، كابن ناصر الدّين، وابن حجر، وبرع، وتميّز، وناظر وانتقد حتى على شيوخه، وصنّف تصانيف عديدة، من أجلّها «المناسبات القرآنية» [1] و «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» [2] و «تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي» وانتقد عليه بسبب هذا التأليف، وتناولته الألسن، وكثر الردّ عليه، فممن ردّ عليه العلّامة السيوطي بكتابه «تنبيه الغبي بتبرئة ابن العربي» . وبالجملة فقد كان من أعاجيب الدّهر وحسناته. وتوفي بدمشق في رجب عن ست وسبعين سنة. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السّعدي ثم الصّالحي الحنبلي [3] الشيخ الإمام العلّامة المحقّق المفنّن أعجوبة الدّهر، شيخ المذهب وإمامه ومصححه ومنقّحه، بل شيخ الإسلام على الإطلاق ومحرّر العلوم بالاتفاق. ولد سنة سبع عشرة وثمانمائة، وخرج من بلده مردا في حال الشبيبة، فأقام بمدينة سيدنا الخليل- عليه الصلاة والسلام- بزاوية الشيخ عمر المجرّد رحمه الله، وقرأ بها القرآن، ثم قدم إلى دمشق، ونزل بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بالصّالحية، واشتغل بالعلم، فلاحظته العناية الرّبانية، واجتمع بالمشايخ، وجدّ في

_ [1] واسمه- كما في الأعلام- «نظم الدّرر في تناسب الآيات والسور» وهو مطبوع في سبع مجلدات، ويعرف ب «مناسبات البقاعي» أو «تفسير البقاعي» . [2] ذكر العلّامة الزركلي بأنه في أربع مجلدات، وأن له مختصرا اسمه «عنوان العنوان» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 225- 227) و «المنهج الأحمد» الورقة (509- 514) و «الجوهر المنضد» ص (99- 101) و «السحب الوابلة» ص (296- 297) و «البدر الطالع» (1/ 446) .

الاشتغال، وتفقّه على الشيخ تقي الدّين بن قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته، فبرع وفضل في فنون من العلوم، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وباشر نيابة الحكم دهرا طويلا، فحسنت سيرته، وعظم أمره، ثم فتح عليه في التصنيف، فصنّف كتبا كثيرة في أنواع العلوم، أعظمها «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» أربع مجلدات ضخمة جعله على «المقنع» وهو من كتب الإسلام، فإنه سلك فيه مسلكا لم يسبق إليه، بيّن فيه الصحيح من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نقل فيها من الكتب وكلام الأصحاب، فهو دليل على تبحر مصنّفه، وسعة علمه، وقوة فهمه، وكثرة اطلاعه، ومنها «التنقيح المشبع في تحريم المقنع» وهو مختصر «الإنصاف» و «التحرير في أصول الفقه» ذكر فيه المذاهب الأربعة، وغيرها وشرحه، وجزء في الأدعية والأوراد سمّاه «الحصون المعدّة الواقية من كل شدّة» و «تصحيح كتاب الفروع» لابن مفلح، و «شرح الآداب» . وغير ذلك. وانتفع الناس بمصنّفاته، وانتشرت في حياته وبعد وفاته، وكانت كتابته على الفتوى غاية، وخطه حسن، وتنزه عن مباشرة القضاء في أواخر عمره، وصار قوله حجّة في المذهب يعوّل عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة الإسلام. ومن تلامذته قاضي القضاة بدر الدّين السّعدي قاضي الديار المصرية، وغالب من في المملكة من الفقهاء والعلماء وقضاة الإسلام، وما صحبه أحد إلّا وحصل له الخير، وكان لا يتردد إلى أحد من أهل الدنيا، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان الأكابر والأعيان يقصدونه لزيارته والاستفادة منه، وحجّ، وزار بيت المقدس مرارا، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. وتوفي بالصالحية دمشق يوم الجمعة سادس جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون قرب الرّوضة. وفيها سراج الدّين عمر بن حسين بن حسن بن علي العبّادي القاهري [1] الشافعي الأزهري الإمام العلّامة، شيخ الشافعية في عصره. توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين سنة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 81) و «الذيل التام» (2/ 191) من المنسوخ.

وفيها تقريبا المولى عزّ الدّين عبد اللطيف [بن عبد العزيز] بن الملك الحنفي الشهير بابن قرشته [1] . قال في «الشقائق» : كان عالما فاضلا ماهرا في جميع العلوم الشرعية، شرح «مجمع البحرين» شرحا حسنا جامعا للفوائد، [وهو] مقبول في بلادنا، وشرح أيضا «مشارق الأنوار» للإمام الصاغاني شرحا لطيفا، وشرح «كتاب المنار في الأصول» وله رسالة في علم التصوف تدل على أن له حظّا عظيما من معارف الصوفية. انتهى ملخصا. وفيها نجم الدّين عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهاشمي المكّي الشافعي، المعروف بابن فهد [2] الإمام العالم العريق. توفي في رمضان عن ثلاث وسبعين سنة. وفيها المولى خسرو محمد بن قرامرز [3] الرّومي الحنفي [4] الإمام العلّامة. كان والده روميا من أمراء الفراسخة، تشرّف بالإسلام، وكان له بنت زوّجها من أمير آخر مسمى بخسرو، فلما مات كان صاحب الترجمة في حجره، فاشتهر بخسرو، وأخذ العلوم عن برهان الدّين حيدر الرّومي المفتي في البلاد الرّومية، ثم صار مدرسا بمدينة أدرنة بمدرسة شاه ملك، وكان له أخ مدرّس بالمدرسة الحلبية، وتقيد المولى خسرو بأدرنة على المولى يوسف بالي بن شمس الدّين الفناري مدرّس السلطان محمد بمدينة برسا، وكتب المولي خسرو «حواشيه على المطول»

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 329) وما بين الحاصرتين زيادة منه و «الشقائق النعمانية» ص (30) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 126) و «الذيل التام» (2/ 191) من المنسوخ، و «البدر الطالع» (1/ 512) . [3] كتبت هذه اللفظة هكذا في «آ» : «قرامرز» وكتبت في «ط» : «قراموز» وتعددت أشكال كتابتها في مصادر الترجمة. [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 279) و «الفوائد البهية» ص (184) .

في المدرسة المذكورة، ثم صار مدرّسا بمدرسة أخيه بعد وفاته، ثم صار قاضيا بالعسكر المنصور. ولما جلس السلطان محمد خان على سرير السلطنة ثانيا جعل له كل يوم مائة درهم، ولما فتح قسطنطينية جعل المترجم قاضيا بها بعد وفاة المولى خضر بك، وضم إليه قضاء غلطة، وأسكدار، وتدريس آيا صوفيا. وكان مربوع القامة، عظيم اللّحية، يلبس الثياب الدّنية، وعلى رأسه عمامة صغيرة. وكان السلطان محمد يجلّه كثيرا ويفتخر به، ويقول لوزرائه: هذا أبو حنيفة زمانه. وكان متخشعا متواضعا، صاحب أخلاق حميدة، وسكينة ووقار، يخدم بنفسه، مع ماله من العبيد والخدم الذين لا يحصون كثرة. وكان مع اشتغاله بالمناصب والتداريس يكتب كل يوم ورقتين من كتب السّلف بخط حسن. وآل به الأمر إلى أن صار مفتيا بالتخت السلطاني، وعظم أمره، وطار ذكره، وعمر عدة مساجد بقسطنطينية. ومن مصنّفاته «حواش على المطول» و «حواشي التلويح» و «حواش على أول تفسير البيضاوي» و «مرقاة الوصول في علم الأصول» وشرحه، و «الدّرر والغرر» ورسالة في الولاء، و «رسالة متعلقة بتفسير سورة الأنعام» وغير ذلك. وتوفي بقسطنطينية وحمل إلى مدينة برسا فدفن بها في مدرسته، رحمه الله تعالى. وفيها المولى محمد بن قطب الدّين الأزنيقي [1] الحنفي الإمام العالم العامل. قرأ العلوم الشرعية والعقلية على المولى الفناري، وتمهر، وفاق أقرانه، ثم سلك مسلك التصوف، فجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة، وصنّف «شرحا لمفتاح الغيب» للشيخ صدر الدّين القونوي وهو في غاية الحسن، وشرح أيضا «فصوص الصدر القونوي» رحمهما الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» ص (185) وقال فيه: نسبته إلى أزنيق مدينة رومية قديمة.

وفي حدودها المولى سنان الدّين يوسف المشهور بقراسنان الحنفي [1] الإمام العلّامة. قال في «الشقائق» : كانت له مهارة في العلوم العربية [والفنون] الأدبية. صنّف شرحا ل- «مراح الأرواح» في الصرف، وشرحا ل- «الشافية» في الصرف أيضا. وله «شرح الملخص» للجغميني في علم الهيئة، و «حواش على شرح الوقاية» لصدر الشريعة. انتهى ملخصا.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (129- 130) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

سنة ست وثمانين وثمانمائة

سنة ست وثمانين وثمانمائة في رمضانها كانت الصاعقة التي احترق بنارها المسجد الشريف النبوي سقفه وحواصله وخزائن كتبه وربعاته، ولم يبق من قناطره وأساطينه إلّا اليسير، وكانت آية من آيات الله تعالى [1] . وقال بعضهم فيه: لم يحترق حرم النّبيّ لريبة ... تخشى عليه وما به من عار لكنّما أيدي الرّوافض لامست ... تلك الرّسوم فطهّرت بالنّار وفيها في سابع عشر المحرم كانت بمكة زلزلة هائلة لم يسمع بمثلها. وفيها حدودها توفي المولى شمس الدّين أحمد بن موسى الشهير بالخيالي الحنفي [2] الإمام العلّامة. قرأ على أبيه، وعلى خضر بك، وهو مدرّس بسلطانية برسا، ومهر، وبرع، وفاق أقرانه، وسلك طريق الصوفية، وتلقّن الذكر، وله «حواش على شرح العقائد النّسفية» تمتحن بها الأذكياء لدقتها، و «حواش على أوائل حاشية التجريد» و «شرح لنظم العقائد» لأستاذه المولى خضر بك أجاد فيه كل الإجادة، وغير ذلك من الحواشي والتعاليق، رحمه الله تعالى.

_ [1] وذكر خبر احتراق المسجد النبوي أيضا الحافظ السخاوي في «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 199- 200) من المنسوخ. [2] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (43) وقد اضطرب في تحديد سنة وفاته ما بين (860 و 870) و «البدر الطالع» (1/ 121- 122) و «معجم المؤلفين» (2/ 187) .

وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عيسى بن عطيف العدني اليمني [1] الشافعي الإمام العالم الفقيه. توفي بمكة المشرّفة في جمادى الأولى عن بضع وسبعين سنة. وفيها سابع ملوك بني عثمان السلطان محمد بن السلطان مراد خان [2] . ولد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وولي السلطنة سنة ست وخمسين، وكانت مدة ولايته إحدى وثلاثين سنة. قال في «الأعلام» : كان من أعاظم سلاطين بني عثمان، وهو الملك الضليل، الفاضل النّبيل، العظيم الجليل، أعظم الملوك جهادا، وأقواهم إقداما واجتهادا، وأثبتهم جأشا وفؤادا، وأكثرهم توكلا على الله واعتمادا، وهو الذي أسس ملك بني عثمان، وقنّن لهم قوانين صارت كالأطواق في أجياد الزمان، وله مناقب جميلة، ومزايا فاضلة جليلة، وآثار باقية في صفحات الليالي والأيام، ومآثر لا يمحوها تعاقب السنين والأعوام، وغزوات كسر بها أصلاب الصلبان والأصنام، من أعظمها أنه فتح القسطنطينية الكبرى، وساق إليها السفن تجري رخاء برّا وبحرا، وهجم عليها بجنوده وأبطاله، وأقدم عليها بخيوله ورجاله، وحاصرها خمسين يوما أشد الحصار، وضيّق على من فيها من الكفّار الفجّار، وسلّ على أهلها سيف الله المسلول، وتدرّع بدرع الله الحصين المسبول، ودقّ باب النصر والتأييد ولج، ومن قرع بابا ولج ولج، وثبت على متن الصبر إلى أن أتاه الله تعالى بالفرج، ونزلت عليه ملائكة الله القرب الرّقيب بالنصر العزيز من عند [3] الله تعالى والفتح القريب، ففتح اصطنبول في اليوم الحادي والخمسين من أيام محاصرته وهو يوم الأربعاء العشرون من جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وصلى في أكبر كنائس النصارى صلاة الجمعة وهي أيا صوفيا، وهي قبة تسامي قبة السماء، وتحاكي في

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 4) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 47) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (160- 178) بتحقيق د. إحسان حقي، وهو المشهور بالسلطان محمد الفاتح. [3] لفظة «عند» لم ترد في «ط» .

الاستحكام قبب الأهرام، ولا وهت ولا وهنت كبرا ولا هرما، وقد أسس في اصطنبول للعلم أساسا راسخا لا يخشى على شمسه الأفول، وبنى بها مدارس كالجنان [1] لها ثمانية أبواب، سهلة الدخول، وقنّن بها قوانين تطابق المعقول والمنقول، فجزاه الله خيرا عن الطلاب، ومنحه بها أجرا، وأكبر ثواب، فإنه جعل لهم أيام الطلب ما يسد فاقتهم ويكون به من خمار الفقر إفاقتهم، وجعل بعد ذلك مراتب يترقون إليها ويصعدون بالتمكن والاعتبار عليها، إلى أن يصلوا إلى سعادة الدنيا، ويتوسلون بها أيضا إلى سعادة العقبى، وأنه- رحمه الله تعالى- استجلب العلماء الكبار من أقصى الديار وأنعم إليهم [2] وعطف بإحسانه إليهم، كمولانا علي القوشجي، والفاضل الطّوسي، والعالم الكوراني، وغيرهم من علماء الإسلام وفضلاء الأنام، فصارت اصطنبول بهم أمّ الدنيا ومعدن الفخار والعلياء، واجتمع فيها أهل الكمال من كل فنّ، فعلماؤها إلى الآن أعظم علماء الإسلام، وأهل حرفها أدق الفطناء في الأنام، وأرباب دولتها هم أهل السعادة العظام، فللمرحوم المقدّس قلادة منن لا تحصى في أعناق المسلمين، لا سيما العلماء الأكرمين. انتهى ملخصا. أي واستقرّ بعده في المملكة ابنه الأكبر أبو يزيد يلدرم، ومعناه البرق.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «كالجفان» . [2] كذا في «آ» و «ط» : «وأنعم إليهم» .

سنة سبع وثمانين وثمانمائة

سنة سبع وثمانين وثمانمائة فيها في أثناء ذي القعدة [1] كان بمكّة السّيل الهائل الذي لم يسمع بمثله، خرّب نحو ربع بيوت مكّة، وجاز في المسجد الحرام حلقتي باب الكعبة، ومات من الخلق من لا يحصيهم إلّا الله تعالى. وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن يوسف الحسيني العراقي الشافعي، المعروف بابن أبي الوفاء [2] الإمام العالم. توفي في جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن علي بن محمد السّلمي المنصوري [3] الشافعي ثم الحنبلي، ويعرف بابن الهايم، وبالشهاب المنصوري، وبالقائم. كان شاعر زمانه. ولد سنة تسع وتسعين وسبعمائة، واشتغل، وفهم شيئا من العلم، وبرع في الشعر وفنون، وتفرّد في آخر عمره، وله ديوان كبير منه: شجاك بربع العامريّة معهد ... به أنكرت عيناك ما كنت تعهد ترحّل عنه أهله بأهلّة ... بأحداجها غيد من العين خرّد

_ [1] في «مفاكهة الخلان» (1/ 58) : «في خامس عشرة من ذي القعدة» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 75) و «متعة الأذهان» الورقة (24) . وقال في «الضوء اللامع» : «قرأ بالسبع، وتفقه، وصنّف، ودخل القاهرة، ومات بزاويته بدمشق» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 150) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 210) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (77- 90) وهي ترجمة حافلة و «بدائع الزهور» (3/ 194) و «السحب الوابلة» ص (98) .

كواكب [1] أتراب حسان كأنّها ... برود بأغصان النّقا تتأوّد وهي طويلة وجميع شعره في غاية الحسن. وتوفي في جمادى الآخرة. وفيها الصّدر سليمان بن عبد الناصر الإبشيطي ثم القاهري الشافعي الصّوفي [2] . قال المناوي: تعبّد قديما، وحدّث، واشتغل، بالفقه وغيره، ودرّس، وأفاد، وأفتى، وخطب، ونزل بالشيخونية، ثم تصوّف، وحجّ قاضي المحمل مرارا، و «شرح ألفية ابن مالك» وغيرها، ورام الاشتغال بالمنطق لكثرة معارضة من يبحث معه فيه، فأخذ الشمسية في كمه، ودخل على الشيخ الحريفيش مستشيرا له بالحال، فبمجرد رؤيته قال: من الله تعالى علينا بكتابه العزيز، والنحو والأصول، فما لنا وللمنطق؟ وكرّر ذلك، فرجع، وعدّ ذلك من كراماتهما. ومن كراماته أيضا أنه كان يجيء لحضور الشيخونية، فينزل عن بغلته، ويرسلها ليس معها أحد، فتذهب للرّميلة فتقمقم مما تراه هناك، ثم ترجع عند فراغ الدرس سواء بلاء زيادة ولا نقص. توفي- رحمه الله تعالى- عن نحو ثمانين سنة. انتهى. وفيها فقيه اليمن عمر بن محمد بن معيبد اليماني الزّبيدي الشافعي [3] الإمام العلّامة. توفي في صفر عن ست وثمانين سنة.

_ [1] كذا في الأصول: «كواكب» ولو قال: «كواعب» لكان أجمل للمعنى وأنسب للاقتباس من آي القرآن الكريم. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 265) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 27) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 132) و «البدر الطالع» (1/ 513) و «طبقات صلحاء اليمن» ص (313) .

سنة ثمان وثمانين وثمانمائة

سنة ثمان وثمانين وثمانمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن أحمد بن علي بن زكريا الجديديّ [1] البدراني [2] الشافعي الإمام العالم. توفي في ربيع الآخر عن نحو سبعين سنة. وفيها كريم الدّين أبو المكارم عبد الكريم بن علي البويطي الحنبلي [3] العدل. قال العليمي: كان رجلا خيّرا، وكان في ابتداء أمره يباشر عند الأمراء بالقاهرة، ثم احترف بالشهادة، ولما ولي ابن أخته [4] بدر الدّين السّعدي [4] قضاء الديار المصرية، ولّاه العقود والفسوخ، وكان يجلس لتحمل الشهادة بباب المدرسة الصالحية في حانوت الحكم المنسوب للحنابلة. وتوفي بالقاهرة. وفيها نور الدّين علي بن محمد المناوي المصرية الحنبلي [5] العدل المشهور بباهو، الإمام العالم.

_ [1] في «آ» : «الحديدي» وأثبت ما جاء في «الضوء اللامع» وقد قيد السخاوي نسبته فقال: «الجديدي: بضم الجيم، ثم دال مهملة مفتوحة، بعدها تحتانية مشدّدة مكسورة، ثم مهملة نسبة لقرية من قرى منية بدران لكون أصله منها» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 217) و «الذيل التام» (2/ 214) من المنسوخ. [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «السحب الوابلة» ص (242) . [4، 4] ما بين الرقمين لم يرد في نسخة «المنهج الأحمد» التي بين يدي. [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 315) و «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «السحب الوابلة» ص (307) .

ولّاه القاضي بدر الدّين البغدادي العقود والفسوخ بالديار المصرية، ولم يزل إلى أيام القاضي بدر الدّين السّعدي. وتوفي في أيامه. وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان الجزيري الحنبلي [1] الإمام العالم. اشتغل بالعلم على القاضي محب الدّين بن الجناق المتقدم ذكره، وعلى القاضي بدر الدّين السّعدي، والعزّ الكناني، وفضل، وتميّز، وكان يحترف بالشهادة، وصار من أعيان موقّعي الحكم. وكان أعجوبة. توفي في شوال بالقاهرة. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن قاسم القاهري الشافعي [2] ، المعروف بابن المرخّم، الإمام العالم. توفي في جمادى الأولى عن ثمانين سنة. وفيها كمال الدّين محمد بن علي بن الضياء المصري الخانكي الحنبلي [3] الإمام العلّامة. أصله من الخانكاه السرياقوسية، وكان يسكن بالقاهرة، وباشر عقود الأنكحة والفسوخ في أيام القاضي عزّ الدّين الكناني، ثم لما ولي بدر الدّين السّعدي استخلفه في الحكم وأجلسه بباب البحر، وكان يميل إليه بالمحبة. وتوفي في أيامه بالقاهرة.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «الضوء اللامع» (8/ 142) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 205) و «الذيل التام» (2/ 214) من المنسوخ. [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (514) و «السحب الوابلة» ص (420) .

سنة تسع وثمانين وثمانمائة

سنة تسع وثمانين وثمانمائة فيها في جمادى الآخرة كان إجراء عين عرفات [1] . وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني بن الجيعان [2] . توفي في شعبان عن أربعين سنة. وفيها تقي الدّين أبو بكر بن خليل بن عمر بن السّلم النابلسي الأصل ثم الصّفدي الحنبلي، المشهور بابن الحوائج كاش [3] ، قاضي مدينة صفد وابن قاضيها. اشتغل بالعلم، ومهر، وباشر القضاء بمدينة صفد مدة، وعزل، وولّي مرات، وكان في زمن عزله يحترف بالشهادة إلى أن توفي بصفد. وفيها الشمس محمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد الجوجري ثم القاهري [4] الشافعي الإمام العالم، سليل العلماء. توفي في رجب عن سبع وستين سنة. وفيها قاضي القضاة كمال الدّين أبو الفضل محمد بن قاضي القضاة

_ [1] ذكر السخاوي هذا الخبر بأوسع مما هنا في «الذيل التام» (2/ 219) من المنسوخ فليراجع. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 3) و «الذيل التام» (2/ 222) من المنسوخ، و «بدائع الزهور» (3/ 209) . [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (515) و «السحب الوابلة» ص (126) وقد تحرفت «كاشف» فيه إلى «كائن» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 123) .

بدر الدّين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدّين أبي حاتم عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي، المعروف بابن قاضي نابلس [1] . ولد سنة نيف وثلاثين وثمانمائة، ودأب، وحصّل، وسافر البلاد، وأخذ عن المشايخ، وأذن له الشيخ علاء الدّين المرداوي بالإفتاء وأذن له أيضا الشيخ تقي الدّين بن قندس، وبرع في المذهب، وأفتى وناظر، وباشر القضاء بنابلس نيابة عن والده، ثم باشره بالديار المصرية عوضا عن العزّ الكناني، ثم باشره ببيت المقدس عوضا عن الشمس العليمي، ثم أضيف إليه قضاء الرّملة ونابلس، ثم عزل وأعيد مرارا، وكان له معرفة ودربة بالأحكام، ثم قطن في [2] دمشق ثلاث سنين، ثم توجه إلى ثغر دمياط، وباشر به نيابة الحكم، ثم سافر منه، فورد خبر موته إلى القاهرة بإسكندرية في هذه السنة. وفيها القاضي جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شيخ الإسلام محبّ الدّين أبي الفضل أحمد المتقدم ذكره ابن نصر الله البغدادي الأصل ثم المصري الحنبلي [3] الإمام العلّامة. تفقه بوالده وغيره، وفضل، وبرع في حياة والده، وشهد له بالفضل، ونزل له عن تدريس البرقوقية، وباشر نيابة الحكم بالدّيار المصرية في أيام العزّ الكناني، ثم ترك، واستمر خاملا إلى قبيل وفاته بيسير، ففوض إليه القاضي بدر الدّين السّعدي نيابة الحكم، فما كان إلا القليل، وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة إلى الغاية إلا أنه لم يكن له حظ من الدنيا. وتوفي بالقاهرة في أحد الربيعين [4] .

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 110) و «الذيل التام» (2/ 222) من المنسوخ و «بدائع الزهور» (3/ 213) و «السحب الوابلة» ص (436) . [2] لفظة «في» سقطت من «آ» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 299) و «الذيل التام» (2/ 222) من المنسوخ، و «السحب الوابلة» ص (485) . [4] في «الذيل التام» : «في المحرم» .

سنة تسعين وثمانمائة

سنة تسعين وثمانمائة فيها توفي قاضي الشافعية شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني القاهري الشافعي [1] الإمام العالم الأصيل. توفي بالقاهرة عن نحو سبعين سنة. وفيها قاضي الحنفية بالدّيار المصرية شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشهاب غازي الحلبي الحنفي، المعروف كسلفه بابن الشّحنة [2] الإمام العالم النّاظم النّاثر سليل العلماء الأجلاء. ومن نظمه: قلت له لمّا وفى موعدي ... وما بقلبي لسواه نفاق وجاد بالوصل عليّ وجهه ... حتّى سما كلّ حبيب وفاق وتوفي في المحرم عن خمس وثمانين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن عبد الكريم القاهري الشافعي، سبط ابن البارزي [3] الإمام العالم. توفي بمكة في شعبان.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 95) و «الذيل التام» (2/ 226) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (164) و «بدائع الزهور» (3/ 216) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 295) و «الذيل التام» (2/ 227) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (171) و «بدائع الزهور» (3/ 214) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 94) و «الذيل التام» (2/ 227) و «بدائع الزهور» (3/ 220) .

سنة إحدى وتسعين وثمانمائة

سنة إحدى وتسعين وثمانمائة فيها توفي عالم الحجاز برهان الدّين إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المكّي القرشي الشافعي [1] الإمام العلّامة. توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة عن ست وستين سنة. وفيها تقريبا أبو علي حسين الصوفي [2] المدفون بساحل بولاق. قال المناوي في «طبقاته» : هو من أهل التصريف [3] ، صوفي كامل، وشيخ لأنواع اللطف، والكمال شامل، بهي الصورة، كأن عليه مخايل الولاية مقصورة، وكان كثير التطور، يدخل عليه إنسان فيجده سبعا، ثم يدخل عليه آخر فيجده جنديا، ثم يدخل عليه آخر فيجده فلاحا أو فيلا، وهكذا. وقال آخرون: كان التطور دأبه ليلا ونهارا، حتى في صورة السّباع والبهائم، ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقطعوه بالسيوف ليلا ورموه على كوم بعيد فأصبحوا فوجدوه قائما يصلي بزاويته، ومكث بخلوة في غيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرف وباب الخلوة مسدودة ليس له إلّا طاق يدخل منه الهواء، فقال الناس: هو يعمل الكيمياء والسيمياء، ثم خرج بعدها وأظهر الكرامات والخوارق [4] ، وكان إذا سأله أحد شيئا قبض من الهواء وأعطاه إيّاه، وكان جماعته يأخذون أولاد

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 88) و «الذيل التام» (2/ 243) و «نظم العقيان» ص (17) و «بدائع الزهور» (3/ 235) . [2] ترجمته في «جامع كرامات الأولياء» ص (404- 405) . [3] أقول: الله تعالى هو الذي يتصرّف في مخلوقاته كما يشاء لا غيره. (ع) . [4] أقول: هذه من الشطحات التي لا يقرها الشرع. (ع) .

النموس ويربونهم، فسموا بالنموسية، وضرب قايتباي رقاب بعضهم لما شطحوا ونطقوا بما يخالف الشريعة. انتهى كلام المناوي. وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبادة السّعدي الأنصاري الدمشقي الصالحي الحنبلي [1] . كان صدرا رئيسا من رؤساء دمشق، وهو من بيت علم رئاسة، وتقدم ذكر أسلافه. ولي قضاء دمشق عن البرهان بن مفلح، ولم تطل مدته، ثم عزل فلم يلتفت إلى المنصب بعد ذلك، واستمر في منزله بالصالحية معظّما. وكان عنده سخاء وحسن لقاء وإكرام لمن يرد عليه. وتوفي بمكّة المشرّفة يوم الخميس ثالث شعبان ودفن بالمعلاة. وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن قدامة المقدسي الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي، المشهور بابن زريق [2] تقدم ذكر أسلافه. وكان من أهل الفضل، إماما، عالما بارعا في الفرائض، أذن له الشيخ تقي الدّين بن قندس بالتدريس والإفتاء. وتوفي في ثامن ذي الحجّة بدمشق. وفيها المولى سنان الدّين يوسف بن خضر بك بن جلال الدّين الحنفي [3] . قال في «الشقائق» : كان فاضلا، كثير الاطلاع على العلوم عقلياتها وشرعياتها، وكان ذكيا للغاية، يتوقّد ذكاء وفطنة، وكان لحدة ذهنه وقوة فطنته، غلب على طبعه إيراد الشكوك والشّبهات، وقلما يلتفت إلى تحقيق المسائل، حتى إن والده لامه على ذلك، وقال له يوما وهو يأكل معه لحما: بلغ بك الشك إلى مرتبة يمكن أن تشك في أن هذا الظرف من نحاس. قال: يمكن ذلك لأن للحواس

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 353) و «السحب الوابلة» ص (71) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 255) و «السحب الوابلة» ص (52) . [3] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (228) و «الشقائق النعمانية» ص (106) و «الأعلام» (8/ 228) .

أغاليط، فغضب والده، وضرب بالطبق على [1] رأسه، ولما مات والده كان مناهزا للعشرين سنة، فأعطاه السلطان محمد [2] إحدى المدارس الثمان، ثم أعطاه دار الحديث بأدرنة، ثم جعله معلما لنفسه، ومال إلى صحبته، وكان لا يفارقه، ولما جاء المولى على القوشجي أخذ عنه العلوم الرياضية، ولازمه بإشارة من السلطان محمد، وكتب حواش على شرح الجغميني لقاضي زاده، ثم جعله السلطان محمد وزيرا في سنة خمس وسبعين، ثم وقع بينه وبين السلطان أمر كان سببا لعزله وحبسه، فاجتمع علماء البلدة، وقالوا: لا بد من إطلاقه، وإلّا نحرق كتبنا في الديوان العالي ونترك مملكتك [3] ، فأخرج وسلّم إليهم، ولما سكنوا أعطاه قضاء سفري حصار مع مدرسته، وأخرجه في ذلك اليوم من قسطنطينية، فلما وصل إلى أزنيق أرسل خلفه طبيبا وقال: عالجه فإنّ عقله قد اختل، فكان الطبيب المذكور يدفع إليه كل يوم شربة ويضربه خمسين عصا، فلما سمع المولى ابن حسام الدّين بذلك أرسل إلى السلطان كتابا بأن ترفع عنه هذا الظلم أو أخرج من مملكتك، فرفع عنه ذلك، وذهب إلى سفري حصار، وأقام بها بما لا يمكن شرحه من الكآبة والحزن، ومات السلطان محمد وهو فيها، فلما جلس السلطان بايزيد خان على سرير الملك أعطاه مدرسة دار الحديث بأدرنة، وعيّن له كل يوم مائة درهم، فكتب هناك «حواش على مباحث الجواهر من شرح المواقف» وأورد أسئلة كثيرة على السيد الشريف، وله كتاب بالتركية في «مناجاة الحق» سبحانه، وكتاب في «مناقب الأولياء» بالتركية أيضا. وتوفي بأدرنة ولم يوجد في بيته حطب يسخن به الماء وذلك لفرط سخائه. انتهى ملخصا. وفيها تقريبا المولى يعقوب باشا بن المولى خضر بك بن جلال الدّين الحنفي [4] أخو المترجم قبله.

_ [1] لفظة «على» سقطت من «ط» . [2] أقول: هو السلطان محمد الفاتح. (ع) . [3] في «آ» : «مملكته» . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (109) .

كان إماما، عالما، صالحا، محقّقا، صاحب أخلاق حميدة، وكان مدرسا بسلطانية بروسا، ثم صار مدرسا بإحدى الثمان، ثم ولى قضاء برسة، ومات وهو قاض بها، وله «حواش على شرح الوقاية» لصدر الشريعة، أورد فيها دقائق وأسئلة، مع الإيجاز والتحرير، وله غير ذلك، رحمه الله تعالى .

سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة

سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة فيها كان الغلاء المفرط. وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن موسى الإبشيهي المحلّي الشافعي الإمام العالم. توفي بالرحبة في ذي القعدة. وفيها فخر الدّين عثمان بن علي التليلي الحنبلي [1] الإمام العلّامة الخطيب. أخذ الحديث عن الحافظ ابن حجر، والفقه عن الشيخ عبد الرحمن أبي شعر، وولي الإمامة والخطابة بجامع الحنابلة بصالحية دمشق مدة تزيد على ستين سنة، وكان صالحا معتقدا. توفي يوم الجمعة سابع عشري شعبان ودفن بالروضة، وله سبع وتسعون سنة، وكان لجنازته يوم مشهود. وفيها الشيخ مدين خليفة الأشموني الزاهد [2] . قال المناوي: أصله من ذرية الشيخ أبي مدين، فرحل من المغرب جدّه الأدنى وهو مغربي فقير، فأقام بطبلاي بالمنوفية فولد له بها علي ودفن بطبلية، ثم انتقل إلى أشمون فولد له بها مدين هذا، فاشتغل بالعلم حتى صار يفتي، ثم تحرّك

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 133) و «السحب الوابلة» ص (284) ، وجاء فيهما: «والتليلي: نسبة لتليل قرية من البقاع» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 150) وجامع كرامات الأولياء» (2/ 249) .

لطلب الطريق، فخرج يطلب شيخا بمصر، فوافق خروجه خروج الشيخ محمد الغمري يطلب مطلوبه، فلقيهما رجل من أرباب الأحوال، فقال: اذهبا إلى أحمد الزاهد ففتحكما على يديه، ولا تطلبا الأبواب الكبار- يعني الشيخ محمد الحنفي- فدخلا على الزاهد فلقيهما وأخلاهما ففتح على مدين في ثلاثة أيام، وعلى الغمري بعد خمس عشرة سنة، وكان صاحب الترجمة صاحب همصة، وله عزّ في الطريق وعزمة، وكان له في التصوف [1] يد طولى، وإذا تكلّم في الطريق بلغ المريد مراما وسؤلا، انتفع به خلق كثير من العلماء، والصلحاء، والفقراء، والفقهاء، والأجناد، وغيرهم. وكانت له كرامات، منها أنها مالت منارة زاويته، فقيل له: لا بد من هدمها، فصعد مع المهندس وقال: أرني محلّ الميل، فأراه ذلك، فألصق ظهره إليه فاستقام [2] . ومنها أن الحريفيش جاءه بعد موت شيخه الغمري فوجده يتوضأ وعبد حبشي يصب عليه، وآخر واقف بالمنشفة، فسأله عن نفسه لكونه لم يرد عليه ملابس الفقراء بل الأكابر، فقال: أنا مدين. قال: فقلت في نفسي من غير لفظ: لا ذا بذاك ولا عتب على الزمن بفتح التاء. فقال: عتب، بسكون التاء. قال: فقلت في سرّي: الله أكبر فقال على نفسك الخبيثة أتيت لتزن على الفقراء أحوالهم بميزانك الخاسرة. قال: فتبت وعلمت أنه من الأولياء. [3] ومنها أنه لما ضاقت النفقة على السلطان جقمق أرسل يأخذ خاطره، فأرسل له نصف عمود من معدن يثاقل به الفضة، فجعل ثمنه في بيت المال واتسع الحال، فقال السلطان: الملوك حقيقة هؤلاء. ومنها أنه أتاه رجل طعن في السنّ فقال: أريد حفظ القرآن. قال: ادخل الخلوة واشتغل بذكر الله تحفظه، فدخل فأصبح يحفظه [4] .

_ [1] في «آ» : «في التصرف» . [2] أقول: وهذا أيضا من المبالغات في الكرامات. (ع) . [3] أقول: لا يعلم الغيب إلا الله. (ع) . [4] أقول: وهذا أيضا من المبالغات في الكرامات. (ع) .

وكان لا يخرج من بيته إلّا لصلاة أو بعد عصر كل يوم، ولم يزل دأبه ذلك إلى أن حوّمت عليه المنية وعظمت على المسلمين الرزيّة. فتوفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول ودفن بزاويته. انتهى ملخصا. وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد الكفرسبي الحنبلي [1] الفقيه الصالح. كان من أهل الفضل ومن أخصاء الشيخ علاء الدّين المرداوي، وقد أسند وصيته إليه عند موته. وتوفي بدمشق، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 330) و «السحب الوابلة» ص (498) .

سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة

سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة فيها توفي الملك المؤيد الشّهاب أبو الفتح أحمد بن الملك الأشرف أبي النصرا ينال العلائي الظّاهري ثم الناصري [1] وهو من ذرية الظّاهر بيبرس. ولي السلطنة بعهد من أبيه يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وستين وثمانمائة، وتوفي والده بعد ذاك بيوم واحد، ثم خلعه أتابكه خشقدم بعد خمسة أشهر وخمسة أيام واستمر خاملا إلى أن توفي في صفر عن سبع وخمسين سنة. وفيها المتوكل على الله أبو عمرو عثمان بن الأمير محمد بن عبد العزيز بن أحمد الهنتاتي [2] صاحب المغرب. توفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وقد جاوز السبعين. وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى بن يوسف بن صالح البرساوي الحنفي، المعروف بخواجه زاده [3] . كان والده من التجار، صاحب ثروة عظيمة، وكان أولاده في غاية الرفاهية، وعيّن المترجم في شبابه كل يوم درهما واحدا، وكان ذلك لاشتغاله بالعلم وتركه طريقة والده، فإنه سخط عليه لذلك، ثم دأب المترجم في الطلب، واتصل بخدمة المولى ابن قاضي أياثلوغ، فقرأ عنده الأصلين، والمعاني، والبيان، ثم وصل إلى خدمة خضر بك بن جلال، وقرأ عليه علوما كثيرة، وكان يكرمه إكراما عظيما، وكان

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 246) و «نظم العقيان» ص (40) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 138) . وقال فيه: «والهنتاتي: بفتح الهاء، ثم نون، بعدها مثناة، ثم مثلها بعد الألف قبيلة من البربر» . [3] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (214) و «الشقائق النعمانية» ص (76- 85) .

يقول: إذا أشكلت عليه مسألة لتعرض على العقل السليم يريد به خواجه زاده، ثم تنقل في المدارس، مع الفقر الشديد، وحفظ شرح المواقف، ثم جعله السلطان محمد [1] معلما لنفسه، وقرأ عليه «تصريف العزّي» للزنجاني في الصرف، فكتب عليه حاشية نفيسة، وتقرّب عند السلطان غاية القرب، إلى أن صار قاضيا للعسكر، وكان والده وقتئذ في الحيف والاحتياج، فسار إلى ولده من برسا إلى أدرنة، وخرج ولده للقائه ومعه علماء البلد وأشرافه، ونزل خواجه زاده كه عن فرسه وعانقه، وعمل له ولإخوته ضيافة عظيمة، وجمع فيها العلماء والأكابر، وجلس هو في صدر المجلس وولده [2] عنده وسائر الأكابر جلوس على قدر مراتبهم، فلم يمكن إخوته الجلوس لازدحام الأكابر، فقاموا مع الخدم [3] بعد ما كانوا فيه من الرفاهية وما هو فيه من الفقر والاحتياج، فسبحان المانح لا مانع لما أعطى، ثم إن السلطان محمد أعطاه تدريس سلطانية برسا وعيّن له كل يوم خمسين درهما وهو إذ ذاك ابن ثلاث وثلاثين سنة، ثم أعطاه مدرسته بقسطنطينية، وصنّف هناك كتاب «التهافت» بأمر السلطان، ثم استقضى بمدينة أدرنة، ثم استفتي بمدينة قسطنطينية، ثم أعطي بمكر [4] من الوزير قضاء أزنيق وتدريسها، فذهب إليها وترك القضاء، وبقي على التدريس إلى أن مات السلطان محمد فأتى إلى قسطنطينية، ثم أعطاه السلطان بايزيد سلطانية برسا، وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم أعطاه فتيا برسا، وقد اختلت رجلاه ويده اليمنى، فكان يكتب باليد اليسرى، وكتب «حاشيته [5] على شرح المواقف» بأمر السلطان بايزيد إلى أثناء مباحث الوجود، ثم توفاه الله تعالى. وله أيضا «حواش على شرح هداية الحكمة» لمولانا زاده، و «شرح على الطوالع» و «حواش على التلويح» وغير ذلك. وكان له ابنان اسم الكبير منهما شيخ محمد، كان فاضلا، عالما، مدرّسا،

_ [1] أقول: هو السلطان محمد الفاتح. (ع) . [2] في «ط» : «ووالده» وهو خطأ. [3] في «ط» : «مع الخدام» . [4] في «ط» : «بكرم» . [5] في «ط» : «حاشية» .

باشر التداريس والقضاء، وترك الكل، ورغب في التصوف، ثم ذهب مع بعض العجم إلى بلاد العجم. وتوفي هناك سنة اثنتين أو ثلاث وتسعمائة، وكان محقّقا مدقّقا. واسم الأصغر منهما عبد الله، كان صاحب ذكاء وفطنة ومشاركة حسنة، وتوفي وهو شاب، رحمهم الله تعالى.

سنة أربع وتسعين وثمانمائة

سنة أربع وتسعين وثمانمائة فيها توفي الشريف أبو سعد بن بركات بن حسن بن عجلان [1] صاحب الحجاز. توفي في ربيع الثاني. وفيها الشيخ عبد الله المشهور بحاجي خليفة [2] . أصله من ولاية قصطموني، واشتغل بالعلوم الظاهرة أولا فأتقنها، ثم اتصل بخدمة الشيخ تاج الدّين بن بخشي، وحصّل عنده طريقة الصوفية، حتى أجازه بالإرشاد، وأقامه مقامه بعد وفاته. وكان جامعا للعلوم والمعارف، متواضعا، متخشعا، صاحب أخلاق حميدة وآثار سعيدة، مظهرا للخيرات، والبركات، صاحب كرامات، مرجعا للعلماء والفضلاء، مربيا للفقراء والصلحاء آية في الكرم والفتوة، كثير البشر، جميل الخلق والخلق. وتوفي في سلخ جمادى الآخرة، رحمه الله تعالى. وفيها المنصور عبد الوهاب بن داود [3] صاحب اليمن. توفي في جمادى الأولى.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 113) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (147- 149) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 100) .

وفيها شمس الدّين محمد بن شهاب الدّين أحمد بن عزّ الدّين عبد العزيز المرداوي الحنبلي [1] الأصيل العريق، سليل الأعلام. كان من فضلاء الحنابلة، بارعا في الفرائض، مستحضرا في الفقه وأصوله، والحديث، والنحو، حافظا لكتاب الله تعالى. أذن له الشيخ تقي الدّين بن قندس، والشيخ علاء الدّين المرداوي، والبرهان بن مفلح بالإفتاء والتدريس، وولي القضاء ببلده مردا مدة. وتوفي بصالحية دمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بالروضة إلى جانب القاضي علاء الدّين المرداوي من جهة القبلة. وفيها القاضي محبّ الدّين أبو اليسر محمد بن الشيخ فتح الدين محمد بن الجليس المصري الحنبلي [2] . ولد في حدود العشرين والثمانمائة ظنا، وكان والده من أعيان الحنابلة بالقاهرة، وكان هو من أخصّاء القاضي بدر الدّين البغدادي، وكان في ابتداء أمره يتجر، ثم احترف بالشهادة، وجلس في خدمة نور الدّين الشيشيني المتقدم ذكره، وحفظ «مختصر الخرقي» . وقرأ على العزّ الكناني وغيره، وأذن له القاضي عزّ الدّين المذكور في العقود والفسوخ، ثم استخلفه في الحكم، واستمرّ على ذلك إلى أن توفي في أحد الربيعين. وفيها المتوكل على الله يحيى بن محمد بن مسعود بن عثمان بن محمد [3] صاحب المغرب. توفي في رجب.

_ [1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (516) و «السحب الوابلة» ص (346) . [2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (516) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 258) .

سنة خمس وتسعين وثمانمائة

سنة خمس وتسعين وثمانمائة فيها توفي السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الحسيني الشّيرازي الأيجي [1] الإمام العالم. توفي في جمادى الأولى عن إحدى وسبعين سنة. وفيها عبيد الله بن محمد المدعو حافظ عبيد الأبيوردي [2] الإمام العلّامة. وفيها قاضي القضاة عبد الرحمن بن الكازروني الحنبلي [3] الإمام العلّامة المقرئ المحدّث. كان من أهل العلم ومشايخ القراءة، وله سند عال في الحديث الشريف. ولي قضاء حماة مدة طويلة، ووقع له العزل والولاية، وكانت سيرته حسنة، وللناس فيه اعتقاد. توفي بحماة وقد جاوز الثمانين. وفيها أمين الدّين أبو اليمن محمد بن محب الدّين أبي اليسر محمد المنصوري المصري الحنبلي [4] . اشتغل في ابتداء أمره على الشيخ جمال الدّين بن هشام، واحترف

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 333) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 116) وفيه: «عبيد الله بن عبد الله ... » . [3] ترجمته في «السحب الوابلة» ص (210) . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 262) و «المنهج الأحمد» الورقة (517) . وقال السخاوي: «المنصوري: نسبة للمنصورية بالبيمارستان» .

بالشهادة، وأذن له البدر البغدادي في العقود والفسوخ، وكذا العزّ الكناني، ثم فوّض إليه نيابة الحكم فباشر في أيامه مدة طويلة، ثم استمرّ على ما هو عليه في أيام البدر السعدي، وكان يباشر على أوقاف الحنابلة، وعنده استحضار في الفقه، وخطّه حسن، وله معرفة تامة بمصطلح القضاء والشهادة. وكان يلازم مجالس الأمراء بالديار المصرية لفصل الحكومات. وتوفي بالقاهرة في أواخر السنة.

سنة ست وتسعين وثمانمائة

سنة ست وتسعين وثمانمائة فيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف اللقاني [1] المالكي الإمام العالم. توفي في المحرم. وفيها العارف بالله تعالى الشيخ عبد الله الإلهي الصّوفي الحنفي [2] . قال في «الشقائق» : ولد بقصبة سما، ومن ولاية أناضولي، واشتغل أول عمره [3] بالعلوم، وسكن مدة بقسطنطينية بمدرسة زيرك، ولما ارتحل المولى على الطّوسي إلى بلاد العجم ارتحل هو أيضا، فلقيه بمدينة كرمان، واشتغل عليه بالعلوم الظاهرة، ثم غلبت عليه داعية التّرك، فقصد حرق كتبه أو إغراقها. ولما كان في هذا التردد دخل عليه فقير وقال له: بع الكتب وتصدّق بثمنها إلّا هذا الكتاب، فإنه يهمك، فإذا هو كتاب فيه «رسائل المشايخ» ففعل ذلك، وذهب إلى سمرقند وخدم العارف بالله خواجه عبد الله السمرقندي، وتلقّن منه الذكر، ثم ذهب بإشارة منه إلى بخاري، واعتكف هناك عند قبر خواجه بهاء الدّين النقشبندي، وتربى بروحانيته، ثم عاد إلى سمرقند، وصحب خواجه عبيد، ثم ذهب بإشارته إلى بلاد الرّوم فمرّ ببلاد هراة، وصحب المولى عبد الرحمن الجامي وغيره من مشايخ خراسان، ثم أتى إلى وطنه، واشتهر حاله في الآفاق، واجتمعت عليه

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 161) وهي ترجمة حافلة يحسن بالباحث الرجوع إليها. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (152- 155) . [3] في «ط» : «أول أمره» وهو أوجه، وما جاء في «آ» موافق لما في «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف.

العلماء والطلاب، ووصلوا إلى مآربهم، وبلغ صيته إلى قسطنطينية، وطلبه علماؤها وأكابرها فلم يلتفت إليهم إلى زمن السلطان محمد، فظهرت الفتن في وطنه، فأتى قسطنطينية، وسكن بجامع زيرك، واجتمع عليه الأكابر والأعيان، ثم لما تزاحم عليه الناس تشوّش من ذلك، وارتحل إلى ولاية رملي، فتوفي هناك، رحمه الله تعالى. وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى، الشهير بابن وفاء الحنفي [1] ، العارف بالله تعالى. وكان يكتب على ظهر كتبه الفقير مصطفى بن أحمد الصّدري القونوي المدعو بوفاء. أخذ التصوف أولا عن الشيخ مصلح الدّين المشتهر بإمام الدّبّاغين، ثم اتصل بأمر منه إلى خدمة الشيخ عبد اللطيف القدسي، وأكمل عنده الطريق، وأجازه بالإرشاد، وكان صاحب الترجمة إماما، عالما، محقّقا، جامعا بين علمي الظاهر والباطن، له شأن عظيم من التصرفات الفائقة، عارفا بعلم الوفق، بليغا في الشعر والإنشاء، خطيبا مصقعا، منقطعا عن الناس، لا يخرج إلّا في أوقات معينة، وإذا خرج ازدحم الأكابر وغيرهم عليه للتبرك. [وكان] لا يلتفت إلى أرباب الدنيا ويؤثر صحبة الفقراء عليهم. قصد السلطان محمد وبعده السلطان أبو يزيد [2] الاجتماع به فلم يرض بذلك. توطن القسطنطينية وله بها زاوية وجامع. ولما توفي حضر السلطان أبو يزيد [2] جنازته [3] وأمر بكشف وجهه لينظر إليه اشتياقا إليه وتبركا به، رحمهما الله تعالى. وفيها يعقوب بك بن حسن بك [4] سلطان العراقين.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (145- 147) وما بين الحاصرتين في الترجمة مستدرك منه. [2] في «الشقائق النعمانية» : «بايزيد» وهو الصواب. [3] في «ط» : «في جنازته» . [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 283) .

سنة سبع وتسعين وثمانمائة

سنة سبع وتسعين وثمانمائة فيها كان الطّاعون العام العجيب الذي لم يسمع بمثله، حتى قيل إن ربع أهل الأرض ماتوا به [1] . وفيها توفي صدر الدّين عبد المنعم بن القاضي علاء الدّين علي بن أبي بكر بن مفلح الحنبلي [2] الإمام العلّامة. تقدم ذكر أسلافه، وأخذ هو العلم عن والده وغيره، وكان من أهل العلم والدّين. أفتى ودرّس، وأفاد بحلب وغيرها، وكان خيّرا متواضعا، لكنه لم يكن له حظ من الدّنيا كوالده. وتوفي بحلب في ربيع الآخر.

_ [1] انظر تفاصيل ذلك في بدائع الزهور» (3/ 286- 292) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 89) و «المنهج الأحمد» الورقة (517) و «السحب الوابلة» ص (273) .

سنة ثمان وتسعين وثمانمائة

سنة ثمان وتسعين وثمانمائة فيها وقعت صاعقة بالمسجد النبوي قبيل ظهر يوم الأربعاء ثامن عشري صفر أصابت المنارة الرئيسية بحيث تفطرت خودة هلالها وسقط جانب دورها السفلي [1] . وكان فيها الطّاعون العجيب ببرسا واحترق نحو نصفها أيضا. وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أبي بكر الشنويهي ثم المصري الحنبلي [2] العدل. كان إماما، عالما، حفظ القرآن العظيم، و «مختصر الخرقي» و «العمدة» للموفق، وكان من أخصاء القاضي بدر الدّين البغدادي وإمامه، وله رواية في الحديث، وأخذ عنه العلّامة غرس الدّين الجعبري شيخ حرم سيدنا الخليل، وذكره في أول «معجم شيوخه» واحترف بالشهادة أكثر من ستين سنة لم يضبط عليه ما يشينه. وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان وقد جاوز الثمانين. وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن حسين بن حسن المدني الشافعي، المعروف بابن القطّان [3] الإمام العالم. توفي في ذي القعدة عن تسع وسبعين سنة.

_ [1] انظر التفاصيل في «بدائع الزهور» (3/ 294- 295) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 34) و «السحب الوابلة» ص (23) وفيه: «الشويهي» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 57) و «التحفة اللطيفة» (1/ 122) .

وفيها الإمام العارف بالله تعالى عبد الرحمن بن أحمد الجامي [1] . ولد بجام من قصبات خراسان [2] ، واشتغل بالعلوم العقلية والشرعية فأتقنها، ثم صحب مشايخ الصوفية، وتلقّن الذكر من الشيخ سعد الدّين الكاشغري، وصحب خواجه عبيد الله السّمرقندي، وانتسب إليه أتمّ الانتساب. وكان يذكر في كثير من تصانيفه أوصاف خواجه عبيد الله، ويذكر محبته له، وكان مشتهرا بالفضائل. وبلغ صيت فضله الآفاق، وسارت بعلومه الرّكبان، حتّى دعاه السلطان بايزيد خان إلى مملكته، وأرسل إليه بجوائز سنية، فكان يحكي من أوصلها أنه تجهّز للسفر، وسافر من خراسان إلى همذان، ثم قال للذي أوصل الجائزة: إني امتثلت أمره الشريف حتّى وصلت إلى همذان، والآن أتشبث بذيل الاعتذار، وأرجو العفو منه إني لا أقدر على الدخول إلى بلاد الرّوم لم أسمع فيها من الطّاعون، وكان رحمه الله تعالى أعجوبة دهره علما، وعملا، وأدبا، وشعرا. وله مؤلفات جمّة، منها «شرح فصوص الحكم» لابن عربي، و «شرح الكافية لابن الحاجب» وهو أحسن شروحها. وكتب على أوائل القرآن العظيم تفسيرا أبرز فيه بعضا من بطون القرآن العظيم وغوامضه، وله كتاب «شواهد النبوة» بالفارسية. وكتاب «نفحات الأنس» بالفارسية أيضا. وكتاب «سلسلة الذهب» حطّ فيه على الرافضة، وكتاب «الدرة الفاخرة» و «تسمية أهل اليمن حطّ رحلك» إشارة إلى أنه كتاب تحط الرحال عنده، و «رسالة في المعمّى والعروض والقافية» وله غير ذلك، وكل تصانيفه مقبولة. وتوفي بهراة وجاء تاريخ وفاته وَمن دَخَلَهُ كانَ آمِناً 3: 97 [آل عمران: 97] . ولما توجهت الطائفة الطّاغية الأردبيلية إلى خراسان، أخذ ابنه ميتته من قبره ودفنه في ولاية أخرى فأتت الطائفة المذكورة إلى قبره وفتشوه فلم يجدوا جسده فأحرقوه ما فيه من الأخشاب. وفيها قاضي القضاة محيى الدّين أبو صالح عبد القادر بن قاضي القضاة

_ [1] ترجمته في «جامع كرامات الأولياء» (2/ 61) . [2] لها ذكر في «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» ص (238) .

سراج الدّين أبي المكارم عبد اللطيف بن محمد الحسيني الفاسي الأصل المكّي الحنبلي [1] الشريف الحسيب النّسيب الإمام العالم العلّامة المقرئ المحدّث. ولد غروب شمس يوم الثلاثاء سادس عشري شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بمكّة المشرفة، وحفظ بها القرآن العظيم، وصلّى به بمقام الحنابلة التراويح، وحفظ قطعة من «محرّر ابن عبد الهادي» و «الشاطبية» و «مختصر ابن الحاجب» الأصلي، و «كافيته» و «تلخيص المفتاح» وتلا بالروايات السبع على الشيخ عمر الحموي النجّار [2] نزيل مكّة. وأخذ الفقه عن العزّ الكناني، والعلاء المرداوي، وأذن له في الإفتاء والتدريس والأصول عن الأمين الأقصرائي الحنفي، والتّقي الحصني، وأذنا له، وأخذ عن الأخير المعاني، والبيان، والعربية، وأصول الدّين، وسمع الحديث على أبي الفتح المراغي، والتّقي بن فهد، والشّهاب الزّفتاوي [3] ، وأجاز له والده وعمته أم الهدى، وقريبه عبد اللطيف بن أبي السرور، وزينب ابنة اليافعي، وأبو المعالي الصالحي المكيون. ومن أهل المدينة الشريفة المحب الطّبري، وعبد الله بن فرحون، والشّهاب المحلّي. ومن القاهرة ابن حجر، والمحب بن نصر الله، والتّقي المقريزي، والزين الزركشي، والعزّ بن الفرات، وسارة بنت عمر بن جماعة، والعلاء بن بردس، وأبو جعفر ابن العجمي في آخرين. ورحل في الطلب، وجد واجتهد، ثم أقام بمكة للاشغال، وولي قضاء الحنابلة بها سنة ثلاث وستين، ثم أضيف إليه قضاء المدينة سنة خمس وستين،

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 272) و «المنهج الأحمد» الورقة (517) و «السحب الوابلة» ص (226) . [2] تحرفت في «ط» إلى «البخاري» . [3] تحرفت في «ط» إلى «الزفتاري» .

ودرّس بالمسجد الحرام وغيره، وحدّث وأفتى، ونظم وأنشأ، وكان له ذكاء مفرط، وكثرة عبادة وصوم، وحسن قراءة، وطيب نغمة فيها. وكان يزور النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كل عام، وزار بيت المقدس والخليل، وباشر القضاء [1] إلى وفاته [1] أحسن مباشرة، بعفّة، وصيانة، ونزاهة، وورع، مع التواضع ولين الجانب. وتوجه إلى المدينة الشريفة للزيارة على عادته فأدركته المنية بها في يوم الجمعة النصف من شعبان، وصلّي عليه بمسجد النّبي صلى الله عليه وسلم، ودفن بالبقيع. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي الحنبلي [2] الشيخ الصّالح الخطيب المسند المعمّر الأصيل [3] . ولد بصالحية دمشق عشية عيد الفطر سنة خمس وثمانمائة، واشتغل بالعلم، وفضل، وتميّز، وأفتى، ودرّس، وحدّث، وباشر نيابة الحكم بالديار المصرية وبالمملكة الشامية، وكان له وجاهة عند الناس. وتوفي بالقاهرة في يوم الأربعاء خامس عشري في القعدة وله أربع وتسعون سنة. وفيها المولى سنان الدّين يوسف، المعروف بقول سنان الحنفي [4] . قال في «الشقائق» : كان من عبيد بعض وزراء السلطان مراد [5] ، وقرأ في صغره مباني العلوم، واشتغل على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى علي

_ [1، 1] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 9) و «المنهج الأحمد» الورقة (518) و «السحب الوابلة» ص (352) . [3] في «ط» : «الأصل» . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (167- 168) . [5] كذا في «آ» و «ط» : «مراد» في «الشائق» مصدر المؤلف: «محمد» .

القوشجي، ثم تنقّل في المدارس، حتّى صار مدرّسا بإحدى الثمان، وعيّن له كل يوم ثمانون درهما، وكان كثير الاشتغال بالعلم، نشرا، وإفادة، وتصنيفا، وصنّف شرحا ل «الرسالة الفتحية» في الهيئة لأستاذه علي القوشجي، وهو شرح نافع للغاية وعلّق حواشي على مشكلات البيضاوي من أوله إلى آخره، وحشّى غيره من الكتب، رحمه الله تعالى .

سنة تسع وتسعين وثمانمائة

سنة تسع وتسعين وثمانمائة فيها تقريبا توفي إسماعيل بن أحمد [1] بن عيسى البرلسي المغربي الفاسي [2] المالكي، المعروف بابن زرّوق [3] الإمام العلّامة الصّوفي. قال المناوي في «طبقاته» : عابد من بحر العبر يغترف، وعالم بالولاية متصف، تحلى بعقود القناعة والعفاف، وبرع في معرفة الفقه والتصوف والأصول والخلاف، خطبته الدنيا فخاطب سواها، وعرضت عليه المناصب فردّها وأباها. ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة، ومات أبوه قبل تمام أسبوعه، فنشأ يتيما، وحفظ القرآن العظيم، وعدة كتب، وأخذ التصوف عن القوري وغيره، وارتحل إلى مصر، فحجّ وجاوز بالمدينة، وأقام بالقاهرة نحو سنة، واشتغل بها في العربية والأصول على الجوجري وغيره، وأخذ الحديث عن السّخاوي، ثم غلب عليه التصوف، فكتب على الحكم نيفا وثلاثين شرحا، وعلى «القرطبية في شرح المالكية» وعلى «رسالة ابن أبي زيد القيرواني» عدة شروح كلها مفيدة نافعة، وعمل «فصل السالمي» [4] أرجوزة، وشرح كتاب «صدور الترتيب» لشيخه الحضرمي بن عقبة، وشرح «حزب البحر» للشاذلي، وشرح «الأسماء الحسنى» جمع فيه بين طريقة علماء الظّاهر والباطن، وكتاب «قواعد الصوفية» وأجاده جدا.

_ [1] في «ط» : «إسماعيل بن محمد» . [2] ترجمته في جامع كرامات الأولياء» (1/ 360) . [3] في «ط» : «المعروف بزروق» وكذلك في «جامع كرامات الأولياء» . [4] في «آ» : «السلمي» .

ومن كلامه: المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يتتبع المعايب والمعايير، والله في عون العبد ما دام العبد [1] . في عون أخيه. وقال: مقام النبوة معصوم من الجهل بمولاه في كل حال من أول شؤونه إلى أبد الآبدين. وقال: ما اتفق اثنان قطّ في شيء واحد من جميع الوجوه وإن اتفقا في أصل الأمر أو فروعه أو بعض جهاته، ولذلك قالوا: الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق [2] . وقال: كل علم بلا عمل وسيلة بلا غاية، وعمل بلا علم جهالة. انتهى ملخصا. وفيها القاضي تقي الدّين أبو بكر بن شمس الدّين محمد العجلوني الحنبلي، المشهور بابن البيدق [3] . كان من أهل الفضل وأعيان الحنابلة بدمشق، أخذ العلم عن ابن قندس، والعلاء المرداوي، والبرهان ابن مفلح، وناب في الحكم بدمشق، وأفتى، وكانت سيرته حسنة. وتوفي يوم الجمعة ثالث ذي الحجّة. وفيها المولى قاسم الشهير بقاضي زاده الحنفي [4] الإمام العالم. كان أبوه قاضيا بقسطموني، ونشأ ولده نشأة حسنة، واشتغل بالعلم والعبادة، واتصل إلى خدمة خضر بك بن جلال الدّين، وحصّل عنده علوما كثيرة، وتنقل في المدارس إلى أن صار قاضيا ببرسا فحمدت سيرته، ثم أعيد إلى إحدى المدارس الثمان، ثم ولي برسا ثانيا.

_ [1] لفظة «العبد» سقطت «آ» . [2] أقول: الطريق الصحيح إلى الله تعالى هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ع) . [3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (518) و «السحب الوابلة» ص (135) . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (116) و «الفوائد البهية» ص (154) .

وتوفي قاضيا بها، وكان مشتغلا بالعلم، ذكي الطبع، جيد القريحة، متصفا بالأخلاق الحميدة، صحيح العقيدة، سليم النّفس، له يد طولى في العلوم الرياضية، رحمه الله تعالى. وفيها المولى محيى الدّين الشهير بأخوين الحنفي [1] الإمام العالم. قرأ على علماء عصره، وتنقل في المدارس، حتّى صار مدرسا بإحدى الثمان، وكان من أعيان العلماء، له حاشية على «شرح التجريد» للشريف الجرجاني، ورسالة في أحكام الزنديق، ورسالة في شرح الربع المجيب، رحمه الله تعالى. وفيها تقريبا المولى يوسف بن حسين الكرماسني الحنفي [2] الإمام العلّامة. قرأ على خواجه زاده، وبرع في العلوم العربية والشرعية، وتنقل في المدارس، وصار قاضيا بمدينة برسا، ثم بمدينة قسطنطينية، وكان في قضائه، مرضي السيرة، محمود الطريقة، سيفا من سيوف الله تعالى، لا يخاف في الله لومة لائم. ومن مصنفاته: «حاشية على المطول» و «شرح الوقاية» و «الوجيز في أصول الفقه» و «كتاب في علم المعاني» . توفي بمدينة القسطنطينية، ودفن بجانب مكتبه الذي بناه عند جامع السلطان محمد.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (116) و «معجم المؤلفين» (9/ 31) . [2] ترجمته في «الفوائد البهية» ص (227) وفيه: «الكرماسني» .

سنة تسعمائة

سنة تسعمائة فيها توفي برهان الدّين النّاجي إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحلبي القبيباتي الشافعي [1] الإمام العالم. توفي بدمشق عن أزيد من تسعين سنة [2] . وفيها عبد الرحمن بن حسن بن محمد الدّميري الشافعي [3] الإمام العالم. توفي في ربيع الثاني عن خمس وسبعين سنة. وفيها قاضي القضاة علاء الدّين أبو الحسن علي بن شمس الدّين محمد بن العطار الشّيبي الحموي الحنبلي، المشهور بابن إدريس [4] . كان إماما علّامة، له سند عال في الحديث، ناب في القضاء بحماة مدة، ثم ولي قضاء طرابلس نيفا وعشرين سنة، وكانت له معرفة بطرق الأحكام ومصطلح الزمان. وتوفي بطرابلس وقد جاوز الثمانين. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن البهاء البغدادي [5] الحنبلي الإمام العلّامة الفقيه المحدّث.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 166) و «الأعلام» (1/ 65) . [2] أقول: وله تعليقة جيدة على «الترغيب والترهيب» ومخطوطته موجودة في المدينة المنورة، واسمها عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه «الترغيب والترهيب» وهو كتاب هام جدا. (ع) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 74) و (3/ 233) في «زكريا بن حسن» فقد عرف بالاسمين فتنبه. [4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (519) . [5] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (519) و «السحب الوابلة» ص (305) و «معجم المؤلفين» (7/ 187) .

ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة تقريبا في جهة العراق، وقدم من بلاده إلى مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بصالحية دمشق في سنة سبع وثلاثين، وأخذ الحديث عن الأمين الكركي، والشمس ابن الطحّان، وابن ناظر الصاحبة، وأخذ العلم عن الشيخ تقي الدّين بن قندس، والنّظام والبرهان ابني مفلح، وصار من أعيان الحنابلة. أفتى، ودرّس، وصنّف كتاب «فتح الملك العزيز بشرح الوجيز» في خمس مجلدات. وتوجه إلى القاهرة، فاجتمع عليه حنابلتها، وقرأوا عليه، وأجاز بعضهم بالإفتاء والتدريس، وزار بيت المقدس، والخليل [1] عليه السلام، وباشر نيابة القضاء بدمشق، وكان معتقدا عند أهلها وأكابرها، ورعا، متواضعا، على طريقة السّلف. وتوفي بها يوم السبت ثالث عشري جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون. وفيها القاضي ناصر الدّين أبو البقاء محمد بن القاضي عماد الدّين أبي بكر بن زين الدّين عبد الرحمن، المعروف بابن زريق الصّالحي الحنبلي [2] الإمام العالم المحدّث، تقدم ذكر أسلافه. ولد بصالحية دمشق في شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وهو من ذرية شيخ الإسلام أبي عمر. قرأ على علماء عصره، وبرع ومهر، وأفاد، وعلّم، وروى عنه خلق من الأعيان، وكان منوّر الشيبة، شكلا حسنا، على طريقة السّلف الصّالح. وولي الناظر على مدرسة جدّه أبي عمر مدة طويلة، وناب في الحكم، ثم تنزه عن ذلك. وتوفي بالصالحية عشية يوم السبت تاسع جمادى الآخرة.

_ [1] يعني مدينة الخليل ردّها الله تعالى إلى أيدي المسلمين مع بيت المقدس وسواها من بلدان فلسطين العزيزة بفضله ورحمته وكرمه. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 169) و «السحب الوابلة» ص (365) .

وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي الحنبلي [1] الإمام العالم. كان من أصحاب البرهان ابن مفلح، وباشر عنده نيابة الحكم مدة ولايته، وكانت نيفا وثلاثين سنة، ثم باشر عند ولده نجم الدّين، ثم فوّض إليه الحكم في آخر عمره، واستمر إلى أن توفي. وفيها بدر الدّين أبو المعالي قاضي القضاة محمد بن ناصر الدّين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خالد بن إبراهيم السّعديّ المصريّ الحنبلي [2] شيخ الإسلام الإمام العلّامة الرّحلة. ولد بالقاهرة سنة خمس أو ست وثلاثين وثمانمائة، وسمع على الحافظ ابن حجر وغيره، واشتغل في الفقه على عالم الحنابلة جمال الدّين ابن هشام ولازمه، ثم لازم العزّ الكناني، وجد واجتهد، وقرأ كثيرا من العلوم وحقّقها، وحصّل أنواعا من الفنون وأتقنها، وبرع في المذهب، وصار من أعيانه، وأخذ عن علماء الديار المصرية وغيرهم ممن ورد إلى القاهرة، وأتقن العربية وغيرها من العلوم الشرعية والعقلية، وتميّز وفاق أقرانه، ولزم خدمة شيخه القاضي، عزّ الدّين، وفضل عليه، فاستخلفه في الأحكام الشرعية، وهو شاب له خمس وعشرين سنة أو نحوها، وأذن له في الإفتاء والتدريس، وشهد بأهليته، وندبه للوقائع المهمة والأمور المشكلة، فساد على أبناء جنسه، وعظم أمره، وعلا شأنه، واشتهر صيته، وأفتى ودرّس، وحجّ إلى بيت الله الحرام، وقرأ على القاضي علاء الدّين المرداوي لما توجه إلى القاهرة كتابه «الإنصاف» وغيره، ولازمه، فشهد بفضله، وأذن له بالإفتاء والتدريس أيضا، ولم يزل أمره في ازدياد وعلمه في اجتهاد، وباشر نيابة الحكم أكثر من خمس عشرة سنة، وصار مفتي دار العدل، وكانت مباشرته بعفّة ونزاهة، ثم ولي قضاء القضاة بالديار المصرية بعد موت شيخه العزّ الكناني، فحصل بتوليته

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (92/ آ) و «السحب الوابلة» ص (422) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 59) و «المنهج الأحمد» الورقة (520) و «السحب الوابلة» ص (434) .

الجمال لممالك الإسلام، وسلك أحسن الطرق من النّزاهة والعفّة، حتى في قبول الهدية، وصنّف «مناسك الحج» على الصحيح من المذهب، وهو كتاب في غاية الحسن. وبالجملة فقد كان آية باهرة، من حسنات الدهر، ذكره تلميذه العليمي في «طبقاته» وهو آخر من ذكرهم فيها إلا أنه قال: توفي فجأة ليلة الثلاثاء ثالث ذي القعدة، والله أعلم.

تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه تحقيقنا للمجلد التاسع من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وذلك ليلة الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجّة لعام (1412) هـ-. ونسأل الله العظيم أن يتولانا بعنايته ويمدنا بتأييده وتوفيقه وكريم رعايته، ويعيننا على تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه خير مسؤول وأسرع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. محمود الأرناؤوط

المجلد العاشر

[المجلد العاشر] كلمة أخيرة الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، والصّلاة والسّلام على خيرة خلق الله تعالى محمد المبعوث بخير الرسالات لخير الأمم. اللهم صلّ وسلّم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين. وبعد: فها هو ذا المجلد العاشر والأخير من هذا الكتاب العظيم- «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» - ينضم إلى المجلدات التسعة التي سبقته من هذه الطبعة التي تتولى إصدارها دار ابن كثير العامرة بدمشق الشام المحروسة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ويطيب لي بهذه المناسبة العزيزة أن أشير إلى أمور مختلفة تتعلق بهذه الطبعة من هذا الكتاب التي شرّفني الله عزّ وجل بخدمتها والقيام عليها، لتوضيح ما هو خاف عن جماهير القراء الذين سيعودون لهذه الطبعة لمراجعة حادثة، أو ترجمة، أو اسم علم، أو اسم مكان، أو بيت شعر، أو غير ذلك مما يحتوي عليه هذا السّفر الموسوعي الكبير، فأجمل القول بما يلي: 1- لم تتوافر لى بعض الأصول والمصادر الرئيسة بسبب الظروف المعروفة للكتاب العربي، فكنت أبذل قصارى جهدي للحصول على بعض المصادر من داخل البلاد وخارجها غير عابئ بثمن الكتاب مهما ارتفع، فكانت الكتب تردني متأخرة فأباشر الاعتماد عليها في مراحل متأخرة من العمل. 2- عانيت الكثير الكثير في تحصيل بعض المصادر غير المطبوعة مما نقل عنه

المؤلّف بغية مراجعة النقول عليها، وسافرت من أجل ذلك إلى العديد من الأقطار، وراسلت جهات علمية كثيرة للحصول على بعض المصورات لأصول لم تطبع بعد، وكان للمؤلف- رحمه الله- معها وقفات مطولة، فبعضها حصلت عليه بنفسي وبعضها حصّلته عن طريق بعض الخلّص من أصدقائي، وفي طليعتهم أخيّ وصديقي الفاضل الدكتور خالد عبد الكريم جمعة رجل العلم المحب للتراث العزيز. 3- انصرفت عنايتي نحو أمر أعتقد أنه من أول واجبات المشتغل بالتراث ألا وهو مقابلة النقول على مصادرها المخطوطة والمطبوعة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فاستدركت باتباع هذا المنهج الكثير من السقط، وصحّحت الكثير من التحريف والتصحيف اللّذين لحقا بألفاظ كثيرة في مواطن مختلفة من الكتاب. 4- اجتهدت في الإحالة على أهم المصادر التي شاركت كتابنا في إيراد تراجم الأعلام المترجمين، ولم أتوسع في ذكر المصادر لثقتي بأن الوصول إليها ليس بالعسير على طالب العلم الجاد المجتهد بإذن الله تعالى، ولو فعلت ما فعله غيري في هذا الاتجاه لزاد حجم الكتاب زيادة كبيرة دونما طائل. والآن وقد انتهيت من تحقيق الكتاب وانصرفت إلى إعداد فهارسه التي أرجو أن تفي بحاجة الباحثين وطلبة العلم بعون الله تعالى وتوفيقه، فقد رأيت من تمام الفائدة أن أتبع «الفهارس» بإصدار «مستدرك» في مجلد مستقل أجمل فيه ما وقفت عليه بنفسي من الخطأ، والوهم، والتحريف، والتصحيف، والاستدراك في هذه الطبعة، وما تفضل بالكتابة لي عنه بعض أفاضل أهل العلم، وما سيصلني من التصحيح والاستدراك من الكرام من أهل العلم لاحقا، وسوف أحرص على إصدار «المستدرك» في أول عام (1417) هـ إن شاء الله تعالى. وأغتنم هذه المناسبة لأجدد ما سبق لي قوله من قبل: إن هذا الكتاب هو في نهاية الأمر إرث لأفراد الأمّة جميعهم، والنصح للقائمين على تحقيقه وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها، راجيا من جميع العاملين في فنّ التحقيق وسواهم أن لا يبخلوا عليّ بملاحظاتهم وتصويباتهم، ولسوف أذكر

أصحابها بأسمائهم في مواضع التصحيح والتصويب والاستدراك إن شاء الله تعالى امتثالا لقوله تعالى: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ 7: 85. ذلك ما قمت- وأقوم به- من عمل في خدمة هذا الكتاب، فإن أحسنت فذلك غاية ما أتمنى وأرجو، وإن أخطأت وسهوت وغفلت، فلست ممن يدّعي العصمة، وإني لمعترف بتقصيري وجهلي وقلّة تحصيلي، وما أظن الكرام من القراء- على كل حال- بمتوقفين عند ما يظهر في عملي من الهنات دون موازنته بما فيه من الإحسان إن شاء الله تعالى. والله أسأل أن يجزي عني والدي وأستاذي المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط- المشرف على تحقيق الكتاب- خير ما يجزي والدا عن ولده وأستاذا عن تلميذه، فقد شرّفني الله عزّ وجل بالانتساب إليه علما ونسبا، وشدّ به أزري في خدمة هذا الكتاب، وآنس به وحدتي في التصدي لإخراجه على هذا النحو من الإتقان، والله أسأل أن يمدّ في عمره ممتعا بالصحة والعافية والقوة والمنعة طول العمر بحوله وقوته. وأضرع إليه عزّ وجل وأنا على مشارف هذه الكلمة الأخيرة أن يلهمني الصواب في القول والعمل، وأن يجعل أحسن أعمالي خواتيمها وخير أيامي يوم ألقاه، وأن يجعلني ممن يعملون أضعاف ما يتكلمون، والحمد لله ربّ العالمين. دمشق الشام في التاسع عشر من شهر شوال لعام 1413 هـ محمود الأرناؤوط

دراسة بقلم العلامة الشيخ سعيد الكرمي

شذرات الذهب في أخبار من ذهب [1] دراسة بقلم العلّامة الشيخ سعيد الكرمي [2] عضو المجمع العلمي العربي بدمشق (1267- 1353 هـ) تأليف عبد الحي بن أحمد بن محمد، المعروف بابن العماد الحنبلي الصّالحي المترجم في «خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر» [3] بالمصنّف الأديب المتفنّن الطّرفة الأخباري العجيب الشأن في التحول في المذاكرة ومداخلة الأعيان والتّمتع بالخزائن العلمية وتقييد الشوارد من كلّ فنّ، وكان من آدب الناس

_ [1] أثبت نص هذه المقالة كاملا كما جاء في «مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق» (المجلد الأول ص (65- 75)) بعد إجراء قلم التصحيح والتحقيق عليها، وأثبت بعض التعليقات القليلة على مواطن مختلفة منها، ورددت ما استشهد به كتابها- رحمه الله- إلى موقعه من مجلدات هذه الطبعة، تقريبا للفائدة. وتجدر الإشارة إلى أن العلّامة الشيخ سعيد الكرمي تحدث عن الكتاب اعتمادا على النسخة الخطية التي اعتمدت عليها في تحقيقه حين أهديت إلى خزانة دار الكتب الظاهرية بدمشق. (المحقق) [2] هو سعيد بن علي بن منصور الكرميّ. فقيه، من علماء الأدباء. ولد في طول كرم بفلسطين، وتفقه في الأزهر بمصر، وتولى الإفتاء في بلده، وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي، وناب عن رئيسه مدة، وسافر إلى عمّان سنة (1922) م فكان فيها قاضي القضاة إلى سنة (1926) م، وعاد إلى طول كرم فتوفي بها، وله من المؤلّفات: «واضح البرهان في الردّ على أهل البهتان» و «الإعلام بمعاني الأعلام» . عن «الأعلام» للزركلي (3/ 98- 99) الطبعة السادسة، وانظر «معجم المؤلّفين» لكحالة (4/ 228) . ونشر الأستاذ الدكتور عدنان الخطيب دراسة في سيرته يحسن الرجوع إليها. وسألت عنه أستاذ أساتذة العربية في بلاد الشام العالم الجليل سعيد الأفغاني- وهو ممن أدركه وعرفه عن قرب- فأثنى عليه ثناء عطرا، وأشاد بعلمه وفضله، وذكر بأنه كنّي بأبي الأشبال لأن أولاده جميعا طلبوا العلم وأصبحوا من ذوي الشأن فيه. [3] انظر «خلاصة الأثر» (2/ 340) .

وأعرفهم بالفنون المتكاثرة، وأغزرهم إحاطة بالآثار، وأجودهم مساجلة، وأقدرهم على الكتابة والتّحرير، وله من المصنّفات «شرحه على متن المنتهى» في فقه الحنابلة، حرّره تحريرا أنيقا، وله «التاريخ» الذي صنّفه وسمّاه «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» (وهو المنوّه به) وله غير ذلك من رسائل وتحريرات، وكان أخذ عن الأعلام والأشياخ بدمشق والقاهرة. ولزم الإفادة والتدريس، وانتفع به كثير من أهل العصر، وكتب الكثير بخطّه، وكان خطّه حسنا، بيّن الضبط، حلو الأسلوب، وكان مع كثرة امتزاجه بالأدب وأربابه مائل الطبع إلى نظم الشعر، إلّا أنه لم يتفق له نظم شيء فيما علمته منه، ثم أخبرني بعض الإخوان أنه ذكر له أنه رأى في المنام كأنه ينشد هذين البيتين، قال: وأظن أنهما له، وهما: كنت في لجّة المعاصيّ غريقا ... لم تصلني يد تروم خلاصي أنقذتني يد العناية منها ... بعد ظنّي أن لات حين مناص إلى أن قال: وكان قد حجّ فمات بمكّة، وكانت وفاته سادس عشر ذي الحجّة سنة (1089) هـ ودفن في المعلاة، وكان عمره (58) سنة، فإني قرأت بخطّ بعض الأصحاب أن ولادته كانت نهار الأربعاء ثامن رجب سنة (1032) هـ باختصار. والنسخة المذكورة [1] كتبت سنة (1085 هـ) عن نسخة المؤلّف في (1091) صفحة. أما الكتاب فابتداؤه من أول سنة للهجرة إلى ختام سنة ألف. قال في آخره [2] : وهذا آخر ما أردنا جمعه من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» وقد بذلت في تهذيبه وتنقيحه وسعي، وسهرت لأجله ليالي من عمري، ونقّحت عبارات رأيت ناقليها انحرفوا فيها عن نهج الصّواب، إما لغلط، أو سبق قلم، أو تحامل على مترجم، ونحو ذلك، وتحرّيت ما صحّ نقله، وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبته وأطلب الاختصار.

_ [1] يقصد النسخة الخطية التي تكلم عليها الكاتب في مجلة المجمع في ذلك الحين، وهي التي اعتمدنا عليها في التحقيق وقد فصّلنا القول عنها في مقدمتنا للكتاب (1/ 98) . [2] انظر المجلد العاشر ص (654) .

إلى أن قال: «وكان الفراغ منه يوم الاثنين تاسع عشر رمضان المعظم من شهور سنة (1080) هـ» . وقد ذكر في كل سنة من توفي خلالها من الملوك، والوزراء، والعلماء، بغاية الاختصار، مع سلاسة العبارة، فلا يخطر بالبال رجل من رجال الدولة، أو العلم، أو الأدب، أو التّصوف، إلا وتوجد له فيه ترجمة تليق به. ويوجد فيه أثناء التراجم بعض استطرادات مفيدة وغريبة في بابها: منها: ما ذكره في ترجمة محمد المقرّي جدّ صاحب كتاب «نفح الطيب» المتوفى سنة (761) [1] ناقلا عن جدّه أنه قال: مولدي بتلمسان أيام أبي حمو موسى بن عثمان، وقد وقفت على تاريخ ذلك ولكني رأيت الصّفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السّلفي عن سنّه فقال: أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح أزديان (كذا) [2] عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت علي بن محمد اللّبان عن سنّه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السّهمي عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت بعض أصحاب الشّافعي عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعيّ عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنّه، وأنشد لبعضهم في المعنى: احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سنّ ومال ما استطعت ومذهب فعلى الثّلاثة تبتلى بثلاثة ... بمكفّر وبحاسد ومكذّب وفيها أيضا [3] سأل ابن فرحون بن الحكم: هل تجد في التّنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت:

_ [1] انظر المجلد الثامن ص (332- 335) . [2] كذا أثبتها الكاتب في المقالة وفي الكتاب عندنا: «ابن رويان» . [3] أي في سنة (861) من «شذرات الذهب» .

رأى فحبّ فرام الوصل فامتنعوا ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى ففكّر ثم قال: نعم قوله تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ 68: 19- 21 الآية [1] ثم قال لابن فرحون: هل عندك غيره، فقال: نعم قوله تعالى: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ الله ناقَةَ الله وَسُقْياها فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها 91: 13- 14 [2] . وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد. اه. وفيه أيضا أن خلّكان الذي ينسب إليه ابن خلّكان المؤلّف ليس بلدا كما وهم فيه الإسنويّ بل هو لقب لأحد أجداده، كان يكثر من قول: كان أبي، وكان جدّي، فقيل له: خلّ كان وبقيت لقبا له [3] . وفيه أيضا أن معنى تغري بردي والد المؤرخ الشهير بلغة التّتر «الله أعطى» [4] . ومن لطائف ما فيه لغز لابن الشّقيقة الدمشقي الصّفار المتوفى سنة (656) [5] في حروف الواو والميم والنون: أوله آخره ... وبعضه جميعه ثلاثة حروفه ... وواحد مجموعه إن شئت أن تعكسه ... فلست تستطيعه ومنه ما ذكره في ترجمة ابن بطّة الحنبلي المتوفى سنة (387) [6] أنه كان بعينه ناصور [7] ، فوصف له ترك العشاء، فكان يجعل عشاءه قبل الفجر بيسير ولا

_ [1] سورة القلم: الآية (91) . [2] سورة الشمس: الآية (13) . [3] انظر المجلد السابع ص (650) [4] انظر المجلد التاسع ص (472) [5] انظر المجلد السابع ص (492) . [6] انظر المجلد الرابع ص (465) . [7] الناصور: علّة تكون في مجرى الدّمع من العين، أي من طرفها مما يلي الأنف. انظر «المنجد في اللغة» (مأق) و (نسر) و (نصر) .

ينام حتّى يصبح، وأنه اجتاز بالأحنف العكبري فقام له، فشق ذلك عليه، فأنشأ الأحنف: لا تلمني على القيام فحقّي ... حين تبدو أن لا أملّ القياما أنت من أكرم البريّة عندي ... ومن الحقّ أن أجلّ الكراما فقال ابن بطّة متكلّفا له الجواب: أنت إن كنت لا عدمتك ترعى ... لي حقّا وتظهر الإعظاما فلك الفضل في التقدّم في العل ... م ولسنا نحب منك احتشاما فاعفنى الآن من قيامك أولا ... فسأجزيك بالقيام قياما فأنا كاره لذلك جدّا ... إنّ فيه تملّقا وأثاما لا تكلّف أخاك أن يتلقا ... ك بما يستحلّ فيه الحراما وإذا صحّت الضّمائر منّا ... اكتفينا أن نتعب الأجساما كلّنا واثق بودّ أخيه ... فإلام انزعاجنا وعلاما وفيه أيضا [1] ضبط لقب القاضي محمد بن قريعة صاحب النوادر والأجوبة السّريعة بأنه- بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الياء-، [2] مصغّر قرعة وهو في بعض كتب الأدب بالفاء وفي بعضها بالقاف والراء المشددة فعلم أن كل ذلك تحريف [2] . وفيه أيضا [3] في ضبط لقب ابن القوطيّة صاحب كتاب «تصاريف الأفعال» المتوفى كسابقه سنة (367) أنه بضم القاف، وكسر الطاء، وتشديد الياء المثناة من تحت، نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام، نسبت إليه جدّته وهي أمّ إبراهيم بن عيسى أحد أجداده من ملوك القوط (Wisigoth) في الأندلس.

_ [1] انظر المجلد الرابع ص (362) وتمام الضبط والتقييد فيه: «وقريعة: بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الياء التحتية، بعدها عين مهملة، وهو لقب جدّه كذا حكاه السّمعاني» . قلت: قد نقل ابن العماد تقييد نسبته عن «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (4/ 384) . [2] ما بين الرقمين ليس من كتاب «الشذرات» وإنما أضافه الكاتب من عنده. [3] انظر المجلد الرابع ص (362) .

وذكر في ترجمة السّمعاني المؤرّخ أنه بفتح السين ويجوز كسرها، نسبة لسمعان بطن من تميم. ومما امتاز به الكتاب المذكور ذكره لعدة من النساء العالمات الفاضلات مما يدلّ على اعتناء الأقدمين بتعليم المرأة حتّى كنّ أستاذات لكثير من كبار العلماء المؤلّفين. ومما يقضي بالعجب أن جلّهنّ إن لم يكن كلهنّ عمّرن كثيرا، فلا تجد منهنّ من ماتت إلّا عن أكثر من ستين سنة كما ترى فيما يلي، ولعل ذلك لأنّهنّ كن في معيشتهن على ما يقتضيه العلم من الآداب الجسمانية والنفسانية: فمنهن أمّ الكرام (وفي ثبت القسطلاني ستّ الكرام) كريمة بنت أحمد بن حاتم المروزيّة [1] المجاورة، بمكّة. روت «الصحيح» (أي البخاري) عن الكشميهني، عن الفربري، عن مؤلّفه. وكانت تضبط لكتّابها، وتقابل بنسخها، ولها فهم ونباهة، وما تزوجت قطّ. توفيت سنة (463) وقيل: إنها بلغت المائة. قاله في «العبر» [2] . وعدّها ابن الأهدل من الحفّاظ. ومنهن بيبى بنت عبد الصمد بن علي أمّ الفضل وأمّ عربية الهرثمية الهروية لها جزء مشهور ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح توفيت سنة (475) [3] أو التي بعدها وقد استكملت تسعين سنة. ومنهن فاطمة بنت الشيخ أبي علي الدّقاق زوجة القشيري [4] صاحب «الرسالة القشيرية» المشهورة. كانت كبيرة القدر، عالية الإسناد، من عوابد زمانها. روت عن أبي نعيم، [الإسفراييني] والعلوي، والحاكم، وطائفة. توفيت في ذي القعدة سنة (480) عن تسعين سنة.

_ [1] انظر المجلد الخامس ص (266) . [2] انظر «العبر» . [3] وهم الكاتب بإحالة وفاتها إلى سنة (475) والصواب سنة (477) وذكر ما بعد ذلك مما أشار إليه الكاتب رحمه الله تعالى. [4] انظر المجلد الخامس ص (348) .

ومنهن فاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع أمّ الفضل البغدادية [1] الكاتبة التي جوّدوا على خطّها، وكانت تنقل طريقة ابن البوّاب، حكت أنها كتبت ورقة إلى الوزير الكندري فأعطاها ألف دينار، وقد روت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي. توفيت في هذه السنة [2] أيضا. ومنهن فاطمة بنت علي بن المظفّر بن دعبل أمّ الخير البغدادية الأصل النيسابورية [3] المقرئة. روت «صحيح مسلم» و «غريب الخطابي» عن أبي حسين الفارسي، وعاشت سبعا وتسعين سنة، وكانت تلقّن النساء [4] . توفيت سنة (532) أو التي بعدها. ومنهن فاطمة بنت محمد بن أبي سعدى البغدادية أم البهاء الواعظة مسندة أصبهان روت عن أبي الفضل الرازي وأحمد بن محمود الثقفي وسمعت صحيح البخاري من سعيد العيار وتوفيت في رمضان سنة (537) [5] ولها أربع وتسعون سنة. ومنهن أمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الرحمن الحسيني بن إسماعيل المحاملي حفظت القرآن، والفقه، والنحو، والفرائض، والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن هريرة. توفيت سنة (377) [6] . ومنهن شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدّينوري ثم البغدادي الكاتبة المسندة فخر النساء.

_ [1] انظر المجلد الخامس ص (348) . [2] أي سنة (480) هـ. [3] انظر المجلد السادس ص (164) . [4] أي عند موتهن. [5] كذا كتب الكاتب رحمه الله، والصواب سنة (539) انظر المجلد السادس ص (201) . [6] انظر المجلد الرابع ص (407) .

كانت ديّنة، عابدة، صالحة، أسمعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق، وروت عن طراد الزّينبي وطائفة، وكانت ذات برّ وخير. توفيت في رابع عشر المحرم سنة (574) [1] عن نيف وتسعين سنة. ومنهن تقيّة بنت غيث بن علي الأرمنازي الشاعرة المحسنة، ولها شعر سائر، وكانت امرأة برزة، جلدة، مدحت تقي الدّين عمر صاحب حماة والكبار، وعاشت أربعا وسبعين سنة، ولها ابن محدّث معروف عثرت يوما فجرحت فشقّت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبت بها جرحها فقالت: لو وجدت السّبيل جدت بخدّي ... عوضا عن خمار تلك الوليدة كيف لي أن أقبل اليوم رجلا ... سلكت دهرها الطّريق الحميدة وتوفيت سنة (579) [2] . ومنهن فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكريم. ولدت بأصبهان سنة (522) وسمعت حضورا من فاطمة الجوزذانيّة، ومن ابن الحصين، وزاهر الشّحامي، ثم سمعت من هبة الله بن الطّيبي وخلق، وتزوّج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ. روت الكثير بمصر. توفيت في ربيع الأول سنة (600) [3] عن ثمان وسبعين سنة. ومنهن عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارفانيّة الأصبهانية. ولدت سنة 516 وهي آخر من روى عن عبد الواحد صاحب أبي نعيم، ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة، وسمعت من فاطمة «المعجمين» الكبير والصغير للطبراني.

_ [1] انظر المجلد السابع ص (410- 411) . [2] انظر المجلد السادس ص (436- 437) . [3] انظر المجلد السادس ص (564) .

توفيت في ربيع الآخر سنة (606) [1] عن تسعين سنة. ومنهن زينب الحرّة أمّ المؤيّد بنت أبي القاسم عبد الرحمن الجرجاني ثم النّيسابوري. ولدت سنة (524) وسمعت من ابن الفراوي (الذي قيل فيه الفراوي ألف راوي) ومن زاهر الشّحامي، وعبد المنعم بن القشيري، وطائفة. توفيت في جمادى الآخرة سنة (615) [2] عن إحدى وتسعين سنة، وانقطع بموتها إسناد عال. ومنهنّ كريمة بنت عبد الوهاب بن علي مسندة الشام أم الفضل القرشية الزّبيرية وتعرف ببنت الحبقبق. روت عن حسّان الزّيّات وخلق، وأجاز لها أبو الوقت وابن الباغيساني ومسعود الثقفي وخلق وروت شيئا كثيرا. توفيت في جمادى الآخرة سنة (641) [3] ببستانها بالميطور (في صالحية دمشق معروف) . ومنهنّ فاطمة بنت أحمد بن السلطان صلاح الدّين. ولدت سنة (597) سمعت من حنبل، وابن طبرزد، وتوفيت سنة (678) [4] عن إحدى وثمانين سنة. ومنهنّ فاطمة بنت عساكر بنت الحافظ عماد الدّين علي بن القاسم بن مؤرخ الشام أبي القاسم بن عساكر. ولدت سنة (598) وسمعت من ابن طبرزد وجماعة. وتوفيت في شعبان سنة (683) [5] عن خمس وثمانين سنة.

_ [1] انظر المجلد السابع ص (37- 38) . [2] انظر المجلد السابع ص (113- 114) . [3] انظر المجلد السابع ص (368) . [4] انظر المجلد السابع ص (632) . [5] انظر المجلد السابع ص (669) .

ومنهنّ ستّ العرب بنت يحيى بن قايماز أمّ الخير الدمشقية الكندية. سمعت من التاج الكندي مولاهم، وحضرت على ابن طبرزد «الغيلانيات» . وتوفيت في المحرم [سنة (684] [1] عن (85) سنة. ومنهنّ شاميّة أمة الحقّ بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد البكري. روت عن جدّها وجدّ أبيها، وحنبل، وابن طبرزد، وتفرّدت بعدة أجزاء، وتوفيت في أواخر رمضان سنة (685) [2] بشيزر عند أقاربها عن (87) سنة. ومنهن زينت بنت مكّي بن علي بن كامل الحرّاني، الشيخة المعمّرة العابدة. أم أحمد. سمعت من حنبل، وابن طبرزد، وستّ الكتبة، وطائفة، وازدحم عليها الطلبة، وعاشت أربعا وتسعين سنة. وتوفيت في شوال سنة (688) [3] . ومنهنّ زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحية. قال الذهبي: روت لنا عن الشيخ الموفق. وتوفيت في المحرم [سنة (695] [4] وقد قاربت التسعين. ومنهنّ عائشة بنة عيسى بن الشيخ الموفق المقدّمي المباركة الصالحة العابدة. قال الذهبي: روت لنا عن جدّها وابن راجح وتوفيت سنة (697) [5] عن ست وثمانين سنة. وآخر من ترجم من النساء زينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزّي الشافعية.

_ [1] انظر المجلد السابع ص (672) . [2] انظر المجلد السابع ص (683) . [3] انظر المجلد السابع ص (706) . [4] انظر المجلد السابع ص (751) . [5] انظر المجلد السابع ص (765) .

قال في «الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة» [1] للغزّي: كانت من أفاضل النساء من أهل العلم والدّين والصّلاح. مولدها في ذي القعدة سنة (910) وقرأت على والدها وعلى أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيرا، وكتبت له كتابا بخطّها. ومدحته بقصيدة تقول فيها: إنما العالم الذي ... جمع العلم واكتمل قام فيه بحقّه ... يتبع العلم بالعمل سهر الليل كلّه ... بنشاط بلا كسل فهو في الله دابه ... أبد الدّهر لم يزل حاز علما بخشية ... وبدنياه ما اشتغل حاسديه تعجّبوا ... ليس ذا الفضل بالحيل ذاك مولاه خصّه ... بكمال من الأزل من يرم مشبها له ... في الورى عقله اختبل أو بلوغا لفضله ... فله قطّ ما وصل فهو شيخي وسيّدي ... وبه النّفع قد حصل وشعرها في المواعظ وغيرها في غاية الرّقة والمتانة. توفيت سنة (980) [2] . وقد حوى هذا الكتاب أيضا من نفائس الأشعار ولطائف الأخبار ما تقرّ به عين المطالع، وهاك مما فيه من شعر الملوك، والأمراء، والعلماء، وبديع كلامهم ما نحكم به أنهم ملوك الشعر. قال المعتضد بالله العبّاسي المتوفى سنة (289) [3] لما حضرته الوفاة: تمتّع من الدّنيا فإنك لا تبقى ... وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرّنقا

_ [1] انظر «الكواكب السائرة» (3/ 154- 155) . [2] انظر المجلد العاشر ص (574) . [3] انظر المجلد الثالث ص (373) .

ولا تأمننّ الدّهر إني أمنته ... فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقّا قتلت صناديد الرّجال ولم أدع ... عدّوا ولم أمهل على ظنّة خلقا وأخليت دار الملك من كلّ نازع ... فشردّتهم غربا وشرّدتهم شرقا فلما بلغت النّجم عزّا ورفعة ... وصارت رقاب النّاس أجمع لي رقّا رماني الرّدى سهما فأحمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى ولم يغن عنّي ما جمعت ولم أجد ... لدى ملك الأحياء في حيّها رفقا فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى ... أفي نعمة الله أم ناره ألقى وذكر أيضا وصية المأمون العباسي المتوفى في (18) رجب سنة (218) [1] وها هي: «هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولا مدبّر غيره، وأنه خالق وما سواه مخلوق، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حقّ، والبعث حقّ، والحساب حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، وأن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- بلّغ عن ربّه شعائر [2] دينه، وأدى النصيحة إلى أمته، حتى توفاه الله إليه، فصلى الله عليه أفضل صلاة صلّاها على أحد من ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين، وإني مقرّ بذنبي أخاف وأرجو، إلّا أني إذ ذكرت عفو الله رجوت، فإذا أنا متّ فوجّهوني وغمّضوني، وأسبغوا وضوئي، وأجيدوا كفني، وليصلّ عليّ أقربكم مني نسبا وأكبركم سنّا، ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة، وضعوني في لحدي وسدّوا عليّ باللّبن، ثم احثوا عليّ التراب، وخلّوني وعملي، فكلكم لا يغني عني شيئا، ولا يدفع عنّي مكروها، ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم، وأمسكوا عن ذكر شرّ إن عرفتم. ثم قال: يا ليت عبد الله لم يكن شيئا، يا ليته لم يخلق (يعني نفسه) . ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم: يا أبا إسحاق، ادن مني واتّعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك واعمل في الخلافة إذا طوّقكها الله عمل المريد لله الخائف من

_ [1] انظر المجلد الثالث ص (88) . [2] تنبيه: كذا اللفظة في النسخة «آ» التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب وكتب عنها الكاتب: «شعائر» ورجحنا نحن رواية النسخة «ط» التي نقلها ناشرها عن نسخة خطية أخرى فجاءت اللفظة فيها «شرائع» وأثبتناه نحن عنها هناك في موضعها من الكتاب.

عقابه، ولا تغتّر بالله وإمهاله، فكأن قد نزل بك الموت، ولا تغفل عن أمر الرّعية فإن الملك إنما يقوم بهم، ولا يتبين لك أمر فيه صلاح المسلمين إلّا وقدّمه على غيره وإن خالف هواك، وخذ من قويّهم لضعيفهم، واتّق الله في الأمر كله والسلام. ومن شعر تاج الملوك مجد الدّين بوري أخي السلطان صلاح الدّين المتوفى سنة (579) [1] وله ثلاث وعشرون سنة، وكان أديبا شاعرا له ديوان شعر صغير: أقبل من أعشقه راكبا ... من جهة الغرب على أشهب فقلت: سبحانك يا ذا العلا ... أشرقت الشّمس من المغرب ومنه أيضا: أيا حامل الرّمح الشبيه بقدّه ... ويا شاهرا سيفا على لحظه عضبا ذر الرّمح واغمد ما سللت فربّما ... قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا ومن شعر عزّ الدّين فرّوخشاه بن شهنشاه بن أيوب بن شادي صاحب بعلبك وأبو صاحبها الملك الأمجد ونائب دمشق لعمه صلاح الدّين وأخو تقي الدّين صاحب حماه المتوفى سنة (578) [2] قوله: إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ... وتوقع حكم العدل أحسن موقعه فلا تصنع المعروف مع غير أهله ... فظلمك وضع الشّيء في غير موضعه توران شاه- ومعناه ملك المشرق- بن أيوب بن شادي أخو السلطان صلاح الدّين الأسنّ منه [3] وهو فاتح اليمن من الخوارج الباطنية، أقام بها ثلاث سنين ثم اشتاق إلى طيب دمشق ونضارتها، فقدمها وناب بها لأخيه، ثم تحوّل إلى مصر ومات بالإسكندرية سنة (576) فنقلته أخته ستّ الشام ودفنته في محلة العونية وكان من أجود الناس وأسخاهم مات وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدّين.

_ [1] انظر المجلد السادس ص (436) . [2] انظر المجلد السادس ص (432) . [3] انظر المجلد السادس ص (54- 55) .

قال مهذّب الدّين الخيمي نزيل مصر رأيته في النوم فمدحته وهو في القبر، فلف كفنه ورماه إليّ وقال: لا تستقلّن معروفا سمحت به ... ميتا وأصبحت منه عاري البدن ولا تظنّ جودي شابه بخل ... من بعد بذلي ملك الشّام واليمن إنّي خرجت من الدّنيا وليس معي ... من كلّ ما ملكت كفّي سوى كفني المستظهر بالله الخليفة العبّاسي المتوفى سنة (512) [1] من شعره: أذاب حرّ الهوى في القلب ما جمدا ... لمّا مددت إلى رسم الوداع يدا وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق من يهوى الهوى قددا إن كنت أنقض عهد الحبّ يا سكني ... من بعد حبّي فلا عاتبتكم أبدا الوزير نظام الملك صاحب المدرسة النّظامية المتوفى سنة (485) [2] من شعره: بعد الثّمانين ليس قوّه ... قد ذهبت شرّة الصّبوه كأنني والعصا بكفّي ... موسى ولكن بلا نبوّه الوزير الطّغرائي الشهير صاحب «لامية العجم» المتوفى قتلا سنة (514) [3] وقد جاوز الستين ولا ميته تشهد له بعلو كعبه في الأدب، وله ديوان شعر مشهور غير أن صاحب الكتاب أورد له ما يأتي: أيا قلب [4] مالك والهوى من بعد ما ... طاب السّلوّ وأقصر العشّاق أو ما بدا لك في الإفاقة والألى [5] ... نازعتهم كأس الغرام أفاقوا مرض النّسيم وصحّ والدّاء الذي ... تشكوه [6] لا يرجى له إفراق

_ [1] انظر المجلد السادس ص (54- 55) . [2] انظر المجلد الخامس ص (362- 365) . [3] انظر المجلد السادس ص (68- 70) . [4] رواية الكتاب و «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف: «يا قلب» . وهي الأصح وزنا. [5] في أصل المقالة التي كتبها الكاتب: «والأولى» . [6] في أصل المقالة والنسخة التي نقل عنها الكاتب: «ترجوه» .

وهذا خفوق البرق والقلب الذي ... تطوى عليه أضالعي خفّاق وله قد جاءه مولود: هذا الصّغير الذي وافى على كبري ... أقرّ عيني ولكن زاد في فكري سبع وخمسون لو مرّت على حجر ... لبان تأثيرها في ذلك الحجر الوزير عون الدّين بن المظفّر يحيى بن هبيرة [1] وزير المقتضي لأمر الله العباسي وولده وهو مؤلّف كتاب «الإفصاح عن معاني الصّحاح» و «شرح البخاري ومسلم» في عدة مجلدات، منها مجلد ضخم في شرح حديث: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» [2] وهو موجود في دار الكتب العربية شرح فيه الحديث، وتكلّم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى أن ذكر مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين وسنفرد له مقالة مخصوصة من شعره كما رواه الإمام الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي: يلذّ بهذا العيش من ليس يعقل ... ويزهد فيه الألمعيّ المحصّل وما عجب نفس [أن] ترى الرأي إنما ال ... عجيبة نفس مقتضى الرأي تفعل إلى الله أشكو همّة دنيوية ... ترى النّصّ إلّا أنّها تتأول ينهنهها موت الشّباب فترعوي ... ويخدعها روح الحياة فتغفل وفي كل جزء ينقضي من حياتها ... من الجسم جزء بالفنا [3] يتحلّل فنفس الفتى في سهوها وهي تنقضي ... وجسم الفتى في شغله وهو يعمل وقال ابن الجوزي وأنشدني لنفسه: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع قال وأنشدني أيضا لنفسه: الحمد لله هذا العين لا الأثر ... فما الذي باتّباع الحقّ ينتظر

_ [1] انظر المجلد السادس ص (319- 327) . [2] انظر تخريج الحديث في المجلد السادس ص (320) . [3] في الكتاب: «مثله» .

وقت يفوت وأشغال معوّقة ... وضعف عزم ودار شأنها الغير والناس ركضى إلى مهوى مصارعهم ... وليس عندهم من ركضهم خبر تسعى بها خادعات من سلامتهم ... فيبلغون إلى المهوى وما شعروا والجهل أصل فساد النّاس كلّهم ... والجهل أصل عليه يخلق البشر وإنما العلم عن ذي الرّشد يطرحه ... كما من الطفل يوما تطرح السّرر وأصعب الدّاء داء لا يحسّ به ... كالدّقّ يضعف حسّا وهو يستعر وإنما لم تحسّ النّفس موبقها ... لأن أجزاءها قد عمّها الضّرر [1] ومن شعر عبد المؤمن بن علي [الكومي التّلمساني] صاحب المغرب والأندلس، المتوفى سنة (558) [2] وقد كثر الثوار عليه: لا تحفلنّ بما قالوا وما فعلوا ... إن كنت تسمو إلى العليا من الرّتب وجرّد السّيف فيما أنت طالبه ... فما تردّ صدور الخيل بالكتب ومن شعر طلائع بن رزّيك وزير الدّيار المصرية، المتوفى قتلا سنة (556) [3] : ومهفهف ثمل القوام سرت إلى ... أعطافه النّشوات من عينيه ماضى اللحاظ كأنّما سلّت يدي ... سيفي غداة الرّوع من جفنيه قد قلت إذ خطّ العذار بمسكة ... في خدّه ألفيه [4] لا لاميه ما الشّعر دبّ بعارضيه وإنما ... أصداغه نفضت على خدّيه النّاس طوع يدي وأمري نافذ ... فيهم وقلبي الآن طوع يديه فاعجب لسلطان يعمّ بعدله ... ويجور سلطان الغرام عليه

_ [1] رواية البيت في الكتاب: وإنما لم يحسّ المرء موقعها ... لأن أجزاءه قد عمّها الضّرر [2] انظر المجلد السادس ص (305- 306) . [3] انظر المجلد السادس ص (296) . [4] كذا أثبت الكاتب اللفظة «ألفيه» موافقا في ذلك رواية «وفيات الأعيان» (2/ 527) وفي كتابنا: «ألفين» .

والله لولا اسم الفرار وأنّه ... مستقبح لفررت منه إليه تميم بن المعزّ بن باديس صاحب القيروان، المتوفى سنة (501) [1] . من شعره: إن نظرت مقلتي لمقلتها ... تعلم مما أريد نجواه كأنّها في الفؤاد ناظرة ... تكشف أسراره وفحواه وله أيضا: سل المطر العام الذي عمّ أرضكم ... أجاء بمقدار الذي فاض من دمعي إذا كنت مطبوعا على الصدّ والجفا ... فمن أين لي صبر فأجعله طبعي وله أيضا: فكّرت في نار الجحيم وحرّها ... يا ويلتاه ولات حين مناص فدعوت ربّي أنّ خير وسيلتي ... يوم المعاد شهادة الإخلاص سعيد الكرمي

_ [1] انظر المجلد السادس ص (5- 6)

سنة إحدى وتسعمائة

سنة إحدى وتسعمائة بسم الله الرّحمن الرّحيم فيها قدم إلى مدينة زبيد بكتاب «فتح الباري شرح البخاري» للحافظ ابن حجر من البلد الحرام، وهو أول دخوله اليمن، كان سلطان اليمن عامر أرسل لاشترائه، فاشتري له بمال جزيل [1] . وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري الحاملي [2] المقدسي الشافعي [3] . ولد في سنة ست وأربعين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده، والكمال بن أبي شريف، وغيرهما، وباشر نيابة الحكم بالقدس في حياة والده، وكان خيّرا، متواضعا. توفي في حدود هذه السنة بالقدس. وفي حدودها أيضا شهاب الدّين أحمد بن عثمان الشّهير بمنلازاده السّمرقندي الخطّابي- نسبة إلى الخطّاب جدّ- الشافعي [4] . كان إماما، علّامة، فقيها، مقرئا، عالي السّند في القراءات، بينه وبين الشّاطبي أربعة رجال. دخل بلاد العرب، وحلب، ودمشق، وأخذ عنه أهلها، وله مؤلفات عديدة، منها كتاب جمع فيه من «الهداية» و «المحرر» و «شرح هداية» الحكمة.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (15) [2] في «ط» : «المحاملي» وهو خطأ. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 129) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 138) و «معجم المؤلفين» (1/ 310) .

قال النّجم الغزّي في «الكواكب السّائرة بأعيان المائة العاشرة» : أخذ عنه شيخ الإسلام الجدّ، وقرأ عليه «المتوسط» و «شرح الشّمسية» وغيرهما، وأخذ عنه السيوفي مفتي حلب «تفسير البيضاوي» وأثنى عليه، وكان يخبر عنه أنه كان يقول: عجبت لمن يحفظ شيئا كيف ينساه. انتهى وفيها شهاب الدّين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشّهير بالشّارعي المالكي المصري [1] ، نزيل دمشق القاضي. ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بالشّارع الأعظم قرب باب زويلة. وتوفي بدمشق ليلة الخميس ثاني عشر ربيع الأول. وفي حدودها أحمد بن يوسف المقرئ المالكي المغربي [2] الشيخ العارف بالله تعالى، أحد رجال المغرب وأوليائها، من أصحابه سيدي أحمد البيطار. وفيها إسماعيل بن عبد الله الصّالحي [3] الشيخ الصّالح المولّه. جفّ دماغه بسبب كثرة التّلاوة للقرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر، فزال عقله، وقيل: عشق فعفّ، وكان في جذبه، كثير التّلاوة، ويتكلم بكلمات حسنة، وللناس جميعا فيه اعتقاد زائد، وكان يلازم الجامع الجديد، وجامع الأفرم بالصّالحية. قال ابن طولون: أنشدني: إذا المرء عوفي في جسمه ... وملّكه الله قلبا قنوعا وألقى المطامع عن نفسه ... فذاك الغنيّ وإن مات جوعا توفي تاسع عشري رمضان.

_ [1] ترجمة في «متعة الأذهان» (مخطوط) الورقة (17/ آ) وفيه وفاته سنة (900) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 147) . [3] ترجمته في «القلائد الجوهرية» ص (392) وفيه توفي سنة (900) في التاسع عشر من رمضان، و «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) (مخطوط) .

وفيها عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن علي، العلّامة الشّافعي السّيوفي [1] ، الشهير بخطيب جامع السّقيفة بباب توما بدمشق. ولد في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وحفظ «التنبيه» و «منهاج البيضاوي» و «الشّاطبية» وعرض على التّقي الحريري، والبرهان الباعوني، والعلاء البخاري، وسمع على الخردفوشي، وابن بردس، وابن الطّحّان، وغيرهم، وجلس في أول أمره بمركز الشّهود، وخطب بجامع السّقيفة. وهو والد العلّامة شمس الدّين الشهير بابن خطيب السّقيفة، بينه وبينه في السنّ أحد عشرة [2] سنة لا تزيد ولا تنقص. وتوفي ولده قبله سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وتوفي المترجم بدمشق يوم الخميس ثاني عشري ربيع الأول، ودفن عند ولده جوار الشيخ أرسلان. وفي حدودها المولى حسام العالم الرّوميّ الحنفي [3] ، المعروف بابن الدلّاك [4] . كان خطيبا بجامع السلطان محمد خان بقسطنطينية، وكان ماهرا في العربية والقراآت، حسن الصّوت، حسن التّلاوة. وفيها بدر الدّين حسن بن أحمد الكبيسيّ ثم الحلبي [5] الشيخ الصّالح. سمع ثلاثة أحاديث بقراءة الشيخ أبي بكر الحيشيّ [6] على الشيخ محمد بن مقبل الحلبي وأجاز لهما، وكان معتقدا شديد الحرص على مجالس العلم والذكر. قال الزّين بن الشّماع: لم تر عيني مثله في ضبطه للسانه وتمسّكه بالشريعة.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) (مخطوط) . [2] في «ط» : «إحدى عشرة» . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (205) . [4] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الدلال» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» . [5] ترجمته في «درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب» (1/ 527- 529) . [6] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحبشي» والتصحيح من «در الحبب» (1/ 1/ 367) وسوف ترد ترجمته في سنة (930) من هذا المجلد.

وقال ابن الحنبلي: لم يضبط عنه أنه حلف يوما على نفي، ولا إثبات. وفيها المولى حسن بن عبد الصّمد [1] السّامسوني [2] . قال في «الشقائق» : كان عالما فاضلا، محبّا للفقراء والمساكين، ومريدا لمشايخ المتصوفة. قرأ على علماء الرّوم، ثم وصل إلى خدمة المولى خسرو، وحصل جميع العلوم أصليّها وفرعيّها وعقليّها وشرعيّها، ثم صارت مدرسا ببعض المدارس. ثم جعله قاضيا بالعسكر المنصور، ثم قاضيا بمدينة قسطنطينية، وكان مرضيّ السيرة محمود الطريقة في قضائه، سليم الطبع، قويّ الإسلام متشرعا متورعا، كتب بخطّه كثيرا، وله حواش على «المقدمات الأربع» وحواش على «شرح المختصر» . انتهى [3] وفي حدودها المولى حسن جلبي بن محمد [4] شاه الفناري [5] . كان عالما فاضلا. قسّم أيّامه بين العلم والعبادة. يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابة تواضعا [6] . رحل إلى مصر فقرأ هناك «صحيح البخاري» على بعض تلامذة ابن حجر، وأجازه. وقرأ «مغني اللبيب» قراءة بحث وإتقان، وحجّ، وأتى بلاد الرّوم، وباشر إحدى المدارس الثمان. ومن مصنّفاته «حواشيه على التّلويح» ، وحاشية «المطوّل» و «حواش على

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (96) ، و «الفوائد البهية» (61) ، «معجم المؤلفين» (3/ 236) . [2] في المطبوع «الساموني» وهو تحريف، وفي الشقائق (الساميسوني) ونسبته الى سامسون مدينة ببلاد الروم. «الفوائد» (62) . [3] في مصادره أنه توفي سنة (891) وأشار كحالة إلى رواية «الشذرات» (901) ورواية أخرى هي (881) هـ. [4] ترجمته في «الضوء اللامع» للسخاوي (2/ 127- 128) ، و «نظم العقيان» للسيوطي ص (105 و 106) و «الشقائق النعمانية» ص (114) ، و «الفوائد البهية» ص (64) ، و «معجم المؤلفين» (3/ 213- 214) [5] قال السخاوي: «ويعرف كسلفه بالفناري وهو لقب لجد أبيه لأنه فيما قيل لما قدم على ملك الرّوم أهدى له فنيارا فكان إذا سأل عنه يقول أين الفنري فعرف بذلك» . [6] في «ط» : «متواضعا» .

شرح المواقف» للسيد الشريف، كلها مقبولة متداولة، رحمه الله تعالى [1] . وفيها- تقريبا- أبو الوفاء خليل بن أبي الصّفا إبراهيم بن عبد الله الصّالحي [2] الحنفي المحدّث. ولد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الحافظ ابن حجر، والسّعد الدّيري، والعيني، والقاياتي، والعلم البلقيني، وغيرهم. وأجاز لابن طولون والكفرسوسي، وابن شكم، وغيرهم، ثم أجاز لمن أدرك حياته، رحمه الله تعالى. وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكّودي نسبا الفاسي المكّي [3] ، شارح «الألفية» و «الآجرومية» . وفي حدودها المولى عبد الكريم بن عبد الله الرّومي الحنفي [4] العالم الفاضل المشهور. كان من الأرقّاء، ثم من الله عليه بالعتق، وجدّ في طلب العلم، وحصّل فنونا عدة وفضائل جمّة. وقرأ على المولى الطّوسي، والمولى سنان العجمي، تلميذ المولى محمد شاه الفناري [5] ، ثم صار مدرسا ببعض المدارس الثمان التي بناها محمد خان عند فتح قسطنطينية. ثم ولي قضاء العسكر. ثم صار مفتيا زمن السلطان محمد المذكور، واستمرّ بها إلى أن مات. وله «حواش على أوائل التلويح» ، رحمه الله تعالى.

_ [1] في «الضوء اللامع» و «الفوائد البهية» أنه توفي سنة ست وثمانين وثمانمائة. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة» (1/ 189) وفيه أنه أجاز لابن طولون سنة (907) فليحرر. [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 97) ، و «بغية الوعاة» (2/ 83) و «النور السافر» (13) ، و «نيل الابتهاج» ص (168- 169) و «الكوكب السائرة» (1/ 254) و «معجم المؤلفين» (3/ 156) . [4] ترجمته في «الكوكب السائرة» (1/ 254) ، و «الفوائد البهيّة» ص (101) ، و «معجم المؤلفين» (5/ 317) . [5] تقدمت ترجمته في ص (8) .

وفيها قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب بن العلّامة شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عرب شاه الحنفي [1] . ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وكان في ابتداء أمره شاهدا، وبلغ من صناعة الشهادة غاية الدهاء، وكان فقيرا، فحصلت له ثروة وجاه، ونظم في مذهب الحنفية كتابا كبيرا، ثم ولي قضاء قضاة دمشق في رجب سنة أربع وثمانين، ثم عزل في شوال سنة خمس، ثم سافر إلى مصر، فولي مشيخة الصّر غتمشية بها إلى أن توفي في خامس عشر رجب بها. [2] وفيها المولى علاء الدّين علي العربي [3] العالم الفاضل. كان أصله من نواحي حلب، وقرأ على علماء حلب. ثم قدم إلى بلاد الرّوم، وقرأ على المولى الكوراني. قال في «الشقائق» : حكى الوالد- رحمه الله تعالى- أنه قال له المولى الكوراني يوما: أنت عندي بمنزلة السيد الشريف عند مبارك شاه المنطقي، وقصّ عليهما قصّتهما، ثم اتّصل العربي بخدمة المولى خضر بك بن جلال الدّين، وحصّل عنده علوما كثيرة، ثم صار معيدا بمدرسة دار الحديث بأدرنة، وصنّف هناك «حواشي شرح العقائد» ، ثم تنقّل في المدارس إلى أن تولّى مدرسة ببلدة مغنيسا، فاشتغل هناك بالعلم غاية الاشتغال، واشتغل أيضا بطريقة التصوف، فجمع بين رئاستي العلم والعمل، ويحكى عنه أنه سكن فوق جبل هناك في أيام الصّيف، فزاره يوما رجل من أئمة بعض القرى، فقال المترجم: إني أجد منك رائحة النّجاسة، ففتش الإمام ثيابه فلم يجد شيئا، فلما أراد أن يجلس سقط من حضنه رسالة هي واردات الشيخ بدر الدّين بن قاضي سماوة [4] فنظر فيها المولى

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 97) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 257) ، و «معجم المؤلفين» (6/ 219) . [2] في «ط» : «في» . [3] ترجمته في «الشقائق النّعمانية» (92- 95) ، و «الفوائد البهية» ص (146) ، و «هدية العارفين» (1/ 739) ، و «معجم المؤلفين» (7/ 149) . [4] في هامش «ط» : «في الأصل: سماوتة» وفي «الشقائق» (93) «سمادته» .

المذكور فوجد فيها ما يخالف الإجماع فقال: كان الرّيح المذكور لهذه الرسالة وأمر بإحراقها. وكان يختلي خلوات أربعينيات، ثم صار مفتيا بقسطنطينية إلى أن مات بها. وكان رجلا عالما علّامة سيما بالتفسير، طويلا، عظيم اللّحية، قويّ المزاج جدا، حتى كان يجلس للدرس في أيام الشتاء مكشوف الرأس. وكان له ذكر قلبيّ يسمع من بعد، وربما يغلب صوت ذكر [1] قلبه على صوته، وله «حواش على المقدمات الأربع» وهو أول من حشّى عليها. انتهى ملخصا وفيها علاء الدّين علي بن علي بن يوسف بن خليل النّووي [2] ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلّامة. ولد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، واشتغل في العلم، فبرع ودرّس وأفتى، وكان يتكسّب بالشهادة في مركز باب الشامية البرانية خارج دمشق. وتوفي ليلة الخميس عاشر صفر ودفن بمقبرة النّخلة غربي سوق صاروجا. وفيها المولى قاسم البغدادي [3] الكرماني ثم القسطنطيني، العالم الفاضل الحنفي ابن أخت المولى شيخي الشاعر الحنفي، أحد موالي الرّوم. اشتغل في العلم، واتصل بخدمة المولى [4] عبد الكريم. ثم صار مدرّسا ببلدة أماسية، ثم بمدرسة أبي أيوب الأنصاري، ثم بإحدى المدارس الثمان، وكان ذكيا سليم القلب وافر العقل يدرّس كل يوم سطرين أو ثلاثة، ويتكلم عليها بجميع ما يمكن إيراده من نحو وصرف ومعان وبيان ومنطق وأصول مع رفع جميع ما أشكل على الطلبة على أحسن الوجوه وألطفها. وله حواش على «شرح المواقف» وأجوبة على [5] «السبع الشداد» التي علقها المولى لطفي وأشعار [6] لطيفة تركية وفارسية رحمه الله.

_ [1] ليست اللفظة في «ط» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» 1/ 271. [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (171- 172) و «الكواكب السائرة» ) (1/ 294) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 96) . [4] في «ط» : «الولي» . [5] في «ط» : «عن» . [6] في «ط» : «واستعار» .

وفيها السلطان أبو النصر قايتباي [بن عبد الله] [1] الملك الأشرف الجركسي الظّاهري [2] نسبة إلى الظّاهر جقمق الحادي والأربعون من ملوك التّرك، والسادس عشر من الجراكسة. ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، ثم اتصل بالملك الظّاهر فأعتقه ولم يزل عنده يترقّى من مرتبة إلى مرتبة، إلى أن آل أمره إلى أن بويع له بالسلطنة يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ولم يكن له في زمنه منازع ولا مدافع، وسار في الناس السيرة الحميدة، واجتهد في بناء المشاعر العظام، وكان له في الشيخ عبد القادر الدشطوتي غاية الاعتقاد، وكان يتولى تربيته وإرشاده كلما مرّ عليه، ويمتثل هو أمره، وربما نزل إليه فقبّل يديه. وقال له الشيخ يوما والذّباب منعكف عليه: يا قايتباي قل لهذا الذّباب يذهب عني، فحار وقال له: يا سيدي كيف يسمع الذّباب مني؟ فقال: كيف تكون سلطانا ولا يسمع الذّباب منك، ثم قال الشيخ: يا ذباب اذهب عني، فلم تبق عليه ذبابة. وكان قايتباي محتاطا في الوظائف الدينية، كالقضاء والمشيخة والتدريس، لا يولّي شيئا من ذلك إلّا الأصلح بعد التروي والتفحّص. قال ابن العيدروس في كتابه «النّور السّافر عن أخبار [3] القرن العاشر» : وقع له في بناء المشاعر العظام ما لم يقع لغيره من الملوك كعمارة مسجد الخيف بمنى، وحفر بنمرة صهريجا ذرعه عشرون ذراعا وعمر بركة خليص، وأجرى العين الطيبة إليها، وأصلح المسجد الذي هناك، وأجرى عين عرفة بعد انقطاعها أزيد من قرن، وعمر سقاية سيدنا العبّاس، وأصلح بئر زمزم والمقام، وجهّز في سنة تسع وسبعين للمسجد منبرا عظيما، وكان يرسل للكعبة الشريفة كسوة فائقة جدا في كل سنة، وأنشأ بجانب المسجد الحرام مدرسة عظيمة

_ [1] ليس ما بينهما في «ط» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 201- 211) ، و «بغية الوعاة» (2/ 122) ، و «النّور السافر» (13) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 297- 300) . [3] في «ط» : «عن أعيان» وما جاء في «آ» موافق لما جاء على غلاف النسخة الخطية والنسخة المطبوعة منه.

وبجانبها رباطا، مع إجراء الخيرات لأهلها كل يوم، وسبيلا عظيما للخاص والعام، ومكتبا للأيتام، وكذا أنشأ بالمدينة النّبوية مدرسة بديعة بل بنى المسجد الشريف، بعد الحريق، وعمل ببيت المقدس مدرسة كبيرة. وقال النّجم الغزّي في كتابه «الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة» : كان بين السلطان قايتباي وبين الجدّ رحمه الله غاية الاتحاد، ولكل منهما في الآخر مزيد الاعتقاد، وكان الجدّ يقطع له بالولاية. وكتب ديوانا لطيفا من نظمه وإنشائه في مناقبه ومآثره سمّاه «بالدّرّة المضية في المآثر الأشرفية» وذكر فيه أن بعض أولياء الله تعالى أظهره على مقام الملك الأشرف قايتباي في الولاية، اجتمع الجدّ بالولي المذكور في حجر إسماعيل وقت السّحر، فعرفه بمقامه، وأمره باعتقاده، ونظم في مآثره وعمائره قصيدة رائية ضمّنها الديوان المذكور، فمنها أنه عمر حصنا بالإسكندرية ومدرسة بالقرب منه وحصن ثغر دمياط وحصونا برشيد ورمّم الجامع الأمويّ بدمشق، وعمّر بغزّة مدرسة وجامعا بالصّالحية المعزّية [1] ، وجامع الروضة وجامع الكبير [2] وتربة بصحراء مصر وقبة الإمام الشافعي [3] ، في مآثر أخرى، ولم ينتقد عليه أحد عظيم أمر سوى ما كان من أمره بإعادة كنيسة اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها وعقوبته لعالم القدس البرهان الأنصاري وقاضيها الشّهاب بن عبية وغيرهم بسبب هدم الكنيسة، حتى حملوا إليه وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنّع ابن عبية عليه في ذلك وبالغ في حقّه وهو تحامل منه بسبب تعزيره له. وقال السخاوي: وبالجملة فلم يجتمع لملك ممن أدركناه ما اجتمع له ولا حوى من الحذق والذّكاء والمحاسن مجمل ما اشتمل عليه ولا مفصله. وربما مدحه الشعراء ولا يلتفت إلى ذلك، ويقول: لو اشتغل بالمديح النّبوي كان أعظم، وترجمته تحتمل مجلدات.

_ [1] في «آ» : «المصرية» . [2] في «ط» : «الكبش» ، وفي «آ» «كبس» وكلاهما تحريف وما أثبته عن «الكواكب السائرة» . [3] ليست اللفظة في «ط» .

قال: وله تهجّد وتعبد وأوراد وأذكار وتعفف وبكاء من خشية الله تعالى، وميل لذوي الهيئات الحسنة، ومطالعة في كتب العلم والرّقائق وسير الخلفاء والملوك والاعتقاد فيمن يثبت عنده صلاحه من العلماء والصلحاء، وتكرّر توجهه لبيت المقدس والخليل وثغور دمياط والإسكندرية ورشيد، وأزال كثيرا من الظّلامات [1] الحادثات، وحجّ في طائفة قليلة سنة أربع وثمانين، ووهب وتصدّق، وأظهر من التواضع والخشوع في الطّواف والعبادة ما عدّ من حسناته، وأنفق أموالا عظيمة في غزو الكفّار ورباط الثّغور، وحفظ الأمصار، رحمه الله. انتهى وقال الشيخ مرعي في كتابه «نزهة النّاظرين وأخبار الماضين» : كان ملكا جليلا وسلطانا نبيلا، وله اليد الطّولى في الخيرات، والطّول الكامل في إسداء المبرّات، وكانت أيّامه كالطّراز المذهب، وهو واسطة [2] عقد ملوك الجراكسة وأطولهم مدة. وأقام في السلطنة تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما. وتوفي في [2] آخر نهار الأحد سابع عشر ذي القعدة، ودفن يوم الاثنين بقبة بناها بتربة الصحراء شرقي القاهرة، وقبره ظاهر يزار. وتولى ولده الناصر محمد أبو السعادات قبل موته بيوم وهو في سن البلوغ. فأقام ستة أشهر ويومين ثم خلع في ثامن عشري جمادى الأولى بعد ثبوت [3] عجزه عن السلطنة. وفيها المولى محيي الدين محمد بن إبراهيم بن حسن النكساري [4] الرّومي الحنفي [5] الإمام العالم. كان عالما بالعربية، والعلوم الشرعية، والعقلية، ماهرا في علوم الرياضة.

_ [1] في «آ» : «الظلمات» . [2] ليست اللفظة في «ط» . [3] تحرفت في «ط» إلى «هبوت» . [4] تصفحت في «ط» إلى «التكشاري» . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) ، و «الفوائد البهيّة» (155) ، و «هدية العارفين» (1/ 218) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 196) .

أخذ عن المولى فتح الله الشرواني، وقرأ على الحسام التّوقاني، والمولى يوسف بالي بن محمد الفناري، والمولى يكان. وكان حافظا للقرآن العظيم، عارفا بالقراءات، ماهرا في التفسير، يذكّر الناس كل جمعة تارة بأياصوفيا [1] ، وتارة بجامع السّلطان محمد، وكان حسن الأخلاق، قنوعا، راضيا بالقليل من العيش، مشتغلا بإصلاح نفسه، منقطعا إلى الله تعالى. صنّف «تفسير سورة الدّخان» وكتب «حواشي على تفسير القاضي البيضاوي» و «حاشية على شرح الوقاية» لصدر الشريعة. ولما آن أوان انقضاء [2] مدته ختم «التفسير» في أيا صوفيا، ثم قال: أيّها الناس، إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم، فلعل الله تعالى يختم لي بالخير والإيمان، ودعا فأمّن الناس على دعائه، ثم أتى بيته بالقسطنطينية فمرض وتوفي. وفيها المولى محيى الدّين محمد بن إبراهيم الرّومي الحنفي، الشهير بابن الخطيب [3] ، العالم العلّامة. كان من مشاهير موالي الرّوم. قرأ على والده المولى تاج الدّين، وعلى العلّامة علي الطّوسي، والمولى خضر بك، وتولى المناصب، وترقى فيها حتّى جعله السلطان محمد بن عثمان معلما لنفسه، وألّف «حواشي على شرح التجريد» للسيد الشريف، و «حواشي على حاشية الكشّاف» للسيد أيضا، وغير ذلك. وفيها قاضي القضاة، شيخ الإسلام، نجم الدّين أبو البقاء محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن جمال الدّين عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة الكناني المقدسي الشافعي [4] . ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ به،

_ [1] وهو مسجد إستانبول الشهير. [2] في «ط» : «القضاء» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 24) ، و «الفوائد البهية» ص (204) ، «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» ص (61) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 198) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 25) : و «معجم المؤلفين» (9/ 101) .

واشتغل في صغره بالعلم على جدّه وغيره، وأذن له تقي الدّين بن قاضي شهبة بالإفتاء والتدريس مشافهة حين قدم إلى القدس، وتعيّن في حياة والده وجدّه، وولي تدريس الصّلاحية [1] عن جدّه فباشره أحسن مباشرة، وحضره الأعيان، وجمع له في صفر سنة اثنتين وسبعين بين قضاء القضاة [2] وتدريس الصّلاحية وخطابة الأقصى، ولم يلتمس على القضاء، ولا الدرهم الفرد، حتى تنزّه عن معاليم الأنظار [3] مما يستحقه شرعا، ثم صرف عن القضاء والتدريس بالعزّ الكناني، فانقطع في منزله بالمسجد الأقصى يفتي ويدرّس. وله من المؤلّفات شرح على «جمع الجوامع» سمّاه ب «النّجم اللامع» ، و «تعليق على الرّوضة» إلى أثناء الحيض في مجلدات، و «تعليق على المنهاج» في مجلدات، و «الدر النّظيم في أخبار موسى الكليم» وغير ذلك. وتوفي بالقدس في حدود هذه السنة. وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد الشيخ الإمام المدقّق التونسي [4] الشّاذلي، نزيل مصر، وهو الذي كان متصدّرا في قبالة رواق المغاربة بالجامع الأزهر، وكان صاحب أوراد وأحوال. وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد الحنفي المقرئ، عرف بابن أبي عامر [5] . أخذ عن الشّهاب الحجازي المحدّث، وأخبره أنه يروي «ألفية الحديث» و «القاموس» عن مؤلفيهما [6] و «تلخيص المفتاح» عن إبراهيم الشامي عن المؤلّف.

_ [1] في «آ» : «الصالحية» وهو خطأ. [2] في «آ» : «بين القضاء» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب» . [3] في «ط» : «الانتظار» وهو خطأ. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 30) ، و «الجامع لكرامات الأولياء» (1/ 70) ، و «معجم المؤلفين» (9/ 142) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 26) . [6] في «ط» : «عن مؤلفيها» .

وفيها محمد بن داود النّسيمي المنزلاوي [1] الشيخ الصّالح، أحد المتمسكين بالسّنّة المحمدية في أقوالهم وأفعالهم. ألّف رسالة سمّاها «طريقة الفقر المحمدي» ، ضبط فيها أقوال النّبي صلّى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله التي ظهرت لأمته. وكان يقول: ليس لنا شيخ إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكان يقري الضيوف، ويخدم الفقراء، والمنقطعين عنده، وينظف ما تحتهم من بول أو غائط، ولا يتخصص عنهم بشيء. وكان ربما طرقه الضيف ليلا، ولم يكن عنده ما يقريه، فيرفع القدر على النّار، ويضع فيه الماء، ويوقد عليه، فتارة يرونه أرزا ولبنا، وتارة أرزا وحلواء، وتارة لحما ومرقا، وربما وجدوا فيه لحم الدّجاج، ومناقبه كثيرة. توفى ببلدة النسيمية، ودفن بجوار زاويته وقبره بها ظاهر يزار. وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي [2] الإمام العالم العلّامة، إمام الكاملية بين القصرين. لبس الخرقة من الشيخ الإمام العلّامة شمس الدّين بن الجزري المقرئ صاحب «النشر» . ولد [3] في سنة [4] تسع وعشرين وثمانمائة، وتوفي في أول هذا القرن. وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي الدمشقي الحنبلي [5] . ولد سنة ست عشرة وثمانمائة، وكان نقيبا لقاضي القضاة برهان الدّين بن أكمل الدّين بن شرف الدّين بن مفلح، ثم فوض إليه ولده قاضي القضاة

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) ، و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 172) ، و «معجم المؤلفين» (9/ 298) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 52) . [3] لفظة «ولد» سقطت من «ط» و «الكواكب السائرة» . [4] سقطت لفظة «سنة» من «ط» . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 68) .

نجم الدّين بن مفلح نيابة القضاء- قال النّعيمي: لقلة النواب- فدخل في القضاء مدخلا لا يليق. وتوفي يوم الجمعة عشري جمادى الأولى. وفيها مصلح الدّين مصطفى القسطلّاني الرّومي [1] الحنفي، أحد موالي الرّوم العالم العامل. قرأ على موالي الرّوم، وخدم المولى خضر بك، ودرّس في بعض المدارس، ثم لما بنى السلطان محمد خان ابن عثمان المدارس الثمان بقسطنطينية أعطاه واحدة منها. وكان لا يفتر عن الاشتغال والدرس. وكان يدّعي أنه لو أعطي المدارس الثمان كلّها لقدر أن يدرّس في كل واحدة منها كل يوم ثلاثة دروس، ثم ولي قضاء بروسا ثلاث مرات، ثم قضاء أدرنة كذلك، ثم القسطنطينية كذلك، ثم ولاه السلطان محمد قضاء العسكر، وكان لا يداري الناس، ويتكلم بالحقّ على كل حال، فضاق الأمر على الوزير محمد باشا القرماني، فقال للسلطان، إن الوزراء أربعة، فلو كان للعسكر قاضيان أحدهما في ولاية روم إيلي، والآخر في ولاية أناضولي، كان أسهل في إتمام مصالح المسلمين، ويكون زينة لديوانك فمال إلى ذلك، وعيّن المولى المعروف بالحاجي حسن لقضاء أناضولي، فأبى القسطلاني ذلك، فلما مات السلطان محمد وتولى بعده ولده السلطان أبو يزيد خان عزل القسطلاني وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم صار قضاء العسكر ولايتين بعد ذلك. قال في «الكواكب السائرة» : وكان القسطلاني يداوم أكل الحشيش والكيف، وكان مع ذلك ذكيا في أكثر العلوم، حسن المحاضرة، وأخبر عن نفسه أنه طالع «الشفا» لابن سينا سبع مرات، وكان المولى خواجه زاده صاحب كتاب «التهافت» إذا ذكر القسطلاني يصرّح بلفظ المولى ولا يصرّح بذلك لأحد سواه من أقرانه، وكان يقول: إنه قادر على حلّ المشكلات وإحاطة العلوم الكثيرة في مدة

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 306) و «البدر الطالع» (2/ 308) ، و «هدية العارفين» (2/ 433) ، و «معجم المؤلفين» (12/ 282) .

يسيرة ولم يهتم بأمر التصنيف لاشتغاله بالدرس والقضاء، لكنه كتب «حواشي على شرح العقائد» ورسالة ذكر فيها سبع إشكالات وشرحها و «حواشي على المقدمات الأربع» التي أبدعها صدر الشريعة وردّ فيها على حواشي المولى علي العربي. وتوفي في هذه السنة بقسطنطينية، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري. وفيها شرف الدّين موسى بن علي الشيخ العالم الصّالح الشهير بالحوراني الشافعي [1] . كان يحفظ القرآن العظيم، و «المنهاج» ويدرّس فيه، وفي القراءات بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وتفقه على النّجم بن قاضي عجلون، وسمع على البرهان الباعوني وغيره. وولي نظر الشبلية والإمامة بها، وكان يقرئ بها «سيرة ابن هشام» كل يوم بعد العصر، ودرّس بمدرسة أبي عمر سنين، وانتفع الناس به. قال ابن طولون: وحضرت عنده مرارا. وتوفي بمنزله بمحلّة الشّبلية في أحد الجمادين، ودفن بالصّالحية، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 310) ، و «متعة الأذهان» (104 آ- ب) (مخطوط) .

سنة اثنتين وتسعمائة

سنة اثنتين وتسعمائة فيها أمر السلطان عامر بن عبد الوهاب بتقييد رئيس الإسماعيلية وعالمها سليمان بن حسن بمدينة تعز، وأودعه دار الأدب لأنه كان يتكلّم بما لا يعنيه من المغيبات، وأمر بإتلاف كتبه فأتلفت، ولله الحمد. وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن القاضي شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب بن المعتمد القرشي الدمشقي الصّالحي الشافعي [1] . ولد في ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وحفظ «المنهاج» وعرضه على جماعة من الأفاضل، وكتب له الشيخ بدر الدّين بن قاضي شهبة في الشامية أربعين مسألة كتب عليها في سنة ثمان وستين، وفوض إليه القضاء في سنة سبعين، ثم درّس في المجاهدية والشامية الجوانية والأتابكية، وتصدر بالجامع. وله «حاشية على العجالة» في مجلدين، وحجّ وجاور في سنة اثنتين وثمانين، ولازم النّجم بن فهد، وسمع عليه وعلى غيره بمكة، وكان حسن المحاضرة، جميل الذّكر، يحفظ نوادر كثيرة من التاريخ، وذيّل على «طبقات ابن السبكي» وأكثر فيه من شعر البرهان القيراطي، وقرأ عليه القاضي برهان الدّين الأخنائي، والشيخ تقي الدّين القاري، وغيرهما.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 100) ، و «إيضاح المكنون» (1/ 476) ، و «معجم المؤلفين» (1/ 83) .

وتوفي عشية يوم الأحد ثالث عشر شعبان بدمشق، ودفن بالرّوضة، وخلّف دنيا عريضة. وفيها أحمد ابن [1] ولي الدّين العالم الفاضل، المولى ابن المولى الحسيني الرّومي [2] ، الشهير بأحمد باشا. قرأ على علماء عصره، وفضل، وتنقّل في المناصب، حتّى صار قاضي عسكر ثم جعله [3] السلطان محمد خان معلما لنفسه، واشتد ميله إليه، حتى استوزره، ثم عزله عن الوزارة لأمر وجعله أميرا على أنقرة وبروسا، وكان رفيع القدر، عالي الهمّة، كريم الطبع، سخي النّفس، ولم يتزوج لعنّة [4] كانت به، وكان له نظم بالعربية والتركية. وتوفي أميرا ببروسا ودفن بها بمدرسة وعلى قبره قبّة كتب على بابها محمد بن أفلاطون تاريخ وفاته وهو [5] : هذه أنوار مشكاة [6] لمن ... عدّه الرّحمن من ممدوحه فرّ من أدناس تلك الناس إذ ... كان مشتاقا إلى سبّوحه قال روح القدس في تاريخه ... إن في الجنّات مأوى روحه وفيها أمّ الخير أمة الخالق [7] الشيخة الأصيلة المعمّرة. ولدت سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وحضرت على الجمال الحنبلي، وأجاز لها الشرف بن الكويك وغيره، وهي آخر من يروي «البخاري» عن أصحاب الحجّار. نزل أهل الأرض درجة في رواية «البخاري» بموتها، رحمها الله تعالى.

_ [1] لفظة «ابن» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 145- 147) ، و «الشقائق النعمانية» (123- 124) . [3] في «ط» : «وجعله» . [4] جاء في «القاموس المحيط» (عنن) : العنين ... كسكّين: من لا يأتي النساء عجزا أو لا يريدهن، والاسم العنانة. [5] الأبيات في «الشقائق النعمانية» . [6] في «الشقائق النعمانية» : «هذه مشكاة أنوار» . [7] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (1/ 162) ، و «أعلام النساء» (1/ 83) .

وفيها حبيب القرماني العمري من جهة الأب البكري من جهة الأم [1] ، العارف بالله تعالى، أحد شيوخ الرّوم. اشتغل في أول عمره بالعلم، وقرأ في شرح العقائد، ثم ارتحل إلى خدمة السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشّيرازي، فلقي في طريقه جماعة من مريديه، فقال لهم: هل يقدر شيخكم أن يريني الرّبّ في يوم واحد، فلطمه أحدهم لطمة خرّ مغشيا عليه، فعلم السيد يحيى بهذه القصة فدعا الشيخ حبيب، وقال له: لا بأس عليك إن الصوفية تغلب الغيرة عليهم وإن الأمر كما ظننت، وأمره بالجلوس في موضع معيّن وأن يقصّ عليه ما يراه، ثم قال لمريديه: إنه من العلماء فحكي عنه أنه قال: لما دخلت هذا الموضع جاءتني تجليات الحقّ مرة بعد أخرى، وفنيت عن كل مرّة، ثم دوام خدمة السيد يحيى اثنتي عشرة سنة، ثم استأذنه، وعاد إلى بلاد الرّوم، وصحب الأكابر من سادات الرّوم، وكان له أشراف على الخواطر، ولم يره أحد راقدا ولا مستندا إلّا في مرض موته. توفي بأماسية ودفن بعمارة محمد باشا. وفيها شمس الدّين أبو الجود محمد بن شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري الخليلي [2] الشافعي الإمام العلّامة. ولد بمدينة الخليل عليه الصّلاة والسلام في شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وحفظ القرآن و «المنهاج» و «ألفية بن مالك» و «الجزيرة» وبعض «الشاطبية» . واشتغل على والده، ثم أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر، أجلّهم الشرف المناوي، والكمال ابن إمام الكاملية الشافعيان، وأخذ العلوم عن التّقي الشّمّنّي الحنفي، وفضل وتميّز، وأجيز بالإفتاء والتدريس. وله تصانيف، منها «شرح الجرومية» و «شرح الجزيرة» و «شرح مقدمة الهداية في علم الرّواية لابن الجزري، و «معونة الطّالبين في معرفة إصلاح

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 171- 174 و 2/ 74) ، و «الشقائق النعمانية» ص (161) . [2] ترجمته في «الأنس الجليل» (546- 547) و «الكواكب السائرة» (1/ 26) و «معجم المؤلفين» (8/ 206) ، و «الأعلام» (6/ 192) .

المعربين» وقطعة من «شرح تنقيح اللّباب» للولي العراقي، وغير ذلك، رحمه الله. وفيها الحافظ شمس الدّين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي [1] الأصل، القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم وهو صغير وصلّى به في شهر رمضان. وحفظ «عمدة الأحكام» و «التنبيه» و «المنهاج» و «ألفية ابن مالك» و «ألفية العراقي» وغالب «الشّاطبية» و «النّخبة» لابن حجر، وغير ذلك، وكلما حفظ كتابا عرضه على مشايخه، وبرع في الفقه، والعربية، والقراءات، والحديث، والتاريخ، وشارك في الفرائض، والحساب، والتفسير، وأصول الفقه، والميقات، وغيرها وأما مقروءاته ومسموعاته فكثيرة جدا لا تكاد تنحصر. وأخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس، وأذن له غير واحد بالإفتاء، والتدريس، والإملاء. وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني، ولازمه أشد الملازمة، وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره، وأخذ عنه أكثر تصانيفه، وقال عنه: هو أمثل جماعتي، وأذن له، وكان يروي «صحيح البخاري» عن أزيد من مائة وعشرين نفسا. ورحل إلى الآفاق، وجاب البلاد، ودخل حلب، ودمشق، وبيت المقدس وغيرها، واجتمع له من المرويّات بالسّماع والقراءة ما يفوق الوصف. وكان بينه وبين النّبي صلّى الله عليه وسلم عشرة أنفس، وحجّ بعد وفاة شيخه ابن حجر مع والديه. ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم، كالبرهان الزّمزمي، والتّقي بن فهد، وأبي السعادات بن ظهيرة، وخلائق، ثم رجع إلى القاهرة ولازم الاشتغال والإشغال والتأليف، لم يفتر أبدا.

_ [1] ترجم السخاوي لنفسه ترجمة مطولة في «الضوء اللامع» (8/ 2- 32) وله ترجمة في «نظم العقيان» (152- 153) و «النّور السافر» (16- 21) و «الكواكب السائرة» (1/ 53) و «البدر الطالع» (2/ 184- 187) .

ثم حج سنة سبعين، وجاور، وحدّث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها، ثم حجّ في سنة خمس وثمانين، وجاور سنة ست وسبع، وأقام منهما ثلاثة أشهر بالمدينة النبوية، ثم حج سنة اثنتين وتسعين، وجاور سنة ثلاث وأربع، ثم حجّ سنة ست وتسعين وجاور إلى أثناء سنة ثمان، فتوجه إلى المدينة فأقام بها أشهرا، وصام رمضان بها، ثم عاد في شوالها إلى مكّة وأقام بها مدة، ثم رجع إلى المدينة وجاور بها إلى أن مات، وحمل الناس من أهلهما والقادمين عليهما عنه الكثير جدا، وأخذ عنه من لا يحصى كثرة. وألّف كتبا إليها النهاية لمزيد علوه وفصاحته. من مصنفاته «الجواهر والدّرر في ترجمة الشيخ ابن حجر» و «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» لا يعلم أجمع منه ولا أكثر تحقيقا لمن تدبره [1] ، و «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» في ست مجلدات ذكر فيه لنفسه ترجمة على عادة المحدّثين [2] ، و «المقاصد الحسنة في الأحاديث الجارية على الألسنة» [3] وهو أجمع وأتقن من كتاب السيوطي المسمى ب «الجواهر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» [4] وفي كل واحد منهما ما ليس في الآخر، و «القول البديع في الصّلاة على الحبيب الشفيع» [5] و «عمدة المحتج في حكم الشطرنج» و «الإعلان بالتوبيخ

_ [1] وهو مطبوع في ثلاث مجلدات منذ سنوات طويلة، وأعادت إصداره دار الكتب العلمية ببيروت مصورا قبل سنوات قليلة. ثم نشر نشرة جيدة في الهند في أربعة أجزاء بتحقيق الشيخ علي حسين علي. [2] وهو مطبوع في مكتبة القدسي بالقاهرة منذ سنوات طويلة في ست مجلدات تضم اثني عشر جزءا، وصورته منذ سنوات قليلة دار مكتبة الحياة بيروت. ونقوم بإعداد فهارس عامة له بمشاركة بعض الأفاضل ستصدر في مجلد كبير قريبا إن شاء الله. [3] وهو من خيرة الكتب في بابه وقد نشر منذ سنوات طويلة في مصر بعناية الشيخ عبد الله الصدّيق الغماري، وتقديم الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، وهي نشرة سقيمة فيها الكثير من التحريف والخطأ والسقط، وقد جمعت مصورات ثلاث من نسخه الخطية وشرعت بتحقيقه وأسأل المولى عزّ وجل أن يعينني على الانتهاء منه ودفعه للطبع في أقرب فرصة إن شاء الله تعالى. [4] قلت: وهو المعروف ب «الدّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» وقد قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الأستاذ محمد بدر الدّين القهوجي، ونشرته مكتبة دار العروبة في الكويت عام (1408) هـ. [5] وهو مطبوع عدة مرات آخرها وأفضلها التي صدرت عن مكتبة دار البيان بدمشق منذ سنوات قليلة.

على من ذم علم «التوريخ» [1] وهو نفيس جدا، و «التاريخ المحيط» على حروف المعجم، و «تلخيص تاريخ اليمن» ، و «الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل» ، و «تحرير الميزان» ، و «عمدة القارئ والسامع في ختم الصحيح الجامع» ، و «غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجّاج» وغير ذلك [2] . وانتهى إليه علم الجرح والتعديل، حتى قيل: لم يكن بعد الذهبي أحد سلك مسلكه، وكان بينه وبين البرهان البقاعي والجلال السّيوطي ما بين الأقران، حتى قال السّيوطيّ فيه: قل للسّخاويّ إن تعروك نائبة ... علمي كبحر من الأمواج ملتطم والحافظ الدّيمي غيث السّحاب فخذ ... غرفا من البحر أو رشفا من الدّيم وتوفي بالمدينة المنورة- على ساكنها الصّلاة والسلام- يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان، وصلّي عليه بعد صلاة صبح يوم الاثنين، ووقف بنعشه تجاه الحجرة الشريفة، ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك ولم يخلّف بعده مثله. وفيها العلّامة محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البرسوي الحنفي [3] الصّوفي المشهور بخواجه زاده، صاحب كتاب «التهافت» ، والده [4] ولي القضاء والتدريس ببعض مدارس بروسا ثم تركها في حياة والده، ورغب في طريق التصوّف، واتصل بخدمة العارف بالله الحاجي خليفة، ثم ذهب مع بعض ملوك العجم إلى بلاده، وتوفي هناك.

_ [1] المعروف بأن اسم هذا الكتاب هو: «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التأريخ» وهو من خيرة كتبه، وقد طبع عدة مرات في بلدان مختلفة ولكنه لم يحظ بالتحقيق العلمي المتقن إلى الآن. [2] قلت: ومن كتبه الهامة أيضا: «الذيل التام على دول الإسلام» أرخ فيه من سنة 745- 901 هـ، وقد قام بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة وقمت بمراجعته والتقديم له، وهو قيد الطبع في مكتبة دار العروبة بالكويت وقد صدر المجلد الأول منه. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 71) . [4] تقدمت ترجمته في المجلد التاسع ص (532- 534) .

سنة ثلاث وتسعمائة

سنة ثلاث وتسعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد، الشّهير بابن شكم العالم العلّامة الشافعي الصالح الناصح الدمشقي الصالحي [1] . اشتغل على البدر بن قاضي شهبة، والنّجم ابن قاضي عجلون، وغيرهما. وكان على طريقة حميدة، ساكنا في أموره، مطّرحا للتكلّف [2] ، نحيف البدن على وجهه أثر العبادة، وانتفع به جماعة من أهل الصالحية وغيرهم لا سيما في علوم العربية. وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان. وفيها جمال الدّين جمال بن خليفة القرماني [3] الحنفي، العالم العارف بالله. كان مشتغلا بالعلم، فاضلا في فنونه، قرأ على قاضي زاده، وخدم المولى مصلح الدّين القسطلّاني، وكان خطّه حسنا، استكتبه السلطان محمد خان «كافية ابن الحاجب» وأجازه بمال حجّ به، ثم رجع إلى قسطنطينية، وصحب الشيخ حبيب القرماني، ولزم خدمته، واشتغل بالرياضات والمجاهدات، حتى. أجازه بالإرشاد، وأقام مدة في بلاد قرمان، ثم دخل القسطنطينية، وبنى له الوزير بيري باشا بها زاوية، فأقام بها حتّى مات، وكان يتكلّم في التفسير، ويعظ الناس ويذكّرهم ويلحقه عند ذلك وجد وحال، وربما غلب عليه الحال فألقى نفسه من

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 148) . [2] في «آ» : «للتكليف» وهو تحريف. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 173) .

على المنبر، ولا يسمعه أحد إلّا ويحصل له حال، وتاب على يديه جماعة، وأسلم كافر. وكان عابدا، زاهدا، ورعا، متضرعا، يستوي عنده الغني والفقير، يغسل أثوابه بنفسه، مع ماله من ضعف المزاج، ويقول: إن مبنى الطريقة على رعاية الأحكام الشرعية، رحمه الله تعالى. وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن ناصر الدّين محمد الجرباوي البغدادي [1] ، نزيل دمشق، الشيخ الصالح. كان من أولياء الله تعالى، وسمع على محدّثي بغداد، وقطن دمشق، وبها مات ليلة الخميس خامس عشري جمادى الأولى. وفيها زين الدّين عبد القادر بن محمد بن منصور بن جماعة الصّفدي ثم الدمشقي الشافعي الفرضي الحيسوب، المعروف في صفد بابن المصري [2] ، وفي دمشق ببوّاب الشاميّة البرّانية لأنه نزلها حين دخل دمشق، وكان بوابها سنين، ثم سكن السميساطية. ولد بصفد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الشّمس بن حامد الصّفدي، والشمس البلاطنسي، والبدر بن قاضي شهبة، وزين الدّين خطاب، والنّجم بن قاضي عجلون، والشمس الشّرواني وغيرهم، وكان له يد طولى في الحساب والفرائض، وقلم الغبار [بحيث] لم يكن له نظير بدمشق، وكان نحيف البدن، ضعيف البصر، شرس الأخلاق، انتفع به جماعة. ولما توفي شيخه ابن حامد أخذ عنه نظر المدرسة الصّارمية داخل باب الجابية وتدريسها، وسكن بها، وانقطع عن الناس، وبها توفي سادس عشر ذي الحجّة، ودفن بباب الفراديس. وفيها علاء الدّين علي بن يوسف بن أحمد الرّومي [3] الحنفي، سبط المولى شمس الدّين الفناري. رحل في صباه إلى بلاد العجم، فدخل هراة، وقرأ على علمائها، ثم

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 51) و «الكواكب السائرة» (1/ 238) وفيه «الحرناوي» . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 53) و «الكواكب السائرة» (1/ 240- 241) والاستدراك عنه. [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (111- 114) ، و «الكواكب السائرة» 1/ 278- 279

سمرقند، وبخارى، وقرأ على علمائها أيضا. وبرع في العلوم، حتّى جعلوه مدرسا، ثم غلب عليه حبّ الوطن، فعاد إلى بلاد الرّوم في أوائل سلطنة محمد خان بن عثمان، وكان المولى الكوراني يقول له: لا تتم سلطنتك إلّا أن يكون عندك واحد من أولاد الفناري، فلما دخل المترجم بلاد الرّوم أعطاه السلطان محمد مدرسة [مناسبتر] [1] بمدينة بروسا بخمسين درهما، ثم مدرسة والده مراد خان بها بستين، ثم ولّاه قضاءها، ثم قضاء العسكر، ومكث فيه عشر سنين، وارتفع قدر العلماء في زمن ولايته إلى أوج الشّرف، وكانت أيّامه تواريخ، ثم لما تولى أبو يزيد جعله قاضيا بالعسكر في ولاية روم إيلي، ومكث فيه ثمان سنين. وكان شديد الاهتمام بالعلم، لا ينام على فراش، وإذا غلبه النوم استند والكتب بين يديه، فإذا استيقظ نظر فيها، وشرح «الكافية» وكتابا في الحساب، وكان ماهرا في سائر العلوم. ثم خدم العارف بالله حاج خليفة، ودخل الخلوة عنده، وحصل له في علم التّصوف ذوق، لكنه كان مغرى بصحبة السّلاطين، بحيث كان يغلب عليه الصّمت إلّا إذا ذكر له صحبة سلطان يورد الحكايات اللّطيفة والنّوادر. وحكى عنه تلميذه الخيالي أنه قال: ما بقي من حوائجي إلّا ثلاث: الأولى أن أكون [2] أول من يموت في داري والثانية أن لا يمتد بي مرض، والثالثة أن يختم لي بالإيمان قال الخيالي: فكان أول من مات في داره وتوضأ يوما [3] للظهر، ثم حمّ ومات مع أذان العصر فاستجيب له. وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الشّهير بابن علي بأفضل السّعدي- نسبة إلى سعد العشيرة- الحضرمي [4] ثم العدني. قال في «النور السافر» : المتفق على جلالة قدره علما وعملا وورعا.

_ [1] الاستدراك عن «الشقائق» و «الكواكب» . [2] في «ط» : «يكون» وهو تحريف. [3] في «ط» : «بها» مكان «يوما» وهو خطأ. [4] ترجمته في «النور السافر» ص (23- 26) .

ولد بحضر موت بتريم سنة أربعين وثمانمائة، ثم ارتحل إلى عدن، وأخذ عن الإمامين محمد بن مسعود باشكيل، ومحمد بن أحمد باحميش، وجدّ في الطلب، ودأب حتّى برع في العلوم، وانتصب للتدريس والفتوى، وكان من أعلام الدّين والتّقوى إماما، كبيرا، عالما، عاملا، محقّقا، ورعا، زاهدا، مقبلا على شأنه، تاركا لما لا يعنيه، ذا مقامات، وأحوال، وكرامات. حسن التعليم، لين الجانب، متواضعا، صبورا، مثابرا على السّنّة معظما لأهل العلم. وكان هو وصاحبه عفيف الدّين [1] بامخرمة عمدة الفتوى بعدن، وكان بينهما من التوادد [2] والتناصف ما هو مشهور، حتى كأنهما روحان في جسد. وأفرد المترجم بالترجمة. وله تصانيف نافعة منها: «مختصر الأنوار» المسمّى «نور الأبصار» ، و «شرح تراجم البخاري» واختصر «قواعد الزركشي» وشرحه، وكتاب «العدّة والسّلاح لمتولى عقود النّكاح» ، و «شرح المدخل» ، و «شرح البرماوية» ، وغير ذلك. ومن شعره [3] : إنّ العيادة يوم بين [4] يومين ... واجلس قليلا كلحظ العين بالعين لا تبرمنّ مريضا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسآل بحرفين وتوفي يوم السبت خامس عشر شوال بعدن. وفيها بدر الدّين الحسين بن الصّدّيق بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي [5] .

_ [1] في «النور السافر» : «عفيف الدّين عبد الله بن أحمد بامخرمة» وقد صحف الاسم الأخير فيه إلى بامخرمة فليصحح. [2] في «ط» : «التود» والتصحيح من «النّور السافر» . [3] البيتان في «النّور السافر» ص (26) . [4] في «ط» : «بعد» ولا يستقيم بها الوزن. [5] ترجمته في «النور السافر» (26- 27) و «البدر الطالع» (3/ 144- 145) و «غاية الأماني في أخبار القطر اليماني» ص (624) .

ولد في ربيع الثاني سنة خمس وثمانمائة بأبيات حسين من اليمن، ونشأ بنواحيها، واشتغل بها في الفقه على الفقيهين أبي بكر بن قصيص، وأبي القاسم بن مطير [1] وغيرهما، وفي النحو على أولهما وغيره. ثم دخل زبيد فاشتغل بها، ثم حج سنة اثنتين وسبعين، وجاور التي تليها، وأخذ عن علمائها وزار [قبر] النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وسمع بالمدينة من أبي الفرج المراغي، ثم رجع إلى بلاده. وكان إماما، فقيها، حافظا، محدّثا، بارعا في أشتات العلوم. ومن شعره [2] : أما لهذا الهمّ من منتهى ... أما لهذا الحزن من آخر أما لهذا الضّيق من فارج ... أما لناب الخطب من كاسر [3] أما لهذا العسر من دافع ... باليسر عن هذا الشّجى العاثر بلى بلى مهلا فكن واثقا ... بالواحد الفرد العليّ القادر توفي ببندر عدن ليلة الاثنين سلخ ذي القعدة. وفيها عبد الله [4] بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة الحميري الشّيباني الهجراني الحضرمي العدني الشّافعي [5] . ولد ليلة الأربعاء ثاني [6] عشر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالهجرين [7] ، وحفظ القرآن بها، ثم ارتحل إلى عدن، وتفقه بالإمامين محمد

_ [1] في «النور السافر» : «أبي بكر بن قعيص، وأبي القاسم بن مطير» . [2] الأبيات في «النور السافر» ص (28) . [3] في «النور السافر» : «كاشر» . [4] في «ط» : «عبد الرحمن» وهو تحريف. [5] ترجمته في «النور السافر» ص (30- 37) و «الضوء اللامع» (5/ 8- 9) . [6] في «ط» : «ثامن» . [7] الهجران: مدينتان متقابلتان في رأس جبل حصين قرب حضرموت تطلع إليه في منعة من كل جانب يقال لإحداهما: خيدون وخودون وللأخرى دمون: انظر «معجم البلدان» (5/ 392- 393) . و «القاموس» و «التاج» (هجر) .

باشكيل، ومحمد باخميس، ودأب واجتهد، وأكب على الاشتغال ليلا ونهارا. وكان فقيرا لا يملك شيئا. وقاسى في أيام طلبه من الجوع والمكابدة ما هو مشهور عنه. وبرع في سائر العلوم، وحقق الفنون، وساد الأقران، وسارت بفضله الركبان، ووقع على تقدمه الإجماع وابتهجت بذكره النواظر والأسماع، وصار عمدة يرجع إلى قوله. وفتواه في زمن مشايخه، وقرّت به عيونهم وزوّجه شيخه أبو شكيل بابنته، ورزق منها أولادا فضلاء نجباء. وكان مهابا جدا تخضع له الملوك، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يراعى أحدا في دين الله تعالى ولا يخاف في الله لومة لائم، وكلّفه علي بن طاهر قضاء عدن فدام قريب أربعة أشهر، ثم ترك وتوجه لنفع الطلبة خاصة وعمل على جامع المختصرات نكتا في مجلدة، وكذا على «ألفية النحو» وشرح «الملحة» شرحا حسنا، ولخص شرح ابن الهائم على «هائمتيه» [1] إلى غير ذلك من الرسائل في علم الهندسة [2] وغيرها. قاله السخاوي. وممن تخرّج به عفيف الدّين ابن الحاج ومحمد باقضام، والعلامة محمد بحرق، وغيرهم. وله نظم كثير جدا منه [3] . أعط المعيّة حقّها ... واحفظ له حسن الأدب واعلم بأنّك عبده ... في كلّ حال وهو رب وتوفي بعدن يوم السبت حادي عشري المحرم. وفيها جمال الدّين محمد بن إبراهيم المكدش [4]- بفتح الميم، وسكون الكاف، وكسر الدال المهملة، آخره شين معجمة- فقيه اللامية ومفتيها ببلدة سامر. وكان له بها مشهد عظيم. وبنو المكدش هؤلاء أخيار صالحون، اشتهر منهم جماعة بالولاية التامة، وظهور الكرامات، وقريتهم يقال لها الأنفة- بفتح الهمزة، وفتح النون، والفاء آخره تاء تأنيث جهة بوادي سهام، وهي محلّة مقصودة

_ [1] في «البدر الطالع» : «على الياسمينية» . [2] في «البدر الطالع» : «في علم الهيئة» . [3] البيتان في «النور السافر» ص (33) . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (37) .

للزيارة والتبرك، ونسبهم في الغنميين، وهم قبيلة مشهورة من قبائل عكّ بن عدنان، ومسكنهم فيما بين وادي سهام، ووادي سردد. قاله في «النور السافر» وفيها جمال الدّين محمد بن حسين بن محمد بن حسين القمّاط الزّبيدي [1] الشافعي. ولد بزبيد في صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. ونشأ بها، واشتغل بالعلم. ولازم القاضي النّاشري صاحب «الإيضاح» وغيره، وبرع في الفقه، وأفتى ودرّس. وكان لا يملّ الاشتغال والإشغال، إماما عالما. توفي بزبيد في سحر ليلة الأربعاء سادس عشر جمادى الأولى. وفيها جمال الدّين محمد النّور بن عمر الجبرتي [2] الفقيه الصّالح المعمّر، من بقية أصحاب الشيخ إسماعيل الجبرتي. توفي يوم الاثنين ثاني ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة، ودفن قريبا من شريح شيخه. وفيها رضيّ الدّين الصّدّيق بن محمد الحكمي [3] ، الشهير بالوزيغي [4] . كان فقيها علّامة متقنا متفنّنا. توفي بزبيد ليلة الجمعة ثالث جمادى الأولى، ودفن بتربة القضاة الناشريين.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (38) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (38) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (38) . [4] في «ط» : «الحكم الشهير بالوزيغي» .

سنة أربع وتسعمائة

سنة أربع وتسعمائة فيها توفي غرس الدّين أبو القاسم خليل بن خليل الفراديسي الصّالحي [1] الحنبلي. قال ابن طولون: حفظ القرآن، ثم قرأ «المحرّر» للمجد بن تيميّة، وأخذ عن النّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، والشيخ صفي الدّين، ولازم شيخنا القاضي ناصر [2] الدّين بن زريق، وأكثر من الأخذ عنه، ثم أقبل على الشهادة والمباشرة لأوقاف مدرسة أبي عمر وغيرها، وأجاز لنا، وكتبنا عنه. وتوفي في حبس كرتباي الأحمر [3] ملك الأمراء بدمشق. وفيها زين الدّين شعبان الصّورتاني الحنبلي [4] ، أحد عدول دمشق. سكن الصالحية، وولي قضاء صفد، وأخذ عن النّظام بن مفلح، وابن زيد، وأكثر عن أبي البقاء بن أبي عمر، وكان لا بأس به. وتوفي في شوال. وفيها الملك النّاصر أبو السعادات محمد بن قايتباي [5] .

_ [1] ترجمته في «التمتع بالإقران» ص (123) و «متعة الأذهان» (ورقة 38) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 190) و «السحب الوابلة» (164) . [2] في «آ» : «نار الدّين» وهو تحريف. [3] له ترجمة في «إعلام الورى» (85- 94) و «الكواكب السائرة» (1/ 300) و «متعة الأذهان» (73) . [4] ترجمته في «التمتع بالإقران» (126) ، و «متعة الأذهان» (ورقة 42) وفيه: «شعبان بن محمد» ، و «الكواكب السائرة» (1/ 214) و «السحب الوابلة» (177- 178) . [5] ترجمته في «النور السافر» (40) ، و «متعة الأذهان» (72) .

بويع بالسلطنة قبل [1] موت أبيه بيوم واحد وهو في سنّ البلوغ، فأقام ستة أشهر، ويومين ثم خلع. وتولى الملك الأشرف قانصوه مملوك قايتباي، فأقام نحو أحد عشر يوما، وتحرّك عليه العسكر، فهرب إلى غزّة، ثم فقد في وقعة خان يونس، ولم يعرف موته ولا حياته، ثم عاد الملك الناصر بعد ثبوت رشده، فأقام سنة وستة أشهر ونصف شهر، ثم شرع في اللهو، واللعب، والشعبذة، ومخالطة الأوباش، وارتكاب الفواحش، وأمور لا يليق ذكرها، فقتل شرّ قتلة قبل غروب شمس يوم الأربعاء خامس عشري ربيع الأول. قال القطبي في «تاريخ مكة» : يحكى عنه أمور قبيحة، منها: أنه كان إذا سمع بامرأة حسناء هجم عليها وقطع دائر فرجها ونظمه في خيط أعده لنظم فروج النساء. ومنها أن والدته- وكانت من أعقل النساء وأجملهن هيئة- هيّأت له جارية جميلة جدا، وجمعتها به في بيت مزيّن أعدّته لهما، فدخل بها وقفل الباب على نفسه وعليها وربطها وشرع بسلخ جلدها عنها كالجلادين وهي حيّة، فلما سمعوا صوت بكائها أرادوا الهجوم عليه فما أمكنهم لأنه قفل الباب من داخل، فاستمر كذلك إلى أن سلخها وحشا جلدها بالثياب، وخرج يظهر لهم أستاذيته في السّلخ، وأن الجلّادين يعجزون عن كماله في صنعه. انتهى وفيها المولى لطف الله، الشهير بمولانا لطفي التّوقاني [2] الرّومي الحنفي [3] العالم الفاضل. قال في «الكواكب» : تخرّج بالمولى سنان، وقرأ على القوشجي [4] العلوم الرياضية بإشارة المولى سنان. ولما كان المولى سنان وزيرا عند السلطان

_ [1] في «ط» : «بعد» . [2] في «آ» : «الناقاتي» وفي «ط» : «التوقاني» وما هنا عن مصدريه. [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (169- 171) و «الكواكب السائرة» (1/ 301) و «الضوء اللامع» (9/ 253) . [4] في «ط» : «القوشنجي» وهو تحريف.

محمد خان جعله السلطان أمينا على خزانة الكتب، فاطلع على الغرائب منها، ثم لما ولي السلطان أبو يزيد أعطاه مدرسة السلطان مراد بمدينة بروسا، ثم أعطاه إحدى الثمان، ثم ولاه مدرسة مراد خان ثانيا. وأقام ببرسا، وكان ذكيا، عالما، خاشعا، قرئ عليه «صحيح البخاري» إلى آخره، وكان حال الإقراء يبكي حتّى تسقط دموعه غير أنه كان يطيل لسانه على أقرانه حتّى أبغضه علماء الرّوم ونسبوه إلى الإلحاد والزّندقة، وفتّش عليه، واستحكم في قتله المولى أفضل الدّين فلم يحكم، فحكم المولى خطيب زاده بإباحة دمه فقتلوه، وكان يكرّر كلمتي الشهادة وينزّه عقيدته عمّا نسبوه إليه من الإلحاد، حتّى قيل: إنه تكلّم بالشهادة بعد ما سقط رأسه على الأرض، وقيل في تاريخه ولقد مات شهيدا. وله من المؤلفات «شرح المطالع» و «حواشي على شرح المفتاح» للسيد الشريف، ورسالة سمّاها ب «السبع الشّداد» ، مشتملة على سبعة أسئلة على السيد الشريف في بحث الموضوع، ولو لم يؤلّف إلّا هذه الرسالة لكفته فضلا، ورسالة ذكر فيها أقسام العلوم الشرعية والعربية، بلغ فيها مقدار مائة علم أورد فيها غرائب وعجائب، رحمه الله تعالى. وفيها قاضي القضاة نور الدّين أبو الفضل محمد بن محمد بن يوسف الخزرجي الدمشقي الحنفي الصالحي، المعروف بابن منعة [1] . ولد بصالحية دمشق رابع شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، و «درر البحار» للقونوي، و «المنار» للنسفي، وسمع بعض «مسانيد أبي حنيفة» على قاضي القضاة حميد الدّين و «تصحيح القدوري» على الشيخ قاسم قطلوبغا، وتفقه بالشيخ عيسى الفلوجي [2] وولي تدريس الجمالية، وكانت سكنه وبها ميلاده، والجوهرية، والشّبلية الجوّانية، والمرشدية، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم زمانا، وكانت سيرته فيه حسنة يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر أمينا صابرا وحصل كتبا، وانفرد في آخره برئاسة مذهب أبي حنيفة بدمشق، وولي في

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ورقة 97) و «الكواكب السائرة» (1/ 19) . [2] في «آ» : «القلوجي» وهو تحريف.

أواخر عمره قضاء قضاة الحنفية بعد أن أكره عليه، واعتقل بقلعة دمشق، ثم أطلق. وتوفي مطعونا بقرية الفيجة [1] في مستهل الحجّة. وفيها الأخوان قوام الدّين أبو الخير محمد، وشهاب الدّين أبو المكارم أحمد ابنا القاضي رضي الدّين الغزّي [2] . قال حفيده في «الكواكب السائرة» : الشابان الفاضلان توفيا شهيدين بالطّاعون في دمشق ثانيهما وهو الأصغر قبل أولهما [3] وهو الأكبر، وكان بينهما اثنان وعشرون يوما، وكان والدهما إذ ذاك بمصر ولم يبق له بعدهما [4] ولد، فبشّره القطب كما قيل بأن يعوضه الله تعالى بولد صالح، فعوضه الوالد الشيخ بدر الدّين ولد في هذه السنة. وفيها كمال الدّين موسى بن عبد المنعم الضّجاعي اليمني [5] ، الفقيه العلّامة الخطيب. مرض طويلا، ودفن إلى جنب قبر جدّه الفقيه الصالح علي بن قاسم الحكمي. وفيها كمال الدّين موسى بن أحمد اليمني الدوالي، المعروف بالمكشكش [6] . قال في «النور السّافر» : كان إماما علّامة. توفي قرب مدينة تعز ليلة الأربعاء سلخ ربيع الأول، ودفن بمقبرة زبيد.

_ [1] الفيجة: قرية في غوطة دمشق الغربية على طريق الزّبداني ينبع منها نبع الماء الذي تشرب منه دمشق وماؤه من أطيب مياه الدنيا. وانظر «معجم البلدان» (4/ 282) . [2] ترجمتهما في «الكواكب السائرة» (1/ 23) . [3] في «ط» : «قيل أولها» وهو خطأ. [4] في «ط» : «بعدها» وهو خطأ. [5] ترجمته في «النور السافر» ص (40) . [6] ترجمته في «النور السافر» ص (40) .

سنة خمس وتسعمائة

سنة خمس وتسعمائة فيها طلع من مشرق نجد نجم ذو ذؤابة، وكان طلوعه من برج الحمل، وذؤابته في اليمن، وسيره في الشام، فسبحان القادر على ما يشاء [1] . وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبية المقدسي الأثري الشافعي، الشهير بابن عبية [2] نزيل دمشق. ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، واشتغل بالقدس الشريف، وحصّل وولي قضاء بيت المقدس، وامتحن بسبب القمامة، ثم رحل إلى دمشق وقطن بها، ووعظ وذكر الناس، وكان إماما عالما. ومن شعره: وناعورة أنت فقلت لها اقصري ... أنينك هذا زاد للقلب في الحزن فقالت أنيني إذ طننتك عاشقا ... ترقّ لحال الصّبّ قلت لها إنّي توفي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى ودفن بباب الصغير شمالي ضريح الشيخ حمّاد، رحمه الله تعالى. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد الغمري الصّوفي [3] . كان، رضي الله عنه، جبلا راسيا وطودا راسخا في العلوم والمعارف، وكان

_ [1] قاله في «النور السافر» ص (41) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (17) و «الكواكب السائرة» (1/ 124) . [3] ترجمته في «حسن المحاضرة» (1/ 521) و «الكواكب السائرة» (1/ 148) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 121- 122) .

يحب بناء المساجد والجوامع، حتى قيل: إنه بني خمسين جامعا، منها جامعه المعروف به بمصر المدفون فيه، وكان معانا على نقل العمد والرخام [1] وغيرها من الكيمان والبلاد الكفرية، حتّى إن عمد جامعه بمصر والمحلّة يعجز عن نقلها سلطان. ذكر عنه إمام جامعه بمصر الشيخ أمين الدّين بن النجّار أنه أقام صفّ العمد التي على محراب الجامع المذكور كلّها في ليلة واحدة، والناس نائمون. وذكر المناوي: أنه عمّر هذا الجامع من عثماني وضعه تحت سجادته، وصار يؤخذ منه ويصرف. وكراماته، رضي الله عنه، كثيرة مستفيضة، وأطنب الشعراوي في ذكره. وتوفي بالقاهرة في رابع عشر صفر، ودفن في جامعه. وفيها سراج الدّين أبو بكر بن علي بن عمران اليمني [2] . كان إماما علّامة، وولي قضاء قضاة تعزّ. وتوفي بزبيد يوم الاثنين الثاني عشر من جمادى الأولى. وفيها بركات بن حسين الفيجي [3] المقرئ. أخذ عن والده وغيره، وأجازه البدري حسن بن الشويخ. وتوفي في هذه السنة ظنا. وفيها زين الدّين خالد بن عبد الله بن أبي بكر المصري الأزهري [4] الوقّاد به النحوي. اشتغل بالعلم على كبر، قيل كان عمره ستّا وثلاثين سنة فسقطت منه يوما فتيلة على كراس أحد الطلبة فشتمه وعيّره بالجهل، فترك الوقادة وأكبّ على

_ [1] في «ط» : «الرقام» وهو خطأ. [2] ترجمته في «النور السافر» ص (41) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 167) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 188) و «الضوء اللامع» (3/ 171) و «معجم المؤلفين» (4/ 96) و «متعة الأذهان» الورقة (37) .

الطلب، وبرع وأشغل الناس، وصنّف شرحا حافلا على «التوضيح» ما صنّف مثله، و «إعراب [1] ألفية بان مالك» ، وشرحا على «الجرومية» نافعا، وآخر على «قواعد الإعراب» لابن هشام، وآخر على «الجزرية» في التجويد، وآخر على «البردة» و «المقدمة الأزهرية» وشرحها، وكثر النّفع بتصانيفه لإخلاصه ووضوحها. توفي ببركة الحاج [2] خارج القاهرة راجعا من الحجّ. وفيها زين الدّين خطاب بن محمد بن عبد الله الكوكبي ثم الصالحي الحنبلي [3] . حفظ القرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر، وأخذ عن الشيخ صفر، والنّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، وغيرهم. واشتغل في العربية على الشّهاب بن شكم وحلّ عليه «ألفية العراقي» في علم الحديث، واعتنى بهذا الشأن، وأنشد له ابن طولون: بطشت يا موت في دمشق ... وفي بنيها أشدّ بطش وكم بنات بها بدورا ... كانت فصارت بنات نعش وقال: عرض له ضعف في بعض الأحيان، وكان عند الناس إنه فقير، فأوصى بمبلغ من الذّهب له كمية جيدة، ثم برأ من ذلك الضعف فشنق نفسه بخلوته بالضّيائية في سابع عشر جمادى. وفيها الملك العادل [4] سيف الدّين طومان باي [5] . كان من أعيان مماليك قايتباي بويع بالسلطنة بعد خلع جان بلاط الآتي ذكره في السنة التي بعد هذه [6] في الشام، وجلس على السّرير بعد ظهر يوم السبت ثامن

_ [1] في «آ» : «وأعرب» . [2] قلت: ويقال لها أيضا «بركة الجب» . انظر «التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية» ص (6) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (38) و «السحب الوابلة» ص (163) . [4] ليست اللفظة في «آ» . [5] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 230) و «متعة الأذهان» ق (43) . [6] انظر ص (41) من هذا المجلد.

عشري جمادى الآخرة من هذه السنة، وكانت مدته من حين تغلّبه بالشام أربعة أشهر، وخمسة عشر يوما، ومن حين بويع بقلعة الجبل ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرون يوما، وبنى مدرسة العادلية، وتربته خارج باب النّصر، ثم هجم عليه العسكر وقتلوه. قاله في «نزهة الناظرين» . وفيها علاء الدّين علي بن يوسف بن أحمد الدمشقي العاتكي الشافعي الشهير بالبصروي [1] الإمام العلامة. ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وثمانمائة واشتغل في العلم على الشيخ رضيّ الدّين الغزي، ولازمه وأخذ عن غيره، وبرع في الفقه وغيره. وهو والد الخطيب جلال الدّين البصروي. وتوفي في نهار الأربعاء سادس عشر شهر رمضان. وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي، المعروف بابن الدّعيم [2] قاضي قضاة حلب، وكاتب سرّها، وناظر جيوشها. كان ذكيا، فقيها، متموّلا. قاله النّجم الغزّي. وفيها نور الدّين محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن محمد الحمصي ثم الدمشقي الشافعي، الشهير بابن العصباني [3] الإمام العلّامة. ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده، والتّقي بن [4] الصّدر الطرابلسي. وقدم دمشق سنة تسعمائة فاستوطنها، ووعظ بالجامع وغيره. وتوفي راجعا من الحجّ بمنزلة رابغ يوم الجمعة مستهل المحرّم.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (67) . [2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 319) و «الكواكب السائرة» (1/ 57) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (102) و «الكواكب السائرة» (1/ 302) . [4] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .

سنة ست وتسعمائة

سنة ست وتسعمائة فيها توفي الملك الأشرف جان بلاط [1] بن عبد الله أبو النّصر سلطان مصر. اشتراه بشتك الدوادار، وقدّمه للأشرف قايتباي بعد طلبه له فجعله خاصكيا، وقرّبه إليه وعلّمه القرآن، والحساب، والرّمي، وصار رئيسا، محتشما، ثم رقّاه حتى أعطاه تقدمة ألف، ثم ولي الدوادارية الكبرى. في زمن والده [2] الناصر، ثم أنعم عليه بنيابة حلب، فأقام بها سنة، ثم نقله إلى نيابة الشام، فأقام بها سبعة أشهر، ثم قدم القاهرة في زمن الظّاهر، فولّاه الإمرة الكبرى، وزوّجه بأخته، وصار العادل طومان باي، يرمي الفتنة بينه وبين الظّاهر إلى أن تنافرا، وقدر جان بلاط على الظّاهر، فخرج من قلعة مصر وتركها له، فتسلطن في ضحوة يوم الاثنين ثاني القعدة سنة خمس وتسعمائة، فأقام نصف سنة وستة عشر يوما، وبنى المدرسة الجنبلاطية خارج باب النصر، وخلع ونفي إلى الإسكندرية وقتل بها خنقا ودفن فيها نحو شهر ثم نقل إلى القاهرة. ودفن بتربة أستاذه قايتباي ثم ردّ إلى تربته التي أعدّها لنفسه خارج باب النصر فنقل إليها ولم تتغيّر جثته، ثم تولى الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري يوم الاثنين عيد الفطر من هذه السنة. وفيها زين الدّين حامد بن عبد الله العجمي [3] الحنفي العلّامة.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (33) و «النور السافر» (44) و «الكواكب السائرة» (1/ 171) . [2] في «ط» : «ولده» . [3] ترجمته في «الطبقات السنية» (3/ 24) .

قال ابن طولون: هو شيخنا. اشتغل ببلاده، وحصّل وبرع، وقدم دمشق فدرّس بها، وكان فقيها بارعا. توفي يوم السبت سابع عشر ذي الحجّة ودفن بباب الصغير. وفيها تقريبا بدر الدّين حسن بن محمد العلّامة المقرئ الصوفي المقدسي الشافعي، المعروف بابن الشّويخ [1] . أخذ القراآت، ولبس خرقة التصوف من الشّمس إمام الكاملية بحق لباسه لها من ابن الجزري المقرئ، ولبسها أيضا من الشيخ محمد البسطامي، وأخذ عليه العهد، ولقّنه الذكر بمكة في السنة التي قبلها، وأخذ الحديث عن الحافظ الدّيمي، وكان إماما، عالما، صالحا، رحمه الله تعالى. وفيها غرس الدّين أبو سعيد خليل [2] بن عبد القادر بن عمر الجعبري الأصل الخليلي الشافعي سبط الشّهاب القلقشندي. ولد في محرم سنة تسع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف، واشتغل في العلم على جماعة منهم الكمال بن أبي شريف والشيخ برهان الدّين الخليلي الأنصاري وغيرهما، وجمع «معجما» لأسماء شيوخه، وولي حصة من مشيخة حرم الخليل عن والده المتوفى في محرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة. وكان رجلا خيّرا، إماما، عالما، متواضعا. توفي في أحد الربيعين. وفيها علاء الدّين علي بن أبي عمرو عبد الله الخطيب الحنبلي [3] المؤذن بجامع بني أميّة بدمشق الشهير بعلّيق- بضم العين المهملة، وتشديد اللام المفتوحة، وبعد المثناة التحتية قاف-

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 175) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 190) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .

ولد سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة. قال النّعيمي، وهو آخر من سمع «صحيح مسلم» كاملا على الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين في سنة ست وثلاثين، وتوفي في هذه السنة. وفيها كمال الدّين أبو المعالي محمد بن الأمير ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي المرّي سبط الشّهاب العميري المالكي، الشهير بابن عوجان [1] ، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام. ولد ليلة السبت خامس ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، و «الشاطبية» و «المنهاج الفقهي» وعرضهما على ابن حجر العسقلاني، والمحب بن نصر الله الحنبلي، والسعد الدّيري، والعزّ المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ثم حفظ «ألفية بن مالك» و «ألفية الحديث» وقرأ القرآن بالروايات على أبي القاسم النّويري. وسمع عليه، وقرأ عليه في العربية، والأصول، والمنطق، والعروض، واصطلاح أهل الحديث، وأذن له بالتدريس فيها، وتفقه على العلّامة زين الدّين ماهر، والعماد بن شرف، وحضر عند الشّهاب بن أرسلان، والعزّ القدسي. ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين وأخذ عن علمائها، منهم ابن حجر. وكتب له إجازة وصفه فيها بالفاضل البارع الأوحد، والشمس القاياتي، والعزّ البغدادي، وغيرهم، وسمع الحديث على ابن حجر، والزّين الزّركشي الحنبلي، والعزّ بن الفرات الحنفي، وغيرهم. وحجّ، فسمع بالمدينة المنورة على المحبّ الطبري، وغيره وبمكة على أبي الفتح المراغي، وغيره، ودرّس، وأفتى، وأشير إليه. ثم توجه في سنة إحدى وثمانين إلى القاهرة واستوطنها، وانتفع به أهلها، وارتفعت كلمته، وعظمت هيبته، ثم عاد إلى بيت المقدس وتولى بها عدة مدارس، وقد استوفى ترجمته تلميذه صاحب «الأنس الجليل» فيه.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 11) و «الأعلام» (7/ 52) .

ومن مصنّفاته «الإسعاد بشرح الإرشاد» لابن المقرئ، و «الدّرر اللوامع [1] بتحرير جمع الجوامع» في الأصول، و «الفرائد في حلّ شرح العقائد» ، و «المسامرة بشرح المسايرة» ، و «قطعة على تفسير البيضاوي» ، وقطعة (2 على «المنهاج» وقطعة على «صفوة الزبد» لشيخه ابن أرسلان، وغير ذلك. ومن شعره [2] ما أنشده في بيت المقدس: أحيّي بقاع القدس ما هبّت الصّبا ... فتلك رباع الأنس من [3] معهد الصّبا وما زلت من شوقي إليها مواصلا ... سلامي على تلك المعاهد والرّبا وتوفي يوم الخميس خامس عشري جمادى الآخرة عن أخويه شيخ الإسلام البرهاني وكان حينئذ بمصر، والعلّامة جلال الدّين وكان عنده بالقدس، وخلّف دنيا طائلة. وفيها شمس الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن صالح العوفي [4]- يتصل نسبة بعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضي الله عنهم- الإسكندري المولد الآفاقي المنشأ، العاتكي المزّي الشافعي الصّوفي المحدّث الفقيه اللّغوي المرشد. ولد بالإسكندرية في أول محرم سنة ثمان عشرة وثمانمائة، ولما حملت به والدته دخل والده الشيخ بدر الدّين العوفي على الشيخ الإمام العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشّبريسي، وسأله لها الدعاء فقال له: إن زوجتك آمنة معها ولدان أحدهما يموت بعد سبعة أيام والآخر يعيش زمنا طويلا، وسمّه بأبي الفتح، وسيكون له فتح من الله تعالى، وتوكّل على الله، وسيره إلى الله يعيش سعيدا ويموت شهيدا يخرج من الدنيا كيوم ولدته أمه يضع قدمه على جبل قاف المحيط [5] ،

_ [1] في «آ» : «اللواقع» . [2] ليس ما بينهما في «آ» . [3] ليست اللفظة في «آ» . [4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (98) . [5] انظر «مراصد الاطلاع» (3/ 1059) .

يسوح زمانا، وينال من الله أمانا فاستوص به خيرا، واصبر عليه، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. فلما وضعته أمه كان الأمر كما قال الشيخ عبد الرحمن، فصنع والده وليمة بعد تمام أربعين يوما من ولادته، ودعا الشيخ عبد الرحمن وجماعة من الفقراء والصالحين وأضافهم، فلما رفعوا السّماط حمله أبوه ووضعه بين أيديهم، فأخذه الشيخ عبد الرحمن وحنّكه بتمرة مضغها وعصرها في فيه، ثم طلب شيئا من العسل، فأحضر له فلعق الشيخ ثلاث لعقات، ثم ألعق المولود ثلاثا، ثم وضعه بين يدي الفقراء وأمرهم فلعقوا منه ثم قرأ الفاتحة سبع مرات، ثم قال لوالده ارفع هذا لأمه لا يشاركها [1] فيه أحد ولا تخش على الولد المبارك، فوالله إني لأرى روحه تجول حول العرش. ثم خرج من ساعته، وكان والد الشيخ أبي الفتح يقول: ما بات إلا بشبريس. ذكر ذلك صاحب الترجمة في كتابه المسمى ب «الحجة الراجحة» قال: ثم إني رأيته- يعني الشيخ عبد الرحمن- بعد مدة، فلما أقبلت عليه قبّل بين عيني، ونظر بعين [2] لطفه [3] إليّ ثم لقنني الذكر، وأخذ عليّ العهد، ثم قال: عش في أمان الله مؤيدا بالله هائما بالله فانيا عما سواه باقيا به أنت إمام زمانك، وفريد أوانك مقدما على أقرانك، مباركا على أحوالك رعاك الله حفظك الله آواك الله فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ 3: 170 [آل عمران: 170] . قال: ثم ألبسني الخرقة الشريفة، ثم قال: أيامنا انقضت وساعاتنا انقرضت. قال: فلما تم لي سبع سنين لبستها من يد الشيخ الإمام الورع العارف أبي الحسن الدّمنهوري الصّوفي، ومن يد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم الأتكاوي بلباسهما من الشّبريسي، ثم نشأ الشيخ أبو الفتح، وطلب العلم والحديث، وتفقه بجماعة أولهم جدّه لأبيه القاضي نور الدّين أبو الحسن علي، وسمع الحديث على ابن حجر، والتّقي الرّسام، وعائشة بنت عبد الهادي، ومريم بنت أحمد الأذرعي، والعزّ بن الفرات الحنفي، وغيرهم.

_ [1] في «أ» : «لا يشاركه» . [2] ليست اللفظة في «أ» . [3] في أ «بلطفه» .

وقرأ على الحافظ شمس الدّين أبي الخير المقدسي الحموي «صحيحيّ» البخاري ومسلم، و «عوارف المعارف» للسّهرورديّ، وكتاب «ارتقاء الرتبة في اللّباس والصحبة» للقطب القسطلاني، و «السيرة» لابن هشام، و «سنن ابن ماجة» و «جامع الترمذي» و «مسند الرافعي» ومجالس من «مسند ابن حبّان» [1] ومن «الموطأ» و «سنن أبي داود» ، وغير ذلك. وأجازه بجميع ما تجوز له روايته، وألبسه خرقة التصوف أيضا ولبسها من جماعة متعددة. قال في «الكواكب السائرة» : وممن أخذ عن الشيخ أبي الفتح شيخ الإسلام الجدّ، واستجازه لشيخ الإسلام الوالد وأحضره إليه وهو دون السنتين فلقّنه الذكر وألبسه الخرقة، وأجازه بكل ما تجوز له روايته، والشيخ أبو المفاخر النّعيمي، وتلميذه الشيخ شمس الدّين بن طولون، والشيخ شمس الدّين الوفائي، وغيرهم، وألّف كتابا حافلا في اللغة، وآخر سمّاه ب «الحجة الرّاجحة في سلوك المحجة الواضحة» وآخر في «آداب اللباس والصحبة» ، وغير ذلك. ومن شعره: يا ناظرا منعما فيما جمعت وقد ... أضحى يردّد في أثنائه النّظرا سألتك الله إن عاينت من خطأ ... فاستر عليّ فخير النّاس من سترا ومنه: لم أنس مذ قالوا فلان لقد ... أضحى كبير النّفس ما أجهله فقلت: لا أصل لهذا وقا ... ل الناس لم يكبر سوى المزبلة ومنه: من كان حقا مع الرحمن كان معه ... نعم ومن ضرّ فيه نفسه نفعه ومن تذلّل للمولى فيرفعه ... ومن يفرّق فيه شمله جمعه وأخبرت عن شيخ الإسلام الوالد أنه كان يحكي عن شيخه الشيخ أبي الفتح

_ [1] يعني «صحيح ابن حبّان» إذ ليس لابن حبّان «مسند» .

المزّي أنه ذكر عن بعض شيوخه بدمشق أنه قال له يوما: تعالى إليّ عند صلاة العشاء، فجاء إليه فصلّى معه العشاء، ثم خرج الشيخ المذكور وخرج معه أبو الفتح، حتّى كانا بالرّبوة، خرج به من المكان المعروف بالمنشار وتعلّقا بسفح قاسيون. فلما أشرفا على الجبل قال الشيخ للشيخ أبي الفتح: انظر إلى هذه المشاعل وعدّها واحفظ عددها، ثم سار به على السفح حتى وصلا إلى مقام إبراهيم الخليل عليه السلام ببرزة، فلما كانا هناك قال الشيخ لأبي الفتح: كم عددت مشعلا قال: ثمانمائة. قال: تلك أرواح الأنبياء المدفونين بهذا السفح المبارك عليهم الصلاة والسلام. وتوفي الشيخ أبو الفتح ليلة الأحد ثامن عشر ذي الحجّة بمحلّة قصر الجنيد قرب الشّويكة، ودفن بالجانب الغربي في الأرض التي جعلت مقبرة وأضيفت لمقبرة الحمرية، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا. وفيها القاضي جمال الدّين محمد بن عبد السلام الناشري اليمني الشافعي [1] . كان إماما، عالما، عاملا، عابدا من عباد الله الصالحين وهو خاتم [2] القضاة الناشريين بزبيد. وتوفي بها ليلة الاثنين ثامن [3] عشري المحرم.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (42) . [2] في «آ» : «خاتمة» . [3] في «ط» : «قامن» وهو تحريف.

سنة سبع وتسعمائة

سنة سبع وتسعمائة فيها توفي أبو بكر بن عبد الله، المعروف بفغيس [1] اليمني العلّامة الفقيه الشافعي [2] . توفي بزبيد يوم الخميس تاسع عشر شوال ودفن بتربة المرجاني. وفيها القاضي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حجي [3] الحسباني الدمشقي [4] الأطروشي الشافعي. ولد ليلة الأربعاء خامس ذي الحجة سنة ثمان عشرة وثمانمائة. وسمع قبل طرشه على الحافظ ابن حجر، والمسند علاء الدّين بن بردس البعلي، وغيرهما. وأذن للنّعيمي في الرواية عنه وأجازه بكل ما تجوز له روايته. وتوفي يوم الأربعاء سابع رمضان، ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم النّابلسي [5] ثم الدمشقي، الشهير بابن مكيّة الشافعي. ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل على الشمس بن حامد الصّفدي، وكان أول دخوله إلى دمشق سنة ست وتسعين، فوعظ بها في جامع دمشق على

_ [1] في «النور السافر» : «قعيس» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (47) . [3] في «آ» : «ابن حجر» وهو تحريف. [4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (4) ، و «الضوء اللامع» (1/ 269- 271) و «الكواكب السائرة» (1/ 133) . [5] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 6) و «الضوء اللامع» (1/ 331) و «الكواكب السائرة» (1/ 136) .

كرسي ابن عبية، وكان حاضرا إذ ذاك فتكلم المترجم على البسملة وأسماء الفاتحة، ونقل كلام العلماء في ذلك فأحسن، وصار من مشاهير الوعاظ بالجامع الأموي. وتوفي بدمشق في آخر أيام التشريق، ودفن عند قبر الشيخ إبراهيم النّاجي غربي سيدنا معاوية، رضي الله تعالى عنه، بمقبرة باب الصغير. وفيها شهاب الدّين أحمد بن نور الدّين علي بن شهاب الدّين الشّعراوي [1] الشافعي، والد الشيخ عبد الوهاب، اشتغل في العلم على والده ووالده حمل العلم عن الحافظ ابن حجر، والعلم صالح البلقيني والشرف يحيى المناوي. وكان المترجم عالما، صالحا، فقيها، نحويا، مقرئا. وله صوت شجيّ في قراءة القرآن، يخشع القلب عند سماع تلاوته بحيث صلى خلفه القاضي كمال الدّين الطويل، فكاد أن يخرّ إلى الأرض من فرط الخشوع. وقال له: أنت لا يناسبك إلّا إمامة جامع الأزهر، وكان ماهرا في علم الفرائض، وعلم الفلك. وكان يعمل الدواير ويشدّ المناكيب، وكان له شعر، وقوة في الإنشاء، وربما أنشأ الخطبة حال صعود المنبر. وكان مع ذلك لا يخل بأمر معاشه من حرث وحصاد وغير ذلك. وكان له توجّه صادق في قضاء حوائج الناس، ويشهد بينهم ويحسب ويكتب محتسبا في ذلك. وكان يقوم كلّ ليلة بثلث القرآن أو بأكثر. قال ولده الشيخ عبد الوهاب: وقد كنت أقرأ عليه يوما في سورة الصافات فلما بلغت قوله تعالى: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الْجَحِيمِ قال تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ 37: 55- 56 [الصّافات: 56- 55] بكى حتى أغمي عليه، وصار يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح. قال: وصنّف عدة مؤلفّات في علم الحديث، والنحو، والأصول، والمعاني، والبيان، فنهبت مؤلفاته كلّها فلم يتغيّر، وقال: لقد ألّفناها لله فلا علينا أن ينسبها الناس إلينا أم لا.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 138) .

توفي في هذه السنة، ودفن في بلدته بناحية ساقية أبي شعرة بزاويتهم إلى جانب قبر والده. وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد ابن العلّامة الولي المقرّب جمال الدّين محمد الطّاهر بن أحمد جعمان [1] قاضي مدينة حيس [2] الشافعي. كان إماما مفتيا مفننا صالحا. توفي سحر ليلة الثلاثاء سلخ السنة، ودفن ببيت الفقيه، عند قبر أبيه وجدّه بوصية منه، ولم يخلّف بعده مثله في بني جعمان علما ومعرفة. وفيها عماد الدّين إسماعيل النّحّاس الشهير بالشّويكي الشافعي [3] . ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكانت وفاته في عشري رمضان. وفيها الشيخ الصّالح حسن الحلبي [4] الشافعي، الشهير بالشيخ حسن الطّحينة. قرأ في الفقه على الشيخ عبد القادر الأبّار الحلبي [5] ثم صار من مريدي الشيخ موسى الأريحاوي. وانقطع بالجامع الكبير بحلب بالرواق المعروف يومئذ بمصطبة الطحينة نحو أربعين سنة بحيث لا يتغيّر من مكانه صيفا ولا شتاء. وحكيت عنه مكاشفات، وهرع الناس إليه بالأموال وغيرها، فيصرفها في وجوه الخير من عمل بعض الركايا، وإصلاح كثير من الطرقات، وإزالة ما فيها. وكان يخلط المآكل المنّوعة إذا وضعت له، فإذا قيل له في ذلك. قال: الكل يجري في مجرى واحد، رحمه الله تعالى. وفيها عفيف الدّين عبد العليم بن أبي القاسم بن إقبال القربتي [6]- نسبة

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (48) . [2] في «النور السافر» : (جبس) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 161) . [4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 525- 527) و «الكواكب السائرة» (1/ 183) . [5] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 821- 823) . [6] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .

إلى باب قربت باليمن أو إلى أبي قربته جدّ- الحنفي. ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وكان إماما، فقيها، نبيها. توفي بزبيد يوم الجمعة خامس ذي الحجّة. وفيها جمال الدّين محمد بن بدير بن بدير المقرئ [1] . قال في «النور السافر» : كانت إليه النهاية في القراءات السبع. وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رجب عن تسعين سنة ممتعا بسمعه وبصره وعقله. انتهى. وفيها جمال الدّين محمد بن علي الطّيب اليمني [2] الحنفي إمام الحنفية. بجامع زبيد. كان إماما، علّامة، فقيها. توفي ليلة الأربعاء ثامن عشر شوال، ودفن إلى جنب أبيه وأخيه بمقبرة باب سهام. وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هشام [3] النّحوي المصري الحنفي، نزيل دمشق. ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتفقه بالعلّامة قاسم بن قطلوبغا، والتّقي الشّمّني، وغيرهما. وأخذ النحو عنهما، والحديث عن ابن حجر وغيره، وكان إماما علّامة. توفي بدمشق يوم السبت رابع [ذي] القعدة، ودفن بباب الصغير جوار مزار سيدي بلال الحبشي، رضي الله تعالى عنه.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (47) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (47) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (98) و «الكواكب السائرة» (1/ 14) .

سنة ثمان وتسعمائة

سنة ثمان وتسعمائة فيها حصل بمدينة عدن زلازل عظيمة تواترت ليلا ونهارا، ووقع بها حريق عظيم احترقت فيه دور كثيرة بلغ عدتها تسعمائة بيت وذهب من الأموال والأنفس ما لا يعلمه إلّا الله تعالى [1] . وفيها توفي الإمام أبو السعود [2] قاضي مكة المشرفة قتله الشريف بركات. وفيها برهان الدّين أبو الطيب إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن أوقصرائي [3] الأصل القاهري الشافعي الحنفي المواهبي- نسبة لتلميذه [4] أبي المواهب التونسي-. قرأ طرفا من العلم على شيوخ عصره، كالسخاوي وغيره، وصحب الشيخ الكامل أبا الفتوح محمد الشهير بابن المغربي، وأخذ عنه التصوف، ثم أخذ بإذنه عن الولي الكبير أبي المواهب محمد التونسي، فعادت عليه بركات عوارفه، وانهلّت على قلبه أمطار ذوارفه، وفتح الله له على يديه. قال جار الله بن فهد: أقول وقد جاور صاحب الترجمة بمكّة سنة أربع وتسعمائة، وأقام بها ثلاث سنين، وألفّ بها شرحا على «الحكم» لابن عطاء الله، سماه «أحكام الحكم لشرح الحكم» وشرح رسالته المسماة «أصول مقدمات الوصول» وشرح «كلمات علي بن محمد وفا» المعروف «يا مولانا يا واحد يا أحد» ،

_ [1] انظر «النور السافر» ص (51) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 121) . [3] ترجمته في «كواكب السائرة» (1/ 114) و «الطبقات السنية» (1/ 241) . [4] في «آ» : «لتلمذة» .

ثم شرح «التمويل في بيان مشاهد يا مولانا يا واحد يا أحد» و «شرح الرسالة السنوسية» في أصول الدّين، وله ديوان نظم وعدة رسائل وسبعة أحزاب، ومؤلفات في الزيارة [1] النبوية وغير ذلك، وأخذ الناس عنه التصوف، رحمه الله. انتهى وتوفي ليلة الخميس ثامن عشري جمادى الثانية. وفيها شهاب الدّين أحمد بن يوسف بن حميد الصّفدي [2] ثم الدمشقي الحنفي الشيخ المفيد الزاهد. قال ابن طولون: اشتغل وحصّل بعد أن حفظ القرآن، وكان له يد في القراآت والرّسم، وكتب عدة مصاحف، و «الكشف الكبير» المسمى ب «كشف الأسرار» ، وهو شرح على كتاب أصول الفقه المنسوب إلى أبي الحسن علي بن محمد البزوري تصنيف الإمام عبد العزيز بن أحمد البخاري، و «الكشف الصغير» وهو شرح على «المنار» في أصول فقهنا كلاهما للزّاهد حافظ الدّين عبد الله بن أحمد النّسفي. قرأت عليه «المختار» و «المنار» و «الخلاصة الألفية» وتلخيص المفتاح حفظا، واستفدت منه أشياء وقطن بالسميساطية المعدة للعزبان إلى أن توفي في [3] سادس رمضان [4] ودفن بالباب الصغير. انتهى [4] . وفيها رضي الدّين أبو بكر بن عمر البليما [5] . كان فقيها لغويا نحويا. توفي ليلة الأربعاء الثالث من شوال بزبيد، ودفن عند أخواله بني النّاشري. وفيها قاضي القضاة عماد الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن علي الناصري [6] ، أخو محيى الدّين كبش العجم.

_ [1] في «أ» : «الزيارات» . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (18) . [3] ليست اللفظة في «أ» . [4] ليس ما بين الرقمين في «أ» . [5] ترجمته في «النور السافر» ص (51) . [6] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (29) .

قال ابن طولون: اشتغل على القاضي حميد الدّين النعماني وغيره، وتعانى الشهادة، ثم ولي نيابة الحكم لابن قاضي عجلون، ثم ولي قضاء دمشق مرات، وفي آخرها أهين بالقاهرة ثم عاد إلى دمشق واستمر معزولا إلى أن مات بالمدرسة المعينية داخل دمشق. وكانت سكنه يوم الخميس سابع عشري ربيع الأول [1] ، ودفن قرب قبر سيدي بلال الحبشي بمقبرة باب الصغير. انتهى. وفيها القاضي بدر الدّين حسن بن علي المنوفي المصري [2] ثم الدمشقي المالكي الشهير بابن مشعل. قال ابن طولون: حدّث بدمشق عن جماعة منهم الحافظ شمس الدّين السّخاوي، وقرأ عليه في دار الحديث وغيرها قطعا من كتب و «أربعينيات» و «أجزاء» ومنه وصلت «المسلسل بالمالكية» سنة سبع وتسعمائة، رحمه الله انتهى. وفيها حميد الدّين حمد الله بن أفضل الدّين الحسيني [3] الحنفي العالم العلّامة. قرأ على والده، وكان والده عالما صالحا زاهدا قانعا صبورا، وقرأ على غيره. ثم خدم المولى يكان، ثم ولي تدريس مدرسة السلطان مراد خان ببروسا، وعزل عنها في أوائل دولة السلطان محمد خان، فأتى القسطنطينية فبينما هو مارّ في طرقاتها لقي السلطان محمدا [4] وهو ماش مع عدة من غلمانه. وكان ذلك عادته، قال: فعرفته ونزلت عن فرسي، ووقفت فسلّم عليّ، وقال: أنت ابن أفضل الدّين، قلت: نعم قال: احضر الديوان غدا قال: فحضرت. فلما دخل الوزراء عليه قال: جاء ابن أفضل الدّين؟ قالوا: نعم. قال: أعطيته مدرسة والدي السلطان مراد خان ببروسا وعينت له كل يوم خمسين درهما وطعاما يكفيه من مطبخ عمارته. قال: فلما

_ [1] في «أ» : «ربيع الأولى» . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (36) وقد جاءت هذه الترجمة في «أ» قبل التي تليها. [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (105- 106) ، و «الطبقات السنية» (3/ 195) . [4] في «آ» و «ط» : «محمد» .

دخلت عليه وقبّلت يده أوصاني بالاشتغال بالعلم. وقال: أنا لا أغفل عنك، ثم أعطاه السلطان محمد إحدى المدارس الثمانية، ثم جعله قاضيا بالقسطنطينية، ثم صار مفتيا بها في أيام السلطان أبي يزيد خان، واستمرّ حتى مات. وكان عالما كبيرا، ذكر تلميذه المولى محيى الدّين الفناري أنه لم يجد مسألة شرعية، أو عقلية، إلّا وهو يحفظها، وهذه مبالغة. وكان حليما، صبورا، لا يكاد يغضب، حتّى تحاكم إليه- وهو قاض- رجل وامرأة، فحكم للرجل، فاستطالت عليه المرأة، وأساءت القول في حقّه فلم يزدها على أن قال: لا تتعبي نفسك حكم الله لا يغيّر وإن شئت أن أغضب عليك فلا تطمعي، وله حواش مقبولة متداولة على «شرح الطوالع» للأصبهاني، وحواش مقبولة أيضا على «شرح المختصر» للسيد الشريف. وتوفي في هذه السنة. وفيها خليل بن نور الله المعروف بمنلا خليل الشافعي [1] نزيل حلب، تلميذ منلا علي القوشجي. قطن حلب وأكب على القراءة عليه بها جماعة، منهم الشمس السفيري، وكتب على الفتوى، وكان يختمها بخاتم له على طريقة الأعجام، وكانت له مواعيد حسنة بالجامع الكبير، وكان علّامة، ألّف رسالة في المحبة، و «رسالة الفتوح في بيان ماهية [2] النّفس والروح» ورسالة في بيان نكتة التثنية في قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 [الرّحمن: 17] مع الإفراد [3] في قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ 73: 9 [المزمل: 9] والجمع 3) في قوله بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ 70: 40 [المعارج: 40] . وتوفي بحلب وحمل سريره برسباي الجركسي كافل حلب، ودفن خارج باب المقام.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 599) و «الكواكب السائرة» (1/ 190) . [2] ليست اللفظة في «آ» . [3] ليس ما بين الرقمين في «آ» .

وفيها سراج الدّين عبد اللطيف بن محمد بن يحيى الجهمي [1] صاحب قرية المصباح من أصاب [ببلده] . كان معتمد أهل أصاب ومرجعهم وعالمهم وحاكمهم قرأ على الفقيه أبي بكر البليما، والقاضي جمال الدّين القماط، وغيرهما. وكان فقيها علّامة صالحا. توفي ليلة الأربعاء التاسع عشر من رجب ببلده قرية المصباح. قاله في «النور السافر» . وفيها القاضي فخر الدّين عثمان بن يوسف الحموي ثم الدمشقي الشافعي [2] . ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل بحلّ «الحاوي الصغير» على العلّامة مفلح الحبشي، وكان يحوكه ثم صار بوابا بالبادرائية [3] ، ثم تعانى صنعة الشهادة بخدمة شرف الدّين بن عيد الحنفي، ثم فوض إليه نيابة الحكم القاضي شهاب الدّين بن الفرفور. وتوفي بدمشق يوم الاثنين ثامن عشر القعدة ودفن بمقبرة باب الفراديس.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (51) وما بين الحاضرتين مستدرك منه. [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (59- 60) و «التمتع بالإقران» ص (144) و «الكواكب السائرة» (1/ 260) . [3] في «ط» : «بالبدرئية» .

سنة تسع وتسعمائة

سنة تسع وتسعمائة فيها توفي الشيخ الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعيدروس [1] مبتكر القهوة المتّخذة من البنّ المجلوب من اليمن. وكان أصل اتخاذه لها أنه مرّ في سياحته بشجر البن، فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته، فوجد فيه تجفيفا للدماغ، واجتلابا للسهر، وتنشيطا للعبادة، فاتخذه قوتا وطعاما وشرابا، وأرشد أتباعه إلى ذلك. ثم انتشرت في اليمن، ثم في بلاد الحجاز، ثم في الشام ومصر، ثم سائر البلاد. واختلف العلماء في أوائل القرن العاشر في القهوة حتّى ذهب إلى تحريمها جماعة، منهم الشيخ شهاب الدّين العيثاوي [2] الشافعي، والقطب بن سلطان الحنفي، والشيخ أحمد بن عبد الحق السّنباطي، تبعا لأبيه، والأكثرون ذهبوا إلى أنها مباحة. قال النجم الغزّي في «الكواكب السائرة» : وقد انعقد الإجماع بعد من ذكرناه على ذلك وأما ما ينضم إليها من المحرّمات فلا شبهة في تحريمه ولا يتعدّى تحريمه إلى تحريمها حيث هي مباحة في نفسها. قلت: وقد ذكر أخوه العلّامة الشيخ أبو الطيب الغزّي في مؤلّف له بخصوص القهوة: أن ابتداء ظهورها كان في زمن سليمان بن داود عليهما الصّلاة والسّلام. قال: ما ملخصه.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 113- 114) و «ملحق البدر الطالع» (2/ 14) . [2] في «أ» : «العيتاوي» وهو تصحيف. انظر «الكواكب السائرة» (1/ 114) .

كان سليمان صلّى الله عليه وسلم إذا أراد سيرا إلى مكان ركب البساط هو ومن أحبّ من جماعته وظلّتهم الطير وحملتهم الريح فإذا نزل مدينة خرج إليه أهلها طاعة له وتبركا به، فنزل يوما مدينة فلم يخرج إليه أحد من أهلها فأرسل وزيره على الجن الدمرياط، فرأى أهل المدينة يبكون قال: ما يبكيكم؟ قالوا: نزل بنا نبي الله وملك الأرض، ولم نخرج إلى لقائه. قال: ما منعكم من ذلك؟ قالوا: لأن بنا جميعا الداء الكبير وهو داء من شأنه أن يتطير منه، وتنفر منه الطباع خوف العدوى. فرجع وأخبر سليمان بذلك فدعا ابن خالته آصف بن برخيا الله تعالى باسمه الأعظم أن يعلّم سليمان ما يكون سببا لبرئهم من ذلك، فنزل جبريل على سليمان، وأمره أن يأمر الجنّ أن تأتيه بثمر البنّ من بلاد اليمن، وأن يحرقه ويطبخه بالماء، ويسقيهم، ففعل ذلك، فشفاهم الله تعالى جميعا، ثم تناسى أمرها إلى أن ظهرت في أوائل القرن العاشر. انتهى ملخصا. ثم قال النجم الغزي: وأما مبتكرها صاحب الترجمة فإنه في حدّ ذاته من سادات الأولياء، وأئمة العارفين، وقد ألّف كتابا في علم القوم سماه «الجزء اللطيف في علم التحكيم الشريف» وذكر فيه أنه لبس الخرقة الشاذلية من الشيخ الفقيه الصوفي العارف بالله تعالى جمال الدّين محمد بن أحمد الدّهماني المغربي القيرواني الطرابلسي المالكي في المحرم سنة أربع وتسعمائة، كما لبسها من شيخه [1] إبراهيم بن محمود المواهبي بمكة في صفر سنة ثلاث وتسعمائة، كما لبسها من شيخه الكامل محمد أبي الفتوح، الشهير بابن المغربي، كما لبسها من الشيخ أبي عبد الله محمد بن حسين بن علي التيمي الحنفي، كما أخذ من الشيخ ناصر الدّين بن الميلق الإسكندري [2] الأصولي عن الشيخ تاج الدّين بن عطاء الله الإسكندري عن الشيخ أبي العبّاس المرسي عن الشيخ أبي الحسن الشّاذلي رضي الله تعالى عنهم. انتهى بحروفه. وفيها أبو الخير الكليباتي.

_ [1] في «ط» : «من الشيخ» وما أثبته عن «الكواكب» مصدر المؤلف. [2] في «الكواكب السائرة» : «ابن المبلق السكندري» .

قال النجم الغزّي: الشيخ الصالح الوليّ المكاشف الغوث المجذوب. كان رجلا قصيرا يعرج بإحدى رجليه، وله عصا فيها حلق وخشاخيش [1] ، وكان لا يفارق الكلاب في أي مجلس كان فيه حتى في الجامع والحمّام، وأنكر عليه شخص ذلك. فقال: رح وإلّا جرّسوك على ثور دائر مصر، فشهد ذلك النهار زورا فجرّسوه على ثور دائر مصر، وأنكر عليه بعض القضاة ذلك فقال: هم أولى بالجلوس في المسجد منك، فإنّهم لا يأكلون حراما، ولا يشهدون زورا، ولا يستغيبون أحدا، ولا يدّخرون عندهم شيئا من الدنيا، ويأكلون الرمم التي تضرّ رائحتها الناس. وكان كل من جاءه في ملمة [2] يقول له: اشتر لهذا الكلب رطل لحم شواء، وهو يقضي حاجتك ففعل، فيذهب ذلك الكلب، ويقضي تلك الحاجة. قال الشعراوي: أخبرني سيدي على الخوّاص أنهم لم يكونوا كلابا حقيقة، وإنما كانوا جنّا، سخّرهم الله تعالى له، يقضون حوائج الناس. وقال الحمصي،- بعد ترجمته بالقطب الغوث- كان صالحا مكاشفا، وظهرت له كرامات دلّت على ولايته، وكان يصحو تارة ويغيب أخرى وكان، يسعى له الأمراء والأكابر، فلا يلتفت إليهم. وتوفي في ثالث جمادى الآخرة وحمل جنازته القضاة والأمراء ودفن بالقرب من جامع الحاكم بالقاهرة وبنى عليه عمارة وقبة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن شقير المغربي التّونسي المالكي النّحوي [3] الإمام العلّامة المحقّق المتقن الفهّامة، المعروف بابن شقير، وربما عرف بشقير، نزيل القاهرة. قال النّجم الغزّي: عدّه شيخ الإسلام الجدّ ممن اصطحب بهم من أولياء

_ [1] في «الكواكب» : «فيها حلق خشاخيش» . [2] في «آ» و «الكواكب» : «حملة» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 135) و «طبقات الشعراوي» (2/ 143) .

الله تعالى من العلماء، وهو من مشاهير المحقّقين من علماء القاهرة. أخذ عنه السيد عبد الرحيم العبّاسي وغيره. وتوفي يوم الاثنين سادس القعدة بمصر. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد [1] العالم الزّاهد المعروف بإمام الكاملية. توفي بالقدس الشريف في هذه السنة. وفيها المولى أمر الله بن محمد بن حمزة الشيخ العارف بالله تعالى، المعروف باق شمس الدّين الدمشقي الأصل الرّومي [2] المولد والمنشأ الحنفي. قرأ على علماء عصره، ثم اتصل بخدمة الخيالي. ولما توفي والده أخذت أوقافه من يده فجاء شاكيا إلى السلطان محمد خان فعوضه الوزير محمد باشا القرماني عن أوقاف والده بتولية أوقاف الأمير البخاري بمدينة بروسا، وصار متوليا على أوقاف السلطان مراد خان بها أيضا، ثم ابتلي بمرض النقرس، واختلت منه رجلاه وإحدى يديه واقعد سنين كثيرة حتى مات، وأعطي تقاعدا وكان يبكي ويقول ما أصابتني البلية إلا بترك وصية والدي فإنه كان يوصي أولاده أن لا يقبلوا منصب القضاء والتولية. وفيها غرس الدّين خليل القاضي الأوسي الرملي [3] الشافعي العالم قاضي الرّملة، المعروف بابن المدققة. توفي بالقاهرة يوم الجمعة خامس شوال. وفيها زين الدّين المقدسي الأصل الدمشقي عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى المعروف جدّه أحمد بالعجيمي [4] وجدّه الأعلى موسى بالتركماني.

_ [1] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 271) و «الكواكب السائرة» (1/ 125) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (144- 145) و «الكواكب السائرة» (1/ 162) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 191) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 136- 137) .

كان إماما، فاضلا، مقرئا، مجودا شافعيا. ولد في سادس عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وأخذ القراآت وغيرها عن والده وغيره. وتوفي بدمشق ودفن بمقبرة المزرعة المعروفة الآن بالجورة عند ميدان الحصى عند أخيه الشيخ إبراهيم القدسيّ، رحمه الله. وفيها عفيف الدّين عبد المجيد بن عبد العليم إقبال، المعروف بالقربتي [1] الحنفي. قال في «النّور السافر» : كان إماما، فقيها، علّامة، صالحا، رأس المفتين بمدينة زبيد. توفي بها يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر رمضان. انتهى. وفيها علاء الدّين على البكائي [2] الرّومي [3] الحنفي. قرأ على علماء عصره، وصار مدرسا ببعض مدارس الرّوم، ثم درّس في سلطانية بروسا، ثم بإحدى الثمان ثم نصّب مفتيا ببروسا، وكان عالما سليم الطبع شديد الذكاء، انتفع به كثيرون. وتوفي في هذه السنة. وقيل في تاريخه: وحيد مات مرحوما سعيدا [4] وفيها الشيخ الإمام العلّامة ياسين الشافعي [5] شيخ المدرسة البيبرسية. توفي في سادس عشري ذي الحجّة، واستقرّ عوضه في المشيخة العلّامة كمال الدّين الطويل.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (52) . [2] في «آ» : «البكاوي» وفي «الشقائق» : «اليكاني» . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (169) و «الكواكب السائرة» (1/ 280- 281) . [4] قلت: حسابه في حساب الجمّل (909) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 312) .

وفيها جمال الدّين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد [1] الصالحي الحنبلي [2] . ولد سنة أربعين وثمانمائة، وقرأ على الشيخ أحمد المصري الحنبلي، والشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، وصلّى بالقرآن ثلاث مرات وقرأ «المقنع» على الشيخ تقي الدّين الجراعي، والشيخ تقي الدّين بن قندس، والقاضي علاء الدّين المرداوي. وحضر دروس خلائق، منهم القاضي برهان الدّين بن مفلح، والبرهان الزّرعي. وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصّلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدّين، وغيرهم. وكان إماما، علّامة، يغلب عليه علم الحديث والفقه، ويشارك في النحو، والتصريف، والتصوف، والتفسير. وله مؤلفات كثيرة وغالبها أجزاء، ودرّس وأفتى. وألّف تلميذه شمس الدّين ابن طولون في ترجمته مؤلفا ضخما [3] . وتوفي يوم الاثنين سادس عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون.

_ [1] قلت: كذا قيّد نسبته- بكسر الميم- معظم من ترجم له وهو الأشبه عندي، وقيّدها بعضهم بفتح الميم. [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (108) و «الكواكب السائرة» (1/ 316) و «النعت الأكمل» ص (70) و «فهرس الفهارس» (2/ 1141) . وقد كتب في حياته ومصنفاته عدد من الباحثين. منهم الدكتور محمد أسعد طلس في صدر كتابه «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» والدكتور عبد الرحمن العثيمين في صدر كتابه «الجوهر المنضد» والدكتور رضوان مختار بن غريبة في صدر كتابه «الدّر النقي في شرح ألفاظ الخرقي» والأستاذ صلاح الخيمي في مجلة معهد المخطوطات العربية في الكويت المجلد السادس والعشرون الجزء الثاني ص (775- 811) والأستاذ محمد خالد الخرسة في صدر كتابه «نجوم المسا تكشف معاني الرسا للصالحات من النسا» المطبوع بدمشق عام 1411 هـ. وانظر «الأعلام» (8/ 225- 226) و «معجم المؤلفين» (13/ 289- 290) . [3] هو كتابه «الهادي إلى ترجمة شيخنا المحدّث الجمال بن عبد الهادي» . انظر «الفلك المشحون» ص (48) طبع مكتبة القدسي.

وفيها شمس الدين محمد بن عبد الكافي المصري [1] الخطيب بجامع القلعة الشهير بالدمياطي. قال الشعراوي: كان يقضي خارج باب القوس والناس يقرؤون عليه العلم وكان لا يأخذ على القضاء أجرا، وكان طويلا سمينا جدا ومع ذلك يتوضأ لكل صلاة من الخمس. قال: وما سمعته مدة قراءتي عليه يذكر أحدا من أقرانه الذين يرون نفوسهم عليه إلّا بخير. وكان كثير الصّمت كثير الصّيام، طالبا للهزال فيزيد سمنه، حلو المنطق، حلو المعاشرة، كريم النفس. انتهى توفي بالقاهرة في ثاني عشر جمادى الآخرة ودفن بالقرافة. وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد بن جلال بن عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن القصيف الدمشقي الحنفي [2] . ولد سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة بمنزلة ذات حج من درب الحجاز، وحفظ القرآن العظيم و «المختار» وعدة كتب، واشتغل وبرع وأفتى، ودرّس بالمدرسة القصاعية عدّة سنين، وسمع الحديث على أبي الفتح المدني، والتقي بن فهد وغيرهما. وصنّف كتاب «دليل [3] المحتار إلى مشكلات المختار» ولم يتم، وولي قضاء الشام مرات. قال ابن طولون: وظلم نفسه بأمور سامحه الله فيها. وتوفي يوم الخميس سادس ربيع الأول. وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين موسى بن عيسى العجلوني الدمشقي الصالحي الشافعي [4] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 56) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 91) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 57) . [3] في «آ» : «ذليل» وهو تحريف. [4] ترجمته في «الكواكب» (1/ 13) .

ولد بالصالحية سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وكان إماما [1] ، عالما، صالحا. توفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول ودفن بمسكنه بزاوية محمد الخوام، الشهير بالقادري بالصّالحية. وفيها ولي الدّين محمد بن محمد الشيخ الفاضل ابن الشيخ العالم محبّ الدّين المحرقي [2] المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة. توفي بها في هذه السنة ختام ربيع الأول. وفيها أقضى القضاة وليّ الدّين محمد بن فتح الدّين محمد النحريري المصري [3] المالكي الإمام العلّامة. توفي سابع ربيع الأول بالقاهرة ودفن بالصحراء.

_ [1] ليست اللفظة في «ط» . [2] في «آ» : «المحروقي» وانظر «الكواكب السائرة» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 19) و «نيل الابتهاج» (332) .

سنة عشر وتسعمائة

سنة عشر وتسعمائة فيها حصل بمدينة زبيد ومدينة زيلع زلزلة عظيمة شديدة هائلة وقع منها دور وخرج أهل زيلع إلى الصحراء خوفا [1] . وفيها انقض كوكب عظيم وقت العشاء من اليمن في الشام وتشظى منه شظايا عظيمة ثم حصل بعده هدة عظيمة [2] . وفيها وجد بمدينة عدن كنز ذهب وبقرية هقدة بين مدينتي عدن وموزع كنز آخر من ذهب أعظم من الأول كان بها مسجد قد خرب، فأراد رجل عمارته فوجد الحفّارون في الأساس الكنز شخوصا من ذهب مضروبة بسكة لا تشبه سكّة الإسلام وزن كل شخص ربع وقية. وفيها توفي العلّامة شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين، الشهير بابن المهندس الشّيرازي الأصل الدمشقي العاتكي الشافعي [3] . ولد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. قال النّعيمي: رافقناه على جماعة من العلماء، ثم انتهى إليه الإتقان في كتابة الوثائق والتواقيع، حتى صار أكبر من يشار إليه في ذلك. وكان عالما مورقا متقنا. توفي ليلة الخميس سادس عشري رجب.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (52) . [2] انظر «النور السافر» ص (53) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 18) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 147) .

وفيها قاضي القضاة عفيف الدّين أبو الطيب حسين محمد بن محمد القاضي ابن القاضي ابن القاضي ابن الشحنة [1] الحنفي وقيل الشافعي. ولد سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وحصل بالقاهرة طرفا من العلم، وأخذ البخاري عن الشهاب الشاوي المصري الحنفي الصوفي، وهو خاتمة من يروي عن ابن أبي المجلد الخطيب الدمشقي، وقرأ شرح جمع الجوامع للمحلي بحلب على العلّامة المنلا درويش الخوارزمي قراءة تحقيق وتدقيق، وولي قضاء حلب وكتابة السرّ بها. وتوفي بالقاهرة مطعونا يوم الثلاثاء حادي عشري شوال. وفيها السلطان العادل عبد الله بن جعفر الكثيري [2] سلطان الشحر من بلاد اليمن كان عادلا مشهورا بأفعال الخير وإقامة الشرع سيرته من أحمد السير وأحسنها. توفي بالشحر يوم الأحد سلخ المحرم. وفيها شمس الدّين عبد الله بن محمد السبتي المالكي [3] قاضي المالكية بصفد، وابن قاضيها. ولد سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وكان إماما علّامة. وتوفي بصفد يوم الأربعاء ثامن عشر رجب. وفيها الحافظ تقي الدّين عبد الرحيم بن الشيخ [4] محب الدّين محمد الأوجافي [5] المصري الشافعي. قرأ القرآن على والده، وسمع منه، وأخذ عنه العلوم الشرعية وغيرها. وقرأ على خلائق منهم العلّامة ابن حجر [6]- يعني الهيثمي) [6]-، والولي بن العراقي،

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (37) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 184) وفيه اسمه «حسن» . [2] ترجمته في «النور السافر» (ق 52) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 56) و «الكواكب السائرة» (1/ 216) . [4] في «آ» : «الشحنة» وهو خطأ. [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 234) «وفيه عبد الرحمن» وهو تحريف وسيرد في شعره أنه عبد الرحيم. [6] عن «آ» وحدها.

والشّمس القاياتي، وصالح البلقيني، ولازم الشّرف المناوي في «المنهاج» و «التنبيه» و «البهجة» وغيرها. قال: وهو آخر شيخ قرأت عليه العلوم الشرعية. وسمع من مسندي عصره، وروى «صحيح البخاري» عن جمع كثير، يزيد عددهم على مائة وعشرين نفسا ما بين قراءة وسماع ومناولة لجميعه مقرونة بالإجازة، ولبس الخرقة القادرية من جماعة. وكان إماما علّامة مسندا رحلة حافظا حجة ناقدا. ومن شعره [1] : تقول نفسي أتخشى ... من هول ذنب عظيم لا تختشي من عقاب ... وأنت عبد الرّحيم ومنه [1] : يا راحمي ورحيمي ... ومانحي كلّ نعمه ابن الوجاقيّ [2] عبد ... مراده منك رحمه ومنه [1] : إذا كنت الرحيم فلست أخشى ... وإن قالوا عذاب النار يحمى وكم عبد كثير الذّنب مثلي ... بفضلك من عذاب النّار يحمى وقال في مرضه الذي مات فيه [1] : لمّا مرضت من الذنوب وثقلها [3] ... وأيست من طبّ الطبيب النّافع علّقت أطماعي برحمة سيّدي ... وأتيته متوسّلا بالشّافعي وتوفي بالقاهرة يوم الاثنين ثاني أو ثالث جمادى الآخرة. وفيها تقيّ الدّين عبد السلام بن القاضي محمد بن عبد السلام الناشري [4] الشافعي الفقيه الصّالح. توفي بمدينة زبيد ضحى يوم الخميس العشرين من ذي القعدة.

_ [1] البيتان في «الكواكب» (1/ 235) . [2] في ط: «الوقاجي» وهو خطأ. [3] في «الكواكب السائرة» : «لثقلها» . [4] ترجمته في «النور السافر» (53) .

وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن عمر بن عيسى بن سابق بن هلال بن يونس بن يوسف بن جابر بن إبراهيم بن مساعد المزّي ثم الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن الرّجيحي [1] ، وجدّه الأعلى الشيخ يونس هو العارف بالله تعالى، شيخ الطائفة اليونسية. ولد صاحب الترجمة في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم و «الخرقي» ، واشتغل في العلم ثم تصوف، ولبس الخرقة من جماعة منهم والده، والعلّامة أبو العزم المقدسي نزيل القاهرة، والشيخ أبو الفتح الإسكندري، ولازمه كثيرا وانتفع به، وأخذ عنه الحديث، وقرأ عليه «الترغيب والترهيب» للمنذري كاملا، وقرأ عليه غير ذلك، وسمع منه وعليه أشياء كثيرة، وناب في الحكم عن النّجم بن مفلح، وكانت سيرته حسنة، وسكن آخرا بالسّهم الأعلى من الصّالحية وبني به زاوية وحمّاما وسكنا، وكان من كبار العارفين بالله تعالى. وتوفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم، ودفن بسفح قاسيون عند صفة الدّعاء. وفيها علاء الدّين علي بن السيد ناصر الدّين أبي بكر الشهير بابن نقيب الأشراف [2] بدمشق الحنفي الدمشقي. ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وهو اليوم الذي ولد فيه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور، وكان إماما علّامة. توفي ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجة، ودفن بتربتهم لصيق مسجد الذبان بدمشق. ومات في أوائل هذه السنة شهاب الدّين بن الفرفور [3] المذكور.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (54) و «التمتع بالإقران» (141) و «الكواكب السائرة» (1/ 241) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 266) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 141- 145) واسمه «أحمد بن محمود بن عبد الله» .

وفيها علاء الدّين علي بن أحمد بن عربشاه [1] الإمام العالم، أخو قاضي القضاة بدمشق، تاج الدّين عبد الوهاب بن عربشاه، وأخو بدر الدّين حسن أحد الشهود المعتبرين بدمشق. ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر شوّال، ودفن بالروضة بسفح قاسيون. وفيها زين الدّين عمر الشيخ العلّامة الأبشيمي [2] الشافعي قاضي قلعة الجبل بالقاهرة. كان له فضيلة تامة. وتوفي يوم السبت ثاني عشر شعبان. قاله النّجم الغزّي. وفيها أقضى القضاة زين الدّين محمد بن عبد الغني الشيخ العلّامة، الشهير بابن تقي المالكي المصري [3] . قال الحمصي: كان شابا عالما صالحا. توفي في حادي عشري المحرم ودفن بالقرافة. وفيها قاضي القضاة بهاء الدّين محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي ثم المصري الحنبلي [4] . ولد في ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة، واشتغل في العلم، وحصّل وبرع وأفتى ودرّس، ثم ولي قضاء الحنابلة بالشام فلم تحمد سيرته، لكن كان عنده حشمة. وتوفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر، وصلّي عليه بجامع الحنابلة بسفح قاسيون ودفن بالروضة.

_ [1] ترجمته في «التمتع بالإقران» (61) و «الكواكب السائرة» (1/ 267) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 286) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 56) . [4] ترجمته في «متعة الأذهان» (99) .

وفيها بهاء الدّين محمد بن قاضي القضاة جمال الدّين يوسف بن أحمد الباعوني الشافعي [1] . ولد سنة سبع أو تسع وخمسين وثمانمائة بصالحية دمشق، وقرأ القرآن العظيم، وحفظ «المنهاج» وأخذ عن عمّه [2] البرهان الباعوني، والبرهان بن مفلح، والبرهان المقدسي الأنصاري، والبرهان الأذرعي، وولده شهاب الدّين وغيرهم، وغلب عليه الأدب، وجمع عدة دواوين، وكان قليل الفقه. وتوفى ليلة السبت حادي عشر شهر رمضان المعظم. قاله النجم الغزّي وفيها إمام الزّيدية محمد بن علي [3] إمام أهل البدعة ورئيسهم. قال في «النور السافر» : أسر في جمع عظيم، أسره [4] السلطان عامر بن عبد الوهاب في وقعة عظيمة على باب صنعاء اليمن. وتوفي أسيرا في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة بمدينة صنعاء [5] ، والله أعلم [5] .

_ [1] ترجمته في «التمتع بالإقران» ص (101) و «الضوء اللامع» (10/ 89) و «الكواكب السائرة» (1/ 72) و «الأعلام» (8/ 30) و «معجم المؤلفين» (12/ 121) . [2] ليست اللفظة في «ط» . [3] ترجمته في «النور السافر» (53) . [4] في «ط» : «أمره» ، وهو تحريف. [5] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .

سنة إحدى عشرة وتسعمائة

سنة إحدى عشرة وتسعمائة فيها كما قال في «النّور السافر» [1] حصل بمدينة زبيد وسائر جهاتها ريح شديدة اقتلعت أشجارا كثيرة، وكسرتها وهدمت بعض البيوت. وفيها توفي بامخرمة أحمد بن عبد الله بن أحمد اليمني [2] . ولد بعدن بعد وقت طلوع فجر يوم الأربعاء أول يوم من صفر سنة ست وستين وثمانمائة. وأخذ عن والده، وبرع في الفقه وغيره من العلوم لا سيما الفرائض والحساب، فإنه لم يكن له فيهما نظير حتى إن والده مع تمكّنه من هذين الفنّين. كان يقول: هو أمهر مني فيهما. وكان يحفظ جامع المختصرات في الفقه. وممن أخذ عنه من الأئمة الأعيان الفقيه العلّامة محمد بن عمر باقضام وانتفع به كثيرا. توفي عشية الجمعة عاشر جمادى الآخرة. وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود الشهير بابن الفرفور [3] الدمشقي الشافعي. ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. وأخذ عن البرهان الباعوني، وأبي الفرج بن الشيخ خليل، والنّجم بن قاضي عجلون، والشّمس محمد بن محمد السعدي، وأبي المحاسن بن شاهين، وغيرهم وفضل [4] وبرع وتميّز على أقرانه، وكان جامعا بين العلم والرئاسة، والكرم وحسن العشرة، بحيث إن الحمصي قال: إنه ختام رؤساء الدنيا على الإطلاق وسلطان الفقهاء والرؤساء.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (60) . [2] ترجمته في «النور السافر» (60) . [3] تقدمت الاشارة إلى مصادره قبل صفحتين. [4] ليست اللفظة في «ط» .

ولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق، ثم جمع له بينه وبين قضاء مصر، يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة، وأبيح له أن يستنيب في قضاء دمشق من يختار، فعين ولده القاضي ولي الدّين، واستمرت عليه هاتان الوظيفتان إلى أن مات. وكان له شعر متوسط، منه قصيدته التي مدح بها سلطان مصر الأشرف قانصوه الغوري التي مطلعها [1] : لك الملك بالفتح المبين مخلّد ... لأنّك بالنصر العزيز مؤيّد وأنت العزيز الظاهر الكامل الذي ... هو الأشرف الغوريّ وهو المسدّد تملّكته والسيف كاللّحظ هاجع ... بأجفانه والرمح هاد ممدّد وهي طويلة [2] . فلما وقف عليها السلطان الغوري ابتهج بها، وقرأها بنفسه على من حضر، وكافأه عنها بقصيدة من نظمه وجهّزها إليه مطلعها [3] : أجاد لنا القاضي ابن فرفور أحمد ... مديحا به أثني عليه وأحمد ومنها: وقاضي قضاة الشّام جاء يزورنا ... ويثبت دعوى حبّنا ويؤكد وهي طويلة [4] أيضا، وأقرب إلى الحسن من الأولى ومدح المترجم علاء الدّين بن مليك وغيره. وتوفي بالقاهرة في سابع جمادى الآخرة. قال الحمصي: شرع في وضوء صلاة الصبح فتوفي، وهو يتوضأ، وكان مستسقيا، وحمل تابوته الأمراء وكانت جنازته حافلة ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه.

_ [1] الأبيات في «الكواكب السائرة» (141) . [2] وتقع في (47) بيتا أوردها النجم الغزّي في «كواكبه» (1/ 142- 143) . [3] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 143) . [4] وقد بلغت (33) بيتا في «الكواكب السائرة» (1/ 143- 145) .

وفيها أم الهنا [1] بنت محمد الشيخة المباركة الصالحة بنت القاضي ناصر الدين البدراني المصرية. قال الحمصي: كانت فاضلة، ولها رواية في الحديث. وتوفيت بالقاهرة في ثامن جمادى الأولى. وفيها نور الدّين [2] أبو الحسن علي بن القاضي عفيف الدّين عبد الله بن أحمد بن علي بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن عيسى بن جلال الدين أبي العلياء بن أبي الفضل جعفر بن علي بن أبي الطاهر بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن حسن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن الأكبر بن علي بن أبي طالب الحسني، ويعرف بالسّمهودي، نزيل المدينة المنورة، وعالمها ومفتيها ومدرّسها ومؤرّخها، الشافعي الإمام القدوة الحجة المفنّن. ولد في صفر سنة أربع وأربعين وثمانمائة بسمهود، ونشأ بها، وحفظ القرآن، و «المنهاج الفرعي» وكتبا، ولازم والده، حتى قرأه عليه بحثا مع شرحه للمحلّي، وشرح «البهجة» و «جمع الجوامع» وغالب «ألفية ابن مالك» وسمع عليه بعض كتب الحديث، وقدم القاهرة معه غير مرة، ولازم الشمس الجوجري في الفقه، وأصوله، والعربية، وقرأ على الجلال المحلّي بعض شرحيه على «المنهاج» و «جمع الجوامع» ولازم الشرف المناوي، وقرأ عليه الكثير، وألبسه خرقة التصوف، وقرأ على النّجم بن قاضي عجلون تصحيحه ل «المنهاج» ، وعلى الشمس البامي «تقاسيم المنهاج» وغيره، وعلى الشيخ زكريا في الفقه والفرائض، وعلى السعد الدّيري، وأذن له في التدريس هو واليامي والجوجري. وقرأ على من لا يحصى ما لا يحصى. قال السّخاوي: وسمع مني مصنفي «الابتهاج» وغيره، وكان على خير كثير، وقطن بالمدينة المنورة من سنة ثلاث وسبعين، ولازم فيها الشّهاب الإبشيطي، وقرأ

_ [1] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (1/ 163) ، و «أعلام النساء» (5/ 215) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 245- 248) و «النور السافر» (58) و «البدر الطالع» (1/ 470- 471) ، و «معجم المؤلفين» (7/ 129- 130) .

عليه تصانيفه وغيرها، وأذن له في التدريس وأكثر من السماع هناك على أبي الفرج المراغي، وسمع بمكة من كمالية بنت النّجم المرجاني، وشقيقها الكمال، والنّجم عمر بن فهد في آخرين. وانتفع به جماعة الطلبة في الحرمين. وألّف عدة تآليف منها «جواهر العقدين في فضل الشرفين» ، و «اقتفاء الوفا بأخبار دار المصطفى» [1] ، احترق قبل تمامه، و «مختصر الوفا» و «مختصره [2] خلاصة الوفا لما يجب لحضرة المصطفى» [3] وحاشية على «الإيضاح في مناسك الحج» للإمام النووي سمّاها «الإفصاح» وكذا على «الروضة» وسمّاها «أمنية المعتنين بروضة الطّالبين» وصل فيها إلى باب الرّبا، وجمع فتاويه في مجلد، وهي مفيدة جدا وحصّل كتبا نفيسة، احترقت كلّها، وهو بمكة في سنة ست وثمانين. وزار بيت المقدس، وعاد إلى المدينة مستوطنا، وتزوج بها عدة زوجات، ثم اقتصر على السّراري، وملك الدّور وعمرها. قال السخاوي: قلّ أن يكون أحد من أهلها لم يقرأ عليها. وبالجملة فهو إمام مفنّن متميز في الأصلين والفقه، مديم العلم والجمع والتأليف، متوجه للعبادة والمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة، طلق العبارة، مع قوة يقين، وعلى كل حال فهو فريد في مجموعه. انتهى وتوفي بالمدينة النبوية يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة. وفيها الحافظ جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق [4] الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن الشيخ همام الدّين الخضيري السّيوطي [5] الشافعي المسند المحقّق المدقّق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة. ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة،

_ [1] ويعرف ب «وفاء الوفا» وهو مطبوع بمصر قديما. [2] في «ط» : «ومختصر» . [3] ويعرف ب «خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى» وهو مطبوع من دون تحقيق. [4] في «ط» : «ساق» وهو تحريف. [5] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 65- 70) و «الكواكب السائرة» (1/ 226- 231) و «متعة الأذهان»

وعرض محافيظه على العزّ الكناني الحنبلي فقال له: ما كنيتك؟ فقال: لا كنية لي فقال: «أبو الفضل» وكتبه بخطّه. وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلى سورة التّحريم، وأسند وصايته إلى جماعة، منهم الكمال بن الهمام، فقرّره في وظيفة الشيخونية، ولحظه بنظره، وختم القرآن العظيم، وله من العمر دون ثمان سنين، ثم حفظ «عمدة الأحكام» ، و «منهاج النووي» ، و «ألفية ابن مالك» ، و «منهاج البيضاوي» ، وعرض ذلك على علماء عصره وأجازوه، وأخذ عن الجلال المحليّ، والزّين العقبي، وأحضره والده مجلس الحافظ ابن حجر، وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة، فقرأ على الشمس السّيرامي «صحيح مسلم» إلّا قليلا منه، و «الشفا» و «ألفية ابن مالك» ، فما أتمّها إلّا وقد صنّف. وأجازه بالعربية، وقرأ عليه قطعة من «التسهيل» ، وسمع عليه الكثير من ابن المصنّف، و «التوضيح» و «شرح الشذور» و «المغني في أصول فقه الحنفية» ، و «شرح العقائد» للتفتازاني، وقرأ على الشّمس المرزباني الحنفي «الكافية» وشرحها للمصنّف، و «مقدمة ايساغوجي [1] » وشرحها للكاتي، وسمع عليه من «المتوسط» و «الشافية» وشرحها للجاربردي، ومن «ألفية العراقي» ولزمه حتى مات سنة سبع وستين، وقرأ في الفرائض والحساب على علّامة زمانه الشّهاب الشّارمساحي، ثم دروس العلم البلقيني من شوال سنة خمس وستين، فقرأ عليه ما لا يحصى كثرة، ولزم أيضا الشّرف المناوي إلى أن مات، وقرأ عليه ما لا يحصى، ولزم دروس محقّق الديار المصرية سيف الدّين محمد بن محمد الحنفي، ودروس العلّامة التّقي الشّمنّي، ودروس الكافيجي، وقرأ على العزّ الكناني، وفي الميقات على مجد الدّين ابن السّباع، والعزّ بن محمد الميقاتي،

_ الورقة (44) و «النور السافر» (54) و «مفاكهة الخلان» (1/ 294) و «البدر الطالع» (1/ 328- 335) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 62) و «الأعلام» (3/ 301- 302) و «معجم المؤلفين» (5/ 128- 131) . [1] ايساغوجي: لفظ يوناني معناه الكليات الخمس، أي الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام. انظر «كشف الظنون» (1/ 206) .

وفي الطّب على محمد بن إبراهيم الدواني لما قدم القاهرة من الرّوم، وقرأ على التّقي الحصكفي، والشّمس البابي وغيرهم وأجيز بالإفتاء والتدريس. وقد ذكر تلميذه الداوودي في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعا مرتّبين على حروف المعجم، فبلغت عدّتهم أحدا وخمسين نفسا. واستقصى أيضا مؤلفاته الحافلة الكثيرة الكاملة الجامعة النّافعة المتقنة المحرّرة المعتمدة المعتبرة، فنافت عدتها على خمسمائة مؤلّف [1] ، وشهرتها تغني عن ذكرها، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقا وغربا وكان آية كبرى في سرعة التأليف حتّى قال تلميذه الداوودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا، وكان مع ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة. وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالا وغريبا ومتنا وسندا واستنباطا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث. قال: ولو وجدت أكثر لحفظته. قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك. ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به صرفا والإعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلّف سمّاه ب «التنفيس» . وأقام في روضة المقياس فلم يتحوّل منها إلى أن مات، ولم يفتح طاقات بيته التي على النّيل من سكناه. وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته، ويعرضون عليه الأموال النّفيسة فيردّها، وأهدى إليه الغوري خصيا وألف دينار، فردّ الألف، وأخذ الخصي، فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية، وقال لقاصد السلطان: لا تعد تأتينا بهدية قط فإنّ الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه.

_ [1] قلت: وقد صنّف في تعداد مؤلفاته مصنف خاص طبع في الكويت. باسم «دليل مخطوطات السّيوطي وأماكن وجودها» صنّفه الأستاذان أحمد الخازندار ومحمد إبراهيم الشيباني وقد بلغت عدة مؤلفاته فيه (981) مؤلفا.

ورؤي النبيّ صلّى الله عليه وسلم في المنام، والشيخ السّيوطي يسأله عن بعض الأحاديث والنبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول له: «هات يا شيخ الحديث» [1] . ورأى هو بنفسه هذه الرؤيا، والنبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول له: «هات يا شيخ الحديث» . وذكر الشيخ عبد القادر الشّاذلي في كتاب ترجمته أنه كان يقول: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم يقظة فقال لي: «يا شيخ الحديث» . فقلت له: يا رسول! الله أمن أهل الجنّة أنا؟ قال: «نعم» ، فقلت: من غير عذاب يسبق. فقال: «لك ذلك» . وقال الشيخ عبد القادر: قلت له كم: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم يقظة؟ فقال: بضعا وسبعين مرة. وذكر خادم الشيخ السيوطي محمد بن علي الحباك: أن الشيخ قال له يوما، وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة: أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك عليّ حتى أموت. قال: فقلت: نعم قال: فأخذ بيدي وقال غمّض عينيك فغمّضتهما فرمى [2] بي نحو سبع وعشرين خطوة. ثم قال لي: افتح عينيك، فإذا نحن بباب المعلاة [3] فزرنا أمّنا خديجة والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام، حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من زمزم، ثم قال لي: يا فلان ليس العجب من طي الأرض لنا وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثم قال لي: إن شئت تمضي معي وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاج قال فقلت: أذهب مع سيدي، فمشينا إلى باب المعلاة [3] وقال لي: غمّض عينيك، فغمضتهما، فهرول بي سبع خطوات. ثم قال لي: افتح عينيك، فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض. وذكر الشعراوي عن الشيخ أمين الدّين النجار إمام جامع الغمري، أن الشيخ أخبره بدخول ابن عثمان مصر قبل أن يموت، وأنه يدخلها في افتتاح سنة ثلاث

_ [1] في «ط» : «يا شيخ السّنّة» . [2] كذا في «آ» : «فرمى» وفي «ط» : «فرحل» . [3] «آ» : «المعلا» .

وعشرين وتسعمائة، وأخبره أيضا بأمور أخرى، فكان الأمر كما قال. ومناقبه لا تحصر كثرة، ولو لم يكن له من الكرامات إلّا كثرة المؤلفات مع تحريرها وتدقيقها لكفى ذلك شاهدا لمن يؤمن بالقدرة. وله شعر كثير، جيده كثير، ومتوسطه أكثر، وغالبه في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية، فمنه [1] وأجاد فيه [2] : فوّض أحاديث الصّفا ... ت ولا تشبّه أو تعطّل إن [3] رمت إلّا الخوض في ... تحقيق معظله فأوّل إنّ المفوّض سالم ... مما تكلّفه المؤوّل وقال [4] : حدّثنا شيخنا الكناني ... عن أبه صاحب الخطابة أسرع أخا العلم في ثلاث ... الأكل والمشي والكتابة وقال [4] : أيّها السائل قوما ... ما لهم في الخير مذهب اترك الناس جميعا ... وإلى ربّك فارغب وقال [5] : عاب الاملاء للحديث رجال ... قد سعوا في الضّلال سعيا حثيثا إنّما ينكر الأمالي قوم ... لا يكادون يفقهون حديثا وقال [5] : لم لا نرجي العفو من ربّنا ... وكيف لا نطمع في حلمه وفي الصحيحين أتى إنّه ... بعبده أرحم من أمّه وتوفي في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى في منزله بروضة

_ [1] في «ط» : «فمه» وهو تحريف. [2] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 229) . [3] في «ط» : «إلا» . [4] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 229) . [5] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 230) .

المقياس بعد أن تمرّض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر عن إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة. وفيها علاء الدّين علي بن أحمد الإمام العلّامة الحنفي [1] نقيب أشراف دمشق. كان عالما مفننا ذكيا بارعا في العلوم العقلية والنقلية. توفي يوم الاثنين سادس عشري ذي القعدة. وفيها الشيخ العارف بالله تعالى الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني الشافعي [2] . قال الحمصي: ضرب بالمقارع إلى أن مات بسبب أنه تزوج بامرأة خنثى واضح، ودخل بها وأزال بكارتها، وكان لها ابن عم مغربي أراد أن يتزوجها فلم تقبل عليه، فذهب إلى رأس نوبة الأمير طرباي واشتكى عليهما فأحضرهما، وضربهما بالمقارع، وجرّسهما على ثورين وأشهرهما في القاهرة، فما وصل إلى باب المقشرة حتى مات ولم يسأل عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال: وتأسّف الناس عليه كثيرا، وكان موته في حادي عشر شهر رمضان رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أبي بكر الشيخ العلّامة الموقت التّيزيني الدّمشقي الحنفي [3] . ولد في رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان عنده عقل وتؤدة وحسن تصرف، وكان رئيس الموقّتين بالجامع الأموي. وتوفي يوم السبت ثالث صفر. وفيها شمس الدّين محمد بن مصطفى بن الحاج حسن [4] ، المولى الفاضل الرّومي الحنفي.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 267) . [2] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 297) و «الكواكب السائرة» (1/ 51) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» (94) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 13) . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (97) .

قرأ على علماء عصره، واتصل بخدمة المولى يكان، وولي التدريس والولايات، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولاه السلطان محمد بن عثمان قضاء العسكر الأناضولية، ولما تولى السلطان أبو يزيد أقرّه في منصبه، ثم جعله قاضيا بالعسكر الرّوميلية، وبقي فيه حتّى توفي. قال في «الشقائق» : وكان رجلا طويلا عظيم اللّحية طلق الوجه [متواضعا] محبا للمشايخ، بحرا في العلوم، محبا للعلم والعلماء، ألف «حاشية» على سورة الأنعام من «تفسير القاضي البيضاوي» ، و «حاشية» على «المقدمات الأربع في التوضيح» ، وكتابا في الصّرف سمّاه ميزان التصريف، وكتابا في اللغة جمع فيه غرائب اللغات، ولم يتم وبنى مدرسة بالقسطنطينية ومسجدا ودارا للتعليم وبها دفن وقد جاوز التسعين. وفيها جمال الدين يوسف الحمامي المصري [1] المالكي القاضي الإمام العلّامة. قال الحمصي: كان صالحا مباركا وباشر نيابة الحكم العزيز بمصر القاهرة، وتوفي بها سابع عشر شعبان. وفيها يوسف الحميدي الشهير [2] بشيخ بستان الرّومي [3] الحنفي العالم الفاضل. اشتغل بالعلم أشد الاشتغال [4] ولم يكن ذكيا، لكن كان طبعه خالصا من الأوهام، وصار معيدا عند قاضي زاده، ثم وصل إلى خدمة خواجه زاده، ثم صار مدرّسا ببعض المدارس، وولي مدرسة أحمد باشا ابن ولي الدين ببروسا، وكان ساكنا ببروسا في بعض رباطاتها متجردا عن العلائق، راضيا بالقليل من العيش، ولم يتزوج، وله حواش على «شرح المفتاح» للسيد مقبولة، وتوفي ببروسا.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 317) . [2] كذا في «آ» : «الشهير» . وفي «ط» : «المشهور» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 317) . [4] في «ط» و «آ» : «اشتغال» .

سنة اثنتي عشرة وتسعمائة

سنة اثنتي عشرة وتسعمائة وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحيم بن حسن التّلّعفري الدمشقي [1] القبيباتي الشافعي العلّامة، الشهير بابن المحوجب. ولد في ربيع الأول سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وثمانمائة، وطلب العلم. وكان له خطّ حسن كتب به كثيرا، وكان مهابا عند الملوك والأمراء، وله كرم وافر وسماطه من أفخر الأطعمة، يأكل منه الخاص والعام، حتى نائب دمشق وقاضيها، وكانت له كلمة نافذة يأوي إليه كل مظلوم، وكان قد جزّأ الليل ثلاثة أثلاث ثلثا للسمر والكتابة، وثلثا للنوم وثلثا للتهجد والتّلاوة. وكان يتردّد إليه أكابر الناس العلماء والأمراء وغيرهم، خصوصا شيخ الإسلام زين الدّين خطاب. وبالجملة فقد انتهت إليه الرئاسة والسيادة بالشام، وتردّد إلى مصر كثيرا، ووجه إليه السلطان قايتباي خطابة القدس وهو بمصر، فقبلها ثم نزل عنها لبعض المقادسة لما رأى من شدة عنايتهم بطلبها. وكان كثّ اللحية والحاجبين، أشعر الأذنين، واسع الصدر. وتوفي بدمشق يوم السبت ثالث عشري ربيع الأول ودفن قبلي قبر الشيخ تقي الدّين الحصني. وفيها شهاب الدّين أحمد بن العسكري الصالحي [2] الدمشقي الحنبلي

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 136- 137) . [2] في «الكواكب السائرة» (1/ 149) و «السحب الوابلة» (116) .

مفتي الحنابلة بها. كان صالحا دينا زاهدا مباركا يكتب على الفتاوي كتابة عظيمة، ولم يكن له في زمنه نظير في العلم والتواضع والتقشف على طريقة السّلف، منقطعا عن الناس، قليل المخالطة لهم، ألّف كتابا في الفقه جمع فيه بين «المقنع» و «التنقيح» . مات قبل تمامه في ذي الحجة ودفن بالصالحية. وفيها حسين بن أحمد بن حسين الموصلي الأصل العزّازي الحلبي الشافعي المعروف بابن الأطعاني [1] . قال ابن الحنبلي: كان صالحا، فاضلا، حسن الخط، له اشتغال على البدر السيوفي في العربية والمنطق. توفي في هذه السنة بمكة. قال بعض السقائين: طلبوا له مني [2] ماء من سبيل الجوخي لقلة الماء بمكة إذ ذاك فذكرت أني الآن فارقته خاليا من الماء فصمموا عليّ في الذهاب إليه فذهبت لآتي بالماء من غيره فمررت به فإذا هو ممتلئ فملأت قربتي وعدت، وعدّ ذلك من كراماته رحمه الله تعالى. وفيها نور الدّين حمزة المولى العالم الرّومي الحنفي، الشهير بليس چلبي [3] . قرأ على علماء عصره، وخدم المولى خواجه زاده، ثم صار حافظا لدفتر بيت المال، والديوان في زمن السلطان محمد خان، ثم صار مدرّسا بمدرسة السلطان مراد خان ببروسا، ثم صار حافظا لدفتر بيت المال أيضا، في زمن السلطان أبي يزيد خان، ثم عزل وبقي متوطنا ببروسا وبنى بها زاوية للفقراء. ومات بها ودفن بزاويته المذكورة.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 540- 545) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 184) . [2] في «آ» : «طلبوا مني له» . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (191- 192) و «الكواكب السائرة» (1/ 181) .

وفيها علم الدّين سليمان البحيري المصري [1] المالكي العلّامة، شيخ المالكية ومفتيهم بمصر. توفي في ثامن شعبان ودفن بالصحراء بالقاهرة. وفيها الشّرف ابن وهيب [2] الإمام العالم العلّامة مفتي مدينة تعز باليمن. توفي عشية الثلاثاء عشري شوال. وفيها عبد الله بن عمر بن سليمان بن عمر بن نصر الكنّاوي [3] الصّفدي الشافعي جدّ الشيخ [4] موسى الكنّاوي لأمه. كان عالما عاملا مؤثرا للصمت والعزلة عن الناس لا يحضر مجالسهم إلّا لحضور الصّلوات والجنائز والتدريس وقراءة «صحيح البخاري» على كرسي بصوت حسن ونغمة طيبة وترتيل وتأن وحضور قلب وسكون جوارح. وكان يقرر معاني الأحاديث لمن يحضر مجلسه. وكان إماما بالمسجد الذي يجري إليه الماء خارج كفركنا، وكان يفتي أهل تلك البلاد ويقرئ الطلبة في الحديث والفقه والفرائض والنحو ومكث على ذلك نحو خمسين سنة، وكان صوته في القرآن [5] لطيفا، ومع ذلك كان يسمعه من يستمع [6] لقراءته [7] وهو يتهجد في هدوء الليل من نحو ميل وانتفع كثيرا بابن أرسلان ولازمه بالقدس الشريف مدة. وتوفي ببلده [8] كفركنّا [9] في غرة شوال وهو في عشر التسعين.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 211) . [2] ترجمته في «النور السافر» (62) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 218) . [4] ليست اللفظة في «ط» . [5] في «آ» : «في القراءة» . [6] في «ط» : «يتسمع» . [7] ليست اللفظة في «ط» . [8] في «آ» : «ببلدة» . [9] كفركنّا: قرية تقع شرقي مدينة الناصرة. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 470) و «معجم بلدان فلسطين» للشرّاب ص (628) .

وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن حسن الشّاوي [1] الشافعي [2] الشيخ الإمام شيخ الإسلام. توفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان. وفيها محبّ الدّين، أبو الفضل محمد بن عرب [3] المصري الشافعي الإمام العلّامة، أقضى القضاة خليفة الحكم العزيز بالديار المصرية. قال الحمصي: كان عالما، فاضلا، مفننا، ذكيا، فقيها، كثير الأدب. توفي بالقاهرة ثامن عشري المحرم. وفيها أقضى القضاة شمس الدّين محمد بن عيسى الدمشقي الحنفي [4] الإمام العلّامة قاضي دمشق ومفتيها. قال الحمصي: كان عالما فاضلا مفنّنا يعرف صناعة التوريق والشهادة معرفة تامّة ذكيا متضلعا من العلوم محجاجا لا يجاري في بحثه. توفي بدمشق في رجب ودفن بالصّالحية وتأسّف الناس عليه. وفيها أقضى القضاة بدر الدّين محمد بن الشيخ العلّامة شمس الدّين محمد القرافي [5] المالكي خليفة الحكم بالديار المصرية. كان إماما علّامة. توفي بالقاهرة يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة، ودفن بالصحراء وكانت جنازته حافلة. وفيها أمين الدّين محمد بن شيخ الإسلام شمس الدّين محمد

_ [1] في «آ» : «النشاوي» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 38) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 57) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) . [5] ترجمته في «متعة الأذهان» (99) .

الجوجري [1] المصري الشافعي- شارح «الإرشاد» - والده [2] . كان هو شابا عالما فاضلا بارعا مفننا توفي بالقاهرة مستهلّ صفر. وفيها شمس الدّين محمد بن أبي عبيد المقرئ الشافعي [3] الإمام العالم العلّامة خليفة الحكم العزيز بالقاهرة. قال الحمصي: كان فاضلا ذكيا مفننا. توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشري شهر [4] رمضان وكانت جنازته حافلة. وفيها- تقريبا- بدر الدّين محمود بن محمد الرّومي الحنفي [5] العالم الفاضل. كان إماما للسلطان أبي يزيد خان ثم ولاه قضاء العسكر بولاية أناضولي [6] سنة إحدى عشرة بعد أن ولّاه قضاء بروسا أكثر من عشر سنين، ثم عزل عن قضاء العسكر، وأعطى تقاعدا عنه كل يوم مائة عثماني ومات بعد زمن يسير. قال في «الشقائق» : كان كريم النّفس حميد الأخلاق محبّا للعلماء والصّلحاء، رحمه الله تعالى. وفيها شرف الدّين موسى بن عبد الغفار المالكي [7] خليفة الحكم العزيز بالقاهرة وكاتب مستندات السلطان الغوري. كان إماما علّامة. توفي يوم الجمعة خامس عشري رجب.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 20) . [2] في «آ» : «ولدة» ولعله تصحيف. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 29) . [4] ليست اللفظة في «آ» . [5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (188) و «الكواكب السائرة» (1/ 303) و «الفوائد البهية» (210) . [6] في «أ» : «بولايته أناطولي» . [7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 39) .

سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

سنة ثلاث عشرة وتسعمائة فيها غلب الفرنج على مدينة هرموز وأخذوها [1] . وفيها توفي السّيد الشريف برهان الدّين إبراهيم بن محمد الحسني [2] نقيب الأشراف بدمشق. ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. قال الحمصي: وكان رجلا شجاعا مقداما على الملوك، ووقع له مع السلطان الأشرف قايتباي وقائع يطول شرحها. ومات بالقاهرة وهو يومئذ نقيب الأشراف بدمشق في يوم الخميس خامس المحرم وأسند الوصايا على أولاده لكاتب الأسرار المحبّ بن أجا. قال ابن طولون: وتقلّد أمورا في حياته وبعد موته، رحمه الله تعالى. وفيها برهان الدّين إبراهيم الدّميري [3] المالكي قاضي قضاة المالكية بالقاهرة. كان إماما علّامة. توفي ببيته [4] بالقرب من الصالحية بين القصرين من القاهرة في يوم الأربعاء ثالث عشري رمضان، وكان سبب موته خطبته بين يدي السلطان الغوري لما أراد أن يسمع الخطباء.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (62) وهرموز: فرضة كرمان. انظر «تقويم البلدان» ص (23) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 100- 101) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) . [4] في «آ» : «في بيته» .

وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن خليل الحاضري [1] الأصل ثم الحلبي الحنفي، عرف بابن خليل [2] . أخذ عن الحافظ برهان الدّين الحلبي سبط ابن العجمي. وكان إماما علّامة يفتي بحلب ويعظ بجامعها، وكان وعظه نافعا يكاد يغيب فيه لفرط خشوعه، وكان ديّنا خيّرا تلمذ له شيخ الشيوخ بحلب الموفق بن أبي ذر المحدّث. قال ابن الحنبلي: وأخبرني أنه كان يتمثل بقول القائل: وكان فؤادي خاليا قبل حبّكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح فلما دعا قلبي هواك أجبته ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح وتوفي بحلب وتأسف الناس عليه. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي المقرئ القاهري [3] ، شيخ القراء بها. كان إماما عالما. توفي يوم الأحد عاشر القعدة. وفيها شهاب الدّين أحمد الأعزازي الدمشقي الصّالحي [4] . كان صالحا مباركا ديّنا ناب في القضاء بدمشق. وتوفي بها في نهار الجمعة ثالث عشر ربيع الأول، وصلّي عليه بالأموي بعد صلاة الجمعة ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها شهاب الدّين أحمد الخشّاب الدمشقي العلّامة الشافعي [5] .

_ [1] في «أ» : «الحاصري» . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 130) و «الكواكب السائرة» (1/ 130) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 139) . [4] ترجمته في «متعة الأذهان» (14) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 150) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) .

كان خطيبا بجامع القصب. وتوفي في ذي الحجّة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد الزّهيري [1] الصّالحي [2] ثم الدمشقي الشاب الفاضل. قال ابن طولون: اشتغل معنا على الشيخ محمد بن رمضان وغيره وبحث. وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول، ودفن بمقابر باب الصغير. انتهى. وفيها نجم الدّين طلحة بن محمد بن يحيى الجهمي صاحب «المصباح» . كان إماما فقيها جليلا. توفي باليمن ببلدة من أصاب ودفن هناك بجوار جدّه يحيى بن أحمد الجهمي وكثر عليه الأسف. وفيها زين الدّين عبد الغفار المصري [3] الضرير الشافعي الإمام العلّامة المفنّن. قال الحمصي: مات قتلا ببلدة يقال لها مطبوس بالقرب من الإسكندرية. قال: وسبب ذلك أن هذه كانت جارية في أقطاع الأمير طرباي [4] رأس نوبة النوب وبها رجل متدارك لمالها اسمه ابن [5] عمرو فوقع بينه وبين أهل البلدة لفسقه وظلمه

_ [1] في «آ» : «ابن الزهيري» . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 14) ، و «الكواكب السائرة» (3/ 127) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 240) . [4] في «الكواكب» : «طراباي» . [5] في «الكواكب» : «أبو» .

فشكوا حالهم للأمير طرباي فأرسل أخاه للبلد يحرر ذلك، فلما حضر شكا أهل البلدة إليه ظلم ابن عمرو فضرب أخو طرباي واحدا من أهل البلدة بالدبوس فرجمه أهل البلدة فأمر بضرب السيف فيهم فقتل منهم ما يزيد على ثلاثين نفرا فقال الشيخ عبد الغفار: هذا ما يحل فضربت عنقه وألقى في البحر فساقه البحر إلى قرية تسمى كوم الأفراح [1] بها جمع من الأولياء فدفن بها وكانت له جنازة لم يشهد مثلها، وكان قتله رحمه الله تعالى يوم الجمعة سادس المحرم.

_ [1] في «آ» : «كوم الأفراح» ولعله تحريف.

سنة أربع عشرة وتسعمائة

سنة أربع عشرة وتسعمائة فيها كان حريق عظيم بمدينة عدن احترق به من الآدميين نحو ثلاثين نفسا وتلف من الأموال والبيوت ما لا يحصى [1] . وفيها توفي الشيخ العارف بالله تعالى إبراهيم الشاذلي المصري [2] . كان ينفق نفقة الملوك ويلبس ملابسهم، وذلك من غيب الله تعالى لا يدري أحد له جهة معينة تأتيه منها الدنيا ولم يطلب الطريق حتى لحقه المشيب فجاء إلى سيدي محمد المغربي الشّاذلي وطلب منه التربية فقال له يا إبراهيم، تريد تربية بيتية وإلا سوقية. فقال له: ما معنى ذلك؟ قال: التربية السوقية هي أن أعلمك كلمات في الفناء والبقاء ونحوهما، وأجلسك على السجادة، وأقول لك خذ كلاما وأعط كلاما من غير ذوق ولا انتفاع. والتربية البيتية بأن تفني اختيارك في اختياري، وتشارك أهل البلاء [3] ، وتسمع في حقك ما تسمع فلا تتحرك لك شعرة اكتفاء بعلم الله تعالى. فقال أطلب التربية البيتية. قال: نعم لكن لا يكون فطامك إلّا بعدي [4] على يد الشيخ أبي المواهب. وكان الأمر كذلك، ولذلك لم يشتهر إلا بالمواهبي، ثم قال له الشيخ محمد: قف غلاما اخدم البيت والبغلة، وحسّ الفرس، وافرش تحتها الزبل، وكب التراب، فقال: سمعا وطاعة. فلم يزل يخدم عنده حتّى مات، فاجتمع على سيدي أبي المواهب ولم يزل عنده يخدم كذلك ولم يجتمع مع الفقراء في قراءة حزب ولا غيره حتّى حضرت سيدي أبا المواهب الوفاة فتطاول

_ [1] انظر «النور السافر» ص (90) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 110) و «معجم المؤلفين» (1/ 37) . [3] في «الكواكب» : «البلاد» . [4] في «أ» : «بهدي» .

جماعة من فقرائه إلى الأذن فقال الشيخ: هاتوا إبراهيم فجاءه، فقال: افرشوا له السجادة فجلس عليها وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق فأبدى الغرائب والعجائب، فأذعن له الجماعة كلهم. وكان له ديوان شعر وموشحات، وشرح «حكم ابن عطاء الله» شرحا حسنا. وتوفي في هذه السنة ودفن بزاويته بالقرب من قنطرة سنقر وقبره بها ظاهر يزار. وفيها القطب الرّباني شمس الشّموس أبو بكر بن عبد الله باعلوى [1] . قال في «النور السّافر» : ولد بتريم- وتريم بتاء مثناة فوقية، ثم راء مكسورة، ثم تحتية، ثم ميم، على وزن عظيم: بلدة من حضرموت، أعدل أرض الله هواء وأصحّها تربة، وأعذبها ماء. وهي قديمة معشش الأولياء ومعدنهم ومنشأ العلماء [2] وموطنهم، وهي مسكن الأشراف آل باعلوى. روي أن الفقيه محمد بن أبي بكر عبّاد، رحمه الله تعالى، كان يقول: إذا كان يوم القيامة أخذ أبو بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، آل تريم كلهم قبضة في يده، ورمى بهم في الجنّة [3] . قال في «النّور» : ولما كانت خير بلاد الله بعد الحرمين وبيت المقدس أكرمها الله تعالى بخير عباده، وأكرمهم عليه الذين زيّنهم باتباع السّنّة الغرّاء، مع صحة نسبهم المتصل بالسيدة الزّهراء، ويذكر أنها تنبت الصّالحين كما تنبت الأرض البقل، واجتمع بها في عصر واحد من العلماء الذين بلغوا رتبة الإفتاء ثلاثمائة رجل، وإن بتربتها ممن شهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغيرهم من الصّحابة سبعين نفرا. انتهى ملخصا. ثم قال في «النور» : ولد المترجم بتريم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وأخذ عن عمّه الشيخ علي والفقيه محمد بن أحمد بالفضل، وقرأ الكثير، وأجازه علماء الآفاق كالسخاوي، والشيخ يحيى العامري اليمني، وغيرهما.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» (81) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 113- 114) و «معجم المؤلفين» (3/ 65) . [2] في «آ» : «ومنشأ الأولياء» . [3] قلت: هذا من مبالغات الصوفية وما أكثرها في ذلك العصر وكل عصر.

وعدّه جار الله بن فهد في «معجمه» من شيوخه في الحديث. وقد ذكر العلّامة محمد بن عمر بحرق في كتابه «مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس» : من مناقبه جملة كافية شافية تنشرح بمطالعتها الصدور. ثم قال في «النّور» : وكان من أكابر الأولياء، بل هو قطب زمانه كما شهد به العارفون بالله تعالى شرقا وغربا ولم يمتر في ذلك ذو بصيرة من أهل الطريق، وكان في الجود آية من آيات الله تعالى، يذبح لسماطه في رمضان كل يوم ثلاثين كبشا، ولذلك بلغت ديونه مائتي ألف دينار، فقضاها الأمير الموفق ناصر الدّين بالحلوان في حياته، فإنه كان يقول: إن الله وعدني أن لا أخرج من الدنيا إلّا وأدى عني ديني. وحكى من مجاهداته أنه هجر النوم بالليل أكثر من ثلاثين سنة، ومن كراماته أنه لما رجع من الحجّ دخل زيلع [1] ، وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق، فاتفق أنه ماتت أم ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفا بها، فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدّة الجزع ليعزيه ويأمره بالصّبر، وهي مسّجاة بين يديه بثوب، فعزّاه وصبّره فلم يفد فيه ذلك، وأكبّ على قدمي الشيخ يقبّلهما، وقال: يا سيدي إن لم يحي الله هذه متّ أنا أيضا، ولم تبق لي عقيدة في أحد، فكشف سيدي عن وجهها وناداها باسمها فأجابته: لبيك، وردّ الله روحها وخرج الحاضرون، ولم يخرج سيدي الشيخ حتى أكلت مع سيدها الهريسة وعاشت مدة طويلة. قال: وقد صنّف في مناقبه غير واحد من العلماء الأعلام. وله مؤلّفات منها ثلاثة «أوراد» بسيط، ووسيط، ووجيز، وديوان شعر منه: أنا الجواد ابن عبد الله إن عرضت ... للجود مكرمة إني لها الشاري وإني العيدروس ابن البتول إذا ... حرّ تسلسل من أصلاب أطهار أما ترى أنّني قضيت دين أبي ... وكان ذاك ثلاثون ألف دينار مجدي قديم أخير لا يسايره ... مجد لما حزت من صبر وإيثار

_ [1] في «ط» : «زليع» وهو خطأ، وزيلع: موضع. قال الهمداني: هي جزيرة في بلاد الحبشة. انظر «معجم ما استعجم» (1/ 706) .

توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر شوال بعدن وقبره بها أشهر من الشمس الضاحية يقصد للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة. انتهى ملخصا قلت: ولعله هو مبتكر القهوة المتقدم ذكره في سنة تسع وتسعمائة، فليحرر، والله سبحانه وتعالى أعلم. وفيها شهاب الدّين أحمد بن كرك الصّالحي الحنفي [1] العدل. قال ابن طولون: اشتغل على شيخنا الزّيني بن العيني وغيره، وذهب إلى مصر صحبة التاج نائب ديوان القلعة، فمرض في بيت أمير مجلس سودون العجمي، فتوفي يوم السبت تاسع عشر شوال وأوقف وقفا على ذريته وعتقائه وقراءة بخاري. انتهى وبخط القاضي أكمل بن مفلح هذا جدّ والدتي أبو أمها وهو حلبي الأصل يعرف بابن شموا معلم دار الضرب بها ولابن شموا وقف بحلب، وفي آخره كتبه أكمل بن ستيته بنت آمنة بنت أحمد بن كرك. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن عيد الحنفي [2] ولي نيابة القضاء بالقاهرة، وسافر إلى دمشق، وولي بها نيابة القضاء عن ابن يوسف، وتزوج بدمشق زوجة القاضي إسماعيل الحنفي، وطلع هو وهي إلى البستان بالمزّاز [3] فنزل عليه السّراق ليلا فقتلوه وقتلوا غلامه، فأصبح نائب الشام سيباي رسم على زوجته بسببه، وكان ذلك يوم الخميس ثاني عشري ذي الحجة. قاله في «الكواكب» . وفيها محيى الدّين عبد القادر بن محمد بن عثمان بن علي المارديني [4] الأصل الحلبي المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشافعي، الشهير بالأبّار. هو وأبوه

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) وفيه «أحمد بن كركر» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) . [3] في «آ» : «بالمزار» ولعل المقصود هنا إحدى قرى غوطة دمشق. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 241) .

لأنه كان يصنع الإبر بحانوت له، ثم اشتغل بالعلم ورحل في طلبه، وأخذ الحديث عن السّخاوي، وكتب له إجازة حافلة، وسمع منه المسلسل بالأولية وغيره وأخذ الفقه، وغيره عن الشمس الجوجري. وغيره، وأجازه وأذن له بالإفتاء، وأثنى عليه، ومدحه وأنشده لنفسه ملمحا ومضمنا [1] . كانت مساءلة الركبان تخبرنا ... عن علمكم ثم عنكم أحسن الخبر ثم التقينا وشاهدت العجائب من ... غزير علم حمته دقة النّظر فقلت حينئذ والله ما سمعت ... أذناي أحسن مما قد رأى بصري وبالجملة فقد برع وساد، وأكب واجتهد، حتّى صار فقيه حلب ومفتيها. وأخذ عنه فضلاؤها، كالبرهان العمادي، والزّين بن الشّماع، وكان مع البراعة حسن العبارة، شديد التحرّي في الطّهارة، طارح التكلّف، ظاهر التقشف، حسن المحادثة، حلو المذاكرة، اتّفق على محبته الخاصّ والعام. وكانت علامة القبول والصّدق ظاهرة في أقواله وأفعاله. قال ابن الحنبلي: وكان يقول نحن من بيت بماردين مشهور ببيت رسول، وجدنا الشيخ أرسلان الدمشقي غير أني لا أحب بيان ذلك خوفا من أن أنسب إلى تحميل نسبي على الغير وأن يقدح في بذلك. وتوفي في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة. وفيها بدر الدّين محمد بن جمعة الفيّومي الحنفي [2] أحد أعيان علماء مصر ومشاهيرهم. دخل إلى الرّوم مرتين ودخل فيهما دمشق. قال النجم الغزّي: وكتب بدمشق عند جوازه بها قاصدا للملك أبي يزيد بن عثمان في نصف صفر سنة ست وتسعين وثمانمائة لغزا صورته [3] :

_ [1] في «أ» : «مضمنا» من دون الواو. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 36) . [3] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 36- 37) .

يا من له أدب وفضل لا يحد ... ومحاسن فوق الحساب فلا تعد ويحل إن نفث البليغ معانيا ... في مبهمات اللّفظ فهي لها عقد ما اسم تركّب من حروف مثلما ... قد قامت الأركان منّا بالجسد فاعجب لها من أربع قد ركّبت ... فردين مع زوجين في اللّفظ انعقد فرد وزوج أوّلان اتّصلا ... كأنّ ذا وذاك روح وجسد وآخران انفصلا بعدهما ... كعاشق معشوقه عنه انفرد فبين فردين أتى زوج كذا ... ما بين زوجين لنا فرد ورد والأول النصف لثان عدّه ... والثالث النصف لرابع العدد والثالث الثلث الأوّل كما ... رابعه ثلث لثانيه يعد وعدّ حرف منه ساوى عدد ال ... باقي لمن قابل ذا بذا وعد حرف له نصف وحرف ثلث ... وحرف السدس حسابا لن يرد ذاك ثلاثة وهذا اثنان وال ... لآخر إن تطلبه واحد أحد يلقى الذي يلقاه أو لم يلقه ... جوى بقلب واجب طول الأبد قد بان ما قد بان من لغز يرى ... طردا وعكسا في نظام اطّرد فهاك لغزي إن ترد جوابه ... تجده دونه بدا يا ذا الرّشد فأت به مبيّنا مفصّلا ... وحلّ ما في النّظم حلّ وانعقد فأجابه شيخ الإسلام الجدّ بقوله [1] : يا سيّدا حاز الفضائل وانفرد ... بمعارف قد جدّ فيها واجتهد ما زلت تبدي كلّ حين تحفة ... بعجائب من بحر عرفان تمد [2] أرسلت لي لغزا بديعا وصفه ... عقدته بنوادر لا تنتقد في اسم تركّب من حروف أربع ... معلومة مثل الطبائع في العدد

_ [1] أبيات الجواب في «الكواكب السائرة» (1/ 37) . [2] في «ط» : «ثمد» وهو تحريف.

فردين مع زوجين فيها ركّبا ... من أول مع آخر أيضا ورد مع ما ذكرت به من الألغاز في ... نظم ببحر كامل منه استمد وطلبت فيه جواب ما ألغزته ... منّي بتفصيل يحلّل ما انعقد وجواب لغزك بيّن أوضحته ... بصريح لفظ فيه بالمعنى اتّحد النصف منه الربع أو إن شئت قل ... نصف وربع نصفه من غير رد والربع نصف ربعه أو ضعفه ... من طرده أو عكسه حيث اطّرد والربع نصف سدسه أو سدسه ... هندسة ما ثمّ من لها جحد والقلب واجبا إذا انتدبته ... لذا وليس خافيا على أحد وهو الصواب إن حذفت أوّلا ... عوّضته بسورة بلا فند وهو الجوى بحذف آخر وإن ... يبدل بدال فجواد ذو مدد وإنه المسؤول عنه ظاهرا ... فدم بجنّة الرّضا إلى الأبد توفي الشيخ بدر الدّين بن جمعة صاحب الترجمة في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة. انتهى. وفيها محمد بن زرعة المصري [1] أحد أتباع الشيخ إبراهيم المتبولي. قال المناوي في «طبقاته» : كان مشمولا بالبركة، مقبولا في السكون والحركة، أعلام ولايته مشهورة، وألوية مصارفه منشورة، وكان زمنا أقعده الفقراء بقنطرة قد يدار، ولم يزل قاعدا بالشباك الذي دفن فيه، وكان يتكلم ثلاثة أيام ويسكن ثلاثة أيام، ويتكلم على الخواطر. انتهى. توفي في هذه السنة ودفن في الشباك الذي كان يجلس فيه. وفيها شمس الدّين [2] محمد بن محمد [2] بن إسماعيل الشيخ الإمام العالم العلّامة الصالح الشهير بالقيراطي [3] الدمشقي الشافعي.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 50) . [2] ليس ما بين الرقمين في «ط» . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 99) و «الكواكب السائرة» (1/ 13) .

ولد في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. قال الحمصي: وكان فاضلا مفننا، حفظ «المنهاج» للنّووي، والتصحيح الكبير عليه للشيخ نجم الدّين بن قاضي عجلون. وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر رمضان. وفيها أقضى القضاة محيى الدّين يحيى بن شهاب الدّين أحمد بن حسن بن عثمان الزّرعي الشهير بالأخنائي [1] الشافعي خليفة الحكم العزيز بدمشق. ولد في خامس عشر رمضان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وخطب مرة بالجامع الأموي عن قريبه قاضي القضاة نجم الدّين بن شيخ الإسلام تقي الدّين بن قاضي عجلون لضعف حصل للخطيب سراج الدّين الصّيرفي، فحصل له ارتعاد في الخطبة وكان ذلك تاسع شوال هذه السنة ثم توفي يوم الاثنين سابع القعدة ودفن بباب الصغير عند أبيه وأخيه غربي القلندرية.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 105) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 313) .

سنة خمس عشرة وتسعمائة

سنة خمس عشرة وتسعمائة فيها كما قال في «النّور» ظهر في السماء في أواخر [1] الليل من مطلع العقرب على هيئة قوس قزح أبيض له شعاع وهو أزج له رأس مائل نحو مطلع سهيل واستدام يطلع كل ليلة في الوقت المذكور نحو ثلاث عشرة ليلة ثم اضمحل [2] . وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن حسن الشيخ العلّامة النّبيسي الشّيشري [3] ، ونبيس قرية في حلب والشّيشر من بلاد العجم. قاله النّجم وقال: كان من فضلاء عصره، وله مصنّفات في الصّرف، و «قصيدة تائية» في النحو لا نظير لها في السلاسة، وله «تفسير» من أول القرآن إلى سورة يوسف، ومصنّفات في التصوف، وقتل في أرزنجان قتله جماعة من الخوارج. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد الإمام العالم المحدّث الدمشقي الشافعي، الشهير بابن طوق [4] . ولد في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. وتوفي يوم الأحد ثالث أو رابع رمضان بدمشق.

_ [1] في ط: «آخر» . [2] انظر «النور السافر» ص (91) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 110) . [4] ترجمته «متعة الأذهان» (ق 17) و «الكواكب السائرة» (1/ 126) .

وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عثمان الشيخ الإمام الفرضي الشهير بابن أمير غفلة الحلبي [1] الحنفي. قال ابن الحنبلي: كان عالما عاملا، منوّر الشيبة حسن السّمت، فقيها فرضيا حيسوبا. تلمذ للعلّامة الفرضي الحيسوب جمال الدّين يوسف الإسعردي [2] ثم الحلبي، وعلّق على «نزهة الحساب» تعليقا [حسنا] [3] ، حمله على وضعه شيخنا العلّامة الموصلي كما نبه على ذلك في ديباجته. ولم يزل على ديانته يتعاطى صنعة التجارة إلى أن مات، وكان الناس مضطرين إلى الغيث، فأنزله الله في أول ليلة مكث في قبره، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها فقيه بيت الفقيه باليمن عبد الله بن الخطيب بن أحمد بن حشيبر اليمني [4] . قال في «النور» : توفي ببلده يوم الاثنين خامس عشر ربيع الآخر، وكان فقيه بلده وعالمها. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ الإمام القدوة الزاهد الرّبّاني [5] الدمشقي الصالحي الحنبلي [6] . حفظ القرآن العظيم ثم قرأ «المقنع» وغيره، واشتغل وحصّل، وأخذ الحديث عن ابن زيد، وابن عبادة وغيرهما، وكان يقرئ الأطفال في مكتب مسجد ناصر الدّين غربي مدرسة أبي عمر. وكان يقرأ «البخاري» في البيوت والمساجد وجامع الحنابلة بسفح قاسيون،

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 127) «وفيه: وكذا بابن قريمزان» و «الكواكب السائرة» (1/ 126) وفيه (نائب قريمزان) . [2] له ترجمة في «درّ الحبب» (2/ 2/ 598) . [3] الاستدراك عن «درّ الحبب» . [4] ترجمته في «النور السافر» (91) . [5] كذا في «ط» : «الرّباني» وفي «آ» : «الدنابي» وفي «السحب الوابلة» : (الذنابي) . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 225) و «السحب الوابلة» (195) .

وكان إذا ختم البخاري في الجامع المذكور يحضر عنده خلائق فإنه كان فصيحا وله في الوعظ مسلك حسن، ثم انجمع في آخر عمره عن الناس وقطن بزاوية المحيوي الرّجيحي بالسهم الأعلى إماما لها وقارئا ل «البخاري» . وتوفي في هذه السنة ودفن بالروضة. وفيها العارف بالله تعالى عبد القادر بن محمد بن عمر بن حبيب الصّفدي [1] الشافعي صاحب التائية المشهورة. قال في «الكواكب» : أخذ العلم والطريق عن الشيخ العلّامة الصالح شهاب الدّين بن أرسلان الرّملي صاحب الصفوة وعن غيره. وكان خامل الذكر بمدينة صفد مجهول القدر عند أهلها، لا يعرفون محلّه من العلم والمعرفة. وكان يقرئ الأطفال ويباشر وظيفة الأذان حتى لقيه سيدي علي بن ميمون، فسمع شيئا من كلامه، فشهد له بالذوق وأنه من أكابر العارفين، وأعيان المحبين، فهنالك نشر ذكره، وعرف الناس قدره، كما ذكر ذلك الشيخ علوان الحموي في أول «شرح تائية ابن حبيب» . قال النجم: وحدثني بعض الصالحين الثقات أن السيد علي بن ميمون كان سبب رحلته من المغرب طلب لقي جماعة أمره بعض رجال المغرب بلقيّهم [2] منهم ابن حبيب، وأنه لا يزال يتطلع ويتنشق ويتصفح البلاد والناس حتى دخل صفد فتنشق أنفاس ابن حبيب فدخل عليه المكتب، فأضافه الشيخ عبد القادر وأكرمه، ثم لما أطلق الأولاد قال لابن ميمون: يا رجل إني أريد أن أغلق باب المكتب، فنظر إليه سيدي علي وقال: أعبد القادر أما كفاك ما أتعبتني حتى تطردني الآن فقال له يا أخي استرني قال: بل والله لأفضحنك وأشهرنّك، فما زال به حتى أشهره. انتهى ملخصا. وقال الشيخ علوان: هذا وهو متسبب بأسباب الخمول، متلبس بأمور لا

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 242- 246) . [2] في «آ» : «يلقيهم» وفيه تصحيف.

تسلمها علماء النقول، ولا تسعها [1] منهم العقول، إذ كان ممن أقيم في السماع وكشف [2] القناع، والضرب ببعض الآلات، والبسط والخلاعات، ثم اعتذر عن ضربه بالآلات، بما هو مذكور في «شرح التائية» . وبالجملة فكان ابن حبيب، رضي الله عنه، متسترا بالخلاعة، والنفخ في المواصيل، والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل، كل ذلك لأجل التستر ويأبى الله إلّا أن يتم نوره، ويظهر أمره، حتى رسخ في النّفوس أنه من كمّل [3] العارفين، وكان حيثما سمع الأذان وقف وأذّن، وكان ربما مشى بدبّوس أمام نائب صفد، وكان لا يمكن أحدا من تقبيل يده، وإنما يبادئ بالمصافحة، ويطوف على أهل السوق، فيصافحهم في حوانيتهم واحدا واحدا، وكان يداعب الناس ويباسطهم، وكان يقول يأتون فيقولون: سلكنا وغزلهم معرقل، وكان يقول: لو جاءني صادق لطبخته في يومين، وكان في ابتدائه يثور به الغرام، وتسري فيه المحبة والشوق حتى يفيض على رأسه الماء من [4] إناء كبير فلا يصل إلى سرته من شدة الحرارة الكائنة في بدنه، وكان ينفرد الأيام والليالي في البراري والصّحاري حتى فجأته العناية ووافقته [5] الهداية، وجاءته الفيوض العرفانية، والمواهب الربانية، وكان لا يتكلم في رمضان إلّا بالإشارة خوفا من النطق بما لا يعني، وكان لا يقبل هدايا الأمراء، وإذا جاءته رسالة من إخوانه لا يأخذها إلّا وهو متوضئ. وقال: مرة لبعض أصحابه: تقدم فامش أمامي، ثم أخبره عن سبب ذلك أنه كان معه كتاب فيه بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 ففعل ذلك تعظيما. وكان مبتلى بأمراض وعلل خطيرة حتى عمّت سائر جسده، وربما طرحته في الفراش، وهو على وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئا بإحضار الشهوة ومنعها إياها أياما. وكان يعتقد ابن عربي اعتقادا زائدا، ويؤول كلامه تأويلا حسنا.

_ [1] ليست اللفظة في «آ» . [2] في «آ» : «وقشف» وهو تحريف. [3] في «ط» : «أكمل» . [4] في «ط» : «في» . [5] في «أ» : «وافقه» وفي «الكواكب» : «وافته» .

ومن شعره الدال على علو همّته، وسمو رتبته، «التائية» التي ذيّل بها على أبيات الشافعي رضي الله تعالى عنه، التي أولها: لمّا عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من حمل المشقّات وقد تلقاها الناس بالقبول وأداروا أبياتها فيما [1] بينهم إدارة الشمول وخدمت بالشروح، وهي جديرة بذلك. وقد اتفق لناظمها أنه رأى روحانية النبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو يقظان، وعرضها عليه، وأصلح له بعض أبيات، وكان إذا ذكر فيها وصفا حسنا قال له: بلّغك الله ذلك يا عبد القادر، وإذا نفر من وصف قبيح قال له: أعاذك الله من ذلك يا عبد القادر. ومن شعره أيضا: أنا الضّيغم الضّرغام صمصام عزمها ... على كلّ صعب في الغرام مصمم وما سدت حتّى ذقت ما الموت دونه ... كذا حسن عشقي في الأنام يترجم وتوفي بصفد يوم الأحد عاشر جمادى الأولى. وفيها- تقريبا- زين الدّين عبد القادر المنهاجي [2] الإمام العلّامة المقرئ الشافعي المعروف بالمنهاجي نزيل مكة المشرفة. قرأ على البرهان العمادي أحاديث من الكتب الستة، وأجازه برباط العبّاس. وفيها عبد الودود الصواف [3] الشيخ الصّالح العابد الزّاهد المقيم بنواحي قلعة الجبل بالقاهرة، وكان ينسج الصّوف ويتقوت [4] منه، وكانت عمامته قطعة من الصّوف الأحمر. وكان سيدي محمد بن عنان يقصده بالزيارة، وكانت له مكاشفات وعلي أنس عظيم. وفيها علاء الدّين علي بن ناصر المكّي الإمام العلّامة الشافعي [5] .

_ [1] ليست اللفظة في «آ» . [2] ترجمته في «الكواكب» (1/ 254) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 257) . [4] في «ط» : «يتقوت» بدون الواو. [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 278) .

أخذ «صحيح البخاري» عن المسند زين الدّين عبد الرحيم المكي الأسيوطي، وعن غيره، وتفقّه بالشّرف المناوي عن الولي بن العراقي عن أبيه عن ابن النعماني عن النووي. ومن مؤلفاته «مختصر المنهاج» وشرحه وتأليف في الحديث والتفسير والأصول. وأجاز البرهان العمادي. وفيها شرف الدّين موسى بن أحمد النّحلاوي [1] الأصل الحلبي الدار الأردبيلي الخرقة الشافعي المذهب الشهير بالشيخ موسى الأريحاوي لسكناه بأريحا قديما، وكان إماما عالما، زاهدا صوفيا، فتح الله تعالى عليه من غير تعب بل من فضل الله تعالى. وتوفي في أواخر ذي الحجة بحلب ودفن بتربة الخشّابين داخل باب قنسرين. وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن علي الصّمودي [2] المالكي القاضي. كان فقيها فاضلا، ناب عن العفيف بن حنبل قاضي المالكية بحلب وكتب بها على الفتوى. وفيها محيي الدّين يحيى بن كمال الدّين محمد بن سلطان الحنفي [3] . كان عالما فاضلا. توفي بمكة المشرّفة رابع عشر ذي الحجة. وفيها جمال الدّين محمد الطيب بن إسماعيل مبارز اليمني [4] . قال في «النور» : كان فقيها إماما عالما عاملا علّامة فهّامة مدقّقا. توفي عشية يوم الاثنين خامس شهر ربيع الآخر. انتهى، والله تعالى أعلم.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 501) و «الكواكب السائرة» (1/ 308) . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 200) . [3] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر والمراجع. [4] ترجمته في «النور السافر» (91) .

سنة ست عشرة وتسعمائة

سنة ست عشرة وتسعمائة فيها كما قال في «النور» : انقض كوكب عظيم من نصف الليل آخذا في الشام وأضاءت الدّنيا لذلك إضاءة عظيمة حتّى لو أن الإنسان حاول رؤية الذرّ لم يمتنع عليه ثم غاب في الجهة الشامية وبقي أثره في السماء ساعة طويلة [1] . وفيها زلزلت مدينة زبيد زلزالا شديدا ثم زلزلت مرة أخرى ثم ثالثة وانقض في عصر ذلك اليوم كوكب عظيم من جهة المشرق آخذا في جهة الشام ورئي نهارا وحصل عقبه رجفة عظيمة كالرّعد الشديد وزلزلت مدينة موزع ونواحيها زلزالا عظيما ما سمع بمثله واستمرت تتردد ليلا ونهارا زلازل صغار وزلازل [2] كبار، وقد أضرّت بأهل الجهة إضرارا عظيما حتى تصدعت البيوت، ولم يسلم بيت من تشعّث، وتشقّقت الأرض المعدّة للزراعة، وتهدّمت القبور واختلطت الآبار. انتهى [3] . وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون بن مسلم بن مكّي بن رضوان الهلالي الدمشقي الحنفي، المعروف بابن عون [4] مفتي الحنفية بدمشق. ولد سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وأخذ الحديث عن جماعة منهم الحافظان السخاوي والدّيمي، وترجمه الثاني في إجازته بالشيخ الإمام الأوحد المقرئ المجوّد العالم المفيد، وتفقه بجماعة منهم ابن قطلوبغا، وأخذ عنه ابن طولون.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (93) . [2] في «أ» : «زلزال صغار وزلزال كبار» وهو خطأ. [3] انظر «النور السافر» ص (93) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 101) .

وتوفي ليلة الأحد سادس عشر شوال بدمشق ودفن بباب الصغير قبلي جامع جرّاح. وفيها شهاب الدّين [1] أحمد بن شعبان [بن علي بن شعبان] [2] الإمام العلّامة العمدة. قال في «الكواكب» : أخذ العلم والحديث عن الشهاب الحجازي والشرف المناوي والجلال أبي هريرة وعبد الرحمن القمصي والمسند الشمس الملتوتي [3] الوفائي، وتلقّن الذكر من العارف بالله زين الدين الحافي الشبريسي، والجمال بن نظام الشيرازي بجامع الأزهر وغيرهما، ولبس الخرقة القادرية والسّهروردية والأحمدية من جماعات. وتوفي بغزة. وفيها السلطان العادل المجاهد أبو الفتح أحمد [4] بن محمد [5] ، صاحب كجرات من بلاد الهند. قال السخاوي في «الضوء» : ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة تقريبا. أسلم جدّه [6] مظفّر على يد محمد شاه صاحب دلي وكان عاملا له على فتن من كجرات، فلما وقعت الفتن في مملكة دلي وتقسمت البلاد كان الذي خصّ مظفرا كجرات، ثم وثب عليه ابنه وسجنه، ولم يلبث أن استفحل أمر الأب بحيث قتل ولده، ثم بعد سنين انتصر أحمد لأبيه وقتل جدّه واستقر في كجرات. وخلفه ابنه غياث الدّين، ثم ابنه قطب الدّين، ثم أخوه داود، فلم يلبث سوى أيام، وخلع واستقر أخوهم أحمد شاه صاحب الترجمة، وذلك في سنة ثلاث وستين حين كان ابن خمس عشرة سنة ودام في المملكة إلى الآن وأخذ من الكفّار قلعة

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 134) . [2] ليس ما بين القوسين في «آ» . [3] في «ط» : «الملتوني» وهو تحريف. [4] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 91- 10/ 144) و «النور السافر» (92) . [5] في «الضوء اللامع» : «محمود» . [6] في «الضوء اللامع» : «أسلم جد جده» .

الشبابانير [1] فابتناها مدينة [2] وسماها أحمد أباد، ومن جملة ممالكه كناية. انتهى وقال في «النور» : قال جار الله بن فهد أقول: وعمّر بمكة رباطا مجاور باب الدربية عرف بالكنباتية [3] ، وقرّر به جماعة ودروسا وغير ذلك، وكان يرسل لهم مع أهل الحرمين عدة صدقات، ثم قطعها لما بلغه استيلاء النظار عليها، واستمر على ولايته إلى أن توفي يوم الأحد ثاني رمضان بأحمد أباد. وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد الفرغاني [4] الإمام العلّامة الصّالح القاضي. توفي يوم الأربعاء ثامن عشري المحرم بمدينة تعز. وفيها محبّ الدّين أبو بكر أحمد بن شرف الدّين أبي القاسم محمد [5] بن محمد بن أحمد بن محمد الشيخ الإمام خطيب الخطباء بالمسجد الحرام، وإمام الموقف الشريف القرشي الهاشمي العقيلي النّويري المكي الشافعي. أخذ عن أبي الفتح المراغي، وسمع «ثلاثيات البخاري» على جدّته لأمّه أم الفضل خديجة وتدعى سعادة بنت وجيه الدّين عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن فهد المكّي، وعلى العلّامة البرهان الزّمزمي وعلى أخيه المحبّ الزّمزمي كلهم عن أبي [6] إسحاق إبراهيم بن محمد الرّسام عن الحجّار، وله شيوخ آخرون، وأجاز البرهان العمادي في السنة التي قبلها. وتوفي في هذه السنة ظنا. وفيها القاضي بدر الدّين حسن بن القاضي زين الدّين أبي بكر بن مزهر [7] كاتب أسرار القاهرة.

_ [1] في «الضوء اللامع» : «الشيابانية» . [2] تكررت اللفظة في «أ» . [3] في «النور السافر» : «باب المدينة عرف بالكبنابيتية» . [4] ترجمته في «النور السافر» (92) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 126) . [6] في «أ» : «ابن» وهو تحريف. [7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (176) .

قال في «الكواكب» [1] : صودر وحبس، ثم ضرب بحضرة السلطان الغوري، ثم عصر ثم لف القصب والمشاق على يديه وأحرقت، ثم عصر رأسه ثم أحمي له الحديد ووضع على ثدييه [2] وقطع ثديه، وأطعم لحمه، واستمرّ في العذاب إلى أن مات بقلعة مصر، وعذّب عذابا شديدا رحمه الله تعالى. وكانت وفاته يوم الأربعاء رابع رجب سنة ست عشرة وتسعمائة. انتهى قلت: الصحيح موته في اليوم المذكور من الشهر المذكور لكن سنة عشر، والله أعلم. وفيها بدر الدّين أبو علي حسن بن علي بن عبيد بن أحمد بن عبيد [3] بن إبراهيم المرداوي [4] ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي. حفظ القرآن العظيم، وعدة كتب واشتغل على جماعة من آخرهم الشيخ زين الدّين بن العيني، وقرأ عليه شرحيه على «الألفية» و «الخزرجية» وأخذ الحديث عن ابن السّلمي، وابن الشريفة، والنظام بن مفلح، ورحل مع الجمال بن المبرد إلى بعلبك، فسمع بها غالب مسموعاته، وسمع على جماعة كثيرين، وكان له خط حسن، وكان يتكسب بالشهادة وهو من شيوخ ابن طولون ومجيزيه. توفي يوم الخميس تاسع رمضان. وفيها رضي الدّين الصّدّيق بن عبد العليم [5] إقبال القرتبي [6] . قال في «النور» : كان فقيها، نبيلا، سريا. توفي عصر يوم الثلاثاء من عشر ذي الحجّة ودفن بمجنة باب القرتب بجوار مشهد الفقيه أبي بكر بن علي الحداد. انتهى

_ [1] في «أ» : «الكوكب» وهو خطأ. [2] في «ط» : «يديه» وهو تحريف. [3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 36) و «الكواكب السائرة» (1/ 178) . [4] في «الكواكب السائرة» : «المرادي» وهو تحريف. [5] ترجمته في «النور السافر» (1/ 93) . [6] في «ط» : «القربتي» وهو تحريف.

وفيها شمس الدّين علي بن موسى المشرع [1] عجيل. كان فقيها خيّرا. توفي بزبيد ليلة الاثنين خامس جمادى الأولى. وفيها- تقريبا- زين الدّين عبد الرحيم بن صدقة المكّي الشافعي [2] . كان إماما، علّامة، ورعا، زاهدا، قرأ عليه البرهان العمادي الحلبي [3] أحاديث من الكتب الستة، وأجازه برباط العباس تجاه المسجد الحرام في العشر الأول من الحجّة سنة خمس عشرة وتسعمائة. قاله في «الكواكب» . وفيها القاضي [4] جلال الدّين محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن هبة الله النّصيبي [5] الحلبي الشافعي سبط المحبّ أبي الفضل بن الشّحنة. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بحلب، وحفظ «المنهاجين» و «الألفيتين» و «جمع الجوامع» وعرض ذلك على الجمال الباعوني وأخيه البرهان، والبدر بن قاضي شهبة، والنجم بن قاضي عجلون وأخيه التقوي، وأخذ الفقه عن أبي ذرّ، والأصول والنحو عن السّلامي، وولده الزّيني عمر ثم قدم القاهرة على جدّه لأمه سنة ست وسبعين وثمانمائة، فأخذ عن الجوجري [6] وغيره، وقرأ «شرح الألفية» لابن أم قاسم على الشّمنيّ، وقرأ على السخاوي بعض مؤلفاته، وبرع، وتميّز، وناب في القضاء بالقاهرة ودمشق وحلب، وولي قضاء حماة وقضاء حلب أنشد فيه بعضهم لما ولي قضاء حماة: حماة مذ صرت بها قاضيا ... استبشر الداني مع القاصي

_ [1] ترجمته في «النور السافر» (93) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 235) . [3] في «آ» : «الحنبلي» . [4] في «أ» : «قاضي» . [5] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 236) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 69) . [6] في «أ» : «الجوهري» وهو تحريف.

وكلّ من فيها أتى طائعا ... إليك وانقاد لك العاصي وكان ذا فطنة، وحافظة مع رفاهية، وجمع تعليقا على «المنهاج» سماه «الابتهاج» في أربع مجلدات، واختصر «جمع الجوامع» وجمع كتابا كبيرا فيه نوادر وأشعار. وله شعر حسن منه تخميس الأبيات المشهورة لابن العفيف: غبتم فطرفي من الهجران ما غمضا ... ولم أجد عنكم لي في الهوى عوضا فيا عذولا بفرط اللّوم قد نهضا ... للعاشقين بأحكام الغرام رضا فلا تكن يا فتى بالعذل معترضا ... أنا الوفيّ بعهد ليس ينتقض وإن هم نقضوا عهدي وإن رفضوا ... فقلت لما بقتلي بالأسى فرضوا روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا ... عهد الوفاء الذي للعهد ما نقضا أحبابنا ليس لي عن عطفكم بدل ... وعن غرامي ووجدي لست أنتقل يا سائلي عن أحبّائي وقد رحلوا ... قف واستمع سيرة الصّبّ الذي قتلوا فمات في حبّهم لم يبلغ الغرضا ... قد حمّلوه غراما فوق ما يسع وعذّبوا قلبه هجرا وما انتفعوا ... دعي أجاب توالى سهده هجعوا رأى فحبّ فرام الصبر فامتنعوا ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى وتوفي في ثالث عشر رمضان. وفيها بدر الدّين محمد بن محمد الشّهير بابن الياسوفي [1] الدمشقي الشافعي المفتي المدرّس. ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسافر إلى القاهرة مرارا آخرها مطلوبا مع جماعة مباشري الجامع الأموي [2] في جمادي الآخرة سنة ست عشرة

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (101) و «الكواكب السائرة» (1/ 20) . [2] في «أ» : (الأموي الجامع) وفوق كل لفظة منهما حرف ميم.

وتسعمائة، فحصل له قبل دخول القاهرة توعك، واستمرّ إلى رابع يوم من وصوله إليها فتوفي يوم الاثنين تاسع رجب منها. وفيها شرف الدّين موسى بن عبد الله بن عبد الله [1] ، الشّهير بابن جماعة المقدسي [2] الشافعي الإمام العلّامة خطيب المسجد الأقصى. ولد في حادي عشري رجب سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأجازه الشيخ زين الدّين بن الشيخ خليل وغيره. قال في «الأنس الجليل» : اشتغل في العلم على والده وغيره وخطب بالمسجد الأقصى، وله نحو خمس عشرة سنة، واستقرّ في الخطابة مشاركا لبقية الخطباء هو وأخوه الخطيب بدر الدّين محمد. قال: وأعاد الخطيب شرف الدّين بالمدرسة الصلاحية وفضل وتميّز، وصار من أعيان بيت المقدس، وهو رجل خيّر من أهل العلم وعنده فصاحة في الخطبة وعلى صوته الأنس والخشوع والناس سالمون من لسانه ويده. انتهى ودخل دمشق مع والده حين أسمع والده بها غالب مسموعاته، وكان والده من الأكابر يرحل للأخذ عنه، وكان صاحب الترجمة رجلا مهيبا. وتوفي ببيت المقدس في رجب أو شعبان.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 104) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 309) . [2] في «ط» : «القدسي» وهو تصحيف.

سنة سبع عشرة وتسعمائة

سنة سبع عشرة وتسعمائة فيها كما قال في «النّور السّافر» [1] : ولدت مولودة بقرية النّويدرة من اليمن وطلب من يؤذن في أذنها فحين بلغ (أشهد أن محمدا رسول الله) سمع الطفلة تقول: (الله أكبر الله أكبر) ثلاث مرات. وفيها [2] خسف بفيل السلطان عامر بن عبد الوهاب المسمى مرزوق بقرية يقال لها الركز من زوايا الشيخ شهاب الدّين قطب زمانه أحمد بن علوان قريبا من قرية بفرس [3] وكان قد أدخله بيت بعض فقراء الشيخ كرها وسألهم ما لا طاقة لهم بتسليمه فلم يشعروا حتى غاب أكثر الفيل في الأرض من قبل رجليه فصرخ صرخات ومات ألا [4] رحم الله سائسه فكان عبرة لمن رأى ولم يقدر أحد على إخراج شيء منه من موضع الخسف [2] . انتهى. وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج بن عبد الله الحنبلي [5] مفتي الحنابلة الإمام العلّامة. ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن أبيه وغيره. وتوفي بقرية مضايا من الزّبداني ليلة الجمعة سادس عشر شعبان، وحمل ميتا إلى منزله بالصالحية، ودفن بالروضة قرب والده.

_ [1] انظر «النور السافر» (96) . [2] «النور السافر» (97) . [3] في ط: «بغرس» . [4] «ط» : «لا» . [5] ترجمته في «متعة الأذهان» ق (25) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 108) ، و «السحب الوابلة» (29) .

وفيها تقي الدّين أبو بكر بن الحافظ ناصر الدّين محمد بن زريق الحنبلي [1] الدمشقي الصالحي. كان إماما علّامة توفي يوم السبت ثاني عشر صفر. وفيها- تقريبا- أبو الخير بن نصر [2] . قال في «الكواكب» : هو شيخ البلاد الغربية [3] من أعمال مصر، ومحيي السّنّة بها. توفي في أواسط حدود هذه الطبقة، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها صفي الدّين أحمد بن عمر المزجدالي [4] . قال في «النّور» : كان فقيها إماما عالما [5] عاملا صالحا مفتيا مدرّسا. توفي ضحى يوم الخميس رابع المحرم وأسف عليه والده أسفا كثيرا وصبر. انتهى. وفيها أبو القاسم بن علي بن موسى [6] المشرع [7] . قال في «النور» : كان فقيها صالحا حصل له في ليلة الجمعة حاد عشر ربيع الأول وهو قاعد في بيته بين الناس لقراءة مولد النبي صلّى الله عليه وسلم من ضربه على رأسه فانكسر فأقام تسعة أيام ثم مات ولم يعلم قاتله ودفن بمرجام إلى جنب أبيه وجده انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد الفيّومي [8] . قال في «الكواكب» : هو الشيخ العلّامة خطيب جامع بردبيك بدمشق وهو

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 113) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 120) . [3] في «أ» «العربية» وهو تصحيف. [4] ترجمته في «النور السافر» (96) . [5] ليست اللفظة في «ط» . [6] في «ط» : «أبو موسى» وهو تحريف وانظر «النور السافر» . [7] ترجمته في «النور السافر» (97) . [8] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 151) .

المعروف بالجامع الجديد خارج بابي الفراديس والفرج [أي وهو المعروف الآن بجامع المعلق] [1] . توفي ثاني شهر رمضان [2] وأخذ عنه الخطابة صاحب والد الشيخ يونس العيثاوي [3] واستمرت في يده إلى أن مات. وفيها المولى باشا جلبي العالم ابن المولى زيرك الرّومي الحنفي [4] . كان من الأفاضل. وله ذكاء تام، ولطف محاورة. وتخرّج عنده كثير من الطلبة، وكان من مشاهير المدرّسين، وتنقل في التدريس [5] حتى ولي إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، وتوفي وهو مدرّس بها في حدود هذه السنة، وله شريك في اسمه سيأتي إن شاء الله تعالى. وفيها السيد الشريف الحسين بن عبد الله العيدروس [6] . ولد سنة إحدى وستين وثمانمائة. وكان عالما بالكتاب والسّنّة، حافظا لكتاب الله تعالى، مواظبا على تلاوته ليلا ونهارا، قائما بما جرى عليه سلفه من الأوراد والأذكار وإكرام الوافدين والفقراء والمساكين وبذل الجاه في الشفاعات للمسلمين وإصلاح ذات بينهم، ولله درّ من قال فيه: إنّ الحسين تواترت أخباره ... في فضله عن سادة فضلاء غيث يسحّ على العفاة سحابه ... سحّا إذا شحّت يد الأنواء تال لآثار النبيّ محمد ... متمسك بالسّنّة البيضاء ورث المكارم والعلى عن سادة ... ورثوا عن الآباء فالآباء

_ [1] زيادة من المؤلف ابن العماد الحنبلي وليست في «الكواكب» . [2] كذا في «أ» : «ثاني شهر رمضان» وليست لفظة «شهر» في «ط» . [3] في «أ» : «العيتاوي» وهو تصحيف. [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (244) ، و «الطبقات السنية» (2/ 227) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 163) . [5] في «الكواكب» مصدر المؤلف: «في التداريس» . [6] ترجمته في «النور السافر» (94) .

وروي عن والده أنه كان يقول: كنت كثير الدعاء في سجودي أن يرزقني الله ولدا عالما سنيا، وأرجو أن يكون هو الحسين. قال في «النور» : وكان مشاركا في جميع العلوم المنطوق منها والمفهوم. ومن مشايخه الفقيه عبد الله بن أحمد باكثير، والقاضي إبراهيم بن ظهيرة، والشيخ عبد الهادي السّودي قبل أن ينجذب. وكانت له اليد الطولى في علم الفلك. وحجّ وجاور بمكة سنتين، وزار قبر جدّه مرتين. وتوفي بتريم في سادس عشر المحرم ودفن عند أبيه. انتهى وفيها خليل العالم الفاضل المولى الرّومي الحنفي [1] المشهور بمنلا خليل [2] . كان حليما كريما متواضعا متخشعا إلّا أنه كان يغلب عليه الغفلة في سائر أحواله. درّس في بعض مدارس الرّوم ثم بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة أدرنة ثم أعطى قضاء القسطنطينية في دولة السلطان أبي [3] يزيد ثم قضاء العسكر الأناضولي ثم الرّوم إيلي، ومات على ذلك في أوائل دولة السلطان سليم خان. قاله في «الكواكب» . وفيها العارف بالله تعالى رستم خليفة الرّومي البرسوي الحنفي [4] . أصله من قصبة كونيك من ولاية أناضولي [5] . وأخذ الطريق عن العارف حاجي خليفة الرّومي، وكان له خوارق ويتستر [6] بتعليم الأطفال ولا يتكلم إلّا عن ضرورة، وله إنعام تام على الأغنياء والفقراء، وإذا أهدى إليه أحد شيئا كافأه

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 191) ، و «الفوائد البهية» (72) . [2] في مصدريه: (منلا خليلي) . [3] في (أ) : (أبا) وهي خطأ. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 194) ، و «الشقائق النعمانية» (210) . [5] في «أ» : (أناطولي) ، وفي «الكواكب» : (أناظولي) . [6] في «أ» : (وتستّر) .

بأضعافه [1] . ولم يكن له منصب ولا مال. وحكى عن نفسه أنه رمد مرة فلم ينفعه الدواء، فرأى رجلا فقال له: يا ولدي اقرأ المعوّذتين في الركعتين الأخيرتين من السنن المؤكدة. قال: فداومت على ذلك فشقي بصري. وكان بعض جماعته يرى أن ذلك الرجل هو الخضر عليه السلام. وتوفي ببروسا ودفن بها. وفيها- تقريبا- المولى عبد الوهاب بن عبد الكريم الفاضل ابن الفاضل المولى ابن المولى الرومي الحنفي [2] . قرأ على جماعة منهم المولى عذارى والمولى لطفي التوقاتي والمولى خطيب زاده [3] والمولى القسطلاني. وكان ذكيا عارفا بالعلوم الشرعية والعقلية مهيبا طارحا للتكلف مع أصحابه ودرّس [4] بالقسطنطينية ثم صار حافظا لدفتر الديوان السلطاني، ثم ولي قضاء بعض البلاد قاله في «الكواكب» [5] . وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن مليك الحموي [6] ثم الدمشقي الفقاعي الحنفي الشاعر. ولد بحماة سنة أربعين وثمانمائة، وأخذ الأدب عن الفخر عثمان بن العيد [7] التّنوخي وغيره. وأخذ النحو والعروض عن بهاء الدّين بن سالم، وقدم دمشق فتسبّب ببيع الفقّاع عند قناة العوني. ثم تركه وصار يتردّد إلى دروس الشيخ برهان الدّين بن عون. وأخذ عنه فقه الحنفية. وصارت له فيه يد طولى، وشارك في اللغة والنحو والصرف. وكان له معرفة بكلام العرب، وبرع في الشعر، حتى لم يكن له نظير في فنونه وجمع لنفسه ديوانا [8] في نحو خمس عشرة كراسة، وخمّس المنفرجة، ومدح النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعدة قصائد.

_ [1] في «ط» : (بأضعانه) وهو تحريف. [2] ترجمته في «الكواكب» (1/ 257) . [3] في «أ» : (ذاده) بالذال وهو خطأ. [4] في «أ» : (درس من غير الواو. [5] في «أ» : (كوكب) وهو خطأ. [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 261- 263) ، و «ريحانة الألباء» للخفاجي ص (96- 99) و «معجم المؤلفين» (7/ 219) . [7] في «ط» : (الصد) ، وفي «الكواكب» : (العبد) . [8] سمّاه «النفحات الأدبية من الرياض الحموية» منه نسخة في الظاهرية رقمها (5791) وورقاتها (72) ورقة. انظر «فهرس الشعر» (412) .

ومن لطائفه قوله [1] : لم أجعل الفقّاع لي حرفة ... إلّا لمعنى حسنك الشّاهد أقابل الواشي بالحدّ وال ... عاذل أسقيه من البارد ومنها: ولمّا احتمت منا الغزالة في السّما ... وعزّت على قنّاصها أن تنالها نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة ... عليها فلم نقدر فصدنا خيالها ومن لطائفه [2] : يا من به رقّ شعري ... وزاد بالنّعت وصفه قد مزّق الشّعر شاشي ... والقصد شيء ألفّه وكان له صوف عتيق فقلبه وقال [2] : قد كان لي صوف عتيق طالما ... قد كنت ألبسه بغير تكلّف والآن لي قد قال حين قلبته ... قلبي يحدّثني بأنّك متلفي [3] وحكي عنه أنه مرّ بالمرجة على قوم جلوس للشرب، وكانوا يعرفونه، فدعوه إلى الزاد، فقعد عندهم يذاكرهم. فبينما هم كذلك إذ جاءهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخذوه معهم، فلما وصلوا للقاضي للتسجيل عليهم عرفه القاضي، فلامه فقال [2] : والله ما كنت رفيقا لهم ... ولا دعتني للهوى داعيه وإنّما بالشّعر نادمتهم ... لأجل ذا ضمّتني القافيه

_ [1] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 261) . [2] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 262) . [3] هذا الشطر تضمين لبيت عمر بن الفارض: قلبي يحدثني بأنك متلفي ... روحي فداك عرفت أم لم تعرف انظر «ديوانه» - دار صادر- ص (151) .

فخلوا عنه وله دوبيت: الطرف يقول قد رماني القلب ... والقلب لناظري يقول الذنب والله لقد عجبت من حالهما ... هذا دنف ودمع هذا صبّ وشعره كله جيد. وتوفي في شوال بدمشق ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفيها العارف بالله سيدي علي بن ميمون بن أبي بكر بن علي بن ميمون [1] بن أبي بكر بن يوسف بن إسماعيل بن أبي بكر بن عطاء الله بن حسون بن سليمان بن يحيى بن نصر الشيخ المرشد المربي القدوة الحجة ولي الله تعالى السيد الحسيب النسيب الشريف أبو الحسن بن ميمون الهاشمي القرشي المغربي الغماري التباسي. أصله من جبل غمارا- بالغين المعجمة من معاملة فاس- وسكن مدينة فاس، واشتغل بالعلم ودرّس. ثم ولي القضاء، ثم ترك ذلك ولازم الغزو على السواحل، وكان رأس العسكر ثم ترك ذلك أيضا وصحب مشايخ الصوفية منهم الشيخ عرفة القيرواني فأرسله إلى أبي العبّاس أحمد التّوزي الدبّاسي- ويقال التباسي بالتاء- ومن عنده توجه إلى المشرق. قال الشيخ موسى الكناوي: فدخل بيروت في أول القرن العاشر، وكان اجتماع سيدي محمد بن عراق به أولا هناك ولما دخل بيروت استمرّ ثلاثة أيام لم يأكل شيئا فاتفق أن ابن عراق كان هناك فأتي بطعام فقال لبعض جماعته أدع لي ذلك الفقير فقام السيد علي وأكل، وقال ابن عراق لأصحابه: قوموا بنا نزور الإمام الأوزاعي فصحبهم ابن ميمون لزيارته، ففي أثناء الطريق لعب ابن عراق على جواده كعادة الفرسان فعاب عليه ابن ميمون، فقال له: أتحسن لعب الخيل أكثر مني؟ قال: نعم. فنزل ابن عراق عن فرسه فتقدم إليها ابن ميمون فحلّ الحزام، وشدّه كما يعرف،

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (66) ، و «الشقائق النعمانية» (212- 213) و «الكواكب السائرة» (1/ 271- 278) ، و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 188- 190) .

وركب ولعب على الجواد، فعرفوا مقداره في ذلك، ثم انفتح الأمر بينهما إلى أن أشهر الله تعالى سيدي علي بن ميمون. وقال في «الشقائق» : إنه دخل القاهرة وحجّ منها ثم دخل البلاد الشامية وربي كثيرا من الناس ثم توطن مدينة بروسا ثم رجع إلى البلاد الشامية وتوفي بها. قال: وكان لا يخالف السّنّة حتى نقل عنه أنه قال: لو أتاني السلطان أبو يزيد بن عثمان لا أعامله إلّا بالسّنّة، وكان لا يقوم للزائرين ولا يقومون له وإذا جاءه أحد من أهل العلم يفرش له جلد شاة تعظيما له. وكان قوّالا بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان له غضب شديد إذا رأى في المريدين منكرا يضربهم بالعصا. قال: وكان لا يقبل وظيفة ولا هدايا الأمراء والسلاطين، وكان مع ذلك يطعم كل يوم عشرين نفسا من المريدين وله أحوال كثيرة ومناقب عظيمة. انتهى. وكان من طريقته ما حكاه عنه سيدي محمد بن عراق في كتابه «السّفينة» أنه لا يرى لبس الخرقة ولا إلباسها. وذكر الشيخ علوان أنه كان لا يرى الخلوة ولا يقول بها، وكان يقول جواب الزفوت السكوت. ومن وصاياه اجعل تسعة أعشارك صمتا وعشرك كلاما. وكان يقول: الشيطان له وحي وفيض فلا تغتروا بما يجري في نفوسكم وعلى ألسنتكم من الكلام في التوحيد والحقائق حتّى تشهدوه من قلوبكم. وكان ينهي أصحابه عن الدخول بين العوام وبين الحكام ويقول: ما رأيت لهم مثلا إلا الفأر والحيّات، فإن كلا منهما مفسد في الأرض، وكان شديد الإنكار على علماء عصره ويسمي القضاة القصاة. ومن كلامه: لا ينفع الدار إلّا ما فيها. ومنه: لا تشتغل بعدّ أموال التجار وأنت مفلس. ومنه: اسلك ما سلكوا تدرك ما أدركوا. ومنه: عجبت لمن وقع عليه نظر المفلح كيف لا يفلح.

ومنه: كنزك تحت جدارك وأنت تطلبه من عند جارك. وله من المؤلفات «شرح الجرومية» على طريقة الصّوفية، وكتاب «غربة الإسلام في مصر والشام وما والاهما من بلاد الروم والأعجام» ورسائل عدة منها رسالة لطيفة سمّاها «تنزيه الصديق عن وصف الزّنديق» ترجم فيها الشيخ محي الدّين بن العربي ترجمة في غاية الحسن والتعظيم. وذكر ابن طولون أنه دخل دمشق في أواخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ونزل بحارة السّكة بالصالحية وهرع الناس إليه للتبرك به. وممن صعد إليه للأخذ عنه الشيخ عبد النّبيّ شيخ المالكية، والشيخ شمس الدّين بن رمضان شيخ الحنفية، وتسلكا على يديه هم وخلق من الفضلاء. وقال سيدي محمد بن عراق في «سفينته» : إنه لم يشتهر في بلاد العرب بالعلم والمشيخة والإرشاد إلّا بعد رجوعه من الرّوم إلى حماة سنة إحدى عشرة، ثم قدم منها إلى دمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. قال: وأقام في قدمته هذه ثلاث سنوات وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما يربّي ويرشد ويسلّك، ويدعو إلى الله تعالى على بصيرة. قال: واجتمع عليه الجمّ الغفير، ثم دخل عليه قبض وهو بصالحية دمشق واستمرّ ملازما له حتى ترك مجلس التأديب وأخذ يستفسر عن الأماكن التي في بطون الأودية ورؤوس الجبال، حتّى ذكر له سيدي محمد بن عراق مجدل معوض فهاجر إليها في ثاني عشر محرم هذه السنة. قال سيدي محمد بن عراق: ولم يصحب غيري والولد علي، وكان سنّه عشر سنين وشخص آخر عملا بالسّنّة، وأقمت معه خمسة أشهر وتسعة عشر يوما. وتوفي ليلة الاثنين حادي عشر جمادى الآخرة ودفن بها في أرض موات بشاهق جبل حسبما أوصى به. قال: ودفن خارج حضرته المشرّفة رجلان وصبيان وامرأتان وأيضا امرأتان وبنتان، الرجلان محمد المكناسي، وعمر الأندلسي، والصبيان ولدي عبد الله، وكان عمره ثلاث سنين، وموسى بن عبد الله التركماني، والامرأتان أمّ إبراهيم وبنتها عائشة زوجة الذعري، والامرأتان الأخرتان مريم

القدسية، وفاطمة الحموية، وسألته عند وفاته أين أجعل دار هجرتي، فقال: مكان يسلم فيه دينك ودنياك، ثم تلا قوله تعالى: الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ 4: 97 [النساء: 97] . وفيها سراج الدّين أبو حفص عمر بن عبد العزيز الفيّومي [1] الأصل الدمشقي. قال في «الكواكب» : كانت له مشاركة جيدة وقال الشعر الحسن وله ديوان شعر في مجلد ضخم، ومدح الأكابر والأعيان، وخمّس «البردة» تخميسا حسنا ورزق فيه السعادة التّامة، واشتهر في حال حياته، وكتبه الناس لحسنه وعذوبة ألفاظه. ومن شعره: إن كان هجري لذنب حدّثوك به ... عاتب به ليبين العبد أعذاره وإن يكن حظ نفس ما له سبب ... فلا تطعها فإن النّفس أمّاره وتوفي بدمشق ودفن بمقبرة باب السريجة على والده. وفيها شمس الدّين أبو الفضل محمد بن صارم الدّين إبراهيم الرّملي الشافعي، الشهير بابن الذّهبي [2] الإمام العالم، أحد الشهود المعتبرين بدمشق. ذكر النّعيمي أنه كان قائما بخدمة الشيخ رضي الدّين الغزّي، وأن ميلاده كان سنة تسع وخمسين وثمانمائة. وقال البدر الغزّي: كان يعرف القراءات. وتوفي بدمشق ليلة الجمعة ثالث عشر المحرم بعد عوده من القاهرة.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 69) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 286) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 27) .

وفيها عزّ الدّين محمد بن شهاب الدّين أحمد الكوكاجي [1] الحموي ثم الدمشقي الحنبلي، أقضى القضاة. ولد بعد الأربعين وثمانمائة. وتوفي عشية الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة بدمشق وصلّي عليه بالجامع الأموي، ودفن بالروضة من سفح قاسيون. وفيها جمال الدّين محمد بن إسماعيل المشرع عجيل اليمني [2] . قال في «النّور» : كان إماما عالما صالحا. توفي بمدينة زبيد ضحى يوم الخميس الثالث عشر من شهر رمضان ودفن إلى جنب أبيه قبلي تربة الشيخ إسماعيل الجبرتي. انتهى وفيها شمس الدّين محمد بن خليل الشيخ الإمام العالم الطرابلسي الشافعي [3] ، خليفة الحكم بمدينة طرابلس. دخل إلى دمشق في ضرورة له، فتوفي بها غريبا يوم الأربعاء سابع شعبان ودفن بباب الفراديس. وفيها محمد بن عبد الرحمن الأسقع [4] بالعلوي اليمني [5] الشافعي. قال في «النور» : حفظ «الحاوي» و «منظومة البرماوي» في الأصول و «ألفية ابن مالك» وقرأ الكثير، ودأب في الطلب، وأخذ عن الكثير من الأعلام، منهم إبراهيم بن ظهيرة، والسّخاوي وله منه إجازة، ومكث في مكّة مدة لطلب العلم، وحصّل الكثير من العلوم وأقبل على نفع الناس إقراء وإفتاء مع الدّين المتين

_ [1] «متعة الأذهان» (ق 77) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 31) ، و «السحب الوابلة» (363) . [2] ترجمته في «النور السافر» (97) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) . [4] في «أ» : (الأسقعي) . [5] ترجمته في «النور السافر» (95) .

والتحقيق والإتقان وشدة الورع والزّهد والعبادة والخمول، وكان حسن التقرير. أخذ عنه غير واحد. وتوفي بتريم في شوال. ومن كراماته أن بعض خدمه سرق داره فقال له: اذهب إلى المكان الفلاني تجد ما أخذ لك، ففعل فوجد ما سرق له في ذلك المكان الذي عيّنه. انتهى وفيها- تقريبا- المولى قوام الدّين يوسف [1] العالم الفاضل، الشهير بقاضي بغداد. كان من بلاد العجم من مدينة شيراز، وولي قضاء بغداد مدة، فلما حدثت فيه فتنة ابن أردبيل ارتحل إلى ماردين، وسكن بها مدة ثم رحل إلى بلاد الرّوم، فأعطاه السلطان أبو يزيد سلطانية بروسا، ثم إحدى الثمانية، وكان عالما، متشرعا، زاهدا، وقورا، صنّف شرحا عظيما على «التجريد» وشرحا على «نهج البلاغة» وكتابا جامعا لمقدمات التفسير، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 319) ، و «الشقائق النعمانية» (190) .

سنة ثمان عشرة وتسعمائة

سنة ثمان عشرة وتسعمائة فيها توفي العلّامة برهان الدّين إبراهيم بن علي القرصلي ثم الحلبي [1] . كان من قرصه- بفتح القاف، وسكون الراء، وضم الصاد المهملة، قرية من القصير- وكان من جملة فلاحيها، فتعلّم الخط، ثم رأى في المنام أنه على لوح في البحر وبيده عصا يحركه فأوّل له ذلك بأنه يكون من أهل العلم، وكان كما أوّل له من العلماء، ودرّس بمسجد العناتبة بحلب وغيره. قال ابن الحنبلي: وأكبّ على دروسه جماعة في العقليات لمهارته فيها، وإن كان في النقليات أمهر، وفضله فيها أظهر. انتهى وفيها السلطان الأعظم أبو يزيد خان بن السلطان محمد خان [2] ابن السلطان مراد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان بايزيد خان ابن السلطان مراد خان بن السلطان أورخان بن السلطان عثمان خان سلطان الرّوم، وهو الثامن من ملوك بني عثمان. ولد سنة ست وخمسين وثمانمائة. قال الشيخ مرعي في كتابه «نزهة الناظرين» : ولي السلطنة سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وكان محبّا للعلماء، والمشايخ، والأولياء، وله رياضيات، وفي أيامه تزايد الفتح ببلاد الرّوم، وفتح عدة قلاع وحصون، وبنى المدارس [3] ، والجوامع،

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 46) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 107) . [2] ترجمته في «تاريخ الدولة العلية العثمانية» (137) . [3] في «ط» : «المدارع» .

والتكايا، والزّوايا، والخوانق، ودار الشفاء، والحمامات، والجسور، ورتّب للمفتي الأعظم ومن في رتبته من العلماء لكل واحد في كل عام عشرة آلاف عثماني، وكان يرسل للحرمين في كل سنة أربعة عشر ألف دينار نصفها لمكّة ونصفها للمدينة. وفي أيامه قاتله أخوه السلطان جم على السلطنة ثم انهزم جمّ إلى مصر، وحجّ في زمن السلطان قايتباي ثم عاد فأكرمه قايتباي إكراما عظيما. ثم رجع إلى الرّوم، وقاتل أخاه ثانيا، فهزمه فهرب جمّ إلى بلاد النصارى، فأرسل بايزيد إليه من سمّه فحلق رأسه بموسى مسموم فمات. وفي أيامه كان ظهور إسماعيل شاه فاستولى على ملوك العجم، وأظهر مذهب الإلحاد والرّفض، وغيّر اعتقاد أهل العجم إلى يومنا هذا، وفي أيامه قدم عليه خطيب مكّة الشيخ محيى الدّين عبد القادر بن عبد الرحمن العراقي، والشيخ شهاب الدّين أحمد بن الحسين شاعر البطحاء وامتدحه بقصيدته الطنانة [1] التي أولها: خذوا من ثنائي موجب الحمد والشّكر ... ومن درّ لفظي طيّب [2] النّظم والنّثر فأجازه عليها ألف دينار، ورتّب له في دفتر الصر كل سنة مائة دينار، فكانت تصل إليه ثم إلى أولاده من بعده. انتهى وقال في «الكواكب» : وكان قد استولى على المرحوم السلطان أبي يزيد في آخر عمره مرض النقرس، وضعف عن الحركة، وترك الحروب عدة سنين، فصارت عساكره يتطلبون سلطانا شابا قوي الحركة كثير الأسفار ليغازي بهم، فرأوا أن السلطان سليم خان من أولاد أبي يزيد أقوى إخوته وأجلدهم، فمالوا إليه وعطف عليهم، فخرج إليه أبوه محاربا فقاتله وهزمه أبوه، ثم عطف على أبيه ثانيا لما رأى من ميل العساكر إليه فلما رأى السلطان أبو يزيد توجه أركان الدولة إليه

_ [1] لفظة «الطنانة» لم ترد في «ط» . [2] في «ط» : «أطيب» .

استشار وزراء وأخصاءه في أمره، فأشاروا أن يفرغ له عن السلطنة ويختار التقاعد في أدرنة، وأبرموا عليه في ذلك، فأجابهم حين لم ير بدا من إجابتهم، وعهد إليه بالسلطنة، ثم توجه مع بعض خواصه إلى أدرنة، فلما وصل إلى قرب جورا، وكان فيها حضور أجله، فتوفي بها. ووصل خبر موته هو وسلطان مكّة قايتباي بن محمد بن بركات الشريف، وسلطان اليمن الشيخ عامر بن محمد إلى دمشق في يوم واحد، وهو يوم الأحد ثامن عشري ربيع الأول من هذه السنة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن منجك الأمير الدمشقي [1] . قال في «الكواكب» : لم يحمد ابن طولون سيرته في أوقافهم، وكانت وفاته بطرابلس، وحمل إلى دمشق في محفّة ودخلوا به دمشق يوم الأحد سابع عشر المحرم، ودفن بتربتهم بميدان الحصا، وتولى أوقافهم بعده الأمير عبد القادر بن منجك. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن حسن [2] مفتي مدينة تعز من اليمن. توفي بها يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى. وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بأفضل الحضرمي [3] . قال في «النّور» : ولد سنة خمسين وثمانمائة، وارتحل لطلب العلم إلى عدن وغيرها، وأخذ عن الإمامين محمد بن أحمد بأفضل، وعبد الله بن أحمد مخرمه، ولازم الثاني، وتخرّج به، وانتفع به كثيرا، وأخذ أيضا عن البرهان بن ظهيرة، وتميّز واشتهر ذكره، وبعد صيته، وأثنى عليه الأئمة من مشايخه وغيرهم، وكان حريا بذلك، وكان إماما، عالما، عاملا، عابدا، ناسكا، ورعا، زاهدا، شريف النّفس،

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 3) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 129) . [2] ترجمته في «النور السافر» (100- 101) . [3] ترجمته في «النور السافر» (98) .

كريما سخيا مفضالا، كثير الصّدقة، حسن الطّريقة ليّن الجانب، صبورا على تعليم العلم، متواضعا، حسن الخلق، لطيف الطّباع، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، له حرمة وافرة عند الملوك وغيرهم، حافظا أوقاته، لا يرى إلا في تدريس علم أو مطالعة كتاب أو اشتغال بعبادة وذكر. ولي التدريس بجامع الشحر وانتصب فيها للاشتغال [1] والفتوى، وصار عمدة القطر، وانتهت إليه رئاسة الفقه في جميع تلك النواحي، ولم يزل على ذلك حتّى توفي يوم الأحد خامس شهر رمضان، ودفن في طرف بلد الشحر من جهة الشمال في موضع موات، وهو أول من دفن هناك، ودفن النّاس إلى جانبه، حتى صارت مقبرة كبيرة. انتهى. وفيها زين الدّين عبد الحق بن محمد البلاطنسي [2] الشافعي الإمام العلّامة. ولد في سنة ست وخمسين وثمانمائة. وتوفي فجأة يوم الأربعاء سابع شعبان، وصلّي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث رمضان. قاله في «الكواكب» وفيها عفيف الدّين عبد العليم بن القاضي جمال الدّين محمد بن حسين القماط [3] اليمني. قال في «النّور» : كان نعم الرّجل فقها وصلاحا ودينا وأمانة [4] وعفّة وصيانة، قدم في السّنّة التي قبلها من مدينة أب متوعكا إلى زبيد بعد طلوع ولده عفيف الدّين عبد الله إليه فجعله نائبا له، وقدم المدينة، فلم يزل بها مريضا إلى أن وصل ابنه عبد الله باستدعائه إليه فمات بعد قدومه في ليلة الاثنين سادس عشر المحرّم، ودفن إلى جنب والده بمجنة باب سهام. انتهى

_ [1] كذا في «آ» و «النور السافر» مصدر المؤلف: «للاشتغال» وفي «ط» : «للاشغال» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 221) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (100) . [4] في «ط» : «وأمانا» .

وفيها المولى مظفّر الدّين علي بن محمد الشّيرازي العمري الشافعي [1] . قطن حلب سنة ست عشرة وتسعمائة، وأخذ بها عن جماعة منهم الشّمس بن بلال، وكتب حواشي علي «الكافية» وكان صهرا لمنلا جلال الدّواني، وكان ماهرا في المنطق، حتّى كان يقول عنه منلا جلال الدّين: لو كان المنطق جسما لكان هو منلا مظفّر الدّين. وذكر في «الشقائق» أنه دخل بلاد الرّوم، وكان المولى ابن المؤيد قاضيا بالعسكر، وكان المنلا مظفّر الدّين مقدما عليه حال قراءتهما على الدواني، فأكرمه ابن المؤيد إكراما عظيما وعرضه على السلطان أبي يزيد فأعطاه مدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، فدرّس بها مدة، ثم أعطاه إحدى المدارس الثمان، فدرّس بها مدة أيضا، ثم أضرّت عيناه، فعجز عن إقامة التدريس، فعين له السلطان سلم خان كل يوم ستين درهما بطريق التقاعد، وتوطن مدينة بروسا. قال: وكانت له يد طولى في الحساب، والهيئة، والهندسة، وزيادة معرفة بعلم [2] الكلام والمنطق خاصة في «حاشية التجريد» وحواشي [3] «شرح المطالع» . قال: ورأيت على كتاب إقليدس «من فنّ الهيئة» أنه قرأه من أوله إلى آخره على الفاضل أمير صدر الدّين الشّيرازي. قال: وكتب عليه حواشي محال مشكلات. قال: وكان سليم النّفس، حسن العقيدة، صالحا، مشتغلا بنفسه، راضيا من العيش بالقليل، واختار الفقر على الغني، وكان يبذل ماله للفقراء والمحاويج. وقال ابن الحنبلي: إنه مات مطعونا في هذه السنة. و [4] قال في «الشقائق» : إنه مات بمدينة بروسا سنة اثنتين وعشرين، فالله أعلم.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (199) ، و «در الحبب» (1/ 2/ 933) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 263- 264) . [2] في «أ» : (في علم) . [3] في «آ» : (وحاشي) تحريف. [4] فيه: (وكتب على) .

وفيها القاضي علاء الدّين علي الرّمليّ [1] الفاضل خليفة الحكم العزيز بدمشق. قال في «الكواكب» : قتل بين المغرب والعشاء ليلة السبت حادي جمادى الآخرة بسوق الرّصيف بالقرب من الجامع الأموي، وهو السوق المعروف الآن بدرويش باشا عند باب البريد، خرج عليه جماعة فقتلوه ولم يعرف [2] قاتله، واتهم بقتله القاضي شهاب الدّين الرّملي إمام الجامع الأموي لما كان بينهما من المخاصمات الشديدة. انتهى وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله العيدروس باعلوى الشافعي [3] . قال في «النور» : كان مشاركا في العلوم، وقرأ «المنهاج الفقهي» ومن محفوظاته «الإرشاد» و «ملحة الإعراب» . وتوفي بتريم، ودفن بمشهد جدّه الشيخ عبد الله. انتهى

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 282) . [2] في «أ» : (ولم يعلم) . [3] ترجمته في «النور السافر» (98) .

سنة تسع عشرة وتسعمائة

سنة تسع عشرة وتسعمائة فيها توفي الشيخ المعتقد [1] إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الدّسوقي الشافعي [2] الصوّفي الرّبّاني. ولد في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ولبس خرقة التّصوف من الشيخ شهاب الدّين بن قرا، وتفقه به، ولقّنه الذّكر أبو العبّاس القرشي، وأخذ عليه العهد عن والده عن جدّه. قال الحمصي: وكان صالحا، مباركا، مكاشفا. وقال ابن طولون: كان شديد الإنكار على صوفية هذا العصر المخالفين له، خصوصا الطائفة العربية. قال: ولم تر عيناي متصوفا من أهل دمشق أمثل منه، لبست منه الخرقة، ولقنني الذكر، وأخذ عليّ العهد الجميع يوم السبت سادس عشري ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وتسعمائة. انتهى وذكره الجمال يوسف بن عبد الهادي في كتابه «الرّياض اليانعة في أعيان المائة التاسعة» فقال: اشتغل وتصوّف، وشاع ذكره، وعنده ديانة ومشاركة، وللناس فيه اعتقاد. انتهى وتوفي بدمشق ليلة الاثنين ثالث شعبان ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها برهان الدّين إبراهيم بن عثمان بن محمد بن عثمان بن موسى بن يحيى المرداوي [3] الدمشقي الصالحي الحنبلي [4] ، المعروف بجابي بن عبادة.

_ [1] في «ط» : (المفتقد) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (28) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 101) . [3] في «أ» : (المردوي) وفي «الكواكب» : (المرادي) وكلاهما تحريف. [4] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 25) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 107) .

ولد في رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وسمع على البرهان بن الباعوني، والنّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، وكان من الأفاضل. وتوفي يوم الخميس مستهل رجب. وفيها القاضي تقي الدّين أبو بكر الشيخ العلّامة الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قاضي زرع [1] . كان أحد خلفاء الحكم بدمشق. وتوفي يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان. وفيها شهاب الدّين أحمد بن صدقة الشيخ الفاضل الشافعي [2] ، أحد العدول بدمشق. توفي وهو متوجه إلى مصر بالعريش في أواخر [3] جمادي الآخرة. وفيها قاضي القضاة العلّامة شهاب الدّين أحمد [بن علي بن أحمد] الشّيشني [4] المصري الحنبلي. ولي قضاء الحنابلة بمصر سنين، وكان إماما علّامة. وتوفي في صفر وولي قضاء الحنابلة عوضه ولده قاضي القضاء عزّ الدّين. وفيها زين الدّين أو محبّ الدّين بركات بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأذرعي الدمشقي العاتكي الشافعي [5] ، الشهير بابن سقط، الشيخ الإمام الفاضل. ولد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وكان أحد عدول دمشق.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 18) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 135) . [3] في «أ» (آخر) . [4] ترجمته في «النعت الأكل» ص (91- 92) و «السحب الوابلة» ص (81- 83) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما. [5] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 31) ، و «الكواكب السائرة» (164- 165) .

وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شوال. وفيها- تقريبا- شرف الدّين شرف الصّعيدي [1] الشيخ الصّالح الورع الزّاهد. دخل مصر في أيام الغوري، وأقام بها حتّى مات، وكان يصوم الدّهر ويطوي أربعين يوما فأكثر، وبلغ الغوري أمره فحبسه في بيت وأغلق عليه الباب ومنعه الطعام والماء، ثم أخرجه فصلى بالوضوء الذي دخل به، فاعتقده الغوري اعتقادا عظيما، وكان يكاشف بما يقع للولاة وغيرهم. قاله في «الكواكب» . وفيها شيخ بن عبد الله بن العيدروس الشريف اليمني الشافعي [2] . قال حفيده في «النّور السافر» : كان من أعيان عباد الله الصالحين، وخلاصة المقرّبين، حسن الأخلاق والشّيم، جميل الأوصاف، معروفا بالمعروف والكرم، سليم الصّدر، رفيع القدر، صحب غير واحد من الأكابر، كأبيه الشيخ عبد الله العيدروس، وعمّه الشيخ علي، وعمّه الشيخ أحمد، وأخيه الشيخ أبي بكر، ومن في طبقتهم، وأخذ عنهم، وتخرّج بهم، وصار وحيد عصره ومن المشار إليهم في قطره، ومحاسنه كثيرة وبحار فضائله غزيرة، لا سبيل إلى حصرها، والأولى الآن طيها دون نشرها، وفيه يقول حفيده وسميّه سيدي الشيخ الوالد، قدّس الله روحه [3] : وفي شيخ ابن عبد الله جدّي ... معاشرة لحسن الخلق تبدي له قلب منيب ذو صفاء ... سليم الصّدر بالإنفاق يسدي له في الأولياء حسن اعتقاد ... كريم الأصل ذو فخر ومجد تربّى بالوليّ القطب حقا ... أبوه العيدروس الخير يهدي انتهى بحروفه.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 214) . [2] ترجمته في «النور السافر» (101) . [3] الأبيات في «النور السافر» (102) .

وفيها قاضي القضاة نجم الدّين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلج الرّاميني [1] الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي [2] . ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده وغيره، وولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق مرارا آخرها سنة عشر وتسعمائة، واستمرّ فيه إلى أن توفي ليلة الجمعة ثاني شوال ودفن بالصالحية على والده، وكانت له جنازة حافلة حضرها نائب الشام سيباي، والقضاة الثلاثة، وخلائق لا يحصون. وفيها سراج الدّين عمر بن شيخ الإسلام علاء الدّين علي بن عثمان بن عمر بن صالح، الشهير بابن الصّير في الدمشقي الشافعي [3] . ولد سنة أربع أو خمس وعشرين وثمانمائة، وقيل: سنة ثلاثين، وكان إماما عالما علّامة، خطيبا، مصقعا، له أسانيد عالية بالحديث النبوي، وولي نيابة القضاء بدمشق مدة طويلة والعرض والتقرير، وباشر خطابة الجامع الأموي نحو أربعين سنة. وتوفي ليلة الأحد سابع شوال، وصلى عليه السيد كمال الدّين بن حمزة بالأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير على والده الحافظ علاء الدّين الصّيرفي غربي مسجد النّارنج. وفيها أبو حفص عمر البجائي المغربي المالكي [4] الإمام العلّامة القدوة الحجّة الفهّامة. ولي الله تعالى والعارف به. قدم إلى مصر في زمان السلطان الغوريّ، وصار له عند الأكابر وغيرهم القبول التام، وكان له كشف ظاهر يخبر بالوقائع الآتية في مستقبل الزمان فتقع كما

_ [1] في «أ» : (الراسبي) وهو تحريف. [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (67) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 284- 285) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 69- 70) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 286) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 286- 287) .

أخبر، وهو ممن أخبر بزوال دولة الجراكسة وقتالهم لابن عثمان، وقال: إن الدولة تكون للسلطان سليم، ومرّ على المعمار وهو يعمّر القبة الزرقاء للغوري تجاه مدرسته فقال: ليس هذا قبر الغوري، فقالوا له: وأين قبره؟ فقال: يقتل في المعركة فلا يعرف له قبر، وكان الأمر كما قال. وكان شابا، طويلا، جميل الصورة، طيب الرائحة على الدوام، حفظ «المدونة الكبرى» للإمام مالك، وسمع الحديث الكثير، وكان يصوم الدّهر، وقوته في الغالب الزّبيب، ولم يكن على رأسه عمامة إنما كان يطرح ملاءة عريضة على رأسه وظهره، ويلبس جبّة سوداء واسعة الأكمام، وسكن جامع الملك بالحسينية، ثم انتقل إلى جامع محمود، ثم عاد إلى قبة المارستان بخطّ بين القصرين، وبقي بها إلى أن مات، ولما سكن بجامع محمود قال فيه الشيخ شمس الدّين الدّمياطي [1] أبياتا، منها [2] : سألتني أيّها المولى مديح أبي ... حفص وما جمعت أوصافه الغرر مكمّل في معانيه وصورته ... كمال من لا به نقص ولا قصر مطهّر القلب لا غلّ يدنّسه ... ولا له قطّ في غير التّقى نظر فهنّ جامع محمود بساكنه ... فإنّه [3] الآن محمود ومفتخر وقل له فيك بحر العلم ليس له ... حدّ فيا لك بحرا كلّه درر وتوفي في هذه السنة أو التي بعدها، ودفن بالقرافة في حوش عبد الله بن وهب بالقرب من قبر القاضي بكّار. وفيها أو في التي بعدها مصلح الدّين مصطفى الرّومي الحنفي، الشهير بابن البركي [4] الإمام العالم.

_ [1] ليست اللفظة في «أ» . [2] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 287) . [3] في «أ» : (فإن) ولا يستوي بها الوزن ولا المعني. [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (231- 232) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 251) .

طلب العلم، وخدم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده، ثم صار معيدا لدرسه، ثم درّس في بعض المدارس، ثم جعله السلطان أبو يزيد معلما لولده السلطان أحمد وهو أمير بأماسية، ثم أعطاه إحدى الثمانية، ثم قضاء أدرنة، وكان في قضائه حسن السيرة، محمود الطريقة، واستمرّ قاضيا بها مدة طويلة إلى أن عزله السلطان سليم في أوائل سلطنته، وعيّن له كل يوم مائة وثلاثين عثمانيا، وكان مفننا، فصيح اللّسان، طلق الجنان، رحمه الله تعالى. وفيها نجم الدّين محمد بن أحمد، الشهير بابن شكم الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة. قال الحمصي: كان عالما، صالحا، زاهدا. وقال ابن طولون: كتب عليّ أربعين مسألة بالشامية سأله عنها مدرّسها شيخ الإسلام تقي الدّين بن قاضي عجلون، فكتب عليها وعرضها عليه يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة عند ضريح الواقفة، فأسفر عن استحضار حسن، وفضيلة تامّة. وتوفي يوم الاثنين خامس عشر شوال ودفن بصالحية دمشق. وفيها محيي الدّين محمد بن حسن بن عبد الصّمد السّاموني الرّومي الحنفي [2] ، العالم العامل الزّاهد. قرأ على والده، وعلى المولى علاء الدّين العربي، ثم ولي التدريس، وترقى فيه، ثم صار قاضي أدرنة من قبل السلطان سليم. وتوفي وهو قاض بها. قال في «الشقائق» : كان مشتغلا بالعلم غاية الاشتغال، بحيث لا ينفك عن حلّ الدقائق ليلا ونهارا، وكان معرضا عن مزخرفات الدّنيا، يؤثر الفقراء على نفسه، حتى يختار لأجلهم الجوع والعري، راضيا من العيش بالقليل، له محبّة

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 79) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 51) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (179- 180) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 138) .

صادقة للصّوفية، وله حواش على «شرح المفتاح» للسيد الشريف، وحواش على «حاشية التجريد» للسيد أيضا، وحواش على «التلويح» للتفتازاني. انتهى وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن أبي بكر البابي المولد الحلبي المنشأ، الشافعي [1] ، المعروف بابن البيلوني، الإمام العالم العامل. لازم الشيخ بدر الدّين بن السّيوفي، وحدّث عنه، وقرأ على الكمال محمد بن النّاسخ الطّرابلسي، وهو نزيل حلب في شعبان سنة خمس وتسعمائة، من أول «صحيح البخاري» إلى أول تفسير سورة مريم، وأجازه ومن معه، وأجازه جماعة آخرون، منهم الحافظ السّخاوي وألبسه الطّاقية، وصافحه، وأسمعه الحديث المسلسل بالمصافحة، ومنهم الكمال والبرهان ابنا أبي شريف المقدسيان، وذلك عن اجتماع بهما [2] وقراءة عليهما، وحدّث بجامع حلب على الكرسي ب «صحيح البخاري» وغيره، وولي إمامة السفاحية والحجازية بجامع حلب دهرا، وكان متقشفا، متواضعا، يعبّر عن نفسه بلفظ عبيدكم كثيرا. وتوفي بحلب يوم السبت ثاني عشري القعدة. وفيها شمس الدّين محمد بن جلال الدّين محمد بن فتح الدّين عبد الرحمن بن وجيه الدّين حسن المصري المالكي [3] ، ويعرف كسلفه بابن سويد. قال في «النور» : ولد في سادس شعبان سنة ست وخمسين وثمانمائة، ونشأ في كنف أبيه، فحفظ القرآن، و «ابن الحاجب» الفرعي والأصلي، و «ألفية النحو» وغير ذلك، وعرض على خلق، واشتغل قليلا على والده، وورث عنه شيئا كثيرا فأتلفه في أسرع وقت، ثم أملق، وذهب إلى الصّعيد ثم إلى مكّة، وقرأ هناك على الحافظ السّخاوي «الموطأ» و «مسند الشافعي» و «سنن الترمذي» و «ابن ماجة»

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 362- 365) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 38) . [2] ليست اللفظة في «ط» . [3] ترجمته في «النور السافر» (102- 103) .

وسمع عليه «شرحه للألفية» [1] وغير ذلك من تصانيفه، ولازمه مدة، وذكره السخاوي في «تاريخه» فقال: كان صاحب ذكاء وفضيلة في الجملة، واستحضار، وتشدق في الكلام، وكانت سيرته غير مرضية، وأنه توجه إلى اليمن ودخل زيلع ودرّس وحدّث ثم توجه إلى كنباية، وأقبل عليه صاحبها. وقال الشيخ جار الله بن فهد: وقد عظم صاحب الترجمة في بلاد الهند، وتقرّب من سلطانها محمود شاه، ولقبه بملك المحدّثين لما هو مشتمل عليه من معرفة الحديث والفصاحة، وهو أول من لقب بها، وعظم بذلك في بلاده، وانقاد له الأكابر في مراده، وصار منزله مأوى لمن طلبه، وصلاته واصلة لأهل الحرمين، واستمر كذلك مدة حياة السلطان المذكور، ولما تولى ولده مظفّر شاه أخرج بعض وظائفه عنه بسبب معاداة بعض الوزراء فتأخر عن خدمته إلى أن مات. قال: ولم يخلّف ذكرا بل تبنى ولدا على قاعدة الهند، فورّثه مع زوجته، ولم يحصل لابنته التي بالقاهرة شيئا من ميراثها لغيبتها، ودفن بأحمد أباد من كجرات [2] . انتهى

_ [1] واسمه «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» وقد تقدم التعريف به في هامش الصفحة (24) من هذا المجلد. [2] في «ط» : (كحجرات) .

سنة عشرين وتسعمائة

سنة عشرين وتسعمائة فيها توفي المولى إبراهيم الرّومي الحنفي، الشهير بابن الخطيب [1] ، العالم الفاضل، أحد الموالي العثمانية. قرأ على أخيه المولى خطيب زاده وعلى غيره، وولي التداريس، وترقّى فيها حتّى صار مدرّسا بمدرسة السلطان مراد خان ببروسا. وتوفي وهو مدرّس بها. قال في «الشقائق» : كان سليم الطبع، حليم النّفس، منجمعا عن الخلق، مشتغلا بنفسه، أديبا، لبيبا إلا أنه لم يشتغل بالتصنيف لضعف دائم في مزاجه. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن حمزة الشيخ الإمام العالم العلّامة الصّالح التّركي الطّرابلسي الدمشقي الشافعي الصّوفي [2] . ولد في شوال سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وكان إماما لكافل طرابلس الشام، ولما جاء من كفالة طرابلس إلى كفالة دمشق صحبه المترجم، وكان على طريقة حسنة. قال الحمصي: كان رجلا عالما صالحا، ومن محاسنه أنه صلى بالجامع الأموي في شهر رمضان بالقرآن جميعه في ركعتين.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (201) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 111) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 4) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 134) .

وقال النّعيمي: أصيب في بصره سنة خمس عشرة وتسعمائة بعد أن أصيب في أواخر القرن التاسع بأولاد نجباء وصبر، ثم انقطع عن الناس بالمدرسة التّقوية إلى أن توفي يوم الجمعة [1] خامس ذي القعدة. وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن عمر بن سليمان الجعفري الدمشقي الشافعي الصّوفي الوفائي [2] . له كتاب لطيف شرح فيه «حكم ابن عطاء الله» وضعه على أسلوب غريب كلما تكلّم على حكمة اتبعها بشعر عقدها فيه فمن ذلك قوله [3] : أجلّ أوقات عارف زمن ... يشهد فيه وجود فاقته متّصفا بالذي يقرّبه ... من ربّه من وجود زلّته عقد فيه قول ابن عطاء الله [4] خير أوقاتك وقت شهدت فيه وجود فاقتك، وتردّ إلى وجود ذلّتك. وقال أيضا [5] : خير ما تطلب منه ... هو ما يطلب منكا فاطلب التوفيق منه ... للذي يرضيه عنكا عقد فيه قول ابن عطاء الله [6] : خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك. وقال أيضا [5] : إنّ وسع الكون صغي ... ر جرم جثمانيّتك فإنّه يضيق عن ... عظيم روحانيّتك

_ [1] في ط: «يوم الخميس» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 140) . [3] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 140) . [4] انظر «شرح الحكم العطائية» للشرنوبي ص (85) طبع دار ابن كثير، وفيه: «تشهد فيه» . [5] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 141) . [6] انظر «شرح الحكم العطائية» ص (72) .

عقد فيه قول ابن عطاء الله [1] : وسعك الكون من حيث جثمانيّتك، ولم يسعك من ثبوت روحانيّتك. وفرغ من تأليف هذا الكتاب يوم الجمعة ثالث عشري القعدة من السنة التي قبلها بمكة المشرّفة تجاه البيت الحرام. وفيها أحمد الشيخ الصّالح المعتقد، المعروف بأبي [2] عراقية [3] . أصله من العجم، وأقام بدمشق، وكان للأروام فيه اعتقاد زائد. قال ابن طولون: وهو ممن أخذ عنه، وقد أخبرنا كثيرا عن استيلائهم على هذه البلاد وعمارتهم على قبر المحيوي بن العربي، وعنده تكية قبل موته، وقد وقع ذلك بعد موته بسنتين كما قال. انتهى توفي في هذه السنة، ودفن عند صفة الدّعاء أسفل الروضة من سفح قاسيون. وفي حدودها صاحب خزانة الفتاوي وهو القاضي جكن- بضم الجيم، وفتح الكاف، وسكون النون، وهي كلمة هندية جعلت علما ومعناها بلسان الهند كثير المال. كان رحمه الله تعالى أحد إخوة أربعة كلهم فقهاء فضلاء ولّوا القضاء بنهر واله من إقليم الكجرات واسم القصبة التي نشأوا بها كري- بفتح الكاف، وكسر الراء، آخره ياء مثناة تحت- وكان في أواخر سلطنة السلطان محمود شاه بن محمد شاه بن أحمد شاه الكجراني. وفيها حسام الدّين حسين بن عبد الرحمن الرّومي الحنفي [4] ، العالم الفاضل.

_ [1] انظر «شرح الحكم العطائية» ص (165) . [2] في «أ» : «المعروف بابن عراقية» وما جاء في «ط» موافق كما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 152) . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (231) ، و «الطبقات السنية» (3/ 147) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 186) .

قرأ على علماء عصره، ودخل إلى خدمة المولى أفضل زاده، ثم قرأ على المولى عبد الرحمن بن المؤيد ثم خدم المولى خواجه زاده، ثم ولي التداريس، حتّى صار مدرسا بمدرسة السلطان محمد ببروسا، ثم بمدرسة أبي يزيد باماسية، ثم بإحدى الثمانية، ومات وهو مدرّس بها، وكان فاضلا، بارعا، حسن الصّوت، لطيف المعاشرة، له أدب ووقار، وله حواش على «أوائل حاشية التجريد» وكلمات متعلقة ب «شرح الوقاية» لصدر الشريعة، ورسالة في جواز استخلاف الخطيب، ورسالة في جواز الذكر الجهري، وغير ذلك. قاله في «الكواكب» . وفيها عمر بن معوضة الشّرعبي [1] . قال في «النّور» : كان فقيها عالما صالحا. مات يوم الأربعاء ثاني عشر شوال بزبيد. انتهى وفيها أبو الوفا محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد الموصلي الأشعري الشافعي [2] الشيخ الصالح المسلك المربي. قال في «الكواكب» : كان من أعيان الصّوفية بدمشق وأصلائهم أبا عن جد. توفي في ثامن عشر شهر رمضان، ودفن بمقبرة القبيبات، رحمه الله تعالى. وفيها جمال الدّين محمد بن الصّديق الصّائغ [3] . قال في «النّور» : كان فقيها إماما علّامة. توفي بمدينة زبيد ليلة السبت الحادي عشر من شهر ربيع الأول، ودفن غربي مشهد الشيخ أحمد الصّيّاد. انتهى.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» (104) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 84) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 52) . [3] ترجمته في «النور السافر» (103) .

سنة إحدى وعشرين وتسعمائة

سنة إحدى وعشرين وتسعمائة في حدودها توفي الشيخ شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حسين بن محمد العليني المكي [1] نزيل المدينة الشافعي. ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسمع على جماعة، وأجازه آخرون. قال ابن طولون: أجازني في استدعاء بخطّ شيخنا النّعيمي مؤرّخ في سنة عشرين وتسعمائة. قال: وربما اجتمعت به. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن ثابت بن إسماعيل الزّمزميّ المكّي [2] خادم بئر زمزم، وسقاية العبّاس، نزيل دمشق، الشافعي الإمام الحيسوب المفيد. قال في «الكواكب» : أخذ العلم عن قريبه الشيخ إبراهيم الزّمزمي وغيره، ثم اعتنى بعلم الزيارج، وبتصانيف الشيخ جلال الدّين السّيوطي، رحمه الله تعالى. وتوفي بالمدرسة البادرائية داخل دمشق في سابع عشر ربيع الأول تقريبا سنة إحدى وعشرين وتسعمائة تحقيقا ودفن بمقبرة باب الصغير. انتهى وفيها قاضي القضاة سري الدّين أبو البركات عبد البرّ بن قاضي القضاة محبّ الدّين أبي الفضل محمد بن قاضي القضاة محبّ الدّين أيضا أبي الوليد محمد بن الشّحنة [3] الحنفي.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 4) ، و «الكواكب السائرة» (134) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 79) ، و «الكواكب السائرة» (177) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» ، و «متعة الأذهان» (ق 44) ، و «درّ الحبب» (1/ 2/ 743- 747) و «الكواكب السائرة» (219) .

ولد بحلب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، ورحل إلى القاهرة، فاشتغل في علوم شتّى على شيوخ متعددة ذكرهم السخاوي في ترجمته في «الضوء اللامع» منهم والده وجدّه، ودرّس وأفتى، وتولى قضاء حلب ثم قضاء القاهرة، وصار جليس السلطان الغوري وسميره. قال الحمصي: كان عالما متقنا [1] للعلوم الشرعية والعقلية. وقال ابن طولون: ولم يثن الناس عليه خيرا. وذكر الحمصي أن عبيد السّلموني شاعر القاهرة هجاه بقصيدة قال في أولها: فشا الزّور في مصر وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البرّ قاضي قضاتها [2] وعقد على السّلموني بسبب ذلك مجلس في مستهل محرم سنة ثلاث عشرة بحضرة السلطان الغوريّ، وأحضر في الحديد، فأنكر، ثم عزّر بسببه بعد أن قرئت القصيدة بحضرة السلطان وأكابر الناس وهي في غاية البشاعة والشّناعة، والسّلموني المذكور كان هجاء خبيث الهجو ما سلم منه أحد من أكابر مصر فلا يعدّ هجوه جرحا في مثل القاضي عبد البرّ، وقد كان له في ذلك العصر حشمة، وفضل، وكان تلميذه القطب بن سلطان مفتي دمشق يثني عليه خيرا ويحتج بكلامه في مؤلفاته، وكان ينقل عنه أنه أفتى بتحريم قهوة البن، وله رحمه الله تعالى مؤلّفات كثيرة منها «شرح منظومة ابن وهبان» في فقه أبي حنيفة النّعمان، ومنها «شرح الوهبانية» [3] في فقه الحنفية، و «شرح منظومة جدّه أبي الوليد بن الشحنة» التي نظمها في عشرة علوم، وكتاب لطيف في حوض دون ثلاثة أذرع هل يجوز فيه الوضوء، أولا وهل يصير مستعملا بالتوضي فيه أولا، ومنها «الذخائر الأشرفية في ألغار الحنفية» . وله شعر لطيف منه [4] :

_ [1] في «أ» : (متفننا) وهو تحريف. [2] في «ط» : (قضلتها) وهو تصحيف. [3] في «أ» : (شرح الوجانية) . [4] الأبيات في «الكواكب» (1/ 220) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 747) .

أضار وها مناقبي الكبار [1] ... وبي والله للدنيا الفخار بفضل شائع وعلوم شرع ... لها في سائر الدنيا انتشار ومجد شامخ في بيت علم ... مفاخرهم بها الركبان ساروا وهمة لوذع منهم تسامى ... وفوق الفرقدين لها قرار وفكر صائب في كلّ فن ... إلى تحقيقه أبدا يصار وقال ناظما لأسماء البكّائين في غزوة تبوك [2] وهم الذين نزلت فيهم وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ من الدَّمْعِ 9: 92 [التوبة: 94] . ألا إنّ بكّاء الصّحابة سبعة ... لكونهم قد فارقوا خير مرسل فعمرو أبو ليلى وعلية سالم ... كذا سلمة عرباض وابن مغفل وذيّل عليه البدر الغزّي، فقال [3] : كثعلبة عمرو وصخر وديعة ... وعبد بن عمرو وابن أزرق معقل قال البدر المذكور: وكنت قبل أن أقف على بيتي القاضي عبد البرّ المذكور قد استوفيت أسماءهم ونظمتها في هذه الأبيات [4] : وفي الصّحب بكّاؤون بضعة عشر قد ... بكوا حزنا إذ فارقوا خير مرسل فمنهم أبو ليلى وعمرو بن عتمة ... وصخر بن سلمان وربّع بمعقل كذلك عبد الله وهو ابن أزرق ... كذاك ابن عمرو ثم نجل مغفل وثعلبة وهو ابن زيد وسالم ... هو ابن عمير في مقال لهم جلي أبو علية أو علية ووديعة ... وبالأمجد العرباض للعدّ أكمل

_ [1] في «أ» : (الفحار) . [2] البيتان في «الكواكب» (1/ 220) . [3] البيت في «الكواكب» (1/ 220) . [4] الأبيات في «الكواكب» (1/ 221) .

وذكر ابن الحنبلي في «تاريخه» أن القاضي عبد البرّ نظم أبياتا في أسماء البكّائين المذكورين، وبيّن فيها اختلاف المفسّرين وأهل السير فيهم، وشرحها في رسالة لطيفة. ومن لطائفه قوله [1] : حبشيّة ساءلتها عن جنسها ... فتبسّمت عن درّ ثغر جوهري وطفقت أسأل عن نعومة ما طفا ... قالت فما تبغيه جنسي امحري وتوفي يوم الخميس خامس شعبان بحلب. وفيها تقريبا عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد بن جار الله بن زايد بن يحيى بن محيا بن سالم المكي الشافعي، المعروف كسلفه بابن زايد [2] . ولد سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بمكة، وحفظ القرآن العظيم، وسافر مع أبيه في التجارة إلى الهند واليمن، وسواكن، وغيرها، وسمع على أبي الفتح المراغي جميع «البخاري» خلا أبواب، وبعض «مسلم» وكتبا كثيرة، منها «السنن الأربعة» وسمع على الحافظ تقيّ الدّين بن فهد، ومنه أشياء كثيرة، وعلى الشّهاب الزّفتاوي «المسلسل بالأولية» و «جزء أيوب السختياني» و «البردة» للبوصيري، وغير ذلك، وأجاز له جماعة منهم الحافظ ابن حجر، وأحمد بن محمد بن أبي بكر الدّماميني، والعزّ عبد الرحيم بن الفرات، والسعد الدّيري، وجماعة آخر. وفيها- تقريبا- أيضا الحافظ عزّ الدّين أبو الخير وأبو فارس عبد العزيز بن العمدة المؤرخ الرّحال نجم الدّين [3] أبي القاسم، وأبي حفص عمر بن العلّامة الرّحلة الحافظ تقي الدّين أبي الفضل محمد بن محمد بن محمد [بن محمد] [4]

_ [1] البيتان في «الكواكب» (1/ 221) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 237- 238) . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 224- 226) و (6/ 129) و «الكواكب السائرة» (1/ 238- 239) و «فهرس الفهارس» (2/ 754- 756) . [4] ما بينهما لم يرد في «ط» .

الشريف العلوي الشهير كسلفه بابن فهد المكّي الشافعي. ولد في الثلث الأخير من ليلة السبت سادس عشري شوال سنة خمسين وثمانمائة بمكّة المشرّفة، وحفظ القرآن العظيم، و «الأربعين النووية» و «الإرشاد» لابن المقري، و «ألفية ابن مالك» و «النّخبة» لابن حجر، و «التحفة الوردية» و «الجرومية» وعرضها جميعها على والده وجدّه والثلاثة الأولى على جماعة غيرهما، واستجاز له والده جماعة منهم ابن حجر، وأسمعه على المراغي، والزّين الأسيوطي، والبرهان الزّمزمي وغيرهم، ثم رحل بنفسه إلى المدينة المنورة، ثم إلى الدّيار المصرية، وسمع بهما، وبالقدس، وغزّة، ونابلس، ودمشق، وصالحيتها، وبعلبك، وحماة، وحلب، وغيرها ممن لا يحصى، وجدّ واجتهد وتميّز، ثم عاد إلى بلده، ثم رجع إلى مصر بعد نحو أربع سنوات [1] وذلك في سنة خمس وسبعين، وقرأ على شيخ الإسلام زكريا، والشّرف عبد الحق السّنباطي في «الإرشاد» وعلى السخاوي «ألفية الحديث» وغيرها، ورجع إلى بلده، ثم سافر في موسم السنة التي تليها إلى دمشق، وقرأ بها على الزّين خطّاب، والمحبّ البصروي، وكان قد أخذ عنه بمكة أيضا، وحضر دروس التّقوي بن قاضي عجلون، وسافر إلى حلب، ثم رجع، وسافر إلى القاهرة، ثم عاد إلى بلده، ثم عاد إلى القاهرة، ولازم السّخاوي، وحضر دروس إمام الكاملية، والسّراج العبادي، ثم رجع إلى بلده، وأقام بها ملازما للاشتغال والإشغال، ولازم فيها عالم الحجاز البرهان ابن ظهيرة في الفقه والتفسير، وأخاه الفخر، والنّور الفاكهي في الفقه وأصوله، وأخذ النحو عن أبي الوقت المرشدي، والسيد السّنهوري مؤرخ المدينة، والنحو والمنطق عن العلّامة يحيى المالكي، وبرع في علم الحديث، وتميّز فيه بالحجاز، مع المشاركة في الفضائل وعلو الهمّة والتخلق بالأخلاق الجميلة، وصنّف عدة كتب، منها «معجم شيوخه» نحو ألف شيخ، و «فهرست مروياته» و «جزء في المسلسل بالأولية» وكتاب فيه المسلسلات التي وقعت له، و «رحلة» في مجلد، وكتاب «الترغيب والاجتهاد في الباعث لذوي الهمم العلية

_ [1] في «أ» : (سنين) .

على الجهاد» و «ترتيب طبقات القرّاء» للذهبي، و «تاريخ» على السنين ابتدأ فيه من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة. وذكر ابن طولون أنه أجازه مرارا، وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية، ثم المسلسل بالمحمدين، ثم المسلسل بحرف [1] العين، وذلك يوم الاثنين سادس ذي الحجة سنة عشرين وتسعمائة بزيارة دار الندوة. انتهى وفيها جمال الدّين محمد بن محمد النّطاري [2] . قال في «النّور» : كان نعم الرّجل، فقها، وعقلا، وصيانة، ودينا، وأمانة، وبذلا للمعروف، كافا للأذى، معينا للملهوف، له صدقات جليلة سرّا وعلانية، وكان قطب رحى المملكة السلطانية الظّافرية وعين الأعيان في الجهة اليمانية. ومن آثاره بناء المسجد ببيت الفقيه عجيل، عمره عمارة متقنة إلى الغاية، وبني مدرسة بمدينة أب، ووقف عليها وقفا جليلا، وجملة من الكتب النّفيسة، وله من الآثار الحسنة ما يجلّ عن الوصف. وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى بمدينة أب بعد أن طلع إليها متوعكا من نحو شهر، وترك ولده الفقيه عبد الحق [3] عوضا عنه بزبيد. انتهى

_ [1] في «أ» : (بحروف) . [2] ترجمته في «النور السافر» (104- 105) . [3] في «ط» : «المحق» وهو خطأ.

سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة

سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة فيها زالت دولة الجراكسة بملوك بني عثمان خلّد الله دولتهم وأبّد سيادتهم. وفيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم السّمديسي المصري الحنفي [1] . قال في «الكواكب» : ولي نيابة القضاء والوظائف الدينية بالقاهرة، وناب عن عمّه القاضي شمس الدّين السّمديسي في إمامة الغورية. وتوفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى وصلّي عليه في الجامع [2] الأزهر. انتهى وفيها برهان الدّين أبو الوفاء إبراهيم بن زين الدّين أبي هريرة عبد الرحمن بن شمس الدّين محمد بن مجد الدّين إسماعيل الكركي الأصل القاهري [3] المولد والدار والوفاة، الحنفي إمام السلطان، ويعرف بابن الكركي. قال في «النّور السافر» : ولد وقت الزوال من يوم الجمعة تاسع شهر رمضان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة، وأمه أم ولد جركسية، وحفظ القرآن، و «أربعين النّووي» و «الشاطبية» و «مختصر القدوري» و «ألفية ابن مالك» وغيرها. وعرض محفوظاته على أئمة عصره، كالشهاب ابن حجر، والعلم البلقيني،

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 112) . [2] في «أ» : (بالجامع) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (108) .

والقلقشندي، واللولوي السقطي، وابن الدّيري، وابن الهمام، وجماعة آخرين، وكتبوا كلّهم له، وسمع «صحيح مسلم» أو أكثره على الزّين الزّركشي، وأقبل على العلم وتحصيله، فأخذ الفقه والعربية عن الشمس إمام الشيخونية، وكذا أخذ عن النجم الغزّي، والعزّ عبد السلام البغدادي، وسمع عليه «الشفا» وقرأ «الصحيحين» على الشّهاب بن العطّار، وحضر دروس الكمال بن الهمام، ولازم التّقي الحصني، والتّقي الشّمنّي، والكافيجي، وعظم اختصاصه بهم، وأخذ عن الشّمنّي التفسير، وعلوم الحديث، والفقه، والأصلين، والعربية، والمعاني، والبيان، ورتّبت له الوظائف الكثيرة، من جملتها دينار كل يوم، ونوه به في قضاء الحنفية، وكان شأنه أعلى من ذلك إذ كان القضاة وغيرهم يترددون إليه، ومال الأفاضل من الغرباء وغيرهم من الاستفادة منه والمباحثة معه، ولم يزل يزيد اختصاصه بالسلطان قايتباي بحيث لم يتخلف عنه في سفر ولا غيره. قال السخاوي: إنه تمنى بحضرته الموت فانزعج من ذلك وقال: بل أنا أتمناه لتقرأ عند قبري وتزورني، وصنّف، وأفتى، وحدّث، وروى، ونظم، ونثر، ونقّب، وتعقب، وخطب، ووعظ، وقطع، ووصل، وقدّم، وأخر. ومن تصانيفه فتاوى في الفقه مبوبة في مجلدين، و «حاشية على توضيح ابن هشام» هذا كله مع الفصاحة، والبلاغة، وحسن العبارة، والضبط، وجودة الخط، ولطف العشرة، والميل إلى النّادرة، واللطف، ومزيد الذكاء، وسرعة البديهة، والاعتراف بالنّعمة، والطبع المستقيم، إلى أن تنكد خاطر السلطان من جهته في سنة ست وثمانين فمنعه من الحضور في حضرته، فتوجه للإقراء في بيته فنون العلم والفتيا، وحجّ ثلاث حجّات، وأخذ عن أهل الحرمين، وأخذوا عنه. انتهى كلام صاحب «النّور» . وقال ابن فهد: إنه تولى قضاء الحنفية بالقاهرة في زمن الأشرف بن قايتباي في سنة ثلاث وتسعمائة، ثم عزل سنة ست، واستمرّ معزولا إلى أن مات. وقال في «الكواكب السائرة» : كانت وفاته يوم الثلاثاء خامس شعبان غريقا تجاه منزله من بركة الفيل بسبب أنه كان توضأ بسلالم قيطونه فانفرك به القبقاب

فانكفأ في البركة ولم يتفق أحد يسعفه فاستبطأوه وطلبوه فوجدوا عمامته عائمة وفردة القبقاب على السّلّم فعلموا سقوطه في البركة فوجدوه ميتا، ونال الشهادة، ودفن من الغد بفسقيته [1] التي أنشأها بتربة الأتابك يشبك بقرب السلطان قايتباي، وتردد الأمير طومان باي الذي صار سلطانا بعد موت الغوري إلى بيته وذهب ماشيا إلى جنازته هو ومن بمصر من الأعيان. انتهى وفيها برهان الدّين أبو الفتح إبراهيم بن علي بن أحمد القلقشندي [2] الشيخ الإمام العلّامة المحدّث الحافظ الرّحلة القدوة الشافعي القاهري. أخذ عن جماعة، منهم الحافظ ابن حجر، والمسند عزّ الدّين بن الفرات الحنفي، وغيرهما، وخرّج لنفسه «أربعين حديثا» . قال البدر العلائي: إنه آخر من يروي عن الشّهاب الواسطي، وأصحاب الميدومي، والتّاج الشّرابشي، والتّقي الغزنوي، وعائشة الكنانية، وغيرهم، وقال الشعراوي. كان عالما صالحا زاهدا، قليل اللهو والمزاح [3] ، مقبلا على أعمال الآخرة، حتى ربما يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل، انتهت إليه الرئاسة وعلو السّند في الكتب الستة والمسانيد والإقراء. قال: وكان لا يخرج من داره إلّا لضرورة شرعية، وليس له تردد إلى أحد من الأكابر، وكان إذا ركب بغلته وتطيلس يصير الناس كلّهم ينظرون إليه من شدّة الهيبة والخفر الذي عليه. وتوفي فقيرا بحصر البول يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة عن إحدى وتسعين سنة لا تزيد يوما ولا تنقص يوما وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بتربة الطويل خارج باب الحديد من صحراء القاهرة. قال الشعراوي: وكأن الشمس كانت في مصر فغربت أي عند موته.

_ [1] في «أ» : (بفسيقيته) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 24) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 108) ، و «النور السافر» (110) . [3] في «أ» : (والمزح) .

وفيها برهان الدّين إبراهيم بن موسى بن أبي بكر بن الشيخ علي الطّرابلسي ثم الدمشقي [1] نزيل القاهرة الحنفي الإمام العلّامة. أخذ عن السّخاوي، والديمي، وغيرهما، وكان منقطعا في خلوة بالمؤيدية عند الشيخ صلاح الدّين الطّرابلسي، ثم طلب العلم واشتغل، وترقى مقامه عند الأتراك بواسطة اللّسان، ثم صار شيخ القجماسية. وتوفي في آخر هذه السنة وصلّي عليه وعلى البرهانين ابن الكركي المتقدم، وابن أبي شريف الآتي في السنة التي بعد هذه غائبة بجامع دمشق. وفيها أحمد بن أبي بكر العيدروس [2] الشيخ الصّالح الولي العجيب. قال في «النّور» : أمه بهية بنت الشيخ علي بن أبي بكر بن الشيخ عبد الرحمن الشقّاف، وأمها فاطمة بنت الشيخ عمر المحضار بن الشيخ عبد الرحمن الشقّاف فولده الشيخ عمر من الجهتين كما ولده أيضا الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن مرتين وقد تميّز بهذا عن غيره من بني عمه كما أشار إليه العلّامة بحرق حيث يقول فيه [3] : أصيل [4] السّيادة لا ينتمي ... إلى جدّ [5] إلّا هو السّيّد لئن شاركته بنو العيدروس ... بفخر هو الشمس لا يجحد فقد خصّه الله من بينهم ... بآيات مجد له تشهد حوى سرّ جدّيه من أمه ... فطاب له الفرع والمحتد فهو الوارث لأبيه وجدّه وحامل الراية من بعده، وولي عهده، فقد قام بالمقام أتمّ قيام، ونهض بما نهض به آباؤه الكرام فساد وجاد وبنى معاقل المجد، وشاد

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 112) ، و «النور السافر» (111) . [2] ترجمته في «النور السافر» (105) . [3] الأبيات في «النور السافر» (105) . [4] في «النور» : (أصل) ولا يستقيم بها الوزن. [5] في «النور» : (حدّ) ولا يستقيم بها المعنى.

وأحيا الرواتب التي أسسها أبوه والأوراد، وواظب [1] على إطعام الطعام وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام باذلا جاهه وماله في إيصال النّفع إلى أهل الإسلام، واتفق أن ثمن الكسوة التي اشتراها في آخر ختمة لرمضان صلّاها بلغ خمسة آلاف دينار أو أكثر وحكى أن خبز مطبخه كان إذا ركموه يبلغ إلى سطح الدار، ودور عدن عالية جدا بحيث أنها تكون على ثلاثة قصور غالبا. قال الراوي: فعجبت وقلت: ما كان بعدن إذ ذاك سائل. قالوا: لا ما كان في زمنه وزمن والده في عدن سائل أصلا. ومحاسنه- رحمه الله تعالى- أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، ورثاه العلّامة بحرق بمرثية حسنة منها [2] : لمن تبنى مشيدات القصور ... وأيام الحياة إلى قصور إلى أن قال: وروّعت الأنام [3] بفقد شخص ... رزئت به على بشر كثير شهاب ثاقب من نور بدر ... تبقي من شموس من بدور وهي طويلة. وتوفي في سلخ المحرم بعدن ودفن بها في قبة أبيه وعمره يومئذ أربعون سنة تقريبا. انتهى ملخصا. وفيها السيد أحمد البخاري [4] العارف بالله تعالى الشريف الحسيني. قال في «الكواكب» : صحب في بدايته الشيخ العارف بالله تعالى خواجه عبيد الله السّمرقندي، ثم صحب بأمره الشيخ الإلهي، وسار معه إلى بلاد الرّوم، وترك أهله وعياله، ببخارى، وكان الشيخ الإلهي يعظّمه غاية التعظيم، وعيّن له

_ [1] في «أ» : (ووظب) وهو خطأ. [2] القصيدة بكاملها في «النور السافر» (106- 107) . [3] في «أ» : (الأيام) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 152- 153) .

جانب يمينه، وكان يقول: إن السيد أحمد البخاري صلّى بنا الفجر بوضوء العشاء ست سنين. وسئل السيد أحمد عن نومه في تلك المدة. قال: كنت آخذ بغلة الشيخ وحماره في صبيحة كل يوم وأصعد الجبل لنقل الحطب إلى مطبخ الشيخ، وكنت أرسلهما ليرتعا في الجبل واستند إلى جبل [1] وأنام ساعة، وذهب بإذن شيخه إلى الحجاز على التجريد والتوكل، وأعطاه الشيخ حمارا وعشرة دراهم، وأخذ من سفرة الشيخ خبزة واحدة، ولم يصحب سوى ذلك إلا مصحفا ونسخة من «المثنوي» فسرق المصحف، وباع «المثنوي» بمائة درهم، وكان مع ذلك على حسن حال وسعة نفقة. وجاور بمكّة المشرّفة قريبا من سنة، ونذر أن يطوف بالكعبة كل يوم سبعا ويسعى بين المروتين سبعا، وكان كل ليلة يطوف تارة ويجتهد أخرى، وتارة يستريح، ولا ينام ساعة مع ضعف بنيته، وزار القدس الشريف وسكنه مدة، ثم رجع إلى شيخه وخدمته ببلدة سيما، ثم وقع في نفسه زيارة مشايخ القسطنطينية فاستأذن من شيخه فأذن له، فذهب إليها، ثم كتب إلى شيخه يرغبه في سكناها، فرحل إليه شيخه، ثم لما مات شيخه كان خليفته في مقامه ورغب الناس في خدمته حتّى تركوا المناصب واختاروا خدمته، وكان على مجلسه الهيبة والوقار، وكان له أشراف على الخواطر، ولا يجري في مجلسه ذكر الدنيا أصلا، وكانت طريقته الأخذ بالعزيمة، والعمل بالسّنّة، والتجنب عن البدعة، والعزلة، والجوع، والصّمت، وإحياء الليل، وصوم النهار، والمحافظة على الذكر الخفي. وتوفي بقسطنطينية ودفن عند مسجده وقبره يزار ويتبرّك به، قيل: ولما وضع في قبره توجه هو بنفسه إلى القبلة وصلى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلم. انتهى وفيها أحمد الزواوي [2] ، الشيخ الصّالح العابد. أخذ الطريق عن الشيخ شعبان البلقطري، وكان ورده في اليوم والليلة عشرين ألف تسبيحة وأربعين ألف صلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلم. قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان عابدا، زاهدا، جزل الألفاظ،

_ [1] في «أ» : (شجرة) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 152) .

لطيف المعاني، يفعل قوله في النّفوس ما لا تفعله المثالث والمثاني، ولما سافر الغوري إلى قتال ابن عثمان جاء إلى مصر ليرد ابن عثمان عنها، فعارضه بعض أوليائها فلحقه داء البطن، فتوجه إلى دمنهور الوحش فمات في الطريق ودفن بدمنهور. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن عطية بن محمد بن فهد العلوي الهاشمي المكّي الشافعي [1] الإمام المسند. ولد يوم الأربعاء تاسع المحرم سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده وعمّه الحافظ تقي الدّين وأبي الفتح المراغي، وعبد الرحيم الأسيوطي، وابن حجر العسقلاني، واجتمع به ابن طولون في سنة عشرين وأجازه ولم يسمع منه، وتوفي في هذه السنة. وفيها حسام الدّين حسين بن حسن بن عمر البيري ثم الحلبي الشافعي الصّوفي [2] . قال في «الكواكب» : وصفه شيخ الإسلام الوالد في رحلته وغيرها بالشيخ الإمام الكبير العلّامة المفتي العارف بالله تعالى. ولد ببيرة الفرات، ثم انتقل إلى حلب، وجاور بجامع الطواشي، ثم بالأجيهية، ثم ولي في سنة أربع وتسعمائة النظر والمشيخة بمقام سيدي إبراهيم بن أدهم، وكان له ذوق، ونظم، ونثر بالعربية والفارسية والتركية، وله رسالة في القطب والإمام، وعرّب شيئا من «المثنوي» من الفارسية وشيئا من «منطق الطير» من التركية منه: اسمعوا يا سادتي صوت اليراع ... كيف يحكي عن شكايات الوداع ومنه: ما ترى قطّ حريصا قد شبع ... ما حوى الدّرّ الصدف حتى قنع

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 177) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 184) .

ومن شعره رضي الله عنه: بقايا حظوظ النّفس في الطبع أحكمت ... كذلك أوصاف الأمور الذّميمة تحيّرت في هذين والعمر قد مضى ... إلهي فعاملنا بحسن المشيئة انتهى ملخصا. وفيها المولى سعدي بن ناجي [1] بيك أخو المولى جعفر جلبي بن ناجي بيك الرّومي الحنفي العالم الفاضل. قرأ على جماعة من الموالي، منهم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده، والمولى محمد بن الحاج حسين، وبرع، واشتهرت فضائله، ودرّس في مدرسة السلطان مراد خان الغازي ببروسا، ثم أعطي مدرسة الوزير علي باشا بقسطنطينية، ثم إحدى الثمانية، ثم حجّ وعاد فأعطي تقاعدا بثمانين عثمانيا. وكان فاضلا في سائر الفنون، خصوصا العربية، وله باللسان العربي إنشاء وشعر في غاية الجودة، وله حواش على «شرح المفتاح» للسيد الشريف، وحاشية على «باب الشهيد من شرح الوقاية» لصدر الشريعة ونظم «عقائد النسفي» بالعربية، وله رسائل [2] أخرى. قاله في «الكواكب» . وفيها المولى عبد الرحمن [3] بن علي، المعروف بابن المؤيد الأماسي الرّومي [4] الحنفي العالم العلّامة المحقّق الفهامة. ولد بأماسية في صفر سنة ستين وثمانمائة، واشتغل بالعلم [5] ببلده، ولما بلغ سنّ الشباب صحب السلطان أبا يزيد خان حين كان أميرا بأماسية، فوشى به المفسدون إلى السلطان محمد خان والد السلطان أبي يزيد، فأمر بقتله، فبلغ

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 208) و «الشقائق النعمانية» (197) . [2] في «أ» : «رسالة» . [3] في «أ» : «عبد الرحيم» وما جاء في «ط» هو الصواب. [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (176) ، و «الطبقات السنية» (4/ 292) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 232) . [5] في «أ» : «في العلم» .

السلطان أبا يزيد ذلك قبل وصول أمر والده فأعطاه عشرة آلاف درهم وخيلا وسائر أهبة السفر، وأخرجه ليلا من أماسية ووجهه إلى بلاد حلب، وكانت إذ ذاك في أيدي الجراكسة فدخلها سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، فأقام هناك مدة، واشتغل بها في النحو، فقرأ في «المفصّل» [1] ، ثم أشار عليه بعض تجّار العجم أن يذهب إلى المولى جلال الدّين الدّواني ببلدة شيراز، ووصف له بعض فضائله، فخرج مع تجّار العجم، وقصد المنلا المذكور، فقرأ عليه زمانا كثيرا، وحصّل عنده من العلوم العقلية، والعربية، والتفسير، والحديث، كثيرا، وأجازه، وشهد له بالفضل التّام بعد أن أقام عنده سبع سنين، فلما بلغه جلوس السلطان أبي يزيد على تخت السلطنة، سافر إلى الرّوم، فصحب موالي الرّوم، وتكلّم معهم فشهدوا بفضله وعرضوه على السلطان فأعطاه مدرسة قلندرخانه بالقسطنطينية، ثم إحدى [2] ، الثمانية، ثم قضاء القسطنطينية، ثم أدرنه، ثم قضاء العسكر بولاية أناضولي [3] ، ثم بولاية روم إيلي، ثم عزل، وجرت له محنة، ثم لما [4] تولى السلطان سليم خان أعاده إلى قضاء العسكر في سنة تسع عشرة، وسافر معه إلى بلاد العجم لمحاربة الشاه إسماعيل، ثم عزل عن قضاء العسكر بسبب اختلال حصل في عقله في شعبان سنة عشرين، وعيّن له كل يوم مائتي درهم، ورجع إلى القسطنطينية معزولا، وكان قبل اختلاله بالغا الغاية القصوى في العلوم العقلية والعربية، ماهرا في التفسير، مهيبا، حسن الخطّ جدا، ينظم الشّعر بالفارسية والعربية، وله مؤلفات بقي أكثرها في المسودات، منها رسالة لطيفة في المواضع المشكلة من علم الكلام، ورسالة في تحقيق الكرة المدحرجة. وتوفي بالقسطنطينية ليلة الجمعة خامس عشر شعبان، وقيل: في تاريخ وفاته [5] :

_ [1] في «ط» : «الفصل» وهو تحريف. [2] في «أ» : «أحد» . [3] في «أ» : «أناظولا» . [4] ليست اللفظة في «أ» . [5] الأبيات في «الشقائق والكواكب» .

نفسي الفداء لحبر حل حين قضى ... في روضة وهو في الجنّات محبور مقامه في علا الفردوس مسكنه ... أنيسه في الثّرى الولدان والحور قل للّذي يبتغي تاريخ رحلته ... (نجل المؤيّد مرحوم ومغفور) [1] وفيها قاضي القضاة محيى الدّين عبد القادر، المعروف بابن النّقيب القاهري [2] الشافعي الإمام العلّامة. قرأ على جماعة من الأعلام، منهم الكمال بن أبي شريف، وزكريا الأنصاري، وتولى قضاء مصر مرارا [3] ، وكان لا يصلي الصّبح صيفا ولا شتاء إلّا في الجامع الأزهر، يمشي كل يوم من المدرسة الناصرية إليه، وكان متواضعا، سريع الدّمعة، وكان بيده مشيخة الخانقاه الصّلاحية سعيد السعداء، وتدريس الظّاهرية الجديدة، برقوق بين القصرين، وكان مارّا بالقصبة ليلة الاثنين حادي عشر ربيع الأول فرفسه بغل فانكسر ضلعه أو فخذه ومات في اليوم الثاني. وفيها تاج الدّين عبد الوهاب الذاكر المصري [4] الشيخ الصّالح المسلك المربي المجد الدّاعي إلى الله تعالى. ربي يتيما بمكتب مدرسة الحسامي، فلما ترعرع تعلّق على صنعة البناء، ثم وفقه الله تعالى للاجتماع على الشيخ نور الدّين بن خليل عرف بابن عين الغزال، فلازمه وصار يحضر المحافل، ويتردّد إلى الشيخ تقي الدّين الأوجاقي، حتّى اشتهر، فجمع الناس، ولازم الذكر والخير، وأقرأ «البخاري» و «الشفا» و «العوارف» بروايته لها عن العزّ بن الفرات، وعن التّقي الأوجاقي، ونازع العلائي أن يكون سمع من العزّ بن الفرات، وكان نيّر الوجه، حسن السّمت، كثير

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» : «ومغفور» ولا يصح العدد فيها على حساب الجّمل، وفي «الشقائق» وهو الصواب: نجل المؤيد مرحوم ومبرور 83 91 294 454 922 [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) . [3] في ط: «مرات» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 258- 259) .

الشفاعات، شديد الاهتمام بقضاء حوائج الناس، مجدا في العبادة، دائم الطّهارة، لا يتوضأ عن حدث إلا كل سبعة أيام، وسائر طهاراته تجديد، وانتهى أمره آخرا إلى أنه كان يمكث اثني عشر يوما لا يتوضأ عن حدث، ولم يعرض ذلك لأحد في عصره إلّا الشيخ أبي السعود الجارحي، وامتحنه قوم دعوه وجعلوا يطعمونه سبعة أيام ولم يحدث، ثم علم أنهم امتحنوه فدعا عليهم فانقلبت بهم المركب، فقيل له في ذلك، فقال: لا غرق وإنما هو تأديب وينجون، فكان كذلك ثم ندم على الدعاء عليهم، وقال: لا بد لي من المؤاخذة، فمرض أكثر من أربعين يوما، ومكث خمسا وعشرين سنة لم يضع [1] جنبه على الأرض إنما ينام جالسا على حصير، وقال عند موته: لي أربعون سنة أصلي الصبح بوضوء العشاء، وقد طويت سجادتي من بعدي. وتوفي يوم الخميس ثالث عشري جمادي الآخرة، ودفن بزاويته قريبا من حمّام الدودحين. قاله في «الكواكب» . وفيها عزّ الدّين الصّابوني الحلبي [2] الحنفي، المعروف بابن عبد الغني ابن عمّ أبي بكر بن الموازيني. كان خطيبا جيد الخطبة، ولي خطابة جامع الأطروش بحلب، فلما دخل السلطان سليم خان حلب في هذه السنة صلى الجمعة بالجامع المذكور خلف المذكور فحظي بسبب ذلك، ولم يلبث أن توفي في هذه السنة، وكان في قدميه اعوجاج بحيث لا يتردّد في الشوارع إلّا راكبا. وفيها عائشة بنت يوسف بن أحمد [3] بن ناصر بنت الباعوني المعروفة بالباعونية الشيخة الصّالحة الأريبة العالمة العاملة أم عبد الوهاب الدمشقية أحد أفراد الدّهر [4] ونوادر الزّمان فضلا وأدبا وعلما وشعرا وديانة وصيانة.

_ [1] في «أ» : «يضجع» وما هنا يوافق ما في الكواكب. [2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 894- 895) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 260) . [3] ترجمتها في «در الحبب» (1/ 2/ 1060- 1069) ، و «متعة الأذهان» (112- 113) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 287- 292) . [4] في «ط» : «الدهور» .

تنسكت على يد السيد الجليل إسماعيل الخوارزمي، ثم على خليفة المحيوي يحيى الأرموي، ثم حملت إلى القاهرة، ونالت من العلوم حظا وافرا، وأجيزت بالإفتاء والتدريس، وألّفت عدة مؤلفات، منها «الفتح الحنفي» يشتمل على كلمات لدنيّة ومعارف سنية، وكتاب «الملامح الشريفة والآثار المنيفة» يشتمل على إنشادات صوفية ومعارف ذوقية، وكتاب «درر [1] الغائص في بحر المعجزات والخصائص» وهو قصيدة رائية، وكتاب «الإشارات الخفية في المنازل العلية» وهي أرجوزة اختصرت فيها «منازل السائرين» للهروي، وأرجوزة أخرى لخصت فيها «القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع» للسخاوي، و «بديعية» وشرحتها، وغير ذلك. ومن كلامها: وكان مما أنعم الله به عليّ أنني بحمده لم أزل أتقلب في أطوار الإيجاد في رفاهية [2] لطائف البرّ الجواد إلى أن خرجت إلى هذا العالم المشحون بمظاهر تجلياته الطافح بعجائب قدرته، وبدائع إرادته، المشوب موارده بالأقدار والأكدار الموضوع بكمال القدرة والحكمة للابتلاء والاختبار دار ممر لا بقاء لها إلى دار القرار فربّاني اللطف الرّبّاني في مشهد النّعمة والسّلامة، وغذّاني بلبان مدد [3] التوفيق لسلوك سبيل الاستقامة، وفي بلوغ درجة التمييز أهّلني الحقّ لقراءة كتابه العزيز، ومن عليّ بحفظه على التمام ولي من العمر حينئذ ثمانية أعوام، ثم لم أزل في كنف ملاطفات اللطيف حتى بلغت درجة التكليف في كلام آخر. ولما دخلت القاهرة ندبت لقضاء مآرب لها تتعلق بولد لها كان في صحبتها المقر أبو [4] الثنا محمود بن أجا الحلبي صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية فأكرمها وولدها وأنزلها في حريمه، وكانت قد مدحته بقصيدة أولها [5] : روى البحر أصباب [6] العطا عن نداكم ... ونشر الصّبا عن مستطاب ثناكم

_ [1] في «ط» : (در) . [2] ليست اللفظة في «أ» . [3] في «ط» : (مداد) وهو خطأ. [4] في «أ» : (أبا) وهو خطأ. [5] البيت في «در الحبب» (1/ 2/ 1064) و «الكواكب» (1/ 288) . [6] جاء في حاشية «الكواكب» ما يلي: في الهامش بخط متأخر ما يلي: «لعل صوابه أخبار» .

فعرضها على شيخ الأدباء السيد عبد الرحيم العبّاسي القاهري فأعجب بها، وبعث إليها بقصيدة من بديع نظمه فأجابت عنها بقصيدة مطلعها [1] : وافت تترجم عن حبر هو البحر ... بديعة زانها مع حسنها الخفر ومن شعرها [2] : نزّه الطّرف في دمشق ففيها ... كلّ ما تشتهي وما تختار هي في الأرض جنة فتأمّل ... كيف تجري من تحتها الأنهار كم سما في ربوعها كلّ قصر ... أشرقت من وجوهها الأقمار وتناغيك بينها صارخات [3] ... خرست [4] عند نطقها الأوتار كلّها روضة وماء زلال ... وقصور مشيدة وديار وذكر ابن الحنبلي: أنها دخلت حلب في هذه السنة والسلطان الغوري بها لمصلحة لها كانت عنده، فاجتمع بها من وراء حجاب البدر السّيوفي، وتلميذه الشمس السّفيري، وغيرهما. ثم عادت إلى دمشق وتوفيت بها في هذه السنة. وفيها السلطان الملك الأشرف أبو النّصر قانصوه بن عبد الله الجركسي المشهور بالغوري [5] وسمّاه ابن طولون جندب، وجعل قانصوه لقبا له. والغوري نسبة إلى طبقة الغور أحد الطبقات التي كانت بمصر معدة لتعليم المؤدبين. قال ابن طولون: كان يذكر أن مولده في حدود الخمسين وثمانمائة وترقي في المناصب حتّى صار نائب طرسوس، فانتزعها منه جماعة السلطان أبي يزيد بن

_ [1] البيت في «در الحبب» (1/ 2/ 1065) و «الكواكب» (1/ 288) . [2] الأبيات في «الكواكب» (1/ 292) . [3] في «الكواكب» : (صارحات) . [4] في «ط» : (خرصت) تحريف. [5] ترجمته.

عثمان فهرب منها وعاد إلى حلب، فلما انتصر عسكر مصر على الأروام عاد إلى طرسوس مرة ثانية، ثم أخذها الأروام مع ما والاها فهرب منها أيضا إلى حلب ثم نصر عسكر مصر ثانيا فعاد إليها مرة ثالثة، ثم أعطي نيابة ملطية، فلما مات الملك الأشرف قايتباي رجع إلى مصر ووقعت له أمور في دولة الملك الناصر بن قايتباي، ثم أعطاه تقدمة ألف، ثم في دولة جان بلاط أعطاه رأس نوبة النّوب، ثم تنقّلت به الأحوال إلى أن صار سلطانا. قال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه «نزهة الناظرين» : تولى الملك يوم الاثنين عيد الفطر مستهل شوال سنة ست وتسعمائة بعد أن هاب أمر الجلوس على تخت الملك، وجعل بعضهم يحيل على بعض في الجلوس عليه، فاتفقوا على الغوري لأنهم رأوه [1] ليّن العريكة، سهل الإزالة- أي وقت أرادوا- وليس الأمر كما ظنوا، فقال لهم أقبل ذلك بشرط أن لا تقتلوني بل إذا أردتم خلعي وافقتكم، فاستوثق منهم وبويع بقلعة الجبل بحضرة الخليفة المستنصر بالله والقضاة الأربع وأصحاب الحلّ والعقد، فأقام سلطانا خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما، وكان ذا رأي وفطنة كثير الدّهاء والعسف قمع الأمراء وأذل المعاندين، حتّى اشتد ملكه وهيبته فهادته الملوك وأرسلت قصادها إليه كملك الهند، واليمن، والمغرب، والرّوم، والمشرق، والعبد، والزّنج، وفكّ الأسرى منهم، وكان له المواكب الهائلة، ومهد طريق الحجّ بحيث كان يسافر فيه النّفر اليسير، وكانت فيه خصال حسنة، وكان يصرف لمطبخ الجامع الأزهر في رمضان ستمائة وسبعين دينارا، ومائة قنطار عسل، وخمسمائة إردب قمح للخبز المفرق فيه. وفي أيامه بنى دائرة الحجر الشريف وبعض أروقة المسجد الحرام وباب إبراهيم، وجعل علوه قصرا شاهقا وتحته ميضأة، وبنى عدة خانات وآبار في طريق [2] الحج المصري، منها خان في العقبة والأزلم وأنشأ مدرسة بسوق الجملون بالقاهرة والتربة المقابلة لها والمئذنة المعتبرة بالجامع الأزهر، والبستان

_ [1] في «ط» : «يروه» . [2] في «أ» : (طرق) .

تحت القلعة، والمنتزه العجيب بالملقة، وأنشأ مجرى الماء من مصر إلى القلعة، وعمر بعض أبراج الإسكندرية، وغير ذلك من جوامع وقصور ومنتزهات، إلا أنه كان شديد الطّمع، كثير الظّلم والعسف، مصادرا للناس في أخذ أموالهم، وبطل الميراث في أيامه بحيث كان إذا مات أحد أخذ ماله جميعا. كذا قال القطبي، فجمع أموالا عظيمة وخزائن وأمتعة، وافتتح اليمن، واتخذ مماليك لنفسه، فصاروا يظلمون الناس، وأظهروا الفساد وأضروا العباد وهو يغضي عنهم ويحكى أن بعض مماليكه اشترى متاعا ولم يرض صاحبه بقيمته، فقال له: شرع الله، فضربه بالدبوس فشج رأسه، وقال: هذا شرع الله فسقط مغشيا عليه، وذهب بالمتاع ولم يقدر أحد يتكلم، فرفع بعض الصّالحين يديه ودعا على الجندي وعلى سلطانه بالزوال، ثم قالت له نفسه: كيف يزول ملك هذا السلطان العظيم الذي ملأت جنوده وسطوته الأرض فلم يمض إلا قليل، ثم وقعت فتنة [1] بينه وبين السلطان سليم ملك الرّوم بسبب إسماعيل شاه، فقصد كل منهما الآخر في عسكرين عظيمين، فالتقيا بموضع يسمّى مرج دابق شمالي حلب بمرحلة، خامس عشري رجب، فانهزم عسكر الغوري بمكيدة خير بك والغزّالي من جماعته، وفقد الغوري تحت سنابك الخيل في مرج دابق، وأقام السلطان سليم بعد الوقعة في بلاد الشام أشهرا، وأمر بعمارة قبر الشيخ محيي الدّين بن عربي بصالحية دمشق. ثم تولى في تلك المدة بمصر الملك الأشرف طومان باي الجركسي ابن أخي الغوري، ووقع بينه وبين السلطان سليم حروب يطول ذكرها، ثم سلّم نفسه طائعا فقتل بباب زويلة، وأمر السلطان سليم بدفنه بجانب مدفن الغوري المشهور. وبه انقرضت دولة الجراكسة. وفي آخر أيام الغوري في حدود العشرين ظهرت الفرنج البرتقال [2] على بنادر [3] الهند استطرقوا إليها من بحر الظلمات من وراء جبال القمر منابع النيل، فعاثوا في أرض الهند، ووصل أذاهم وفسادهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن

_ [1] ليست اللفظة في «ط» . [2] قلت: ويعرفون الآن بالبرتغال. [3] في «أ» : (البرتقان على بندار) .

وجدّة، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك جهّز إليهم خمسين غرابا مع الأمير حسين الكردي، وأرسل معه فيها [1] عسكرا عظيما من التّرك والمغاربة واللوند، وجعل له جدّة أقطاعا، وأمره بتحصينها، فلما وصل حسين الكردي شرع في بناء سورها وإحكام أبراجها، وهدم كثيرا من بيوت الناس، مع عسف وشدة ظلم، بحيث بنى السّور جميعه في دون عام ثم توجه بعساكره إلى الهند في حدود سنة إحدى وعشرين، فاجتمع بسلطان كجرات خليل شاه فأكرمه وعظّمه، وهرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله، ثم عاد حسين الكردي على اليمن فافتتحها من بني طاهر ملوكها، وقتل سلاطينها في هذه السنة، وترك بها نائبا في زبيد اسمه برسباي الجركسي، وتمّ الأمر الذي لا مزيد عليه له وللسلطان الغوري، وإذا تمّ أمر بدا نقصه، ثم عاد حسين إلى جدّة، وقدم مكّة، فبلغه زوال دولة الغوري. وورد أمر السلطان سليم بقتل حسين الكردي فأخذه شريف مكّة بغتة وقيّده، وشمّت به، وأرسله لبحر جدّة فغرّقه فيه. فائدة: تولى مصر اثنان وعشرون سلطانا مسهّم الرّق من الجراكسة وغيرهم، أيبك التركماني، وقطر المعزي، والظّاهر بيبرس، وقلاوون، وكتبغا، ولاجين، وبيبرس الجاشنكير، وبرقوق، والمؤيد شيخ، وططر، وبرسباي، وجقمق، وإينال، وخشقدم، وبلباي، وتمربغا، وقايتباي، وقانصوه، وطومان باي، وجنبلاط، والغوري، وطومان باي، ابن أخيه آخر الدولة المصرية الجركسية، ومما قيل فيه: وكان شخصا حسن المجالسة ... وهو انتهاء مدّة الجراكسه وعدة [2] سلاطين الجراكسة اثنان وعشرون أيضا، ومدتهم مائة وثمان وأربعون سنة، والله أعلم. وفيها القاضي بدر الدّين محمد بن أبي العبّاس أحمد البهوتي [3] المصري العالم الشافعي.

_ [1] ليست اللفظة في «ط» . [2] في «ط» : (عدد) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 31- 32) .

كان من أعيان المباشرين بمصر، وكان ذا ثروة ووجاهة زائدة، حتّى هابه بنو الجيعان وغيرهم من أرباب الديوان، وكان قد عرض بعض الكتب في حياة والده على الشّرف المناوي، والجلال البكري، والمحبّ بن الشّحنة والسّراج العبادي، وغيرهم، وكان ملازما للشيخ محمد البكري النازل بالحسينية، وله فيه اعتقاد زائد، ولما دخل السلطان سليم مصر وتطلب الجراكسة ببيوت مصر وجهاتها خشي القاضي بدر الدّين على نفسه وعياله، فحسن عنده أن يتوجه بهم إلى مصر القديمة عند صهره نور الدّين البكري فأنزلهم في الشختور [ثم أتى مسرعا لينزل معهم فوضع قدمه على حافة الشختور] [1] فاختلت به فسقط في النيل، فغرق، فاضطربوا لغرقه فانحدر الشختور إلى الوطاق العثماني فظنوا أنهم من الجراكسة المتشبهين بالنساء، فأحاطوا بهم وسلبوهم ما معهم بعد التّفتيش فبينما هم كذلك إذ أتى زوجه القاضي بدر الدّين المخاض فرحمها شخص بقرب قنطرة قيدار فوضعت ولدا ذكرا في منزله، وكان القاضي بدر الدّين يتمنى ذلك وينذر عليه النّذور فلم يحصل إلّا على هذا الوجه وأحيط بماله وبما [2] جمعه فاعتبروا يا أولي الأبصار، وكان ذلك في آخر هذه السنة. وفيها محمد بن حسن، الشهير بابن عنان [3] الشيخ العالم الصالح الناسك العارف بالله تعالى الشافعي الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة. قال المناوي في «طبقاته» إمام تقدم في جامع الإيمان، وعارف أشرقت بضوء شمسه الأكوان، كثير التعبد، غزير التهجد، وافر الجلالة عليه القبول أي دلالة عالي الرّتبة، لا يقاس به غيره، ولا يشبه عظيما في الديانة ممدودا من الله بالإعانة، سلك طريق الهداية، واعتنى بالتصوف أتمّ عناية، أخذ عنه الشعراوي، وقال: ما رأيت مثله، وكان مشايخ عصره بين يديه كالأطفال، وله كرامات منها أنه أشبع خمسمائة فقير من عجين أمه، وكان نصف [4] ويبة ومنها أنه كان بالإسكندرية

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [2] في «آ» : «وما» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 39- 40) . [4] في «ط» : (وصف) وهو تحريف.

رجل إذا غضب على رجل قال: يا قمل، رح إليه فيمتلئ قملا فلا ينام ويعجز عن تنقيته، فذهب إليه، وقال: ما تعمل يا شيخ القمل، وأخذه بيده ورماه في الهواء فلم يعرف له خبر. ومنها أنه سافر هو والشيخ أبو العبّاس الغمري، فاشتد الحرّ، وعطش الغمري وليس هناك ماء فأخذ ابن عنان طاسة وغرف بها من الأرض اليابسة، وقال: اشرب، فقال الغمري: الظّهور يقطع الظّهور، فقال: لولا خوف الظّهور جعلتها بركة يشرب منها إلى يوم القيامة. ومنها أنه أتى برجل أكل محارتين فسيخا وحملين تمرا في ليلة واحدة، فوضع له رغيفا صغيرا في فمه فلم تزل تلك أكلته كل يوم حتّى مات، وكانت أوقاته مضبوطة لا يصغي لكلام أحد ويقول: كل نفس مقوم على صاحبه بسنة وغضب من أهل بلاده لعدم قبولهم الأمر بالمعروف، فقدم مصر، وسكن بسطح جامع الغمري، وكان كل مسجد أقام به لا يقيم إلا على سطحه شتاء وصيفا، وكان يقول لصحبه احرصوا عليّ إيمانكم في هذا الزّمان فإنه لم يبق مع غالب الناس عمل يعتمد عليه، وأما الأعمال الصالحة فقد تودّع منها لكثرة العلل فيها. وقال: من أراد أن يسمع كلام الموتى في قبورهم فليعمل على كتم الأسرار، فإن المانع من سماعه عدم القدرة على الكتمان. ولما احتضر بسطح جامع باب البحر مات نصفه الأسفل فصلّى وهو قاعد فأضجعوه لما فرغ، فما زال يهمهم بشفتيه والسّبحة في يده حتّى صعدت روحه، وذلك في شهر ربيع الأول عن نحو مائة وعشرين سنة ودفن خلف محراب جامع المقسم وبنى عليه ولده [1] الشيخ أبو الصّفا قبة وزاوية. وفيها شمس الدّين محمد بن رمضان [2] الشيخ الإمام العالم العلّامة الدمشقي مفتي الحنفية بها.

_ [1] في «ط» : (والده) وهو خطأ. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 49- 50) .

قال الحمصي: كان قد انعزل عن الناس وتنصّل [1] من حرفة الفقهاء، ولازم العزلة إلى أن مات. قال النّجم الغزّي: وكان سبب عزلته انقطاعه إلى الله تعالى على يد سيدي علي بن ميمون، وكانت وفاة صاحب الترجمة في تاسع ربيع الآخر بدمشق. وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن صدقة [2] الشيخ الواعظ المصري. قال في «الكواكب» : كان يعظ بالأزهر وغيره إلّا أنه تزوج بامرأة زويلية فافتتن بها فيما ذكره العلائي حتّى باع «فتح الباري» و «القاموس» وغيرهما من النفائس، وركبته ديون كثيرة، ثم خالعها وندم، وأراد المراجعة، فأبت عليه إلّا أن يدفع إليها خمسين دينارا فلم يقدر إلّا على ثلاثين منها فلم تقبل فبعث بها إليها، وبعث معها سمّا قاتلا. وقال: إن لم تقبلي الثلاثين وإلّا أتحسى هذا السّمّ، فردّتها عليه فتحسى السّمّ، فمات من ليلته في ربيع الأول. انتهى وفيها جمال الدّين محمد بن الفقيه موى الضجاعي [3] ، أحد المدرّسين بمدينة زبيد. قال في «النور» : كان فقيها عالما فاضلا. توفي بزبيد يوم الخميس الثاني من صفر. انتهى.

_ [1] في «أ» : «وتنقل» ورواية «ط» أجود لذلك أثبتها. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 55- 56) . [3] ترجمته في «النور السافر» (107- 108) .

سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة

سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن الأمير ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب، المعروف بابن أبي شريف المقدسي المصري الشافعي [1] الشيخ الإمام والحبر الهمام العلّامة المحقّق والفهّامة المدقّق شيخ مشايخ الإسلام ومرجع الخاص والعام. ولد بالقدس الشريف سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ونشأ بها، واشتغل بفنون العلم على أخيه الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى القاهرة فأخذ الفقه عن العلم البلقيني، والشّمس القاياتي والأصول عن الجلال المحلّي، وسمع عليه في الفقه أيضا، وأخذ الحديث عن شيخ الإسلام ابن حجر وغيره، وتزوج بابنة قاضي القضاة شرف الدّين يحيى المناوي، وناب عنه في القضاء، ودرّس، وأفتى، ونظم، ونثر، وصنّف، وترجمه صاحب «الأنس الجليل» فيه في حياته. وقال: ولي المناصب السّنية وغيرها من الأنظار بالقاهرة المحروسة، واشتهر أمره وبعد صيته، وصار الآن المعوّل عليه في الفتوى بالدّيار المصرية. قال: وهو رجل عظيم الشأن، كثير التواضع، حسن اللقاء، فصيح العبارة، ذو ذكاء مفرط، وحسن ونظم ونثر، وفقه نفس، وكتابة على الفتوى نهاية في الحسن، ومحاسنه كثيرة، وترجمته وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف، ولو ذكرت حقّه في الترجمة لطال الفصل، ثم قال: قدم من القاهرة إلى بيت المقدس سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بعد غيبة طويلة، ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة. انتهى وقال ابن طولون: قدم دمشق يوم الجمعة ثاني الحجة سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، ونزل بالسميساطية، وقرأنا عليه فيها.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 102- 105) و «الأعلام» (1/ 66) .

وقال النّعيمي: فوض إليه قضاء مصر في تاسع عشر ذي الحجّة سنة ست وتسعمائة عوض محيي الدّين بن النّقيب، أي وبقي في القضاء إلى سنة عشر وتسعمائة فعزل بالشّهاب بن الفرفور كما ذكره الحمصي، ثم أنعم عليه الغوري بمشيخة قبته الكائنة قبالة مدرسته الغورية بمصر، واستمرّ في المشيخة إلى سنة تسع عشرة فوقعت حادثة بمصر وهي أن رجلا اتّهم أنه زنى بامرأة، فرفع أمرهما إلى حاجب الحجاب بالدّيار المصرية الأمير انسباي فضربهما فاعترفا بالزّنا، ثم بعد ذلك رفع أمرهما إلى السلطان الغوري فاحضرا بين يديه، فذكر أنهما رجعا عما أقرّا به من الزّنا قبل، فعقد السلطان لذلك مجلسا جمع فيه العلماء والقضاة الأربع، فأفتى صاحب الترجمة بصحة الرجوع، فغضب السلطان لذلك، وكان المستفتي القاضي شمس الدّين الزّنكلوني الحنفي وولده، فأمر السلطان بهما فضربا في المجلس حتّى ماتا تحت الضّرب، وأمر بشنق المتهمين بالزّنا على باب صاحب الترجمة فشنقا، وعزل صاحب الترجمة من مشيخة القبّة الغورية والقضاة الأربعة: الكمال الطّويل الشافعي، والسّري بن الشّحنة الحنفي، والشّرف الدّميري المالكي، والشّهاب الشّيشني الحنبلي، واستمرّ صاحب الترجمة ملازما لبيته والناس يقصدونه للأخذ عنه والاشتغال عليه في العلوم العقلية والنّقلية. قال الشعراوي: وكان من المقبلين على الله عزّ وجل ليلا ونهارا، لا يكاد يسمع منه كلمة يكتبها عليه كاتب الشمال، وكان لا يتردد لأحد من الولاة أبدا، وكان يتقوت من مصبنة له بالقدس ولا يأكل من معاليم مشيخة الإسلام شيئا، وكان قوّالا بالحقّ، آمرا بالمعروف، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان الناس يقولون: جميع ما وقع للغوري بسر الشيخ. انتهى ومن فوائده ما ذكره الزّين ابن الشّماع في «عيون الأخبار» قال: وقد حضرت دروسه [1] بالقاهرة سنة إحدى عشرة فأتى بفوائد كثيرة، وختم المجلس بنكتة فيها بشارة جليلة، فقال ما حاصله: اختم المجلس ببشارة عظيمة ظهرت في قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 15: 49 [الحجر: 49] قال: قوله تعالى:

_ [1] في «أ» : (درسه) .

نَبِّئْ 15: 49 أي يا محمد عِبادِي 15: 49 شرّفهم بياء الإضافة إلى تقدس ذاته فأوقع ذكرهم بينه وبين نبيه فعباد وقع ذكرهم بين ذكر نبيهم وذكر ربّهم لا ينالهم إن شاء الله تعالى ما يضرهم بل المرجو من كرم الله تعالى أن يحصل لهم ما يسرّهم. انتهى. ومن مؤلفاته «شرح المنهاج» في أربع مجلدات كبار وشرح الحاوي وكتاب في الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ وغير ذلك ومن شعره من قصيدة ختم بها «صحيح البخاري» [1] : دموعي قد نمّت بسرّ غرامي ... وباح بوجدي للوشاة سقامي فأضحى حديثي بالصّبابة مسندا ... ومرسل دمعي من جفوني هامي وتوفي في فجر يوم الجمعة ليومين بقيا من المحرم، ودفن بالقرب من ضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه. وفيها شمس الدّين أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زهير بن خليل الرّملي ثم الدمشقي [2] الشافعي الإمام العلّامة. ولد بالرّملة في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ونشأ بها، وكان يعرف قديما بابن الحلاوي، وبابن الشّقيع، ثم تحول إلى دمشق، وحفظ «المنهاج» و «ألفية» النحو والحديث و «الشّاطبيتين» و «الدّرة في القراءات الثلاث» وعرض على جماعة، وأخذ عن ابن نبهان، وابن عراق، وأبي زرعة المقدسي، وابن عمران، وعمر الطّيبي، والزّين [خطّاب، والنور] الهيثمي [3] ، والمحبّ بن الشّحنة، وابن الهائم، وجعفر السّنهوري، وآخرين، وسمع على الجمال عبد الله بن جماعة خطيب المسجد الأقصى «المسلسل بالأولية» وغيره وناب في الحكم بدمشق فحسنت سيرته، وولي مشيخة الإقراء بجامع بني أمية وبدار الحديث الأشرفية، و «بتربة الأشرفية» وبتربة أم الصّامح بعد الباقعي، وكان لازمه حين إقامته بدمشق وأخذ عنه كثيرا وعادى أهل بلده أو الكثير منهم بسببه.

_ [1] البيتان في «الكواكب» (1/ 104) . [2] ترجمته في «الكواكب» (1/ 131) وما بين حاصرتين مستدرك. [3] صاحب «مجمع الزوائد» .

قال السخاوي: وقصدني في بعض قدماته إلى القاهرة، وأخذ عني، وأنشدني قصيدة من نظمه امتدح فيها الخيضري، وكان نائبه في إمامة مقصورة جامع بني أمية. قال: وبالجملة فهو خفيف مع فضيلة. انتهى وقال في «الكواكب» : ناب في إمامة الجامع الأموي عن العلّامة غرس الدّين اللّدي، ثم لمامات استقلّ بها، فباشرها سنين حتّى مات، وانتهت إليه مشيخة الإقراء بدمشق، وكان له مشاركة جيدة في عدة من العلوم، وله نظم حسن. وتوفي يوم السبت عشري ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها الحافظ شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن [محمد بن] [1] أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن حسين بن علي القسطلاني المصري [2] الشافعي الإمام العلّامة الحجّة الرّحلة الفقيه المقرئ المسند. قال السخاوي: مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها وحفظ القرآن، وتلا للسبع، وحفظ «الشاطبية» و «الجزرية» و «الوردية» وغير ذلك، وذكر له عدة مشايخ، منهم الشيخ خالد الأزهري النحوي، والفخر المقسمي، والجلال البكري، وغيرهم، وأنه قرأ «صحيح البخاري» في خمسة مجالس على الشّاوي، وتلمذ له أيضا، وأنه قرأ عليه- أعني السخاوي- بعض مؤلفاته، وأنه حجّ غير مرة، وجاور سنة أربع وثمانين وسنة أربع وتسعين، وأنه أخذ بمكة عن جماعة منهم النّجم بن فهد، وولي مشيخة مقام سيدي الشيخ أحمد الحرّار بالقرافة الصّغرى، وعمل تأليفا في مناقب الشيخ المذكور سمّاه «نزهة الأبرار في مناقب الشيخ أبي العبّاس الحرار» وكان يعظ بالجامع العمري وغيره، ويجتمع عنده الجمّ الغفير، ولم يكن له نظير في الوعظ، وكتب بخطّه شيئا كثيرا لنفسه ولغيره، وأقرأ الطلبة، وتعاطى الشهادة، ثم انجمع وأقبل على التأليف، وذكر من تصانيفه «العقود السّنية في شرح المقدمة الجزرية» و «الكنز في وقف حمزة

_ [1] ليس ما بين الرقمين في «أ» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 126- 127) .

وهشام على الهمز» وشرحا على «الشاطبية» زاد فيه زيادات ابن الجزري، مع فوائد غريبة وشرحا على «البردة» سمّاه «الأنوار المضية» وكتاب سمّاه «نفائس الأنفاس في الصّحبة واللباس» و «الروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر» و «تحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري» ورسائل في العمل بالربع المجيب. انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا وقال في «النّور» : ارتفع شأنه بعد ذلك، فأعطى السعد في قلمه، وكلّمه وصنّف التصانيف المقبولة التي سارت بها الرّكبان في حياته، ومن أجلها شرحه على «صحيح البخاري» مزجا في عشرة أسفار كبار لعله أجمع شروحه وأحسنها وألخصها، ومنها «المواهب اللدنية بالمنح المحمدية» وهو كتاب جليل المقدار، عظيم الوقع، كثير النّفع، ليس له نظير في بابه، ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغضّ منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها ولا ينسب النقل إليها، وأنه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا، فألزمه ببيان مدعاه فعدّد مواضع قال: إنه نقل فيها عن البيهقي، وقال: إنه للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر لنا ذكره في- أي مؤلفاته- لنعلم أنه نقل عن البيهقي ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقل عن البيهقي فنقله برمته، وكان الواجب عليه أن يقول نقل السيوطي عن البيهقي. وحكى الشيخ جار الله بن فهد أن الشيخ- رحمه الله- قصد إزالة ما في خاطر الجلال السّيوطي فمشى من القاهرة إلى الروضة إلى باب السّيوطي، ودق الباب فقال له: من أنت؟ فقال: أنا القسطلاني جئت إليك حافيا مكشوف الرأس ليطيب خاطرك عليّ، فقال له: قد طاب خاطري عليك ولم يفتح له الباب ولم يقابله. قال في «النّور» : وبالجملة فإنه كان إماما حافظا متقنا، جليل القدر، حسن التقرير والتحرير، لطيف الإشارة، بليغ العبارة، حسن الجمع والتأليف، لطيف الترتيب والترصيف، زينة أهل عصره ونقاوة ذوي دهره، ولا يقدح فيه تحامل معاصريه عليه، فلا زالت الأكابر على هذا في كل عصر. توفي ليلة الجمعة سابع المحرم بالقاهرة ودفن بالمدرسة العينية جوار منزله. انتهى

وقال في «الكواكب» : كان موته بعروض فالج نشأ له من تأثره ببلوغه قطع رأس إبراهيم بن عطاء الله المكّي بحيث سقط عن دابته وأغمي عليه، فحمل إلى منزله، ثم مات بعد أيام. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي الرّملي ثم الدمشقي الشافعي [1] ، الشهير بابن الملّاح. ولد سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وكان على جانب كبير من العلم والدّيانة وصفاء القلب، إماما في القراءات. تولى مشيخة الإقراء بالمدرسة السيبائية والإمامة بها، وناب في إمامة الأموي مرات. وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر شهر [2] رمضان. وفيها المولى شجاع الدّين إلياس العالم الفاضل الرّومي [3] . كان من نواحي قسطموني، واشتغل بالعلم، وتقدّم في الفضل، حتى صار معيدا للمولى خواجه زاده ثم اشتغل بالتدريس، حتّى صار مدرسا بإحدى الثمانية ثم أعطي تقاعدا، وكان كريم النّفس، متخشعا مشتغلا بنفسه، منقطعا عن الخلق، يقال: إنه تجاوز التسعين. وتوفي في هذه السنة. وفيها نور الدّين أبو الفتح جعفر بن الشيخ صارم الدّين أبي [4] إسحاق إبراهيم السّنهوري [5] المصري الشافعي المقرئ البصير الإمام العلّامة. أخذ القراءات عن الشيخ شهاب الدّين أبي جعفر الكيلاني، المعروف بالحافظ وغيره.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 127- 128) . [2] ليست اللفظة في «أ» . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (168- 169) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 162) . [4] في «ط» : (أبو) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 172) .

وفيها- أو في التي بعدها- المولى خضر بك بن المولى أحمد باشا الرّومي الحنفي [1] الشيخ العارف. تربي في حجر والده، وحصّل فضيلة وافرة من العلم، وصار مدرّسا بمدرسة السلطان مراد الغازي ببروسا، وانتفع به الطلبة وفضلوا عنده، ثم مال إلى التصوف وتهذيب الأخلاق، وصار خاشعا، وقورا، ساكنا مهيبا، متأدبا، متواضعا مراعيا لجانب الشريعة، حافظا لآداب الطريقة، مقبولا عند الخاص والعام إلى أن توفي. قاله في «الكواكب» . وفيها السلطان الملك الظّافر عامر بن عبد الوهاب [2] سلطان اليمن. قال في «النور» : كان على جانب عظيم من الدّين والتّقوى والمشي في طاعة الله تعالى، لا تعلم له صبوة، وكان ملازما للطهارة والتّلاوة والأوراد، لا يفتر عن ذلك آناء الليل وأطراف النهار، كثير الصّدقات وفعل المبرّات، ومآثره بأرض اليمن من بناء المساجد والمدارس وغير ذلك مخلّدة لذكره على الدوام، وموجبة لحلوله دار السلام في جوار الملك العلّام، استمرّ ملكا تسعا وعشرين سنة، وفيه وفي أخيه صلاح الدّين يقول العلّامة [ابن] الدّيبع [3] : تحطّم من ركن الصّلاح مشيده ... وقوّض [4] من بنيانه كلّ عامر فما من صلاح فيه بعد صلاحه ... ولا عامر والله من بعد عامر وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر شهيدا رحمه الله تعالى انتهى. وفيها المولى حليمي عبد الحليم بن علي القسطموني [5] المولد الرّومي الحنفي العالم الفاضل.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 188) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (188) . [3] في «أ» : «الزيبع» والبيتان في «النور السافر» ص (119) . [4] في «أ» : «وتقوض» ولا يستقيم بها الوزن. [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 223) .

اشتغل بالعلم، وخدم المولى علاء الدّين العربي، ثم ارتحل إلى بلاد العرب، وقرأ على علمائها، وحجّ، ثم سافر إلى بلاد العجم، وقرأ على علمائها، وصحب الصوفية، وتربى عند شيخ يقال له المخدومي، ثم عاد إلى بلاد الرّوم واستقرّ بها، ثم طلبه السلطان سليم الفاتح قبل جلوسه على سرير السلطنة وجعله إماما له وصاحبا فرآه متفننا في العلوم، متحليا بالمعارف، فلما جلس على سرير السلطنة نصّبه معلما لنفسه، وعيّن له كل يوم مائة عثماني، وأعطاه قرى كثيرة، ودخل معه بلاد الشام ومصر. وتوفي بدمشق بعد عوده في صحبة سلطانه إليها من مصر يوم الجمعة عشري شوال، ودفن بتربة الشيخ محيى الدّين بن عربي إلى جانب الشيخ محمد البلخشي [1] من القبلة. وفيها العارف بالله تعالى عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر العيدروس [2] الشافعي. ولد سنة خمسين وثمانمائة، وقرأ على والده وغيره من الأعلام، فمن جملة ما قرأ على والده «الإحياء» أربعين مرة، وكان يغتسل لكل فرض، ومن مجاهداته وهو صغير أنه كان يخرج هو وابن عمه إلى شعب من شعاب تريم يقال له النّعير بعد مضي نصف الليل، فينفرد كل منهما يقرأ عشرة أجزاء في صلاة، ثم يرجعان إلى منازلهما. وكان يحفظ «الحاوي» في الفقه، و «الوردية» في النحو، وكان يغطي إحدى يديه فلا يكشفها لأحد [3] فألحّ عليه بعضهم أن يخبره بالسبب، فقال: كنت شاعرا وامتدحت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم بجملة قصائد، ثم اتفق أن قلت قصيدة في مدح بعض أهل الدنيا فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم في النّوم وهو يعاتبني على ذلك، ثم أمر بقطع يدي فقطعت فشفع في الصّدّيق، فعادت والتحمت فانتبهت والعلامة ظاهرة في يدي، ثم كشف له عن يده فإذا محل القطع نور يتلألأ.

_ [1] في «أ» : (البلخثي) وهو تحريف. [2] ترجمته في «النور السافر» (112- 113) . [3] ليست اللفظة في «ط» .

وممن أخذ عنه من أكابر العلماء الفقيه عبد الله باقشير [1] والفقيه عمر باشيبان. وتوفي في المحرّم بتريم ودفن بها. قاله في «النّور» . وفيها زين الدين عبد الرحمن الصالحي الشافعي الإمام العالم الصالح المحدث توفي بالقاهرة في صفر. وفيها عبد الفتاح بن أحمد بن عادل باشا الحنفي العجمي [2] الأصل ثم أحد موالي الرّوم. كان عالما محقّقا، وله خط حسن. قرأ على جماعة، منهم المولى محيي الدّين الإسكليبي، والمولى عبد الرحمن بن المؤيد، ثم صار مدرّسا بمدرسة المولى يكان ببروسا، ثم بمدرسة أحمد باشا بن ولي الدّين بها بمدرسة إبراهيم باشا بالقسطنطينية، ومات وهو مدرّس بها. وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن الأكرم الدمشقي الحنفي [3] القاضي الشيخ العلّامة. توفي بمنزله بالعنابة خارج دمشق يوم الخميس سادس عشر صفر، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان. قاله في «الكواكب» وفيها الشيخ عبد النّبي المغربي [4] المالكي الشيخ الإمام العلّامة الحجّة القدوة الفهّامة مفتي السادة المالكية بدمشق، أحد إخوان سيدي علي بن ميمون. توفي بدمشق يوم الجمعة ثالث عشري شهر رمضان ووافق حضور جنازته بالجامع الأموي حضور [5] السلطان سليم فصلّي عليه مع الجماعة.

_ [1] في «أ» : (كبار العلماء الفقيه عبد الله باتشير) وفيه تحريف. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 240) ، و «الطبقات السنية» (4/ 362) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 255) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 256) . [5] ليست اللفظة في «ط» .

وفيها ولي الله عبد الهادي الصّفوري [1] ثم الدمشقي الشافعي الشيخ الصّالح الصّوفي المسلك المربي. توفي بمنزله بمحلة قبر عاتكة يوم الأحد سادس عشر شوال، ودفن بتربة بالقرب من مسجد الطالع بالمحلّة المذكورة وتعرف الآن بالدقّاقين وقبره الآن ظاهر يزار. وفيها محبّ الدّين المقدسي [2] إمام المسجد الأقصى الشيخ العلّامة. قاله في «الكواكب» . وفيها شمس الدّين محمد بن حسين الدّاديخي ثم الحلبي [3] الشافعي المقرئ المجود. كان ديّنا خيّرا، له أخلاق حسنة. أخذ القراءات عن مغربي كان بداديخ، وبرع فيها وفي غيرها، وأخذ عن البازلي بحماة، وعن البدر السّيوفي بحلب وهما أجلّ شيوخه، وكان يشغل الطلبة في قبّة بجامع عيسى ويؤدّب الأطفال. وفيها كمال الدّين محمد بن العلّامة شمس الدّين محمد بن داود البازلي الكردي الأصل الحموي [4] الشافعي الإمام العالم العلّامة. قال الحمصي: باشر نيابة القضاء بدمشق ومشيخة المدرسة الشامية، وكان عالما مفنّنا. توفي بدمشق يوم السبت تاسع عشري شوال، وكان والده إذ ذاك حيّا. انتهى وفيها شمس الدّين محمد بن نصير الدمشقي الميداني الضّرير المقرئ [5] المجوّد العلّامة النّحوي.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 256) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 306) . [3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 79) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 40) . [4] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 99) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 20- 21) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 72) وفيه «محمد بن نصر» .

كان من أهل العلم بالقراءات، وله في النحو مؤلفات، منها كتاب مطول سمّاه «ذخر الطلاب في علم الإعراب» وكتاب مختصر سمّاه «تنقيح اللّباب فيما لا بد أن يعتنى به في فنّ الإعراب» . وكان فقيرا من الدّنيا، وكان ابن طولون يتردد إليه كثيرا، وانتفع به جماعة. وتوفي يوم الخميس قبل المغرب سابع عشري صفر ودفن بمقبرة الجوزة بمحلّة الميدان. قال في «الكواكب» : وفيها سادات كالشيخ إبراهيم القدسي كاتب المصاحف، وكانت وفاته قبل القرن [1] العاشر في ثاني رمضان سنة أربع وتسعين وثمانمائة. انتهى وفيها محيي الدّين محمد بن يعقوب الرّومي الحنفي، الشهير باجه زاده الإمام العالم. [2] قرأ على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى خطيب زاده، ثم ولي الولايات، وتنقل فيها حتّى صار قاضي بروسا، ثم عزل، ومات معزولا. قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذكيا، سليم الطبع، مبارك النّفس مقبلا على الخير متواضعا متخشعا صاحب كرم وأخلاق. انتهى وفيها مفتي زبيد [3] وعالمها كمال الدين موسى بن زين العابدين بن أحمد بن أبي بكر الرداد البكري الصّدّيق الشافعي [4] الجهبذ المصقع المدقّق. قال في «النّور» : كان شافعي زمانه، ورئيس أقرانه علما وعملا، بحرا من بحار العلم، وجبلا من جبال الدّين، له القدم الراسخة في المذهب والباع الطويل في كل مشرب، رحل [5] إليه الطالبون، ورغب في الأخذ عنه الراغبون، وتفقه

_ [1] في «ط» : «قبل المغرب» خطأ. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 72) . [3] جاءت هذه الترجمة في الأصل بعد آخر ترجمتين في هذه السنة. [4] ترجمته في «النور السافر» ، (115- 116) . [5] في «أ» : «زهد» ولعلها مصحفة عن «نهد» رواية «النور السافر» .

بالقاضي الطّيب النّاشري، ونجم الدّين المقري الجبائي وغيرهما، وروى فقه الإمام الشافعي من طريق العراقيين والمراوزة عن الإمام علي بن عطيف نزيل مكة وأهل طبقته، وأفتى ودرّس، وانتشر صيته في جميع الآفاق، واعترف له الأكابر بالإمامة، وقصد للفتوى من كل نجد، وتهامة، وتفقه به الجلّة، منهم ابنه المحقّق فخر الدّين أبو بكر، وأبو العباس الطبنداوي [1] ، وغيرهما، وله الأجوبة الرائقة والبحوث الفائقة والمصنّفات المقبولة والشروح المتداولة المنقولة، منها «الكوكب الوقّاد شرح الإرشاد» في أربع وعشرين مجلدا، وله شرح صغير على «الإرشاد» وفتاوى جمعها ولده ورتبها ترتيبا حسنا، وزاد عليها زيادات لا غناء عنها. قال تلميذه الناشري: اتفق له ما لم يتفق لأحد قبله وذلك أنه زرع البرّ في أرضه واستغله وحرث غيره، وكان غالب قوته في غالب الأحوال اللوز والعسل، ومن نعم الله عليه أنه مكث أربعين سنة ما رزئ بأحد من بيته ولم تخرج من بيته جنازة. وتوفي عصر يوم الجمعة التاسع والعشرين من المحرم. انتهى وفيها نصوح الطّوسي [2] العارف بالله تعالى. قال في «الكواكب» : كان عالما صالحا، يحفظ القرآن العظيم، ويكتب الخطّ الحسن، ثم انتسب إلى الطريقة الزّينبية، وخدم الشيخ تاج الدّين القرماني، وبلغ عنده رتبة الإرشاد، وقعد على سجادة التربية بعد وفاة الشيخ صفي الدّين في زاوية شيخه المذكور، ومات في وطنه. انتهى وفيها شرف الدّين يونس بن إدريس بن يوسف الحلبي ثم الدمشقي [3] الشافعي الصّوفي، الهمداني الخرقة، الصّالح المسلّك. ولد بمدينة حلب سنة سبع وستين وثمانمائة، واشتغل على جماعة في عدة

_ [1] في «ط» : «الضبذاوي» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 311) وهذه الترجمة والتي تليها تقدمتا على ترجمة مفتي زبيد المتقدمة في النسخة «آ» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 320) ، و «متعة الأذهان» (ق 109) .

فنون، وتوجه إلى مكة ثلاث مرات، وجاور في حدود الثمانين، وسمع بها الحديث على السّخاوي، والمحبّ الطّبري وولده أبي السعادات، وقرأ عليه في النحو، ولبس الخرقة الهمدانية، وتلقن الذكر من السيد عبيد الله التّستري الهمداني، وصار له أتباع كثيرون يتداولون الأوراد الصحيحة بالمدرسة الرّواحية بحلب، وهاجر إلى دمشق وأقام بدار الحديث بقرب قلعة دمشق. وتوفي بدمشق يوم الاثنين عشري [شعبان]

سنة أربع وعشرين وتسعمائة

سنة أربع وعشرين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن قاسم بن محمد، الشهير بابن الكيّال [1] الدمشقي الشافعي الفاضل المحدّث. توفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر، ودفن بمقبرة باب الصغير. قاله في «الكواكب» . وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن إبراهيم [2] الباعوني [3] الأصل من قرية باعونة بالموصل الحلبي المولد والدار والوفاة الشاعر، المعروف بابن الصوّاف، والمعروف أبوه بالصّغير- بالتصغير-. كان أديبا شاعرا، ذكره جار الله بن فهد في رحلته إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وذكره في «معجم الشعراء» الذين [4] سمع منهم الشعر. وأنشد له [5] : روحي الفداء لذي لحاظ قد غدت ... بسوادها البيض الصّحاح مراضا

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) ، و «متعة الأذهان» (ق 26) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 257) ، و «در الحبب» (1/ 1/ 141) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 139) . [3] في «در الحبب» : (الباغوزي الأصل- من باغوزا: قرية من قرى الموصل ... المعروف بابن الصّوّا) . [4] في «أ» : (الذي) وهو خطأ. [5] البيتان في «الكواكب» (1/ 139) ، و «در الحبب» (1/ 144) .

كالغصن قدّا والنّسيم لطافة ... والياسمين ترافة [1] وبياضا وله قصيدة التزم فيها واوين أول كل بيت وآخره مطلعها [2] : وواد به [3] الغيد الحسان قد استووا ... وورد ظباء الحيّ في ظلّه ثووا توفي بالحريق في داره بحلب. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الشهير بابن بريّ الخالديّ البابي الحلبي ثم الدمشقي [4] الحنفي الصّوفي. ولد في ثالث صفر سنة أربعين وثمانمائة، وكان من أعيان الناس الصلحاء. وتوفي بدمشق يوم الأحد سادس عشر [5] رجب ودفن بمقبرة الحمرية. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن جماعة المقدسي الشافعي [6] العلّامة شيخ الصّلاحية بالقدس الشريف. توفي بالقدس في هذه السنة، وصلّي عليه وعلى الشيخ عبد القادر الدشطوطي غائبة بجامع بني أمية بدمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان. قاله في «الكواكب» . وفيها الشيخ زين الدّين عبد القادر بن محمد الشيخ الصالح المعمّر المعتقد المجرّد العفيف العارف بالله تعالى الدّشطوطي [7] كذا ضبطه العلائي، وضبطه السخاوي في «الضوء» الطشطوطي- بطاءات مهملات بينهما شين معجمة وواو، نسبة إلى دشطوط من قرى الصعيد-.

_ [1] في «ط» : «براقة» وفي «الكواكب» : (تراقة) وكلاهما تحريف، وما أثبته عن «در الحبب» . وترف النبات تروى «لسان العرب» (ترف) . [2] البيت في «در الحبب» (1/ 1/ 141) ، وفي «الكواكب» (1/ 139) . [3] في «أ» : (فيه) ولا يستوي بها الوزن. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 128) . [5] في «أ» : «عشري» وليست اللفظتان في «الكواكب» . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 232) . [7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 246- 250) ، وفي «الضوء اللامع» (4/ 300- 301) .

قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : هو المعروف بالكرامات المشهورة بخوارق الآيات البينات والكشف العام والقبول التام عند الملوك فمن سواهم من الأعلام ذوو الصّفات التي اشتهرت والعجائب التي بهرت عند ما ظهرت. كان ضريرا وعمّر جوامع بمصر وقرارها، ووقف الناس عليها [1] أوقافا كثيرة، ومن كلامه أوصيك بعدم الالتفات لغير الله تعالى في شيء من أمر الدّارين، فإن جميع الأمور لا تبرز إلّا بأمره فارجع فيها لمن قدرها. وقال: إذا استحكمت هيبة الله في قلب عبد أخذ عن إدراك التكليف، وقامت به حالة حالت بينه وبين الحركة والصّلاة، وصار عليه كل بلاء أهون من صلاة ركعتين. وقال في بعض الكتب المنزلة يقول الله: «يا عبدي لو سقت لك ذخائر الكونين فنظرت بقلبك إليها طرفة عين فأنت مشغول عنّا لا بنا» . وكان صاحيا لكنه حافيا مكشوف الرأس، عليه جبّة حمراء، وكان لقبه بين الأولياء صاحب مصر. توقف النيل ثم هبط أيام الوفاء ثلاثة أذرع فخاض في البحر وقال: اطلع بإذن الله فطلع فورا، فاقتتل الناس عليه يتبركون به، وحجّ ماشيا حافيا طاويا، فلما وصل باب السلام وضع خدّه على العتبة فما أفاق، إلّا بعد ثلاث، وكان يرى مع الدليل تارة ومع السّاقة أخرى ويخفي ويظهر، وكان قايتباي إذا زاره يمرّغ وجهه على أقدامه. وقال: طلبت من الله مقام الحضور بين يديه فتجلى لي من حضرته أمر ذابت منه مفاصلي، وصرت أطلب طلوع روحي فما أجاب، فتوسلت بالمصطفى صلّى الله عليه وسلم فرحمني وأسدل عليّ الحجاب. ولما عمّر القبة التي دفن بها بزاويته صار يقول للشيخ جلال الدّين البكري: أسرع فالوقت قرب، وقال له: لا تجعل لأحد من الشهود والقضاة وظيفة في زاويتي إنما جعلت وقفها [2] لمكشفي الركب من كل مقيم ووارد. انتهى

_ [1] في «ط» : (عليه) . [2] في «ط» : «إنما جعلتها وقفا» .

وبالجملة فمناقبه كثيرة. وترجمه الحافظ السيوطي بالولاية، وألّف بسببه تأليفا في تطور الولي ذكر في أوله أن سبب تأليفه أن رجلين من أصحاب الشيخ المذكور حلف كل واحد منهما أن الشيخ عبد القادر بات عنده ليلة كذا، فرفع إليه سؤال في حكم المسألة. قال: فأرسلت إلى الشيخ عبد القادر وذكرت له القصة، فقال: لو قال أربعة إني بتّ عندهم لصدقوا. قال السيوطي: فأجبت بأنه لا يحنث واحد منهما، ثم حمل ذلك على تطور الولي وهو جزء لطيف حافل نقل فيه كلام فحول العلماء، كابن السبكي، والقونوي، وابن أبي المنصور، وعبد الغفّار القوصي، واليافعي رضي الله تعالى عنهم وعنه. وفيها قوام الدّين أبو يزيد [1] محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن نصر [2] بن عمر بن هلال الحبيشي الأصل الحلبي الشافعي العلّامة. قال في «الكواكب» : كان عالما فاضلا مناظرا، له حدة في المناظرة، وذكاء مفرط، وحفظ عجيب، حفظ «الشاطبية» وعرضها بحلب سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، وسافر مع أبيه إلى بيت المقدس فعرض أماكن منها، ومن «الرائية» على إمام الأقصى عبد الكريم بن أبي الوفا، ثم جاور بمكة سنين، واشتغل بها، وسمع مع أبيه على الحافظ السخاوي، ثم عاد من مكة إلى حلب، واشتغل على عالمها البدر السّيوفي، فقرأ عليه «الإرشاد» لابن المقري، وسمع بقراءته الشيخ زين الدّين بن الشمّاع، ودرّس بجامع حلب ووعظ به، وكان يأتي في وعظه بنوادر الفوائد. وسرد مرّة النّسب النّبوي طردا وعكسا، ثم أعرض عن ذلك وصار صوفيا بسطاميا كأبيه يلف المئزر ويرخي له عذبة رعاية للسّنّة، وكانت وفاته في حياة أبيه في شوال بحلب. انتهى

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 191- 193) ، و «در الحبب» (1/ 2/ 155- 157) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 27) . [2] في «أ» : «مضر» وكذا هي في «در الحبب» .

سنة خمس وعشرين وتسعمائة

سنة خمس وعشرين وتسعمائة وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن القاضي محيي الدّين عبد القادر النّبراوي [1] المصري الحنبلي الشّاب الفاضل. توفي يوم الخميس خامس عشري ربيع الأول. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الله الموصلي [2] الشّيباني المقدسي ثم الدمشقي الشافعي الصّوفي الصالح الورع الزّاهد العابد المحقّق المسلّك. أحد مشايخ الصّوفية بدمشق والقدس، وشيخ زاويتي جدّه بهما. ولد بالقدس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن القطب الخيضري وغيره، ولبس الخرقة من ابن عمّه الشيخ زين الدّين عبد القادر بلباسه لها من والده الشيخ إبراهيم بلباسه لها من يد والده الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبي بكر الموصلي وهو جدّ المترجم أيضا. قال ابن طولون: جالسته كثيرا بالجامع الأموي، وانتفعت به، وأجاز لي شفاها غير مرّة، وكتبت عنه أشياء. انتهى وتوفي يوم الاثنين حادي عشري ذي القعدة، ودفن جوار قبر الشيخ إبراهيم النّاجي بباب الصغير.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 137) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 374) ، و «متعة الأذهان» (ق 6) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 137) .

وفيها شهاب الدّين أحمد الحسامي [1] القاهري الشافعي الإمام العلّامة المحقّق المجد الصّوفي. كان بارّا بأمّه، قائما بمصالحها، صابرا، متواضعا، يخدم نفسه ويشتري حوائجه من السوق ويحملها بنفسه، ولا يمكّن أحدا يحملها عنه، وكان يتعمم بالقطن من غير قصارة وثيابه قصيرة اقتداءا بالسّلف، وكان ملازما للطهارة، لا يكاد يدخل عليه وقت وهو محدث، وكان كثير الصّمت، قليل الكلام، تجلس معه اليوم واليومين فلا تسمع منه كلمة لغو، كثير الصّيام والقيام، يقوم النصف الثاني من الليل كل ليلة، وكان يتورع عن صدقات النّاس ولا يقبل هدية من أحد، وأخذ التصوف عن الشيخ علي المرصفي، وكان يذهب إلى مجلسه كل يوم جمعة، وكان العلماء مع ذلك يرجعون إليه في المعقولات ويعدلونه في العربية بابن مالك، وابن هشام. وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الثاني. وفيها- تقريبا- المولى إدريس بن حسام الدّين [البدليسي] العجمي [2] ثم الرّومي الحنفي العالم الفاضل. قال في «الشقائق» : كان موقّعا لديوان أمراء العجم، ولما حدثت فتنة ابن أردويل ارتحل إلى الرّوم فأكرمه السلطان أبو يزيد غاية الإكرام، وعيّن له مشاهرة ومسانهة، وعاش في كنف حمايته عيشة راضية، وأمره أن ينشئ «تواريخ آل عثمان» بالفارسية فصنّفها، وكان عديم النّظير فاقد القرين بحيث أنسى الأقدمين ولم يبلغ إنشاءه أحد من المتأخرين، وله قصائد بالعربية والفارسية تفوت الحصر، وله رسائل عجيبة في مطالب متفرقة. وبالجملة كان من نوادر الدهر ومفردات العصر. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل بن أحمد بن

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 153) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (190- 191) و «الكواكب السائرة» (1/ 159- 160) وما بين الحاصرتين مستدرك منهما.

عثمان بن عيسى بن عمر بن علي بن سلامة العجمي [1] الأصل المقدسي ثم الصالحي الحنبلي. حفظ «المحرّر» للمجد بن تيمية وحلّه على شارحه الشيخ علاء الدّين البغدادي، ولازم شيخ الحنابلة الشّهاب العسكري في الفقه، وقرأ «توضيح» ابن هشام على الشّهاب بن شكم، ولازمه مدة طويلة، وتسبّب بالشهادة في مركز العشر. وتوفي يوم الخميس حادي عشر المحرم بالصالحية، ودفن بتربة القاضي علاء الدّين الزواوي. وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن يوسف بن المختار الإربلي الأصل الحصكفي [2] الحلبي الشافعي الشهير بابن السّيوفي العلّامة شيخ الإسلام. ولد- تقريبا- كما ذكره السخاوي في «الضوء اللامع» في سنة خمسين وثمانمائة بحصن كيفا، ونشأ به وحفظ القرآن العظيم، و «المنهاج» للنووي، و «الإرشاد» لابن المقري و «ألفيتي» العراقي في الحديث، وفي «السيرة» و «منهاج البيضاوي» الأصلي، و «الطوالع» له أيضا و «الشاطبية» و «الكافية لابن الحاجب» و «الألفية لابن مالك» و «تصريف العزّي» و «الشمسية» وقرأ «الشّاطبية» والقرآن العظيم بمضمونها على ابن مبارك شاه الهروي، وهو علي الجلال الهروي، وهو على ابن الجزري، وقرأ على الهروي المذكور في العروض، وأنهى عليه كتاب «القسطاس» للزمخشري. قرأه بحلب وقرأ أيضا بعض السبع على أبي الحسن الجبرتي نزيل سطح الجامع الأزهر في دخلته إلى القاهرة، وقرأ ثمن حزب أو دونه للأربعة عشر على الزّين جعفر السّنهوري، وأخذ الفقه وغيره بها عن الشّمس الجوجري، وسمع عليه وأخذ بالقدس عن الكمال بن أبي شريف، وأجازه وأخذ الفقه والحديث أيضا عن الشمس السّلامي الحلبي بها والأصول والمنطق والمعاني والبيان عن علي قرا درويش، والحديث أيضا عن البرهان الحلبي، وقرأ عليه «الصحيحين» و «الشفا»

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 176) و «السحب الوابلة» (148) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 118- 119) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 178- 180) .

وعن الشيخ نصر الله «كافية ابن الحاجب» وعن منلا زادة «تفسير البيضاوي» والنحو عن المنلا عبد الرحمن الجامي، وحجّ سنة ست وستين وثمانمائة فأخذ بمكة عن التّقي بن فهد، وسمع بدمشق على الشيخ عبد الرحمن بن خليل الأذرعي، وأخذ عن البرهان البقاعي، وأجازه بالإفتاء والتدريس جماعة وصار أعجوبة زمانه وواسطة عقد أقرانه، ثم تصدّر ببلده للإفادة، وانتفع الناس به، وصار شيخ بلده ومفتيها ومحقّقها ومدقّقها، مع الديانة والصّيانة. قال في «الكواكب» : غير أنه كان يكثر الدعوى والتّبجح والمشاححة لطلبة العلم في الألفاظ وغيرها، وكان طويل القامة، نيّر الشّيبة، مهيبا، يخضب لحيته بالسواد في أول شيبه ثم ترك آخرا. ومن مؤلفاته حاشية على «شرح المنهاج» للمحلّي وحاشية على «شرح الكافية المتوسط» . ومن شعره: إذا ما نالت السّفهاء عرضي ... ولم يخشوا من العقلاء لوما كسوت من السكوت فمي لثاما ... وقلت نذرت للرحمن صوما وتوفي بحلب في ربيع الأول بعد أن ألمت به كائنة بغير حق من قبل قاضي حلب زين العابدين محمد بن الفناري. وفي «تاريخ ابن طولون» أنه مات قهرا بسبب تلك الكائنة ولم تطل [1] مدة القاضي بعده. وفيها شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدّين الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري [2] السنيكي ثم القاهري الأزهري الشافعي. قال في «النور» : ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة من الشرقية ونشأ

_ [1] في «أ» : (تطلب) . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 234- 239) ، و «متعة الأذهان» (ق 39- 40) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 196- 207) و «النور السافر» (120- 124) .

بها وحفظ القرآن، و «عمدة الأحكام» وبعض «مختصر التبريزي» ثم تحول إلى القاهرة سنة إحدى وأربعين فقطن في جامع الأزهر وكمل. حفظ «المختصر» ثم «حفظ المنهاج» الفرعي و «الألفية النحوية» و «الشّاطبية» و «الرائية» وبعض «المنهاج الأصلي» ونحو النصف من «ألفية الحديث» ومن «التسهيل» إلى كاد، وأقام بالقاهرة يسيرا ثم رجع إلى بلده وداوم الاشتغال وجدّ فيه، وكان ممن أخذ عنه القاياتي والعلم البلقيني والشّرف السّبكي والشّموس الوفائي، والحجازي، والبدرشي، والشّهاب بن المجدي، والبدر النّسابة والزّين البوشنجي، والحافظ ابن حجر، والزّين رضوان في آخرين، وحضر دروس الشرف المناوي، وأخذ عن الكافيجي، وابن الهمام، ومن لا يحصى كثرة، ورجع إلى القاهرة فلم ينفك عن الاشتغال والإشغال مع الطريقة الجميلة والتواضع وحسن العشرة والأدب والعفّة والانجماع عن أبناء الدنيا، مع التقلل وشرف النّفس، ومزيد العقل وسعة الباطن والاحتمال والمداراة، وأذن له غير واحد من شيوخه في الإفتاء والإقراء، منهم شيخ الإسلام ابن حجر، وتصدى للتدريس في حياة شيوخه، وانتفع به الفضلاء طبقة بعد طبقة، وشرح عدة كتب وألّف ما لا يحصى كثرة، فلا نطيل بذكرها إذ هي أشهر من الشمس، وقصد بالفتاوى، وزاحم كثيرا من شيوخه فيها، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إلى الفتاوى يعد من حسناته، وله الباع الطويل في كلّ فنّ خصوصا التصوف وولي تدريس عدة مدارس إلى أن رقي إلى منصب قضاء القضاة بعد امتناع كثير وذلك في رجب سنة ست وثمانين واستمر قاضيا مدة ولاية الأشرف قايتباي ثم بعد ذلك إلى أن كفّ بصره فعزل بالعمى، ولم يزل ملازم التدريس والإفتاء والتصنيف وانتفع به خلائق لا يحصون، منهم ابن حجر الهيثمي. وقال في «معجم مشايخه» : وقدمت شيخنا زكريا لأنه أجلّ من وقع عليه بصري من العلماء العاملين والأئمة الوارثين وأعلى من عنه رويت ودريت من الفقهاء الحكماء المهندسين، فهو عمدة العلماء الأعلام وحجّة الله على الأنام، حامل لواء المذهب الشافعي على كاهله، ومحرّر مشكلاته، وكاشف عويصاته، في بكره وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد كيف ولم يوجد في عصره إلّا من أخذ عنه مشافهة أبو بواسطة أو بوسائط

متعددة، بل وقع لبعضهم أنه أخذ عنه مشافهة تارة وعن غيره ممن بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير له في أحد من أهل عصره، فنعم هذا التمييز الذي هو عند الأئمة أولى به وأحرى لأنه حاز به سعة التلامذة والأتباع وكثرة الآخذين عنه ودوام الانتفاع. انتهى وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الجمعة رابع ذي الحجّة بالقاهرة، ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه، وجزم في «الكواكب» بوفاته في السنة التي بعدها، وقال: عاش مائة وثلاث سنين انتهى. وفيها عبد الله بن أحمد باكثير- بفتح الكاف وكسر المثلثة- الحضرمي [1] ثم المكيّ الشافعي. قال في «النّور» : ولد في سنة ست أو سبع وأربعين وثمانمائة بحضر موت، ونشأ بها سبع سنين، ونقله والده إلى غيل باوزير فحفظ القرآن في سنة وعمره ثمان سنين، وحفظ «المنهاج» و «البهجة» لابن الوردي، و «خلاصة ابن ظفر» و «ألفية ابن مالك» وغيرها ثم سأل والده الاجتماع بشيخ من الصوفية فأشار عليه بالشيخ عبد الله العيدروس فتوجه إلى تريم وأخذ عنه وتربى على يديه وكان يقول لو أجتمع شيوخ الرسالة في جانب الحرم، وأنا في جانبه الآخر ما كنت أهتز إلى ما [2] عندهم لما ملأني به الشريف، يعني الشيخ عبد الله، ورحل إلى مكة وأقام بها إلى أن مات، ولقي جماعة من العلماء وأجيز بالإفتاء والتدريس، فتصدى لذلك، وانتفع الناس به ونثر ونظم من ذلك «الدّرر اللوامع في نظم جمع الجوامع» ، «تتمة التمام» و «سفك المدام في عقائد الإسلام» . ومن شعره: من كان يعلم أن كل مشاهد ... فعل الإله فما له أن يغضبا بل واجب أن يرتضي ما شاهدت ... عيناه من ذاك الفعال ويطربا وكان كثير الفوائد، عالما، عاملا، عين المدرّسين بمكة، مع الزّهد

_ [1] ترجمته في «النور السافر» (125) . [2] ليست اللفظة في «ط» .

والصّلاح والعفّة والاحتمال والسكون والانجماع عن أبناء الدنيا. وتوفي بمكة ليلة السبت الثالث عشر ربيع الثاني، ودفن بالمعلاة وخلّف نحو عشرة أولاد ذكورا وإناثا. انتهى وفيها السيد تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد السيد الشريف [1] بن نقيب الأشراف وأمّه الفاضلة البارعة زينب بنت الباعوني. أخذ الفقه عن الشيخ برهان الدّين الطّرابلسي الحنفي المصري بها، وقرأ عليه مصنّفه في الفقه على طريقة المجمع، وتردّد إلى سيدي محمد بن عراق إلى أن توفي ليلة السبت في ربيع الأول بصالحية دمشق عن نحو ثلاثين سنة، وصلّي عليه بمدرسة أبي عمر ودفن بالروضة. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن مسعود بن محمد الحصكفي الموصلي الشافعي [2] العلّامة المفنّن المتقن. قطن دمشق أولا مع أبيه، وقرأ بها على الشيخ عماد الدّين، المعروف بخطيب السّقيفة، والبرهان بن المعتمد، وغيرهما، وحجّ ماشيا، ثم قطن حلب، وقرأ بها على الفخر عثمان الكردي، والبدر السّيوفي، والشمس البازلي، وغيرهم، ودرّس بها، وأفاد وأفتى، وجلس بمكتب الشهادة بحلب تحت قلعتها، وتردد الطلبة إلى وتلقى منه جمع جمّ من الأفاضل، حتّى ترقى بعضهم إلى الإفادة، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود ترك ذلك وأقبل على الاشتغال والإشغال، وكان له يد طولى في النحو، والصّرف، والمنطق، والعروض، والقوافي، وله تقرير حسن في الفقه ومشاركة كلّية في الأدب. وشعره لطيف منه: تمرّ الليالي والحوادث تنقضي ... كأضغاث أحلام ونحن رقود وأعجب من ذا أنّها كلّ ساعة ... تجدّ بنا سيرا ونحن قعود وله ملغزا:

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 58) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 257) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 264- 266) .

يا إماما في النّحو شرقا وغربا ... من له باب [1] سرّه المكنون أيّما اسم قد جاء ممنوع صرف ... وأتى الجرّ فيه والتنوين وأجاب هو عنه بقوله: علم كان للمؤنّث جمعا ... سالما جمع ذين فيه يكون وأجاب عن قول بعض فضلاء النحو: سلّم على شيخ النحاة وقل له ... عندي سؤال من يجبه يعظم أنا إن شككت وجدتموني جازما ... وإذا جزمت فإنني لم أجزم بقوله: قل في الجواب بأنّ إن في شرطها ... جزمت ومعناها التردّد فاعلم وإذا بجزم الحكم إن شرطية ... وقعت ولكن شرطها لم يجزم وتوفي يوم الثلاثاء سابع شوال. وفيها فاطمة بنت يوسف التادفي [2] الحنبلي الحلبي. قال ابن الحنبلي: وهو ابن أخيها كانت من الصّالحات الخيرات، وكان لها سماع من الشيخ المحدّث برهان الدّين، وكانت قد حجّت مرتين، ثم عادت إلى حلب وأقلعت عن ملابس نساء الدنيا بل عن الدنيا بالكلية ولبست العباءة وزارت بيت المقدس ثم حجت ثالثة وتوفيت بمكة المشرفة. انتهى وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن داود البازلي الكردي ثم الحموي [3] الشافعي شيخ الإسلام مفتي المسلمين العلّامة. ولد في ضحوة يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر، ونشأ بها، وانتقل إلى أذربيجان فحفظ بها كثيرا من الكتب، منها «الحاوي

_ [1] في «الكواكب» «بان» . [2] ترجمتها في «در الحبب» (1/ 2/ 22) وفيه «التاذفي» و «الكواكب السائرة» (1/ 293) . [3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 203) ، و «الضوء اللامع» (7/ 240) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 47) .

الصغير» و «عقائد النّفسي» و «عروض الأندلسي» و «الشمسية» و «كافية ابن الحاجب» و «تصريف العزّي» وأخذ المعقولات عن منلا ظهير، ومنلا محمد القتجفاني، ومولانا عثمان الباوي، والمنقولات عن والده وغيره وقدم الشام سنة تسعين وثمانمائة، وحجّ سنة خمس وتسعين وعاد من الحجاز إلى حماة فقطنها وكان زاهدا متقشفا كثير العبادة يصوم الدهر ويلازم التدريس وألّف عدة مؤلفات منها «حاشية شرح جمع الجوامع» للمحلّي، وكتاب سمّاه «غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام» وكتاب «تقدمة العاجل لذخيرة الآجل» و «أجوبة شافية» عن إشكالات كانت ترد عليه وأسئلة ترفع إليه. وتوفي بحماة رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن الدّهن الحلبي الشافعي [1] المعمّر، شيخ القراء والإقراء بحلب، وإمام الحجازية بجامعها الكبير. قرأ على جماعة، منهم منلا سليمان بن أبي بكر المقري الهروي وغيره، وكان من العلماء المنوّرين. وفيها قاضي القضاة جلال الدّين محمد بن قاسم المصري المالكي [2] العلّامة. قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله في أحواله، وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى، وشرح «المختصر» و «الرسالة وانتفع به خلائق لا يحصون، وولاه الغوري القضاء مكرها، وكان حسن الاعتقاد في طائفة القوم. قال: وكان أكثر أيامه صائما لا يفطر في السنة إلا العيدين وأيام التشريق، وكان حافظا للسانه في حقّ أقرانه لا يسمع أحدا يذكرهم إلّا ويبجلهم. توفي بمصر في هذه السنة. وفيها محبّ الدّين أبو الثناء محمود بن محمد بن محمود بن خليل بن أجا

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 274) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 58) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» (92) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 70) .

التّدمري الأصل الحلبي ثم القاهري الحنفي [1] ، كاتب الأسرار الشريفة بالممالك الإسلامية، المعروف بابن أجا. قال السخاوي: ولد سنة أربع وخمسين وثمانمائة بحلب، واشتغل بالعلم في القاهرة إلى سنة ثمان وثمانين، ثم زار بيت المقدس، ورجع إلى حلب، وتميّز بالذكاء ولطف العشرة، وولي قضاء حلب في شهر رمضان سنة تسعين، وحجّ سنة تسعمائة، ثم رجع إلى حلب وطلبه السلطان الغوري، وولاه كتابة السّر بالقاهرة عوضا عن ابن الجيعان في أول ولايته سنة ست وتسعمائة، واستمرّ فيها إلى آخر الدولة الجركسية، وهو آخر من ولي كتابة السرّ، ثم حجّ في دولته سنة عشرين، فقرأ عليه المسند جار الله بن فهد عشرين حديثا عن عشرين شيخا وخرّجها له في جزء سمّاه «تحقيق الرجا لعلو المقر بن أجا» ثم عاد إلى القاهرة فشكا مدة فركب إليه السلطان وزاره لمحبته له ثم سافر صحبة الغوري إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وأقام بها حتى قتل الغوري فرجع إلى القاهرة فولاه السلطان طومان باي كتابة السّر بها ثم لما دخل السلطان سليم إليها أكرمه وعرض عليه وظيفته فاستعفى منها واعتذر بكبر سنه وضعف يديه، ثم سأل السلطان سليم الإقامة بحلب فأجابه وعاد معه إلى حلب، واستقرّ في منزله إلى أن توفي بها، وكان ذا هيبة وشكالة حسنة وشيبة نيّرة، ظريفا، كيسا، يحب التواريخ، ويرغب في خلطة الأكابر ومدحه الناس كثيرا بالمدائح الحسنة، منهم عائشة الباعونية حين قدمت عليه القاهرة بقصيدتها الرائية التي أولها: حنيني لسفح الصّالحية والجسر ... أهاج الهوى بين الجوانح والصّدر وتوفي بحلب في العشر الأول من شهر رمضان. وفيها أو في التي بعدها نهالي بن عبد الله الرّومي الحنفي [2] المولى الفاضل المشتهر بهذا اللقب.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 147) ، و «در الحبب» (1/ 2/ 451- 461) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 303) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (254) ، وفيه (المولى الشهير نبهاني) وفي «الكواكب السائرة»

قال في «الشقائق» : ولم نعرف [1] اسمه، وكان عتيقا لبعض الأكابر، وقرأ في صغره مبادئ العلوم، ثم خدم العلماء، وفاق على أقرانه ومهر في العربية والأصول والتفسير، وكان له نظم بالعربية والتركية والفارسية، ووصل إلى خدمة المولى محمد بن الحاج حسن، ودرّس بالمدرسة التي بناها المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية أيضا، ثم فرغ عن التدريس، وسافر إلى الحجّ، فلما أتمّ الحجّ مرض، فعاهد الله تعالى إن صحّ من مرضه لم يعاود التدريس، وندم على ما مضى من عمره في الاشتغال بغير الله تعالى، فأدركته المنية في مرضه ذلك بمكّة المشرّفة ودفن بها.

_ (1/ 312) وفيه (نهالي بن عبد الله) . [1] في «أ» : (يعرف) وما في «ط» موافق لما في «الشقائق» .

سنة ست وعشرين وتسعمائة

سنة ست وعشرين وتسعمائة فيها توفي أبو النّور التّونسي المالكي [1] ، نزيل المدرسة المقدّمية بحلب. كان حافظا لكتاب الله تعالى، مقرئا يؤدّب الأطفال بالمدرسة المذكورة، وكان من عادته أنه يقرأ ثلث القرآن بعد المغرب وثلثه بعد العشاء. ومن غريب ما اتفق له أنه لما ركب البحر من تونس إلى الإسكندرية [2] حصل لملّاح السّفينة- وكان فرنجيا- حمّى غب أشغلته عن مصلحة السفينة، وعجز ركابها عن علاج ينفعه وطلب من الشيخ أبي النّور ما يكتب للحمّى، فكتب له في ورقة خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ في سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ 69: 30- 32 [الحاقّة: 30- 32] ولف الورقة ودفعها له فوضعها في رأسه فما مضت تلك الليلة حتّى ذهبت عنه الحمّى. وتوفي الشيخ بحلب، ودفن بمقبرة الرّحبي. وفيها الشيخ أحمد بن بترس [3] الصّفدي [4] الشيخ العارف بالله تعالى، المكاشف بأسرار غيب الله. كان ظاهر الأحوال بصفد، مسموع الكلمة عند حكامها، وكان الناس

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 121) ، و «درر الحبب» (2/ 2/ 527- 528) . [2] في «ط» : «إلى إسكندرية» . [3] جاء في «جامع كرامات الأولياء» ما نصه: «هكذا في الأصل- يقصد الكواكب السائرة- ولعله محرف عن بيبرس أو نحوه» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 132- 133) ، و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 325) .

يترددون إليه فيشفع [1] لهم، ويقضي حوائجهم، ويقرّبهم ويضيفهم، وكان ذا شيبة نيّرة، وكان إذا أراد أن يتكلم بكشف يطرق رأسه إلى الأرض ثم يرفعه وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب الحمل الثقيل، ثم يتكلم بالمغيّبات. وكان في بدايته ذا رياضة ومجاهدة. وتوفي بصفد. قال ابن طولون: صلّي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشري ذي القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم الشّهاب بن البدر [2] المكّي، ويعرف كأبيه بابن العليف- بضم العين المهملة تصغير علف- الشافعي [3] . قال في «النور» : ولد بمكة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن و «الألفية النحوية» و «الأربعين النووية» والكثير من «المنهاج» . وسمع بمكة على التّقي بن فهد، وولده النّجم، والزين عبد الرحمن الأسيوطي، وأبي الفضل المرجاني، ولازم النّور الفاكهي في دروسه الفقهية والنحوية، وبالقاهرة، من الجوجري وغيره، ودخل القاهرة مرارا. قال السخاوي: وكنت ممن أخذ عنه بها وبالحرمين، وتكسّب بالنساخة، مع عقل وتودد، وحسن عشرة، وتميّز، ومع ذلك فلم يسلم ممن يعاديه، بل كاد أن يفارق المدينة لذلك. قال: وأغلب إقامته الآن بطيبة على خير، وانجماع، وتقلّل، ونعم الرجل. انتهى.

_ [1] كذا في «ط» ونسختي «المنتخب» لابن شقدة و «جامع كرامات الأولياء» : «فيشفع» وفي «آ» : «فيسع» . [2] في «النور السافر» : «ابن المبذر» . [3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 290) ، و «التحفة اللطيفة» (1/ 176- 178) و «النور السافر» ص (126- 130) و «البدر الطالع» (1/ 54- 56) .

وألّف لسلطان الرّوم بايزيد بن عثمان «الدّر المنظوم في مناقب سلطان الرّوم» ومدحه وغيره من أمرائه، فرتّب له خمسين دينارا في كل سنة، ومدح السّيد بركات الحسني صاحب مكة، واقتصر على مدحه، وحظي عنده لبلاغته، حتّى صار متنبي زمانه، ثم أصيب بكثرة الأمراض في آخره. ومن نظمه الفائق القصيدة العجيبة التي منها: خذ جانب العليا ودع ما يترك ... فرضي البريّة غاية لا تدرك واجعل سبيل الذّلّ عنك بمعزل ... فالعزّ أحسن ما به تتمسّك وامنح مودّتك الكرام فربّما ... عزّ الكريم وفات ما يستدرك وإذا بدت لك في عدوّ فرصة ... فافتك فإن أخا العلا من يفتك ودع الأماني للغبيّ فإنّما ... عقبى المنى للحرّ داء مهلك من يبتغي سببا بدون عزيمة ... ضلّت مذاهبه وعزّ المدرك تعست مداراة العدوّ فإنها ... داء تحول به الجسوم وتوعك وهي طويلة [1] . وتوفي بمكة المشرفة يوم الثلاثاء، من ذي [2] الحجة ودفن بالمعلاة. وفيها تقي الدّين باكير الرّومي الشيخ الفاضل [3] ناظر التكية السليمية، وولي نظارة الجامع الأموي. قال في «الكواكب» : نزل عند شيخ الإسلام الجدّ، وكان من أصحابه وتلاميذه، وترجمته بالولاية والفضل، ثم عزل من الجامع الأموي وأعطي تولية التكية السّليمية، ثم عزل عنها بالشيخ أبي الفتح بن مظفّر الدّين المكّي، ثم سافر

_ [1] قلت: ذكرها الشوكاني بتمامها في «البدر الطالع» . [2] كذا في «ط» و «البدر الطالع» : «يوم الثلاثاء من ذي الحجّة» وفي «آ» : «يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجّة» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 163) .

إلى الرّوم، وعاد بتوليه الجامع والتكية معا، ودخل دمشق عاشر رجب هذه السنة، فصرفه نائب الشام في تولية التكية دون الجامع. وتوفي ليلة الجمعة خامس ذي الحجة الحرام ودفن بالقرب من الشيخ محيي الدّين بن عربي تحت السماء. وفيها المولى التّوقاتي الحنفي [1] العالم المدرّس ببلدة أماسية. قال النجم الغزّي: كان فاضلا، منقطعا عن الناس بالكلّية، مشتغلا بالدّرس والعبادة. وكان لا يقدر على الحضور بين الناس وحشة منهم وحياء. وكان صالحا، مباركا. مات بأماسية في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان. انتهى. وفيها حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي بكر بن علي بن محمد النّاشري اليمني الشافعي [2] . قال في «النور» : ولد ثالث عشر شوال سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأخذ الفقه والحديث عن العلّامة قاضي القضاة الطيب بن أحمد النّاشري، مصنّف «الإيضاح على الحاوي» وعن والده [3] قاضي القضاة عبد الله وغيرهما. وروى عن القاضي مجد الدّين الفيروزآبادي صاحب «القاموس» وغيره. وأجازه شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، وكتب له بالإجازة هو وعلماء مصر، كالشيخ زكريا الأنصاري، والجوجري، والسيوطي، وابن أبي شريف، وغيرهم. ومن الحجاز أبو الخير السّخاوي، واشتهر باللّطافة والعلم. وكان كثير الزواج، قارب المائة وهو يفتض الأبكار، ورزق كثيرا من الأولاد. مات غالبهم. وتفقه به خلائق كثيرون، كالحافظ ابن الدّبيع، وأبي البركات النّاشري.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (251) و «الكواكب السائرة» (1/ 168) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (130- 131) و «البدر الطالع» (1/ 158) . [3] في «ط» : «وعن والده» وهو خطأ.

وله مصنّفات حسنة غريبة، منها «الأربعون التهليلية» و «مسالك التحبير من مسائل التكبير» ومختصره «التحبير في التكبير» و «انتهاز الفرص في الصّيد والقنص» ، وكتاب النبات العظيم الشأن المسمى «حدائق الرّياض وغوصة الفياض» و «عجائب الغرائب وغرائب العجائب» و «سالفة العذار في الشعر المذموم والمختار» وغير ذلك. وله شعر لطيف منه: إذا نظرت إلى العيناء [1] تحسبها ... جاما من التّبر فيه فصّ ياقوت أو خدّ غانية يحمرّ من خجل ... أو قرص عاشقة أدماه كالتّوت وتوفي يوم الخميس تاسع عشر ذي الحجة بمدينة زبيد، ودفن بمقبرة سلفه الصّالح بباب سهام قريبا من قبر الشيخ إسماعيل الجبرتي. انتهى وفيها السلطان سليم بن أبي يزيد بن محمد السّلطان المفخم والخاقان المعظم سليم خان بن عثمان تاسع ملوك بني عثمان [2] . هو من بيت رفع الله على [3] قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية، ومن قوم أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من الاستيلاء على المدائن الإيمانية، فرفعوا [4] عماد الإسلام وأعلوا مناره، وتواصوا باتباع السّنّة المطهّرة، وعرفوا للشرع الشريف مقداره، وصاحب الترجمة منهم هو الذي ملك بلاد العرب واستخلصها من أيدي الجراكسة بعد ما شتت جمعهم فانفلوا عن مليكهم وجدوا في الهرب. ولد بأماسية في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وجلس على تخت السلطنة وعمره ست وأربعون سنة بعد أن خلع والده نفسه عن السلطنة وسلّمها إليه، وكان

_ [1] في «آ» : «إلى العنباء» . [2] ترجمته في «البدر الطالع» (1/ 265- 267) ، و «مفاكهة الخلان» (2/ 27) ، و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (188- 197) ، و «النور السافر» ص (119) وفيه وفاته سنة (924) . [3] لفظة «على» سقطت من «آ» . [4] في «ط» : «رفعوا» .

السلطان سليم ملكا قهّارا وسلطانا جبّارا، قوي البطش، كثير السفك، شديد، التوجه إلى أهل النجدة والبأس، عظيم التجسس عن أخبار الناس، وربما غيّر لباسه وتجسس ليلا ونهارا. وكان شديد اليقظة والتحفظ، يحب مطالعة التواريخ وأخبار الملوك، وله نظم بالفارسي، والرّومية، والعربية، منه ما ذكره القطب الهندي المكّي أنه رآه بخطّه في الكوشك الذي بني له بروضة المقياس بمصر ونصه: الملك لله من يظفر بنيل غنّى ... يردده قسرا ويضمن عنده الدّركا لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ... فوق التّراب لكان الأمر مشتركا وقال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه «نزهة الناظرين» : وفي أيامه تزايد ظهور شأن إسماعيل شاه، واستولى على سائر ملوك العجم، وملك خراسان، وأذربيجان، وتبريز، وبغداد، وعراق العجم، وقهر ملوكهم، وقتل عساكرهم، بحيث قتل ما يزيد على ألف ألف [1] ، وكان عسكره يسجدون له ويأتمرون بأمره، وكاد يدّعي الرّبوبية، وقتل العلماء، وأحرق كتبهم ومصاحفهم، ونبش قبور المشايخ من أهل السّنّة وأخرج عظامهم [2] وأحرقها، وكان إذا قتل أميرا أباح زوجته وأمواله لشخص آخر فلما بلغ السلطان سليم ذلك تحركت همّته لقتاله، وعدّ ذلك من أفضل الجهاد، فالتقى معه بقرب تبريز بعسكر جرّار، وكانت وقعة عظيمة، فانهزم جيش إسماعيل شاه، واستولى سليم على خيامه وسائر ما فيها، وأعطى الرّعية الأمان، ثم أراد الإقامة بالعجم للتمكن من الاستيلاء عليها فما أمكنه ذلك لشدة القحط، بحيث بيعت العليقة بمائتي درهم، والرّغيف بمائة درهم، وسببه تخلّف قوافل الميرة التي كان أعدّها السلطان سليم وما وجد في تبريز شيئا لأن إسماعيل شاه عند انهزامه أمر بإحراق أجران الحبّ والشعير، فاضطر سليم للعود إلى بلاد الرّوم.

_ [1] كذا في «ط» ونسختي «المنتخب» لابن شقدة: «على ألف ألف» وفي «آ» : «على مائة ألف ألف» . [2] في «ط» : «أعظامهم» .

وفي أيامه كانت وقعة [1] الغوري، وذلك أن السلطان [2] سليم لما رجع من غزو إسماعيل شاه تفحص عن سبب انقطاع قوافل الميرة عنه، فأخبر أن سببه سلطان مصر قانصوه الغوري، فإنه كان بينه وبين إسماعيل شاه محبّة ومراسلات وهدايا، فلما تحقّق سليم ذلك، صمّم على قتال الغوري، أولا، ثم بعده يتوجه لقتال إسماعيل شاه ثانيا، فتوجه بعكسره [3] إلى جهة حلب سنة اثنتين وعشرين كما تقدّم، فخرج الغوري بعساكر عظيمة لقتاله، ووقع المصاف بمرج دابق شمالي حلب، ورمى عسكر سليم عسكر الغوري بالبندق، ولم يكن في عسكر الغوري شيء منه، فوقعت الهزيمة على عسكر الغوري بعد أن كانت النصرة له أولا، ثم فقد تحت سنابك الخيل كما مرّ عند ذكره، وكان ذلك بمخامرة خير بك والغزالي بعد أن عهد إليهما السلطان سليم بتوليتهما مصر والشام، ثم بعد الوقعة أخليا له حلب لأنهما معه في الباطن، فأقبل سليم إلى حلب فخرجوا إلى لقائه يطلبون الأمان ومعهم المصاحف يتلون جهارا: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى 8: 17 [الأنفال: 17] فقابلهم بالإجلال والإكرام، ثم حضرت صلاة الجمعة، فلما سمع الخطيب خطب باسمه وقال: خادم الحرمين الشريفين، سجد لله شكرا على أن أهلّه لذلك، ثم ارتحل للشام بعد أن أخلاها له خير بك والغزالي، فخرجوا للقائه، ودعوا له، فأكرمهم، وأقام بها لتمهيد أمر المملكة، وأمر بعمارة قبّة على الشيخ محيي الدّين بن عربي بصالحية دمشق، ورتب عليها أوقافا كثيرة، ثم توجه إلى مصر، فلما وصل إلى خان يونس بقرب غزّة قتل فيه وزيره حسام باشا، ثم لما دخل مصر وقع بينه وبين طومان باي سلطان الجراكسة حروب يطول ذكرها، وقتل بها وزير سليم يوسف باشا سنان باشا، وكان مقداما، ذا رأي وتدبير، فأسف سليم عليه، بحيث قال: أي فائدة في مصر بلا يوسف، وقاتل طومان باي ومن معه من الأمراء قتالا شديدا، وظهر لطومان باي شجاعة قوية عرف بها، وشهد له بها الفريقان، وأوقع الفتك بعسكر السلطان سليم، ولولا شدة عضده بخير بك

_ [1] في «آ» : «واقعة» . [2] لفظة «السلطان» سقطت من «ط» . [3] في «آ» : «فتوجه عسكره» .

والغزالي ومكيدتهما ما ظفر بطومان باي، ثم لما ظفر به أراد أن يكرمه ويجعله نائبا عنه بمصر فعارضه خير بك وخاف عاقبة فعله، وقال لسليم: إنك إن فعلت ذلك استولى على السلطنة ثانيا، وحسّن له قتله، فقتله وصلبه بباب زويلة، ودفنه كما أسلفنا، ونزل السلطان سليم بالمقياس مدة إقامته بمصر بعدا عن روائح القتلى، وحذرا من المكيدة، إلى أن مهدها، ثم ولّى خير بك أمير الأمراء على مصر، وولىّ الغزالي على الشام، وولّى بمصر القضاة الأربع، وهم قاضي القضاة كمال الدّين الشافعي، وقاضي القضاة نور الدّين علي بن ياسين الطرابلسي الحنفي، وقاضي القضاة الدّميري المالكي، وقاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن النّجار الحنبلي، واستولى على الأرض الحجازية وغيرها، ورتّب الرواتب، وأبقى الأوقاف على حالها، ورتّب لأهل الحرمين في كل سنة سبعة آلاف أردّب حبّ، ثم عاد إلى القسطنطينية [1] وقد أصرف غالب خزائنه، فأخّر السفر عن بلاد العجم ليجمع ما يستعين به على القتال، فظهر له في ظهره جمرة منعته الراحة، وحرمته الاستراحة، وعجزت في علاجه حذّاق الأطباء، وتحيّرت في أمره عقول الألباء، ولا زالت به حتّى حالت بينه وبين الأمنية، وخلّت بينه وبين المنية، فتوفي- رحمه الله تعالى- في رمضان أو شوال بعد علّة نحو أربعين يوما. وذكر العلائي في «تاريخه» أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة وقد خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن بها حتّى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه السلطان بايزيد [2] حين نازعه في السلطنة، فطلب له الجرايحية والأطباء فلم يدركوه إلا وقد تآكلت ووصلت إلى الأمعاء، فلم يستطيعوا دفعا عنه ولا نفعا، ومات بها، ودفن بأدرنة عند قبر أبيه. انتهى وفيها- تقريبا- عبد الله بن إبراهيم الفاضل العلّامة الشهير بابن الشّيشري الحنفي [3] .

_ [1] في «ط» : «ثم عاد للقسطنطينية» . [2] في «آ» و «ط» : «أبا يزيد» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 217) .

قال في «الكواكب» : قرأ على علماء العجم، وبرع هناك في العربية والمعقولات، ثم دخل بلاد الرّوم، وعيّن له السلطان سليم كل يوم ثلاثين عثمانيا، وعمل قصيدة بالفارسية نحو ثلاثين بيتا أحد مصراعي كل بيت تاريخ لسلطنة السلطان سليمان، والمصراع الثاني من كل بيت تاريخ فتح رودس. وله «حواش على حاشية شرح المطالع» للسيد الشريف، و «شرح على الكافية» و «رسالة في المعمّى» فارسية. انتهى وفيها- تقريبا- أيضا جمال الدّين عبد الله بن أحمد الشنشوري المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة. له «شرح التدريب» للسّراج البلقيني، رحمهما الله تعالى. وفيها جمال الدّين عبد الله بن عبد الله بن رسلان البويضي- من قرية البويضة من أعمال دمشق- ثم الدمشقي الشافعي [2] الشيخ الإمام العلّامة. ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وكان رفيقا للشيخ تقي الدّين البلاطنسي على مشايخه، وأخذ عنه الشيخ موسى الكناوي «صحيح البخاري» وغيره. توفي بالبيمارستان النوري يوم الخميس سادس أو سابع ذي القعدة وصلّى عليه إماما رفيقه البلاطنسي، ودفن بمقبرة باب الصغير جوار الشيخ نصر المقدسي بصفة الشهداء. وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو البقاء محمد بن محمد بن عبد الله بن الفرفور الدمشقي الحنفي [3] . قال في «الكواكب» : اشتغل يسيرا في الفقه على البرهان بن عون، ثم ولي كتابة السّر عوضا عن أمين الدّين الحسباني، ثم استنزل له عمه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور قاضي القضاة محبّ الدّين القصيف عن نظر القصاعية

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 217) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (55/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 217- 218) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 13) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 565) .

وتدريسها، وأسمعه الحديث على جماعة من الدمشقيين، ثم ولي قضاء قضاة الحنفية بالشام مرارا عزل من [1] آخرها في شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. انتهى. وفيها المولى زين الدّين وقيل زين العابدين محمد بن محمد الفناري الرّومي الحنفي [2] العالم الفاضل، أول قضاة القضاة بدمشق من الدولة العثمانية. قرأ على علماء عصره، منهم المولى الفاضل علاء الدّين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى ابن المعروف معلّم السلطان بايزيد، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن صار قاضيا بدمشق، ثم بحلب. قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذكيا، صاحب طبع وقّاد، وذهن نقّاد، قوي الجنان، طلق اللسان، صاحب مروءة وفتوة، محبا للفقراء والمساكين، يبرّهم ويرعى جانبهم. وكان في قضائه مرضي السيرة، محمود الطريقة. انتهى. وذكر ابن طولون أن سيرته بدمشق كانت أحسن منها بحلب، وتوفي وهو قاض بحلب في أول ربيع الأول. وفيها قاضي القضاة صلاح الدّين محمد بن أبي السعود بن إبراهيم الشيخ الإمام قاضي قضاة مكّة المشرّفة ابن ظهيرة المكّي الشافعي [3] . جرت له محنة في أيام الجراكسة، وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير جرم ولا ذنب، بل للطمع في مال يأخذه منه على عادته، ولما خرج بعساكره من مصر لقتال السلطان سليم بن عثمان أطلق كلّ من في حبسه من أرباب الجرائم وغيرهم، ولم يطلق صاحب الترجمة، فلما قتل الغوري أطلقه طومان باي، ثم لما وصل السلطان سليم إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح الدّين، فأكرمه، وعظّمه، وخلع عليه، وجهّزه إلى مكة معزوزا مكرّما، مع الإحسان إليه. وجعله نائبه في تفرقة الصدقات السّليمية في تلك السنة، وخطب عامئذ في الموقف الشريف خطبة عرفة، وبقي بمكة إلى أن توفي بها في أواخر هذه السنة.

_ [1] في «ط» : «عزل عن» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (238- 239) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (73/ ب) .

وفيها نبهان بن عبد الهادي الصّفوري [1] الشافعي [2] ، العالم الفاضل، العارف بالله تعالى [1] . قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «معجم تلامذته» قال: وكان من عباد الله الصالحين، سريع الدّمعة، خاشع القلب، ساكن الحواس، قرأ على الوالد «ألفيته» في التصوف كاملة، وحضر دروسي كثيرا، واستجازني فأجزته. انتهى.

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 310- 311) .

سنة سبع وعشرين وتسعمائة

سنة سبع وعشرين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن أبي الوفاء الأرمنازي ثم الحلبي الشافعي [1] ، الشيخ الصّالح المعمّر. كان من حفّاظ كتاب الله تعالى، وكان إماما للسلطان الغوري حين كان حاجب الحجّاب بحلب، فلما تسلطن توجه الشيخ إبراهيم إليه إلى القاهرة وحجّ منها في سنة ست وتسعمائة، ثم عاد إليها واجتمع به فأحسن إليه، وأمره بالإقامة لإقراء ولده فاعتذر إليه فقبل عذره، ورتّب له ولأولاده من الخزينة في كل سنة ثلاثين دينارا، ثم عاد إلى حلب. قال ابن الحنبلي: واتفق له أنه قرأ في طريق الحاج ذهابا وإيابا وفي إقامته بمصر قدر شهرين ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين ختمة، قيل: وكان راتبه في الإقامة مع قضاء مصالحه في اليوم والليلة ختمة وبدونه ختمة ونصفا، وكان يمشي في الأسواق فلا يفتر عن التّلاوة. وتوفي بحلب، رحمه الله تعالى. وفيها تقي الدّين أبو بكر الظّاهري المصري [2] نزيل دمشق، الشيخ الفاضل العالم. توفي بدمشق في مستهل شهر [3] رمضان.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 39- 40) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 106) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 120) . [3] لفظة «شهر» سقطت من «ط» .

وفيها المولى أحمد باشا بن خضر بك بن جلال الدّين الرّومي الحنفي [1] . قال في «الكواكب» : كان عالما متواضعا للفقراء، ولما بني السلطان محمد خان المدارس الثمانية أعطاه واحدة منها، وسنّه يومئذ دون العشرين، ثم تنقل في المناصب حتّى صار مفتيا بمدينة بروسا في سلطنة السلطان بايزيد، وأقام بهامدة متطاولة، وله مدرسة هناك بقرب الجامع الكبير منسوبة إليه. وله كتب موقوفة على المدرسة. وتوفي في هذه السنة. قال في «الشقائق» : وقد جاوز التسعين. وفيها شهاب الدّين أحمد بن القاضي علاء الدّين علي بن البهاء بن عبد الحميد بن إبراهيم البغدادي ثم الدمشقي الصّالحي الحنبلي [2] الإمام العلّامة. ولد ليلة الاثنين عاشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه وغيره، وانتهت إليه رئاسة مذهبه، وقصد بالفتاوى، وانتفع الناس به فيها وفي الإشغال، وتعاطى الشهادة على وجه إتقان لم يسبق إليه، وفوض إليه نيابة القضاء في الدولة العثمانية زين العابدين الفناري، ثم ترك ذلك، وأقبل على العلم والعبادة، ومن تلاميذه البدر الغزّي، وللبدر عليه «مشيخة» أيضا، وهو الذي أشار عليه بالكتابة على الفتوى بمحضر من والده الشيخ رضي الدّين، وكان يمنعه أولا من الكتابة في حياة شيوخه فاستأذنه له فيها. وتوفي صاحب الترجمة بدمشق بكرة نهار الجمعة حادي عشري رجب، ودفن بتربة باب الفراديس. وفيها شهاب الدّين أحمد، المعروف بابن نابتة المصري الحنفي [3] .

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (109) و «الكواكب السائرة» (1/ 134) و «الطبقات السّنية» (1/ 344- 345) و «الفوائد البهية» ص (26) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (9/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 140) و «النعت الأكمل» ص (100- 101) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154) .

حضر في الفقه على العلّامة الشمس قاسم بن قطلوبغا، والجلال الطرابلسي، والقراءات عن الشمس الحمصاني، وكان متزهدا، متقللا، وأقبلت عليه الطلبة، واشتغل الناس عليه، وأصيب بالفالج أشهرا، ثم توفي ليلة الأربعاء حادي عشر ربيع الثاني وهو في أواخر الثمانين، ودفن بتربة الجلال السيوطي. وفيها شهاب الدّين أحمد المنوفي [1] الشيخ الفاضل المحصّل المعتقد الشافعي متولي الظّاهرية القديمة بمصر. ولي قضاء بلده منوف العليا، فباشر القضاء بعفّة ونزاهة، وطرد البغايا من تلك الناحية، وأزال المنكرات، واستخلص الحقوق، بحيث كانت تأتيه الخصوم من بلاد بعيدة أفواجا، وتستخلص بهمته وعدله حقوقا كانت قد ماتت. قال العلائي: وقد أوقفني على عدة «مختصرات» له في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية، حوت مع الاختصار فوائد وفرائد خلت منها كثير من المختصرات والمطوّلات. وتوفي في مستهل شوال. وفيها صدر الدّين إدريس المارديني القاهري [2] ، الإمام العالم المؤرّخ المنشئ. توفي بالقاهرة في هذه السنة. وفيها جان بردي بن عبد الله الجركسي، الشهير بالغزالي [3] ، السّخيف الرأي. كان في الدولة الجركسية كافل حماة، ثم دمشق، ثم خامر على الغوري كما تقدم، ووعده السلطان سليم بنيابة [4] دمشق، ومع هذا فإنه لما فرّ من ميسرة

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 160) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 168- 171) . [4] في «آ» : «نيابة» .

الغوري بمرج دابق مخامرة، رجع إلى مصر ولحق بطومان باي، وأعانه على السلطان سليم، ولما افتتح السلطان سليم مصر ثبت على ميثاقه ووعده، وولاه نيابة الشام، وخرج في ركابه من مصر إلى دمشق، ثم خرج في وداعه، ثم عاد إلى دمشق، وقد ولّى السلطان سليم قاضي القضاة ابن الفرفور بعد أن تحنّف، وكان شافعيا، وأبطل القضاة الأربعة إلّا ابن فرفور، فكان قاضيا. وكان الغزالي نائبا فأعاد الشهود إلى مراكزهم على عادتهم في الدولة الجركسية، ووقع بينه وبين ابن فرفور بهذا السّبب، غير أن الغزالي نشر العدل في دمشق وأعمالها، وأبطل ما كان حدث بها من اليسق [1] ، ومنع البوّابين أن يأخذوا شيئا من الداخلين إلى المدينة، وجرّد السيف على كل من تعرّض من الأروام لامرأة أو صبيّ. وكتب بذلك إلى السلطان سليم، وأخبره بأن دمشق غير معتادة لشيء من هذه المناكير، فأجيب بأنّا قلدناك أمر الرّعية فافعل ما هو الشرع، وعرض بالقضاء لقاضي القضاة شرف الدّين بن مفلح بدلا عن ابن فرفور، فأجيب إلى ذلك، فباشر الغزالي النيابة، وابن مفلح القضاء بسيرة حسنة إلى سنة ست وعشرين، فكان الغزالي ببيروت وجاءه الخبر بموت السلطان سليم، فركب من ساعته إلى دمشق وحاصر قلعتها، ثم سلّمها إليه أهلها، ونفي نائبها إلى بيت المقدس، وجعل نيابتها للأمير إسماعيل بن الأكرم، وأمر الخطباء أن ينوهوا بسلطنته ويدعوا له بها [2] على المنابر، وفرح بذلك جهلة العوام دون عقلاء الناس، ثم توجّه إلى طرابلس، وحمص، وحماة، وحلب، وحاصر قلاعها، ولم يظفر بطائل، لكنه قبض على كافل حمص وقتله، ثم دخل حماة- وقد فرّ كافلها وقاضيها إلى حلب- فأخذ من كان معه في النّهب، وقتل من كان له غرض في قتله، وكان فرّ ابن فرفور أيضا إلى حلب خوفا من معرته، ولما بلغ السلطان سليمان خبره جهّز إليه جيشا، فصار الغزالي يحصّن قلعة دمشق وما حولها، ونصب بها منجنيقا ليرمي به المحاصرين، وصار يركب من دار السعادة إلى القلعة، ومن القلعة إلى دار السعادة، وضاقت عليه الأرض، وهمّ بالهرب، فثبّت

_ [1] اليسق: كلمة تركية تعني (الممنوع) . [2] لفظة «بها» سقطت من «ط» .

جأشه جهلة عساكره الذين جمعهم من القرى، وقالوا: نحن فينا كفاية. قال الحمصي: وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر صفر أمر جان بردي الغزالي أن يخطبوا له بالسلطنة ويلقّبوه بالأشرف، وصلى بالجامع الأموي في المقصورة، وخطب له بالأشرف، ووقف على المقصورة بساط في اليوم المذكور. قال: وفي يوم السبت جمع مشايخ الحارات بالجامع الأموي وحلّفهم أن لا يخونوه، وأن يكونوا معه على كلمة واحدة، ثم خرج يوم الثلاثاء سابع عشريه هو والعساكر وأهل الحارات إلى مسطبة السلطان بالقابون، ووصل العسكر العثماني إلى القصير، وعدّته اثنان وستون ألفا باشهم الوزير الثالث فرحات، وصحبته نائب حلب قراجا باشا، والأمير شاه سوار، وقاضي القضاة ولي الدّين بن فرفور، وقد أعيد إلى القضاء على عادته. وكان صحبة الغزالي الأمير يونس بن القواس بعشيره والأمير عمر بن العزقي بعشيره، فالتقى العسكران بين دوما، وعيون فاسريا، والقصير، ففرّ ابن القواس بعشيره، وثبت الغزالي وقليل ممن معه، فقتلوا وقتل معه عمر بن العزقي، واستأصل جميع عسكره الأسافل، وذكروا أن عدة القتلى كانت سبعة آلاف، ثم دخل العسكر العثماني دمشق، فرأوا الأبواب مفتحة، وسلّمهم ابن الأكرم مفاتيح القلعة، ولو قصدوا قتل العوام لفعلوا، وكان ذلك يوم الثلاثاء سابع عشري صفر. وفيها بدر الدّين حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل، العالم الحنفي [1] . قال في «الكواكب» : اشتغل قليلا على الزّيني ابن العيني، واعتنى بالشهادة، ثم تركها، وحصّل دنيا واسعة، وحجّ سنة عشرين، وجاور، وولي نظر الماردانية والمرشدية، ونزل له أخوه شمس الدّين عن تدريسها وعدة مدارس، ولم يكن فيه أهليّة، فتفرقها الناس، مع أنه كان كثير الشرّ كما قال ابن طولون. ومات يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر، ودفن يوم الأربعاء بالسفح.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 181- 182) و «متعة الأذهان» الورقة (36/ ب) .

وفيها سيدي ابن محمود، المولى العالم الصالح الرّومي الحنفي، الشهير بابن المجلّد [1] . كان أصله من ولاية قوجه إيلي، واشتغل بالعلم، وحصّل، وصار مدرّسا بمدرسة عيسى بيك ببروسا، ثم رغب في التصوف، وعين له كل يوم خمسة عشر درهما بالتقاعد، ثم صحب الشيخ العارف بالله تعالى السيد البخاري. وكان فاضلا، مدقّقا، حسن الخطّ، صالحا، ديّنا، يخدم بيته بنفسه، ويشتري حوائجه ويحملها من السوق بنفسه، ملازما للمسجد، منعزلا عن الناس. وتوفي في حدود هذه السنة تقريبا. وفيها القاضي محبّ الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ العابد الدّيّن الصّالح الدسوقي [2] . ولد في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثمانمائة، وكان ناظر الأيتام بدمشق، وفوض إليه نيابة القضاء في سنة ست عشرة وتسعمائة. وتوفي ليلة السبت سابع ربيع الآخر فجأة، ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده. وفيها محيي الدّين أبو المفاخر عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم- بضم النون- النّعيمي [الدمشقي] [3] الشافعي [4] الشيخ العلّامة الرّحلة، مؤرخ دمشق، وأحد محدّثيها. ولد يوم الجمعة ثاني عشر شوال سنة خمس وأربعين وثمانمائة، ولازم الشيخ إبراهيم النّاجي، والعلّامة زين الدّين عبد الرحمن بن خليل، وزين الدّين خطاب

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 213) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 226) و «متعة الأذهان» الورقة (45/ آ) . [3] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [4] ترجمته في «مفاكهة الخلّان» (1/ 10) و «متعة الأذهان» الورقة (53/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 250) و «الأعلام» (4/ 43) و «معجم المؤلفين» (5/ 301) .

الغزاوي، وزين الدّين مفلح بن عبد الله الحبشي المصري ثم الدمشقي، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عن البدر بن قاضي شهبة، والشّهاب بن قرا. وقرأ على البرهان البقاعي مصنّفه المسمى ب «الأيذان» ، وأجاز له به، وبما يجوز [1] له وعنه روايته، وشيوخه كثيرة، ذكرهم في تواريخه. وألّف كتبا كثيرة، منها «الدارس في تواريخ المدارس» [2] . ومنها «تذكرة الإخوان في حوادث الزمان» و «التبيين في تراجم العلماء والصالحين» و «العنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان» و «القول البين [3] المحكم في إهداء القرب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم» و «تحفة البررة في الأحاديث المعتبرة» و «إفادة النّقل في الكلام على العقل» وغير ذلك. وتوفي- كما قال ولده المحيوي يحيى- وقت الغداء يوم الخميس رابع جمادى الأولى ودفن بالحمرية، رحمه الله تعالى. وفيها- وقيل في سنة عشر وتسعمائة وقيل سنة [4] سبع عشرة ولعله الصحيح- علي النّبتيتي [5] الشافعي الشيخ الإمام العلّامة ولي الله تعالى العارف به البصير بقلبه المقيم ببلدته نبتيت من أعمال مصر. كان رفيقا للقاضي زكريا في الطلب والاشتغال، وبينهما أخوة أكيدة، وأخذ العلم عن جماعة، منهم الكمال إمام الكاملية. وكان النّبتيتي من جبال العلم، متضلعا من العلوم الظّاهرة والباطنة، وله أخلاق شريفة، وأحوال منيفة، ومكاشفات

_ [1] في «ط» : «وبما تجوز» . [2] المعروف في اسمه: «الدارس في تاريخ المدارس» وقد نشره المجمع العلمي العربي بدمشق منذ سنوات طويلة في مجلدين بتحقيق الأمير جعفر الحسني، وقد حصل فيها الكثير من التحريف والتصحيف. ويقوم بإعادة تحقيقة الآن الأخ الأستاذ أحمد فائز الحمصي بتكليف من مؤسسة الرسالة ببيروت. [3] في «ط» : «المبين» . [4] لفظة «سنة» سقطت من «ط» . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 281- 282) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 188) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 124- 125) .

لطيفة، وكان يغلب عليه الخوف والخشية، حتّى كأن النار لم تخلق إلّا له وحده، وكان الناس يقصدونه للعلم، والإفتاء، والإفادة، والتبرّك، والزيارة، من سائر الآفاق. وكانت ترفع إليه المسائل المشكلة من مصر، والشام، والحجاز، فيجيب عنها نظما ونثرا. وكانت نصوص الشافعي وأصحابه كأنّها نصب عينيه. وكان مخصوصا في عصره بكثرة الاجتماع بالخضر. قال الشعراوي: كان وقته كله معمورا بالعلم والعبادة ليلا ونهارا. وكان يقول: لا يكمل الرجل في العقل إلّا إن كان [1] كاتب الشمال لا يجد شيئا من أعماله يكتبه. وله مناقب كثيرة. ومن شعره- رضي الله تعالى عنه-: وما لي لا أنوح على خطائي ... وقد بارزت جبّار السماء قرأت كتابه وعصيت سرّا ... لعظم بليّتي ولشؤم دائي بلائي لا يقاس به بلاء ... وأعمالي تدلّ على شقائي فيا ذلّي إذا ما قال ربّي ... إلى النّيران سوقوا ذا المرائي فهذا كان يعصيني جهارا ... ويزعم أنّه من أوليائي تصنّع للعباد ولم يردني ... وكان يريد بالمعنى سوائي في أبيات أخر [2] . توفي يوم عرفة ببلدة ودفن بها، وقبره بها يزار.

_ [1] لفظة «كان» سقطت من «ط» . [2] وهي أربعة أبيات ذكرها الشعراني في «الطبقات الكبرى» وقد استحسنت ذكرها لما فيها من العبرة لمن يعتبر: فيا ربّي عبيد مستجير ... يروم العفو من ربّ السماء حقير ثم مسكين فقير ... بنبتيت أقام على الرّياء عليّ باسمه في الناس يعرف ... وما يدري اسمه حال ابتداء فآنسه إذا أمسى وحيدا ... رهين الرّمس في لحد البلاء

وفيها المولى غياث الدّين الشهير بباشا جلبي الرّومي [1] الحنفي، العالم الفاضل، ابن أخي آق شمس الدّين الرّومي. قرأ على المولى الخيالي، والمولى خواجه زاده، وغيرهما، وصحب الصّوفية، ثم أعطي مدرسة المولى الكوراني بالقسطنطينية [2] ، ثم إحدى الثمانية، ثم ترك ذلك، واختار مدرسة أبي أيوب الأنصاري، ثم أعطي سلطانية أماسية، مع منصب الفتوى، ثم تركها، وأعطى تقاعدا بسبعين عثمانيا كل يوم، ثم طلب مدرسة القدس الشريف فمات قبل السفر إليها. وله رسائل كثيرة، لكنه لم يدوّن كتابا، رحمه الله تعالى. وفيها شرف الدّين قاسم بن عمر الزواوي المغربي القيرواني [3] المالكي الشيخ الفاضل الصالح المعتقد. كان أولا مقيما في صحبة رفيقه الشيخ العابد الزاهد محمد الزواوي بمقام الشيخ تاج الدّين بن عطاء الله الإسكندري، ثم أقام بمقام الإمام الشافعي- رضي الله عنه- خادما لضريحه، وصحب الشيخ جلال الدّين السيوطي، وارتبط به، وقلّده في ملازمة لبس الطيلسان صيفا وشتاء، وكان يتردد إلى التّقي الأوجاقي وغيره، وأخذ عنه البدر الغزّي. وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري شعبان. وفيها كمال الدّين محمد بن الشيخ غياث الدّين أحمد بن الشيخ كمال الدّين الشماخي [4] الأصل والمولد- وشماخي أمّ المدائن بولاية شروان [5]-. أخذ عن السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشرواني الشماخي ثم الباكوي- وباكو بلدة من ولاية شروان أيضا- وبها توفي السيد يحيى سنة ثمان أو تسع وستين

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (198) و «الكواكب السائرة» (1/ 163) . [2] أي في إستانبول. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 293- 294) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 32- 33) . [5] انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 361) و «مراصد الإطلاع» (2/ 810) .

وثمانمائة، وكان السيد يحيى هذا جليل المقدار انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك- وأما صاحب الترجمة فذكر العلائي أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسماعيل شاه فلم يظهر مشيخة ولا سلوكا، ولا تقرّب من أرباب الدنيا، بل جلس في حانوت بقرب خان الخليلي يشتغل فيه الأقماع والكوافي على أسلوب العجم، بحسن صناعة، وجميل دربة، وإتقان صنع، وكان حافظا لعبارات كثير من المشايخ وآدابهم وأخلاقهم وحسن سيرتهم، مما خلا منه كثير من المتصدّرين، مع عدم التكبّر [1] والتبجح. وتوفي ليلة الاثنين ثالث ربيع الأول، قال العلائي: عن مائة وثلاث عشرة سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن عبيد الضرير [2] الشيخ الإمام العلّامة المقرئ المجوّد. ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان قفافيا بميدان الحصى بدمشق، ثم اشتغل بالعلم، وأمّ وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير، وكان عالما صالحا يقرئ «الشاطبية» وغيرها من كتب القراءات والتجويد، وانتفع به خلق كثير. وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشري القعدة ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح الشيخ حمّاد، رحمهما الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن ليل الزّعفراني التّونسي [3] القاطن بالقاهرة. قال في «الكواكب» : كان يحفظ أنواع الفضائل، وكان يتأنق في إيراد أنواع التحميدات، والتسبيحات، والصّلوات، ويعرف الألسن العربية المتنوعة، والخواص العجيبة، وكان يذكر أنه عارف بالصنعة. مات بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشري جمادى الآخرة ودفن بتربة المجاورين.

_ [1] في «ط» : «التكثر» [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (89/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 56- 57) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) .

وفيها محيي الدّين محمد بن محمد بن محمد البردعي الحنفي [1] أحد موالي الرّوم العالم الفاضل. كان من أولاد العلماء، واشتغل على والده وغيره، ثم دخل شيراز وهراة، وقرأ على علمائها، وحصّل علما كثيرا، ثم ارتحل إلى بلاد الرّوم، وصار مدرّسا بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا ثم بإحدى المدرستين المتلاصقتين بأدرنة. وتوفي وهو مدرّس بها، وله «حواش على تفسير البيضاوي» و «حواش على شرح التجريد» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» و «شرح على آداب البحث» للعضد. وكان له حظّ وافر من العلوم، ومعرفة تامّة بالعربية، والتفسير، والأصول، والفروع. وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، متواضعا، متخشعا، له وجاهة ولطف، ويكتب الخطّ الحسن، مع سرعة الكتابة. وتوفي بأدرنة في هذه السنة، رحمه الله تعالى. وفيها الأمير مرجان بن عبد الله الظّافري [2] الذي عمّر قبة العيدروس بعدن، وهو مدفون معه فيها. قال في حقّه العلّامة بحرق: الأمير المؤيد بتوفيق الله وعنايته، المسدّد بحفظ الله ورعايته، الذي فتح الله بنور الإيمان عين بصيرته، وطهّر عن سوء العقيدة باطن سريرته، وصار معدودا من الأولياء لموالاته لهم باطنا وظاهرا، وحاز من بين الولاة والحكّام من التواضع لله والرّفق بالفقراء والمساكين حظا وافرا، مرجان بن عبد الله الظافري لا زال على الأعداء ظافرا وإلى مرضاة مولاه مبادرا. انتهى. وفيها نسيم الدّين قاضي مكّة الحنفي [3] .

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (230، 231) و «الكواكب السائرة» (1/ 18) و «الأعلام» (7/ 55) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (132- 133) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 311) .

قال العلائي: كان فاضلا، ذكيا، مستحضرا لكثير من المسائل، حافظا لمتن المجمع، ديّنا فصيحا، لطيفا، عفيفا، لا يتناول على القضاء شيئا البتة، وأخذ الفقه عن الشمس بن الضّياء، وعن جماعة من المصريين وغيرهم. وتوفي بمكة سنة سبع وعشرين وتسعمائة. انتهى

سنة ثمان وعشرين وتسعمائة

سنة ثمان وعشرين وتسعمائة فيها توفي تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن عبد الله، المعروف بابن قاضي عجلون الزرعي ثم الدمشقي [1] الشافعي الإمام العلّامة القدوة الرّحلة الأمة العمدة. ولد بدمشق في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، واشتغل على والده وأخيه شيخ الإسلام نجم الدّين، وعلى شيخ الإسلام زين الدّين خطاب. وسمع الحديث على المسند أبي الحسن بن بردس البعلي، والحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين وغيرهما، وأخذ عن ابن حجر مكاتبة، والعلم صالح البلقيني، والشمس المناوي، والجلال المحلّي. وكان إماما، بارعا في العلوم، وكان أفقه أهل زمانه وأجلّ معاصريه وأقرانه، ودرّس بالجامع الأموي، والشامية البرانية، والعمرية، وبالقاهرة دروسا حافلة، وألّف منسكا لطيفا، وكتابا حافلا سمّاه «إعلام النّبيه مما زاد على المنهاج من الحاوي، والبهجة، والتنبيه» ، وانتهت إليه مشيخة الإسلام ورئاسة الشافعية ببلاد الشام، بل وبغيرها من بلاد الإسلام، وحصل له من السّعد في العلم، والرئاسة، وكثرة التلامذة، وقرّة العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة، إلّا أن القاضي زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف، مع تحريرها وتحقّيقها، رحمهما الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» (21/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 114- 118) و «الأعلام» (2/ 66- 67) .

وبرع أكثر تلاميذ صاحب الترجمة في حياته، كالشيخ شمس الدّين الكفرسوسي، والشيخ تقي الدّين البلاطنسي، والسيد كمال الدّين بن حمزة، والقاضي رضي الدّين الغزّي، والبدر الغزّي، والشيخ بهاء الدّين الفصي البعلي، والشيخ تقي الدّين القاري، والشيخ علاء الدّين القيمري، والشرف العيثاوي، وغيرهم. ولما قدم العلّامة برهان الدّين البقاعي دمشق في سنة ثمانين وثمانمائة، تلقاه الشيخ تقي الدّين هو وجماعة من أهل العلم إلى القنيطرة، ثم لما ألّف كتابه في الردّ على حجّة الإسلام الغزّالي في مسألة ليس في الإمكان أبدع مما كان، وبالغ في الإنكار على ابن العربي وأمثاله، حتى أكفر بعضهم. كان الشيخ تقي الدّين ممن أنكر على البقاعي ذلك وهجره بهذا السبب، خصوصا بسبب حجّة الإسلام، مع أنه كان ينهى عن مطالعة كتب ابن العربي. قال الحمصي في «تاريخه» : وامتحن شيخ الإسلام مرارا، منها مرة في أيام الغوري بسبب فتياه في واقعة ابن محب الدّين الأسلمي المعارضة لفتيا تلميذه وابن أخيه السيد كمال الدّين بن حمزة، وطلب هو والسيد وجماعة إلى القاهرة، وغرم بسبب ذلك أموالا كثيرة، حتى باع أكثر كتبه، وانتهى الأمر آخرا على العمل بفتياه وإعادة تربة ابن محب الدّين المهدومة بفتوى السيد كما كانت، عملا بفتوى الشيخ تقي الدّين، وأعاد الشيخ تقي الدّين هو وولده الشيخ نجم الدّين إلى دمشق، وقد ولي ولده قضاء قضاة الشافعية بها. وقال في «الكواكب» : أخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال: أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام تقي الدّين بن قاضي عجلون، عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدّين، أن جميع أسماء الذين أفتوا في عهد سيدنا [1] رسول الله صلّى الله عليه وسلم في قوله: لقد كان يفتي في زمان نبيّنا ... مع الخلفاء الراشدين أئمة معاذ وعمّار وزيد بن ثابت ... أبيّ بن مسعود وعوف حذيفة

_ [1] لفظة «سيدنا» لم ترد في «ط» .

ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو الدرداء وهو تتمة وأفتى بمرآه أبو بكر الرّضى ... وصدّقه فيها وتلك مزيّة وتوفي صاحب الترجمة ضحوة يوم الاثنين حادي عشر رمضان، ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها شهاب الدّين أبو السعود أحمد بن عبد العزيز السّنباطي المصري [1] الشافعي العلّامة المحدّث. ولد سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وكان أحد العدول بالقاهرة. وسمع «صحيح البخاري» على المشايخ المجتمعين بالمدرسة الظاهرية القديمة بين القصرين بالقاهرة، وكانوا نحو أربعين شيخا، منهم العلّامة علاء الدّين القلقشندي، وابن أبي المجد، والتّنوخي. ومن مشايخه أبو السعادات البلقيني، والشّهاب الأبدي صاحب «الحدود» في النحو، والعلّامة ناصر الدّين بن قرقماس الحنفي صاحب «زهر الربيع في شواهد البديع» أخذه عنه. وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ نجم الدّين الغيطي، قرأ عليه جميع «صحيح البخاري» . وتوفي في هذه السنة، رحمه الله تعالى. وفيها شهاب الدّين أحمد [2] . قال في «الكواكب» : الشيخ الفاضل العريق ابن الشيخ العالم، المعروف بالراعي، شارح «الجرومية» . قال العلائي: وهو ممن سمع على شيخ الإسلام ابن حجر، وتقدم في صناعة التوريق والتسجيل واعتبر، وله فيه [3] مصنّفات.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 137) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154- 155) . [3] لفظة «فيه» سقطت من «آ» .

وتوفي في [1] تاسع جمادي الأولى. وفيها القاضي غرس الدّين خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان- بفتح المعجمة والفاء، وإسكان اللام بينهما، وبالنون آخره- الدمشقي الحنبلي، المعروف بالسّروجي [2] . ولد في ربيع الأول سنة ستين وثمانمائة بميدان الحصا، واشتهر بالشهادة، ثم فوّض إليه نيابة الحكم مدة يسيرة. وتوفي يوم الخميس سابع شهر رمضان ودفن بتربة الجورة بالميدان. وفيها القاضي محيي الدّين عبد القادر النّبراوي الحنبلي [3] . كان أقدم الحنابلة بمصر وأعرفهم بصناعة التوريق والقضاء والفقاهة، مع سماع له ورواية، وكان أسود اللون، وله مع ذلك تمتع بحسان النّساء للطف عشرته ودماءة أخلاقه. وكان يصبغ بالسواد مع كبر سنّه. مات ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة عن نيّف وتسعين سنة. وفيها زين الدّين عبد القادر المكّي الشّيباني الحنفي [4] . دخل مصر متوجها إلى بلاد الرّوم لطلب قضاء الحنفية بمكّة، ثم رحل من القاهرة في قافلة صحبة الأمير جانم الحمزاوي ليلة الاثنين سادس جمادى الآخرة، فتوفي في أمّ الحسن. وفيها عبد الكريم بن محمد بن يوسف المباهي الأموي الدمشقي الشافعي المقرئ [5] .

_ [1] لفظة «في» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (38/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 189) و «النعت الأكمل» ص (102) و «السحب الوابلة» ص (164) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) و «النعت الأكمل» ص (102) و «السحب الوابلة» ص (240) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 254) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 254) .

كان فاضلا صالحا. قرأ على البدر الغزّي كثيرا. قاله في «الكواكب» . وفيها جلال الدّين محمد بن أسعد الدّواني [1]- بفتح المهملة وتخفيف النون، نسبة لقرية من كازرون- الكازروني الشافعي الصّدّيقي القاضي بإقليم. فارس. قال في «النور السافر» : هو المذكور بالعلم الكثير، والعلّامة في المعقول والمنقول، وممن أخذ عنه المحيوي اللّاري، وحسن بن البقّال، وتقدم في العلوم، سيما العقليات، وأخذ عنه أهل تلك النواحي، وارتحلوا إليه من الرّوم، وخراسان، وما وراء النهر. ذكره السخاوي في «ضوئه» فقال: وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني، واستقره السلطان يعقوب في القضاء، وصنّف الكثير، من ذلك «شرح على شرح التجريد» للطوسي. عمّ الانتفاع به. وكذا كتب على «العضدي» مع فصاحة، وبلاغة، وصلاح، وتواضع، وهو الآن حيّ. في سنة تسع وتسعين ابن بضع وسبعين. انتهى كلام «الضوء» . وفيها المولى محمد بن خليل [2] . قال في «الكواكب» : العالم الفاضل المولى محمد الرّومي الحنفي، قاضي أذنة. توجه إلى الحجّ الشريف فتوفي بالمدينة قبل وصوله إلى مكة في ذي القعدة. انتهى. وفيها خير الدّين أبو الخير محمد بن عبد القادر بن جبريل الغزّي ثم الدمشقي [3] المالكي قاضي القضاة العلّامة.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 133) و «النور السافر» ص (133- 134) و «البدر الطالع» (2/ 130) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (89/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 56) .

ولد بغزّة في ثاني عشر شوال سنة اثنتين وستين وثمانمائة، واشتغل وبرع، ثم قدم دمشق وحضر دروس الشيخ عبد النّبيّ المالكي، وظهرت فضيلته خصوصا في علم الفرائض والحساب، ثم ولي قضاء المالكية بالشام في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وسار في القضاء سيرة حسنة بعفّة وزهد وقيام في نصرة الحق، واستمر حتى عزل في رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، فتوجه إلى بلده ثم [إلى] مكة المشرّفة وبها توفي في صفر ودفن بالمعلاة. وفيها شمس الدّين محمد بن الشيخ العلّامة علاء الدّين علي المحلّي المصري [1] الشافعي المفتي، المعروف بابن قرينة. تلقى عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية، وتدريس الفقه بالمؤيدية والأشرفية. وكان ذا علم وعقل وتؤدة. وتوفي في ثامن ربيع الثاني وخلّف ولدا صغيرا، أسند الوصاية عليه إلى جماعة منهم السيد كمال الدّين بن حمزة الشامي. وفيها زين الدّين محمد بن عمر البحيري [2] العلّامة، فقيه السلطان الغوري. توفي بمرض الاستسقاء [ليلة الخميس] [3] سادس عشر شعبان بعد أن نزل عن وظائفه ووقف كتبه. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي ثم المقدسي [4] سبط العلّامة تقي الدّين القلقشندي. توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف وهو حمل في عاشر جمادي الآخرة سنة

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 58) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) . [3] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 17- 18) و «الأنس الجليل» (2/ 185) و «الأعلام» ، (55- 56) .

تسع وخمسين وثمانمائة، فنشأ بعده واشتغل [1] بالعلم على علماء بيت المقدس، منهم الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى القاهرة، فأخذ عن علمائها، منهم الشمس الجوجري، وسمع الحديث، وقرأه على جماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وصار إماما علّامة، من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدّين والتواضع. وكان عنده تودّد، ولين جانب، وسخاء نفس، وإكرام لمن يردّ عليه، وأجمع الناس على محبّته. وتوفي ليلة السبت ثالث عشر القعدة ببيت المقدس. وفيها ولي الدّين محمد بن القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي الصّالحي الحنبلي [2] الإمام العالم. توفي بصالحية دمشق يوم السبت تاسع عشر ذي الحجّة ودفن بها. وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله الطّولقي المالكي [3] . سمع على العلّامة جمال الدّين الطّمطامي. قال ابن طولون: قدم علينا دمشق، واتجر بحانوت بسوق الذراع، ثم ولي قضاء دمشق عوضا عن قاضي القضاة شمس الدّين المرّيني، وعزل عن القضاء، ثم وليه مرارا، ثم استمر معزولا مخمولا إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشري شعبان فجأة، وكان له مدة قد أضرّ، وصار يستعطي ويتردّد إلى الجامع الأموي. وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة له، ودفن بمقرة باب الصغير. انتهى. وفيها- أو في التي بعدها- المولى يعقوب الحميدي [4] ، العلّامة الشهير باجه خليفة، أحد الموالي الرّومية.

_ [1] في «آ» : «واستقل» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 68) و «النعت الأكمل» ص (56 و 103) و «السحب الوابلة» ص (443) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (101، آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 72) . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (275) و «الكواكب السائرة» (1/ 314) .

خدم المولى علاء الدّين الفناري، ودرّس في عدة مدارس، آخرها مدرسة مغنيسا، وهو أول مدرس بها. ومات عنها. وكان فاضلا صالحا متصوفا، له مهارة في الفقه ومشاركة في غيره، ذو سمت حسن، صحيح العقيدة، رحمه الله تعالى.

سنة تسع وعشرين وتسعمائة

سنة تسع وعشرين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن إسكندر بن يوسف، وقيل ابن يوسف بن إسكندر، المعروف بابن الشيخ إسكندر الحلبي [1] نزيل دمشق الشافعي. قال النجم الغزّي: هو جدّ أخي لوالدي لأمّه الشيخ العلّامة العارف بالله تعالى شهاب الدّين أحمد الغزّي. أخذ عن جماعة، منهم جدّي، ووالدي، وكان علّامة. قال والدي: وكان له يد في علم الهيئة، والمنطق، والحكمة، وغير ذلك، وكان مدرّس السيبائية بتقرير من واقفها سيباي نائب الشام [2] ، وناظرا على وقف سيدي إبراهيم بن أدهم، رضي الله عنه. قتله اللّصوص بدرب الرّوم. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بالحاج الشافعي بأفضل [3] . قال في «النور» : ولد يوم الجمعة خامس شوال سنة سبع وسبعين وثمانمائة، وتفقه بوالده، وبالفقيه محمد بن أحمد فضل، وأخذ عن قاضي، القضاة يوسف بن يونس المقرئ وغيره، وبرع، وتميّز، وتصدّر للإفتاء والتدريس في زمن والده،

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 131) . [2] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «نائب الشام» وفي «ط» : «نائب دمشق» . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (135) و «الأعلام» (1/ 160) .

وكان إماما، عالما، علّامة، فقيها، حسن الاستنباط، قوي الذهن، شريف النفس، وكان والده يعظّمه ويثني عليه، وحجّ مرارا، واجتمع في حجّته الأخيرة بسيدي محمد بن عراق، فصحبه ولازمه، وتسلّك على يديه، وكان سخيا، كثير الصدقة وفعل المعروف، محبّا للصالحين والفقراء، حسن العقيدة، ولم يزل على ذلك حتّى استشهد في معركة الكفّار لما دخل الإفرنج الشحر، وقتلوا وأسروا ونهبوا، وذلك بعد فجر يوم الجمعة عاشر ربيع الثاني، ودفن عند والده. وله من التصانيف: «نكت على روض ابن المقري» [في مجلدين] [1] و «نكت على الإرشاد» و «مشكاة الأنوار» . قال مؤلّفه: عليك بالأوراد التي علقتها في كراريس سمّيتها «مشكاة الأنوار» فإني ضمنتها والله الاسم الأعظم الذي هو إكسير الأولياء. وله وصية مختصرة. ومن كلامه من كان همّه المعالف فاتته المعارف. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد البحيري المصري المالكي [2] العلّامة المفنّن، السالك، الشاعر المعمّر. حفظ القرآن العظيم، وسلك في شبوبيته على الشيخ العالم أبي العبّاس الشّربيني، وأخذ عن الشيخ مدين، واشتغل في العلم، وأمعن في العربية ولا سيما التصريف، وألّف فيه شرحا جيدا على «المراح» وأخذ الفقه عن الشيخ يحيى العلمي، وكتب بخطّه كثيرا. وله نظم جيد وألغار، وكان قانعا، متقللا، وتزوج وهو شاب ثم تجرّد. وتوفي في خامس شوال. وفيها إدريس بن عبد الله [3] .

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 155) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 160) .

قال في «الكواكب» : الشيخ الفاضل اليمني الشافعي، نزيل دمشق. كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد. حضر دروسه، وشملته إجازته، وكان قد عزم على قراءة «المنهاج» عليه وعلى غيره فعاجلته المنية. وفيها المولى الفاضل بالي الإيديني الرومي الحنفي [1] . أخذ العلم عن علماء عصره، واتصل بخدمة المولى خطيب زاده، ثم بخدمة المولى سنان جلبي، ثم تنقّل في التدريس حتّى صار مدرسا بإحدى الثمانية، ثم تقاعد عنها بثمانين عثمانيا، ثم أعطي قضاء بروسا، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، ثم ولي قضاء بروسا ثانيا، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، واستمر بها إلى أن مات. وكانت له مشاركة جيدة في سائر العلوم، قادرا على حلّ غوامضها. قويّ الحفظ، مكبا على الاشتغال، حتّى سقط مرّة عن فرسه فانكسرت رجله، فاستمر ملقى على ظهره أكثر من شهرين، ولم يترك الدرس، وألّف رسالة أجاب فيها عن إشكالات سيدي الحميدي. وتوفي في هذه السنة ودفن عند مسجده بالقسطنطينية. وفيها زين الدّين بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف، الشهير بابن الكيّال الشافعي [2] الصّالح الواعظ. كان في ابتداء أمره تاجرا، ثم ترك التجارة بعد أن ترتّبت عليه ديون كثيرة، ولازم الشيخ برهان الدّين النّاجي زمانا طويلا، وانتفع به. قال الحمصي: قرأ عليه «صحيح البخاري» كاملا، وكتبا من مصنّفاته، ودرّس بالجامع الأموي في علم الحديث، وكان متقنا، محرّرا، وخرّج أحاديث «مسند الفردوس» وانتفع الناس به وبوعظه وحديثه. وقال ابن طولون: رأس بعد موت شيخه، ولازم الجامع الأموي تجاه

_ [1] ترجمته في «الطبقات السنية» (2/ 227- 228) و «الكواكب السائرة» (1/ 163- 164) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (30/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 165- 167) و «الأعلام» (2/ 49) .

محراب الحنابلة، ووعظ بمسجد الأقصاب، وجامع الجوزة، وغيرهما، وخطب بالصّابونية سنين، وحصّل دنيا كثيرة، وصنّف عدة كتب أي، منها كتاب «حياة القلوب ونيل المطلوب» في الوعظ، ومنها «الكواكب الزاهرات [1] في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» [2] ومنها «أسنى المقاصد في معرفة حقوق الولد على الوالد» و «الجواهر الزواهي في ذم الملاعب والملاهي» و «الأنجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر» . وتوفي يوم الأحد ثامن ربيع الأول بسبب أنه خرج من بيته لصلاة الصبح بالجامع الأموي فلقيه اثنان فأخذا عمامته عن رأسه وضربه أحدهما على صدره، فانقطع مدة ثم أراد الخروج إلى الجامع فما استطاع، فتوضأ وصلى الصبح والضحى. وتوفي بعد صلاة الضحى، ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها منلا بدر الدّين حسن بن محمد الرّومي الحنفي [3] . قدم دمشق مع الدفتردار الزّيني عمر الفيقي. وكان يقرئ ولده، فأخذ له تدريس الحنفية بالقصاعية فدرّس بها، وكان أولاد العرب منهم القطب بن سلطان مدرّس الظاهرية الجوانية، وحجّ في السّنة التي قبلها. وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشري جمادى الآخرة قادما من الحجّ. وفيها زين الدّين عبد الرحمن شيخ الصوابية [4] بصالحية دمشق. كان صالحا مسلّكا. توفي بها يوم الخميس ثامن عشري رجب.

_ [1] وقد عنون في المطبوع منه ب «الكواكب النيرات» . [2] حققه صديقنا الدكتور عبد القيوم عبد ربّ النّبيّ، ونشرته جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة (1401) هـ، وهي طبعة جيدة متقنة. [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (37/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 175) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 233) .

وفيها علاء الدّين علي بن أبي القاسم الإخميمي القاهري [1] قاضي قضاة الشافعية العدل العفيف السخي. قال العلائي: كان له انقطاع عن الناس وانجماع بالكلية، وكان له معرفة في الصناعة وتصميم [2] في [3] المهمات، وإن كان قليل العلم. توفي سادس عشر القعدة، وصلّي عليه بالأزهر. وفيها علاء الدّين علي بن حسن السّرميني ثم الحلبي [4] الشافعي الفرضي الحيسوب. كان يعرف بالنّعش المخلع، وهذا على عادة الحلبيين في الألقاب أخذ الفرائض والحساب عن الجمال الإسعردي، ومهر فيهما، واشتهر بهما، وكان له في الدولة الجركسية مكتب على باب دار [5] العدل بحلب يطلب منه لكتابة الوثائق، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود أخذ في كتابة المصاحف والانتفاع بثمنها وتأديب الأطفال بمكتب داخل باب أنطاكية بحلب، وبه قرأ عليه ابن الحنبلي [6] القرآن العظيم سنة سبع وعشرين وتسعمائة. وتوفي صاحب الترجمة في رمضان هذه السنة بحلب. وفيها- تقريبا- نور الدّين أبو الحسن علي الأشموني [7] الشافعي الفقيه الإمام العالم العامل الصّدر الكامل المقرئ الأصولي. أخذ القراءات عن ابن الجزري. قال الشعراوي: ونظم «المنهاج» في الفقه وشرحه، ونظم «جمع الجوامع»

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 267) . [2] في «آ» : «وتعميم» وهو تحريف. [3] لفظة «في» سقطت من «آ» . [4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 921- 922) و «الكواكب السائرة» (1/ 268- 269) . [5] لفظة «دار» سقطت من «ط» . [6] وقد صرح بذلك في «درّ الحبب» . [7] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 5) و «الكواكب السائرة» (1/ 284) و «الأعلام» (5/ 10) .

في الأصول وشرحه، و «شرح ألفية ابن مالك» شرحا عظيما. وكان متقشفا في مأكله وملبسه وفرشه. قاله في «الكواكب» . وفيها أمين الدّين أبو الجود محمد بن أحمد بن عيسى بن النّجار الشافعي الدمياطي ثم المصري [1] الإمام الأوحد العلّامة الحجّة. ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن صالح البلقيني، والتّقي الشّمنّي، وزينب بنت عبد الرحيم العراقي، وغيرهم. وأخذ عنه النحو [2] النجم الغيطي، والبدر الغزّي، وغيرهما. وكان ممن جمع بين العلم والعمل، إماما في علوم الشرع، وقدوة [3] في علوم الحقيقة، متواضعا، يخدم العميان والمساكين ليلا ونهارا، ويقضي حوائجهم وحوائج الأرامل، ويجمع لهم أموال الزكاة، ويفرّقه عليهم، ولا يأخذ لنفسه منه شيئا، ويلبس الثياب الزرق والجبب السود، ويتعمم بالقطن غير المقصور، ولا يترك قيام الليل صيفا ولا شتاء، وكان ينام بعد الوتر لحظة ثم يقوم وينزل إلى الجامع الغمري فيتوضأ ويصلي، والباقي للفجر نحو سبعين درجة، ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو ربع [4] القرآن سرّا، فإذا أذّن الصبح قرأ جهرا قراءة تأخذ بجوامع القلوب. ومرّ نصراني من مباشري القلعة يوما في السحر فسمع قراءته فرق قلبه وأسلم على يديه، وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من الأماكن البعيدة لحسن صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه، حتّى يبكي غالب الناس خلفه، وكان الشيخ أبو العباس الغمري يقول: الجامع جثة والشيخ أمين الدين روحها. وكان يقري ويضيف كل وارد ويخدم بنفسه، ومع هذا فله هيبة عظيمة يكاد من لا يعرفه يرعد من هيبته.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 33- 35) . [2] لفظة «النحو» سقطت من «ط» . [3] في «آ» : «قدوة» . [4] لفظة «ربع» سقطت من «ط» .

وانتهت إليه الرئاسة بمصر في علوم السّنّة بالكتب [1] الستة وغيرها، ويقرأ للأربعة عشر، ومناقبه كثيرة. وتوفي ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة. وفيها أبو السعود محمد بن دغيم الجارحي القاهري [2] الفقيه الصّوفي المتعبد المتنسك، المعتقد عند الملوك فمن دونهم. وكان والده من أعيان كوم الجارح والمتسببين به في أنواع المتاجر، فنشأ الشيخ أبو السعود على خير، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل في الفقه والنحو، ثم أقبل على العبادة والمجاهدة، ومكث عشرين سنة صائما لا يدري بذلك أهله. وكان يصلي مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة، وأخذ في التقليل من الأكل، فانتهى أكله إلى لوزة وربما تركها. قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : هو عارف، علومه [3] جمّة، وصوفي ذو أحوال وكرامات بين الأمة، قدوة في علمه ودينه، فريد في عصره وحينه، اجتهد وترقى في المقامات، وأخذ عن الشيخ أحمد المرحومي عن الشيخ مدين عن الزاهد، وارتفعت روحه، وسمت عن مقعر فلك القمر، وارتفع إلى الحضرة التي لا ليل فيها ولا نهار، وضوءها وضّاح كحال أهل الجنّة في الجنّة. ولما دخلها صار يكتب الكراريس العديدة حال ظلمة الليل كما يكتب نهارا بغير فرق، وكان له قبول تام عند الأكابر، تقف الأمراء بين يديه فلا يأذن لهم بالقعود، وحملوا في عمارة زاويته الحجر والتراب، وشق السلطان طومان باي وعليه جبّة من جبب الشيخ. وكان يقول: لا يفلح الفقير القانع بالزي أبدا لقصور همته. وكان يقول: ينبغي للعارف أن يجعل في بيته دائما شيئا من الدنيا ولو كيميا خوفا أن يقع في رائحة الاتهام لله في أمر الرزق.

_ [1] في «ط» : «في الكتب» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 47- 48) . [3] في «ط» : «علوم» .

وكثيرا ما كان ينظر للمريد بحال فيتمزق لوقته. ومحاسنه وكراماته أكثر من أن تحصر. وتوفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى، وصلّي عليه بجامع عمرو بن العاص، ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في السرداب الذي كان يتعبّد فيه، وقبره مشهور يزار. وفيها المولى [1] محيى الدّين محمد بن علي بن يوسف بالي الفناري الإسلامبولي [2] الحنفي العالم الكامل، قاضي قضاة العساكر بالولاية الأناضولية ثم بالولاية الرّوميلية، المشهور بمحمد باشا. قال في «الشقائق» : كان- رحمه الله تعالى- ذا أخلاق حميدة، وطبع ذكيّ، ووجه بهي، وكرم وفي، وعشرة حسنة، ووقار عظيم، وله «حواش» على «شرح المواقف» و «شرح الفرائض» كلاهما للسيد الشريف، و «حواش» على أوائل «شرح الوقاية» لصدر الشريعة. توفي وهو قاضي العسكر الروم إيلي، ودفن عند قبر جدّه المولى شمس الدّين بمدينة بروسا. وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد أو ابن أحمد الشهير بابن المبيّض الحمصي الأصل ثم المقدسي ثم الدمشقي [3] الشافعي أحد الوعاظ بدمشق، العلّامة المحدّث. [و] من شعره ما كتبه عنه ابن طولون من إملائه عاقدا للحديث المسلسل بالأولية: جاءنا فيما روينا أنّنا ... يرحم الرحمن منّا الرّحما

_ [1] لفظة «المولى» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (229) و «الكواكب السائرة» (1/ 21- 22) و «معجم المؤلفين» (11/ 72) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (107/ آ) وسماه فيه: «يوسف بن أحمد بن أبي بكر» و «الكواكب السائرة» (1/ 314- 315) .

فارحموا جملة من في الأرض من ... خلقه يرحمكم من في السّما توفي بدمشق يوم الاثنين ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير. وفيها قاضي القضاة جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن إسكندر بن محمد بن محمد الحلبيّ [1] الحنفي، المشهور والده بالخواجا ابن الجق [2] ، وهو ابن أخت المحب بن أجا كاتب السّر. اشتغل بالفقه وغيره على الزّيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، وسمع على الجمال إبراهيم القلقشندي، وعلى المحبّ أبي القاسم محمد بن جرباش «سيرة ابن هشام» وأجاز له كل منهما ما يجوز له وعنه. روايته وتولى القضاء بحلب بعناية خاله، ثم ولي في الدولة، الرّومية تدريس الحلاوية ووظائف أخرى، ثم رحل إلى القاهرة وتولى مدرسة المؤيدية بها، وسار فيها السيرة المرضية، وكان له شكل حسن، وشهامة، ورئاسة، وفخامة، وألّف رسالة في تقوية مذهب الإمام الأعظم في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده. وحجّ من القاهرة ثم قدمها موعكا، فتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر. وفيها شرف الدّين يونس بن محمد، المعروف بابن سلطان الحرافيش [3] بدمشق. قال ابن طولون: كان علّامة من المتعقلين في المجالس، ولكن حصل به النفع في آخر عمره بملازمته المشهد الشرقي بالجامع الأموي لإقراء الطلبة، وكان في ابتداء أمره شاهدا تجاه باب المؤيدية. وتوفي يوم الأربعاء حادي عشري جمادي الآخرة، ودفن بباب الصغير، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 596) و «الكواكب السائرة» (1/ 315- 316) . [2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «ابن الجق» والذي في «در الحبب» : «ابن أبجق» والذي في «الكواكب السائرة» : «ابن البجق» فليحرر. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 320) .

سنة ثلاثين وتسعمائة

سنة ثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني الحرازي القحطانيّ الحاتمي الشافعي [1] نزيل دمشق المقرئ الوقور. أخذ عن شيخ الإقراء بدمشق الشيخ شهاب الدّين الطّيبي وغيره. قال في «الكواكب» : وتلمذ لشيخ الإسلام الوالد. قرأت بخط والدي- رضي الله تعالى عنه- بعد أن ترجم الشيخ برهان الدّين المذكور ما نصّه: قرأ عليّ «البخاري» كاملا قراءة إتقان، وكتب له به إجازة مطوّلة، وكان أحد المقتسمين ل «المنهاج» في مرتين ول «التنبيه» وأجزته بهما، وقرأ بعض «الألفية» وقرأ عليّ شيئا من القرآن العظيم، وصلى بي وبجماعة التراويح ثلاث سنين بالكاملية، ختم فيها نحو خمس ختمات [2] وحضر دروسا كثيرة، ولزمني إلى أن مات شهيدا بالطاعون ثاني عشر جمادي الثانية، ودفن بباب الفراديس. انتهى. وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحيشي [3] ، ينتهي نسبه إلى زيد الخيل الصّحابي، الحيشي [3] الأصل الحلبي [4] الشافعي البسطامي [5] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) . [2] لفظة «ختمامات» سقطت من «ط» . [3] في «آ» و «ط» : «الحبيشي» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الترجمة. [4] لفظة «الحلبي» سقطت من «آ» . [5] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 367) و «الضوء اللامع» (11/ 75) و «الكواكب السائرة» (1/ 112) . والحيشي: نسبة لقرية حيش قرية من عمل حماة، وتتبع الآن محافظة إدلب من قضاء المعرّة

ذكره السخاوي في «الضوء اللامع» فقال: ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في مستهل جمادى الأولى بحلب، ولازم والده في النّسك، وقرأ، وسمع على أبي ذرّ بن البرهان الحافظ، وتدرّب في كثير من المهمات والغريب والرجال، بل وتفقّه به، وبالشمس البابي، وأبي عبد الله بن القيم، وابن الضعيف في آخرين، بل أجاز له ابن حجر، والعلم البلقيني، وغيرهما، وزار بيت المقدس، وحجّ في سنة ست وثمانين، وجاور، ولازم الشمس السّخاوي، وحمل عنه مؤلفاته. وتوفي في رجب. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي الحنفي، سبط زين الدّين العيني [1] . حفظ القرآن العظيم، و «المختار» و «الأجرومية» وغيرها. وقرأ على الشمس ابن طولون بدمشق، وعلى عمّه الجمال ابن طولون بمكّة. وقرأ على القطب بن سلطان بدمشق، وسمع على علماء عصره، وحضر بالجامع الأموي. وتوفي مطعونا يوم الثلاثاء ثالث عشر رجب، وتقدم للصلاة عليه السيد كمال الدّين بن حمزة. وفيها صفي الدّين وشهاب الدّين أبو السرور أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الرحمن القاضي ابن القاضي [2] ينتسب إلى سيف بن ذي يزن المذحجي السيفي المرادي الشهير بالمزجّد- بميم مضمومة، ثم زاي مفتوحة [ثم جيم مشدّدة مفتوحة] [3] ودال مهملة- الشافعي الزّبيدي العلّامة، ذو التصانيف، المجمع على جلالته وتحرّيه. قال في «النور» : ولد سنة سبع وأربعين وثمانمائة بجهة قرية الزيدية، ونشأ

_ وتبعد عنها ستة وسبعون كيلومترا وتتبع ناحية خان شيخون. انظر «الضوء اللامع» (11/ 96) (ترجمة أبو بكر بن نصر بن عمر الطائي) و «در الحبب» (1/ 1/ 367) (حاشية التحقيق) . [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (9/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 138) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (137- 143) و «الكواكب السائرة» (2/ 113- 114) . [3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .

بها، وحفظ «جامع المختصرات» ثم اشتغل فيها على أبي القاسم بن [1] محمد مريغد [2] ثم انتقل إلى بيت الفقيه ابن عجيل، فأخذ فيها على شيخ الإسلام إبراهيم بن أبي القاسم جعمان وغيره، ثم ارتحل إلى زبيد واشتغل فيها بالفقه على العلّامة أبي حفص الفتى، ونجم الدّين المقري بن يونس الجبائي، وبهما تخرّج وانتفع، وأخذ الأصول عن الشيفكي والجبائي، والحديث عن الحافظ يحيى العامري، وغيره، والفرائض عن الموفق الناشري وغيره، وبرع في علوم كثيرة، وتميّز في الفقه، حتى كان فيه أوحد وقته. ومن مصنّفاته «العباب» في الفقه، وهو كاسمه، اشتهر في الآفاق، وكثر الاعتناء به، وشرحه غير واحد من الأعلام، منهم ابن حجر الهيتمي [3] ، ومنها «تجريد الزوائد وتقريب الفوائد» وكتاب «تحفة الطلّاب» و «منظومة الإرشاد» في خمسة آلاف وثمانمائة وأربعين بيتا، وزاد على الإرشاد شيئا كثيرا، وله غير ذلك. وتفقه به خلائق كثيرون، منهم أبو العبّاس الطّنبذاوي، والحافظ [ابن] الدّيبع، والعلّامة بحرق. وله شعر حسن منه: لا تصحب المرء إلا في استكانته ... تلقاه سهلا أديبا ليّن العود واحذره إن كانت الأيام دولته ... لعلّ يوليك خلقا غير محمود فإنّه في مهاو من تغطرسه ... لا يرعوي لك إن عادى وإن عودي وقل لأيّامه اللاتي قد انصرمت ... بالله عودي علينا مرّة عودي ومنه: قلت للفقر أين أنت مقيم ... قال لي: في محابر العلماء إنّ بيني وبينهم لإخاء ... [وعزيز عليّ قطع الإخاء] [4]

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي» والتصحيح من «النور السافر» . [2] في «النور السافر» : «ابن مريفد» . [3] تصحفت في «ط» إلى «الهيثمي» بالثاء. [4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

وتوفي فجر يوم الأحد سلخ ربيع الآخر بمدينة زبيد. وفيها الشّهاب أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني الحوراني، المقرئ الحنفي الغزّي [1] نزيل مكّة. ولد في حدود الستين وثمانمائة بغزّة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، و «مجمع البحرين» و «طيبة النشر» وغيرها. واشتغل بالقراءات وتميّز فيها، وفهم العربية، وقطن بمكة ثلاث عشرة سنة، وتردّد إلى المدينة، واليمن، وزيلع، وأخذ عن جماعة فيها وفي القاهرة. قال السخاوي: قد لازمني في الدراية والرواية، وكتبت له إجازة، وسمعته ينشد من نظمه: سلام على دار الغرور لأنّها ... مكدّرة لذّاتها بالفجائع فإن جمعت بين المحبين ساعة ... فعمّا قليل أردفت بالموانع قال: ثم قدم القاهرة من البحر في رمضان سنة تسع وثمانين، وأنشدني في الحريق والسّيل الواقع بالمدينة وبمكة قصيدتين من نظمه، وكتبهما لي بخطه، وسافر لغزّة لزيارة أمّه، وأقبل عليه جماعة من أهلها. انتهى أي، وتوفي بها. وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد المغربي التّونسي المشهور بالتّبّاسي- بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الموحدة، ويقال الدّباسي بالدال المهملة- المالكي [2] العارف بالله تعالى، شيخ سيدي علي بن ميمون. كان والده من أهل الثروة والنّعمة، فلم يلتفت إلى ذلك بل خرج عن ماله وبلاده، وتوجه إلى سيدي [3] أبي العبّاس أحمد بن مخلوف الشّابي- بالمعجمة والموحدة- الهدلي القيرواني والد سيدي عرفة، فخدمه، وأخذ عنه الطريق، ثم أقبل على العبادة والاشتغال والإشغال، حتّى صار شيخ ذلك القطر.

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 309) و «الطبقات السّنية» (1/ 357) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 128- 129) . [3] في «آ» : «لسيدي» .

وتوفي بنفزاوة- بالنون والفاء والزاي- من معاملة الجناح الأخضر من المغرب في ذي القعدة وقد جاوز المائة. وفيها الأمير عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن الأمير ناصر الدّين محمد [1] بن الأكرم العنّابي الدمشقي [2] . سمع شيئا من «البخاري» على البدر بن نبهان، والجمال بن المبرد، وولي إمرة التركمان. في الدولتين الجركسية والعثمانية، ونيابة القلعة في أيام خروج الغزالي على ابن عثمان، وكان في مبدأ أمره من أفقر بني الأكرم فحصّل دنيا عريضة وجهات كثيرة، وفي آخر عمره انتقل من العنابة، وعمّر له بيتا غربي المدرسة المقدمية [3] داخل دمشق، وكان عنده تودّد لطلبة العلم ومحبة لهم، واعتقاد في الصالحين، وبعض إحسان إليهم، [و] خرج مع نائب دمشق إلى قتال الدروز، فتضعّف بالبقاع، ورجع منه في شقدوف [4] إلى أن وصل إلى قرية دمر، فمات بها، وحمل إلى دمشق وهو ميت، فغسّل بمنزله الجديد وصلّي عليه بالأموي، ودفن بالعنابة صبيحة يوم الخميس حادي عشر المحرم عن نحو سبعين سنة. وفيها الشريف بركات بن محمد [5] سلطان الحجاز والد الشريف أبي نمي. وفيها أمين الدّين جبريل بن أحمد بن إسماعيل الكردي ثم الحلبي [6] الشافعي، الإمام العلّامة، أحد معتبري حلب ومدرّسيها. كان له القدم الراسخ في الفقه والكتابة الحسنة المعربة على رقاع الفتاوى. أخذ الحديث عن السيد علاء الدّين الإيجي، وأجاز له جميع ما يجوز له

_ [1] لفظة «محمد» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب- 30/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 161) . [3] تحرفت في «ط» إلى «القدمية» . [4] الشقدوف: صندوق خشبي ذو شقين يوضع على ظهر الجمل. انظر «معجم الألفاظ التاريخية» . لدهمان ص (99) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 164) و «النور السافر» ص (152) و «الأعلام» (2/ 49) . [6] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 454- 455) و «الكواكب السائرة» (1/ 172) .

وعنه روايته، وأخذ «الصحيحين» [1] عن الكمال بن الناسخ، و «صحيح مسلم» قراءة على نظام الدّين بن التادفي الحنبلي. وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مشغولا بإقراء الطلبة في الفقه، والعربية، وغيرهما. وتوفي في هذه السنة بحلب. وفيها خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي، المعروف بابن البيلوني [2] الشافعي، الشيخة الصالحة المتفقهة الحنفية. أجاز لها الكمال بن الناسخ الطرابلسي وغيره رواية «صحيح البخاري» واختارت مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، مع أن أباها وإخوتها شافعيون حفظا لطهارتها عن الانتقاض بما عساه يقع من مسّ الزوج لها، وحفظت فيه كتابا. وكانت ديّنة، صيّنة، متعبدة، مقبلة على التّلاوة إلى أن توفيت في شهر رمضان. وفيها السلطان صالح بن السلطان سيف [3] متملك بلاد بني جبر. كان من بيت السلطنة هو وأبوه وجدّه، وهو خال السلطان مقرن، وقد وقع بينهما وقعة عظيمة تشهد لصالح بالشجاعة التي لا توصف، فإنه كرّ على مقرن وعسكره وكانوا جمّا غفيرا بنفسه، وكان خارجا لصلاة الجمعة لا أهبة معه ولا سلاح، فكسرهم، ثم كان الحرب بينهما سجالا. وقدم دمشق في سنة سبع وعشرين وتسعمائة، فأخذ عن علمائها، وأجازه منهم الرّضي الغزّي، وولده البدر. وكان في قدمته متسترا مختفيا غير منتسب إلى سلطنة، وسمى نفسه إذ ذاك عبد الرحيم، ثم حجّ وعاد إلى بلاده. وكان مالكي المذهب، فقيها، متبحرا في الفقه والحديث، وله مشاركة جيدة

_ [1] في «آ» : «الصحيح» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 192) و «إعلام النبلاء» (5/ 412) و «أعلام النساء» (1/ 342) وقد تحرفت «البيلوني» فيه إلى «البتيلوني» فلتصحح. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 215) .

في الأصول والنحو، وكان محبا للعلماء والصلحاء، شجاعا، مقداما، عادلا في ملكه، صالحا كاسمه. توفي ببلاده. قاله في «الكواكب» . وفيها المولى ظهير الدّين الأردبيلي الحنفي، الشهير بقاضي زاده [1] . قرأ في بلاد العجم على علمائها، ولما دخل السلطان سليم إلى مدينة تبريز لقتال شاه إسماعيل الصوفي [2] أخذه معه إلى بلاد الرّوم، وعيّن له كل يوم ثمانين درهما. قال في «الشقائق» : كان عالما، كاملا، صاحب محاورة ووقار، وهيبة وفصاحة، وكانت له معرفة بالعلوم خصوصا الإنشاء والشعر، وكان يكتب الخط الحسن، وذكر العلائي أنه استمال أحمد باشا إلى اعتقاد إسماعيل شاه الصوفي [2] طلبا لاستمداده واستظهاره معه بمكاتبات وغيرها، وعزم على إظهار شعار الرّفض واعتقاد الإمامية على المنبر، حتى قال: إن مدح الصحابة على المنبر ليس بفرض ولا يخلّ بالخطبة، فقبض عليه مع أحمد باشا الوزير يوم الخميس عشري ربيع الثاني وقطعت [3] رأس صاحب الترجمة وعلّقت [4] على باب زويلة بالقاهرة. وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الله الكلّسي [5] الأصل الحلبي [6] المولد والدار والوفاة الحنفي العلّامة. ولد بعد الستين وثمانمائة، واشتغل في النحو والصرف، ثم حجّ، ولازم السخاوي بمكة، وسمع من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وغيره، وسمع عليه «البخاري» ومعظم «مسلم» وكثيرا من مؤلفاته. وأجاز له في ذي القعدة سنة ست وثمانين، وفي هذه السنة أجازت له أيضا المسندة زينب الشويكية ما سمعه عليها

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271- 272) و «الكواكب السائرة» (1/ 216) . [2] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف: «الصوفي» ولعل الصواب «الصفوي» . [3] في «ط» : «وقطع» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [4] في «ط» : «وعلّق» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [5] في «آ» و «ط» : «الكبيسي» والتصحيح من «در الحبب» و «الكواكب السائرة» وهذا النص لم يرد في «الشقائق النعمانية» الذي بين يدي. [6] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 754) و «الكواكب السائرة» (1/ 224- 225) .

بمكة من «سنن ابن ماجة» من باب صفة الجنة والنار، إلى آخر الكتاب. وأذنت له في رواية سائر مروياتها، وأذن له الشمس البازلي بحماة بالإفتاء والتدريس، وأجاز له بعد أن وصفه بالإمام العالم العلّامة، الجامع بين المعقول والمنقول، المتبحر في الفروع والأصول، وأجاز له الكمال بن أبي شريف سنة خمس وتسعمائة أن يروي عنه سائر مؤلفاته ومروياته، ثم أجاز له الحافظ عثمان الدّيمي في سنة سبع [وتسعمائة] ، وكان قصير القامة، نحيف البدن، لطيف الجثة، حسن المفاكهة، كثير الملاطفة، له إلمام بالفارسية والتركية، واعتناء بالتنزهات، مع الدّيانة والصّيانة. وتوفي بحلب في ذي القعدة. وفيها محيي الدّين أبو المفاخر عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن يونس [1] قاضي قضاة الحنفية بدمشق [ولد في الحجّة سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وقرأ القرآن العظيم، و «مجمع البحرين» لابن السّاعاتي، وغير ذلك، واشتغل وحصّل، وأفتى ودرّس بالقصاعية، وتولى القضاء بحلب ثم بدمشق] [2] سنين إلى أن عزل عنه في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة. وتوفي بدمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند ضريح سيدنا بلال. وفيها زين الدّين عرفة بن محمد الأرموي الدمشقي [3] الشافعي، العلّامة المحقّق الفرضي الحيسوب. كان خبيرا بعلم الفرائض والحساب، ويعرف ذلك معرفة تامة، وله فيه شهرة كلّية، وهو الذي رتّب مجموع الكلائي، وأخذ الفرائض عن الشيخ شمس الدّين

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 251- 252) . [2] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 260) و «الأعلام» (4/ 225) .

الشهير بابن الفقيرة، عن العلّامة شهاب الدّين بن أرسلان الرّملي، عن العلّامة شهاب الدّين بن الهائم. وأخذ عنه الفرائض شهاب الدّين الكنجي وغيره. وتوفي يوم الأحد حادي عشري شوال. وفيها نور الدّين علي بن خليل المرصفي [1] العارف بالله تعالى الصّوفي. قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان أبوه إسكافيا يخيط النّعال، ونشأ هو تحت كنفه كذلك، فوفق للاجتماع بالشيخ مدين وهو ابن ثمان سنين، فلّقنه الذكر، ثم أخذ عن ولد أخته محمد، وأذن له في التصدر للمشيخة، وأخذ العهد على المريد في جملة من أجاز، وكانوا بضعة عشر رجلا، فلم يثبت ويشتهر منهم إلّا هو، وأخذ عنه خلق، ودانت [2] له مشايخ عصره، واختصر رسالة القشيري. قال الشعراوي: لقنني الذكر ثلاث مرات، بين الأولى والثانية سبع عشرة سنة، وذلك أني جئت وأنا أمرد، وكنت أظن أن الطريق نقل كلام كغيرها [3] ، ثم قعدت بين يديه وقلت: يا سيدي لقّني بحال فقال: اجلس متربعا وغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاثا، ثم اذكر أنت ثلاثا، ففعلت فما سمعت منه إلّا المرة الأولى وغبت من العصر إلى المغرب. وعاش حتّى انقرض جميع أقرانه، ولم يبق بمصر من يشار إليه في الطريق غيره. ومن كلامه: أجمع أهل الطريق على أن الملتفت لغير شيخه لا يفلح، وقال: إذا ذكر المريد ربّه بشدة طويت له مقامات الطريق بسرعة، وربما قطع في ساعة ما لا يقطعه غيره في شهر. وقال: السالك من طريق الذكر كالطائر المجد إلى حضرات القرب والسالك من غير طريقه كالصلاة والصوم كمن يزحف تارة ويسكن أخرى، مع بعد المقصد، فربما قطع عمره ولم يصل.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 269) و «الأعلام» (4/ 286) و «معجم المؤلفين» (7/ 88) . [2] في «ط» : «وأذنت» . [3] في «آ» : «نقل كلام غيرها» .

وكان الجنيد إذا دعي لفقير قال: أسأل الله أن يدلّك عليه من أقرب الطرق. وقال: إياك والأكل من طعام الفلاحين فإنه مجرب لظلمة القلب. وقال الشعراوي: دخل سيدي أبو العباس الحريثي يوما فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل وقت العشاء، فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع، فذكرت ذلك لسيدي علي المرصفي، فقال: يا ولدي أنا قرأت مرة حال سلوكي ثلاثمائة، وستين ختمة في اليوم والليلة، كل درجة ختمة. وتوفي يوم الأحد حادي عشر [1] جمادى الأولى بمصر، ودفن بزاويته بقنطرة أمير حسين، ولم يخلّف بعده مثله. وفيها نور الدّين علي بن سلطان المصري الحنفي [2] الشيخ الفاضل الناسك السالك. كان متجرّدا، منقطعا، وله أخلاق حسنة دمثة. توعك مدة وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر القعدة بمصر عن غير وارث. وفيها محمد بن عزّ الشيخ الصّالح المجذوب [3] . قال في «الكواكب» : كان ساكنا في الزاوية الحمراء خارج مصر، وكان يلبس ثياب الجند، ويمشي بالسّلاح والسّيف، وكان أكابر مصر يحترمونه، وللناس فيه مزيد اعتقاد. وكان لا ينام من الليل ويستمر من العشاء إلى الفجر، تارة يضحك وتارة يبكي، حتى يرقّ له من يراه. وكان لا يخبر بولاية أحد أو عزله [في وقت معين] [4] فيخطئ أبدا [5] .

_ [1] في «آ» : «حادي عشري» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 57) . [4] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» . [5] العبارة في «الكواكب السائرة» على النحو التالي: «وكان لا يخبر بولايته أحدا وعزله في وقت معين لا يخطئ أبدا» .

وكان مجاب الدعوة، زحمه إنسان بين القصرين فرماه على ظهره، فدعا عليه بالتوسيط [1] ، فوسّطه الباشا آخر النهار. وكانت وفاته غريقا في الخليج بالقرّب من الزاوية الحمراء. انتهى. وفيها جمال الدّين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله الحميري الحضرمي الشافعي، الشهير ببحرق [2]- بحاء مهملة بعد الموحدة، ثم راء مفتوحة، بعدها قاف-. قال في «النور» : ولد بحضرموت ليلة النصف من شعبان سنة [3] تسع وستين وثمانمائة، ونشأ بها، فحفظ القرآن ومعظم «الحاوي» و «منظومة البرماوي» في الفقه، والأصول، والنحو، وأخذ عن جماعة من فقهائها، ثم ارتحل إلى عدن، ولازم الإمام عبد الله بن أحمد بامخرمة [4] ، وكان غالب انتفاعه به، ثم ارتحل إلى زبيد، وأخذ عن علمائها، كالإمام جمال الدّين الصّايغ، والشريف الحسين الأهدل، وألبسه خرقة التصوف، وعادت عليه بركته، وحجّ فسمع من السّخاوي [5] ، وسلك السلوك في التصوف، وحكى عنه أنه قال: دخلت الأربعينية بزبيد فما أتممتها إلا وأنا أسمع أعضائي كلها تذكر الله تعالى. ولزم الجدّ والاجتهاد في العلم والعمل، وأقبل على نفع الناس إقراء، وإفتاء، وتصنيفا. وكان- رحمه الله تعالى- من محاسن الدّهر، من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين، له اليد الطولى في جميع العلوم. وصنّف في أكثر الفنون.

_ [1] في «آ» : «بالتوسط» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (143- 152) و «الضوء اللامع» (8/ 253- 254) وعبارة «على ابنته» التي بين الحاصرتين في الترجمة مستدركة منه و «الأعلام» (6/ 315- 316) . [3] في «ط» : «ليلة» . [4] في «آ» و «ط» : «مخرمة» والصواب ما أثبته. [5] تحرفت في «ط» إلى «السخاوي» .

وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى، وكتبه تدلّ على غزارة علمه وكثرة اطلاعه. وكان له بعدن قبول وجاه من أميرها مرجان، ثم لما مات مرجان توجه إلى الهند، ووفد على السلطان مظفّر فقرّبه، وعظّمه، وأنزله المنزلة التي تليق به. ومن تصانيفه «الأسرار النبوية في اختصار الأذكار النووية» و «مختصر الترغيب والترهيب» للمنذري، و «الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقية» و «عقد الدّر في الإيمان بالقضاء والقدر» و «العقد [1] الثمين في إبطال القول بالتقبيح والتحسين» و «الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول» و «مختصر المقاصد الحسنة» و «متعة الأسماع بأحكام السماع» مختصر من كتاب «الإمتاع» . وشرح «المحلة» في النحو [2] وشرح «لامية ابن مالك» في الصّرف شرحا مفيدا جدا [3] ، وله غير ذلك في الحساب، والطبّ، والأدب، والفلك مما لا يحصى. ومن شعره: أنا في سلوة على كلّ حال ... إن أتاني الحبيب أو إن أباني اغنم الوصل إن دنا في أمان ... وإذا ما نأى أعش بالأماني قال السخاوي: وصاهر صاحبنا حمزة الناشري [على ابنته] ، وأولدها، وتولّع بالنظم. انتهى ملخصا. وله هذا اللّغز اللطيف وشرحه نثر: يا متقنا كلمات النحو أجمعها ... حدّا ونوعا وأفرادا ومنتظمه ما أربع كلمات وهي أحرفها ... أيضا وقد جمعتها كلها كلمه ثم قال هذا في تمثيل الوقف على هاء السكت، أي قولك: «لمه» فالكاف

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «والقول» . [2] وهي لأبي محمد قاسم بن علي الحريري المتوفى سنة (516 هـ) . انظر «كشف الظنون» . (2/ 1817) . [3] في «ط» : «جيدا» وهو خطأ.

في قولك: كلمه للتمثيل، واللام للجرّ، والميم أصلها ما الاستفهامية حذفت ألفها، والهاء للسكت. وله كرامات كثيرة. وكان غاية في الكرم [1] ، كثير الإيثار. ومما قيل فيه: لأيّ المعاني زيدت القاف في اسمكم ... وما غيرّت شيئا إذا هي تذكر لأنّك بحر العلم والبحر شأنه ... إذا زيد فيه الشيء لا يتغيّر وتوفي- رحمه الله تعالى- بالهند، شهيدا، قيل: إن الوزراء حسدوه لحظوته عند السلطان فسموه، وذلك في ليلة العشرين من شعبان. وفيها موسى بن الحسن الشيخ [2] الزاهد العالم العامل [3] المعروف بالمنلا موسى الكردي اللألاني- بالنون- الشافعي، نزيل حلب. اشتغل ببلاده على جماعة، منهم المنلا محمد الخبيصي، وأخذ عن الشمس البازلي نزيل حماة، وعن المنلا إسماعيل الشّرواني أحد مريدي خوجه [4] عبيد النقشبندي، أخذ عنه بمكة «تفسير البيضاوي» وأخذ عن الشّهاب أحمد بن كلف بأنطاكية «شرح التجريد» مع حاشيته، و «متن الجغميني» في الهيئة، ثم قدم حلب، وأكبّ على المطالعة، ونسخ الكتب العلمية لنفسه، ولازم التدريس بزاوية الشيخ عبد الكريم الحافي بها، مع كثرة الصّيام، والقيام، والزّهد، والسّخاء، والصّبر على الطلبة. وممن أخذ عنه علم البلاغة ابن الحنبلي [5] . وتوفي مطعونا بحلب في شعبان، ودفن بتربة أولاد ملوك.

_ [1] في «ط» : «وكان في غاية الكرم» . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 502- 504) و «الكواكب السائرة» (1/ 308- 309) و «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» (5/ 410- 412) . [3] لفظة «العامل» سقطت من «ط» . [4] في «ط» : «خواجه» وهو خطأ. [5] وقد صرّح بذلك في «در الحبب» (2/ 1/ 503) .

سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة

سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة فيها توفي الشاب الفاضل شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي ثم الصالحي الحنبلي [1] . حفظ القرآن العظيم، ثم «المقنع» ثم شرع في حلّه على ابن عمّه العلّامة شهاب الدّين الشويكي الآتي ذكره، وقرأ «الشفا» للقاضي عياض على الشّهاب الحمصي، وقرأ في العربية على ابن طولون، وكان له سكون وحشمة وميل إلى فعل الخيرات. وتوفي يوم الأربعاء تاسع شعبان، ودفن بالسفح، وتأسف الناس عليه، وصبر والده واحتسب، ومات وهو دون العشرين سنة. وفيها المولى الفاضل بخشي خليفة الأماسي الرّومي الحنفي [2] . اشتغل في العلم بأماسية على علمائها، ثم رحل إلى ديار العرب، فأخذ عن علمائهم، وصارت له يد طولى في الفقه، والتفسير، وكان يحفظ منه كثيرا، وكان له مشاركة في سائر العلوم. وكان كثيرا ما يجلس للوعظ والتذكير، وغلب عليه التصوف، فنال منه منالا جليلا، وفتح عليه بأمور خارقة، حتى كان ربما يقول: رأيت في اللوح المحفوظ مسطورا كذا وكذا فلا يخطئ أصلا. وله رسالة كبيرة جمع فيها ما اتفق له من رؤية النّبي صلّى الله عليه وسلم في المنام.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (6/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 136) و «النعت الأكمل» ص (103) و «الحسب الوابلة» ص (67) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (247) و «الكواكب السائرة» (1/ 164) .

وكان خاضعا، خاشعا، متورعا، متشرعا، يلبس الثياب الخشنة ويرضى بالعيش القليل. قاله في «الكواكب» . وفيها العلّامة عبد الحقّ بن محمد بن عبد الحقّ السّنباطي القاهري الشافعي، ويعرف كأبيه بابن عبد الحق [1] . قال في «النور» : ولد في إحدى الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بسنباط، ونشأ بها، وحفظ القرآن و «المنهاج الفرعي» ثم أقدمه أبوه القاهرة في ذي القعدة سنة خمس وخمسين، فحفظ بها «العمدة» و «الألفيتين» و «الشاطبيتين» و «المنهاج الأصلي» و «تلخيص المفتاح» و «الجعبرية» في الفرائض، و «الخزرجية» وعرض على خلق، منهم الجلال البلقيني، وابن الهمام، وابن الديّري، والولي السّنباطي، وجدّ في الاشتغال، وأخذ عن الأجلاء، وانتفع بالتّقي الحصني، ثم بالشّمنّي. وأجاز له ابن حجر العسقلاني، والبدر العيني، وآخرون بالتدريس والإفتاء. وولي المناصب الجليلة في أماكن متعددة، وتصدق للإقراء بالجامع الأزهر وغيره، وكثر الآخذون عنه، وحجّ مع أبيه، وسمع هناك، ثم حجّ أيضا، وجاور بمكّة، ثم بالمدينة، ثم بمكة، وأقرأ الطلبة بالمسجدين متونا كثيرة، ثم رجع إلى القاهرة، فاستمرّ على الإقراء والإفتاء. هذا ملخص ما ذكره السخاوي. ثم قال في «النور» : وكان شيخ الإسلام وصفوة العلماء الأعلام، على أجمل طريق من العقل والتواضع، وأقام بمكّة بأولاده وعائلته وأقاربه، وأحفاده ليموت بأحد الحرمين، فانتعشت به البلاد، واغتبط به العباد، وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى [2] وألحق الأحفاد بالأجداد، واجتمع فيه كثير من الخصال الحميدة، كالعلم، والعمل، والتواضع، والحلم، وصفاء الباطن، والتقشف، وطرح التكلّف، بحيث علم ذلك من طبعه، ولا زال على ذلك إلى أن توفي بمكة

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 37- 39) و «متعة الأذهان» الورقة (44/ آ) و «النور السافر» ص (152- 154) و «الكواكب السائرة» (1/ 221- 223) . [2] في «آ» : «طبقة بعد طبقة» ، وما جاء في «ط» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.

المشرّفة عند طلوع فجر يوم الجمعة مستهل شهر رمضان، ودفن بالمعلاة، وكثر التأسف عليه، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها- تقريبا- عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي الصّوفي [1] . قال في «الكواكب» : المتخلق بالأخلاق المحمدية. كان متواضعا، كثير الإزراء بنفسه والحطّ عليها، وجاءه مرة رجل، فقال له: يا سيدي خذ عليّ العهد بالتوبة، فقال: والله يا أخي أنا إلى الآن ما تبت، والنجاسة لا تطهّر غيرها. وكان إذا رأى من فقير دعوى سارقه [2] بالأدب، وقرأ عليه شيئا من آداب القوم، بحيث يعرف ذلك المدّعي أنه عار عنها [3] ، ثم يسأله عن معاني ذلك، بحيث يظن المدعي أنه شيخ، وأن الشيخ عبد الحليم هو المريد أو التلميذ. وجاءه مرة شخص من اليمن فقال له: أنا أذن لي شيخي في تربية الفقراء، فقال: الحمد للَّه، الناس يسافرون في طلب الشيخ ونحن جاء الشيخ لنا إلى مكاننا. وأخذ عن اليماني ولم يكن بذاك، وكان الشيخ يربيه في صورة التلميذ إلى أن كمّله، ثم كساه الشيخ عبد الحليم عند السفر، وزوّده، وصار يقبّل رجل اليماني. وعمّر عدة جوامع في المنزلة، ووقف عليها الأوقاف، وله جامع مشهور في المنزلة، له فيه سماط لكل وارد، وبنى بيمارستان للضعفاء قريبا منه. وكان يجذب قلب من يراه أبلغ من جذب المغناطيس للحديد. وكان لا يسأله فقير قطّ شيئا من ملبوسه إلّا نزعه له في الحال ودفعه إليه، وربما خرج إلى صلاة الجمعة فيدفع كل شيء عليه ويصلي الجمعة بفوطة في وسطه.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 223- 224) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 134- 135) . [2] في «ط» : «دعوى فارغة» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [3] في «ط» : «منها» .

ومناقبه كثيرة مشهورة بدمياط والمنزلة. وتوفي ببلده ودفن بمقبرتها الخربة، وقبره بها ظاهر يزار، رحمه الله تعالى. وفيها- تقريبا أيضا- عبد الخالق الميقاتي الحنفي المصري [1] الشيخ الإمام العالم الصّالح. كان له الباع الطويل في علم المعقولات، وعلم الهيئة، وعلم التصوف. وكان كريم النّفس، لا ينقطع عنه الواردون في ليل ولا نهار. وكان للفقراء عنده في الجمعة ليلة يتذاكرون فيها أحوال الطريق إلى الصباح. وكان له سماط من أول رمضان إلى آخره. وكان دائم الصّمت، لا يتكلم إلّا [2] لضرورة، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر. وفيها- تقريبا أيضا- عبد العال المجذوب المصري [3] . قال في «الكواكب» : كان مكشوف الرأس لا يلبس القميص وإنما يلبس الإزار صيفا وشتاء، وسواكه مربوط في إزاره، وكان محافظا على الطهارة، خاشعا في صلاته، مطمئنا فيها، متألها. وكان يحمل إبريقا عظيما يسقي به الناس في شوارع مصر. وكان يطوف البلاد والقرى ثم يرجع إلى مصر. وكان يمدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، فيحصل للناس من إنشاده عبرة ويبكون. قال الشعراوي: ولما دنت وفاته دخل لنا الزاوية وقال: الفقراء يدفنوني في أي بلد، فقلت الله أعلم، فقال في قليوب. قال فكان الأمر كما قال بعد ثلاثة أيام.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 224) وفيه: «المعالي» مكان «الميقاتي» . [2] في «ط» : «إلى» وهو خطأ. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 237) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 186) .

ودفن قريبا من القنطرة التي في شطّ قليوب وبنوا عليه قبّة. وفيها المولى السيد الشريف عبد العزيز بن يوسف بن حسين الرّومي الحنفي، الشهير بعايد جلبي [1] خال صاحب «الشقائق» . قرأ على المولى محيي الدّين السّاموني، ثم على المولى قطب الدّين حفيد قاضي زاده الرّومي، ثم المولى أخي جلبي، ثم المولى علي بن يوسف الفناري، ثم صار مدرّسا بمدرسة كليبولي، ثم قاضيا ببعض النواحي، ومات بمدينة كفه قاضيا بها. وفيها جمال الدّين أبو عبد الله عبد القادر أبو عبيد بن حسن الصّاني- بصاد مهملة ونون، نسبة إلى صانية قرية داخل الشرقية من أعمال مصر- القاهري الشافعي [2] الإمام العلّامة. قال العلائي: سمع على الملتوني، وابن حصن، وغيرهما. وأخذ عن القاضي زكريا وكان رجلا معتبرا وجيها وثابا في المهمات حتى أن قيام دولة القاضي. زكريا وصمدته كانت منه. وكان قوي البدن ملازما للتدريس والإقراء والإفتاء. انتهى. وقال الشعراوي: كان قوالا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، يواجه بذلك الملوك فمن دونهم، حتى أداه ذلك إلى الحبس الضيق وهو اسم على الحقّ. انتهى. وأخذ عنه الشيخ نجم الدّين الغيطي وغيره. وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال. وفيها محيي الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي القادري [3] خطيب الأقصى، الإمام العارف باللَّه تعالى.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (235) و «الكواكب السائرة» (1/ 240) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 252) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) .

أخذ عن والده، وعن العماد ابن أبي شريف، وعن العارف باللَّه سيدي أبي العون الغزّي. وأخذ عنه الشيخ نجم الدّين الغيطي حين ورد القاهرة في السنة التي قبلها، وهو والد الشيخ عبد النّبيّ بن جماعة. وفيها علاء الدّين علي بن خير الدّين [1] الحلبي [2] نزيل القاهرة الحنفي الفقيه، شيخ الشيخونية بمصر. قال العلائي: كان ليّن العريكة، أخذ عن ابن أمير حاج. وتوفي ليلة الثلاثاء رابع عشري ربيع الأول. وفيها نور الدّين علي الجارحي المصري، شيخ مدرسة الغوري [3] . كان مبجّلا عند الجراكسة، وكان من قدماء فقهاء طباقهم، يكتب الخطّ المنسوب، وظفر منهم بعزّ وافر. قال الشعراوي: كان قد انفرد في مصر [4] بعلم القراءات هو والشيخ نور الدّين السّمنهودي. وكان يقرئ الأطفال تجاه جامع الغمري. وكان مذهب الإمام الشافعي نصب عينيه، وما دخل عليه وقت وهو على غير طهارة. وقال: إنه كان ليله ونهاره في طاعة ربّه. وكان يتهجّد كل ليلة بثلث القرآن. انتهى وتوفي في شعبان.

_ [1] في «ط» : «علاء الدّين علي بن خير» وهو خطأ. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 269- 270) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 284) . [4] في «ط» : «بمصر» .

وفيها المولى محيي الدّين محمد بن محمد القوجوي الرّومي الحنفي [1] . كان عالما بالتفسير، والأصول، وسائر العلوم الشرعية والعقلية، وأخذ العلم عن والده. وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد الرّوم، ثم قرأ على المولى عبدي الدرس بأماسية، ثم على المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري، وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناضولي، ثم استعفى منه فأعفي وأعطي إحدى المدارس الثمان. ثم صار قاضيا بمصر، فأقام بها سنة، ثم حجّ وعاد إلى القسطنطينية، وبها مات في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (245- 246) و «الكواكب السائرة» (1/ 22) .

سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة

سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة فيها توفي زين الدّين أبو بكر بن عبد المنعم البكري الشّافعي [1] أحد أعيان قضاة مصر القديمة وأصلائها. كان فقيها، فاضلا، ذا نباهة وعقل وحياء. توفي في منتصف الحجّة عن نحو خمسين سنة من غير وارث إلا شقيقه عمر محتسب القاهرة يومئذ، وصلّي عليه بجامع عمرو، ودفن بالقرافة عند والده بقرب مقام الشافعي [رضي الله عنه] [2] . وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشيخ برهان الدّين إبراهيم بن أحمد الأقباعي الدمشقي [3] الشافعي الصّوفي العارف بالله تعالى. قال في «الكواكب» : القطب الغوث، ولد في سنة سبعين تقريبا، واشتغل في العلم على والده، وابن عمته الشيخ رضي الدّين، وأخذ الطريق عن أبيه، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانبا من «عيون الأسئلة» للقشيري، وحضر بعض دروسه، وتولى مشيخة زاوية جدّه بعد أبيه، وكان على طريقة حسنة. وتوفي في [4] صبيحة يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الأول.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 118) . [2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (3/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 130) . [4] لفظة «في» سقطت من «ط» .

قال الشيخ الوالد: ووقفت على غسله، وحملت تابوته، وتقدمت في الصّلاة عليه. قال النّعيمي: ودفن على والده بمقبرة سيدي الشيخ رسلان. انتهى كلام «الكواكب» . وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد الباني المصري [1] الشافعي الأصم كأبيه. صنّف تفسيرا من سورة يس إلى آخر القرآن، وباعه مع بقية كتبه لفقره وفاقته، ووالده الشيخ شمس الدّين الباني أحد شيوخ الشيخ جلال الدّين السيوطي. وخرّج له السيوطي «مشيخة» وقرأها عليه. وكانت وفاة ولده صاحب الترجمة يوم الجمعة سادس عشر المحرم. وفيها السلطان العظيم مظفّر شاه أحمد بن محمود شاه [2] صاحب كجرات. قال في «النور» : كان عادلا، فاضلا، محبا لأهل العلم، حسن الخطّ، وكتب بيده جملة مصاحف، أرسل منها مصحفا إلى المدينة الشريفة، وخرجت روحه وهو ساجد، والظّاهر أنه هو الذي وفد عليه العلّامة بحرق وصنّف بسببه «السيرة النبوية» وإن كان اسم الكتاب يشعر بغير ذلك، فإنه ما كان في ذلك الزمان أحد ممن ولي السلطنة غيره، ولم يزل عنده مبجّلا، مكرّما إلى أن مات. وفيها بدر الدّين حسين بن سليمان بن أحمد الأسطواني الصّالحي الحنبلي [3] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 129) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (191- 192) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة، و «الكواكب السائرة» (1/ 185) و «النعت الأكمل» ص (104) و «السحب الوابلة» ص (156- 157) .

قال ابن طولون: حفظ القرآن بمدرسة أبي عمر، وقرأ على شيخنا ابن أبي عمر الكتب الستة، وقرأ وسمع ما لا يحصى من الأجزاء الحديثية عليه. قال: وسمعت بقراءته عدة أشياء. وولي إمامة محراب الحنابلة بالجامع الأموي في الدولة العثمانية. انتهى. وقال البدر الغزّي: حضر بعض دروسي، وشملته إجازتي، وسألني، وقرأ علي في الفقه، وذاكرني فيه، وقرّر في سبع الكاملية إلى أن توفي في صفر، ودفن بباب الفراديس. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الكتبي الدمشقي [1] الحنفي. قال في «الكواكب» : كان عنده فضيلة، وله قراءة في الحديث، وكان لطيفا يميل إلى المجون والخراع [2] رحمه الله تعالى. انتهى. وفيها تاج الدّين عبد الوهاب الدّنجيهي المصري [3] الشافعي الكاتب النحوي السّالك الصّالح المجرّد القانع. حفظ القرآن العظيم، وصحب الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي، وجوّد حتّى حسن خطّه، وكتب كتبا نفيسة، واشتغل في الصرف، والنحو، والمعاني، والبيان، والمنطق، والأصلين، والفقه على العلّامة علاء الدّين بن القاضي حسين الحصن كيفي، وسمع عليه «المطوّل» و «شرح العقائد» و «شرح الطوالع» و «غاية القصد» و «المتوسط» و «شرح الشمسية» وحضر غالب دروس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وتصانيفه، وقرأ «شرح قاضي زاده» في علم الهيئة على العلّامة عبد الله الشّرواني، وقرأ على غير هؤلاء، وتمرّض في البيمارستان شهرا.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 225) . [2] في «ط» : «والمزاح» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف، والخراع: الفجور. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 259) .

وتوفي به يوم الجمعة حادي عشري جمادي الأولى. وفيها العلّامة علاء الدّين علي بن أحمد الرّومي الحنفي الجمالي [1] . قال في «الكواكب» : قرأ على المولى علاء الدّين بن حمزة القرماني، وحفظ عنده «القدوري» و «منظومة النّسفي» ثم دخل إلى القسطنطينية، وقرأ على المولى خسرو، ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدّين بن حسام، وتعلّل بأنه مشتغل بالفتوى، وبأن المولى مصلح الدّين يهتم بتعليمه أكثر منه، فذهب إليه وهو مدرّس سلطانية بروسا، فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية، وأعاد له بالمدرسة المذكورة، وزوّجه ابنته وولدت له، ثم أعطي مدرسة بثلاثين، وتنقلت به الأحوال على وجه يطول شرحه، فترك التدريس، واتصل بخدمة العارف بالله تعالى مصلح الدّين بن أبي [2] الوفاء، ثم لما تولى أبو يزيد السلطنة رآه في المنام فأرسل إليه الوزراء، ودعاه إليه فامتنع فأعطاه تدريسا بثلاثين [3] جبرا، ثم رقّاه حتى أعطاه إحدى الثمانية، فدرّس بها مدة طويلة، ثم توجّه بنيّة الحجّ إلى مصر، فأقام بمصر سنة، ثم حجّ وعاد إلى الرّوم، وكان توفي المولى أفضل الدّين المفتي فولّاه السلطان أبو يزيد منصب الفتوى، وعيّن له مائة درهم، ثم لما بنى مدرسته بالقسطنطينية ضمّها له إلى الفتوى، وعيّن له [كل يوم] خمسين درهما زائدة على المائة، وكان يصرف جميع أوقاته في التّلاوة، والعبادة، والتدريس، والفتوى، ويصلي الخمس في الجماعة، وكان كريم الأخلاق لا يذكر أحدا بسوء. وكان يغلق باب داره ويقعد في غرفة له فتلقى إليه رقاع الفتاوى فيكتب عليها ثم يدليها، يفعل ذلك لئلا يرى الناس فيميّز بينهم في الفتوى. وكان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويصدع بالحقّ ويواجه بذلك السلطان فمن دونه، حتى إن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين رجلا من حفّاظ الخزينة، فذهب صاحب الترجمة إلى الديوان ولم يكن من عادتهم أن يذهب

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (173- 176) و «الكواكب السائرة» (1/ 267- 268) . [2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» . [3] أي بثلاثين ليرة عثمانية.

المفتي إلى الديوان إلّا لأمر عظيم فلما دخل تحيّروا وقالوا: أي شيء دعا المولى إلى المجيء، فقال: أريد أن [1] ألاقي السلطان فلي معه كلام، فعرضوا أمره على السلطان فأمر بدخوله وحده، فدخل وسلّم وجلس، وقال: وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلا من أرباب الديوان لا يجوز قتلهم شرعا، فغضب السلطان سليم- وكان صاحب حدّة- وقال له: لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظيفتك، فقال: بل أتعرّض لأمر آخرتك وهو من وظيفتي، فإن عفوت فلك النجاة وإلّا فعليك عقاب عظيم، فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكلّ، ثم تحدّث معه ساعة، ثم سأله في إعادة مناصبهم فأعادها لهم. وحكي أن السلطان سليم أرسل إليه مرّة أمرا بأن يكون قاضي العسكر، وقال له: جمعت لك بين الطّرفين لأني تحقّقت أنك تتكلم بالحقّ فكتب إليه: وصل إلى كتابك- سلّمك الله تعالى وأبقاك- وأمرتني بالقضاء، وإني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهدا أن لا تصدر عني لفظة حكمت، فأحبه السلطان محبّة عظيمة، ثم زاد في وظيفته خمسين عثمانيا، فصارت مائتي عثماني. وتوفي- رحمه الله تعالى- في هذه السنة. وفيها علاء الدّين علي بن عبد الله العشاري- نسبة إلى عشارة بضم المهملة بلدة قريبة من الدير- الحلبيّ [2] الشافعي القاضي، المعروف بابن القطّان. قرأ على الجلال النّصيبي، وحرص على اقتناء الكتب النفيسة، وولي قضاء إعزاز، وسرمين. وتوفي في العشر الآخر من رجب.

_ [1] لفظة «أن» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 925- 932) و «الكواكب السائرة» (1/ 270) و «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» للطباخ (5/ 419) .

وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر المشهدي المصري [1] الشافعي العلّامة المسند. ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي، وابن الجزري، والخيضري، وأخذ عن الشّهاب الحجازي الشاعر، والرّضي الأوجاقي، وغيرهما. وأجاز له ابن بلال المؤذن في آخرين من حلب، وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر، وابن عمه شعبان، وغيرهما ودرّس. وأسمع قليلا وناب في مشيخة سعيد السعداء الصّلاحية عن ابن نسيبه. وكان علّامة عاقلا، دينا، دمث الأخلاق، غير أنه كان ممسكا حتّى عن نفسه، وفي مرض موته كما قال العلائي. وقال الشعراوي: كان عالما، صالحا، كثير العبادة، محبّا للخمول، إن رأى أحدا يقرأ عليه [فتح له] [2] ، وإلّا أغلق باب داره. قال: فقلت له يوما: ما أصبرك يا سيدي على الوحدة، فقال: من كان مجالسا لله فما ثم وحدة. قال: وكان يقول: مدح الناس للعبد قبل مجاوزته للصّراط كلّه غرور. انتهى. وتوفي يوم الاثنين سابع [ذي] القعدة ودفن في تربة الصلاحية بباب النصر، وهو آخر ذريّة ابن خلّكان فيما يعلم، ولم يعقّب. وفيها شمس الدّين محمد السروي، المشهور بابن أبي الحمائل [3] . قال المناوي في «طبقاته» : العارف الكبير، الكامل الغيث، الهامع الشامل، زاهد قطف كروم الكرامات، وعارف وصل إلى أعلى المقامات. كان طودا عظيما في الولاية، وملجأ وملاذا للطلّاب [4] الهداية. أخذ عنه خلق كالشناوي [5] ، والحديدي، والعدل، وأضرابهم.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 27- 28) . [2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 29- 30) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 126- 127) . [4] في «ط» : «لطالب» . [5] في «ط» : «كالثناوي» وهو تحريف.

وكان عالي الهمّة، كثير الطيران من بلاد لأخر [1] ، وكان يغلب عليه الحال ليلا فيتكلم بألسنة غير عربية، من عجم، وهند، ونوبة، وغيرها. وربما قال: قاق قاق طول الليل، ويزعق ويخاطب قوما لا يرون، وإذا قال شيئا في غلبة الحال نفذ. وكان مبتلى بالأذى من زوجته مع قدرته على إهلاكها، وربما أدخل فقيرا الخلوة فتخرجه قبل تمام المدة وتقول له: قال لك فلان: أنا ما أعمل شيخا، فلا يتكلم، وقدم مصر، فسكن الزاوية الحمراء ثم زاوية إبراهيم المواهبي وبها مات. وكان يكره للمريد قراءة أحزاب الشاذلية ويقول: ما ثم جلاء للقلوب مثل لا إله إلا الله، وقارئ أحزاب الشاذلية كزبّال خطب بنت سلطان، وصار يقول للسلطان: أعطني بنتك واجعلني جليسك وهو لا يعرف شيئا من آداب حضرته. ومن كراماته أنه شكا له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطيخ، فقال لرجل: ناد في الغيط رسم لكم محمد بن أبي الحمائل أن ترحلوا فلم يبق فيها فأر فسأله أهل بلد [2] آخر في ذلك، فقال: الأصل الإذن ولم يفعل. وكان إذا اشتد به الحال في مجلس الذكر يحمل الرجلين وأكثر ويحمل التيغار الذي يسع ثلاثة قناطير ويجري بذلك. قال الشعراوي: لقنني الذكر وأنا صغير سنة اثنتي عشرة وتسعمائة. ومات بمصر في هذه السنة ودفن بزاويته بين السورين. وفيها شمس الدّين محمد [3] بن الشيخ الصّالح شهاب الدّين أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي [4] . ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وقرأ العربية على الشيخ محمد التونسي المغربي، ثم قدم دمشق، وصار من أصحاب البدر الغزّي ووالده، وقرأ عليهما. وكانت له يد طولى في النحو، والحساب، والميقات.

_ [1] في «آ» : «من بلد لآخر» . [2] في «آ» : «بلاد» . [3] لفظة «محمد» سقطت من «ط» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 35) .

وكان حافظا لكتاب الله تعالى، مجوّدا، وولي مشيخة الكلّاسة. وتوفي يوم الجمعة خامس عشر [1] ذي القعدة، ودفن بباب الصغير، وكان ينشد كثيرا في معنى الحديث: والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... حتّى يروا عنده آثار إحسان وفيها كمال الدّين محمد بن الزّيني [2] سلطان الدمشقي الصّالحي الحنفي القاضي. ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واشتغل، وحصّل، وبرع، وناب في الحكم، وجمع منسكا في مجلد سمّاه «تشويق الساجد إلى زيارة أشرف المساجد» . وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر، ودفن بالصالحية بتربتهم تحت المعظمية. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكفرسوسي [3] الشافعي الفقيه المفتي العلّامة. تفقّه بالنجم بن قاضي عجلون وأخيه التّقي وغيرهما من الدمشقيين، وأخذ عن القاضي زكريا. وأخذ عنه جماعة منهم العلّامة الشّهاب الطّيبي. وأشار إلى ذلك في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله: ومنهم وليّ الله شيخي محمد ... هو الكفرسوسيّ الإمام المحبّر بعلم وإخلاص يزين ولم يزل ... معينا لخلق الله للحقّ ينصر وعن زكرياء المقدّم قد روى ... وعن غيره ممّن له الفضل يغزر

_ [1] في «ط» : «خامس عشري» . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (83/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 51) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (88/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 54- 55) .

وأثنى عليه ابن طولون في مواضع من «تاريخه» وألف شرحا على «فرائض المنهاج» ومجالس وعظية. وتوفي ليلة السبت الثامن والعشرين من ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي- نسبة إلى قرية تسمى سودة شعنب [1] على ثلاث مراحل من صنعاء اليمن- الشهير بعبد الهادي اليمني الشافعي [2] قطب العارفين وسلطان العاشقين. قال في «النور» : كان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين، درّس وأفتى، ثم طرأ عليه الجذب، وذلك أنه كان يقرأ في الفقه على بعض العلماء، فلما وصل إلى هذه المسألة والعبد لا يملك شيئا مع سيده، كرّر هذا السؤال على شيخه كالمستفهم، واعترته عند ذلك هيبة عظيمة وبهت، وحصل له الجذب. وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى، وأقواله تدل على تفنّنه في العلوم الظّاهرة واطلاعه على الأخبار السّالفة والأمثال السائرة، حتّى كأن جميع العلوم والمعاني [3] ممثلة بين عينيه يختار منها الذي يريد ولا يعدل عن شيء إلّا إلى ما هو خير منه. وكان مولعا بشرب القهوة ليلا ونهارا، وكان يطبخها بيده ولا يزال قدرها بين يديه، وقد يجعل رجله تحتها في النار مكان الحطب، وكان كلما أتى إليه من النذور إن كان من المأكولات طرحه فيها وإن كان من غيرها قذفه تحتها من ثوب نفيس أو عود أو غير ذلك، وقيل: إن عامر بن عبد الوهاب السلطان بعث إليه بخلعة نفيسة فألقاها تحتها فاحترقت فبلغ ذلك السلطان فغضب وأرسل يطلبها منه، فأدخل يده في النار وأخرجها، كما كانت ودفعها إليهم وقد أشار إلى هذا الشيخ

_ [1] في «ط» : «سودة شغب» وفي «النور السافر» ص (191) : «شغب» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (155- 191) . [3] لفظة: «والمعاني» سقطت من «ط» .

عبد المعطي بن حسن باكثير في «موشحته» التي عارض فيها شيخ الإسلام أبا الفتح المالكي وكلاهما قد مدح القهوة فقال: قهوة البن جلّ مقصودي ... في الخفا والعلن هام فيها إمامنا السّودي ... قطب أهل اليمن وطبخها بالنّدّ والعود ... وبغالي الثمن من ثياب حرير مع قطن ... فأخر الملبس وبذاكم خوارق تثني ... عليه لم تدرس ولما طرأ عليه الجذب صدرت عنه أمور وكرامات تدلّ على أنه من العارفين بالله تعالى، وأخذ ينظم حينئذ فإنه ما وقع له نظم إلا بعد الجذب، حتى حكي أنه ما كان يقوله إلا في حال الوارد مثل ابن الفارض، فكان يكتب بالفحم على الجدران فإذا أفاق محى ما كان [1] كتبه من ذلك، فكان فقراؤه بعد أن علموا منه ذلك يبادرون بكتب ما وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه. وحكي أن بعض المنشدين أنشد بين يديه قصيدة من نظمه فطرب لها وتمايل عليها، ثم سأل عن قائلها فقيل: إنها من نظمك، فأنكر ذلك وقال: حاشا ما قلت شيئا [2] حاشا ما قلت شيئا [2] . ومن شعره الرائق: يا راحة الرّوح يا من ... هواه أشرف مذهب واصل فديتك صبا ... أنسيته كل مذهب وباين الكلّ إلّا ... من بالهوى قد تمذهب مشارب القوم شتّى ... من كلّها صار يشرب قد شرّق النّاس طرّا ... وللغرائب غرّب

_ [1] لفظة «كان» سقطت من «آ» . [2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .

فهو الغريب ولكن ... محبوبه منه أغرب تعجّب الخلق منه ... وباطن الأمر أعجب يا موجبين لصحوي ... السّكر والله أوجب وليس يوجب صحوي ... إلا بليد معذّب بين الغوير ونجد ... طول الزّمان مذبذب وطالعوا إن شككتم ... تهذيبكم والمهذّب يا ما ألذّ استماعي ... قول النّدامى لي اشرب في حضرة ليس فيها ... إلّا مراد مقرّب ومطرب الحيّ يشدو ... لا عاش من ليس يطرب ومنه: بالله كرّر أيّها المطرب ... تذكار قوم ذكرهم يعجب ما زمزم الحادي بذكراهم ... في الشرق إلا رقص المغرب ومنه: ومهفهف قبلت أشنب ثغره ... وبلوغ ذاك الثّغر ما لا يحسب قال احسب [1] القبل التي قبّلتني ... فأجبت إنّا أمّة لا نحسب [2] وبالجملة فشعره كثير جدا وفيه تأثير غريب فإنه السهل الممتنع يفهمه كل أحد مع متانة عبارته، وتتأثر به النّفوس غالبا ويكثر عليه وجد المتواجدين. وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الأربعاء سابع صفر بتعز وقبره بها مشهور يزار وعليه قبة عظيمة.

_ [1] في «آ» : «أحسبت» . [2] قلت: وذلك اقتباس من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب» الذي رواه البخاري رقم (1913) في الصوم: باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا بكتب ولا نحسب» ومسلم رقم (1080) (15) في الصيام: باب وجوب صوم رمضان الرؤية الهلال، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما.

وكان للشيخ ولدان أحدهما عبد القادر والآخر محمد. مات عبد القادر في حياة أبيه وخلّف بنتا ولم يبق للشيخ عبد الهادي نسل إلا منها. وأما محمد فعاش بعد والده وصار قاضيا بتعز، ولما استولت الأروام على تعز لزموه وبعثوا به [1] إلى مصر فمات هناك في حدود الستين وتسعمائة. وفيها القاضي أفضل الدّين [2] محمد بن محمد الرّومي المصري الحنفي [3] الإمام العلّامة. قرأ الفقه على ابن قاسم، وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر. وكان ديّنا عاقلا، وحجّ صحبة [4] الشيخ أمين الدّين الأقصرائي. وتوفي بمصر في المحرم. وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد الزّيتوني العوفي- نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه- المصري [5] الشافعي الفاضل البارع. دخل إلى دمشق، وأخذ عن البدر الغزّي، وأجازه ب «صحيح البخاري» وب «التنبيه» و «المنهاج» بعد أن قرأ عليه أكثرها. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشهير بابن الغرس- بالمعجمة- المصري [6] الحنفي العلّامة ابن العلّامة.

_ [1] في «ط» : «وبعثوه» . [2] في «آ» : «فضل الدّين» وهو خطأ. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 22- 23) . [4] في «ط» : «صحبته» وهو خطأ. [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) .

كان ذا يد في النحو والأعاريب، وله شعر، وافتقر في آخر عمره وسقم سنين بعد عزّ وترف ووجاهة، فكان صابرا شاكرا. وتوفي في ذي القعدة. وفيها القاضي شمس الدّين محمد السّمديسي [1] الحنفي. أخذ عن رضوان العقبي [2] ، وعبد الدائم الأزهري، والشمس محمد بن أسد. والقراءات عن جعفر السمنودي. وأخذ عنه الشيخ بهاء الدّين القليعي، والشيخ علاء الدّين المقدسي نزيل القاهرة الفقه والقراءات. وسمعا منه كثيرا. وهو صاحب «فيض الغفّار شرح المختار» . وتوفي في هذه السنة. وفيها نور الدّين محمود بن أبي بكر بن محمود قاضي القضاة المعرّي [3] الأصل الحموي ثم الحلبي [4] الشافعي، سبط الشيخ أبي ذرّ بن الحافظ برهان الدّين الحلبي. ولي قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة، فلما مرّ السلطان سليم على حماة ولّاه قضاءها أيضا، ثم لما رجع السلطان سليم بدا لصاحب الترجمة أن يترك القضاء في هذه الدولة تورعا عما أحدثوه من المحصول والرسم، فتركه وترك غيره من المناصب الحموية، فأخرجت له براءة واحدة بنحو ثلاثين منصبا ما بين تدريس

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 98) . [2] في «الكواكب السائرة» : «العيني» . [3] تحرفت في «ط» إلى «المصري» . [4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 357- 360) و «الكواكب السائرة» (1/ 305) و «إعلام النبلاء» (5/ 421- 422) .

وتولية، ثم إنه قطن حلب هو ووالده [1] وأخوه المقرّ أحمد، وسكن بالمدرسة الشمسية بمحلّة سويقة حاتم [2] فلم يلبثوا إلا قليلا حتى ماتوا. وكانت وفاة القاضي نور الدّين في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .

_ [1] في «ط» : «وولده» وهو خطأ. [2] سويقة حاتم: هي القبلية التي تتاخم الجامع الكبير بحلب، وكانت تسمّى السهيلية. انظر «نهر الذهب في تاريخ حلب» (2/ 180) طبع دار القلم العربي بحلب، و «موسوعة حلب المقارنة» (4/ 426) .

سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة

سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي [1] الشافعي العلّامة، المعروف بفقيه اليشبكية بحلب لتأديبه الأطفال بها. قال في «الكواكب» : ولد بقرية عارة [2]- بمهملتين- من القصير من أعمال حلب، وانتقل مع والده إلى حلب صغيرا فقطن بها، وحفظ القرآن العظيم، ثم «الحاوي» ودخل إلى دمشق فعرضه على البدر بن قاضي شهبة، والنجمي، والتقوي ابني قاضي عجلون. وسمع الحديث بها وبالقاهرة على جماعة، وبحلب على الموفق أبي ذرّ وغيره، وأجازه الشيخ خطاب وغيره. قال ابن الشّمّاع: ولم يهتم بالحديث كما ظهر لي من كلامه، وإنما اشتغل في القاهرة بالعلوم العقلية والنقلية. وقال ابن الحنبلي: كان دينا، خيرا، كثير التّلاوة للقرآن، معتقدا عند كل إنسان، طارحا للتكلّف، سارحا في طريق التقشف، مكفوف اللّسان عن الاغتياب، مثابرا على إفادة الطلاب. إلى أن قال: وقد انتفع به كثيرون في فنون كثيرة، منها العربية، والمنطق، والحساب، والفرائض، والفقه، والقراءات، والتفسير. قال: وكنت ممن انتفع به في العربية، والمنطق، والتجويد.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 22- 26) و «الكواكب السائرة» (1/ 106) . [2] تحرفت في «ط» و «آ» إلى: «عادة» والتصحيح من «در الحبب» .

قال وكان [1] كفّ بصره رأى النّبي صلّى الله عليه وسلم في المنام، فوضع يده الشريفة على إحدى عينيه. قال: فكانت لها بعد تلك [الرؤية] [2] رؤية ما كما نقل لنا عنه صاحبنا الشيخ الصالح برهان الدّين إبراهيم الصّهيوني. قال: ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة. انتهى. وفيها تقريبا تقي الدّين أبو بكر بن عبد المحسن البغدادي الأصل الدمشقي [3] الموقت بالجامع الأموي. كان من أهل العلم، وأخذ عن البدر الغزّي وغيره. وفيها بدر الدّين أحمد بن قاضي القضاة تقي الدّين أبي بكر بن محمود الحموي ثم الحلبي [4] الشافعي الأصيل العريق، ناظر أوقاف الحرمين الشريفين بحلب. كان له حشمة ورئاسة وذكاء عجيب، واستحضار جيد لفوائد [5] أصلية وفرعية، غير أنه انضم إلى قرا قاضي مفتش أوقاف حلب وأملاكها، وداخل أمور السلطنة، وصار له عنده اليد النافذة، وهرع الناس إليه [لذلك] [6] ، فلما قتل قرا قاضي في هذه السنة في جامع حلب قتل معه، وأراد العامة حرقه، فاستخلصه منهم أهله وجماعته فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه بمقبرة أقربائه. وفيها عبد الرحمن بن موسى المغربي التّادلي المالكي [7] نزيل دمشق. قال في «الكواكب» : كان رجلا فاضلا صالحا، اختص بصحبة شيخ الإسلام الوالد، وجعل نفسه كالنّقيب لدرسه، وقرأ عليه «مختصر الشيخ خليل» على مذهب

_ [1] لفظة «كان» سقطت من «ط» . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ذلك» والتصحيح من «در الحبب» مصدر المؤلف ولفظة «الرؤية» مستدركة منه. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 118) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 130) . [5] في «آ» و «ط» : «الفرائد» ما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [6] لفظة «لذلك» مستدركة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 233) .

الإمام مالك. وقرأ عليه غير ذلك، ثم سافر إلى الحجاز فمات في الطريق. وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يحيى بن نصر بن عبد الرزاق بن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني السّيّد الشريف الحموي القادري [1] الشافعي. نقل ابن الحنبلي عن ابن عمّه القاضي جلال الدّين التادفي أنه ترجمه في كتابه «قلائد الجواهر» فقال: كان صالحا، مهيبا، وقورا، حسن الخلق، كريم النّفس، جميل الهيئة، مع كيس وتواضع وبشر وحلم وحسن ملتقى، لطيف الطبع، حسن المحاضرة، مزّاحا، لا يزال متبسما، معظما عند الخاص والعام، له حرمة وافرة، وكلمة نافذة، وهيبة عند الحكّام وغيرهم. انتهى وتوفي في إحدى الجمادين بحماة. وفيها- تقريبا- كريم الدّين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري [2] صاحب «الشرح» [3] والمصنّفات المشهورة. قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة. قاله في «الكواكب» . وفيها علاء الدّين علي بن سلطان الحوراني [4] الشافعي نزيل صالحية دمشق الشيخ الصالح الزاهد. كان من أصحاب الشيخ محمد العمري- بالمهملة- والشيخ أبي الصّفا الميداني صاحب الزاوية المشهورة به بميدان الحصا، وكان قد قطن بالصالحية مدة يتعبّد بها. وكان لشيخ الإسلام كمال الدّين بن حمزة فيه اعتقاد زائد، وأوصى له بشيء عند موته. وتوفي صاحب الترجمة في يوم الخميس مستهل ذي الحجّة.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 830- 832) و «الكواكب السائرة» (1/ 251) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 255) و «معجم المؤلفين» (5/ 317) . [3] واسمه «شرح الشاطبية» وهو في القراءات كما في «معجم المؤلفين» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .

وفيها السيد كمال الدّين محمد بن حمزة بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي [1] الشهير بأبيه. ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة، واستجار له والده من ابن حجر، واشتغل في العلم على والده وخالية النّجمي والتّقوي ابني قاضي عجلون، وعلى غيرهم، وبرع وفضل، وتردّد إلى مصر في الاشتغال والإشغال [2] ، ثم صار أحد شيوخ الإسلام المعوّل عليهم بدمشق، فقها، وأصولا، وعربية، وغير ذلك. وولي إفتاء دار العدل بدمشق، وقصده الطلبة. وكان إماما، علّامة، جامعا لأشتات العلوم، مع جلالة، ومهابة، وهيئة حسنة، وكان يقرّر دروسه بسكينة، ووقار، وتؤدة، واحتشام، مع حلّ المشكلات، وانتفع به الطلبة مصرا وشاما وما والاهما. وكان يدرّس ويفتي، وترك الإفتاء آخرا بسبب محنة حصلت له من الغوري بسبب سؤال رفع إليه فيمن بنى بنيانا في مقبرة مسبلة هل يهدم أولا، فكتب أنه يهدم فهدم على الفور. وكان الحق في جوابه، وأجاب خاله التّقوي ابن قاضي عجلون بعدم الهدم وهو غير المنقول، وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الإفتاء بذلك، وشرح القصة يطول وولي المترجم مع تدريس البقعة بالجامع الأموي تدريس الشاميتين بدمشق والعزيزية والتقوية والأتابكية. وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته. وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء: العلّامة تقي الدّين بن القاري، والعلّامة بهاء الدّين بن سالم، والعلّامة كمال الدّين الكردي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلّامة شمس الدين بن الكيّال، والعلّامة برهان الدّين الأخنائي، والعلّامة جلال الدّين البصروي، والعلّامة زين الدّين بن قاضي عجلون، والعلّامة جمال الدّين بن حمدان، والعلّامة برهان الدّين بن حمزة، والعلّامة يعقوب

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (82/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 40- 46) . [2] لفظة «والاشغال» سقطت من «ط» .

الواعظ، والعلّامة شمس الدّين الوفائي الواعظ، والعلّامة يونس العيثاوي، والعلّامة شهاب الدّين الطّيبي، وغيرهم. قال الشيخ يونس العيثاوي: وكان السيد كمال الدّين سبب ظهور «شرح المنهاج» للجلال المحلّي بدمشق. قال: وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محلّ إقامتي فقلت: بميدان الحصا، فقال لي: هذه المحلّة خصّها الله تعالى بثلاثة أباريه كل منهم انفرد بفنّ لا يشاركه فيه غيره، الشيخ إبراهيم النّاجي بعلم الحديث، والشيخ إبراهيم القدسي بفنّ القراءات، والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف. انتهى. ومدح المترجم أفاضل عصره، منهم العلّامة علاء الدّين بن صدقة بقصيدة طنّانة مطلعها: لي في المحبة شاهد بفنائي ... عند الأحبة وهو عين بقائى وهي طويلة. وتوفي- رحمه الله تعالى- نهار الاثنين ثالث عشر رجب الفرد، وصلّي عليه بالجامع الأموي، وصلّى عليه أيضا الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف عند باب جامع جرّاح في جماعة ممن لم يكن صلّى، ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي الدّين ابن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير. وقال تلميذه تقي الدّين القاري يرثيه: توفّي قرّة العين الكمالي ... وصرنا بعده في سوء حال ولكنّا صبرنا واحتسبنا ... وليس القلب بعد الصّبر سال ومهما كان في الدنيا جميعا ... فإن مصير ذاك إلى الزوال وفيها بهاء الدّين محمد بن عبد الله بن علي بن خليل العاتكي الدمشقي الشافعي [1] الإمام العالم البارع.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 52) وقد تقدمت ترجمته في «آ» إلى ما بعد الترجمة التالية.

ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ عن التّقي ابن قاضي عجلون، والكمال بن حمزة، وغيرهما. وتوفي بالقاهرة في رجب. وفيها شمس الدّين أبو علي محمد بن علي بن عبد الرحمن، الشهير بابن عراق الدمشقي [1] نزيل المدينة المنورة، الإمام العلّامة العارف بالله تعالى، المجمع على ولايته وجلالته، القطب الرّباني، أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون. قال في «الشقائق» : كان- رحمه الله تعالى- من أولاد أمراء الجراكسة، وكان من طائفة الجند على زي الأمراء، وكان صاحب مال عظيم وحشمة وافرة، ثم ترك الكلّ، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى السيد علي بن ميمون المغربي، واشتغل بالرياضة عنده حتى حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوما في الأيام الحارّة، حتى خرّ يوما مغشيا عليه من شدة العطش، وقرب من الموت، فقالوا للشيخ: إن ابن عراق قرب من الموت من شدة العطش، فقال الشيخ: إلى رحمه الله تعالى، فكرروا عليه القول، فلم يأذن في سقيه، وقال: صبّوا على راحتيه الماء، ففعلوا، فقام على ضعف ودهشة، فلم يمض على ذلك أيام إلّا وقد انفتح عليه الطريق، ونال ما يتمناه. انتهى وذكر هو عن نفسه في كتابه المسمى: ب «السفينة العراقية» في لباس خرقة الصوفية أنه ولد في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، وقرأ القرآن بالتجويد على الشيخ عمر الدّاراني، قرأ عليه ختمات، وعلى الشيخ إبراهيم القدسي، قرأ عليه يويمات، ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدّين عرفة، ثم جوّد ختمة لابن كثير، وأفرد لراوييه على الشيخ عمر الصّهيوني، وجوّد عليه الخطّ أيضا، وأخذ عنه علم الرماية، ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات، وفي أثنائها مات والده في سنة

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (212- 213) و «النور السافر» ص (192- 198) و «الكواكب السائرة» (1/ 59- 68) و «الأعلام» (6/ 290) و «معجم المؤلفين» (11/ 21- 22) .

خمس وتسعين وثمانمائة، وتزوج في تلك السنة، ثم توجه إلى بيروت بنيّة استيفاء إقطاع والده، فسمع وهو ببيروت برجل من الأولياء فيها يسمّى سيدي محمد الرائق، فزاره ودعا له، وقال له: لا خيّب الله سعيك. ثم رجع إلى دمشق، واشتغل بالفروسية والرّمي والصّيد، ولعب الشطرنج، والنرد، والنّقاف، والتنعم بالمأكولات والملبوسات، وإنشاء الإقطاع والفدادين، ولم يزل مع هذه الأمور مواظبا على الصلوات، وزيارة الصالحين، وحبّ الفقراء والمساكين حتّى تم له خمسة أعوام، ولم يتيسر له من يوقظه من هذا المنام، حتى كان يوم جمعة، صادف فيه الشيخ إبراهيم النّاجي في جبّانة الباب الصغير وهو راجع من ميعاده، فنزل سيدي محمد عن فرسه إجلالا للشيخ، وسلّم عليه، فقال الشيخ: من يكون هذا الإنسان، فقيل له: فلان ابن فلان، فأهل به ورحّب، وترحم على والده، فسأله سيدي محمد أن يدعو له أن ينقذه الله مما هو فيه، فقال له: لو حضرت الميعاد ولازمتنا لحصل الخير، فكان بعد ذلك يحضر مواعيد الشيخ، وحصلت له بركته، واستمر في صحبته حتى مات، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عنه وعن الشيخ أبي الفضل ابن الإمام، وعن الشّهاب ابن مكيّة النابلسي علم التفسير والحديث والفقه، وأخذ الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة، منهم الشيخ أبو الفتح المزيّ، والشيخ محمد بن نصير، والشيخ على المصري، وكان مع ذلك يصحب الصّالحين والفقراء الصادقين، مثل الشيخ محمد بن البزة، والشيخ محمد بن يعقوب [1] وأضرابهما، إلى أن لاحت له ناصية الفلاح، وجاءه المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح وذلك مستهل سنة أربع وتسعمائة، فكان كماله على يديه، ودخل مصر سنة خمس، فاجتمع بجماعة من الأعلام، من أعلمهم وأفضلهم القاضي زكريا، والجلال السيوطي، والدمياطي، واجتمع بجماعة من الأولياء، منهم الشيخ عبد القادر الدشطوطي، وأبو المكارم الهيتي، وابن حبيب الصّفدي، وأضرابهم، وحصلت له بركتهم.

_ [1] لفظة «ابن» لم ترد في «ط» .

ثم عاد في بحر النيل إلى دمياط، واجتمع فيها بعلماء أخيار، منهم الشيخ أحمد البيجوري، وحضر دروسه، وألّف له منسكا جامعا، وحصّل من العلم في البلدتين المذكورتين ما لم يحصّله غيره في مدة طويلة، ثم رجع إلى الشام، وأقام بها حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الرّوم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، فبعث إليه كتابا يدعوه، فسار إليه مسرعا، وأقام عنده بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علما من الله وهدى، ثم أذن له بالمسير إلى بيروت، فسار إليها وقعد لتربية المريدين، وألّف في مدة إقامته بها أربعة وعشرين كتابا في طريق القوم، فلما بلغ شيخه ذلك تطور عليه، وكتب إليه [1] أن يلقاه بالكتب إلى دمشق، وقدم عليه [2] شيخه، وهو عند والدته بدمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ونزل بالصالحية، فسار إليه سيدي محمد وتلقاه بالسلام والإكرام، غير أنه استدعاه في ذلك المجلس، وقال له: يا خائن يا كذاب، عمن أخذت هذا القيل والقال، فقال له سيدي محمد: يا سيدي قد أتيناك بالموبقات فافعل فيها ما تشاء، فغسلها سيدي علي ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب. ثم لزمه سيدي محمد هو ووالدته وأهله، وسكن بهم عنده بالصالحية، وقدّمه شيخه على بقية جماعته في الإمامة وافتتاح الورد والذكر بالجماعة، وبقي عنده هو وأهله على قدم التجريد، حتى انتقل سيدي على إلى مجدل معوش [3] ، فسافر معه، وبقي عنده حتى توفي. وفي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت، وبنى بها دارا لعياله ورباطا لفقرائه، ثم انتقل إلى غوطة دمشق، ونزل بقرية سقبا، وانقطع بها عنده جماعة، ثم ذهب سيدي محمد بعياله إلى الحجّ ماشيا، سنة أربع وعشرين، وقطن بالمدينة، وتردّد بين الحرمين، مرارا، وحجّ مرات، وقصد بالمدينة للإرشاد والتربية، واشتهر بالولاية بل بالقطبية. وبالجملة فقد كان في عصره مفردا علما، وإماما في علمي الحقيقة والشريعة مقدّما، وليثا على النّفس قادرا، وغيثا لبقاع الأرض ماطرا.

_ [1] لفظة «إليه» سقطت من «آ» . [2] في «ط» : «على» . [3] في «ط» : «مجدل مغوش» .

قال بعضهم: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم. ومن آثاره بدمشق لما كان قاطنا بصالحيتها عمارته المرصفان بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه، رضي الله عنهم. وممن أخذ عنه أولاده الثلاثة سيدي علي [1] والشيخ عبد النافع، والنعمان، والشيخ قطب الدّين عيسى الأيجي الصّفوي، وصاحبه الشيخ محمد الأيجي ثم الصالحي، والعارف بالله تعالى الشيخ أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ موسى الكناوي ثم الدمشقي، والشيخ محمد البزوري وغيرهم. قال الشيخ موسى الكناوي [2] ، ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف، ودعا لي، وأعطاني شيئا من التمر، وكان ذلك آخر العهد به إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة. وقال أبو البركات البزوري- رضي الله عنه-: اجتمعت بمكّة المشرّفة بالشيخ القطب الغوث، العارف بالله تعالى، شمس الدّين محمد بن عراق، فسألني: ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني، ولقّنني الذكر، ودعا لي، وحرّضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها: بدأت ببسم الله والحمد أولا ... على نعم لم تحص فيما تنزّلا قال: في كل ليلة، أحسبه قال: بين المغرب والعشاء. قال النجم الغزّي: قلت لشيخنا أبي البركات هذه القصيدة اللامية هي من نظم سيدي محمد بن عراق؟ قال نعم هي من نظمه وأنا أخذتها عنه، فلازم على قراءتها فإنها نافعة. قلت له: يا سيدي فنحن نرويها عنكم، عن سيدي محمد بن عراق، قال: نعم.

_ [1] لفظة «علي» سقطت من «ط» . [2] تحرفت في «ط» إلى «الكناني» .

ومن مؤلفات سيدي محمد بن عراق كتاب «المنح الغنائية والنفحات المكّية» وكتاب «هداية الثقلين في فضل الحرمين» وكتاب «مواهب الرحمن في كشف عورات الشيطان» ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية في سائر الآفاق خصوصا بمكّة العلية والمدينة المرضية، وكتاب «السفينة العراقية» وكتاب «سفينة النجاة لمن إلى الله التجاه» ورسالة في صفات أولياء الله تعالى. ومما ينسب تأليفه إليه «حزب الإشراق» . ومن شعره: كلام قديم لا يملّ سماعه ... تنزّه عن قولي وفعلي ونيّتي به أشتفي من كلّ داء وإنه ... دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي فيا ربّ متعني بحفظ حروفه ... ونوّر به قلبي وسمعي ومقلتي وتوفي على المعتمد بمكّة المشرّفة يوم الثلاثاء رابع عشري صفر ودفن من الغد بباب المعلاة [1] عن أربع وخمسين سنة تقريبا. وفيها بهاء الدّين محمد بن الشيخ العالم علاء الدّين علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن مهنّا بن محمد بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سالم [2] الإمام العلّامة. ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه، وعن التّقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدّين بن حمزة، وغيرهم. وكان عالما، عاملا، خيّرا، حجّ وجاور. وتوفي بالقاهرة في رجب. وفيها شمس الدّين محمد بن علي المعروف بابن هلال الشافعي النحوي العرضي الأصل ثم الحلبي [3] .

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «باب المعلى» والصحيح ما أثبته. [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (91/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 68) . [3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 244- 245) و «الكواكب السائرة» (1/ 68) .

اشتغل بحلب على الشيخ محمد الداديخي، والعلاء الموصلي فلم يبلغ مطلوبه، فارتحل إلى القاهرة، ولزم الشيخ خالد مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد، فقدم حلب، ودرّس بجامعها، وألّف عدة كتب، منها حاشية على تفسير البيضاوي، وشرح على «المراح» وشرح على «تصريف الزنجاني» سمّاه ب «التظريف على التصريف» ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيمانا مقبولا، وغض منه ابن الحنبلي كثيرا، وقال: كان له شعر يابس وفيه هجو فاحش. وتوفي يوم الأربعاء سادس عشر القعدة .

سنة أربع وثلاثين وتسعمائة

سنة أربع وثلاثين وتسعمائة فيها كما قال في «النور» [1] أخذ الإمام الجواد [2] أحمد مدينة هرمز من بلاد الحبشة وضعف عن مقاومته سلطانها، ولم يزل أمره يعظم حتى صار إلى ما صار إليه، واستفتح كثيرا من بلاد الحبشة، وقهر الكفّار، وواظب على الجهاد والغزو في سبيل الله تعالى، ونقل عنه في ذلك ما يبهر العقول، حتّى قيل: ما تشبّه فتوحاته إلّا بفتوحات الصحابة وناهيك بمن يكون بهذه المثابة، وحكي من أمر شجاعته وإجراء [3] أموره على قوانين الشريعة المطهرة شيء كثير. انتهى وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد العزيز الدمشقي المالكي ابن أخي القاضي شعيب الشافعي [4] . قال في «الكواكب» : كان من رؤساء المؤذنين [5] بالجامع الأموي، وكان عنده تواضع. قال ابن طولون: وأوقفني على منظومه في علم المعاني والبيان. حجّ في آخر عمره، ورجع من الحجّ متضعفا، واستمر مدة إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم، ودفن بباب الصغير.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (198- 199) . [2] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الجراد» . [3] في «ط» : «أو جراء» . [4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (37/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 112) . [5] كذا في «آ» و «ط» و «متعة الأذهان» : «من رؤساء المؤذنين» والذي في «الكواكب السائرة» «من رؤساء المدرسين» .

وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن أبي بكر بن عثمان الأنصاري الحمصي الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة الخطيب البليغ المحدّث المؤرّخ، يتصل نسبه بعبد الله بن زيد الأنصاري. ولد سنة إحدى أو ثلاث وخمسين وثمانمائة، واعتنى بالحديث والعلم، وأخذ عن جماعة من الشاميين والمصريين، وفوض إليه القضاء قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور، ثم سافر إلى مصر وفوض إليه القضاء أيضا قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وكان يخطب مكانه بقلعة الجبل، وكان الغوري يميل إلى خطبته ويختار تقديمه لفصاحته ونداوة صوته، ثم رجع إلى دمشق في شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة وخطب بجامعها عن قاضي قضاة الشافعية اللؤلؤي بن الفرفور. وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشري جمادى الآخرة ودفن بباب الفراديس. وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن عمران المقدسي الحنفي [2] . سمع بقراءة الشهابي أحمد بن عبد الحقّ السّنباطي على البرهان القلقشندي، وحصّل وبرع. وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن الصّايغ المصري الحنفي [3] . أخذ عن الشيخ أمين الدّين الأقصرائي، والشيخ تقي الدّين الشّمنّي، والكافيجي، والأمشاطي، وغيرهم. وأجازوه بالفتيا والتدريس. وكان إماما، بارعا، علّامة في العلوم الشرعية والعقلية، وله باع في الطب، ولم يتعلق بشيء من الوظائف وعرضت عليه عدة وظائف فلم يقبلها، وكان يؤثر الخمول ويقول: أحب شيء إليّ أن ينساني الناس فلا يأتوني.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (74/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 97) و «الأعلام» (1/ 233) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 97) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 116- 117) .

وكان حسن الأخلاق، حلو اللّسان، متواضعا، قليل التردد إلى الناس، يدرّس في «البيضاوي» وغيره، رحمه الله تعالى. وفيها- تقريبا أيضا- شهاب الدّين أحمد المنيري [1] المصري الشافعي [2] الإمام العلّامة. كان بارعا في العلوم الشرعية والعقلية، رثّ الهيئة، مع الهيبة والوقار، صغير العمامة، يقصده الناس في الشفاعات، وقضاء الحوائج عند الأمراء والأكابر. وكان مسموع الكلمة عندهم، ينقادون إليه ولا يردوّن له شفاعة لزهده فيما في أيديهم. وكان كثيرا ما يأتيه الفقير يسأله الشفاعة وهو يدرّس فيترك الدرس، ويقوم معه، ويقول: هذه ضرورة ناجزة وضرورة الحاجة إلى العلم متراخية، رحمه الله تعالى. وفيها عماد الدّين إسماعيل بن مقبل بن محمد الغزّاوي الحنفي [3] الشيخ المفيد العالم المقرئ [4] . قال ابن طولون: صاحبنا، حفظ القرآن ببلده غزّة، وتلا للسبع، ثم «مجمع البحرين» وقدم دمشق في سنّ الطفولة فحلّه على الشمسي بن رمضان [5] شيخ القجماسية، وكان نازلا بها، وسمع عليه أشياء وعلى غيره، ثم عاد إلى غزّة إلى أن توفي والده فعاد إلى دمشق، وأمّ بالجامع التّنكزي إلى أن مات يوم الخميس تاسع عشري صفر، ودفن بتربة باب الصغير. انتهى. وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد المدرني الحنفي [6] الفاضل المرشد، أحد مشايخ الرّوم ومواليها. مات والده الشيخ محمد شاه وهو شاب في تحصيل العلم، وقرأ على

_ [1] تحرفت في «آ» و «ط» : «المسري» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (30/ آ) . [4] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «المصري» . [5] في «متعة الأذهان» : «على الشيخ شمس الدّين بن رمضان» . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 154) .

المولى عبد الرحيم بن علاء الدّين العربي، والمولى محمد القرماني، وكان في بدايته تابعا لهوى نفسه، فرأى ليلة أباه في منامه قد ضربه ضربا شديدا ووبّخه على فعله، فلما أصبح ذهب إلى الشيخ رمضان المتوطن بأدرنة وتاب على يديه، ودخل الخلوة، وارتاض، وجاهد، ونال منالا عظيما، حتى أجازه بالإرشاد، فرجع إلى وطنه، وأقام هناك يرشد ويدرّس ويعظ، وكان له مشاركة في سائر العلوم، وله خط حسن، وكان من محاسن الأيام، رحمه الله تعالى. وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أبي بكر بن سعيد الحلبي الشافعي، المشهور بابن سعيد [1] . كان جدّه سعيد هذا يهوديا فأسلم، واشتغل صاحب الترجمة بالعلم في حلب على العلاء الموصلي، ومنلا حبيب الله العجمي، وأخذ عن الكمال بن أبي شريف ببيت المقدس، وكان ذا همّة عالية في النسخ، ورحل إلى دمشق والقاهرة. قال ابن طولون: قدم دمشق إماما لقصروه نائب حلب، فقرأ عليه صاحبنا العلّامة نجم الدّين الزّهيري المتوفى قبله. وكانت له شهرة ولديه رئاسة، ثم عاد إلى حلب، وصار مفتي دار العدل بها في الدولة الجركسية، وولي المناصب في الدولة العثمانية مشيخة التغرمشية، ومشيخة الزينبية ونظرها، ونظر جامع الأطروش. وتوفي بحلب في رجب. وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي [2] الشافعي [3] الفاضل أخو الشيخ الإمام شمس الدّين الكنجي المتقدم ذكره. عني بالفرائض والحساب.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 825- 830) و «الكواكب السائرة» (2/ 173) و «إعلام النبلاء» (5/ 430- 432) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (58/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) . [3] لفظة «الشافعي» تحرفت في «ط» إلى «الشيخ» .

قال في «الكواكب» : ولزم شيخ الإسلام الوالد كثيرا، وقرأ عليه في «شرح المنهاج» للمحلّي، وغالب ترتيب «المجموع» في الفرائض، مع أنه قرأه على مؤلّفه الشيخ بدر الدّين المارديني. قال شيخ الإسلام الوالد: وذكره في «فهرست تلاميذه» وهو وأخوه عمّاي من الرّضاع. قال: وهو ممن أذهب عمره في الحساب، مع جمود فيه، وغالب عليه الحمق وقلّة العقل وعدم حساب العواقب. ثم قال: توفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال انتهى. وفيها أبو الفضل علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشافعي [1] نزيل دمشق، الإمام العالم العلّامة. ولد في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثمانمائة ببيت المقدس، وأخذ الفقه عن الشّهاب الحجازي، والسيد علاء الدّين الأيجي، والشيخ ماهر المصري، وهو أعلى شيوخه في الفقه. وتفقه أيضا بالكمال بن أبي شريف، ورحل إلى مصر، فأخذ عن علمائها الفقه والحديث، منهم شيخ الإسلام زكريا، والتاج العبادي. ورحل إلى دمشق واستوطنها، وحضر دروس شيخ مشايخ الإسلام زين الدّين [بن خطّاب] ، والنجم بن قاضي عجلون، وغيرهما. ورافق الشيخ تقي الدّين البلاطنسي، والبهاء الفصّي البعلي، وغيرهما من الأجلّة. وجاور بمكّة مع الشيخ تقي الدّين ابن قاضي عجلون، وتزوّج بمكّة، وحضر دروس قاضي القضاة ابن ظهيرة الشافعي، وعاد إلى دمشق مستوطنا بعياله يفتي ويدرّس بالجامع الأموي، وبيّض «التحرير» للنجم ابن قاضي عجلون وزاد فيه فوائد مهمة. وله كتاب «مرّ النسيم في فوائد التقسيم» .

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (65/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 191- 193) .

وكان حافظا لكتاب الله تعالى، له همّة مع الطلبة، ومهابة، ومودّة للخاص والعام، ونفس غنيّة. وكان متقللا من الوظائف، وتمنّى الموت لفتنة حصلت له [في الدّين] [1] لما دخلت الدولة العثمانية. ومن شعره يشير إلى ذلك: ليت شعري من على الشام دعا ... بدعاء خالص قد سمعا فكساها ظلمة مع وحشة ... فهي تبكينا ونبكيها معا قد دعا من مسّه الضّرّ من ال ... ظّلم والجور اللّذين اجتمعا فعلا الحجب الدّعا فانبعثت ... غارة الله بما قد وقعا فأصاب الشّام ما حلّ بها ... سنّة الله الذي قد أبدعا وتوفي نهار الأحد خامس عشر صفر ودفن بباب الصغير. وفيها السيد علاء الدّين علي بن محمد الحسيني العجلوني ثم البروسوي، المعروف بالحديدي خليفة [2] الشيخ العارف بالله تعالى أبي السعود الجارحي. توطن بروسا من بلاد الرّوم نحو ثلاثين سنة، ثم حجّ، وعاد إلى القاهرة، وكان له عبث بعلم الوفق والأسماء وصناعة الكيمياء. وكان له أسانيد عالية، رحمه الله تعالى. وفيها محيي الدّين محمد بن سعيد الشيخ الإمام العلّامة، المعروف بابن سعيد [3] . قدم دمشق فصار إماما لنائبها قصروه، وقرأ عليه عدة من الأفاضل، وصارت له كلمة مسموعة.

_ [1] ما بين القوسين سقط من «ط» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 200) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 35) .

وتوفي بحلب في هذه السنة. وفيها شمس الدّين محمد بن علي الحريري الحلبي الحنفي، المعروف بابن السيوفي [1] تعلّم القراءة والكتابة على كبر، وتفقّه بالزين ابن فخر النساء، وأخذ عن الزّين بن الشّمّاع. قال ابن الحنبلي: وكان يترجى أن يعمل كتابا في فقه الحنفية يرتّب فيه ذكر المسائل على ترتيب «منهاج النووي» . قال: وكان عبدا صالحا، ملك كتبا كثيرة. انتهى. وفيها القاضي نجم الدّين محمد الزّهيري الحنفي [2] الشيخ الفاضل. كان نائب الباب بدمشق. وكان بيده تدريس الريحانية، والمرشدية، والمقدسية البرّانية، والعزيّة البرّانية. وقد كان عمرها وجدّد قاعة المدرّس بها. وأقام فيها الجمعة، وكان لها سنون بطّالة نحو ثلاثين سنة، مع إحسانه إلى مستحقيها. ولما مات بطل ذلك. وتوفي في سلخ ربيع الأول. وفيها محيي الدّين محمد الرّومي [3] المولى الفاضل، الشهير بابن المعمار الحنفي. خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم درّس بإسكوب [4] ، ثم بمدرسة

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 196- 197) و «الكواكب السائرة» (2/ 45) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 67) . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (275- 276) و «در الحبب» (2/ 1/ 400) و «الكواكب السائرة» (2/ 68) . [4] إسكوب: تعرف الآن ب (LSKOPJE) : مدينة من أهم مدن ألبانيا القديمة، وكانت مركزا هاما من مراكز الحكم والحضارة والإدارة على عهد العثمانيين، ثم استولى عليها الصرب وجعلوها عاصمة لإقليم مكدونيا التابع لهم، وهي الآن عاصمة جمهورية مقدونيا البلقانية التي استقلت حديثا عن يوغسلافيا وفي سكانها عدد كبير من الألبانيين المسلمين تصل نسبتهم إلى (40) . انظر «سمير الليالي» للسكري ص (36) .

الوزير محمود باشا، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمانية، ثم ولي قضاء حلب، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، وعيّن له كل يوم ثمانون عثمانيا، ثم أعيد إلى قضاء حلب ومات بها. وفيها مجير الدّين الرّملي [1] الشيخ الفاضل أحد العدول بدمشق. قال ابن طولون: كان صالحا، وعنده فضيلة وببصره بعض تكسر. مات- رحمه الله- يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الأول. وفيها نور الدّين محمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر القرشي البكري الحلبي [2] الشافعي الأصيل [3] المعمّر الجليل، خطيب المقام بقلعة حلب وابن خطيبه. أخذ عن الحافظ أبي ذرّ بن الحافظ برهان الدّين الحلبي. وأخذ عنه ابن الحنبلي ووالده «الحديث المسلسل بالأولية» واستجازاه فأجازهما [4] . وتوفي نهار الأحد حادي عشري ربيع الآخر بحلب ودفن بمقابر الصّالحين. وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى [5] ، المشهور بحاكي [6] الحنفي، أحد الموالي الرّومية. كان- رحمه الله تعالى- حائكا، ولما بلغ سنّ الأربعين رغب في العلم،

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 247) . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 461- 462) و «الكواكب السائرة» (2/ 247) . [3] تحرفت اللفظة في «آ» إلى «الأصل» . [4] في «ط» : «فأجاز لهما» . [5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271) و «الكواكب السائرة» (2/ 251- 252) . [6] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المشهور» ب «حاكي» والذي في «الشقائق النعمانية» : «الشهير بجاك» والذي في «الكواكب السائرة» : «المشهور بحائك» وما جاء في كتابنا و «الكواكب» أقرب إلى الصواب لأن الجميع أجمعوا على أنه كان «حائكا» .

وبرع فيه، وصار مدرّسا ببلده تيره [1] ، وصحب العارف بالله تعالى محمد الجمالي، والعارف بالله أمير البخاري، ثم انقطع عن التدريس وتقاعد بثلاثين عثمانيا. وكان يكتب على الفتوى ويأخذ عليها أجرا. وكان يحيى أكثر الليل، وربما غلب عليه الحال في الصّلاة.

_ [1] تيره: بالهاء: قلعة جليلة حصينة من نواحي قزوين من جهة زنجان. «مراصد الإطلاع» (1/ 285)

سنة خمس وثلاثين وتسعمائة

سنة خمس وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي [1] الحنبلي ثم الشافعي، العارف بالله تعالى. ولد في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثمانمائة، وقرأ على البدر الغزّي في الأصول، والعربية، وغير ذلك، وقرأ عليه «البخاري» كاملا في ستة أيام أولها يوم السبت حادي عشري شهر رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة، و «صحيح مسلم» كاملا في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين في خمسة أيام متفرقة في عشرين يوما، وقرأ عليه نصف «الشفا» الأول وغير ذلك، وترجمه البدر بأنه كان من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم. وتوفي شهيدا بالبطن يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان. وفيها المولى برهان الدّين إبراهيم الحسيب النّسيب [2] أحد موالي الرّوم الحنفي. كان والده من سادات العجم. رحل إلى الرّوم، وتوطن قرية من قرى أماسية يقال لها قريكجه، وكان من أكابر أولياء الله تعالى، وله كرامات وخوارق، منها أنه كفّ بصره في آخر عمره، فكشف ولده السيد إبراهيم المذكور رأسه بين يديه يوما، فقال له: يا ولدي لا تكشف رأسك ربما يضرّك الهواء البارد، فقال له ولده: كيف رأيتني وأنت بهذه الحالة، قال: سألت الله أن يريني وجهك، فمكنني من ذلك، فصادف نظري

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 75) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (185- 187) و «الكواكب السائرة» (2/ 83- 84) .

انكشاف رأسك، ونشأ ولده المذكور في حجره بعفّة وصيانة، ورحل في طلب العلم إلى مدينة بروسا، فقرأ على الشيخ سنان الدّين، ثم اتصل بخدمة المولى حسن السّاموني، ثم رغب في خدمة المولى خواجه زاده، ثم ولي التدريس حتّى صار مدرّسا بمدرسة السلطان بايزيد كل يوم بمائة عثماني على وجه التقاعد، ولما جلس السلطان سليم على سرير الملك اشترى له دارا في جوار أبي أيوب الأنصاري [1] والآن هي وقف وقفها السيد إبراهيم على من يكون مدرّسا بمدرسة أبي أيوب، وكان مجرّدا لم يتزوج في عمره بعد أن أبرم عليه والده في التزوج، وكان منقطعا عن الناس للعلم والعبادة، زاهدا، ورعا، يستوي عنده الذهب والمدر، ذا عفّة، ونزاهة، وحسن سمت، وأدب، واجتهاد، ما رؤي إلا جاثيا على ركبتيه، ولم يضطجع أبدا مع كبر سنّه. وكان طويل القامة، كبير اللحية، حسن الشيبة، يتلألأ وجه نورا، متواضعا، خاشعا، يرحم الصغير ويجلّ الكبير، ويكثر الصدقة. وكفّ في آخر عمره ثم عولج فأبصر ببعض بصره. وتوفي في هذه السنة ودفن عند جامع أبي أيوب الأنصاري، رحمه الله تعالى. وفيها المولى جلال الدّين الرّومي الحنفي الفاضل [2] خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم صار مدرّسا بمدرسة المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم صار قاضيا بعدة من البلاد، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا، وصرف جميع أوقاته في العلم والعبادة. وكان محقّقا مدقّقا، ذا شيبة نيّرة، بقية من الصالحين. وفيها داود بن سليمان القصيري [3] الشافعي الفقيه البارع، أخو الشيخ عبده [4] .

_ [1] أي في جوار جامعه باستانبول. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (279- 280) و «الكواكب السائرة» (2/ 133) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 142) . [4] في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «أخو الشيخ عبدو» والصواب في كتابة اللفظة ما أثبته.

وأخذ الفقه عن جماعة وبرع فيه [1] . وفيها عبد الرزاق التّرابي المصري [2] الشيخ الصّالح الورع الزّاهد. أخذ الطريق عن سيدي على النّبتيتي، وسيدي أحمد التّرابي، والشيخ نجا النّبتيتي، وكان على قدم عظيم من الزّاهد والورع، وأقبل الناس عليه بالاعتقاد بعد موت شيخه الشيخ نجا، وله رسالة، في الطريق، ونظم لطيف. انتقل من الرّيف إلى مصر، وأقام بها مدة، ثم انتقل إلى الجيزة [3] فأقام بها إلى أن مات. ومن كراماته أنه طلع مرة إلى الأمير خير بك والي مصر في شفاعة فلم يقبلها وأغلظ على [4] الشيخ فخرجت له تلك الليلة جمرة ومات منها بعد سبعة أيام. وفيها الشيخ عبيد الدّنجاوي ثم البلقيني المصري [5] العارف بالله تعالى، أحد أصحاب الشيخ محمد الكواكبي [6] الحلبي. دخل مصر من قبل الشام في زمن السلطان قايتباي. وكان يعتقده أشد الاعتقاد، وكانت وظيفته خدمة شيخه المذكور، حتّى كان في كاهله أثر من حمل الماء وغيره على ظهره، وكان مشغولا بالخدمة، لا يحضر مع أصحاب شيخه أورادهم قطّ، فلما حضرت شيخه الوفاة تطاول ذو الهيئات للإذن فلم يلتفت إلى أحد منهم، وقال: هاتوا عبيد فأذن له بحضرتهم فحسدوه، وكادوا يقتلونه، فسافر إلى مصر ودخلها مجذوبا عريان ليس عليه سوى سراويل وطرطور، وكلاهما من جلد، ثم ذهب إلى الصعيد، وأقام بها مدة، ثم سكن بلقين، وعمّر

_ [1] لفظة «فيه» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 167- 168) . [3] تحرفت اللفظة في «آ» إلى الجزيرة. [4] تحرفت اللفظة في «آ» إلى «عليه» . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 189- 190) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 146- 147) . [6] تحرفنت في «ط» إلى «الكوكبي» .

بها زاوية، وأقبل الناس عليه من سائر الآفاق، ونزل السلطان إلى زيارته، ثم سكن في [1] مصر في الزاوية الحلاوية عمرها له الغوري، وكان ينزل هو وولده إلى زيارته، ثم ترك لباس الجلد وصار يلبس الملابس الفاخرة كملابس الملوك، وكان له سبعة نقباء لقضاء حوائج الناس عند السلطان فمن دونه، وكان لا تردّ له كلمة ولا شفاعة، وكان لا يردّ سائلا قطّ، ومن سأله درهما أعطاه ما يساوي خمسين دينارا أو ما يقرب منها. وتوفي في جمادى الأولى. وفيها قاضي القضاة نجم الدّين محمد بن شيخ مشايخ الإسلام تقي الدّين أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن قاضي عجلون [2] الشافعي الإمام العلّامة. ولد بدمشق سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، واشتغل على والده، ودرّس عنه نيابة بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وولي خطابة جامع يلبغا، وفوض إليه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور نيابة الحكم يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعمائة، ولما رحل [3] مع أبيه إلى القاهرة- في حادثة محبّ الدّين ناظر الجيوش- ولّاه الغوري قضاء القضاة بالشام استقلالا، وذلك في سنة أربع عشرة، واعتقل بقلعة دمشق في جامعها عشية الخميس تاسع عشري جمادى الآخرة سنة خمس عشرة، ثم عزل في ثاني [ذي] القعدة منها، وأعيد القاضي ولي الدّين بن الفرفور. وتوفي القاضي نجم الدّين ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني ودفن عند والده بتربة باب الصغير. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن سالم الجناجي- بجيمين

_ [1] لفظة «في» سقطت من «آ» . [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 161) و «متعة الأذهان» الورقة (74/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 21) . [3] كذا في «آ» : «رحل» وفي «ط» : «رجع» وفي «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «دخل» .

الأولى مضمومة، بينهما نون خفيفة، نسبة لجناج قرية بين البحرارية وسنهور من الغربية [1]- ثم القاهري الأزهري المكّي المالكي، وربما عرف بمكّة بابن وحشي. ولد سنة ستين وثمانمائة تقريبا، وحفظ القرآن [العظيم، ونحو النصف الأول من مختصر الشيخ خليل، ومن «ألفية النحو» . واشتغل في الفقه] [2] والعربية على السّنهوري وغيره، وقرأ على الدّيمي «البخاري» وسمع على الكمال بن أبي شريف في «مسلم» وعلى الشاوي في «البخاري» بحضرة الخيضري. كذا ذكره السخاوي. قال وحجّ غير مرة، ولقيني في سنة سبع وتسعين بمكّة، فقرأ عليّ «الموطأ» ونحو النصف من «الشفا» بسماع باقيه، ولازمني في غير ذلك سماعا وتفهما. انتهى باختصار. وتوفي بمكة المشرّفة في ربيع الثاني ودفن بالمعلاة. وفيها القاضي رضي الدّين أبو الفضل محمد بن رضي الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن بدر بن بدري بن عثمان بن جابر بن ثعلب بن ضوي بن شدّاد بن عاد بن مفرّج بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن جحيش بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب [3] . كذا ساق نسبه حفيده النجم في «الكواكب» وقال: الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، المحقّق المدقّق العمدة العلّامة الحجّة الفهّامة الغزّي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، العامري القرشي الشافعي، جدّي لأبي. ولد في صبيحة اليوم العاشر من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وتوفي والده شيخ الإسلام [رضي الدّين أبو البركات، وسنّه إذ ذاك دون السنتين، وأسند وصايته إلى شيخ الإسلام] [4] زين الدّين خطاب بن عمر بن مهنّا الغزاوي

_ [1] وقال ابن الجيعان: جناج قرية من أعمال الغربية في مصر. انظر «التحفة السنية» ص (175) . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (93/ آ- 93/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 3- 6) و «الأعلام» (7/ 56) . [4] ما بين القوسين سقط من «ط» .

الشافعي شيخ الشافعية بدمشق، فربّاه أحسن تربية، إلى أن ترعرع، وطلب العلم بنفسه، مشمّرا عن ساق الاجتهاد، مؤثرا لطريقة التصوف ومنعزلا عن الناس في زاوية جدّه لأمّه سيدي الشيخ أحمد الأقباعي بعين اللؤلؤة خارج دمشق، إلى أن برع في علمي الشريعة والحقيقة، ولازم الشيخ خطاب مدة حياته، وتفقّه عليه وانتفع به ثم تزوج ابنته بالتماس منه، ولزم أيضا الشيخ محبّ الدّين محمد البصروي، فأخذ عنه الفقه والحديث والأصول والعروض، ثم لزم الشيخ برهان الدّين الزرعي، وأخذ عنه الحديث وغيره، وولده الشيخ شهاب الدّين أحمد، وأخذ عنه المعقولات، والمعاني، والبيان، والعربية، وتفقّه أيضا بالبدر بن قاضي شهبة، والشيخ شمس الدّين محمد بن حامد الصّفدي، وغيرهم. وكان- رحمه الله تعالى- ممن قطع عمره في العلم طلبا وإفادة وجمعا وتصنيفا. أفتى ودرّس، وولي القضاء نيابة عن قريبه القطب الخيضري وسنّه إذ ذاك دون العشرين سنة، ثم عن الشّهاب بن الفرفور، ثم عن ولده القاضي ولي الدّين بعد أن تنزه عن الحكم، ثم ألزم به من قبل السلطان سليم خان، وباشر مدة ولايته القضاء بعفّة، ونزاهة، وطهارة يد ولسان، وقيام في الحقّ، لا يحابي أحدا، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وهو آخر قضاة العدل. وممن أخذ عنه ولده شيخ الإسلام بدر الدّين، وأبو الحسن البكري، وأمين الدّين بن النجّار المصري، والسيد عبد الرحيم العبّاسي، والبدر العلائي، وغيرهم. ومن مؤلفاته «الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع» في الأصول، و «ألفية في التصوف» سمّاها «الجوهر الفريد في أدب الصوفي والمريد» و «ألفية» في اللغة نظم فيها «فصيح ثعلب» و «ألفية» في علم الهيئة. و «ألفية» في علم الطب، و «منظومة» في علم الخطّ. ونظم رسالة السيد الشريف في علمي المنطق والجدل، ووضع على نظمه شرحا نفيسا، وألف «مختصرا» في علمي المعاني

والبيان، سمّاه ب «الإفصاح عن لب الفوائد والتلخيص والمصباح» [1] ، ووضع عليه شرحا حافلا، وشرح «أرجوزة البارزي» في المعاني والبيان، و «شرح عقيدة جمع الجوامع» و «نظم عقائد الغزالي» وعقائد لبعض الحنفية، و «نخبة الفكر» لابن حجر في علم الحديث، و «قلائد العقيان في مورثات الفقر والنسيان» للشيخ إبراهيم النّاجي، وألّف كتاب «الملاحة في علم الفلاحة» وغير ذلك. ومن شعره: ما كان بكر علومي قطّ يخطبها ... إلا ذوو جدّة بالفضل أكفاء وغضّ منه ذوو جهل [2] معاندة [3] ... والجاهلون لأهل العلم أعداء وتوفي في شوال عن ثلاث وسبعين سنة، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان. انتهى باختصار. وفيها شمس الدّين أبو البركات محمد بن العلّامة شمس الدّين محمد بن حسن البابي الأصل الحلبي، الشهير كأبيه بابن البيلوني [4] وبإمام السفاحية. سمع بقراءة أبيه على الكمال بن الناسخ من أول «صحيح البخاري» إلى تفسير سورة مريم، وسمع على الزين بن الشّماع «الشمائل للترمذي» وأجازا له، وقرأ على العلاء الموصلي في «شرح الألفية» لابن عقيل، ودرّس بالحجازية. وكان له حظوة عند قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري، وكان له حركة وسعي في تحصيل الدنيا، فعرض له شيخه ابن الشّمّاع في ذلك، فذكر أنه إنما يطلب الدنيا للاكتفاء عن الحاجة إلى الناس، والاستعانة على الاشتغال بالعلم، والتوسعة على المحتاجين في وجوه البرّ. وتوفي بمنبج وهو دون الأربعين، ودفن وراء ضريح سيدي عقيل المنبجي.

_ [1] في «ط» : «والمفتاح» وهو خطأ، وانظر «كشف الظنون» (1/ 132- 133) . [2] لفظة «جهل» سقطت من «آ» . [3] تحرفت في «ط» إلى «معازرة» . [4] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 365- 366) و «الكواكب السائرة» (2/ 8) .

وفيها شهاب الدّين محمد الحلبي [1] المصري [2] الإمام العالم. توفي في أوائل هذه السنة. وفيها محيي الدّين محمد، الشهير بابن قوطاس المولى الفاضل الرّومي الحنفي [3] . كان أبوه من بلاد العجم، ودخل الرّوم، وصار قاضيا ببعض بلادها، واشتغل ابنه هذا على جماعة، منهم المولى ابن المؤيد، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم ولي التداريس حتّى درّس بإسحاقية إسكوب، ثم بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية. وتوفي وهو مدرّس بها. وكان فاضلا محقّقا مجتهدا في العبادة ملازما تلاوة القرآن طارحا للتكلّف، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد الحصني السيد الحسيب النّسيب، قريب شيخ الإسلام تقي الدّين الحصني [4] . رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة، وتوفي بها. وكان إماما علّامة، صالحا، رحمه الله تعالى. وفيها محمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل الحلبي المولد الحنفي المشهور بابن طليان [5] . ولي خطابة الجامع الكبير بحلب في أوائل الدولة العثمانية، وكان فقيها جيدا يصدع بالحقّ ولا يخاف في الله لومة لائم، لكن كان عنده حدّة، وحجّ في آخر عمره.

_ [1] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الحليبي» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (278- 279) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) . [5] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 443- 444) و «الكواكب السائرة» (2/ 248) و «إعلام النبلاء» (5/ 438) وفي بعض المصادر: «ابن طيلان» .

وتوفي في شهر رمضان. وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى بن خليل [1] والد صاحب «الشقائق النعمانية» . ولد ببلدة طاش كبري سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهي السنة التي فتحت فيها قسطنطينية، وقرأ على والده، ثم على خاله المولى التكشاري، ثم على المولى درويش بن المولى خضر شاه المدرّس بسلطانية بروسا، ثم على المولى بهاء الدّين المدرّس بإحدى الثمانية، ثم على المولى ابن مغنيسا [2] ، ثم على المولى قاضي زاده، ثم على المولى علاء الدّين العربي، ثم على المولى خواجه زاده، ثم درّس بالأسدية ببروسا، ثم بالمدرسة البيضاء بأنقرة، ثم بالسيفية بها، ثم بإسحاقية إسكوب، ثم بحلبية أدرنة، ثم صار معلّما للسلطان سليم خان، ثم أعطي تدريس السلطانية ببروسا، ثم إحدى الثمانية، ثم صار قاضيا بحلب، ثم استعفى من القضاء، وعرض وصية والده له في ذلك على السلطان. وكان عالما، زاهدا، عابدا متأدبا، مشتغلا بنفسه، معرضا عن الدنيا، وله رسائل وحواش على نبذ من «شرح المفتاح» ورسالة في الفرائض، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (231- 233) و «الكواكب السائرة» (2/ 251) . [2] تحرفت في «آ» إلى «ابن مغيثا» وفي «ط» إلى «ابن مغيسا» والتصحيح من مصدري الترجمة.

سنة ست وثلاثين وتسعمائة

سنة ست وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزّبيدي ثم الحسوي المالكي [1] الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : لازم شيخ الإسلام الوالد سنين، وقرأ عليه في الفقه على مذهب الشافعي، وفي «ألفية ابن مالك» وقرأ عليه «شرحه المنظوم على الألفية» . انتهى وفيها برهان الدّين إبراهيم بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن حمزة الدمشقي [2] الشافعي الإمام العلّامة. قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رفيقنا في الاشتغال، ووالده من أهل العلم الكبار، وكان هو شابا، مهيبا، له يد طولى في المعقولات، دأب وحصّل، وجمع بين طرفي «المنهاج» على شيخنا البلاطنسي، ورافقنا على السيد كمال الدّين بن حمزة مع الأجلّة الأكابر، وله أبحاث عالية، وهمّة سامية، طارح للتكلّف. سكن المدرسة التقوية ومات بها ليلة الثلاثاء سابع ربيع الأول، ودفن بباب الفراديس. انتهى وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي بكر البلاطنسي [3] الشافعي الحافظ، شيخ مشايخ الإسلام، العلّامة المحقّق، الناقد المجتهد.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 75) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 78) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 87- 89) و «الأعلام» (5/ 11) .

ولد يوم الجمعة عاشر رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وأخذ العلم عن والده، وعن الزّين خطّاب، والبدر ابن قاضي شهبة، وشيخي الإسلام النّجمي والتّقوي ابني قاضي عجلون، والجمال بن الباعوني، والعلاء الأيجي، والبرهان النّاجي، والشهاب الأذرعي، وغيرهم. قال الشيخ يونس العيثاوي- وهو تلميذه-: هو من بيت صلاح وعلم، سمعت مدحه بذلك من السيد كمال الدّين بن حمزة، ودخل دمشق في طلب العلم، وأخذ عن علمائها المشار إليهم، ثم استوطنها، ولم يتناول من أوقافها شيئا. وكان يجلس في البادرائية. وأرسل إليه بأموال ووظائف فلم يقبل. وكان عالما، عاملا، ورعا، كاملا، له مهابة في قلوب الفقهاء والحكّام، يرجع إليه في المشكلات، لا يتردد إلى أحد لغناه، وله همّة مع الطلبة، ونصيحة واعتناء بالعلم، أمارا [1] بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، لا يداهن في الحقّ، له حالة مع الله تعالى، يستغاث بدعائه [2] ، ويتبرك بلحظه، قائما بنصرة الشريعة، حاملا لواء الإسلام، مجدّا في العبادة، مجانبا للرّياء، لا يحب أن يمدحه أحد، يختم القرآن في كل يوم جمعة، ويختم في شهر رمضان كل ليلة ختمتين [3] ، وأكبّ في آخرة على التّلاوة. وله شعر متوسط، منه قصيدة نونية مدح فيها السلطان سليمان، وتعرّض فيها

_ [1] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «آمرا» . [2] قلت: الذي عليه العلماء المحقّقون أن الاستغاثة لا تحتاج إلى وساطة بين العبد المسلم وربّه امتثالا لقوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ 2: 186 [البقرة: 186] . [3] أقول: ما جاء مثل هذا عن بعض العلماء أو عن بعض السّلف أنه يختم ختمة أو ختمتين في ليلة واحدة، فمحمول على أنه لم يصلهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبر عن ذلك وأنه صلّى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ الإنسان القرآن في أقل من ثلاثة أيام، لأنه يعتبر هذرمة، ولا يمكن أن يعي منه شيئا. روى الترمذي في «سننه» رقم (2950) وأبو داود رقم (1390) وابن ماجة رقم (1347) والدارمي (1493) وأحمد (2/ 164) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» وهو حديث صحيح (ع) .

لما حصل في زمنه من الفتوحات، كرودس [1] وغيرها. وتوفي ليلة الاثنين ثاني المحرم، ودفن بباب الصغير جوار بلديه شيخ الإسلام شمس الدّين البلاطنسي، وقبرهما في آخر التربة من جهة الشمال. وفيها أحمد بن منلا شيخ، المعروف بخجا كمال العجمي اللالائي [2]- نسبة إلى لالا قرية من أعمال تبريز [3]- الشافعي. قال في «الكواكب» : كان له فضيلة ومشاركة، وهو أول من ولي نظارة النّظّار بدمشق. وتولى الجامع الأموي، والتكية السليمية، والبيمارستان، إلى جانبها. أخذ عن شيخي الإسلام الجدّ والوالد، وعن غيرهما، وربما انتقد عليه بعض الناس أمورا، ولكن لو لم يكن له من المكرمة إلّا مصاهرة شيخ الإسلام الجدّ له، كما صاهر القاضي برهان الدّين الأخنائي، والقاضي أمين الدّين بن عبادة لكفاه توثيقا وتعديلا. قال: ثم إن والد شيخنا أثنى على صاحب الترجمة لما أن حرق سوق باب البريد واحترق أبواب الجامع معه. قال: وكان المتكلم عليه الخجا العجمي من قبل حزم باشا، وأحسن النظر فيه وعمّر ما احترق من مال الوقف الذي كان مرصدا عنده، والحال أنه سرق له مال من منزله، وتحدّث الناس أنه يدّعي سرقة المال المرصد، ولو ادعاه لصدقوه، لكنه قال: مال الجامع محفوظ لم يسرق، فازداد الناس في مدحه وذكر عفّته. قال: وكان كذلك، فإنه لم يقطع على المستحقين شيئا بل هو الذي رتّب القراء تحت القبّة واستمر.

_ [1] رودوس- بضم الراء المهملة، ثم واو ساكنة، ودال مهملة، ويقال معجمة مكسورة، ثم سين مهملة- جزيرة في البحر الأبيض المتوسط على مقربة من الجنوب الغربي لتركيا المعاصرة. انظر «تقويم البلدان» لأبي الفداء ص (194) و «أطلب العالم» للأستاذ شارل جورج بدران (الخريطة رقم 42 المربع رقم 9) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 108- 109) . [3] كذا قيدها المؤلف- رحمه الله تعالى- نقلا عن «الكواكب السائرة» ولم أجد ذكرا لها في كتب البلدان التي بين يدي.

وتوفي ليلة الخميس تاسع عشري ربيع الآخر، ودفن بباب الصغير. انتهى ملخصا. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر الفاكهي الأصل المصري المكّي الشافعي [1] ابن أخت السّراج البلقيني. قال في «النور» : ولد في شعبان سنة ثمان وستين وثمانمائة بمكة، ونشأ بها، فحفظ القرآن و «أربعين النواوي» و «إرشاد ابن المقري» [2] و «ألفية ابن مالك» وعرض على البرهان بن ظهيرة، والمحبّ الطّبري، والعلمي، وعمر بن فهد في آخرين. قال السخاوي: سمع مني بمكة والمدينة أشياء، بل قرأ عليّ بالقاهرة في «سنن أبي داود» وتكرّر قدومه لها، وهو حاذق فطن منوّر. وقال جار الله بن فهد: واستمر على حاله في التردد، والحذق، وكثرة دخول القاهرة، ومخالطة الأكابر، مع الحرص على تحصيل الوظائف، وتزوج واحدة بعد واحدة، ورزق جملة أولاد، أنجبهم عبد الله بن حبيشة، وله غيره من مكّيّة ومدنيّة، وحصل الأملاك وعمرها، ثم ضعف في آخر عمره، وطلع له فتق في بدنه، وانقطع في بيته نحو جمعة بالإسهال، ثم مات بمكة يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بعد وصية، وحصل له بالإسهال الشهادة ووقي فتنة القبر بموته يوم الجمعة، ودفن على قبر أبيه وجدّه جوار الفضيل بن عياض. وفيها المولى شمس الدّين أحمد بن يوسف القسطنطيني [3] المولد الحنفي، المعروف بابن الجصّاص. اشتغل، ثم خدم المولى ابن المؤيد، ثم درّس وترى في المدارس، حتى

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 34) و «النور السافر» ص (200- 201) . [2] وهو «الإرشاد في فروع الشافعية» للإمام شرف الدّين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني الشافعي، المتوفى سنة (836 هـ) . انظر «كشف الظنون» (1/ 69- 70) . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (276) و «الكواكب السائرة» (2/ 116) .

أعطي سلطانية بروسا، ثم ولي قضاء الشام، ثم عزل منها بعد إقامته بها شهرين وأربعة أيام، ثم أتاه أمر باستمراره في دمشق مفتشا على الأوقاف. وكان محافظا على الصلاة بالجماعة في الجامع الأموي، لا يحب أحدا يمشي أمامه على هيئة الأكابر، وصار بعد عوده إلى الرّوم مدرّسا بإحدى الثمانية بثمانين درهما. وكان عالما، عاملا، مدقّقا، ماهرا في العلوم العقلية، بعيدا عن التكلّف، صحيح العقيدة، رحمه الله تعالى. وفيها- ظنّا- جان التبريزي الشافعي، المعروف بميرجان الكبابي [1] ، القاطن بحلب. قال في «الكواكب» : كان عالما، كبيرا سنيا، صوفيا، قصد قتله شاه إسماعيل صاحب تبريز لتسنّنه، فخلع العذار، وطاف في الأزقة كالمجنون، ثم صار على أسلوب الدراويش. وقال ابن الحنبلي: زرته بحلب في العشر الرابع من القرن، وهو بحجرة ليس فيها إلّا الحصير. ومن لطيف ما سمعته منه السوقية كلاب سلوقية. وفي تاريخ ابن طولون المسمى «مفاكهة الإخوان» [2] : وفي يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان- يعني سنة أربع وثلاثين- قدم دمشق عالم الشرق مرجان القبالي التبريزي الشافعي، وقيل: إنه كان إذا طلع محلّ درسه نادى مناد في الشوارع: من له غرض في حلّ إشكال فليحضر عند المنلا فلان. قال: ووقفت له على تفسير عدة آيات على طريقة نجم الدّين الكبرى في «تفسيره» . قال: وعنده اطلاع. انتهى

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 436- 437) و «الكواكب السائرة» (2/ 132) . [2] تنبيه: كذا سماه المؤلف رحمه الله «مفاكهة الإخوان» متابعا بذلك الغزّي صاحب «الكواكب السائرة» وقد وهما في ذلك، والصواب في اسمه «مفاكهة الخلان في حوادث الزمان» وقد طبع القسم الموجود منه في مصر بتحقيق الأستاذ محمد مصطفى وينتهي في أثناء أحداث سنة (926 هـ) وما ورد في كتابنا هنا نقلا عن «الكواكب السائرة» لم يرد فيه للخرم الذي حصل فيه.

ثم ذكر أنه سافر راجعا إلى بلاده من دمشق حادي عشر محرم سنة خمس وثلاثين. قال: وكان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير خفّ، وأنه يقدّم عليا رضي الله عنه [1] ، وأنه استخرج ذلك من آية من القرآن العظيم. انتهى. وفيها عفيف الدّين عبد الله بن عبد اللطيف بن أبي بدرون [2] السيد الشريف الحسيني الفاسي المكّي، قريب مؤرخ مكّة القاضي تقي الدّين. ولد في شوال سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وأجازه الحافظ ابن حجر، ومن في طبقته باستدعاء المحدّث نجم الدّين عمر بن فهد في سنة خمسين، وله سماع على الشيخ أبي الفتح المراغي العثماني وغيره. وتوفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة. وفيها- تقريبا- عبد الرحمن الشامي [3] المدرّس بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة. قال في «الكواكب» : الشيخ الإمام الفقيه النحوي الصّوفي. كان يتعمّم بالصوف، وله تحقيق في العلوم الشرعية والعقلية، أقبلت عليه الأكابر والأمراء، واعتقدوه، وكانوا يجلسون بين يديه متأدبين، وهو يخاطبهم بأسمائهم من غير تعظيم ولا تلقيب. مات في حدود هذه الطبقة، ودفن قريبا من تربة السلطان إينال، ورؤيت الوحوش تنزل من الجبل فتقف على باب تربته في الليل فيخرج إليها ويكلمها فترجع. ذكره الشعراوي. انتهى. وفيها زين الدّين عبد القادر بن أحمد الحمصي، المعروف بابن الدّعاس [4] الشيخ الفاضل العالم. قال في «الكواكب» : دخل دمشق، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد،

_ [1] يعني في الأحقية في الخلافة. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 155) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 160) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 174) .

وكتب نسختين من مؤلّفه المسمى ب «الدرّ النّضيد في أدب المفيد والمستفيد» واجتمع به في ذهابه إلى الروم سنة ست وثلاثين، ثم رجع الوالد سنة سبع وثلاثين فوجده قد مات بحمص. انتهى. وفيها المولى عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، سبط الوزير أحمد باشا بن الفناري. قال في «الشقائق» : قرأ على علماء عصره، واشتغل بالعلم غاية الاشتغال، ثم وصل إلى خدمة الفاضل مصلح الدّين اليارحصاري، ثم انتقل إلى خدمة الشيخ محمود قاضي العسكر المنصور، ثم صار قاضيا بحلب. وكان فاضلا، ذكيا، له مشاركة في العلوم، ومعرفة تامة بعلم القراءات، قوي الحفظ، حفظ القرآن العظيم في ستة أشهر. [وكان] صاحب أخلاق حميدة جدا، من الكرم في غاية لا يمكن المزيد عليها، ملك كتبا كثيرة، وهي على ما يروى عشرة آلاف مجلد. قال: ورأيت له شرحا للقصيدة المسمّاة ب «البردة» . وقال: ابن الحنبلي: وكان له مدة إقامته بحلب شغف بجمع الكتب، سمينها وغثّها، جديدها ورثها، حتى جمع منها ما يناهز تسعة آلاف مجلد، وجعل فهرستها مجلدا مستقلا، ذكر فيه الكتاب، ومن ألّفه. وكان مع أصالته. فاضلا سيما في القراءات [2] ، عارفا باللّسان العربي [والعبراني] [3] ، سخيا [معطاء، يسامح في كثير من رسوم المحكمة] [3] معتقدا في الصوفية، كثير التردد إلى مجلس الشيخ علي الكيزواني [4] لتقبيل يده، من غير

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (277- 278) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «در الحبب» (1/ 2/ 880- 883) و «الكواكب السائرة» (2/ 188) . [2] في «در الحبب» : «سيما في القراءة» . [3] ما بين الحاصرتين مستدرك من «در الحبب» مصدر المؤلّف. [4] هو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزوانيّ ويقال له: الكازواني- نسبة إلى كازوا- وهو الصحيح- إلا أنه اشتهر بالأول أيضا، حتى كان يقول: أنا الكيزوانيّ- الشيخ العابد المسلّك العارف بالله تعالى. مات سنة (955 هـ) وسوف يترجم المؤلف له في وفيات سنة (955) من هذا المجلد.

حائل ولا يتغالى في ملبسه، ولا يبالي به. وكان يقول من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحدا أوقاف [1] . انتهى ملخصا. وفيها الشيخ علوان علي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الهيتي الحموي الشافعي الصّوفي الشّاذلي [2] الإمام العلّامة الفهامة، شيخ الفقهاء والأصوليين، وأستاذ الأولياء والعارفين [3] . سمع على الشمس البازلي كثيرا من «البخاري» و «مسلم» وعلى نور الدّين بن زهرة الحنبلي الحمصي. وأخذ عن القطب الخيضري، والبرهان النّاجي، والبدر حسن بن شهاب الدمشقيين، وغيرهم من أهلها. وعن ابن السّلامي الحلبي، وابن الناسخ الطرابلسي، والفخر عثمان الدّيمي المصري. وقرأ على محمود بن حسن البزوري الحنوي، ثم الدمشقي الشافعي. وأخذ طريقة التصوف عن سيدي علي بن ميمون المغربي. قال المترجم: اجتمعت به بحماة، وكنت أعظ من الكراريس بأحاديث الرقائق ونوادر الحكم، فقال: يا علوان عظ من الرأس ولا تعظ من الكرّاس، فلم أعبأ به، فأعاد القول ثانيا وثالثا، فتنبهت عند ذلك وعلمت أنه من أولياء الله تعالى، فأتيت في اليوم القابل فإذا بالسيد في قبالتي. قال: فابتدأت غيبا، وفتح الله عليّ، واستمر الفتح إلى الآن. قال: وأمرني بمطالعة «الإحياء» [4] وأخذت عنه طريق الصوفية. وبالجملة، فقد كان سيدي علوان ممن أجمع الناس على جلالته، وتقدمه، وجمعه بين العلم والعمل، وانتفع الناس به وبتآليفه في الفقه، والأصول، والتصوف.

_ [1] قاف: بلفظ أحد الحروف المعجمة. قيل: هو الجبل المحيط بالأرض. انظر «مراصد الاطلاع» (3/ 1059) . [2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 961- 978) و «الكواكب السائرة» (2/ 206- 213) و «الأعلام» (4/ 312- 313) . [3] في «ط» : «وأستاذ الأولياء العارفين» بإسقاط الواو التي بين اللفظتين. [4] يعني «إحياء علوم الدّين» للإمام الغزالي.

وتآليفه مشهورة، منها «المنظومة الميمية» المسماة ب «الجوهر المحبوك في علم السلوك» وكتاب «مصباح الهداية ومفتاح الدراية» في الفقه. وكتاب «النصائح المهمة للملوك والأئمة» و «بيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني» و «عقيدة مختصرة» وشرحها. ورسالة سمّاها «فتح اللطيف بإسرار التصريف» على نهج رسالة شيخه التي في إشارات «الجرومية» وشرح «يائية ابن الفارض» و «تائية ابن حبيب» وهو أشهر كتبه. وكتاب «مجلي الحزن» في مناقب شيخه السيد الشريف أبي الحسن. و «النفحات القدسية في شرح الأبيات الششترية» وهي التي نقلها سيدي أحمد زرّوق [1] في «شرح الحكم العطائية» . ومن نظمه في النفحات المذكورة: القتل في الحبّ أسنى منية الرّجل ... طوبى لمن مات بين السّيف والأسل سيف اللّحاظ ورمح القدّ كم قتلا ... من مستهام فقاداه إلى الأجل لو تعلم الرّوح فيمن أهدرت تلفا ... أضحت ومقدارها في نيل ذاك علي إن الغرام وإن أشفى [2] السّقيم به ... على الهلاك لدرياق من العلل يا حبذا سقمي فيهم وسفك دمي ... به ارتفعت بلا شكّ على زحل أحباب قلبي بعيش قد مضى بكم ... جودوا بوصل فأنتم غاية الأمل أشكو انقطاعي وهجري والصّدود لكم ... إن تقطعوا بانصرام الودّ ما حيلي وحقّ معنى جمال يجتلي أبدا ... من حسن طلعتكم قدما من الأزل ما حلت عنكم ولا أبغي بكم بدلا ... فليس من شيمتي ميل إلى البدل

_ [1] تنبيه: وهم المؤلف رحمه الله حين ترجم له في وفيات سنة (899) من المجلد التاسع فسمّاه «إسماعيل بن أحمد- وفي «ط» ابن محمد- بن عيسى البرلسي المغربي الفاسي المالكي، المعروف ب «ابن زروق» وتبعته أنا في غفلة مني اعتذر للقراء عنها أشد الاعتذار، والصواب في اسمه: أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي أبو العبّاس، ويعرف ب زروق- بفتح المعجمة، ثم مهملة مشددة، بعدها واو ثم قاف- وترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 222- 223) و «درة الحجال» (1/ 90- 91) و «فهرس الفهارس» (1/ 455- 456) و «الأعلام» (1/ 91) . [2] تصحفت اللفظة في «ط» إلى «أشقى» .

هيهات أن أنثني يوما إلى أحد ... وليس غيركم في الكون يصلح لي وتوفي- رضي الله عنه- بحماة في جمادي الأولى. قال ولده سيدي محمد في «تحفة الحبيب» : ولقد أخبرني بموته قبل حلول مرضه، وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم، فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح. وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشّماع الحلبي الشافعي [1] الإمام العلّامة المسند المحدّث. ولد سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا، واشتغل على محيي الدّين بن الأبّار، والجلال النّصيبي، وغيرهما من علماء حلب. وأخذ الحديث عن التّقي الحبيشي الحلبي وغيره بحلب، وعن الجلال السّيوطي، والقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف بالقاهرة، وقد زادت شيوخه بالسماع على مائتين، وبالإجازة العامة دون السماع، والإجازة الخاصة على مائة، وحجّ وجاور بمكة مرات، وسافر في طلب الحديث إلى حماة، وحمص، ودمشق، وبيت المقدس، وصفد، والقاهرة، وبلبيس، والحرمين الشريفين، وغيرها، وصحب بمكّة سيدي محمد بن عراق، ولبس منه الخرقة، وتلقّن منه الذكر، وأخذ الطريق أيضا عن الشيخ علوان الحموي، وصحبه، وأخذ عنه الشيخ علوان أيضا. وكان إماما، عالما، أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر، لا يقبل هدايا أهل الدنيا، ولا يتولى شيئا من الوظائف والمناصب، بل يتقنع [2] بما يحصل له من ربح ما كان يضارب به رجلا من أصحابه. وله مؤلفات كثيرة، منها «مورد الظمآن في شعب الإيمان» ومختصره «تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان» ومختصر شرح الروض سمّاه «مغني الراغب في روض

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 1012- 1025) و «الكواكب السائرة» (2/ 224- 227) و «الأعلام» (5/ 41) . [2] في «ط» : «يقنع» .

الطالب» وكتاب «بلغة المقتنع في آداب المستمع» و «الدّر الملتقط من الرياض النضرة في فضائل العشرة» و «العذب الزلال في فضائل الآل» و «اللآلي اللامعة في ترجمة الأئمة الأربعة» و «المنتخب من النظم الفائق في الزهد والرقائق» و «عرف الند في المنتخب من مؤلفات ابن فهد» و «الفوائد الزاهرة في السلالة الطاهرة» و «المنتخب المرضي من مسند الشافعي» و «لقط المرجان من مسند النعمان» وإتحاف العابد الناسك بالمنتقي من موطأ مالك» و «الدر المنضد من مسند أحمد» و «اليواقيت المكلّلة في الأحاديث المسلسلة» و «القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي» و «المواهب الملكية» ، و «تحفة الأمجاد» والتذكرة المسماة «سفينة نوح» والسيرة الموسومة ب «الجواهر والدرر» وكتاب «محرّك همم القاصرين لذكر الأئمة المجتهدين المتعبدين» و «النبذة الزاكية فيما يتعلق بذكر أنطاكية» و «عيون الأخبار فيما وقع له في الإقامة والأسفار» . ومن شعره في معنى الحديث المسلسل بالأولية: كن راحما لجميع الخلق منبسطا ... لهم وعاملهم بالبشر والبشر من يرحم النّاس يرحمه الإله كذا ... جاء الحديث به عن سيّد البشر وتوفي بحلب صبح يوم الجمعة قبيل أذانه ثاني عشر صفر، ودفن تحت جبل الجوشن عند الجادة التي يرد عليها من يرد من أنطاكية. وفيها كمال الدّين محمد بن علي القاهري الشافعي [1] قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، الشهير بالطويل، الإمام العلّامة شيخ الإسلام. ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة. قال الشعراوي: كان من أولاد الترك، وبلغنا أنه كان في صباه يلعب بالحمام في الريدانية، فمرّ عليه سيدي إبراهيم المتبولي، وهو ذاهب إلى بركة الحاج، فقال له: مرحبا بالشيخ كمال الدّين شيخ الإسلام، فاعتقد الفقراء أنه يمزح معه إذ لم يكن عليه أمارة الفقهاء، ففي ذلك اليوم ترك لعب الحمام واشتغل بالقراءة

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 80- 81) و «الكواكب السائرة» (2/ 45- 46) .

والعلم، وعاش جماعة الشيخ إبراهيم حتّى رأوه تولى مشيخة الإسلام وهي عبارة عن قضاء القضاة. أخذ الشيخ كمال الدّين العلم والحديث عن الشّرف المناوي، والشهاب الحجازي، وغيرهما. وسمع «صحيح مسلم» وغيره على القطب الخيضري، و «ألفية العراقي» وغيرها على الشرف المناوي. قال الشعراوي: وكان إماما في العلوم والمعارف، متواضعا، عفيفا، ظريفا، لا يكاد جليسه يملّ من مجالسته، انتهت إليه الرئاسة في العلم، ووقف الناس عند فتاويه، وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه لا سيما كتب الأذرعي، والزركشي، وقدم دمشق وحلب، وخطب بدمشق لما كان صحبة الغوري، وأخذ بحلب عنه الشمس السّفيري، والمحيوي بن سعيد، وعاد إلى القاهرة فتوفي بها، ورؤي في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي سقطت، ودفن بتربته خارج باب النصر. وفيها شمس الدّين محمد بن علاء الدّين علي بن شهاب الدّين أحمد الحريري الدمشقي، الشهير بابن فستق الشافعي [1] ، الحافظ لكتاب الله تعالى، مع الإتقان. قال في «الكواكب» : كان فاضلا، صالحا، مقرئا، مجوّدا، في خدمة الجدّ شيخ الإسلام رضي الدّين الغزّي ومن أخصائه، ثم لازم شيخ الإسلام الوالد وحضر دروسه كثيرا. انتهى وفيها أبو الفتح محمد القدسي الشافعي [2] الإمام العلّامة. كان شيخ الخانقاة السميساطية جوار جامع بني أمية بدمشق، وولي نظر العذراوية، وكان له سكون وله شرح على «البردة» . توفي يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 46- 47) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .

وفيها شمس الدّين محمد البانقوسي [1] الحلبي، عرف بابن طاش بصتي [2] . تفقه على ابن فخر النساء، ودرّس بالأتابكية البرانية بحلب، وكان صالحا، مباركا، قليل الكلام، حسن الخط، كبير السنّ، كثير التهجد، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 324- 325) و «الكواكب السائرة» (2/ 69) . [2] في «آ» و «ط» : «طاش بفطي» وفي «الكواكب السائرة» : «طاش بنطي» وما أثبته من «در الحبب» .

سنة سبع وثلاثين وتسعمائة

سنة سبع وثلاثين وتسعمائة وفيها توفي المولى سليمان الرّومي [1] أحد مواليهم. ترقّى في التدريس حتّى درّس بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ومات وهو مدرّسّ بها، وكانت وفاته في مجلس غاصّ بالعلماء في وليمة الختان لأولاد السلطان سليمان، سقط مغشيا عليه فحمل إلى خيمته فمات بها. وكان فاضلا، مشتغلا بنفسه. وفيها عبد الله المجذوب المصري [2] . كان يصحن الحشيش في خرائب الأزبكية بالقاهرة، وكان من كرامته أن من أخذ من حشيشه وأكل منه يتوب لوقته ولا يعود إليها أبدا. قال الشعراوي: وكان من الراسخين. قال: وكان كثير الكشف، سمعته مرة يقول: وعزّة ربّي ما أخذها أحد من هذه اليد وعاد إليها- يعني الحشيشة-. مات في هذه السنة ودفن في خرائب الأزبكية مع الغرباء. وفيها- تقريبا- فخر الدّين عثمان السّنباطي الشافعي [3] الإمام العلّامة. أخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، وصحب محمد الشنّاوي. وكان من العلماء العاملين، قليل الكلام، حسن السّمت، ولما ضرب

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (286) و «الكواكب السائرة» (2/ 148) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 154) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 190- 191) .

القانون على القضاة عزل نفسه، وكان يقضي في بلده احتسابا، رحمه الله تعالى. وفيها- ظنا- عزّ الدّين المازندراني العجمي [1] . جاور بمكة، ثم قدم حلب سنة إحدى وثلاثين، وظهر له فضل في علوم شتى، لا سيما القراآت، فإنه كان فيها أمّة، وألّف فيها كتابا في وقف حمزة وهشام، وله شرح على «الجرومية» أجاد فيها وأتى بعبارات محكمة لكنها مغلقة على المبتدئ، ثم رحل إلى بلاده فمات بها. وفيها- أو ما يقرب منها- علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد الكنجي [2] الشافعي الدمشقي الإمام العلّامة. ولد بالقدس الشريف سنة تسعين وثمانمائة. وكان فاضلا، صالحا، مباركا، بارعا في علوم كثيرة، خيّرا كأبيه، رحمهما الله تعالى. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن موسى بن محمد الديري ثم الجوبري الدمشقي [3] الشافعي الأديب. ولد بقرية الشوبك ببلاد نابلس في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وكان مؤذّنا بالجامع الأموي، متسببا بباب البريد، فاضلا، بارعا، شاعرا له ديوان شعر ولم يشتهر. ومن شعره تخميس أبيات ابن حجر [4] : أمر يطول ومدّة متقاصرة ... وبصائر عميت وعين باصره فإلى متى يا نفس ويحك صابره ... قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة فاجعل إلهي خير عمري آخره

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 895- 897) و «الكواكب السائرة» (2/ 191) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 200) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (61/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 200- 201) . [4] تقدمت أبيات في معناها للإمام شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان البغدادي في المجلد التاسع ص (103- 104) فلتراجع.

فالعيش في الدّنيا كلّذة حالم ... وسواك يا مولاي ليس بدائم وإليك مرجعنا بأمر جازم ... فلئن رحمت فأنت أكرم راحم وبحار جودك يا إلهي زاخره ... يا ربّ إن الدّهر أبلى جدّتي وعصيت في جهل الشّباب وجدّتي [1] ... فإذا تصرّم ما بقي من مدّتي آنس مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره إن كنت ترحم من مضت أعوامه ... في لهوه حتّى نمت آثامه والعفو منك رجاؤه ومرامه ... فأنا المسكين الذي أيّامه ولّت بأوزار غدت متواترة ... فبوجهك الباقي وعزّ جلاله ومحمّد سرّ الوجود وآله [2] ... رفقا بمن أنت العليم بحاله وتولّه باللطف عند مآله ... يا مالك الدّنيا وربّ الآخره توفي يوم الأربعاء سابع عشر صفر. وفيها أقضى القضاة علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد بن عزّ الدّين الصغير بن عزّ الدّين بن محمد الكبير بن خليل الحاضري الأصل الحنفي [3] . أخذ عن الشمس الدلجي وغيره، وجلس بمكتب العدول على باب جامع حلب الشرقي، وناب بمحكمة الجمالي يوسف بن إسكندر الحنفي، وكتب بخطه كثيرا من الكتب العلمية، ووعظ بجامع حلب.

_ [1] في «آ» : «وحدتي» بالحاء المهملة. [2] أقول: هذا توسل بجاه النبي صلّى الله عليه وسلم، وينبغي أن يتوسل بأسماء الله تعالى وصفاته قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها 7: 180 [الأعراف: 180] كما فعل ذلك سلفنا الصّالح رحمهم الله تعالى (ع) . [3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 915- 916) و «الكواكب السائرة» (2/ 201) .

وكان صالحا عفيفا، سليم الصدر. وتوفي في شوال. وفيها- تقريبا- قاضي القضاة فضيل بن مفتي المملكة الرّومية علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد الأقصرائي الحنفي [1] . كان ينسب إلى الشيخ جمال الدّين محمد الأقصرائي صاحب «موجز الطب» و «الإيضاح البياني» وغيرهما. وكان الشيخ جمال الدّين هذا ينسب إلى الفخر الرازي الذي هو من ذرّيّة أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، كذا قال ابن الحنبلي. وذكر أنه قدم حلب في ذي القعدة سنة ستين متوليا قضاء بغداد، فاجتمع به، واستجازه، ثم ولي قضاء حلب، ثم في سنة إحدى وستين دخلها متوليا ووهبه رسالة له سمّاها «إعانة الفارض في تصحيح واقعات الفرائض» ولم يؤرّخ وفاته. وفيها قصير الحنفي [2] مفتي بخارى. قال ابن طولون: دخل دمشق في أثناء جمادى الأولى سنة سبع [3] وثلاثين وتسعمائة ومعه جماعة، وزار بيت المقدس، ثم عاد إلى دمشق، وحجّ منها. وكان عالما بالعربية، نزل بالشامية البرانية، وتردّد إليه الشيخ عبد الصّمد الحنفي، والشيخ تقي الدّين القاري، وقرأ عليه الثاني في «المصابيح» . انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن مقبل البلبيسي ثم المقدسي ثم الدمشقي الوفائي الشافعي [4] الإمام العلّامة، واعظ دمشق. أخذ عن الشيخ أبي الفتح المزّي، وغيره.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 17- 19) و «الكواكب السائرة» (2/ 239) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 244) . [3] في «الكواكب السائرة» : «سنة تسع» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) و «الأعلام» (5/ 302) .

وكان أسنّ من البدر الغزّي، ومع ذلك أخذ عنه قال في «فهرست تلاميذه» : أجزته ببعض مؤلفاتي وأشعاري، وحضر دروسا من دروسي. انتهى. وكان مجاورا في خلوة بالسميساطية، وانقطع بها خمس سنوات، وقد تعطّل شقّه الأيسر. وفي يوم السبت عاشر رجب سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، دخل عليه اثنان من المناحيس وهو على هذه الحال، فأخذا منه منديل النفقة بما فيه وعدة من كتب وذهبا كان عنده، وكان ذلك قبل صلاة الصبح، فأقام الصوت عليهما فلم يدركا، وكان ذلك سببا في زيادة ابتلائه. وكان من عباد الله الصالحين. وتوفي في رجب هذه السنة. وفيها تقريبا شمس الدّين محمد بن إبراهيم الشنائي [1] المالكي [2] العلّامة قاضي القضاة بالديار المصرية. كان ممن جمع بين العلم والعمل، صواما، قواما، له شرح عظم على «الرسالة» وعدة تصانيف مشهورة، وأجمع الناس على جلالته وتحريره لنقول مذهبه، وممن أخذ عنه السيد عبد الرحيم العبّاسي، رحمه الله تعالى. وفيها- ظنا- شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي، المعروف بجدّه [3] الشيخ الصالح. ولد تاسع عشر المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وأخذ «ورد ابن داود» عن الشيخ عبد القادر بن أبي الحسن البعلي الحنبلي بحقّ روايته عن ولد المصنّف سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، عن أبيه. وفيها قاضي القضاة ولي الدّين محمد بن قاضي القضاة شهاب الدّين

_ [1] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «الشنائي» وفي «ط» : «الثنائي» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20- 21) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 21) .

أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود بن الفرفور الدمشقي الشافعي [1] . قال في «الكواكب» : ولد في ثامن عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين- بتقديم التاء- وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، و «المنهج» في الفقه لشيخه شيخ الإسلام القاضي زكريا، و «جمع الجوامع» لابن السّبكي، و «ألفية ابن مالك» . وأخذ الفقه بدمشق عن شيخ الإسلام تقيّ الدّين بن قاضي عجلون، وبالقاهرة عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، وأخذ الحديث بدمشق عن الحافظ برهان الدّين النّاجي، والشيخ أبي الفتح المزّي، والشيخ أبي الفضل بن الإمام، والجمال بن عبد الهادي [2] وبمصر عن المحدّث التّقي الأوجاقي وغيره. وأجاز له جماعات في استدعاءات. وولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق بعد وفاة أبيه، وعزل عنه، وأعيد إليه مرارا، آخرها سنة ثلاثين وتسعمائة. وولي قضاء حلب سنة ست وعشرين، وكان آخر قاض تولى حلب من أولاد العرب، ومع توليته بدمشق وحلب في الدولة العثمانية لم ينتقل عن مذهبه، وصار لنائب دمشق عيسى باشا عليه حقد آخرا، فسافر من دمشق في رمضان سنة ست وثلاثين، ودخل حلب وعيّد بها، وفي ثالث شوال حضر أولاقان [3] من جهة عيسى باشا نائب الشام ومعهما مكاتبات يخبر فيها بحضور مرسوم سلطاني بعود القاضي ابن الفرفور محتفظا للتفتيش عليه وتحرير ما نسب إليه من المظالم، وأن المتولي لذلك عيسى باشا، وقاضي الشام ابن إسرافيل المتولي مكانه، فرجع ابن الفرفور إلى دمشق فوصلها تاسع عشر شوال، ووضع في [4] قلعتها، ونودي من الغد بالتفتيش عليه [واستمر التفتيش عليه] [5] أياما في نحو خمسة عشر مجلسا، وخرج

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (77/ آ) و «در الحبب» (2/ 1/ 135- 138) و «الكواكب السائرة» (2/ 22- 24) و «إعلام النبلاء» (5/ 450- 451) . [2] وهو المعروف ب «ابن المبرد» . [3] جاء في حاشية «الكواكب السائرة» ما نصه: «أولاقان: كلمة تركية بمعنى رسول» . [4] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «فيه» . [5] ما بين الرقمين سقط من «ط» .

عليه من كان داخلا فيه وراكنا إليه، وشدّد عليه في الحساب من كان يعده من الأحباب، فأتاه الخوف من جانب الأمن [1] ، ومن حيث أمل الربح جاءه الغبن، وبقي مسجونا بالقلعة إلى أن توفي بها يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة، ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح الشيخ أرسلان، ورثاه جماعة. انتهى ملخصا. وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن خليل بن الحاج علي بن أحمد بن ناصر الدّين محمد بن قنبر العجمي- وبه اشتهر- الحلبي [2] الإمام العالم، العلّامة العامل، الأوحد البارع الكامل. ولد سنة إحدى وتسعمائة. قال في «الكواكب» : قال شيخ الإسلام الوالد: حضر بعض مجالسي في قراءة «الحاوي» و «مغني اللبيب» في سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بدمشق، ثم رحل إلى بلده حلب. قلت: ثم اجتمع به في حلب في رحلته إلى الرّوم سنة ست وثلاثين. انتهى. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن المنيّر البعلي [3] الشافعي الإمام العالم الفاضل [4] الزاهد ولي الله تعالى. كان رفيقا وصاحبا لشيخ الإسلام بهاء الدّين الفصّي. وكان يحضر درسه كثيرا. وكان يحترف بعمل الإسفيداج والسيرقون والزنجار، ويبيع ذلك وسائر أنواع العطر في حانوت ببعلبك، وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس في أوراق ملفوفة، وإذا وقف عليه فقير أعطاه من تلك الأوراق ما يخرج في يده لا ينظر في الورقة المدفوعة ولا في الفقير المدفوع إليه. وكان كثير الصدقة، معاونا على البرّ والتقوى، يعمر المساجد الخراب

_ [1] تحرفت الجملة في «ط» إلى التالي: «من جانب لا، ومن حيث» . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 133- 134) و «الكواكب السائرة» (2/ 32) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 42) . [4] لفظة «الفاضل» لم ترد في «آ» وجاء مكانها في «الكواكب السائرة» : «العامل» .

ويكفّن الفقراء، وكان له مهابة عند الحكّام، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ناصحا للطلبة في الإفادة. له أوراد ومجاهدات وكرامات. توفي يوم الأحد ثاني صفر ودفن ببعلبك. وفيها جلال الدّين محمد بن قاسم المالكي [1] شيخ الإسلام. قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله تعالى، وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى، شرح «المختصر» و «الرسالة» وانتفع به خلائق لا يحصون، وولاه السلطان الغوري القضاء مكرها. وكان أكثر أيامه صائما، وكان حافظا للسانه في حقّ أقرانه، لا يسمع أحدا يذكرهم إلا ويبجّلهم. وكان حسن الاعتقاد في الصوفية، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها- تقريبا- محيي الدّين محمد مفتي كرمان الشافعي [2] الإمام العلّامة. حجّ سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وقدم مع الحاج الشامي إلى دمشق حادي عشر صفر سنة ست وثلاثين، وزار الشيخ محيي الدّين بن عربي، وصحب بها الشيخ تقي الدّين [3] القاري، وأكرمه قاضي دمشق وجماعة من أهلها وأحسنوا إليه، وأخبر عن نفسه أن له «تفسيرا» على القرآن العظيم، و «حاشية» على كتاب «الأنوار» للأردبيلي، وغير ذلك. وكان صحب ذلك معه فخاف عليه من العرب فردّه إلى بلاده كرمان. وفيها المولى بدر الدّين محمود بن عبيد الله [4] أحد موالي الرّوم. كان من عتقاء الوزير علي باشا، وقرأ على جماعة، منهم ابن المؤيد، ودرّس بعدة مدارس ثم صار قاضيا بأدرنة، ومات وهو قاضيها في هذه السنة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 57) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) . [3] لفظة «الدّين» لم ترد في «ط» . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281) و «الكواكب السائرة» (2/ 248) .

وفيها- تقريبا- بدر الدّين محمود بن الشيخ جلال الدّين الرّومي [1] الحنفي، أحد الموالي الرّومية. قرأ، وحصّل، ودرّس، وترقّى في التدريس، حتى درّس بإحدى الثمانية، ومات مدرّسا بها. قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذا كرم ومروءة، اختلت عيناه في آخر عمره. انتهى. وفيها أبو زكريا يحيى بن علي وقيل ابن حسين، المعروف بابن الخازندار الحنفي الحلبي [2] العالم العامل، إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب. ذكره البدر الغزّي في «المطالع البدرية» وأحسن الثناء عليه. وقال ابن الحنبلي: كان ديّنا، خيّرا، قليل الكلام، كثير السكينة، أخذ الحديث رواية عن الزّين بن الشمّاع، والتّقي أبي بكر الحبيشي. قال: وكان جدّه قجا فيما سمعت من مسلمي التتار الأحرار الذين لم يمسهم الرّقّ. وتوفي في هذه السنة. انتهى وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن محمد بن علي بن طولون الزرعي الدمشقي الحنفي [3] . ترجمه ابن أخيه الشيخ شمس الدّين بالفضل والعلم، وذكر عن مفتي الروم عبد الكريم أنه لم ير في هذه المملكة أمثل منه في مذهب الإمام أبي حنيفة. وتوفي ليلة الأحد رابع المحرم بعلّة الإسهال ودفن بتربته بالصالحية.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281) و «الكواكب السائرة» (2/ 248) . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 543) و «الكواكب السائرة» (2/ 258- 259) . [3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (108/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 261) .

سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة

سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن بدر بن إبراهيم الطّيبي الشافعي [1] المقرئ والد الإمام بالجامع الأموي وواعظه شيخ الإسلام الطّيبي المشهور. تلا بالسبع على العلّامة إبراهيم بن محمود القدسي كاتب المصاحف، وعلى غرس الدّين خليل، وانتهى إليه علم التجويد في زمانه، وكان [2] يتسبب بحانوت بباب البريد ويقرئ الناس. وتوفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى ودفن بباب الفراديس. وفيها شهاب الدّين أحمد البخاري المكّي [3] ، السيد الشريف الإمام العلّامة إمام الحنفية بالمسجد الحرام. توفي ببندر جدة وهو قاض بها عن مستنيبه، فحمل إلى مكة على أعناق الرجال، فوصلها حادي عشر ربيع الثاني ودفن على أبيه بالمعلاة [4] . وفيها شهاب الدّين أحمد النّشيلي المصري [5] الشافعي الإمام العالم العلّامة. توفي بمكّة في هذه السنة.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (4/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 103) . [2] لفظة «وكان» سقطت من «آ» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) . [4] في «آ» و «ط» : «بالمعلى» وهو خطأ، وما أثبته هو الصواب، فالمعلاة هي مقبرة مكة الشهيرة. [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) .

وفيها شهاب الدّين أحمد الزّبيدي المكّي [1] . قال ابن طولون: كان مترجما بالعلم، ودخل دمشق متوجها إلى الروم فمات بحلب، أي في هذه السنة. وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن عبد القادر العنّابي الدمشقي [2] القاضي الأسلمي أبوه. كان ديوانيا بقلعة دمشق هو ووالده من قبله، ثم تولى عدة وظائف، منها إمرة التركمان، واستمر على ذلك في الدولة الجركسية، ثم أخذه السلطان سليم إلى إسلامبول، ثم أطلقه، فحجّ، وجاور، ثم عاد إلى دمشق، وبقي بها إلى الممات. قال ابن طولون: وسمع في صغره على جماعة عدة أجزاء، ولذلك استجزته لجماعة، ومدحه الشعراء الأفاضل، منهم شيخنا علاء الدّين بن مليك، وأكثر منه الشيخ شهاب الدّين الباعوني. وتوفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول ودفن بتربتهم لصيق الصابونية من جهة القبلة ولم يحتفل الناس بجنازته. انتهى وفيها علاء الدّين على القدسي الشافعي [3] نزيل دمشق العالم الورع. قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رفيقنا على الشيخ أبي الفضل بن أبي اللطف، ثم من بعده رافقنا على الإمام تقي الدّين البلاطنسي إلى أن مات. قال: وكان يتعاطى البيع والشراء برأس مال يسير بورك له فيه، مع التعفّف عن الوظائف على طريقة السّلف. وتوفي نهار الخميس ثاني [ذي] القعدة ودفن بباب الصغير.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) . [2] ترجمته في «ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر» الورقة (38/ ب- 39/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 186- 187) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 215) .

وفيها زين الدّين عمر بن أحمد بن أبي بكر المرعشي [1] العالم. كان في أول أمره يتكسب بالشهادة بحلب على فقر كان له وقناعة، ثم انقادت إليه الدنيا فرأس، وصار عينا من أعيان حلب ولم تستهجن رئاسته لأنه كان حفيدا للشيخ الإمام العلّامة المفنّن شهاب المرعشي المتوفى سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وكان الشيخ زين الدّين يتجمّل بمصاحبة شيخ الإسلام البدر بن السيّوفي، وأحبّه قاضي قضاة حلب زين العابدين بن الفناري، وكان يكتب على الفتاوى، وامتحن في واقعة قراقاضي، وسيق فيمن سيق هو وأولاده إلى رودس، ثم أعيد إلى حلب باقيا على رئاسته وشهامته ومناصبه إلى أن مات في هذه السنة وهو يحث من حضره على الذكر وتلاوة القرآن. وفيها زين الدّين عمر الصّعيدي [2] الحنفي [3] الإمام العلّامة، إمام الصخرة المعظّمة بالقدس الشريف. قال ابن طولون: كان من أهل العلم والعمل، وقرأ بمصر على جماعة، منهم البرهان الطرابلسي. وتوفي في جمادى الأولى. وفيها المولى شاه قاسم بن الشيخ شهاب الدّين أحمد الحنفي، الشهير بمنلازاده [4] . أصله من هراة، وكان هو وأبوه واعظين، وتوطّن المترجم تبريز، ولما دخلها السلطان سليم أخذه معه إلى بلاد الرّوم وعيّن له كل يوم خمسين درهما. وكان عالما، فاضلا، أديبا، بليغا، له حظّ من علم التصوف، وخطّ حسن ومهارة في الإنشاء. أنشأ «تواريخ آل عثمان» فمات قبل إكمالها في هذه السنة أو في التي بعدها.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 1029- 1030) و «الكواكب السائرة» (2/ 223- 224) . [2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصعتري» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 228) . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271) و «الكواكب السائرة» (2/ 239) .

وفيها شمس الدّين محمد بن زين الدّين بركات بن الكيّال [1] الشيخ الواعظ [2] ابن الواعظ [2] الشافعي. أسمعه والده على جماعة، منهم البرهان النّاجي، وزوّجه ابنته، واشتغل، ووعظ بالجامع الأموي وغيره، وكان خطيب الصابونية، وكان عنده تودّد للناس. وتوفي يوم السبت عشري شوال. وفيها محمد بن سحلول- بلامين- الحديثي [3] البقاعي الشافعي [4] . قال ابن طولون: كان صالحا يحفظ القرآن العظيم [5] حفظا جيدا ويقرؤه في كل ثلاثة أيام. قال: وكان أفادني عن بعض المصريين الصلحاء في دفع الفواق [6] أن يقبض الإنسان بإبهاميه على ظهر أصلي بنصريه بقوة. توفي فجأة يوم الأحد ثاني عشر جمادي الأولى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد، الشهير بابن العجيمي المقدسي [7] الشافعي الصّوفي العلّامة المحدّث الواعظ. أخذ عن مشايخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف، والجلال السيوطي، والقاضي زكريا، والشمس السخاوي، وناصر الدّين بن زريق. وتوجه إلى الرّوم، وحصل له به الإقبال، وعاد وتردّد إلى دمشق مرارا، ووعظ بالجامع الأموي، ودرّس ب «الفصوص» [8] فيه أيضا. وكان يعتم بعمامة سوداء.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 29) . [2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» . [3] تصحفت في «ط» إلى «الجديثي» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) . [5] لفظة «العظيم» سقطت من «ط» . [6] الفواق: تقلص فجائي للحجاب الحاجز الذي يفصل بين الصدر والبطن، يحدث شهقة قصيرة يقطعها تقلص المزمار. انظر «المعجم الوسيط» (1/ 163) و (2/ 732) . [7] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 208- 210) و «الكواكب السائرة» (2/ 11- 12) . [8] أي ب «فصوص الحكم» لابن عربي. انظر «كشف الظنون» (2/ 1261- 1262) .

قال ابن الحنبلي: دخل إلى حلب مرتين ووعظ بها، واجتمع في سنة تسع وعشرين بمحدّثها الشيخ زين الدّين بن الشّماع، وقرأت [1] عليهما «ثلاثيات البخاري» ، ثم أجاز كل منهما للآخر. وقال فيه ابن الشّماع: هو خادم التفسير والسّنن، المنتصب لنصح المسلمين والمرغّب لأهدى سنن، بل هو العلم الفرد الذي رفع خبر الأولياء والعلماء، ونصب حالهم، ليقتدى بهم، وخفض شأن أهل البطالة من الصّوفية الجهلة، وحذّر من بدعهم واتباع طريقهم. انتهى. وتوفي ببيت المقدس في رمضان. وفيها أبو زكريا يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدّين الرّحبي الأصل المكّي المالكي، ويعرف كأبيه بالمغربي [2] . ولد ليلة الأربعاء رابع عشري ربيع الأول سنة خمس وستين بمكة، ونشأ بها، وحفظ القرآن و «الأربعين النووية» و «الشاطبية» و «الرسالة» و «ألفية النحو» وعرض في سنة تسع وسبعين على قضاة مكّة الأربعة، وعمر بن فهد، وحضر عند الفخر بن ظهيرة وأخيه البرهان، مع ذكاء وفهم، ثم تعانى التجارة بعد أن أثبت البرهان رشده، وسلّمه ماله، وسافر في التجارة لدمشق، وتلّقن في القاهرة الذكر من ابن عبد الرحيم الأبناسي. قال السخاوي: وله تردّد إليّ وسماع عليّ، ولي إليه زائد الميل، ونعم هو تواضعا، وأدبا، وفهما، وذكاء، وحسن عشرة، بحيث صار بيته بمكّة وغيرها مألفا لأحبابه، مع عدم اتساع دائرته. وقال ابن فهد: طال مرضه حتى توفي بمكة ليلة السبت سادس عشري شوال، ودفن بالمعلاة، ولم يخلّف غير بنت واحدة ملّكها جميع مخلّفه، وأثبت ذلك في حياته.

_ [1] في «آ» و «ط» : «وقرئت» والتصحيح من «در الحبب» مصدر المؤلف، والقائل ابن الحنبلي. [2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 235- 236) وفيه «المغيربي» .

سنة تسع وثلاثين وتسعمائة

سنة تسع وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم الصّفوري [1] الإمام العالم. توفي بصفّوريا في هذه السنة. وفيها أبو الهدى بن محمود النّقشواني الحنفي [2] المنلا العالم المتبحّر. أخذ عن جماعة، منهم منلا طالشي الدريعي، ومنلا مزيد القرماني، وابن الشاعر، وكان يميّزه على شيخيه الأولين. قال ابن الحنبلي: دخل حلب وسكن فيها بالكلتاوية [3] وبها صحبته، ثم بالأتابكية البرانية. وكان عالما، عاملا، محقّقا، مدقّقا، منقطعا عن الناس، قليل الأكل، خاشعا، إذا توجه إلى الصلاة لم يلتفت يمينا ولا شمالا، ينظم الشعر بالعربية والفارسية. وتوفي بعين تاب [4] في هذه السنة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 82) . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 539- 540) و «الكواكب السائرة» (2/ 96) . [3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بالكناوية» والتصحيح «در الحبب» و «الكواكب السائرة» . والكلتاوية: مدرسة في حلب تقع في محلة الجبلية قرب باب القناة على نشز من الأرض عن يسرة الداخل إلى المدينة، بناها الأمير طقتمر الكلتاوي المتوفى سنة (787 هـ) ، وهي من المدارس الدراسة. عن حاشية «در الحبب» (2/ 1/ 731) . وانظر «نهر الذهب» (2/ 310- 312) و «موسوعة حلب المقارنة» (6/ 389) . [4] هكذا رسما المؤلف «عين تاب» مفصولة ورسمت كذلك مفصولة في «معجم البلدان» (4/ 176) ، وتلفظ الآن موصولة فيقال: «عينتاب» .

وفيها شهاب الدّين أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الشّويكي النابلسي ثم الدمشقي الصّالحي الحنبلي [1] مفتي الحنابلة بدمشق، العلّامة الزاهد. ولد سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة بقرية الشويكة من بلاد نابلس، ثم قدم دمشق، وسكن صالحيتها، وحفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، و «الخرقي» و «الملحة» وغير ذلك. ثم سمع الحديث على ناصر الدّين بن زريق، وحجّ، وجاور بمكة سنتين، وصنّف في مجاورته كتاب «التوضيح» جمع فيه بين «المقنع» و «التنقيح» وزاد عليهما أشياء مهمة. قال ابن طولون: وسبقه إلى ذلك شيخه الشهاب العسكري لكنه مات قبل إتمامه، فإنه وصل فيه إلى الوصايا، وعصريّه أبو الفضل بن النّجار، ولكنه عقّد عبارته. انتهى وتوفي بالمدينة المنورة في ثامن عشري صفر، ودفن بالبقيع، وروي في المنام يقول: أكتبوا على قبري هذه الآية وَمن يَخْرُجْ من بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله 4: 100 [النساء: 100] . وفيها- تقريبا- المولى بير أحمد [2] أحد الموالي الرّومية الحنفي. خدم المولى أحمد باشا المفتي بن المولى خضر بك، وترقّى في التداريس إلى مدرسة مراد خان ببروسا، ثم أعطي قضاء حلب، ثم عزل وأعطي تقاعدا بثمانين عثمانيا، وكان له مشاركة في العلوم، وعلّق تعليقات على بعض المباحث. وفيها باشا جلبي البكالي [3] الحنفي الفاضل أحد موالي الرّوم.

_ [1] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (24/ ب- 25/ آ) و «متعة الأذهان» الورقة (15/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 99) و «النعت الأكمل» ص (105- 106) و «السحب الوابلة» ص (92- 93) و «الأعلام» (1/ 233) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (287) و «الكواكب السائرة» (2/ 118) وفيه: «مات في عشر الخمسين وتسعمائة» . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (243) و «الكواكب السائرة» (2/ 126) .

خدم المولى مؤيد زاده، وترقّى في التداريس إلى دار الحديث بالمدينة المنورة، وكان حليما، كريما، ينظم الأشعار التركية، لكن كان في مزاجه اختلال. وتوفي بالمدينة المنورة. وفيها المولى الشهير بأمير حسن [1] أحد موالي الرّوم الحنفي. برع وفضل ودرّس وترقّى في التداريس، حتى أعطي دار الحديث بأدرنة، ومات عنها، وكان مشتغلا بالعلم، وله «حواش» على «شرح الرسالة» في آداب البحث [2] لمسعود الرّومي، و «حواش» على «شرح الفرائض» للسيد، وغير ذلك. وفيها زين العابدين بن العجمي الرّومي الشافعي [3] نزيل دمشق. قال ابن طولون: أصله من بغداد، واشتغل، بتبريز، وولي تدريسا بمدينة طوقات [ورتّب له أربعون عثمانيا، ثم تركه وتصوف على طريقة النقشبندية، ثم ورد دمشق] [4] وأقرأ فيها الأفاضل، ومات شهيدا بالطّاعون يوم الخميس خامس عشر شوال. وفيها تقريبا محي الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي [5] الصوفي القادري، الإمام العارف بالله تعالى. أخذ عنه العلّامة نجم الدّين الغيطي حين ورد عليهم القاهرة سنة ثلاثين، أخذ عنه علم الكلام، وتلقّن منه الذكر. قاله في «الكواكب» . وفيها- تقريبا- كريم الدّين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري [6] المقرئ الإمام العلّامة، صاحب «الشرح على الشاطبية» والمصنّفات المشهورة.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (285) . [2] في «آ» : «في آداب الحديث» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 146) . [4] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 176) . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) .

قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين، وأخذ عنه الشيخ شهاب الدّين الطّيبي الحديث، ومصنّفات ابن الجزري رحمه الله تعالى. قاله في «الكواكب» أيضا. وأقول: الجعبري المشهور «شارح الشاطبية» هو برهان الدّين. توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة [1] ، وتقدمت ترجمته هناك. وفيها المولى عبد اللطيف الرّومي الفاضل [2] أحد موالي الرومي. اشتغل بالعلم، ووصل لخدمة المولى مصلح الدّين البارحصاري [3] ، وترقّى حتى صار مدرّسا بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم صار قاضيا بها، ثم ترك القضاء وعيّن له كل يوم ثمانون درهما. وكان عالما، عاملا، عابدا، زاهدا، صالحا، تقيا، نقيا، مقبلا على المطالعة والأوراد والأذكار، ملازما للمساجد في الصلوات الخمس، معتكفا في أكثر أوقاته، مجاب الدعوة، صحيح العقيدة، لا يذكر أحدا إلا بخير، أكثر [4] اهتمامه بالآخرة، رحمه الله تعالى. وفيها سيدي على الخوّاص البرلسلي [5] أحد العارفين بالله تعالى، وأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراوي الذي أكثر اعتماده في مؤلفاته على كلامه وطريقه. قال المناوي في «طبقاته» : الأمّي المشهور بين الخواص بالخوّاص. كان من أكابر أهل الاختصاص، ومن ذوي الكشف الذي لا يخطئ والاطلاع على الخواطر على البديهة فلا يبطئ، وكان عليه للولاية أمارة وعلامة، متبحرا في الحقائق، أشبه البحر اطلاعه والدر كلامه، وكان في ابتداء أمره يبيع الجميّز عند الشيخ إبراهيم المتبولي بالبركة، ثم أذن له أن يفتح دكان زيّات،

_ [1] في «آ» : «وسبعمائة» وهو خطأ وقد وهم المؤلّف رحمه الله في كلامه إذا قال: «هو برهان الدّين» فقد أحال على ترجمة المترجم نفسه، وقد تقدمت ترجمته في ص (270) من هذا المجلد. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (274) و «الكواكب السائرة» (2/ 183) . [3] كذا في «ط» و «الكواكب» : «البارحصاري» وفي «الشقائق» : «اليارحصاري» . [4] لفظة «أكثر» سقطت من «ط» . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 220- 221) .

فمكث أربعين سنة، ثم ترك وصار يضفر الخوص، حتّى مات، وكان يسمّى بين الأولياء النسّابة لكونه أمّيّا، ويعرف نسب بني آدم وجميع الحيوان، وكان معه تصرّف ثلاثة أرباع مصر والربع مع محيسن المجذوب، وكان إذا شاوره أحد لسفر يقول: قل بقلبك عند الخروج من السور أو العمران دستور يا أصحاب النوبة اجعلوني تحت نظركم حتى أرجع، فإنهم يحبون الأدب معهم ولهم اطلاع على من يمرّ في دركهم. وكان إذا نزل بالناس بلاء لا يتكلم، ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينام حتى ينكشف، وله كلام في الطريق كالبحر الزاخر. ومن كلامه الكمّل لا تصريف لهم بحال بخلاف أرباب الأحوال. وقال: كل فقير لا يدرك سعادة البقاع وشقاوتها فهو والبهائم سواء. وقال: إيّاك أن تصغي لقول منكر على أحد من [1] الفقراء فتسقط من عين رعاية الله وتستوجب المقت. توفي في جمادى الآخرة، ودفن بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح من القاهرة. انتهى ملخصا وفيها أبو الحسن محمد بن العارف بالله تعالى أبي العبّاس أحمد الغمري المصري [2] الشافعي الصوفي الصالح الورع. قال الشعراوي: جاورت عنده ثلاثين سنة، ما رأيت أحدا من أهل العصر على طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح. وكان يقول: إذا سمعت أحدا يعدّ ذهبا يضيق صدري. وكان لا يبيت وعنده دينار ولا درهم، ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه. وكان يخدم في بيته ما دام فيه ويساعد الخدّام بقطع العجين وغسل الأواني، ويقد تحت القدر، ويغرف للفقراء بنفسه.

_ [1] لفظة «من» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 24) .

وكان شديد الحياء، لا ينام بحضرة أحد أبدا. وكان جميل المعاشرة خصوصا في السفر، لا يتخصص بشيء عن الفقراء. وكان كثير التحمل للبلاء لا يشكو من شيء أصلا. وكان حلسا من أحلاس بيته [1] لا يخرج منه إلّا للصّلاة أو حاجة ضرورية، وإذا خرج إلى موضع ترك الأكل والشرب لئلا يحتاج إلى قضاء الحاجة في غير منزله. توفي في هذه السنة ودفن عند والده في المقصورة عند أخريات الجامع إنشاء أبيه. انتهى ملخصا وفيها المولى محمد شاه ابن المولى الحاج حسن الرّومي الحنفي [2] الفاضل. قال في «الكواكب» : قرأ على والده وغيره، ثم درّس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، وله شرح على «القدوري» وشرح على «ثلاثيات البخاري» . وكان مكبّا على الاشتغال بالعلم في كل أوقاته، وله مهارة في النظم والنثر. انتهى. وفيها القاضي عزّ الدّين محمد بن حمدان الصّالحي ثم الدمشقي الحنفي [3] أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي. ناب في الحكم لعدة من القضاة، منهم ابن يونس، وكان ناظرا على كهف جبريل بقاسيون، وله حشمة وتأدّب مع الناس. توفي في أوائل ربيع الأول ودفن بتربة باب الفراديس.

_ [1] جاء في «لسان العرب» (حلس) ما نصه: يقال: فلان حلس من أحلاس البيت، للذي لا يبرح البيت، قال: وهو عندهم ذمّ، أي أنه لا يصلح إلا للزوم البيت. وانظر تتمة كلامه فهو مفيد. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (253) و «الكواكب السائرة» (2/ 30) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 31) .

وفيها سعد الدّين محمد بن علي [1] الذهبي [2] المصري [3] الشافعي الإمام العلّامة. ولد سنة خمسين وثمانمائة، وكان من العلماء المشهورين بدمشق، أخذ عنه جماعة منهم الفلوجيان. قال الشعراوي: كان ورده كل يوم ختما صيفا وشتاء، وكان خلقه واسعا، إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل بتلاوة القرآن حتى ينقضي جدالهم، وكان يحمل حوائجه بنفسه ويتلو القرآن في ذهابه وإيابه، كثير الصدقة، حتى أوصى بمال كثير للفقراء والمساكين، لا يقبل من أحد صدقة. انتهى ملخصا وفيها شمس الدّين محمد الدّواخلي- نسبة إلى الدّواخل قرية من المحلّة الكبرى- المصري [4] الشافعي الإمام العلّامة المحقّق المحدّث. كان مخصوصا بالفصاحة في قراءة الحديث وكتب الرقائق والسير، كريم النّفس، حلو اللّسان، كثير العبادة، يقوم الليل ويحيي ليالي رمضان كلها، مؤثرا للخمول، وهو مع ذلك من خزائن العلم. أخذ عن البرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، والشمس بن قاسم، والشمس الجوجري، والشمس بن المؤيد، والفخر القسي، والزين الأبناسي، وغيرهم. ودرّس بجامع الغمري وغيره، وانتفع به خلائق. توفي بالقاهرة ودفن بتربة دجاجة خارج باب النصر. وفيها المولى محمود بن عثمان بن علي المشهور باللامعي الحنفي [5] أحد موالي الروم.

_ [1] في «ط» : «محمد بن محمد بن علي» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 44- 45) . [3] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «المصري» وفي «ط» : «المعرّي» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69) . [5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (262- 263) و «الكواكب السائرة» (2/ 247- 248) .

كان جدّه من بروسا، ولما دخلها تيمورلنك أخذه معه وهو صغير إلى ما وراء النهر، وتعلّم صنعة النقش، وهو أول من أحدث السروج المنقوشة في بلاد الرّوم، وابنه عثمان كان سالكا مسلك الأمراء، وصار حافظا للدفتر السلطاني بالديوان العالي، وأما ولده صاحب الترجمة فقرأ العلم على جماعة منهم المولى أخوين، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم تصوف وخدم السيد أحمد البخاري ونال عنده المعارف والأحوال، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا، وسكن بروسا، واشتغل بالعلم والعبادة، ونظم بالتركية أشياء كثيرة مقبولة مشهورة، وتوفي ببروسا. وفيها المنلا مسعود بن عبد الله العجمي الشّيرازي [1] الواعظ نزيل حلب. كان له مطالعات في الحديث والتفسير، وكان يتكلم فيهما باللّسان العربي، لكن انتقد عليه ابن الحنبلي أنه كان يلحن فيه، ووعظ بجامع حلب الكبير، فنال من الناس قبولا، وصارت له فيه يوم الجمعة المجالس الحافلة. توفي مطعونا في هذه السنة. وفيها موسى بن الحسين الملقّب بعوض بن مسافر بن الحسن بن محمود الكردي [2]- طائفة اللالائي ناحية السرسوي [3] قرية الشافعي، نزيل حلب. أخذ العلم عن جماعة، منهم منلا محمد المعروف ببرقلعي، وعمرت في زمانه مدرسة بالعمادية [4] فجعل مدرّسها ثم تركها وأقبل على التصوف، فرحل إلى حماة، وأخذ عن الشيخ علوان، مع الانتفاع بغيره، ثم قدم حلب لمداواة مرض عرض له، ونزل بالمدرسة الشّرفية، فقرأ عليه غير واحد.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 483- 485) و «الكواكب السائرة» (2/ 251) و «إعلام النبلاء» (5/ 456- 457) . [2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 504- 505) و «الكواكب السائرة» (2/ 253) و «إعلام النبلاء» (5/ 440- 441) . [3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «السرسوي» وفي «در الحبب» و «إعلام النبلاء» : «السرسولي» وفي «الكواكب السائرة» : «السرمسوي» . [4] تحرفت في «ط» إلى «بالعمارية» بالراء

قال ابن الحنبلي: وكنت ممن فاز بالقراءة عليه بها في علم البلاغة، ثم ذهب إلى حماة. فلما، توفي الشيخ علوان عاد إلى حلب واستقرّ في مشيخة الزينبية، وأخذ يربّي فيها المريدين، ويتكلم فيها على الخواطر، مع طيب الكلام وإطعام الطعام، وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام، وحسن السّمت، ولين الكلمة، وفصاحة العبارة، والتكلم في التفسير والحديث، وكلام الصوفية. وتوفي بها مطعونا ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه.

سنة أربعين وتسعمائة

سنة أربعين وتسعمائة فيها توفي إبراهيم العجمي الصّوفي [1] المسلّك العالم، نزيل مصر. كان رفيقا للشيخ دمرداش، والشيخ شاهين في الطريق على سيدي عمر روشني بتبريز العجم، ثم دخل مصر في دولة ابن عثمان، وأقام بمدرسة بباب زويلة، فحصل له القبول التام، وأخذ عنه خلق كثير من الأعجام والأروام. وكان يفسّر القرآن العظيم ويقرئ في رسائل القوم مدة طويلة، حتى وشي به إلى السلطان لكثرة مريديه وأتباعه، وقيل له: نخشى أن يملك مصر، فطلبه السلطان إلى الروم بسبب ذلك، ثم رجع إلى مصر، وطرد من كان عنده من المريدين والأتباع امتثالا لأمر السلطان، ثم بنى له تكيّة مقابل المؤيدية وجعل له فيها مدفنا، وبني حوله خلاوي للفقراء، وكان له يد طولي في المعقولات وعلم الكلام، ونظم تائية جمع فيها معالم الطريق، وكان ينهى جماعته أن يحجّ الواحد منهم حتّى يعرف الله المعرفة الخاصة عند القوم، وتوفي بمصر. وفيها إبراهيم المجذوب المصري، الشهير بأبي لحاف [2] . قال في «الكواكب» : كان في أول جذبه مقيما في البرج الأحمر من قلعة الجبل نحو عشرين سنة، فلما قرب زوال دولة الجراكسة أرسل إلى الغوري يقول له: تحوّل من القلعة واعط المفاتيح لأصحابها، فلم يلق الغوري إلى كلامه بالا، وقال: هذا مجذوب، فنزل الشيخ إبراهيم إلى مصر، فزالت دولة الجراكسة بعد

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 84) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 85) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 149) .

سنة، وكان حافيا مكشوف الرأس وأكثر إقامته في بيوت الأكابر، وكان يكشف له عما ينزل بالإنسان من البلاء في المستقبل فيأتي إليه فيخبره أنه نازل به في وقت كذا وكذا ويطلب منه مالا، فإذا دفعه إليه تحول البلاء عنه وإلا وقع كما أخبر. وكان يمكث الشهر وأكثر لا ينام بل يجلس يهمهم بالذكر إلى الفجر صيفا وشتاء. توفي في هذه السنة ودفن بقنطرة السد في طريق مصر العتيقة. انتهى وفيها تقي الدّين أبو بكر الشريطي [1] الصّالحي الشيخ الصّالح، تلميذ الشيخ أبي الفتح المزّي. أخذ عنه، ولبس منه الخرقة. وتوفي بغتة يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون. وفيها- تقريبا- أبو الفتح الخطيب ابن القاضي ناصر الدّين [2] خطيب الحرم بها. دخل دمشق قاصدا بلاد الرّوم، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة سلخ صفر من هذه السنة. قاله في «الكواكب» . وفيها شهاب الدّين أحمد بن أحمد الباجي- بالموحدة- الأنطاكي الحلبي، المشهور بابن كلف [3] ، العلّامة. ولي قضاء العسكر بماردين في زمن السلطان قاسم بك، ثم ترك ذلك وعاد إلى نشر العلم بأنطاكية، ثم درّس بحلب، ثم ارتحل إلى بيت المقدس، فأعطي تدريس الفنارية، وكان عالما، عاملا [4] مفنّنا، طارحا للتكلّف، يلبس الصوف، ويلفّ على رأسه المئزر.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 91) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94) . [3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 120- 122) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) . [4] لفظة «عاملا» سقطت من «آ» .

توفي في هذه السنة ببيت المقدس. وفيها شمس الدّين أحمد بن سليمان الحنفي، الشهير بابن كمال باشا [1] العالم العلّامة الأوحد المحقّق الفّهامة، صاحب التفسير، أحد الموالي الرّومية. كان جدّه من أمراء الدولة العثمانية، واشتغل هو بالعلم وهو شاب، ثم ألحقوه بالعسكر، فحكى هو عن نفسه أنه كان مع السلطان بايزيد خان في سفر، وكان وزيره حينئذ إبراهيم باشا بن خليل باشا، وكان في ذلك الزمان أمير ليس في الأمراء أعظم منه، يقال له أحمد بك بن أورنوس، قال: فكنت واقفا على قدمي قدّام الوزير وعنده هذا الأمير المذكور جالسا، إذ جاء رجل من العلماء، رثّ الهيئة، دنيء اللباس، فجلس فوق الأمير المذكور، ولم يمنعه أحد من ذلك، فتحيّرت في هذا الأمر، وقلت لبعض رفقائي: من هذا الذي تصدر على مثل هذا الأمير، قال: هو عالم مدرّس يقال له المولى لطفي. قلت: كم وظيفته؟ قال: ثلاثون درهما. قلت: وكيف يتصدّر على هذا الأمير ووظيفته هذا المقدار، فقال: رفيقي العلماء معظمون لعلمهم فإنه لو تأخر لم يرض بذلك الأمير ولا الوزير. قال: فتفكرت في نفسي فوجدت أني لا أبلغ رتبة الأمير المذكور في الإمارة وأني لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ رتبة ذلك العالم، فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف، فلما رجعنا من السفر وصلت إلى خدمة المولى المذكور وقد أعطي عند ذلك مدرسة دار الحديث بأدرنة، وعيّن له كل يوم أربعون درهما، فقرأت عليه «حواشي شرح المطالع» وكان قد اشتغل في أول شبابه في مبادئ العلوم كما سبق، ثم قرأ على المولى القسطلاني، والمولى خطيب زاده، والمولى معرّف زاده، ثم صار مدرّسا بمدرسة علي بك بمدينة أدرنة، ثم بمدرسة أسكوب، ثم ترقّى حتّى درّس بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة السلطان با يزيد بأدرنة، ثم صار قاضيا بها، ثم أعطي قضاء العسكر الأناضولي، ثم عزل وأعطي دار الحديث بأدرنة، وأعطي تقاعدا كل

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (226- 228) و «الطبقات السنية» (1/ 355- 357) و «الكواكب السائرة» (2/ 107- 108) و «الفوائد البهية» ص (21- 22) و «الأعلام» (1/ 133) .

يوم مائة عثماني ثم صار مفتيا بالقسطنطينية بعد وفاة المولى على الجمالي، وبقي على منصب الإفتاء إلى وفاته. قال في «الشقائق» : كان من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم، وكان يشتغل ليلا ونهارا ويكتب جميع ما سنح بباله، وقد فتر الليل والنهار ولم يفتر قلمه، وصنّف رسائل كثيرة في المباحث المهمة الغامضة، وعدد رسائله قريب من مائة رسالة، وله من التصانيف «تفسير» لطيف حسن قريب من التمام اخترمته المنيّة ولم يكمله، وله «حواش على الكشاف» وشرح بعض «الهداية» وله «متن» في الفقه وشرحه، [1] وكتاب في علم الكلام سمّاه «تجريد التجريد» وشرحه [1] وكتاب في المعاني والبيان كذلك، وكتاب في الفرائض كذلك، و «حواش على شرح المفتاح» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» و «حواش على التهافت» للمولى خواجه زاده. وتوفي في هذه السنة. وفيها المولى محيي الدّين أحمد بن المولى علاء الدّين علي الفناري الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية الإمام العلّامة. قرأ على علماء عصره، ثم رحل إلى العجم، وقرأ على علماء سمرقند وبخارى، ثم عاد إلى الرّوم فأعطاه السلطان سليم مدرسة الوزير قاسم باشا، وكان محبّا للصوفية سيما الوفائية مكبّا على العلم، اطلع على كتب [3] كثيرة، وحفظ أكثر لطائفها ونوادرها، وكان يحفظ التواريخ وحكايات الصالحين. وصنّف «تهذيب الكافية» في النحو وشرحه، و «حاشية على شرح هداية الحكمة» لمولانا زادة، و «حواش على شرح التجريد» للسيد، وتفسيرا لسورة الضحى سمّاه «تنوير الضحى» وغير ذلك من الرسائل والتعليقات. وتوفي في هذه السنة.

_ [1] ما بين الرقمين سقط من (آ) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 113) . [3] لفظة «كتب» لم ترد في «ط» .

وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد المرداوي ثم الصالحي الحنبلي [1] المعروف بابن الديوان الإمام العالم، إمام جامع المظفّري بسفح قاسيون. قال ابن طولون: كان مولده بمردا، ونشأ هناك إلى أن عمل ديوانها، ثم قدم دمشق، فقرأ القرآن بها على الشيخ شهاب الدّين الذويب الحنبلي لبعض السبعة، وأخذ الحديث عن الجمال بن المبرد وغيره، وتفقه عليه، وعلى الشّهاب العسكري، وولي إمامة جامع الحنابلة بالسفح نيفا وثلاثين سنة. وتوفي ليلة الجمعة سابع عشر المحرم فجأة بعد أن صلى المغرب بجامع الحنابلة، ودفن بصفة الدعاء، وولي الإمامة بعده بالجامع المذكور الشيخ موسى الحجاوي. وفيها عزّ الدّين أحمد بن محمد بن عبد القادر، المعروف بابن قاضي نابلس الجعفري الحنبلي [2] أحد العدول بدمشق. ولد سنة أربع وستين وثمانمائة. قال في «الكواكب» : وأخذ عن جماعة، منهم شيخ الإسلام الوالد، سمع منه كثيرا، ونقل ابن طولون عنه أن من أشياخه الكمال بن أبي شريف، والبرهان البابي، والشيخ علي البغدادي، وأجاز له الشيخ البارزي، وكان ممن انفرد بدمشق في جودة الكتابة وإتقان صنعة الشهادة. وتوفي ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر ودفن بالروضة. وفيها شهاب الدّين أحمد البقاعي [3] الشافعي [4] الضرير، نزيل دمشق.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 97) و «النعت الأكمل» ص (106) و «السحب الوابلة» ص (105) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 101) و «متعة الأذهان» الورقة (13/ ب) و «النعت الأكمل» ص (107) و «السحب الوابلة» ص (97) . [3] لفظة «البقاعي» سقطت من «آ» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) .

حفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، وحفظ الشاطبية، وتلا ببعضها على الشيخ علي القيمري، وحلّ «البصروية» وغيرها في النحو على ابن طولون، وبرع، وفضل، وحجّ، وصار يقرئ الأطفال بمكتب الحاجبية بصالحية دمشق. وتوفي بغتة يوم الجمعة تاسع عشري رجب. وفيها السيد شرف الدّين الشريف الشافعي [1] العلّامة المدرّس بزاوية الحطّاب بمصر. كان صامتا، معتزلا عن الناس، وقته معمورا بالعلم والعبادة وتلاوة القرآن، ورده كل ليلة قبل النوم ربع القرآن ما تركه صيفا ولا شتاء، وكان على مجلسه الهيبة والوقار، وله صحة اعتقاد في الصوفية، يتواجد عند سماع كلامهم. ذكره الشعراوي. وفيها الأمير زين الدّين عبد القادر بن الأمير أبي بكر بن إبراهيم بن منجك اليوسفي الحنفي [2] أحد أصلاء دمشق وأمرائها. حفظ القرآن العظيم، وتفقه على الشيخ برهان الدّين بن عوف الحنفي وغيره، وحصّل كتبا نفيسة. قال ابن طولون: ترددت إليه كثيرا، وولي النظر على أوقافهم، وحصّل دنيا، وكان سمحا، تمرّض وطالت علته إلى أن توفي يوم الأربعاء خامس ذي الحجّة، ودفن بتربتهم بجامع ميدان الحصا. وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن عبد اللطيف بن علي بن أبي اللطف المياهي الشافعي القادري [3] الصوفي الصّالح. قال في «الكواكب» : كان من أعيان جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 151) . [2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ آ) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 178) و «متعة الأذهان» الورقة (55/ ب) .

ومعتقديه، وسمع الحديث على الشيخ سراج الدّين الصيرفي، وكان يتسبب هو ووالده ببيع المياه المستخرجة، وإليه ينسبان. عمّر صاحب الترجمة زاوية بحذاء الجسر الأبيض، وكانت قديما مسجدا، ثم أخذ يقيم الأوقات فيها سنين، وكان يكثر من شهود الجنائز ومجالس الفقراء، ويزور الصلحاء والضعفاء. وله شعر منه: ولقد شكوتك بالضّمير إلى الهوى ... ودعوت من حنقي عليك فأمّنا منّيت نفسي من وصالك قبلة ... ولقد يضرّ المرء بارقة المنى توفي ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر، ودفن تحت كهف جبريل تجاه تربة السّبكيين. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي [1] نزيل دمشق الإمام العلّامة الشهير بابن أبي سعيد. قيل: إنه نسب إلى المتولي من أصحاب الشافعي. ولد سنة ست وستين وثمانمائة، وقرأ على جماعة من العلماء، ولزم البدر الغزّي، وقرأ عليه شرحه على «المنهاج» قراءة بحث وتحقيق وإتقان، وقرأ عليه كتبا كثيرة في علوم متعددة. وكان بارعا، ذا يد في الأصول والفقه، ومشاركة جيدة في البيان، والنحو، والمنطق، وغير ذلك، مع اطراح زائد. وتوفي بدمشق في هذه السنة. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الدّيري الأصل الحلبي [2] الشافعي الإمام العلّامة الحجّة الفهّامة المعروف بابن الخناجري ووالده بابن عجل.

_ [1] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (43/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 199- 200) . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 251- 255) و «الكواكب السائرة» (2/ 14) .

كان له يد طولى في الفقه، والفرائض، والحساب، مع المشاركة في فنون أخر [1] . قرأ في الحساب على الجمال بن النّجار المقدسي الشافعي صاحب «بغية الرائض في علم الفرائض» . وكان لطيف المحاضرة، حسن المعاشرة، كثير المفاكهة والممازحة، معتقدا في الصوفية. قال تلميذه ابن الحنبلي: كان يسمع الآلات، ويقول أنا ظاهري أعمل بقول ابن حزم الظّاهري. وقال في «الكواكب» : وذكره شيخ الإسلام الوالد في «رحلته» فقال: الشيخ الإمام، والحبر الهمام، شيخ المسلمين أبو عبد الله محمد شمس الدّين الخناجري الشافعي، شيخ الفواضل والفضائل، وإمام الأكابر والأفاضل، وبدر الإنارة، المشرق لسري القوافل، وشمس الحقائق التي مع ظهورها النجوم أوافل، له المناقب الثواقب، والفوائد الفرائد، والمنهاج المباهج، وله بالعلم عناية تكشف العماية، ونباهة تكسب النزاهة، ودراية تقصد الرواية، ومباحثه تشوق ومناقشة تروق، مع طلاقة وجه، وتمام بشر، وكمال خلق، وحسن سمت، وخير هدى، وأعظم وقار، وكثرة صمت. ثم أنشد: ملح كالرياض غازلت الشم ... س رباها وافترّ عنها الربيع فهو للعين منظر مونق الحس ... ن وللّنفس سؤدد مجموع ومن لطائف القاضي جابر متغزلا موريا باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي شيخي حلب: سللن سيوفا من جفون لقتلتي ... وأردفنها من هدبها بالخناجر فقلت أيفتي في دمي قلن لي أجل ... أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجري

_ [1] في «ط» : «أخرى» .

وتوفي في يوم عرفة بعد وفاة الشيخ شهاب الدّين الهندي بأشهر، فقال ابن الحنبلي يرثيهما: ثوى [1] شيخنا الهنديّ في رحب رمسه ... ففاضت دموعي من نواحي محاجري [2] ومن بعده مات الإمام الخناجري ... وبان فكم من غصّة في الحناجر وفيها المولى محيي الدّين محمد بن قاسم الرّومي الحنفي [3] الإمام العلّامة، أحد موالي الرّوم. ولد بأماسية وترقّى في التداريس، حتّى درّس بإحدى الثمان، ثم أعطي مدرسة السلطان بايزيد بأماسية، ثم السليمانية بجوار أيا صوفيا، وهو أول مدرّس بها، ثم أعيد إلى إحدى الثمان، ومات وهو مدرّس بها [4] بثمانين عثمانيا. وكان عالما، صالحا، محبا للصوفية، مشتغلا بنفسه، قانعا، مقبلا على العلم والعبادة، وله مهارة في القراآت والتفسير، واطلاع على العلوم الغريبة كالأوفاق، والجفر، والموسيقا، مع المشاركة في كثير من العلوم. وكان له يد في الوعظ والتذكير، وصنّف كتاب «روضة الأخيار» [5] في علوم المحاضرات، و «حواشي على شرح الفرائض» للسيد، و «حواشي على أوائل شرح الوقاية» لصدر الشريعة. وتوفي في هذه السنة وصلّي عليه وعلى ابن كمال باشا بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني [ذي] القعدة. وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الغنيّ الزّحلي [6] الشافعي الفاضل، أحد مباشري الجامع الأموي.

_ [1] في «الكواكب السائرة» : «توفي» . [2] تحرفت في «الكواكب السائرة» إلى «خناجري» فلتصحح. [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (237- 238) و «الكواكب السائرة» (2/ 57- 58) . [4] لفظة «بها» سقطت من «ط» . [5] في «ط» : «الأخبار» . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 60) .

قال في «الكواكب» : حضر دروس شيخ الإسلام الوالد، وسمع عليه رسالة القشيري. قال ابن طولون: وكان لا بأس به، وكان قد باع عقاره وخرج إلى الحجّ عازما على المجاورة فمات في طريق الحجاز في الذهاب في [أرض] الأقيرع، المعروفة بمفارش الرز. وفيها شمس الدّين محمد بن يونس [بن يوسف] [1] بن المنقار، الأمير المولوي الحلبي الأصل [2] . ولي نيابة صفد، وقطن [3] دمشق. قال ابن طولون: كان عنده حشمة. وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول ودفن بالخوارزمية تحت كهف جبريل بوصية منه. وفيها المنلا شمس الدّين محمد الأنطاكي [4] الإمام العلّامة. توفي بالقدس الشريف في هذه السنة. وفيها شمس الدّين محمد بن الطلحة الشافعي العجلوني [5] الصّالح العابد المحدّث البسّامي- نسبة إلى أحد أجداده بسام-. دخل دمشق، وأمّ بالجامع نيابة، وكان له سند بالمصافحة والمشابكة وإرسال العذبة. أخذ عنه ابن طولون وغيره، ثم عاد إلى عجلون ومات بها في أحد [6] الجمادين.

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 67) . [3] في «ط» : «ووطن» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69- 70) . [6] في «ط» : «إحدى» .

وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين محمد بن ظهيرة الشافعي [1] الإمام العالم العلّامة قاضي مكة. توفي بها في ذي القعدة. وفيها مخلص الشيخ الصالح [2] العابد محيي السّنّة في بلاد الغربية من بلاد مصر بعد موت شيخه أبي الخير بن نصر بمحلّة منوف. كان مقيما بأبشية الملق [3] ، وكان سيدي محمد الشناوي يكرمه ويجلّه. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: صحبته نحو ثلاث سنين بعد موت شيخي الشيخ محمد الشناوي. قال: وحصل لي منه دعوات صالحة وجدت بركتها وأوصاني بإيثار الخمول على الظهور، وبعدم التعرّف بأركان الدولة. قال: ولم يزل على المجاهدة والتقشف على طريقة الفقراء إلى أن توفي ودفن بأبشية الملق وقبره بها ظاهر يزار. وفيها نور الدّين بن عين الملك الصالحي الشيخ الصّالح [4] . كان محبا لطلبة العلم، ملازما لعمل الوقت بزاوية جدّه عين الملك بسفح قاسيون. توفي يوم الجمعة سادس شعبان.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 250) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 147) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 255) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 255) .

سنة إحدى وأربعين وتسعمائة

سنة إحدى وأربعين وتسعمائة وفيها توفي القاضي تقي الدّين أبو بكر بن شهلا الأسمر الشافعي الدمشقي [1] المتصوف. تولى نيابة القضاء مرارا، وصار له صيت عند قضاة الأروام خصوصا ابن إسرافيل، ثم انحرف عليه وعزله، واستمرّ معزولا إلى أن توفي يوم الخميس ثاني صفر ودفن بتربة الشيخ أرسلان وخلّف دنيا كثيرة، قيل: إنها سبعة عشر ألف دينار. وفيها المولى أحمد، وقيل: عبد الأحد بن عبد الله، وقيل: ابن عبد الأحد الحنفي، الشهير بقراأوغلي [2] الفاضل أحد الموالي الرّومية. قال صاحب «الشقائق» : كان من عتقاء السيد إبراهيم الأماسي أحد الموالي، فقرأ على مولاه المذكور، ثم درّس ببعض نواحي أماسية، ثم بمدرسة أماسية، ثم بأبي أيوب الأنصاري، ثم بإحدى الثمانية، ثم أعطي قضاء دمشق، ودخلها في أحد [3] الجمادين سنة أربعين وهو شيخ كبير، وكان الغالب عليه محبّة الصوفية والفقراء، ونادى بدمشق أن لا تخرج امرأة طفلة إلى الأسواق. قال: وكان محبّا للعلماء وقورا، صاحب شيبة حسنة، صحيح العقيدة، محمود الطريقة، أديبا لبيبا.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 91) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (284) و «الكواكب السائرة» (2/ 109- 110) . [3] في «ط» : «في إحدى» .

وقال ابن طولون: بعد أن وصفه بالعلّامة وسمّاه أحمد بن عبد الأحد: وكان منوّر الشّيبة، محبا للصالحين، غير أن فوق يده أيديا، فكان ذلك يمنعه من سماع كلمته ونفوذ أمره. وتوفي وهو قاض بدمشق يوم الثلاثاء حادي عشري ذي الحجّة، ودفن بباب الصغير عند سيدي بلال. وفيها السيد تاج الدّين عبد الوهاب الصّواف الدمشقي الشافعي [1] الشريف المقرئ. قال ابن طولون: سمع معي بمكّة على محدّثها الشيخ عزّ الدّين بن فهد وغيره، وبدمشق على مؤرّخها القاضي محيي الدّين النّعيمي وغيره، وكان يقرأ للأموات خصوصا بتربة باب الصغير، وكان يدعو في المحافل أدعية لطيفة. وكان صالحا، فقيرا. توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير. وفيها نور الدّين علي البحيري الشافعي [2] أحد علماء القاهرة. قال في «الكواكب» : بلغني أن المولى ابن كمال باشا لما كان بمصر كان يباحثه ويشهد له بالفضل التام، ويقول: لا تقولوا البحيري فتصغّروه [3] ولكنه البحري، يشير إلى تبحره في العلم. توفي بمصر في شعبان، وترجمه ابن طولون بأنه آخر شيوخ المصريين. وفيها المنلا عماد بن محمود الطّارمي [4] . قال في «النور» : مولده بطارم [5] قرية من خراسان، ونشأ بها، واشتغل

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 188) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216) . [3] لفظة «فتصغروه» سقطت من «ط» . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (204- 205) . [5] استوفى الكلام عليها صاحب «بلدان الخلافة الشرقية» ص (260) .

بتحصيل فنون العلوم، حتى برع، ثم جاء إلى كجرات، وأقام بها إلى أن مات. وكان بارعا في كثير من العلوم، سيما العقليات، وكانت له يد طولى في علم السيمياء، ويحكى عنه فيها حكايات مشهورة. وممن أخذ عنه من الأعلام مولانا وجيه الدّين، ومولانا العلّامة القاضي عيسى. انتهى وفيها بهاء الدّين محمد بن محمد بن علي الفصي البعلي الشافعي [1] مفتي بعلبك، الإمام العلّامة المدقّق الفهّامة. ولد ببعلبك سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وعرض «المنهاج» على البدر بن قاضي شهبة، ثم جدّ في الاشتغال في سنة إحدى وسبعين على جماعة، منهم الزين خطاب، ونجم الدّين، وتقي الدّين ابنا قاضي عجلون، وأذن له الشيخ تقي الدّين بالإفتاء والتدريس، وقرأ على القاضي زكريا الأنصاري، وأذن له أيضا بالإفتاء والتدريس في سنة خمس وثمانين، وكان عنده ذكاء، وشاب سريعا، وكان ألثغ. قاله النّعيمي. وقال في «الكواكب» : كان من إخوان شيخ الإسلام الجدّ: وشيخ الإسلام الوالد، ومشاركيهما في الشيوخ، وإن كان الشيخ الوالد دونه في السنّ. وتوفي ببعلبك يوم الأربعاء رابع عشري [2] المحرم. قال ابن طولون: ولم يخلّف بعده مثله، ولا في دمشق في فقه الشافعية. وفيها محيي الدّين محمد بن بير محمد باشا الحنفي [3] أحد موالي الرّوم، الإمام العلّامة. قرأ على والده، ثم خدم المولى ابن كمال باشا، ثم المولى علاء الدّين

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (93/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 11) . [2] في «آ» : «رابع عشر» . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (273- 274) و «الكواكب السائرة» (2/ 15) .

الجمالي، وصار معيدا لدرسه [1] ، ثم درّس بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، ثم صار قاضي أدرنة، ومات قاضيا بها. وكان عالي الهمّة، رفيع القدر، ذا أدب ووقار وحظ وافر من العلوم المتداولة.

_ [1] في «ط» : «لدروسه» .

سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة

سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة فيها توفي إبراهيم المصري المجذوب الصّالح، المعروف بعصيفير [1] . قال في «الكواكب» : كان من أهل الكشف الكامل، وأصله من نواحي الصعيد، وكان ينام مع الذئاب في القفار ويمشي على الماء جهارا. قال الشعراوي: وأخبرني بحريق يقع في مكان فوقع فيه تلك الليلة، ومرّ عليه شخص بإناء فيه لبن فرماه منه فانكسر فإذا فيه حيّة ميتة، وأحواله عجيبة. توفي بمصر ودفن تجاه زاوية أبي الحمائل. وفيها أبو الفضل الأحمدي [2] ، صاحب الكشوفات الرّبانية والمواهب الصمدانية. أخذ الطريق عن سيدي علي الخوّاص، والشيخ بركات الخوّاص، وغيرهما. قال في «الكواكب» : وكان من أهل المجاهدات، وقيام الليل، والتخشن في المأكل والملبس، وكان يخدم إخوانه ويقدّم لهم نعالهم، ويهيئ الماء لطهارتهم. وكان له كشف عجيب بحيث يرى بواطن الخلق وما فيها كما يرى ما في داخل البلور.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 85) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 140) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94- 96) وما بين الحاصرتين في النص مستدرك منه، و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 173- 180) .

وقال: سألت الله تعالى أن يحجب ذلك عني فأبى عليّ. وكان يقول: أعطاني الله تعالى أن لا يقع بصري على حبّ فيسوّس، وجرّب ذلك فيه. وقال الشعراوي: وقع بيني وبينه اتحاد عظيم لم يقع لي قطّ مع أحد من الأشياخ، وكنت إذا جالسته وسرى ذهني إلى مكان أو كلام يقول: ارجع بقلبك من الشيء الفلاني، فيعرف ما سرح قلبي إليه. وكنت إذا ورد عليّ شيء من الحقائق وأردت [أن] أقوله له يقول لي: قف لا تخبرني حتى أسمعك ما ورد عليك فيقوله حرفا بحرف. وقال في «الطبقات الكبرى» : حجّ مرات على التجريد، فلما كان آخر حجّة كان ضعيفا، فقلت له: في هذه الحال تسافر؟ فقال: لترابي فإن طينتي [1] مرّغوها في تربة الشهداء ببدر، فكان كما قال، وتوفي ببدر. وفيها إسماعيل الشّرواني الحنفي [2] الإمام العلّامة المحقّق المدقّق الصّالح الزّاهد، العارف بالله تعالى. قرأ على علماء عصره، منهم الجلال الدواني، ثم خدم العارف بالله خواجه عبيد الله السّمرقندي، وصار من كملّ أصحابه، ولما مات خواجه عبيد الله ارتحل المترجم إلى مكّة المشرّفة وتوطنها، ودخل الرّوم في ولاية السلطان أبي يزيد، ثم عاد إلى مكّة وأقام بها إلى أن مات. قال في «الشقائق» : كان رجلا، معمّرا، وقورا، مهيبا، منقطعا عن الناس، مشتغلا بنفسه، طارحا للتكلّف، حسن المعاشرة، له فضل عظيم في العلوم الظاهرة. وألّف «حاشية على تفسير البيضاوي» وكان يدرّس بمكّة فيه وفي «البخاري» .

_ [1] في «الكواكب السائرة» : «فإن نطفتي» . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (214) و «الكواكب السائرة» (2/ 123) .

وتوفي بها في عشر ذي الحجّة عن نحو أربع وثمانين سنة. وفيها بديع بن الضّياء [1] قاضي مكّة المشرّفة، وشيخ الحرم بها. قال ابن طولون: كان من أهل الفضل والرئاسة. قدم دمشق ثم سافر إلى مصر، فبلغه تولية قضاء مكّة للشيخ زين الدّين عبد اللطيف بن أبي كثير، فرجع إلى دمشق، وأقام بها مدة، ثم سافر إلى الرّوم سنة إحدى وأربعين بعد أن حضر عند الشيخ على الكيزواني تجاه مسجد العفيف بالصالحية، وسمع المولد وشرب هو والشيخ علي وجماعته القهوة المتخذة من البن، ولا أعلم أنها شربت في بلدنا هذه- يعني دمشق- قبل ذلك، فلما وصل القاضي بديع إلى الرّوم أعيد إليه قضاء جدّة، ثم رجع فتوفي بمدينة [2] بدليس [3] من أطراف ديار بكر. انتهى ملخصا. وفيها جابر بن إبراهيم بن علي التّنوخي القضاعي الشافعي [4] القاطن بجبل الأعلى من معاملة حلب. ولي نيابة القضاء به، وكان شاعرا، عارفا بالعروض والقوافي وطرفا من النحو، مستحضرا لكثير من اللغة ونوادر الشعراء، حافظا لكثير من «مقامات الحريري» . حضر دروس العلاء الموصلي بحلب وذاكره. ومن نظمه: طاب الزّمان وراقت الصّهباء ... وشدت على أوراقها الورقاء وهي طويلة. وتوفي في جمادى الآخرة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 126) . [2] لفظة «بمدينة» سقطت من «آ» . [3] قلت: وجاء في «معجم البلدان» (1/ 358) ما نصه: بدليس: بلدة من نواحي إرمينية قرب خلاط. [4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 417- 434) و «الكواكب السائرة» (2/ 130- 131) و «الأعلام» (2/ 103) .

وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد بأفضل العدني الشافعي [1] . قال في «النور» : تفقّه بوالده [2] ، وانتصب بعده للتدريس بعدن، وكان فقيها، محدّثا، فاضلا، حسن الأخلاق، شريف النّفس، مخالقا للناس، حسن السعي في حوائج المسلمين، محبّبّا إليهم، سليم الصّدر. عميّ في آخر عمره وتطبّب، فرد الله عليه بصره، ولم يزل على الحال المرضي إلى أن توفي ضحى يوم الخميس حادي عشر شعبان بعدن. وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن حسن، الشهير بابن القصّاب الكردي الحلبي الشافعي [3] الإمام العالم العامل الكامل، أحد المدرّسين بحلب. أخذ عن البدر بن السّيوفي وغيره، وتوفي بحلب. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن جلال الدّين محمد البصروي [4] الحنفي، الشافعي والده، وهو- أي المترجم- سبط العلّامة زين الدّين عبد الرحمن بن العيني الحنفي. قال ابن طولون: رأيته يدرّس في «المختار» . وتوفي بالحسا أحد منازل الحاج. وفيها زين الدّين عبد القادر بن اللحّام البيروتي الشافعي [5] العلّامة. توفي ببيروت. قاله في «الكواكب» . وفيها نور الدّين علي بن ياسين الطّرابلسي [6] الحنفي، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، شيخ الحنفية بمصر، وقاضي قضاتها.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (207- 208) . [2] ترجم الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 335- 336) لوالد المترجم (محمد بن أحمد بالفضل) ترجمة نافعة. [3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 748) و «الكواكب السائرة» (2/ 157- 158) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 171) . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 211- 214) .

اشتغل على الشمس الغزّي، والصّلاح الطرابلسي. وكان ديّنا، متقشفا، مفنّنا في العلوم، ولي قضاء القضاة في الدولة السليمانية إلى أن جاء قاض لمصر رومي من قبل السلطان سليمان، فاستمر معزولا يفتي ويدرّس إلى أن مات، وهو ملازم على النّسك والعبادة. قال الشعراوي: كان كثير الصّدقة سرّا وجهرا، وأنكر عليه قضاة الأروام بسبب إفتائه بمذهبه الراجح عنده، وكاتبوا فيه السلطان، وجرحوه بما هو بريء منه، فأرسل السلطان يأمر بنفيه أو قتله، فوصل المرسوم يوم موته بعد أن دفناه، وكانت هذه كرامة له. انتهى. وفيها قاسم بن زلزل بن أبي بكر القادري [1] أحد أرباب الأحوال المشهورين بحلب. قال ابن الحنبلي: كان في أول أمره ذا شجاعة حمي بها أهل محلته المشارفة بحلب من اللصوص، وكان يعارضهم ليلا في الطرفات ويقول لهم: ضعوا ما سرقتم وفوزوا بأنفسكم، أنا فلان، فلا يسعهم إلا وضعه، ثم صار مريدا للشيخ حسين بن أحمد الأطعاني، كما كان أبوه مريدا لأبيه، ثم صار مريدا لابن أرسلان الرّملي، وعلى يده حصلت له حال، وهو الذي حمله على سقاية الماء، فكان يسقي الماء في الطرقات وهو يذكر الله تعالى؟ وتحصل له الحال الصادقة فيرفع رجله ويبطش بها على الأرض، وذكر له كرامات كثيرة. قال: وتوفي في أواخر السنة. وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن يوسف [2] الدمشقي الحنفي [3] . ناب في القضاء عن قاضي القضاة ابن الشّحنة، وعن قاضي القضاة ابن يونس بدمشق، ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البقسماطي عند قاضي

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 29- 30) و «الكواكب السائرة» (2/ 240- 240) . [2] ويقال له «ابن سيف» أيضا كما في «الكواكب السائرة» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 35) .

دمشق أنهما رافضيان، فحرقا تحت قلعة دمشق بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد، وألقى عليهما القنب والبواري والحطب، ثم أطلقت النار عليهما حتى صارا رمادا، ثم ألقي رمادهما في بردى، وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب. قال ابن طولون: وسئل الشيخ قطب الدّين بن سلطان مفتي الحنفية عن قتلهما، فقال: لا يجوز في الشرع بل يستتابان. وفيها بدر الدّين محمد العلائي الحنفي المصري [1] العلّامة المسند المؤرّخ. قال في «الكواكب» : أخذ عن شيخ الإسلام الجدّ وغيره، وأثنى عليه العلّامة جار الله ابن فهد وغيره. انتهى. [2] وفيها الشيخ شمس الدّين محمد الشامي [3] . قال العلّامة الشعراني في «ذيله على طبقاته» ما نصه: ومنهم الأخ الصّالح العالم الزاهد، الشيخ شمس الدّين محمد الشّامي المتمسك بالسّنة المحمدية، نزيل التربة البرقوقية، وكان عالما، صالحا، مفنّنا في العلوم، وألّف «السيرة النبوية» [4] المشهورة التي جمعها من ألف كتاب، وأقبل الناس على كتابتها ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه أحد.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) . [2] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [3] ترجمته في «فهرس الفهارس» (2/ 1062- 1064) و «الأعلام» (7/ 155) و «معجم المؤلفين» (10/ 63) . [4] قال عنها الكتاني في «فهرس الفهارس» (2/ 1063) : «في نحو سبع مجلدات ضخمة، هي عندي، سمّاها «سبل الرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد» جمعها من ألف كتاب، وتحرى فيها الصواب، وختم كل باب بإيضاح ما أشكل فيه، وبعض ما اشتمل عليه من النفائس المستجدات، مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات، خرّج بعضها من مسودة المؤلف تلميذه العلّامة الشمس محمد بن محمد بن أحمد الفيشي المالكي من أثناء باب السرايا.

كان عزبا لم يتزوج قطّ، وإذا قدم عليه المضيف يعلّق القدر ويطبخ له. كان حلو المنطق، مهيب النظر، كثير الصيام والقيام، بت عنده الليالي فما كنت أراه ينام في الليل إلّا قليلا. كان إذا مات أحد من طلبة العلم وخلّف أولادا قاصرين وله وظائف يذهب إلى القاضي ويتقرر فيها ويباشرها ويعطي معلومها [1] للأيتام حتّى يصلحوا للمباشرة. كان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئا، ولا يأكل من طعامهم، وذكر لي شخص من الذين يحضرون قراءة سيرته في جامع الغمري أن أسأله في اختصار «السيرة» وترك ألفاظ غريبها، وأن يحكي السير على وجهها كما فعل ابن سيّد الناس، فرأيته بين القصرين وأخبرته الخبر، فقال: قد شرعت في اختصارها من مدة كذا، فرأيت ذلك هو الوقت الذي سألني فيه ذلك الرجل. وكانت عمامته نحو سبعة أذرع على عرقية، لم يزل غاضا طرفه سواء كان ماشيا أو جالسا، رحمه الله. وأخلاقه الحسنة كثيرة مشهورة بين أصحابه ورفقائه. انتهى كلام الشعراوي. وقال سيدي أحمد العجمي المتولي سنة ست وثمانين وألف: أنه توفي يوم الاثنين رابع عشر شعبان- أي من هذه السنة- وله من المؤلفات «عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان» [2] «الجامع الوجيز الخادم للغات القرآن العزيز» «مرشد السالك إلى ألفية ابن مالك» النّكت عليها اقتضبه من نكت شيخه السيوطي عليها،

_ قلت: وقد نشرت القسم المتعلق من هذا الكتاب العظيم دار ابن كثير بدمشق هذا العام بتحقيق الأستاذ محمد نظام الدّين الفتّيح، نزيل المدينة المنورة، وهي نشرة جيدة متقنة مفهرسة. [1] أي راتبها. [2] قال الكتاني في «فهرس الفهارس» : «وهو الذي لخصه ابن حجر الهيتمي في كتابه «الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان» عقد فيه بابا مهما لذكر المسانيد السبعة عشر المجموع فيها حديث أبي حنيفة رضي الله عنه، وجوّد سياق أسانيده إليها عن شيوخه ما بين سماع وقراءة وإجازة، مشافهة وكتابة، بأسانيدهم إلى مخرّجيها» .

وعلى «الشذور» و «الكافية والشافية» و «التحفة» وزاد عليه يسيرا، و «الآيات العظيمة الباهرة في معراج سيد أهل الدنيا والآخرة» ومختصره المسمى ب «الآيات البينات في معراج سيد أهل الأرض والسموات» ، «رفع القدر ومجمع الفتوة في شرح الصدر» و «خاتم النبوة» «كشف اللّبس في رد الشمس» «شرح الجرومية» ، «الفتح الرحماني شرح أبيات الجرجاني» الموضوعة في الكلام، «وجوب فتح أن وكسرها وجواز الأمرين» «إتحاف الراغب الواعي في ترجمة أبي عمرو الأوزاعي» «النّكت المهمات في الكلام على الأبناء والبنين والبنات» «تفصيل الاستفادة في بيان كلمتي الشهادة» «إتحاف الأريب بخلاصة الأعاريب» «الجواهر النفائس في تحبير كتاب العرائس» «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» «عين الإصابة في معرفة الصحابة» انتهى. وفيها المولى محيي الدّين محمد القرماني [1] الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية. قرأ على علماء العجم، ثم دخل الرّوم، فقرأ على المولى يعقوب بن سيدي على شارح «الشرعة» [3] ، وصار معيدا لدرسه، ثم درّس ببعض المدارس، ثم أعطي مدرسة أزنيق ومات عنها. وكان مشتغلا بالعلم ليلا ونهارا، علّامة في التفسير، والأصول، والعربية، له تعليقات على «الكشّاف» و «القاضي» و «التلويح» و «الهداية» و «شرح رسالة إثبات الواجب الوجود» للدواني، وله «حواش على شرح الوقاية» لصدر الشريعة وكتاب في المحاضرات سماه «جالب السرور» .

_ [1] كذا في «آ» و «ط» : «القرماني» وفي «الكواكب السائرة» : «القراماني» وفي «الشقائق النعمانية» : «القراباغي» . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (272) و «الكواكب السائرة» (2/ 70) . [3] في «ط» : «الشريعة» .

وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنصاري السّعدي العبادي الحلبي الحنفي [1] . كان فرضيا، حيسوبا، فقيها، ولي نيابة القضاء في الدولتين، ومات فقيرا بأنطاكية.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 585) و «الكواكب السائرة» (2/ 261) .

سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة

سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة في ثالث رمضانها قتل السلطان بهادر بن السلطان مظفّر [1] صاحب كجرات من بلاد الهند، قتل في بندر الديو، وجاء تاريخ قتله قتل سلطاننا بهادر. وفيها توفي شهاب الدّين أبو النّجيب أحمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي [2] . قال ابن الحنبلي: وبموته انقرض الذكور من بيت الحبيشي. وفيها السيد الحاضري المغربي المالكي [3] نزيل دمشق بالتربة الأشرفية شمالي الكلّاسة جوار الجامع الأموي. تزوج بابنة القاضي كمال الدّين الباقعي الشافعي، ثم سافر من دمشق إلى الروم، وحصل له إقبال زائد من السلطان، والوزير إياس باشا، وأعطي دنيا ووظائف، منها إمامة المالكية بالجامع، ثم عاد فمات بحلب. وفيها عفيف الدّين عبد الله بن أحمد سرومي الشّحري اليمني الفقيه الشافعي [4] . ولد بالشحر، ونشأ بها، وقرأ القرآن، ثم ارتحل إلى زبيد لطلب العلم، فأخذ عن إمامها الفقيه كمال الدّين موسى بن الزين، والعلّامة جمال الدّين

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (210) . [2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 234) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 150) . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (208- 209) .

القماط، وغيرهما، ثم رجع إلى بلده الشحر، فأخذ عن عالمها عفيف الدّين المعروف بالحاج ولازمه، ثم سعى له في وظيفة القضاء بها، فاستمر قاضيا بها إلى أن عزم على الحجّ. وكان- رحمه الله- يحب الطلبة ويؤهلهم، ويحب الإفادة والاستفادة، لطيفا، قريب الجناب، سليم الباطن، قوي الصبر على الطاعة والأوراد النبوية، كثير التعظيم للأكابر من العلماء والصالحين، واعتنى ب «حاشية على الروضة» لكن عدمت، وذلك أن أحد أولاده دخل بها الهند فعدمت هناك. وتوفي بمكة المشرّفة في ذي القعدة قبل أن يحجّ ودفن [1] بالمعلاة. وفيها عبد الغني العجلوني الأربدي الجمحي [2]- بضم الجيم، وإسكان الميم، وبالحاء المهملة، نسبة إلى قرية جمحى، كقربى من قرى إربد-. قال في «الكواكب» : كان من أولياء الله تعالى، حسن الطريقة، صحيح العقيدة، ضابطا للشريعة، كافّا للسانه، تردّد إلى دمشق مرارا، وكان سيدي محمد بن عراق يجلّه ويعظّمه. وكان قانعا زاهدا، متواضعا ملاحظا للإخلاص، ليس له دعوى، حافظا لجوارحه ولسانه، مقبلا على شأنه مات ببلده جمحى. انتهى ملخصا وفيها شمس الدّين محمد بن ولي الدّين الحنفي الحلبي [3] المقرئ المجود، الشهير بأبيه. كان من تلاميذ العلّامة شمس الدّين بن أمير حاج الحلبي الحنفي، ومن مريدي الشيخ عبد الكريم الحافي. وكان له خط حسن، وهيئة مقبولة، وسكينة وصلاح.

_ [1] لفظة «ودفن» لم ترد في «ط» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 171- 172) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 60) .

وكان يؤدّب الأطفال داخل باب قنسرين، وله في كل سنة وصيّة، وفي سنة موته أوصى مرتين. ومات مسموما، رحمه الله تعالى. وفيها صدر الدّين محمد بن الناسخ [1] الإمام العلّامة، شيخ مدينة طرابلس الشام. توفي بها، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد الأويسي البعلي الحنفي [2] خليفة الشيخ أويس، وكان أجلّ خلفائه، يعرف التصوف معرفة جيدة، وله مشاركة في غيره. توفي ببعلبك، رحمه الله. وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن يونس بن يوسف بن المنقار الحلبي الأصل الدمشقي الصالحي [3] . قطن بصالحية دمشق، وولي قضاء صفد، ثم خرت برت، ولم يذهب إليها، وولي نظر الماردانية والعزّية [4] بالشرف الأعلى، وأثبت أنه من ذريّة واقفيها، ثم لما توفي نازع ولديه في العزّية يحيى بن كريم الدّين، وأثبت أنه من ذريّة واقفيها، وقد ذكر الطّرسوسي في «أنفع الوسائل» أن ذريّة محمد الواقف قد انقرضت. وولي المذكور نظر البيمارستان القيمري وغيره، ثم أثبت أنه منسوب إلى الخلفاء العباسيين. قاله في «الكواكب»

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70- 71) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) . [4] في «ط» : «والمعزية» .

سنة أربع وأربعين وتسعمائة

سنة أربع وأربعين وتسعمائة فيها توفي المولى أبو اللّيث الرّومي الحنفي [1] أحد موالي الرّوم. خدم المولى الشهير بضميري، وبه اشتهر، وصار معيدا لدرسه، ثم صار مدرّسا بمدرسة الوزير محمود باشا بالقسطنطينية، ثم بأبي أيوب، ثم بإحدى الثمان، ثم صار قاضيا بحلب. قال ابن الحنبلي: إنه كان علائي الأصل، نسبة إلى العلائية قصبة قريب أذنة. قال: وكان له إليّ [2] إحسان برقم بعض العروض في بعض المناصب الحلبية حتى نظمت له ما نظمت وأنا بمجلسه، وقد دفع إليّ عرضا، وكان على وفق المراد فقلت: أتمحل أرض أو يشيب بناتها ... وأنت لأرض يا أخا الغيث كالغوث [3] محال وما من همّة قسوريّة ... تفوت أخا عدم وأنت أبو اللّيث ثم ولي قضاء دمشق ودخلها يوم الخميس تاسع شعبان سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ثم توفي بها يوم الأربعاء حادي عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن بباب الصغير.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (292) و «در الحبب» (2/ 1/ 73- 76) و «الكواكب السائرة» (2/ 96) . [2] لفظة «إلى» سقطت من «آ» . [3] في «آ» و «ط» : «كالغيث» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف.

وفيها المولى إسحاق بن إبراهيم الإسكوبي، وقيل البروصاوي [1] ، أحد موالي الرّوم. طلب العلم، وأخذ عن جماعة، وخدم المولى بالي الأسود، ثم صار مدرّسا بمدرسة إبراهيم باشا بأدرنة، ثم بمدرسة إسكوب إلى أن درّس بإحدى الثمان، ثم أعطي قضاء دمشق، فدخلها في ثامن ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، ولما دخلها قال: لا يدخل عليّ أحد إلى ثلاثة أيام لأستريح، فإني شيخ كبير مسفور، ثم برز للناس، واجتمعوا به، وحكم بينهم فشكر في أحكامه، واشتهرت عفّته واستقامته. وتوفي ليلة الاثنين خامس عشري ربيع الثاني بدمشق ودفن بباب الصغير. وفيها- كما قال في «النّور» - توفي جدّي الشريف عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس [2] . ولد سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وكان من كبار الأولياء. صحب عمّه الشيخ الكبير فخر الدّين أبا بكر بن عبد الله العيدروس صاحب عدن، واختص به، وكذا صحب عمّه الشيخ حسين، وأباه الشيخ شيخ، وغيرهما من الأكابر، وأخذ عنهم، وتخرّج بهم إلى أن بلغ المرتبة التي تعقد عليها الخناصر. وكان له جاه عظيم في قطر اليمن، وقبول كثير عند الخاص والعام، خصوصا في ثغر عدن، ولبس منه الخرقة جماعة، منهم ابن حجر المكّي [3] . وكان حسن الأخلاق، كثير الإنفاق، شريف النّفس والأوصاف، نقيب السادة الأشراف، وافر العقل، ظاهر الفضل، غني النّفس، قانعا بالكفاف، وضيء الوجه، أخضر اللون، طويل القامة، كثير المناقب، عظيم المواهب، ليس له في زمانه نظير، ذا كرامات ظاهرة كثيرة. توفي ليلة الأربعاء رابع عشر شعبان بتريم [4] ودفن بها. انتهى.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281- 282) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (210- 211) . [3] يعني الهيتمي. [4] تريم: من حصون حضرموت. انظر «معجم ما استعجم» (1/ 311) .

وفيها الحافظ وجيه الدّين أبو محمد عبد الرحمن بن علي الدّيبع الشيباني العبدري الزّبيدي الشافعي [1] . قال- رحمه الله- في آخر كتابه «بغية المستفيد بأخبار زبيد» : كان مولدي بمدينة زبيد المحروسة في يوم الخميس الرابع من المحرم الحرام سنة ست وستين وثمانمائة في منزل والدي منها، وغاب والدي عن مدينة زبيد في آخر السنة التي ولدت فيها ولم تره عيني قطّ، ونشأت في حجر جدّي لأمّي العلّامة الصّالح العارف بالله تعالى شرف الدّين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي، وانتفعت بدعائه لي، وهو الذي ربّاني جزاه الله عنّي بالإحسان وقابله بالرّحمة والرّضوان. وقال في «النور» : هو الإمام، الحافظ، الحجّة، المتقن، شيخ الإسلام، علّامة الأنام، الجهبذ، الإمام، مسند الدّنيا، أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين، خاتمة المحقّقين، ملحق الأواخر بالأوائل، أخذ عمّن لا يحصى، وأخذ عنه الأكابر، كالعلّامة ابن زياد، والسيد الحافظ الطّاهر بن حسين الأهدل، والشيخ أحمد بن علي المزجاجي، وغيرهم. وأجاز لمن أدرك حياته أن يروي عنه، فقال: أجزت لمدركي وقتي وعصري ... رواية ما تجوز روايتي له من المقروء والمسموع طرّا ... وما ألّفت من كتب قليله ومالي من مجاز من شيوخي ... من الكتب القصيرة والطّويله وأرجو الله يختم لي بخير ... ويرحمني برحمته الجزيلة وكان ثقة، صالحا، حافظا للأخبار والآثار، متواضعا، انتهت إليه رئاسة الرحلة في علم الحديث، وقصده الطلبة من نواحي الأرض. ومن مصنّفاته «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» في مجلدين [2] ،

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (212- 221) و «الكواكب السائرة» (2/ 158- 159) و «البدر الطالع» (1/ 335- 336) و «الأعلام» (3/ 318) . [2] طبع في مصر قديما في مجلدين وهي طبعة متقنة، ثم طبع فيها مرة أخرى سنة (1346 هـ) طبعة

و «مصباح المشكاة» و «شرح دعاء ابن أبي حربة» و «غاية المطلوب وأعظم المنّة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب به الجنّة» و «بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد» وكتاب «قرة العيون في أخبار اليمن الميمون» . وله «مولد شريف نبوي» وكتاب «المعراج» ، إلى غير ذلك [1] . ومن شعره قوله في «صحيح» البخاري ومسلم [2] : تنازع قوم في البخاري ومسلم ... لديّ وقالوا: أيّ ذين يقدّم فقلت لقد فاق البخاري صنعة ... كما فاق في حسن الصّياغة مسلم ومنه فيهما [3] : قالوا لمسلم سبق ... قلت البخاريّ جلّى قالوا تكرّر فيه ... قلت المكرّر أحلى ولم يزل على الإفادة، وملازمة بيته ومسجده لتدريس الحديث والعبادة، واشتغاله بخويصته عما لا يعنيه، إلى أن توفي ضحى يوم الجمعة السادس والعشرين من رجب.

_ متقنة محررة في أربع مجلدات بتحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السّنة المحمدية رحمه الله تعالى. [1] قلت: ومن كتبه التي لم يذكرها المؤلف رحمه الله: كتابه الشهير «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار» المطبوع في مطبعة محمد هاشم الكتبي بدمشق قبل أكثر من عشر سنوات بتحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الله إبراهيم الأنصاري القطريّ رحمه الله تعالى، واعتناء الأستاذ يحيى عبّارة. وكتابه الشهير الآخر: «تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث» وقد اختصر به كتاب شيخه العظيم الحافظ السخاوي «المقاصد الحسنة لبيان كثير من الأحاديث التي تدور على الألسنة» وقد طبع عدة مرات في مصر ولبنان، لكنه بحاجة ماسة لإخراجه في طبعة محققة متقنة نظرا لأهمية. [2] أي في صحيح كل منهما والبيتان في «النور السافر» ص (218) . [3] البيتان في «النور السافر» ص (218) .

وفيها المولى عبد الرحيم بن علي بن المؤيد، المشهور بحاجي جلبي الرّومي القسطنطيني [1] الحنفي، عرف بابن المؤيد الفاضل العلّامة، أحد الموالي الأصلاء. قال في «الشقائق» : كان أولا من طلبة العلم الشريف، وقرأ على المولى الفاضل سنان باشا، وعلى المولى خواجه زاده، وكان مقبولا عندهما، ثم سلك مسلك التصوف، واتصل بالشيخ العارف بالله محيي الدّين الإسكليبي، ونال عنده غاية متمناه، وحصل له شأن عظيم، وجلس للإرشاد في زاوية شيخه الشيخ مصلح الدّين السّيروزي [2] ، وربّي كثيرا من المريدين. قال: وبالجملة فقد كان جامعا بين الفضيلتين العلم والعمل، وكان فضله وذكاؤه في الغاية، لا سيما في العلوم العقلية وأقسام العلوم الحكمية، وقد ظهرت له كرامات. وقال في «الكواكب» : ذكره والده، فقال: استفدت منه واستفاد مني، وأخذت عنه وأخذ عني، واستجزته لولدي أحمد ولمن سيحدّث لي من الأولاد، ويوجد على مذهب من يرى ذلك. ومما أخذ عني كثيرا من مؤلفاتي، وأن كتابة «خلّاق عليم» [3] ينفع لدفع الطاعون، فإنه مجرّب كما رواه لنا الأئمة الواعون. ومما أفادني أن الإنسان إذا قال «ربّنا» خمس مرات ودعا استجيب له، واحتج بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ 14: 37 إلى قوله: رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ 14: 40- 41 [إبراهيم: 37- 41] . قال فاستحضرت في الحال دليلا آخر ببركته، وهو قوله تعالى: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ 3: 191 إلى قوله: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ 3: 194 الآية وهي [آل عمران: 191- 194]

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (258) . [2] في «آ» : «السروزي» وفي «ط» : «السروري» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» . [3] استعارة من قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ 15: 86 [الحجر: 86] .

وهي تمام الخمس ثم أعقبها بقوله: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ 3: 195 [آل عمران: 195] فسرّ بذلك. انتهى ويؤيد هذا ما ورد [1] عن جعفر الصّادق: «من حزبه أمر فقال خمس مرّات: ربّنا، أنجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا 3: 191، الآيات» [2] . انتهى ملخصا وفيها عبد الواحد المغربي المالكي [3] نزيل دمشق، الشيخ الصالح. قرأ على ابن طولون عدة مقدمات في النحو، ثم «الألفية» [4] وشرحها لابن المصنّف [5] . وسمع عليه في الحديث كثيرا، وبرع في فقه المالكية، تخرّج فيه على أبي الفتح المالكي، ودرّس بالجامع الأموي حسبة، وكان يقرئ الأطفال بالكلّاسة، ثم بالأمينية. وتوفي في البيمارستان النّوري يوم الاثنين ثاني عشري صفر. وفيها عبد الواسع [ابن خضر] [6] المولى الفاضل [7] العلّامة الحنفي الديمتوقي المولد، أحد موالي الرّوم. كان والده من الأمراء، واشتغل هو بالعلم، وقرأ على المولى شجاع الدّين الرّومي، ثم على المولى لطفي التوقاتي وغيرهما، ثم ارتحل إلى بلاد العجم،

_ [1] في «ط» : «ما روي» . [2] هذا من كلام الإمام جعفر الصادق رحمه الله وهو موقوف عليه. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 185) . [4] وهي للإمام العلّامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني، المتوفى سنة (672) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص (590- 591) . [5] وهو الإمام العلّامة محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني، المتوفى سنة (686) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص (696- 697) وشرحه في غاية الحسن. وقال الصفدي: ولم يشرح «الخلاصة» - يعني «الألفية» - بأحسن، ولا أسد، ولا أجزل منه، على كثرة شروحها. انظر «كشف الظنون» (1/ 151) (الحاشية) . [6] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [7] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (334- 335) و «الكواكب السائرة» (2/ 185- 186) .

ووصل إلى هراة، من بلاد خراسان، وقرأ هناك على العلّامة حفيد السعد التّفتازاني «حواشي شرح العضد» للسيد الشريف، ثم عاد إلى الرّوم في أواخر دولة السلطان سليم، فأنعم عليه بمدرسة علي بك بأدرنة إلى أن وصل إلى إحدى الثمان، ثم ولّاه قضاء بروسا، ثم ولّاه السلطان سليمان قضاء القسطنطينية، وبعد يومين جعله قاضيا بالعسكر الأناضولي، ثم عيّن له كل يوم مائة عثماني بطريق التقاعد، ثم صرف جميع ما في يده في وجوه الخيرات، وبنى مكتبين ومدرسة، ووقف جميع كتبه على العلماء بأدرنة، وكان عنده جارية، فأعتقها وزوّجها من رجل صالح، ثم ارتحل إلى مكة المشرّفة، وانفرد بها عن الأهل والمال والولد، واشتغل بالعبادة إلى أن توفي. وفيها فخر الدّين أبو النّور عثمان بن شمس الآمدي ثم الدمشقي [1] الحنفي الإمام العلّامة المفنّن الخطيب. ولي خطابة السليمية بصالحية دمشق، ومشيخة الجقمقية بالقرب من جامع الأموي، ودرّس بالجامع المذكور، وكان ساكنا يجيد تدريس المعقولات، وله يد طولى في علم النّغمة، وله كتابة حسنة، وحوى كتبا نفيسة. وتوفي يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول وهو في حدود السبعين، ودفن في طرف تربة باب الفراديس الشمالي. وفيها نور الدّين علي الشّوني [2] الشافعي الصّالح المجمع على جلالته وصلاحه، أول من عمل طريقة المحيا بالصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم بمصر. ولد بشوني- قرية بناحية طندتا من غربية مصر- ونشأ في الصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم وهو صغير ببلده، ثم انتقل إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فأقام فيه مجلس الصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها، فكان يجلس في جماعة من

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 190) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216- 219) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 171- 172) .

العشاء إلى الصبح، ثم من صلاة الصبح إلى أن يخرج إلى صلاة الجمعة، ثم من صلاة الجمعة إلى العصر، ثم من صلاة العصر إلى المغرب، فأقام على ذلك عشرين سنة، ثم خرج يودّع رجلا من أصحابه في المركب أيام النيل كان مسافرا إلى مصر، ففات المركب بهم، وما رضي الريس يرجع بالشيخ، فدخل مصر فأقام بالتربة البرقوقية بالصحراء، وكان يتردد إلى الأزهر للصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم، فاجتمع عليه خلق كثير، منهم الشيخ عبد الوهاب الشعراوي لازمه نحو خمس سنين، ثم أذن له أن يقيم الصلاة في جامع الغمري ففعل، وكان الشيخ عبد القادر بن سوار يتردد إلى مصر في التجارة والطلب، فلازم الشّوني، ورجع إلى دمشق بهذه الطريقة، ثم اصطلح على تسمية هذه الطريقة بالمحيا، وانتشرت طريقة الشّوني ببركته في الآفاق. وتوفي بالقاهرة ودفن بزاوية مريده الشيخ عبد الوهاب الشعراوي. وفيها مبارك بن عبد الله الحبشي الدمشقي القابوني [1] الشيخ الصّالح المربي. قال ابن المبرد في «رياضه» : الشيخ مبارك ظهر في سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وصار له مريدون، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر من إراقة الخمور وغيرها، بعد ما أبطل ذلك، وقام على الأتراك، وقاموا عليه. وقال ابن طولون: قرأ الشيخ مبارك في «غاية الاختصار» على التّقي بن قاضي عجلون، وبنى له زاوية بالقرب من القابون التحتاني، وأقام هو وجماعته بها، وكان يتردّد إليه شيخ الإسلام المذكور، وكان هو وجماعته يترصّدون الطريق على نقلة الخمر فيقطون ظروفها ويريقونها، فبلغ الحكّام ذلك، فقبض النائب على بعض جماعة الشيخ وحبسهم في سجن باب البريد، فنزل الشيخ مبارك ليشفع فيهم فحبس معهم، فأرسل ابن قاضي عجلون يشفع فيه فأطلق، ثم هجم بقية جماعة الشيخ مبارك على السجن وكسروا بابه وأخرجوا من فيه من رفاقهم، فبلغ النائب فأرسل جماعة من مماليكه فقتلوا منهم نحو سبعين نفسا عند باب البريد، وقرب الجامع الأموي، ثم ترك الشيخ مبارك ذلك ولازم حضور الزوايا كزاوية

_ [1] ترجمته في «الرياض اليانعة في أعيان المئة التاسعة» وهو مخطوط لم يطبع بعد.

الشيخ أبي بكر بن داود بالسفح ووقت سيدي سعد بن عبادة بالمنيحة، وكان شديد السواد، عظيم الخلقة، له همّة عظيمة، وقوة بأس، وشدة، وله معرفة تامة بالنغمة، والصيد، والسباحة، يغوص في تيار الماء ويخرج وبين أصابع يديه ورجليه السمك، وحجّ ومعه جماعة من أصحابه، فلما دخلوا مكّة فرغت نفقتهم، فقال لبعض أصحابه: خذ بيدي إلى السوق واقبض ثمني واصرفه على بقية الجماعة، ففعل ذلك، واشتراه بعض تجار العجم، ثم أعتقه. قال ابن طولون: والشيخ مبارك هو الذي أحدث اللهجة في الذكر. قال: وحقيقتها أنهم يذكرون إلى أن يقتصروا من الجلالة على الهمزة والهاء، لكنهم يبدّلون الهاء حاء مهملة، فيقولون اح اح. وتوفي يوم الخميس مستهل ربيع الأول ودفن بتربة القابون التحتاني. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد القادر بن أبي بكر بن الشّحّام العمري [1] الحلبي [2] الموقت الفقيه. سمع الحديث المسلسل بالأولية على المحدّث عبد العزيز بن فهد المكّي، وكان ديّنا، خيّرا، رئيسا بجامع حلب. قال ابن الحنبلي: قرأت عليه في الميقات. سافر إلى دمشق فمرض بها، وتوفي بيمارستانها. وفيها شمس الدّين محمد الظني [3] الشافعي العالم المعتقد. كان يؤدّب الأطفال، وفي آخر عمره استمرّ مؤدّبا لهم بالقيمرية الجوانية، وأعطي مشيخة القرّاء بالشامية البرّانية وباشرها أشهرا، ثم مات عنها يوم الخميس رابع المحرم.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 281- 282) و «الكواكب السائرة» (2/ 43) . [2] لفظة «الحلبي» سقطت من «آ» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71) .

وفي حدودها الشيخ تقي الدّين أبو بكر الأبياري المصري [1] الصوفي. كان فقيها، زاهدا، عابدا، يعرف الفقه، والأصول، والحديث، والقراآت، والنحو، والهيئة. وكان يقرئ الأطفال احتسابا، ولم يتناول على التعليم شيئا، وما قرأ عليه أحد إلّا انتفع. وكان موردا للفقراء ببلده أبيار [2] ، لا ينقطع عنه الضيف، ومع ذلك لا راتب له ولا معلوم، بل ينفق من حيث لا يحتسب. وأخذ الطريق عن الشيخ محمد الشناوي، وأذن له في تربية المريدين فلم يفعل احتقارا لنفسه، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) . [2] انظر «التحفة السنية» ص (111)

سنة خمس وأربعين وتسعمائة

سنة خمس وأربعين وتسعمائة فيها توفي الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن يوسف القاري ثم الدمشقي [1] الشافعي، الشيخ الإمام العالم العلّامة المحقّق المدقّق الفهّامة، شيخ الإسلام. أخذ عن البرهان بن أبي شريف، والقاضي زكريا، وغيرهما من علماء مصر. وبالشام عن الحافظ برهان الدّين النّاجي وغيره، وتفقه بالتّقّي بن قاضي عجلون، وابن أخته السيد كمال الدّين بن حمزة، والتّقي البلاطنسي. وولي إمامة المقصورة بالأموي شريكا للقاضي شهاب الدّين الرّملي، وولي نظر الحرمين وغيره، وتدريس الشامية البرانية آخرا مدة يسيرة، واخترمته المنية، ولزم المشهد الشرقي بالجامع الأموي بعد شيخه ابن قاضي عجلون، وردت المشكلات إليه، وعكف الطلبة عليه. وممن أخذ عنه الشّهاب الطّيبي، والعلاء بن عماد الدّين، وتزوّج بنت مفتي الحنفية قطب الدّين بن سلطان، ورزق منها ابنا مات بعده بمدة يسيرة. وكان محقّقا، مدقّقا، واقفا مع المنقول، عالما بالنحو، والقراآت، والفقه، والأصول. نظم أرجوزة لطيفة في عقيدة أهل السّنّة. وله شعر حسن. وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الصغير. وفيها- تقريبا- المنلا أبو بكر العلوي الحنفي [2]- نسبة إلى محمد بن الحنفية رضي الله عنه- الحنفي المذهب، المعروف بشيخ زاده.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (21/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 89- 90) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .

كان من كبار الفضلاء الأذكياء، مع ماله من المال والرزق والكتب النفيسة. وكان صالحا، متواضعا، لا يحب التّصنع من نفسه ولا من غيره. وكان جليل القدر بسمرقند بواسطة أن خالته كانت زوجا لملكها. ودخل حلب سنة ثلاث وثلاثين، ورافق ابن الحنبلي في صدر الشريعة على الشّهاب الأنطاكي، ثم سافر إلى مكة وجاور بها سنين، ثم عاد إلى حلب، ثم سافر منها إلى بلده وهي في الهند، وقطن بها إلى أن مات. وفيها أبو العبّاس الحريثي المصري [1] الشافعي [2] نشأ في العبادة والاشتغال بالعلم، وقرأ القرآن بالسبع، ثم خدم سيدي محمد بن عنان. وأخذ عنه الطريق وزوّجه بابنته، وقرّبه أكثر من جميع أصحابه، ثم صحب بعده سيدي علي المرصفي، وأذن له أن يتصدى للإرشاد ولم يرشد حتّى سمع الهواتف تأمره بذلك، فدعا إلى طريق الله تعالى، ولقّن نحو عشرة آلاف مريد. ولما حضرته الوفاة قال: خرجنا من الدنيا ولم يصحّ معنا صاحب في الطريق. وبنى له زاوية بمصر وعدة مساجد بدمياط والمحلّة وغيرهما. قال الشعراوي: ووقع له كرامات كثيرة، منها أنه جلس عندي بعد المغرب في رمضان، فقرأ قبل أذان العشاء خمس ختمات، وطوى أربعين يوما، وكان كثير التحمّل لهموم الخلق، حتى صار كأنه شنّ بال، وكان مع ذلك لا يعد نفسه من أهل الطريق. وتوفي بثغر دمياط، ودفن بزاوية الشيخ شمس الدّين الدمياطي، وقبره بها [3] ظاهر يزار. وفيها المولى نور الدّين حمزة، الشهير بأوج باشا الحنفي [4] أحد موالي الرّوم.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 93- 94) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 170- 171) . [2] لفظة «الشافعي» سقطت من «ط» . [3] لفظة «بها» سقطت من «آ» . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (240) و «الكواكب السائرة» (2/ 139- 140) .

اشتغل، وخدم المولى معرّف زاده، ثم درّس بمدرسة مغنيسا، ثم بمدرسة أزنيق، ثم بمدرسة أبي [1] أيوب، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمان، ثم بمدرسة السلطان بايزيد بأماسية، ونصّب مفتيا بها، وعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا بالتقاعد، ومات بها. وكان حريصا على جمع المال، يتقلل في معاشه، ويلبس الثياب الدنية [2] ، ولا يركب دابة حتى جمع أموالا عظيمة، وبنى في آخر عمره مسجدا بالقسطنطينية قريبا من داره، وبنى بها حجرا لطلبة العلم ووقف عليها أوقافا كثيرة. قال له الوزير إبراهيم باشا يوما: إني سمعت بأنك [3] تحب المال فكيف صرفته في الأوقاف. قال: هو أيضا من غاية محبتي في المال، حيث لم أرض أن أخلّفه في الدنيا فأريد أن يذهب معي إلى الآخرة [4] . قاله في «الكواكب» . وفيها سليمان الصّواف [5] الشيخ الصّالح، العارف بالله تعالى، والد الشيخ أحمد بن سليمان. قال في «الكواكب» : كان قادريا، لحق سيدي علي بن ميمون، وأخذ عن شيخ الإسلام الجدّ، وعدّه شيخ الإسلام الوالد ممن تلمذ لوالده من أولياء الله تعالى، وأخبرني ولده الشيخ أحمد أن ابن طولون كان يتردد إلى والده ويعتقده، وأنه توفي في هذه السنة. انتهى ملخصا وفيها- تقريبا- محيي الدّين عبد القادر بن أحمد بن الجبرتي الدمشقي [6] الشافعي الفاضل. أخذ عن جماعة منهم البدر الغزّي، قرأ عليه «شرح جمع الجوامع» قراءة

_ [1] لفظة «أبي» سقطت من «آ» . [2] في «آ» : «المدنية» وهو خطأ. [3] في «ط» : «بألك» وهو تحريف. [4] في «ط» : «إلى الآخرة» وهو خطأ مطبعي. [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 148) . [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 175) .

تحقيق وتدقيق، وشهد له أنه كان من أهل الفضل والذكاء والصّلاح. وفيها علاء الدّين على التّميمي الشافعي [1] الشيخ العلّامة، عالم بلاد الخليل، أخو القاضي محمود التّميمي، نزيل دمشق. توفي المترجم ببلد الخليل. قاله في «الكواكب» . وفيها المولى سعد الدّين عيسى بن أمير خان الحنفي، المعروف بسعدي جلبي [2] الإمام العامل العلّامة، أحد موالي الرّوم المشهورين بالعلم والدّين والرئاسة. كان أصله من ولاية قسطموني، ثم دخل القسطنطينية مع والده، ونشأ في طلب العلم، وقرأ على علماء ذلك العصر، ووصل إلى خدمة السّاموني، ثم صار مدرّسا بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية، ثم سلطانية بروسا، ثم صار قاضيا بالقسطنطينية، ثم عزل وأعيد إلى إحدى الثمان، ثم صار مفتيا مدة طويلة. قال في «الشقائق» : كان فائقا على أقرانه في تدريسه وفي قضائه، مرضي السيرة، محمود الطريقة. وكان في إفتائه مقبول الجواب، مهتديا إلى الصواب، طاهر اللّسان لا يذكر أحدا إلّا بخير، صحيح العقيدة، مراعيا للشريعة، محافظا على الأدب، من جملة الذين صرفوا جميع أوقاتهم في الاشتغال بالعلم الشريف، وقد ملك كتبا كثيرة، واطلع على عجائب منها، وكان ينظر فيها ويحفظ فوائدها، وكان قوي الحفظ جدا، وله رسائل وتعليقات، وكتب «حواشي» مفيدة على «تفسير البيضاوي» وهي متداولة بين العلماء، وله شرح مختصر مفيد للهداية، وبنى دارا للقرّاء بقرب داره بمدينة قسطنطينية. انتهى وكان السيد عبد الرحيم العبّاسي خليلا لسعدي جلبي ولكل منهما بالآخر [3]

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 219) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (265) و «الكواكب السائرة» (2/ 236- 237) . [3] في «ط» : «بالآخر» وهو خطأ مطبعي.

مزيد اختصاص، وللسيد عبد الرحيم فيه مدائح نفيسة. وقال ابن طولون: وتوفي عند صلاة الجمعة ثاني عيد الفطر بعلّة النقرس، وأقيم مفتيا عوضه جوي زاده. وفيها المولى آشق قاسم الحنفي [1] ، أحد الموالي الرّومية. كان من أزنيق، واشتغل بالعلم، وخدم المولى عبد الكريم، ثم درّس بالحجرية بمدينة أدرنة، وتقاعد بثلاثين عثمانيا. قال في «الشقائق» : كان ذكيا مقبول القول، صاحب لطائف ونوادر، متجردا عن الأهل والولد كثير الفكر، مشتغلا بذكر الله تعالى، خاشعا في صلاته، بلغ قريبا من المائة. توفي بأذنة. انتهى وفيها جلال الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن مولانا جلال الدّين الخالدي البكشي [2] ، ثم السّمرقندي الحنفي، المشهور بمنلا محمد شاه العجمي [3] . كان شيخا معمرّا، نحيف البدن، محقّقا، متفقها [4] ، متواضعا، سخيا. قرأ على أكابر علماء العجم، كالمنلا عبد الغفور اللّاري أحد تلامذة منلا عبد الرحيم الجامي، وقدم حلب في هذه السنة هو [5] وولده منلا عبد الرحيم. قال ابن الحنبلي: اجتمعت به مرارا، وانتفعت به، واستفدت منه.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (283) وفيه: «باشق» مكان «آشق» و «الكواكب السائرة» . (2/ 243) . [2] تنبيه: كذا في «ط» : و «الكواكب السائرة» : «البكشي» وفي «آ» : «اليكشي» وفي «در الحبب» : «الكشي» . [3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 194- 196) و «الكواكب السائرة» (2/ 25) . [4] تنبيه: كذا في «ط» : «متفقها» وفي «آ» : «متفهما» والذي في «در الحبب» مصدر المؤلف: «مدقّقا» . [5] لفظة «هو» سقطت من «ط» .

وتوفي بحلب ودفن بمقبرة الصّالحين. وفيها شمس الدّين محمد بن حسّان الدمشقي الشافعي [1] أحد الفضلاء البارعين. قال ابن طولون: كان الغالب عليه التنزه. توفي يوم الاثنين ثالث القعدة، ودفن بباب الفراديس. وفيها شمس الدّين محمد الداودي المصري الشافعي [2] وقيل المالكي، الشيخ الإمام العلّامة المحدّث الحافظ. كان شيخ أهل الحديث في عصره. أثنى عليه المسند جار الله بن فهد، والبدر الغزّي، وغيرهما. قال ابن طولون: وضع «ذيلا» على «طبقات الشافعية» للتاج السبكي. وقال النجم الغزّي: جمع ترجمة شيخه الحافظ السيوطي في مجلد ضخم، ورأيت على ظهر الترجمة المذكورة بخطّ بعض فضلاء أهل [3] مصر أن مؤلّفها توفي قبل الزوال بيسير من يوم الأربعاء ثامن عشري شوال، ودفن بتربة فيروز خارج باب النصر. وفيها شمس الدّين محمد بن مكّية النابلسي الشافعي [4] الإمام العلّامة. توفي بنابلس في هذه السنة كما قاله في «الكواكب» . وفيها المولى سنان الدّين يوسف بن المولى علاء الدّين على البكّالي الرّومي الحنفي [5] أحد موالي الرّوم.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 30) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71- 72) و «الأعلام» (6/ 291) . [3] لفظة «أهل» سقطت من «ط» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 72) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) .

قرأ على والده وعلى غيره، وترقى في التدريس، حتى درّس بإحدى الثمان، وتقاعد عنه بثمانين عثمانيا، وبقي على ذلك إلى أن مات. وكان مشتغلا بالعلم، يحبّ الصوفية، وله لطف وكرم، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وله «حواش» على «شرح المواقف» للسيد، ورسائل كثيرة، رحمه الله تعالى.

سنة ست وأربعين وتسعمائة

سنة ست وأربعين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن إبراهيم [1] بن أبي بكر الأريحاوي الأصل الحلبي الدار، الصّيرفي الشافعي [2] . قال في «الكواكب» : كان يحبّ خدمة العلماء بالمال واليد، وكان يجمع نفائس الكتب الحديثية والطّيبة وغيرها، ويسمح بإعارتها، وقرأ على البرهان العمادي، وابن مسلم، وغيرهما. وولي وظيفة تلقين القرآن العظيم بجامع حلب وغيرها. قال ابن الحنبلي: وأعرض في آخره عن حرفته وقنع بالقليل، وأكبّ على خدمة العلم، ورافقنا في أخذ العلم عن الزّيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، رحمه الله. وفيها- تقريبا- تقي الدّين أبو بكر بن فهد الحنفي المكّي [3] الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : قدم دمشق من مكّة صحبة الوزير الطواشي، ثم عاد إليها مع الحاج مبشّرا للسلطان أبي نمي برضا السلطان سليمان عنه. انتهى

_ [1] كذا في كتابنا «در الحبب» و «الكواكب» : «إبراهيم بن إبراهيم» وحرفها ناشر «ط» إلى «إبراهيم بن محمد» . [2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 31- 33) و «الكواكب السائرة» (2/ 78) و «إعلام النبلاء» (2/ 78) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .

وفيها- ظنا- المولى أبو السعود الشهير بابن بدر الدّين زاده الحنفي [1] أحد موالي الرّوم. ولد ببروسا، وتزوجت أمّه بعد أبيه بالمولى سيدي الحميدي، فقرأ عليه مبادئ العلوم، وقرأ على غيره، وخدم المولى ركن الدّين، ثم أعطي قضاء بعض البلاد، وله كتاب بالتركية سمّاه «سليم نامه» وهو مقبول عند أربابه وله «ديوان» بالتركية أيضا. وكان فاضلا، صاحب ذكاء وفطنة، رحمه الله تعالى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن بركات بن الكيّال الدمشقي الشافعي [2] الفاضل خطيب الصّابونية بعد أخيه، وناظر أوقاف سيدي سعد بن عبادة رضي الله عنه. توفي يوم الأربعاء خامس رمضان. وفيها خليل المصري [3] المالكي الإمام العلّامة، مفتي المالكية بالديار المصرية. توفي بالقاهرة وتأسف الناس عليه. وفيها عبد الحميد بن الشّرف القسطموني الرّومي [4] الحنفي، العالم العامل الواعظ. طلب العلم، ثم رغب في التصوف، فصحب الشيخ مصلح الدّين الطويل النقشبندي، ثم اختار بعد وفاته طريقة الوعظ، فكان يعظ الناس بالقسطنطينية، وعيّن له في كل يوم ثلاثون عثمانيا، وكانت له يد طولى في التفسير، وكان يدرّس في بيته ويفسّر القرآن بتقريرات واضحة بليغة، وعبارات رائقة فصيحة، واستفاد منه

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (2/ 92- 93) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 102) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 141) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .

كثير من الناس، وكان فارغ الهمّ من أشغال الدنيا، مقبلا على صلاح حاله، طويل الصمت، كثير الفكر، وقورا، مهيبا، رحمه الله تعالى. وفيها- تقريبا- عبد الوهاب بن إبراهيم العرضي [1] الحلبي الشافعي [2] مفتي الشافعية بحلب. قال في «الكواكب» : ذكره الوالد في «رحلته» ووصفه بالشيخ الفاضل، والعالم الكامل البارع في فنون العلم وأنواع الأدب. انتهى. وفيها زين الدّين عمر بن معروف الجبرتي، المعروف بأبيه معروف ثم الدمشقي [3] إمام الصّابونية. كان فاضلا، عالما، علّامة، من نوادر الزمان في الحفظ، فإنه كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره، كلما ختم آية افتتح الآية التي قبلها. قال ابن طولون: تردّد إليّ مرات وفي كل مرة نستفيد منه في علم التفسير غرائب. وتوفي في أواخر شعبان، رحمه الله تعالى. وفيها القاضي جلال الدّين محمد بن القاضي علاء الدّين بن يوسف بن علي البصروي الدمشقي [4] الشافعي [5] الإمام العلّامة، شيخ التبريزية بمحلّة قبر عاتكة، وخطيب الجامع الأموي. ولد عاشر رجب سنة تسع وستين وثمانمائة، واشتغل على والده وغيره، وولي خطابة الثابتية، وتدريس الغزالية، ثم العادلية، وفوض إليه نيابة الحكم

_ [1] نسبة إلى «عرض» بليد في بريّة الشام يدخل في أعمال حلب الآن، وهو بين تدمر والرّصافة الهشامية. انظر «معجم البلدان» (4/ 103) . [2] ترجمته في «بدر الحبب» (1/ 2/ 868- 874) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 227) . [4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (91/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 47- 48) . [5] لفظة «الشافعي» سقطت من «ط» .

الولوي بن الفرفور، وخطب في الأموي نيابة ثم استقلالا إلى أن مات، وكان لخطبته وقع في القلوب وتذرف منها [1] العيون، وكان يقرأ «سيرة ابن هشام» في الجامع الأموي في كل عام بعد صلاة الصبح شرقي المقصورة. وكان من أهل [2] العلم والصّلاح، له محفوظات في الفقه وغيره وقيام في الليل، حافظا لكتاب الله تعالى، مواظبا على تلاوته، راكبا وماشيا، وفي آخر خطبة خطبها بالأموي- وكانت في ثامن ربيع الآخر من هذه السنة وكان مريضا- سقط عن المنبر مغشيا عليه. قال ابن طولون: ولولا أن المرقي احتضنه لسقط إلى أسفل المنبر. قال: ولم يكمل الخطبة الثانية، فصلّى الجمعة إمام الجامع يومئذ الشيخ عبد الوهاب الحنفي. وتوفي المترجم ليلة الثلاثاء رابع عشري جمادي الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه الشيخ نصر المقدسي. وفيها- تقريبا- محيي الدّين محمد الإشتيتي الرّومي [3] الصّالح. كان عابدا، صالحا، متورّعا، يربّي المريدين بزاويته بإشتيت [في ولاية] [4] روم إيلي، رحمه الله. وفيها المولى بدر الدّين محمود أحد الموالي الرّومية الحنفي، الشهير ببدر الدّين الأصفر [5] . قرأ على المولى الفناري، والمولى لطفي، وغيرهما، ثم درّس بمدرسة بالي كبرى، وترقى إلى إحدى الثمان، ثم درّس بأياصوفيا، ثم تقاعد بمائة عثماني ومات على ذلك.

_ [1] في «ط» : «منه» . [2] لفظة «أهل» سقطت من «ط» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71) . [4] ما بين القوسين سقط من «آ» . [5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (239- 240) و «الكواكب السائرة» (2/ 248- 249) .

وكان الغالب عليه العلوم العقلية، وله مشاركة في سائر العلوم، وله تعليقات لم يدوّنها، وكان يحبّ الصوفية. قاله في «الكواكب» . وفيها شرف الدّين موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي [1] . قال ابن طولون: كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزّي، والمحدّث جمال الدّين بن المبرد، ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية، وقرأ عليّ «محنة الإمام أحمد» جمع ابن الجوزي، وأشياء أخرى. وتوفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 253- 254) .

سنة سبع وأربعين وتسعمائة

سنة سبع وأربعين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي بكر، الشهير بابن المؤيد [1] ، أحد العدول بدمشق بل عين الموقّعين بالشام. قال في «الكواكب» : كان من أخصاء شيخ الإسلام الوالد وأعيان طلبته، مولده سنة ثمان وستين وثمانمائة، وتوفي مستهل [ذي] القعدة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن يونس المصري الحنفي، المعروف بابن الشّلبي [2] الإمام العالم العلّامة الأحد المحقّق المدقّق الفهّامة. كان عالما كريم النّفس، كثير الصدقة، له اعتقاد في الصالحين والمجاذيب، ذا حياء وحلم وعفو، وكان رفيقا لمفتي دمشق القطب بن سلطان في الطلب على قاضي القضاة شرف الدّين بن الشّحنة، والبرهان الطّرابلسي ثم المصري في الفقه، وعلى الشيخ خالد الأزهري في النحو. وتوفي بالقاهرة ودفن خارج باب النصر وله من العمر بضع وستون سنة. وفيها الطّيب بن عفيف الدّين عبد الله بن أحمد [بن] مخرمة اليمني العدني الشافعي [3] الإمام العلّامة المحدّث.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (226- 228) و «هدية العارفين» (1/ 433) ولفظة «ابن» زيادة منه، و «الأعلام» (4/ 94) واسمه فيه «عبد الله الطيب بن عبد الله بن أحمد مخرمة» وانظر تعليق العلّامة الزركلي على الترجمة فهو مفيد نافع.

قال في «النور» : ولد بعدن ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ عن والده، وعن الفقيه محمد بن أحمد فضل، وانتفع به كثيرا ولازمه، وكذلك أخذ عن محمد بن حسين القمّاط، وأحمد بن عمر المزجد وغيرهم، وتفنّن في العلوم، وبرع، وتصدّر للفتوى والأشغال، وكان من أصحّ الناس ذهنا، وأذكاهم قريحة، وأقربهم فهما، وأحسنهم تدريسا، حتى يذكر أنه لم ير مثله في حسن التدريس وحلّ المشكلات في الفقه، وصار في آخره عمدة الفتوى بعدن، وكان يقول: إني أقرئ أربعة عشر علما. وولي القضاء بعدن. ومن مؤلفاته: «شرح صحيح مسلم» و «أسماء رجال مسلم» و «تاريخ» مطول مرتّب على الطبقات والسنين [1] ابتدأ به من أول الهجرة، وكتاب في النسبة [2] إلى البلدان [3] مفيد جدا. وتوفي بعدن في سادس المحرم، ودفن في قبر جدّه لأمّه القاضي العلّامة محمد بن مسعود أبي شكيل بوصية، ودفن [4] في قبة الشيخ جوهر. وفيها زين الدّين عبد القادر بن الشيخ شمس الدّين محمد القويضي [5] الدمشقي الصّالحي [6] الحنفي الطبيب الحاذق. أخذ الطب عن الرئيس خشمش الصالحي، وكان أستاذا في الطب، يذهب

_ [1] في «ط» : «والسنن» وهو خطأ. وقد سمّاه «قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر» ويقع في مجلد ضخم. انظر «هدية العارفين» (1/ 433) . [2] في «آ» : «في مشتبه النسبة» . [3] اطلعت على مصورة له منذ سنوات في دار المأمون للتراث بدمشق، وهو كتاب عظيم الفائدة جدير بالتحقيق والنشر، وقد انتقلت مصورته المذكورة الآن إلى خزانة مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي عن طريق الشراء. [4] في «آ» : «وذلك» مكان «ودفن» . [5] في «آ» : «القريضي» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 172- 173) .

إلى الفقراء في منازلهم ويعالجهم ويفاقرهم [1] ، وربما لم يأخذ شيئا، وقد يعطي الدواء من عنده أو يركّبه من كيسه. وكان في آخره يتلو القرآن في ذهابه وإيّابه من الصالحية إلى دمشق. وكان ساكنا بالصالحية بالقرب من الجامع الجديد. وكان حسن المحاضرة، جميل المذاكرة، وله شعر وسط. وتوفي ثامن عشر جمادي الأولى بالصالحية ودفن تجاه تربة السّبكيين وتأسف الناس عليه. وفيها الشيخ علي، المعروف بالذويب [2] ، الصالح المكاشف. أقام بمصر نحو عشرين سنة، ثم نزل إلى الرّيف، وظهرت له كرامات وخوارق. أخذ عن الشيخ محمد العدل الطناخي وغيره. وكان ملاميا يلبس تارة لباس الحمّالين وتارة لباس التّراسين. ولما مات وجدوا في داره نحو ثمانين ألف دينار، مع أنه كان متجردا من الدنيا. قال الشعراوي: اجتمعت به مرة واحدة عقب منام رأيته، وذلك أني سمعت قائلا يقول لي في المنام: الشيخ علي الذويب قطب الشرقية، ولم أكن أسمع به أبدا، فسألت الناس عنه فقالوا لي: هذا رجل من أولياء الله تعالى. قال [3] : وكان يمشي كثيرا على الماء، فإذا أبصره أحد اختفى. وكان يرى كل سنة بعرفة، ويختفي من الناس إذا عرفوه. انتهى وفيها زين الدّين عمر التنائي [4] المالكي، الشيخ العلّامة المصري.

_ [1] في «آ» : «ويفارقم» وهو تحريف. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 219) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 136) . [3] القائل الشعراوي ويقال له الشعراني أيضا. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229) .

توفي بها في هذه السنة. قاله في «الكواكب» . وفيها- تقريبا- سراج الدّين عمر العبادي المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة المعلّم بالبرقوقية من الصحراء خارج القاهرة. كان على قدم عظيم في العبادة، والزهد، والورع، والعلم، وضبط النّفس، وكانت نقول مذهب الشافعي نصب عينيه، وشرح «قواعد الزركشي» في مجلدين أخذ عن سميّه وبلديّه السّراج العبادي الكبير، وعن الشمس الجوجري، ويحيى المناوي، وغيرهم، وأجازوه، وكان مجاب الدعوة. ولما حجّ وزار رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح، فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال كما كانت، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أحمد بن الشّويكي الصّالحي الحنبلي [2] العلّامة. كان إماما، فقيها، أفتى مدة ثم امتنع من الإفتاء في الدولة الرّومية. وكان إماما بالحاجبية، وكان أستاذا في الفرائض والحساب، وله يد في غير ذلك. توفي يوم الاثنين عاشر المحرم، ودفن بالروضة إلى جانب قبر العلّامة علاء الدّين المرداوي. وفيها المولى محيي الدّين محمد بن إدريس الحنفي، الشهير بمعلول أفندي [3] أحد موالي الرّوم. تنقل في المدارس والمناصب إلى أن ولي قضاء مصر، وكان سيّدا، شريفا، فاضلا.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 26) و «النعت الأكمل» ص (110- 112) و «السحب الوابلة» ص (363) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 27) .

وفيها نجم الدّين محمد بن علي بن النّعيل الغزّي [1] الشافعي الإمام العالم العامل. توفي بالقدس، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي العثماني الشافعي [2] الإمام العلّامة. ولد سنة ستين وثمانمائة بدلجة، وحفظ القرآن العظيم بها، ثم دخل القاهرة، فقرأ «التنبيه» وغيره على علمائها، ثم رحل إلى دمشق وأقام بها نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعي، والحافظ برهان الدّين النّاجي، والقطب الخيضري، والقاضي ناصر الدّين بن زريق الحنبلي، والإمام المحدّث شمس الدّين السّخاوي، وسافر إلى بلاد الرّوم، واجتمع بسلطانها أبي يزيد، وحجّ من بلاد الشام، ثم عاد إلى القاهرة، وكتب شرحا على «الخزرجية» وشرحا على «الأربعين النواوية» وشرحا على «الشفا» للقاضي عياض، وشرحا على «المنفرجة» واختصر «المنهاج» و «المقاصد» وسمّاه «مقاصد المقاصد» وشرحه، وأخذ عنه جماعة، منهم النّجم الغيطي قال: سمعت عليه كثيرا وأجاز لنا. وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد التّونسي [3] المالكي، الملقّب بمغوش- بمعجمتين- الإمام المحقّق المدقّق العلّامة. اشتغل على علماء المغرب، وسمع «الصحيحين» و «الموطأ» و «الترمذي» و «الشفا» . وقرأ البعض على الإمام العلّامة أبي العباس أحمد الأندلسي، المعروف بالمشا، وسمع على غيره، وفضل في بلاده، وبرع وتميّز، وولي قضاء عسكر تونس، ثم قدم من طريق البحر إلى القسطنطينية في دولة السلطان سليمان،

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 48) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 6- 7) . [3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 212- 217) و «الشقائق النعمانية» ص (269- 270) و «الكواكب السائرة» (2/ 15- 16) و «الأعلام» (7/ 57) .

فعظّمه وأكرم مثواه، ورتّب له علوفة حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها، حتى قاضيا العسكر إذ ذاك، ولم يزل بها معظّما مبجّلا، ينشر الفوائد وينثر الفرائد، وأملى بها أمالي على «شرح الشاطبية» للجعبري، ثم استأذن من السلطان في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الرّوم وشدة بردها، فأذن له وأمر له أن يستوفي ما عين له من خزينتها، فتوجه إليها من طريق البر سنة أربع وأربعين، فدخل حلب فانتدب للقراءة عليه والأخذ عنه جماعة من أهلها، منهم ابن الحنبلي، ثم دخل طرابلس، ثم دمشق، وانتفع به أهلها، وشهدوا له بالعلم خصوصا في التفسير، والعربية، والمنطق، والكلام، والعروض، والقراآت، والمعاني، والبيان، وقرأ عليه العلاء بن عماد الدّين الشافعي في أوائل «تفسير البيضاوي» فأفاد وأجاد، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض «شرح آداب البحث» للمسعودي، وقرأ عليه الشّهاب الطّيبي في القراآت، وأجازه إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين، وألّف تلميذه الشيخ شهاب الدّين الطّيبي مؤلفا في تاريخ سفره بالكسور العددية، سماه ب «الكسر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش» . وقال ابن الحنبلي في ترجمته: كان عالما، علّامة، متقنا، متفنّنا، ذا إدراك عجيب واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أنه يقرئ مثل العضد المرة بعد المرة من غير مطالعة. قال: وكان دأبه الاستلقاء على القفاء ولو حالة التدريس وعدم النهوض لمن ورد عليه من الأكابر، كل ذلك لما كان عنده من حبّ الرفاهية والراحة والانبساط والشهامة. انتهى وكان يطالع من حفظه كلما أراد من العلوم، ولم يكن عنده كتاب ولا ورقة أصلا. وكان يحفظ «شرح التلخيص» مع حواشيه و «شرح الطوالع» و «شرح المواقف» و «شرح المطالع» كما قاله في «الشقائق» . وبالجملة فإنه كان من أعاجيب الدنيا.

وتوفي في العشر الأواخر من شعبان بالقاهرة، ودفن بجوار الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وكتب على قبره: ألا يا مالك العلماء يا من ... به في الأرض أثمر كل مغرس لئن أوحشت تونس بعد بعد ... فأنت بمصر ملك الحسن تونس وفيها شمس الدّين محمد الدّمنهوري المصري [1] المالكي الشيخ العلّامة. توفي بمصر في أواخر ربيع الثاني. وفيها محيي الدّين يحيى بن إبراهيم بن قاسم بن الكيّال [2] الإمام المحدّث. سمع على والده في «مسند الإمام أحمد» وباشر في الجامع الأموي. وكان له فيه قراءة حديث، وكان عنده حشمة، وأجازه البدر الغزّي. وتوفي يوم الاثنين سلخ القعدة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 72) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .

سنة ثمان وأربعين وتسعمائة

سنة ثمان وأربعين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن نجم الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة [1] الإمام العلّامة المحدّث المقدسي الشافعي. ولد يوم الاثنين خامس عشر المحرم سنة سبعين وثمانمائة، وسمع على والده الكتب الستة وغيرها، وأجاز له البرهان بن قاضي عجلون، والتّقي الشّمنّي، والقاضي أبو العباس بن نصر الله، والتقي بن فهد، والشمس بن عمران، وأمين الدّين الأقصرائي، والشرف المناوي، والبدر بن قاضي شهبة، والجمال الباعوني وأخوه البرهان، وولي تدريس الصّلاحية ببيت المقدس سنين، ثم قطن دمشق، وحدّث بها كثيرا عن والده وغيره، وولي تدريس الشامية البرّانية سنين، ثم تدريس التقوية ونظرها، وسافر من دمشق فمات بقرية سعسع [2] في آخر ليلة الثلاثاء خامس عشري شوال بعد أن بقي سنين مستلقيا على ظهره من زلقة حصلت له بسبب رش الماء بداخل دمشق، فانفك فخذه ولم يمكنه الصبر على علاجه لنحافة بدنه ولطف مزاجه، ثم حمل من سعسع وأعيد إلى دمشق، وغسّل بمنزله، ودفن بباب الصغير. وفيها- تقريبا- برهان الدّين إبراهيم بن المبلط [3] شاعر القاهرة من شعره في القهوة:

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 76) . [2] سعسع: بلدة كبيرة إلى الغرب من دمشق قبل القنيطرة بمرحلة ذات حقول وبساتين، ومياهها عذبة طيبة ولم أعثر على ذكر لها في كتب البلدان التي بين يدي. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 86) .

يا عائبا لسواد قهوتنا التي ... فيها شفاء النّفس من أمراضها أو ما يراها وهي في فنجانها ... يحكي سواد العين وسط بياضها وفيها شهاب الدّين أحمد الطّيب بن شمس الدّين الطّنبذاوي البكري الصّدّيقي الشافعي [1] . قال في «النور» : هو شيخ الإسلام الحبر الإمام، العارف بالله، القانت الأواه [2] . ولد بعد السبعين وثمانمائة تقريبا، وتفقه بالنّور السّمهودي، والقاضي أحمد المزجد وغيرهما. وكان في أهل عصره بمنزلة الشمس من النجوم، وتميّز في معرفة المنطق والمفهوم، وكان شديد التصلب في الدّين والصّدع بالحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم. وكان يقول لتلميذه ابن زياد: أنتم نفعكم أحمد المزجد بلحظه [3] ، ونحن بلحظه ولفظه. وأخذ عنه خلق منهم شيخ الإسلام ابن زياد، والحافظ شهاب الدّين أحمد الخزرجي، والغريب الأكسع، وعبد الملك بن النّقيب، وعبد الرحمن البجلي، وصالح النماري، وغيرهم. وانتهت إليه رئاسة الفتوى والتدريس، وانتفع به الخاص والعام. ومن مصنّفاته «فتاوى» مشهورة عليها الاعتماد بزبيد، وشرح «التنبيه» في أربع مجلدات، وله «حاشية مفيدة على العباب» . قال الشيخ صالح النماري: ومن عجيب ما سمعته منه، أنه قال: طالعت

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (228- 232) . [2] في «آ» : «الأواب» وما جاء في «ط» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف. [3] لفظة «بلحظه» سقطت من «ط» .

جميع «الإيضاح شرح الحاوي» للناشري في ليلة واحدة وهو مجلدان ضخمان، وعلّقت من كل باب فائدة وهذا خرق عادة. وقال الخولاني: سمعته يقول كانت الفوائد التي كتبتها تلك الليلة ثلاثة كراريس. وكان مفرط الذكاء، يحفظ «الإرشاد» . ومن نظمه: ومذ كنت ما أهديت للحبّ خاتما ... ومسكا وكافورا ولا بست عينه ولا القلم المبري أخشى عداوة ... تكون مدى الأيام بيني وبينه ولا أعلم لهذه الخصال أصلا من كتاب ولا سنّة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشّمس محمد بن القطب محمد بن السّراج البخاري الأصل المكي الحنفي [1] . ولد بمكة في صفر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، واشتغل بالعلم، فقرأ على السخاوي في «سنن أبي داود» و «الشفا» ودخل القاهرة مرارا، وسمع الحديث فيها على جماعة، منهم الحافظ الديمي، والجلال السيوطي، ولبس خرقة التصوف من بعض المشايخ، وولي المناصب الجليلة كالقضاء، والإمامة، والمشيخة، وأجازه بعضهم، وقرأ الكتب الستة وغيرها، وسمع كثيرا من الفقه والحديث، مع قوة حافظة، وحسن كتابة، وناطقة. وتوفي بجدّة ظهر يوم السبت عاشر ربيع الثاني وحمل إلى مكّة فدفن بالمعلاة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن قطب الدّين محمد الصّفوري الصّالحي [2] الشافعي الشيخ الفاضل.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (232) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) .

كان ذكيا، ينظم الشعر الحسن، وسمع على ابن طولون في الحديث، وأضرّ قبل بلوغه، وكان يقرأ في «البخاري» في المواعيد عن ظهر قلب بعد أن أضرّ. وتوفي يوم الاثنين سادس عشر رجب ودفن عند جدّه بتربة السّبكيين. وفيها عماد الدّين إسماعيل بن زين الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم الذّنّابي الصّالحي الحنبلي [1] خطيب الجامع المظفّري. سمع على أبي بكر بن أبي عمر [2] ، وأبي عمر بن عبد الهادي، وأبي الفتح المزّي، وقرأ على ابن طولون في العربية. وتوفي يوم السبت تاسع عشري شعبان، ودفن بوصية منه شمالي صفة الدعاء أسفل الرّوضة. وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن عبد الملك بن الموصلي الدمشقي الميداني الشافعي [3] . درّس بالجامع الأموي، والظاهرية الجوانية، والقيمرية الكبرى، وولي نيابة القضاء بالصالحية وغيرها، ثم ترك ذلك. وتوفي يوم السبت مستهل ربيع الأول ودفن بزاويتهم بميدان الحصا. وفيها عزّ الدّين عبد العزيز المقدسي الحنفي [4] الضّرير الإمام العلّامة مفتي بلاد القدس وأحد الأصلاء بها. كان يكتب عنه الفتوى ويناول [5] الكاتب خاتمه ليختم على السّؤال خوفا من التدليس.

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) و «النعت الأكمل» ص (112) و «السحب الوابلة» ص (120) . [2] في «ط» : «ابن أبي عمرو» . [3] ترجمتهم في «الكواكب السائرة» (2/ 157) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 170) . [5] في «ط» : «ويتناول» .

وتوفي بالقدس في أواسط شوال. وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي الحلبي الحنبلي، المعروف بابن الدّغيم [1] . قال ابن الحنبلي: ولى تدريس الحنابلة بجامع حلب، وكان هيّنا، لينا، صبورا على الأذى، مزوحا. وتوفي يوم الجمعة ثاني عشر رمضان، ودفن بجوار مقابر الصالحين بوصيّة منه. وفيها شرف الدّين أبو الوفاء وأبو السعادات قاسم بن خليفة بن أحمد بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن خليفة [2] . ولد بحلب ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ونشأ بها، وحمله والده على طلب العلم، واشترى له نفائس الكتب، فلزم كثيرا من العلماء، منهم البدر السيوفي، ومنلا عرب، والمظفّر بن علي الشّيرازي، والبرهان العمادي، وغيرهم. وباشر في أول أمره صنعة الشهادة، وجلس بمكتب العدل خارج باب النصر، وولي إعادة العصرونية للبرهان العمادي ووظائف أخر [3] ، واستنيب في الدولة العثمانية كثيرا في فسوخ الأنكحة، وجلس لتعاطي الأحكام الشرعية برهة من الزمان، وكان يخدم العلماء ويبذل المال في خدمتهم، وكان له تواضع، طارحا للتكلّف. وتوفي بحلب في ذي الحجّة ودفن بمقبرة السيد علي بالهزازة، وما زال يقول في نزعه الله الله، حتى مات. وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد بن

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 999- 1000) و «الكواكب السائرة» (2/ 193- 194) . [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 30- 32) و «الكواكب السائرة» (2/ 239- 240) . [3] في «ط» : «أخرى» .

صالح بن خميس بن محمد بن عيسى بن داود بن مسلّم الصّمادي ثم الدمشقي القادري [1] الشيخ الصّالح المعتقد المسلّك المربّي، ولي الله تعالى، العارف به، شيخ الطائفة الصّمادية بالشام. كان من أولياء الله تعالى، تظهر منه في حال الذكر أمور خارقة للعادة، وكانت عمامته وشدّه من صوف أحمر، وله مجالسة حسنة وللناس فيه اعتقاد، خصوصا أعيان الأروام، وسافر إلى الرّوم، واجتمع بالسلطان سليم فاعتقده اعتقادا زائدا، وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء، ثم استقرّ الأمر على أن عيّن له قرية كناكر تابع وادي العجم، وغلالها إلى الآن تستوفيه الصمادية بعضه لزاوية الشيخ محمد المذكور بمحلّة الشاغور، وبعضه لذريّته. واشتهر أمره وأمر آبائه من قبل بدق الطبول عند هيمان الذّاكرين واشتداد الذكر، واستفتي فيه ابن قاضي عجلون، والشمس بن حامد، والبدر الغزّي فأفتوا بإباحته قياسا على طبل الحجيج وطبل الحرب. قال في «الكواكب» : وبالجملة إن مجالسهم مهيبة عليها الوقار والأنس، تخشع القلوب لسماع طبولهم وإنشادهم، خالون عن التصنّع، واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة هي أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديما بين يدي الشيخ في حلقتهم يوم الجمعة بعد الصلاة، فأمر بعض الحكّام بمنعهم من ذلك، فأخرج الطبل إلى خارج الجامع فدخل الطبل محمولا يضرب عليه، ولا يرون له حاملا، ولا عليه ضاربا، واستمر في هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع مما يلي باب جيرون. وتوفي المترجم يوم الجمعة خامس عشري جمادي الأولى، ودفن بإيوان زاويته، وخلّف ثمانية عشر ولدا ذكورا وإناثا، ودنيا عريضة. انتهى ملخصا وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن رجب البهنسي الحنفي [2] والد الشيخ نجم الدّين البهنسي مفتي الحنفية بدمشق.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 31- 32) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 181) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) .

قال ابن طولون: كان نقيب الحكم، ثم فوض إليه قاضي قضاة الحنفية زين الدّين بن يونس نيابة القضاء. وتوفي يوم الأربعاء عشري رجب. وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن قاضي القضاة قطب الدّين محمد بن محمد الخيضري الدمشقي الشافعي [1] . ولي القضاء بميدان الحصا وغيره في أيام قاضي دمشق ابن إسرافيل، وكان عنده حشمة وفضيلة، وكان أحد المدرّسين بالجامع الأموي إلّا أنه كان يستعمل الأفيون. وكان في الغالب مستغرقا، وربما حدث له ذلك وهو ماش في الطريق، فدخل يوم السبت مستهل ربيع الثاني إلى ميضأة العنبرانية بالقرب من الجامع الأموي لقضاء الحاجة وأغلق عليه الباب، فكأنه سرد على عادته فسقط على رأسه في الخلا، فلما أحسوا به أخرجوه فخرجت روحه في الحال، فحمل إلى بيته فغسّل وكفّن، وصلّي عليه بالأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير. قاله في «الكواكب» .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 9- 10) .

سنة تسع وأربعين وتسعمائة

سنة تسع وأربعين وتسعمائة فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتّوحي الحنبلي، المعروف بابن النّجار [1] الإمام العلّامة، شيخ الإسلام. ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ومشايخه تزيد على مائة وثلاثين شيخا وشيخة. وكان عالما، عاملا، متواضعا، طارحا للتكلّف سمع منه ابن الحنبلي حين قدم حلب مع السلطان سليم سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة «المسلسل بالأولية» وقرأ عليه في الصّرف، وأجاز له، ثم أجاز له بالقاهرة إجازة ثانية بجميع ما تجوز له وعنه روايته بشرطه كما ذكره في «تاريخه» . وقال في «الكواكب» : ذكر والد شيخنا أنه لما دخل دمشق صحبة الغوري هو وقاضي القضاة [كمال الدّين الطّويل الشافعي، وقاضي القضاة] [2] عبد البرّ بن الشحنة الحنفي، وقاضي القضاة المالكي، هرع إليهم جماعة للأخذ عنهم لعلو أسانيدهم، وكان ذلك في أوائل جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة. وذكر الشعراوي: أن صاحب الترجمة لم يل القضاء إلّا بعد إكراه الغوري له المرة بعد الأخرى، ثم ترك القضاء في الدولة العثمانية وأقبل على العبادة، وأكبّ

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (6/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 112) و «نعت الأكمل» ص (113- 116) و «السحب الوابلة» ص (68- 70) و «در الحبب» (1/ 1/ 195- 198) و «الضوء اللامع» (1/ 349) . [2] ما بين القوسين سقط من «آ» .

على الاشتغال في العلم حتّى كأنه لم يشتغل بعلم قطّ، مع أنه انتهت إليه الرئاسة في تحقيق نقول مذهبه وفي علوم، السّنّة في الحديث، والطب، والمعقولات، وكان في أول عمره ينكر على الصوفية، ثم لما اجتمع بسيدي على الخوّاص وغيره أذعن لهم، واعتقدهم، وصار بعد ذلك يتأسف على عدم اجتماعه بالقوم في أول عمره، ثم فتح عليه في الطريق وصار له كشف عظيم قبل [1] موته. وتوفي بمصر. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن علي الطّبراني [2]- من بلدة عند بركة طبرية- الشافعي المقرئ، نزيل دمشق. حفظ القرآن العظيم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، ثم تلاه بعدة روايات على الشيخ علاء الدّين القيمري، واشتغل بالنحو على ابن طولون، وتسبّب بقراءة الأطفال في مكتب عزّ الدّين غربي المدرسة المذكورة، وصلّى عدة ممن [3] أقرأه بالقرآن، وكان أحد شقّيه بطّالا، لا يمشي إلّا بعكاز. وتوفي ليلة الأحد ليلة عيد الفطر. وفيها عرفة القيرواني المغربي [4] المالكي، العارف بالله تعالى، شيخ سيدي علي بن ميمون، وسيدي أحمد بن البيطار. من كراماته ما حكاه سيدي محمد بن الشيخ علوان في كتابه «تحفة الحبيب» أن سلطان المغرب كان قد حبسه بنقل واش كاذب، فوضعه في السجن، وقيّده بالحديد، فكان الشيخ عرفة إذا حضر وقت من أوقات الصلوات أشار إلى القيود فتساقط، فيقوم ويصلي، فقال له بعض من كان معه في السجن: إذا كان مثل هذا المقام لك عند الله فلأي شيء ترضى ببقائك في السجن، فقال: لا يكون خروجي

_ [1] في «ط» : «قبيل» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 135) . [3] كذا العبارة في كتابنا وهي كذلك في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف! [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 191) .

إلّا في وقت معلوم لم يحضر إلى الآن، واستمر على حاله حتّى رأى سلطان المغرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له: «عجّل بإطلاق عرفة من السّجن مكرّما، وإيّاك من التّقصير، تكن مغضوبا عليك فإنّه من أولياء الله تعالى» [1] فلما أصبح أطلقه مكرّما مبجّلا، رحمه الله تعالى. وفيها علاء الدّين علي بن حسن بن أبي مشعل الجراعي ثم الدمشقي [2] الشافعي، المشهور بالقيمري لكونه كان يسكن بمحلّة القيمرية تجاه القيمرية الكبرى. كان إماما، مقرئا، علّامة. قرأ في علم القراآت على الشمس بن الملّاح، وفيه وفي العربية على الجمال البويضي، وتفقّه بالتّقي القاري، وأجازه بالتدريس والإفتاء، وأمّ للشافعية بالأموي. توفي شهيدا بعلّة البطن يوم السبت حادي عشري جمادى الأولى، ودفن بوصية منه في باب الصغير إلى جانب أخ له في الله صالح. وفيها قاضي علي بن عبد اللطيف بن قطب بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد الحسيني القزويني الشافعي، المعروف بقاضي علي [3] . كان من بيت علم وقضاء، وولي قضاء قزوين، ثم تركه، وكتب على الفتوى، ثم دخل بلاد الشام، وحجّ، وأخذ الحديث عن التّقي القاري وغيره، ثم عاد إلى بلاده، فدخل حلب، فاستجازه ابن الحنبلي فأجاز له. وتوفي ببلاده في هذه السنة. وفيها شمس الدّين محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى

_ [1] هكذا ذكره الغزّي في ترجمة المترجم من كتابه «الكواكب السائرة» ولم يذكر مصدره، ونقله عنه المؤلف ابن العماد، والواضح أنه من مبالغات الصوفية، فقد دخل السجن من علماء المسلمين من هو أفضل حالا بكثير، وما أثر عنهم أو عن غيرهم أنهم رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المنام وأمر بإطلاق سراحهم!. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 204- 205) . [3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 1000- 1001) و «الكواكب السائرة» (2/ 205) .

الضّيروطي المصري الشافعي، المشهور بابن عروس [1] الإمام العلّامة. ولد سنة سبعين وثمانمائة بسندبون تجاه ضيروط، وأخذ العلم عن الشّهاب بن شقير المغربي التّونسي، وعن النور المحلّي، وأجاز له تدريس العلوم المتعارفة لتضلعه منها، وصحب سيدي الشيخ أبا العون المغربي ودعا له، وقرأ «ثلاثيات البخاري» على أمة الخالق بنت العقبي بحقّ إجازتها من عائشة بنت عبد الهادي، عن الحجّار. وكان ذكيا، متواضعا، طارحا للتكلّف، يصل إلى المدارك الدقيقة بفهم ثاقب، وكان يحفظ كتبا كثيرة يسردها عن ظهر قلب، حتى كأنها لم تغب عنه، وجمع الله له بين الحفظ والفهم. وكان مدرّسا بمقام الإمام الشافعي بمصر، فأخذه عنه رجل أعجمي، فرحل إلى الرّوم واستردّه مضموما إليه تدريس الخشابية بمصر المشروطة لأعلم علماء الشافعية، ودخل في رحلته إلى الرّوم دمشق وحلب، وأخذ عنه بهما جماعة من أهلهما، منهم ابن الحنبلي، وأجازه بسائر مروياته، ثم دخل دمشق ثانيا في العود واجتمع بأعيان علمائها، وأضافوه، وأكرموه، وشهدوا له بالفضل الباهر. وتوفي بالقاهرة ليلة الجمعة سابع عشري شوال. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن الصّهيوني الشافعي [2] الإمام العلّامة، خطيب جامع الأطروش بطرابلس. توفي بها [3] في ذي القعدة. وفيها هداية الله بن بار علي التّبريزي الأصل القسطنطيني الحنفي [4] ، أحد موالي الرّوم.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 217- 221) و «الكواكب السائرة» (2/ 35- 37) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41) . [3] أي في طرابلس. [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (297) و «الكواكب السائرة» (2/ 256) و «در الحبب» (2/ 2/ 537- 539) .

كان فصيحا، مقتدرا على التعبير بالعربية، يغلب عليه علم الكلام، ويميل إلى اقتناء الكتب النّفيسة. وكان عارفا بالأصلين، والفقه، مشاركا في غيرهما. قرأ على المولى بير أحمد، والمولى محيي الدّين الفناري، وابن كمال باشا، وغيرهم. ثم تنقّل في المدارس إلى أن أعطي قضاء مكّة، فقدم حلب ودمشق ذاهبا إليها سنة ست وأربعين، ثم رحل من مكة إلى مصر، وترك القضاء لعلّة ألمت به بعينيه، وأخذ في علاجها بمصر فلم يبرأ، فبقي بها إلى أن مات. وفيها- تقريبا- شرف الدّين يحيى الرّهاوي المصري الحنفي [1] الإمام العلّامة. كان نازلا بدمشق، وسافر مع الشيخ الضّيروطي إلى مصر سنة اثنتين وأربعين، وتوفي بها. وفيها جمال الدّين يوسف بن يحيى الجركسي الحنفي، ابن الأمير محيي الدّين بن الأمير أزبك الفاضل [2] . قرأ شرحي الشيخ خالد على «الجرومية» و «القواعد» على ابن طولون، ثم أخذ في حلّ «الألفية» عليه، وكتب له «إجازة» وحلّ «الكنز» على القطب بن سلطان، ثم عرض له السفر إلى مصر لأجل استحقاقه في وقف جدّه، فتوفي بها غريقا، ودفن بتربة جدّه المنسوبة [3] إليه الأزبكية [خارج مصر] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 260) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) . [3] في «آ» و «ط» : «المنسوب» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف، وما بين الحاصرتين زيادة منه.

سنة خمسين وتسعمائة

سنة خمسين وتسعمائة فيها توفي المولى أحمد بن المولى حمزة الرّومي الحنفي، المعروف بعرب چلبي [1] العالم الفاضل. اشتغل، وحصّل، وخدم ابن أفضل زاده، ثم رحل إلى مصر في دولة السلطان بايزيد، وقرأ على علمائها في الكتب الستة، والتفسير، والفقه، والأصول، والهندسة، والهيئة، وقرأ «المطول» بتمامه، وأجازوه، ودرّس بمصر، وأقرأ «المطول» و «المفصّل» ثم عاد إلى بلاد الرّوم فبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبي أيوب الأنصاري، ودرّس بها مدة عمره. وكان أكثر اشتغاله [2] بالفقه، و «تفسير البيضاوي» . وكان عالما، عابدا، صحيح العقيدة، حسن السّمت، انتفع به كثير من الناس، رحمه الله تعالى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن حمزة القلعي الحلبي [3] الحنفي ثم الشافعي، المشهور بابن قيما. اعتنى بالقراءات، وتزوج بابنة الشيخ نور الدّين البكري الشافعي خطيب المقام، فانتقل إلى مذهبه، فصار شافعيا بعد أن كان حنفيا هو وأبوه، وقرأ عليه

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (288) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) و «الطبقات السّنية» (1/ 343) . [2] في «ط» : «أكثر إشغاله» . [3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 138) و «الكواكب السائرة» (2/ 106) .

بحلب، وأخذ أيضا بالقاهرة عن النّشّار المقري صاحب التآليف المشهورة. وتوفي بحلب في أوائل ذي الحجّة. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الحقّ بن محمد السّنباطي المصري الشافعي [1] الواعظ بالجامع الأزهر، الإمام العالم العلّامة. أخذ عن والده وغيره، وكان معه بمكّة في مجاورته بها سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ووعظ بالمسجد الحرام في حياة أبيه، وفتح عليه في الوعظ حينئذ، وهو الذي تقدّم للصلاة على والده حين توفي بمكة. قال الشعراوي: لم نر أحدا من الوعّاظ أقبل عليه الخلائق مثله. وكان إذا نزل عن الكرسي يقتتل الناس عليه. قال: وكان مفنّنا في العلوم الشرعية، وله الباع الطويل في الخلاف ومذاهب المجتهدين. وكان من رؤوس أهل السّنّة والجماعة، واشتهر في أقطار الأرض كالشام، والحجاز، واليمن، والرّوم، وصاروا يضربون به المثل، وأذعن له علماء مصر الخاص منهم والعام، وولي تدريس الخشابية بمصر بعد الضّيروطي، وهي مشروطة لأعلم علماء الشافعية كالشامية، البرانية بدمشق، وكان يقول بتحريم قهوة البن، ثم انعقد الآن الإجماع على حلّها في ذاتها. وتوفي في أواخر صفر. قال الشعراوي: ولما مات أظلمت مصر لموته، وانهدم ركن عظيم من الدّين، ومات رأيت في عمري كلّه أكثر خلقا من جنازته إلّا جنازة الشّهاب الرّملي. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن عبد القادر البغدادي الأصل الصّالحي الحنفي، الشهير بابن الحصري [2] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 111- 112) . [2] ترجمة المترجم في أحد كتب ابن طولون الخطية التي لم أقف عليها.

قال ابن طولون: هو أخونا وابن شيخنا، العلّامة جمال الدّين، حفظ القرآن و «المختار» وغيرهما، وسمع الحديث على شيخنا ابن عبد الهادي، وأخيه الشّهاب أحمد، وولده [1] ، واشتغل، وحصّل، وألّف، ثم سلك طريق السّلف الصّالح، وحضر كثيرا عندي. وتوفي ليلة الأحد خامس عشر رجب عن نحو خمس وستين سنة، ودفن عند والده- أي بسفح قاسيون- لصيق تربة العمّ من جهة الشرق. انتهى وفيها المولى إسحاق الرّومي [2] أحد موالي الرّوم الطبيب. كان نصرانيا طبيبا، وكان يعرف علم الحكمة معرفة تامة، وقرأ على المولى لطفي التّوقاتي المنطق، والعلوم الحكمية، وباحث معه فيها، ثم انجرّ كلامهم إلى العلوم الإسلامية، وقرّر عنده حقيقة الإسلام فاعترف وأسلم، ثم ترك الطّب، واشتغل بتصانيف الإمام حجّة الإسلام الغزّالي، والإمام فخر الدّين الرازي، وداوم على العمل بالكتاب والسّنّة، وصنّف شرحا على «الفقه الأكبر» لأبي حنيفة، رضي الله عنه. وفيها الشيخ شيخ بن إسماعيل بن إبراهيم بن الشيخ عبد الرحمن السّقاف اليمني [3] السيد الجليل، صاحب الكرامات الخارقة والآيات الصادقة. كان من كبار مشايخ اليمن، حكي عنه أنه قيل له هاهنا رجل تحصل له حالة عظيمة عند السماع، فقال: ليس الرجل الذي يحتاج إلى محرك يحركه، إنما الرجل الذي لا يغيب عنه الشهود حتى في حالة الجماع فضلا عن غيره. توفي بالشّحر [4] ودفن بها.

_ [1] في «آ» : «ووالده» . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (321) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (235- 236) . [4] جاء في «معجم ما استعجم» (2/ 783) : الشّحر: ساحل اليمن، وهو ممتدّ بينها وبين عمان. وانظر «معجم البلدان» (3/ 327) .

وفيها عبد الرحمن المناوي المصري [1] ، الشيخ، الصّالح، العالم، العابد، الورع، أحد تلامذة سيدي محمد الشّناوي. كان- رضي الله عنه- جميل الأخلاق، كريم النّفس، حمّالا للأذى، صبّارا على البلاء، كثير الحياء، لا يكاد يرفع بصره إلى السماء، ولا إلى جليسه. أقام في طنتدا، ثم انتقل إلى الجامع الأزهر، فأقام به مدة، وانتفع به خلائق، ثم رجع إلى بلده المناوات، ومات بها. وفيها زين الدّين عبد اللطيف بن علم الدّين سليمان بن أبي كثير المكّي [2] الإمام العلّامة. قدم دمشق وأقام بها مدة، وقرأ «الشفا» على الشمس بن طولون الصّالحي في مجلسين في رجب، سنة ثمان وثلاثين، ثم سافر إلى السلطان سليمان حين كان ببغداد، فولّاه قضاء مكّة عن البرهان بن ظهيرة، وأضيف إليه قضاء جدّه، ونظر الحرم الشريف، ثم رجع إلى دمشق، وتوجه إلى مكّة مع الحاج هو والشيخ أبو الفتح المالكي، وتوفي بها. وكان له شعر حسن منه الموشح المشهور في القهوة الذي مطلعه: قهوة البن مرهم الحزن ... وشفا الأنفس فهي تكسو شقائق الحسن ... من لها يحتسي وقد عارضه الشيخ أبو الفتح المالكي المغربي بموشح على وزنه وقافيته. وفيها عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن الخراساني الجامي الأحمدي [3] الهمداني الطريقة، العارف بالله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 161) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 179- 181) . [3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 846- 855) و «الكواكب السائرة» (2/ 181- 183) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 103) .

خرج من بلاده يريد الحجّ في جمّ غفير من مريديه، فدخل القسطنطينية في دولة السلطان سليمان، فأكرم مثواه هو وأركان دولته، وتلقّن السلطان منه الذّكر، ثم دخل حلب وقرأ بها الأوراد الفتحية على وجه خشعت له القلوب وذرفت منه العيون. قال ابن الحنبلي: وسألته عن وجه قوله في نسبته الأحمدي، فقال: هي نسبة إلى جدّي مير أحمد أحد شيوخ جام في وقته. قال: ونسبي متصل بجابر بن عبد الله البجلي. قال: واستخبرته عن شيخه في الطريق فقال: هو حاجي محمد الجوشاني. قال وسألته تلقين الذكر فلقّنني إيّاه. وكتب لي دستور العمل، ولكن بالفارسية، ثم حجّ، وتوجه إلى بلاده، وتوفي ببخارى. قال ابن الحنبلي: وكان محدّثا، مفسّرا، مستحضرا للأخبار، معدودا من أرباب الأحوال، والصواب أنه توفي سنة ثلاث وستين [1] . وفيها عبد اللطيف الخراساني الحنفي [2] العالم العلّامة. دخل دمشق سنة تسع وثلاثين حاجّا، فنزل بالصالحية، وظهر علمه وعمله خصوصا في التفسير. وفيها عيسى باشا بن إبراهيم الرّومي [3] الحنفي أمير أمراء دمشق. كان له أولا اشتغال بالعلم، وصار مدرّسا بعدة مدارس، حتى اتصل إلى إحدى الثمان، ثم صار موقّعا بالديوان السّلطاني، ثم ولي الإمارة في بعض البلاد، ثم إمارة حلب فأحسن فيها السيرة، ثم إمارة دمشق وعزل منها ثم أعيد إليها ورسخ فيها.

_ [1] يعني وتسعمائة. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 183) . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (254) و «در الحبب» (1/ 2/ 1056- 1060) و «الكواكب السائرة» (2/ 235) .

وكان عالما بعدة من العلوم، ولم يترك المطالعة أيام الإمارة. وكان له حسن أدب ولطف معاشرة، إلّا أنه كان إذا اشتد غضبه خمش يديه فيدميها وهو لا يدري، وأبطل كثيرا من الظّلامات، وعاش أهل القرى أيام ولايته عيشة طيبة. وكان مكرما لأهل العلم ومشايخ الصوفية، ولبس الخرقة القادرية من الشيخ حسن الكيلاني لما قدم دمشق. [وتوفي بدمشق] [1] في يوم الأحد تاسع صفر، وأوصى أن يلقّن فلقّته الشيخ أبو الفتح المالكي، وأوصى أن يسحب على الأرض قبل الدفن إلى قبره تعزيرا لنفسه، فحمل سريره إلى الصالحية، فلما قرّب من قبره سحب على الأرض قليلا تنفيذا لوصيته، ودفن في حوش الشيخ محيي الدّين [بن] العربي عند شبّاكه الشرقي بوصيّة منه. وفيها قطب الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الدمشقي الصّالحي الحنفي [2] شيخ الإسلام، مفتي بلاد الشام، الإمام العلّامة. ولد ليلة ثاني عشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ عن القاضي عبد البرّ بن الشّحنة وغيره، وكان بيده تدريس القصّاعية المختصة بالحنفية، وتدريس الظاهرية التي هي مسكنه، والنظر عليها. وكان له تدريس في الجامع الأموي، وغير ذلك من المناصب العليّة. وولي القضاء بمصر في زمن الغوري نيابة عن شيخه ابن الشّحنة، وكفّ بصره من بعد مع بقاء جمال عينيه، بحيث يظن أنهما بصيرتان. وكان حسن الوجه والذات، جليل المقدار، مهيبا، معظّما، نافذ الكلمة عند الدولة، يردون إليه الأمراء في الفتوى، ماسك زمام الفقهاء، وكان يملي من يكتب

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «ط» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 12- 14) و «الأعلام» (7/ 57) .

الجواب على الأسئلة التي ترفع إليه، واتخذ ختما منقوشا يختم به على الفتوى خوفا من التلبيس عليه. وكان يقول بتحريم القهوة. وصنّف مؤلفا في الفقه، ورسالة في تحريم الأفيون و «البرق اللامع في المنع من البركة في الجامع» وغير ذلك. وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشري ذي القعدة ودفن داخل تربة القلندرية من باب الصغير في بيت مسقف معدّ للعلماء والصلحاء من الموتى. وفيها نجم الدّين محمد بن أحمد بن عمر البابي الحلبي الشافعي، المعروف في مدينة الباب بابن صليلة، وفي حلب بالنّجم الإمام [1] لأنه كان إماما لخير بك الأشرفي كافل حلب، الإمام الفقيه الأصولي الخطيب ابن الخطيب. كانت له قراءة حسنة وصوت جهوري. وتوفي في أواخر [ذي] الحجة. وفيها المولى محيي الدّين محمد بن عبد الله، أحد موالي الرّوم الحنفي، الشهير بمحمد بيك [2] . كان من مماليك السلطان أبي يزيد، ورغب في العلم، وترك طريق الإمارة، وقرأ على جماعة، منهم المولى مظفّر الدّين العجمي، والمولى محيي الدّين الفناري، وغيرهما. ثم خدم ابن كمال باشا، وصار معيدا لدرسه، ثم تنقّل في المدارس، ثم اختل دماغه، ثم برئ، فسافر إلى مصر في البحر، فأسرته النصارى، فاشتراه بعض أصدقائه منهم، ثم عاد إلى قسطنطينية، فأعطاه السلطان سليمان سلطانية بروسا، ثم مدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم قضاء دمشق، فدخلها حادي عشر صفر سنة ست وأربعين، وعزل عنها في صفر سنة تسع وأربعين، فعاد

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 26) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (294) و «الكواكب السائرة» (2/ 38) .

إلى الرّوم، واختل مزاجه غاية الاختلال، وأعطي في أثناء المرض قضاء مصر فسافر إليها في أيام الشتاء، فأدركته المنية في الطريق. وكان محبّا للعلم وأهله وللصوفية، وله مهارة في العلوم العقلية ومعرفة بالعلوم الرياضية، وله تعليقات على بعض الكتب. وتوفي في بلدة كوتاهية. وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن حسن [1] بن محمد [1] الرّعيني [2] الأندلسي الأصل الطرابلسي المولد المالكي، نزيل مكّة، ويعرف هناك كسلفه بالحطّاب، ويتميّز عن شقيق له أكبر منه اسمه محمد أيضا بالرّعيني، وذلك بالحطّاب، ويعرف في مكّة بالطرابلسي. ولد في صفر سنة إحدى وستين وثمانمائة بطرابلس، ونشأ بها، فحفظ القرآن و «الرائية» و «الجزرية» وتفقه فيها يسيرا على محمد القابسي، وعلى أخيه، ثم تحوّل مع أبويه وأخيه وجماعتهم إلى مكة سنة سبع وسبعين، فحجّوا ورجعوا، وقد توفي بعضهم، فأقاموا بها سنين، ومات كل من أبويه في أسبوع واحد في ذي الحجّة سنة إحدى وثمانين بالطّاعون، واستمر هو وأخوه بها إلى أن عادا لمكّة في موسم سنة أربع وثمانين، فحجّا، ثم جاورا بالمدينة النبوية التي تليها، وعاد الأخ بعد حجّه منها إلى بلاده وهو إلى المدينة، وقرأ على الشمس العوفي في العربية، وعلى السّراج معمر في الفقه وغيره، وعاد لمكة فلازم الشيخ موسى الحاجبي، وقرأ فيها القراآت على موسى المراكشي، وصاهر ابن حزم على ابنته، وسمع من الحافظ السخاوي، كل ذلك مع الفاقة والعفّة، ونعم الرجل كان. قال جار الله ابن فهد: وقد فتح الله عليه في آخر عمره وصار من المعتقدين في العلم والدّين، وظهر له ثلاثة من الأولاد هم الجمال محمد، وزيني بركات، والشّهاب أحمد، وزوجهم في حياته، ورأى أولادهم، مع نجابتهم، وصار أكثرهم من المفتين والمدرّسين بحرم الله الأمين، وانقطع بمنزله عدة سنين، وهو يدرّس

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (236- 237) .

فيه، ورتّب له مرتّب في الجوالي، واعتقده الناس في الآفاق، وقصد بالفتوحات والودائع، وناله الضّرر من الدولة بسببها وهو متقنع متعفّف مجتهد في عمارة الأوقاف التي تحت نظره، وكذلك ولده الأكبر، وتحمّل لذلك كثيرا من الديون، وقاسى شدّة في مرضه حتى. توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر عن تسعين سنة. وفيها شمس الدّين محمد بن عبدو الشيخ الصّالح الزاهد المعمّر الخاتوني [1] الأردبيلي [2] الخرقة الحنفي. ولد بسرة الفرات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة وحملته أمه إلى الشيخ محمد الكواكبي الحلبي، فأمر خليفته الشيخ سليمان العيني أن يربيه، ولم يزل يتعاطى الذكر والفكر، حتى فتح عليه، وكان يتردّد إليه الزوّار فلا يرى نفسه إلا ذليلا، ولا يطلب أحد منه الدّعاء إلا سبقه إلى طلبه منه. وكان زاهدا، متعففا عما في أيدي الناس، وعن أموال عظيمة، كانت تدفعها إليه الحكام، وكان يؤثر العزلة، وشاع عنه أنه كان ينفق من الغيب، وكانت مكاشفاته ظاهرة، وكان كثيرا يقول لست بشيخ ولا خليفة. وتوفي بحلب في أواخر شوال. وفيها المولى محيي الدّين محمد بن مصطفى القوجوي [3] الحنفي الإمام العلّامة. اشتغل، وحصّل، ثم خدم المولى ابن فضل الدّين، ثم درّس بمدرسة خواجه خير الدّين بالقسطنطينية، ثم آثر العزلة، فترك التدريس، وتقاعد بخمسة عشر عثمانيا، وكان يستكثرها على نفسه، ويقول: يكفيني منها عشرة، ولازم بيته، وأقبل على العلم والعبادة.

_ [1] في «آ» و «ط» : «الخاقوني» والتصحيح من مصدري الترجمة. [2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 186- 186) و «الكواكب السائرة» (2/ 45) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 59) .

وكان متواضعا يحبّ أهل الصلاح، [وكان يشتري حوائجه من السوق بنفسه مع رغبة الناس في خدمته فلا يرضى إلّا بقضائها بنفسه تواضعا وهضما للنفس] [1] وكان يروي التفسير في مسجده، فيجتمع إليه أهل البلد يسمعون كلامه، ويتبرّكون بأنفاسه، وانتفع به كثيرون، وكان يقول: إذا شككت في آية من القرآن أتوجه إلى الله تعالى فيتسع صدري، حتى يصير قدر الدنيا ويطلع فيه قمران لا أدري هما أي شيء، ثم يظهر نور فيكون دليلا إلى اللوح المحفوظ، فاستخرج منه معنى الآية. وممن أخذ عنه صاحب «الشقائق» قال: وهو من جلّة من افتخرت به، وما اخترت منصب القضاء إلّا بوصية منه، وله «حواش على البيضاوي» جامعة لما تفرّق من الفوائد في كتب التفسير سهلة قريبة، وشرح على الوقاية في الفقه، و «شرح الفرائض السراجية» و «شرح المفتاح للسكاكي» و «شرح البردة» . وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن يوسف الحريري الأنطاكي ثم الحلبي [2] ، الحنفي، عرف بابن الحمصاني. ولد بأنطاكية سنة تسعين وثمانمائة، وجوّد القرآن على الشيخ محمد الداديخي وغيره، وقرأ «الجزرية» على البدر السّيوفي، وغيره و «السراجية» على الزين بن فخر النساء، وسمع عليه صدر الشريعة، وقرأ على الشيخ عبد الحق السّنباطي كتاب «الحكم» لابن عطاء الله، وأجاز له إسماعيل الشّرواني، وابن فخر النّساء، وحجّ أربع مرات، منها ثنتان في المجاورة، وزار بيت المقدس، ودخل القاهرة وغيرها، وطاف البلاد، واجتمع بمشاهير العلماء، والصوفية، ثم قطن بعد أسفاره العديدة المديدة بحلب، وصحب بها ابن الحنبلي، ثم توفي بالرّملة. وفيها المولى محمد، المعروف بشيخي چلبى [3] أحد موالي الرّوم. كان فاضلا، ذكيا، متواضعا، محبا لأهل الخير، خدم المولى محيي الدّين

_ [1] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» واستدركته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (293) . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (293) و «الكواكب السائرة» (2/ 73) .

الفناري، ثم المولى بالي الأسود، ثم درّس بمدرسة مولانا خسرو، ثم بمدرسة ابن ولي الدّين، ثم بمدرسة بيري باشا، ثم بأبي أيوب ثم بإحدى الثمان، ومات على ذلك. وفي حدودها المولى محمد، وقيل: مصطفى، الشهير بمرحبا [1] أحد الموالي الرّومية. كان يعرف بابن بيري محمد چلبي، وكان محقّقا مدقّقا، محبا للفقراء. قرأ على المولى ركن الدّين بن زيرك، والمولى أمير جلبي، ثم خدم المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس، حتى درّس بإحدى الثمان، ثم صار قاضيا بدمشق، فدخلها في رابع عشري محرم سنة خمس وأربعين، وعزل عنها في عشري ذي القعدة من السنة المذكورة، وأعطى قضاء بروسا، ومات وهو قاض بها. وفيها السيد الشريف محمود العجمي الشافعي [2] العلّامة مدرّس الأتابكية بصالحية دمشق. وكان مقيما بالبادرائية داخل دمشق، وكان مقصدا للطلبة ينتفعون به، وكانت له يد طولى في المعقولات. وتوفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن بباب الصغير.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (290) و «الكواكب السائرة» (2/ 73) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 294) .

سنة إحدى وخمسين وتسعمائة

سنة إحدى وخمسين وتسعمائة فيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن داود المنزلاوي الشافعي [1] ، الشيخ الصّالح الزّاهد الورع. كان محدّثا، فقيها، صوفيا، كريما، يخدم الفقراء بنفسه- كما كان والده- ويقري الضيوف، وتظهر عليه خوارق في ذلك، فربما يجعل الماء والأرز في القدر، فيجعل الله فيه الدسم من لبن وغيره، حتى يقول الضيف: ما ذقت ألذّ منه، وربما ملأ الإبريق من البئر شيرجا أو عسلا. وكانت له هيبة عند الحكّام، وكان قائما بشعار السّنّة في بلاد المنزلة ودمياط، بحيث لا يقدر أحد أن يتظاهر فيهما بمعصية أو ترك صلاة. توفي بالمنزلة عن نيّف وثمانين سنة، ودفن عند والده. وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن العلّامة سراج الدّين عمر البارزي الحموي الشافعي [2] المعمّر الإمام الفاضل. وفيها أمير شريف العجمي المكّي [3] العلّامة في الطبّ. قدم دمشق سنة تسع وأربعين وتسعمائة، متوجها إلى الرّوم.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) ، و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 187- 188) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 114- 115) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 124) .

قال ابن طولون: وبلغني أنه شرح «رسالة الوجود» للسيد الشريف، وشرح «الفصوص» [1] للمحيي الدين العربي. انتهى. وفيها بدر الدّين حسن بن إسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن النّصيبي الحلبي، ثم المصري [2] الضّرير الشافعي، المعروف بالشيخ حسن. ولد سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وكان عالما بارعا في الفقه، والقراآت، والنحو، والتجويد. قال الشعراوي: شيخي وقدوتي إلى الله تعالى، العلّامة الورع الزّاهد. كان عالما، عاملا، حافظا لمتون الكتب الشرعية وآلاتها على ظهر قلب، حافظا للسانه، ملازما لشأنه، مواظبا على الطهارة الظّاهرة والباطنة، غزير الدمعة، لا يسمع آية أو حديثا أو شيئا من أحوال الساعة وأهوال يوم القيامة إلّا بكى، حتى أرحمه من شدة البكاء. قال: وكان كريم النّفس، جميل المعاشرة، أمّارا بالمعروف، لا يداهن أحدا في دين الله تعالى، وهو أكثر أشياخي [3] نفعا لي، قرأت عليه القرآن، و «المنهاج» و «الألفية» و «الشاطبية» و «التوضيح» و «جمع الجوامع» و «تلخيص المفتاح» و «قواعد الإعراب» . وتوفي بمصر ودفن خارج باب النصر. انتهى ملخصا وفيها المولى عبد العزيز بن زين العابدين الحنفي [4] أحد موالي الرّوم، الشهير بابن أم ولد شهرة جدّه لأمّه.

_ [1] يعني «فصوص الحكم» وقد نشر قديما في مطبعة دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة في جزأين بمجلد واحد سنة (1365 هـ) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 134- 135) . [3] في «ط» : «أشياخه» . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (244) و «در الحبب» (1/ 2/ 807- 816) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 168- 169) .

اشتغل بالعلم، وحصّل، واتصل بخدمة المولى ابن المؤيد، ودرّس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية، ثم بدار الحديث بأدرنة، ثم ولي قضاء حلب، ثم صار مفتيا ومدرّسا بأماسية، ثم ترك المناصب، وتقاعد، فعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا. وكان عالما، كاملا، شاعرا، لطيفا. ومن شعره ما كتبه على وثيقة وهو قاض بمغنيسا: هذه حجّة مبانيها [1] ... أسست بالوثاق تأسيسا صحّ عندي جميع فحواها ... لن ترى في السطور تلبيسا ثم عبد العزيز وقّعها ... قاضيا في ديار مغنيسا قال ابن الحنبلي: كان فاضلا، فصيحا، حسن الخط، لطيف الشعر باللسان العربي، بديع المحاضرة، جميل المذاكرة. انتهى وتوفي بالقسطنطينية. وفيها الشيخ زين الدّين عمر العقيبي [2] العارف بالله تعالى، المربي المسلك الحموي الأصل، ثم العقيبي الدمشقي، المعروف بالإسكاف. كان في بدايته إسكافا يصنع النّعال الحمر، ثم صاحب الشيخ علوان الحموي، وبقي على حرفته، غير أنه كان ملازما للذّكر أو الصّمت، ثم غلبت عليه الأحوال، فترك الحرفة، وأقبل على المجاهدات، ولزم خدمة أستاذه الشيخ علوان، حتى أمره أن يذهب إلى دمشق ويرشد الناس. وكان كثير المجاهدات، شديد التّقشف، ورعا. وكان أمّيّا، لكن ببركة صدقه فتح الله عليه في الكلام في طريق القوم والتكلم على الخواطر التي يشكوها إليه الفقراء.

_ [1] تحرفت في «ط» إلى «مباينها» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229- 233) ، و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 224- 225) .

وكان مدة إقامته بدمشق، يسافر لزيارة شيخه في كل سنة مرة، يقيم بحماة ثلاثة أيام ويرجع. قال الشيخ إبراهيم بن الأحدب: وأخذت عنه الطريق، وانتفعت به، وانتفع به كثير من الناس. انتهى وكان يعامل أصحابه ومريديه، بالمجاهدات الشاقة على النّفوس، وكان ربما أمر بعضهم بالركوب على بعير، ويعلّق في عنقه بعض الأمتعة، ويأمر آخر أن يقود به البعير وهما يجهران بذكر الله تعالى، كما هو المشهور من طريقته، وله أحوال خارقة. ومن جملة مريديه وملازميه الشيخ محمد الزّغبي المجذوب المعتقد، وكان للشيخ عمر ولدان، وكان عيسى باشا كافل دمشق من جملة معتقديه، وأخذ عنه الطريق. وتوفي الشيخ عمر في هذه السنة، ودفن بزاويته بمحلّة العقيبة، وظهر في الشمس تغيّر وظلمة شبه الكسوف يوم موته. وفيها أقضى القضاة محبّ الدّين محمد بن قاضي القضاة سري الدّين عبد البرّ بن محمد بن الشّحنة المصري [1] المولد والمنشأ الحنفي. كان أسمر، من سرية أبيه المسماة غزال، واشتغل بالعلم على أبيه وغيره، وولي نيابة الحكم عنده [2] ثم نيابة الحكم عنه [2] ، ثم قدم إلى [3] حلب عند انقضاء الدولة الجركسية، بعد أن حجّ وجاور. وكان مقداما، محتشما، حسن الملبس، لطيف العمامة، حسن المطارحة، لطيف الممازحة، رقيق الطبع، سريع الشّعر مع حسنه ورقته في الجملة.

_ [1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 256- 258) ، و «الكواكب السائرة» (2/ 40) ، و «إعلام النبلاء» (5/ 500- 501) . [2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] لفظة «إلى» سقطت من «ط» .

ومن شعره في مليح اسمه إبراهيم: يا حبيبي صل معنّي ... ذاب وجدا وغراما وارحمن صبّا كساه ... غزل عينيك سقاما ورماه عن قسيّ ال ... حاجب اللّحظ سهاما أنحلته رقّة الخص ... ر نحولا حيث هاما لا يرى إلّا خيالا ... إن تقل [1] فيه نظاما لم يذق من يوم غبتم ... عنه لا أكلا ولا ما أطلقت عيناه نهرا ... طلّقت منه المناما أوقدت حشو [2] حشاه ... نار خدّيك ضراما عجبا للنّار فيه ... وبه حزت المقاما إنّ بعد الوصل عادت ... بك بردا وسلاما وتوفي بحلب ليلة الأحد تاسع شعبان قبيل الفجر، ودفن بتربة موسى الحاجب خارج باب المقام. وفيها قاضي القضاة، عفيف الدّين محمد بن علي بن عمر بن علي بن جنغل- بضم الجيم، والغين المعجمة، بينهما نون ساكنة- الحلبي المالكي [3] آخر قضاة المالكية بحلب، وابن قضاتها. ولد يوم الأربعاء تاسع عشري شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه بالشيخ علي المكناسي [4] المغربي المالكي، وولي القضاء من قبل السلطان

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» : «إن تقل» وفي «درّ الحبب» : «إن يقل» . [2] في «آ» و «ط» : «حشي» وما أثبته من «درّ الحبب» و «الكواكب السائرة» . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 276- 278) و «الكواكب السائرة» : (2/ 48) و «إعلام النبلاء» (5/ 499- 500) . [4] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» وإحدى نسخ «درّ الحبب» كما في حاشيته: «المكناسي» . وفي «ط» و «درّ الحبب» و «إعلام النبلاء» : «الكناسي» .

الأشرف قايتباي تاسع عشري شوال سنة سبع وتسعين وهو ابن نيف وعشرين سنة، ثم انكفّ عن المناصب في الدولة العثمانية، ولزم بيته آخرا في رفاهية وطيب عيش، والمسلمون سالمون من يده ولسانه، ولم يكن يخرج من بيته إلّا لصلاة الجمعة والعيدين، وربما شهد بعض الجنائز. وتوفي في [1] نهار الأربعاء ثاني شوال. وفي حدودها عصام الدّين إبراهيم بن محمد بن عرب شاه [2] من ذرّيّة أبي إسحاق الإسفراييني- وإسفرايين [3] قرية من قرى خراسان. كان أبوه قاضيا بها وجدّه في أيام أولاد تيمور- وهو من بيت علم، ونشأ هو طالبا للعلم [4] ، فحصّل وبرع، وفاق أقرانه، وصار مشارا إليه بالبنان. وكان بحرا في العلوم، له التصانيف الحسنة النافعة في كل فنّ، خرج في أواخر عمره من بخارى إلى سمرقند لزيارة الشيخ العارف خواجه عبيد الله النّقشبندي، فمرض بها مدة اثنين وعشرين يوما، ثم قضى نحبه عن اثنتين وسبعين سنة. وكان آخر ما تلفظ به: الله. وازدحم الناس للصلاة عليه ودفن بسمرقند قرب الشيخ المذكور. وفيها جمال الدّين أبو مخرمة محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي [5] يجتمع مع الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه في الأب السادس. ولد ببلدة الهجرين من اليمن ونشأ بها، ثم ارتحل إلى عدن لطلب العلم، فأخذ عن إماميها الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه، والفقيه محمد بن أحمد فضل، ثم ارتحل إلى زبيد وأخذ عن علمائها، ثم رجع إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن

_ [1] لفظة «في» لم ترد في «آ» . [2] ترجمته في «الأعلام» (1/ 66) ووفاته فيه (945) وانظر حاشيته. [3] لفظة «وإسفرايين» سقطت من «ط» . [4] في «ط» : «العلم» . [5] ترجمته في «النور السافر» ص (238- 239) .

أحمد مخرمه وولده العلّامة شهاب الدّين أحمد، وانتفع بهما، وتخرّج عليهما. ولما وصل العلّامة محمد بن الحسين القمّاط قاضيا على عدن، ثم بعده العلّامة أحمد بن عمر المزجد قاضيا أيضا، لازم كلّا منهما، ولم يزل مجتهدا حتى فاق أقرانه في الفقه، وصار في عدن هو المشار إليه، والعلم المعوّل عليه، واحتاج الناس إلى علمه، وقصدوه بالفتوى من النواحي البعيدة، لكنه قد كان [1] يتساهل في الفتاوى ويترك المراجعة، لا سيما في أواخر عمره، فاختلفت أجوبته وتناقضت فتاويه، وكان ذلك مما عيب عليه، ثم كان السلطان عامر بن داود- وهو آخر ملوك بني طاهر بعدن- استماله في آخر عمره وأحسن إليه لأغراض فاسدة عزم عليها، فكان إذا عزم على أمر فاسد يتعلق بالشرع أرسل إليه من يشاوره في كتب سؤال في القضية، فيجيبه إلى ذلك، ويكتب على سؤالاتهم أجوبة توافق أغراضهم، فيتوصلون بها إلى مفاسد لا تحصى، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وتوفي ببلدة الهجرين، سامحه الله تعالى.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ولكنه كان قد» وأثبت لفظ «النور السافر» مصدر المؤلّف، ولا حاجة للفظة «قد» في السياق هنا.

سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة

سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وفيها توفي المولى بير أحمد بن حمزة، الشهير بابن بليس الحنفي [1] الفاضل. اشتغل بالعلم، وحصّل، ودرّس ببعض المدارس، ثم بمدرسة إسكوب، ثم وصل إلى إحدى الثمان، ثم صار قاضيا بمصر، ثم أعطي تقاعدا عنها بمائة عثماني، ومات على ذلك، وخلّف دنيا طائلة، وكتبا نفيسة. وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن جلال الدّين محمد البكري الصّدّيقي [2] الشافعي، الشيخ الإمام المحدّث، نادرة الزّمان وأعجوبة الدهر، الصوفي الأستاذ. أخذ الفقه والعلوم عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، وغيرهما. وأخذ التصوف عن الشيخ رضي الدّين الغزّي العامري، والشيخ عبد القادر الدشطوطي. قال الشّعراوي: أخذ العلم عن جماعة من مشايخ الإسلام والتصوف عن الشيخ رضي الدّين الغزّي، وتبحر في علوم الشريعة، من فقه، وتفسير، وحديث، وغير ذلك. وكان إذا تكلم في علم منها، كأنه بحر زاخر، لا يكاد السّامع يحصل من كلامه على شيء ينقله منه لوسعه إلّا أن يكتبه.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (243) و «الكواكب السائرة» (2/ 106) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 194- 197) .

قال: وأخبرني من لفظه، ونحن بالمطاف أنه بلغ درجة الاجتهاد المطلق. وقال: إنما أكتم ذلك عن الأقران خوفا من الفتنة بسبب ذلك، كما وقع للجلال السيوطي. قال: وكانت مدة اشتغاله على الأشياخ نحو سنتين، ثم جاء الفتح من الله، فاشتغل بالتأليف. انتهى ومن مؤلفاته «شرح المنهاج» و «شرح الروض» و «شرح العباب» للمزجد، و «حاشية على شرح المحلّى» . قال الشعراوي: وهو أول من حجّ من علماء مصر في محفّة، ثم تبعه الناس. قال: وحججت معه مرة فما رأيت أوسع خلقا ولا أكثر صدقة في السرّ والعلانية منه. وكان لا يعطي أحدا شيئا نهارا إلّا نادرا، وأكثر صدقته ليلية. وكان له الإقبال العظيم من الخاص والعام. وشاع ذكره في أقطار الأرض مع صغر سنّة. وكان له كرامات كثيرة، وخوارق، وكشوفات، وترجمه الناس بالقطبية العظمى، ويدلّ على ذلك ما أخبرنا به الشيخ خليل الكشكاوي. قال: رأيت الشيخ أبا الحسن البكري، وقد تطور، فكان كعبة مكان الكعبة، ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص. قال: وكان له النظم السائغ في علوم التوحيد، وأطلعني مرة على «تائية» عملها نحو خمسة آلاف بيت، أوائل دخوله في طريق القوم، ثم إنه غسلها وقال: إن أهل زماننا لا يحتملون سماعها لقلّة صدقهم في طلب الطريق. انتهى ومن شعره «التائية المشهورة» التي أولها: بوجودكم تتجمّل الأوقات ... وبجودكم تتنزّل الأقوات وهي طويلة مشهورة.

وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقاهرة ودفن بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنهما. وفيها- تقريبا- المولى محيي الدّين محمد بن بهاء الدّين بن لطف الله [1] الصّوفي الحنفي الإمام العلّامة المحقّق المعمّر المنّور، أحد الموالي الرّومية، الشهير ببهاء الدّين زاده. قرأ على المولى مصلح الدّين القسطلاني، ثم على المعرّف معلّم السلطان أبي يزيد، ثم مال إلى التصوف، فخدم العارف محيي الدّين الإسكليبي، وأجازه ب «الإرشاد» وجلس مدة في وطنه بالي كسرى، ثم عاد إلى القسطنطينية، وجلس في زاوية شيخه المذكور بعد موت المولى عبد الرحيم بن المؤيد. وكان عالما بالعلوم الشرعية والفرعية، ماهرا في العلوم العقلية، عارفا بالتفسير والحديث والعربية، زاهدا، ورعا، ملازما لحدود الشريعة، مراعيا لآداب الطريقة، جامعا بين علوم الشرع ومعارف الحقيقة، أمّارا بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم. ومن تصانيفه: «شرح الأسماء الحسنى» و «تفسير القرآن العظيم» و «شرح الفقه الأكبر» للإمام الأعظم، جمع فيه بين طريق الكلام وطريق التصوف، وله في التصوف رسائل كثيرة، وحجّ في سنة إحدى وخمسين، فدخل بلاد الشام. وتوفي ببلدة قيصرية، ودفن بها عند قبر الشيخ إبراهيم القيصري، وهو شيخ شيخه. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن القلوجي الدمشقي [2] الشافعي الواعظ المقرئ، أخو الشيخ أحمد القلوجي الآتي وأسنّ منه، إلا أنه توفي شابا. أخذ عن البدر الغزّي، والتّقي القاري، والسعد الذّهبي، وغيرهم، ومكث في القاهرة سنين في الاشتغال، ثم قدم دمشق يوم السبت ثاني عشري رمضان سنة

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (259- 260) و «الكواكب السائرة» (2/ 29- 30) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 48- 49) .

تسع وثلاثين وتسعمائة، ثم شرع يعظ تحت قبّة النّسر بالأموي عقب صلاة الجمعة، وابتدأ يوم عيد الفطر، وتكلّم على أول الأعراف [1] . وكان شابا، ذكيا، واعظا، يفتي ويدرّس في الشامية البرانية، وأمّ بمقصورة الأموي، شريكا للشّهاب الطّيبي. وكان عارفا بالقراءات. وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر رمضان، ودفن بباب الصغير، وتأسف الناس عليه.

_ [1] أي سورة الأعراف.

سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة

سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة فيها توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الأنطاكي الحلبي الحنفي، المعروف بابن حمارة [1] الإمام العلّامة الورع. ولد بأنطاكية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، وتخرّج في صنعة التوقيع بجدّة. وأخذ النحو، والصرف، عن الشيخ علاء الدّين العداسي الأنطاكي، والمنطق، والكلام، والأصول عن منلا محيي الدّين بن عرب الأنطاكي الحنفي، ثم قدم حلب، ولازم فيها البدر السيوفي، واشتغل في القراآت على الشيخ محمد الداديخي، وتعاطى صنعة الشهادة، ثم صار مدرسّا في توسعة جامع الضروري بحلب، وحجّ، وأجاز له بمكّة المحدّث عبد العزيز بن الحافظ نجم الدّين بن فهد، وبالقاهرة القاضي زكريا، والشيخ شهاب الدّين القسطلاني. ولم يزل مكبّا على التدريس، والتحديث، والتكلم على الأحاديث النبوية بالعربي والتركي بالجامع المذكور. وعرض عليه تدريس السلطانية بحلب فأعرض عنه، وولي خطابة الجامع المذكور، والحلاوية، والإفتاء بحلب، ثم حجّ ثانيا، فتحرك عليه وجع النقرس وهو بدمشق، وكان يعتريه أحيانا، واستمر به حتى دخل المدينة فخفّ عنه. قال ابن الحنبلي: وكان له الخطّ الحسن والتحشية اللطيفة على حواشي الكتب، ولم تكن له خبرة بأساليب أهل الدنيا، مع الصّلاح الزائد.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 111- 120) و «إعلام النبلاء» (5/ 510- 512) و «الكواكب السائرة» (2/ 97) وفيه: «ابن حمادة» وهو تحريف.

وله من التآليف «منسك لطيف» . وتوفي يوم عرفة طلوع الفجر وهو يتلو القرآن. وفيها بدر الدّين حسن، الشهير بابن الينابيعي الحلبي [1] الشافعي المقرئ. قال ابن الحنبلي: كان عالما، فاضلا، تلميذا للبدر السيوفي وغيره، وأدرك الشيخ جاكير صاحب الزاوية المشهورة بسرمين، وأخذ عنه القراآت، وكان من العارفين بها. وتوفي في هذه السنة وقد قارب المائة وقوته محفوظة. وفيها- تقريبا- السيد عفيف الدّين حسين بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يحيى بن أحمد بن محمد بن نصر بن عبد الرزّاق بن القطب الكبير سيدي عبد القادر الكيلاني الحلبي ثم الحموي [2] الشافعي، سبط النّظام التادفي الحنبلي. ولد بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة، ثم قطن حماة، وقرأ في الفقه، وسمع الحديث على الشّهاب البازلي، وسافر إلى دمشق، فتلقاه الفقراء والمشايخ وبعض الأعيان، ولبس منه الخرقة جماعة، وحصل له القبول من عيسى باشا نائب دمشق، وصار له حلقة في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة، ثم عاد إلى حماة، فودّعه الناس في يوم مشهود، ثم سافر إلى الرّوم، فطلبه السلطان سليمان، فدخل عليه، فأمره بالجلوس وأمر له بعشرين عثمانيا في زوائد عمارة والده بدمشق فأبى، ثم قبل بعد التصميم عليه، ثم عاد فدخل حلب سنة اثنتين وخمسين. وتوفي بحماة.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 531- 532) و «الكواكب السائرة» (2/ 138) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 558- 560) و «الكواكب السائرة» (2/ 138- 139) و «إعلام النبلاء» (6/ 86- 87) .

وفيها سعد الدّين سعد بن علي بن الدّبل- بالدال المهملة ثم الموحدة من تحت- الأنصاري الحلبي ثم الدمشقي الحنفي [1] . قال ابن طولون: هو مدرّس الماردانية بالجسر الأبيض بسفح قاسيون. اشتغل، وحصّل، وبرع، وتفقه، وولي القضاء بحلب نيابة، ثم قدم دمشق، ونزل بالخانقاه السّميساطية، ونظم الشعر بالعربي، والتركي، والفارسي، ونظم قصيدة في قاضي دمشق السيد عربية ملمعة باللسانين وشكره عليها. وتوفي يوم السبت سلخ صفر سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وجد مرميا على باب الخانقاة المذكورة تحت روشن خلوته بها وإبهاماه مربوطان وهو مخنوق، ولم يعلم له غريم، ودفن بتربة باب الفراديس، ولعله في عشر السبعين. انتهى وفيها- ظنا- المولى سنان چلبي [2] أحد الموالي الرّومية الحنفي الإمام العلّامة. ترقى في التداريس، ثم أعطي قضاء دمشق، فدخلها في صفر سنة تسع وأربعين وتسعمائة، وحكم فيها نحو ثلاث سنين وحمدت سيرته في قضائها. وفيها عبد الوهاب بن أبي بكر اللّيموني الغزّي الأصل الحلبي [3] المولد الشافعي الصّوفي الهمداني الخرقة. أحد أكابر حفّاظ القرآن العظيم بحلب، لبس الخرقة، وتلقّن الذّكر من الشيخ يونس بن إدريس، وألمّ ب «الشاطبية» وأقرأ فيها، وأمّ بجامع حلب. وتوفي في رمضان. وفيها الشيخ علي البحيري [4] . قال المناوي في «طبقاته» : هو ذو العلم الكثير، والزهد الجمّ الغفير،

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 657- 660) و «الكواكب السائرة» (2/ 146- 147) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 867- 868) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 169- 170) .

والخوف الذي ليس له في عصره نظير، لا يكاد يغيب شيء من أحوال القيامة عنه، وكثيرا ما يقول نسأل الله السلامة، ومنذ نشأ لم يضع له زمان ولا وضع جنبه على الأرض، مدى الأزمان، ولا ظفر الفراغ منه بأمان. وقال الشعراوي: صحبته نحو عشرين سنة، وكان جامعا بين الشريعة والحقيقة، أخذ علم الظّاهر عن جمع، منهم ابن الأقطع. وكان أكثر إقامته بالرّيف، يدور البلاد فيعلّم الناس دينهم ويرشدهم. وكان يفتي في الوقائع التي لا نقل فيها بأجوبة حسنة فيعجب منها علماء مصر. وكان يهضم نفسه، وإذا زاره عالم أو فقير يبكي ويقول: يزورك مثل فلان يا فضيحتك بين يدي الله. وإذا سئل الدعاء يقول: كلّنا نستغفر الله ثم يدعو. وكان يلام على كثرة الدعاء فيقول: وهل خلقت النار إلا لمثلي. وحكى عنه مناقب كثيرة. وتوفي في شوال ودفن بزاوية سيدي محمد المنير خارج الخانقاة السّرياقوسية. وفيها زين الدّين عمر بن نصر الله [1] الشيخ، العالم، الزاهد، العارف بالله تعالى، الصالحي الدمشقي الحنفي. وكان من أهل العلم، والصّلاح، طارحا للتّكلّف، يلبس العباءة، قانعا باليسير، يرجع إليه في مذهبه. وكان القطب بن سلطان يستعين به في تأليف ألّفه في فقه الحنفية. وتوفي مقهورا لما رآه من ظهور المنكرات وحدوث المحرّمات وضرب اليسق على الأحكام.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 227- 228) .

وكانت وفاته في سادس رجب ودفن بسفح قاسيون بالصالحية. وفيها السيد قطب الدّين أبو الخير عيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد الشريف [1] العلّامة المحقّق المدقّق الحسني الحسيني الأيجي الشافعي الصّوفي، المعروف بالصّفوي، نسبة إلى جدّه لأمّه السيد صفي الدّين والد الشيخ معين الدّين الأيجي الشافعي، اصحب «التفسير» . ولد سنة تسعمائة، واشتغل في النحو والصرف على أبيه، وتفقّه به، وأخذ عنه «الرسالة» الصغرى والكبرى للسيد الشريف في المنطق، ثم لازم الشيخ أبا الفضل الكازواني، صاحب «الحاشية على تفسير البيضاوي» و «الشرح على إرشاد القاضي شهاب الدّين الهندي» بكجرات من بلاد الهند، فقرأ عليه «المختصر» و «المطول» وغيرهما، وأجاز له ثم فارقه، وسمع بالهند أيضا على أبي الفضل الأستراباذي أشياء بقراءة غيره، ورحل إلى دلّي [2] ، وحضر مجالس علمائها وبحث معهم فظهر فضله، وأكرمه السلطان إبراهيم بن إسكندرشاه، وأدرك الجلال الدّواني وأجاز له، ثم حجّ وجاور بمكة سنين، وزار قبر النّبي صلّى الله عليه وسلم. وصحب بالمدينة الشيخ الزّاهد أحمد بن موسى الشّيشني المجاور بها، وأرخى له العذبة، وأذن له في ذلك، ثم دخل بلاد الشام في حدود سنة تسع وثلاثين، وأخذ عنه جماعة من أهل دمشق وحلب، ودرّس بدمشق في «شرح الكافية للرضي» وكان يعتمد على كلام الشيخ جمال الدّين بن مالك ما لا يعتمد على كلام ابن هشام. وزار بدمشق قبور الصالحين، وزار بيت المقدس، وسافر إلى الرّوم مرتين، وأنعم عليه السلطان سليمان بخمسين عثمانيا في خزينة مصر، ثم رجع إلى حلب فقدمها الشيخ محمد الأيجي للقائه، وعادا جميعا إلى دمشق، وأخذ عنه بحلب ابن الحنبلي ولبس منه الخرقة، وتلقّن الذّكر، ثم دخل مصر واستوطنها.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 233- 235) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 1045- 1056) و «الأعلام» (5/ 108) و «معجم المؤلفين» (8/ 32) . [2] قلت: ويقال لها «دهلي» أيضا وتعرف الآن ب «دلهي» وهي عاصمة دولة الهند المعاصرة.

وله مؤلفات، منها «شرح مختصر على الكافية» و «شرح الغرّة» في المنطق للسيد الشريف، و «شرح الفوائد الضيائية» في المعاني والبيان. قال ابن الحنبلي: وهو مما لم يكمله، و «مختصر النهاية» لابن الأثير في نحو نصف حجمها، و «تفسير من سورة عم إلى آخر القرآن» وكان من أعاجيب الزمان، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الشهير بابن طولون الدمشقي الصّالحي [1] الحنفي الإمام العلّامة المسند المؤرّخ. ولد بصالحية دمشق بالسهم الأعلى قرب مدرسة الحاجبية سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا، وسمع وقرأ على جماعة، منهم القاضي ناصر الدّين بن زريق، والسّراج بن الصّيرفي، والجمال ابن المبرّد، والشيخ أبو الفتح المزّي، وابن النّعيمي في آخرين، وتفقّه بعمّه الجمال ابن طولون وغيره، وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين من أهل الحجاز. وكان ماهرا في النحو، علّامة في الفقه، مشهورا بالحديث، وولي تدريس الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وإمامة السّليمية بالصالحية، وقصده الطلبة في النحو، ورغب الناس في السماع منه، وكانت أوقاته معمورة بالتدريس، والإفادة، والتأليف، وكتب بخطّه كثيرا من الكتب، وعلّق ستين جزءا، سمّاها بالتعليقات، كل جزء منها يشتمل على مؤلفات كثيرة، أكثرها من جمعه، ومنها كثير من تأليفات شيخه السيوطي. وكان واسع الباع في غالب العلوم المشهورة، حتى في التعبير والطب،

_ [1] ترجمته في «الفلك المشحون بأحوال محمد بن طولون» وقد ترجم فيه لنفسه بقلمه وهو أهم مصادر ترجمته و «الكواكب السائرة» (2/ 52- 54) و «الأعلام» (6/ 291) و «معجم المؤلفين» (11/ 51- 52) ومقدمتنا لكتابه «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» ص (30- 37) الطبعة الثانية إصدار مؤسسة الرسالة بيروت ومقدمة الأستاذ الشيخ محمد أحمد دهمان لكتابه «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» (1/ 9- 19) الطبعة الأولى، ومقدمة الأستاذ نزار أباظة لكتابه «فصّ الخواتم فيما قيل في الولائم» ص (6- 27) .

وأخذ عنه جماعة من الأعيان وبرعوا في حياته، كالشهاب الطّيبي شيخ الوعّاظ والمحدّثين، والعلاء بن عماد الدّين، والنجم البهنسي خطيب دمشق، ومن آخرهم الشيخ إسماعيل النابلسي مفتي الشافعية، والزين بن سلطان مفتي الحنفية، والشّهاب العيثاوي [1] مفتي الشافعية، والشّهاب [1] بن أبي الوفا مفتي الحنابلة، والقاضي أكمل بن مفلح، وغيرهم. ومن شعره: ارحم محبّك يا رشا ... ترحم من الله العلي فحديث دمعي من جفا ... ك مسلسل بالأوّل ومنه: ميلوا عن الدّنيا ولذّاتها ... فإنّها ليست بمحموده واتّبعوا الحقّ كما ينبغي ... فإنها الأنفاس معدودة فأطيب المأكول من نحلة ... وأفخر الملبوس من دوده وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى ودفن بتربتهم عند عمّه القاضي جمال الدّين بالسفح قبلي الكهف والخوارزمية، ولم يعقّب أحدا. وفيها محيي الدّين محمد الحنفي الرّومي، المعروف بإمام خانة [2] لكونه إمام قلندرخانة. كان بارعا في العلم أصولا وفروعا، وعربية وتفسيرا، ثم تصوّف، فصحب الشيخ حبيب القرماني، والشيخ ابن أبي الوفاء، والسيد أحمد البخاري، ثم صار إمام وخطيب جامع قلندرخان، وانقطع إلى الله تعالى، ولازم بيته، وكان مباركا، صحيح العقيدة، محافظا على حدود الشريعة. قال في «الشقائق» : وكان شيخا هرما، سألته عن سنّة فقال: مائة أو أقلّ منها

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (324) و «الكواكب السائرة» (2/ 74) .

بسنتين [1] ، وعاش بعد ذلك مقدار ثمان سنين، رحمه الله تعالى. وفي حدودها شمس الدّين محمد القهستاني الحنفي [2] المفتي ببخارى، وهو من شركاء المولى عصام الدّين. وكان إماما، عالما، زاهدا، فقيها، متبحرا، جامعا، يقال: إنه ما نسي قطّ ما طرق به سمعه [3] ، وله شرح لطيف على «الوقاية» ألّفه برسم الملك البطل الشجاع العالم العامل المستنصر السلطان [4] ابن السلطان [4] أبي المغازي عبيد الله خان السّيبكي. وقهستان: قصبة من قصبات خراسان [5] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «أو أقلّ سنين» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «الأعلام» (7/ 11) و «معجم المؤلفين» (9/ 179) و «معجم المطبوعات العربية» (2/ 1533) . [3] في «ط» : «ما طرق بسمعه» . [4] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [5] قهستان ويقال «قوهستان» : معناه موضع الجبال، وهي الجبال التي بين هراة ونيسابور. انظر خبرها في «معجم البلدان» (4/ 416) و «الأنساب» (10/ 264 و 269) و «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (108- 109) بتحقيقي وإشراف والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى، طبع دار ابن كثير.

سنة أربع وخمسين وتسعمائة

سنة أربع وخمسين وتسعمائة فيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد الأخنائي الشافعي الدمشقي [1] الإمام العلّامة. كان من العلماء والرؤساء، ماسكا زمام الفقهاء، أحد قضاة العدل، يلبس أحمد الثياب وأفخرها، ويركب حسان الخيل. اشتغل أولا على القاضي برهان الدّين بن المعتمد، ورافق تقي الدّين القاري عليه وعلى غيره في الاشتغال، وأخذ عن الكمال بن حمزة، وكانت له ديانة، ومهابة، ووقار. وتوفي ليلة الأربعاء سابع رجب، ودفن بتربته المعمورة قرب جامع جرّاح [2] . وفيها برهان الدّين إبراهيم بن العلّامة زين الدّين حسن بن عبد الرحمن بن محمد الحلبي الشافعي، الشهير بابن العمادي [3] الشيخ الإمام [4] شيخ الإسلام [4] . ولد بحلب بعد الثمانين وثمانمائة، ونشأ بها، وأخذ العلوم عن جماعة من أهلها، وممن ورد إليها منهم والده، والشمس البازلي، والشيخ أبو بكر الحبيشي،

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 78- 79) . [2] في «الكواكب السائرة» : «بغرب جامع جرّاح» . [3] ترجمته في «درّ الحبب» : (1/ 1/ 74- 83) و «الكواكب السائرة» (2/ 79- 80) . [4] ما بين الرقمين سقط من «ط» .

ومظفّر الدّين الشّيرازي نزيل حلب، وقرأ «المطوّل» وبعض العضد على البدر بن السيوفي، والفقه وغيره عن المحيوي عبد القادر الأبّار وغيرهم. وجدّ واجتهد، حتى فضل في فنون، ودرّس وأفتى ووعظ، مع الدّيانة، والسكون، ولين الجانب، وحسن الخلق. وحجّ من طريق القاهرة، وأخذ عن جماعة من أهلها، كالقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف والنّور المحلّي، والشّهاب القسطلاني، وقرأ عليه «شرحه على البخاري» و «المواهب اللّدنية» وغيرهما، وأخذ بمكّة عن العزّ بن فهد، وابن عمّه الخطيب، وغيرهما، ولقى بها من مشايخ القاهرة عبد الحق السّنباطي، وعبد الرحيم بن صدقة، وأخذ عنهما، وأخذ بغزّة عن شيخها الشّهاب بن شعبان، ثم أكب على إفادة الوافدين إليه في العربية، والقراآت، والفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والتفسير، وغير ذلك، وكان لا يردّ أحدا من الطلبة، وإن كان بليدا، وأفتى، وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا، وانتهت إليه رئاسة الشافعية بحلب. وتوفي يوم الجمعة في رجب، ودفن وراء المقام الإبراهيمي خارج باب المقام. وفيها جار الله بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي [1] المكّي الشافعي الإمام العلّامة المسند المؤرّخ. ولد ليلة السبت العشرين من رجب سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، بمكّة، ونشأ بها في كنف أبويه، فحفظ القرآن العظيم وكتبا، منها «الأربعين النواوية» و «المنهاج الفقهي» وسمع من السّخاوي، والمحبّ الطّبري، وأجاز له جماعة، كعبد الغني البساطي وغيره، ولازم والده في القراءة والسماع، وتوجه معه للمدينة وجاورا بها سنة تسع وتسعمائة، وسمع بها من لفظ والده تجاه الحجرة الشريفة

_ [1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 52) و «النور السافر» ص (241- 242) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 434- 436) و «الكواكب السائرة» (2/ 131) و «الأعلام» (6/ 209) و «معجم المؤلفين» (3/ 107) .

الكتب الستة، و «الشفا» لعياض، وغيرها، وعلى السيد السّمهودي بعضها، وتاريخه «الوفا» و «فتاواه» وألبسه خرقة التصوف، ولما عاد إلى مكّة أكثر على والده من قراءة الكتب الكبار والأجزاء الصغار، وانتفع بإرشاده، وخرّج الأسانيد والمشيخات لجماعة من مشايخه وغيرهم، واستوفى ما عند مشايخ بلده من السّماع [1] ، ورحل إلى مصر، والشام، وبيت المقدس، وحلب، واليمن، وأخذ بها وبغيرها من البلدان عن نحو السبعين من المسندين، وأجازه خلق كثيرون جمعهم في مجمع حافل، ولازم الشيخ عبد الحق السّنباطي، وخرّج له «مشيخة» اغتبط بها، وكذا المحبّ النّويري وغيرهما، من الأكابر، وبرع في العلوم العقلية، والشرعية، ودخل بلاد الرّوم، ورزق الأولاد، وحدّث بالحرمين وغيرهما. وتوفي ليلة الثلاثاء خامس عشر جمادى الآخرة. وفيها- ظنّا- المولى داود بن كمال أحد موالي الرّوم [2] . قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذكيا مدقّقا، له يد طولى في العلوم، كريم الطبع، مراعيا للحقوق، قوّالا بالحقّ، لا يخاف في الله لومة [3] لائم. اشتغل في طلب العلم حتّى توصّل إلى خدمة المولى الفاضل ابن الحاج حسن، ثم انتقل إلى خدمة المولى ابن المؤيد، ثم ولي التداريس، ثم صار قاضيا بمدينة بروسا مرّتين، ثم اختار التقاعد، فعيّن له كل يوم مائة درهم عثماني، ولم يشتغل بالتّصنيف، ومات على ذلك. وفيها شاهين بن عبد الله الجركسي [4] العابد الزاهد، بل الشيخ العارف بالله تعالى، الدّال عليه والمرشد إليه.

_ [1] في «آ» : «واستوفى ما عند مشايخه من السماع» . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (239) و «الكواكب السائرة» (2/ 142- 143) . [3] في «آ» : «لومة» ولفظة «لائم» لم ترد فيها. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 150- 151) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 184) .

كان من مماليك السلطان قايتباي، وكان مقرّبا عنده، فسأل السلطان أن يعتقه ويخليه لعبادة ربّه ففعل، وساح إلى بلاد العجم وغيرها، وأخذ الطريق عن سيدي أحمد بن عقبة اليمني المدفون بحوش السلطان برقوق، فلما مات صحب نحو ستين شيخا ولما دخل العجم أخذ عن سيدي عمر روشني بتبريز، ثم رجع إلى مصر، وأقام بالمحل الذي دفن فيه من جبل المقطّم، وبنى له فيه معبدا. وكان لا ينزل إلى مصر إلّا لضرورة شديدة، ثم انقطع لا ينزل من الجبل سبعا وأربعين سنة، واشتهر بالصّلاح في الدولتين، وكان أمراء مصر وقضاتها وأكابرها يزورونه [1] ويتبركون به، وكان يغتسل لكل صلاة. ومن كراماته أنه قام للوضوء بالليل فلم يجد ماء فبينما هو واقف وإذا بشخص طائر في الهواء وفي عنقه قربة ماء فأفرغها في الخابية ثم رجع طائرا نحو النيل. وتوفي في شوال ودفن بزاويته في الجبل، وبني السلطان عليه قبّة، ووقف على مكانه أوقافا. وفيها السيد عبد الرحمن بن حسين الرّومي الحسيني الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية. ولد سنة أربع وستين وثمانمائة، وقرأ في شبابه على المولى محيي السّاموني، والمولى على الفناري، وغيرهما، ثم صار مدرّسا بمدرسة جند بك بمدينة بروسا. وكان بارعا في العلوم العقلية، مشاركا في غيرها من العلوم، محقّقا، مدقّقا، زاهدا، ورعا، راضيا من العيش بالقليل، ثم غلب عليه الانقطاع إلى الله والتوجه إلى الحقّ وترك التدريس، فعيّن له كل يوم خمسة عشر عثمانيا فقنع بها، ولم يقبل الزيادة عليها، وانقطع بمدينة بروسا، وحكى عن نفسه أنه مرض في مدينة أدرنة وهو ساكن في بيت وحده وليس عنده أحد، فكان في كل ليلة ينشقّ له

_ [1] في «ط» : «يزورنها» وهو خطأ. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (235- 237) و «الكواكب السائرة» (2/ 159- 160) .

الجدار ويخرج منه رجل يمرّضه ثم يذهب، فلما برئ من المرض قال له الرجل: لا أجيء إليك بعد هذا. وتوفي بمدينة بروسا. وفيها محيي الدّين محمد إلياس الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، الشهير بجوي زاده، المولى العالم العلّامة. قرأ على علماء عصره، ووصل إلى خدمة سعدي جلبي وبالي الأسود، وصار معيدا لدرسه، ثم تنقّل في المدارس حتى أعطي إحدى الثمان، ثم صار قاضيا بمصر، وعاد منها، وقد أعطي قضاء العساكر الأناضولية، ثم صار مفتيا بالقسطنطينية، ثم تقاعد عن [2] الفتيا، وعيّن له كل يوم مائتا عثماني، وكان سبب عزله عن الفتوى انحراف الملك عليه بسبب إنكاره على الشيخ محيي الدّين [بن] العربي، ثم صار بعد التقاعد مدرّسا بإحدى الثمان، ثم قاضيا بالعساكر الروم إيلية [3] ، وكان مرضي السيرة، محمود الطريقة، طارحا للتكلّف، متواضعا، مقبلا على الاشتغال بالعلم، مواظبا على الطاعات، مثابرا على العبادات، قوّالا بالحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم، حافظا للقرآن العظيم، له يد طولى في الفقه، والتفسير، والأصول، ومشاركة في سائر العلوم، سيفا من سيوف الحقّ [4] قاطعا، فاصلا بين الحقّ [4] والباطل، حسنة من حسنات الأيام وله «تعليقات» ولكنها لم تشتهر. مرض رحمه الله تعالى بعد صلاة العشاء فلم يمض نصف الليل حتّى مات. وفيها المولى محمد بن عبد الأول التّبريزي [5] أحد موالي الرّوم الحنفي. رأى الجلال الدّواني وهو صغير، وقرأ على والده قاضي حنفية مدينة تبريز،

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (265- 266) و «الكواكب السائرة» (2/ 28- 29) . [2] في «ط» : «من» . [3] في «الكواكب السائرة» : «الرومتلية» . [4] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (289) و «الكواكب السائرة» (2/ 39) و «معجم المؤلفين» (1/ 122) .

ودخل في حياة والده الرّوم فعرضه المولى ابن المؤيد على السلطان أبي يزيد لسابقة بينه وبين والده فأعطاه مدرسة، ثم تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمان، وعزل ثم أعطي إحداهن ثانيا، ثم أضرّت عيناه، فأعطي تقاعدا بثمانين درهما. وكان فاضلا، زاهدا، صحيح العقيدة، له «حاشية على شرح هداية الحكمة» لمولانا زاده. وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن عطية الحموي الشافعي [1] الإمام العلّامة الأوحد، المحقّق الفهّامة، شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام، العارف بالله ابن العارف بالله. أخذ العلوم الظّاهرة والباطنة عن أبيه، وعن كثير من الواردين إليه، ولقّنه والده الذكر، وألبسه الخرقة، وكان قد ابتلي في صغره بسوء الفهم والحفظ، حتى ناهز الاحتلام، وفهمه في إدبار، فبينما هو ليلة من الليالي عند السّحر، إذا هو بوالده قد أخذته حالة، فأخذ في إنشاد شيء من كلام القوم، فلما سرّي عنه، خرج من بيته، وأخذ في الوضوء في إناء واسع من نحاس، فلما فرغ والده من وضوئه أخذ الشيخ شمس الدّين ماء وضوء والده وشربه فوجد بركته وتيسر عليه الفهم والحفظ من يومئذ، ولم يتوقف عليه بعد ذلك شيء من المطالب القلبية كما ذكر ذلك صاحب الترجمة في رسالته التي ألّفها في علم الحقيقة، وأكملها في سنة ثلاث وأربعين، وسمّاها «تحفة الحبيب» ، وكان يعظ بحماة بعد والده ويدرّس في العلوم الشرعية والعقلية، وتشتكي [2] إليه الخواطر فيجيب عنها. وكان في وعظه وفصاحته وبلاغته آية. وحجّ هو وأخوه أبو الوفا سنة ثمان وثلاثين، وعمل مجلسه بعد عوده في مجلس القصب خارج دمشق، وهرعت أهل دمشق إليه.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 170- 177) و «الكواكب السائرة» (2/ 50- 52) و «الأعلام» (6/ 291- 292) . [2] في «آ» و «ط» : «وتشكي» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.

قال ابن الحنبلي [1] : ومما من الله به على صاحب الترجمة سرعة الإنشاء بحيث لو أخذ في وضوء صلاة الجمعة، وطلب منه أن يخطب لعمل على البديهة في سرّه خطبة عجيبة [غريبة] ، وخطب بها حالا، ولم يتوقف على رسمها ورقمها [2] مآلا. قال: وكان دمث الأخلاق، جمالي المشرب، عنده طرف جذبة [3] . وبالجملة فقد كان من خيار الأخيار [4] ، وآثاره من بديع الآثار [5] ، ولله درّه فيما أنشدنيه من شعره: تنفّس قلب الصّب في كلّ ساعة ... لأكؤس همّ ذا الزّمان أدارها إلى الله أشكو أنّ كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها وتوفي بمدينة حماة في أوائل رمضان، رحمه الله تعالى. وفيها المولى شمس الدّين محمد بن العلّامة على الفناري الحنفي [6] أحد الموالي الرّومية. قرأ على والده في شبابه، وبعد وفاته على المولى خطيب زاده، والمولى أفضل الدّين، وترقّى في المدارس حتى صار مفتيا أعظم، واشتغل بإقراء التفسير والتّصنيف، وألّف عدة رسائل، وحواش على «شرح المفتاح» للسيد، وغير ذلك. وكان آية في الفتوى، باهرا فيها، وله احتياط في المعاملة مع الناس، متحرزا عن حقوق العباد، محبّا للفقراء والصلحاء، لا تأخذه في الله لومة لائم. توفي بالقسطنطينية، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

_ [1] انظر «درّ الحبب» (2/ 1/ 172) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف وما بين الحاصرتين مستدرك منه. [2] لفظة «ورقمها» لم ترد في نسخة «درّ الحبب» الذي بين يدي. [3] في «آ» و «ط» : «جذب» والتصحيح من «درّ الحبب» مصدر المؤلف. [4] في «آ» و «ط» : «من أخيار الأخيار» وما أثبته من «درّ الحبب» . [5] في «درّ الحبب» : «من أثير بديع الآثار» وانظر حاشيته. [6] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (229- 230) و «الكواكب السائرة» (2/ 52) و «معجم المؤلفين» (11/ 73) .

وفيها شمس الدّين محمد بن يعقوب الصّفدي [1] الشافعي، الشيخ الإمام شيخ الإسلام، عالم صفد ومفتيها، سبط ابن حامد. قرأ، وحصّل في بلده وغيرها، ورحل إلى دمشق للطلب، فقرأ على الكمال بن حمزة، والكمال العيثاوي، وغيرهما، ورحل إلى مصر، فأخذ عن أكابر علمائها. وكان كثير الرحلة إلى دمشق، شديد المحبّة لأهلها، عالما، عاملا، ذا مهابة، وجلالة، وكلمة نافذة. توفي في أواخر ذي الحجّة بصفد. وفيها شرف الدّين يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد العقيلي الحلبي الحنفي، المعروف بابن أبي جرادة [2]- نسبة إلى أبي جرادة، حامل لواء أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يوم النّهروان، وكان اسم أبي جرادة عامرا- كان صاحب الترجمة حسن الشكل، نيّر الشّيبة، كثير الرفاهية، ولي عدة مناصب بحلب. مولده سنة إحدى وسبعين وثمانمائة ووفاته في هذه السنة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 62) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 544- 545) و «الكواكب السائرة» (2/ 259) .

سنة خمس وخمسين وتسعمائة

سنة خمس وخمسين وتسعمائة فيها توفي بدر الدّين حسن بن قاضي القضاة جلال الدّين عمر بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن النّصيبي [1] . ولد سنة سبع وتسعمائة، واشتغل بالعلم مدة على العلاء الموصلي، والبرهان اليشبكي، وغيرهما، ثم رحل لأجل المعيشة إلى الرّوم، فصار يكتب القصص التي ترفع للسلطان بالتركية على أحسن وجه، ثم تقرّب إلى نيشانجي الباب العالي، فقرّبه، وأحبّه، وتولى بهيبته نظر الأوقاف بحلب، ونظر الحرمين، والبيمارستان الأرغوني، ثم وشي به إلى عيسى باشا لما دخل حلب مفتشا على ما بها من المظالم، وقيل له: إنّ عليه ما ينوف على عشر كرات، فاختفى منه مدة، وشدّد عيسى باشا في طلبه، فتمثل بين يديه ملقيا سلاحه، ثم عاد من عنده سليما، وتولى نظر الأمور السلطانية بحلب بعد وفاة عيسى باشا، فهابه الأمراء والكتّاب، حتى تولى إسكندر بيك دفتر دارية حلب، فأظهر عليه أموالا كثيرة بمعونة أهل الديوان وأخذها منه، حتى لم يبق معه ولا الدرهم الفرد. وتوفي مسموما، ودفن بمقبرة سيدي على الهروي خارج باب المقام بحلب. وفيها- تقريبا- المولى شعثل أمير الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية العلّامة.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 533- 538) و «الكواكب السائرة» (2/ 136) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 151) .

كان مدرّسا بإحدى الثمان، ثم ولي قضاء دمشق، فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين، واستمر قاضيا بها نحو سنتين، وحمدت سيرته، وكانت له صلابة في أحكامه وحرمة وافرة، رحمه الله تعالى. وفيها المولى صالح جلبي بن جلال الدّين الأماسي [1] الجلدي- بفتحتين نسبة إلى جلد من أعمال أماسية- الحنفي أحد الموالي الرّومية العلّامة. ترقى في التدريس إلى إحدى الثمان، ثم أعطي قضاء حلب، فدخلها يوم الخميس ثالث شوال سنة إحدى وخمسين، ثم عزل منها في ثاني عشري ذي القعدة، ثم ولي قضاء دمشق، فدخلها في رجب سنة أربع وخمسين، وباشر الأحكام بها نحو سنة. وكان محمود السيرة، ذا تواضع وأخلاق حسنة. قال ابن الحنبلي: وكان ممن منع شرب القهوة بحلب على الوجه المحرم من الدور المراعى في شرب الخمر وغيره، وكنت عنده يوم منع ذلك، فسأل أيشربونها [2] بالدور، فقلت نعم، والدور كما شاع باطل. وأنشدته من نظمي: وقهوة البنّ أضحى ... بها الحمى غير عاطل لكنّهم شربوها ... بالدّور والدّور باطل وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزواني، الحموي [3] الصّوفي المسلّك المربّي، العارف بالله تعالى، منسوب إلى كازوا، فقياس النسبة الكازواني، لكن اشتهر بالكيزواني. وكان يقول: أنا الكي زواني.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 700- 701) و «الكواكب السائرة» (2/ 152- 153) . [2] في «درّ الحبب» : «أتشربونها» . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (325) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 906- 915) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 180) و «الكواكب السائرة» (2/ 201- 204) و «ريحانة الألبا» (1/ 441) و «إعلام النبلاء» (5/ 517- 522) و «الأعلام» (4/ 258) و «معجم المؤلفين» (7/ 28) .

ولد- تقريبا- في عاشر رجب سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وتوجّه صحبة الشيخ علوان الحموي إلى بروسا من بلاد الرّوم، وأقام في صحبته عند سيدي علي بن ميمون، وانتفع به، وتهذّب بأخلاقه، ودخل حلب، وجلس في مجلس التسليك، فاجتمع عليه خلق كثير، ودخل دمشق، ونزل بالصالحية، وكان له اطلاع على الخواطر، عابدا، قانتا. قال ابن الحنبلي: وتوفي بين مكّة والطائف- أي في هذه السنة- وحمل إلى مكّة فدفن بها. وأورد له الشعراوي في «الطبقات الكبرى» : القصد رمز فكن ذكيا ... والرّسم سرّ [1] على الأشاير فلا تقف مع حروف رسم ... كلّ المظاهر لها ستاير وفيها شمس الدّين محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس العجلوني الدّيموني الشافعي [2] قاضي عجلون. قال في «الكواكب» : كان من أخص جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه، قسّم عليه «المنهاج» و «التنبيه» و «المنهج» وغير ذلك، وسمع عليه جانبا من «صحيح البخاري» بقراءة الشيخ برهان الدّين البقاعي، وقرأ عليه شيئا كثيرا، وقال عنه: إنه من الفضلاء المتمكنين، ذو يد طولى في القراآت، والفقه، ومشاركة حسنة في الحديث، والأصول، والنحو، وغير ذلك. وكتب له إجازة مطوّلة أذن له فيها بالإفتاء والتدريس. انتهى وفيها أقضى القضاة أبو اليمن محمد بن القاضي محبّ الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن قاضي عجلون الشافعي [3] الإمام العالم.

_ [1] في «آ» و «ط» : «ستر» وما أثبته من «الطبقات الكبرى» للشعراني مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 27- 28) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 8) .

قال في «الكواكب» : كان من العلماء الكمّل والصلحاء الكبار، له في اليوم والليلة ختمات لكتاب الله تعالى، لا يفتر عن القراءة في ممشاه وقعوده، نيّر الوجه، حسن الشكل، ولي القضاء مدة يسيرة، نيابة عن ابن عمّه قاضي القضاة نجم الدّين بن قاضي عجلون، وكان يباشر عنه الخطابة بالجامع الأموي، وكان يلبس الثياب الحسنة، وفي آخر عمره طرح التكلّف، ولبس الثياب الخشنة، واستوى عنده كلاهما. وتوفي بعد العشاء [1] ليلة الخميس سابع عشر جمادى الآخرة، ودفن بباب الصغير بمقبرة أهله قريبا من قبر [2] عمه شيخ الإسلام تقي الدّين. وفيها مروان المجذوب [3] . كان في أول أمره قاطع الطريق ببلاد الشرقية من مصر، وكان مشهورا بالفروسية، ثم لما جذب كان يدور في أسواق دمشق وتظهر عليه للناس كرامات وخوارق، وكان إذا خطر لأحد ممن يصادفه معصية أو عمل بمعصية يصكّه حتى يدع خاطره، وربما منعه بعضهم فشلّت يده. وتوفي بمصر ودفن بجانب النّبهاويّ [4] خارج باب الفتوح. وفيها السيد الشريف ولي بن الحسين العجمي الشّرواني الشافعي، المعروف بوالده [5] . حجّ من بلاده، وعاد فدخل دمشق وحلب سنة تسع وعشرين وتسعمائة، وقرأ بحلب «صحيح البخاري» على البرهان العمادي تاما، وقرأ عليه بها جماعة منهم ابن الحنبلي.

_ [1] في «ط» : «بعد عشاء» . [2] لفظة «قبر» سقطت من «ط» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 250) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 250) . [4] في «ط» : «البنهاوي» . [5] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 531- 532) و «الكواكب السائرة» (2/ 257) .

قال: قرأت عليه في «متن الجغميني» في الهيئة [1] ، وانتفعت به، وهو أول إشغالي [2] بهذا الفنّ، ثم رحل إلى بلاده، وحدّث بها. واشتهر بالمحدّث، وكان يعرف البيان معرفة حسنة، وتوفي ببلاده.

_ [1] ويعرف «متنه» الذي أشار إليه المؤلف ب «الملخص» أيضا، وهو مختصر مشهور مرتب على مقدمة ومقالتين. انظر «كشف الظنون» (2/ 1819) . [2] كذا في «آ» و «ط» : «إشغالي» وفي «درّ الحبب» : «وهو أول أستاذ لي» .

سنة ست وخمسين وتسعمائة

سنة ست وخمسين وتسعمائة فيها توفي المولى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي [1] الإمام العلّامة. قال في «الشقائق» : كان من مدينة حلب، وقرأ هناك على علماء عصره، ثم ارتحل إلى مصر، وقرأ على علمائها في الحديث، والتفسير، والأصول، والفروع، ثم أتى [2] بلاد الرّوم، وقطن بقسطنطينية، وصار إماما ببعض الجوامع، ثم صار إماما وخطيبا بجامع السلطان محمد، ومدرّسا بدار القرّاء التي بناها سعدي چلبي المفتي. قال: وكان إماما، عالما بالعلوم العربية، والتفسير، والحديث، وعلوم القراآت، وله يد طولى في الفقه والأصول، وكانت مسائل الفروع نصب عينه [3] . وكان ملازما لبيته، مشتغلا بالعلم، لا يرى إلّا في بيته أو المسجد، ولم يسمع أحد منه أنه ذكر أحدا بسوء، ولم يلتذ بشيء من الدنيا إلّا بالعلم، والعبادة، والتصنيف، والكتابة. وقال ابن الحنبلي: كان سعدي جلبي مفتي الدّيار الرّومية يعوّل عليه في مشكلات الفتاوي، إلا أنه كان منتقدا على ابن العربي، كثير الحطّ عليه.

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (295- 296) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 93- 95) و «الكواكب السائرة» (2/ 77) و «الطبقات السنية» (1/ 222- 223) و «الأعلام» (1/ 66- 67) و «معجم المؤلفين» (1/ 80) . [2] في «آ» و «ط» : «ثم إلى» وهو خطأ والتصحيح من «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف. [3] كذا في «آ» و «الشقائق النعمانية» : «نصب عينه» في «ط» و «الكواكب السائرة» : «نصب عينيه» .

ومن مؤلّفاته «شرح على [1] منية المصلي» و «ملتقى الأبحر» [2] ونعم التأليف هو، ومات في هذه السنة. وفيها إسماعيل الكردي الشافعي [3] نزيل دمشق الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : قال والد شيخنا كان من أهل العلم، والعمل، والصلاح، والورع، والمجاهدة، والتوكل، صحبني، ثم حجّ وجاور بمكة، وتزوّج بامرأة من العمادية، وعاد وهي معه ورزق منها ولدا صالحا، سمّاه سليمان [وعلّمه القرآن] ، ثم رجع إلى بلاده، وتزوج امرأة أخرى من الأكراد، وعاد إلى دمشق بزوجتيه، ورزق من الأخرى أولادا، وسكن بهما في بيت من بيوت الشامية الجوانية، وصار يتردّد إليه الطلبة يشتغلون عليه في المعقولات، مع تردّده إليّ. قال: وقرأ عليّ بعض «المنهاج» قراءة تحقيق وتدقيق. وتوفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى بالطّاعون بعد أن صلّى المغرب والعشاء جماعة، ودفن بمقرة باب الصغير. ومن علامة صلاحه أنه استخرج من قبره المحفور له حجر عليه يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ 9: 21 [التوبة: 21] . وفيها جهانكير بن السلطان سليمان بن سليم [شاة] [4] . كان بحلب مع والده في هذه السنة فتوفي بها، وصلّى عليه أبوه في مشهد عظيم، وحمل إلى الفردوس [5] ، ثمّ شقّ بطنه، وصبّر، وحمل إلى الرّوم.

_ [1] لفظة «على» سقطت من «ط» . [2] وهو في فروع الحنفية، جعله مشتملا على مسائل «القدوري» و «المختار» و «الكنز» و «الوقاية» بعبارة سهلة، وأضاف إليه ما يحتاج إليه من مسائل «المجمع» ونبذة من «الهداية» وقدّم من أقاويلهم ما هو الأرجح وقد وقع على قبوله بين الحنفية الاتفاق. انظر «كشف الظنون» (2/ 1814) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 123- 124) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 460- 461) وما بين الحاصرتين زيادة منه و «الكواكب السائرة» (2/ 133) . [5] أي جامع الفردوس وهو جامع شهير بحلب. عن حاشية «درّ الحبب» .

وفيها محيي الدّين عبد القادر بن لطف الله بن الحسن بن محمد بن سليمان بن أحمد الحموي ثم الحلبي السّعدي العبّادي الشافعي [1] المقرئ ابن المقرئ ابن المقرئ، ويعرف بابن المحوجب، أحد أكابر حفّاظ القرآن العظيم، ورئيس قراءته بالجماعة بحلب. ولد سنة تسع وستين [2] وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم بحماة برواية أبي عمرو سبع مرات على عالمها ومحدّثها ومقرئها عبد الرحمن البرواني قاضي الحنابلة بها، ثم قطن حلب فأقرأ بها مماليك نائب قلعتها، ثم انحصرت فيه رئاسة القرّاء بها، وكان البدر السيوفي يحبّ قراءته، ويميل إليه، ويعظّمه، حتى تلا عليه الفاتحة برواية أبي عمرو، واستجازه مع جلالته لما علم له من السّند العالي [3] . قال ابن الحنبلي: وكان مبتلى بعلم جابر [4] مشغوفا بالتزوج، حتى [إنه] تزوج أكثر من ثلاثين امرأة. وفيها المولى عبد الكريم [5] الملقّب بمفتي شيخ الرّومي الحنفي، مفتي التخت السلطاني، الإمام العلّامة، العارف بالله تعالى. ولد بمدينة كرماسي، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل على علماء عصره، ووصل إلى خدمة المولى بالي الأسود، ثم سلك طريقة التصوف، وصحب العارف إمام زاده، ثم جلس بأياصوفيا بقسطنطينية مشتغلا بالإرشاد والفقه، حتى أتقن مسائله، وعيّن له السلطان سليمان كل يوم مائة عثماني ونصّبه مفتيا فأفتى، وظهرت مهارته في الفقه، وملك كتبا كثيرة، وكان يطالع فيها غالب أوقاته، وكان يعظ الناس، ولكلامه تأثير في القلوب، وله في كل سنة خلوة أربعين يوما يحفر له سربا كالقبر ويصلي فيه ولا يخرج للناس، وتحكى عنه كرامات كثيرة.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 833- 835) و «الكواكب السائرة» (2/ 175) . [2] لفظة «وستين» سقطت من «آ» . [3] أي إلى ابن عائشة كما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [4] أي بالكيمياء نسبة إلى جابر بن حيّان الفيلسوف الكيميائي الشهير. [5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (314- 315) و «الكواكب السائرة» (2/ 179) .

وكان معطّل الحواس جملة من شدة الرياضة، وكان مع ذلك حلو المحاضرة، حافظا لنوادر الأخبار وعجائب المسائل، كريم الأخلاق، متواضعا، حجّ في سنة ثلاثين وتسعمائة، ورجع على الطريق المصري، ودخل دمشق، فنزل ببيت الكاتب بمئذنة الشحم، وتردد إليه الأفاضل، ورفعت إليه أسئلة فكتب عليها كتابة عجيبة. وتوفي مفتيا بالقسطنطينية. وفيها علي العيّاشي [1] . قال المناوي في «طبقاته» : هو المعروف بالتعبد، المشهور بالتزهّد، أجلّ أصحاب الشيخ أبي العبّاس الغمري والشيخ إبراهيم المتبولي. مكث نحو سبعين سنة لا يضع جنبه إلى الأرض إلّا عن غلبة، ويصوم يوما ويفطر يوما، ولم يمسّ بيده دينارا ولا درهما، ولا يغسل عمامته إلّا من العيد إلى العيد. وكان إذا ذكر ينطق قلبه مع لسانه فلا يقول السامع إلّا أنهما اثنان يذكران. قال الشعراوي: أول اجتماعي به رأيته يذكر ليلا فاعتقدت أنهما اثنان، فقرّبت منه فوجدته واحدا، وكان كثيرا ما يرى إبليس فيضربه، فيقول له: لست أخاف من العصا إنما أخاف من النّور الذي في القلب. مات بالمنزلة. انتهى وفيها- تقريبا- علي الإثميديّ المصريّ المالكيّ [2] الإمام العالم الصّالح المحدّث. أخذ الطريق عن سيدي محمد بن عنان، واختصر كثيرا من مؤلفات الشيخ جلال الدّين السيوطي، ومؤلّفاته حسنة. وكان يعظ الناس في المساجد، مقبلا على الله تعالى، حتى توفي ويده تتحرك بالسّبحة ولسانه مشغول بذكر الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 222) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 188) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 223) و «معجم المؤلفين» (7/ 9) .

وفيها- ظنا- المولى محيي الدّين محمد بن حسام [1] أحد الموالي الرّومية الحنفي، المعروف بقراجلبي. ترقّى في التداريس، ثم صار قاضيا بدمشق، فدخلها في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وتسعمائة، ولم تطل مدة ولايته بها. وفيها المولى محيي الدّين محمد بن المولى علاء الدّين علي الجمالي الحنفي [2] أحد موالي الرّوم. قرأ على جدّه لأمه حسام الدّين زاده، ثم على والده، ثم على سويد زاده، ثم درّس بمدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، ثم تقاعد، وعيّن له كل يوم مائة درهم. وكان مشتغلا بنفسه، حسن السّمت والسيرة، محبا للمشايخ والصّلحاء، له معرفة تامة بالفقه والأصول. وفيها شمس الدّين محمد بن الشيخ زين الدّين عمر بن ولي الله الشيخ شهاب الدّين السّفيري الحلبي الشافعي [3] الإمام العلّامة. ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ولازم العلاء الموصلي، والبدر السّيوفي في فنون شتّى، وقرأ على الكمال بن أبي شريف في «حاشيته على شرح العقائد النسفية» و «رسالة العذبة» له، وقدم مع أخيه الشيخ إبراهيم بن أبي شريف إلى دمشق، فأجاز له ولبعض الدمشقيين، ثم إلى حلب، فقرأ عليه بها: «مختصر الرسالة القشيرية» ، وقرأ على البازلي، وأبي الفضل الدمشقي، والشيخ محمد الدّاديخي، وغيرهم أنواع العلوم، ودرّس بالجامع الكبير بحلب، والعصرونية، والسفاحية، وسافر إلى القاهرة، واجتمع بها بالقاضي زكريا وصلى عليه لما مات، واجتمع بآخرين، كالنور البحيري، والشّهاب الأنطاكي. وتوفي بحلب في هذه السنة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 30) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (230) و «الكواكب السائرة» (2/ 52) . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 258- 262) و «الكواكب السائرة» (2/ 56) .

وفيها عفيف الدّين أبو اليمن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن فضل بن عميرة الغزّي [1] الأصل الحلبي المولد والدار والوفاة، الحنفي، العالم. أخذ بحلب عن الشمسين ابن هلال، وابن بلال، وله شيوخ آخرون بها وبغيرها، واجتمع بالشيخ أبي العون الغزّي، وكان يدرّس ويفتي بحلب، وكفّ بصره فكان يأمر بالكتابة على الفتوى، وأمر آخرا أن يكتب في نسبه الأنصاري لما بلغه أنه من ذرّية خبّاب بن المنذر بن الجموح الخزرجي، وكان من العلماء العاملين. وفيها حميد الدّين محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن خليل الحاضري الأصل الحلبي ثم القاهري الحنفي [2] . جاور بمكّة المشرّفة، وقرأ بها الفقه، ثم أخذ بحلب عن الشّهاب الأنطاكي ثم دخل القاهرة فاستنابه بالمنزلة القاضي جلال الدّين التّادفي، فأحبه أهلها، واستوطن بها، وتزوّج من نسائها، وولد له بنون، وكان فقيها، فاضلا، حسن الشكل والهيئة، ساكنا، محتشما. وتوفي بالمنزلة. وفيها قاضي القضاة كمال الدّين أبو اللطف محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الرّبعي الحلبي التّادفي الشافعي [3] . قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «الرحلة» فقال في وصفه: الشيخ الأوحد، والأصيلي الأمجد، ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار، وانتظمت أسلاك أصالته، في أجياد الأسطار، وسرت سمات فضيلته مسار [4] نسيمات باسمات الأزهار، إلى أن قال: تصطفيه الرّتب العلية السّنية، وتستأنس به الخطط الشرعية السّنيّة، فطورا مقدما في أندية الأمراء والأعيان، وتارة

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 320- 321) و «الكواكب السائرة» (2/ 9) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 185- 186) و «الكواكب السائرة» (2/ 61- 62) . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 337- 361) . [4] تحرفت في «ط» إلى «مسمار» .

صدرا في قضاة العدل والإحسان، القضائي الكمالي التّادفي، قاضي حلب ثم مكّة. كان صحبني من حلب إلى البلاد الرّومية، فأسفر عن أعذب أخلاق وأكرم أعراق وأحسن طوية، وولد- كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي- سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه على الفخري عثمان الكردي، والجلال النّصيبي، وغيرهما، وأجاز له باستدعاء والده المحبّ بن الشّحنة، وولده الأثير محمد، والسّري عبد البرّ بن الشّحنة الحنفيون، والقاضي زكريا، والجمال القلقشندي، والقطب الخيضري، والفخر الديمي في آخرين، ولبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني، ثم ترك مخالطة الناس، ولفّ المئزر، وأقدم على خشونة اللباس، وأخذ في مخالطة الفقراء والصوفية، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعا بأن يكون شيخ الشيوخ بحلب، ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس وبحلب، وفوض إليه الجمال القلقشندي قضاء القضاة بالممالك الإسلامية، ونيابة الحكم بالدّيار المصرية ومضافاتها، مضافا إلى قضاء حلب بسؤاله، ثم ولي في الدولة العثمانية تدريس العصرونية والحاجبية، ونظر أوقاف الشافعية بحلب، وولّاه خير بك كافل الدّيار المصرية قضاء الشافعية بمكّة، وجدّة، وسائر أعمالهما، ونظر الحرمين، وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكّة في الدولة العثمانية، وبقي في دولة القضاء حتى مات خير بك. خرج بعد مدة من مكّة معزولا سنة إحدى وثلاثين. وكان إماما، عالما، كاملا، شاعرا. ومن شعره: لولا رجائي أنّ الشّمل يجتمع ... ما كان لي في حياتي بعدكم طمع يا جيرة قطّعوا رسلي وما رحموا ... قلبا تقطّع وجدا عند ما قطعوا أوّاه وأطول شوقي للأولى [1] سكنوا ... في الصرّح يا ليت شعري ما الذي صنعوا

_ [1] في «درّ الحبب» : «للذي» .

لا عشت إن كنت يوما بعد بعدكم ... أمّلت أني بطيب العيش أنتفع هم أطلقوا أدمعي [1] والنّار في كبدي ... كذاك نومي وصبري في الهوى منعوا دع يفعلوا ما أرادوا في عبيدهم ... لا واخذ الله أحبابي بما صنعوا وتوفي- رحمه الله تعالى- في أواسط [ذي] الحجّة. وفيها كمال الدّين محمد البقاعي ثم الدمشقي الشافعي [2] الإمام الفاضل. كان يحب الإصلاح بين الأخصام، والتودّد إلى الناس، ويتردّد إلى المتصوفة. توفي فجأة بعد خروجه من الحمّام في نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب [3] الفراديس. وفيها محبّ الدّين أبو السعود محمود بن رضي الدّين محمد بن عبد العزيز بن عمر بن أحمد الحلبي الشافعي [4] ، الموقّع والده بديوان الإنشاء في الدولة الجركسية. ولد بالقاهرة سنة اثنتين وتسعمائة، وحفظ بها كتبا، وجوّد الخطّ بها، وعرض بها في سنة خمس عشرة مواضع من «ألفية ابن مالك» و «الشاطبية» و «المنهاج الفقهي» على الشّهاب الشّيشيني الحنبلي [5] ، والبرهان بن أبي شريف، وغيرهما، وأجازوا له، وأجازه القاضي زكريا، وكان شهما، حسن الملبس والعمامة. توفي بحلب في ذي الحجّة.

_ [1] في «درّ الحبب» : «مدمعي» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 74) . [3] لفظة «باب» سقطت من «آ» . [4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 463- 466) . [5] تقدمت ترجمته في ص (130) من هذا المجلد ضمن وفيات سنة (919) .

سنة سبع وخمسين وتسعمائة

سنة سبع وخمسين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن علي، المعروف بابن البيكار المقدسي الأصل ثم الدمشقي [1] نزيل حلب، العلّامة البصير المقرئ المجوّد. ولد بقرية القابون من غوطة دمشق سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، وقرأ القرآن بدمشق بالرّوايات على جماعات، ثم رحل إلى مصر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، فقرأ على الشمس السّمديسي، وأبي النجا النّحاس، والنّور السّمهودي. قال ابن الحنبلي: ومما يحكى عنه أنه كان كثيرا ما يمرض فيرى، رسول الله صلّى الله عليه وسلم، في المنام، فيشفى من مرضه. وكان مجتهدا [2] في أن لا ينام إلّا على طهارة، وتوفي بحلب. وفيها القاضي باعلوى أحمد شريف بن علي بن علوي خرد الشافعي اليمني [3] الشريف العلّامة. قال في «النور» : ولد يوم الجمعة تاسع ذي الحجّة سنة أربع أو خمس وتسعمائة، واشتغل بالفقه على جماعة، منهم العلّامة عبد الله بن عبد الرحمن بأفضل صاحب المختصر المشهور، والعلّامة محمد الأصفع، وغيرهما، وجدّ

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 70- 74) و «الكواكب السائرة» (2/ 77- 78) و «إعلام النبلاء» (5/ 537- 538) . [2] في «درّ الحبب» : «وكان يجتهد» . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (248) .

واجتهد، حتّى برع، وأشير إليه بالرئاسة والفتوى، وذكره أخوه المعلّم في «طبقات فقهاء آل باعلوى» قال: وولي قضاء وادي ابن راشد، وهو مشتمل على مدن متعددة من أرض حضرموت، أشهرها تريم، لم يعارضه معارض، ولم ينقض عليه ناقض، ولم يل أحد من آل باعلوى القضاء غيره، رحمه الله وبلغني أنه لم يكن من القضاة الورعين، سامحه الله وإيّانا. وفي «تاريخ سنبل» إنه وأخاه عبد الله شريف ولدا توأمين في بطن، وعزل من القضاء، فقال: أنا لا أعزل وإن عزلني السلطان، بسبب أنه ليس في الجهة من هو أعلم مني. وهذا الذي ذكره أحمد شريف لا أدري أهو وجه ضعيف له في المسألة أو أراد به التنكيت والمطايبة وإن سيادته ثابتة قاضيا كان أو غير ذلك، كقول بعضهم: إن الأمير هو الذي ... يضحى [1] أميرا يوم عزله إن زال سلطان الولا ... ية لم يزل سلطان فضله وما أحسن قوله: إن أردت أن لا تعزل فلا تتولّ. انتهى وفيها أحمد الشّيبيني [2] المصري [3] . كان مجذوبا غارقا لا يصحو إلّا وقت الوضوء والصلاة، وإذا صلّى أذن للصلاة ورفع صوته، وكان إذا رأى مجذوبا لم يصلّ، يقول: هذا قليل الدّين، ووقع من المنارة العالية التي في مدينة منوف إلى الأرض فلم ينكسر من أعضائه شيء، ونزل واقفا ومشى مسرعا على الأرض. وفيها- تقريبا- المولى شمس الدّين أحمد المشهور بورق چلبي [4] ، أحد الموالي الرّومية.

_ [1] كذا في «آ» و «ط» و «النور السافر» مصدر المؤلف. [2] في «ط» : «الشبيني» وهو خطأ. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119) . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (288- 289) و «الكواكب السائرة» (2/ 118) .

ترقى في التداريس إلى مدرسة أبي أيوب الأنصاري. وكان فاضلا مفيدا، صالحا، طيّب الأخلاق، وانتفع به كثير من الناس. وفيها- ظنا- الشيخ الإمام العالم أحمد الأنقروي الرّومي ثم الحلبي [1] . اشتغل في شبابه بالعلم، ثم رغب في التصوف، وانتسب إلى الخلوتية، وكان في أول أمره يدور البلاد ويعظ الناس، ثم توطن في بلده في شيخوخته وأقبل على الوعظ إلى أن توفي. وفيها شهاب الدّين أحمد البرلسي المصري [2] الشافعي، الملقّب بعميرة، الإمام العلّامة المحقّق. أخذ العلم عن الشيخ عبد الحق السّنباطي، والبرهان بن أبي شريف، والنّور المحلّى. وكان عالما، زاهدا، ورعا، حسن الأخلاق، يدرّس ويفتي، وانتهت إليه الرئاسة في تحقيق المذهب. وفيها شهاب الدّين أحمد الرّملي المنوفي المصري الأنصاري [3] الشافعي الإمام العلّامة النّاقد الجهبذ، شيخ الإسلام والمسلمين. أخذ عن القاضي زكريا، ولازمه، وانتفع به، وكان يجلّه، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وأن يصلح في كتبه في حياته وبعد مماته، ولم يأذن لأحد سواه في ذلك، وأصلح عدة مواضع في «شرح البهجة» و «شرح الروض» في حياة شيخ الإسلام، وكتب شرحا عظيما على «صفوة الزبد» في الفقه، وله مؤلفات أخر [4] ، وجمع الشيخ شمس الدّين الخطيب الشّربيني فتاويه فصارت مجلدا، وأخذ عنه ولده سيدي محمد، والخطيب الشربيني، والشّهاب الغزّي، وغيرهم.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119- 120) و «الأعلام» (1/ 120) . [4] في «ط» : «أخرى» .

وانتهت إليه الرئاسة في العلوم الشرعية بمصر حتى صارت علماء الشافعية كلهم تلامذته إلّا النّادر، وجاءت إليه الأسئلة من سائر الأقطار، ووقف الناس عند قوله. وكان جميع علماء مصر وصالحيهم حتّى المجاذيب يعظّمونه. وكان يخدم نفسه ولا يمكّن أحدا أن يشتري له حاجة إلى أن كبر سنة وعجز. وتوفي يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة، وصلّوا عليه في الأزهر. قال الشعراوي: وما رأيت في عمري جنازة أعظم من جنازته، ودفن بتربته قريبا من جامع الميدان، وأظلمت مصر وقراها بعد موته. وفيها إسماعيل [1] الشيخ الصّالح العابد الورع، إمام جامع الجوزة، خارج باب الفراديس بدمشق. قال في «الكواكب» : قال والد شيخنا: كان له مكاشفات وحالات مع الله تعالى، وكان لا نظير له في الملازمة للخيرات. توفي في أوائل [ذي] الحجّة، ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفيها حسام الدّين جلبي الفراصوي [2] أحد موالي الروم. قرأ على العلماء، وخدم المولى عبد الكريم بن المولى علاء الدّين العربي، وتنقّل في المدارس، حتى درّس بإحدى الثماني، ثم صار قاضيا بأدرنة، ثم بالقسطنطينية، ثم أعطي إحدى الثماني أيضا، وعيّن له كل يوم مائة عثماني إلى أن توفي. وكان سخي النّفس، حليما، صبورا على الشدائد، طارحا للتكلّف [3] . منصفا من نفسه، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 124- 125) . [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (284- 285) و «الكواكب السائرة» (2/ 139) . [3] في «آ» و «ط» : «للتكليف» والتصحيح من «الكواكب السائرة» و «الشقائق النعمانية» .

وفيها شمس بن عمر بن آق شمس الدّين البرسوي الحنفي [1] خواجة السلطان سليم، المشهور بشمسي جلبي [2] . دخل حلب، واجتمع به ابن الحنبلي، وأثنى عليه بالفضل والعلم، ثم دخل دمشق قاصدا للحجّ الشريف فمات في طريق الحجّ قبله عند المعظّم [3] . وفيها عبد الله بن منلا صدر الدّين بن منلا كالي الهندي الحنفي [4] . اشتغل بحلب في كبره بالعلم، واعتنى بالقراءات، فجمع للسبعة وللعشرة، وأخذ بها عن إبراهيم اليشبكي، وإبراهيم الصّيرفي، وابن قيما، ثم رجع إلى القاهرة، فأخذ عن الناصر الطّبلاوي وغيره، ثم رجع إلى حلب، ولزم الطلبة في القراآت، وحجّ في هذه السنة، فتوفي وهو راجع في الطريق. وفيها أقضى القضاة محيي الدّين عبد القادر بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عمر بن علي بن عبيد الفريابي المدني [5] المالكي. ناب عن أبيه في قضاء المدينة. وكان فقيها، فاضلا، لطيفا، ماجنا. توفي بالمدينة المنوّرة. وفيها القاضي محيي الدّين عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني الأصل الدمشقي الحنبلي [6] أخو القاضي برهان الدّين بن مفلح.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 683- 687) و «الكواكب السائرة» (2/ 152) . [2] في «آ» و «ط» : «المشهور شمس جلبي» والتصحيح من مصدري الترجمة. [3] جاء في حاشية «درّ الحبب» (1/ 2/ 687) ما نصه: «المعظم: موضع أطلق عليه الاسم الذي كان يلقب به الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل الأيوبي ... لإقامته بركة في هذا الموضع في طريق الحجصاج، فعرفت به، ويمرّ بالمعظم الخط الحديدي المعروف بالخط الحجازي الواصل بين دمشق والمدينة المنورة، وفيه محطة للقطار، وموقعه قائم بين تبوك ومدائن صالح» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 155) . [5] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 824- 825) . [6] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (52/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 175) و «النعت الأكمل»

ناب في القضاء ببر الشام، ثم بالمؤيدية، وقناة العوني، والميدان، والصالحية، وطالت إقامته بها نحو خمس وثلاثين سنة، وكانت له معرفة تامة بأحوال القضاء. وتوفي بدمشق، ودفن بمقبرة الفراديس. وفيها الكمال [1] التّبريزيّ العجميّ [2] الشيخ العالم الصّالح المحقّق، العارف بالله تعالى، الصوفي، نزيل دمشق. كان يأكل الطيب، ويلبس الحسن، ولا يخالط إلّا من يخدمه، وله باع في العلوم، وغلب عليه التصوف. وتوفي بسكنة العزيزية شمالي الكلاسة في سادس عشر ربيع الآخر ودفن بباب الفراديس. وفيها حافظ الدّين محمد بن أحمد بن عادل باشا الحنفي [3] أحد الموالي الرّومية، الشهير بالمولى حافظ، أصله من ولاية بردعة في حدود العجم. قرأ في صباه على مولانا مزيد بتبريز، وحصّل عنده، وبرع عليه، واشتهرت فضائله، وبعد صيته. ولما وقعت في العجم فتنة إسماعيل بن أردبيل، ارتحل إلى الرّوم، وخدم عبد الرحمن بن المؤيد، وبحث معه، وعظم اعتقاده فيه، وربّاه عند السلطان أبي يزيد، فأعطاه تدريسا بأنقرة، فأكب على الاشتغال هناك. وكان حسن الخطّ، سريع الكتابة، كتب الكثير، ودرّس هناك «شرح المفتاح» للسيد، وكتب عليه حواشي، ثم رحل إلى القسطنطينية وعرض ما حشّاه

_ ص (121) و «السحب الوابلة» ص (230) . [1] في «ط» : «كمال الدّين» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 244) . [3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (267- 268) و «الكواكب السائرة» (2/ 26- 27) و «معجم المؤلفين» (8/ 272) .

على ابن المؤيد فابتهج به، ثم صار مدرّسا بمدرسة علي باشا بالقسطنطينية، وكتب بها حواشي على مواضع من شرح المواقف للسيد، ثم صار مدرّسا بمدينة أزنيق، وكتب هناك راسلة في الهيولي عظيمة الشأن، ثم أعطي إحدى الثماني، وكتب بها شرحا على «التجريد» ثم درّس بأياصوفيا. وألّف كتابا سمّاه «مدينة العلم» ثم تقاعد، وعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا، وأكب على الاشتغال والإشغال ليلا ونهارا، لا يفتر، وأتقن العلوم العقلية، ومهر في الأدبية، ورسخ في التفسير. وألّف رسائل كثيرة، منها «نقطة العلم» ومنها «السبعة السّيارة» . وكان له أدب ووقار، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين أبو اللطف محمد بن خليل القلعي الدمشقي الشافعي [1] إمام جامع الجوزة بالقرب من قناة العوني. كان فاضلا، صالحا، زاهدا، ورعا كوالده، متعفّفا، يعتزل الناس، ويخدم نفسه، سالكا طريق السّلف، مؤثرا لخشونة العيش، يلبس العباءة، له زاوية يقيم بها الوقت يذكر الله على طريقة حسنة. وكانت له خطبة بليغة نافعة وموعظة من القلوب واقعة. وتوفي يوم الاثنين ثالث جمادى الأولى. وفيها شمس الدّين محمد بن عمر البقاعي الشافعي المذوخي [2]- بمعجمتين، نسبة لقرية مذوخا بالضم من عمل البقاع-. حفظ القرآن العظيم، واشتغل بالعلم، وحصّل، وفضل، وكره الأكل من الأوقاف، فرجع إلى بلدته المذكورة، وتعاطي الزراعة، فأثرى وتموّل، ورحل إلى مصر، فاشتغل بها قليلا، ثم رجع إلى بلده فأمّ بها. وخطب وصار يدعو أهلها إلى طاعة الله تعالى إلى أن توفي بها ليلة الجمعة خامس المحرم.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 56- 57) .

وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد العيني الأصل الحلبي الحنفي [1] ، عرف بابن بلال الإمام العلّامة. ولد بحلب سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة، وقرأ على المنلا قل [2] درويش أربع سنوات في علوم شتى، وقرأ أيضا على منلا مظفّر الدّين الشّيرازي، والبرهان العرضي، والبدر السّيوفي وغيرهم، ثم لازم الإفتاء والتدريس والتأليف بجامع حلب، حتّى أسنّ، فانقطع بمنزله، وأكبّ على التصنيف في علوم متنوعة، إلا أنه كان لا يسمح بتآليفه ولم تظهر بعده. وكان كثير الصيام والقيام، لا يمسك بيده درهما ولا دينارا. وكان وقورا، مهيبا نيّر الشيبة، كثير التواضع، له قوة ذكاء، ومزيد حفظ، ورسوخ قدم في العربية والمعقولات، وحجّ، وجاور، ودخل القاهرة، وأصابه فالج وعوفي منه. وتوفي بحلب، ودفن بمقابر الحجّاج، وأوصى أن يغسله شافعي وأن يلقّن في قبره. وفيها نظام الدّين محمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن كوجك [3] الحموي المولد الحنفي، ثم الحنبلي، عرف بالكوكاجي، رديف الكوجكي. ولد في ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وقرأ «الكنز» على ابن رمضان الدمشقي وغيره، ثم قلّد الإمام أحمد، وولي قضاء الحنابلة بمدينة طرابلس الشام، وناب عن النّظام التّادفي الحنبلي بحلب. وفيها محيي الدّين محمد بن محمد الحنفي [4] أحد موالي الرّوم، المعروف بابن قطب الدّين.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 118- 121) و «الكواكب السائرة» (2/ 7) و «الأعلام» (7/ 58) و «معجم المؤلفين» (11/ 257) . [2] في «آ» و «ط» : «العلاقل» والتصحيح من الكواكب السائرة» . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 193- 194) و «الكواكب السائرة» (2/ 10) و «النعت الأكمل» ص (122) . [4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (266- 267) و «الكواكب السائرة» (2/ 15) .

قرأ على الشيخ مظفّر الدّين العجمي، ثم على سيدي جلبي القوجوي، وغيرهما. وترقّى في التداريس إلى أن ولي قضاء حلب، ثم بروسا، ثم إسلام بول [1] ، ثم قضاء العساكر الأناضولية، ثم ذهب إلى الحجّ بعد العزل، ثم رجع إلى القسطنطينية وتقاعد بمائة وخمسين عثمانيا، كل يوم. قال في «الشقائق» : وكان عالما، فاضلا، صالحا، ورعا، محبّا للصوفية، سالكا طريقهم، واعتزل الناس، واشتغل بخويصة نفسه، له معاملة مع الله تعالى، رحمه الله تعالى. وفيها المولى حسام الدّين يوسف القراصوي الحنفي [2] أحد موالي الرّوم. قرأ على علماء عصره، وخدم المولى عبد الكريم العربي [3] ، ثم درّس بعدة مدارس، حتّى أعطي إحدى الثمان، ثم صار قاضيا بأدرنة، ثم بالقسطنطينية، ثم أعيد إلى إحدى الثمان، وعيّن له كل يوم مائة عثماني إلى أن مات. وكان سخي النّفس، حليما، طارحا للتكلّف، منصفا من نفسه.

_ [1] وهي المعروفة بإستانبول الآن عاصمة الخلافة العثمانية. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 263) . [3] لفظة «العربي» سقطت من «ط» .

سنة ثمان وخمسين وتسعمائة

سنة ثمان وخمسين وتسعمائة فيها كانت وقعة الجرب- بجيم وموحدة بينهما راء ساكنة-، وقعة مشهورة باليمن حتّى صارت تاريخا عند أهل حضرموت، يقولون سنة وقعة الجرب. وفيها توفي تقي الدّين أبو بكر بن عبد الكريم الخليصي [1] الأصل الحلبي الشافعي، المشهور بالزاهد، وهو سبط العالم، المفتي أبي بكر الخلّيصي. كان شيخا، صالحا، منورا، زاهدا، ورعا، ذا تهجّد وبكاء، لا يراه أهل محلّته إلّا أوقات الصلوات، وفي غيرها يتردّد إلى المقابر والمزارات. وكان كثيرا ما يقصده الزّوار يسمعون ما يقرؤوه عليهم من «رياض الصالحين» أو غيره [2] . وتوفي بحلب. وفيها حسين بن أحمد بن إبراهيم الخوارزمي [3] العابد الصّوفي. كان شيخا معمّرا، مهيبا، ذكر أن له من الأتباع نحو مائة ألف ما بين خليفة ومريد. وكان من أحواله إذا ذكر في المسجد الذي هو فيه مع مريديه يطول حتى يراه من كان خارج المسجد من غير منفذ من منافذه.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 371- 373) و «الكواكب السائرة» (2/ 91) . [2] في «ط» : «وغيره» . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 560- 561) و «الكواكب السائرة» (2/ 138) .

ودخل بلاد الشام حاجّا، فحجّ ورجع إلى دمشق فأعجبته، فعمّر بها خانقاه للفقراء من ماله. وكان متمولا جدا، حتّى عمّر عدة خوانق في بلاد عديدة، ثم عاد إلى حلب، وأراد أن يعمّر بها عمارة فمرض بها. وتوفي في عشري [1] شعبان، ودفن بها في تابوت، ثم نقل بعد أربعة أشهر إلى دمشق ولم يتغير أصلا ودفن بها. قاله في «الكواكب» . وفيها باقشير عبد الله بن محمد الشافعي اليمني الحضرمي [2] الفقيه ابن الفقيه. قال في «النور» : أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ أبو بكر العيدروس، والشيخ عبد الرحمن بن علي باعلوى، والشيخ عبد الله بن الحاج، وكان من الأئمة المحقّقين، والعلماء العاملين، والفقهاء البارعين. له تصانيف مفيدة، وحيد زمانه علما وعملا وزهدا وورعا، جمع بين معالم الشريعة وسلوك الطريقة وعلوم الحقيقة. ومن تصانيفه كتاب «قلائد الخرائد وفرائد الفوائد» في الفقه مجلد ضخم نافع جدا، و «القول الموجز المبين» وكتاب «السعادة والخير في مناقب السادة بني قشير» و «رسالة في الفرج» . وله كرامات وأحوال. وتوفي في شعبان ببلده قسم من أرض حضرموت، وقبره بها معروف يزار. وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن شرف الدّين يونس بن عبد الوهاب العيثاوي الشافعي [3] الإمام العلّامة، أخو الشيخ شهاب الدّين لأبيه. ولد ليلة الأربعاء ثالث عشري رمضان سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وقرأ

_ [1] في «ط» : «في عشر» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (249- 250) و «الأعلام» (4/ 128) و «معجم المؤلفين» (6/ 117) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 187- 188) .

على والده، وحصل له بركة أشياخه، منهم الشيخ تقي الدّين البلاطنسي، وابن أبي اللطف المقدسي، وأجازاه، وأجازه بالمكاتبة مفتي بعلبك البهاء بن الفصي، واجتمع بالجمال الديروطي وأجازه، وقرأ على آخرين، وسافر إلى حلب، فحضر دروس التاج العرضي، واجتمع بقاضي قضاة العساكر المولى سنان بن حسام الدّين فعظّمه وأثنى عليه، ونشأ من صغره في طاعة الله تعالى، متأدبا، متواضعا، سليم الفطرة، منور الطلعة. أقرأ ودرّس في الفقه، والنحو، والتفسير، والحديث، وانتفع به الطلبة، وولي تدريسا بالأموي وبمدرسة أبي عمر [1] ، وبالظاهرية. وأمّ وخطب نيابة عن أبيه بالجامع الجديد خارج باب الفراديس. وكان يودّ أن يموت قبل أبيه، فبلّغه الله أمنيته. وتوفي نهار الأربعاء خامس عشري رجب عن سبع وثلاثين سنة وشهر وثمانية وعشرين يوما [2] وخرجت روحه قائلا: الله الله الله [3] لا إله إلا الله. وفيها المولى محب الدّين، ويقال محبّ الله التّبريزي [4] الشافعي الصّوفي المشهور، نزيل دمشق. رحل من بلاده إلى بلاد الشام، وحجّ منها، وجاور، ثم عاد إليها، ومكث بالتكية السّليمية بسفح قاسيون لمزيد شغفه بالشيخ محيي الدّين بن عربي، واعتقاده، وكثرة تعلقه بكلامه، وحلّه، وتشديد النكير على من ينكر عليه، وصار يقرأ عليه بها جماعة في التفسير وغيره. وكان يجمع إلى تفسير الآية تأويلها على طريقة القوم، ويورد على تأويلها ما يحضره من كلام المسنوي. وتوفي بدمشق. قاله في «الكواكب» .

_ [1] يعني في صالحية دمشق. [2] في «ط» : «وثمانية عشر يوما» . [3] لفظ الجلالة المكرر لم يرد في «الكواكب السائرة» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 246) .

وفيها أبو الفتح محمد بن صالح الكيلاني الشافعي [1] الإمام العلّامة، خطيب المدينة المنورة وإمامها. قدم دمشق وحلب، واجتمع بعلمائها، وشهدوا له بالفضل والتقدم. وتوفي بالمدينة المنورة. وفيها قطب الدّين محمد بن عبد الرحمن الصّفّوري ثم الصّالحي [2] الشافعي، الإمام الفاضل. قال الشيخ يونس العيثاوي: أخذ عن والده، والجلال السّيوطي، وغيرهما. وكان له وعظ حسن، وخطبة بليغة، وهو من بيت علم وصلاح ودين. توفي تاسع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون. وفيها السيد جمال الدّين يوسف بن عبد الله الحسني الأرميوني الشافعي [3] الإمام العلّامة، تلميذ الجلال السيوطي وغيره، وأخذ عنه العلّامة منلا علي الشهرزوري نزيل دمشق وغيره.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 336) و «الكواكب السائرة» (2/ 37) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41- 42) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 261- 262) .

سنة تسع وخمسين وتسعمائة

سنة تسع وخمسين وتسعمائة فيها كان ترميم عمارة البيت الشريف- زاده الله تعظيما- وأرّخ ذلك الشيخ عبد العزيز الزّمزمي فقال: وقد أتى تاريخ ترميمه ... (رمّم بيت الله سلطاننا) [1] وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن قاضي القضاة زين الدّين عبد الرحمن الحلبي الحنفي، الشهير بابن الحنبلي [2] وهو والد الشيخ شمس الدّين بن الحنبلي المؤرّخ المشهور، وسبط قاضي القضاة أثير الدّين بن الشّحنة. قال ولده في «درّ الحبب» : ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة، واشتغل بها في الصرف، والنحو، والعروض، والمنطق، على العلاء بن الدمشقي المجاور بجامع المهمندار، وعلى الفخر عثمان الكردي، والزّين بن فخر النساء، وغيرهم، وجوّد الخطّ على الشيخ أحمد [بن] أخي الفخر المذكور، وألمّ بوضع الأوفاق العديدة، وتعلق بأذيال القواعد الرّملية والفوائد الجفرية، وأجازه البرهان الرّهاوي رواية الحديث المسلسل بالأولية، بعد أن سمعه منه بشرطه، وجميع ما تجوز له وعنه روايته، ثم ذكر أنه استجيز له باستدعاء والده جماعة كثيرون من المصريين، كالمحب بن الشّحنة، والقاضي زكريا، وغيرهما، وأنه سمع على البرهان بن أبي شريف ما اختصره من رسالة القشيري، وأنه لبس الخرقة القادرية من الشيخ

_ [1] مجموعة في حساب الجمّل (959) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 50- 61) و «الكواكب السائرة» (2/ 81) و «معجم المؤلفين» (1/ 130) .

عبد الرزاق الكيلاني الحموي. قال: ثم لبستها أنا من يده، وذكر عنه أنه رأى في المنام شخصا باديا نصفه الأعلى من ضريح وهو يقول له: إذا وقعت في شدّة فقل: يا خضير يا خضير. وأنه كان إذا حزبه أمر قال ذلك ففرّج عنه. وذكر من تأليفه كتابه المسمى «ثمرات البستان وزهرات الأغصان» و «السلسل الرائق المنتخب من الفائق» وكتابا انتخبه من «آداب الرئاسة» سمّاه «مصابيح أرباب الرئاسة ومفاتيح أبواب الكياسة» وغير ذلك، وأنه توفي ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة. وفيها زين الدّين زكريا المصري [1] العلّامة الشافعي، حفيد شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري. أخذ العلم عن جدّه المذكور، والبرهان بن أبي شريف، والشيخ عبد الحقّ، والكمال الطويل، ولبس خرقة التصوف من جدّه، ومن سيدي علي المرصفي، وغيرهما. وكان جدّه يحبه محبّة عظيمة. وكان ذكيا، فطنا، خاشعا، أفتى، ودرّس. قال الشعراوي: سافرت معه إلى مكّة سنة سبع وأربعين وهو قاضي المحمل، فكان يقضي بالنهار ولا يملّ من الطوال بالليل، كثير الصّدقة والافتقاد لفقراء الركب. وتوفي في شوال بالقاهرة، ودفن خارج باب النصر تجاه مقام السيدة زينب. وفيها عثمان بن عمر الشيخ المعمّر الحلبي الشافعي، المعروف بابن شيء لله [2] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 145) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 887- 888) و «الكواكب السائرة» (2/ 190) .

حفظ القرآن العظيم، وتفقّه على الفخري عثمان الكردي، والبرهاني فقيه اليشبكية، وحجّ، وانتفع به الطلبة. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن حسن الدمشقي [1] المعروف بابن الشيخ حسن. كان من أهل الفضل والعلم والصلاح، وكان خطيبا بجامع الأفرم، وأخذ عن جماعة، منهم البدر الغزّي، حضر دروسه بالشامية وغيرها كثيرا. وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن عبيد [2] الشيخ الفاضل الصّالح الواعظ، ابن الشيخ الصّالح المقرئ المجيد الضرير، إمام مسجد الباشورة. توفي يوم الجمعة بعد العصر سادس عشري القعدة. وفيها قاضي القضاة نظام الدّين أبو المكارم يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن الحلبي التّادفي الحنبلي القادري [3] سبط الأثير بن الشّحنة، وهو عمّ ابن الحنبلي شقيق والده. ولد سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وتفقه على أبيه [4] وبعض المصريين، وأجاز له باستدعاء من أبيه [4] وأخيه جماعة من المصريين، منهم المحبّ بن الشّحنة، والقاضي زكريا، والبرهان القلقشندي، والدّيمي، والخيضري، وغيرهم، وقرأ بمصر على المحبّ بن الشّحنة، والجمال بن شاهين سبط بن حجر جميع مجلس البطاقة سنة سبع وثمانين، ثم لما عاد والده إلى حلب متوليا قضاء الحنابلة ناب عنه فيه وسنّه دون العشرين، فلما توفي والده أوائل سنة تسعمائة استقلّ بالقضاء بعده، وبقي إلى أن انصرمت دولة الجراكسة، وكان آخر قاض حنبلي بها بحلب، ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق، وبقي بها مدة، ثم استوطن مصر. وولي

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 10) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 548- 554) و «الكواكب السائرة» (2/ 260) و «الأعلام» (8/ 187) . [4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

بها نيابة قضاء الحنابلة بالصالحية النجمية وغيرها، وحجّ منها وجاور، ثم عاد إلى حكمه. وكان لطيف المعاشرة، حسن الملتقى، حلو العبارة، جميل المذاكرة، يتلو القرآن العظيم بصوت حسن ونغمة طيبة، وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى.

سنة ستين وتسعمائة

سنة ستين وتسعمائة فيها وقع عمارة ميزاب الرّحمة من البيت الشريف، وقال في ذلك أبو بكر اليتيم المكّي مؤرخا: يا أيّها المولى الجليل ومن له ال ... مجد الأثيل الفائق المرّيخا ميزاب بيت الله جدّد فاقتبس ... نا (رحمة من ربّك) [1] التّاريخا وفيها توفي الأمير برهان الدّين إبراهيم بن والي بن نصر خجا بن حسين الذكرى المقدسي الفقيه الحنفي [2] . قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة ست وأربعين واردا من بغداد لتيمار كان له بها، وكان لطيف المذاكرة، حسن المحاضرة، اشتغل بالعربية وغيرها، وتعاطى الأدب، وله منظومة في النحو سمّاها «البرهانية» وقرض عليها سيدي محمد بن الشيخ علوان وغيره، ووضع رسالة في الصّيد وما يتعلق بالخيل برسم وزير السلطنة السليمانية وقدمها إليه بالرّوم. ومن شعره: قال الفؤاد مقالات يوبّخني ... لما رآني على طول من الأمل أن ليس تنفع أقوال تقرّرها ... ما لم تكن عاملا بالفعل يا ابن ولي عاد إلى وطنه من غير الطريق المعتاد ففقد في الطريق في هذه السنة.

_ [1] حسابها بالجمّل (960) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 33- 39) و «الكواكب السائرة» (2/ 81) و «الأعلام» (1/ 78) و «معجم المؤلفين» (1/ 124) .

وفيها إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني ثم الحلبي الشافعي [1] . قال ابن الحنبلي: فقيه، صوفيّ، سليم الصدر، معمر، اجتمع بالسيد علي بن ميمون بعد أن رآه في المنام، فألبسه ثوبا أبيض. قال: وكان مغرما بالكيميا. توفي بحلب ودفن خارج باب قنسرين. وفيها تقي الدّين أبو بكر بن شيخ الإسلام شمس الدّين محمد بن أبي اللطف المقدسي [2] الشافعي الإمام العلّامة. أخذ عن والده وغيره، وحضر هو وأخوه الشيخ عمر إلى دمشق، فقرأ على البدر الغزّي جميع «شرح جمع الجوامع» للمحلّي، ثم برع صاحب الترجمة في فنون من العلم، خصوصا الأصول، حتى كان يعرف بالشيخ أبي بكر الأصولي. وسكن دمشق آخرا، وتزوج بها، وتوفي بها في هذه السنة تقريبا. وفيها زين الدّين رجب بن علي بن الحاج أحمد بن محمود اليعفوري الحموي الشافعي، الشهير بالعزازي [3] الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : وهو جدّ صاحبنا العلّامة تاج الدّين القطّان النحوي الشافعي لأبيه. أخذ عن البازلي الكردي الحموي، وبمصر عن العلّامة عبد الحقّ السنباطي، وتفقه به وبالشمس النّشيلي، والشّهاب الرّملي، وغيرهم، ثم دخل دمشق، فقرأ على شيخ الإسلام الوالد، واعتنى بجمع المهم من فتاواه، فجمع منها ثلاث مجلدات، ثم عاد إلى بلده حماة مستقرا، مفتيا، مدرّسا. وكان مخلصا في محبة الوالد ومصافاته، ووصفه شيخ الإسلام الوالد بالفضل والصّلاح.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 44- 45) و «الكواكب السائرة» (2/ 82) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 93) . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 625- 626) و «الكواكب السائرة» (2/ 143- 144) .

وفي «تاريخ ابن الحنبلي» أنه مرّ بحلب سنة إحدى وخمسين متوجها إلى إسلام بول [1] لعزله عن عصرونية حماة، وأنه أنشده للبهاء الفصي البعلي الشافعي: إن صار [2] عبدك حيث شئت تواضعا ... لجلال قدرك ما تعدّى الواجبا فلئن تأخّر كان خلفك خادما ... ولئن تقدّم كان دونك حاجبا ثم توجه إليها [3] مرة أخرى، فتوفي بالقسطنطينية في المحرم، ودفن بالقرب من ضريح أبي أيوب الأنصاري، رضي الله عنه. وفيها عبد القادر السّبكي المصري المجذوب [4] . قال في «الكواكب» : كان مجذوبا، ثم أفاق في آخر عمره، وصار يصلّي ويقرأ كل يوم ختمة، مع بقاء أحواله من الكشف. ورؤي وهو راكب حمارته يسوقها على الماء أيام وفاء النيل. وكان يخدم الأرامل ويشتري لهم الحوائج، ويضع كل ما يشتريه في إناء واحد من زيت، وشيرج، وعسل، وربّ، وغير ذلك، ثم يعطي كل واحدة حاجتها من غير اختلاط. وكان تارة يلبس زي الجند، وتارة زي الريافة، وتارة زي الفقراء، وكان يعطب من ينكر عليه. مات في جمادى الآخرة انتهى. وفيها الشريف الفاضل جمال الدّين محمد بن علي بن علوي خرد باعلوى [5] صاحب كتاب «غرر البهاء» . قاله في «النور» .

_ [1] يعني إستانبول. [2] في «آ» : «إن سار» . [3] في «ط» : «إليه» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 176) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 184- 185) . [5] ترجمته في «النور السافر» ص (252) و «الأعلام» (6/ 92) و «معجم المؤلفين» (11/ 29) .

وفيها الأمير نجم الدّين محمد بن محمد القرشي الدمشقي [1] . كان فاضلا، يقرأ القرآن، ويبكي عند التّلاوة، وكان بينه وبين الشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين الشافعي مودّة ومحبّة. مات في هذه السنة أو التي بعدها. ومات بعده ولده الأمير شمس الدّين محمد [2] بتسعة أشهر، وهو والد محمد جلبي القرمشي، رحمهم الله تعالى. وفيها- تقريبا- نجم الدّين محمد الماتاني الحنبلي الإمام العالم الفقيه المحدّث الصّالحي [3] . أخذ الحديث عن الشيخ أبي الفتح المزّي وغيره، وتفقه بفقهاء الشاميين، وكان ينسخ بخطّه كثيرا، وكتب نسخا كثيرة من «الإقناع» . وفيها شرف الدّين أبو النّجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجّاوي المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [4] الإمام العلّامة، مفتي الحنابلة بدمشق، وشيخ الإسلام بها. كان إماما، بارعا، أصوليا، فقيها، محدّثا، ورعا، من تأليفه كتاب «الإقناع» جرّد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد، لم يؤلّف أحد مؤلّفا مثله في تحرير النقول وكثرة المسائل، ومنها «شرح المفردات» و «شرح منظومة الآداب» لابن مفلح، وزاد «المستقنع في اختصار المقنع» و «حاشية على الفروع» وغير ذلك. وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ربيع الأول ودفن بأسفل الروضة تجاه قبر المنقح من جهة الغرب يفصل بينهما الطريق.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) . [3] ترجمته في «السحب الوابلة» ص (461- 462) . [4] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (150/ ب- 106/ آ) و «السحب الوابلة» ص (472- 473) و «النعت الأكمل» ص (124- 126) ومختصر طبقات الحنابلة» للشطي ص (93- 94) و «الأعلام» (7/ 320) و «معجم المؤلفين» (13/ 34- 35) .

وفيها محيي الدّين يحيى الذاكر الشيخ الصالح [1] . قال في «الكواكب» : هو أحد أصحاب الشيخ تاج الدّين الذاكر الذين أذن لهم في افتتاح الذكر. كان معتزلا عن الناس، ذاكرا، خاشعا، عابدا، صائما أقبل عليه أمراء الدولة إقبالا عظيما، ثم تظاهر بمحبّة الدنيا والتجارة فيها طلبا للسّتر، حتى اعتقد فيه غالب أهل الدنيا أنه يحب الدّنيا مثلهم. قال الشعراوي: قال لي مرات: ما بقي الآن لظهور الفقر فائدة بأحوال القوم. قال: وقد عوضني الله تعالى بدل ذلك مجالسته سبحانه في حال تلاوتي كلامه، ومجالسة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم في حال قراءتي لحديثه، فلا تكاد تراه إلّا وهو يقرأ القرآن والحديث. قال: وأخبرني أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أذن له- يعني في المنام [2]- أن يربّي المريدين، ويلّقن الذكر. انتهى

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 260- 261) . [2] قلت: لا تؤخذ الأحكام من المنامات إن صحّت الرؤيا فكيف إن لم تصح، وما هذه إلا شطحة من شطحات الصوفية وما أكثرها في الزمن الغابر والزمن الحاضر.

سنة إحدى وستين وتسعمائة

سنة إحدى وستين وتسعمائة قال في «النور» [1] في ليلة ثلاثة عشر من ربيعها الأول قتل السلطان محمود شاه بن لطيف شاه صاحب كجرات شهيدا، وسببه أن بعض خدمه سوّلت له نفسه قتله، فدبّر الحيلة، وواطأ بعض الوزراء والحرس، فقيل: دسّ له سمّا في شرابه أو في [2] حلواه، فشكا السلطان عقب تناوله حرارة عظيمة اشتعلت بباطنه، فاستغاث، فقيل: بل له سكرا نباتا، ودسّ له سمّا ليعجّل موته قبل أن يشعر به، وقيل: بل طلب السلطان الطبيب، فبادر ذلك الشقيّ وذبح السلطان والطبيب، ولم يشعر أحد، ثم أرسل رسل السلطان المعتادين إلى وزرائه وطلبوهم على لسان السلطان، فقدم كلّ على انفراده من غير شعور له بشيء، فكل من دخل من الوزراء قتلوه، فلما كثر القتل وقع الإحساس ببعض ما جرى. انتهى وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشّمّاع الحلبي الشافعي، الشهير بابن الطّويل [3] العالم الزاهد. قرأ في سنة سبع عشرة وتسعمائة على الحافظ عبد العزيز بن فهد المكّي شيئا من كتب الحديث، وسمع عليه غالب «البخاري» وأجاز له، وألبسه خرقة التصوف. وكان شيخا، صالحا، حسن السمت، يميل إلى كلام القوم، وكتب الوعظ، وكان يأكل الخبز اليابس منقوعا بالماء، وإذا حصل له مأكل نفيس آثر به الفقراء،

_ [1] انظر «النور السافر» ص (252) . [2] في «ط» : «وفي» . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 179- 180) و «الكواكب السائرة» (2/ 101) .

وترك أكل قوت حلب قدر ست عشر سنة لما بلغه من بيع ثمرها قبل بدو صلاحه. وفيها السيد أحمد بن أبي نمي [1] صاحب مكة. قال في «النور» : وهو الذي داس بساط سلطان الرّوم سليمان ولم يدس غيره من سلاطين مكة، وشوكته استقوت في حياة أبيه، وحكاياته مشهورة. انتهى وفيها السلطان بايزيد بن سليمان العثماني [2] . قتله شاه طهمان بأمر أبيه السلطان سليمان. وفيها برهان نظام شاه [3] سلطان الدّكن. وفيها سليم شاه بن شير شاه [4] . قال في «النور» : فهؤلاء خمسة سلاطين، أي محمود شاه، وابن أبي نمي، وهؤلاء الثلاثة اتفق موتهم في هذه السنة، فقال بعضهم مؤرّخا لذلك زوال خسروان [5] . انتهى وفيها بشر المصري الحنفي [6] الإمام العلّامة الصّالح. أخذ العلم عن البرهان، والنّور الطرابلسيين، وعن شيخ الإسلام عبد البرّ بن الشّحنة، وأجازه بالإفتاء والتدريس، فدرّس وأفتى، وانتفع به خلائق، وغلب عليه، في آخره محبّة الخفاء والخمول، وعدم التردّد إلى الناس، وناب في القضاء مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على العبادة، وكان يديم الصّيام والقيام، رحمه الله تعالى. وفيها حسن الدنجاوي [7] .

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (253) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (253) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (247) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (253) . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (253) . [5] أي سنة (961) في حساب الجمّل. [6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 128) . [7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 138) .

ذكره الشعراوي وأشار إلى أنه كان من أصحاب النوبة والتصرف بمصر. وتوفي في جمادى الأولى. وفيها- تقريبا- سليمان الخضيريّ المصري الشافعي [1] الشيخ الصالح الفاضل العارف بالله تعالى. أخذ العلم عن الجلال السيوطي، والقطب الأوجاقي، وأخذ الطريق عن الشّهاب المرحومي، وأذن له أن يربّي المريدين ويلقّنهم الذّكر، فتلمذ له خلائق لا يحصون. وكان زاهدا، ديّنا، لا ينتقص أحدا من أقرانه، ويقول: لا يتعرض لنقائص الناس إلّا كل ناقص. قال الشعراوي: أدركت الأشياخ وهم يضربون به وبجماعته المثل في الاجتهاد في العبادات. وصحب بعد موت شيخه مشايخ لا يحصون، كسيدي محمد بن عنان، وسيدي علي المرصفي، وسيدي محمد المنزلاوي، وغيرهم، وكانوا يحبّونه، وغلب عليه في آخر عمره الخفاء لعلو مقامه. وكان له مكاشفات وكرامات. قال الشعراوي: أخبرني في سنة تسع وخمسين وتسعمائة، أن عمره مائة سنة وثمان سنين. انتهى وفيها زين الدّين عبد الرحمن الأجهوري [2] المالكي الشيخ الإمام العلّامة، الزاهد الخاشع، مفتي المسلمين. تلا على الشّهاب القسطلاني للأربعة عشر، وحضر عليه قراءة كتابه «المواهب اللدنية» وأخذ الفقه وغيره عن شمس الدّين اللقاني، وعن أخيه ناصر

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 160) .

الدّين، وغيرهما، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فأفتى ودرّس، وصنّف كتبا نافعة، منها «شرح مختصر الشيخ خليل» وسارت الرّكبان. بمصنّفاته، حتّى إلى المغرب والتّكرور، وكان الشيخ ناصر الدّين اللقاني إذا جاءته الفتيا يرسلها إليه من شدة إتقانه وحفظه للنقول. وكان كريم النّفس، قليل الكلام واللغو، حافظا لجوارحه، كثير التّلاوة والتهجد. قال الشعراوي: لما مرض دخلت إليه فوجدته لا يقدر يبلع الماء من غصة الموت، فدخل عليه شخص بسؤال، فقال: أجلسوني. قال: فأجلسناه وأسندناه، فكتب على السؤال ولم يغب له ذهن مع شدة المرض، وقال: لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه، فمات تلك الليلة ودفن بالقرافة. وكان كلما مرّ على موضع قبره يقول: أأنا أحب هذه البقعة، فدفن بها، وقبره ظاهر يزار. وفيها علي البرلسي المجذوب المصري [1] . قال في «الكواكب» : كان نحيف البدن، يكاد يحمله الطفل. وكان يتردّد بين مدينة قليوب ومصر، لا بد له كل يوم من الدخول إلى قليوب ورجوعه إلى مصر. وكان من أصحاب الخطوة، وكثيرا ما يمر عليه صاحب البغلة الناهضة وهو نائم تحت الجيزة [2] بقليوب فيدخل مصر فيجده ماشيا أمامه وكان كثيرا ما يغلقون عليه الباب فيجدونه خارج الدار. قالوا [3] : وما رؤي قط في معدية، إنما يرونه في ذلك البرّ وهذا البرّ، وربما رأوه في البرلس، وفي دسوق، وفي طندتا، وفي مصر في ساعة واحدة، وهذه صفة الأبدال. وأما رؤيته بعرفة كل سنة فكثير. توفي في ربيع الأول، ودفن في زاويته المرتفعة داخل باب الشعرية.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 223) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 187) . [2] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «تحت الجيزة» وفي «ط» : «الجميزة» . [3] في «ط» : «قال» .

وفيها شمس الدّين محمد بن سيف [1] الحلبي ثم القسطنطيني الشافعي [2] الإمام العلّامة إمام عمارة محمود باشا. أخذ عن البدر السيوفي وغيره من علماء حلب، ثم توطن القسطنطينية حتّى مات. وكان حسن السّمت والملبس. وكان يعظ المواعظ الحسنة، وله حظوة تامة عند أكابر الدولة. وذكر ابن الحنبلي أن أباه كان جمّالا.

_ [1] في «آ» و «ط» و «إعلام النبلاء» : «ابن يوسف» والتصحيح من «درّ الحبب» و «الكواكب السائرة» . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 90- 91) و «الكواكب السائرة» (2/ 35) و «إعلام النبلاء» (6/ 21- 22) .

سنة اثنتين وستين وتسعمائة

سنة اثنتين وستين وتسعمائة فيها توفي قاضي قضاة الشافعية بمكّة المشرّفة برهان الدّين إبراهيم بن ظهيرة [1] . ميلاده سنة خمس عشرة وتسعمائة، وتوفي في هذه السنة كذا بخطّ ابن صاحب «العنوان» . وفيها توفي [2] أبو الفتح السّبستري ثم التّبريزي الشافعي [3] نزيل دمشق، الإمام العلّامة المحقّق المدقّق الفهّامة. انتفع به الطلبة، وهرعوا إليه، ورغبوا فيما عنده. وكان ذا علم جزل، وأخلاق حسنة، وآداب جميلة. أخذ عنه النجم البهنسي، والشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدّين، والشمس المنقاري، والمنلا أسد، والقاضي عبد الرحمن بن الفرفور، وغيرهم. وكان له خلوة في السميساطية، يدرّس العلوم فيها. وتوفي بالصالحية شهيدا بالطّاعون في هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون. وفيها حامد بن محمود [4] نزيل مكّة المشرّفة، الإمام الهمام العلّامة.

_ [1] ترجمته في «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» للبقاعي وهو مخطوط لا يعرف مكان وجوده، وقد مرّت ترجمة مؤلّفه في المجلد التاسع ص (509- 510) . [2] لفظة «توفي» لم ترد في «ط» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94) . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .

قال في «النور» : كان إليه النهاية في العلم والعبادة، ورثاه الشيخ عبد العزيز الزمزمي بقصيدة طنّانة مطلعها: أيّها الغافل الغبي تنبّه ... إن بالنّوم يقظة النّاس أشبه ومنها: قد مضى حامد حميدا فما لي ... بعده في الحياة والعيش رغبه صاحبي من قريب خمسين عاما ... ما تراءيت في محياه غضبه ومنها: من جميع العلوم حاز فنونا ... فتسامى بها لأرفع رتبه وهي طويلة جيدة. انتهى وفيها عبد الله بن عبد الرحمن بن أصفهان الكردي الشافعي [1] المنسوب إلى بزين- بالموحدة والتصغير قبيلة من الأكراد-. قرأ في الصّرف وغيره على أبيه الفقيه المحرّر عبد الرحمن، والنحو على مولانا حسين العمادي المقيم بسمرقند، والمنطق على منلا نصير الأستراباذي، والكلام على منلا على الكردي الحوزي- بحاء مهملة وواو ساكنة وزاي-. ومن سنة تسع وأربعين لزم ابن الحنبلي في علم البلاغة. قال ابن الحنبلي: وكان فاضلا، ذكيا، كتب بخطّه «تفسير منلا عبد الرحمن الجامي» وطالعه. وتوفي ببلد القصير مطعونا في هذه السنة. وفيها عبد الرؤوف اليعمري المصري الأزهري [2] أحد شعراء مصر.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 726- 727) و «الكواكب السائرة» (2/ 155) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .

قال في «الكواكب» : قدم حلب هو وصاحبه الشيخ نور الدّين العسيلي، ونزلا [1] بالمدرسة الشرفية. وكان حسن الشعر، لطيف الطّباع. مات بالقاهرة. انتهى وفيها شرف الدّين عبد القادر بن محمد بن محمد [2] بن قاضي سراسيق الصّهيوني [2] ثم [2] الطرابلسي [2] ثم [2] الدمشقي الشافعي [3] الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : أخذ عن شيخ الإسلام الوالد. قرأ عليه في «البهجة» جانبا صالحا، وفي «صحيح مسلم» وفي «الأذكار» وغير ذلك. وولي إعادة الشامية البرّانية بدمشق، وقدم حلب في حياة الشّهاب الهندي، فقرأ عليه في «شرح الشمسية» للقطب، وسمع عليه في غيره، ثم عاد إلى طرابلس، فدرّس بجامع العطّار، وانتفع به الطلبة. وكان الثناء عليه جميلا في الدّيانة وحسن الخلق، إلّا أنه كان ينكر على ابن العربي. وتوفي بطرابلس. انتهى ملخصا وفيها شرف الدّين أبو حمزة عبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الدمشقي الأصل الحجازي الحنبلي ثم الحنفي [4] القاضي الفاضل المفنّن، أحد أولاد القطب الكبير سيدي محمد بن عراق. ولد بمجدل مغوش سنة عشرين وتسعمائة. وكان فاضلا، لبيبا، أديبا، حسن المحاضرة، مأنوس المعاشرة، دخل بلاد الشام مرات، وتولى قضاء زبيد باليمن، وله مؤلّف سمّاه «بيان ما تحصّل في جواب

_ [1] في «ط» : «ونزل» وهو خطأ. [2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 836- 837) و «الكواكب السائرة» (2/ 172) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 184- 185) و «معجم المؤلفين» (6/ 199) .

أي المسجدين أفضل» أهو القائم بالعبادة المعمور، أم الداثر العادي المهجور. وله شعر حسن منه: إن الغرام حديثه لي سنّة ... مذ صحّ أني فيه غير مدافع يا حائزا لمنافعي ومملكا ... رقّي تهنّ برقّ عبد النّافع ومنه: ورشيق مليح قدّ وصوره ... قال: إن القلوب لي مأموره رام كشفا لما حوته ضلوعي ... قلت: بالله خلّها مستوره ومنه: يا ربّ أثقلني ذنب أقارفه ... فهل سبيل إلى الإقلاع عن سببه وأنت تعلمه فاغفره لي كرما ... وخذ بناصيتي عن سوء مكتسبه توفي بمكة المشرّفة، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين أبو اليسر محمد بن محمد بن حسن بن البيلوني الحلبي [1] المقرئ الخير. سمع على ابن النّاسخ كأخيه بقراءة أبيه ولا أجاز له، ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي، ثم الشيخ تقي الدّين الأرمنازي، وكانت له معرفة جيدة بالطب. وكان صالحا، متواضعا، أثوابه إلى أنصاف ساقيه كأبيه، وربما حمل طبق العجين على عاتقه مع جلالته. توفي مطعونا ودفن عنده والده. وفيها شمس الدّين أبو الطيب محمد بن محمد بن علي الحسّاني [2] ،

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 266- 267) و «الكواكب السائرة» (2/ 9) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 268- 274) و «الكواكب السائرة» (2/ 10) و «معجم المؤلفين» (11/ 245) .

الغماري الأصل المدني المولد والمنشأ والوفاة، المالكي، عرف بابن الأزهري. كان كثير الفضائل، حسن المحاضرة، صوفي المشرب، له ميل إلى كتب ابن العربي من غير غلو، وله نثر ونظم، منه أرجوزة سمّاها «لوامع تنوير المقام في جوامع تفسير المنام» . دخل بلاد الشام قاصدا الرّوم، فدخل دمشق وحلب، واجتمع فيها بابن الحنبلي، فأخذ كل منهما عن الآخر، وأجاز كل منهما الآخر. وتوفي بالمدينة المنورة. وفيها نصر الله بن محمد العجمي الخلخالي الشافعي [1] الفقيه ابن الفقيه. درّس بالعصرونية بحلب، وكان ذكيا، فاضلا، صالحا، متواضعا، ساكنا، ملازما على الصلوات في الجماعة، حسن العبارة باللسان العربي. توفي مطعونا في هذه السنة، رحمه الله. وفيها السلطان همايون بن بابور [2] . وكان سبب موته سقوطه من سقف، فقال مؤرخ وفاته بالفارسي: همايون بادشاه از بام افتاد. قاله في «النور» .

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 521- 522) و «الكواكب السائرة» (2/ 255) و «معجم المؤلفين» (13/ 98) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (255) .

سنة ثلاث وستين وتسعمائة

سنة ثلاث وستين وتسعمائة فيها توفي أحمد بن حسين بن حسن بن محمد، المعروف بابن سعد الدّين الشامي القبيباتي الجبائي [1] الصّالح القدوة، العارف بالله تعالى، شيخ بني سعد الدّين بدمشق. قال في «الكواكب» : كان له أوقات يقيم فيها الذكر والسّماع، ويكتب النشر والحجب على طريقة أهله المعروفة، وكان له الكشف التام والكرامات الكثيرة، وكان له سخاء وقرى للواردين على عادتهم. وتوفي يوم الجمعة من شهر شعبان، ودفن بتربة الشيخ تقي الحصني خارج باب الله وخلفه في المشيخة أخوه الشيخ سعد الدّين. وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن حسين بن حسن بن عمري البيري الأصل الحلبي الشافعي [2] العلّامة الصّوفي. ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة، ولقّنه الذكر وهو صغير الشيخ علاء الدّين الأنطاكي الخلوتي سنة ست وتسعمائة، وألبسه الخرقة والتاج الأدهميين الشيخ عبد الله الأدهمي، وكان عنده وسوسة زائدة في الطهارة، ولا يلبس الملبس الحسن. قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «فهرست تلاميذه» وأثنى عليه كثيرا، وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق، وقرأ عليه مدة في

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 103) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 221- 223) و «الكواكب السائرة» (2/ 104- 105) .

الفقه، والنحو، والأصول، والحديث شيئا كثيرا، وكتب له إجازة حافلة بما قرأه، وبالإذن بالإفتاء والتدريس. انتهى ملخصا وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشيخ مركز [1] الإمام العالم العامل. قرأ في العربية، والتفسير، والحديث، على والده، واشتغل بالوعظ والتذكير، فانتفع الناس به، وله رسائل في بعض المسائل. قاله في «الكواكب» . وفيها صدر الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدّين بن عربشاه [2] الشافعي، ولد منلا عصام البخاري، المشهور ب «الحواشي على شرح الكافية» للجامي. قدم حلب سنة ثمان وأربعين، وقرأ شيئا من «البخاري» على شيخ الشيوخ الموفق بن أبي بكر، وأجاز له، وظهر له فضل حسن. وتوفي بين الحرمين الشريفين وهو ذاهب من المدينة إلى مكّة. وفيها أقضى القضاة سعد الدّين الأنصاري ابن القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنطاكي الحلبي الدمشقي [3] . قال ابن طولون: لازم شيخنا العلاء المرحّل في قراءة «قطر الندى» و «الوافية» و «عروض الأندلسي» وغير ذلك، واشتغل على الجلال النّصيبي وغيره، وعني بالأدب، وتولّع ب «مقامات الحريري» فحفظ غالبها، وخطّ الخط الحسن، وأخذ في صنعة الشهادة، وناب في القضاء بأنطاكية فلم يشك منه أحد، وتزّوج، ثم ترك التزوج، مع الدّيانة والصّيانة. ومن شعره: نظري إلى الأعيان قد أعياني ... وتطلّبي الأدوان قد أدواني من كل إنسان إذا عاينته ... لم تلق إلّا صورة الإنسان انتهى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 318- 320) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 657- 660) و «الكواكب السائرة» (2/ 146- 147) .

وكان فاضلا، ناظما، ناثرا، يعرف باللسان التركي والفارسي. وكان ساكنا في خلوة بالسميساطية، فأصبح مخنوقا ملقى على باب الخانقاة المذكورة يوم السبت ختام صفر، ودفن بباب الفراديس. وفيها بدر الدّين أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد السيد الشريف العبّاسي الشافعي القاهري ثم الإسلامبولي [1] . ولد في سحر يوم السبت رابع عشري شهر رمضان سنة سبع وستين وثمانمائة بالقاهرة، وأخذ العلم بها عن علمائها، فأول مشايخه الشمس النشائي، وأخذ عن محيي الدّين الكافيجي، وأمين الدين الأقصرائي، والمحب بن الشّحنة، والشرف [2] بن عيد، والبرهان اللقاني، والسّراج العبادي، والشمس الجوجري، والجلال البكري، والشمس بن قاسم، والفخر الدّيمي، والبرهان بن ظهيرة، والمحب بن الغرس [3] البصروي. وسمع «صحيح البخاري» على المسندين: العزّ الصحراوي، وعبد الحميد الحرستاني بالأزهر، وقرأه على البدر بن نبهان، ثم لازم آخرا الرّضي الغزّي. قال في «الشقائق» : كانت له يد طولى، وسند عال في علم الحديث، ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد الفرائد. وكان له إنشاء بليغ، ونظم حسن، وخط مليح. وبالجملة كان من مفردات العالم، صاحب خلق عظيم، وبشاشة، ووجه بسّام، لطيف المحاورة، عجيب النادرة، متواضعا، متخشعا، أديبا، لبيبا، يبجّل الصغير ويوقّر الكبير، كريم الطبع، سخي النفس، مباركا، مقبولا. انتهى باختصار

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (246- 247) و «الكواكب السائرة» (2/ 161- 162) و «معجم المؤلفين» (5/ 205- 206) . [2] في «ط» : «والشريف» وهو خطأ. [3] في «ط» : «ابن الفرس» وهو خطأ.

وأتى إلى القسطنطينية في زمن السلطان با يزيد ومعه شرح له على «البخاري» أهداه إلى السلطان، فأعطاه بايزيد جائزة سنية ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرئ فيها الحديث فلم يرض، ورغب في الذهاب إلى الوطن، ثم لما انقرضت دولة الغوري أتى القسطنطينية وأقام بها، وعيّن له كل يوم خمسون عثمانيا على وجه التقاعد. ومن مؤلفاته «شرح البخاري» شرحه في القاهرة، وآخر مبسوط ألّفه بالرّوم، والظاهر أنه لم يتم، وشرح على «مقامات الحريري» حافل جدا، وقطعة على «الإرشاد» في فقه الشافعي، وشرح على «الخزرجية» في علم العروض، وشرح على «شواهد التلخيص» واختصره في مختصر لطيف جدا. ومن شعره: إن رمت أن تسبر طبع امرئ ... فاعتبر الأقوال ثم الفعال فإن تجدها حسنت مخبرا ... من حسن الوجه فذاك الكمال ومنه: حال المقلّ ناطق ... عمّا خفي من عيبه فإن رأيت عاريا ... فلا تسل عن ثوبه ومنه: يا من بنى داره لدنيا ... عاد بها الربح منه خسرا لسان أقوالها ينادي ... عمّرت دارا لهدم أخرى ومنه: دع الهوى واعزم على ... فعل التّقى ولا تبل فآفة الرأي الهوى ... وآفة العجز الكسل ومنه: أرعشني الدّهر أي رعش ... والدّهر ذو قوة وبطش

قد كنت أمشي ولست أعيا ... والآن أعيا ولست أمشي وتوفي- رحمه الله تعالى- في هذه السنة. وفيها- تقريبا- عزّ الدّين عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز المكّي الزّمزمي الشافعي [1] الإمام العالم المفنّن. ولد سنة تسعمائة، ودخل بلاد الشام مارا بها إلى الرّوم سنة اثنتين وخمسين، وله مؤلفان سمّى أحدهما ب «الفتح المبين» والثاني ب «فيض الجود على حديث شيّبتني هود» . ومن شعره وفيه تورية من ثلاثة أوجه: وقال الغواني ما بقي فيه فضلة ... لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخّ وفي ظلّ دوح [2] المرخ مرخى غصونه ... فحيث انثنى أعرضن عن ذلك المرخي قال في «الكواكب» : هو والد شيخنا شيخ الإسلام شمس الدّين محمد الزّمزمي. أخذت عنه، واستجزت منه لنفسي ولولدي البدري والسعودي في سنة سبع وألف. وتوفي سنة تسع وألف. أخذ عن والده المذكور، وعن العلّامة شهاب الدّين بن حجر المكّي. انتهى وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أحمد القصيري [3] البكراوي شهرة الشافعي [4] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 170) و «معجم المؤلفين» (5/ 254) . [2] في «آ» : «دمع» وقد سقطت اللفظة من «الكواكب السائرة» المطبوع فلتستدرك. [3] تحرفت في «ط» إلى «القيصري» . [4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 837- 838) و «الكواكب السائرة» (2/ 174) .

تفقه بالسيد كمال الدّين بن حمزة، والبرهان العمادي الحلبي، وأخذ عن غيرهما أيضا. وكان علّامة، عارفا بالفقه والفرائض والأصول، ولي مشيخة خانقاه أمّ الملك الصّالح بحلب، ودرّس بالفردوس، وولي تدريس الجامع الكبير بها. وتوفي وهو يذكر اسم الله تعالى ذكرا متواليا، ودفن بمقابر الصّالحين بحلب. وفيها سعد الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق [1] ولد سيدي محمد الفقيه المقرئ الشامي الحجازي الشافعي. ولد كما ذكره والده في السفينة العراقية سنة سبع وتسعمائة بساحل بيروت، وحفظ القرآن العظيم وهو ابن خمس سنين في سنتين، ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة ست سنين، فعادت بركة الله تعالى عليه، وحفظ كتبا عديدة في فنون شتّى، وأخذ القراآت عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية مجدل معوش، وعن غيره، وكان ذا قدم راسخة في الفقه، والحديث، والقراآت، ومشاركة جيدة في غيرها، وله اشتغال في الفرائض، والحساب، والميقات، وقوة في نظم الأشعار الفائقة، واقتدار على نقد الشعر. وكان ذا سكينة ووقار، لكنه أصم صمما فاحشا. وولي خطابة المسجد النبوي، ودخل دمشق وحلب في رحلته إلى الروم. قال ابن طولون: وعرض له الصّمم في البلاد الرّومية. قال: وذكر لي أنه عمل شرحا على «صحيح مسلم» كصنيع القسطلاني على «صحيح البخاري» وشرع في شرح على «العباب» [2] في فقه الشافعية. قال وسافر من دمشق في عوده من الرّوم لزيارة بيت المقدس يوم الخميس

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 1004- 1010) و «الكواكب السائرة» (2/ 197- 198) و «الأعلام» (5/ 12) و «معجم المؤلفين» (7/ 218) . [2] قلت: «العباب» في فقه المذهب الشافعي، نظمه القاضي شهاب الدّين أبو العباس أحمد بن ناصر ابن الباعوني، المتوفى سنة (810 هـ) . انظر «كشف الظنون» (2/ 1122) .

ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين، ثم انصرف إلى مصر، وذكر أنه في مدة إقامته بدمشق كان يزور قبر ابن العربي ويبيت عنده، وأنه أشهر شرب القهوة بدمشق، فكثرت من يومئذ حوانيتها. قال: ومن العجب [1] أن والده كان ينكرها، وخرّب بيتها بمكة. وتوفي المترجم بالمدينة المنورة وهو خطيبها وإمامها. وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري التّبريزي الشافعي [2] ثم الحنفي، صدر تبريز، وأحد الموالي الرّومية، المعروف بشصلي أمير. اشتغل على والده، وعلى منلا محمد البرلسي الشافعي، وغيرهما، ودرّس في حياة أبيه الدرس العام سنة ست عشرة، ثم دخل الرّوم، وترقّى في مدارسها، إلى أن وصل إلى إحدى الثمان، ثم ولي قضاء حلب في أواخر سنة تسع وأربعين، ثم قضاء دمشق، فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين، ووافق القطب بن سلطان، والشيخ يونس العيثاوي في القول بتحريم القهوة، ونادى بإبطالها، ثم عرض بإبطالها إلى السلطان سليمان، فورد أمره بإبطالها في شوال سنة ثلاث وخمسين، وأشهر النداء بذلك. وكان عالما، فصيحا، حسن الخط. قال ابن الحنبلي: وكان له ذؤابتان يخضبهما ولحيته بالسواد. وذكر ابن طولون: أنه كان محمود السيرة، له حرمة زائدة. وتوفي بالقسطنطينية. وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي [3] الإمام العلّامة.

_ [1] في «ط» : «ومن العجيب» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 221- 225) و «الكواكب السائرة» (2/ 39- 40) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41) و «الأعلام (6/ 195) و «معجم المؤلفين» (10/ 144) .

ولد خامس عشر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وأخذ عن جماعة، منهم البدر الغزّي، والشّهاب الرّملي، وغيرهما، وأجيز بالتدريس والإفتاء، وكان أحد المدرّسين بجامع الأزهر، وله حاشية حافلة على «الجامع الصغير» للحافظ السيوطي، وكتاب سمّاه «ملتقى البحرين» [1] . وكان متضلعا من العلوم العقلية والنقلية، قوّالا بالحقّ، ناهيا عن المنكر، له توجه عظيم في قضاء حوائج إخوانه، وعمر عدة جوامع في بلاد الرّيف، رحمه الله تعالى. وفيها محمد بن عبد القادر [2] أحد الموالي الرّومية. أخذ عن جماعة منهم المولي محيي الدّين الفناري، وابن كمال باشا، والمولى حسام جلبي، والمولى نور الدّين، ثم خدم خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقل في المدارس حتى أعطى إحدى الثمان، ثم ولي قضاء مصر، ثم قضاء العساكر الأناضولية، ثم تقاعد بمائة عثماني لاختلال عرض له برجله منعه من مباشرة المناصب، ثم ضم له في تقاعده خمسون درهما. وكان عارفا بالعلوم العقلية والنقلية، وله ثروة بنى دارا للقراء بالقسطنطينية، ودارا للتعليم في قرية قوملة [3] ، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمود الطّنّيخي المصري [4] الشافعي الإمام العلّامة المجمع على جلالته، إمام جامع الغمري.

_ [1] ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1816) وسمّاه: «ملتقى البحرين في الجمع بين كلام الشيخين» ولكنه اضطرب في سنة وفاة مؤلّفه فذكر أولا أنها كانت سنة (670) ثم ذكر بأنها كانت سنة (929 هـ) ، والصواب أن وفاته كانت سنة (963 هـ) كما في كتابنا. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 43) و «الشقائق النعمانية» ص (289- 290) وقال عنه: «المشتهر بالمعلول» . [3] كذا في «آ» : قوملة» وفي «ط» : «قرملة» وفي «الشقائق النعمانية» : «قملة» وفي «الكواكب السائرة» : «قرمانة» وعلّق محققه بقوله: «كذا في الأصل» ، وفي «ج» : «قرمات» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .

أخذ عن الشيخ ناصر الدّين اللّقاني، والشّهاب الرّملي، والشمس الدواخلي، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، وكان كريم النّفس، حافظا للسانه، مقبلا على شأنه، زاهدا، خاشعا، سريع الدمعة، لم يزاحم قطّ على شيء من وظائف الدنيا، رحمه الله تعالى. وفيها المولى محمد بن محمود المغلوي الوفائي الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، المعروف بابن الشيخ محمود. خدم المولى سيدي القرماني، وصار معيدا لدرسه، وتنقّل في المدارس، ثم اختار القضاء، فولي عدة من البلاد، ثم عاد إلى التدريس، حتّى صار مدرّسا بإحدى الثمان، ثم أعطي قضاء القسطنطينية، ثم تقاعد بمائة عثماني إلى أن مات. وكان عارفا بالعلوم الشرعية والعربية، له إنشاء بالتركية، والعربية، والفارسية، يكتب أنواع الخطّ، وله تعليقات على بعض الكتب. وكان له أدب ووقار، ولا يذكر أحدا إلّا بخير، رحمه الله تعالى. وفيها قاضي القضاة جلال الدّين أبو البركات محمد بن يحيى بن يوسف الرّبعي التّادفي الحلبي الحنبلي ثم الحنفي [2] . ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وأخذ عن أحمد بن عمر البارزي، وأجاز له، وعن الشمس السّفيري، والشمس بن الدّهن المقرئ بحلب، والشهابي بن النّجار الحنبلي بالقاهرة، وغيرهم، وبرع، ونظم، ونثر، وولي نيابة قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه، وعمره ست عشرة سنة إلى آخر الدولة الجركسية، ثم لم يزل يتولى المناصب السّنية في الدولتين بحلب وحماة ودمشق، فإنه تولى بها نظر الجامع الأموي عن والده، ثم ضم إليه نظر الحرمين الشريفين، ثم سافر إلى القاهرة، فناب للحنابلة بمحكمة الصالحية النجمية، ثم بباب

_ [1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (287- 288) و «الكواكب السائرة» (2/ 58- 59) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 289- 298) و «الأعلام» (7/ 140) و «معجم المؤلفين» (12/ 112) .

الشعرية، ثم ولي نظر وقف الأشراف بالقاهرة، ثم استقلّ بقضاء رشيد، ثم تولى قضاء المنزلة مرتين، ثم ولي قضاء حوران من أعمال دمشق، ثم عزل عنه سنة تسع وأربعين، فذهب إلى حماة، وألّف بها «قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر» وضمّنه أخبار رجال أثنوا عليه وجماعة ممن لهم انتساب إليه من القاطنين بحماة وغيرهم. ومن شعره: يا ربّ قد حال حالي ... والدّين أثقل ظهري وقد تزايد ما بي ... والهمّ شتّت فكري ولم أجد لي ملاذا ... سواك يكشف ضرّي فلا تكلني لنفسي ... واشرح إلهي صدري وعافني واعف عنّي ... وامنن بتيسير أمري بباب عفوك ربّي ... أنخت أنيق فقري فلا تردّ سؤالي ... واجبر بحقّك كسري وتوفي بحلب. قال ابن عمه ابن الحنبلي في «تاريخه» : ولم يعقّب ذكرا. وفيها- تقريبا- يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدّين الخجندي المدني الحنفي [1] قاضي الحنفية بالمدينة الشريفة وإمامهم بها بالمحراب الشريف النبوي. كان عالما، عاملا، فاضلا، عالي الإسناد، معمّرا، ولي القضاء بغير سعي، ثم عزل عنه فلم يطلبه، ثم عزل عن الإمامة. وكان معه ربعها فصبر على لأواء المدينة، مع كثرة أولاده وعياله، ثم توجه إلى القاهرة، فعظّمه كافلها وعلماؤها،

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 559- 560) و «الكواكب السائرة» (2/ 258) .

وأخرج له من حواليها شيئا، ثم عرض له بحيث يستغني عن القضاء، ثم قدم حلب في حدود سنة ثلاث وخمسين والسلطان سليمان بها، واجتمع به ابن الحنبلي وغيره من الأعيان. قال ابن الحنبلي: وكنت قد اجتمعت به في المدينة عائدا من الحجّ وتبركت به. انتهى

سنة أربع وستين وتسعمائة

سنة أربع وستين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي المزجاجي الحنفي [1] الإمام العلّامة. قال في «النور» : ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وحفظ القرآن، وسمع الحديث على جماعة، منهم الشيخ عبد الرحمن [بن] الدّيبع، وكتب له الإجازة والأسانيد بخطّه، وتفقه بجماعة من الحنفية، وقرأ [2] في كتب الرقائق، وسمع على الشيخين الوليين الكاملين المحقّقين يحيى بن الصّديق النّور وبه تخرّج وانتفع، والشيخ أبي الضّياء وجيه الدّين العلوي، ولبس الخرقة من والده، ثم ألبسه مرة أخرى أخوه لأمه الشيخ إسماعيل المزجاجي، وأذن له في إلباسها. وكان إماما، علّامة، محقّقا، عارفا، مدقّقا، بحرا من بحار الحقيقة والشريعة، مرشدا، مسلكا، بلغ من كل فضل الأمل، له اليد الطولى في كتب القوم، وتخرّج به جماعة، منهم ولده العلّامة المجتهد الحافظ شيخنا ومولانا أبو الحسن شمس الدّين علي، والشريف حاتم بن أحمد الأهدل، وخلائق لا تحصى. وبالجملة، فقد كان فريد دهره، ونادرة عصره، ونسيج وحده، ولازم أبده [3] علما وعملا وإفادة وسيادة، وله كلام في الحقائق يشهد له بذلك.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (256- 259) . [2] في «ط» : «وكتب» وما جاء في «آ» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف. [3] في «آ» و «ط» : «يده» وما أثبته من «النور السافر» وفيه: «ولزيم أبده» .

وكان علماء وقته يجلّونه غاية الإجلال، ويشهدون له بالتقدم على الأمثال. وتوفي في جمادى الأولى بقرية الظاهر التي أنشأها جدّه الشيخ الصّديق بن عبد الله المزجاجي الصّوفي. انتهى وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي البصروي الحنفي [1]- خلاف أبيه وجدّه، فإنهما شافعيان- العالم ابن العالم ابن العالم. قرأ على والده، والبدر الغزّي وغيرهما، وولي قضاء قارة [2] ، ثم الصّلت، وعجلون. وتوفي في هذه السنة وتاريخ وفاته (قاضي أحمد) [3] . وفيها عبد الرحمن بن رمضان القصّار [4] والده. اشتغل في العلم على ابن الحنبلي، والجمال بن حسن ليه. وكان صالحا، ديّنا، عفيفا، طارح التكلف، قانعا بأجرة أزرار كان يصنعها. وكان له ذوق صوفي ومشرب صفي، حجّ وجاور ومرض، ثم شفي، وعاد إلى حلب ومات بها في شعبان. قاله في «الكواكب» . وفيها عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي المالكي [5] الإمام العالم الأديب، شيخ القراء بالمدينة المنورة. كان فاضلا، علّامة، مفنّنا، شاعرا، صالحا، دمث الأخلاق، كثير التواضع،

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) . [2] في «آ» و «ط» : «فارا» والتصحيح من «الكواكب السائرة» وهي بلدة كبيرة على الطريق بين دمشق وحمص، وقد سبق التعريف بها. [3] وهو في حساب الجمّل سنة (964) . [4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 762- 763) وفيه «القصاب» مكان «القصار» و «الكواكب السائرة» (2/ 158) . [5] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 800- 806) و «الكواكب السائرة» (2/ 169- 170) و «الأعلام» (4/ 22) و «معجم المؤلفين» (5/ 252) .

له عدة منظومات في علوم شتّى، منها «منهج الوصول ومهيع السالك للأصول» في أصول الدّين، و «نظم جواهر السيوطي في علم التفسير» و «درر الأصول في أصول الفقه» و «نتائج الأنظار ونخبة الأفكار» في الجدل، و «نظم العقود في المعاني والبيان» و «تحفة الأحباب» في الصّرف، و «غنية الإعراب» في النحو، و «نزهة الألباب في الحساب» و «الدّر في المنطق» . وقدم دمشق بعد أن زار بيت المقدس من جهة المدينة في سنة إحدى وخمسين، وأنشد: قالوا دمشق جنّة زخرفت ... من كل ما تهوى نفوس البشر أما ترى الأنهار من تحتها ... تجري فقلت مجاوبا: بل سقر لأنها حفّت بما يشتهى [1] ... فهي إذا نار كما في الخبر ودخل حلب، واستجاز بها الشمس السّفيري، والموفق بن أبي ذرّ. ومن شعره أيضا: ذوو المناصب إمّا أن يكون لهم ... نصب وإلّا فهم فيها ذوو نصب فلا تعرّج عليها ما بقيت وكن ... بالله محتسبا في تركها تصب لا سيما منصب القاضي فإنك إن ... تزغ عن الحقّ فيه كنت ذا عطب فإن قضى الله يوما بالقضاء أخي ... عليك فاعدل ولكن لا إلى الذّهب وتوفي بالمدينة المنورة، رحمه الله تعالى. وفيها محيي الدّين عبد القادر بن حسن العجماوي الشافعي [2] العالم الفاضل. أخذ عن علماء عصره، وبرع، ومهر، وأخذ عنه جماعات، منهم شيخ

_ [1] في «آ» و «ط» : «بما تشتهي» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 175) .

الإسلام بدر الدّين محمد بن حسن البيلوني، وأجازه في خامس عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين. وتوفي في هذه السنة ظنّا. وفيها محبّ الدّين محمد بن عبد الجليل بن أبي الخير محمد، المعروف بابن الزّرخوني المصري الأصل الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة الأستاذ ابن الأستاذ القواس. قال في «الكواكب» : ولد سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وطلب العلم على كبر، وحصّل عدة فنون، وكان من أخصاء الشيخ الوالد ومحبيه، وكان ينوب عنه في إمامة الجامع الأموي. قال الوالد: ولزمني كثيرا، وقرأ عليّ ما لا يحصى كثرة. انتهى وفيها محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي الشافعي [2] العبد الصّالح الورع، والد الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا بدمشق. أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفّوري. وكان صوّاما، قواما، ينسج القطن، ويأكل من كسب يمينه، وما فضل من كسبه تصدّق به، وتعاهد الأرامل واليتامى. قال في «الكواكب» : وأخبرني بعض جماعته قال: كان ربما سقى الشاش العشرة أذرع بكرة النهار ونسجه فيفرغ من نسجه وقت الغداء من ذلك اليوم، فيمد له في الزمان. انتهى

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 40) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 57) .

سنة خمس وستين وتسعمائة

سنة خمس وستين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن محمد العمودي اليمني الشافعي [1] الإمام العلّامة الفقيه ابن الفقيه. قال في «النور» : ولد بزبيد سنة خمس عشرة وتسعمائة تقريبا، واشتغل في العلوم، وبرع، وكان من كبار أهل العلم والفتيا والتدريس، مع الورع التّام، والزّهد العظيم، والإقبال على الطاعة، وكثرة العبادة، والسلوك على نهج السّلف الصّالح، ولزوم الخمول، وترك ما لا يعني، والإحسان الدائم إلى الفقراء والمحتاجين والطلبة. وكان يعرف اسم الله الأعظم، وينفق من الغيب، وتعظّمه الأكابر. من محفوظاته «الإرشاد» في الفقه. وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة فيجيب عنها. وتوفي يوم السبت حادي عشر المحرم بتعز، وبنيت على قبره قبّة عظيمة. انتهى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن ناصر الأعزازي الأصل الشافعي [2] إمام الثانية بجامع المهمندار.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (259- 260) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) .

تفقه على البرهان العمادي كأبيه، وأشغل بعض الطلبة. قاله في «الكواكب» وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن العلاوي [1] . قال في «الكواكب» : كان يعرف الفرائض والحساب، وكان يتولى القضاء في برّ الشام، فقتل في بعض القرى، وهو والد يوسف الشاعر. انتهى وفيها المولى نور الدّين حمزة الكرماني الرّومي الحنفي الصوفي [2] . طلب العلم، ثم رغب في التصوف، وخدم العارف بالله تعالى سنبل سنان، ثم العارف بالله تعالى محمد بن بهاء الدّين، وصار له عنده القبول التام. وكان خيّرا، ديّنا، قوّالا بالحقّ، مواظبا على آداب الشريعة، مراعيا لحقوق الإخوان. توفي بالقسطنطينية، رحمه الله تعالى. وفيها عبد الصّمد بن الصّالح المرشد محيي الدّين محمد العكّاري الحنفي [3] نزيل دمشق، الإمام العلّامة. قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رجلا، صالحا، وانتهت إليه الفتيا في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وحصل له محنة من نائب دمشق سنان الطواشي، والقاضي السيد المعروف بشصلي أمير. قال: وحصل الإنكار عليه بسكنه في المدرسة العادلية المقابلة للظّاهرية. وكان له تدريس مدرسة القصّاعية، وحصل له ثروة. وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان في الجامع الأموي.

_ [1] لم أعثر على ترجمته في «الكواكب السائرة» المطبوع الذي بين يدي. [2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (323) وفيه: «الكرمياني» و «الكواكب السائرة» (2/ 140) وفيه: «الكرمباني» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177- 178) و «النعت الأكمل» ص (127- 128) .

وكان والده يربّي الفقراء على طريقة حسنة. وتوفي عبد الصّمد يوم الاثنين ثامن رجب. وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي [1] الشيخ الفاضل. كان كاتبا في المحكمة الكبري بدمشق، ومات فجأة، فإنه بيّض أربعة أوراق مساطير، ثم خرج، فبينما هو في الطريق سقط لوجهه وحمل إلى منزله، فلما وضع مات، ودفن بالقلندرية بباب الصغير، وصبر والده واحتسب. وفيها عبد الملك بن عبد الرحمن بن رمضان بن حسن الحلبي الشافعي [2] ، المعروف بابن القصّاب. قال ابن الحنبلي: تفقه على والده، وجلس [3] بعده لشكاية الخواطر على حسب حاله، وحدّث على كرسي جامع دمرداش. انتهى وفيها محمد بن سويدان الحلبي الصّوفي [4] . قال في «الكواكب» : كان شيخا، صالحا، منوّرا همذاني الخرقة، أدرك السيد عبد الله التّستري الهمذاني، وتلقّن منه الذكر، وذكر في حلقته كوالده الشيخ سويدان. وتوفي عن نحو مائة سنة، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها أبو الفتح محمد بن فتيان المقدسي الشافعي [5] الإمام العلّامة. كان إمام الصخرة بالمسجد الأقصى أربعين سنة. وتوفي في ربيع الآخر، رحمه الله تعالى.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) و «النعت الأكمل» ص (127- 128) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 859- 860) و «الكواكب السائرة» (2/ 184) . [3] في «ط» : «وحبس» وهو خطأ. [4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 139- 141) و «الكواكب السائرة» (2/ 35) . [5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .

وفيها أبو البقاء محمد البقاعي الحنفي [1] ، خطيب الجامع الأموي بدمشق، وكان خادم سيدي الشيخ أرسلان. ميلاده يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة، سنة تسعين وثمانمائة. وتوفي فجأة ليلة الخميس عاشر ذي القعدة. كذا بخطّ ابن صاحب «العنوان» .

_ [1] ترجمته في «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» للبقاعي وهو مخطوط لا يعرف مكان وجوده، وهو جدير بالتحقيق والنشر إن وجد لما فيه من الفوائد القيّمة.

سنة ست وستين وتسعمائة

سنة ست وستين وتسعمائة فيها توفي- تقريبا- برهان الدّين إبراهيم بن بخشي [1]- بالموحدة- ابن إبراهيم الحنفي، المشهور بدادة خليفة [2] مفتي حلب، قيل: كان في الأصل دباغا، فمنّ الله تعالى عليه بطلب العلم، حتّى صار من موالي الرّوم، وهو أول من درّس بمدرسة خضر باشا بحلب، وأول من أفتى بها من الأروام. قال ابن الحنبلي: صحبناه، فإذا هو مفنّن ذو حفظ مفرط، ترجمه عبد الباقي العربي وهو قاضيها لأنه انفرد في المملكة الرّومية بذلك، مع غلبة الرطوبة على أهلها، واستيلاء النسيان عليهم بواسطتها. قال: وذكر هو عن نفسه أنه كان بحيث لو توجّه إلى حفظ «التلويح» في شهر لحفظه إلّا أنه كان واظب على صوم داود عليه السلام ثمان سنوات، فاختلف دماغه، فقلّ حفظه، ولم يزل في حلب على جدّ في المطالعة وديانة في الفتوى، حتى ولي منصب الإفتاء بأزنيق [3] من بلاد الرّوم. وكان يقول: لو أعطيت بقدر هذا البيت ياقوتا ما حلت عن الشرع شبرا. وألّف رسالة في «تحريم اللّواط» وأخرى في «أقسام أموال بيت المال وأحكامها ومصارفها» وثالثة في «تحريم الحشيش والبنج» . انتهى

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 90- 93) و «الكواكب السائرة» (2/ 79) . [2] تحرفت في «ط» إلى «خيلفة» . [3] قلت: وتعرف الآن ب «أزنيك» وقد ورد ذكرها في «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (118 و 124 و 150) طبع دار النفائس ببيروت.

وفيها شهاب الدّين أحمد بن القاضي برهان الدّين إبراهيم الأخنائي الشافعي [1] أحد أصلاء دمشق. كان قليل المخالطة، ملازما للأموي. توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ودفن عند والده بالقرب من جامع جرّاح. وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الأول القزويني، المشهور في دياره بالسعيدي [2] الإمام العلّامة المفنّن المحقّق. سئل عن مولده فأخبر أنه ولد سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وأن له نسبا إلى سعيد بن زيد الأنصاري أحد العشرة [3] رضي الله تعالى عنهم [3] . وذكر أنه ختم القرآن وهو ابن ست سنين وأربعة أشهر وأربعة أيام، وأنه أخذ الفرائض عن أبيه، وأفتى فيها صغيرا سنة إحدى وتسعمائة. وله مؤلفات، منها: «شرح ايساغوجي» ألّفه ببلاده، ثم دخل بلاد العرب، واستوطن دمشق، وحجّ منها، ثم سافر إلى حلب فأكرم مثواه دفتردارها إسكندر بيك، ثم سافر معه، وجمعه بالسلطان سليمان، وأعطي بالقسطنطينية تدريسا جليلا، وسافر مع السلطان إلى قتال الأعاجم، وعاد معه، وألّف هناك كتبا، منها: «حاشية على شرح فرائض السّراجي» للسيد، ناقش فيها ابن كمال باشا، ثم عاد إلى دمشق سنة أربع وستين، واشترى بيت ابن الفرفور، وعمره عمارة عظيمة، وجعل فيها حمّاما وبيوتا كثيرة، بالسقوف الحسنة، والأرائك العظيمة، وغرس أشجارا، ومات وأرباب الصنائع يشتغلون عنده في أنواع العمائر. وتوفي ليلة الأحد رابع عشر شعبان، ودفن بباب الصغير بالقلندرية. قاله في «الكواكب»

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 101) . [2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 274- 278) و «الكواكب السائرة» (2/ 110- 111) و «معجم المؤلفين» (1/ 259- 260) . [3] ما بين الرقمين زيادة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.

وفيها بدر الدّين حسن بن يحيى بن المزلق الدمشقي الشافعي [1] العالم الواعظ. قال الشيخ يونس العيثاوي: كان من أهل العلم والدّيانة، ولي تدريس الأتابكية بالصالحية، وتفقّه على الشيخ تقي الدّين القاري أي، وعلى الشيخ يونس العيثاوي، وأخذ عن القاضي زكريا، والتّقوي بن قاضي عجلون، والبدر الغزّي. وتوفي يوم الأربعاء سادس عشري صفر، ودفن بتربة أهله خارج باب الجابية بدمشق في المحلّة المحروقة تجاه تربة باب الصغير، وخلّف كتبا كثيرة، اشتراها جدّ الشيخ إسماعيل النابلسي. وفيها حسين چلبي [2] متولي تكية السلطان سليم خان بالصالحية بدمشق. قال في «الكواكب» : شنق هو وسنان القرماني يوم الخميس رابع عشر شوال، صلبا معا بدار السعادة، وشاشاهما وعمامتاهما على رؤوسهما، وهما ذوا شيبتين نيرتين، رحمهما الله تعالى. انتهى وفيها سنان القرماني [3] نزيل دمشق. قال في «الكواكب» : هو والد أحمد جلبي ناظر أوقاف الحرمين الآن بدمشق. ولي نظارة البيمارستان، ثم نظارة الجامع الأموي، وانتقد عليه أنه باع بسط الجامع وحصره، وأنه خرّب مدرسة المالكية التي بقرب البيمارستان النوري وتعرف بالصّمصامية، وحصل به الضّرر بمدرسة النورية، فشنق بسبب هذه الأمور هو وحسين چلبي. انتهى ملخصا وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن الشيخ الإمام قطب الدّين محمد بن عبادة الصالحي الحنبلي [4] الأصيل العريق الفاضل.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 136- 137) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 139) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) و «النعت الأكمل» ص (128) .

قال في «الكواكب» : توفي في أواخر ذي القعدة عن بنتين ولم يعقّب ذكرا، وانقرضت به ذكور بني عبادة، ولهم جهات وأوقاف كثيرة. انتهى وفيها فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان، الشهيرة ببنت قريمزان [1] الشيخة الفاضلة الصالحة الحنفية الحلبية، شيخة الخانقين العادلية والدجاجية معا. كان لها خطّ جيد، ونسخت كتبا كثيرة، وكان لها عبارة فصيحة وتعفّف وتقشف وملازمة للصلاة، حتّى في حال المرض. ولدت في رابع محرم سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، ثم تزوجها الشيخ كمال الدّين محمد بن مير جمال الدّين بن قلي درويش الأردبيلي الشافعي نزيل المدرسة الرواحية بحلب، الذي قيل: إن جدّه أول من شرح «المصباح» . قالت وعن زوجي هذا أخذت العلم، وكان يقول: ملّكني الله تعالى ستة وثلاثين علما. وتوفيت في هذه السنة وأوصت أن تدفن معها سجادتها. قال ابن الحنبلي: وقد ظفرت بشهود جنازتها وحملها فيمن حمل، رحمها الله تعالى. وفيها ناصر الدّين محمد بن سالم الطّبلاوي الشافعي [2] الإمام العلّامة أحد العلماء الأفراد بمصر. أجاز العلّامة محمد البيلوني كتابة في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة. قال: فيها تلقيت العلم عن أجلّة من المشايخ، منهم قاضي القضاة زكريا، وحافظو عصرهم الفخر بن عثمان الدّيمي، والسيوطي، والبرهان القلقشندي بسندهم المعروف، وبالإجازة العالية مشافهة عن الشيخ شهاب الدّين

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 21- 22) و «الكواكب السائرة» (2/ 238) و «الأعلام» (5/ 131) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 33) و «معجم المؤلفين» (10/ 17) .

البيجوري شارح «جامع المختصرات» نزيل الثغر المحروس بدمياط بالإجازة العالية، عن شيخ القراء والمحدّثين محمد بن الجزري. وقال الشعراوي: صحبته نحو خمسين سنة، فما رأيت في أقرانه أكثر عبادة لله تعالى منه، لا تكاد تراه إلّا في عبادة، وانتهت إليه الرئاسة في سائر العلوم بعد موت أقرانه، وكان مشهورا في مصر بكثرة رؤية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وأقبل عليه الخلائق إقبالا كثيرا بسبب ذلك، فأشار عليه بعض الأولياء بإخفاء ذلك فأخفاه. قال: وليس في مصر الآن أحد يقرئ في سائر العلوم الشرعية وآلاتها إلّا هو، حفظا. وقد عدّوا ذلك من جملة إمامته، فإنه من المتبحرين في التفسير، والقراآت، والفقه، والنحو، والحديث، والأصول، والمعاني، والبيان، والحساب، والمنطق، والكلام، والتصوف، وما رأيت أحدا في مصر أحفظ لمنقولات هذه العلوم منه، وجمع على «البهجة» شرحين جمع فيهما ما في «شرح البهجة» لشيخ الإسلام وزاد عليها ما في «شرح الروض» وغيره. وولي تدريس الخشابية وهي من أجلّ تدريس في مصر، وشهد له الخلائق بأنه أعلم من جميع أقرانه، وأكثرهم تواضعا، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم نفسا، لا يكاد أحد يغضبه. وتوفي بمصر عاشر جمادى الآخرة، ودفن في حوش الإمام الشافعي رضي الله عنه، وعمّر نحو مائة سنة. وفيها شمس الدّين محمد الجعيدي الدمشقي الشافعي [1] رئيس دمشق في عمل الموالد. كان من محاسن دمشق التي انفردت بها. قاله في «الكواكب» وفيها يونس بن يوسف الطّبيب [2] رئيس الأطباء بدمشق، الشيخ الفاضل، وهو والد الشيخ شرف الدّين الخطيب.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 74) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 263) .

قال الشيخ يونس العيثاوي: كان ذكيا، فطنا، انتهت إليه رئاسة الطب بدمشق، وأقبلت عليه الدنيا. انتهى وأخذ عنه الطبّ ولده الشيخ شرف الدّين، والشيخ محمد الحجازي. وتوفي يوم الاثنين رابع عشر شعبان أو خامس عشره .

سنة سبع ستين وتسعمائة

سنة سبع ستين وتسعمائة فيها- تقريبا- توفي أحمد بن محمود بن عبد الله الحنفي [1] أحد موالي الرّوم، المعروف بابن حامد، الإمام العلّامة. تنقّل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب، وأثنى على فضله ابن الحنبلي. وله مؤلفات، منها: «شرح المفتاح» للسيد الجرجاني، وحاشية على كتاب «الهداية» في الفقه. وفيها وجيه الدّين عبد الرحمن بن الشيخ عمر بن الشيخ أحمد بن عثمان بن محمد العمودي [2] الشافعي. أخذ عن الحافظ شهاب الدّين بن حجر الهيتميّ، والشيخ أبي الحسن البكري، وغيرهما. وتفقّه، وبرع، وكان إماما، وليا، قدوة، حجّة من الأولياء الصالحين والمشايخ العارفين، كثير العبادة والاجتهاد، عظيم الورع والزّهد والمثابرة على الأعمال الصّالحة، مع الاشتغال بالعلوم النافعة، والتواضع الزائد، والاستقامة العظيمة. قال الشيخ عبد القادر الفاكهي فيه، حين ذكر أنه أخذ عن ابن حجر: أخذ عنه أخذ رواية، أخذ شيخ عن شيخ كما قيل في أخذ أحمد عن الشافعي، وأن جل الشيخ- يعني ابن حجر-.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 284- 286) و «الكواكب السائرة» (3/ 124) و «معجم المؤلفين» (2/ 172) . [2] ترجمته في «معجم المؤلفين» (5/ 160) .

ومن تصانيفه «حاشية على الإرشاد» وكان أراد محوها فمنعه ابن حجر من ذلك، ومنها: «النور المذرور» ولم يتزوج مدة عمره. قال الفاكهي: ومناقبه أفردتها برسالة. وجاور بمكة المشرفة سنين، ومات بها يوم الجمعة تاسع عشري رجب. وفيها- تقريبا- مصلح الدّين محمد بن صلاح بن جلال الملتويّ الأنصاري السّعدي العبادي الشافعي [1] المشهور بمنلا مصلح الدّين اللاريّ، تلميذ أمير [2] غياث الدّين بن أمير صدر الدّين محمد الشيرازي. قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة أربع وستين في تجارة، فأسفر عن علوم شتّى وتأليفات متنوعة، منها: «شرح الشمائل» و «شرح الأربعين النووية» و «شرح الإرشاد» في الفقه، و «شرح السراجية» وحاشية على بعض «البيضاوي» ، وحاشية على مواضع من «المطوّل» وأخرى على مواضع من «المواقف» وأخرى على «شرح الكافية» للجامي انتصر فيه لمحشّيه عبد الغفور اللّاري على محشّيه منلا عصام البخاري، وهي كثيرة الفوائد والزوائد، وغير ذلك. قال: ولما دخل حلب دخلها في ملبس دنيء وهو يستفسر عن أحوال علمائها، ثم لبس المعتاد، وطاف بها ومعه بعض العبيد والخدم في أموال التجارة ولكن من غير تعاظم في نفسه ولا تكثّر في حدّ ذاته لما كان عنده من مشرب الصّوفية، واشتغل عليه بعض الطلبة واستفتاه بعض الناس هل اجتماع الدفّ والشبّابة في السماع مباح أم لا، فأجاب أن كلا منهما مباح، فاجتماعهما مباح أيضا، واستند إلى قول الغزّالي في «الإحياء» أن أفراد المباحات ومجموعها على السواء إلّا إذا تضمن المجموع محذورا لا يتضمنه الآحاد. قال: وقد وقع المنع من قبل أهل زماننا، وأفتى جدي بالجواز وصحّح فتواه أكابر العلماء من معاصريه ببلاد فارس، ثم نقل فتوى جدّه بطولها، ونقل قول البلقيني في تحريم النووي [3] الشبّابة

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 414- 418) و «معجم المؤلفين» (10/ 93) . [2] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «مير» . [3] لفظة «النووي» لم ترد في «آ» .

لا يثبت تحريمها إلّا بدليل معتبر، ولم يقم النووي دليلا على ذلك، ثم نقل تصحيح الجلال الدّواني لفتوى جدّه، ثم كلام الدّواني في «شرح الهياكل» حيث قال: الإنسان يستعد بالحركات العبادية الوضعية الشرعية للشوارق القدسية، بل المحقّقون من أهل التجريد قد يشاهدون في أنفسهم طربا قدسيا مزعجا، فيتحركون بالرّقص والتّصفيق والدوران، ويستعدون بتلك الحركة لشروق أنوار أخر، إلى أن ينقص ذلك الحال عليهم بسبب من الأسباب كما يدل عليه تجارب السالكين، وذلك سرّ السماع وأصل الباعث للمتألهين على وضعه، حتى قال بعض أعيان هذه الطائفة: إنه قد ينفتح لهم في الأربعينيات. قال ابن الحنبلي: وكان مصلح الدّين قد حكم قبل هذا النقل بإباحة الرّقص أيضا بشرط عدم التثني والتكسر في كلام مطول. قال: ثم إن مصلح الدّين رحل في تلك السنة إلى مكّة، فحجّ وجاور، ثم رجع من مكة إلى حلب فقطن بها، واستفتي، ثم توجه إلى الباب الشريف ومعه عرض من قاضي مكّة عتيق الوزير الأعظم، فخلع عليه خلعة ذات وجهين، وأهدى إليه مالا، وأعطاه من جوالي مصر أربعين درهما في كل يوم، فظهر لها مستحقون، فلم يتصرف بها، ثم عاد إلى حلب، ثم رحل منها إلى آمد. انتهى وفيها- ظنا- زين الدّين منصور بن عبد الرحمن الحريري الدمشقي الشافعي [1] الشهير بخطيب السّقيفة، الإمام العلّامة. كان خطيبا بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة، وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة، وكانت له يد طولى في علوم كالتفسير والعربية، وكان صوفيّ المشرب، رسلاني الطريقة. أخذ عن جماعة، منهم: البدر الغزي، وله أرجوزة في حفظ الصحة، ورسالة سمّاها ب «رسالة النصيحة في الطريقة الصحيحة» .

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 496- 498) و «الكواكب السائرة» (3/ 210- 215) و «معجم المؤلفين» (13/ 16) .

قال ابن الحنبلي: تعانى الأدب، ونظم ونثر، وألّف مقامه حسنة غزلة سمّاها «لوعة الشاكي ودمعة الباكي» وشاع ذكره بحلّ «الزايرجة للسبتي» واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان، فأكرم مثواه، وبلّغه مناه، ثم عاد إلى وطنه ومأواه، ثم رحل [1] إلى حلب سنة خمس وستين، ثم ذكر كلاما يقتضي الطعن فيه. ومن شعره: يا صاحبيّ اهجرا الدّجى الوسنا ... لتخبرا في الورى عن بهجة وسنا خذا [2] من الشّرع ميزانا [3] لفعلكما ... ولا تميلا إلى مستقبح وزنا ومنه مقتبسا: عاذلي ظنّ قبيحا ... مذ رأى عشقي ينم ظنّ بي ما هو فيه ... إن بعض الظنّ إثم [4] وله: ظنّ بالناس جميلا ... واتبع الخيرات تسمو واجتنب ظنّا قبيحا ... إن بعض الظنّ إثم [4] وله: إن عزت الصّهباء يا سيدي ... وكان في الحضرة عذب اللّمى جعلت سكري ماء ريق له ... لا واخذ الله السّكارى بما

_ [1] في «ط» : «ثم دخل» . [2] في «ط» : «هذا» . [3] في «ط» : «ميزان» . [4] اقتباس من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً من الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ 49: 12 [الحجرات: 12] .

سنة ثمان وستين وتسعمائة

سنة ثمان وستين وتسعمائة فيها كما قال في «النور» [1] : جاء جنكز خان إلى سرت، وأحرق دورها، وخرّبها، وسبى أهلها، واستأثر، وقتل صاحبها خداوند خان، قتل يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة بجلنجان، وكان خداوند هذا أميرا، كبيرا، جليلا، رفيع المنزلة، حسن الأخلاق، جميل الصورة، طيّب السيرة، جوادا، سخيا محببا إلى الناس، محبّا لأهل الخير، مجمعا لأهل العلم، حسن العقيدة في الأولياء، عريق الرئاسة. وكانت سرت في زمنه مأوى للأفاضل، ورثاه أبو السعادات الفاكهي بقصيدة طنّانة مطلعها: الدّهر في يقظة والسّهو للبشر ... والموت يبدو ببطش البدو والحضر والسّأم أصعب كأس أنت ذائقه ... قبل التّدثّر للأجساد بالحفر انتهى. وفيها توفي القطب العارف بالله تعالى أحمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد الله العيدروس [2] . قال في «النور» : كان من سادات مشايخ الطريقة المكاشفين بأنوار الحقيقة، جمع له بين كمال الخلق والخلق، وبسط المعرفة، وصحّة النّيّة، وصدق المعاملة، ومناقبه كثيرة وأحواله شهيرة.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (268- 269) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (272- 273) .

وتوفي في سابع جمادى الأولى بتريم، ورثاه والدي بمرثية عظيمة مطلعها: تقضي فتمضي حكمها الأقدار ... والصّفو تحدث بعده الأكدار انتهى. وفيها المولى عصام الدّين أبو الخير أحمد بن مصلح الدّين، المشتهر بطاش كبري زاده [1] صاحب «الشقائق النعمانية» . قال في «ذيل الشقائق» المذكورة المسمى ب «العقد المنظوم في ذكر أفاضل الرّوم» : كان من العلماء الأعيان، توفي وهو مدرّس بإحدى المدارس الثمان بعد ما كان قاضيا بحلب، وأخذ عن أبيه الحديث والتفسير، ثم قرأ على المولى سيدي محمد القوجوي، وصار ملازما له [2] ، ثم على المولى محمد الشهير بميرم جلبي، وكمّل عنده العلوم الرياضية، وقرأ على غير هؤلاء، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء قسطنطينية، فأجرى الأحكام الدينية إلى أن رمد رمدا شديدا، انتهى إلى أن عميت كريمتاه، فكان مصداق ما جاء في الأثر «إذا جاء القضاء عمي البصر» [3] فاستعفى عن المنصب، واشتغل بتبييض بعض تآليفه، وكان بحرا، زاخرا، منصفا، مصنّفا، راضيا بالحقّ، عاريا عن المكابرة والعناد، وإذا أحسّ من أحد مكابرة أمسك عن التكلم. وحكي عنه أنه أمسك لسان نفسه وقال: إن هذا فعل ما فعل من التقصير والزّلل، وصدر عنه ما صدر من الحق والغلط، غير أنه ما تكلم في طلب المناصب الدنيوية قطّ.

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (336- 340) و «الشقائق النعمانية» ص (325- 331) و «الأعلام» (1/ 257) و «معجم المؤلفين» (2/ 177) . [2] في «ط» : «ملازما منه» . [3] ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (1/ 107) بلفظ: «إذا نزل القضاء عمي البصر» وعزاه للحاكم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما، وتكلم عليه ضمن كلامه عن حديث: «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، سلب من ذوي العقول عقولهم، حتّى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره» (1/ 81- 82) وانظر «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» للسيوطي ص (23) طبع مكتبة دار العروبة بالكويت.

ومن مصنّفاته «المعالم في الكلام» و «حاشية على حاشية التجريد» للشريف الجرجاني من أول الكتاب إلى مباحث الماهية، جمع فيه مقالات المولى القوشي، والجلال الدّواني، ومير صدر الدّين، وخطيب زاده، وشرح القسم الثالث من «المفتاح» وكتاب «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية» وقد جمعه بعد عماه، وهو أول من تصدى له. وكتاب ذكر فيه أنواع العلوم وضروبها وموضوعاتها وما اشتهر من المصنّفات في كل فنّ مع نبذ من تواريخ مصنّفيها [1] وهو كتاب نفيس غزير الفوائد، وجمع كتابا في التاريخ كبيرا واختصره، وله غير ذلك، وابتلى بمرض الباسور وبه توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة. انتهى ما ذكره صاحب «ذيل الشقائق» باختصار. وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي الحلبي الحنفي، المشهور بابن درم ونصف [2] الإمام العلّامة. ولد في محرم سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وتخرّج بعمّه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخطّ والقراءة، ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون، كالعربية، والمنطق، وآداب البحث، والحكمة، والكلام، والأصول، والفرائض، والحديث، والتفسير، وأجازه إجازة حافلة في سنة سبع وستين. وحجّ وجاور سنة، فأخذ فيها عن السيد قطب الدّين الصّفوي «المطول» وعاد إلى حلب، فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام والتفسير، وتولى مدرسة الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب، وطالع كتب القوم وتواريخ الناس، ونظم الشعر. ومن شعره مقتبسا: يا غزالا قد دهاني ... لم يكن لي منه [3] علم لا تظنن ظنّ سوء ... إنّ بعض الظنّ إثم

_ [1] وهو كتابه الهام «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» وله أكثر من طبعة. [2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 386- 396) . [3] في «درّ الحبب» : «فيه» .

وفيها القاضي أبو الجود محمد بن محمد بن محمد الأعزازي [1] . قال في «الكواكب» : كتب بخطّه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد يخرج عن طوق البشر، من ذلك خمس نسخ من «القاموس» وعدة نسخ من «الأنوار» وعدة نسخ من «شرح البهجة» و «شرح الروض» [2] وكتب «البخاري» وشرحه لابن حجر [2] في كتب أخرى لا تحصى كثرة. وكتب نحو خمسين مصحفا. كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء، ووقف نسخة من «البخاري» على طلبة اعزاز قبل وفاته. انتهى وفيها المولى محمود الإيديني [3] المعروف بخواجه قيني [4] . قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من كبار قضاة القصبات، ثم طلب ابنه هذا العلم، وأكبّ حتّى صار ملازما، وتزوج المولى خير الدّين معلم السلطان بأخته، فعلت به كلمته، وارتفعت مرتبته، فقلّد مدارس عدة، ثم قلّد قضاء حلب، ثم قضاء مكة مرتين. وكان حسن الخلق، بشوشا، حليما، لا يتأذى منه أحد، أدركته منيته بقصبة إسكدار. انتهى وفيها المولى يحيى بن نور الدّين الشهير بكوسج الأمين الحنفي [5] . كان أبوه من الأمناء العثمانية، متوليا على الخراجات الخاصة، فاختار صاحب الترجمة طريق العلم على طريق آبائه، فاشتغل على أفاضل زمانه، حتى صار معيدا لدرس علاء الدّين الجمالي، وتميّز في خدمته، حتى زوّجه بابنته، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء بغداد.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 178- 179) و «الكواكب السائرة» (3/ 12) . [2] ما بين الرقمين لم يرد في «درّ الحبب» الذي بين يدي. [3] في «ط» : «الايدني» وهو خطأ. [4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (341) . [5] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (340) .

وكان من أفاضل الرّوم، صاحب يد طولى في الحديث والتفسير والوعظ، بحيث لما بنى السلطان سليمان مدرسته بقسطنطينية وجعلها دار حديث أعطاها له لاشتهاره بعلم الحديث، وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم اتفق أنه اتهم [1] ببيع الإعادة والملازمة، وأخذ الرشى على إعطاء الحجرات، فغضب عليه السلطان وعزله، فاغتم لذلك غما شديدا، فلم يمض إلّا القليل حتّى توفي. وكان لذيذ الصحبة، حلو المحاورة، خاليا عن الكبر والخيلاء، مختلطا بالمساكين والفقراء، إلا أن فيه خصلة سميه يحيى بن أكتم. قاله في «ذيل الشقائق» .

_ [1] لفظة «اتهم» لم ترد في «آ» .

سنة تسع وستين وتسعمائة

سنة تسع وستين وتسعمائة فيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني الحنبلي [1] الإمام العلّامة. ولد في رابع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعمائة، وقرأ على والده وغيره، ودأب وحصّل، وباشر القضاء. وتوفي ليلة الاثنين ثالث أو رابع عشري شعبان. وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن ياسين الدّجاني الشافعي [2] الإمام العالم العامل العارف بالله تعالى، أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون، وصاحب سيدي محمد بن عراق. كان يحفظ القرآن العظيم، و «منهاج النووي» . قال تلميذه يوسف الدّجاني الإربدي: كان الشيخ أحمد الدّجاني لا يعرف النحو، فبينما هو في خلوته بالأقصى إذ كوشف بروحانية النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، فقال له: «يا أحمد تعلّم النحو» . قال: فقلت له: يا رسول الله علّمني، فألقى عليّ شيئا من أصول العربية ثم انصرف. قال: فلما ولّى لحقته إلى باب الخلوة، فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، وضممت اللام من رسول، فعاد إليّ وقال في: «أما

_ [1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ آ) و «الكواكب السائرة» (3/ 90- 91) و «النعت الأكمل» ص (128) و «السحب الوابلة» ص (29) و «مختصر طبقات الحنابلة» للشطّي ص (94- 95) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 120- 121) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 330) .

علّمتك النحو أن لا تلحن، قل: يا رسول الله بفتح اللام» قال فاشتغلت بالنحو، ففتح عليّ فيه. دخل إلى [1] دمشق في أوائل سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بسبب قضاء حوائج للناس عند نائب الشام، وكاتب الولايات، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة منتصف رجب وشكره الناس على خطبته، وزار الشيخ محيي الدّين بن عربي، وأقام الذكر عنده، وكان صالحا، قانتا، عابدا، خاشعا. وتوفي ببيت المقدس في جمادى الأولى. وفيها شاه علي جلبي ابن المرحوم قاسم بك [2] . قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من الغلمان الذين يخدمون في دار السعادة العامرة في عهد السلطان محمد خان، ولما خرج منها صار متوليا لبعض العماير، ونشأ ابنه صاحب الترجمة في حجر أبيه، وسار نحو تحصيل العلوم الظاهرة وأسباب الفوز في الآخرة، فقرأ على عبد الرحمن بن علي بن المؤيد، حتّى حصّل طرفا صالحا، ثم تفرّغ للعبادة، وصحب رجال الطريقة، منهم الشيخ محمود النقشبندي، والشيخ جمال الدّين الخلوتي، ثم وزّع أوقاته بين العلم والعبادة والإفادة. وكان عالما، عاملا، مثابرا على الطّاعة إلى أن توفي عن خمس وستين سنة. انتهى. وفيها مصلح الدّين بن شعبان المعروف بسروري الحنفي [3] الإمام العلّامة. ولد بقصبة كليبولي، وكان أبوه تاجرا صاحب يسار، فبذل له مالا عظيما

_ [1] لفظة «إلى» لم ترد في «ط» . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (353- 354) . [3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (343- 345) و «الأعلام» (7/ 235) و «معجم المؤلفين» (12/ 256) .

لطلب العلم، ودار به على الأعلام، فأخذ عن المولى القادري، وطاش كبري زاده، وغيرهما، وبرع، وأحرز فضائل جمّة، وقال الشعر اللطيف، فلقّب بسروري. وكان فارسا في لغة فارس، وله مؤلفات عربية ورومية وفارسية، وتنقّل في المدارس، وأكبّ على الاشتغال والتصنيف. وكان بهيّ المنظر، حلو المخبر، تلوح عليه آثار الفوز والفلاح، جوادا، سمحا. ومن مصنفاته «الحواشي الكبرى على تفسير البيضاوي» وأولها: الحمد لله الذي جعلني كشّاف القرآن، وصيّرني قاضيا بين الحقّ والبطلان. و «الحواشي الصغرى» عليه أيضا. وشرح قريبا من نصف «البخاري» و «حاشية على التلويح» و «حاشية على أوائل الهداية» وشروح لبعض المتون المختصرة، وغير ذلك. وتوفي بمرض الهيضة عن اثنتين وسبعين سنة، ودفن عند مسجده بقصبة قاسم باشا. وفيها أبو محمد معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد اليمني [1] الشيخ الكبير القدوة، الشهير العارف بالله تعالى. قال في «النور» : ولد بشبام [2] في ليلة الجمعة حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة. وكان كبير الشأن، ذا كرامات ظاهرة، وآيات باهرة، أفرد مناقبه بعض الفضلاء بالتصنيف. وكان ذا جاه عظيم، وقبول عند الخاص والعام، وكان سبب خروجه من بلده إلى دوعان أنه وشي به إلى السلطان بدر الكثيري بأشياء، منها فرط اعتقاد الناس فيه، وامتثالهم أوامره ونواهية، فأمر بنفيه من البلاد بعد الإشهار بإهانته، فنودي

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (273- 274) . [2] شبام: جبل عظيم بصنعاء، به شجر وعيون، وشرب صنعاء منه. انظر خبره في «معجم ما استعجم» (2/ 778) و «مراصد الإطلاع» (2/ 779) .

عليه: هذا معبودكم يا أهل شبام، وجعل في عنقه حبلا، وطيف به. ومن غريب الاتفاق أن السلطان أمر بعض أمرائه أن يتولى فعل ذلك، وكان ذلك الأمير من معتقدي الشيخ المذكور فتوقف لذلك، فأرسل إليه الشيخ أن افعل ما أمرت به وأنا ضمينك على الله بالجنّة فرضي الله عنه. وتوفي ليلة السبت خامس عشر صفر بدوعان. انتهى

سنة سبعين وتسعمائة

سنة سبعين وتسعمائة فيها كما قال في «النور» [1] : كان في ثاني يوم من شوال السيل العظيم الهائل بحضرموت الذي لم يسمع بمثله، أخرب كثيرا من تلك الجهة، وأتلف كثيرا من النخيل، وهم يذكرونه ويؤرخون به، وهو المسمى عندهم سيل الإكليل، وقد ضمن تاريخه صاحبنا الفاضل الفقيه عبد الله بن أحمد بن فلاح الحضرمي، فقال: سيل بوادي حضرموت أذاه عم ... في سنوء [2] إكليل النّجوم لقد نسم وضعوا له «تاريخ» ناسب جوره ... يلقاه من يطلبه في أحرف (ظلم) [3] وفيها توفي المولى أحمد أفندي بن المفتي أبي السعود [4] . قال في «ذيل الشقائق» : كان من الأفاضل الأماثل، ظهرت عليه النجابة من صغره، ودأب في الطلب، فاشتغل على أبيه، حتى صار معيد درسه، واشتغل أيضا على طاش كبري زاده، وبرع في عدة فنون، وتنقّل في المدارس إلى أن صار مدرّسا بإحدى الثمان، ثم صحب بعض الأراذل، فرغبه في أكل بعض المعاجين، فلما أدام أكله تغيّر مزاجه، وآل به الأمر إلى أن توفي في جمادى الأولى وما بلغ ثلاثين سنة.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (274) . [2] في «آ» و «ط» : «في نوء» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف. [3] حسابها في الجمّل (970) . [4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (354- 356) .

وفيها خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع الحمصي [1] الحلبي المولد والمنشأ الشافعي، المشهور بابن النّقيب، الإمام العالم. توفي في هذه السنة أو التي قبلها كما قاله في «الكواكب» . وفيها الشيخ زين الدّين بن إبراهيم بن محمد بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي [2] الإمام العلّامة. قال ولده الشيخ أحمد: هو الإمام العلّامة، البحر الفهامة، وحيد دهره، وفريد عصره، كان عمدة العلماء العاملين، وقدوة الفضلاء الماهرين، وختام المحقّقين والمفتين. أخذ عن العلّامة قاسم بن قطلوبغا، والبرهان الكركي، والأمين بن عبد العال، وغيرهم. وألّف رسائل وحوادث ووقائع في فقه الحنفية من ابتداء أمره يحتاج إليها في زماننا، وشرح «الكنز» وسماه ب «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» وصل إلى آخر كتاب الإجارة، وكتاب «الأشباه والنظائر» [3] وكتاب «شرح المنار» في الأصول، وكتاب «لب الأصول مختصر [4] تحرير الأصول» لابن الهمام، وكتاب [4] «الفوائد الزّينية في فقه الحنفية» وصل فيها إلى ألف قاعدة وأكثر، و «تعليق على الهداية» و «حاشية على جامع الفصولين» وغير ذلك. وتوفي صبيحة يوم الأربعاء من رجب. انتهى ملخصا، أي وتأخرت وفاة أخيه الشيخ عمر إلى بعد الألف.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 590- 594) و «الكواكب السائرة» (3/ 148- 149) و «الأعلام» (2/ 314) و «معجم المؤلفين» (4/ 111) . [2] ترجمته في «الطبقات السّنية» (3/ 275- 276) و «الكواكب السائرة» (3/ 154) و «معجم المؤلفين» (4/ 192) . [3] طبع في مصر عدة مرات أفضلها التي صدرت بعناية وتعليق الأستاذ عبد العزيز محمد الوكيل سنة (1387) هـ. ثم طبع بدار الفكر بدمشق بعناية وتعليق الأستاذ محمد مطيع الحافظ. [4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

وفيها شمس الدّين أبو عبد الله عبد البرّ بن قاضي القضاة الحنابلة بدمشق زين الدّين عمر بن مفلح [1] الحنبلي. ميلاده يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، كذا في «العنوان» . وتوفي ثالث عشري جمادى الأولى كذا بخط ابن صاحب «العنوان» .

_ [1] ترجمته في «النعت الأكمل» ص (132) .

سنة إحدى وسبعين وتسعمائة

سنة إحدى وسبعين وتسعمائة فيها كان سيل عظيم بمكّة المشرّفة بل سيول، فدخل السّيل الحرم الشريف، وعلا على الركن اليماني ذراعا، فقال مؤرّخا لذلك الأديب صلاح الدّين القرشي: يا سائلي تاريخ سيل طمى ... علا على الرّكن اليماني ذرا وفيها توفي، تقريبا إن لم يكن تحديدا، برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التّسيلي- بفتح المثناة الفوقية وبالمهملة وبعد المثناة التحتية لام- الصّالحي الشافعي [1] الإمام العالم المحدّث المسند العارف بالله تعالى. أخذ عن الإمام محمد بن علي الحنفي الصّالحي الإمام، وسمع منه [2] ومن غيره [3] من الأعلام ما لا يحصى، ودأب وحصّل، وشاع ذكره، وبعد صيته بعلو الإسناد، وأخذ عنه الأعيان، منهم شيخ شيوخنا الشيخ إبراهيم بن الأحدب، وأثنى عليه بالعلم، ووصفه بالتصوف والولاية. وبالجملة فقد كان آية من آيات الله تعالى، علما، وعملا، وزهدا، وورعا، وعلو سند، رحمه الله تعالى. وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن أحمد بن حمزة الرّملي الأنصاري الشافعي [4] ، الإمام العالم العلّامة، شيخ الإسلام، تلميذ القاضي زكريا.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 86) . [2] في «ط» : «منهم» . [3] في «آ» و «ط» : «ومن غيرهم» وما أثبته يقتضيه السياق. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119- 120) و «الأعلام» (1/ 120) و «معجم المؤلفين» (1/ 147- 148) .

أخذ الفقه عنه، وعن طبقته، وكان من رفقاء البدر الغزّي، وأخذ عنه النور الزيّادي، والنور الحلبي [1] وأضرابهما، وأقرأ وأفتى، وخرّج وصنّف، ومن مصنّفاته «شرح الزبد لابن أرسلان» و «شرح منظومة البيضاوي» في النكاح، ورسالة في شروط الإمامة، و «شرح شروط الوضوء» وغير ذلك. قاله ولده. وقال: توفي في بضع وسبعين وتسعمائة. وفيها حسين بن علي الحصكفي الشافعي [2] الإمام العالم. قال في «الكواكب» : مولده سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ونظم «تصريف العزّي» وهو ابن أربع عشرة سنة، وقرّظ له عليه شيخ الإسلام الوالد. انتهى وفيها المولى عبد الباقي بن المولى علاء الدّين العربي الحلبي الحنفي [3] اشتغل بطلب العلوم، حتى وصل إلى مجلس المفتي علاء الدّين الجمالي، وصار ملازما منه، ثم تنقّلت به الأحوال إلى أن ولي قضاء حلب، ثم قضاء مكّة، ثم قضاء بروسة، ثم قضاء القاهرة، ثم قضاء مكة ثانيا. وكان من أعلام العلماء، صاحب يد في العلوم، وربى أكابر من أعيان الرّوم. وكان كثير العناية بالدرس، وجمع الأماثل، صاحب اشتهار كثير، حتى قيل لم يبلغ أحمد مبلغه في الاشتهار والظهور. وكان يلقي مدة إقامته سبعة دروس أو ثمانية، لكنه كان في غاية الحرص على حبّ الرئاسة والجاه، وقد بذل في تحصيل قضاء العسكر أموالا عظيمة، منها أنه كان بنى زمن قضائه ببرسا حمّاما عاليا على ماء جار من غرائب الدنيا يحصّل منه مال عظيم في كل سنة، فوهبه للوزير رستم باشا فلم يثمر له بثمرة. وتوفي بحلب في الطاعون ولم يعقب. قاله في «ذيل الشقائق» .

_ [1] كذا في «ط» و «المنتخب» لابن شقدة بنسختيه: «والنور الحلبي» وفي «آ» : «والبرهان الحلبي» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 143- 145) . [3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 739- 743) و «العقد المنظوم» ص (360- 362) .

وفيها المولى عبد الرحمن بن جمال الدّين الحنفي، الشهير بشيخ زاده [1] الإمام العلّامة. قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة مرزيقون [2] ، وطلب العلم، وخدم العلماء، كالمولى حافظ العجمي، والمولى محمد القراباغي [3] ، وحصّل طرفا من العلم، ثم اتصل بخدمة عرب جلبي، فأخذ عنه، وأقام على قدم الإقدام، واهتم في تحصيل المعارف، فمهر في العلوم العربية، والفنون الأدبية، وتميّز في الحديث والتفسير والوعظ، ثم ولي مدرسة دار الحديث بقصبة أبي أيوب الأنصاري، وخطابة جامع قاسم باشا. وكان حسن النغم، طيب الألحان. ومن جملة من يتغنى بالقرآن، ثم عيّن له وظائف الوعظ والتذكير في عدة جوامع، وتميّز على أقرانه. وكان من جلّة العلماء وأكابر الفضلاء، ويكفيه من الفخر ما كتب له به أبو السعود أفندي المفتي في صورة إجازته، وهو هذا: اللهم ربّ الأرباب، مالك الرّقاب، منزل الكتاب، محقّ الحقّ وملهم الصواب، صلّ وسلم على أفضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله الأوتاد وصحبه الأقطاب، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهّاب. وبعد: فلما توسمت في رافع هاتيك الأرقام زين العلماء الأعلام الألمعي الفطن اللّبيب، واللّوذعي اللّقن الأريب، ذي الطبع الوقّاد، والذّهن القوي النقّاد، العاطف لأعنّة عزائمه إلى ابتغاء مرضاة الله تعالى من غير عاطف يثنيه، والصارف لأزمة مراده نحو تحصيل زلفاه بلا صارف يلويه، الساعي في تكميل النفس بالكمالات العلية بحسب قوتيه النظرية والعملية، سليل المشايخ الأخيار، نجل العلماء الأبرار، مولانا الشيخ عبد الرحمن بن قدوة العارفين الشيخ جمال الدّين وفقه الله تعالى لما يحبه ويرضاه، وأتاح له في أولاه وأخراه ما هو أولاه وأحراه، دلائل نبل ظاهر في الفنون، ومخائل فضل باهر في

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (362- 364) . [2] في «ط» : «من زيقون» وهو من التحريف الطباعي. [3] في «ط» : «القراماني» وهو تحريف.

معرفة الكتاب المكنون، أجزت له في مطالعة الكتب الفاخرة واقتناص العلوم الزاخرة [1] التي ألّفها أساطين أئمة التفسير من كل وجيز وبسيط، وصنّفها سلاطين أسرة التقرير من كل شامل ومحيط، واستخراج ما في بطونها [2] من الفوائد البارعة، واستنباط ما في تضاعيفها من الفوائد [3] الرائعة، وسوغت له إفادتها للمقتبسين من أنوارها [الرائقة] تفسيرا وتقريرا، وإفاضتها على المغتنمين من مغانم آثارها عظة وتذكيرا، على ما نظمه بنان البيان في سمط السطور، ورقمه يراعة البراعة في طي رقها المنشور، حسبما [4] أجاز لي شيخي ووالدي المرحوم بحر المعارف ولجة العلوم، صاحب النفس المطمئنة القدسية، محرز الملكات الإنسية، المنسلخ من النعوت الناسوتية، الفاني في أحكام الشئون اللاهوتية، العارف لأطوار خطرات النفس، الواقف على أسرار الحضرات الخمس، مالك زمام الهداية والإرشاد، حجّة الخلق على كافة العباد، محيي الحقيقة والشريعة [5] والدّين محمد بن مصطفى العمادي، المجاز له من قبل مشايخه الكبار، لا سيما أستاذه الجليل المقدار، الجميل الآثار، الحبر السّامي والبحر الطامي، الصّنديد الفريد والنحرير المجيد، عمّ والدي علاء الملّة والدّين، المولى الشهير بعلي القوشجي، صاحب «الشرح الجديد للتجريد» وأستاذي العلّامة العظيم الشأن والفهامة الجلي العنوان الإمام الهمام السميدع القمقام، نسيج وحده ووحيد عهده، عبقري لا يوجد له مثال، أو حدي تضرب بمآثره الأمثال، المولى البارع الأمجد أبو المعالي عبد الرحمن بن علي المؤيد [6] المجاز له من قبل أستاذه المشهور جلالة قدره فيما بين الجمهور، المعروف فضائله لدى القاصي والداني، جلال الملّة والدّين محمد بن أسعد الدواني، المجاز له من قبل أساتذته [7] العظام، الذين من زمرتهم

_ [1] في «آ» و «ط» : «واختياض المعالم الزاخرة» وما أثبته من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف. [2] في «آ» : «ما في مطلوبها» وفي «العقد المنظوم» : «ما في مطاويها» . [3] في «العقد المنظوم» : «من الفرائد» . [4] في «آ» و «ط» : «حيثما» والتصحيح من «العقد المنظوم» . [5] في «العقد المنظوم» : «محيي الشريعة والحقيقة» . [6] كذا في «آ» و «العقد المنظوم» وفي «ط» : «علي بن المؤيد» . [7] في «آ» : «أساتذة» .

والده العلي القدر سعد الملّة والدّين أسعد الصّدّيقي، المجاز له من قبل مشايخه الفهام، لا سيما أستاذه علّامة العالم مسلم الفضل بين جماهير الأمم، الغني عن التعريف على الإطلاق، المشتهر بلقبه الشريف في أكناف الآفاق، زين الملّة والدّين علي المحقق الجرجاني، وأستاذي الماجد الخطير النّقاب المحدّث النحرير، ذو القدر الأتم والفخر الأتم أبو الفضائل سيدي محمد بن محمد، المجاز له من قبل أستاذه الفاضل وشيخه الكامل، ذو النسب السّامي والفضل العصامي، المولى الشهير بحسن جلبي، محشّي «شرح المواقف» و «التلويح» و «المطول» المجاز له من جهة شيخه الأجل وأستاذه الشامخ المحل وحيد عصره وأوانه، وفريد دهره وزمانه، علاء المجد والدّين، المشهور بالمولى على الطوسي، صاحب كتاب «الذخر» وغيره، والله سبحانه أسأل مكبا على وجه الذل والمهانة ساجدا على جبهة الضراعة والاستكانة أن يفيض عليهم سجال عفوه وغفرانه، وشآبيب رحمته ورضوانه، ويهدينا سبل الهدى ومناهج الرشاد، ويقينا مصارع السوء يوم التناد، إنه رؤوف بالعباد. كتبه العبد الفقير إلى الله سبحانه [1] ، الراجي من جنابه عفوه وغفرانه، أبو السعود الفقير، عفى عنه. وتوفي شيخ زاده في هذه السنة. انتهى وفيها بدر الدّين حسين بن السيد كمال الدّين محمد بن السيد عزّ الدّين حمزة بن السيد شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد السيد الشريف الحسيني الشافعي الدمشقي [2] . ولد سنة ست وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن والده وغيره، وكان مدرّسا في الشامية الجوانية والجامع الأموي، وفيه انحصر نسب هذا البيت من الذكور، وكانت وفاته بعد صلاة الجمعة سابع عشر [3] ذي القعدة، ودفن بتربة والده بالقرب من سيدي بلال الحبشي.

_ [1] في «آ» : «إليه سبحانه» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 143) . [3] في «ط» : «سابع عشري» .

وفيها السيد وجيه الدّين عبد الرحمن بن حسين بن الصّدّيق الأهدل اليمني الشافعي [1] . قال في «النور» : ولد سنة إحدى وتسعين وثمانمائة بمدينة زبيد، ونشأ بها، وقرأ القرآن، وصحب جماعة من المشايخ، ونصّبه الشيخ المعروف بابن إسماعيل الجبرتي شيخا وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وظهرت عليه آثار بركة المشايخ الصالحين، وفتح عليه فتوح العارفين، حتى لحق من قبله، وساد أهله، وتضاءلت عليه [2] المشايخ الأكابر، وشهدت له بالتقدم على الأوائل والأواخر، فأصبح فريد دهره ووحيد عصره، منقطع النّظير، متصلا بجدّه بالأثير، كثرت أتباعه وأصحابه من المشايخ والعلماء والقضاة والأمراء والوزراء والأغنياء والفقراء. وكان كثير الإنفاق، ميسرة عليه الأرزاق، ما قصده سائل فخاب، ولا أمه وافد إلا ورجع بزلفى وحسن مآب، وهو مع ذلك على قدم التوكل والفتح الرّباني، وكان مشاركا في كثير من العلوم، وجمع كتبا كثيرة في فنون شتّى. وكان إذا خرج من بيته تزدحم عليه الناس تلتمس بركته. ومن كراماته أنه جاءه مريض قد عظم بطنه [3] من الاستسقاء فقرب إليه طعاما وأمره أن يأكله جميعه ففعل ما أمره فزال عنه ذلك المرض في الحال [4] . وكراماته لا تنحصر. وتوفي بزبيد في جمادى الأولى وقبره بها مشهور مزور، وعليه قبة حسنة. انتهى. وفيها علاء الدّين علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (275- 276) . [2] في «آ» : «له» وما أثبته من «النور السافر» وقد سقطت اللفظة من «ط» . [3] لفظة «بطنه» سقطت من «ط» . [4] في «النور السافر» : «فحسب إن فعل ما أمره زال عنه ذلك المرض في الحال» .

محمد الدمشقي الشافعي [1] الشهير بابن عماد الدّين، وبابن الوس- بكسر الواو وتشديد السين المهملة- الإمام العلّامة. كان أبوه سمسارا في القماش بسوق جقمق، وولد صاحب الترجمة ليلة السبت خامس عشري رجب سنة سبع عشرة وتسعمائة، ولازم في الفقه الشيخ تقي الدّين القاري وغيره، وأخذ الحديث عن جماعات، منهم الشّهاب الحمصي ثم الدمشقي، والبرهان البقاعي، وأخذ العربية عن الشمس ابن طولون، والكمال ابن شقير، والأصول عن المولى أمير جان التبريزي حين قدم دمشق، والكلام والحكمة عن منلا حبيب الله الأصفهاني، والعربية أيضا والتفسير عن الشيخ مغوش المغربي، وأخذ عن خلائق، وحجّ، وقرأ على قاضي مكّة ابن أبي كثير، وولي نيابة القضاء بمحكمة الميدان، ثم نيابة الباب مدة طويلة، وأقامه بعض قضاة القضاة مقامه، وسافر إلى الرّوم، فعجب علماء الرّوم من فطانته وفضيلته، مع قصر قامته وصغر جثّته، وسموه كجك [2] علاء الدّين، وكانوا يضربون المثل به، وأعطي ثم تدريس دار الحديث الأشرفية بثلاثين عثمانيا. قال ابن طولون: وهو درس متجدد لم يكن بالدار المذكورة سوى مشيخة الحديث، ثم أعرض عن نيابة القضاء، وأقبل على التدريس، وغلبت عليه المعقولات، وعمل حواشي على «شرح الألفية» لابن المصنّف. وكان يقرئ، ويدرّس، ويفتي. وكان يحفظ القرآن العظيم ويكثر تلاوته، وانتفع به كثيرون، منهم الشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدّين، والشمس بن المنقار، والمنلا أسد، وغيرهم. ومن شعره: لولا ثلاث هنّ لي بغية ... ما كنت أرضى أنني أذكر عزّ رفيع وتقى زائد ... والعلم عني في الملا ينشر

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 182- 186) و «معجم المؤلفين» (7/ 37) . [2] في «ط» : «جك» وهو خطأ.

ومنه: قل لأبي الفتح إذا جئته ... قول عجول غير مستأن أدرك بني البرش على برشهم ... قد منعوا من قهوة البن وتوفي بدمشق بعد ظهر يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر، وحضر جنازته قنالي زاده. وفيها غرس الدّين جلبي بن إبراهيم بن أحمد الحنفي [1] الإمام العلّامة. نشأ بمدينة حلب، وطلب العلم، وجد واجتهد، فبلغ ما قصد، وقرأ بحلب على الشيخ حسن السيوفي، ثم ارتحل ماشيا إلى دمشق، وأخذ فيها الطب عن ابن المكي، وانتقل إلى القاهرة ماشيا أيضا، فاشتغل بها على ابن عبد الغفّار، أخذ عنه الحكميات والرياضيات والعلوم العقلية، وأخذ علوم الدّين عن القاضي زكريا، وفاق أقرانه، وسار بذكره الركبان، ورفع منزلته الملك الغوري، ولما وقع بينه وبين سلطان الرّوم حضر الوقعة مع الجراكسة، إلى أن استولى السلطان سليم على الدّيار المصرية، وتم الأمر جيء بابن الغوري، وصاحب الترجمة أسيرين فعفا عنهما، وصحبهما إلى قسطنطينية فاستوطنها المترجم، وشرع في إشاعة معارفه، حتّى اشتغل عليه كثير من ساداتها. وكان رأسا في جميع العلوم خصوصا الرياضيات، صاحب فنون غريبة. وكان مشهورا بالبخل في التعليم، ولم يقبل مدة عمره وظيفة. وكان يلبس لباسا خشنا وعمامة صغيرة، ويقنع بالنّزر من القوت، ويكتسب بالتطبب. ومن مصنفاته «التذكرة في علم الحساب» و «متن» و «شرح» في الفرائض، و «حاشية على فلكيات شرح المواقف» و «حاشية على الجامي» إلى آخر

_ [1] مختلف في اسمه بين المصادر، وقد ترجم له صاحب «العقد المنظوم» ص (357- 360) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 590- 594) و «إعلام النبلاء» (6/ 57- 62) .

المرفوعات، و «حاشية على شرح النّفيسي للموجز في الطب» و «شرح جزءين من تفسير القاضي البيضاوي» وكتاب في علم الزايرجة، و «شرح القصيدة الميمية» للمفتي أبي السعود، وأتي به إليه فعانقه، وأكرمه غاية الإكرام، ولما نظر إلى ما كتبه استحسنه وأعطاه جائزة سنية. وفيها المولى محمد بن المفتي أبي السعود [1] . ربّي في حجر والده، وأخذ عنه العلوم، حتى برع فيها، واستدل بطيب الأصل على طيب الثمر، ثم أخذ عن المولى محيي الدّين الفناري، ثم تنقّل في المدارس، إلى أن قلّد قضاء دمشق، فحسنت سيرته، ثم قضاء حلب، ثم بعد مضي سنة انتقل إلى رحمة الله تعالى في حياة أبيه وما أناف [2] عمره على أربعين سنة. وفيها رضي الدّين أو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن، المعروف بابن الحنبلي الحنفي الحلبي [3] الإمام العلّامة المؤرّخ. أخذ عن الخناجري، والبرهان الحلبي، وعن أبيه وآخرين، وقد استوفى مشايخه في «تاريخه» [4] وحجّ سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ودخل دمشق، وانتفع به جماعة من الأفاضل بدمشق، كشيخ الإسلام محمود البيلوني، والشمس بن المنقار، وأخذ عنه جماعات، منهم العلّامة أحمد بن المنلا، والقاضي محبّ الدّين. وكان إماما، بارعا، مفنّنا، مسندا، مصنّفا، وله مؤلفات في عدة فنون، منها «حاشية على شرح تصريف العزّي» للتفتازاني، و «شرح على النزهة في الحساب»

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (364- 366) . [2] في «ط» : «وما ناف» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 42- 43) و «إعلام النبلاء» (6/ 62- 72) و «الأعلام» (5/ 302- 303) و «معجم المؤلفين» (8/ 223- 224) . [4] المعروف ب «درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب» وقد طبع في وزارة الثقافة بدمشق بين عامي 1972- 1974 بتحقيق الأستاذين محمود الفاخوري ويحيى عبارة، وهي طبعة جيدة متقنة نافعة.

و «الكنز المظهر في حلّ المضمر» و «مخايل الملاحة في مسائل المساحة» و «شرح المقلتين في مساحة القلّتين» و «كنز من حاجي وعمّى في الأحاجي والمعمّى» و «درّ الحبب في تاريخ حلب» . ونظم الشعر فمنه قوله مضمنا: بالله إن نشوات شمطاء الهوى ... نشأت فكن للناس أعظم ناس متغزّلا في هالك بجماله ... بل فاتك بقوامه المياس واشرب مدامة حب حب وجهه ... كاس ودع نشوات خمر الطّاس وإذا شربت [1] من المدام وشربها ... فاجعل حديثك كلّه في الكاس وله: يا من لمضطرم الأوا ... م حديثه المروي ري أروي شمائلك العظا ... م لرفقة حضروا لدي عليّ أنال شفاعة ... تسدى لدى العقبى إلى وإذا شفعت لذنبه ... ولأنت لم تنعت بلي حاشا شمائلك اللطي ... فة أن ترى عونا علي وتوفي يوم الأربعاء [2] ثالث عشر [2] جمادى الأولى، ودفن بمقابر الصالحين بالقرب من قبر الشيخ الزاهد محمد الخاتوني بين قبريهما نحو عشرة أذرع. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي الأصل المقدسي الشافعي [3] الإمام العلّامة، عالم بلاد القدس الشريف، وابن عالمها، وأخذ الخطباء بالمسجد الأقصى.

_ [1] في «إعلام النبلاء» : «وإذا جلست» . [2] ما بين الرقمين من «إعلام النبلاء» وفي «الكواكب السائرة» : «خامس ... » وانظر تعليق محققة. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 10- 11) .

كان كأبيه وجدّه علّامة، فهّامة، جليل القدر، رفيع المحلّ، شامل البرّ للخاصة والعامة، كثير السّخاء، وافر الحرمة، ديّنا، صالحا، ماهرا في الفقه وغيره. تفقه على والده، ورحل إلى مصر، فأخذ عن علمائها، كالقاضي زكريا، والنّور المحلّي، ودخل دمشق بعد موت عمّه الشيخ أبي الفضل لاستيفاء ميراثه، فخطب بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشري ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة. وتوفي ببيت المقدس في رجب.

سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة

سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة فيها توفي العلّامة عبد الله بن أحمد الفاكهي المكّي الشافعي النحوي [1] قال في «النور» : أمه أم ولد حبشية وولد سنة تسع وتسعين وثمانمائة وكان من كبار العلماء، مشاركا في جميع العلوم، وله مصنّفات مفيدة، منها «شرح الأجرومية» و «شرح على متممتها» [2] للحطّاب أجاد فيها [3] كل الإجادة، وشرح على «قطر ابن هشام» [4] في غاية الحسن، وصنّفه عام ستة عشر وتسعمائة، وعمره حينئذ ثمان عشرة سنة [5] . ولما سار إلى مصر وجد جماعة يقرؤونه وقد أشكل عليهم محلّ منه، فأجاب عن الإشكال، فلم يثقوا بالجواب لعدم علمهم بأنه مصنّفه حتّى أخبرهم أنه هو الشارح، واستشهد على ذلك من كان هناك من المكّيين و «شرح الملحة» واستنبط حدودا للنحو في نحو كراسة ثم شرحها أيضا في كراريس ولم يسبق إلى مثل ذلك. وبالجملة فإنه لم يكن له نظير في زمانه في علم النحو، فإنه كان فيه آية من آيات الله تعالى. انتهى ملخصا وفيها عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد مخرمة اليمني الشافعي [6] .

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (277- 278) و «الأعلام» (4/ 69) و «معجم المؤلفين» (6/ 28) . [2] في «آ» و «ط» : «متمميها» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف. [3] في «ط» : «فيهما» . [4] المعروف ب «قطر الندى» . [5] لفظة «سنة» سقطت من «ط» . [6] ترجمته في «النور السافر» ص (278- 279) و «الأعلام» (4/ 110) و «معجم المؤلفين» (6/ 95) .

أخذ عن والده وعمّه العلّامة الطّيب، والقاضي عبد الله باسرومي، وكان يقول: إني استفدت من هذا الولد أكثر مما استفاد مني، وجدّ واجتهد، حتى برع، وانتصب للتدريس والفتوى، وصار عمدة يرجع إلى فتواه، وانتهت إليه رئاسة العلم والفتوى في جميع جهات اليمن، وقصد بالفتاوى من الجهات النازحة والأقاليم البعيدة، وأخذ عنه الأعلام، منهم محمد بن عبد الرحيم باجابر، وأبحاثه في كتبه وأجوبته تدلّ على قوة فطنته وغزارة مادته، وكانت تغلب عليه الحرارة حتّى على طلبته، وكان فيه على ما قيل بأو [1] مفرط، والكمال لله. وكان ناثرا، ناظما، فصيحا، مفوها. ومن تصانيفه كتاب ينكّت فيه على «شرح المنهاج» للهيتمي في مجلدين، و «فتاوى» في مجلد ضخم، و «المصباح لشرح [2] العدة والسلاح» و «شرح الرحبية» و «ذيل على طبقات الشافعية» للإسنوي، ورسالتان في الفلك والميقات، ورسالة في الربع المجيب، وغير ذلك. ومن شعره: قلت: سلام الله من مغرم ... ما إن سلا عنكم فقالوا سلا فقلت هل ترضون لي وقفة ... قالوا فما تطلب قلت الكلا ومنه: الواو من صدغه في العطف يطمعني ... والسّيف من لحظه يومي إلى العطب فحينما حرت قام الهجر ينشدني ... السّيف أصدق أنباء من الكتب [3] ومنه: قالت: أراك من الذكا في غاية ... جلّت عن الإسهاب والإطناب

_ [1] البأو: الكبر والفخر. انظر «لسان العرب» (بأي) . [2] لفظة «الشرح» سقطت من «آ» . [3] الشطر الثاني من البيت مستعار من البيت الشهير لأبي تمام: السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حدّه الجدّ بين الجدّ واللعب

فعلام تبدي في الأمور تغابيا ... فأجبت: سيّد قومه المتغابي وتوفي بعدن ليلة الاثنين لعشر مضت من رجب عن خمس وستين سنة. وفيها السّيّد الشريف عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان العبّاسي البيروتي ثم الدمشقي الصوفي [1] . قال في «الكواكب» : جاور بمكة نحو عشرين سنة، وكان يعتمر كل يوم مرة أو مرتين مع كبر سنه، وربما اعتمر في اليوم والليلة خمس مرات، قيل: كان يطوف في اليوم والليلة مائة أسبوع [2] ولم يزل على [2] الصوم والعبادة إلى أن توفي بمكّة ودفن بالمعلاة. وفيها شمس الدّين محمد الطّبلني- بضم الطاء المهملة والباء الموحدة وإسكان اللام، ثم نون نسبة إلى طبلنة قرية من قرى تونس- المغربي المالكي [3] الإمام العلّامة، تلميذ الشيخ مغوش. برع في العربية والمنطق، وشرح «مقامات الحريري» ، وحشّى «توضيح ابن هشام» . وتوفي بطرابلس خامس عشر صفر. وفيها المولى مصلح الدّين بن المولى محيي الدّين، المشتهر بابن المعمار الحنفي [4] الإمام العلّامة. قال في «ذيل الشقائق» : توفي أبوه قاضيا بحلب، فوجه هو همته إلى العلوم، وقرأ على المولى محيي الدّين، الشهير بالمعلول، والشيخ محمد جوي زاده، ثم صار ملازما من المولى خير الدّين معلم السلطان سليمان، ثم تنقّل في

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 166- 167) . [2] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» وكانت العبارة في «ط» على النحو التالي: «مائة أسبوع من الصوم والعبادة» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 77) . [4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (366- 368) و «معجم المؤلفين» (12/ 286) .

المدارس إلى أن قلّد قضاء برسا، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء المدينة المنورة. وكان عالما، عاملا، قليل الكبر، كثير الانشراح، محبّا للمفاكهة والمزاح، وقد علّق حواشي على «حاشية حسن جلبي على التلويح» و «حواش على الدّرر والغرر» ولم تتم، ولما انفصل عن المدينة المنورة وعاد وبلغ [1] مصر أدركته منيته في شوال. انتهى

_ [1] كان النص في «آ» و «ط» : «ولما انفصل عن المدينة المنورة وعاد، فلما بلغ» والتصحيح من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف.

سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة

سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة فيها توفي تاج الدّين إبراهيم بن عبد الله الحميدي الحنفي [1] . قال في «العقد المنظوم» : اشتغل بالعلوم، وأفنى عنفوان شبابه في ذلك، وتلقى من الأفاضل كالمولى صاروكرز [2] ، وصار منه ملازما، ثم تنقل في المدارس، وكتب حاشية على صدر الشريعة ردّ فيها على المولى ابن كمال باشا في مواضع كثيرة، ثم كتب رسالة وجمع فيها من مواضع ردّه عليه ستة عشر موضعا. وقال في أول ديباجتها: اعلموا معاشر طلاب اليقين، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، إن المختصر الذي سوّده الحبر الفاضل والبحر الكامل، الشهير بابن كما باشا، رحمه الله، وسمّاه بالإصلاح والإيضاح مع خروجه عن سنن [3] الفلاح والصّلاح باشتماله على تصرفات فاسدة واعتراضات غير واردة، من السهو والزّلل، والخبط والخلل، لإتيانه بما لا ينبغي وتحرزه عما ينبغي، مشتمل على كثير من المسائل المخالفة للشرع، بحيث لا يخفى بعد التنبه [4] للأصل والفرع، ولا ينبغي الانقياد لحقيقتها للمبتدي ولا العلم بها للمنتهي، لوجود خلافها صريحا في الكتب المعتبرات من المطوّلات والمختصرات، ثم كتب منها نسختين دفع إحداهما إلى الوزير محمد باشا الصّوفي وكان ينتسب إليه، والثانية إلى الوزير الكبير رستم باشا، فلما أخذها طلب قراءتها، فلما وصل إلى تشنيعه على المولى

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (371- 373) و «معجم المؤلفين» (1/ 52) . [2] في «آ» : «صادكوز» وفي «ط» : «صار كوز» وما أثبته من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف. [3] لفظة «سنن» لم ترد في «آ» . [4] في «ط» : «بعد التنبيه» .

المزبور تغيّر غاية التغيّر بسبب أنه كان قرأ على المولى المزبور، وكان ذلك سببا لخموله ثم تنبه له الدهر، فولي المدارس إلى أن صار مفتيا بأماسية. وكان بحر المعارف، ولجّة العلوم، بارعا في العلوم العقلية والنقلية، خصوصا الفقه، قانعا باليسير، سخيا، وأخذ عنه الأجلاء، وكثر الازدحام عليه، وكتب حاشية على بعض المواضع من «شرح المفتاح» للسيد يردّ فيها على المولى ابن كمال باشا في المواضع التي يدّعي التفرّد فيها، وله عدة رسائل على مواضع من «شرح التجريد» للشريف، وله «شرح لمتن [1] المراح» . وتوفي في أول الربيعين. انتهى وفيها أحمد بن علوي بن محمد بن علي بن جحدب [2] بن عبد الرحمن [2] ابن محمد بن عبد الله بن علوي بن باعلوى اليمني الزاهد. قال في «النور» : كان يعدّ في حكم رجال الرسالة لشدة ورعه وتقشفه واستقامته وحسن طريقته، وله في الزهد والتّقلل من الدنيا حكايات لعلها لا توجد في تراجم كبار الأولياء، ولم يتقدموه إلّا بالسبق في الزمان. ومن كراماته أنه لما حجّ رؤي يشرب من ماء البحر، فقيل له في ذلك، فقال: أليس كل أحد يشربه، فأخذ بعضهم ما بقي في الإناء فشربه، فإذا هو حلو، وكفّ بصره في آخر عمره، وحصل عليه قبل انتقاله بأربعة أيام جذبة من جذبات الحقّ اندهش بها [3] عقله، وتحيّر لبّه، وانغمر بها سرّه، وأخذ عن نفسه، فكان يقوم إلى الصلاة بطريق العادة وهو مأخوذ عن حسّه، وربما صلى إلى غير القبلة. وتوفي ببلده تريم يوم الثلاثاء ثامن عشر شهر رمضان. وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن

_ [1] في «ط» : «على متن» . [2] في «ط» : «ابن جحدب بن محمد» وفي «آ» : «ابن جحدب اليمني بن محمد» وما أثبته من «النور السافر» . [3] في «ط» : «دهش بها» .

حجر- نسبة على ما قبل إلى جدّ من أجداده كان ملازما للصمت فشبّه بالحجر- الهيتمي السّعدي الأنصاري الشافعي [1] الإمام العلّامة البحر الزاخر. ولد في رجب سنة تسع وتسعمائة في محلّة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر المنسوب إليها، ومات أبوه وهو صغير، فكفله الإمامان الكاملان شمس الدّين بن أبي الحمائل، وشمس الدّين الشّنّاوي، ثم إن الشمس [2] الشّنّاوي نقله من محلّة أبي الهيتم إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادئ العلوم، ثم نقله في سنة أربع وعشرين إلى جامع الأزهر، فأخذ عن علماء مصر، وكان قد حفظ القرآن العظيم في صغره. وممن أخذ عنه شيخ الإسلام القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي، والشمس المشهدي، والشمس السّمهودي، والأمين الغمري، والشّهاب الرّملي، والطبلاوي، وأبو الحسن البكري، والشمس اللقاني الضيروطي، والشّهاب بن النّجار الحنبلي، والشّهاب بن الصائغ في آخرين. وأذن له بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وبرع في علوم كثيرة من التفسير، والحديث، والكلام، والفقه أصولا وفروعا، والفرائض، والحساب، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والمنطق، والتصوف. ومن محفوظاته «المنهاج الفرعي» ومقروءاته لا يمكن حصرها، وأما إجازات المشايخ له فكثيرة جدا استوعبها في «معجم مشايخه» وقدم إلى مكة في آخر سنة ثلاث وثلاثين، فحجّ وجاور بها، ثم عاد إلى مصر، ثم حجّ بعياله في آخر سنة سبع وثلاثين، ثم حجّ سنة أربعين، وجاور من ذلك الوقت بمكة، وأقام بها يدرّس ويفتي ويؤلّف.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (287- 292) ووفاته فيه سنة (974) و «الكواكب السائرة» (3/ 111- 112) و «الأعلام» (1/ 234) و «معجم المؤلفين» (2/ 152) ومقدمة التحقيق لكتاب المترجم «تحرير المقال في آداب وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال» ص (13- 15) تحقيق الأستاذ محمد سهيل الدّبس بإشرافي، طبع دار ابن كثير. [2] في «آ» : «ثم إن الشيخ» .

ومن مؤلفاته «شرح المشكاة» و «شرح المنهاج» وشرحان على «الإرشاد» و «شرح الهمزية البوصيرية» و «شرح الأربعين النواوية» و «الصواعق المحرقة» و «كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع» و «الزواجر عن اقتراف الكبائر» و «نصيحة الملوك» و «شرح [مختصر] الفقيه» [1] عبد الله بأفضل الحاج المسمى «المنهج القويم في مسائل التعليم» و «الأحكام في قواطع الإسلام» و «شرح العباب» المسمى ب «الإيعاب» ، و «تحذير الثقات عن أكل الكفتة والقات» وشرح قطعة صالحة من «ألفية ابن مالك» و «شرح مختصر أبي الحسن البكري» في الفقه، و «شرح مختصر الروض» و «مناقب أبي حنيفة» وغير ذلك. وأخذ عنه من لا يحصى كثرة، وازدحم الناس على الأخذ عنه وافتخروا بالانتساب إليه. وممن أخذ عنه مشافهة شيخ مشايخنا البرهان بن الأحدب. وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام، بحرا لا تكدره الدّلاء، إمام الحرمين كما أجمع عليه الملأ، كوكبا سيّارا في منهاج سماء الساري، يهتدي به المهتدون تحقيقا لقوله تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ 16: 16 [النحل: 16] واحد العصر، وثاني القطر، وثالث الشمس والبدر، أقسمت المشكلات ألا تتضح إلّا لديه وأكدت المعضلات أليتها أن لا تنجلي إلا عليه، لا سيما وفي الحجاز عليها قد حجر، ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر. وتوفي- رحمه الله تعالى- بمكّة في رجب، ودفن بالمعلاة في تربة الطّبريين. وفيها المولى صالح بن جلال الحنفي [2] . قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من كبار [3] ، قضاة القصبات، ونشأ هو مشغولا بالعلم وأربابه، واهتم بالتحصيل، وقرأ على الأجلاء، وصار ملازما من

_ [1] في «آ» و «ط» : «ألفية» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف ولفظة «مختصر» مستدركة منه. [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (368- 370) و «معجم المؤلفين» (5/ 5) . [3] لفظة «كبار» لم ترد في «آ» .

المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس والمناصب، إلى أن ولي قضاء حلب، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء مصر، ثم كفّ فتقاعد بمدرسة أبي أيوب الأنصاري بمائة درهم. وكان مشاركا في أكثر العلوم، له منها حظّ وافر، زكي النفس، كثير السخاء، محسنا متفضلا، كتب حواشي على «شرح المواقف» وعلى «شرح الوقاية» لصدر الشريعة، وعلى «شرح المفتاح» للشريف الجرجاني، وجمع «لطائف علماء الروم ونوادرهم» . وله «ديوان شعر» و «ديوان إنشاء» كلاهما بالتركي. انتهى وفيها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي [1] . قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : هو شيخنا الإمام العالم [2] العامل العابد الزاهد الفقيه المحدّث الأصولي الصوفي المربّي المسلّك، من ذريّة محمد بن الحنفيّة. ولد ببلده ونشأ بها، ومات أبواه [3] وهو طفل، ومع ذلك ظهرت فيه علامة النجابة ومخايل الرئاسة والولاية، فحفظ القرآن و «أبا شجاع» [4] و «الأجرومية» وهو ابن نحو سبع أو ثمان، ثم انتقل إلى مصر سنة إحدى عشرة وتسعمائة وهو مراهق، فقطن بجامع الغمري، وجدّ واجتهد، فحفظ عدة متون، منها «المنهاج» و «الألفية» و «التوضيح» و «التلخيص» [5] و «الشاطبية» و «قواعد ابن هشام» بل حفظ «الروض إلى القضاء» وذلك من كراماته. وعرض ما حفظ على علماء عصره، ثم شرع في القراءة، فأخذ عن الشيخ

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 176- 177) و «الأعلام» (4/ 180- 181) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 134- 139) و «معجم المؤلفين» (6/ 218- 219) . [2] لفظة «العالم» لم ترد في «ط» . [3] في «ط» : «أبوه» . [4] أي «متنه» . [5] لفظة «والتلخيص» سقطت من «آ» .

أمين الدّين إمام جامع الغمري، قرأ عليه ما لا يحصى كثرة، منها الكتب الستة، وقرأ على الشمس الدواخلي، والنّور المحلّي، والنّور الجارحي، ومنلا على العجمي، وعلى القسطلاني، والأشموني، والقاضي زكريا، والشّهاب الرّملي ما لا يحصى أيضا. وحبّب إليه الحديث، فلزم الاشتغال به، والأخذ عن أهله، ومع ذلك لم يكن عنده جمود المحدّثين، ولا لدونة النقلة، بل هو فقيه النظر صوفي الخبر، له دربة بأقوال السّلف ومذاهب الخلف، وكان ينهى عن الحطّ على الفلاسفة وتنقيصهم، وينفّر ممن يذمهم، ويقول هؤلاء عقلاء، ثم أقبل على الاشتغال بالطريق، فجاهد نفسه مدة، وقطع العلائق الدنيوية، ومكث سنين لا يضطجع على الأرض ليلا ولا نهارا، بل اتخذ له حبلا بسقف خلوته يجعله في عنقه ليلا حتى لا يسقط، وكان يطوي الأيام المتوالية، ويديم الصوم، ويفطر على أوقية من الخبز، ويجمع الخروق من الكيمان فيجعلها مرقعة يستتر بها، وكانت عمامته من شراميط الكيمان وقصاصة الجلود، واستمر كذلك حتى قويت روحانيته، فصار يطير من صحن الجامع الغمري إلى سطحه، وكان يفتتح مجلس الذكر عقب العشاء فلا يختمه إلّا عند الفجر، ثم أخذ عن مشايخ الطريق، فصحب الخواص، والمرصفي، والشناوي فتسلّك بهم، ثم تصدى للتصنيف، فألّف كتبا، منها «مختصر الفتوحات» و «سنن البيهقي الكبرى» و «مختصر تذكرة القرطبي» و «الميزان» و «البحر المورود في المواثيق والعهود» و «كشف الغمّة عن جميع الأمة» و «المنهج المبين في أدلة المجتهدين» و «البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير» و «مشارق الأنوار القدسية في العهود المحمدية» و «لواقح الأنوار واليواقيت» و «الجواهر في عقائد الأكابر» و «الجوهر المصون في علوم الكتاب المكنون» و «طبقات ثلاث» و «مفحم الأكباد في مواد الاجتهاد» و «لوائح الخذلان على من لم يعمل بالقرآن» و «حدّ الحسام على من أوجب العمل بالإلهام» و «البرق [1] الخاطف لبصر من عمل بالهواتف» و «رسالة الأنوار» في آداب

_ [1] في «ط» : «والبراق» .

العبودية، و «كشف الرّان عن أسئلة الجان» و «فرائد القلائد في علم العقائد» و «الجواهر والدّرر» و «الكبريت الأحمر في علوم الكشف الأكبر» و «الاقتباس في القياس» و «فتاوى الخواص» و «العهود ثلاثة» وغير ذلك. وحسده طوائف، فدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع، وعقائد زائغة، ومسائل تخالف الإجماع، وأقاموا عليه القيامة، وشنّعوا وسبّوا، ورموه بكل عظيمة فخذلهم الله وأظهره عليهم. وكان مواظبا على السّنّة، مبالغا في الورع، مؤثرا ذوي الفاقة على نفسه حتى بملبوسه، متحملا للأذى، موزعا أوقاته على العبادة ما بين تصنيف وتسليك وإفادة، واجتمع بزاويته من العميان وغيرهم نحو مائة، فكان يقوم بهم نفقّه وكسوة. وكان عظيم الهيبة، وافر الجاه والحرمة، تأتي إلى بابه الأمراء. وكان يسمع لزاويته دويّ كدوي النحل ليلا ونهارا. وكان يحيي ليلة الجمعة بالصلاة على المصطفى صلّى الله عليه وسلم، ولم يزل مقيما على ذلك، معظما في صدور الصدور، إلى أن نقله الله تعالى إلى دار كرامته. ومن كلامه: دوروا مع الشرع كيف كان لامع الكشف، فإنه قد يخطئ وقال: ينبغي إكثار مطالعة كتب الفقه عكس ما عليه المتصوفة الذين لاحت لهم بارقة من الطريق فمنعوا مطالعته وقالوا: إنه حجاب جهلا منهم. وقال: كل إنسان لا يعذّب في النار إلّا من الجزء الناري الذي هو أحد أركان بدنه [1] . وقال: ذهب بعض أهل الكشف إلى أن جميع الحيوان لهم تكليف إلهي برسول منهم في ذواتهم لا يشعر به إلّا من كشف عن بصره، فإن لله الحجّة على خلقه، فلا يعذّب أحدا إلا جزاء، فلا إشكال في إيلام الدواب. وقال: الجبر آخر ما تنتهي إليه المعاذير، وذلك سبب مآل أهل الرحمة إلى الرحمة.

_ [1] قلت: ليس على ذلك دليل من الكتاب والسّنّة وآراء الجمهور من السّلف والخلف.

وتوفي- رحمه الله- في هذه السنة، ودفن بجانب زاويته بين السورين. وقام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن لكنه أقبل على جمع المال ثم توفي في سنة إحدى عشرة بعد الألف. انتهى ملخصا وفيها المولى كمال الدّين، المعروف بدده خليفة الحنفي [1] الإمام العلّامة. قال في «ذيل الشقائق» : كان من أولاد الأتراك، ومن أصحاب البضائع، وعالج صنعة الدباغة سنين حتى أناف عمره على العشرين، مقيما ببلدة أماسية على ذلك، فاتفق أن صنع لمفت من علماء العصر وليمة ببلده، فذهب متطفلا، فلما باشروا أمر الطعام طلبوا من يجمع لهم الحطب، فرأوا صاحب الترجمة قائما بزي الدّباغين، فأشار المفتي إلى صاحب الترجمة، وقال: ليذهب هذا الجاهل، فعلم حينئذ وخامة الجهل، وتأثر تأثيرا عظيما من الإزدراء به، ثم تضرّع إلى الله تعالى وطلب منه الخلاص من ربقة الجهل، وباع حانوته، واشترى مصحفا، وذهب إلى باب المفتي، وبدأ في القراءة، وقام في الخدمة، حتّى ختم القرآن العظيم، وتوجهت همّته إلى طلب العلم، فأكب على الاشتغال، حتّى صار معيدا للمولى سنان الدّين، المشتهر باقلق [2] ، ثم تولى عدة مدارس، ثم عيّن مفتيا ببعض الجهات، ثم تقاعد. وكان عالما فاضلا، آية في الحفظ والإحاطة، له اليد الطولى في الفقه والتفسير، وكتب «حاشية على شرح تصريف العزي» للتفتازاني، وبسط فيه الكلام، وله منظومة في الفقه وعدة رسائل في فنون عديدة. انتهى ملخصا وفيها المولى محيي الدّين الشهير بابن الإمام [3] . نشأ طالبا للعلم، مكبّا عليه، وقرأ على جماعات، منهم المولى كمال

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (374- 375) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» : «المشتهر بالق» . [3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (370) .

وغيره، ثم تنقّل في الوظائف إلى أن قلّد قضاء حلب بلا رغبة منه في ذلك ولا طلب، فباشره قدر سنتين، ولم يتلفّظ بلفظ حكمت، ثم صار مفتيا بأماسية. وكان من العلماء العاملين، والفضلاء الكاملين، يحقّق كلام القدماء، ويدقّق النظر في مقالات الفضلاء، وقد علّق على أكثر الكتب المتداولة حواشي إلا أنه لم يتيسر له جمعها وتبييضها. وتوفي في أول الرّبيعين.

سنة أربع وسبعين وتسعمائة

سنة أربع وسبعين وتسعمائة فيها توفي المولى تاج الدّين إبراهيم المناوي الحنفي [1] . قال في «العقد المنظوم» : قرأ على علماء زمانه، حتى اتصل بابن كمال باشا، فتقيّد به، وصار ملازما منه، وحصّل، وبرع، ودرّس بعدة من المدارس، إلى أن وصل إلى إحدى المدارس [2] الثمان، وتولى مدرسة السلطان سليمان بدمشق والإفتاء بها. وكان عالما، ديّنا، فقيها، لين الجانب، صحيح العقيدة، حميد [3] الأخلاق. وتوفي بدمشق. انتهى وفيها- أو في التي بعدها جزم بالأول في «النّور السافر» وبالثاني في «الأعلام» - السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان [4] الحادي عشر من ملوك بني عثمان. قال في «الأعلام» : كان سلطانا سعيدا ملكا، أيده الله لنصر الإسلام تأييدا. ولي السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان سليم خان في سنة ست وعشرين

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (383) . [2] لفظة «المدارس» سقطت من «ط» . [3] في «آ» : «جيد» . [4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (375- 381) و «النور السافر» ص (292- 298) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (198- 251) .

وتسعمائة، وجلس على تخت السلطنة وما دمي أنف أحد ولا أريق في ذلك محجمة من دم، ومولده الشريف سنة تسعمائة، واستمر في السلطنة تسعا وأربعين سنة، وهو سلطان غاز في سبيل الله، مجاهد لنصرة دين الله، مرغم أنوف عداه بلسان سيفه وسنان قناه. كان مؤيدا في حروبه ومغازيه، مسددا في آرائه ومعازيه، مسعودا في معانيه ومغانيه، مشهودا في مواقعه [1] ومراميه، أيّان سلك ملك، وأنى توجّه فتح وفتك، وأين سافر سفر وسفك، وصلت سراياه إلى أقصى الشرق والغرب، وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب، وأخذ الكفّار والملاحدة بقوة الطعان والضرب، وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية في القرن العاشر، مع الفضل الباهر، والعلم الزاهر، والأدب الغض الذي يقصر عن شأوه كل أديب وشاعر، إن نظم نضد [2] عقود الجواهر، أو نثر آثر منثور [3] الأزاهر، أو نطق قلّد الأعناق نفائس الدّر الفاخر، له ديوان فائق بالتركي، وآخر عديم النظير بالفارسي، تتداولهما بلغاء الزمان وتعجز أن تنسج على منواله فضلاء الدوران. وكان رؤوفا، شفوقا، صادقا، صدوقا، إذا قال صدق، وإذا قيل له صدّق، لا يعرف الغلّ والخداع، ويتحاشى عن سوء الطباع، ولا يعرف المكر والنّفاق، ولا يألف مساوئ الأخلاق، بل هو صافي الفؤاد، صادق الاعتقاد، منّور الباطن، كامل الإيمان، سليم القلب، خالص الجنان: وما تناهيت في بثي محاسنه ... إلّا وأكثر مما قلت ما أدع وأطال في ترجمته وترجمة أولاده، وذكر غزواته، فذكر له أربع عشرة غزوة انتصر وفتح في جميعها، وذكر كثيرا من مآثره، فمن ذلك الصّدقة الرّومية التي هي الآن مادة حياة أهل الحرمين الشريفين، فإنه أضاف إليها من خزائنه الخاصة مبلغا كبيرا، ومنها صدقات الجوالي وهي جمع جالية، ومعناه ما يؤخذ من أهل الذّمة في

_ [1] في «ط» : «في وقائعه» . [2] لفظة «نضد» سقطت من «ط» . [3] في «ط» : «منشور» .

مقابلة استمرارهم في بلاد الإسلام تحت الذّمة وعدم جلائهم عنها، وهي من أحلّ الأموال ولأجل حلّها جعلت وظائف للعلماء والصلحاء والمتقاعدين من الكبراء. ومنها إجراء العيون، ومن أعظمها إجراء عين عرفات إلى مكّة المشرّفة. ومنها بمكّة المدارس الأربعة السليمانية. ومنها تكيته ومدرسته العظيمة الشأن الكائنة بمرجة دمشق [1] إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. انتهى ملخصا، ومن أراد البسط الزائد فليراجع «الأعلام» .

_ [1] قلت: وهي قائمة إلى الآن وتعرف ب «التكية السليمانية» وتعدّ من أهم المعالم الأثرية العثمانية بدمشق.

سنة خمس وسبعين وتسعمائة

سنة خمس وسبعين وتسعمائة قال في «النور» [1] : فيها غرق مركب بالهند [في خوركنباته] فكان فيه عشرة من السادة آل بالعلوي فكانوا من جملة من غرق وحصلت لهم الشهادة [بسبب ذلك] . وفيها توفي أبو الضّياء عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي ابن زياد الغيثي المقصري [2]- نسبة إلى المقاصرة بطن من بطون عك بن عدنان- الزّبيدي مولدا ومنشأ ووفاة، الشافعي مذهبا الأشعري معتقدا الحكمي [3] خرقة، اليافعي تصوفا، وفي ذلك يقول رحمه الله تعالى: أنا شافعيّ في الفروع ويافع ... ي في التّصوف أشعريّ المعتقد وبذا أدين الله ألقاه به ... أرجو به الرّضوان في الدّنيا وغد ولد في رجب سنة تسعمائة، وحفظ القرآن و «الإرشاد» وأخذ عن محمد بن موسى الضّجاعي، وأحمد المزجد، وتلميذه الطنبذاوي وبه تخرّج وانتفع، وأذن له في التدريس والإفتاء، فدرّس وأفتى في حياته، وأخذ التفسير والحديث والسير عن الحافظ وجيه الدّين بن الدّيبع وغيره، والفرائض عن الغريب الحنفي والأصول عن جمال الدّين يحيى قتيب [4] ، والعربية عن محمد مفضّل اللحّاني، وجدّ واجتهد، حتّى صار عينا من أعيان الزمان، يشار إليه بالبنان، وقصدته الفتاوى من شاسع

_ [1] انظر «النور السافر» ص (319) وما بين الحاصرتين زيادة منه. [2] ترجمته في «النور السافر» ص (305- 314) و «الأعلام» (3/ 311) و «معجم المؤلفين» (5/ 145- 146) . [3] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الحاكمي» . [4] في «آ» و «ط» : «قبيب» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف.

البلاد، وضربت إليه آباط الإبل من كل ناد، وعقدت عليه الخناصر، وتلمذت له الأكابر، وحجّ وزار القبر الشريف، فاجتمع بفضلاء الحرمين، ودرّس فيهما، واشتغل بالإفتاء من وفاة شيخه أبي العباس الطنبذاوي، وذلك سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، وكان من الفقر على جانب عظيم، بحيث كان- كما أخبر عن نفسه- يصبح وليس عنده قوت يومه، حتى اتفق أن زوجته وضعت وليس عنده شيء، حتى عجز عن المصباح، وباتوا كذلك. وفي سنة أربع وستين نزل في عينيه ماء فكفّ بصره، فاحتسب ورضي، وقال: مرحبا بموهبة الله وجاءه قداح فقال له أنا أصلح بصرك، وقال بعض أهل الثروة وأنا أنفق عليك وعلى عيالك مدة ذلك فامتنع، وقال: شيء ألبسنيه الله لا أتسبب في إبطاله. ومع ذلك كان على عادته من التدريس والإفتاء والتصنيف. ومن مصنّفاته «إثبات سنّة [1] رفع اليدين عند الإحرام، والركوع، والاعتدال، والقيام من الركعتين» وكتاب «فتح المبين في أحكام تبرع المدين» و «المقالة الناصة على صحة ما في الفتح والذيل والخلاصة وهذه الكتب الثلاثة» صنّفها بسبب ما وقع بينه وبين ابن حجر في عدم بطلان تبرع المدين، وله كتاب «النخبة في الأخوة والصحبة» و «الأدلة الواضحة في الجهر بالبسملة وأنها من الفاتحة» وهو كتاب مشتمل على مناقب الأئمة الأربعة، و «التقليد وأحكام رخص الشريعة» وله كتاب «إقامة البرهان على كميّة التراويح في رمضان» و «كشف الغمّة عن حكم المقبوض عما في الذمة وكون الملك فيه موقوفا عند الأئمة» و «مزيل العناء في أحكام الغناء» و «سمط اللآل في كتب الأعمال» و «كشف النّقاب عن أحكام المحراب» وله غير ذلك مما لا يعدّ كثرة. وتوفي بزبيد ليلة الأحد حادي عشر رجب. قاله في «النور» وفيها عزّ الدّين أبو نصر عبد السلام بن شيخ الإسلام وجيه الدّين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد اليمني الشافعي [2] .

_ [1] لفظة «سنّة» سقطت من «ط» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (314- 315) و «معجم المؤلفين» (5/ 225) .

ولد سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة، ونشأ في حجر والده، وتغذى بدّر علومه وفوائده، وقرّت به عينه، وتفقه بوالده كثيرا، ورأس على الأكابر صغيرا، ودرّس وأفتى في حياة أبيه، وصنّف مصنّفات لا يستغني عنها فقيه، وكتب معاصر وأبيه على فتاويه، وانفرد بعد والده بالإفتاء، مع زحمة البلد بأثمة شتّى. وكان من الولاية والعلم على جانب عظيم. ومن مصنّفاته «شرح على مولد السيد حسين بن الأهدل» و «شرح لوداع ابن الجوزي» مات عنهما مسودتين، و «تشنيف الأسماع بحكم الحركة في الذكر والسماع» و «القول النافع القويم لمن كان ذا قلب سليم» و «التحرير الواضح الأكمل في حكم الماء المطلق والمستعمل» و «المطالع الشمسية» . وبالجملة فإنه كان مفتي الأنام، وعلّامة الأعلام. توفي في ثاني عشر شوال. قاله في «النور» أيضا وفيها علي المتقي بن حسام الدّين الهندي ثم المكّي [1] . كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين، على جانب عظيم من الورع والتّقوى والاجتهاد في العبادة، ورفض السّوى، وله مصنّفات عديدة [2] وكرامات كثيرة. وتوفي بمكّة المشرّفة بعد مجاورته بها مدة طويلة.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (315- 319) و «أبجد العلوم» (3/ 223- 224) طبع وزارة الثقافة بدمشق و «كنز العمال» (16/ 776- 788) و «الأعلام» (4/ 309) و «معجم المؤلفين» (7/ 59) و «حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشمالي الهندي» ص (80) ، وقد أفرد الشيخ عبد القادر بن أحمد الفاكهي مناقبه في تأليف سمّاه: «القول النقي في مناقب المتقي» . [2] قال العيدروس في «النور السافر» ص (317) : «ومؤلفاته كثيرة نحو مائة مؤلف ما بين صغير وكبير» . قلت: أهمها المصنّفات التالية: 1- «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» جمع فيه أهم مصادر الحديث النبوي فبلغت الأحاديث المودعة فيه (46624) حديثا عليها مدار العمل في الغالب لدى المشتغلين بفنّ التخريج والتحديث. وقد طبع هذا الكتاب الجليل في مدينة حلب المحروسة عام 1397 هـ بعناية الشيخين الفاضلين بكري الحياني وصفوة السقا، وهي طبعة جيدة نافعة، وقام بإعداد فهارس شاملة لأطراف

وفيها الشيخ محمد بن خليل بن قيصر القبيباتي الحنبلي الصّوفي [1] الفاضل الصّالح المعتقد. توفي في هذه السنة وقد جاوز المائة، رحمه الله تعالى. وفيها المولى محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم، الشهير بعبد الكريم زاده الحنفي [2] الإمام العلّامة. قال في «العقد المنظوم» : كان جدّه عبد الكريم قاضيا بالعسكر في دولة السلطان محمد خان، وولي أبوه عبد الوهاب الدفتر دارية في عهد السلطان سليم خان، ونشأ هو غائصا في بحار العلوم ولجج المعارف، طالبا لدرر الفضائل واللطائف، واشتغل على إسرافيل زادة، وجوي زادة، وابن كمال باشا، والمولى أبي السعود، وغيرهم، وتبحّر وتمهّر، وفاق أقرانه، وطار صيته في الآفاق، وجمع أشتات العلوم، وتنقّل في المدارس على عادة أمثاله، إلى أن صار طودا من المعارف نحوا وعربية وأدبا وفقها، وغير ذلك، حلو المفاكهة، طيب المعاشرة. وكان من عادته أن لا يكتب بالقلم الذي يكتب به اسم الله تعالى، ولا ينام ولا يضطجع في بيت كتبه تعظيما للعلم. ومن تصانيفه عدة «مقامات» على منوال الحريري، و «حاشية على تفسير البيضاوي» من أوله إلى سورة طه، و «حواش على حاشية المولى جلال الدّين الدواني للتجريد» وكتب أشياء أخر إلا أنها لم تظهر بعد موته.

_ الأحاديث الواردة فيه الأستاذان الفاضلان نديم مرعشلي وأسامة مرعشلي وصدرت في مجلدين كبيرين عن الشركة المتحدة للتوزيع بدمشق عام (1404 هـ) . 2- «مختصر كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» وقد طبع قديما على هامش «مسند الإمام أحمد بن حنبل» . 3- «المواهب العلية في الجمع بين الحكم القرآنية والحديثية» وهو مخطوط لم ينشر بعد. 4- «منهج العمال في سنن الأقوال» وهو مخطوط لم ينشر بعد وتحتفظ مكتبة الرباط بنسخة منه تحت رقم (د 255) . قاله العلّامة الزركلي. [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 59- 60) و «النعت الأكمل» ص (133- 136) و «مختصر طبقات الحنابلة» للشطي ص (95- 96) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (384- 390) .

وكان ينظم بعدة لغات نظما جيدا منه: كفاني كفاف النّفس ما أنا قاصد ... إلى دولة فيها الأنام خصام فهل هي إلا نحو طيف لناعس ... وهل هي إلا ما يراه نيام فيا عجبا للمرء يعقد قلبه ... على شهوات ضرهنّ [1] لزام ولله صعلوك قنوع بحظّه ... وما معه عند اللئام لوام قناعته أغنته عن كلّ حاجة ... فذاك أمير والزمان غلام وتوفي في سابع عشري رمضان. وفيها القاضي أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الرّبعي التونسي الخروبي [2] لإقامته بإقليم الخروب بدمشق [3] ، نزيل دمشق المالكي الإمام العلّامة المفنّن. قال في «الكواكب» : ولد ليلة الاثنين غرّة شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة، ودخل دمشق قديما وهو شاب، فكان يتردّد إلى ضريح الشيخ محيي الدّين بن عربي، وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد. وكان فقيها أصوليا، يفتي الناس على مذهبه وفتاويه مقبولة، وله حرمة ووجاهة. وكان علّامة في النحو، والصّرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والمنطق، وأكثر العلوم العقلية والنقلية. وكان له الباع الطويل في الأدب ونقد الشعر، وشعره في غاية الحسن إلّا أنه كان متكيفا، يأكل البرش والأفيون، لا يكاد يصحو منه، وربما قرأ الناس عليه في

_ [1] في «آ» و «ط» : «صرمهن» وهو تحريف والتصحيح من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 21- 26) . [3] قلت: كان إقليم الخروب من أعمال دمشق قديما وهو الآن في الجنوب الشرقي من لبنان. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة الأستاذ محمد كرد علي ص (108) .

علوم شتّى وهو يسرد، فإذا فرغ القارئ من قراءته المقالة فتح عينيه وقرر العبارة أحسن تقرير. وكان على مذهب الشعراء من التظاهر بمحبّة الأشكال والصور الحسنة، حتى رمي واتّهم. وكان هجاء يتفق له النكات في هجائه وفي شعره، ولو على نفسه. وكان يقع في حقّ العلماء والأكابر وإذا وصله من أحدهم نوال مدحه وأثنى عليه، وكانوا يخافون من لسانه. وولي نيابة القضاء بالمحكمة الكبرى زمانا طويلا، مع الوظائف الدينية، وحمل عنه الناس العلم وانتفعوا به، وأنبل من تخرّج به في الشعر والعربية العلّامة [1] درويش ابن طالو مفتي الحنفية بدمشق. انتهى ملخصا ومن شعره مؤرخا عمارة الحمام الذي بناه مصطفى باشا تحت قلعة دمشق: لما كملت عمارة الحمّام ... وازداد به حسن دمشق الشّام قالت طربا وأرخت منشدة ... (حمّامك أصل راحة الأجسام) [2] ومنه مواليا موجها بأسماء الكواكب السبعة: كم صدغ عقرب على مريخ خدّك دب ... وقوس حاجبك دايم مشتريه الصّب وكم أسد شمس حسنك يا قمر قد حب ... والعاذل الثور في زهرة جمالك سب وتوفي قاضيا في غرّة شوال ودفن بمقبرة باب الفراديس، وكانت له جنازة مشهودة حمل بها مصطفى باشا الوزير وهو إذ ذاك متولي الشام، ورثاه بعض أدباء عصره مؤرّخا وفاته فقال: مذ عالم الدّنيا قضى نحبه ... منتقلا نحو جوار الإله قد أغلق [3] الفضل له بابه ... مؤرّخا [4] مات أبو الفتح آه

_ [1] لفظة «العلّامة» سقطت من «آ» . [2] مجموعها في حساب الجمّل (975) . [3] في «آ» و «ط» : «فأغلق» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [4] مجموعها في حساب الجمّل (975) .

سنة ست وسبعين وتسعمائة

سنة ست وسبعين وتسعمائة فيها توفي عبد العزيز الزّمزمي المكّي [1] الإمام العلّامة. قال في «النور» : ولد سنة تسعمائة، وكان من علماء مكّة وفضلائها وأكابرها ورؤسائها، وله النظم البديع الرائق، منه قوله في قصيدته المسماة ب «الفتح المبين في مدح سيد المرسلين» : فاز بالرّفع مقلق لك وشا ... كيف ترقى وأفحم الشّعراء وبخفض الجنان جوزي منشي ... ذكر الملتقى جزاء وفاء جئت من بعد ذا وذاك أخيرا ... فلهذا نظمي على الفتح جاء وكان له جاريتان إحداهما اسمها غزال، والأخرى دام السّرور، فاتفق أنه باعهما ثم ندم على ذلك، فقال: بجاريتيّ كنت قرير عين ... وأفق مسرّتي بهما منير فنفّر صرف أيّامي غزالي ... فلا دامت ولا دام السّرور وله غير ذلك مما لا يحصى. وكان من أجلاء عصره، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها مصلح الدّين، المشتهر بداود زاده الحنفي [2] الإمام العلّامة. قال في «العقد المنظوم» : قرأ على أفاضل عصره، منهم محيي الدّين قطب الدّين زاده الحنفي [3] ، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس، إلى أن قلّد قضاء المدينة المنورة.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (320- 324) وقد أرخ وفاته سنة (976) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (392) . [3] لفظة «الحنفي» لم ترد في «ط» و «العقد المنظوم» مصدر المؤلف وانفردت بها «آ» .

ويحكى أنه لما دخل الحرم أعتق مماليكه واجتهد في أداء مناسك الحجّ. وكان صاحب يد في العلوم، سهل القياد، صحيح الاعتقاد، سمحا، جوادا، إلا أن فيه خصلة ابن حزم الذي قيل فيه: لسان ابن حزم وسيف الحجّاج شقيقان [1] ، وعلّق حواشي في أثناء دروسه على بعض المواضع من «شرح المفتاح» للشريف الجرجاني. وتوفي بعد أن تمّم أعمال حجّه بمكّة المشرّفة، ودفن بالبقيع. انتهى وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن القاضي شهاب الدّين أحمد بن يوسف بن أبي بكر الزّبيدي [2] الصّفدي ثم الدمشقي الحنفي، الشهير بابن الحمراوي [3] . قال في «الكواكب» : قال والدي: حضر كثيرا من دروسي، وذكر أن مولده سنة تسع وتسعمائة، وتولى وظائف متعددة، كنظر النظّار، ونظر الجامع الأموي، والحرمين الشرفين. وكان الحرب بينه وبين السيد تاج الدّين وولده محمود [4] قائمة، وكان هو المؤيد عليهما. وكان من رؤساء دمشق وأعيانها المعدودين، جوادا، له في كل يوم أول النهار وآخره مائدة توضع بألوان الأطعمة المفتخرة، وكان ذا مهابة وحشمة ووجاهة، لا تردّ شفاعته في قليل ولا كثير، وكان ينفع الناس بجاهه ويكرم القادمين إلى دمشق من أعيان أهل البلاد، ويتردد إليه الفضلاء والأعيان. وكان باب الخضر [5] الذي يمر منه إلى الطواقية ضيقا فوسّعه من ماله. وللشعراء فيه مدائغ طنّانة. وتوفي نهار الاثنين رابع عشر ربيع الأول ودفن بباب الصغير.

_ [1] أي كان يقع في الناس كثيرا. [2] في «ط» : «الزبيري» وهو تحريف. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 43- 44) . [4] في «ط» : «وولده محمد» وهو خطأ. [5] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «باب الخضر» ولم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر.

سنة سبع وسبعين وتسعمائة

سنة سبع وسبعين وتسعمائة فيها كما قال في «النور» [1] : توفي السلطان بدر بن السلطان عبد الله بن السلطان جعفر الكثيري سلطان حضرموت. ولد سنة اثنتين وتسعمائة، وولي السلطنة وهو شاب، وطالت مدته، وحسنت سيرته، وكان جميل الأخلاق، جوادا، وافر العقل، جميل الصورة، كان كاسمه بدرا منيرا مقداما، هزبرا محظوظا جدا، بحيث لا يقصد بابا مغلقا إلّا انفتح، ولا يقدم [2] على أمر مهم [3] إلا اتضح. وتوفي في آخر شعبان بعد أن قبض عليه ولده السلطان عبد الله وحجر عليه حتى مات، وتولى بعده. وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن عبد السّلام بن أحمد البتروني ثم الطرابلسي ثم الحلبي الشافعي ثم الحنفي [4] الإمام العلّامة الصّوفي، واعظ حلب ووالد مفتيها الشيخ أبي الجود. قرأ على الشيخ علوان الحموي وغيره من علماء عصره، وجدّ واجتهد، فبلغ ما قصد، ونظم «تصريف الزّنجاني» في أرجوزة، وشرح «الجزرية» وكتب على «تائية ابن حبيب» تعليقة استمد فيها من شرح شيخه الشيخ علوان.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (327- 329) . [2] في «ط» : «ولا يتقدم» وهو خطأ. [3] في «النور السافر» الذي بين يدي: «على أمر مبهم» وهو خطأ. [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 163) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 768- 773) و «معجم المؤلفين» (5/ 180) .

وفيها محيي الدّين يحيى بن عبد القادر بن محمد النّعيمي الشافعي [1] الفقيه المحدّث الإمام العلّامة. ولد سنة اثنتين وتسعمائة، وأخذ عن والده وغيره، وعني بالحديث أتمّ عناية، وبرع في الفقه وغيره، وأخذ عنه الشيخ شمس الدّين الميداني وغيره، وكان من محاسن الدّنيا، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الوهاب الأبّار الدمشقي العاتكي الشافعي الخطيب التبريزي [2] الشيخ الإمام العالم الصّالح. كان من العلماء العاملين، والورثة الكاملين، والجلّة المتعبدين، رحمه الله تعالى. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشّربيني القاهري الشافعي [3] الخطيب الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : أخذ عن الشيخ أحمد البرلسي الملقّب عميرة، والنّور المحلّي، والنّور الطهواني، والشمس محمد بن عبد الرحمن بن خليل النشلي [4] الكردي، والبدر المشهدي، والشّهاب الرّملي، والشيخ ناصر الدّين الطّبلاوي، وغيرهم، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فدرّس وأفتى في حياة أشياخه، وانتفع به خلائق لا يحصون، وأجمع أهل مصر على صلاحه، ووصفوه بالعلم والعمل، والزهد والورع، وكثرة النّسك والعبادة. وشرح كتاب «المنهاج» و «التنبيه» شرحين عظيمين، جمع فيهما تحريرات أشياخه بعد القاضي زكريا، وأقبل الناس على قراءتهما وكتابتهما في حياته، وله على «الغاية» شرح مطول حافل.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 219) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 64) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 79- 80) و «معجم المؤلفين» (8/ 269) . [4] في «ط» : «النشكي» وهو خطأ.

وكان من عادته أن يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلّا بعد صلاة العيد. وكان إذا حجّ لا يركب إلّا بعد تعب شديد، وإذا خرج من بركة الحاج لم يزل يعلّم الناس المناسك وآداب السّفر ويحثّهم على الصّلاة، ويعلّمهم كيف القصر والجمع. وكان يكثر من تلاوة القرآن في الطريق وغيره، وإذا كان بمكّة أكثر من الطواف، ومع ذلك، فكان يصوم بمكّة والسفر أكثر أيامه، ويؤثر على نفسه، وكان يؤثر الخمول ولا يكترث بأشغال الدنيا. وبالجملة كان آية من آيات الله تعالى، وحجّة من حججه على خلقه. وتوفي بعد عصر يوم الخميس ثاني شعبان سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وهي سنة ميلادي. انتهى ملخصا وفيها شمس الدّين محمد بن مسلّم- بتشديد اللام المفتوحة- المغربي التونسي الحصيني- نسبة إلى حصين مصغّرا طائفة من عرب المغرب- المالكي ثم الحنفي [1] نزيل حلب. كان إماما، عالما، صالحا. توفي بحلب في هذه السنة. وفيها المولى مصلح الدّين المشتهر بمعلّم السلطان جهانكير [2] . قال في «ذيل الشقائق» : طلب العلوم، وشمّر عن ساق الاجتهاد، وأخذ عن جوي زادة، والمولى عبد الواسع، وصار ملازما منه، ثم [3] تنقلت به الأحوال إلى أن صار معلّم السلطان جهانكير بن سليمان خان، واستمر على تعليمه إلى أن توفي، فلم تطل مدة المترجم أيضا.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 128- 135) و «الكواكب السائرة» (3/ 74- 75) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (393- 394) . [3] لفظة «ثم» لم ترد في «آ» .

وكان عالما، عاملا، ورعا، ديّنا، سريع الفهم، قوي الذهن، حسن الأخلاق. وتوفي في المحرم. انتهى وفيها المولى مصلح الدّين الشهير ببستان الحنفي [1] . قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة تيرة [2] سنة أربع وتسعمائة، وطلب العلم، ورحل في الطلب، وأخذ عن علماء عصره، كالمولى محيي الدّين الفناري، والمولى شجاع، وابن كمال باشا، وتخرّج به وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس وقضاء القصبات، إلى أن قلّد قضاء برسة، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء عسكر أناضول، ثم بعد عشرة أيام قضاء روم إيلي لموت جوي زاده، فاستقرّ فيه خمس سنين، ثم عزل، وعيّن له مائة وخمسون درهما كل يوم. وكان من أكابر العلماء وفحول الفضلاء إذا باحث أقام للإعجاز برهانا وأصمت ألبابا وأذهانا، وكان المشاهير من كبار التفاسير مركوزة في صحيفة خاطره، وأما العلوم العقلية فإليه فيها المنتهى. وكتب «حاشية على تفسير البيضاوي لسورة الأنعام» ثم سلك مسلك الزّهد والصلاح. وكان يحفظ القرآن العظيم ويختمه في صلاته كل أسبوع. وتوفي في العشر الأخير من شهر رمضان، ودفن بقرب زاوية السيد البخاري خارج قسطنطينية.

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (395- 398) و «هدية العارفين» (2/ 435) و «معجم المؤلفين» (12/ 280- 281) واسمه: «مصطفى بن محمد علي الرّومي» . [2] في «آ» : «تيرة» في «ط» : «نيرة» والتصحيح من «العقد المنظوم» و «معجم المؤلفين» .

سنة ثمان وسبعين وتسعمائة

سنة ثمان وسبعين وتسعمائة فيها كان ميلاد صاحب «النّور السافر في أعيان القرن العاشر» في عشية يوم الخميس لعشرين خلت من شهر ربيع الأول كما قاله في «نوره» [1] . وفيها توفي المولى أحمد بن عبد الله، المعروف بفوري أفندي [2] مفتي الحنفية بدمشق الشام. قال في «الكواكب» : كان من العلماء البارعين والفضلاء المحقّقين، ولي تدريس السليمانية بدمشق والإفتاء بها، وعمل درسا عاما استدعى له العلماء، وكتب إلى شيخ الإسلام الوالد يستدعيه إليه وكان الشيخ مريضا مدة طويلة، فكتب يعتذر إليه: حضوري عند مولاي مناي [3] ... ولكنّ الضّرورة لا تساعد لضعف ليس يمكنني ركوب ... ولا مشي يقارب أو يباعد وأشهر علّتي لا شكّ عشر ... تعذّر أن أرى فيهنّ قاعد وأحسن حالتي ذا الحين مشي ... يكون به المعاون والمساعد ولولا ذاك مولانا قعدنا ... لسمع دروسك العليا مقاعد بقيت مدى الزّمان فريد عصر ... إلى أعلى المراتب أنت صاعد وكانت وفاة المفتي يوم الثلاثاء ختام شوال ودفن بتربة باب الصغير بالقلندرية، رحمه الله تعالى.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (334) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 117- 118) . [3] في «آ» و «ط» : «منائي» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.

وفيها رحمة الله بن قاضي عبد الله السّندي الحنفي [1] نزيل مكّة. قال في «الكواكب» : كان عالما [2] فاضلا، له رسالة سمّاها «غاية التحقيق ونهاية التدقيق» في مسائل ابتلي بها أهل الحرمين الشريفين. انتهى وفيها الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله، المعروف بالزّغبي [3] الشيخ الصّالح المجذوب. قال في «الكواكب» : كان سمينا طويل اللحية، له شيبة بيضاء، وكان له ذوق ونكت ولطائف على لسان القوم وإشارات الصوفية. وكان قد صحب في طريق الله جماعة، منهم الشيخ عمر العقيبي. وحدثني بعض إخواننا الصّالحين قال: كنت مرة مع الزّغبي بقرية برزة بالمقام، فسألته بماذا أعطي ما أعطي، قال: فقال لي: ما لك بهذا السؤال، فقلت: لا بد أن تخبرني، فقال: يا ولدي ما نلت هذه الرّتبة حتّى سحت في البرّية أربع عشرة سنة. وحكى لي أنه في بدء أمره وحال تجرّده وقف على جبل الرّبوة المعروف بالمنشار، فوثب منه إلى جبل المزّة وأنا أنظر. وكان الزّغبي يحبّ أن يشرب الماء عن الرّماد ويصفه لكل من شكا إليه مرضا أي مرض كان، وكان يقول هو الصفوة. وكان منزله بمحلّة القيمرية، ومرّ يوما على دكان جزار بمحلّة القيمرية فوجد الشيخ شهاب الدّين الطّيبي واقفا على الجّزار، فقال الزّغبي للجزّار: يا معلّم توصّ من هذا الشيخ، فإنه يتصرّف في الألوف [4] من الناس ويطاوعونه ولا يتجرأ أحد على مخالفته، إن طأطأ رأسه طأطؤوا معه، وإن رفع رأسه رفعوا معه.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 152) . [2] في «ط» : «عاملا» وهو خطأ. [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 32- 37) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 184) . [4] في «آ» و «ط» : «من الألوف» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.

قال: وسأله بعض الناس عن أسفار زوجته فقال: وَالْقَواعِدُ من النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً 24: 60 الآية [النّور: 60] . وكانت وفاة زوجته قبله في سنة سبع وسبعين بقرية حرستا، ودفنت هناك، ولما توفيت قال: تقدمتنا الحجّة واتسعنا لحزنها ولو تقدمناها ما وسعت حزننا. ومرّ قبل موته بنحو سنة بالمكان الذي هو مدفون فيه الآن، فقال لا إله إلّا الله إن لنا هنا حبسة [1] طويلة، فلما توفي دفن هناك قريبا من الشيخ أبي بكر بن قوام، وقبره مشهور يزار، وعليه قبّة حسنة، وقيل: إن يوم موته وافق فتح قبرس [2] . انتهى باختصار.

_ [1] كذا في «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «حبسة» وفي «آ» : «حبسة» . [2] المعروفة الآن ب «قبرص» .

سنة تسع وسبعين وتسعمائة

سنة تسع وسبعين وتسعمائة فيها توفي الفقيه بأفضل حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي الحضرمي [1] . قال في «النور» : كان من أكمل المشايخ العارفين الجامعين بين علوم الشريعة وسلوك الطريقة وشهود الحقيقة، صاحب أحوال سنيّة، ومقامات عليّة، وفراسات صادقة، وكرامات خارقة، وله في التصوف رسالة سمّاها «الفصول الفتحية والنفثات الروحية فيما يوجب الجمعية» و «عدم البراح من جانب [2] الحق والفناء والبقاء به بالكّلية والجزئية» . وتوفي بتريم رحمه الله ورضي عنه. وفيها الشيخ رمضان [3] ، المعروف ببهشتي [4] كان من قصبة ديزه، فخرج منها لطلب العلم، واتصل بمجالس الأعلام، فقرأ على المولى محمد الشهير بمرحبا ثم اتصل بخدمة المولى سعد الله، ثم حبّبت إليه العزلة والقناعة، ورغب عن قبول المناصب، واختار خطابة جامع أحمد باشا في قصبة جورلي، وأكبّ على الاشتغال والأشغال، وانتفع به الطلبة وهرعوا إليه، وكتب في أثناء دروسه حاشية لطيفة على «حواشي الخيالي» وعلى «شرح المسعود الرومي في آداب البحث» وحواشي على بعض المواضع من «شرح المفتاح» للشريف.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (344- 348) . [2] لفظة «جانب» سقطت من «ط» . [3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (408- 410) . [4] في «آ» : «المعروف ببهشي» .

وكان عالما، فاضلا، مدقّقا لطيف الطبع، حسن الصّحبة، حلو المحاورة، ينظم الشعر التركي أبلغ نظام، فاتسم فيه ببهشتي على عادتهم. وتوفي في القصبة المزبورة. وفيها المولى خواجه عطاء الله [1] معلّم السلطان سليم خان بن السلطان سليمان خان. قال في «ذيل الشقائق» : نشأ بقصبة بركي من ولاية آيدين صارفا لرائج عمره في إحراز العلوم والمعارف، بحيث لا يلويه عن تحصيلها عائق ولا صارف، وقرأ على ابن كمال باشا، والمولى أبي السعود المفتي، وسعد الله محشّي «تفسير البيضاوي» وهو قاض بقسطنطينية، ثم صار ملازما بطريق الإعادة من إسرافيل زاده، ثم تنقّل في المدارس، ثم عيّن لتعليم السلطان سليم خان وهو يومئذ أمير بلواء مغنيسا، ولما وصلت السلطنة إلى مخدومه علت كلمته، وارتفعت مرتبته [2] ، واستقام أمره، واشتعل جمره، فبالغ في إكرامه، وأفرط في إعظامه، وكان يدعوه إلى داره العامرة فيجتمع به، ثم قدّم صغار طلبته على المشايخ الكبار وقلّدهم المناصب الجليلة في الأزمنة القليلة، فضجّ الناس عليه بالدعاء. وكان عالما، فاضلا، ورعا، ديّنا، قوي الطبع، صحيح الفكر، إلّا أن فيه التعصب الزائد، وكتب رسالة تشتمل على خمسة فنون، الحديث، والفقه، والمعاني، والكلام، والحكمة. وتوفي في أوائل صفر بقسطنطينية وصلّى عليه المولى أبو السعود المفتي. وفيها المولى علي [3] . قال في «الكواكب» : «ابن إسرافيل» . وقال في «العقد المنظوم» : «ابن محمد» الشهير بقنالي زاده.

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (406- 408) و «معجم المؤلفين» (6/ 283) . [2] في «ط» : «رتبته» وما جاء في «آ» موافق لما في «العقد المنظوم» مصدر المؤلف. [3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (411- 417) وفيه: «المشتهر بحنّاوي زاده» . و «الكواكب السائرة» (3/ 187- 190) و «معجم المؤلفين» (7/ 193- 194) .

ولد سنة ثمان عشرة وتسعمائة في قصبة أسيارية من لواء حميد، وكان أبوه من قضاة بعض القصبات، ثم اشتغل المترجم بالعلوم، فقرأ على المولى محيي الدّين المشتهر بالمعلول، والمولى سنان الدّين محشّي «تفسير البيضاوي» والمولى محيي الدّين المشتهر بمرحبا ثم صار معيدا لدرس المولى صالح الأسود، وعلى جوي زادة ولازمه وصار ملازما من المولى محيي الدّين الفناري، ثم عمل رسالة حقّق فيها بحث نفس الأمر وعرضها على أبي السعود أفندي، وهو يومئذ قاضي روم إيلي، فقلّده المدرسة الحسامية بأدرنة بعشرين، ثم تنقّل في المدارس إلى أن قلّد قضاء دمشق، ثم القاهرة، ثم بروسه، ثم أدرنة، ثم قسطنطينية، ثم قضاء عسكر أناضولي. وكان- رحمه الله تعالى- إماما، عالما، بليغا، واسع المعرفة، كثير الافتنان، جاريا في مجاري المعارف بغير عنان اخترع الكثير من المعاني وولّد وقلّد جيد الزمان من منثوره ومنظومه ما قلّد فمن نظمه: أرى من صدغك المعوجّ دالا ... ولكن نقطة من مسك خالك فصارت [1] داله بالنقط ذالا ... فها أنا هالك من أجل ذلك ومنه: لهيب [نار] [2] الهوى من أين جاء إلى ... أحشاك حتى رأينا القلب وهّاجا وما دروا أنّه من سحر مقلته ... ألفى سبيلا إلى قلبي ومنهاجا ومنه: أنفق فإن الله كافل عبده ... فالرّزق في اليوم الجديد جديد المال يكثر كلّما أنفقته ... كالبئر ينزح ماؤها [3] فيزيد ومن نثره قوله في رسالة قلمية: مدّ باعه في العلوم، وقده قيد شبر [4] ، حبر

_ [1] في «الكواكب السائرة» : «فأصبح» . [2] لفظة «نار» مستدركة من «العقد المنظوم» مصدر المؤلف. [3] في «العقد المنظوم» : «ماؤه» . [4] في «العقد المنظوم» : «ومده فيه شبر» .

باهر [1] ، إذا رأيت آثاره تقول: [ما] أحسن بهذا الحبر [2] ، قادر على تحرير العلوم وتحبيره، يتكلم ويدر على الكافور عبيرا، فيا حسن تعبيره إذا شكّل رفع الإشكال، وإذا قيّد أطلق العقول من العقال، طورا يجلس على الدست مثل الكرام الصيد وطورا يبيت على [كهف] المحبرة [3] ، باسطا ذراعيه بالوصيد، [كأنه] يتنزه في مراتع الطّرب، ويتبختر في غلايل القصب [4] إذا شطّ داره نشط [5] عنه مزاره، فهو يبكي كالغمام وينوح كالحمام [6] يذكّر [7] لداته وأترابه، ويحنّ إلى أول أرض مسّ جلده ترابه [8] على منبر [9] الأنامل، خطيب مصقع ألف، تراه تارة في الدولة وطورا على الإصبع، يقوم في خدمة الناس، وإذا قلت له أجر يقول على الرأس يتعيش بكسب يمينه ويقتات من عرق جبينه، لفظوا باسمه فصيحا وهو محرّف، أرادوا أن يصحّفوه فلم يصحّف، ميزاب عين الحكمة عنه، نابعة مقياس بمصر العلم، يعتبرون أصابعه أخرس ولكن لسانه قارئ يتكلم بعد ما قطع رأسه، وهو حكمة الباري، مدّاح لكنه لا يفارقه الهجا ستر [10] طرة صبح تحت أذيال الدّجى. وله رسالة سيفية طنّانة وأشعار فارسية وغيرها. وكان أعجوبة من الأعاجيب. وتوفي- رحمه الله- شهيدا في سابع عشر رمضان بمدينة أدرنة، وذلك أنه سافر مع السلطان إلى أدرنة، وكان مبتلى بعرق النساء، فاشتد ألمه بالحركة وشدة

_ [1] في «العقد المنظوم» : «حبر ماهر» . [2] في «ط» : «الخبر» . [3] في «ط» : «المجرة» . [4] في «العقد المنظوم» : «ويستمر في بلال القصب» . [5] في «العقد المنظوم» : «شط عنه» . [6] في «العقد المنظوم» : «فهو يبكي كالغمامة وينوح كالحمامة» . [7] في «آ» و «ط» : «ويذكر» وهو تصحيف والتصحيح من «العقد المنظوم» . [8] في «ط» : «مسّ جلد ترابه» . [9] لفظة «منبر» لم ترد في «العقد المنظوم» الذي بين يدي. [10] في «العقد المنظوم» : «يستر» .

البرد، فعالجه بعض المتطببة ودهنه بدهن فيه بعض السموم، ثم أعقبه بالطّلاء بدهن النّفط، فوصل السم إلى باطنه فكان سبب موته. [1] وفي حدودها [2] الإمام العلّامة تقي الدّين [محمد بن] أحمد بن شهاب الدّين الفتّوجي [3] صاحب «المنتهى» [4] . قال الشعراوي في «ذيله على طبقاته» : ومنهم سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلّامة الشيخ تقي الدّين، ولد شيخنا شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدّين الشهير بابن النّجار، صحبته أربعين سنة فما رأيت عليه ما يشينه في دينه بل نشأ في عفّة، وصيانة، ودين، وعلم، وأدب، وديانة. أخذ العلم عن والده شيخ الإسلام المذكور وعن جماعة من أرباب المذاهب المخالفة، وتبحّر في العلوم، حتّى انتهت إليه الرئاسة في مذهبه، وأجمع الناس أنه إذا انتقل إلى رحمة الله تعالى مات بذلك فقه الإمام أحمد من مصر، وسمعت القول مرارا من شيخنا الشيخ شهاب الدّين الرّملي وما سمعته قطّ يستغيب أحدا من أقرانه ولا غيرهم، ولا حسد أحدا على شيء من أمور الدنيا، ولا تزاحم عليها، وولي القضاء بسؤال جميع أهل مصر، فأشار عليه بعض العلماء، بالولاية، وقال: يتعين عليك كذلك، فأجاب مصلحة للمسلمين. وما رأيت أحدا أحلى منطقا منه، ولا أكثر أدبا مع جليسه، حتى يود أنه لا يفارقه ليلا ولا نهارا. وبالجملة فأوصافه الجميلة تجلّ عن تصنيفي، فأسأل الله أن يزيده من فضله علما وعملا وورعا إلى أن يلقاه، وهو عنه راض، آمين اللهم آمين، انتهى [1] .

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» . [2] قلت: هكذا دوّن المؤلف رحمه الله هذه الترجمة متشككا في سنة وفاة صاحبها، وفي معظم المصادر أنه مات سنة (972) هـ. [3] ترجمته في «النعت الأكل» ص (141- 142) و «السحب الوابلة» ص (347- 350) و «مختصر طبقات الحنابلة» للشطي ص (91- 92) و «الأعلام» (6/ 6) و «معجم المؤلفين» (8/ 276) وما بين الحاصرتين مستدرك منها جميعا. [4] واسمه الكامل: «منتهى الإرادات» وهو في فقه الحنابلة. انظر «كشف الظنون» (2/ 1853) .

وفيها يعقوب أفندي الكرماني الحنفي [1] الإمام العالم الزّاهد الناسك. ولد ببلدة شيخلو، وكان أبوه من الأجناد العثمانية، ورغب هو في العلم وأهله، فجد واجتهد، وأخذ عن علماء عصره، ثم رأى صورة المحشر في المنام وشاهد فيه شدائد الساعة وأهوال القيامة [2] ، فلما استيقظ سلك طريق الصوفية، واختار [3] سلوك منهج الخلوتية، فأخذ ذلك عن مصلح الدّين المشتهر بمركز أنف، وصار خليفة من خلفائه إلى أن فوض إليه مشيخة زاوية مصطفى باشا بقسطنطينية فسلك بها أحسن الطرق، مع العلم، والدّين، والوعظ، والتذكير، والتفسير، وانتفع به الناس إلى أن توفي في ذي القعدة.

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (417- 418) . [2] في «ط» : «القيام» . [3] في «ط» : «فاختار» .

سنة ثمانين وتسعمائة

سنة ثمانين وتسعمائة فيها كما قال في «النور» [1] أخذ السلطان أكبر بن همايون كجرات، وهو من ذرّية تيمورلنك بينه وبينه أربعة آباء، وكان عظيم الشأن، ورزق السّعد، وطالت أيامه، واتسع ملكه جدا، وكان عادلا إلا أنه كان [2] يميل إلى الكفرة، ويستصوب أقوالهم، ويستحسن أفعالهم. وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وألف، وكانت مدة سلطنته خمسين سنة، وتولى بعده ولده سليم شاه. انتهى وفيها توفي الشيخ بالي الخلوتي، المعروف بسكران [3] . قال في «العقد المنظوم» : نشأ في طلب العلم وتحصيل الفضائل، حتى صار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ودرّس في عدة مدارس، ثم رأى مناما كان سببا لتركه ذلك وإقباله على طريق التصوف. وتلقّن الذّكر، وسلك الطريق، وفوضت إليه زاوية داخل قسطنطينية، فاشتغل بالإرشاد والإفادة وتربية المريدين. وكان عالما، فاضلا، عابدا، صالحا معرضا عن أبناء الدّنيا غير مكترث بالأغنياء لم يدخل قط إلى باب أمير ولا صاحب منصب، غاية في [الحبّ و] الميل إلى الخيل، الجياد ويرسل بعضها إلى الغزو، صاحب جذبة عظيمة.

_ [1] انظر «النور السافر» ص (349- 350) . [2] لفظة «كان» سقطت من «آ» . [3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (426- 427) .

وله في تعبير الرؤيا ما يدهش. وتوفي في ذي القعدة ودفن بقسطنطينية. وفيها زينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزّي الشافعية [1] . قال في «الكواكب» : كانت من أفاضل النساء، من أهل العلم والدّين والصّلاح. مولدها في القعدة سنة عشر وتسعمائة، وقرأت على والدها وعلى أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيرا، وكتبت له كتبا بخطّها، ومدحته بقصيدة تقول فيها: إنما العالم الذي ... جمع العلم واكتمل قام فيه بحقّه ... يتبع العلم بالعمل سهر اللّيل كلّه ... بنشاط بلا كسل فهو في الله دأبه ... أبد الدّهر لم يزل حاز علما بخشية ... وبدنياه ما اشتغل حاسديه تعجّبوا ... ليس ذا الفضل بالحيل ذاك مولاه خصّه ... بكمال من الأزل من يرم مشبها له ... في الورى عقله اختبل أو بلوغا لفضله ... فله قطّ ما وصل فهو شيخي وسيّدي ... وبه النّفع قد حصل وشعرها في المواعظ وغيرها في غاية الرّقة والمتانة، اتصلت بمنلا كمال، وبعده بالقاضي شهاب الدّين البصروي. انتهى وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الغزّي الأزهري الشافعي [2] الإمام العلّامة المعمّر.

_ [1] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (3/ 154- 155) و «الأعلام» (3/ 67) و «أعلام النساء» (2/ 112- 113) . [2] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر والمراجع.

أخذ عن القاضي زكريا وغيره. وكان إماما، محدّثا، مسندا، جليل القدر، وافر العلم، رحمه الله تعالى. وفيها المولى مصلح الدّين، المشتهر بمعلّم زاده الحنفي [1] ، ينتهي نسبه إلى السلطان إبراهيم بن أدهم [2] رضي الله عنه [2] . قرأ على سعد الله بن عيسى بن أمير خان، وتنقّل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب، ثم قضاء برسه، ثم قضاء العسكر الأناضولي، ثم الرّوم إيلي، ودام فيه خمس سنين. وكان بينه وبين عطاء الله معلّم السلطان مصاهرة واتصال، فلذا حصلت له الحظوة وعظم الشوكة، ولما مات عطاء الله اغتنم أعداؤه الفرصة، وسعوا به حتّى عزل. وكان عالما، فاضلا، محقّقا، كاملا، مجيدا للكتابات على الفتاوى، لين الجانب مجبولا على الكرم وحسن المعاشرة، غير أن فيه طمعا زائدا وحرصا وافرا. وتوفي في ربيع الأول وقد أناف على سبعين سنة، ومات وهو متوض وصلّى ركعتين، وأخذ سبحته بيده واضطجع، فخرجت روحه، ودفن بفناء مسجده الذي بناه في مدينة برسه.

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (425- 426) . [2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .

سنة إحدى وثمانين وتسعمائة

سنة إحدى وثمانين وتسعمائة وفيها- وقيل سنة تسع وسبعين وهو الصحيح- توفي الشيخ شهاب الدّين أحمد الطيّبي الشافعي [1] الإمام العلّامة. أخذ عن الكمال بن حمزة وغيره من علماء عصره، وأجازوه، وعني بالحديث والقراآت، فصار ممن يشار إليه فيهما بالبنان. وكان إماما بجامع بني أمية، علّامة، محدثا، فاضلا، عديم النظير. ومن شعره عاقدا لما أخرجه أبو المظفّر ابن السّمعاني عن الجنيد رحمه الله إنما تطلب الدّنيا لثلاثة أشياء: الغنى، والعزّ، والرّاحة، فمن زهد فيها عزّ، ومن قلّ سعيه فيها استراح، ومن قنع فيها استغنى: لثلاث يطلب الدّنيا الفتى ... للغني والعزّ أو أن يستريح عزّه في الزّهد والقنع غنى ... وقليل السّعي فيها مستريح وبالجملة فكان أحد مشايخ دمشق وعلمائها وصدورها، رحمه الله تعالى. وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد الفارضي القاهري الحنبلي [2] الشاعر المشهور الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : أخذ عن جماعة من علماء مصر، واجتمع بشيخ

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 114- 116) و «الأعلام» (1/ 91- 92) و «معجم المؤلفين» (1/ 146- 147) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 83- 85) و «النعت الأكل» ص (142- 148) و «مختصر طبقات الحنابلة» (97- 99) و «الأعلام» (6/ 325) و «معجم المؤلفين» (11/ 114) .

الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين، وكان بدينا سمينا، فقال الوالد يداعبه: الفارضيّ الحنبليّ الرّضي ... في النحو والشعر عديم المثيل قيل ومع ذا فهو ذو خفّة ... فقلت كلا بل رزين ثقيل واستشهد الشيخ شمس الدّين العلقمي [1] بكلامه في «شرح الجامع الصغير» فمن ذلك قوله في معنى ما رواه الدّينوري في «المجالسة» والسّلفي في بعض تخاريجه، عن سفيان الثوري قال: «أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام: لأن تدخل يدك إلى المنكبين في فم التّنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر» : إدخالك اليد في التّنّين تدخلها ... لمرفق منك مستعد فيقضمها خير من المرء يرجى في الغنى وله ... خصاصة سبقت قد كان يسنمها ومن بدائع شعره: إذا ما رأيت الله للكلّ فاعلا ... رأيت جميع الكائنات ملاحا وإن لا ترى إلا مضاهي صنعه ... حجبت فصيّرت المساء صباحا ومن محاسنه أيضا أنه صلّى شخص إلى جانبه ذات يوم فخفّف جدا، فنهاه فقال: أنا حنفيّ، فقال الفارضي: معاشر النّاس جمعا حسبما رسمت ... أهل الهدى والحجا من كل من نبها ما حرّم العلم النّعمان في سند ... يوما طمأنينة أصلا ولا كرها وكونها عنده ليست بواجبة ... لا يوجب التّرك فيما قرّر الفقها فيا مصرّا على تفويتها أبدا ... عد وانتبه رحم الله الذي انتبها انتهى ملخصا. وأخذ عن الفارضي كثير من الأجلاء، منهم العلّامة شمس الدّين محمد

_ [1] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (963) من هذا المجلد ص (490) .

المقدسي العلمي، مدرّس القصّاعية بدمشق، وأنشد له، وذكر أن القاضي البيضاوي خطّأ من أدغم الراء في اللام ونسبه إلى أبي عمرو: أنكر بعض الورى على من ... تدغم في اللام عنه راء ولا نخطّي أبا شعيب ... والله يغفر لمن يشاء وله: ألا خذ حكمة مني ... وخلّ القيل والقالا فساد الدّين والدّنيا ... قبول الحاكم المالا وقال يرثي الشيخ مغوش التونسي لما مات بمصر: تقضّى التونسيّ فقلت بيتا ... يروّح كل ذي شجن ويؤنس أتوحشنا وتؤنس بطن لحد ... ولكن مثل ما أوحشت تونس وفيها- تقريبا أيضا- قال في «الكواكب» ما لفظه: محمد بن عبد الله بن علي الشيخ العلّامة الشّنشوري المصري الشافعي [1] . مولده- تقريبا- سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وأخذ عن الجلال السيوطي، والقاضي زكريا، [2] والدّيمي، والقلقشندي [2] ، والسّعد الذهبيّ، والكمال الطّويل، والنور المحلّي، وله مؤلفات في الفرائض وغيرها، وأجاز ابن كسباي في ربيع الثاني سنة ثمانين وتسعمائة. انتهى بحروفه وقال ولده الشيخ عبد الله [3] شارح «الترتيب» [4] في إجازة ذكر فيها مشايخه:

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 37- 38) و «معجم المؤلفين» (10/ 226- 227) والشنشوري: نسبة إلى قرية شنشور من قرى المنوفية. انظر «التحفة السّنية» ص (107) وانظر ما علّقه العلامة الزركلي في ضبطها في «الأعلام» (4/ 129) في ترجمة ولده. [2] ما بين الرقمين سقط من «الكواكب السائرة» الذي بين يدي. [3] هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي العجمي الشنشوري، الفرضي، من فقهاء الشافعية في عصره. كان خطيب الجامع الأزهر بمصر. له مؤلفات مختلفة. مات سنة (999) هـ. عن «معجم المطبوعات العربية» (2/ 1147) و «الأعلام» للزركلي (4/ 128- 129) و «معجم المؤلفين» لكحالة (6/ 128) . [4] واسم كتابه: «فتح القريب المجيب بشرح الترتيب» وهو مطبوع بمجلدين بمطبعة محمد مصطفى

ومن مشايخي الشيخ العلّامة والدي الشيخ بهاء الدّين محمد بن الشيخ الصّالح عبد الله بن الشيخ المسلّك نور الدّين علي الشّنشوري الشافعي. وتوفي والدي سابع عشر الحجّة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وله من العمر تسع وتسعون سنة. انتهى ومن خطّه نقلت. وفيها المولى علي بن عبد العزيز، المشتهر بأم ولد زاده [1] . قال في «العقد المنظوم» : صار ملازما من المولى محيي الدّين الفناري، وتنقّل في المدارس، وقاسى فقرأ شديدا أيام طلبه، إلى أن ولي قضاء حلب فلم يكمل سنة حتى توفي. وكان عالما، أديبا، وفاضلا لبيبا، مبرّزا على أقرانه، حائزا قصبات السبق في ميادين العلوم، وله رسائل أنيقة وألفاظ رشيقة. ومن شعره القصيدة الميمية الطنّانة التي أولها: أبا لصّدّ تحلو عشرة وتدام ... وفي القلب من نار الغرام ضرام شربت بذكر العامريّة قهوة ... فسكري إلى يوم القيام مدام وهي طويلة انتهى ملخصا.

_ بمصر سنة 1301 هـ. انظر «معجم المطبوعات» لسركيس (2/ 1147) . [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (430- 436) و «درّ الحبب» (1/ 2/ 1001- 1003) .

سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة

سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة فيها عمر درويش باشا الوزير جامعا بدمشق المحروسة [1] فجعل له ماميّة [2] تاريخا فقال: في دولة السّلطان بالعدل مراد ... من قام بالفرض وأحيا السّنّه درويش باشا قد أقام معبدا ... وكم له أجر به ومنه بناه خير جامع تاريخه ... (لله فاسجد واقترب بجنّه) [3] وفيها توفي السلطان الأعظم سليم بن سليمان [4] . قال في «الأعلام» مولده الشريف سنة تسع وعشرين وتسعمائة، وجلوسه على تخت ملكه الشريف بالقسطنطينية العظمى في يوم الاثنين لتسع مضين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وتسعمائة، ومدة سلطنته الشريفة تسع سنين، وسنّه حين تسلطن ست وأربعون سنة، وعمره كلّه ثلاث وخمسون سنة. وكان سلطانا، كريما، رؤوفا بالرّعية، رحيما، عفوّا عن الجرائم، حليما، محبّا للعلماء والصلحاء، محسنا إلى المشايخ والفقراء، طالما طافت بكفّيه الآمال واعتمرت، وصدع بأوامره الليالي والأيام فائتمرت. كم أظهرت لسواد الكفرة يد

_ [1] انظر «النور السافر» ص (355) . [2] هو محمد بن أحمد بن عبد الله، المعروف بمامية الرومي. سترد ترجمته في وفيات سنة (987) من هذا المجلد ص (606) . [3] مجموعها في حساب الجمّل (982) . [4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (454- 456) و «النور السافر» ص (354- 355) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (253- 258) و «أخبار الدول وآثار الأول» للقرماني (3/ 66- 73) .

صارمه البيضاء آية للناظرين، وكم جهّز جيوشا للجهاد في سبيل الله فقطع دابر القوم الكافرين، فمن أكبر غزواته فتح جزيرة قبرس بسيف الجهاد، ومنها فتح تونس المغرب، وحلق الواد [1] ، ومنها فتح ممالك اليمن واسترجاعها من العصاة البغاة أهل الإلحاد. ومن خيراته تضعيف صدقة الحبّ على أهل الحرمين والأمر ببناء المسجد الحرام. وتوفي لسبع مضين من شهر رمضان، ودفن بقرب أيا صوفيا، وتولى بعده ولده السلطان مراد، ولماميّة الرّوم في تاريخ جلوسه: بالبخت فوق التّخت أصبح جالسا ... ملك به رحم الإله عباده وبه سرير الملك سرّ فأرّخوا ... حاز الزّمان من السّرور مراده وفيها إلياس القرماني الطّبيب الحنفي [2] . قال في «العقد المنظوم» : ولد بولاية قرمان [3] ، ثم خرج من بلاده لطلب العلم بعد ما بلغ الحنث، وتنقّل في البلدان، حتّى وصل إلى خدمة الحكيم إسحاق، وحصل عنده بعض العلوم، سيما الطب، وفتح حانوتا في بعض الأسواق، وتكسّب بالطب وبيع المعاجين والأشربة، ثم فرغ عن الحانوت، وشمّر عن ساق الاجتهاد، وبعد ما ظهر فيه الشّيب وتقيد بأخي زاده، وحصّل عليه كثيرا من العلوم، هذا مع العائلة [4] والاحتياج، إلى أن برع وفاق أقرانه، وكان من

_ [1] ويقال لها أيضا (حلق الوادي) وهي بلدة سياحية ومركز تجاري على ساحل البحر الأبيض المتوسط من أعمال ولاية تونس عاصمة الجمهورية التونسية. انظر «المنجد في الأعلام» ص (257) و «أطلس العالم» للأستاذ شارل جورج بدران الخريطة (28) المربع (هـ) و «أطلس العالم» طبع مكتبة لبنان ص (61) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (456- 457) . [3] قرمان: مدينة في وسط تركية الأسيوية اسمها القديم لا رندة. اتخذها سلالة قرمان أغلو عاصمة لها في القرآن الثامن الهجري. انظر «المنجد في الأعلام» ص (548) . [4] أي مع الفقر.

العلماء العاملين، مع كمال الورع والتصلّب في الدّين، آية في الزّهد والتّقوى، متبحّرا في الفنون الشرعية والنقلية، مشاركا في العلوم العقلية. وكان يفسّر القرآن العظيم وينتفع به الناس، إلى أن توفي شهيدا في ذي القعدة، وذلك أنه طبّب فرهاد باشا الوزير [1] من سلس البول، فمات في أيام قلائل بالزّحير [2] فاتّهم بقتله، فترصّد له جماعته ساعة، حتّى خرج من داره، فضربوه بالسكاكين حتّى قتلوه، فغضب السلطان لذلك، وصلب بعضهم، ونفى الباقين. وفيها الشيخ عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي المكّي الشافعي [3] . قال في «النور» : ولد في ربيع الأول عام عشرين وتسعمائة. وكان إماما، عالما، وله تصانيف كثيرة، لا تحصى، منها شرحان على «البداية» للغزالي، ورأيت منها جملة عديدة في فنون شتّى، ولعمري أنه كان يشبه الجلال السيوطي في كثرتها، بحيث إنه يكتب على كل مسألة رسالة، مع أن عبارته ما هي بذاك رحمه الله. وتوفي بمكّة. انتهى وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الوهاب النّاشري اليمني الشافعي [4] . قال في «النور» : ولد بمدينة زبيد. وكان إماما، علّامة. وكان سئل عما يعتاده أهل زبيد من العيد الذي في أول خميس من رجب هل له أصل وهل هو سنّة أم لا، فأجاب بهذه الأبيات [5] : وسائل سال عن قوم وعادتهم ... عيد الخميس الذي في مبتدا رجب

_ [1] أخبار الوزير فرهاد باشا في «أخبار الدول وآثار الأول» (3/ 75 و 76 و 103) . [2] الزحير: استطلاق البطن بشدة وتقطيع في البطن يمشّي دما. «القاموس المحيط» (زحر) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (353- 354) و «الأعلام» (4/ 36) و «معجم المؤلفين» (5/ 283) . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (352- 353) . [5] الأبيات في «النور السافر» ص (352- 353) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.

[أسنّة هو أو لا؟ أوضحوه لنا ... وما لتمييز هذا اليوم من سبب؟ فقلت ذا مبدأ الإسلام في يمن ... عيد الخميس الذي في مبتدا رجب] أتى معاذ بأمر الله فيه لنا ... بالاتّباع إلى منهاج خير نبي فصار ذلك عيدا عندنا فلذا ... نخصّه لمزيد الحبّ بالقرب ولا نقول بتخصيص الصّيام له ... ولا صلاة ولا شيء من القرب نعم لنا فيه تخصيص المحبّة إذ ... كان النّجاة لنا فيه من العطب فصار إقباله فيه القبول على ... قوابل القابلين الكل عن أرب ثم الصّلاة مع التّسليم لا برحا ... على محمد خير العجم والعرب والآل والصّحب ثم التّابعين لهم ... ما انهلّ مزن على الأشجار والكثب وفيها القاضي عيسى الهندي [1] العلّامة المفنّن. قال في «النور» : كان من أعيان العلماء المشهورين، وواحد المشايخ المدرّسين، وله تصانيف نافعة، رحمه الله تعالى. وتوفي بأحمدآباد. انتهى. وفيها ناصر الدّين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عيسى بن شرف، المعروف بابن أبي الجود، وبابن أبي الحيل قديما، وبابن الكشك الشلّاح أبوه [2] . قال في «الكواكب» : قال الوالد قرأ عليّ من «الترمذي» إلى كتاب الصلاة، والبردة، والمنفرجة، وسمع قصيدتي القافية والخائية، مرثيتي شيخ الإسلام. [وقصيدتي التائية المثلثة، في مجدّدي دين الأمة، وبعض كتابي الدرّ النضيد،] وغير ذلك وأجزته، مولده سنة تسع عشرة وتسعمائة. انتهى. وأخبرنا الشيخ أبو اليسر القوّاس أنه كان له ذكاء مفرط، وعرض له أكل الأفيون، وهو لبن الخشخاش، وغلب عليه فكتبت إليه العمّة خالة أبي اليسر المذكور السيدة زينب بنت الشيخ رضي الدّين تنصحه:

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (354) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 53- 54) وما بين الحاضرتين مستدرك منه.

يا ناصر الدّين يا بن الكشك يا ذا الجود ... اسمع أقول لك نصيحة تطرب الجلمود بسك تعاني اللبن فهمك هو المفقود ... يصير بالك وما لك والذّكا مفقود وكان المذكور رئيس الكتبة بمحكمة القسمة ومامية ترجمانها، وكان يصير بينهما لطائف ووقائع. وتوفي يوم السبت رابع عشر الحجّة ودفن بباب الفراديس. انتهى ملخصا. وفيها المولى أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي [1] الإمام العلّامة. قال في «العقد المنظوم» : ولد سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بقرية قريبة من قسطنطينية، وقرأ على والده كثيرا من جملة ما قرأه عليه «حاشية التجريد» للشريف الجرجاني بتمامها، و «شرح المفتاح» للشريف أيضا قرأه عليه مرتين، و «شرح المواقف» له أيضا، وصار ملازما من المولى سعدي جلبي، وتنقّل في المدارس، ثم قلّد قضاء برسه، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء العسكر في ولاية روم إيلي، ودام عليه مدة ثمان سنين، ثم لما توفي المولى سعد الله بن عيسى بن أمير خان تولى مكانه الفتيا، فقام بأعبائها أتمّ قيام، وذلك سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، واستمر على ذلك إلى أن مات، وسارت أجوبته في جميع العلوم وجميع الآفاق مسير النّجوم، وجعلت رشحات أقلامه تميمة نحر لكونها يتيمة بحر يا له من بحر [2] ، وكان من الذين قعدوا من الفضائل والمعارف على سنامها وغاربها، وضربت له نوبة الامتياز في مشارق الأرض ومغاربها، تفرّد في ميدان فضله فلم يجاره أحد، وانقطع عن

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (439- 454) و «الكواكب السائرة» (3/ 35- 37) و «النور السافر» ص (239- 241) ووفاته فيه: «أبو السعود محمد بن مصطفى» وفيه وفاته سنة (952) وهو وهم. و «الأعلام» (7/ 59) و «معجم المؤلفين» (11/ 301- 302) و «الفوائد البهية» ص (81- 82) و «البدر الطالع» (1/ 261) . [2] العبارة في «آ» على الشكل التالي: «وجعلت رشحات أقلامه تميمة نحر لكونها تميمة نحر لكونها من بحر يا له من بحر» .

القرين والمماثل في كل بلد، وحصل له من المجد والإقبال والشّرف والأفضال ما لا يمكن شرحه بالمقال، وقد عاقه الدرس والفتوى والاشتغال بما هو أهم وأقوى عن التفرغ للتصنيف، سوى أنه اختلس فرصا وصرفها إلى التفسير الشريف، وقد أتى فيه بما لم تسمح به الأذهان ولم تقرع بمثله الآذان، وسماه ب «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» [1] ولما وصل منه إلى آخر سورة ص ورد التقاضي من طرف السلطان سليمان خان، فبيّض الموجود وأرسله إليه، وبعد ذلك تيسّر له الختام، وأنعم عليه السلطان بما لم يدخل تحت الحصر، وله «حاشية على العناية» من أول كتاب البيع، وبعض حواش على بعض «الكشّاف» جمعها حال إقرائه له. وكان طويل القامة، خفيف العارضين، غير متكلّف في الطعام واللباس، وغير أن فيه نوع اكتراث بمداراة الناس والميل الزائد لأرباب الرئاسة، فكان ذا مهابة عظيمة، واسع التقرير، سائغ التحرير، يلفظ الدّرر من كلمه، وينثر الجوهر من حكمه، بحرا زاخرا، وطودا باذخا. وله شعر كثير مطبوع، منه قصيدته الميمية الطويلة التي أولها [2] : أبعد سليمى مطلب ومرام ... وغير هواها لوعة وغرام وفوق حماها ملجأ ومثابة ... ودون ذراها موقف ومقام وهيهات أن تثنى إلى غير بابها ... عنان المطايا أو يشدّ حزام وهي طويلة انتهى ملخصا. وينسب إليه البيتان اللذان أجيب بهما بيتا العجم وهما: نحن أناس قد غدا دأبنا ... حبّ عليّ بن أبي طالب يعيبنا النّاس على حبّه ... فلعنة الله على العائب

_ [1] انظر «كشف الظنون» (1/ 65) فقد أطال الكلام عليه بما هو مفيد. [2] الأبيات في «العقد المنظوم» ص (445- 447) وقال العلّامة طاش كبري زاده: «وقد عارض فيها ميمية الفاضل السري إمام هذا الشأن أبي العلاء المعرّي، وانظر «النور السافر» ص (240) .

فأجاب المولى أبو السعود بقوله: ما عيبكم هذا ولكنّه ... بغض الذي لقّب بالصّاحب وقولكم فيه وفي بنته ... فلعنة الله على الكاذب وتوفي بقسطنطينية مفتيا في أوائل جمادى الأولى، وصلّى عليه المولى سنان محشّي «تفسير البيضاوي» ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة

سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة فيها توفي شمس الدّين أحمد السرائي الحنفي [1] الإمام العالم. ولد بمدينة سراي ونشأ بها، وطلب العلم، وأكثر من الشيوخ، حتّى صار ملازما من محيي الدّين عرب زادة، ومعيدا له، وصار معلّما للوزير محمود الشهير بزال، فارتفع قدره، وعظم شأنه، ثم تنقّلت به الأحوال، وتقلب في المدارس. وكان عارفا، عالما، حسن السّمت، مرضي السيرة، صاحب ذهن سليم وطبع مستقيم، معرضا عن البطالة، مكبا على الاشتغال، حسن النثر والنظم باللسان العربي، وله رسالتان سيفية وقلمية في غاية البلاغة. وتوفي في رجب. وفيها المولى محمد بن عبد العزيز، المشتهر بمعيدزاده [2] . قال في «ذيل الشقائق» : مولده بمرعش سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، واشتغل على علماء بلده، ثم جاء إلى قسطنطينية، فقرأ على معمار زاده، ثم على المولى سنان، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس إلى أن توفي، ولم يجلس بمجلس القضاء. وكان عالما، محقّقا، مدقّقا، صاحب يد طولى في العلوم الأدبية، وقدم

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (479- 481) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (483- 484) و «الكواكب السائرة» (3/ 85) و «عرف البشام» ص (34- 35) .

راسخة في فنون العربية، مع المشاركة التّامة في سائر العلوم المتداولة. وله تعليقات على بعض المواضع من التفسير، والفروع، وغيرهما. ومن شعره: لقد جار الزّمان على بنيه ... عليهم ضاق بالرّحب البقاع ترى الأشعار في الأسعار أغلى ... وعلم الشّرع أكسد ما يباع فقد صارت جوائزهم عقودا ... وغايتها خماس أو رباع وكم من شاعر أمسى عزيزا ... لقد أضحى له أمر مطاع وذي فضل ينادي في البوادي [1] ... أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا [2] توفي ببيت المقدس لما توجه قاضيا لها قبل أن يباشر الحكم في ذي القعدة انتهى. وذكر في «الكواكب» أنه كان مفتيا بدمشق ومدرّسا بالسّليمانية بها. وفيها محمود بن أحمد المشتهر بابن برزان [3] . ولد بقصبة أسكليب، ونشأ على طلب العلم والفضائل، وأخذ عن أعيان الأفاضل، حتى صار ملازما من المولى أبي السعود وتنقّل في المدارس، وأذن له في الإفتاء فلم تطل مدته. وكان عارفا، كاملا، مطلعا على دقائق العربية، له باع في العلوم الأدبية، عالما بالفقه والكلام. وتوفي بقسطنطينية في شوال. وفيها المولى محمود بن حسن السامون الحنفي [4] الإمام العلّامة.

_ [1] في «ط» : «في النوادي» وهو تصحيف. [2] الشطرة الثانية من هذا البيت هي صدر بيت مشهور للعتبي هو: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر [3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (481) واسمه فيه: «محمد بن أحمد المشتهر بابن بزن» . [4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (482- 483) .

قرأ على علماء عصره، ومهر، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، وتنقّل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب، ثم دمشق، ثم مكّة، ثم تقاعد بوظيفة مثله. وكان عالما، صالحا، مشتغلا بنفسه، جيد الحفظ، كثير العلوم، محمود السيرة في قضائه. وتوفي في ذي القعدة. وفيها الشيخ محيي الدّين الإسكليبي الحنفي [1] . ولد بقصبة تسمى إسكليب، ونشأ في طلب العلم، ودار البلاد العجمية، والرّومية، والعربية في طلبه، واجتمع بكثير من الأعيان، وتلقى عن جلّة من علماء الزمان، إلى أن برع في العلوم، وتضلع من المنطوق والمفهوم، ثم سلك طريق السادة الصوفية، وتسلّك بالشيخ إبراهيم القيصري، إلى أن صار كما قال فيه محيي الدّين المشتهر بحكيم جلبي من الرّجال الكاملين، مملوءا من المعارف الآلهية من فرقه إلى قدمه، وروحه المطهرة متصرّفة الآن في هذه الأقطار [2] وإن أرباب السّلوك وطلبة المعارف الإلهيّة مستفيدون من معارفه. وتوفي- رحمه الله تعالى- بإسكليب. وفيها مصلح الدّين مصطفى بن الشيخ علاء الدّين المشتهر بجراح زاده الحنفي [3] . ولد بمدينة أدرنة في صفر سنة إحدى وتسعمائة، ونشأ بها طالبا للعلوم والمعارف، وقرأ كتاب «المفتاح» بإتقان وتحقيق على المولى لطف الله بن شجاع، ثم هبّت عليه نسمات الزّهد، فتلقى طريق القوم من سادات زمانه، وتحمّل مشاق العبادات، والمجاهدات، حتّى صار بحرا من بحار الحقيقة، وكهفا منيفا لأرباب

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (463- 468) . [2] أقول: هذا من المبالغات التي لا تجوز، فالذي يتصرف في الأقطار هو الله الواحد القهار. (ع) . [3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (458- 463) .

الطريقة، متخليا عن الأخلاق الناسوتية، متحليا بمفاخر الحلل اللاهوتية، منجمعا عن الناس، معرضا عن تكلّفاتهم، راغبا عن بدعهم وعن خرافاتهم، لا يطرق أبواب الأمراء، ولا يطرف مجالس الأغنياء، وله كشوفات عجيبة وإشرافات على الخواطر غريبة. وتوفي بأدرنة في المحرّم ودفن بقرب زاوية الشيخ شجاع.

سنة أربع وثمانين وتسعمائة

سنة أربع وثمانين وتسعمائة فيها توفي المولى رمضان المعروف بناظر زاده الرومي الحنفي [1] الإمام العلّامة. قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة صوفية من بلاد الرّوم، ونشأ في طلب العلم والأدب، وأخذ عن المولى عبد الباقي، والمولى برويز، وصار ملازما من قطب الدّين زاده، وحفظ «الكنز» ، وقلّد المدارس، ثم قلّد قضاء الشام، ثم مصر، ثم بروسه ثم أدرنة، وقبل أن يصل إليها قلّد قضاء قسطنطينية. وكان ممن حاز قصب السّبق في مضمار الفضائل، وشهد بوفور علمه وغزارة فضله الأفاضل، علما مستقيما، عفيفا، نزها، جميل الصورة، حسن السيرة، متواضعا. ومع هذا الفضل الباهر والتقدم الظاهر لم ير له تأليف لغاية احترازه عن النسبة إلى الخطأ. وتوفي بقسطنطينية فجأة في أواسط شعبان. وفيها زين العباد القيصري الحنفي [2] . ولد ببلدة قيصرية [3] واشتغل على الشيخ شمس الدّين مدرّس البكتوتية ببلدة مرعش، ثم رحل إلى القسطنطينية، وقرأ على علمائها، حتى وصل إلى خدمة

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (486- 487) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (485- 486) . [3] قيصرية ويسميها الأتراك قيصري، تقع في وسط الأناضول إلى الجنوب الشرقي من أنقرة. عن حاشية «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (281) .

سعدي چلبي محشّي «البيضاوي» ، ثم بعد موته بجوي زاده، وصار ملازما منه، وتنقّل في المدارس حتّى وصل إلى مدرسة با يزيد خان بأماسية بثمانين، وأقام بها على الإفتاء والدرس إلى الموت. وكان واسع العلم، كثير المحفوظ، قليل الاعتناء بزخارف الدنيا، مكبا على الاشتغال والإشغال. وكان له أخ يسمى عبد الفتاح [1] . كان فاضلا، كاملا، تنقّل في مدارس عديدة إلى أن نقل إلى مدرسة السلطان سليمان خان بدمشق فباشرها مع الإفتاء بها واستمر فيها إلى أن توفي في هذه السنة أيضا. وفيها سعيد سلطاني الحبشي الحنفي [2] . قال في «النور» : كان عالما، فاضلا، صالحا، دينا، فقيها، مشاركا في كثير من العلوم، يحفظ القرآن العظيم، كثير العبادة، يختم في رمضان خمس ختمات في الصلاة. وكان أمراء الجيوش يحترمونه ويجلّونه، وجعلوا له معلوما يوازي خمسة عشر ألف دينار. وكان محسنا لأهل العلم، ولما حجّ قرأ على ابن حجر الهيتمي. وكان له رغبة في تحصيل الكتب، وابتنى بأحمد أباد مسجدا حسنا إلّا أنه كان فيه كبر، والكمال لله. وتوفي بأحمد أباد يوم الاثنين ثالث شوال، ودفن بمسجده، ثم دفن إلى جنبه شيخنا الشيخ عبد المعطى باكثير. انتهى

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (486) و «عرف البشام» ص (35) و «الكواكب السائرة» (3/ 13- 15) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (357- 358) .

وفيها عبد الله بن سعد الدّين المدني السّندي [1] . قال في «النور» أيضا: كان من كبار العلماء البارعين، وأعيان الأئمة المتبحّرين، وله جملة مصنّفات، منها «حاشية» على «العوارف» للسّهروردي. وتوفي بمكة في ذي الحجّة. انتهى وفيها شمس الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن الشيخ علوان الحموي الشافعي [2] . أخذ عن أبيه وغيره وتفقه وكان إماما كاملا وتوفي بحماة. وفيها بدر الدّين أبو البركات محمد بن القاضي رضي الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر بن عثمان بن جابر الغزّي العامري القرشي الشافعي [3] الإمام العلّامة شيخ الإسلام بحر العلوم. قال ولده النجم في «الكواكب» : ولد في وقت العشاء ليلة الاثنين رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعمائة، وحمله والده إلى الشيخ أبي الفتح المزّي الصّوفي فألبسه خرقة التصوف، ولقّنه الذّكر، وأجاز له بكل ما تجوز له وعنه روايته، وهو دون السنتين، وأحسن والده تربيته، وهو أول من فتق لسانه بذكر الله تعالى، ثم قرأ القرآن العظيم على عدة مشايخ، منهم البدر السّنهوري [4] بروايات العشرة، ثم لزم في الفقه والعربية والمنطق والده الشيخ رضي الدّين. وقرأ في الفقه أيضا على تقي الدّين بن قاضي عجلون. وكان معجبا به يلقّبه شيخ الإسلام، وأكثر انتفاعه بعد والده عليه، وسمع عليه في الحديث، ثم أخذ الحديث والتصوف عن البدر ابن الشويخ المقدسي، ثم رحل مع والده إلى القاهرة، فأخذ عن مشايخ الإسلام بها، القاضي زكريا، وأكثر انتفاعه في مصر به، والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشنديّ، والقسطلاني، وغيرهم، وبقي في الاشتغال بمصر مع والده نحو

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (357) و «معجم المؤلفين» (6/ 57) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 26) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 3- 10) و «ريحانة الألبا» (1/ 138- 144) و «الأعلام» (7/ 59) و «معجم المؤلفين» (11/ 270- 271) و «منتخبات التواريخ لدمشق» (2/ 589) . [4] تحرفت في «ط» : إلى «السّنهودي» .

خمس سنوات، واستجاز له والده قبل ذلك من الحافظ جلال الدّين السيوطي. وبرع، ودرّس، وأفتى، وألّف، وشيوخه أحياء، فقرّت أعينهم به وجمعه بجماعة من أولياء مصر وغيرها، والتمس له منهم الدّعاء كالشيخ عبد القادر الدّشطوطي، وسيدي محمد المنير الخانكي. ثم تصدر بعد عوده مع والده من القاهرة في سنة إحدى وعشرين للتدريس والإفادة، واجتمعت عليه الطلبة وهو ابن سبع عشرة سنة، واستمر على ذلك إلى الممات، مشتغلا بالعلم تدريسا وتصنيفا وإفتاء ليلا ونهارا، مع الاشتغال بالعبادة وقيام الليل وملازمة الأوراد. وتولى الوظائف الدينية كمشيخة القراء بالجامع الأموي، وإمامة المقصورة، ودرّس بالعادلية، ثم بالفارسية، ثم الشامية البرّانيّة، ثم المقدّميّة، ثم التّقويّة، ثم جمع له بينهما وبين الشامية الجوانية، ومات عنهما، وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة، ورحلوا إليه من الآفاق، ولزم العزلة عن الناس في أواسط عمره، لا يأتي قاضيا، ولا حاكما، ولا كبيرا، بل هم يقصدون منزله الكريم للعلم والتّبرّك. وطلب الدعاء، وإذا قصده قاضي قضاة البلد أو نائبها لا يجتمع به إلا بعد الاستئذان عليه والمراجعة في الأذن، وقصده نائب الشام مصطفى باشا فلم يجتمع به إلّا بعد مرات. وكذا درويش باشا نائب الشام. وقال له: يا سيدي ما تسمع عني؟ قال: الظلم. وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا، بل سدّ باب الهديّة مطلقا فلم يقبل إلّا من أخصائه وأقاربه، ويكافئ أضعافا. وكان يحبّ الصوفية ويكرمهم، وأخذ عنه العلم من لا يحصى كثرة. وأما تصانيفه فبلغت مائة وبضعة عشر مصنّفا، من أشهرها التفاسير الثلاثة المشهورة «المنثور» و «المنظومان» وأشهرها «المنظوم الكبير» في مائة ألف بيت وثمانين ألف بيت وحاشيتان على «شرح المنهاج» للمحلّي، وشرحان على «المنهاج» كبير وصغير، وكتاب «فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة من الخلاف المطلق» و «التّنقيب على ابن النّقيب» و «البرهان الناهض في نيّة استباحة

الوطء للحائض» و «شرح خاتمة البهجة» و «الدر النّضيد في أدب المفيد والمستفيد» و «التذكرة الفقهية» وشرحان على «الرّحبية» وثلاثة شروح على «الألفية» في النحو منظومان ومنثور، و «شرح الصدور بشرح الشذور» وشرح على «التّوضيح» لابن هشام، و «شرح شواهد التلخيص» و «أسباب النّجاح في آداب النّكاح» وكتاب «فصل الخطّاب في وصل الأحباب» و «منظومة في خصائص النّبي صلّى الله عليه وسلم» و «منظومة في خصائص يوم الجمعة وشرحها» و «منظومة في موافقات سيدنا عمر للقرآن العظيم وشرحها» و «العقد الجامع في شرح الدّرر اللوامع» نظم «جمع الجوامع» ، وغير ذلك. ومن شعره [1] : إله العالمين رضاك عنّي ... وتوفيقي لما ترضى مناي فحرماني عطائي إن ترده ... وفقري إن رضيت به غناي ومنه: بالحظّ والجاه لا بفضل ... في دهرنا المال يستفاد كم من جواد بلا حمار ... وكم حمار له جواد وكان ابتداء مرضه في ثاني شوال من هذه السنة، واستمر مريضا إلى يوم الأربعاء سادس عشري شوال المذكور، وصلّى عليه الشّهاب العيثاوي، ودفن بتربة الشيخ أرسلان، وقال ماميّة الشاعر مؤرخا لوفاته: أبكى الجوامع والمساجد فقد من ... قد كان شمس عوارف التّمكين وكذا المدارس أظلمت لما أتى ... تأريخه (بخفاء بدر الدّين) [2] وفيها نجم الدّين محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الغيطي السّكندري ثم المصري الشافعي [3] الإمام العلّامة المحدّث المسند، شيخ الإسلام. ولد في أثناء العشر الأول من القرن العاشر.

_ [1] في «آ» و «ط» : «منائي» و «غنائي» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف. [2] مجموعه في حساب الجمّل (984) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 51- 53) و «الأعلام» (6/ 6) و «معجم المؤلفين» (8/ 293- 294) وقد رجح العلّامة الزركلي وفاته سنة (981) في تعليق طويل مفيد يحسن بالقارئ الباحث الرجوع إليه.

قال في «الكواكب» : كان رفيقا لوالدي على والده وعلى القاضي زكريا. قرأ عليه «البخاري» و «مسلم» كاملين «وسنن أبي داود» إلّا يسيرا من آخرها، وجمع عليه للسبعة، ولبس منه خرقة التصوف، وسمع على الشيخ عبد الحقّ السّنباطي «سنن ابن ماجة» كاملا، و «الموطأ» وغير ذلك. وقرأ عليه في التفسير، والقراآت، والنحو، والصرف، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وقرأ وسمع على السيد كمال الدّين بن حمزة لما قدم مصر. وقرأ على الكمال الطويل كثيرا وأجازه بالتدريس والإفتاء، وأخذ عن الأمين بن النّجار، والبدر المشهدي كثيرا، وعن الشمس الدّلجي، وأبي الحسن البكري، وغيرهم. قال الشعراوي: أفتى ودرّس في حياة مشايخه بإذنهم، وألقى الله محبته في قلوب الخلائق، فلا يكرهه إلّا مجرم أو منافق، وانتهت إليه الرئاسة في علم الحديث، والتفسير، والتصوف، ولم يزل أمّارا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، يواجه بذلك الأمراء والأكابر، لا يخاف في الله لومة لائم. قال: وتولى مشيخة الصّلاحية بجوار الإمام الشافعي، ومشيخة الخانقاة السرياقوسية، وهما من أجلّ وظائف مشايخ الإسلام من غير سؤال منه، وأجمع أهل مصر على جلالته، وما رأيت أحدا من أولياء مصر إلّا يحبه ويجلّه. وذكره القاضي محبّ الدّين الحنفي في «رحلته إلى مصر» فقال: وأما حافظ عصره، ومحدّث مصره، ووحيد دهره، الرحلة الإمام والعمدة الهمام الشيخ نجم الدّين الغيطي، فإنه محدّث هذه الدّيار على الإطلاق، جامع للكمالات الجميلة ومحاسن الأخلاق، حاز أنواع الفضائل والعلوم، واحتوى على بدائع المنثور والمنظوم، إذا تكلّم في الحديث بلفظه الجاري أقرّ كل مسلم بأنه البخاري، أجمعت على صدارته في العلم علماء البلاد، واتفقت على ترجيحه بعلو الإسناد، وقفت له على مؤلّف سمّاه «القول القويم في إقطاع تميم» . انتهى أي ومن مؤلفاته «المعراج» المتداول بأيدي الناس، يقرؤه علماء الأزهر كل سنة في رجبها .

سنة خمس وثمانين وتسعمائة

سنة خمس وثمانين وتسعمائة فيها كما قال في «النور» [1] طلع نجم ذو ذؤابة كهيئة الذّنب طويل جدا له شعاع، ومكث كذلك يطلع نحو شهرين. انتهى. قلت: قال السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» [2] ما لفظه: ذكر كوكب الذنب. قال صاحب «المرآة» : إن أهل النّجوم يذكرون أن كوكب الذنب طلع في وقت قتل قابيل هابيل، وفي وقت الطوفان، وفي وقت نار إبراهيم الخليل، وعند هلاك قوم عاد، وقوم ثمود، وقوم صالح، وعند ظهور قوم موسى وهلاك فرعون، وفي غزوة بدر، وعند قتل عثمان، وعلي، وعند قتل جماعة من الخلفاء، منهم الرّاضي، والمعتز، والمهتدي، والمقتدر. قال [3] : وأدنى الأحداث عند ظهور هذه الكواكب الزلازل والأهوال. قلت: يدل لذلك ما أخرجه الحاكم في «المستدرك» وصححه من طريق ابن أبي مليكة، قال: «غدوت على ابن عبّاس، فقال: ما نمت البارحة، قلت: لم؟ قال: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدّجّال قد طرق [4] » . انتهى ما أورده السّيوطي بحروفه. وفيها توفي المولى حامد أفندي المفتي [5] . قال في «العقد المنظوم» : ولد بقونية، وطلب العلم في كبره بعد أن ذهب

_ [1] انظر «النور السافر» ص (358) . [2] انظر «حسن المحاضرة» (2/ 323) . [3] لفظة «قال» سقطت من «ط» . [4] رواه الحاكم في «المستدرك» (4/ 459) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، غير أنه على خلاف عبد الله بن مسعود، وأن آية الدّجّال قد مضى. [5] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (487- 489) .

شبابه، لكنه أكبّ على الطلب ولازم الأفاضل، وحصل له منهم قبول زائد، منهم المولى سعدي محشّي «تفسير البيضاوي» . وصار ملازما من المولى القادري، ثم تنقّل في المدارس من سنة أربعين وتسعمائة إلى أن قلّد قضاء دمشق فلم يمكث فيه سنة حتّى نقل إلى قضاء مصر، فأقام فيها ثلاث سنين، ثم قلّد قضاء برسه، ثم قضاء قسطنطينية، ثم قضاء العسكر بولاية روم إيلي، فاستمرّ فيه تسع سنين، سالكا أحسن مسلك وكان السلطان- لكثرة اعتماده عليه وحبه له- أراد أن يوليه الوزارة العظمى [1] ، فوافق موت المرحوم المولى أبي السعود أفندي المفتي، فأقيم مقامه، وسلّم إليه المجد زمامه، فدام في الفتوى إلى أن توفي، وذلك في أوائل شعبان، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وفيها ميان عبد الصّمد الهندي [2] الرجل الصالح. قال في «النور» : كان من الأخيار، عالما، فاضلا، محسنا، متواضعا، وحكي أنه كان إذا لم يكن على طهارة وثمّ أحد ممن اسمه اسم نبي لم يتلفظ باسمه تعظيما واحتراما لذلك الاسم الشريف، رحمه الله تعالى. انتهى. وفيها شمس الدّين أبو النّعمان محمد بن كريم الدّين محمد الأيجي العجمي الشافعي الصالحي [3] نزيل صالحية دمشق، الإمام العلّامة العارف بالله تعالى. قال في «الكواكب» : قدم دمشق وهو شاب في سنة عشرين وتسعمائة، وصحب سيدي محمد بن عراق سنين كثيرة، وتعانى عنده المجاهدات، واشتغل بالعلم قبل أن يدخل بلاد الشام، وبعده علي الشيخ الصّفوي الأيجي وغيره، وكان له يد في المعقولات، وتولى تدريس الشامية عن شيخ الإسلام الوالد، بعد ما كان بينهما من المودة والصّحبة ما لا يوصف، وانتقد على الأيجي ذلك، وعوّض الله على الوالد بأحسن منها. وكان الأيجي ملازما على الأوراد والعبادات، أمارا

_ [1] أي رئاسة الوزارة في أيامنا. [2] ترجمته في «النور السافر» ص (361) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 37) .

بالمعروف، نهاء عن المنكر، وكان يتردد إلى الحكّام وغيرهم لقضاء حوائج الناس، وسافر إلى الرّوم مرتين. انتهى. وكان إماما، عالما، عاملا، زاهدا، وليا من أولياء الله تعالى، له كرامات كثيرة شهيرة. توفي بصالحية دمشق يوم الجمعة بعد الصلاة عاشر جمادى الأولى، وصلّى عليه بجامع الحنابلة قاضي قضاة دمشق حسين جلبي ابن قرا، ونائب الشام حسن باشا ابن الوزير محمد باشا، ودفن من الغد بمنزله بسفح قاسيون. وفيها الشيخ مسعود بن عبد الله المغربي [1] المعتقد العارف بالله تعالى. قال في «الكواكب» : صحب بدمشق الشيخ شهاب الدّين الأخ، وكان يجلس عنده في درسه عن يمينه فيقول له الأخ: يا سيدي مسعود احفظ لي قلبي [2] ، فإن جدّي الشيخ رضي الدّين كان يجلس إلى جانبه سيدي علي بن ميمون في درسه، فيقول له: يا سيدي على امسك لي قلبي، ولما دخل سيدي مسعود دمشق كان يقتات من كسب يمينه، فكان يضرب الأبواب المغربية جدرانا لبساتين دمشق، فكان يبقى ما يعمله خمسين سنة أو أكثر لا يتهدم من إتقانه لها، وأخبرت أنه عرض له جندي والشيخ في لباس الشغل، فقال له: خذ هذه الجرّة واحملها- وكان بها خمر- فحملها الشيخ معه، فلما وضعها له وجدها الجندي دبسا فجاء إلى الشيخ واعتذر إليه وتاب على يديه. وكان لأهل دمشق فيه كبير اعتقاد، يتبرّكون به ويقبّلون يديه، وكان الشيخ يحيى العمادي يزوره. قال النجم الغزّي: ولقد دعا لي ومسح على رأسي، وأنا أجد بركة دعائه الآن. وتوفي- رحمه الله- يوم الخميس رابع عشري شهر رمضان، ودفن بالزاوية.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 206- 207) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 252- 253) . [2] أقول: هذا من المبالغات في الكرامات، والله أعلم. (ع) .

سنة ست وثمانين وتسعمائة

سنة ست وثمانين وتسعمائة فيها توفي المولى أحمد بن محمد المشتهر بنشاجي زاده [1] . قال في «ذيل الشقائق» : ولد بمدينة قسطنطينية سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وقرأ على علماء عصره، كالمولى شيخ زاده شارح «البيضاوي» والمولى عبد الكريم زاده، والمولى برويز. وصار ملازما من المولى سنان، وتنقّل في المدارس، ثم اتفق أن مات عدة من أولاده، فترك تصاريف الدّنيا، وأعرض عن المدارس، واختار الانزواء، ثم رجع، وصار مدرّسا بإحدى المدارس الثمان، ثم قلّد قضاء مكة، ثم مصر، ثم المدينة المنوّرة، وقبل توجهه إليها تغيّر عليه خاطر السلطان، فعزله وأمره بالخروج عن البلدة فخرج متوجها إلى الحجّ فلما حجّ وعاد توفي بقرب دمشق، فحمل إليها ودفن فيها. وكان- رحمه الله تعالى- طويل الباع في العلوم العربية، مائلا إلى الصّلاح، متصلا بأسباب الفلاح، مكبّا على الاشتغال والإشغال، بدأ بإعراب القرآن العظيم مقتفيا أثر السّفاقسي [2] والسّمين [3] وصل بها إلى سورة الأعراف، وشرح الحزب

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (491- 492) . [2] هو الإمام إبراهيم بن محمد بن إبراهيم القيسي السّفاقسي، أبو إسحاق برهان الدّين، فقيه مالكي، له «إعراب القرآن المجيد» ويسمى «المجيد في إعراب القرآن المجيد» . مات سنة (2/ 74) هـ. انظر «النجوم الزاهرة» (10/ 98) و «بغية الوعاة» (1/ 425) و «كشف الظنون» (2/ 1607) . [3] هو الإمام أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بالسّمين، أبو العبّاس، شهاب الدّين، النحوي المقرئ. له «الدّر المصون في علم الكتاب المكنون» في إعراب القرآن الكريم. مات

المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب الذي أوله: اللهم يا من ولع لسان الصبح، وعلّق حواشي على مواضع من «تفسير البيضاوي» و «الهداية» و «شرح المواقف» و «المفتاح» . وله رسائل كثيرة بقيت في المسودات. ومن شعره: بفضل الله إنّا لا نبالي ... وإن كان العدوّ رمى بجهله وليس يضرّنا الحسّاد شيئا ... فسوء المكر ملتحق بأهله وفيها جمال الدّين محمد طاهر الهندي، المقلب بملك المحدّثين [1] . قال في «النور» : ولد سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وحفظ القرآن قبل أن يبلغ الحنث، وجدّ في طلب العلم نحو خمس عشرة سنة، وبرع في فنون عديدة، حتى لم يعلم أن أحدا من علماء كجرات بلغ مبلغه في الحديث، وورث عن [2] أبيه مالا جزيلا فأنفقه على طلبة العلم. وكان يرسل إلى معلّمي الصّبيان ويقول: أيّما صبيّ حسن ذكاؤه فأرسله إليّ، فيرسل إليه جماعة، فيقول: لكل واحد كيف حالك، فإن كان غنيا أمره بطلب العلم، وإن كان فقيرا يقول له: تعلّم ولا تهتم من جهة معاشك، ثم يتعهّده بجميع ما يحتاج إليه. وكان هذا دأبه، حتى صار منهم جماعة كثيرة علماء [3] في فنون كثيرة. ولما حجّ أخذ عن أبي الحسن البكري، وابن حجر الهيتمي، والشيخ على

_ سنة (756) هـ. انظر «غاية النهاية» (1/ 152) و «الدّرر الكامنة» (1/ 339) و «الذيل التام على دول الإسلام» (1/ 146) . بتحقيق صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة ومراجعتي، طبع مكتبة دار العروبة بالكويت، ودار ابن العماد ببروت، و «بغية الوعاة» (1/ 402) و «كشف الظنون» (1/ 732) و «الأعلام» (1/ 274) . [1] ترجمته في «النور السافر» ص (361- 362) و «الرسالة المستطرفة» ص (158) و «الأعلام» (6/ 172) و «معجم المؤلفين» (10/ 100) . [2] في «ط» : «من» . [3] كذا في «ط» : و «النور السافر» : «علماء» وفي «آ» : «من العلماء» .

المتّقي الهندي، وجار الله بن فهد، والشيخ عبد الله العيدروس، وغيرهم. وكان عالما، عاملا، متضلعا، متبحّرا. ورعا. وله مصنّفات، منها: «مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار» . وكان يقوم على طائفتي الرافضة والمهدوية ويناظرهم ويريد إرجاعهم إلى الحقّ، وقهرهم في مجالس، وأظهر فضائحهم، وقال بكفرهم، فسعوا عليه، واحتالوا حتّى قتلوه في سادس شوال. وفيها شمس الدّين، وقيل نجم الدّين، محمد بن محمد بن رجب البهنسي [1] الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، الحنفي الإمام العلّامة، شيخ الإسلام. ولد في صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن ابن فهد المكّي وغيره، وتفقه بالقطب بن سلطان وبه تخرّج لأنه كان يكتب عنه على الفتوى، لأن القطب كان ضريرا، ثم أفتى استقلالا من سنة خمسين، واشتغل في بقية العلوم على الشيخ أبي الفتح المالكي، والشيخ محمد الأيجي نزيل الصالحية، وتخرّج به غالب حنفية دمشق، منهم الشيخ عماد الدّين المتوفى قبله، ورأس في دمشق. وكان إماما، بارعا، وولي خطابة الجامع الأموي، ودرّس بالأموي والسيبائية، ثم بالمقدّمية، ثم بالقصّاعية، ومات عنها وعلوفته في التدريس بها ثمانون عثمانيا. وحجّ مرتين، وألّف شرحا على كتاب «منتهى الإرادات» لم يكمله. وكان من أفراد الدّهر وأعاجيب العصر. وتوفي بعد ظهر يوم الأربعاء رابع أو خامس جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وأرخ موته بعض الشعراء فقال: لمّا لدار التّقى مفتي الأنام مضى ... فالعين تبكي دما من خشية الله

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 13- 15) و «عرف البشام» ص (35- 37) و «منتخبات التواريخ لدمشق» (2/ 590) و «معجم المؤلفين» (11/ 217) .

لفقد مولى خطيب الشّام سيّدنا ... من لم يزل قائما في نصرة الله وفاته قد أتت فيما أؤرّخه ... (البهنسيّ عليه رحمة الله) [1] وفيها عماد الدّين محمد بن محمد البقاعي الأصل ثم الدمشقي الحنفي [2] الإمام الأوحد العلّامة. قال في «الكواكب» : مولده في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وقرأ في النحو، والعروض، والتجويد، على الشّهاب الطّيبي المقرئ، والمعقولات على أبي الفتح المالكي، والشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين رفيقا عليهما للشيخ إسماعيل النابلسي، والشمس بن المنقار، والأسد، والشيخ محمد الصّالحي، وغيرهم. وقرأ في الفقه على النّجم البهنسي وغيره، وبرع في العربية وغيرها، وتصدّر للتدريس بالجامع الأموي، ودرّس بالريحانية، والجوهرية، والخاتونية، والناصرية، ومات عنها، وقصده للقراءة عليه الفضلاء وتردّد إليه النّواب وغيرهم. وكان حسن الأخلاق، ودودا. وكان في ابتداء أمره فقيرا، ثم حصّل دنيا، ونال وجاهة وثروة، ولم يتزوج حتّى بلغ نحو أربعين سنة. وكان حسن الشّكل، لطيف الذّات، جميل المعاشرة، خفيف الرّوح، عنده عقل وشرف نفس. وكان يدرّس في التفسير وغيره، وانتفعت به الطلبة، منهم إبراهيم بن محمد بن مسعود بن محبّ الدّين، والشيخ تاج الدّين القطّان، والشيخ حسن البوريني، وغيرهم. ومن شعره معمّى في عمر: ولم أنس إذ زارني منيتي ... عشيّة عنّا الرّقيب احتبس فمن فرحتي رحت أتلو الضّحى ... وحاسدنا مرّ يتلو عبس وله معمّى في عليّ: قد زارني من أحبّ ليلا ... بطلعة البدر والكمال

_ [1] مجموعها في حساب الجمل (987) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 40- 41) .

وبتّ منه بطيب عيش ... أوله بالهنا وفالي وله في القهوة: هذه القهوة الحلال أتتكم ... تتهادى والطّيب يعبق منها سوّدوها على الحرام بحلّ ... وأماطوا غوائل الغول عنها وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر شعبان، ودفن بمقبرة باب توما جوار الشيخ أرسلان. انتهى ملخصا. وفيها المولى يوسف المشتهر بالمولى سنان [1] . قال في «العقد المنظوم» : ولد بقصبة صونا، وجدّ في الطلب، ورحل فيه، وتحمّل المتاعب، وأخذ عن أفاضل عصره، منهم المولى محيي الدّين الفناري، والمولى علاء الدّين الجمّالي، وصار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس، ثم صار مفتشا ببغداد، ثم عزل، وقبل وصوله إلى قسطنطينية بشّر بقضاء دمشق، ثم نقل إلى قضاء أدرنة، ثم إلى قضاء قسطنطينية، وقبل الوصول إليها بشّر بقضاء العساكر في ولاية أناضولي، وجلس للدرس العام بحضرة الأعيان. وكان رحمه الله تعالى جميل الصّورة من جلّة وأعيان أفاضل الرّوم شهد بفضله الخاص والعام، واعترفوا برسوخ قدمه في الفنون. ومن تصانيفه «حاشية على تفسير البيضاوي» أظهر فيها اليد البيضاء، و «الحجّة الزهراء» وشرح لكتاب «الكراهية» وكتاب «الوصايا من الهداية» . وامتحن في آخر أمره بأن أشاع عنه بعض الحسدة ما هو بريء منه، فعزل من قضاء العسكر وأمر بالتفتيش عليه مع شريكه المولى مصلح الدّين، الشهير ببستان، فلما ظهرت براءة ذمّته عيّنت له وظيفة أمثاله، وقلّد تدريس دار الحديث التي بناها السلطان سليمان، ثم استعفى منها لهرمه. وتوفي في صفر وقد أناف على التسعين.

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (489- 491) .

سنة سبع وثمانين وتسعمائة

سنة سبع وثمانين وتسعمائة فيها- كما قال في «النّور» [1]- مات السلطان حيدرة بن حنش صاحب أحور [2] . وفيها درويش باشا بن رستم باشا الرّومي [3] هو ابن أخت محمد باشا [4] الوزير. تولى إيالة دمشق، وعمّر بها الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية، وعمّر الحمّام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي، ويعرف الآن بحمّام القيشاني، وعمّر القيسارية، والسوق، والقهوة، ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه، وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي، وكان خصيصا به، وعمّر الجسر على نهر بردى عند عين القصّارين بالمرجة [5] ومات ببلاده قرمان، وحمل تابوته إلى دمشق فدفن بها. وفيها نور الدّين علي بن صبر اليافعي الشافعي [6] . قاله في «النور» كان فقيها، صالحا، قانتا، ذا كرامات. انتهى

_ [1] انظر «النور السافر» ص (363) . [2] أحور: مخلاف في اليمن. انظر «معجم البلدان» (1/ 118) و «مراصد الاطلاع» (1/ 39) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 150- 152) . [4] في «ط» : «محمد محمد باشا» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف. [5] عين القصّارين تقع الآن تحت مدرسة التجهيز الأولى. انظر «غوطة دمشق» لكرد علي ص (175) . [6] ترجمته في «النور السافر» ص (363) .

وفيها عمر بن عبد الله بن عمر باعلوى الهندوان [1] . قال في «النور» : اشتهر بذلك لقوة كانت في بدنه ودينه تشبيها بالحديد الهندوان. وكان وليا، صالحا، شريفا. ومن كراماته أنه أخبر أخي السيد عبد الله عن شيء يقع من شخص بعينه فكان كما قال بعد موته بيسير [2] . وتوفي بتريم. وفيها محمد بن أحمد بن عبد الله، المعروف بماميّة الرّومي [3] الشاعر المشهور. أصله من الرّوم، وقدم دمشق في حال صغره، فلما التحى صار ينكجريا [4] بخمسة عثمانية، وحجّ في زمرة الينكجرية سنة ستين وتسعمائة، وكان في تلك الحال يميل إلى الأدب، ونظم الشعر، ثم عزل عن الينكجرية، وصحب الشيخ أبا الفتح المالكي وعليه تخرّج بالأدب. قال في «الكواكب» : وقرأ على الشيخ شهاب الدّين الأخ في «الجرومية» وكان قبل قراءته في النحو جمع لنفسه «ديوانا» كله ملحون، فلما ألمّ بالنحو أصلح ما أمكن إصلاحه وأعرض عن الباقي. وتولى آخرا [5] الترجمة بمحكمة الصالحية، ثم بالكبرى، وعزل منها ثم أعيد إليها في [6] زمن جوي زاده، ثم عزل، ثم ولى ترجمة القسمة فأثرى.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (362- 363) . [2] أقول: هذا من المبالغات في الكرامات، فإنه لا يعلم الغيب إلّا الله تعالى. (ع) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 50- 51) . [4] جاء في «معجم الألفاظ التاريخية» للعلّامة الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله ما نصه: «الينكجرية الإنكشارية، الجيش الجديد بالتركية، وتتألف من (يني) بمعنى جديد أو محدث، و (تشري) بمعنى جيش أو جند» . [5] في «آ» و «ط» : «آخر» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف. [6] لفظة «في» سقطت من «ط» .

وكان إليه المنتهى بالزّجل، والموّال، والموشحات، وقال فيه أستاذه أبو الفتح: ظهرت لماميّة الأديب فضيلة ... في الشّعر قد رجحت بكلّ علوم لا تعجبوا من حسن رونق نظمه ... هذا إمام الشّعر ابن الرّومي وجمع لنفسه «ديوانا» وجعل تاريخ جمعه قوله: وَأْتُوا الْبُيُوتَ من أَبْوابِها 2: 189 [البقرة: 189] ، وذلك سنة إحدى وسبعين وتسعمائة. وله التواريخ التي لا نظير لها، كقوله في تاريخ عرس: هنّئتم بعرسكم ... والسّعد قد خوّلكم وقد أتى تأريخه [1] ... نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ 2: 223 [2] ولقد أحسن في قوله: قل لقوم ضلّوا عن الرّشد لمّا ... أظهروا منهم اعتقادا خبيثا كيف تنبي عن القديم عقول ... لا يكادون يفقهون حديثا وتوفي في ذي الحجّة من هذه السنة أو في محرّم التي بعدها، ودفن بباب الفراديس بالقرب من قبري: ابن مليك، وأبي الفتح المالكي. وفيها محمد باشا الوزير [3] وزير السلطان سليمان ثم السلطان سليم ثم السلطان مراد وقف الطاحون خارج باب الفراديس وغيرها على المقرئة وتوفي شهيدا بالقسطنطينية.

_ [1] أي في حساب الجمّل كما أشار المؤلّف بعد ذلك. [2] وهو استعارة من قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ 2: 223 (البقرة: 223) . ومجموعها في حساب الجمل (969) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 78) .

سنة ثمان وثمانين وتسعمائة

سنة ثمان وثمانين وتسعمائة فيها توفى المولى شمس الدّين أحمد المشتهر بقاضي زاده [1] . قال في «العقد المنظوم» : قرأ على علماء عصره، منهم جوي زاده، وسعدي جلبي، وصار ملازما من المولى القادري، وتنقّل في المدارس، ثم قلّد قضاء حلب، فأقام به [2] عدة سنين، ثم تولى قضاء قسطنطينية بعد تعب شديد، ثم صار قاضيا بعساكر روم إيلي، فبعد سبعة أشهر اختلّ أمره وتراجع سعره ففرّ طائر عزّه، وطار قبل أن يقضي الأوطار بسبب وحشة كانت بينه وبين المولى عطاء الله معلّم السلطان سليم خان، فتقاعد بوظيفة مثله، ثم لما جلس السلطان مراد خان على سرير السلطنة أعاده إلى قضاء العسكر بالولاية المزبورة، فلما سمع عنه من الفضيلة الباهرة والصلابة الدينية الظّاهرة، فاستمر مدة ثم قلّد الفتوى بدار السلطنة السّنية، فاستمر فيها إلى أن دخل في خبر كان، وأبلى ديباجة حياته الجديدان [3] . وكان- رحمه الله تعالى- من أساتذة العلوم والجهابذة القروم [4] ، طالما جال في ميدان الفضائل وبرز، وأحرز من قصبات السّبق في مضمار المعارف ما أحرز، أفحم من عارضه بشقاشقه الهادرة، وأرغم من عاناه بحقائقه النادرة، كثير الاعتناء بدرسه، دائم الاشتغال في يومه وأمسه، رفيع القدر، شديد البأس، عزيز النّفس، يهابه الناس.

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (496- 498) و «معجم المؤلفين» (2/ 171) . [2] في «ط» : «فيه» . [3] الجديدان: الليل والنهار. انظر «مختار الصحاح» (جدد) . [4] القروم: جمع (قرم) وهو الفحل. انظر «لسان العرب» (قرم) .

ومن تصانيفه: «شرح الهداية» من أول كتاب الوكالة إلى آخر الكتاب، و «حاشية على شرح المفتاح» للسيد الشريف، من أوله إلى آخر الفنّ الثاني، و «حاشية على أوائل صدر الشريعة» و «حاشية [على] التجريد» في بحث الماهية، ورسائل أخرى. وكان أيام قضائه بالعسكر ثانيا سببا لسنن جميلة منها تقديم قضاء العسكر على غير الوزراء وأمير الأمراء، وكانوا قبل ذلك، يتقدم عليهم كل [1] من كان أمير الأمراء في الممالك. وبالجملة فإنه كان- رحمه الله- عين الأعيان، وقدوة الزّمان، وفارس الميدان، غير أن فيه من التهوّر المفرط، والحدّة، ما زاد على المعتاد، ستره الله بفضله يوم التناد. وتوفي بآخر الرّبيعين بقسطنطينية [2] ، ودفن قريبا من جامع السلطان محمد.

_ [1] لفظة «كل» سقطت من «ط» . [2] أي إستانبول.

سنة تسع وثمانين وتسعمائة

سنة تسع وثمانين وتسعمائة فيها توفي- ظنا- داود بن عمر الأنطاكيّ [1] الطّيب الأكمه، العالم العلّامة. قال الطالوي في «السانحات» : داود بن عمر الأنطاكي نزيل القاهرة المعزّيّة، والمميّز على من له [2] فيها المزيّة، المتوحّد بأنواع الفضائل، والمتفرّد بمعرفة علوم الأوائل [3] ، سيما علم الأبدان، المقدّم على علم الأديان، فإنه بلغ فيه الغاية التي لا تدرك. وأما معرفته لأقسام النبض فآية له باهرة، وكرامة على صدق دعواه ظاهرة. ولقد سألته عن مسقط رأسه ومشعل [4] نبراسه، فأخبرني أنه ولد بأنطاكية بهذا العارض، قال: وقد بلغت سيّارة النجوم وأنا لا أستطيع أن أقوم لعارض، ريح تحكم في الأعصاب. وكان والدي رئيس قرية حبيب النجار، واتخذ قرب مزار

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 150) و «سانحات دمى القصر» (2/ 32- 52) و «البدر الطالع» (1/ 246) و «الأعلام» (2/ 333- 334) و «معجم المؤلفين» (4/ 140) . تنبيه: هكذا كتب المؤلّف هذه الترجمة في هذه السنة وهو وهم منه، فالصواب- والله أعلم- سنة (1008) كما ذكره صاحب «كشف الظنون» (1/ 386) والزركلي في «الأعلام» (2/ 333) وجاء في هامش «ط» ما نصه: «قلت: وفاته سنة (1011) ألف وإحدى عشرة تحقيقا، كما في هامش الأصل. وفي «الكواكب» أنه مات في حدود التسعين وتسعمائة» . [2] لفظة «له» سقطت من «سانحات دمى القصر» فلتستدرك. [3] في «سانحات دمى القصر» : «والمتفرد بعلوم الأوائل» . [4] في «سانحات دمى القصر» (2/ 35) : «ومشتعل» .

سيدي حبيب رباطا للواردين، وبنى فيه حجرات للمجاورين، ورتّب لها في كل يوم من الطعام ما يحمله إليه بعض الخدام، وكنت أحمل إلى الرّباط فأقيم فيه سحابة يومي، وإذا برجل من أفاضل العجم يدعى محمد شريف، نزل بالرّباط، فلما رآني سأل عني فأخبر، فاصطنع لي دهنا مسّدني به في حرّ الشمس، ولفّني في لفافة من فرقي إلى قدمي، حتى كدت أموت، وتكرّر منه ذلك الفعل مرارا، من غير فاصل، فقمت على قدمي، ثم أقرأني في المنطق، والرياضي، والطبيعي، ثم أفادني اللغة اليونانية، وقال: إني لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها غيري، فأخذتها عنه، وأنا الآن فيها بحمد الله هو إذ ذاك، ثم سار [1] . فسرت إلى جبل عاملة، ثم إلى دمشق، واجتمعت ببعض علمائها، كأبي الفتح المغربي، والبدر الغزّي، والعلاء العمادي، ثم دخلت مصر وها أنا فيها إلى الآن. قال وكان فيه دعابة وحسن سجايا، وكرم نجار [2] ، وخوف من المعاد، وخشية من الله. كان يقوم الليل إلّا قليلا، ويتبتّل إلى ربّه [3] تبتيلا. وكان إذا سئل عن شيء من العلوم الحكمية، والطبيعية، والرياضية، أملى ما يدهش العقل بحيث يجيب على السؤال الواحد بنحو الكرّاسة. ومن مصنّفاته «التذكرة» [4] جمع فيها الطب والحكمة، ثم اختصرها في مجلدة، وشرح «قصيدة النفس» لابن سينا شرحا حافلا نفيسا، وقرئ عليه. قال: وأجازني إجازة طنّانة، ثم أوردها في «السّانحات» فراجعه. وفيها المولى أحمد المشتهر بمظلوم ملك [5] .

_ [1] في «آ» : «ثم سافر» . [2] كرم نجار: أي كرم أصل. انظر «لسان العرب» (نجر) . [3] في «آ» : «ويتبتل إليه» . [4] واسمه الكامل «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب» وهو مطبوع عدة مرات ويعرف ب «تذكرة داود» . انظر «كشف الظنون» (1/ 386- 387) و «معجم المطبوعات العربية» (1/ 491) . [5] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (498) .

قال في «ذيل الشقائق» : اشتغل بالعلوم، وصار من ملازمي المولى جعفر، وتنقّل في المدارس، ثم قلّد قضاء بيت المقدس، ثم المدينة المنورة، ثم مكّة المشرّفة. وكان- رحمه الله تعالى- عالما، فصيحا، حازما، جيد العقيدة، صاحب أخلاق حميدة ووقار واتّعاظ. وتوفي بقسطنطينية [1] . انتهى وفيها المولى خضر بك ابن القاضي عبد الكريم [2] . ولد بقسطنطينية المحمية، ونشأ في خدمة الفضل وذويه، وقرأ على علماء عصره، حتى صار ملازما من المولى أحمد المشتهر بمعلّم زاده، ودرّس بعدة مدارس، إلى أن قلّد المدرسة المشهورة بمناستر بمحروسة بروسة. وتوفي مدرّسا بها، وكان من الغائصين في لجج بحار العلوم على درر دقائق الفهوم، مكبّا على الاشتغال، غير أنه لا يخلو عن القيل والقال، مطلق اللسان في السّلف، ومزدريا بشأن الخلف، مع غاية الإعجاب بنفسه، عفا الله عنه بلطفه في رمسه. قاله في «العقد المنظوم» . وفيها باكثير عبد المعطي بن الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله المكّي الحضرمي الشافعي [3] الإمام العلّامة [4] المحدّث المعمّر. قال في «النور» : ولد بمكّة في رجب سنة خمس وتسعمائة، ونشأ بها، ولقي جماعة من العلماء، منهم الشيخ زكريا الأنصاري، سمع عليه «صحيح البخاري» بقراءة والده، فهو يرويه عنه سماعا كما في اصطلاح أهل الحديث، وأخذ عن

_ [1] أي باستانبول. [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (502- 503) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (364- 370) . [4] في «ط» : «العالم» .

جماعة، وقرأ على بعض شيوخه كتاب «الشفا» في مجلس واحد من صلاة الصبح إلى الظهر [1] . وكان عالما، مفنّنا، لطيف المحاورة، فكها، له ملح ونوادر، أديبا شاعرا، مصقعا. ومن شعره: قلت إذ أقبل الرّبيع ووافى ... ورده الغض ليت ذاك نصيبي فخدود الملاح تعزى إليه ... وشذاه أربي على كلّ طيب ومنه: الورد سلطان الزّهو ... ر وما سواه الحاشية فللونه المحمرّ ين ... سب حسن خدّ الغانية وإذا تضوّع نشره ... يهدي إليك الغالية ومنه: وميمات الدّواة تعدّ سبعا ... وسبعا عدّهنّ بلا خفاء مداد ثم محبرة مقصّ ... ومرملة ومصمغة الغراء ومكشطة ومقلمة مقطّ ... ومصقلة مموّهة لماء ومحراك ومسطرة مسن ... وممسحة لختم وانتهاء ومنه في القهوة: أهلا بصافي قهوة كالإثمد ... جليت فزينت بالخمار الأسود لمّا أديرت في كؤوس لجينها ... بيمين ساق كالقضيب الأملد يحكي بياض إنائها وسوادها ... طرفا كحيلا لا بكحل المرود ودخل الهند بأخرة، وأقام بها إلى أن مات بأحمد أباد ليلة الثلاثاء لثلاث بقين من ذي الحجّة.

_ [1] قلت: في هذا الكلام مبالغة، فقراءة التدبر والفهم والمدارسة لا تتم بمثل هذه السرعة التي ذكرها المؤلّف هنا نقلا عن «النور السافر» في كتاب ككتاب «الشفاء» الذي يحتاج إلى أيام عدة على أقل تقدير.

وفيها السيّد علاء الدّين علي بن محمد بن حمزة [1] الفقيه الشافعي المسند، قاضي القضاة الشافعية بدمشق، ونقيب الأشراف بها. ولد يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة، وأخذ عن والده وغيره، وسمع على والده «المشيخة» التي خرّجها لنفسه بقراءة الشيخ شرف الدّين موسى الحجّاوي الحنبلي في مجلسين آخرهما يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة بمنزل والده شمالي المدرسة البادرائية، وأجازه أن يرويها عنه، وجميع ما يجوز له وعنه روايته، وقد تسلسل له فيها من المسلسلات قبل ذلك. وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ زين الدّين الشهير بابن صارم الدّين الصّيداوي الشافعي، وروى عنه المسلسل بالقضاة. وتوفي يوم الأحد سابع عشري القعدة الحرام، رحمه الله تعالى. وفيها قطب شاه [2] سلطان كلكندة. قال في «النور» : كان عادلا، كريما إلا أنه كان غاليا في التّشيّع. وفيها- تقريبا- ولي الدّين محمد بن علي بن سالم الشّبشيري القاهري [3] الشافعي العالم الفاضل المعمّر. قال في «الكواكب» : أخذ عن السخاوي، والديمي، والسيوطي، والقاضي زكريا، وآخرين. وتوفي في حدود التسعين وتسعمائة، رحمه الله تعالى، انتهى. وفي حدودها شمس الدّين محمد الصّفري القدسي [4] الشافعي الإمام العالم الواعظ بالجامع الأزهر.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 179- 180) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (371) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 66) . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 80- 81) .

أخذ عن علماء عصره، ودأب، وحصّل، ووعظ، وأفاد، رحمه الله تعالى. وفيها المولى محمد المعروف بصار كرز [أو غلي] زاده [1] نسبة إلى جدّه من قبل أبيه، الحنفي الرّومي. قال في «العقد المنظوم» : نشأ في مجالس الأفاضل الأكارم، ومحافل الأماثل الأعاظم، مغترفا من حياض معارفهم، ومتأنّقا في رياض لطائفهم، إلى أن صار ملازما من المولى أبي السعود، وتنقّل في المدارس إلى أن قلّد قضاء المدينة المنوّرة، فتبرّم من ذلك، فبدّل بقضاء حلب فلم يبارك له في عمره، بل في مدة تقرب من سنتين توفي. وكان- رحمه الله تعالى- عالما، عاملا، فاضلا، كاملا، حليما، سليما، لطيف الطبع، وقورا، صبورا، مهتما بدرسه، مشتغلا بنفسه، وله «تعليقة» على كتاب الصوم من «الهداية» و «حواش على المفتاح» من القانون الأول إلى آخر بحث الاستعارة، و «حواش على الهيئات من شرح المواقف» وله رسالة بليغة في وصف العلم مطلعها: لك الحمديا من أنطق [2] النّون والقلم ... فأوصافه [3] جلّت عن النّقص والعدم وأضحك من طرس ثغورا [4] بصنعه ... وأبكى به عين اليراع من السّقم صلاة وتسليم على الرّوضة التي ... تعطّر من أنفاسها المسك والشّمم وبقيتها سجع في غاية البلاغة. انتهى

_ [1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (501- 502) وما بين الحاصرتين مستدرك منه و «معجم المؤلفين» (1/ 79) وقال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (1/ 884) . «المتوفى سنة 990» . [2] في «آ» : «أطلق» . [3] في «آ» : «بأوصافه» . [4] في «العقد المنظوم» : «من ثغر طروسا» .

سنة تسعين وتسعمائة

سنة تسعين وتسعمائة فيها توفي القاضي الشريف حسين المكّي المالكي [1] ، الملقب بالكرم لفرط كرمه. قيل كان سماطه في الأعياد ألف صحن صيني. قال في «النور» : كان من أعيان مكّة وفضلائها وأجوادها ورؤسائها لم يخلّف مثله، ولبعض فضلاء مكّة هذا التخميس على البيتين المشهورين جعله رثاء فيه: لهفي على بدر الوجود وسعده ... ومغيبه تحت الثّرى في لحده مات الحسين المالكيّ بمجده ... يا دهر بع رتب العلا من بعده بيع الهوان ربحت أم لم تربح ... وافعل مرادك يا زمان كما ترى وارفع من الغوغا وحطّ ذوي الذرى ... لا تعتذر لذوي النّهى عمّا جرى قدّم وأخّر من أردت من الورى ... مات الذي قد كنت منه تستحي ومن شعره هو وقد أهدى إليه القطب الحنفي سمكا: يا أيّها القطب الذي ... بوجوده دار الفلك لو لم تكن بحر النّدى ... ما جاءنا منك السّمك وولي قضاء المدينة المنورة مدة طويلة، مع حسن السيرة. وتوفي في تاسع صفر.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (380- 383) .

وفيها قطب الدّين محمد بن علاء الدّين أحمد بن محمد بن قاضي خان بن بهاء الدّين بن يعقوب بن حسن بن علي النّهرواني الهندي ثم المكّي الحنفي [1] الإمام العلّامة. ولد سنة سبع عشرة وتسعمائة، وأخذ عن والده، والشيخ عبد الحقّ السنباطي، وهو أجلّ من أخذ عنه من المحدّثين، والشيخ محمد التونسي، والشيخ ناصر اللقاني، والشيخ أحمد بن يونس بن الشّلبي، وغيرهم. وذكره ابن الحنبلي في «تاريخه» إلا أنه سمّى والده عليا [2] والصحيح الأول، وأثنى عليه ثناء حسنا. قال ومن مؤلفاته «طبقات الحنفية» احترقت في جملة كتبه. وقال النجم الغزّي: وقفت له على «تاريخ» كتبه لمكّة المشرّفة. وكان بارعا مفنّنا في الفقه، والتفسير، والعربية، ونظم الشعر، وشعره في غاية الرّقة، منه الزائية المشهورة، وهي: أقبل كالغصن حين يهتز ... في حلل دون لطفها الخز مهفهف القدّ ذو محيّا ... بعارض الخدّ قد تطرز دار بخدّيه واو صدغ ... والصّاد من لحظه تلوّز الخمر والجمر في [3] لماه ... وخدّه ظاهر وملغز يشكو له الخصر جور ردف ... أثقله حمله وأعجز طلبت منه شفاء سقمي ... فقال لحظي لذاك أعوز قد غفر الله ذنب دهر ... لمثل هذا المليح أبرز حزّ فؤادي بسيف لحظ ... أوّاه لو دام ذلك الحز

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (389) و «الكواكب السائرة» (3/ 44- 48) و «درّ الحبب» (2/ 1/ 439- 441) و «البدر الطالع» (2/ 57- 58) و «الأعلام» (6/ 6- 7) و «معجم المؤلفين» (9/ 17- 18) . [2] في «آ» و «ط» : «علي» . [3] في «آ» و «ط» : «من» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلّف.

أفديه من أغيد مليح ... بالحسن في عصره تميّز كان نديمي فمذ رآني ... أسيره في الهوى تعزّز يا قطب لا تسل عن هواه ... وأثبت وكن في هواه [1] مركز وقال في «النور» : ومن شعره: الدّن لي والكأس والقرقف ... وللفقيه الكتب والمصحف إن كان ما تعجبه قسمتي ... فليقتسمها مثل ما يعرف [2] لا تنكروا حالي ولا حاله ... كلّ بما [3] ينفعه أعرف لكنه ينكر أذواقنا ... وما له ذوق ولا ينصف كم يزدري الرّاح وشرّابها ... أخشى على هذا الفتى يقصف دعني وحالي يا فقيه الورى ... فأنت عن إدراكه تكسف هيهات أن يدرك طعم الهوى ... من لم يكن في ذوقه يلطف للعشق سرّ لم يزل غامضا ... لغير أهل الحبّ لا يكشف فيا نديمي اشرب على رغمه ... ودعه في إنكاره يرشف واحبسه في باب الطّهارات من ... كتابه لعله ينظف وبي غزال طاب مرعاه في ... كناس قلبي وهو لا يألف بدر كمال لا يرى حسنه ... نقصا ولا محقا ولا يكسف في خدّه أنبت ماء الحيا ... وردا بغير اللحظ لا يقطف عارضه لام وفي صدغه ... واو ولكن آه لو يعطف عزيز مصر الحسن لو كان في ... زمانه هام به يوسف ومنه معمّى في عليّ: بلّغ حبيبي بعض ما ... ألقاه إن أبصرته أمّا عذولي قل له ... دع عنك ما أضمرته

_ [1] في «ط» : «وكن في الغرام» وما جاء في «آ» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف. [2] هذا البيت لم يرد في «النور السافر» المطبوع. [3] في «النور السافر» : «مما» .

ومنه معمّى في أحمد: لنا إن دارت الكأس العقار ... بأطراف الرّماح دم مدار ومنه إفاداته أن لفظ ابن خلّكان ضبط على صورة الفعلين «خلّ» أمر من التخلية و «كان» الناقصة. قال: وسببه أنه كان يكثر قول كان والدي كذا، كان جدّي كذا، كان فلان كذا، فقيل له (خلّ كان) فغلبت عليه. انتهى. وتوفي- رحمه الله تعالى- بمكّة المشرّفة. وفيها الشريف أبو نمي محمد بن بركات [1] صاحب مكّة. قال في «النور» : ولبعض فضلاء مكة في تاريخ وفاته: يا من به طبنا وطاب الوجود ... قد كنت بدرا في سماء السّعود ما صرت في التّرب ولكنما ... أسكنك الله جنان الخلود ولد سنة عشر وتسعمائة. وتوفي يوم عاشوراء. انتهى وفيها المولى محمد بن نور الله المشتهر بأخي زاده [2] نسبة إلى جدّه من قبل أمه المولى أخي يوسف التّوقاتي، محشّي «صدر الشريعة» . قال في «العقد المنظوم» : نشأ صاحب الترجمة في طلب العلم والسيادة، وأخذ عن جلّة من [3] المشايخ، منهم عرب چلبي، والمولى عبد الباقي، ثم صار ملازما من المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم قلّد المدارس، إلى أن قلّد قضاء حلب، ثم برسة، ثم أدرنة، ثم صار قاضيا بالعساكر في ولاية أناضولي، ثم تقاعد بوظيفة مثله، ثم قلّد تدريس دار الحديث السليمانية، فدام على الدرس والإفادة، ونشر العلوم والمعارف إلى الوفاة.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (380) . [2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (499- 500) . [3] لفظة «من» سقطت من «آ» .

وكان بحرا من بحار العلوم زاخرا، وطودا من أطواد الفهوم [1] باذخا، يقذف للقريب من جواهر معارفه عجائب، ويبعث للغريب من طماطم فضائله سحائب، طالما فتح بمفاتيح أنظاره الدقيقة مغالق المعضلات، وحلّ بخاطره اليقظان، وفكره العجيب الشأن عقد المشكلات عديم النظير في سرعة الانتقال، وحسن التقرير، وصاحب أدب وسكينة ومعارف رصينة، أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه. وتوفي في آخر ذي القعدة. انتهى ملخصا وفيها الشيخ العارف بالله تعالى شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني الشافعي [2] . قال ولده في «النور السافر في أعيان القرن العاشر» : ولد سنة تسع عشرة وتسعمائة بتريم من اليمن، [3] وروى عن جلّة مشايخ اليمن [3] ، وصار شيخ زمانه باتفاق عارفي وقته، ولقد ألهم الله أهله حيث سمّوه شيخا كما ألهم الله آل النّبي صلّى الله عليه وسلم حيث سمّوه محمدا. وكان علّامة وقته وشيخ الطريقة حقيقة واسما، فإن الشيخ أبا بكر باعلوى كان يقول: ما أحد من آل باعلوى أولهم وآخرهم أعطي مثله. وقال غيره: والله ما هو إلّا آية من آيات الله تعالى، وما ألّف مثل كتابه «الفوز والبشرى» . وحكى من مجاهداته أنه كان يعتمر غالبا في رمضان أربع عمرات بالليل وأربعا بالنهار، وهذا شيء من أعظم الكرامات [4] .

_ [1] في «آ» : «من أطواد العلوم» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (372- 379) و «الأعلام» (3/ 182) و «معجم المؤلفين» (4/ 312) . [3] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» . [4] أقول: هذا ليس من الكرامات، بل من التعمق والتشدّد الذي هو خلاف السّنّة، وأفضل من ذلك الطواف حول البيت (ع) .

قال: وممن أخذ عنه العلم ابن حجر الهيتمي، والعلّامة عبد الله باقشير الحضرمي، وله من كل منهما إجازة في جماعة آخرين يكثر عددهم. ومن مصنّفاته «العقد النبوي والسر المصطفوي» و «الفوز والبشرى» وشرحان على قصيدته المسماة «تحفة المريد» و «مولدان» كبير وصغير، و «معراج» و «رسالة في العدل» و «ورد» سمّاه «الحزب النّفيس» و «نفحات الحكم على لامية العجم» وهو على لسان التصوف ولم يكمله، وديوان شعر. ومن شعره: كفاني أن أزهو بجدّ ووالد ... ولي حسب من فوق هام الفراقد ولي نسب بالمصطفى وابن بنته ... حسين عليّ زين زاكي المحامد [1] أبا وأبا من سيّد الرّسل هكذا ... إلى العيدروس المجتبى خير ما جد وراثة خير الخلق أحمد جدّنا ... ونحن به نعلو العلا في المعاقد ورثنا العلا أكرم بنا خير سادة ... شذا مجدنا يشذوا بطيب المحامد وقد أفرد ترجمته ومناقبه غير واحد بالتأليف، كالعلامة حميد بن عبد الله السّندي، وقال فيه الفاضل عبد اللطيف الدّبيري [2] : شيخ الأنام مفيد كلّ محقّق ... بحر العلوم العارف الرّبّاني ابن العفيف أبو الشّهاب المجتبى ... قطب الزّمان العيدروس الثاني شرف السّيادة والزّهادة والتّقي ... فخر الحماة الغرّ من عدنان هو كالسّفينة من تولّاه نجا ... وسواه لم يأمن من الطّوفان دخل الهند سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، فأقام بها إلى أن توفي بأحمد أباد ليلة السبت بخمس وعشرين خلت من شهر رمضان. انتهى ما أورده ولده ملخصا.

_ [1] رواية الشطرة الثانية من البيت «آ» و «ط» : ............... ........ ... حسين علا زينا زكي المحاتد [2] في «آ» : «الدّيري» وفي «النور السافر» : «الدّبير» .

سنة إحدى وتسعين وتسعمائة

سنة إحدى وتسعين وتسعمائة فيها- تقريبا- توفي برهان الدّين إبراهيم بن المبلّط القاهري [1] شاعر القاهرة. كان فاضلا، أديبا، شاعرا. ومن شعره في القهوة: يقول عذولي قهوة البن مرّة ... وشربة حلو الماء ليس لها مثل فقلت على ما عبتها بمرارة [2] ... قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو وقال: أرى قهوة البّن في عصرنا ... على شربها النّاس قد أجمعوا وصارت لشرابها عادة ... وليست تضرّ ولا تنفع وقال: يا عائبا لسواد قهوتنا التي ... فيها شفاء النّفس من أمراضها أو ما تراها وهي في فنجانها ... تحكي سواد العين وسط بياضها وفيها نور الدّين علي بن علي السّنفي المصري ثم الدمشقي الشافعي [3] الإمام العلّامة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 92- 93) . [2] في «ط» : «من مرارة» . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 193- 194) .

قال في «الكواكب» : ولد بمصر سنة إحدى وتسعمائة، وأخذ الفقه وغيره عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشندي، والكمال الطّويل، وغيرهم. وورد الشام وقطنها، وانتفع به الفضلاء، كالشيخ إسماعيل النابلسي، وشيخنا شيخ الإسلام أحمد العيثاوي. وولي نيابة القضاء بالكبرى، وتنزّه عن المحصول برهة ثم تناوله، وكانت وفاته بدمشق ليلة الأحد رابع شعبان. وفيها جمال الدّين محمد بن أبي بكر الأشخر- بالشين المعجمة السّاكنة، والخاء المعجمة، بعدها راء- اليمني الشافعي [1] الإمام العلّامة. قال في «النور» : ولد في اليوم الثاني والعشرين من ذي الحجّة سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وتخرّج بأبيه، وقرأ على جماعة من الجلّة، وحصل له من الجميع الإجازة، وبرع في العلوم، حتّى صار شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، الفرد الحافظ الحجّة السالك بالطالبين في أوضح المحجّة، إمام الفنون الذي اعترف بتقدّمه المفتون. وله التصانيف المفيدة والتآليف العديدة، منها «منظومة الإرشاد» و «شرح الشذور» و «منظومة» في أصول الفقه وشرحها، و «مختصر المحرّر» للسّمهودي في تعليق الطلاق، و «منظومة في أسماء الرجال» و «ألفية» في النحو، نظمها في مرض موته، وله «فتاوى» مجلد ضخم، و «شرح بهجة المحافل» واختصر «التفاحة في علم المساحة» وله غير ذلك. ومن نظمه جامعا غزوات [2] النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: غزوة بدر أحد فالخندق ... بني قريظة بني المصطلق وخيبر وطائف بالاتفاق ... قاتل فيها المصطفى أهل الشّقاق والخلف في بني النّضير ذكرا ... فتح حنين غاية وادي القرى

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (390- 401) و «البدر الطالع» (2/ 146) و «الأعلام» (6/ 59) و «معجم المؤلفين» (9/ 106) . [2] في «آ» : «لغزوات» .

وله فيها مرتبا على سني الهجرة الشريفة: فبدر فأحد بعد هاذين خندق ... فذات رقاع والمريسيع خيبر وفتح تبوك رتّبت هذه على ... سني هجرة كلّ بذاك يخبر ومنه مما يتعلق بالبروج والمنازل: وزنوا عقربا بقوس شتاء ... غفروا للبليد لمّا أساء شرب الجدي دلو حوت ربيعا ... فله الذّبح حيث حلّ الرشاء حمل الثور جوزة نحو صيف ... شاركا للذّراع لما أشاء سرط اللّيث سنبلا بخريف ... ناثرا أنجم السّماك شراء ونظمه كثير، وعلمه غزير، ونظم كثيرا من المسائل العلمية والقواعد الفقهية ليقرب ضبطها ويسهل حفظها. وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى خاتمة المحقّقين لم يخلّف بعده مثله، وتخرّج به جماعة من بلده وغيرها: منهم أخوه العلّامة أحمد الأشخر، وناهيك به، إذ حفظ «العباب» للمزجّد [1] ، وكان أخوه يعظّمه ويقدمه على سائر الطلبة، غير أنه بعد ذلك ظهرت فيه طبيعة السوداء، فترك الاجتماع بالناس، إلّا نادرا، ومع ذلك لما اجتمع به الفقيه أحمد بن الفقيه محمد باجابر، حصل له عنده الحظوة التامة، واختلى به أياما مدة إقامته عنده، وأملى عليه شيئا كثيرا من نظم أخيه، وبحث معه في مسائل فقهية، وتعجب الناس لذلك، فرحمهم الله تعالى جميعا.

_ [1] هو أحمد بن عمر بن محمد السّيفي المرادي المذحجي الزّبيدي، تقدمت ترجمته في وفيات سنة (930) من هذا المجلد.

سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة

سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة فيها توفي الولي الكبير الشيخ أبو بكر بن سالم باعلوى [1] . قال في «النور» : كان من المشايخ الأفراد المقصودين بالزيارة من أقصى البلاد، وانتفع ببركته الحاضر والباد، وانغمرت بنفحات أنفاسه العباد، واشتهرت كراماته ومناقبه في الآفاق، وسارت بها الرّكبان والرّفاق، ووقّع على ولايته الإجماع والاتفاق. توفي- رحمه الله تعالى- ليلة الأحد السابع والعشرين من ذي الحجّة بعينات- بكسر المهملة، وسكون المثناة التحتية، وقبل الألف نون، وبعدها مثناة فوقية- من قرى حضرموت على نصف مرحلة من تريم. وفيها شهاب الدّين [2] أحمد الشيخ بدر الدّين العبّاسي المصري الشافعي [3] . ولد بمصر. سنة ثلاث وتسعمائة، وأخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والنّور المحلّي، وكمال الدّين الطّويل، ونور الدّين المليجي- بالجيم- وأبي العبّاس الطّنبذاوي البكري. بزبيد، وحفظ «المنهاج الفقهي» و «الشاطبية» و «العمدة» في الحديث للحافظ عبد الغني المقدسي، و «الأربعين النواوية» و «الأجرومية» و «مختصر أبي شجاع» .

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (413) . [2] لفظة «الدّين» سقطت من «ط» . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (404- 407) .

وكان عالما، عاملا، علّامة، شديد الورع، قليل الاختلاط بالناس، متمسكا بالكتاب والسّنّة، وطريقة السّلف الصّالح، له اليد الطولى في علم الحرف والفلك والميقات، وله الشعر الرائق فمنه: كان البخاريّ حافظا ومحدّثا ... جمع الصّحيح مكمّل التّحرير ميلاده صدق ومدّة عمره ... فيها حميد وانقضى في نور ولما وقف على هذه الأبيات التي نظم فيها بعضهم ما لكل فصل من المنازل على اصطلاح أهل اليمن وهي: شرط البطين ثريّا دبر هقعقها ... وهنة الذّرع فصل الصّيف قد كملا فنثرة الطّرف جبهة [1] الزّبرة انصرفت ... عوى سماك فدا فصل الخريف خلا غفر زبانا تكلّل قلب شولتها ... نعائم [2] بلدة فصل الشتا كملا واذبح بلاعا سعودا واخب فرعهما [3] ... في بطن حوت، فذا فصل الرّبيع تلا استحسنها وقال: إنه أجاد فيها غير أنه اعتمد في ذلك على حساب المتقدمين في المنازل حيث بدأ بالشرطين، وعلى حساب المتأخرين، يبدءون بالفرع المؤخر. وتوفي بالهند بأحمدآباد ليلة الجمعة رابع صفر ودفن بها بتربة العرب بالقرب من تلميذه وصاحبه الشيخ عبد الرحيم العمودي، وكانا في حياتهما روحين في جسد. وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الفرفور الحنفي [4] . كان إماما، فاضلا، شاعرا، بارعا.

_ [1] في «آ» و «ط» : «جبة» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف ولا يستقيم وزنه. [2] في «آ» و «ط» : «نعامة» . [3] في «آ» و «ط» : «مزعهما» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 164) .

ومن شعره: اترك الدّنيا لناس زعموا ... أنّ فيها مرهم القلب الجريح ذاك ظنّ منهم بل غلط ... آه منها ما عليها مستريح وأهدى سفينة لبعض أصحابه وكتب معها: سفينة وافتك يا سيدي ... مشحونة بالنّظّم والنّثر قد ملئت بالدّر أرجاؤها ... من أجل ذا جاءت إلى البحر وفيها أبو السعادات محمد بن أحمد بن علي الفاكهي المكّي الحنبلي [1] الإمام العلّامة. ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وقرأ في المذاهب الأربعة، فكانت له اليد الطولى، وتفنّن في العلوم. ومن شيوخه الشيخ أبو الحسن البكري، وابن حجر الهيتمي، والشيخ محمد الحطّاب في آخرين من أهل مكة، وحضرموت، وزبيد، يكثر عددهم بحيث يزيدون على التسعين، وأجازوه، وحفظ «الأربعين النواوية» و «العقائد النسفية» و «المقنع» في فقه الحنابلة، و «جمع الجوامع» الأصولي و «ألفية ابن مالك» و «تلخيص المفتاح» وغير ذلك، منها، القرآن العظيم، وقرأ للسبعة، ونظم ونثر، وألّف من ذلك «شرح مختصر الأنوار» المسمى «نور الأبصار» في فقه الشافعي، ورسالة في اللغة، وغير ذلك، ورزق الحظوة في زمنه. وكان جوادا، سخيا، لا يمسك شيئا، ولذلك كان كثير الاستقراض، وكانت تغلب عليه الحدّة، ودخل الهند وأقام بها مدة مديدة، ثم رجع إلى وطنه مكّة سنة سبع وخمسين وتسعمائة، وفي ذلك العام زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، ثم حجّ في السنة التي تليها، وعاد إلى الهند فمات بها ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة.

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (407- 410) و «النعت الأكمل» ص (154- 155) و «الأعلام» (6/ 7) و «معجم المؤلفين» (8/ 292) .

وفي حدودها بهاء الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله المصري [1] النحوي الشيخ العالم الصّالح. قال في «الكواكب» : ولد تقريبا سنة ثمان وتسعمائة، وتوفي في عشر التسعين. انتهى. وفيها- قطعا- شهاب الدّين محمود بن شمس الدّين محمد السّندي [2] الطّيب. قال في «النور» : كان آية في الطب [3] والمعالجات، حكي أن بعض السلاطين أهدى إلى السلطان محمود صاحب كجرات أشياء نفيسة، من جملتها جارية وصيفة، فأعطاها السلطان لبعض [4] الوزراء، فاتفق أن صاحب الترجمة جسّ نبضها قبل أن يمسها ذلك الوزير، فحذّره من جماعها وقال: كل من جامعها يموت، فأرادوا تجربته في ذلك. وجاءوا بعبد وأدخلوه عليها فمات لوقته، فازدادوا تعجبا منه، وسأله الوزير عن السبب فقال: إنهم أطعموها أشياء أورثت ذلك، وأن مهديها قصد هلاك السلطان، ويقرب من هذا بل يؤيده أن القزويني ذكر في «عجائب البلدان» عند الكلام على عجائب الهند. ومن عجائبها البيش، وهو نبت لا يوجد إلّا في الهند، سمّ قاتل، أي حيوان يأكل منه يموت، ويتولد تحته حيوان يقال له: فأرة البيش، تأكل منه ولا يضرّها. ومما ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن، وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهنّ زمانا، ثم تحت فرشهن زمانا، ثم تحت ثيابهن زمانا، ثم يطعمونهن [5] منه في اللبن، حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرّها، ثم يبعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإذا غشيها مات. انتهى

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 61- 62) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (413- 414) . [3] في «النور السافر» : «في الحكمة والمعالجات» . [4] في «آ» : «إلى بعض» . [5] في «النور السافر» : «يطعموهن» .

سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة

سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة فيها توفي الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد الحمّامي والده، الصّهيوني الشافعي [1] الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : قرأ على الشيخ شهاب الدّين الطّيبي في القراآت وغيرها، وعلى الشيخ شهاب الدّين أخي في الحساب وغيره، وكان يعتمد علم الحرف ويعمل الأوفاق، اعتقده الحكّام بسبب ذلك، وعاش فقيرا ثم أثرى في آخر عمره، فقال لبعض أصحابه: حيث وسّعت علينا الدنيا فالأجل قريب، فمات عن قرب. ومن كلامه: ليس في التردد إلى من ليس فيه كبير فائدة كبير فائدة. وله نظم لطيف منه: أضنى الجوانح بالهوى ولهيبه ... بدر تزايد في الهوى ولهي به وجوانحي جنحت إلى ذاك الذي ... شغل الفؤاد بحبّه ولهيبه وعلى هواه مقلتي سحّت وما ... شحّت بفيض مدامعي وصبيبه فإذا أصبت أذى بأوصاف الهوى ... لا تنكروا بحياتكم وصبي به للَّه صبّ ما تذكّر للهوى ... إلا وهام بذكره وصبي به ذكر الشيخ حسن البوريني أنه ذاكرا أبابكر الصّهيوني [2] فوجده فاضلا في علوم إلّا أنه اشتهر بعلم النجوم. انتهى ملخصا.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 94- 95) و «تراجم الأعيان» للبوريني (1/ 276) . [2] تحرفت في «ط» إلى «الصيوني» .

وفيها الشيخ إسماعيل بن أحمد بن الحاج إبراهيم النّابلسي الشافعي [1] . قال في «الكواكب» : هو شيخ الإسلام ومفتي الأنام، أستاذ العصر، ومفرد الوقت، تصدّر للإفتاء والتدريس، وصار إليه المرجع بعد شيخ الإسلام الوالد. مولده كما [2] وجدته بخطّ المنلا أسد، سنة سبع وثلاثين وتسعمائة. واشتغل على جماعة من أهل العلم في النحو والصّرف، وحفظ القرآن العظيم، و «ألفية ابن مالك» ثم لازم الشيخ أبا الفتح الشّيشري هو وصاحبه الشيخ عماد الدّين الحنفي، ثم لزم العلّامة الشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين في المعقولات وغيرها، وأخذ عن شيخ الإقراء الشيخ شهاب الدّين الطّيبي، وقرأ «المنهاج» على العلّامة الفقيه السّنفي، ودرّس بالجامع الأموي، ثم بدار الحديث الأشرفية، وبالشامية البرّانية عن الشّهاب الفلوجي [3] ، ودرّس بالدرويشية بشرط واقفها، وضم إليها تدريس العادلية الكبرى، وكانت دروسه حافلة، لصفاء ذهنه وطلاقة لسانه، وحسن تقريره. وله شعر منه قوله محاجيا في عاقر قرحا: مولاي يا خير مولى ... ويا سليم القريحه ما مثل قول المحاجي ... يوما عجوز قريحه وأجاب عن قول بعضهم: يا أيّها النّحوي ما اسم قد حوى ... من مانعات الصّرف خمس موانع وتزول من تلك الموانع علّة ... فيصير مصروفا بغير منازع بقوله: يا أكمل الفضلاء يا من قد غدا ... في فضله فردا بغير مدافع في أذربيجان لقد ألغزت إذ ... شنّفت باللّغز البديع مسامعي

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 130- 135) و «تراجم الأعيان» (2/ 61- 79) و «معجم المؤلفين» (2/ 258) . [2] لفظة «كما» سقطت من «ط» . [3] تصحفت في «ط» إلى «القلوجي» .

توفي- رحمه الله تعالى- يوم السبت ثالث عشر المحرم، ودفن بمقبرته التي أنشأها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جرّاح. وفيها رحمة الله بن عبد الله السّندي الحنفي [1] ، نزيل المدينة المشرّفة. قال في «النور» : كان من العلماء العاملين وعباد الله الصّالحين. وتوفي في مكة في ثامن عشر المحرّم. وكان له أخ اسمه حميد، وكان أيضا من أهل العلم والصّلاح، حسن الأخلاق، كثير التواضع، ظاهر الفضل، جليل القدر، وحصل له في آخر الأمر جاه عظيم، وجاور بها تسع سنين، ومات بها أيضا. انتهى. وممن أخذ عنه النّجم الغيطي. وممن أخذ عن الشيخ حميد الشيخ محمد علي ابن الشيخ محمد علّان المكّي الشافعي الصّديقي، الشهير بابن علّان شيخ شيخنا السيد محمد بن سيد حمزة الحسيني نقيب السّادة الأشراف بدمشق. وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن أبي اللطف المقدسي الشافعي [2] المتقدّم ذكر والده في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة [3] . [4] ولد صاحب الترجمة سنة أربعين وتسعمائة [4] ، وبرع وهو شاب، وفضل، وتقدم على من هو أسنّ منه، حتى على أخويه، وصار مفتي القدس الشريف على مذهب الإمام الشافعي. وكان له يد طولى في العربية والمعقولات، وله شعر منه قوله مقيدا لأسماء النّوم بالنهار وما في كل نوع منها: النّوم بعد صلاة الصّبح غيلوله ... فقر وعند الضّحى فالنّوم فيلوله

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (439- 440) . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 11- 12) . [3] انظر ص (534) من هذا المجلد. [4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

وهو الفتور وقبل الميل قيل له ... إذ زاد في العقل أي بالقاف قيلوله والنّوم بعد زوال بين فاعله ... وبين فرض صلاة كان ميلوله وبعد عصر هلاكا مورثا وكذا [1] ... كقلّة العقل بالإهمال عيلوله وكان إماما، علّامة. وتوفي- رحمه الله تعالى- بالقدس الشريف في أواخر صفر. وفيها الأستاذ الأعظم شمس الدّين محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن يعقوب بن نجم الدّين بن عيسى بن داود بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، البكري الصّدّيقيّ الشّافعي الأشعريّ المصري [2] . قال في «النور» : أخذ عن والده، والقاضي زكريا، وغيرهما. وكان من آيات الله في الدرس والإملاء، يتكلم بما يحيّر العقول ويذهل الأفكار، بحيث لا يرتاب سامعه في أن ما يتكلم به ليس من جنس ما ينال بالكسب، وربما كان يتكلّم بكلام لا يفهمه أحد من أهل مجلسه، مع كون كثير منهم أو أكثرهم على الغاية من التمكن في سائر مراتب العلوم، وكان إليه النهاية في العلم، حتّى كان بعض الأجلاء ممن يحضر دروسه يقول: لولا أن باب النّبوة سدّ لاستدلّينا بما نسمعه منه على نبوته. وأما مجالسه في التفسير وما يقرّره فيها من المعاني الدقيقة والأبحاث الغامضة، مع استيعاب أقوال الأئمة، وذكر المناسبات بين السّور والآيات، وبين أسماء الذّات المقدس والصّفات، وما قاله أئمة الطريق في كل آية من علوم الإشارة، فمما يحيّر العقول ويدهش الخواطر، وجميع ما يلقيه بألفاظ مسجعة معربة موضوع كل لفظ في محلّه الذي لا أولى به.

_ [1] في «آ» : «وبعد عصر هلاك مورثا وكذا» وفي «ط» : «وبعد عصر هلاك كان مورثا وكذا» . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (414- 432) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 187- 193) و «الأعلام» (7/ 60- 61) و «معجم المؤلفين» (11/ 281) .

ولم يحفظ أحد له هفوة في لفظ من ألفاظه من جهة إعراب أو تصريف، أو تقديم، أو تأخير، أو غير ذلك من هفوات الألسن. وما من درس من دروسه إلّا وهو مفتتح بخطبة مشتملة على الإشارة إلى كل ما اشتمل عليه ذلك الدرس على طريق براعة الاستهلال، وهكذا كانت مجالسه في الفقه والحديث، وكل علم يتصدى لتقريره، وله جملة تصانيف، منها «شرح مختصر على أبي شجاع» في الفقه، وكتب أيضا على أوائل «منهج القاضي زكريا» وله رسائل في أنواع من العلوم والمعارف والآداب، كرسالته في الاسم الأعظم، ورسالته في الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم ورسالته في السّماع، وغير ذلك، وله ديوان شعر كبير منه قوله [1] : ما أريض مفتّح الأزهار ... وبهيج مشعشع الأنوار ولآل منظّمات عقودا ... لغوان عرائس أبكار وشموس تضيء في أفق السّع ... د زها ضوؤها على الأقمار وغصون بأيكها تسجع الور ... ق فتنسي ترنّم الأوتار مثل قول الإله في حقّ جدّي ... ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما في الْغارِ 9: 40 [2] ومنه قصيدته الطويلة التي مطلعها [3] : ما أرسل الرّحمن أو يرسل ... من رحمة تصعد أو تنزل في ملكوت الله أو ملكه ... من كلّ ما يختصّ أو يشمل إلّا وطه المصطفى عبده ... نبيّه مختاره المرسل واسطة فيها وأصل لها ... يفهم هذا كلّ من يعقل ومنه [4] : إذا خطب ذنب علينا دجا ... أنرنا دجاه بنور الرّجا

_ [1] الأبيات في «النور السافر» ص (419) . [2] اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة الآية (40) : ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما في الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا 9: 40. [3] الأبيات في «النور السافر» ص (419) . [4] الأبيات في «النور السافر» ص (421- 422) .

فكم شدّة من ذنوب عظام ... لها الله بالعفو قد فرّجا وكم ضقت ذرعا بجرمي فما ... وجدت سوى العفو لي مخرجا فلله فالجأ ولا تيأسن ... فما خاب عبد إليه التجا ومنه [1] : انظر إلى الماء الذي ... بيد النّسيم تجعّدا قد شبّهوه بمبرد ... فلأجل ذا يبري الصّدا وكان- رضي الله عنه- يحجّ في كل عامين مرّة. وبالجملة فلم يكن له نظير في زمانه، ولم يخلف مثله. وتوفي بالقاهرة في ربيع الثاني، وقيل في تاريخ وفاته: مات من نسل أبي بكر فتى ... كان في مصر له قدر مكين قلت لما الدّمع من عيني جرى ... أرّخوه [2] (مات قطب العارفين) وفيها المولى السيد محمد بن محمد بن عبد القادر أحد موالي الرّوم وابن أحد مواليها السّيد الشريف الحنفي، المعروف بابن معلول [3] . قال في «الكواكب» : ولي قضاء الشام، وكلّف الناس المبالغة في تعظيمه، وماتت له بنت فصلى عليها شيخ الإسلام الوالد، وعزّاه بالجامع الأموي، ولم يذهب معها [4] ، [5] [لأنه حينئذ كان يؤثر العزلة وعدم التردد إلى الحكّام] [5] ، فحنق عليه، ثم لما ولي مصر ثم قضاء العسكر [6] وجّه [7] التّقوية عن الوالد للشيخ محمد

_ [1] البيتان في «النور السافر» ص (425) . [2] وفاته في حساب الجمّل سنة (984) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 29- 30) . [4] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «معها» وفي «ط» : «معه» . [5] ما بين الرقمين زيادة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف. [6] في «ط» : «العساكر» . [7] في «آ» و «ط» : «فوجه» وما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف وانظر تعليق محققه على هذه اللفظة فيه.

الحجازي، المعروف بابن سماقة. ثم باشر قضاء العسكر سبعة عشر يوما، ثم جنّ وأخذ من مجلس الديوان محمولا. وولي قضاء العسكر بعده جوي زاده فأعاد التقوية إلى الشيخ [1] ، ثم ولي ابن معلول الإفتاء، ثم عزل عنه سريعا، وأعطي نقابة الأشراف، ومات وهو نقيب عن ثمان وخمسين سنة. انتهى باختصار.

_ [1] أي إلى والد صاحب «الكواكب السائرة» .

سنة أربع وتسعين وتسعمائة

سنة أربع وتسعين وتسعمائة فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقميّ القاهري الشافعي [1] الإمام العلّامة أخو الشيخ شمس الدّين العلقمي. ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وهو منسوب إلى بلدة العلاقمة، قرية من كورة بلبيس، ونشأ بها، ثم رحل إلى القاهرة، وتفقّه بأخيه، والشيخ شهاب الدّين البلقيني، وقرأ «البخاري» كاملا، وثلث «مسلم» وجميع «الشفا» على قاضي القضاة شهاب الدّين الفتّوحي، وسمع عليه الأكثر من بقية الكتب الستة، بقراءة الشمس البرهمتوشي، وقرأ جميع «سيرة ابن هشام» على المحيوي يحيى الوفائي قاضي الحضرة، وجميع «رياض الصالحين» على العارف بالله تعالى أحمد بن داود النّسيمي، وجميع «البخاري» و «سيرة ابن سيد الناس» على السيد الشريف يوسف بن عبد الله الأرميوني، وأجازه بالفقه والنحو الشّهاب البلقيني تلميذ القسطلاني، وقرأ الكثير من «حلية» أبي نعيم، على الإمام المحدّث أحمد بن عبد الحقّ. وكان في ابتداء أمره يلازم دروس الشّهاب الرّملي ويسمعه، وله مشايخ غير هؤلاء. وبالجملة فقد كان إماما، عالما، عاملا، رحمه الله تعالى. وفيها شهاب الدّين أحمد بن قاسم العبّاديّ القاهريّ الشافعيّ [2] الإمام العلّامة الفهّامة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 87- 88) . [2] ترجمته في «تراجم الأعيان» (1/ 62- 64) و «الكواكب السائرة» (3/ 124) و «معجم المؤلفين» (2/ 48- 49) .

أخذ العلم عن الشيخ ناصر الدّين اللقاني، ومحقّق عصره بمصر شهاب الدّين البرلسي المعروف بعميرة، والعلّامة قطب الدّين عيسى الصّفوي. وبرع وساد، وفاق الأقران، وسارت [1] بتحريراته الرّكبان، وتشنّفت من فرائد فوائده الآذان. ومن مصنّفاته «الحاشية على شرح جمع الجوامع» المسماة ب «الآيات البيّنات» و «حاشية على شرح الورقات» و «حاشية على المختصر في المعاني والبيان» و «حاشية على شرح المنهج» . وأخذ عنه الشيخ محمد بن داود المقدسي وغيره. وتوفي بالمدينة المنورة عائدا من الحجّ. وفيها- تقريبا- نور الدّين علي بن محمد العسيلي المصري الشافعي [2] الإمام العلّامة الأديب المفنّن في العلوم النقلية والعقلية. ذكره الشعراوي، وأثنى عليه بالخشية والبكاء عند سماع القرآن والتهجد. قال: وكان يغلب عليه أحوال الملامية، وأن غالب أعماله قلبية. وكان إماما، علّامة، له «حاشية» حافلة على «مغني ابن هشام» . ومن نظمه قوله في صدر قصيدة: رعى الله ليلة وصل خلت ... خلوت بها وضجيعي القمر صفت عن رقيب وعن عاذل ... فلم تك إلّا كلمح البصر وقد قصرت بعد طول النّوى ... وما قصرت مع ذاك القصر وقوله في عبد له اسمه فرج: لكلّ ضيق إذا استبطأته فرج ... وكلّ ضيق أراه فهو منفرج

_ [1] في «ط» : «وسارات» وهو خطأ. [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 180- 181) .

وكان الشيخ نور الدّين من أخصّ الناس بالشيخ محمد بن أبي الحسن البكري. وفيها شمس الدّين أبو مسلم محمد بن محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد الصّماديّ الدمشقي القادريّ الشافعيّ [1] . ولد سنة إحدى عشرة وتسعمائة. قال في «الكواكب» : وكان من أمثل الصوفية في زمانه، وله شعر في طريقتهم، إلا أنه لا يخلو من مؤاخذة في العربية، وكان شيخ الإسلام الوالد يجلّه ويقدّمه على أقرانه من الصّوفية ويترجمه بالولاية، وأفتى شيخ الإسلام الوالد تبعا لشيخي الإسلام شمس الدّين بن حامد، والتّقوى بن قاضي عجلون بإباحة طبولهم في المسجد وغيره، قياسا على طبول الجهاد والحجيج، لأنها محرّكة للقلوب إلى الرّغبة في سلوك الطريق، وهي بعيدة الأسلوب عن طريقة أهل الفسق والشرب. وكان الأستاذ الشيخ محمد البكري يجلّ [2] صاحب الترجمة لأنهما اجتمعا في بيت المقدس، وعرف كل منهما مقدار الآخر. قال النجم الغزّي: وما رأيت في عمري أنور من أربعة إذا وقعت الأبصار عليهم شهدت البصائر بنظر الله إليهم، أجلّهم والدي، والشيخ محمد الصّمادي، والشيخ محمد اليتيم، ورجل رأيته بمكّة المشرّفة سنة إحدى وألف. وكان الشيخ محمد الصّمادي [3] معتقدا للخواص والعوام، خصوصا حكام دمشق والواردين إليها من الدولة. وكانوا يقصدونه في زاويته للتبرك وطلب الدّعاء منه. وبالجملة كان من أفراد الدهر.

_ [1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 168- 169) و «الكواكب السائرة» (3/ 16- 20) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 185- 187) . [2] في «ط» : «يبجل» وهو خطأ. [3] في «ط» : «الصماد» .

توفي- رضي الله عنه- ليلة الجمعة عاشر صفر، ودفن بزاويتهم داخل باب الشاغور. وكانت دمشق قبل ذلك مزيّنة بثلاثة أيام [1] لفتح تبريز، وقيل في تاريخ وفاته: لهف قلبي على الصّماديّ دوما [2] ... الحسيب النّسيب أعني محمّد مذ توفي أهل النّهى أرّخوه [3] ... (مات قطب من الرّجال ممجّد) انتهى باختصار. وفيها المولى محمد بن عبد الكريم، الملقّب بزلف نكار الحنفي الرّومي القسطنطيني [4] الإمام العلّامة. قال في «العقد المنظوم» وهو آخر من ترجم فيه. كان من ملازمي المولى جعفر، وتنقّل في المدارس، وله «حواش» مقبولة على «حواشي التجريد» للشريف الجرجاني، و «رسالة» على أول كتاب العتاق من «الهداية» ورسائل أخر في علم البيان، وغيره. وكان فاضلا، عالما، عاملا، أديبا، وقورا، خيّرا، صبورا. انتهى

_ [1] في «ط» : «قبل ذلك بثلاثة أيام مزينة» . [2] في «ط» : «يوما» وهو خطأ. [3] وفاته في حساب الجمّل سنة (994) . [4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (502) .

سنة خمس وتسعين وتسعمائة

سنة خمس وتسعين وتسعمائة فيها توفي المولى محيي الدّين محمد [1] بن محمد [1] بن إلياس، المعروف بجوي زاده [2] الحنفي الإمام العلّامة. قال في «الكواكب» : هو أحسن قضاة الدولة العثمانية وأعفّهم وأصلحهم سيرة. ترقّى في المدارس على عادة موالي الرّوم، وولي قضاء دمشق، فدخلها في خامس عشر صفر سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وهي سنة ميلادي، وانفصل في ختام السنة عن قضاء دمشق، وأعطي قضاء مصر، ثم صار قاضيا بالعساكر. وفي آخر أمره صار مفتيا بالتخت السلطاني، وكانت سيرته في قضائه في غاية الحسن بحيث يضرب بها المثل. وكان عالما، فاضلا، بارعا، ديّنا، خيّرا، عفيفا. كان رسم الحجة في دمشق قبل ولايته أربع عشرة قطعة فجعله عشرا، وكان رسم الصورة ثمان قطع فجعله ستا، ودام على ذلك، وأخذ بعض نوابه في بعض الوقائع ما زاد على ذلك فردّه، وقرأ على الشيخ الوالد في أوائل الكتب الستة وغير ذلك، وحضر بعض دروسه في الفقه والتفسير، واستجازه فأجازه، وكان يفتخر بقراءته على الشيخ وإجازته. وكان- رحمه الله تعالى- حليما إلى الغاية إلا في أمر الدّين ومصالح المسلمين، فإنه كان صلبا، يغضب لله تعالى، وبالغ في ردع الساسة، وربما

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 27- 29) .

ضرب بعضهم، ولم يقبل من أحد هديّة أيام قضائه، ولما انفصل عن دمشق أمر مناديا ينادي يوم الجمعة بالجامع الأموي أنّ قاضي القضاة عزل عن دمشق، فمن أعطاه شيئا، أو أخذ منه أحد من جماعته شيئا، أو تعدى عليه أحد من جماعته، فليرفع قصته إليه حتى يردّ إليه ما انتزع منه، فرفعت الناس أصواتهم بالبكاء والدعاء له، ودام في ولاياته كلها على التعبّد والورع في طعامه، وشرابه، ولباسه. ومات، وهو مفتي التخت السلطاني ليلة الخميس سادس جمادى الآخرة. انتهى ملخصا. وفيها مصطفى بن محمد العجمي [1] الحلبي ثم الدمشقي الشافعي [2] . كان أبوه من تجار دمشق وأهل الخير، وكان لصاحب الترجمة معرفة بالفرائض والحساب، ومشاركة في عدة فنون، وله شعر لطيف. قاله في «الكواكب» .

_ [1] تحرفت لفظة «العجمي» في «ط» إلى «العجي» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 207) .

سنة ست وتسعين وتسعمائة

سنة ست وتسعين وتسعمائة فيها توفي المولى برويز بن عبد الله الرّومي الحنفي [1] الإمام العالم العلّامة. قرأ على علماء عصره، وتنقّل في المدارس، وولى عدة من المناصب الشريفة. وكان بارعا مفنّنا، له «حاشية على تفسير البيضاوي» . و «حاشية على الهداية» ورسائل في فنون عديدة. وفيها الشريف الفاضل محمد بن الحسين الحسيني السّمرقندي [2] . قال في «النور» : كان فاضلا، منشئا، يعرف عدة ألسن، مثل العربية، والفارسية، والرّومية، والهندية، والحبشية. وكان أهل المدينة إذا أرادوا مكاتبة أحد الأكابر، لا يكتبون ذلك إلّا بإنشائه، ولما مات أحصيت كتبه فكانت ألفا وتسعين كتابا، ووجد بخطه هذان البيتان [3] : روحي ائتلفت بحبّكم في القدم ... من قبل وجودها وبعد العدم ما يجمل بي من بعد عرفانكم ... أن أنقل من طرق هواكم قدمي وذكر أنهما لسيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني [4] قدس الله روحه، وأنهما إذا قرئا في أذن المصروع أفاق البتة.

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 137) و «معجم المؤلفين» (3/ 43- 44) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (442) و «الأعلام» (6/ 102) . [3] وهما من الدّوبيت. [4] ويقال له أيضا «الجيلاني» .

وتوفي بالمدينة المشرّفة ليلة الخميس تاسع المحرم. انتهى وفيها جمال الدّين محمد بن الصّديق الخاص الحنفي اليمني الزّبيدي [1] . قال في «النور» : كان إماما، عالما، رحلة، محقّقا، مدقّقا، من كبار علماء زبيد وأعيان المدرّسين بها، والمفتين على مذهب الإمام الأعظم، ليس له نظير في زمانه، ولم يخلّف في ذلك القطر مثله. وتوفي بزبيد عصر يوم الأربعاء رابع شعبان. انتهى

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (443) .

سنة سبع وتسعين وتسعمائة

سنة سبع وتسعين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن الشيخ شهاب الدّين أحمد بن عبد الحقّ المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة. أخذ عن والده وغيره من أعيان علماء مصر، ودأب، وحصّل، ودرّس وأفتى، وصار ممن يشار إليه في الإقليم المصري بالبنان، وتتشنّف بفرائد فوائده الآذان، رحمه الله تعالى [2] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 117) . [2] قلت: وفيها مات العلّامة الشيخ عمر بن محمد بن أبي اليمن بن سلطان الدمشقي، مفتي الشام، الذي طواه يومه كما طوى قومه في غرة ربيع الثاني. انظر «الذيل الأول لعرف البشام» ص (218) . وفيها أيضا مات الحسين الحافظ التبريزي، الشهير بابن الكربلائي، نزيل دمشق، وكانت بينه وبين العلّامة محمد بن الحسن البوريني صحبة ومودة، وقد نظم في مدحه التالي: محاسن مولانا الحسين كثيرة ... يقصّر عنها وصف كلّ مقال ففي الشّعر ما وزن الهلاليّ وزنه ... وفي الخطّ قد أربى على ابن هلال انظر «تراجم الأعيان» (2/ 165- 169) . وفيها أيضا مات الملا حسين قنبر الشيرازي المذهب الشاعر الشهير. انظر «تراجم الأعيان» (2/ 170- 175) .

سنة ثمان وتسعين وتسعمائة

سنة ثمان وتسعين وتسعمائة فيها توفي المنلا أسد [الدّين] بن معين الدّين الشّيرازي الشافعي [1] نزيل دمشق الإمام العلّامة المحقّق المدقّق. قال في «الكواكب» : أكثر انتفاعه بالشيخ علاء الدّين بن عماد الدّين، قرأ عليه «الإرشاد» في الفقه لابن المقري، وقرأ عليه في «شرح المفتاح» في المعاني، والبيان، وشرح «الطوالع» للأصبهاني، و «العضد» [كلاهما في الأصول] وفي «الكشّاف» والقاضي. وكتب بخطّه «المطوّل» و «ديوان أبي تمّام» و «المتنبي» و «شرح ابن المصنّف» على «الألفية» وغير ذلك، ودرّس بالنّاصرية البرّانية، ثم بالشامية، وجمع له بينهما، وأفتى بعد موت الشيخ إسماعيل النابلسي، وعنه أخذ أكثر فضلاء الوقت، كالشيخ حسن البوريني، والشّهابي أحمد بن محمد المنقار، والشيخ محمد بن حسين الحمّامي، وغيرهم. وله شعر رائق بليغ، كأنه لم يكن أعجميا. ومن شعره: قال لي صاحبي غداة التقينا ... إذ رآني بمدمع مهراق لم تبكي فقلت قد أنشدوني ... مفردا فائقا لطيف المذاق كلّ من كان فاضلا كان مثلي ... فاضلا عند قسمة الأرزاق وتوفي في جمادى الثانية ودفن بسفح قاسيون. انتهى

_ [1] ترجمته في «تراجم الأعيان» (2/ 34- 48) وما بين الحاصرتين زيادة منه، و «الكواكب السائرة» (3/ 127- 129) وعبارة «كلاهما» في الأصول زيادة منه.

وفيها الحافظ جمال الدّين الطّاهر بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي [1] محدّث الدّيار اليمنية. قال في «النور» : ولد سنة أربع عشرة وتسعمائة بقرية المراوعة، وبها نشأ وتعلّم القرآن، وقرأ على إمام جامعها فخر الدّين بن أبي بكر المعلّم علوم النحو، والفقه، والحساب، وغير ذلك، ثم انتقل إلى مدينة زبيد، ولازم الحافظ عبد الرحمن بن الدّبيع، وانتفع به انتفاعا كلّيا [2] رقى به إلى درجة الكمال، وساد على الأمثال، وله مشايخ كثيرة في الحديث وغيره، منهم أبو العبّاس الطّنبذاوي، ووجيه الدّين ابن زياد، والسّيد عبد المحسن الأهدل، وبرهان الدّين مطيّر، وخلائق، وأجازوا له، وارتحل إلى مكّة المشرّفة، وجاور بها، واجتمع فيها بجماعة من العلماء، مثل شيخ الإسلام أبي الحسن البكري، وقرأ عليه وعلى الحافظ أبي السّعادات المالكي وغيرهما، ثم إنه انفرد بعد شيخه ابن الدّيبع برئاسة الحديث، وارتحل إليه الناس، وكثر الآخذون عنه، منهم الحافظ محيي الدّين البزّاز، ومحمد بن أحمد الصّابوني، وبرهان الدّين بن جعمان، وعبد الرحمن الضّجاعي، وأمين الدّين الأحمر [3] ، وتخرّج به ابن ابنه العلّامة السيد الحسين بن أبي بكر بن الطّاهر المترجم، وعمي بآخر عمره بعد أن حصّل بخطّه كتبا كثيرة، وصنّف أشياء حسنة. وبالجملة فإنه كان أوحد عصره علما، وعملا، وحفظا، وإتقانا، وضبطا، ومعرفة بأسماء الرجال، وجميع علوم الحديث، بحيث كان مسند الدّنيا. وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول بمدينة زبيد، ودفن بباب سهام بمقبرة أهله. انتهى. وفيها وجيه الدّين ميان الهندي [4] .

_ [1] ترجمته في «النور السافر» ص (447) و «معجم المؤلفين» (5/ 34- 35) . [2] لفظة «كلّيا» لم ترد في «ط» و «النور السافر» مصدر المؤلف. [3] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الأعمر» . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (456) .

قال في «النور» : توفي بأحمدآباد، وكان من أهل العلم والزّهد، وحصل له القبول التام من الناس، وانتفع به الطلبة في كثير من الفنون، واشتهر أمره جدا. انتهى. وتقدمت ترجمة ميان عبد الصّمد الهندي أيضا [1] ، وهذا غيره [2] .

_ [1] في «آ» و «ط» : «عبد الصمد ميان الهندي» والتصحيح من ترجمته في وفيات سنة (985) ص (598) من هذا المجلد. [2] قلت: وفي هذه السنة أيضا مات العلّامة الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد الأيدوني الشّافعي، كان من حفّاظ كتاب الله تعالى، قرأه بالعشر على الشيخ شهاب الدّين الطيبي، وقرأ التفسير على العلّامة الشيخ بدر الدين الغزّي. وكان عالما، عاملا، ديّنا، خاشعا لله تعالى، كثير البكاء، وكان الناس يقصدون إمامته لحسن صوته وصحة قراءته. قال تلميذه العلّامة الحسن بن محمد البوريني: وسمعته يقول عند ما كتب علماء دمشق محضرا بأن غيره أولى منه بالإمامة: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ 43: 19 (الزخرف: 19) . انظر «تراجم الأعيان» (1/ 160) .

سنة تسع وتسعين وتسعمائة

سنة تسع وتسعين وتسعمائة قال في «النور» [1] : في يوم الأربعاء رابع عشر رجب زالت الدولة المهدويّة بأحمد نكر من بلاد الدّكن. وقتل الوزير جمال خان [2] ، وجيء برأسه إلى أحمد نكر، وطيف به فيها، ثم علّق أيّاما، وتسلطن برهان شاه. انتهى. وفيها توفي المولى عبد الغني بن ميرشاه الحنفي [3] أحد الموالي الرّومية. تنقّل في المدارس إلى أن وصل إلى السليمانية، ثم أعطي منها قضاء دمشق عوضا عن محمد أفندي بن بستان في سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وعزل عنها بتولية قضاء مصر سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ثم ولي دمشق بعد قضاء العسكرين في سنة أربع وتسعين وتسعمائة، ثم عزل عنها وعاد إلى الرّوم فمات بها. وفيها الشيخ محمد بن محمد بن موسى البقاعي الحمّادي الشافعي [4] نزيل دمشق، المعروف بالعرّة، الزّاهد الصّالح العارف بالله تعالى. قال في «الكواكب» : كان دسوقي الطريقة، وصحب سيدي محمد الأسد الصّفدي من أصحاب سيدي محمد بن عراق، وكان بينهما مصاهرة أو قرابة، وكان الشيخ محمد العرّة مواظبا على ذكر الله، لا يفتر عنه طرفه عين، ووجهه مثل الورد

_ [1] انظر «النور السافر» ص (459) . [2] ترجمته في «النور السافر» ص (459- 460) . [3] ترجمته في «الكواكب السائرة» . [4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 30- 32) .

يتهلل نورا، بحيث إنّ من رآه ذكر الله تعالى عند رؤيته، وعلم أنه من أولياء الله تعالى، إلى أن قال بعد ثناء طويل حسن: وهو ممن أرجو أن ألقى الله على محبته واعتقاده رضي الله تعالى عنه. وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء، تاسع عشر ربيع الأول. وفيها المولى محمد بن حسن الشريف الحسيب، المعروف بالسّعودي [1] . أخذ هو وأخوه [2] محمد المعروف بالحبابي عن المولى أبي السعود، وتوفي أخوه [2] قبله، بعد أن ولي عدة مناصب، منها قضاء حلب. وكان صاحب الترجمة إماما، محقّقا، مدقّقا، وتوفي بآمد [3] .

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 55- 56) . [2] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [3] قلت: وفيها مات العلّامة الفاضل الشيخ علي بن بيان الفارسي الشهير ب «عيان» صاحب كتاب «مملكة المنتصف ومهلكة المعتسف» . انظر «كشف الظنون» (2/ 182) و «معجم المؤلفين» (7/ 49) .

سنة ألف

سنة ألف فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن حسين بن يوسف بن موسى الحصكفي [1] الأصل الحلبي المولد والدار، الشافعي، المعروف بابن المنلا جدّه لأبيه. كان قاضي قضاة تبريز، شهرته منلا جامي شرح المحرر، وجدّه لأمّه الشرفي يحيى أجا بن أجا. قال في «الكواكب» : مولده سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ونشأ في كنف أبيه، واشتغل بالعلم، فقرأ على ابن الحنبلي في «مغني اللبيب» فما دونه من كتب النحو، وفي «شرح المفتاح» ، والمنطق، والقراآت، والحديث، وفي مؤلفاته. وصحب سيدي محمد بن الشيخ علوان وهو بحلب سنة أربع وخمسين، وسمع منه نحو الثلث من البخاري، وحضر مواعيده، وسمع المسلسل بالأولية من البرهان العمادي، وأجاز له، وقرأ بالتجويد على الشيخ إبراهيم الضّرير الدمشقي نزيل حلب كثيرا، وأجاز له، وذلك في سنة ست وخمسين، ورحل إلى دمشق رحلتين، وأخذ بها عن شيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه بالشامية، وبحث فيها بحوثا حسنة مفيدة أبان فيها عن يد في الفنون طولى، وكلما انتقل من مسألة إلى غيرها تلا لسان حاله وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ من الْأُولى 93: 4 [الضحى: 4] كما شهد

_ [1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 109- 111) و «درّ الحبب» (1/ 1/ 239- 268) و «الأعلام» (1/ 235) و «معجم المؤلفين» (2/ 133) .

بذلك الوالد في إجازته له [1] وقرأ على النّور السّنفي [2] قطعة من «البخاري» و «مسلم» وحضر عنده دروسا من المحلّي و «شرح 1) البهجة» ، وأجاز له، وقرأ بها شرح منلا زاده على «هداية الحكمة» وعلى محب الدّين التبريزي، مع سماعه عليه في التفسير، وقرأ قطعتين صالحتين من «المطوّل» و «الأصفهاني» على الشيخ أبي الفتح الشّبستري [3] ، ورحل إلى القسطنطينية سنة ثمان وخمسين، فأخذ «رسالة الأسطرلاب» عن نزيلها الشيخ غرس الدّين الحلبي، واجتمع بالفاضل المحقّق السيد عبد الرحيم العبّاسي، واستجاز منه رواية «البخاري» فأجاز له فمدحه بقوله: لك الشّرف العالي على قادة النّاس ... ولم لا وأنت الصّدر من آل عبّاس حويت علوما أنت فيها مقدّم ... وفي نشرها أضيحت ذا قدم راس وفقت بني الآداب قدرا ورتبة ... وسدتهم بالجود والفضل والباس فيا بدر أفق الفضل يا زاهر السّنا ... ويا عالم الدّنيا ويا أوحد الناس إلى بابك العالي أتاك ميمما ... كليم بعضب عدت أنت له آس فتى عاري الآداب بادي الحجا فما ... سواك لعار عن سنى الفضل من كاس فأقبسه من مشكاة نورك جذوة ... وعلّله من ورد الفضائل بالكأس وسامحه في تقصيره ومديحه ... فمدحك بحر فيه من كل أجناس فلا زلت محمود المآثر حاوي ال ... مفاخر مخصوصا بأطيب أنفاس مدى الدّهر ما احمرّت خدود شقائق ... وما قام غصن الورد في خدمة الآس ودرّس وأفاد، وصنّف وأجاد، وله شرح على «المغني» جمع فيه بين حاشيتي الدّماميني والشّمنّي، وشرح شواهده للسيوطي، وكتب ونظم الشعر الحسن. فمن شعره في مليح لابس أسود: ماس في أسود اللباس حبيبي ... ورمى القلب في ضرام بعاده

_ [1] ما بين الرقمين سقط من «آ» . [2] هو الإمام العلّامة نور الدين علي بن علي السّنفي المصري، وقد تقدمت ترجمته في وفيات سنة (991) من هذا المجلد ص (622) . [3] في «آ» و «ط» : «الشبشتري» وفي «الكواكب السائرة» : «السبستري» وما أثبته من «درّ الحبب» .

لم يمس في السواد يوما ولكن ... حلّ في الطّرف فاكتسى من سواده وتوفي سنة ألف، قتله اللصوص في بعض قراه، رحمه الله تعالى، ثم تحرر لي [1] من خطّ العلّامة الشيخ عمر العرضي أنه مات في سنة ثلاث وألف. انتهى. وفيها بدر الدّين حسين بن عمر بن محمد النّصيبي الشافعي [2] . أخذ النحو والصّرف عن العلاء الموصلي، والفقه عن البرهان التسيلي، والبرهان العمادي، والشّمس الخناجري، والنحو وغيره عن الشّهاب الهندي، وعن منلا موسى بن عوض الكردي، والشيخ محمد المعرّي، الشهير بابن المرقي. ورحل إلى حماة، فدخل في مريدي الشيخ علوان، وزوّجه الشيخ ابنته. وكان إماما، عالما، شاعرا، مطبوعا، له مساجلات، مع ابن المنلا. وكان بينهما غاية الاتحاد والمحبّة. وفيها سراج الدّين عمر بن عبد الله العيدروس [3] الشريف الحسيب اليمني الشافعي الإمام العالم. قال في «النور» : كان من العلماء العاملين والمشايخ العارفين، وكان عيدروسيا من الأب والأم، الشيخ عبد الله العيدروس جدّه من الطرفين، وتصدّر بمكّة المشرّفة سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، فقام بالمقام أتمّ قيام، ومشى على طريق السّلف الصالح. وتوفي بعدن في المحرّم ودفن بها في قبّة جدّه لأمّه الشيخ أبي بكر العيدروس. وفيها جمال الدّين محمد بن علي الحشيبريّ [4] الشيخ الكبير.

_ [1] القائل الغزّي صاحب «الكواكب السائرة» . [2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 145- 146) . [3] ترجمته في «النور السافر» ص (461- 463) . [4] ترجمته في «النور السافر» ص (463- 464) .

قال في «النور» : كان من المشايخ المشهورين، ورزق القبول في حركاته وسكناته، وحصلت له شهرة عظيمة، ورويت عنه كرامات، ولا يقدح في جلالته ذمّ بعض العلماء له، وتنقيصهم [1] إيّاه بحسب ما يظهر لهم من أموره، من غير نظر إلى خصوصيته، فقد قيل: المعاصر لا يناصر، ولا زالت الأكابر على هذا وفيما يقع له من التخريفات والشّطحات له أسوة بغيره من الصوفية، كما أن للمنكرين أسوة بغيرهم من العلماء، وحمل ما يصدر منه من الأحوال الغريبة على أحسن المحامل أولى، فإن بني حشيبر أهل صلاح وولاية، وخرقتهم تعود إلى أبي الغيث بن جميل اليمني. وتوفي المترجم ليلة الأحد سابع عشر ربيع الثاني بأحمدآباد. انتهى، والله أعلم.

_ [1] في «ط» : «وتنقيصه» وهو خطأ.

[1] قال مؤلّفه شيخنا أمتع الله به وأطال بقاءه ونفع به المسلمين [1] : وهذا آخر ما أردنا جمعه من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» وقد بذلت في تهذيبه وتنقيحه وسعي، وسهرت لأجله ليالي من عمري، ونقّحت عبارات رأيت ناقليها انحرفوا فيها عن نهج الصواب، إما لغلط، أو سبق قلم، أو تحامل على مترجم، ونحو ذلك، وتحريت ما صحّ نقله، وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبتّه ولطلب الاختصار، وأنا أرجو من [2] الله تعالى أن ييسر لي عمل ذيل لأهل القرن الحادي عشر بمنّه وكرمه. [3] قال مؤلّفه فسح الله في مدته وأعاد علي وعلى المسلمين من بركته وبركة علومه في الدنيا والآخرة [3] : وكان الفراغ منه [4] في يوم الاثنين تاسع عشر شهر رمضان المعظّم من شهور سنة ثمانين وألف، [5] وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله [5] [6] على يد جامعه أفقر العباد أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد، غفر الله له ولمن ستر عيبا رآه وأصلح فيه خللا أبصرته عيناه، آمين، والحمد لله ربّ العالمين [6] .

_ [1] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» . [2] لفظة «من» لم ترد في «ط» . [3] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» . [4] في «ط» : «وكان الفراغ من تأليفه» . [5] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» . [6] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .

وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة الشريفة صبيحة يوم الجمعة رابع عشر شهر شوال من شهور سنة خمس وثمانين وألف، على يد أحقر العباد الفقير إلى الله تعالى شعبان بن عبد الله بن يوسف بن علي الشافعي الخزرجي، غفر الله له ولوالديه ولمن دعا له بالمغفرة آمين. ونقلت هذه النسخة المباركة من خطّ مؤلّفها بلّغه الله مناه، وجعل الجنة جزاه، وهي ثالث نسخة تمت فلله الحمد والمنة. وصلّى الله على من لا نبي بعده، وصلى الله على آله وأصحابه وتابعيه وأجزى به وسلّم تسليما كثيرا [1] .

_ [1] وجاء في آخر النسخة «ط» ما نصه: «وكان الفراغ من نسخه يوم الخميس خامس عشر شهر رجب الفرد، الذي هو من شهور سنة أربع وثمانين وألف، على يد الفقير الحقير محمد بن أحمد المحيوي الصالحي، عفي عنهم آمين. وهي أول نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى» .

خاتمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم خاتمة التحقيق تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيق المجلد العاشر- وهو الأخير- من هذا الكتاب العظيم «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي الدمشقي، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا فيه، وإن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله حجّة لنا ولمؤلّفه يوم العرض عليه بفضله وكرمه. وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر الجزيل لكل من أعان بجهد أدبي أو بذل مادي، فكان لعونهم أكبر الأثر في وصول الكتاب إلى أيدي القراء بهذا القدر من الإتقان، وأخص منهم بالذّكر: والدي وأستاذي المحدّث المحقّق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، الذي كان لإشرافه وتخريجاته وملاحظاته وتوجيهاته أكبر الأثر في بلوغ الكتاب ما بلغه من الإتقان، جزاه الله تعالى عني كل خير، وأحسن إليه في الدّنيا والآخرة. والأستاذ الكبير الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية والمدير العام لهيئة الموسوعة العربية بدمشق، لتفضله بالتقديم للمجلد التاسع من الكتاب، ولما لمسته منه من التأييد والتشجيع أثناء عملي في تحقيق الكتاب، جزاه الله تعالى خير الجزاء وأعلى مقامه في الدنيا والآخرة. وصديقي الفاضل الأستاذ الدكتور خالد عبد الكريم جمعة المدير السابق لمعهد المخطوطات العربية، الذي تكرّم بالتقديم للمجلد الأول من الكتاب،

وتفضل بتأمين المصورات لمعظم المصادر غير المطبوعة التي استعنت بها في التحقيق وأرسلها إليّ هدايا خالصة منه، فجزاه الله تعالى عني وعن العلم والتراث خير الجزاء. وصديقي الفاضل الأستاذ رياض عبد الحميد مراد، الذي أفدت من ملاحظاته القيّمة النافعة التي اتصلت بالتحقيق وتصحيح تجارب الطبع، جزاه الله تعالى كل خير ونفع به. وصديقي الفاضل الأستاذ صلاح الشّعّال، الذي أعانني في مقابلة الأصول وتصحيح تجارب الطبع للمجلدات السبعة الأولى من الكتاب، أحسن الله إليه، والسادة القائمين على دار ابن كثير ممثلين بصاحب الدار الأستاذ الفاضل علي مستو، الذين بذلوا جهودا مضنية في سبيل إصدار هذه الطبعة من الكتاب وإخراجها على أفضل وجه، جزاهم الله تعالى خير الجزاء وجعل تجارتهم رابحة في الدّنيا والآخرة. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك [1] . دمشق في الحادي عشر من شهر شعبان المعظم لعام 1413 هـ الموافق للثالث من شهر شباط لعام 1993 م محمود الأرناؤوط

_ [1] عنواني الدائم هو: (ص. ب 6000- دمشق- سورية) .

المجلد الحادي عشر

[المجلد الحادي عشر] تقديم الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم. والصلاة والسلام على سيّدنا محمد سيّد العرب والعجم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدّين. وبعد: فها هي فهارس «شذرات الذهب» تنضم إلى مجلدات الكتاب العشر من الطبعة التي أكرمني الله عزّ وجل بتحقيقها والتعليق عليها، بإشراف والدي وأستاذي المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ونشرتها دار ابن كثير الزاهرة بدمشق وبيروت بين عامي 1406 و 1414 هـ. وقد كان من خطتي التي وضعتها لتحقيق الكتاب وخدمته، إعداد فهارس تفصيلية لجميع ما احتوى عليه من الفوائد في مجلد واحد [1] ، ظنا مني في حينها بأنه سيتسع لها، ولكنني حين شرعت بإعداد الفهارس بعد انتهاء العمل في المجلد السابع، أيقنت بأنه لا يمكن لمجلد واحد أن يستوعب جميع الفهارس التي كان في نيتي إعدادها، فالكتاب يحتوي على نحو من عشرة آلاف ترجمة، أي: بما يزيد على ال (40 در صد) - على الأقل- عن عدد التراجم التي احتوى عليها كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي [2] ، وهو من أكبر كتب التراجم حجما وأبعدها أثرا، وقد عبّرت عن ذلك للأخ الأستاذ علي مستو صاحب دار ابن كثير، وبيّنت له بأنه لا بدلي من إخراج الفهارس في مجلدين لتستوعب العدد الذي كان من خطتي إعدادها من الفهارس، فألح عليّ بالالتزام بما كنت وعدت القراء به في حاشية المجلد الأول التي سبقت الإشارة إليها، فما كان أمامي سوى الامتثال لرغبته، ومن ثم التفكير بالاقتصار على عدد من الفهارس الهامة التي تفتح مغاليق الكتاب وتقرّب فوائده إلى أيدي القراء ولا سيما الباحثين منهم، فيممت وجهي نحو إعداد خمس منها وهي التالية: 1- فهرس الآيات القرآنية الكريمة: وفائدتها تكمن في مراجعة مواطن الاستشهاد بها، علّها تقدم شيئا يتصل بأمور العقيدة والتفسير والاحتجاج. 2- فهرس الأحاديث والآثار: وفائدتها تكمن في مراجعة مواطن الاستشهاد بها من جهة، والاستفادة من تخريجها والحكم عليها من جهة أخرى. 3- فهرس التراجم التي احتوى عليها الكتاب: وقد عنيت به عناية خاصة لأنه أهم الفهارس جميعها، فعن طريقه يمكن للباحث الوصول إلى الترجمة التي يرغب بالوقوف عليها. وقد اجتهدت بفهرسة اسم المترجم في محلّه من ترتيب حروف المعجم مراعيا ذكر كنيته في آخر اسمه لتمام الفائدة، ثم فتحت بطاقات فرعية لمن دعت الحاجة لفتح بطاقة له من الأعلام المترجم لهم في الكتاب وفي بعض الأحيان أكثر من بطاقة، وذلك فيما يتصل بالأنساب والألقاب والكنى، وبما عرف به البعض منهم من أوصاف أو نعوت أخرى، كي يستطيع الباحث الوصول إلى بغيته من أيسر طريق، وقد التزمت في إعداد هذا الفهرس ترتيب اللفظة الأولى والثانية والثالثة والرابعة على نسق حروف المعجم وفي الأسماء والإحالات على حد سواء. 4- فهرس البلدان والأماكن: وقد بذلت قصارى جهدي- أثناء ترتيبه- في بيان موضع الأماكن في الوقت الراهن ولا سيما بالنسبة للمساجد والمدارس لأنها من أكثر الأمور اختلاطا على المشتغلين في أيامنا، وهذا الفهرس من الأهمية بمكان بما تضمنه من أسماء البقاع الكثيرة في جنبات العالم الإسلامي الكبير، مما قد لا يقع الباحث عليه في مراجع أخرى نظرا لوصول الكتاب إلى نهاية القرن العاشر الهجري ومروره بدول إسلامية مختلفة وآخر تلك الدول الدولة العثمانية. 5- فهرس الشعر: وقد حرصت على إعداده حرصا خاصا نظرا لأهميته القصوى لدى المشتغلين بالشعر والأدب، ولما احتوى عليه الكتاب من أبيات شعرية كثيرة جدا ولشعراء كثر ومن فترات زمنية مختلفة، وربما استشهد المؤلف بالبعض منها ولم أجده في ديوان صاحبه المطبوع، وقد روعي في ترتيب الأبيات حرف الروي ثم البحر ضمن الحرف الواحد، والحركة ضمن البحر الواحد، والبحور: الطويل، المديد، البسيط، وهكذا حسب الدوائر العروضية، وحرصت على ذكر صدر البيت، والقافية، والبحر، والقائل، وعدد الأبيات، ثم الجزء والصفحة التي ورد فيها البيت أو الأبيات. ذلك ما صنعته في إعداد هذه الفهارس التي يراها القارئ الكريم بين يديه، فإن وفقت فذلك ما أرجوه، وإن كانت الأخرى فحسبي أنني بذلت جهدي ولم أدخر وسعا أستطيعه من أجل الوصول إلى أحسن النتائج. وتلح عليّ الأمانة أن أشيد في خاتمة هذا التقديم بمن أسهم في إعداد هذه الفهارس من الأساتذة الذين يعملون معي في مكتب ابن عساكر لتحقيق وتصحيح كتب التراث بدمشق، وهم السادة: رياض عبد الحميد مراد، محمد أمين لطفي [3] ، حسن إسماعيل مروة، ياسين محمود الخطيب، وليد يوسف العاني [4] ، جزاهم الله تعالى أحسن الجزاء وأحسن مثوبتهم. كما تلح عليّ الأمانة أن أشيد بفضل أسرة مركز المأمون للتنضيد الضوئي الذين بذلوا جهودا مضنية في تنفيذهم لهذه الفهارس على هذا النحو المتقن، وبأسرة دار ابن كثير الزاهرة ممثلة بالأخ الأستاذ علي مستو لحرصهم على طبعها وإيصالها إلى أيدي القراء بأفضل حلّة، محمود الأرناؤوط دمشق الشام في الثامن عشر من شهر جمادى الآخرة لعام 1415 هـ. وآخر دعواي أن الحمد لله ربّ العالمين. فهرس الآيات الفاتحة (1) الآية رقمها الجزء والصفحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 1: 2 1 3/ 212 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5 5 3/ 212 و 4/ 506 سورة البقرة (2) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها 2: 26 26 6/ 198 إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 2: 132 132 7/ 55 لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ 2: 68 68 7/ 56 فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله 2: 115 115 1/ 386 فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 137 1/ 202 وَأْتُوا الْبُيُوتَ من أَبْوابِها 2: 189 189 10/ 607 نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ 2: 223 223 10/ 607 وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ 2: 228 228 3/ 124 فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2: 229 229 7/ 474 الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2: 255 255 1/ 265 وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 2: 255 255 6/ 277 مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبِيلِ الله 2: 261 261 4/ 275 سورة آل عمران (3) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ 3: 26 26 5/ 319 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَراً ... 3: 30 30 6/ 25

_ [1] انظر المجلد الأول صفحة (407) . [2] الصادر عن مؤسسة الرسالة في بيروت تحقيق عدد كبير من الأساتذة والباحثين بإشراف أستاذي وزميل والدي المحدّث الشيخ شعيب الأرناؤوط. [3] وقد سعدت وسعد بصحبته معي كل من عمل في مكتب ابن عساكر أثناء عمله معنا خلال السنة الأخيرة التي سبقت مرضه ووفاته، رحمه الله تعالى وجعل مثواه الجنة. [4] وأسهم ببعض المراحل منها أيضا السادة: حسن مراد الأرناؤوط، عبد المالك الحمصي، عبد الهادي محمد منصور، أحسن الله إليهم.

وَجِيهاً في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 3: 45 45 [1] 5/ 188 إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً 3: 49 49 8/ 93 رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ 3: 53 53 6/ 521 وَمن دَخَلَهُ كانَ آمِناً 3: 97 97 2/ 543 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ 3: 102 102 3/ 89 وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً 3: 169 169 1/ 203 فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ 3: 170 170 10/ 45 لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ 3: 181 181 7/ 348 رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ ... 3: 191 191- 194 10/ 364- 365 فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ 3: 195 195 10/ 365 سورة النساء (4) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله 4: 78 78 7/ 41 لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ 4: 95 95 2/ 352 غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ 4: 95 95 2/ 352 الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ 4: 97 97 10/ 120 وَمن يَخْرُجْ من بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ... 4: 100 100 10/ 325 سورة المائدة (5) الآية رقمها الجزء والصفحة بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ 5: 64 64 4/ 132 سورة الأنعام (6) الآية رقمها الجزء والصفحة وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ 6: 79 79 1/ 386 وَمن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ 6: 84 84 2/ 124

_ [1] تنبيه: رقمت خطأ في الكتاب برقم (3) وهو رقم السورة والصواب ما أثبته هنا.

سورة الأعراب (7) الآية رقمها الجزء والصفحة وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ من غِلٍّ 7: 43 43 1/ 207 وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ 7: 117 117- 119 4/ 222 إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها من يَشاءُ 7: 128 128 2/ 262 يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً 7: 138 138 1/ 226 وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ 7: 156 156 3/ 344 سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ 7: 182 182 7/ 341 سورة الأنفال (8) الآية رقمها الجزء والصفحة وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى 8: 17 17 10/ 200 وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ 8: 23 23 8/ 233 لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا 8: 42 42 118/ 6 و 7/ 111 وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها 8: 61 61 7/ 344 إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ في الْأَرْضِ 8: 73 73 4/ 149 سورة التوبة (9) الآية رقمها الجزء والصفحة يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ ... 9: 21 21 10/ 445 ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما في الْغارِ 9: 40 10 10/ 633 وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ ... 9: 92 94 10/ 143 إِنَّ الله اشْتَرى 9: 111 111 6/ 223 سورة يونس (10) الآية رقمها الجزء والصفحة فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ 10: 92 92 4/ 149 فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ 10: 98 98 2/ 277

سورة هود (11) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّهُ لَيْسَ من أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ 11: 46 11 2/ 465 وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا 11: 113 113 8/ 90 سورة يوسف (12) الآية رقمها الجزء والصفحة قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ 12: 33 35 9/ 13 فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 12: 64 64 6/ 277 قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي 12: 65 65 4/ 320 إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ 12: 94 94 6/ 147 سورة الرعد (13) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ 13: 11 11 6/ 303 وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها 13: 13 13 9/ 257 فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً 13: 17 17 8/ 390 وَمن عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ 13: 43 43 1/ 234 سورة إبراهيم (14) الآية رقمها الجزء والصفحة وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ 14: 15 15- 16 2/ 111 إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ 14: 34 34 8/ 90 رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ... 14: 37 37- 40 10/ 364 سورة الحجر (15) الآية رقمها الجزء والصفحة رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ 15: 2 2 6/ 182 نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 15: 49 49 10/ 167

إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ 15: 58 58- 59 9/ 111 سورة النحل (16) الآية رقمها الجزء والصفحة وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ 16: 16 16 10/ 543 يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ 16: 50 50 7/ 41 وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ به 16: 126 126 1/ 120 سورة الإسراء (17) الآية رقمها الجزء والصفحة وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا 17: 36 36 7/ 339 عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 17: 79 79 4/ 253 سورة الكهف (18) الآية رقمها الجزء والصفحة وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ 18: 18 18 4/ 488 وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً 18: 49 49 7/ 471 فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً 18: 105 105 4/ 67 سورة مريم (19) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ 19: 18 18 1/ 384 أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا 19: 83 83 5/ 21 تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ 19: 90 90 6/ 25

سورة طه (20) الآية رقمها الجزء والصفحة الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 5 4/ 132 و 5/ 22 و 6/ 334 و 7/ 41 مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ 20: 55 55 1/ 386 وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 20: 84 84 6/ 496 سورة الأنبياء (21) الآية رقمها الجزء والصفحة لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا 21: 22 22 2/ 133 وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ 21: 47 47 3/ 252 وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا 21: 73 41 6/ 72 وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ في الْحَرْثِ 21: 78 78 2/ 59 وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ 21: 111 111 1/ 229 سورة المؤمنون (23) الآية رقمها الجزء والصفحة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ 23: 1- 2 1- 2 4/ 372 رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً 23: 29 29 9/ 363 سورة النور (24) الآية رقمها الجزء والصفحة إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها 24: 31 31 4/ 396 وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 24: 54 54 3/ 420 وَالْقَواعِدُ من النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ ... 24: 60 60 10/ 567 سورة النمل (27) الآية رقمها الجزء والصفحة إِنَّهُ من سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 30 8/ 35

ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها 27: 37 37 6/ 525 وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ 27: 82 82 3/ 221 سورة الروم (30) الآية رقمها الجزء والصفحة الم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. 30: 1- 4 1- 4 6/ 549 سورة السجدة (32) الآية رقمها الجزء والصفحة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ من السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 32: 5 5 6/ 334 سورة الأحزاب (33) الآية رقمها الجزء والصفحة يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ 33: 32 32 6/ 116 وَكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً 33: 38 38 2/ 203 سورة فاطر (35) الآية رقمها الجزء والصفحة إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ 35: 10 10 7/ 41 إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 10 5/ 22 و 6/ 334 سورة يس (36) الآية رقمها الجزء والصفحة وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 22 2/ 432 يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ 36: 26- 27 26- 27 6/ 276 إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ 36: 53 53 75/ 7

وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ 36: 59 59 2/ 283 سورة الصافات (37) الآية رقمها الجزء والصفحة وَحِفْظاً من كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ 37: 7 7 6/ 277 فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الْجَحِيمِ ... 37: 55 56 10/ 49 طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 37: 65 65 3/ 50 افْعَلْ ما تُؤْمَرُ 37: 102 103 6/ 65 سورة ص (38) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ 38: 67- 68 68- 69 6/ 179 ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 38: 75 75 4/ 132 و 5/ 22 و 5/ 342 سورة الزمر (39) الآية رقمها الجزء والصفحة قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ 39: 53 53 6/ 99 وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ 39: 54 54 4/ 226 سورة فصلت (41) الآية رقمها الجزء والصفحة وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 41: 12 12 6/ 277 الشورى (42) الآية رقمها الجزء والصفحة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 11 3/ 412 و 4/ 160 و 5/ 139 و 6/ 116 و 7/ 41

يَجْتَبِي إِلَيْهِ من يَشاءُ 42: 13 13 8/ 90 وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها 42: 40 40 7/ 344 الزخرف (43) الآية رقمها الجزء والصفحة وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً 43: 33 33 4/ 264 إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ 43: 59 59 1/ 188 سورة الدخان (44) الآية رقمها الجزء والصفحة يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ 44: 10 10 1/ 134 سورة الأحقاف (46) الآية رقمها الجزء والصفحة وَشَهِدَ شاهِدٌ من بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ 46: 10 10 1/ 234 وَالَّذِي قال لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما 46: 17 17 1/ 251 سورة محمد (47) الآية رقمها الجزء والصفحة فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ 47: 22 22 2/ 377 وَالله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ 47: 38 38 7/ 41 سورة ق (50) الآية رقمها الجزء والصفحة ما يَلْفِظُ من قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 50: 18 18 1/ 110 وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ 50: 16 160 4/ 132

الذاريات (51) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 51: 22 22 3/ 97 سورة النجم (53) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 53: 8- 9 8- 9 4/ 132- 133 سورة القمر (54) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة تَجْرِي بِأَعْيُنِنا 54: 14 14 4/ 132 و 5/ 342 إِنَّ الْمُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ 54: 54 54- 55 8/ 150 سورة الرحمن (55) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 17 10/ 55 وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ 55: 27 27 4/ 132 و 5/ 22 و 5/ 342 كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ 55: 29 29 7/ 342 سورة المجادلة (58) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ في زَوْجِها 58: 1 1 1/ 138 ما يَكُونُ من نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ 58: 7 7 5/ 139 سورة الحشر (59) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَالَّذِينَ جاؤُ من بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا 59: 10 10/ 5/ 142

كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19/ 19/ 7/ 472 سورة الممتحنة (60) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي 60: 1 1 1/ 190 سورة الجمعة (62) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ 62: 9 9 4/ 149 وَابْتَغُوا من فَضْلِ الله 62: 10 10 4/ 320 سورة الملك (67) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة أَأَمِنْتُمْ من في السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ 67: 16 16 5/ 22 أَمْ أَمِنْتُمْ من في السَّماءِ 67: 17 17 5/ 22 سورة القلم (68) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ 68: 19 91 8/ 334 سورة الحاقة (69) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة في عِيشَةٍ راضِيَةٍ في جَنَّةٍ عالِيَةٍ 69: 21- 22 21- 22 5/ 21 يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ 69: 27 27 388 ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ 69: 28 28- 29 4/ 390 خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ... 69: 30- 31 30- 32 10/ 194

سورة المعارج (70) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ 70: 40 40/ 10/ 55 سورة نوح (71) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة إِنَّ أَجَلَ الله إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ 71: 4 4 9/ 374 سورة المزمل (73) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ 73: 9 9 10/ 55 سورة المدثر (74) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ 74: 8- 9 8- 9 1/ 369 النازعات (79) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَأَمَّا من خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى 79: 40- 41 40- 41 2/ 376 سورة عبس (80) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى 80: 2 2 1/ 162 سورة البروج (85) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ 85: 8 8 1/ 247

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ 85: 12 12 6/ 277 سورة الفجر (89) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 89: 22 22 4/ 132 يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى 89: 23 23 6/ 25 سورة الشمس (91) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَالشَّمْسِ وَضُحاها 91: 1 1 3/ 331 فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ الله 91: 13 13 8/ 334 سورة الضحى (93) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة وَالضُّحى 93: 1 1 3/ 331 وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ من الْأُولى 93: 4 4 10/ 650 وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 11 9/ 502 سورة الشرح (94) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة أَلَمْ نَشْرَحْ 94: 1 1 9/ 502 سورة البينة (98) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة لَمْ يَكُنِ 98: 1 1 1/ 176

سورة قريش (106) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 106: 1 1 5/ 189 سورة المسد (111) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 111: 1 1 4/ 149 سورة الإخلاص (112) الآية/ رقمها/ الجزء والصفحة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 112: 1 1 3/ 254 و 7/ 41 و 7/ 53 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 3- 4 3- 4 3/ 412

فهرس الأحاديث وو الآثار [1]

فهرس الأحاديث وو الآثار [1] - أ- طرف الحديث أو الأثر الراوي الجزء والصفحة أبوه طوال ضرب اللحم أبو بكرة 1/ 148 أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا، وأنت، وابن عباس عبد الله بن أبي مليكه 1/ 326 أتشهد أني رسول الله- قاله لابن صياد- عبد الله بن عمر 1/ 143 اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله [أبو سعيد الخدري] 3/ 417 احترسوا من الناس بسوء الظن أنس بن مالك 4/ 169 احلق رأسك وأطعم فرقا بين ستة مساكين 1/ 249 (ح) إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه [عدي بن حاتم] 1/ 293 إذا بلغ المرء ستين سنة فقد أعذر الله إليه أبو هريرة/ 9/ 189 إذا تزوج المرأة لدينها وجمالها، [كان] فيها سداد من عوز [ابن عباس] [2] 3/ 16 إذا جاء القضاء عمي البصر ابن عباس 10/ 514 إذا ذكر أصحابي فأمسكوا [ثوبان مولى 4/ 161- 162 رسول الله صلى الله وسلم] إذا كان آخر الزمان واختلفت الأهواء، فعليكم بدين أهل البادية والنساء عبد الله بن عمر 5/ 342 (ح)

_ [1] تنبيه: قمت بفهرسة الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب في متنه وحواشيه رغبة في تحصيل أكبر قدر من الفائدة منه للقارئ الباحث، وربما أشرت في هذا الفهرس إلى قصة الحديث أو الأثر ورتبتها في مكانها من أحرف الهجاء لأن حديثها مخرج في مكان ورودها من الكتاب فتحصل الفائدة من التخريج إن شاء الله تعالى، وما كان من حديث أو أثر في الحواشي فقد أثبت حرف (ح) إلى جوار مكان وروده من الكتاب، ولم أميز في ترتيب حرف الألف من الفهرس بين همزة الوصل وهمزة القطع. [2] أثبت اسم راوي الحديث من كتاب «درة الغواص في أوهام الخواص» للحريري ص (142) مصدر المؤلف ولم يكن عندي وقت تخريج الحديث فاكتفيت بتخريجه من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف فيه، ولفظه «كان» التي بين الحاصرتين مستدركة من «وفيات الأعيان» و «درة الغواص» .

إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخوارج سهل بن حنيف 1/ 217 أشبهت خلقي وخلقي البراء بن عازب 1/ 126 أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد 1/ 230 (ح) أطع أباك عبد الله بن عمرو 1/ 290 أعطه حقه [أبو حدرد] 1/ 301 (ح) أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك [شيبان بن أبي نوفل] 1/ 307 أفطر الحاجم والمحجوم رافع بن خديج 3/ 298 اقتلوا اليهودي [ابن أخي عبد الله بن سلام] 1/ 202 سلام] أكثروا من الاستغفار في شهر رجب 5/ 122 (ح) ألا أنبئكم بأخف الناس 4/ 252 اللهم إن كانت كاذبة سعيد بن زيد القرشي 1/ 246 اللهم إنك أمرتنا فعصينا عمرو بن العاص/ 1/ 233 اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ابن عباس 1/ 295 اللهم علمه الحكمة ابن عباس 1/ 295 اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ابن عباس 1/ 294 اللهم وال من والاه وعاد من عاداه زيد بن أرقم 5/ 377 أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون سعد بن أبي وقاص 1/ 224 أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله [أبو هريرة] 1/ 151 أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحمى أن تخرج من المدينة إلى خم 5/ 378 أنى أصبت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول ابن عباس 1/ 295 أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري 1/ 145 إن ابني هذا سيد أبو بكرة 1/ 228 ابن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حسب دين أبيه فكان ألفي ألف ومائتي ألف [عبد الله بن الزبير] 1/ 208 إن عبد الله رجل صالح عبد الله بن عمر 1/ 310 إن الله يأمرك أن تراجع حفصة عقبة بن عامر 1/ 229 أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه جابر 1/ 148 إن من الشعر لحكمة أنس بن مالك 1/ 336 إن تحت العرش ريحا هفافة 5/ 189

إن السيف محاء للخطايا 9/ 148 إن الشمس والقمر آتيان لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته أبو مسعود البدري 1/ 130 (ح) أن في ثقيف مبيرا وكذابا [شيبان بن أبي نوفل] 1/ 307 إنك غليم معلم [عبد الله بن مسعود] 1/ 195 إن قاتلتهم نصرت عليهم 1/ 201 إنك [1] لمسقى (قالها لعبد الله بن عامر بن كريز) 1/ 189 إن الله وعدني أن يقتل كسرى 2/ 74 إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه [ابن عمر] 1/ 178 إن الله هو المسعر [أنس بن مالك] 1/ 127 إنما الأعمال بالنيات [عمر بن الخطاب] 3/ 314 إنما نسمة المؤمن- إذا مات- طير تعلق في شجر الجنة [كعب بن مالك] 3/ 377 إنما يخرج من غضبة يغضبها 1/ 146 إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أنس بن مالك 8/ 327 إن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت [أبو هريرة] 1/ 368 (ح) أن وزيريه من أهل السماء جبريل وميكائيل ابن عباس 6/ 321 إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه عبد الله بن عمر 1/ 144 إني أحبك يا معاذ [معاذ بن جبل] 1/ 167 إني خبأت لك خبيئا عبد الله بن عمر 1/ 143 إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن المنكدر 1/ 147 إني لأستحي أن أعذب شيبة بالنار أبو هريرة 3/ 195 إن يكن هو فلست صاحبه جابر بن عبد الله 1/ 149 اهتز العرش لموت سعد بن معاذ جابر بن عبد الله 1/ 122 (ح) الإيمان لا يزيد ولا ينقص ابن عمر 3/ 248 إياكم ومحقرات الذنوب عائشة 3/ 77- ب- بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان- رضي الله عنه- ببلوى تصيبه [أبو موسى الأشعري] 1/ 202

_ [1] وفي «أسد الغابة» (3/ 288) : «إنه»

بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان بأنه شهيد سعيد [أنس بن مالك] 1/ 202 بيعة عثمان بالخلافة [عمرو بن ميمون] 1/ 181- ت- تأتي العلماء تحت راية معاذ بن جبل يوم القيامة 1/ 167 ترى عرش إبليس على البحر أبو سعيد الخدري 1/ 145 تضرب الإبل أكبادها إلى عالم المدينة [أبو هريرة] 1/ 353 تفطر عندنا الليلة 1/ 203 تقتلك الفئة الباغية عمار بن ياسر 1/ 212 و 1/ 217 و 4/ 320- ث- ثلاث أعطنيهن ابن عباس 1/ 192- ج- جبلت القلوب على حب من أحسن إليها [ابن مسعود] 3/ 360- ح- حج بي أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين السائب بن يزيد 1/ 360 الكندي حديث القسامة أبو قلابة 2/ 23 حديث القسامة أبو قلابة 2/ 23 حديث الهجرة [البراء بن عازب] 1/ 181 حديث وفاة عمرو بن العاص [ابن شماسة المهري] 1/ 233 الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة أبو سعيد الخدري 1/ 321 الحلال بين والحرام بين [النعمان بن بشير] 3/ 315

حياء منك إذ قتلك واحد من أهل بيتي 3/ 140- خ- خذوا ثلث دينكم عن الحميراء [أنس بن مالك] 1/ 259 (ح) خذوا نصف دينكم عن الحميراء أنس بن مالك 1/ 259 خلافة النبوة ثلاثون سنة [سفينة] 1/ 227 خلط عليك الأمر عبد الله بن عمر 1/ 143- د- دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة أبو ذر 1/ 155 در مكة بيضاء مسك خالص أبو سعيد الخدري 1/ 145 دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي 1/ 349 (ح) الديك الأبيض الأفرق حبيبي أنس 3/ 229- ذ- ذهب بثلاثة أضياف إلى بيته [عبد الرحمن بن أبي بكر] 1/ 157- ر- رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال/ محمد بن المنكدر 1/ 147 رأيت خاتم النبوة بين كتفيه [1] السائب بن يزيد الكندي 1/ 361

_ [1] تنبيه: فاتنا تخريج هذا الحديث في مكان وروده من الكتاب والكمال لله وحده، وإليك تخريجه هنا رجاء إثباته في مكانه بدل التعليق المثبت: «هو قطعة من حديث رواه البخاري رقم (190) في الوضوء، ومسلم رقم (234) في الفضائل: باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده صلى الله عليه وسلم» .

- س- سلمان منا آل البيت/ عمرو بن عوف/ 1/ 209 سيولد لك غلام بعدي/ علي بن أبي طالب/ 1/ 330- ش- شفاء أمتي في ثلاث/ ابن عباس/ 3/ 299- ص- صحبت ابن صياد إلى مكة/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 146 صحبني ابن صياد إلى مكة/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 149 صحبني ابن صياد إلى مكة/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 149 صدقك وهو كذوب/ أبو هريرة/ 1/ 265- ط- طرقوا لأميركم/ أبو هريرة/ 1/ 265- ع- عتقاء النار في رجب/ 5/ 122 عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني. عبد الله بن عمر/ 1/ 121 (ح) عزمت على صاحب هذه الريح إلا قام فتوضأ/ عمر بن الخطاب/ 1/ 250 عسى أن يقوم مقاما يحمد فيه/ 1/ 158 عقوا عن أولادكم فإنها نجاة لهم من كل آفة/ أبو هريرة/ 2/ 433 علي مني كهارون من موسى/ أبو سعيد الخدري/ 5/ 377 عليكم بدين العجائز/ [عبد الله بن عمر] / 5/ 342

- ف- فأقول يا رب أصحابي/ 1/ 279 فأنا سأعينه بفرق من تمر/ عائشة/ 1/ 140 فإنها صوامة قوامة- يعني حفصة-/ [قيس بن زيد] / 1/ 229 فقدنا ابن صياد يوم الحرة/ جابر بن عبد الله/ 1/ 147 الفقر أحب إلي/ أبو ذر/ 1/ 243- ق- قد سهل لكم من أمركم/ [المسور بن مخرمة] / 1/ 169 قد كان في الأمم قبلكم محدثون/ [أبو هريرة] / 1/ 177 قد كان فيمن مضى قبلكم/ 5/ 189 قصة أبي جندل في صلح الحديبية/ [البراء بن عازب] / 1/ 168 قصة الأذان/ [عبد الله بن زيد] / 1/ 197 قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه/ [ابن عباس] / 1/ 197 قصة إسلام عبد الله بن سلام/ [أنس بن مالك] / 1/ 233- ك- كان ينقل معهم الحجارة [للكعبة] وهو صغير/ جابر بن عبد الله/ 1/ 133 كان يوم بعاث يوما قدمه الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم/ [عائشة] / 1/ 237 (ح) كلكم حارث وكلكم همام/ أبو وهب الجشمي/ 6/ 83 كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم/ خارجة بن زيد عن أبيه/ 1/ 352 كل مسكر خمر وكل مسكر حرام/ عبد الله بن عمر/ 1/ 119 (ح) - ل- لبس عليه فدعوه/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 145

لتقاتلنه وأنت ظالم له/ 1/ 207 الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون/ [ابن عباس] / 1/ 249 الذين لا يرقون ولا يسترقون ... عمران بن حصين/ 1/ 249 لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا/ 1/ 245 لقنوا موتاكم لا إله إلا الله/ 8/ 233 لقيته وقد نفرت عينه- يعني ابن صياد-/ ابن عمر/ 1/ 146 لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر/ أبو سعيد الخدري/ 1/ 145 لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة/ [أبو بكرة] / 1/ 129 لو تركته بين/ عبد الله بن عمر/ 1/ 144 لو سمعت شعرها قبل أن أقتله/ 1/ 366 لو كان بعدي نبي لكان عمر/ [عقبة بن عامر] / 1/ 178 لولا أنه طلب ذلك/ ابن عباس/ 1/ 192 لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر/ [بلال بن رباح] / 1/ 178 ليأتين على الناس يوم تشيب فيه الولدان/ ابن عمر/ 2/ 78 ليلة الهرير/ [عمار بن ياسر] 1/ 211- 212 ليهنك العلم يا أبا المنذر/ [أبي بن كعب] / 1/ 176- م- ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني/ [أبو هريرة] / 1/ 172 ما أذكر صفين/ معاوية/ 1/ 303 ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء/ [عبد الله بن عمرو وأبو الدرداء] / 1/ 196 مات بين حاقنتي وذاقنتي/ [عائشة] / 1/ 258 (ح) ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم/ جرير بن عبد الله/ 1/ 250 ما أراك إلا قد حرمت عليه- يعني في قصة الظهار-/ عائشة/ 1/ 139 ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عباس/ عطاء بن أبي رباح/ 1/ 295 ما أمرنا بشيء من أمرك- يعني في قصة الظهار-/ عائشة/ 1/ 139 ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة/ أبو ذر/ 7/ 159 مالها قاتلها الله؟ لو تركته لبين/ جابر/ 1/ 149

ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر/ [علي بن أبي طالب] / 1/ 178 ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم/ [عبد الرحمن بن سمرة] / 1/ 181 ما فعل أسيرك/ أبو هريرة/ 1/ 265 ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت/ عمير بن سعيد النخعي/ 2/ 76 (ح) ما مدح من سب قومه ... / عمر بن الخطاب/ 1/ 250 ما مررت بملإ من الملائكة/ عائشة/ 3/ 299 مريه فليأت أم المنذر/ عائشة/ 1/ 140 مريه فليحرر رقبة- يعني في قصة الظهار- عائشة/ 1/ 140 مريه فليصم شهرين متتابعين- يعني في قصة الظهار-/ عائشة/ 1/ 140 من أحب جميع أصحابي/ ابن عباس/ 1/ 156 من أحب أصحابي وأزواجي/ ابن عباس/ 1/ 156 من أحسن القول في أصحابي/ أنس/ 1/ 156 من اتكل على حسن اختيار الله ... / الحسن بن علي بن أبي طالب/ 1/ 243 من اغبرت قدماه في سبيل الله/ أبو عبس/ 3/ 124 من أنعم الله عليه فليحمد الله/ علي رضي الله عنه/ 3/ 77، 78 من أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه فيها/ ابن عباس/ 2/ 368 من تفقه في دين الله كفاه الله همه/ عبد الله بن الحارث ابن جزء 2/ 230 من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه/ [أبو هريرة] / 3/ 315 من حفظ على أمتي أربعين حديثا/ 6/ 15 من كان آخر كلامه لا إله إلا الله/ معاذ بن جبل/ 3/ 279 من قتل حية كان له قيراطان/ عبد الله بن مسعود/ 6/ 491 من مر بحائط فليأكل منه/ عبد الله بن عمر/ 2/ 448 من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه/ عبد الله بن مسعود/ 2/ 219 من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه/ [عبد الله بن مسعود وأبو هريرة] / 1/ 217

- ن- النذر لا يأتي بخير/ عبد الله بن عمر/ 6/ 123 نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيمة/ هند بنت الجون/ 1/ 182 نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة/ أبو هريرة/ 1/ 368 (ح) نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل/ عبد الله بن عمر/ 1/ 310 نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب/ عبد الله بن عباس/ 1/ 368 (ح) نهى عن النجش/ عبد الله [1] بن عمر/ 7/ 725 نهى عن بيع حبل الحبلة/ عبد الله [1] بن عمر/ 7/ 725 نهى عن المزابنة/ عبد الله [1] بن عمر/ 7/ 725- هـ- هذا سيد أهل الوبر/ قيس بن عاصم/ 2/ 13 هذا المال لا يصلحه إلا ثلاث/ علي بن أبي طالب/ 3/ 77 هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا/ زيد بن ثابت/ 1/ 238 هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء/ ابن عباس/ 1/ 238 هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش/ أبو هريرة/ 1/ 277 هم كسهام الجعبة/ جرير بن عبد الله/ 1/ 250 هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن/ [ابن عباس] / 8/ 335- و وصف المتوكلين/ [ابن عباس] / 1/ 249 وصية علي بن أبي طالب/ 1/ 221- 222 (ح)

_ [1] تحرفت «عبد الله» في الكتاب إلى «عبدان» في المواطن الثلاثة وذلك من أخطاء الطبع، والصواب ما أثبته هنا.

وضوء النبي صلى الله عليه وسلم/ [عبد الله بن زيد بن عاصم المازني] / 1/ 284 وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها- يعني عائشة-/ 1/ 28 والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة/ [أبو هريرة] / 1/ 151 والله ما أشك أن المسيح الدجال/ نافع/ 1/ 147- لا- لا أشبع الله بطنك/ ابن عباس/ 4/ 17 لا تحتجموا يوم كذا وساعة كذا/ ابن عمر/ 3/ 299 لا تسأل الإمارة/ [عبد الرحمن بن سمرة] / 1/ 244 لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء/ [جابر] / 2/ 288 لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز/ 7/ 454 لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق/ 2/ 49 لا نذر في معصية/ [عائشة] / 2/ 219 لا يأكل طعامك إلا تقي/ 4/ 200 لا يبيع بعضكم على بيع بعض/ عبد الله بن عمر/ 7/ 725 لا يحل للقاضي أن يقضي وهو غضبان/ أبو بكرة/ 3/ 414 لا يدخل النار- إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد/ جابر بن عبد الله/ 1/ 351 (ح) لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه/ [أنس بن مالك] / 3/ 315 لا هجرة بعد الفتح/ [عبد الله بن عباس وعائشة] / 1/ 230- ي- يا أبا عمير ما فعل النغير/ 4/ 192 يا رسول الله إني رجل ضرير/ خارجة بن زيد عن أبيه/ 2/ 352 يا زيد! ما وصف لي أحد ... / زيد الخيل/ 6/ 217 يا عائشة ألا أبشرك/ أبو ذر/ 1/ 155 يا عائشة أنا سيد المرسلين/ أبو ذر/ 1/ 155

يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل/ عبد الله بن عمر/ 2/ 20 يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة/ [أبو هريرة] / 1/ 309 يدفن فيك رجل صالح/ 1/ 203 يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة/ [أبو هريرة] / 1/ 340- 341 يكون أمام العلماء يوم القيامة برتوة [1]- يعني معاذ بن جبل-/ 1/ 167 (ح) يكون لأصحابي من بعدي هنات/ 1/ 207 يمكث أبو الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد/ أبو بكرة/ 1/ 148 يوم بعاث/ [عائشة] / 1/ 237 يوم الجرعة/ [جندب] / 1/ 199

_ [1] والرتوة: رمية سهم، وقيل: درجة، وقيل: خطوة.

فهرس التراجم [1]

فهرس التراجم [1] حرف الألف الآباري داود بن عمر بن يوسف الزبيدي المقدسي 7/ 475. الآبري محمد بن الحسين السجستاني أبو الحسن 4/ 337. آبق الملك المظفر محيي الدين صاحب دمشق 6/ 351. الآبندوني عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الجرجاني 4/ 369. ابن الآبنوسي [2] أحمد بن عبد الله بن علي البغدادي 6/ 213. الآبنوسي أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي 7/ 209. الآثاري شعبان بن محمد بن داود المصري 9/ 267. ابن آجروم محمد بن محمد بن داود الصّنهاجي صاحب «الآجرومية» . 8/ 316. الآجري محمد بن الحسين البغدادي أبو بكر المحدّث 4/ 316. آجه خليفة يعقوب الحميدي آجه خليفة 10/ 223. آدم بن أبي إياس الخراساني ثم البغدادي 3/ 95. آدم بن علي الشيباني الكوفي 2/ 106. ابن آدم الفزاري محمد بن محمد بن عبد الحميد أبو علي القاضي 4/ 303. أبو الآذان عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزمي البغدادي 3/ 380. آسية بنت عبد الواحد المقدسية، والدة السيف بن المجد 7/ 358. آشق قاسم الحنفي، المولى 10/ 374. آق سنقر البرسقي 6/ 100. آق سنقر الظاهري شمس الدين المعروف بالفارقاني 7/ 622. آق سنقر، قسيم الدولة أبو الفتح 5/ 372. آق شمس الدّين أمر الله بن محمد بن حمزة 10/ 60. آقوشي النجمي جمال الدين المعروف بالنجيبي 7/ 622. آل والويه إدريس بن محمد العطار 7/ 36.

_ [1] ويشتمل على جميع الأعلام المترجم لهم في الكتاب، والأعلام الذين ذكرت وفياتهم في ثنايا الأحداث من الكتاب، وقد رتّبت الأسماء والأنساب والألقاب والكنى بإسقاط لفظ (أبو، وأم، وابن، وبنت، وابنة) . [2] فى الكتاب «الآبنوسي» والصواب ما أثبته هنا

الآمدي إبراهيم بن داود الدمشقي 8/ 593. الآمدي إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي 8/ 119. الآمدي عثمان بن شمس الدمشقي الحنفي 10/ 366. الآمدي عثمان بن موسى بن عبد الله الطّائي الإربلي 7/ 598. الآمدي عفيف الدّين بن إبراهيم بن إسحاق الدمشقي 8/ 440. الآمدي علي بن أبي علي بن محمد الحنبلي، أبو الحسن 7/ 253. الآمدي علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنبلي 5/ 280. الآمدي محمد بن إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن المنصور المصري 8/ 21. الآمدي محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد الحدّاد 8/ 117. الآمدي محمد بن محمد بن عثمان بن موسى 8/ 322. الأبّار الحسن بن يحيى بن روبيل الدمشقي 6/ 160. ابن الأبّار محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي 7/ 510. الأبّار محمد بن عبد الوهاب الأبّار الخطيب التّبريزي 10/ 561. أبان بن عثمان بن عفّان الأموي 2/ 35. أبان بن تغلب الكوفي القارئ المشهور. 2/ 193. الأبرادي أحمد بن علي بن عبد الله البغدادي 6/ 159. ابن الأبرادي محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله البغدادي 6/ 287. إبراهيم بن إبراهيم بن أبي بكر الأريحاوي الحلبي، الصّيرفي، الشافعي برهان الدين 10/ 377. إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن هبة الله الحلبي الحنفي. 8/ 413. إبراهيم بن أحمد الأخنائي الشافعي الدمشقي، برهان الدين 10/ 431. إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الجعفري الدمشقي 8/ 396. إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل بن فارس التميمي الإسكندراني أبو إسحاق 7/ 612. إبراهيم بن أحمد البلخي المستملي أبو إسحاق 4/ 404. إبراهيم بن أحمد البيجوري برهان الدّين 9/ 245. إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي أبو إسحاق 8/ 54. إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي. 9/ 162. إبراهيم بن أحمد بن حمزة الدمشقي، الشافعي، برهان الدّين 10/ 297. إبراهيم بن أحمد بن خضر الصالحي الحنفي. 9/ 171. إبراهيم بن أحمد بن شاقلا البغدادي البزّاز أبو إسحاق شيخ الحنابلة. 4/ 373. إبراهيم بن أحمد الطبري أبو إسحاق. 4/ 497. إبراهيم بن أحمد بن عبد الكافي الطّباطبي المقرئ 9/ 444.

إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي عز الدين. 8/ 142. إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي 8/ 619. إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن علوان بن كامل التّنوخي البعلي ثم الشامي. 8/ 619. إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي أبو إسحاق 7/ 764. إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الإشبيلي أبو إسحاق. 8/ 70. إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري ابن الخشّاب الشافعي، أبو إسحاق. 8/ 409. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري أبو إسحاق 4/ 203. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصقّال الطّيبي ثم البغدادي الأزجي أبو إسحاق 6/ 552. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح بن نجم الدّين المقدسي الصالحي، المعروف بالعماد الماسح 7/ 778. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري أبو إسحاق 4/ 340. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجندي المدني، برهان الدّين 9/ 392. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرقي أبو إسحاق 8/ 15. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد الرّقّي أبو الحسن 4/ 226. إبراهيم بن أحمد المروزي أبو إسحاق 4/ 217. إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة المقدسي الناصري الباعوني الدمشقي 9/ 458. إبراهيم بن أحمد بن هلال الزّرعي ثم الدمشقي أبو إسحاق، برهان الدّين 8/ 227. إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي المعروف بفقيه اليشبكية 10/ 268. إبراهيم بن أدنبا مجاهد الدّين 7/ 456. إبراهيم بن أدهم البلخي أبو إسحاق 2/ 282. إبراهيم بن إسحاق بن بشير الحربي الحافظ أبو إسحاق 3/ 355. إبراهيم بن إسحاق بن المظفّر المصري برهان الدّين، المعروف بالوزيري 7/ 672. إبراهيم بن إسحاق النيسابوري الأنماطي أبو إسحاق 4/ 20. إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي البرهان بن الدرجي أبو إسحاق 7/ 650. إبراهيم بن إسماعيل الطوسي العنبري الحافظ أبو إسحاق 3/ 334. إبراهيم بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم البيضاوي الزّمزمي 9/ 329. إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي النابلسي الحنبلي 9/ 39. إبراهيم بن الأشتر النّخعي 1/ 305. إبراهيم بن الأمير ناصر الدّين محمد بن أبي

بكر بن علي بن أيوب المقدسي المصري الشافعي برهان الدّين المعروف بابن أبي شريف 10/ 166. إبراهيم بن أورمة الأصبهاني الحافظ أبو إسحاق 3/ 284. إبراهيم بن البحلاق البعلي 9/ 367. إبراهيم بن بخشي بن إبراهيم الحنفي المشهور بدادة خليفة 10/ 503. إبراهيم بن بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الخشوعي أبو إسحاق 7/ 358. إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي 8/ 219. إبراهيم بن بشار الرّمادي الزاهد 3/ 122. إبراهيم بن أبي بكر بن إسماعيل بن علي الحمّامي أبو إسحاق المعروف بالزعبي 7/ 474. إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي شمس الدين المعروف بالفاشوشة 7/ 796. إبراهيم بن أبي بكر الشنويهي ثم المصري 9/ 542. إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار الصالحي، المعروف بابن السّلّار 8/ 568. إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم 8/ 373. إبراهيم بن ثابت الطبيب 3/ 367. إبراهيم بن جعفر بن أحمد، المتقي لله العباسي 4/ 297. إبراهيم بن حجاج الأبناسي الشافعي، برهان الدين 9/ 314. إبراهيم بن الحجاج الشامي المحدث 3/ 153. إبراهيم بن حجي الحنبلي الكفل حارسي 9/ 352. إبراهيم بن حسن الشيخ النّبيسي الشيشري، برهان الدين 10/ 98. إبراهيم بن حسن بن عبد الرحمن بن محمد الحلبي الشافعي، الشهير بابن العمادي برهان الدين 10/ 431. إبراهيم بن أبي الحسن الفرّاء الصالحي أبو عمر وأبو إسحاق 7/ 778. إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني ابن ديزيل ويعرف بدابة عفّان 3/ 332. إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني الحافظ 3/ 137. إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أبو ثور 3/ 180. إبراهيم بن خليل الدمشقي الأدمي أبو إسحاق 7/ 180. إبراهيم بن خليل الدمشقي الأدمي أبو إسحاق 7/ 505. إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي أبو محمد 8/ 593. إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي جمال الدين أبو إسحاق المعروف بالفاضلي 7/ 734. إبراهيم بن داود بن محمد بن أبي بكر العباسي المعتضد بن المتوكل العبّاسي 9/ 318. إبراهيم الدّميري المالكي، برهان الدين 10/ 86. إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النّهرواني الرزّاز أبو حكيم

6/ 294. إبراهيم بن رضوان الحلبي برهان الدين 9/ 389. إبراهيم الرومي الحنفي، الشهير بابن الخطيب 10/ 137. إبراهيم الزيات المجذوب 9/ 440. إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي المعروف بالحازمي 8/ 500. إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني أبو إسحاق 2/ 380. إبراهيم بن سعيد الجوهري البغدادي الحافظ أبو إسحاق 3/ 216. إبراهيم بن سعيد الحبال النعماني مولاهم المصري أبو إسحاق 5/ 351. إبراهيم بن سعيد الشاغوري المعروف ب: جيعانة 7/ 639. إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدمشقي المجودابن النجار جمال الدّين 7/ 437. إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي الملقب بالبرلسي 3/ 305. إبراهيم بن سليمان الرومي المنطيقي 8/ 171. إبراهيم السمديسي المصري الحنفي برهان الدين 10/ 147. إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الإسلامي 7/ 422. إبراهيم بن سهل الإشبيلي 7/ 515. إبراهيم بن أبي سويد البصري الذارع 3/ 109. إبراهيم الشاذلي، المصري الشيخ العارف 10/ 90. إبراهيم بن شاه رخ أميرزا صاحب شيراز 9/ 334. إبراهيم بن شريك الأسدي الكوفي 4/ 13. إبراهيم بن شمس الدين الفاشوشة الكتبي 8/ 182. إبراهيم بن شيبان القرميسيني أبو إسحاق 4/ 199. إبراهيم شيخ إبراهيم بن عبد الرحمن السرائي الشافعي 9/ 26. إبراهيم بن شيخ المحمودي الظاهري، الملك المؤيد أبوه 9/ 232. إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شير كوه المعروف بالملك المنصور 7/ 396. إبراهيم بن صالح بن العجمي 7/ 396. إبراهيم بن صالح بن العجمي 8/ 166. إبراهيم الصفوري، برهان الدين 10/ 324. إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري 3/ 400. إبراهيم بن طهمان الخراساني 2/ 286. إبراهيم ابن ظهيرة برهان الدين 10/ 479. إبراهيم بن العباس الصولي البغدادي 3/ 196. إبراهيم بن عبد الحافظ بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي أبو إسحاق 8/ 87. إبراهيم بن عبد الخالق السيلي الحنبلي 9/ 389. إبراهيم بن عبد ربّه الصوفي 9/ 483. إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري 8/ 154. إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي

البعلي أبو إسحاق المعروف بالزكي المعري 7/ 729. إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي نصر بن الشيرازي 8/ 61. إبراهيم بن عبد الرحمن بن حسين بن حسن المدني المعروف بابن القطان 9/ 542. إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي 9/ 26. إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم المعروف: بأبي شعر 9/ 367. إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي أبو إسحاق 4/ 92. إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي القاهري الشافعي، برهان الدين 10/ 636. إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق 1/ 387. إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي الخياط أبو إسحاق 7/ 174. إبراهيم بن عبد الرحمن ابن محمد بن إسماعيل الكركي الأصل القاهري المولد برهان الدين، أبو الوفا 10/ 147. إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي أبو إسحاق 8/ 533. إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي. 4/ 203. إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد أبو علي الأمير أبو إسحاق الهاشمي 4/ 135. إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرعيني الأندلسي اللوري أبو إسحاق 7/ 699. إبراهيم بن عبد الكريم الكردي. 9/ 340. إبراهيم بن عبد الله الأرموي. 7/ 734. إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني أبو إسحاق. 4/ 392. إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي ويعرف بالشرقي أبو إسحاق. 8/ 283. إبراهيم بن عبد الله البصري الكجي الحافظ أبو مسلم. 3/ 387. إبراهيم بن عبد الله الحكري المصري. 8/ 457. إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصوفي الملقّن. 8/ 607. إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري. 8/ 271. إبراهيم بن عبد الله الحميدي الحنفي، تاج الدّين 10/ 540. إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدني. 2/ 11. إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد أبو إسحاق شهاب الدّين المعروف بابن أبي الدم 7/ 370. إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسي القصّار الكوفي أبو إسحاق. 3/ 327. إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي أبو إسحاق المعروف بالشيخ العز خطيب الجبل. 7/ 560. إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي. 8/ 589. إبراهيم بن عبد الله، وسماه الغساني في «تاريخه» حسن بن عبد الله. 8/ 607.

إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرشيذ قوله الأصبهاني أبو إسحاق. 4/ 523. إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزائم الكوفي أبو إسحاق. 4/ 319. إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال الطائي القيراطي. 8/ 465. إبراهيم بن عبد الله المخرمي أبو إسحاق. 4/ 21. إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس الهاشمي المدني. 2/ 11. إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني المعروف بالصفي بن مرزوق. 7/ 515. إبراهيم بن عبد الله الهروي الحافظ. 3/ 201. إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي أبو إسحاق المعروف بالشيخ العماد. 7/ 105. إبراهيم بن عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي. 9/ 452. إبراهيم بن أبي عبلة. 2/ 241. إبراهيم بن عبيدان. 8/ 10. إبراهيم بن عثمان الغزي أبو إسحاق. 6/ 112. إبراهيم بن عثمان بن محمد بن عثمان بن موسى بن يحيى المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي، المعروف بجابي بن عبادة، برهان الدين. 10/ 129. إبراهيم بن عثمان بن الوزان القيرواني أبو القاسم. 4/ 244. إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي الكاشغري أبو إسحاق. 7/ 399. إبراهيم العجمي الصوفي. 10/ 333. إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن يوسف الحسيني العراقي، المعروف بابن أبي الوفاء. 9/ 518. إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الصالحي تقي الدين أبو إسحاق. 7/ 733. إبراهيم بن علي بن أحمد القلقشندي الشافعي القاهري، برهان الدين. 10/ 149. إبراهيم بن علي البصري الهجيمي أبو إسحاق. 4/ 269. إبراهيم بن علي بن الحسين البغدادي أبو إسحاق. 7/ 99. إبراهيم بن علي بن سيبخت أبو الفتح. 4/ 501. إبراهيم بن علي بن صدقة المخرمي أبو إسحاق. 8/ 36. إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة. 8/ 202. إبراهيم بن علي القرصلي الحلبي برهان الدين. 10/ 123. إبراهيم بن علي بن محمد بن داود البيضاوي ثم المكي، ويعرف بالزمزمي. 9/ 446. إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي أبو إسحاق. 7/ 74. إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المكي القرشي. 9/ 525.

إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي أبو الوفا. 8/ 608. إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي الشيرازي أبو إسحاق. 5/ 323. إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الربعي الجعبري أبو إسحاق. 8/ 171. إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن عبد الله الحنبلي برهان الدين. 10/ 111. إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني الحنبلي. 10/ 518. إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني الحرازي القحطانيّ الحاتميّ الشافعيّ. 10/ 234. إبراهيم بن عمر البرمكي البغدادي أبو إسحاق. 5/ 197. إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط البقاعي. 9/ 509. إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بن محمد بن يحيى المعين القرشي أبو إسحاق. 7/ 542. إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المصري الواسطي ابن البرهان العدل الصدر رضي الدين. 7/ 548. إبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر. 7/ 778. إبراهيم بن عيسى الحلبي. 8/ 500. إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي ضياء الدين أبو إسحاق. 7/ 568. إبراهيم بن الفضل الأصبهاني البأآر أبو منصور. 6/ 155. إبراهيم بن فلاح النابلسي. 9/ 359. إبراهيم بن قاسم بن محمد الشهير بابن الكيّال الشافعي الدمشقي، برهان الدين. 10/ 179. إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري. 8/ 271. إبراهيم بن ماهان الموصلي التميمي المعروف بالنديم. 2/ 402. إبراهيم بن مبارك شاه الإمعردي. 9/ 251. إبراهيم بن المبلّط، برهان الدّين. 10/ 389. إبراهيم بن المبلّط القاهري برهان الدين. 10/ 622. إبراهيم بن أبي المجد الدسوقي الهاشمي القرشي. 7/ 611. إبراهيم المجذوب المصري الشهير بأبي لحاف. 10/ 333. إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن علي بن منجّى التنوخي الحموي ثم الدمشقي نجم الدين أبو إسحاق وأبو طاهر. 7/ 498. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي الحنبلي الشافعي. 10/ 288. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي، المولى. 10/ 444. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي أبو إسحاق. 8/ 103. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطيان الأصبهاني القفال أبو إسحاق. 5/ 349. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي

عمر المقدسي ثم الصالحي الحنبلي المعروف بالفرائضي. 9/ 45. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب بن المعتمد القرشي، الدمشقي، الصالحي، الشافعي برهان الدين. 10/ 20. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزّبيدي الحسوي المالكي، برهان الدين. 10/ 297. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني أبو إسحاق. 5/ 90. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التسيلي. 10/ 525. أحمد بن محمد بن أحمد الشّويكي النابلسي، الدمشقي، الصالحي، الحنبلي، شهاب الدين، أبو الفضل. 10/ 325. إبراهيم بن محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي المعروف بابن القلانسي. 8/ 103. إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النصر أباذي النيسابوري أبو القاسم. 4/ 356. إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هارون المرادي السبتي ابن الكمّاد أبو إسحاق. 7/ 548. إبراهيم بن محمد بن الأزهر بن أحمد بن محمد الصريفيني تقي الدين أبو إسحاق 7/ 363. إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق الحنفي. 9/ 120. إبراهيم بن محمد الحسني، برهان الدين، نقيب الأشراف بدمشق. 10/ 86. إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأخنائي برهان الدين. 8/ 431. إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب المعروف بابن أبي شريف المقدسي. 10/ 166. إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية. 8/ 357. إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الغزي القرشي النوفلي الشهير بابن زقّاعة. 9/ 172. إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي الفزاري أبو إسحاق. 2/ 383. إبراهيم بن محمد بن الحسن بن متويه الأصفهاني أبو إسحاق. 4/ 13. إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي أبو إسحاق. 5/ 12. إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري. 9/ 157. إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة أبو إسحاق. 4/ 278. إبراهيم بن محمد الخلاطي الوافي. 8/ 191. إبراهيم بن محمد بن خليل المعروف بالقوف سبط بن العجمي. 9/ 346. إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الشافعي. 9/ 67. إبراهيم بن محمد بن زكريا الزهري الوقاصي الإفليلي أبو القاسم. 5/ 184. إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي أبو إسحاق. 4/ 51. إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه النيسابوري أبو إسحاق. 4/ 39. إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون بن

مسلم بن مكي بن رضوان الهلالي الدمشقي الحنفي المعروف بابن عون. 10/ 104. إبراهيم بن محمد بن السواملي العراقي 8/ 26. إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف المؤذن المعروف بالرسام. 9/ 86. إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي عز الدين أبو إسحاق المعروف بالسويدي. 7/ 718. إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي. 2/ 48. إبراهيم بن محمد الطليطلي أبو إسحاق. 6/ 207. إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان المطلبي أبو إسحاق. 3/ 171. إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الإشبيلي أبو إسحاق. 7/ 456. إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الدّسوقي الشافعي الصوفي. 10/ 129. إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي. 8/ 99. إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم. 8/ 507. إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح. 9/ 507. إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة الشهرزوري أبو إسحاق. 4/ 100. إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي أبو مسعود. 4/ 523. و 5/ 9. إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إسحاق الدجوي ثم المصري. 9/ 26. إبراهيم بن محمد بن عرب شاه، أبو إسحاق الإسفراييني. 10/ 417. إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشامي البصري أبو إسحاق. 3/ 140. إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الواسطي. أبو عبد الله. 4/ 122. إبراهيم بن محمد بن علي، المعروف بابن البيكار المقدسي، الدمشقي، برهان الدّين. 10/ 452. إبراهيم بن محمد بن علي التادلي قاضي المالكية بدمشق. 9/ 39. إبراهيم بن محمد بن عيسى بن زياد العجلوني الشهير بابن خطيب عذراء. 9/ 246. إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير اليمني. 8/ 396. إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف اللقاني. 9/ 539. إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن علي البعلي المعروف: بابن المراحلي. 9/ 436. إبراهيم بن محمد بن محمد بن مفلح، الكفل حارسي، برهان الدّين. 9/ 479. إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحلبي القبيباتي. 9/ 550. إبراهيم بن محمد بن مفلح بن مفرج الراميني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي. 9/ 40. إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخي أبو

البدر. 6/ 199. إبراهيم بن محمد بن نبهان الرّقّي الغنوي أبو إسحاق. 6/ 220. إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم المدني. 2/ 381. إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي النيسابوري أبو إسحاق. 4/ 328. إبراهيم بن محمد بن يعقوب الهمذاني البزاز الشهير: بممّوس. 4/ 136. إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن الأقصرائي [1] ، القاهري، الشافعيّ، الحنفيّ، المواهبيّ، برهان الدّين، أبو الطيب. 10/ 52. إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي أبو إسحاق المعروف بابن الخير. 7/ 415. إبراهيم بن مسلم بن هبة الله الحموي شمس الدين المعروف بابن البارزي. 7/ 572. إبراهيم المصري المجذوب الصّالح، الشهير بعصيفير. 10/ 348. إبراهيم بن مظفر بن إبراهيم بن البرني أبو إسحاق. 7/ 175. إبراهيم المعروف بابن أبي خليفة، علم الدين. 8/ 32. إبراهيم بن معضاد الجعبري أبو إسحاق. 7/ 698. إبراهيم بن معقل السانجني أبو إسحاق النسفي. 3/ 400. إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي المتقي لله. 4/ 297. إبراهيم المناوي الحنفي، تاج الدّين المولى. 10/ 549. إبراهيم بن المنذر الحزامي المدني أبو إسحاق. 3/ 166. إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري. 3/ 293. إبراهيم بن منصور السلمي الكراني الأصبهاني أبو القاسم المعروف ب: سبط بحرويه. 5/ 234. إبراهيم بن منصور بن المسلم العراقي أبو إسحاق. 6/ 529. إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي الأسود. 3/ 108. إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي الأسود. 3/ 108. إبراهيم بن موسى بن أيوب الأنباسي، برهان الدّين أبو محمد. 9/ 12 و 27. إبراهيم بن موسى بن أبي بكر بن علي الطرابلسي الدمشقي الحنفي برهان الدين. 10/ 150. إبراهيم بن موسى الرازي الفرّاء الحافظ أبو إسحاق. 3/ 139. إبراهيم بن ميمون الصائغ الخراساني أبو مسلم. 2/ 134. إبراهيم المولى برهان الدّين الحنفي أحد موالي الرّوم. 10/ 288. إبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس 2/ 146.

_ [1] في الكتاب: «أوقصرائي» والصواب ما جاء في هذا الفهرس، فلتصحح في موضعها.

إبراهيم بن ناصر الدّين بن الحسام الصقري. 9/ 293. إبراهيم بن نجم الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة، برهان الدّين. 10/ 389. إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد العسقلاني الأصل ثم المصري الكتاني الحنبلي، أبو إسحاق. 9/ 27. إبراهيم بن هانئ النيسابوري الثقة العابد. 3/ 281. إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. 1/ 130. إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الصنيعة الحميري الإسنائي. 8/ 99. إبراهيم بن هلال الصابئ المشرك الحرّاني أبو إسحاق. 4/ 437. إبراهيم بن والي بن نصر خجا بن حسين الذكري المقدسي الفقيه الحنفي. 10/ 469. إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن أبي الوفاء الأرمنازي الحلبي الشافعي برهان الدين. 10/ 205. إبراهيم بن يحيى بن غنام المعبر أبو طاهر. 8/ 456. إبراهيم بن يحيى بن الكيّال الدمشقي. 8/ 172. إبراهيم بن يزيد التيمي الكوفي. 1/ 362. إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران. 1/ 387. إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي بهاء الدين. 7/ 237. إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني أبو إسحاق. 3/ 263. إبراهيم بن يوسف الباهلي البلخي الحنفي الفقيه أبو إسحاق. 3/ 177. إبراهيم بن يوسف الحموي المعروف بابن قرقول. 7/ 573. إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرازي الهسنجاني. 4/ 7. إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني، الحلبي، الشافعي. 10/ 470. إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن الحلبي الحنفي، الشهير بابن الحنبلي، برهان الدين. 10/ 465. إبراهيم بن يوسف المقصاتي الرافضي. 8/ 243. إبراهيم بن يوسف الوهراني الحمزي أبو إسحاق بن قرقول. 6/ 382. الأبرقوهي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد. 8/ 9. الأبرودي أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى الجبابيني. 6/ 408. الأبزازي إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء. 4/ 340. الإبشيطي أحمد بن إسماعيل. 9/ 308. الإبشيطي أحمد بن إسماعيل بن عمر بن خالد. 9/ 504. الإبشيطي سليمان بن عبد الناصر القاهري.

9/ 569. الإبشيهي أحمد بن محمد بن علي بن موسى المحلي. 9/ 529. الأبشيمي عمر الشافعي زين الدين. 10/ 69. الأبطالي محمود بن عبد الله. 8/ 506. الأبله محمد بن بختيار البغدادي. 6/ 437. الأبلي شيبان بن فروخ. 3/ 164. الأبناسي إبراهيم بن حجاج الشافعي. 9/ 314. الأبناسي إبراهيم بن موسى بن أيوب. 9/ 12 و 27. ابن الأبنوسي عبد الله بن علي البغدادي. 6/ 18. الأبهري أحمد بن محمد بن المرزبان. 4/ 497. الأبهري عبد الواسع بن عبد الكافي شمس الدين. 7/ 723. الأبهري محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجة الأصبهاني. 5/ 350. الأبهري محمد بن عبد الله بن محمد التّميمي أبو بكر شيخ المالكية العراقيين. 4/ 402. أبي بن كعب الخزرجي أبو المنذر. 1/ 170 و 176. أبي [1] النرسي محمد بن علي بن ميمون الكوفي أبو الغنائم. 6/ 47. الأبياري أبو بكر المصري. 10/ 369. أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري. 4/ 407. الأبيوردي حسن بن علي بن محمد. 9/ 178. الأبيوردي عبد الله بن محمد عبيد. 9/ 537. الأبيوردي محمد بن أحمد بن إسحاق الأموي المعاوي أبو المظفر. 6/ 30. الأبيوردي محمد بن محمد بن أبي بكر الصوفي أبو الفتح. 7/ 565. ابن أبيه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدجاجية. 7/ 360. أبيه محمد بن ولي الدين الحنفي الحلبي شمس الدين. 10/ 358. الأتابكي أرسلان شاه ويسمى أيضا علي بن عز الدين. 7/ 113. الإتقاني كاتب بن أمير عمر بن غازي. 8/ 316. الأثرم أحمد بن محمد بن هانئ الطائي. 3/ 266. الأثرم محمد بن أحمد بن حماد المقرئ البغدادي. 4/ 198. الإثميدي علي الإثميدي المصري المالكي. 10/ 447. ابن الأثير حسين بن راشد بن مبارك. 8/ 192. ابن الأثير عبد الله بن محمد بن إسماعيل الحلبي. 8/ 443. ابن الأثير علي بن محمد بن محمد بن عبد

_ [1] قال ابن تغرى فى «النجوم الزاهره» (5/ 212) يعرف ب «ابى» لأنه كان يجيد القرائة.

الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري. 7/ 241. ابن الأثير المبارك بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي، صاحب «جامع الأصول» . 7/ 42. ابن الأثير نصر الله بن محمد بن محمد الشيباني الجزري. 7/ 328. ابن أجا محمد بن محمود بن خليل. 9/ 498. ابن أجا محمود بن محمد بن محمود بن خليل التدمري القاهري. 10/ 191. الأجلح الكندي من مشاهير محدثي الكوفة. 2/ 207. الأجهوري عبد الرحمن الأجهوري. 10/ 476. أحمد بن آق برس بن يلغان بن كنجك الخوارزمي ثم الصالحي. 9/ 41. أحمد بن إبراهيم بن أحمد الأقباعي الدمشقي الشافعي الصوفي. 10/ 254. أحمد بن إبراهيم الأخنائي الشافعي، شهاب الدين. 10/ 504. أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي المكي. 9/ 288. أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشّماع الحلبي الشافعي، الشهير بابن الطويل. 10/ 474. أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن النحاس. 9/ 157. أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي المصري بن الحداد أبو بكر. 4/ 281. أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكي العطار العبقسي أبو الحسن. 5/ 29. أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي أبو بكر 4/ 379 و 384. أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري أبو العباس. 4/ 269. أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزاز أبو بكر. 4/ 433. أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي أبو جعفر. 8/ 31. أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان. 8/ 471. أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري. 8/ 23. أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطي الحزامي. 8/ 45. أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري، الحاملي، المقدسي، شهاب الدين. 10/ 5. أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدمشقي ابن الخباز. 9/ 13. أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي. 8/ 127. أحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الصالحي. 7/ 705. أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني أبو العباس الملقب بالمستنصر بالله أمير المسلمين. 8/ 589.

أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي. 9/ 86. أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي عز الدين أبو العباس المعروف بالفاروثي. 7/ 743. أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي. 8/ 576. أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي البغدادي الدورقي الحافظ أبو عبد الله. 3/ 211. أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن منجك الدمشقي، شهاب الدين. 10/ 125. أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي. 9/ 508. أحمد بن إبراهيم المعروف بالصدر الفاضل. 7/ 758. أحمد بن إبراهيم بن موسى بن أبي شمس النيسابوري أبو سعد. 5/ 228. أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني. 9/ 479. أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم بن غالب البندنيجي البغدادي الأزجي أبو العباس. 7/ 111. أحمد بن أحمد الباجي المشهور بابن كلف، شهاب الدّين. 10/ 334. أحمد بن أحمد بن حمزة الرّملي الأنصاري الشافعي. 10/ 525. أحمد بن أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بشهاب الدين. 7/ 739. أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي أبو العباس بن القاص. 4/ 191. أحمد بن أحمد بن عبد الحق المصري الشافعي، شهاب الدين. 10/ 644. أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباس المتوكلي أبو السعادات. 6/ 105. أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي شرف الدين أبو العباس. 7/ 698. أحمد بن أحمد بن علي الحريمي الخراز أبو علي. 6/ 268. أحمد بن أحمد بن علي بن زكريا الجديد البدراني. 9/ 520. أحمد بن أحمد [1] [بن محمد] بن عيسى البرنسي الفاسي، أبو العباس، ويعرف زرّوق. 9/ 547. أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي أبو القاسم ويعرف بالسّمّذي. 7/ 228. أحمد بن أحمد الغزاوي المالكي. 9/ 212. أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. 9/ 40. أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زهير بن خليل الرّملي الدمشقي الشافعي، شمس الدين. 10/ 168. أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن خليل الحاضري، الأصل الحلبي الحنفي، عرف

_ [1] تنبيه: وقع اسم المترجم في الكتاب (إسماعيل ابن أحمد) والصواب ما أثبته هنا. انظر «الأعلام» (1/ 91) وتعليق العلّامة الزركلي عليه.

بابن خليل، أبو العباس شهاب الدين. 10/ 87. أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكي الشارعي. 8/ 211. أحمد بن أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني أبو العباس. 6/ 465. أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي شرف الدين. 7/ 742. أحمد بن إدريس بن محمد بن مزيز الحموي. 8/ 182. أحمد بن الأزهر بن منيع بن سليط النيسابوري الحافظ أبو الأزهر. 3/ 276. أحمد بن إسحاق بن أيوب الصّبغي [1] أبو بكر. 4/ 225. أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الحنفي الأنباري أبو جعفر. 4/ 85. أحمد بن إسحاق بن مجد الدين بن عاصم سعد الدين محمد الأصبهاني الحنفي المعروف بالشيخ أصلم. 9/ 28. أحمد بن إسحاق بن محمد المؤيد الأبرقوهي أبو المعالي. 8/ 9. أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد العباسي الخليفة أبو العباس. 5/ 110. أحمد بن أسد بن عبد الواحد الأميوطي الشافعي. 9/ 467. أحمد بن إسكندر بن يوسف، وقيل ابن يوسف بن إسكندر المعروف بابن الشيخ إسكندر، الشافعي شهاب الدين. 10/ 225. أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى المنوفي المعروف: بابن أبي السعود. 9/ 458. أحمد بن إسماعيل الأبشيطي. 9/ 308. أحمد بن إسماعيل بن أحمد الساماني أبو نصر. 4/ 10. أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المعروف بابن النجم. 8/ 387. أحمد بن إسماعيل بن الأفضل عباس بن علي صاحب اليمن. 9/ 257. أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد الأبشيطي الصوفي. 9/ 504. أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال المعروف بابن الحسباني. 9/ 162. أحمد بن إسماعيل السهمي المدني أبو حذافة. 3/ 262. أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب أبو الهدى. 8/ 97. أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز وهيب الأذرعي ثم الدمشقي المعروف بابن الكشك. 8/ 608. أحمد بن إسماعيل بن نصر بن أبي سعيد الكاساني أبو نصر. 6/ 50. أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني أبو الخير المعروف بالقزويني العلامة رضي الدين. 6/ 492. أحمد الأشخر العلّامة. 10/ 624.

_ [1] تنبيه: في الكتاب «الضّبعي» وهو خطأ والصواب ما أثبته هنا وقد نبّهت على هذا الخطأ عند موضع الترجمة من الكتاب.

أحمد بن الأشرف برسباي. 9/ 456. أحمد الأعزازي الدمشقي الصّالحي شهاب الدين. 10/ 87. أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري المعروف ب: الملك الأكمل. 6/ 128. أحمد أفندي ابن المفتي أبو السعود. 10/ 522. أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد بن مطر بن أحمد بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي أبو العباس. 7/ 291، 7/ 292. أحمد الأنقروي الرّومي، الحلبي. 10/ 454. أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا بن أيلكان سلطان بغداد. 9/ 150. أحمد بن إينال العلائي الظاهري من ذرية الظاهر بيبرس. 9/ 532. أحمد باشا أحمد بن ولي الدّين الحسيني. 10/ 21. أحمد بن بترس الصّفدي. 10/ 194. أحمد البجيري المصري المالكي. 10/ 226. أحمد البخاري السّيد. 10/ 151. أحمد البخاري، المكّي، شهاب الدين. 10/ 319. أحمد بن بدر بن إبراهيم الطّيبي الشافعي شهاب الدين. 10/ 319. أحمد بن [1] بدر الدّين العبّاسي المصري الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 625. أحمد بن بديل اليامي الكوفي الإمام أبو جعفر. 3/ 258. أحمد بن بركات بن الكيّال الدمشقي الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 378. أحمد البرلسي المصري الشافعي شهاب الدّين. 10/ 454. أحمد بن بشرويه الأصبهاني. 5/ 416. أحمد البغدادي المعروف بابن عصبة. 8/ 97. أحمد البقاعي، الشافعي شهاب الدّين. 10/ 337. أحمد بن بقي بن مخلد الأندلسي أبو عمر. 4/ 127. أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة أبو العباس. 8/ 601. أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسماعيل، المعروف بابن الرسام. 9/ 367. أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر البوصيري. 9/ 340. أحمد بن سيف الدّين أبي بكر بن برق الدمشقي. 8/ 197. أحمد بن أبي بكر البغدادي الدمشقي أبو بكر المعروف بنقيب المتعممين. 8/ 79. أحمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي. 10/ 357.

_ [1] تنبيه: لفظة «ابن» التي بين الحاصرتين لم ترد في الكتاب واستدركتها من «النور السافر» للعيدروس ص (404) مصدر المؤلف.

أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي، أبوه الدمشقي. 8/ 86. أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح المعروف: بالعجيمي. 9/ 362. أحمد بن أبي بكر الزهري الفقيه أبو مصعب. 3/ 192. أحمد بن أبي بكر بن سليمان بن علي الدمشقي الجمال بن الحموي أبو العباس. 7/ 699. أحمد بن أبي بكر بن صالح بن عمر المرعشلي الحلبي. 9/ 467. أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأسدي العبشمي الشهير جده بالطواشي. 9/ 267. أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي. 8/ 508. أحمد بن أبي بكر بن علي المعروف ببواب الكاملية. 9/ 308. أحمد بن أبي بكر بن العماد الحموي. 9/ 505. أحمد بن أبي بكر العيدروسي. 10/ 150. أحمد بن أبي بكر بن قدامة المقدسي الأصل المشهور: بابن زريق. 9/ 526. أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي الحنفي، شهاب الدّين. 9/ 13. أحمد بن أبي بكر بن محمود الحموي الحلبي، الشافعي، بدر الدّين. 10/ 269. أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي المالكي. 8/ 388. أحمد بن بندار البقّال أبو ياسر. 5/ 414. أحمد بن بندار الشعار بن إسحاق الفقيه أبو عبد الله. 4/ 306. أحمد بن بويه الديلمي بختيار أبو منصور. 4/ 358. أحمد بن بويه الديلمي، معز الدولة. 4/ 290. أحمد البيت لبدي الحنبلي، 9/ 462. أحمد بن ترمش الخياط البغدادي. 6/ 544. أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي محب الدين المعروف ب: اللبلي. 7/ 204. أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد الأصبهاني السمسار أبو جعفر. 4/ 243. أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي البغدادي أبو بكر. 4/ 367. أحمد بن جعفر الدبيثي. 6/ 304. أحمد بن جعفر بن سلم الختلي أبو بكر. 4/ 343. أحمد بن جعفر بن مدني بن عيسى بن عدنان بن محمود، شعبة النسفي الكائني أبو اللّيث. 5/ 261. أحمد بن جعفر بن موسى البرمكي جحظة 4/ 127. أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري الأرتاحي أبو العباس. 7/ 514. أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري الحافظ أبو عمرو. 3/ 317. أحمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد الحافظ المهدي المصري المقرئ أبو جعفر. 3/ 387. أحمد بن حجي (المعروف ب) : أمير آل مري. 7/ 656.

أحمد بن حجي الحسباني، الدمشقي، الأطروشي الشافعي، شهاب الدين. 10/ 48. أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعيد بن غشيم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني. 9/ 173. أحمد بن حرب الطائي الموصلي. 3/ 282. أحمد بن حرب النيسابوري الزاهد. 3/ 157. أحمد الحريزي عامل المقتفي. 6/ 255. أحمد الحسامي، شهاب الدّين الصوفي. 10/ 184. أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني الكرخي ثم البغدادي أبو طاهر. 5/ 392. أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي المخلطي أبو العباس. 6/ 36. أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرشي النيسابوري الحيري أبو بكر. 5/ 103. أحمد بن الحسن بن أبي البقاء العاقولي أبو العباس. 7/ 59. أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرّهاوي ثم المصري، المعروف بطفيق. 8/ 413. أحمد بن الحسن بن الحسن بن علي القبي بن المسترشد بالله العباسي أبو العباس. 8/ 6. أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي أبو الفضل. 5/ 379. أحمد بن الحسن بن سليمان الدمشقي الحنفي المعروف بابن الكفري، شرف الدّين. 8/ 414. أحمد بن حسن شهاب الدين مفتي مدينة تعز. 10/ 125. أحمد بن الحسن العباسي. 9/ 457. أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي أبو عبد الله. 4/ 29. أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الأصل ثم الدمشقي المشهور بابن قاضي الجبل أبو العباس. 8/ 376. أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الأزهر النيسابوري الشروطي الأزهري أبو حامد. 5/ 262. أحمد بن حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ثم الصالحي أبو العباس. 8/ 40. أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ثم المصري السويدائي. 9/ 67. أبو أحمد الحسن بن محمد بن علي العراقي. 9/ 46. أحمد بن الحسن بن محمد بن قلاوون الصالحي. 8/ 515. أحمد بن الحسن بن يوسف الجاربردي الشافعي. 8/ 256. أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب الدمشقي المشغراني أبو الجهم. 4/ 92. أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي أبو العباس المعروف بالعراقي. 6/ 480. أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي الإربلي ثم الموصلي الشمس بن الخباز النحوي أبو عبد

الله. 7/ 350. أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي الصوفي. 9/ 362. أحمد بن الحسين بن إسحاق البغدادي أبو الحسين المعروف بالصوفي الصغير. 4/ 19. أحمد بن الحسين بن إسحاق بن عتبة الرازي ثم المصري أبو العباس. 4/ 297. أحمد بن الحسين البردعي أبو سعيد. 4/ 81. أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي أبو الطيب الشهير ب: المتنبي. 4/ 282. أحمد بن حسين بن حسن بن عمري البيري، الحلبي، الشافعي، شهاب الدين. 10/ 484. أحمد بن حسين بن حسن بن محمد المعروف بابن سعد الدين الشامي القبيباتي الجبائي. 10/ 484. أحمد بن الحسين الرازي الصغير أبو زرعة. 4/ 400. أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن هبة الله البغدادي البيع بن النرسي أو نصر. 7/ 222. أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس. 10/ 513. أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي البيهقي أبو بكر. 5/ 248. أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم الشهاب بن البدر المكّي ويعرف كأبيه بابن العليق، شهاب الدين. 10/ 195. أحمد بن حسين بن محمد العليني المكي شهاب الدّين. 10/ 141. أحمد بن الحسين بن مروان الضبي المرواني النيسابوري أبو نصر. 4/ 421. أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني ثم النيسابوري أبو بكر. 4/ 424. أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد البديع الهمذاني أبو الفضل المعروف ب: بديع الزمان. 4/ 512. أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري أبو علي. 3/ 259. أحمد الحلبي أبو جلنك. 7/ 795. أحمد بن حماد بن مسلم أخو عيسى زغبة التجيبي. 3/ 409. أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي. 8/ 479. أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن محمود بن غياث بن سابق بن وثّاب النّميري الحرّاني أو عبد الله. 7/ 748. أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري النيسابوري أبو جعفر. 4/ 55. أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم الأعمشي النيسابوري أبو حامد، ويقال: أبو تراب. 4/ 104. أحمد بن حمزة التركي الطرابلسي الدمشقي الشافعي الصوفي، شهاب الدين. 10/ 137. أحمد بن حمزة الرّومي الحنفي المعروف بعرب

جلبي. 10/ 401. أحمد بن حمزة المولى بير أحمد بن حمزة 10/ 419. أحمد بن حمزة بن علي بن الحسن السلمي أبو الحسين المعروف ب: ابن الموازيني. 6/ 465. أحمد بن حمزة القلعي الحلبي الحنفي الشافعي. 10/ 401. أحمد بن أبي الحواري الزاهد الكبير الدمشقي أبو الحسن. 3/ 211. أحمد بن خاص التركي الحنفي. 9/ 121. أحمد بن خالد بن الجباب القرطبي أبو عمر. 4/ 113. أحمد بن خالد الذهبي الحمصي. 3/ 68. أحمد الخشّاب الدمشقي شهاب الدين العلّامة الشافعي. 10/ 87. أحمد بن الخصيب الوزير أبو العباس. 3/ 281. أحمد بن خضر بن جلال الدّين الرّومي الحنفي. 10/ 206. أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس أبو المعالي. 7/ 204. أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهبلي الخويي أبو العباس. 7/ 320. أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي أبو الخير. 9/ 28. أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي الحافظ بن الحافظ أبو بكر. 3/ 327. أحمد بن أبي الخير اليمني الصياد. 8/ 450. أحمد بن أبي دواد الإيادي أبو عبد الله. 3/ 179. أحمد بن راشد بن طرخان الملكاوي الدمشقي الشافعي. 9/ 42. أحمد، المعروف بالراعي شهاب الدين. 10/ 219. أحمد بن ربيعة المقرئ. 9/ 42. أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود البغدادي. 8/ 396. أحمد بن رجب بن طيبغا الشهير: بابن المجدي. 9/ 390. أحمد بن رضي الدّين أبي بكر بن علي بن محمد النّاشري الزّبيدي اليمني. 9/ 163. أحمد بن رضيّ الدّين الغزّيّ، شهاب الدين أبو المكارم. 10/ 36. أحمد بن ركن الدين بن أبي يزيد بن محمد السرائي. 8/ 542. أحمد بن رمضان، عرف بابن كيسرات مهتار الطستخاناه. 8/ 86. أحمد الرّملي المنوفي المصري الأنصاري الشافعي. 10/ 454. أحمد الرويس الأقباعي. 8/ 65. أحمد الزّبيدي المكّي شهاب الدّين. 10/ 320. أحمد بن زهير بن حرب النسائي ثم البغدادي أبو بكر الحافظ ابن الحافظ. 3/ 327. أحمد الزواوي. 10/ 152. أحمد بن زيد التميمي. 8/ 560. أم أحمد زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني. 7/ 706.

أحمد بن سالم الزاهد البصري أبو الحسن. 4/ 318. أحمد بن سالم المصري النحوي. 7/ 546. أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب الدين. 8/ 440. أحمد بن سراج الدّين عمر البارزي الحموي الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 412. أحمد السرائي الحنفي، شمس الدين. 10/ 587. أحمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري أخو محمد. 7/ 433. أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي أبو العباس. 8/ 283. أحمد بن أبي السعود. 10/ 522. أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المصري أبو العباس. 5/ 225. أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي أبو عمر. 5/ 11. أحمد بن سعيد الرباطي أبو عبد الله. 3/ 196. أحمد بن سعيد بن صخر الحافظ الدارمي السرخسي أبو جعفر. 3/ 240. أحمد بن سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد أبو العباس. 7/ 628. أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني. 8/ 86. أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجار الحراني أبو العباس. 7/ 404. أحمد بن سلامة بن عبد الله بن مخلد بن الرطبي أبو العباس الكرخي. 6/ 132. أحمد السلفيتي الخبلي. 9/ 492. أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي النجّاد أبو بكر 4/ 251. أحمد بن سليمان الحنفي، الشهير بابن كمال باشا، شمس الدين. 10/ 335. أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني، الحوراني، الحنفي، الغزّي الشّهاب. 10/ 237. أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ أبو الفضل. 3/ 359. أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف المقدسي ثم الحراني أبو العباس. 7/ 775. أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي الملّقب ب: السكر. 7/ 6. أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي أبو الحسن بن حذلم. 4/ 247. أحمد بن سليمان بن أيوب العباداني أبو بكر. 4/ 239. أحمد بن سليمان الأيوبي الملك الأشرف. 9/ 314. أحمد بن سليمان الرهاوي الحافظ أبو الحسن. 3/ 266. أحمد بن سليمان بن زبان الكندي الدمشقي الضرير أبو بكر. 4/ 202. أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الإربدي الدمشقي. 8/ 414. أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشيباني البعلبكي ثم الصالحي.

9/ 13. أحمد بن سليمان بن محمد العدناني البرشكي أبو العباس. 8/ 457. أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي. 8/ 54. أحمد بن سنان القطان الواسطي الحافظ أبو جعفر. 3/ 259. أحمد سنجر معز الدين أبو الحارث. 6/ 268. أحمد بن السّندي البغدادي الحدّاد أبو بكر. 4/ 306. أحمد بن سهل الأشناني أبو العباس. 4/ 35. أحمد بن سيّار المروزي الحافظ. 3/ 290. أحمد بن شاه رخ، ملك الشرق. 9/ 334. أحمد شريف بن علي بن علوي خرد، الشافعي اليمني، باعلوى. 10/ 452. أحمد بن شعبان بن علي بن شعبان شهاب الدين. 10/ 105. أحمد بن شعيب بن علي النسائي أبو عبد الرحمن. 4/ 15. أحمد بن شقير المغربي التّونسي المالكي شهاب الدين. 10/ 59. أحمد، الشهير بابن شكم، الشافعي الدمشقي، الصالحي، شهاب الدّين. 10/ 26. أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشيباني الصالحي العطار ثم الخياط بدر الدين أبو العباس. 7/ 681. أحمد بن شيبان الرملي أبو عبد المؤمن. 3/ 290. أحمد الشّيبيني المصري. 10/ 453. أحمد بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمذاني أبو مسلم. 7/ 204. أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطاب بن رقم البقاعي الزهري الدمشقي 8/ 577. أحمد بن صالح السينكي أبو العباس. 7/ 546. أحمد بن صالح بن شافع الجيلي ثم البغدادي أبو الفضل. 6/ 356. أحمد بن صالح الطبري ثم المصري الحافظ أبو جعفر. 3/ 222. أحمد بن صالح المحلّي الشافعي أبو العباس. 9/ 363. أحمد بن الصّايغ المصري الحنفي، شهاب الدّين. 1/ 280. أحمد بن صدقة الشافعي شهاب الدين. 10/ 130. أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي السمسار المعروف بابن المحمرة. 9/ 341. أحمد بن طارق الكركي ثم البغدادي أبو الرضا. 6/ 504. أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي أبو العباس. 8/ 36. أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجار المعروف بابن الشحنة. 8/ 162. أحمد بن أبي الطاهر بن أبي الفضل المقدسي الصالحي. 7/ 735. أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني أبو حامد. 5/ 37.

أحمد بن طاهر النجم الميانجي أبو عبد الله. 4/ 318. أحمد بن طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم العباسي أبو العباس الملقب بالمعتضد. 3/ 371. أحمد بن طلحة المنقي البغدادي أبو بكر. 5/ 98. أحمد بن طولون أبو العباس. 3/ 295. أحمد الطيب بن شمس الدّين الطّنبذاوي البكري الصّدّيقي الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 390. أحمد الطّيبي الشافعي. 10/ 576. أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكي القرشي. 8/ 551. أحمد بن عامر بن بشر المروروذي الشافعي أبو حامد. 4/ 327. أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي أبو بكر. 4/ 471. أحمد بن عبد الأول القزويني، شهاب الدين، المشهور بالسعدي. 10/ 504. أحمد بن عبد الباري الصعيدي ثم الإسكندراني الداري أبو العباس. 7/ 750. أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي، ابن طوق، أبو نصر. 5/ 253. أحمد بن عبد البصير القرطبي. 4/ 471. أحمد بن عبد الجبار الصيرفي أبو سعد المعروف ب: ابن الطيوري. 6/ 87. أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي. 3/ 305. أحمد بن عبد الحق بن محمد السنباطي، المصري، الشافعي شهاب الدين. 10/ 402. أحمد بن عبد الحق بن محمد بن عبد الحق المالكي المالقي الجدلي أبو جعفر، ويعرف بابن عبد الحق. 8/ 348. أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني أبو العباس. 8/ 142. أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحيي بن عبد الخالق بن عبد العزيز الأسيوطي. 9/ 328. أحمد بن عبد الخالق بن علي بن حسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي. 9/ 67. أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي. 9/ 29. أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم زين الدين أبو العباس. 7/ 567. أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكّاري الصرخدي. 8/ 196. أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الذهبي، المعروف بابن ناظر الصالحية. 9/ 384. أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي الجوال أبو بكر الشيرازي. 5/ 57. أحمد بن عبد الرحمن الأندلسي البطروجي أبو

جعفر. 6/ 213. أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور العامري الرّملي. 9/ 482. أحمد بن عبد الرحمن بن جمال الدّين بن هشام المصري. 9/ 309. أحمد بن عبد الرحمن الذكواني الأصبهاني أبو الحسين. 5/ 359. أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي أبو بكر. 5/ 47. أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي أبو العباس، المعروف بابن النقيب. 8/ 342. أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم النّابلسي، الدمشقي، الشهير بابن مكيّة الشافعي، شهاب الدين. 10/ 48. أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي الظاهري. 8/ 303. أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النابلسي سيف الدين بن شهاب أبي العباس أبو بكر. 7/ 784. أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي الشهاب العابر أبو العباس. 7/ 764. أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي أبو علي. 5/ 183. أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي، الصالحي، الحنبلي، شهاب الدين. 10/ 247. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أبو العباس. 7/ 712. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطري المدني. 9/ 225. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الأزجي أبو علي. 6/ 244. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني الدمشقي المنقذي أبو الفضائل. 7/ 750. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن زهر الحمصي. 9/ 464. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي. 8/ 560. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الولي بن جبارة المقدسي ثم الصالحي المرداوي الحريري أبو العباس. 8/ 318. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الحسيني الشّيرازي الأيجي السيد. 9/ 537. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي. 8/ 466. أحمد بن عبد الرحمن بن نور الدّين بن محمد بن محمد بن محمد بن الصائغ الأنصاري محيي الدين أبو اليسر. 9/ 95. أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصّوري الصالحي. 8/ 7. أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري المحدث أبو عبيد الله. 3/ 277. أحمد بن عبد الرحيم بن حسن التّلّعفري الدمشقي، القبيباتي، الشافعي ابن المحوجب، شهاب الدين. 10/ 81.

أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي. 9/ 251. أحمد بن عبد الرحيم بن علي البيساني ثم المصري أبو العباس. 7/ 378. أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي. 8/ 191. أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي قطب الدين أبو المعالي. 7/ 602. أحمد بن عبد السيد بن شعبان الإربلي، صلاح الدين. 7/ 251. أحمد بن عبد الصمد الهروي الغورجي أبو بكر. 5/ 349. أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التيمي البغدادي أبو الحسن المعروف ب: ابن ثرثال. 5/ 50. أحمد بن عبد العزيز بن الجعد البغدادي الوشاء أبو بكر. 4/ 10. أحمد بن عبد العزيز الدمشقي المالكي، الشافعي. 10/ 279. أحمد بن عبد العزيز السبكي ثم الشيرازي. 9/ 334. أحمد بن عبد العزيز السّنباطي المصري الشافعي، شهاب الدّين، أبو السعود. 10/ 219. أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتّوحي الحنبلي، المعروف بابن النّجار. 10/ 396. أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري. 8/ 515. أحمد بن عبد الغفار بن أشته الأصبهاني أبو العباس. 5/ 399. أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة الباجسرائي. 6/ 344. أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن محمد القيسي أبو محمد. 8/ 273. أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي اليوسفي أبو الحسين. 5/ 401. أحمد بن عبد القادر النبراوي المصري الحنبلي. شهاب الدين. 10/ 183. أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي المسند 8/ 431. أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد أنو شروان التبريزي المعروف بالمكشوت. 8/ 193. أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري المعروف بابن الأغلاقي. 7/ 758. أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبادة السعدي الأنصاري. 9/ 526. أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني أبو نعيم. 5/ 149. أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الصالحي أبو العباس المعروف بابن الناصح. 8/ 487. أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي أبو الوليد. 5/ 264. أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللخمي الفاسي بن الحطيئة أبو العباس. 6/ 314. أحمد بن عبد الله بن أحمد اليمني بامخرمة. 10/ 71.

أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرّج بن يزيد بن عثمان بن جابر العامري الغزّي ثم الدمشقي. 9/ 224. أحمد بن عبد الله البغدادي النحاس أبو بكر وكيل أبي صخرة. 4/ 135. أحمد بن عبد الله البوتيجي. 9/ 257. أحمد بن عبد الله التهامي، شهاب الدين. 8/ 493. أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري الشافعي. 9/ 76. أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان بن عبد الله الأوحدي. 9/ 134. أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني أبو طالب. 7/ 149. أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي، قاضي كرك نوح. 9/ 77. أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي أبو الحسن. 4/ 485. أحمد وقيل عبد الأحد بن عبد الله وقيل ابن عبد الأحد الحنفي، الشهير بقرا أوغلي. 10/ 344. أحمد بن عبد الله الخجستاني. 3/ 291. أحمد بن عبد الله الخرقي أبو الحسن. 4/ 186. أحمد بن عبد الله بن الخضر السوسنجردي البغدادي المعدل أبو الحسين. 5/ 11. أحمد بن عبد الله الدمشقي جمال الدّين أبو العباس. 7/ 744. أحمد بن عبد الله بن الزبير الحلبي المعروف بالخابوري. 7/ 718. أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق. 4/ 64. أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرّي التّنوخي أبو العلاء. 5/ 209. أحمد بن عبد الله بن سهل المعروف بابن البقال، أبو طالب. 5/ 181. أحمد بن عبد الله السّيواسي صاحب سيواس وقاضيها وسلطانها. 9/ 13، و 88. أحمد بن عبد الله بن شعيب التميمي الصقلي ثم الدمشقي جمال الدين. 7/ 548. أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي أبو الحسن. 3/ 266. أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن الأستاذ الأسدي كمال الدّين. 7/ 534. أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الشافعي بأفضل، شهاب الدّين. 10/ 225. أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن محمد بن الصائغ البغدادي أبو الفتح. 6/ 412. احمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية بن أبي زرعة الزهري المصري أبو بكر. 3/ 297. أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السّلمي البغدادي الصيدلاني الشمس العطار أبو القاسم. 7/ 113. أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز اليونيني الصالحي الحنفي أبو العباس. 7/ 775. أحمد بن عبد الله بن عبد القادر البغدادي، الصالحي، الحنفي، شهاب الدّين الشهير بابن الحصري. 10/ 405. أحمد بن عبد الله العجمي الحنبلي. 9/ 121.

أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر. 8/ 457. أحمد بن عبد الله بن علي بن الأبنوسي البغدادي أبو الحسن. 6/ 213. أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري المالكي الإسكندراني ابن النحاس أبو البركات. 7/ 582. أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد الطبري المكي محب الدين أبو العباس. 7/ 743. أحمد بن عبد الله بن محمد عبد الجبار بن طلحة بن عمر بن الأشتري الحلبي ثم الدمشقي الأمين الأشتري أبو العباس. 7/ 647. أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي الباجي اللخمي الإشبيلي أبو عمر. 4/ 506. أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي. 8/ 508. أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي المغفلي أبو محمد. 4/ 290. أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو جعفر. 4/ 113. أحمد بن عبد الله، المولى. المعروف بفوري أفندي. 10/ 564. أحمد بن عبد الله النحريري المالكي. 9/ 43. أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي الدمشقي أبو الفضل. 4/ 185. أحمد بن عبد الله بن نعيم السّرخسي النّعيمي أبو حامد. 4/ 458. أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي أبو عبد الله. 3/ 121. أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشرجي ثم الزّبيدي. 9/ 143. أحمد بن عبد المحسن الدمياطي، عرف بكتاكت. 7/ 628. أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي أبو عمر المعروف بابن المكوي. 5/ 8. أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري. 7/ 521. أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي أبو العباس. 6/ 168. أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي. 8/ 40. أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي الشروطي الناسخ، ويعرف بالزين. 7/ 358. أحمد بن عبد الملك بن عطاش. 5/ 424. أحمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الله الموصلي الشيباني المقدسي ثم الدمشقي الشافعي الصوفي الصالح، شهاب الدّين. 10/ 183. أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري أبو صالح. 5/ 301. أحمد بن عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين بن شهيد أبو عامر. 5/ 125. أحمد بن عبد المنعم الحكيم البغدادي. 7/ 193. أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم القزويني الطاووسي. 8/ 20. أحمد بن عبد المؤمن الشافعي. 8/ 272.

أحمد بن عبدة الضّبّي. 3/ 205. أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري، المعروف بابن الشيخ. 8/ 508. أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الصالحي أبو العباس. 8/ 293. أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي المقدسي ثم الدمشقي، المعروف بالبخاري أبو العباس. 7/ 187. أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السلمي أبو الحسن. 5/ 296. أحمد بن عبد الوارث البكري. 8/ 397. أحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسواني العسّال. 4/ 105. أحمد بن عبد الوهاب بن بنت الأعز علاء الدين. 7/ 776. أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي بن محمد المحمدي. 9/ 43. أحمد بن عبد الوهاب بن عبد القادر، الدمشقي الحنفي، شهاب الدّين. 10/ 235. أحمد بن عبدوس العنزي الطرائفي أبو الحسن. 4/ 244. أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفّار أبو الحسن. 4/ 222، 4/ 277. أحمد بن عبيد بن فضال الحلبي الموازيني أبو الفتح المعروف ب: الماهر. 5/ 224. أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب أبو العباس. 4/ 143، 4/ 144. أحمد بن عبيد الله أبو جعفر الأسداباذي الهمذاني. 4/ 226. أحمد بن عبيد الله بن قدامة المقدسي أبو الحسن ويعرف بالشيخ شرف الدين. 7/ 100. أحمد بن عبيد الله بن محمد السلمي العكبري أبو العز ابن كادش. 6/ 129. أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني. 8/ 243. أحمد بن عثمان الأدمي العطشي أبو الحسين. 4/ 256. أحمد بن عثمان الأمشاطي. 8/ 119. أحمد بن عثمان البغدادي أبو بكر الشهير ب: غلام السباك. 4/ 239. أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن بصيص الزبيدي أبو العباس. 8/ 361. أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي أبو الحسين. 4/ 234. أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الياسوفي الأصل الدمشقي المعروف بابن الجابي. 8/ 509. أحمد بن عثمان بن محمد بن عثمان العمودي اليمني الشافعي شهاب الدّين. 10/ 499. أحمد بن عثمان بن محمد بن محمد بن عبد الله الكلوثاثي. 9/ 309. أحمد بن عثمان، الشهير بمنلازاده، السّمرقندي، الخطّابي، شهاب الدين. 10/ 5. أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني

الشهاب أمير مكة. 8/ 514. أحمد المعروف بأبي عراقية. 10/ 139. أحمد بن العسكري الصالحي الدمشقي الحنبلي، شهاب الدّين. 10/ 81. أحمد بن عطاء الروذباري أبو عبد الله. 4/ 372. أحمد بن العلاوي، شهاب الدّين. 10/ 500. أحمد بن علم الدين بن الأخنائي. 8/ 211. أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الشريف الحسيني الدمشقي الأصل. 9/ 293. أحمد بن علوي بن محمد بن علي بن جحدب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باعلوى اليمني الزاهد. 10/ 541. أحمد بن علي بن إبراهيم الباعوني شهاب الدين. 10/ 179. أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر البدوي. 7/ 602. أحمد بن علي [بن أحمد] الشّيشني المصري الحنبلي شهاب الدّين. 10/ 130. أحمد بن علي بن أحمد العلثي أبو بكر. 6/ 11. أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي أبو غالب المعروف ب: ابن البناء. 6/ 132. أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي شهاب الدّين. 9/ 218. أحمد بن علي بن أحمد الموصلي أبو العباس المعروف بالوتّارة، ويقال ابن الوتارة. 7/ 175. أحمد بن علي بن أحمد النحوي ويعرف بابن نور. 8/ 204. أحمد بن علي بن أحمد النويري المكي قاضي مكة. 9/ 257. أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني أبو بكر المعروف ب: ابن لال. 4/ 514. أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي أبو العباس. 6/ 427. أحمد بن علي الإسفراييني أبو بكر، وأبو حامد. 5/ 155. أحمد بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى البلبيسي المعروف بابن الظريف. 9/ 135. أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي. 8/ 602. أحمد بن علي البغدادي التوزي أبو الحسين. 5/ 187. أحمد بن علي بن بدران الحلواني أبو بكر، المعروف: بخالوه. 6/ 27. أحمد بن علي بن برهان أبو الفتح. 6/ 101. أحمد بن علي بن أبي بكر القرطبي أبو جعفر. 6/ 528. أحمد بن علي بن البهاء بن عبد الحميد بن إبراهيم البغدادي الدمشقي الصالحي الحنبلي، شهاب الدين. 10/ 206. أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي أبو بكر. 5/ 262. أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر أبو حامد. 4/ 260. أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم بن البادا

البغدادي أبو الحسن. 5/ 98. أحمد بن علي الحسيني أبو عبد الله. 6/ 382. أحمد بن علي بن حسين بن زكريا الطريثيثي أبو بكر، المعروف بابن زهراء. 5/ 414. أحمد بن علي بن الحسين المروزي النّضري الكراعي أبو غانم. 5/ 193. أحمد بن علي الرازي أبو بكر. 4/ 377. أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي. 8/ 113. أحمد بن علي بن سعيد المروزي القاضي الحافظ أبو بكر. 3/ 386. أحمد بن علي بن سيدك الأواني أبو عبد الله. 7/ 298. أحمد بن علي بن شهاب الدّين الشّعراوي، الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 49. أحمد بن علي بن شهريار الرازي ثم النيسابوري أبو بكر. 4/ 73. أحمد بن علي الشيرازي أبو الوفاء. 6/ 137. أحمد بن علي المحلي الضرير كمال الدّين. 7/ 586. أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري، المشهور بالبلبيسي، الملقب سمكة. 8/ 449. أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد المقريزي البعلي الأصل. 9/ 370. أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمام السبكي أبو حامد. 8/ 388. أحمد بن علي بن عبد الله بن الأبرادي البغدادي أبو البركات. 6/ 159. أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي البغدادي أبو بكر. 8/ 19. أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري أبو بكر. 5/ 372. أحمد بن علي بن عبد الواحد بن الأشقر الدلّال أبو بكر. 6/ 214. أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوار أبو طاهر. 5/ 412. أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري. 8/ 593. أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني أبو عبد الله. 4/ 146. أحمد بن علي بن عمر البيكندي السليماني أبو الفضل. 5/ 26. أحمد بن علي بن أبي غالب الإربلي مجد الدين أبو العباس. 7/ 498. أحمد بن علي الغساني الأسواني. 6/ 337. أحمد بن علي بن أبي الفتح الدمشقي المعروف بالمحدّث. 9/ 68. أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي أبو الفضل. 5/ 407. أحمد بن علي القسطلاني ثم المصري أبو العباس. 7/ 313. أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي الموصلي أبو يعلى. 4/ 35. أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي أبو العباس. 8/ 284. أحمد بن علي بن محمد بن الشحام، المؤذن

بالجامع الأموي. 9/ 446. أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن حاتم بن البعلي. 9/ 294. أحمد بن علي بن محمد بن علي البكر العطاردي، المعروف بابن سكر. 9/ 87. أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر الفاكهي الأصل، المصري المكي الشافعي، شهاب الدين. 10/ 300. أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد، الشهير: بابن حجر العسقلاني الأصل. 9/ 395. أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي، المعروف بابن عبد الحق، ويعرف قديما بابن قاضي الحصن، جمال الدّين. 9/ 29. أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني المحدث شهاب الدين. 8/ 441. أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي. 9/ 198. أحمد بن علي بن محمد بن منجويه الأصبهاني اليزدي أبو بكر. 5/ 131. أحمد بن علي المزجاجي الحنفي شهاب الدّين. 10/ 495. أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي ويعرف بابن سعفور، ويلقب بعمي أبو العباس. 8/ 107. أحمد بن علي بن مسلم النخشبي البغدادي. 3/ 379. أحمد بن علي بن معقل المهلبي الحمصي عز الدين أبو العباس. 7/ 396. أحمد بن علي المقرئ القاهري، شهاب الدّين. 10/ 87. أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي المعروف بابن منصور. 8/ 472. أحمد بن علي بن النّقيب المقدسي الحنفي. 9/ 175. أحمد بن علي بن هاشم المصري أبو العباس. 5/ 197. أحمد بن علي بن ياسين الدّجاني الشافعي. 10/ 518. أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي. 9/ 43. أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الداني الحصار أبو جعفر. 7/ 68. أحمد بن علي اليمني المعروف بالعامري. 8/ 120. أحمد بن علي بن يوسف الحنفي أبو العباس. 7/ 735. أحمد بن علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم المصري معين الدين. 7/ 577. أحمد بن العماد بن الشيرازي. 8/ 55. أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي العز أبو العباس. 7/ 794. أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي، المعروف بابن العماد.

9/ 110. أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي أبو العباس. 7/ 473. أحمد بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البرمكي الحنبلي أبو العباس. 5/ 183. أحمد بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو العباس. 8/ 312. أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث العذري الأندلسي الدلائي أبو العباس. 5/ 337. أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف القطيعي أبو العباس. 6/ 344. أحمد بن عمر بن سريج البغدادي أبو العباس. 4/ 29. أحمد بن عمر بن سليمان الجعفري الدمشقي الشافعي الصوفي الوفائي شهاب الدين. 10/ 138. أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصمد البغدادي الجوهري. 9/ 121. أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الحنبلي جمال الدّين أبو حمزة. 7/ 278. أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني الغازي أبو نصر. 6/ 162. أحمد بن عمر بن محمد الخيوقي نجم الدين أبو الجناب ويقال له: الكبرى. 7/ 141. أحمد بن عمر بن محمد بن أبي الرضا الحموي أبو الخير. 8/ 540. أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الرحمن القاضي الشافعي، الزّبيدي، صفي الدين، وشهاب الدّين، أبو السرور. 10/ 235. أحمد بن عمر بن محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بالقنبيط. 8/ 541. أحمد بن عمر المزجدالي صفي الدّين. 10/ 112. أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي. 8/ 577. أحمد بن أبي عمران أبو جعفر. 3/ 329. أحمد بن أبي عمران الهروي أبو الفضل. 4/ 517. أحمد بن عمرو بن جابر الطحان أبو بكر. 4/ 182. أحمد بن عمرو الحرشي النيسابوري. 3/ 118. أحمد بن عمرو بن السرح المصري الفقيه العلامة أبو الطاهر. 3/ 229. أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل الشيباني البصري الحافظ الإمام أبو بكر. 3/ 364. أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّاز البصري الحافظ أبو بكر. 3/ 387. أحمد بن عمرو بن منصور الأموي مولاهم الأندلسي. 4/ 61. أحمد بن عروس المغربي التونسي. 9/ 462. أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا أبو الحسن. 4/ 99. أحمد بن عبد الحنفي، شهاب الدين. 10/ 93. أحمد بن عيسى بن جمهور الخشاب أبو عيسى. 4/ 234. أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي أبو العباس المعروف

بسيف الدين. 7/ 377. أحمد بن عيسى أبو سعيد الخرّاز. 3/ 359. أحمد بن عيسى المصري أبو عبد الله المعروف بابن التستري. 3/ 196. أحمد بن عيسى بن موسى بن جميل المعيري، الكركي العامري الأزرقي الشافعي، أبو عيسى. 9/ 14. أحمد بن أبي غالب بن أحمد البغدادي أبو العباس المعروف بابن الطّلّاية. 6/ 241. أحمد بن غالب بن أحمد بن غالب بن عبد الله الحربي أبو بكر. 6/ 290. أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى ابن شيخون الأبرودي الجبابيني أبو العباس. 6/ 408. أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي أبو الحسين. 4/ 480. أحمد بن أبي الفتح محمد بن أحمد الدينوري أبو بكر. 6/ 162. أحمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني أبو العباس. 8/ 172. أحمد بن الفرات بن خالد الرازي الثقة أبو مسعود. 3/ 259. أحمد بن الفرج الحمصي المعروف بالحجازي أبو عتبة. 3/ 305. أحمد بن الفرج بن راشد بن محمد المدني الوراق البغدادي أبو العباس. 6/ 261. أحمد بن فرح بن أحمد الإشبيلي شهاب الدين أبو العباس. 7/ 775. أحمد بن فرح البغدادي أبو جعفر المقرئ الضرير. 4/ 19. أحمد بن الفضل بن خزيمة أبو علي. 4/ 248. أحمد بن فهد بن الحسين بن فهد العلثي أبو العباس. 7/ 216. أحمد الفيّومي، شهاب الدّين. 10/ 112. أحمد بن القاسم بن خليفة الحكيم الطبيب عرف بابن أبي أصيبعة. 7/ 569. أحمد بن القاسم بن الريان المصري اللكي أبو الحسن. 4/ 318. أحمد بن قاسم العبّاديّ القاهري الشافعي، شهاب الدين. 10/ 636. أحمد بن القاسم بن عبد الله بن مهدي بن الخشاب البغدادي أبو الفرج. 4/ 339. أحمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي ابن جزي أبو بكر. 8/ 494. أحمد بن القاسم بن نصر أبو بكر، أخو أبي الليث الفرائضي. 4/ 100. أحمد بن القاضي الرشيد أبي الحسن علي الغساني الأسواني أبو الحسن. 6/ 328. أحمد بن قطلوبغا العلائي الحلبي. 8/ 560. أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة البغدادي البغدادي أبو بكر. 4/ 260. أحمد بن كثير العبدي الدّورقي أبو عبد الله. 3/ 211. أحمد بن كرك الصالحي الحنفي شهاب الدين. 10/ 93. أحمد بن كند غدي. 9/ 59. أحمد بن لؤلؤ المصري أبو العباس. 8/ 366. أحمد بن المبارك أبو السعود الحريمي. 6/ 450.

أحمد بن المبارك بن عبد الباقي البغدادي الذهبي القطان أبو القاسم المعروف ب: ابن قفرجل. 6/ 282. أحمد بن المبارك أبو الحسين. 6/ 273. أحمد بن المبارك المرقعاتي. 6/ 391. أحمد بن المبارك المستملي الحافظ أبو عمرو. 3/ 348. أحمد بن علي البغدادي أبو السعود المعروف بابن المجلي. 6/ 122. أحمد بن محسن بن ملي الأنصاري البعلبكي نجم الدين. 7/ 777. أحمد بن محفوظ بن مهنا بن شكر بن الصافيوني الرصافي البغدادي أبو العباس. 7/ 350. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الإربلي شمس الدين أبو العباس. 7/ 647. أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري الصغير أبو محمد. 4/ 207. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الأنطاكي الحلبي، الحنفي، شهاب الدّين، المعروف بابن حمارة. 10/ 423. أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي العشاب. 8/ 196. أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي. 8/ 55. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي. 8/ 578. أحمد بن محمد بن إبراهيم الصفدي المعروف بابن شيخ الضوء. 8/ 609. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن كتامة. 8/ 480. أحمد بن محمد بن إبراهيم الغيشي الحنائي. 9/ 381. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الكرم محمد بن الشهيد الشامي. 8/ 620. أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي أبو إسحاق. 5/ 127. أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري أبو حامد. 4/ 417. أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البرداني أبو علي، 5/ 419. أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد، الدمشقي، الشافعي شهاب الدين الشهير بابن طوق. 10/ 98. أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزاز أبو الحسين المعروف ب: ابن النقور. 5/ 301. أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن زيد الحنبلي. 9/ 458. أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي أبو الحسن المعروف: بابن القطان. 4/ 306. أحمد بن محمد بن أحمد بن بكروس بن سيف الدينوري ثم البغدادي أبو العباس، ويعرف بابن أبي العز وبابن الحمامي. 6/ 406. أحمد بن محمد بن أحمد بن تمام بن السراج أبو العباس. 8/ 324. أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان القدوري البغدادي أبو الحسين. 5/ 131. أحمد بن محمد بن أحمد جعمان، الشافعي، شهاب الدّين. 10/ 50.

أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي النرسي أبو نصر. 5/ 61. أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم الحيري [1] أبو عمرو. 4/ 82. أحمد بن محمد بن أحمد الدميري المعروف: بابن تقي. 9/ 352. أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني الحداد أبو الفتح. 5/ 424. أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن الجسور الأموي أبو عمر. 5/ 8. أحمد بن محمد أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي. 9/ 29. أحمد بن محمد بن أحمد السمناني أبو المكارم. 8/ 221. أحمد بن محمد بن أحمد بن الشريشي الوائلي البكري. 8/ 85. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري. 8/ 609. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي أبو العباس. 8/ 247. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي ابن السرّاج أبو الحسين. 7/ 499. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث التميمي الأصبهاني أبو بكر. 5/ 150. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان أبو العباس. 8/ 453. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الشارعي، المالكي، المصري، شهاب الدين أبو المكارم. 10/ 6. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الماليني الصوفي أبو سعد. 5/ 65. أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي البغدادي أبو الحسن. 5/ 183. أحمد بن محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي المحتسب. 8/ 196. أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن إلياس بن الخضر الدمشقي الشافعي جمال الدين المعروف بابن الرهاوي. 8/ 432. أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الخفاف النيسابوري أبو الحسن. 4/ 503. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان الحريري المعروف بالسلاوي. 9/ 149. أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب البرقاني الخوارزمي أبو بكر. 5/ 121. أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي المحاملي أبو الحسن. 5/ 77. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواني السلفي أبو طاهر. 6/ 420. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي، يلقب زغلش- ويعرف بابن العجمي وبابن المهندس. 9/ 44. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة، الشهير: بابن زريق.

_ [1] تنبيه: وردت نسبته في متن الكتاب «الجبّري» وهو خطأ والصواب ما أثبته هنا، وقد نبّهت على هذا الخطأ في تعليقي على موضع الترجمة من الكتاب.

9/ 349. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد المهندس المقدسي. 9/ 69. أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن بقي بن مخلد القرطبي أبو القاسم. 6/ 162. أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الإشبيلي أبو العباس. 7/ 23. أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني أبو بكر. 5/ 419. أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازي. 5/ 53. أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الحليمي الوراق أبو الحسن. 5/ 180. أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري الصندوقي أبو العباس. 4/ 421. أحمد بن محمد بن أحمد الهمذاني أبو غالب. 6/ 23. أحمد بن محمد بن أحمد بن يعقوب الرزاز أبو بكر المعروف بابن حمدويه. 5/ 305. أحمد بن محمد بن أحيد بن عبد الله بن ماما الأصبهاني أبو حامد. 5/ 173. أحمد بن محمد الأخوي الخجندي الحنفي. 9/ 30. أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الدينوري بن السني أبو بكر. 4/ 339. أحمد بن محمد بن أسد بن قطليشا العطار. 8/ 609. أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي أبو الدحداح. 4/ 146. أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل الدمشقي المعروف بابن الكشك. 9/ 319. أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير بن حازم المعروف بابن البرهان الظاهري التيمي. 9/ 110. أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحوي النحاس أبو جعفر. 4/ 203. أحمد بن محمد بن إسماعيل بن المهندس أبو بكر. 4/ 449. أحمد بن محمد شهاب الدين، المعروف بإمام الكاملية. 10/ 60. أحمد بن محمد بن الأنجب بن الكسار الواسطي الأصل البغدادي أبو عبد الله. 7/ 771. أحمد بن محمد الأنطاكي أبو حامد المعروف ب: أبي الرقعمق. 4/ 519. أحمد بن محمد البالسي- الحواشي. 9/ 124. أحمد بن محمد الباني المصري الشافعي. 10/ 255. أحمد بن محمد البزي أبو الحسن. 3/ 229. أحمد بن محمد البقصي. 8/ 5. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير البلقيني. 9/ 328. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السّلّار الصالحي بن أخي الشيخ ناصر الدين إبراهيم، شهاب الدين. 9/ 15. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني ناصح

الدين، أبو بكر. 6/ 224. أحمد بن محمد بن حسين بن علي القسطلاني المصري الشافعي شهاب الدين، أبو العباس. 10/ 169. أحمد بن محمد بن أبي بكر، الشهير بابن المؤيد، شهاب الدين. 10/ 382. أحمد بن محمد بن بكر الهزاني أبو روق. 4/ 174. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي جعفر الحفصي الهنتاتي أبو السباع، وأبو العباس. 8/ 590. أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى الإشبيلي أبو العباس. 5/ 78. أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي أبو بكر. 3/ 313. أحمد بن محمد الحريمي العطار. 6/ 365. أحمد بن محمد بن الحسن أبو حامد بن الشرقي. 4/ 135. أحمد بن محمد بن الحسن اللواتي الفاسي أبو العباس المعروف بابن تامتّيت. 7/ 499. أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعدل أبو الفضل العروف ب: تاج الأمناء. 7/ 75. أحمد بن محمد بن الحسين البصير الرازي أبو العباس. 4/ 517. أحمد بن محمد بن الحسين السليطي النيسابوري أبو الحسين. 5/ 103. أحمد بن محمد بن حسين بن السندي الصابوني أبو الفوارس. 4/ 256، 4/ 257. أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد البغدادي. 5/ 53. أحمد بن محمد بن أبي خميصة الشروطي- أبو عبد الله-. 4/ 82. أحمد بن محمد بن أبي الخناجر الأطرابلسي أبو علي. 3/ 310. أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه الأصبهاني أبو الحسين الرئيس. 5/ 159. أحمد بن محمد بن حسين القاهري السيفي يشبك ويعرف بابن مبارك شاه. 9/ 440. أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي أبو نصر. 4/ 514. أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي أبو العباس. 4/ 65. أحمد بن محمد أبو الحسين النيسابوري، قاضي الحرمين. 4/ 269. أحمد بن محمد بن حمزة بن منصور الهمذاني نجم الدين أبو العباس. 7/ 776. أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي أبو عبد الله. 3/ 185. أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي نجم الدين أبو العباس. 7/ 331. أحمد بن محمد الدارمي المصيصي أبو العباس المعروف ب: النامي. 4/ 517. أحمد بن محمد بن داود المنزلاوي الشافعي، شهاب الدين. 10/ 412. أحمد بن محمد الدهقان الخليلي أبو القاسم. 5/ 401. أحمد بن محمد بن دوست النيسابوري أبو

سعد. 5/ 344. أحمد بن محمد بن الرشيد العباسي المستعين بالله. 3/ 236. أحمد بن محمد بن رميح النخعي النسوي أبو سعيد. 4/ 297. أحمد بن محمد بن الزاهد سعيد الحيري النيسابوري أبو سعيد. 4/ 278. أحمد بن محمد بن أبي الزهر بن عطية الهكاري أبو العباس. 8/ 324. أحمد بن محمد بن محمد بن الزّهيري الصّالحي الدمشقيّ، شهاب الدين. 10/ 88. أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري أبو سعيد الشهير ب: ابن الأعرابي. 4/ 216. أحمد بن محمد بن سالم بن بهاء الدين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الربعي الدمشقي أبو العباس. 8/ 107. أحمد بن محمد المعروف بالسبتي. 8/ 542. أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن السري التميمي الكوفي أبو بكر. 4/ 276. أحمد بن محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن الأصبهاني أبو سعد. 6/ 205. أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الصالحي أبو العباس. 7/ 794. أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الشيعي ابن عقدة أبو العباس. 4/ 179. أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي الأزدي الحجري المصري أبو جعفر. 4/ 105. أحمد بن محمد، السلطان العادل المجاهد أبو الفتح. 10/ 105. أحمد بن محمد بن سليمان الباغندي أبو ذر. 4/ 137. أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الصالحي. 8/ 303. أحمد بن محمد بن سليمان الشيرجي أبو عبد الله شهاب الدين البغدادي. 8/ 343، 8/ 348. أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الآدمي أبو العباس. 4/ 47. أحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري الدمشقي المعروف بابن الهراس أبو الفضل. 7/ 119. أحمد بن محمد بن شارك أبو حامد. 4/ 319. أحمد بن محمد بن شنيف الدارقزي أبو الفضل. 6/ 374. أحمد بن محمد، شهاب الدين العالم الزّاهد. 10/ 60. أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد الحنفي أبو نصر. 5/ 351. أحمد بن محمد بن صالح بن عثمان الأشليمي ثم الحسيني. 9/ 444. أحمد بن محمد الصّفوري الصالحي، الشافعي، شهاب الدين. 10/ 391. أحمد بن محمد بن الصقر بن النمط البغدادي أبو بكر ز 5/ 131. أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن بن طلحة بن حسان البصري الأصل البغدادي

المصري أمين الدين أبو بكر وأبو عبد الله. 7/ 348. أحمد بن محمد الطوسي الغزالي أبو الفتوح. 6/ 99. أحمد بن محمد بن عابد الأسدي الأندلسي القرطبي أبو عمر. 4/ 476. أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن دراج الأندلسي القسطلي أبو عمر. 5/ 104. أحمد بن محمد بن أبي العباس الحفصي. 9/ 131. أحمد بن محمد بن عباس الدمشقي شهاب الدين المعروف بابن جعوان. 7/ 776. أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي. 4/ 146. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن المصري العسجدي. 8/ 315. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي الشافعي الخطيب أبو العباس تاج الدّين. 9/ 15. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحلبي ثم المصري الحسيني عز الدين أبو العباس. 7/ 750. أحمد بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخمي الأسيوطي ثم المكي. 8/ 535. أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري أبو العباس. 7/ 706. أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السعدي المصري بن الجباب أبو الفضل. 7/ 416. أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي العباس أبو جعفر. 6/ 283. أحمد بن محمد بن عبد الغالب الماكسيني. 9/ 122. أحمد بن محمد بن عبد الغني السوسي. 9/ 436. أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي أبو العباس. 7/ 377. أحمد بن محمد بن عبد القادر المعروف بابن قاضي نابلس الجعفري الحنبلي، عز الدين. 10/ 337. أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي، الرئيس كمال الدين المعروف بابن النصيبي. 7/ 735. أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي أبو نصر. 6/ 122. أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري أبو الفضل. 8/ 36. أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، المعروف: بابن عربشاه. 9/ 409. أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب المعري ثم البعلي ثم الدمشقي. 8/ 515. أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي جمال الدين أبو العباس المعروف بابن الظاهري. 7/ 759. أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي

القطان أبو سهل. 4/ 261. أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني. 8/ 466. أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي. 3/ 395. أحمد بن محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي، قاضي مكة. 9/ 258. أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن أبي الشوارب الأموي أبو الحسن. 5/ 85. أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز البجلي الرازي أبو السعود. 5/ 212. أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى المعافري الطلمنكي أبو عمرو. 5/ 147. أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك بن مكتوم العجلوني. 8/ 458. أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري المكي المالكي. 8/ 516. أحمد بن محمد بن عبد الملك البغدادي الوراق أبو المواهب المعروف ب: ابن ملوك. 6/ 122. أحمد بن محمد بن عبد المؤمن القرمي ويقال له: قاضي قرم. 8/ 480. أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي أبو العباس. 8/ 151. أحمد بن محمد العبدي أبو يعلى. 5/ 395. أحمد بن محمد بن عثمان البكري بن المجد. 8/ 389. أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الخيلي. 9/ 77. أحمد بن محمد بن عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي. 8/ 405. أحمد بن محمد بن عثمان الفرضي الشهير بابن أمير غفلة الحلبي الحنفي. 10/ 99. أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن المادح المعروف: بالقرداح. 9/ 347. أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن محمد الزاهدي. 9/ 335. أحمد بن محمد بن علي البصروي الحنفي، شهاب الدين. 10/ 496. أحمد بن محمد بن علي بن أبي بكر الناشري. 9/ 425. أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي المعروف: بالشهاب الحجازي. 9/ 475. أحمد بن محمد بن علي الدنيسري بن العطار القاهري. 8/ 569. أحمد بن محمد بن علي بن رزين الباشاني بهراة أبو علي. 4/ 106. أحمد بن محمد بن علي الرّملي ثم الدمشقي. الشافعي، شهاب الدين. 10/ 171. أحمد بن محمد بن علي بن شجاع القرشي العباسي. 8/ 100. أحمد بن محمد بن علي بن محمد الحصكفي الحلبي الشافعي، المعروف بابن المنلا جدّه لأبيه. 10/ 650. أحمد بن محمد بن علي بن محمد السلمي. المنصوري، ويعرف بابن الهايم وبالشهاب

المنصوري. 9/ 518. أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن عشاير أبو حامد. 8/ 578. أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن ماخوه الزوزني أبو سعد. 6/ 183. أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس الأنصاري البخاري الشهير بابن الرفعة. 8/ 41. أحمد بن محمد بن علي بن موسى الإبشيهي المحلّي. 9/ 529. أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة التغلبي الدمشقي أبو عبد الله المشهور بابن الخياط. 6/ 87. أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري المقدسي بن الهائم. 9/ 163. أحمد بن محمد بن عمارة الليثي الدمشقي أبو الحارث. 4/ 327. أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن أبي بكر بن عثمان الأنصاري الحمصي الدمشقي، الشافعي. 10/ 280. أحمد بن محمد بن عمر التيمي المنكدري الحجازي أبو بكر. 4/ 70. أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي القطيعي الأزجي المؤرخ أبو الحسن. 7/ 284. أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيرازي الأصل ثم الدمشقي المعروف بزغنش. 8/ 377. أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي المعروف بابن خضر. 8/ 494. أحمد بن محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي. 8/ 120. أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي بن الواجب أبو الخطاب. 7/ 105. أحمد بن محمد بن عمر بن محمد الطّنبذي. 9/ 123. أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذوايب بن مشرف الأسدي المعروف بابن قاضي شهبة. 8/ 535. أحمد بن محمد بن عمران بن الجندي البغدادي أبو الحسن. 4/ 506. أحمد بن محمد بن عمرو الخامي المدائني أبو الطاهر. 4/ 221. أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي أبو بشر. 4/ 121. أحمد بن محمد بن عيسى بن الجزري الأنصاري الدمشقي شهاب الدين أبو العباس. 7/ 622. أحمد بن محمد بن عيسى البرتي الفقيه الحافظ أبو العباس. 3/ 329. أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح بن النحاس المصري أبو العباس. 4/ 406. أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي- المعروف بالثوم. 9/ 77. أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم التركماني المعروف بابن الحجازي. 8/ 536. أحمد بن محمد بن غانم الشافعي. 8/ 200. أحمد بن محمد بن غلبون الخولاني القرطبي ثم الإشبيلي أبو عبد الله. 6/ 35.

أحمد بن محمد الغمري الصوفي. 10/ 37. أحمد بن محمد الفرغاني شهاب الدين. 10/ 106. أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق الدينوري البغدادي أبو الفضل المعروف ب: ابن الخازن. 6/ 93. أحمد بن محمد بن الفضل بن عمر بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني المعروف ب: ابن بجنك. 6/ 222. أحمد بن محمد بن قدامة. 6/ 304. أحمد بن محمد القادسي. 7/ 166. أحمد بن محمد بن أبي القاسم الدشتي أبو بكر. 8/ 59. أحمد بن محمد بن القطب بن السراج البخاري الأصل المكي الحنفي، شهاب الدين. 10/ 391. أحمد بن محمد القطوي. 9/ 272. أحمد بن محمد بن القطينة، التاجر المشهور. 8/ 108. أحمد بن محمد بن قماقم الدمشقي الفقاعي. 9/ 122. أحمد بن محمد بن قيس أبو العباس المعروف بابن الأنصاري وابن الظهير. 8/ 272. أحمد بن محمد بن المجد المخزومي، النابلسي. 9/ 444. أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري. 8/ 324. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد العقيلي النويري. 10/ 106. أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الخالدي، البابي الحلبي الدمشقي الحنفي الصوفي شهاب الدين الشهير بابن بري. 10/ 180. أحمد بن محمد بن محمد التميمي الأصبهاني اللبان أبو المكارم. 6/ 536. أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفرّاء الحنبلي البغدادي جمال الدين أبو العباس. 7/ 83. أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة الأموي المعروف بابن ميمون الطليطلي. 4/ 524. أحمد بن محمد بن محمد بن عبادة السعدي 9/ 216. أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي العنابي النحوي أبو العباس. 8/ 414. أحمد بن محمد بن محمد بن عمران المقدسي الحنفي. 10/ 280. أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الشافعي، شهاب الدين. 10/ 541، 10/ 542. أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن حناء المصري المعروف بابن الصاحب. 8/ 516. أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النويري الغزي. 9/ 495. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن يحيى بن محمد بن خلف الله الشّمني. 9/ 464. أحمد بن محمد بن محمد بن عمر البلقيني شهاب الدين. 9/ 450.

أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبية المقدسي، الأثري، الشافعي، الشهير بابن عبية. 10/ 37. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عوض الإسكندراني الزبيري. 9/ 15. أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح الصالحي الحداد أبو العباس. 7/ 776. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الأخنائي، علم الدين. 9/ 353. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جماعة الزهري القوصي ثم المصري أبو البركات ابن النّظام. 8/ 441. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد، المعروف بابن وفاء الشاذلي المكي. 9/ 144. أحمد بن محمد بن محمد المصري بن الناصح. 9/ 68. أحمد بن محمد بن محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد بن محمد بن المنجى الحنبلي. 9/ 68. أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد بن القلانسي أبو العباس. 8/ 166. أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن الشيرازي. 8/ 197. أحمد بن محمد بن محمد الهروي أبو عبيد. 5/ 8. أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عياش الجوخي الدمشقي، نزيل تعز. 9/ 225. أحمد بن محمد بن محمود بن المعز الحراني ثم البغدادي أبو علي. 7/ 331. أحمد بن محمد بن أبي المختار الشريف العلوي النوبندجاني. 6/ 188. أحمد بن محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي العباسي البغدادي السفار أبو تمام. 6/ 220. أحمد بن محمد المرداوي الصالحي الحنبلي، المعروف بابن الديوان. 10/ 337. أحمد بن محمد المغربي التونسي، المشهور بالتّباسي أبو العباس. 10/ 237. أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري أبو جعفر. 4/ 497. أحمد بن محمد بن المغلس البزاز أخو جعفر. 4/ 85. أحمد بن محمد بن مفرج بن عبد الله بن الرومية الأموي الأندلسي الإشبيلي الزهري النباتي أبو العباس. 7/ 321. أحمد بن محمد بن مفلح بن مفرج الراميني. 9/ 158. أحمد بن محمد بن مكي بن ياسين القرشي المخزومي القمولي أبو العباس. 8/ 135. أحمد بن محمد بن منصور البوشنجي أبو الحسين المعروف بابن العالي. 5/ 94. أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الإسكندراني المالكي بن المنير ناصر الدين. 7/ 666. أحمد بن محمد بن أبي الموت المكي.

4/ 269. أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي الشويكي. 8/ 620. أحمد بن محمد بن موسى بن سند أبو سعد. 8/ 602. أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي أبو العباس. 6/ 183. أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصلت البغدادي أبو الحسن المجبر. 5/ 30. أحمد بن محمد المشتهر بنشانجي زاده. 10/ 600. أحمد بن محمد الميداني النيسابوري أبو الفضل. 6/ 94. أحمد بن محمد بن ناصر بن علي الكناني. 9/ 135. أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الشافعي. 9/ 123، 9/ 199. أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الخلال أبو بكر. 4/ 55. أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم الحافظ أبو بكر. 3/ 266. أحمد بن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي المعدل أبو المعالي المعروف بالتاج ابن الشيرازي. 7/ 371. أحمد بن محمد بن أبي الوفاء الهزبر شرف الدين أبو الطيب المعروف بابن الحلاوي. 7/ 473. أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري أبو العباس. 4/ 180. أحمد بن محمد بن ياسين الهروي الحافظ الحداد أبو إسحاق. 4/ 185. أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري أبو حامد. 4/ 168. أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي أبو عمر المعروف بابن الحذّاء. 5/ 285. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن نبهان الدمشقي أبو العباس المعروف بابن الجوهري. 7/ 378. أحمد بن محمود بن أحمد البخاري الدمشقي نظام الدين المعروف بابن الحصيري. 7/ 769، 7/ 770. أحمد بن محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحريمي الحذاء أبو العباس. 7/ 188. أحمد بن محمود الثقفي الأصبهاني أبو طاهر. 5/ 234. أحمد بن محمود شاه السلطان، مظفّر شاه. 10/ 255. أحمد بن محمود بن عبد الله الحنفي، المعروف بابن حامد. 10/ 509. [أحمد بن محمود بن عبد الله] ابن الفرفور شهاب الدين. 10/ 68. أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود الشهير بابن الفرفور، الدمشقي الشافعي شهاب الدين. 10/ 71. أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيسري المعروف بابن العجمي. 9/ 295. أحمد بن محمود بن محمد المعروف بابن خازوق الحنبلي. 9/ 315.

أحمد بن محمود المعروف بابن الكشك الدمشقي قاضي قضاة دمشق. 9/ 315. أحمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني أبو المعالي. 5/ 338. أحمد بن مركز، شهاب الدين. 10/ 485. أحمد بن مروان بن دوستك الكردي أبو نصر المعروف ب: صاحب ميافارقين. 5/ 225. أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي الهاشمي العباسي أبو العباس. 7/ 172. أحمد بن المستكفي العباسي أمير المؤمنين أبو العباس. 8/ 296. أحمد بن المستنصر أبو القاسم المعروف ب: المستعلي بالله. 5/ 410. أحمد بن مسروق الطوسي الزاهد أبو العباس. 3/ 415. أحمد بن مسعود بن علي التركستاني أبو الفضل. 7/ 76. أحمد بن المسلم بن حماد الأزدي الدمشقي المجد بن الحلوانية أبو العباس. 7/ 560. أحمد بن مصلح الدين، المشتهر بطاش كبري زاده. 10/ 514. أحمد بن المظفر بن أحمد بن مزداد الواسطي العطار أبو الحسن. 5/ 184. أحمد بن المظفّر بن سوسن التمّار أبو بكر. 6/ 12. أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن أبي بدر بن الحسن بن مفرج بن بكار بن النابلسي. 8/ 318. أحمد بن معالي بن بركة الحربي ويسمى: عبد الله. 6/ 283. أحمد بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي أبو العباس. 3/ 236. أحمد بن معد بن عيسى التجيبي الأقليشي الأندلسي الداني أبو العباس. 6/ 255. أحمد بن المعدل بن غيلان العبدي البصري. 3/ 184. أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي. 8/ 97. أحمد بن معين الدين أبي بكر الهمذاني المالكي. 8/ 100. أحمد بن مفرج بن علي بن مسلمة بن الدمشقي أبو العباس. 7/ 430. أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن أمير محمد بن القائم العباسي أبو العباس المعروف بالمستظهر بالله. 6/ 54. أحمد بن المقدام البصري العجلي المحدث أبو الأشعث. 3/ 240. أحمد بن المقرب الكرخي أبو بكر. 6/ 345. أحمد بن أبي المكارم بن شكر بن نعمة بن علي بن أبي الفتح بن حسن بن قدامة بن أيوب بن عبد الله بن رافع المقدسي أبو العباس. 7/ 175. أحمد بن ملاعب المخزومي الحافظ أبو الفضل. 3/ 313. أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب. 7/ 437. أحمد بن المنادي جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي داود عبيد الله البغدادي أبو الحسين.

4/ 197. أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي أبو العباس. 4/ 421، 4/ 432. أحمد بن منصور بن خلف المغربي، ثم النيسابوري أبو بكر. 5/ 253. أحمد بن موسى الشهير بالخيالي. 9/ 515. أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني. 9/ 175. أحمد بن منصور الدينوري الأخباري الملقب باليشكري. 4/ 377. أحمد بن منصور الرمادي الحافظ أبو بكر. 3/ 281. أحمد بن منلا شيخ، المعروف بخجا كمال العجمي اللالائي. 10/ 299. أحمد بن المنوفي، شهاب الدين. 10/ 207. أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي أبو الحسين المعروف بالرفاء عين الزمان. 6/ 241. أحمد المنيري، المصري، الشافعي شهاب الدين. 10/ 281. أحمد بن منيع الحافظ الكبير البغوي الأصم أبو جعفر. 3/ 201. أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني الزاهد. 3/ 305. أحمد بن مهران السيرافي المحدث أبو الحسن. 4/ 243. أحمد بن مهلهل بن عبيد الله بن أحمد البرداسي. 6/ 284. أحمد بن موسى بن خفاجا الصفدي. 8/ 284. أحمد بن موسى الزرعي أبو العباس. 8/ 336. أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أبو بكر. 4/ 128. أحمد بن موسى بن علي بن الحداد الزبيدي. 8/ 552. أحمد بن موسى بن علي المعروف بابن الوكيل. 8/ 542. أحمد بن موسى بن عيسى بن أحمد بن عبد الرحمن بن أبي عمر الجرجاني أبو الحسن. 4/ 370. أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني أبو بكر. 5/ 57. أحمد بن موسى بن نصير المتبولي، القاضي. 9/ 279. أحمد بن موسى بن يونس الموصلي شرف الدين. 7/ 174. أحمد المولى بير أحمد المولى 10/ 325 أحمد بن المولى علاء الدين علي الفناري الحنفي محيي الدين. 10/ 336. أحمد بن نابتة المصري الحنفي شهاب الدين. 10/ 206. أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد بن ناصر الإسكاف أبو العباس بن أبي البركات الحربي. 7/ 189. أحمد بن ناصر الأعزازي الشافعي شهاب الدين. 10/ 499. أحمد بن نجدة الهروي المحدث. 3/ 410. أحمد بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي

الدمشقي بهاء الدين أبو العباس. 7/ 210. أحمد النّشيلي المصري، الشافعي، شهاب الدين. 10/ 319. أحمد بن نصر البصري الشذائي أبو بكر. 4/ 392. أحمد بن نصر البغدادي الذّارع أبو بكر. 4/ 343. أحمد بن نصر البغدادي أبو طالب. 4/ 122. أحمد بن نصر الخزاعي. 3/ 140. أحمد بن نصر الخفاف الزاهد الحافظ أبو عمرو. 3/ 421. أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي ثم المصري، المعروف: بابن نصر الله. 9/ 364. أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني الحلبي العسقلاني. 9/ 44. أحمد بن نصر بن محمد النّصيبي المصري أبو العباس. 4/ 463. أحمد بن النصر بن عبد الوهاب النيسابوري، أبو الفضل. 3/ 379. أحمد بن نعمة بن أحمد النابلسي كمال الدين. 7/ 552. أحمد بن نعيم النيسابوري الصوفي أبو عثمان. 5/ 247. أحمد بن أبي نمي. 10/ 475. أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النقري أبو عمر. 7/ 68. أحمد بن هارون بن روح البردعي أبو بكر. 4/ 6. أحمد بن هبة الله بن أحمد السلمي الكهفي. 7/ 582. أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي شرف الدين أبو العباس وأبو الفضل. 7/ 778. أحمد بن هلال الحلبي شهاب الدين. 9/ 239. أحمد بن هولاكو المغلي. 7/ 666. أحمد بن واصل أبو العباس. 4/ 510. أحمد المشهور بورق جلبي، المولى. 10/ 453. أحمد بن ولي الدين، الحسيني الرومي، الشهير بأحمد باشا. 10/ 21. أحمد بن الوليد الفحّام البغدادي أبو بكر. 3/ 309. أحمد بن يحيى بن أحمد بن البرّاج البغدادي أبو منصور. 7/ 204. أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي أبو عمر. 5/ 221. أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي أبو عمر. 5/ 221. أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك العثماني الصّرميني. 9/ 77. أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشهير بابن المهندس الشيرازي، الدمشقي العاتكي الشافعي، شهاب الدين. 10/ 65. أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل الحلبي الأصل الدمشقي، المعروف بابن جهبل. 8/ 182. أحمد بن يحيى بن بركة البزّاز أبو العباس،

المعروف بابن الدبيقي. 7/ 91. أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد التلمساني أبو العباس شهاب الدين، المعروف بابن أبي حجلة. 8/ 415. أحمد بن يحيى بن الجلاء أبو عبد الله. 4/ 31. أحمد بن يحيى الحلواني أبو جعفر 3/ 410. أحمد بن يحيى بن الراوندي الملحد. 4/ 7. أحمد بن يحيى بن زهير التستري أبو جعفر. 4/ 50. أحمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني بن الجيعان شهاب الدين. 9/ 522. أحمد بن يحيى الشاوي اليمني الصّوفي. 9/ 349. أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلّي القرشي العمري أبو العباس. 8/ 273. أحمد بن يحيى بن قايد الأواني أبو المعالي. 7/ 239. أحمد بن يحيى بن محمد بن بدر الجزري ثم الصالحي أبو العباس. 8/ 151. أحمد بن يحيى بن مخلوف بن سري بن فضل الله بن سعد بن ساعد الأعرج السعدي. 8/ 494. أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي أبو العباس المعروف بابن سني الدولة صدر الدين. 7/ 504. أحمد بن يحيى بن يزيد [1] الشيباني [2] مولاهم العبسي البغدادي أبو العباس الملقب ب (ثعلب) . 3/ 383. أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن بقي الأموي مولاهم البغوي القرطبي أبو القاسم. 7/ 205. أحمد بن يعقوب القاضي أبو المثنى. 3/ 410. أحمد بن يعقوب الطّيبي الأسدي الطرابلسي. 8/ 79. أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي المارستاني أبو العباس. 7/ 350. أحمد بن يعقوب الغماري المالكي. 8/ 590. أحمد بن يهودا [3] الدمشقي الطرابلسي. 9/ 212. أحمد بن يوسف بن أيوب ويعرف بالملك المحسن عين الدين. 7/ 284. أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين الشيباني الموصلي الكواشي موفق الدين أبو العباس. 7/ 638. أحمد بن يوسف بن حميد الصفدي الدمشقي شهاب الدين. 10/ 53. أحمد بن يوسف الخشاب الثقفي أبو بكر. 4/ 485. أحمد بن يوسف بن خلاد النصيبيني العطار. 4/ 307. أحمد بن يوسف الزعيفريني الدمشقي ثم القاهري. 9/ 279. ما أثبته هنا.

_ [1] كذا في كتابنا و «سير أعلام النبلاء» (14/ 5) : «ابن يزيد» وفي «إنباه الرواة» (1/ 138) وبعض المصادر الأخرى: «ابن زيد» . [2] تحرفت في الكتاب إلى «الشيباني» والصواب [3] تنبيه: كذا في «الشذرات» و «بغية الوعاة» : «ابن يهودا» وفي «إنباه الغمر» و «الضوء اللامع» : «ابن يهود» .

أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري الحافظ. 3/ 278. أحمد بن يوسف السليكي المنازي أبو نصر. 5/ 173. أحمد بن يوسف بن الصاحب صفي الدين بن شكر المصري أبو العباس. 7/ 705. أحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم الشار مساحي. 8/ 432. أحمد بن يوسف القسطنطيني، الحنفي المعروف بابن الجصاص، شمس الدين، المولى. 10/ 300. أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الغرناطي الأندلسي أبو جعفر. 8/ 449. أحمد بن يوسف بن محمد الأزجي المشتري أبو العباس. 7/ 166. أحمد بن يوسف بن محمد الدمشقي الشاعر المشهور بابن الزّعيفريني. 9/ 226. أحمد بن يوسف بن محمد وقيل عبد الدائم أبو العباس، المعروف بابن السّمين. 8/ 307. أحمد بن يوسف المرداوي أبو العباس شهاب الدين. 9/ 390. أحمد بن يوسف المقرئ، المالكي، المغربي. 10/ 6. أحمد بن يونس الضبي الكوفي. 3/ 291. [أحمد بن يونس الغزي ثم الحلبي الشافعي] ابن الضعيف، شهاب الدين. 9/ 65. أحمد بن يونس المصري الحنفي المعروف بابن الشّلبي، شهاب الدين. 10/ 382. الأحمدي أبو الفضل. 10/ 348. أحمديل، صاحب مراغة. 6/ 35. أحمر بن شميط. 1/ 293. ابن الأحمر محمد بن معاوية بن عبد الرحمن. 4/ 305. الأحمسي قيس بن أبي حازم البجلي. 1/ 390. الأحنف بن قيس التميمي أبو بحر. 1/ 302. أحوص بن جواب الكوفي أبو الجواب. 3/ 52. أبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي. 2/ 354. أبو الأحوص محمد بن الهيثم الحافظ قاضي عكبرا. 3/ 328. الأحول عاصم بن سليمان. 2/ 195. الأحول مسعر بن كدام أبو سلمة الهلالي. 2/ 252. ابن الأخرم محمد بن العباس بن أيوب بن الأخرم الأصبهاني أبو جعفر. 4/ 6. ابن الأخرم محمد بن النضر الربعي أبو الحسن. 4/ 224. ابن الأخرم محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني. 4/ 237. الإخشيذ إسماعيل بن الفضل الأصبهاني. 6/ 114. الإخشيذ محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني أبو بكر. 4/ 188. الأخفش الصغير علي بن سليمان البغدادي النحوي أبو الحسن. 4/ 73. الأخفش هارون بن موسى بن شريك مقرئ أهل دمشق. 3/ 385.

الأخلاطي إبراهيم بن عبد الله أو حسن بن عبد الله الحسيني. 8/ 607. الإخميمي عبد الوهاب بن عبد الولي بن عبد السلام المراغي. 8/ 344. الإخميمي علي بن أبي القاسم القاهري علاء الدين. 10/ 229. الإخميمي محمد بن أحمد بن العباس المصري. 4/ 503. الإخميمي محمد بن الحسن بن إسماعيل «شرف الدين» . 7/ 678. الأخنائي إبراهيم بن أحمد الشافعي الدمشقي برهان الدين. 10/ 431. الأخنائي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر. 8/ 431. الأخنائي أحمد بن إبراهيم الأخنائي. 10/ 504. الأخنائي أحمد بن علم الدين، كمال الدين القاضي. 8/ 211. الأخنائي أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، علم الدين. 9/ 353. الأخنائي عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن أبي بكر. 8/ 489. الأخنائي محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة السعدي. 8/ 180. الأخنائي محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر. 9/ 283. الأخنائي يحيى بن شهاب الدّين أحمد بن حسن الزّرعي. 10/ 97. أخو تبوك عبد الوهاب بن الحسن الكلابي. 4/ 507. أخو ابن قيم الجوزية عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب بن سعد [بن حريز الزّرعي ثم الدمشقي] زين الدّين أبو عبد الفرج. 8/ 370. ابن الإخوة هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد البغدادي. 7/ 45. ابن الآدمي عبد الرحيم بن علي الحموي. 9/ 382. أخوين محيي الدين الحنفي المولى. 9/ 549. إدريس بن حسام الدين العجمي الرومي الحنفي البدليسي. 10/ 184. إدريس بن عبد الكريم الحداد المقرئ المحدث أبو الحسن. 3/ 388. إدريس بن عبد الله المؤمني الواثق بالله أبو العلاء، المعروف بأبي دبوس. 7/ 569. إدريس بن عبد الله [اليمني] . 10/ 226. إدريس المارديني القاهري صدر الدين. 10/ 207. إدريس بن محمد أبو القاسم العطار، المعروف بآل والويه. 7/ 36. إدريس بن يعقوب بن يوسف المأمون أبو العلاء. 7/ 237. الإدريسي عبد الرحمن بن محمد بن محمد الاستراباذي. 5/ 31. الأدفوي محمد بن علي بن أحمد المصري. 4/ 475. الأدفوي جعفر بن ثعلب بن جعفر. 8/ 263.

الأدمي إبراهيم بن خليل الدمشقي. 7/ 505. الأدمي أحمد بن عثمان العطشي. 4/ 256. الأدمي أحمد بن محمد بن سهل الأدمي. 4/ 47. الأدمي عبد الرحيم بن علي الحموي. 9/ 382. الأدمي علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله. 9/ 152. ابن الأدمي علي بن محمد. 9/ 192. الأدمي محمد بن جعفر القارئ أبو بكر. 4/ 255. الأدمي محمد بن محمد بن أحمد بن علي. 8/ 583. ابن أدهم إبراهيم بن أدهم أبو إسحاق. 2/ 282. الأذرعي أحمد بن حمدان بن أحمد شهاب الدين. 8/ 479. الأذرعي إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب. 4/ 235. الأذرعي بركات بن إبراهيم بن محمد العاتكي الشافعي بن سقط. 10/ 130. الأذرعي سليمان بن أبي العز بن وهيب. 7/ 623. الأذرعي علي بن سليم بن ربيعة أبو الحسن. 8/ 167. الأذرعي محمد بن أحمد بن سليمان شمس الدين. 9/ 297. الأذرعي محمد بن محمد بن أبي العز. 8/ 106. الأذرعي محمود بن موسى بن أحمد. 8/ 531. الأذرعي يوسف بن إبراهيم بن عبد الله. 9/ 64. الأذني علي بن الحسين بن بندار أبو الحسن. 4/ 452. الأربدي أحمد بن سليمان الدمشقي. 8/ 414. الإربلي أحمد بن الحسين بن أحمد الموصلي شمس الدين. 7/ 350. الإربلي أحمد بن عبد السيد بن شعبان. 7/ 251. الإربلي أحمد بن علي بن أبي غالب. 7/ 498. الإربلي الحسن بن أحمد بن زفر. 8/ 128. الإربلي حسن بن علي بن يوسف بن المختار الحصكفي الإربلي. 10/ 185. الإربلي حسن بن محمد بن أحمد بن نجا. 7/ 521. الإربلي الخضر بن نصر «أبو العباس» . 7/ 152. الإربلي شعبان بن أبي بكر. 8/ 49. الإربلي طه بن إبراهيم بن أبي بكر. 7/ 623. الإربلي عبد الله بن الحسين بن علي الكري. 7/ 624. الإربلي عمر بن يعقوب بن عثمان. 7/ 594. الإربلي عيسى بن الفخر بهاء الدين. 7/ 668.

الإربلي القاسم بن أبي بكر بن القاسم أبو محمد الأمين. 7/ 641. الإربلي محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر. 7/ 626. الإربلي محمد بن عبد الله، بدر الدين الأديب المعمّر. 8/ 411. الإربلي محمد بن عبد الله المجد الدمشقي. 8/ 207. الإربلي محمد بن يوسف بن يعقوب. 8/ 21. الإربلي محمد بن يونس بن محمد بن منعة. 7/ 63. الإربلي نصر بن عقيل بن نصر. 7/ 153. الأرتاحي أحمد بن حاتم بن أحمد الأنصاري الحنبلي. 7/ 514. الأرتاحي لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري اللبان. 7/ 512. الأرتاحي محمد بن حمد بن حامد بن مفرج الأنصاري المصري. 7/ 11. أرتق بن ألبي الأرتقي التركماني. 7/ 313. الأرّجاني أحمد بن محمد بن الحسين ناصح الدين. 6/ 224. أرجوان (جدة أحمد بن المقتدي المستظهر بالله) . 6/ 54. الأردبيلي حفص بن عمر أبو القاسم. 4/ 207. الأردبيلي ظهير الدين الأردبيلي الحنفي المولى. 10/ 240. الأردبيلي عبيد الله بن عبد الله الحنفي. 9/ 104. الأردبيلي علي بن عبد الله بن أبي الحسن التبريزي. 8/ 256. الأردبيلي محمد بن عبدو الشيخ الصالح الزاهد المعمر الخاتوني الحنفي. 10/ 409. الأردبيلي موسى بن أحمد النّحلاوي الحلبي الأردبيلي. 10/ 103. الأردستاني محمد بن إبراهيم أبو بكر. 5/ 120. الأرزكياني محمد بن عبد الله شرف الدين. 8/ 490. الأرزوني محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني. 7/ 755. أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي. 5/ 395. أرسلان خوارزم شاه بن أتسز خوارزم شاه بن محمد نوستكتين. 6/ 374. أرسلان الدمشقي: انظر رسلان [بن يعقوب الجعبري] الدمشقي. 7/ 782. أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه السلجوقي. 6/ 405. أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي التركي نور الدين. 7/ 46. أرسلان شاه ويسمى عليا نور الدين. 7/ 113. أرسلان بن عبد الله البساسيري التركي أبو الحارث. 5/ 221. الأرسوفي مجلي بن جميع القرشي المخزومي. 6/ 259. أرطاة بن المنذر الألهاني الحمصي. 2/ 286.

أرغوان العادلية، عتيقة الملك العادل وسميت بالحافظية. 7/ 416. أرغون بن أبغا بن هولاكو. 7/ 719. أرغون الدويدار. 8/ 167. أرغون شاه الناصري. 8/ 283. أرغون الصغير الكاملي. 8/ 316. الأرغياني محمد عبد الله بن أحمد الأرغياني أبو نصر. 6/ 147. الأرغياني محمد بن المسيب الإسفنجي. 4/ 75. ابن أرفع رأس [1] علي بن موسى بن محمد بن خلف الأنصاري. 6/ 519. الأرقم الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي. 1/ 256. الأرمنازي تقية بنت غيث بن علي. 6/ 436. الأرمنتي يونس بن عبد المجيد بن علي. 8/ 125. الأرمني بشارة بن عبد الله. 7/ 457. الأرموي إبراهيم بن عبد الله. 7/ 734. الأرموي عرفة بن محمد الأرموي الدمشقي الشافعي. 10/ 241. الأرموي محمد بن عبد الرحيم الهندي أبو عبد الله. 8/ 68. الأرموي محمد بن عمر بن يوسف أبو الفضل. 6/ 239. الأرموي محمود بن محمد بن حامد القرافي. 8/ 112. الأرميوني يوسف بن عبد الله الحسني الأرميوني. 10/ 464. أرياخان القان. 8/ 198. الأزجي إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الصقال الطيبي. 6/ 552. الأزجي أحمد بن أحمد بن كرم البغدادي. 7/ 111 و 112. الأزجي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد. 6/ 244. الأزجي أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي. 7/ 284. الأزجي أحمد بن يوسف بن محمد المشتري. 7/ 166. الأزجي تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجي. 6/ 536. الأزجي ثابت بن مشرف أبو سعد. 7/ 150. الأزجي حذيفة بن سعد الوزان أبو المعمر الهاطر. 6/ 315. الأزجي عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار. 5/ 308. الأزجي عبد العزيز بن علي الخياط أبو القاسم. 5/ 194. الأزجي عبد الله بن إسماعيل بن علي البغدادي. 7/ 293. الأزجي عبد المحسن بن تريك البيع. 6/ 416. الأزجي عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان البيع. 7/ 25. الأزجي عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلي البغدادي. 6/ 514.

_ [1] تنبيه: كذا في «شذرات الذهب» وفي بعض المصادر: «ابن أرفع رأسه» .

الأزجي عبيد الله بن يونس بن أحمد بن عبيد الله البغدادي (الوزير جلال الدين) . 6/ 513. الأزجي علي بن ثابت بن طالب بن الطالباني البغدادي. 7/ 144. الأزجي علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان القطيعي البغدادي. 7/ 598. الأزجي علي بن مكي بن عبد الله 6/ 450. الأزجي عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي البزار. 8/ 278. الأزجي المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الطحان ابن السيبي. 6/ 565. الأزجي المبارك بن أحمد الأنصاري 6/ 254. الأزجي محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعدان الحنبلي. 6/ 271. الأزجي محمد بن يوسف بن سعيد بن مسافر. 7/ 375. الأزجي محمود بن عثمان بن مكارم النعال، ناصر الدين أبو الثناء وأبو الشكر. 7/ 71. الأزجي المهذب بن علي بن قنيدة الخياط. 7/ 212. الأزجي هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد البغدادي. 6/ 550. الأزجي يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القاسم بن قميرة. 7/ 436. الأزجي يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان بن البيع. 6/ 57. الأزجيّ الدقاق بقاء بن عمر بن حنّد أبو المعمر. 6/ 561. أزدمر الجمدار عز الدين. 7/ 639. الأزديّ إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد. 3/ 334. الأزدي جرير بن حازم البصري. 2/ 312. الأزدي جماهر بن محمد بن أحمد الزملكاني. 4/ 65. الأزدي حسن بن أبي عبد الله بن صدقة الصقلي. 7/ 572. الأزدي حماد بن زيد بن درهم البصري الضرير. 2/ 354. الأزدي الخضر بن عبد الرحمن بن الخضر بن الحسين. 7/ 797. الأزدي سليمان بن حرب الواشحي البصري الحافظ أبو أيوب. 3/ 110. الأزدي ظافر بن الحسين المصري أبو منصور. 6/ 537. الأزدي ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسماعيل أبو المنصور. 7/ 371. الأزدي عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الإشبيلي. 6/ 444. الأزدي عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي العجائز. 6/ 423. الأزدي عبد الغني بن سعيد. 5/ 54. الأزدي علي بن محمد بن هلال. 8/ 159. الأزدي عمر بن محمد بن يوسف بن يعقوب. 4/ 147. الأزدي غسان بن الربيع محدّث الموصل. 3/ 119. الأزدي محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي 4/ 398.

الأزدي محمد بن محمد بن عبد الله «أبو منصور» . 5/ 59. الأزدي محمد بن مزاح أبو عبد الله 6/ 206. الأزدي محمد بن مكي بن عثمان. 5/ 258. الأزدي محمد بن يوسف بن يعقوب 4/ 102. الأزدي محمود بن القاسم بن محمد بن محمد. 5/ 376. الأزدي مخلد بن الحسين المهلّبي البصري. 2/ 421. الأزدي المعافي بن عمران، أبو مسعود. 2/ 385. الأزدي معاوية بن عمرو البغدادي. 3/ 69. الأزدي معمر بن راشد البصري. 2/ 244. الأزدي مقاتل بن سليمان الأزدي مولاهم أبو الحسن الخراساني 2/ 228. الأزدي وهب بن جرير بن حازم البصري. 3/ 33. الأزدي يزيد بن أبي حبيب. 2/ 124. الأزدي يزيد بن يزيد بن جابر الدمشقي 2/ 153. الأزدي يوسف بن يعقوب، أبو محمد. 3/ 414. الأزرق إسحاق بن يوسف محدّث واسط. 2/ 445. الأزرق علي بن أحمد اليمني. 9/ 127. الأزرق محمد بن الفرج أبو بكر. 3/ 337. الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار، أبو يعقوب، صاحب ورش، مقرئ مصر. 3/ 184. الأزرق يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول الأنباري 4/ 166. الأزنيقي محمد بن قطب الدين. 9/ 513. أزهر بن سعد السمان البصري أبو بكر. 3/ 12. ابن أبي الأزهر علي بن سراج المصري أبو الحسن. 4/ 38. الأزهري أحمد بن الحسن بن محمد النيسابوري الشروطي. 5/ 262. الأزهري عبيد الله بن أحمد بن عثماني البغدادي الصيرفي. 5/ 167. ابن أبي أسامة الحارث بن محمد التميمي البغدادي أبو محمد. 3/ 335. أسامة بن زيد اللّيثي مولاهم المدني، أبو زيد. 2/ 242. أسامة بن زيد الهاشمي الكلبي. 1/ 253. أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الشيزري أبو المظفر. 6/ 459. ابن أسباسلار محمد بن علي بن محمد البعلي الحنبلي. 8/ 439. أسباط بن محمد الكوفي أبو محمد 2/ 474. أسباط بن نصر الهمداني الكوفي المفسر. 2/ 327. أسباه مير بن محمد بن نعمان الجيلي أبو عبد الله. 7/ 61. ابن الأستاذ أحمد بن عبد بن عبد الرحمن الأسدي. 7/ 534. ابن الأستاذ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي. 7/ 299.

الأستاذ عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث البخاري. 4/ 219. ابن الأستاذ عمر بن محمد بن أبي محمد بن عبد الرحمن الأسدي الحلبي. 7/ 737. الأستراباذي حسن بن شرف شاه الحسيني. 8/ 65. الأستراباذي علي بن أبي زيد بن محمد بن علي النحوي الفصيحي أبو الحسن. 7/ 125. الأستراباذي محمد بن إبراهيم اليمني أبو زرعة. 4/ 380. الأستراباذي محمد بن الحسن، أبو عبد الله الختن، أبو عبد الله. 4/ 459. الأستغداديزي عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم. 5/ 236. إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد التدمري. 9/ 295. إسحاق بن إبراهيم الأذرعي أبو يعقوب 4/ 235. إسحاق بن إبراهيم الإسكوبي البروصاوي، المولى. 10/ 361. إسحاق بن إبراهيم الدبري المحدث، راوية عبد الرزاق. 3/ 356. إسحاق بن إبراهيم الدبريّ المحدّث، راوية عبد الرزاق. 3/ 356. إسحاق بن إبراهيم الدمشقي الفراديسي أبو النضر. 3/ 122. إسحاق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتاني. 7/ 740. الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي. 4/ 92. إسحاق بن إبراهيم الفارسي شاذان. 3/ 287. إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري أبو يعقوب. 4/ 142. ومرة أخرى 4/ 201. إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل الأصبهاني أبو يعقوب. 4/ 50. إسحاق بن إبراهيم بن محمد القرّاب السرخسي ثم الهروي أبو يعقوب. 5/ 147. إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي. 3/ 164. إسحاق بن إبراهيم المنجنيقي أبو يعقوب. 4/ 21. إسحاق بن إبراهيم بن موسى العصار الوزدولي. 3/ 263. إسحاق بن إبراهيم الموصلي النديم أبو محمد. 3/ 161. إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي. 4/ 19. إسحاق بن إبراهيم بن يحيى الشقراوي صفي الدين أبو محمد. 7/ 629. إسحاق بن أحمد الخزاعي أبو محمد. 4/ 39. إسحاق بن أحمد بن عثمان المعري، المعروف بالكمال. 7/ 430. إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي أبو الفضل وأبو محمد. 7/ 285. إسحاق بن أبي إسرائيل بن كامجرا المروزي الحافظ. 3/ 205. الرئيس إسحاق بن إسماعيل النوبختي. 4/ 111.

إسحاق بن بشر البخاري أبو حذيفة. 3/ 31. إسحاق بن بكر بن مضر الفقيه. 3/ 90. إسحاق بن بهلول التنوخي الأنباري الحافظ أبو يعقوب. 3/ 238. إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحاس. 8/ 41. إسحاق بن أبي بكر بن ألمى بن أطز التركي ثم المصري أبو الفضل. 8/ 157. إسحاق بن الحسن الحربي أبو يعقوب. 3/ 348. إسحاق بن حمشاد، شيخ الكرامية ورأسهم بنيسابور. 4/ 433. صاحب الحبشة إسحاق بن داود سيف أرغد الحبشي الأمحري. 9/ 292. إسحاق بن راهويه (إسحاق بن إبراهيم بن مخلد) الحنظلي المروزي ثم النيسابوري أبو يعقوب. 3/ 172. إسحاق الرومي، المولى. 10/ 403. إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي أبو يعقوب. 4/ 397. إسحاق بن سليمان الرازي الكوفي الأصل. 2/ 471. إسحاق بن سويد التميمي. 2/ 134. إسحاق بن سيار النّصيبيني، محدّث نصيبين. 3/ 307. أبو إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي جمال الدّين. 5/ 323. إسحاق بن طرخان بن ماضي، تقي الدين 7/ 351. إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني النيسابوري أبو يعلى. 5/ 234. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري الفقيه. 2/ 146. إسحاق بن عيسى بن الطباع البغدادي. 3/ 70. إسحاق بن الفرات التّجيبي أبو نعيم. 3/ 24. إسحاق الفقيه إسحاق بن بكر بن مضر. 3/ 90. ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي. 2/ 235. إسحاق بن محمد الفروي المدني الفقيه. 3/ 119. إسحاق بن محمد النهرجوري أبو يعقوب. 4/ 168. إسحاق بن مرار الشيباني الكوفي أبو عمرو. 3/ 49. إسحاق بن مرار النحوي اللغوي. 3/ 64. إسحاق بن المقتدر بالله. 4/ 407. إسحاق بن منصور السكوني الكوفي. 3/ 28. إسحاق بن منصور الكوسج المروزي الحافظ أبو يعقوب. 3/ 234. إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي المدني ثم الكوفي أبو موسى 3/ 201. إسحاق بن هبة الله بن صالح أبو البشائر. 7/ 120. إسحاق بن يحيى الآمدي. 8/ 119. إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني أبو محمد. 2/ 289.

إسحاق بن يوسف الأزرق، محدّث واسط. 2/ 445. إسحاق بن يوسف بن يعقوب الصروفي. 5/ 425. الإسحاقي صاعد بن سيار. 6/ 100. الأسداباذي أحمد بن عبيد الله الهمذاني. 4/ 226. الأسداباذي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني المعتزلي 5/ 78. أسد الدّين بن معين الدّين الشّيرازي الشافعي، المنلا. 10/ 645. الأسدي إبراهيم بن شريك الكوفي 4/ 13. الأسدي أحمد بن محمد بن عابد الأندلسي القرطبي. 4/ 476. أسد بن عمرو البجلي الكوفي أبو المنذر. 2/ 416. أسد بن الفرات الفقيه المغربي أبو عبد الله. 3/ 60. الحافظ أسد بن موسى الأموي ويقال له: أسد السنة. 3/ 57. أسد السنة أسد بن موسى الأموي. 3/ 57. الأسدي إسماعيل بن عليّة. 2/ 461 و 428. الأسدي أبو بكر بن عياش الكوفي الحنّاط. 2/ 430. الأسدي الزبير بن بكار الزبيري. 3/ 252. الأسدي سفيان بن العاص أبو بحر الأندلسي 6/ 100. الأسدي عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي. 3/ 231. الأسدي عبد الله بن نافع الزبيري المدني الصائغ. 3/ 32 و 75. الأسدي محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي، المشهور بابن درهم ونصف. 10/ 515. الأسدي محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر بن أسد البغدادي. 6/ 7. الأسدي مصعب بن عبد الله بن مصعب أبو عبد الله الحافظ. 3/ 167. الأسدي المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأندلسي. 5/ 167. الإسرائيلي إبراهيم بن سهل. 7/ 422. الأسطرلابي هبة الله بن الحسين بن يوسف. 6/ 170. الأسطواني حسين بن سليمان بن أحمد الأسطواني الصالحي. 10/ 255. أسعد بن عبد الغني العدوي المصري، ابن قادس، أبو الكرم. 7/ 351. أسعد بن أحمد بن أبي غانم الثقفي الأصبهاني. 6/ 545. أسعد بن بلدرك البغدادي أبو أحمد. 6/ 408. أسعد بن الخطير أبي سعد مهذب بن مينا بن زكريا بن أبي قدامة بن أبي مليح مماتي المصري أبو المكارم المعروف بالقاضي الأسعد. 7/ 38. أسعد بن زرارة النجاري. 1/ 113. أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن روح الأصبهاني أبو الفخر. 7/ 47.

أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري الدوسي. أبو أمامة. 1/ 403. أسعد بن عثمان بن المنجا التنوخي الدمشقي صدر الدين أبو الفتح. 7/ 498. أسعد بن علي بن محمد بن المنجى التنوخي. 9/ 462. أسعد بن علي بن الموفق الهروي أبو المحاسن. 6/ 225. أسعد بن العميد بن أبي يعلى بن القلانسي التميمي الدمشقي مؤيد الدين أبو المعالي. 6/ 545. أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الأصبهاني العجلي أبو الفتوح المعروف ب: منتخب الدين. 6/ 560. أسعد بن محمد بن محمود الشيرازي الحنفي. 9/ 44. أسعد بن المسلم بن مكي بن علان القيسي الدمشقي. 7/ 314. أسعد بن المطران موفق الدين. 6/ 474. أسعد- ويسمى محمد- ابن المنجى بن بركات ابن المؤمل التنوخي المعري ثم الدمشقي أبو المعالي، وجيه الدين. 7/ 36. أسعد بن أبي النصر ابن الفضل الميهني أبو الفتح، وأبو سعيد العلّامة مجد الدين. 6/ 132. أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور السلمي السنجاري أبو السعادات. 7/ 182. الإسعردي إبراهيم بن مبارك شاه. 9/ 251. الإسعردي حسن بن علي بن عمر. 9/ 124. الإسعردي عبيد بن محمد. 7/ 735. الإسعردي محمد بن محمد بن رستم. 7/ 491. الإسفراييني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران أبو إسحاق. 5/ 90. الإسفراييني إبراهيم بن محمد بن عرب شاه أبو إسحاق. 4/ 417. الإسفراييني أحمد بن علي، أبو بكر وأبو حامد. 5/ 155. الإسفراييني أحمد بن محمد بن أحمد، أبو حامد. 5/ 37. الإسفراييني بشر بن أحمد الدهقان أبو سهل. 4/ 377. الإسفراييني الحسن بن محمد بن إسحاق أبو محمد. 4/ 244. الإسفراييني سهل بن بشر الدمشقي أبو الفرج. 5/ 399. الإسفراييني طاهر بن سهل بن بشر الدمشقي. 6/ 160. الإسفراييني عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد. 8/ 595. الإسفراييني عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر. 4/ 89. الإسفراييني محمد بن أحمد بن عبد الوهاب أبو بكر. 5/ 46. الإسفراييني عبد الملك بن الحسن أبو نعيم، راوي «المسند» . 4/ 524. الإسفراييني محمد بن محمد بن رجاء بن السّندي. 3/ 361. الإسفراييني محمد بن محمد الشعيبي. 8/ 543.

الإسفراييني محمد بن محمد بن عمر الصوفي. 7/ 419. الإسفراييني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد، أبو عوانة. 4/ 80. الإسفنجي محمد بن المسيّب الأرغياني، شيخ نيسابور. 4/ 75. ابن إسفنديار علي بن علي البغدادي. 7/ 616. ابن الإسكاف علي بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب. 7/ 584. الإسكاف عمر العقيبي زين الدين الحموي. 10/ 414. الإسكافي محمد بن محمد بن أحمد بن مالك أبو بكر 4/ 276. الإسكليبي محيي الدين الإسكليبي الحنفي. 10/ 589. الإسكندراني أحمد بن سلامة بن أحمد. 8/ 86. الإسكندراني أحمد بن عمر بن هلال الدمشقي. 8/ 577. الإسكندري أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله. 8/ 36. الإسكندراني أحمد بن محمد بن محمد بن عوض الزّبيري. 9/ 15. الإسكندراني محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأموي. 7/ 703. الإسكندراني محمد بن يحيى بن ياقوت أبو الحسن. 7/ 410. الإسكندراني محمد بن يوسف المالكي. 9/ 83. الإسكندري الحسين بن أبي بكر بن الحسين. 8/ 227. الإسكوبي إسحاق بن إبراهيم البروصاوي المولى. 10/ 361. الإسلامبولي عبد الرحيم بن أحمد السيد الشريف العبّاسي الإسلامبولي. 10/ 486. الإسلامبولي محمد بن علي بن يوسف بالي العتاري الإسلامبولي الحنفي. 10/ 232. أسلم بن سهل الرّزاز الحافظ أبو الحسن. 3/ 388. أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي أبو الجعد. 4/ 92. أسلم مولى عمر رضي الله عنه. 1/ 327. الأسلمي إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني. 2/ 381. الأسلمي سليمان بن بريدة بن الحصيب. 2/ 35. الأسلمي عبد الله بن بريدة أبو سهل. 2/ 79. أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير. 1/ 308. أسماء بنت صلاح الدين العلائي. 8/ 587. أسماء بنت محمد بن سالم بن أبي المواهب بن صصرى. 8/ 184. إسماعيل بن إبراهيم بن سالم أبو الفداء المعروف بابن الخباز. 8/ 16. إسماعيل بن إبراهيم بن شويخ الصالحي. 7/ 795. إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن

إبراهيم بن جماعة الحموي الأصل المقدسي الشافعي. 8/ 416. إسماعيل بن إبراهيم بن علي الناصري، عماد الدين. 10/ 53. إسماعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري. 7/ 744. إسماعيل بن إبراهيم القطيعي أبو معمر. 3/ 166. إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدين ابن عربشاه، الشافعي صدر الدين. 10/ 485. إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى قاضي القضاة الكناني البلبيسي الحنفي. 9/ 30. إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي القرشي الدمشقي المعروف بابن الدرجي. 7/ 548. إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي أبو محمد. 7/ 590. إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم أبو سعد المعروف ب: ابن الإسماعيلي. 4/ 506. إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم النابلسي الشافعي. 10/ 630. إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان، أمير خراسان. 3/ 401. إسماعيل بن أحمد بن الحسين أبو الفضل المعروف بالرشيد العراقي. 7/ 440. إسماعيل بن أحمد الحيري النيسابوري أبو عبد الرحمن. 5/ 150. إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك النيسابوري أبو سعد. 6/ 163. إسماعيل بن أحمد بن علي الباريني الحلبي. 8/ 602. إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث بن السمرقندي أبو القاسم. 6/ 184. إسماعيل بن أحمد [1] بن عيسى البرلسي المغربي الفاسي المعروف بابن زروق- الصوفي. 9/ 547. إسماعيل بن أبي أحمد بن محمد النيسابوري ثم البغدادي أبو البركات. 6/ 209. إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري أبو إسحاق. 3/ 334. إسماعيل بن أبي أويس الحافظ الأصبحي المدني أبو عبد الله. 3/ 119. إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله المقرئ ابن علي بن عطية الشاوري اليمني المعروف بابن المقرئ. 9/ 321. إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العز بن صالح الحنفي المعروف بابن الكشك. 8/ 481. إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين أبو الفتح. 6/ 148. إسماعيل بن جعفر الأنصاري المدني. 2/ 356. إسماعيل بن جمعة بن عبد الله الرزاق جمال الدين أبو إسحاق. 7/ 683. إسماعيل بن حاجي الفروي. 8/ 552.

_ [1] تنبيه: كذا سماه المؤلف رحمه الله والصواب (أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي أبو العباس ويعرف بزرّوق) .

إسماعيل بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي أبو منصور المعروف ب: الظافر بالله. 6/ 251. إسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن بن المرجّي بن المؤمل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن نفيس بن سعيد بن سعد بن عبادة بن الصامت المعروف بالشهاب القوصي أبو المحامد، وأبو العرب، وأبو الفداء، وأبو الطاهر. 7/ 449. إسماعيل بن الحسن السنجبستي أبو القاسم. 6/ 23. إسماعيل بن الحسن الصرصري أبو القاسم. 5/ 16. إسماعيل بن أبي الحسن علي بن محمد البرماوي. 9/ 302. إسماعيل بن الحسين بن أبي السائب الأنصاري. 8/ 100. إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري أبو عبد الله. 6/ 14. إسماعيل بن حماد الجوهري التركي اللغوي أبو نصر. 4/ 497. إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة الإمام أبو حيان. 3/ 57. إسماعيل بن حماد بن أبي سلمة. 2/ 88. إسماعيل بن أبي خالد البجلي مولاهم الكوفي الحافظ. 2/ 207. إسماعيل بن خليفة بن عبد العالي النابلسي الأصل الحسباني الشافعي، الإمام العلامة أبو الفداء عماد الدين. 8/ 441. إسماعيل بن داود بن وردان المصري. 4/ 85. إسماعيل بن زاهر النوقاني أبو القاسم. 5/ 345. إسماعيل بن زكريا الخلقاني الكوفي. 2/ 333. إسماعيل السدي الكوفي المفسر المشهور. 2/ 119. إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن إبراهيم بن محمد الأصبهاني أبو الحسن. 6/ 500. إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الشيباني الآمدي ثم المصري أبو محمد. 8/ 21- 22. إسماعيل بن سليمان بن أيداش بن السلار أبو طاهر. 7/ 238. إسماعيل بن سودكين النوري أبو الطاهر. 7/ 404. إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيوب المعروف بالملك المعز. 6/ 545. إسماعيل الشرواني الحنفي. 10/ 349. إسماعيل الشيخ الصالح إمام جامع الجوزة. 10/ 455. إسماعيل بن صارم الخياط الكتاني العسقلاني ثم المصري أبو الطاهر. 7/ 535. إسماعيل بن عبد الرحمن بن إبراهيم الذّنابي، الصالحي، الحنبلي عماد الدين. 10/ 392. إسماعيل بن علي بن الطبال، عماد الدين. 8/ 31. إسماعيل بن علي الكوراني. 7/ 397.

إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم البيضاوي الزّمزمي المؤذن بمكّة. أبو طاهر مجد الدين. 9/ 329. إسماعيل بن علي بن محمد الدمشقي فخر الدين أبو الفداء. 7/ 713. إسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي. 8/ 172. إسماعيل بن علي النيسابوري الجاجرمي أبو علي. 5/ 415. إسماعيل بن صالح بن ياسين الشارعي أبو الطاهر. 6/ 529. إسماعيل بن ظفر بن أحمد بن إبراهيم بن مفرج المنذري النابلسي الدمشقي المولد. 7/ 351. إسماعيل بن عباس بن علي بن المؤيد داود بن المظفر عمر بن علي بن رسول اليمني. 9/ 45. إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل ثم الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية أبو الفداء. 8/ 610. إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمر المرداوي الصالحي عز الدين أبو الفداء المعروف بابن الفراء. 7/ 795. إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الصابوني أبو عثمان. 5/ 212. إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري العصائدي أبو عثمان. 6/ 255. إسماعيل بن عبد القوي بن عزون الأنصاري المصري زين الدين أبو الطاهر. 7/ 564. إسماعيل بن عبد الله الحافظ العبدي الأصبهاني سمويه أبو بشر. 3/ 287. إسماعيل بن عبد الله الصالحي. 10/ 6. إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنماطي المصري تقي الدين أبو الطاهر. 7/ 149. إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصالحي. 7/ 656. إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزومي. 2/ 416. إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال الأمير أبو العباس. 4/ 328. إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي- نزيل دمشق. 9/ 45. إسماعيل بن عبد الله الناسخ المعروف بابن الزمكحل. 8/ 517. إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد البوشنجي أبو سعد. 6/ 184. إسماعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي. 8/ 61. إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الجوهري أبو محمد. 7/ 252. إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الخطبي أبو محمد. 4/ 261. إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح- القلقشندي المصري تقي الدين أبو الفداء. 8/ 442. إسماعيل بن العادل أبو الجيش المعروف بالملك الصالح عماد الدين. 7/ 416. إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني أبو محمد ويعرف بابن الرفاء

المناظر ويعرف أيضا بغلام ابن المني، فخر الدين. 7/ 76. إسماعيل بن علي بن الحسين الحمامي النيسابوري ثم الأصبهاني أبو القاسم. 6/ 261. إسماعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الرازي أبو سعد. 5/ 203. إسماعيل بن علي السمان الرازي أبو سعد. 5/ 198. إسماعيل بن عليّة الأسدي البصري أبو بشر. 2/ 461 و 428. إسماعيل بن عمر بن بكر المقدسي أبو إسحاق وأبو القاسم وأبو الفضل، ويلقب محب الدين. 7/ 99. إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي. 8/ 136. إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصروي ثم الدمشقي عماد الدين، صاحب التفسير. 8/ 397. إسماعيل بن عمر المغربي المالكي. 9/ 131. إسماعيل بن عمر بن نعمة بن يوسف بن شبيب الروابي المصري العطار أبو الطاهر. 7/ 37. إسماعيل بن عمرو البجلي. 3/ 122. إسماعيل بن عياش العنسي أبو عتبة. 2/ 359. إسماعيل بن الفضل الأصبهاني السراج المشهور ب: الإخشيد. 6/ 114. إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي الأخباري أبو علي. 4/ 290. إسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر النيسابوري أبو محمد. 6/ 159. إسماعيل بن القاسم العنزي الكوفي الشاعر المشهور أبو العتاهية. 3/ 52. المنصور، إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني أبو الطاهر. 4/ 222. إسماعيل بن قرناص الحموي، المعروف بمخلص الدين. 7/ 515. إسماعيل الكردي الشافعي. 10/ 445. إسماعيل الكوراني. 7/ 552. إسماعيل بن المبارك بن أحمد بن محمد بن وصيف البغدادي. 6/ 36. إسماعيل بن محمد بن أحمد الحاجبي أبو علي. 4/ 493. إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفراء الحراني ثم الدمشقي. 8/ 155. إسماعيل بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني الخياط أبو علي. 6/ 37. إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحضرمي. 7/ 630. إسماعيل بن محمد بن الأكرم العنابي الدمشقي عماد الدين، أبو الفداء. 10/ 238. إسماعيل بن محمد بن الصاحب فتح الدين بن القيسراني الصاحب الأمجد عماد الدين. 8/ 198. إسماعيل بن محمد الصفّار البغدادي أبو علي. 4/ 221. إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحراني ثم الدمشقي المعروف بالنفيس. 7/ 759.

إسماعيل بن محمد علي، الشافعي السيوفي، عماد الدين. 10/ 7. إسماعيل بن محمد بن الفضل التّيمي الطلحي الأصبهاني أبو القاسم. 6/ 174. إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب النيسابوري الشعراني أبو الحسن. 4/ 248. إسماعيل بن محمد بن قلاوون. 8/ 255. إسماعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي أبو الفداء. 8/ 495. إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي بن عبد الله بن هانئ الغرناطي أبو الوليد. 8/ 378. إسماعيل بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن الخليل المروذي القاشاني أبو الفتح. 6/ 551. إسماعيل بن محمد بن ملة الأصبهاني أبو عثمان. 6/ 39. إسماعيل بن السلطان نور الدين محمود بن زنكي أبو الفتح. 6/ 425. إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني أبو القاسم. 5/ 331. إسماعيل بن مقبل بن محمد الغزاوي الحنفي، عماد الدّين. 10/ 281. إسماعيل بن مكي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزهري الإسكندراني المالكي أبو الطاهر. 6/ 441. إسماعيل، الملك الصالح. 7/ 521. إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الدمشقي. 2/ 134. إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي الشيعي المحدث. 3/ 206. إسماعيل الموصلي شرف الدين. 7/ 228. إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد بن الجواليقي أبو محمد. 6/ 413. إسماعيل بن نجيد الإمام السلمي النيسابوري أبو عمرو. 4/ 343. إسماعيل النحاس الشويكي، الشافعي، عماد الدين. 10/ 50. إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر. 8/ 47. إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي الصالحي. 7/ 719. إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد الموصلي عماد الدّين أبو المجد، المعروف بابن باطيش. 7/ 462. إسماعيل بن هبة الله بن علي بن المليجي أبو الطاهر. 7/ 651. إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري الفقيه أبو إبراهيم. 3/ 278. إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن ممدود التميمي الشيرازي أبو إبراهيم. 8/ 308. إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن نصر بن جهبل أبو الفداء الحلبي الأصل الدمشقي الشافعي. 8/ 221. إسماعيل بن يعقوب بن الجراب البغدادي أبو القاسم. 4/ 240.

إسماعيل بن ينال المروزي المحبوبي أبو إبراهيم. 5/ 106. إسماعيل بن يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي أبو الفداء. 8/ 70. الإسماعيلي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني. 4/ 379 و 384. ابن الإسماعيلي إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم. 4/ 506. الإسماعيلي إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل الجرجاني. 5/ 331. الإسماعيلي محمد بن إسماعيل، أبو بكر. 3/ 380. الأسمر إبراهيم بن عنبر المارديني. 7/ 778. الأسمر أبو بكر بن شهلا الشافعي الدمشقي تقي الدين. 10/ 344. الإسنائي إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الصّنيعة الحميري الإسنوي. 8/ 99. الأسنائي بركة بنة سليمان بن جعفر. 9/ 31. الأسنائي عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي. 7/ 405. اسندمر الكرجي سيف الدين. 8/ 46. الإسنوي إبراهيم بن هبة الله الحميري بن الصنيعة. 8/ 99. الإسنوي سليمان بن جعفر المصري أبو الربيع. 8/ 307. الإسنوي عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر القرشي الأموي المصري. 8/ 383. الإسنوي محمد بن أحمد بن علي بن عمر. 8/ 338. الإسنائي محمد بن الحسن بن علي بن عمر القرشي. 8/ 346. الإسنوي محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري. 8/ 491. الأسواري شاكر بن أبي الفضل الأصبهاني. 6/ 345. الأسواري محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني. 4/ 230. الأسواني أحمد بن الرشيد أبي الحسن علي الغساني. 6/ 328. الأسواني أحمد بن عبد الوارث بن جرير العسال. 4/ 105. الأسواني عمر بن عبد الله بن علي بن أبي بكر الأديب الشاعر. 9/ 254. ابن أبي الأسود عبد الله بن محمد بن حميد. 3/ 106. أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو. 1/ 297 و 396. الأسود بن عامر شاذان أبو عبد الرحمن. 3/ 41. الأسود العنسي. 1/ 214. الأسود بن يزيد النخعي. 1/ 313. أسيد بن حضير الأنصاري الأشهلي. 1/ 172. أبو أسيد الساعدي. 1/ 220. أسيد بن عاصم الثقفي الأصبهاني. 3/ 297. أسير بن جابر. 1/ 349. الأسيوطي أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحيي. 9/ 328. الأسيوطي أحمد بن محمد بن عبد الرحيم اللخمي. 8/ 535.

الأسيوطي الحسن بن الخضر. 4/ 324. الأسيوطي عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق المصري. 8/ 489. الأسيوطي محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري. 8/ 469. الأسيوطي محمد بن الحسن شمس الدين. 9/ 117. الإشبيلي إبراهيم بن سهل. 7/ 515. الإشبيلي إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي. 7/ 456. الإشبيلي أحمد بن عبد الله بن محمد الباجي اللخمي. 4/ 506. الإشبيلي أحمد بن فرح بن أحمد الشافعي. 7/ 775. الإشبيلي أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى. 5/ 78. الإشبيلي عبد الرحمن بن علي الزهري أبو محمد. 7/ 101. الإشبيلي محمد بن بأبي عبد الله محمد بن سعيد. 7/ 169. الأشتر النخعي. 1/ 218. الأشتري أحمد بن عبد الله بن محمد الحلبي. 7/ 647. الإشتيخني محمد بن أحمد بن متّ راوي «صحيح البخاري» . 4/ 473. ابن أشتة أحمد بن عبد الغفار الأصبهاني. 5/ 399. الأشج عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي 3/ 257. الأشجعي حمّاد بن مالك الأشجعي الحرستاني. 3/ 130. الأشجعي عبيد الله بن عبد الرحمن الكوفي 2/ 365. الأشخر محمد بن أبي الأشخر. 10/ 623. الأشدق سليمان بن أبي موسى. 2/ 87. أشعث بن سوار الكندي الأفرق النجار. 2/ 158. أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي. 2/ 106. ابن الأشعث عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. 1/ 347. أبو الأشعث الصنعاني الشامي. 2/ 16. أشعب الطامع ويعرف بابن أم حميدة. 2/ 248. أشعث بن عبد الملك الحمراني مولى عثمان. 2/ 210. الأشعث بن قيس الكندي. 1/ 221. الأشعري أبو إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان. 2/ 89. الأشعري أبو بكر بن أبي موسى. 2/ 16. الأشعري شهر بن حوشب. 1/ 404. الأشعري عبد الرحمن بن غنم. 1/ 320. الأشعري علي بن إسماعيل بن أبي بشر البصري. 4/ 129. الأشعري معاوية بن صالح. 2/ 276. الأشعري نمير بن أوس. 2/ 93. ابن الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلال. 6/ 214. الأشقر عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف الكرادي. 8/ 545.

الأشقر هبة الله بن الحسن بن أحمد البغدادي. 7/ 295. ابن إشكاب محمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحر بن زحلان العامري. 3/ 274. الإشكيذباني محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي البرمكي الهروي. «أبو عبد الله» . 6/ 497. الأشليمي أحمد بن محمد بن صالح بن عثمان الحسيني. 9/ 444. الأشموني علي الأشموني الشافعي الفقيه نور الدّين. 10/ 229. الأشموني مدين خليفة. 9/ 529. ابن أشنانة الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني. 6/ 551. الأشناني أحمد بن سهل. 4/ 35. الأشناني ربيع بن يحيى البصري. 3/ 109. الأشناني عمر بن الحسن أبو الحسين. 4/ 208. أشهب بن عبد العزيز العامري أبو عمرو. 3/ 24. ابن أبي الشوارب محمد بن عبد الملك الأموي البصري. 3/ 203. ابن أبي شيبة محمد بن عثمان العبسي الكوفي. 3/ 413. الأشيري عبد الله بن محمد الصّنهاجي، أبو محمد. 6/ 330. الأشيري عبد الله بن محمد المقرئ الصنهاجي. 6/ 330. الأصبحي أحمد بن محمد بن محمد بن علي العنابي. 8/ 414. الأصبحي مالك بن أبي عامر جد الإمام مالك. 1/ 312. الأصبحي محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي. 8/ 521. الأصبحي يحيى بن محمد التّلمساني. 9/ 129. الأصبحي إسماعيل بن أبي أويس. 3/ 119. ابن أبي الإصبع عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر زكي الدين. 7/ 458. أصبغ بن الفرج الطائي الأندلسي المالكي. 4/ 509. أصبغ بن الفرج المصري أبو عبد الله. 3/ 114. الأصبهاني إبراهيم بن أورمة، أبو إسحاق. 3/ 284. الأصبهاني أحمد بن بشرويه. 5/ 416. الأصبهاني أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري. 4/ 424. الأصبهاني أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نعيم. 5/ 149. الأصبهاني أحمد بن محمد بن أحيد بن عبد الله بن ماما. 5/ 173. الأصبهاني أحمد بن محمد بن أبي سعد الأصبهاني. 6/ 205. الأصبهاني أحمد بن محمود الثقفي. 5/ 234. الأصبهاني أحمد بن مهدي بن رستم. 3/ 305. الأصبهاني إسحاق بن إبراهيم بن محمد. 4/ 50.

الأصبهاني أسعد بن خلف العجلي. 6/ 560. الأصبهاني أسعد بن سعيد بن محمود. 7/ 47. الأصبهاني إسماعيل بن أبي سعد بن علي بن إبراهيم. 6/ 500. الأصبهاني إسماعيل بن محمد بن الحسن الخياط. 6/ 37. الأصبهاني جعفر بن آموسان. 7/ 48. الأصبهاني الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد. 6/ 76. الأصبهاني الحسن بن العباس. 6/ 330. الأصبهاني حمزة بن العباس العلوي. 6/ 89. الأصبهاني خليل بن بدر بن ثابت الرازي. 6/ 529. الأصبهاني داود بن علي البغدادي. 3/ 297. الأصبهاني زاهر بن رستم البغدادي. 7/ 70. الأصبهاني سعيد بن محمد بن أبي بكر الصيرفي. 6/ 163. الأصبهاني عبد الرحيم بن علي بن أحمد الحاجي. 6/ 359. الأصبهاني عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان أبو الخير. 6/ 377. الأصبهاني عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمويه. 7/ 7. الأصبهاني عبد الله بن أحمد بن إسحاق. 4/ 344. الأصبهاني عبد الله بن عمر الأصبهاني أبو رشيد. 6/ 411. الأصبهاني عبد الله بن محمد الأصبهاني. 8/ 101. الأصبهاني عبد الله بن مظاهر. 4/ 22. الأصبهاني عبد الله بن يوسف بن أحمد بن باموية. 5/ 53. الأصبهاني عبد الواحد بن أحمد المعلم. 5/ 226. الأصبهاني عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن جميل أبو أحمد. 4/ 459. الأصبهاني علي بن الحسين الأموي أبو الفرج. 4/ 292. الأصبهاني علي بن سعيد بن فاذشاه أبو طاهر. 6/ 519. الأصبهاني محمد بن إبراهيم بن نصر بن شبيب. 4/ 27. الأصبهاني محمد بن أحمد بن عبد الله بن ورا. 5/ 352. الأصبهاني محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين. 6/ 67. الأصبهاني محمد بن عبد الملك بن إسماعيل بن عبد الملك بن إسماعيل بن علي الأصبهاني. 6/ 523. الأصبهاني محمد بن عبد الواحد الدقاق أبو عبد الله. 6/ 86. الأصبهاني محمد بن علي بن محمد بن مهربزد. 5/ 254. الأصبهاني محمد بن إسماعيل الصيرفي الأشقر. 6/ 75.

الأصبهاني محمود بن عبد الرحمن بن أحمد 8/ 281. الأصبهاني معمر بن أحمد بن محمد بن زياد. 5/ 92. الأصبهاني الوليد بن أبان «أبو العباس» . 4/ 54. الأصبهاني اليزدي أحمد بن علي بن محمد بن منجويه. 5/ 131. الأصبهانية عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج. 7/ 79. الإصطخري الحسن بن أحمد بن يزيد، أبو سعيد. 4/ 146. الأصفهاني إبراهيم بن محمد بن الحسن بن متوية. 4/ 13. الأصفهاني الحسن بن العباس. 6/ 329. الأصفهاني الحسن بن محمد بن علي. 4/ 373. الأصفهاني محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي. 7/ 710. الأصفهاني محمود بن علي بن أبي طالب. 6/ 467. الأصفهاني يحيى بن محمود بن سعد الثقفي، أبو الفرج. 6/ 463. الأصفهندي تاج بن محمود العجمي، تاج الدين. 9/ 968. الأصفوني عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم. 8/ 285. الأصم محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل الأموي. 4/ 245. الأصمعي عبد الملك بن قريب الباهلي البصري أبو سعيد. 3/ 76. ابن أبي أصيبعة أحمد بن القاسم بن خليفة (الحكيم الطبيب) . 7/ 569. الأصيلي عبد الله بن إبراهيم المغربي الأندلسي. 4/ 493. الأطرابلسي أحمد بن محمد بن أبي الخناجر. 3/ 310. الأطرابلسي الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق. 5/ 73. الأطرابلسي خيثمة بن سليمان بن حيدرة أبو الحسن. 4/ 183. الأطروش محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري الإسنوي. 8/ 491. ابن أطز إسحاق بن أبي بكر بن ألمى التركي نجم الدين. 8/ 157. ابن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد بن بشر البصري. 4/ 216. ابن الأعرابي محمد بن زياد أبو عبد الله، اللغوي. 3/ 141. الأعرج عبد الرحمن بن هرمز المدني. 2/ 80. الأعرج محمد بن يوسف القطان النيسابوري. 5/ 116. الأعرج يحيى بن زكريا النيسابوري أبو زكريا. 4/ 37. ابن بنت الأعز أحمد بن عبد الوهاب علاء الدين القاضي. 7/ 776. ابن بنت الأعز عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي المصري، تاج الدين قاضي القضاة. 7/ 555.

ابن بنت الأعز عمر بن عبد الوهاب بن خلف الشافعي العلامي المصري. 7/ 640. الأعزّ البغدادي عبد الرحمن بن الأسعد الغياثي. 6/ 386. الأعز بن فضائل البغدادي البابصري أبو نصر، المعروف بابن العلّيق. 7/ 423. الأعز بن كرم الحربي الإسكاف البزّاز أبو محمد. 7/ 364. الأعزازي أحمد الدمشقي الصّالحي. 10/ 87. الأعزازي أحمد بن ناصر الأعزازي. 10/ 499. الأعزازي محمد بن محمد بن محمد الأعزازي. 10/ 516. الأعلم يوسف بن سليمان أبو الحجّاج النحوي. 5/ 411. الأعمش حمد بن نصر بن أحمد بن محمد الهمذاني. 6/ 50. الأعمش سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي. 2/ 217. الأعمشي أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة، أبو تراب. 4/ 104. ابن الأعمى علي بن محمد بن المبارك. 7/ 737. بنت الأعمى فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية. 8/ 563. الأعمى محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهواري. 8/ 462. ابن الأعمى محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن. 8/ 583. الأعين محمد بن الحسن بن طريف البغدادي. 3/ 183. اعزلوا، سيف الدين الأمير الكبير العادلي. 8/ 94. ابن الأغلاقي أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي. 7/ 758. الأغلبي زيادة الله بن عبد الله. 4/ 22. الأغماني ناصر بن عبد العزيز بن ناصر الإسكندراني. 7/ 258. الافتخار الهاشمي عبد المطلب بن الفضل العباسي البلخي. 7/ 124. الإفريفي عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين المصري، أوحد الدين. 8/ 501. الإفريفي ميمون بن عمر المالكي. 4/ 102. أفضل أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الشافعي شهاب الدين. 10/ 225. الأفضل أمير الجيوش، شاهنشاه أبو القاسم ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني. 6/ 76. أفضل السّعدي محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي. 10/ 28. الأفضلي عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين التبريزي. 8/ 89. الأفطس سالم بن عجلان الحراني. 2/ 146. الأفطس علي بن الحسن الذهلي النيسابوري. 3/ 239. الأفلاقي محمد بن إسماعيل. 8/ 55. أفلح بن حميد الأنصاري المدني. 2/ 260.

أفلح بن كثير (مولى أبي أيوب) . 1/ 284. الإفليلي إبراهيم بن محمد بن زكريا الزهري الوقاصي. 5/ 184. الأفوه بشر بن السّري البصري. 2/ 446. الأقباعي أحمد الرويس. 8/ 65. إقبال الخادم بالقدس، جمال الدولة واقف الإقباليتين. 7/ 17. إقبال الشرابي (باني المدرسة الإقبالية ببغداد) . 7/ 450. إقبال القربتي الصديق بن عبد العليم. 10/ 107. ابن أقبرس علي بن محمد الشافعي. 9/ 442. آقبغا الأحمدي الجلب. 8/ 361. اقتمر الحنبلي الصالحي. 8/ 450. ابن الأقرب أحمد بن محمد بن عثمان بن موسى الحلبي الحنفي. 8/ 405. ابن الأقرع محمد بن يسير البعلبكي الأعجوبة. 8/ 623. أقسيس بن الكامل، الملك المسعود. 7/ 210. الأقصرائي [1] إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن الأقصرائي القاهري الشافعي الحنفي المواهبي برهان الدين أبو الطيب. 10/ 52. الأقصرائي فضيل بن علاء الدين علي بن أحمد بن محمد الحنفي. 10/ 313. الأقصرائي محمد بن أبي محمد الحنفي. 8/ 600. الأقصرائي محمد بن محمد بن عيسى. 8/ 394. الأقصرائي محمود بن شمس الدين. 9/ 250. الأقصرائي يحيى بن محمد، أمين الدين. 9/ 490. الأقصرائي يعقوب بن عيسى. 8/ 559. أقطاي الصالحي المستعرب فارس الدين الأتابك. 7/ 586. أقطايا التركي الصالحي النجمي المعروف بالأمير فارس الدين. 7/ 441. الأقفهسي خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن. 9/ 219. الأقفهسي عبد الرحمن بن مكي المالكي. 8/ 622. الأقفهسي عبد الله بن مقداد بن إسماعيل. 9/ 234. الأقفهسي علي بن محمد بن عبد الرحيم المقبري. 8/ 582. الأقفهسي عيسى بن محمد بن عيسى. 9/ 312. الأقفهسي محمد بن عبد الوهاب بن يوسف المصري. 8/ 231. الأقليشي أحمد بن معد بن عيسى التجيبي الأندلسي. 6/ 255. الأكّال محمد بن خليل الحوراني الدمشقي. 7/ 509. أكبر بن همايون السلطان. 10/ 573.

_ [1] في الكتاب: «أوقصرائي» وذلك من أخطاء الطبع والصحيح ما أثبته هنا.

ابن الأكفاني عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي. 5/ 31. ابن الأكفاني هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي. 6/ 120. الأكمه داود بن عمر الأنطاكي الطبيب الأكمه. 10/ 610. الأكوع إياس بن سلمة المدني. 2/ 87. ألب أرسلان الحسن بن الحسين الزركراني أبو علي. 6/ 97. ألب أرسلان، رضوان بن تتش السلجوقي التركي. 6/ 37. الإلبيري محمد بن علي بن أحمد الخولاني، يعرف بابن الفخّار. 8/ 300. الإلبيري محمد بن فطيس بن واصل الغافقي. 4/ 95. ألدكز، ملك أذربيجان وهمذان. 6/ 375. إلكيا الهراسي علي بن محمد بن علي الطبرستاني. 6/ 14. اللكي أحمد بن القاسم بن الريان المصري أبو الحسن. 4/ 318. الألهاني أرطاة بن المنذر الحمصي. 2/ 286 الألهاني علي بن عياش الحمصي. 3/ 92. الألواحي يونس بن حسين بن علي بن محمد بن زكريا الزبيري ابن الجزار. 9/ 358. ألوغ بك بن القآن معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك. 9/ 403. إلياس بن حامد بن محمود بن حامد بن محمد بن أبي الحجر الحراني أبو الفضل المعروف ب: تقي الدين. 6/ 505. إلياس العالم الفاضل الرومي، المولى شجاع الدين. 10/ 171. إلياس القرماني الطّبيب الحنفي. 10/ 581. اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي أبو يحيى. 6/ 413. أليون عظيم الروم. 1/ 329 و 2/ 474. الأماسي بخشي خليفة الأماسي الرومي الحنفي. 10/ 247. الأماسي صالح جلبي بن جلال الدين الجلدي. 10/ 440. الأماسي عبد الرحمن بن علي المعروف بابن المؤيد الأماسي الرومي. 10/ 154. الأماسي محمد بن محمد بن محمد بن عثمان. 8/ 605. ابن الإمام عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري. 4/ 427. ابن الإمام محمد بن جعفر الربعي البغدادي أبو بكر. 4/ 9. ابن الإمام المولى محيي الدين، الشهير بابن الإمام. 10/ 547. الإمام الإسماعيلي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل. 4/ 379 و 384. إمام بغداد محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي أبو علي. 6/ 247. الإمام الرافعي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل أبو القاسم. 7/ 189. ابن الإمام الشافعي محمد بن محمد بن علي بن همام العسقلاني، المصري أبو الفتح. 8/ 250. الإمام عبدوس عبد الرحمن بن أحمد بن عباد

الهمذاني السراج. 4/ 14. الإمام أبو عمرو الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي. 3/ 230. إمام الكاملية أحمد بن محمد، شهاب الدين. 10/ 60. ابن إمام المشهد محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي. 8/ 294. إمام منكلي بغا محمد بن محمود، جلال الدين. 8/ 492. أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري. 1/ 403. ابن الأمانة عبد اللطيف بن محمد. 9/ 359. أمر الله بن محمد بن حمزة، المعروف بآقا شمس الدّين الدمشقي الأصل الرّومي، المولى. 10/ 60. الأمشاطي أحمد بن عثمان. 8/ 119. الأملوكي المسدّد بن علي أبو المعمّر. 5/ 155. أمة الحق بنت أبي علي الحسن بن محمد البكري المعروفة بشاميّة. 7/ 683. أمّة الخالق أم الخير. 10/ 21. أمة الرحمن ست الفقهاء بنت إبراهيم بن علي بن الواسطي. 8/ 128. أمة الرحيم، ويقال أمة العزيز بنت صلاح الدين العلائي. 8/ 587. أمة السلام، بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية. 4/ 480. أمة العزيز بنت محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. 8/ 495. أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي بن الأبنوسي. 7/ 209. أمة الواحد، ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي. 4/ 407. الأموي أبان بن عثمان بن عفان. 2/ 35. الأموي إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير. 5/ 12. الأموي أحمد بن عمرو بن منصور الأندلسي. 4/ 61. الأموي أيوب بن موسى بن الأشدق عمرو بن سعيد المكي. 2/ 151. الأموي أسلم بن عبد العزيز الأندلسي، أبو الجعد. 4/ 92. الأموي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان. 2/ 213. الأموي محمد بن عبد الخالق بن طرخان الإسكندراني. 7/ 703. أميان بن مانع بن علي بن عطية الحسيني. 9/ 416. ابن أمير حاج الحلبي محمد بن محمد بن محمد بن الحسن. 9/ 490. أمير حسن، الحنفي، المولى. 10/ 326. أمير شريف العجمي المكي. 10/ 412. ابن أمير غفلة أحمد بن محمد بن عثمان الفرضي. 10/ 99. الأمير الكافري. 8/ 10. أمير ميران أخو السلطان نور الدين. 6/ 314. ابن أميلة عمر بن حسن بن يزيد المراغي ثم المزي. 8/ 444.

الأمين الحسين بن سعيد بن شنيف. 7/ 78. الأمين علي بن علي بن عبيد الله. 6/ 164. ابن أمين الحكم محمد بن محمد بن محمد النحريري. 9/ 230. الأميني عمر بن محمد بن منصور الدمشقي ابن الحاجب الرحال. 7/ 243. أمية بن بسطام العيشي البصري أبو بكر. 3/ 141. أمية بن خالد أخو هدبة أبو عبد الله. 2/ 476. أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني الأندلسي أبو الصلت. 6/ 137 و 238. الأميوطي أحمد بن أسد بن عبد الواحد الشافعي. 9/ 467. ابن الأميوطي محمد بن إبراهيم. 8/ 124. الأنبابي يوسف بن الشيخ إسماعيل. 9/ 237. ابن الأنباري عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله أبو البركات الإمام النحوي. 6/ 425. الأنباري علي بن محمد بن محمد بن الأخضر. 5/ 370. الأنباري علي بن محمد بن علي بن إسماعيل أبو منصور. 6/ 29. الأنباري عمر بن إدريس البغدادي أبو حفص. 8/ 349. ابن الأنباري محمد بن القاسم بن بشار أبو بكر. 4/ 152. ابن الأنباري محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني، سديد الدولة. 6/ 308. الأنباري محمد بن محمد أبي الطاهر بن محمد بن بيان. 6/ 534. الأنباري يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول الأزرق. 4/ 166. الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمامي أبو محمد. 7/ 298. الأندلسي أحمد بن سعيد بن حزم (الوزير) . 5/ 11. الأندلسي أحمد بن محمد بن عابد الأسدي القرطبي. 4/ 476. الأندلسي أصبغ بن الفرج الطائي المالكي. 4/ 509. الأندلسي أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني. 6/ 137 و 238. الأندلسي خلف بن القاسم بن سهل. 4/ 500. الأندلسي سليمان بن نجاح. 5/ 412. الأندلسي محمد بن إسحاق بن منذر بن السليم. 4/ 359. الأندلسي محمد بن حجّاج بن إبراهيم بن مطرّف أبو عبد الله. 8/ 30. الأندلسي محمد بن وضاح أبو عبد الله. 3/ 362. أنر الطغتكيني معين الدين. 6/ 226. أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين. 2/ 89. أنس بن عبد الله الشركسي. 8/ 481. أنس بن عياض الليثي المدني أبو ضمرة. 2/ 475. أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حمزة. 1/ 365.

الأنصاري أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد. 9/ 95. الأنصاري أحمد بن عبد المحسن بن محمد. 7/ 521. الأنصاري أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن أبي بكر الأنصاري الحمصي الدمشقي الشافعي. 10/ 280. ابن الأنصاري أحمد بن محمد بن قيس. 8/ 272. الأنصاري إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. 2/ 146. الأنصاري إسماعيل بن جعفر الأنصاري. 2/ 356. الأنصاري إسماعيل بن الحسين بن أبي السّائب. 8/ 100. الأنصاري أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان. 7/ 527. الأنصاري الحسين بن علي بن عبد الكافي. 8/ 304. الأنصاري خارجة بن زيد بن ثابت. 1/ 404. الأنصاري سعد الخير بن محمد بن سهل الأندلسي البلنسي. 6/ 210. الأنصاري سعيد بن أوس البصري. 3/ 70. الأنصاري عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان. 2/ 89. الأنصاري عبادة بن علي بن صالح الخزرجي المالكي. 9/ 376. الأنصاري عبد الحميد بن جعفر. 2/ 243. الأنصاري عبد الرحمن بن أبي شريح. 4/ 494. الأنصاري عبد الرحمن بن عبد الله بن مالك. 2/ 12. الأنصاري عبد الرحمن بن كعب بن مالك. 2/ 12. الأنصاري عبد الرحمن بن أبي ليلى. 1/ 340. الأنصاري عبد الرحمن بن كعب بن مالك. 2/ 12. الأنصاري عبد الرحمن بن أبي ليلى. 1/ 340. الأنصاري عبد الرحمن بن معاوية المدني أبو الحويرث. 2/ 127. الأنصاري عبد الرحمن بن يزيد بن جارية. 1/ 369. الأنصاري عبد القادر بن القاسم بن أحمد بن محمد العبادي. 9/ 492. الأنصاري عبد الكريم بن خلف بن نبهان. 7/ 279. الأنصاري عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم المدني. 2/ 156. الأنصاري عبد الله بن سهل المرسي. 5/ 347. الأنصاري عبد الله بن محمد بن عبد القادر. 8/ 116. الأنصاري عبد الله بن محمد بن هشام المصري الحنبلي. 9/ 416. الأنصاري عبد الله بن الوليد بن سعيد الأندلسي. 5/ 205. الأنصاري عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر. 9/ 50. الأنصاري علي بن إبراهيم بن سعد بن معاذ. 8/ 401.

الأنصاري علي بن محمد بن غالب. 8/ 123. الأنصاري محمد بن عبد الوهاب الدمشقي. 7/ 220. الأنصاري محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الكناني الخشاب المعمار. 8/ 101. الأنصاري محمد بن محمد بن علي الحمصي. 8/ 624. الأنصاري محمد بن هارون بن شعيب الدمشقي أبو علي. 4/ 280. الأنصاري هبة الله بن عبد الرزاق البغدادي أبو الحسن. 5/ 400. الأنصاري يحيى بن سعيد المدني. 2/ 200. الأنطاكي إبراهيم بن عبد الرزاق المقرئ. 4/ 203. الأنطاكي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد ابن حمارة. 10/ 423. الأنطاكي داود بن عمر الأنطاكي الطبيب الأكمه. 10/ 610. الأنطاكي سعد الدّين الأنصاري ابن القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنطاكي. 10/ 485. الأندلسي سليمان بن نجاح. 5/ 412. الأنطاكي صديق بن علي بن صديق الأنطاكي. 9/ 125. الأنطاكي علي بن محمد بن إسماعيل أبو الحسن. 4/ 410. الأنطاكي محمد الأنطاكي المنلا شمس الدين. 10/ 342. الأنطاكي محمد بن الحسن بن علي أبو طاهر. 4/ 410. الأنطاكي مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار. 9/ 170. الأنفي محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله. 8/ 503. الأنقوري أحمد الأنقوري الرّومي الحلبي. 10/ 454. الأنماطي إبراهيم بن إسحاق النيسابوري. 4/ 20. ابن الأنماطي إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري. 7/ 149. الأنماطي إبراهيم بن إسحاق النيسابوري. 4/ 20. ابن الأنماطي إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري. 7/ 149. الأنماطي عبد العزيز بن علي أبو القاسم. 5/ 308. الأنماطي عبد الله بن إسحاق المدائني. 4/ 56. الأنماطي عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد. 6/ 191. الأنماطي عثمان بن سعيد بن بشار البغدادي. 3/ 369. ابن الأنماطي محمد بن إسماعيل بن عبد الله الأنصاري. 7/ 678. الأنماطي محمد بن إبراهيم بن نيروز. 4/ 90. الأنماطي محمد بن صالح بن عبد الرحمن (كيلجة) . 3/ 303. الأنماطي السّمسار الحجاج بن منهال البصري. 3/ 79، 80. أنو شروان بن خالد الوزير أبو نصر القاشاني. 6/ 166.

الأهدل الحسين بن الصّدّيق بن الحسين بن عبد الرحمن اليمنيّ. 10/ 29. الأهدل الطاهر بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل. 10/ 646. الأهدل عبد الرحمن بن حسين بن الصديق الأهدل. 10/ 530. الأهدل علي بن عمر بن محمد أبو الحسن. 7/ 22. الأهوازي الحسن بن علي بن إبراهيم أبو علي. 5/ 199. الأواني أحمد بن علي بن سيدك. 7/ 298. الأواني أحمد بن يحيى بن قايد (أبو المعالي) . 7/ 239. الأواني الحسن بن محمد الراذاني البغدادي. 6/ 236. الأواني يحيى بن الحسين أبو زكريا. 7/ 45. أوج باشا حمزة نور الدين المولى الحنفي المولى. 10/ 371. الأوجافي عبد الرحيم بن محيي الدين المصري. 10/ 66. ابن الأوحد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي القرشي. 7/ 629. الأوحدي أحمد بن عبد الله بن الحسن طوغان. 9/ 134. الأودني محمد بن عبد الله بن محمد بن بصير. 4/ 456. الأودي عبد الله بن إدريس الكوفي أبو محمد. 2/ 422. الأودي عمرو بن ميمون. 1/ 313. أورخان بن عثمان، ثاني ملوك بني عثمان. 8/ 326. الأوريولي عتيق بن أحمد الأزدي أبو بكر الأندلسي. 6/ 262. الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو. 2/ 256- 259. الأوزاعي عبد الله بن محمد بن عطاء. 7/ 594. الأوزجندي الحسن بن منصور بن محمود، الإمام فخر الدين. 6/ 504- 505. أوس بن ضمعج الكوفي. 1/ 312. أوس بن عبد الله الربعي البصري، أبو الجوزاء. 1/ 341. الأوسي عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الدّكّالي. 7/ 753. أوليا بن قرمان حسام الدين. 8/ 10. الأونبي محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون الأزدي الأندلسي. 7/ 324. الأوهي الحسن بن أحمد بن يوسف. 7/ 238. أويس بن حسين بن حسن بن اقبغا المغلي ثم التّبريزي. 8/ 417. أويس بن شاه در بن شاه زاده بن أويس. 9/ 280. أويس بن عامر المرادي القرني. 1/ 214. إياس بن سلمة بن الأكوع المدني. 2/ 87. إياس بن معاوية بن قرة المزني الليثي أبو واثلة. 2/ 94. إياس بن أبي وحشية صاحب سعيد بن جبير. 2/ 106.

أيبك التركماني الصالحي، المعروف بالمعز عز الدين. 7/ 463. إيتاخ التركي مقدم الجيوش وكبير الدولة الأمير. 3/ 157. ايتامش، مملوك الخليفة الناصر. 7/ 17. الأيجي عيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد الشريف الحسيني الشافعي الصوفي، قطب الدين أبو الخير. 10/ 427. الأيجي محمد بن كريم الدّين محمد الأيجي العجمي. 10/ 598. الإيجي محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد التبريزي. 9/ 494. أيدغدي، الأمير الكبير كمال الدين. 7/ 549. أيدغمش، السلطان شمس الدين صاحب همذان وأصبهان والري. 7/ 77. أيدمر، الأمير الكبير عز الدين الظاهري. 7/ 796. الإيديني بالي الإيديني الرّومي الحنفي. 10/ 227. الإيديني محمود الإيديني المعروف بخواجه قيني. 10/ 516. الأيكي محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي. 7/ 767. إيل غازي بن أرتق بن أكسب نجم الدين التركماني. 6/ 79. إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق الملك قطب الدين التركماني. 6/ 440. الأيلي عقيل بن خالد مولى بني أمية. 2/ 205. الأيلي محمد بن عزيز بأيلة. 3/ 288. الأيلي يونس بن يزيد. 2/ 241. أم أيمن (حاضنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم) . 1/ 135. إينال العلائي، الملك الأشرف اشتهر بإينال الأجرود. 9/ 449. ابن أيوب أحمد بن السلطان صلاح الدين. 7/ 284. أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الحلبي بهاء الدين ابن النحاس أبو صابر. 7/ 778. أيوب بن أبي بكر بن أيوب. 7/ 69. أيوب بن أبي تميمة كيسان أبو بكر السختياني البصري فقيه أهل البصرة. 2/ 135. أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الشاغوري الدمشقي. 9/ 195. أيوب بن سليمان بن بلال. 3/ 109. أيوب بن القرّية. 1/ 342. أيوب بن أبي مسكين القصّاب، أبو العلاء. 2/ 190. أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل ويعرف بالملك الصالح نجم الدين. 7/ 411. أيوب بن موسى بن الأشدق عمرو بن سعيد الأموي المكي الفقيه. 2/ 151. أيوب بن نعمة النابلسي ثم الدمشقي الكحال. 8/ 163.

حرف الباء البأآر إبراهيم بن الفضل الأصبهاني. 6/ 155. البابرتي خليل بن عبد الله. 9/ 125. البابرتي محمد بن محمد بن محمود بن أحمد الرومي. 8/ 504. البابشرقي محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري. 7/ 538. البابصري أحمد بن علي بن محمد البغدادي. 8/ 284. البابصري الحسين بن بدران بن داود البغدادي. 8/ 277. البابصري عبد الله بن أبي السعادات بن منصور الأنباري. 8/ 43. البابصري علي بن عبد الرحمن البغدادي أبو الحسن. 7/ 439. البابصري محمد بن محمد بن علي الزيّات البغدادي. 7/ 683. ابن بابك عبد الصمد بن منصور بن الحسين. 5/ 58. البابلتي يحيى بن عبد الله الحراني. 3/ 91. البابي علي بن الحسن بن قيس الشافعي. 8/ 401. البابي محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب الحلبي. 9/ 57. البابي الحلبي أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الشهير بابن برّي الخالدي. 10/ 180. البابي الحلبي محمد بن أحمد بن عمر الشافعي ابن صليلة نجم الدين. 10/ 407. الباجرّائي علي بن أبي العز بن عبد الله. 6/ 482. الباجربقي عبد الرحيم بن عمرو بن عثمان الشيباني الدنيسري. 7/ 784. الباجربقي محمد بن عبد الرحيم بن عمر. 8/ 116. الباجسرائي أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة. 6/ 344. الباجسرائي عبد المنعم بن محمد بن الحسين البغدادي. 7/ 94. الباجسرائي علي بن عمر بن فارس الحداد البغدادي. 7/ 20. باجه زاده محمد بن يعقوب الرومي الحنفي. 10/ 176. الباجي أحمد بن عبد الله بن محمد اللخمي الإشبيلي. 4/ 506. الباجي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي القرطبي أبو الوليد. 5/ 315. ابن الباجي عبد الله بن محمد بن علي اللّخمي الإشبيلي. 4/ 413. الباجي علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب. 8/ 62.

الباخرزي علي بن الحسن بن أبي الطيب. 5/ 288. ابن البادا أحمد بن علي بن الحسن البغدادي. 5/ 98. البادرائي عبد الله بن محمد بن الحسن أبو محمد. 7/ 464. باديس بن منصور بن بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي المغربي أبو مناد. 5/ 38. الباذرائي المبارك بن محمد بن المعمر أبو المكارم. 6/ 370. ابن البارزي إبراهيم بن المسلم الحموي. 7/ 572. البارزي أحمد بن سراج الدين عمر الحموي الشافعي شهاب الدين. 10/ 412. ابن البارزي عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله الجهني. 7/ 667. ابن البارزي عثمان بن محمد بن عبد الرحيم الجهني الحموي. 8/ 164. البارزي محمد بن عمر بن إبراهيم بن هبة الله الحموي. 9/ 147. البارنباري محمد بن عبد الوهاب بن محمد. 9/ 290. البارزي محمد بن محمد بن عثمان. 9/ 235. ابن البارزي هبة الله بن عبد الرحيم إبراهيم أبو القاسم. 8/ 209. البارع الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي. 6/ 114. الباريني إسماعيل بن أحمد الحلبي. 8/ 602. الباريني عمر بن عيسى بن عمر. 8/ 345. البازلي محمد بن داود الكردي الحموي الشافعي. 10/ 190. البازلي محمد بن شمس الدين محمد بن داود. 10/ 175. ابن باسويه علي بن المبارك بن الحسن الواسطي. 7/ 261. باشا جلبي البكالي، الحنفي الفاضل. 10/ 325. باشا جلبي غياث الدين الرومي الحنفي. 10/ 213. باشا جلبي بن المولى زيرك الرومي الحنفي، المولى. 10/ 113. الباطرقاني أحمد بن الفضل الأصبهاني أبو بكر. 5/ 255. ابن باطيش إسماعيل بن هبة الله بن سعيد الموصلي. 7/ 462. باعلوى أحمد شريف بن علي بن علوي خرد اليمني القاضي. 10/ 452. باعلوى أحمد بن علوي بن محمد بن علي بن جحدب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باعلوى. 10/ 541. باعلوى أبو بكر بن سالم باعلوى. 10/ 625. باعلوى محمد بن عبد الرحمن الأسقع اليمني. 10/ 121. باعلوى محمد بن علي بن علوي خرد باعلوى. 10/ 471. الباعوني إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة

المقدسي. 9/ 458. الباعوني أحمد بن علي بن إبراهيم شهاب الدين. 10/ 179. الباعوني أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله. 9/ 175. بنت الباعوني عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر بنت الباعوني. 10/ 157. ابن بنت الباعوني عبد الوهاب بن أحمد، نقيب الأشراف. 10/ 189. الباعوني محمد بن جمال الدين يوسف بن أحمد الشافعي. 10/ 70. الباعوني موسى بن ناصر بن خليفة. 8/ 575. الباعوني محمد بن أحمد بن ناصر بن خليفة الدمشقي. 9/ 458. الباغبان محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني أبو الخير. 6/ 312. الباغندي أحمد بن محمد بن سليمان. 4/ 137. الباغندي محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي أبو بكر. 3/ 346. الباغندي محمد بن محمد بن سليمان أبو بكر. 4/ 13 و 63. بأفضل عبد الله بن محمد بن أحمد العدني الشافعي. 10/ 351. بأفضل حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي الحضرمي. 10/ 567. بأفضل الخضرمي عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الفقيه. 10/ 125. البافي عبد الله بن محمد البخاري الخوارزمي. 4/ 514. الباقداري محمد بن أبي غالب بن أحمد بن أحمد بن مرزوق الضرير. 6/ 417. الباقرحي الحسن بن محمد بن إسحاق. 6/ 79. الباقرحي مخلد بن جعفر الفارسي الدقاق. 4/ 376. باقشيير عبد الله بن محمد باقشيير اليمني الحضرمي. 10/ 462. الباقلّاني أحمد بن الحسن بن أحمد الكرخي. 5/ 392. ابن الباقلاني عبد الله بن منصور بن عمران الربعي. 6/ 514. الباقلّاني عثمان البغدادي «أبو عمرو» . 5/ 12. الباقلاني علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي. 5/ 206. الباقلّاني محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي الفامي. 5/ 426. ابن الباقلاني محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكي. 5/ 20. باكثير عبد الله بن أمد الحضرمي المكي. 10/ 188. باكثير عبد المعطي بن حسن بن عبد الله المكي الحضرمي الشافعي. 10/ 612. ابن باكويه محمد بن أبي عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي. 5/ 144. باكير الرومي، تقي الدين. 10/ 196. ابن بالان يحيى بن يوسف الخباز «أبو شاكر السقلاطوني» . 6/ 407.

البالسي أحمد بن محمد الحواشي. 9/ 124. البالسي أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام. 7/ 511. باله جامع بن إسماعيل بن غانم بن صائن الدين الأصبهاني. 7/ 275. ابن البالسي علي بن محمد بن علي أبو الحسن. 7/ 537. البالسي محمد بن عقيل بن أبي الحسن البالسي المصري. 8/ 159. البالسي محمد بن علي بن محمد بن عقيل المصري. 9/ 73. ابن البالسي محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد أبو المعالي. 8/ 51. البالسي محمد بن محمود بن محمد. 9/ 375. البالسي مؤمّل بن محمد بن علي. 7/ 627. ابن بالويه عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المزكي النيسابوري. 5/ 58. بالي الإيديني الرومي الحنفي المولى. 10/ 227. بالي الخلوتي المعروف بسكران. 10/ 573. بامخرمة أحمد بن عبد الله بن أحمد اليمني. 10/ 71. بامخرمة عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم الحميري الشيباني. 10/ 30. ابن بامويه عبد الله بن يوسف بن أحمد الأصبهاني. 5/ 53. البانقوسي محمد البانقوسي الحلبي عرف بابن طاش بصتي شمس الدين. 10/ 309. الباني أحمد بن محمد المصري الشافعي. 10/ 255. ابن البانياسي عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين النظام. 7/ 543. البانياسي الفضل بن الحسين الحميري الدمشقي أبو المجد. 6/ 447. البانياسي مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي. 5/ 366. الباهلي إبراهيم بن يوسف البلخي. 3/ 177. الباهلي بشر بن محمد بن محمد القاضي. 4/ 412. الباهلي عبيد الله بن المظفر الأندلسي. 6/ 252. الباهلي العلاء بن موسى أبو الجهم. 3/ 132. الباهلي عمرو بن مرزوق البصري الحافظ. 3/ 110. الباهلي محمد بن محمد بن عبد الله بن النفاخ بن بدر. 4/ 70. الباهلي مسلم بن عمرو الباهلي. 1/ 305. باهو علي بن محمد المناوي المصري. 9/ 520. الباهي محمد بن محمد بن عبد الدائم المصري. 9/ 35. بايزيد بن سليمان العثماني السلطان. 10/ 475.

ابن الببائي محمد بن قاضي ببا «تقي الدين» 8/ 280. الببغاء عبد الواحد بن نصر المخزومي النصيبيني أبو الفرج. 4/ 515. البتروني عبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام بن أحمد البتروني. 10/ 560. البتلهي محمد بن عيسى بن أحمد بن عبيد الله أبو عمرو القزويني. 4/ 224. البتلهيّ يحيى بن حمزة الحضرمي أبو عبد الرحمن. 2/ 378. البجاني الحسين بن عبد الله بن الحسين بن يعقوب. 5/ 106. البجائي عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي. 9/ 179. البجائي عمر البجائي المغربي المالكي. 10/ 132. البجائي محمد بن عبد القوي بن محمد المكي. 9/ 402. البجلي أحمد بن محمد بن عبد الله الرازي. 5/ 212. البجلي أسد بن عمرو الكوفي. 2/ 416. البجلي إسماعيل بن أبي خالد الكوفي. 2/ 207. البجلي إسماعيل بن عمرو البجلي محدث أصبهان. 3/ 122. البجلي الحسن بن الربيع البوراني القسري الكوفي. 3/ 99. البجلي الحسين بن الفضل بن عمير الكوفي. 3/ 335. البجلي عبد الرحمن بن عبد الله بن الراشد الدمشقي. 4/ 249 ق. البجلي عبد الله بن زيدان بن بريد الكوفي. 4/ 65. البجليّ مالك بن مغول الكوفي. 2/ 267. ابن بجنك أحمد بن محمد بن الفضل الأصبهاني. 6/ 222. البحتري الوليد بن عبيد الطائي المنبجي. 3/ 348. بحر بن نصر بن سابق الخولاني المصري. 3/ 287. البحراني محمد بن يوسف بن محمد بن قائد الإربلي. 6/ 467. بحرق محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله الحميري الحضرمي الشافعي. 10/ 244. بحشل أسلم بن سهل الرزاز. 3/ 388. البحيري أحمد البحيري المصري المالكي. 10/ 226. البحيري أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري أبو الحسن. 4/ 400. البحيري عبد الرحمن بن عبد الله البحيري. 6/ 205. البحيري الشيخ علي. 10/ 425. البحيري علي الشافعي نور الدين. 10/ 345. البحيري محمد بن عمر البحيري زين الدين. 10/ 222. البخاري أحمد بن عبد الواحد بن أحمد السعدي المقدسي. 7/ 187. البخاري إسحاق بن بشر أبو حذيفة. 3/ 31.

البخاري حاشد بن إسماعيل بن عيسى. 3/ 268. البخاري الحسن بن يعقوب العدل. 4/ 226. البخاري الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الحليمي. 5/ 19. البخاري حنبل بن علي السجزي. 6/ 209. البخاري خلف بن أحمد بن محمد بن الليث. 4/ 520. بنت البخاري ست العرب بنت محمد بن الفخر. 8/ 357. البخاري صاعد بن محمد البخاري. 6/ 8. البخاري علي بن علي بن هبة الله البغدادي. 6/ 515. البخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة، صاحب الصحيح. 3/ 252. البخاري محمد بن محمد بن صابر، أبو عمرو. 4/ 376. البخاري محمد بن محمد بن محمود الجعفري. 9/ 231. البخاري محمد بن مورمة. 9/ 234. ابن البخاري هبة الله بن محمد بن علي البغدادي أبو البركات. 6/ 98. ابو البختري الطّائي سعيد بن فيروز الفقيه. 1/ 340. أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري. 3/ 301. ابن البختري محمد بن عمرو بن البختري الرّزّاز، أبو جعفر، محدّث بغداد. 4/ 209. أبو البختري وهب بن وهب القرشي. 2/ 477. بختيار أحمد بن بويه الديلمي أبو منصور عز الدولة بن معز الدولة. 4/ 358. بخشي خليفة الأماسي الرومي الحنفي، المولى. 10/ 247. ابن بخيت محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدقاق. 4/ 391. بدر الأرمني المعروف بأمير الجيوش. 5/ 379. البدر عبد الوهاب بن النحاس الحنفي. 6/ 555. البدر علي بن عبد الصمد بن عبد الجليل الرازي. 7/ 354. بدر التركي مولى المعتضد ومقدم جيوشه. 3/ 374. بدر الحبشي. 7/ 770. بدر بن حسنويه الكردي. 5/ 29. بدر الدين السنجاري يوسف بن الحسن الزّراري. 7/ 544. بدر بن عبد الله بن جعفر الكثيري السلطان. 10/ 560. أبو البدر الكرخي إبراهيم بن محمد بن منصور. 6/ 199. بدر بن الهيثم اللخمي الكوفي أبو القاسم. 4/ 83. ابن بدران محمد بن مهلهل الأنصاري سعيد الدين أبو الفضل. 7/ 599.

البدرانيّ أم الهنا بنت محمد بنت ناصر الدّين البدراني. 10/ 73. ابن البدرشي علي بن إبراهيم المالكي القاهري. 9/ 484. البدرشي محمد بن علي بن محمد بن محمد. 9/ 378. بدرة بنت فخر الدين بن تيمية أم البدر. 7/ 446. ابن أبي بدرون عبد الله بن عبد اللطيف عفيف الدين. 10/ 302. البدري عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، أبو مسعود. 1/ 220. بدل بن المحبر اليربوعي. 3/ 74. بدل بن أبي المعمر بن إسماعيل التبريزي أبو الخير. 7/ 314. البدوي أحمد بن علي بن إبراهيم. 7/ 602. بديع الزمان الهمذاني أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد. 4/ 512. بديع بن الضياء. 10/ 350. البراء بن عازب الأنصاري الحارثي. 1/ 302. البراء بن معرور السلمي. 1/ 113. البرابدسي علي بن محمد بن علي بن الزيتوني. 6/ 470. ابن البرّاج أحمد بن يحيى بن أحمد البغدادي. 7/ 204. ابن البرادعي عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي أبو البركات. 7/ 412. البربهاري الحسن بن علي أبو محمد. 4/ 158. البربهاري محمد بن الحسن بن كوثر أبو بحر. 4/ 328. البرتي أحمد بن محمد بن عيسى. 3/ 329. ابن برّجان عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي. 6/ 185. ابن برّجان عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الحكم اللخمي. 7/ 219. البرجلاني محمد بن الحسين أو جعفر. 3/ 174. البرجي غانم بن محمد بن عبيد الله أبو القاسم. 6/ 51. برد بن سنان الدمشقي أبو العلاء. 2/ 155. البرادسي أحمد بن مهلهل بن عبيد الله بن أحمد. 6/ 284. برداعس محمد بن بركة القنسريني. 4/ 140. البرداني أحمد بن محمد بن أحمد البرداني البغدادي أبو علي. 5/ 419. البرداني محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين. 5/ 419. البرداني محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين. 5/ 299. أبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري. 2/ 24. البردعي أحمد بن الحسين، أبو سعيد. 4/ 81. البردعي الحسين بن صفوان البردعي. 4/ 219. البردعي محمد بن أحمد بن علي بن أسد بن مرارة. 4/ 255.

البردعي محمد بن محمد بن محمد الحنفي. 10/ 215. البردعي أحمد بن هارون بن روح أبو بكر. 4/ 6. البرذعي الحسين بن علي بن محمد. 5/ 99. البرذعي علي بن عبد العزيز بن مردك البزاز أبو الحسن. 4/ 466. البرزالي فاطمة بنت علم الدين. 8/ 169. البرزالي القاسم بن محمد بن يوسف. 8/ 214. ابن البرزالي محمد بن محمد بن محمود بن قاسم. 8/ 194. البرزالي محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يداس. 7/ 318. ابن برزان محمود بن أحمد المشتهر بابن برزان. 10/ 588. البرزبيني يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العكبري. 5/ 380. البرساني محمد بن بكر البرساني. 3/ 15. برسباي أحمد بن الأشرف. 9/ 456. برسباي بن عبد الله أبو النصر الدقماقي الظاهر الجاركسي، الملك الأشرف. 9/ 347. البرسقي آق سنقر قسيم الدولة. 6/ 100. البرسوي رستم خليفة الرومي. 10/ 114. البرسوي محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح الحنفي. 10/ 25. البرشسي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق. 9/ 117. البرشكي أحمد بن سليمان بن محمد العدناني. 8/ 457. البرشكي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العدناني. 9/ 336. ابن برق أحمد بن سيف الدين الدمشقي. 8/ 197. البرقاني أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي. 5/ 121. برقوق بن آنص عبد الله الجركسي العثماني، الملك الظاهر. 9/ 16. ابن البرقي أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم الزّهري. 3/ 297. ابن البرقي عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم. 3/ 360- 361. ابن البرقي محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية. 3/ 228. بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الأنماطي الخشوعي، مسند الشام أبو طاهر. 6/ 545. بركات بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأذرعي الدمشقي العاتكي الشافعي ابن سقط، زين الدين، محيي الدين. 10/ 130. بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف، الشهير بابن الكيّال الشافعي، زين الدين. 10/ 227. بركات بن البدر حسن بن عجلان بن رميثة، أمير مكة. 9/ 430. بركات بن حسين الفيجي، المقرئ. 10/ 38. أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد

الغني بن فخر الدين بن تيمية الحراني. 8/ 55. بركات بن محمد، الشريف، سلطان الحجاز. 10/ 238. بركة بن تولي بن جنكز خان المغلي. 7/ 522. [بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان] أم أيمن حاضنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. 1/ 135. بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي- زوج القاضي تقي الدين الأسنائي. 9/ 31. بركة السيد الشريف المعتقد- المعروف بالشريف بركة. 9/ 70. بركة الوقت الحنبلي إبراهيم بن أحمد بن حاتم. 8/ 54. ابن البركي مصطفى الرومي الحنفي. 10/ 133. بركياروق، ركن الدين بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق. 5/ 419. البرلسلي علي الخوّاص البرلسلي. 10/ 327. البرلسي إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي. 3/ 305. البرلسي أحمد البرلسي شهاب الدين. 10/ 454. البرماوي إسماعيل بن علي بن محمد المصري الشافعي. 9/ 302. البرماوي حسن بن علي بن سرور بن سليمان. 8/ 620. البرماوي عثمان بن إبراهيم بن أحمد. 9/ 179. البرماوي محمد بن عبد الدائم بن عيسى فارس. 9/ 286. البرماوي محمد بن محمد بن عبد الدائم. 9/ 256. البرمكي إبراهيم بن عمر البغدادي. 5/ 197. البرمكي نصر بن المظفّر الهمذاني، أبو المحاسن. 6/ 254. ابن البرند محمد بن عرعرة بن البرند الشامي المصري. 3/ 61. ابن البرني إبراهيم بن مظفر بن إبراهيم. 7/ 175. ابن البرهان إبراهيم بن عمر بن مضر المصري الواسطي. 7/ 548. ابن البرهان الظاهري التيمي أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير بن حازم المصري، أبو هاشم. 9/ 110. برهان نظام شاه سلطان الدكن. 10/ 475. البرواناه سليمان بن علي معين الدين. 7/ 614. البروسوي علي بن محمد الحسيني العجلوني البروسوي المعروف بالحديدي. 10/ 282. البروي محمد بن محمد بن تلميذ محمد بن يحيى الطوسي. 6/ 370. برويز بن عبد الله الرومي الحنفي المولى. 10/ 642. ابن برّي أحمد بن محمد بن محمد بن أبي

بكر الخالدي البابي الحلبي. 10/ 180. ابن برّي عبد الله المقدسي ثم المصري أبو محمد. 6/ 449. بريدة بن الحصيب الصحابي الأسلمي. 1/ 281. ابن بريه عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى. 4/ 262. البزّار [1] أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ أبو الفضل. 3/ 359. البزّار الحسن بن الصبّاح الإمام أبو علي. 3/ 227. البزّار خلف بن هشام أبو محمد، شيخ القراء والمحدثين ببغداد. 3/ 135. البزّار علي بن محمد بن عبيد البغدادي. 4/ 172. البزّار محمد بن علي بن طالب بن محمد بن زبيد الخرقي البزار. 6/ 51. البزّار محمد بن محمد بن هارون. 6/ 542. البزّار مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم. 6/ 404. البزّار يوسف بن معالي الأطرابلسي. 6/ 509. البزاز أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد البغدادي. 4/ 433. البزّاز أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي ابن النّقور. 5/ 301. البزّاز أحمد بن محمد بن المغلّس. 4/ 85. البزّاز سعدان بن نصر الثقفي البغدادي. 3/ 281. البزّاز سفيان بن حبيب البصري. 2/ 388. البزاز عبد الصمد بن النعمان. 3/ 86. البزّاز عبد الله بن أحمد بن سعد بن منصور النيسابوري. 4/ 259. البزّاز عبد الله بن أحمد بن أحمد بن محمد أبو المعالي. 6/ 200. البزّاز عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي البغدادي. 5/ 59. البزاز علي بن الحسين بن علي بن أيوب أبو الحسن. 5/ 403. البزّاز علي بن ربيعة التميمي المصري أبو الحسن. 5/ 181. البزّاز محمد بن الصباح البغدادي البزّاز المزني مولاهم الدولابي أبو جعفر. 3/ 127. البزّاز محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري البغدادي البزّار أبو بكر. 6/ 177. البزّاز محمد بن عبد الرحيم البغدادي الحافظ البزاز أبو يحيى الملقب بصاعقة. 3/ 247. البزّاز محمد بن عبد السلام الشريف الأنصاري البزّاز أبو الفضل. 5/ 421. البزّاز محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزّاز الشافعي أبو بكر. 4/ 286. البزّاز محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري. 8/ 30. البزّاز محمد بن محمد بن محمد بن

_ [1] تنبيه: في «التبيان شرح بديعة البيان» مصدر المؤلف (مخطوط) الورقة (100/ آ) : «البزّاز» .

إبراهيم بن مخلد أبو الحسن. 5/ 97. البزّاز مكرم بن أحمد البغدادي أبو بكر. 4/ 242. البزّاز موسى بن هارون بن عبد الله البغدادي. 3/ 399. البزّاز نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر. 5/ 409. البزّاز هارون بن عبد الله الحافظ البغدادي أبو موسى، المعروف بالحمّال. 3/ 199. البزّازة فاطمة [1] بنت محمد بن علي البغدادية. 6/ 349. البزّازة نفيسة [2] بنت محمد بن علي البغدادية. 6/ 349. ابن البزّازي محمد بن محمد الكردي. 9/ 265. البزاني المطهّر بن عبد الواحد الأصبهاني. 5/ 321. ابن البزري المطهّر بن عبد الواحد الأصبهاني. 5/ 321. ابن البزري عمر بن محمد بن أبو القاسم. 6/ 316. البزري عمر بن محمد أبو القاسم. 6/ 316. البزوري عبد الرحمن بن عيسى بن أبي الحسن البابصري. 7/ 24. ابن البزوري محفوظ بن معتوق البغدادي. 7/ 745. البزّي أحمد بن محمد المقرئ، أبو الحسن. 3/ 229. البساسيري أرسلان بن عبد الله التركي. 5/ 221. البساطي محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن محمد بن حسن بن غنام النحوي. 9/ 356. بستان مصلح الدين الشهير ببستان. 10/ 563. ابن البستنبان محمد بن أحمد بن أسد الهروي. 4/ 125. البستي حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي. 4/ 471. البستي علي بن محمد الكاتب أبو الفتح. 4/ 524. بسر بن بكر الدمشقي ثم التنيسي أبو عبد الله. 3/ 28. بسر بن سعيد المدني الزاهد العابد المجاب الدعوة. 1/ 404. ابن البسري علي بن أحمد البغدادي البندار. 5/ 316. البسطامي طيفور بن عيسى أبو يزيد. 3/ 269. البسطامي عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن. 8/ 569. البسطامي عمر بن محمد بن عبد الله أبو شجاع. 6/ 341 و 393. البسطامي محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم، أبو عمر. 5/ 51. البسطامي محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الرزجاهي أبو عمرو. 5/ 126. البسطامي محمد بن عبد الله بن محمد أبو علي، المعروف بإمام بغداد. 6/ 247. البسطامي هبة الله بن سهل السيدي أبو

_ [1] تنبيه: وتعرف أيضا بنفيسة بنت محمد بن علي البغدادية، وقد أشرت إليها في ذلك الموضع. [2] تنبيه: وتعرف أيضا بفاطمة بنت محمد بن علي البغدادية، وقد أشرت إليها في ذلك الموضع.

محمد. 6/ 170. البسطي علي بن عيسى الفهري. 9/ 202. بشار بن برد البصري الأعمى. 2/ 301. ابن بشار علي بن محمد البغدادي أبو الحسن. 4/ 66. بشارة بن عبد الله الأرمني. 7/ 457. البشبغاوي علي بن سودون القاهري. 9/ 455. البشتكي محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي. 9/ 282. البشتي محمد بن علي بن المظفر بن القاسم الدمشقي. 7/ 581. بشر الحافي بشر بن الحارث المروزي. 3/ 122. أبو بشر الكندي أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب. 4/ 121. ابن بشران عبد الملك بن محمد بن عبد الله الأموي. 5/ 151. ابن بشران علي بن محمد بن عبد الله الأموي البغدادي. 5/ 79. ابن بشران محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله الأموي. 5/ 207. بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلي. 8/ 326. بشر بن أحمد الإسفراييني الدهقان أبو سهل. 4/ 377. بشر بن الحارث المروزي الزاهد أبو نصر. 3/ 122. بشر بن الحكم العبدي النيسابوري والد عبد الرحمن. 3/ 173. بشر بن السري البصري الأفوه. 2/ 446. بشر بن عمر الزهراني. 3/ 38. بشر بن محمد بن محمد بن ياسين القاضي الباهلي النيسابوري أبو القاسم. 4/ 412. بشر المصري الحنفي. 10/ 475. بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي البصري أبو إسماعيل. 2/ 389. بشر بن مروان الأموي. 1/ 314. بشر المريسي الفقيه المتكلم. 3/ 90. بشر بن منصور السليمي الأزدي البصري الزاهد. 2/ 357. بشر بن موسى الأسدي ابن صالح بن شيخ بن عميرة البغدادي أبو علي. 3/ 366. بشر بن الوليد الكندي القاضي العلامة أبو الوليد. 3/ 173. بشرى بن عبد الله الرومي أبو الحسن. 5/ 154. بشرويه أحمد بن بشرويه الأصبهاني. 5/ 416. ابن بشكوال خلف بن عبد الملك. 6/ 430. البشيتي عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى. 9/ 214.

البشيري عبد الخالق بن الأنجب بن معمر. 7/ 423. بشير بن يسار المدني. 2/ 11. ابن بصاقة محمد بن نصر الله الدمشقي. 8/ 574. ابن بصاقة نصر الله بن هبة الله. 7/ 435. ابن بصّال علي بن أحمد بن خليل بن ناصر السقطي. 9/ 379. البصّال محمد بن أحمد أبو عبد الله. 8/ 270. البصراوي علي بن صفي الدين بن محمد بن عثمان الحنفي. 8/ 138. البصروي إبراهيم بن أحمد بن عقبة. 7/ 764. البصروي أحمد بن محمد علي البصروي. 10/ 496. البصروي إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي المفسر المؤرخ. 8/ 397. البصروي عبد الرحمن بن جلال الدين محمد الحنفي الشافعي. 10/ 351. البصروي علي بن يوسف بن أحمد الدمشقي العاتكي. 10/ 40. البصروي عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد المغربي. 9/ 311. البصروي محمد بن عثمان بن الصفي. 8/ 111. البصروي محمد بن محمد الدمشقي. 9/ 63. البصري أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن البغدادي المصري. 7/ 348. البصري أزهر بن سعد السمان. 3/ 12. البصريّ بكر بن أحمد بن مقبل. 4/ 5. البصري ثابت بن يزيد بن الأحول. 2/ 313. البصري حبّان بن هلال البصري أبو حبيب. 3/ 75. البصري حبيب بن الشهيد. 2/ 208. البصري حرمي بن عمارة بن أبي حفصة. 3/ 6. البصري الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد. 2/ 48. البصري الحسن بن علي بن عمرو غلام الزهري. 4/ 421. البصري حماد بن سلمة بن دينار. 2/ 296. البصري خالد بن الحارث، أبو عثمان. 2/ 388. البصري الرّبيع بن صبيح البصري، صاحب الحسن البصري. 2/ 269. البصري سعيد بن بشير الدمشقي. 2/ 303. البصري سلّام بن أبي مطيع أبو سعيد. 2/ 334. البصري سليمان بن المغيرة. 2/ 292. البصري طالوت بن عباد أبو عثمان. 3/ 173. البصري عباد بن عباد بن المهلّب. 2/ 360. البصري عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم أبو طالب. 7/ 674.

البصري عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد. 7/ 760. البصري عبد العزيز بن المختار الدبّاغ. 2/ 347. البصري عبد الله بن بكر السّهمي الباهلي أبو وهب. 3/ 42. البصري عبد الملك بن عمرو. 3/ 29. البصري عبد الملك بن هشام. 3/ 91. البصري عبد الواحد بن زيد. 2/ 346. البصري عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي أبو علي. 3/ 46. البصري عمر بن جعفر المحدث أبو حفص. 4/ 302. البصري عوانة بن الحكم الأخباري. 2/ 261. البصري عوف الأعرابي. 2/ 210. البصري كهمس بن الحسن. 2/ 225. البصري محمد بن جعفر البغدادي أبو العلاء. 6/ 438. البصري محمد بن علي بن الطيب، أبو الحسين. 5/ 172. البصري محمد بن علي بن محمد أبو الحسن. 5/ 192. البصري محمد بن المنهال الضرير الحافظ أبو جعفر. 3/ 142. البصري محمد بن المنهال العطار أخو حجاج بن منهال. 3/ 142. البصري معلّى بن أسد. 3/ 91. البصري وهيب بن خالد، أبو بكر. 2/ 293. البصري يحيى بن حمّاد البصري الحافظ. 3/ 73. ابن بطّال علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي أبو الحسن. 5/ 214. البطائحي علي بن عساكر بن المرحب بن العوام. 6/ 401. البطائحي محمد بن المأمون أبو عبد الله. 6/ 97. ابن البطائني محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله. 8/ 311. ابن البطر نصر بن أحمد بن عبد الله البزّاز، أبو الخطاب. 5/ 409. البطرقي محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى الأنصاري. 8/ 566. البطروجي أحمد بن عبد الرحمن الأندلسي أبو جعفر. 6/ 213. البطليوسي عبد الله بن محمد أبو محمد. 6/ 106. ابن بطّة عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري. 4/ 463. ابن بطة نصر بن أبي السعود بن مظفّر بن الخضر اليعقوبي. 7/ 394. ابن البطّي محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان البغدادي أبو الفتح. 6/ 354. البعقوبي علي بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إدريس. 7/ 150. البعلبكي إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل. 8/ 219. البعلبكي أحمد بن سليمان بن مروان الدمشقي. 8/ 54.

البعلبكي أحمد بن الفخر السكاكيني. 8/ 172. البعلبكي أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن. 8/ 431. البعلبكي جعفر بن أبي الغيث. 8/ 197. البعلبكي الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل. 8/ 239. البعلبكي سلطان بن محمود. 7/ 365. البعلبكي عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان. 7/ 760. البعلبكي عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر. 7/ 706. البعلبكي محمد بن إسماعيل بن محمد بن نصر بن بردس بن رسلان. 9/ 282. البعلبكي محمد بن سليمان بن ذكوان البعلبكي المؤدب، أبو طاهر. 4/ 317. البعلبكي محمد بن عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي شمس الدين ابن الفخر. 7/ 788. البعلبكية ستّ الأهل بنت علوان بن سعيد، أم أحمد. 8/ 16. البعلي إبراهيم بن البحلاق. 9/ 367. ابن البعلي أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الحنبلي. 9/ 294. البعلي بشر بن إبراهيم بن محمود الحنبلي. 8/ 326. البعلي أبو بكر بن محمد بن الصدر. 9/ 446. البعلي عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر الدمشقي. 9/ 49. البعلي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف أبو بكر. 8/ 176. البعلي عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان أبو الفرج. 8/ 187. البعلي علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس الحنبلي. 9/ 374. البعلي علي بن أيدغدي الدمشقي الحنبلي. 8/ 581. البعلي علي بن عمر أبو الحسن. 8/ 214. البعلية كلثم بنت محمد بن محمود بن معبد. 8/ 436. البعلي محمد الأويسي الحنفي شمس الدين. 10/ 359. البعلي محمد بن داود بن إلياس الحنبلي. 7/ 635. البعلي محمد بن علي بن محمد الحنبلي. 8/ 439. البعلي محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل أبو عبد الله. 8/ 38. البعلي محمد بن مكتوم البعلي شمس الدّين، الأديب. 7/ 642. البعلي هاشم بن عبد الله البعلي الشافعي نجم الدين. 8/ 170. البعلي يوسف بن سعيد البناء الأزجي. 7/ 12. بغا الصغير الشرابي. 3/ 242. بغا الكبير التركي أبو موسى، مقدّم قواد المتوكل. 3/ 223. البغدادي إبراهيم بن أحمد بن شاقلا البزاز. 4/ 373.

البغدادي إبراهيم بن علي بن الحسين. 7/ 99. البغدادي أحمد بن رجب بن حسين بن محمد. 8/ 396. البغدادي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر. 8/ 466. البغدادي أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي. 5/ 401. البغدادي أحمد بن فرح المقرئ الضرير أبو جعفر، صاحب أبي عمرو الداني. 4/ 19. البغدادي أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة. 4/ 260. البغدادي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني أبو علي الحافظ. 5/ 419. البغدادي أحمد بن نصر، أبو طالب. 4/ 122. البغدادي أحمد بن الوليد الفحّام أبو بكر. 3/ 309. البغدادي إسماعيل بن المبارك بن أحمد بن محمد بن وصيف البغدادي أبو حازم. 6/ 36. البغدادي بكّار بن أحمد، أبو عيسى. 4/ 279. البغدادي جابر بن ياسين الحنّائي أبو الحسن. 5/ 270. البغدادي حسن بن حسين بن أبي هريرة. 4/ 240. البغدادي عبد الغفّار بن محمد المؤدّب، أبو طاهر. 5/ 138. البغدادي عبد الله بن جعفر بن محمد الورد أبو محمد. 4/ 270. البغدادي عبد الله بن علي سبط الخياط أبو محمد. 6/ 210. البغدادي عبد المجيب بن عبد الله بن زهير. 7/ 24. البغدادي عبد الوهاب بن حمزة بن عمر أبو سعد. 6/ 77. البغدادي عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي. 5/ 112. البغدادي عبيد الله بن أحمد بن معروف أبو محمد. 4/ 427. البغدادي علي بن حمزة أبو الحسن. 6/ 556. البغدادي علي بن محمد بن البهاء. 9/ 550. البغدادي علي بن مكي بن جراح بن علي. 6/ 482. البغدادي علي بن النّفيس بن بورنداز أبو الحسن. 7/ 191. البغدادي علي بن هبة الله بن عبد السلام. 6/ 200. البغدادي الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي أبو الفرج. 7/ 203. البغدادي محمد بن أحمد بن إسماعيل بن سمعون. 4/ 467. البغدادي محمد بن أحمد بن أبي موسى. 5/ 138. البغدادي محمد بن بكير الحضرمي. 3/ 100.

البغدادي محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان. 4/ 411. البغدادي محمد بن سابق. 3/ 61. البغدادي محمد بن سعد الدين بن محمد بن محمد البغدادي، شمس الدين. 9/ 155. البغدادي محمد بن عبد الله بن عمر بن أبي القاسم البغدادي الحنبلي رشيد الدين أبو عبد الله. 8/ 29. البغدادي محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة. 4/ 245. البغدادي محمد بن محمد بن عبد المنعم المصري. 9/ 428. البغدادي محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم بن سليمان بن داود. 9/ 428. البغدادي محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن. 7/ 392. البغدادي محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى أبو الحسين. 4/ 420. البغدادي مسعود بن علي بن النّادر البغدادي أبو الفضل. 6/ 472. البغدادي نصر بن القاسم، أبو الليث. 4/ 71. البغدادي هبة الله بن سلامة بن أبي القاسم. 5/ 60. البغدادي الهيثم بن جميل الحافظ. 3/ 61. البغدادي يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي جمال الدين. 8/ 132. البغدادية أمة السلام بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية. 4/ 480. البغدادية جمال النساء بنت أحمد بن أبي سعد الغراف. 7/ 359. البغدادية فاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع أم الفضل. 5/ 348. البغدادية فاطمة بنت عباس أم زينب. 8/ 63. البغدادية فاطمة بنت علي بن المظفر بن زعبل النيسابورية أم الخير. 6/ 164. البغدادية فاطمة بنت محمد بن أبي سعد أم البهاء. 6/ 201. بغدوين، صاحب القدس. 6/ 35 و 49. البغلاني قتيبة بن سعيد الثقفي مولاهم البلخي، أبو رجاء محدث خراسان. 3/ 182. البغوي أحمد بن منيع البغوي الأصم أبو جعفر. 3/ 201. البغوي أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن القرطبي أبو القاسم. 7/ 205. البغوي الحسن بن سوّار. 3/ 75. البغوي الحسين بن مسعود بن محمد بن الفرّاء، أبو محمد، صاحب «شرح السنة» . 6/ 79. البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز أبو القاسم. 4/ 83. البغوي علي بن عبد العزيز أبو الحسن. 3/ 361. البغوي محمد بن علي بن ابي صالح الدّبّاس. 5/ 389. بقاء بن عمر بن حنّد الأزجي الدقاق أبو المعمر، ويسمى أيضا المبارك. 6/ 561.

البقاعي إبراهيم بن عمر بن حسن الرّباط. 9/ 509. البقاعي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي الحنبلي. 10/ 288. البقاعي أحمد البقاعي، الشافعي شهاب الدين. 10/ 337. البقاعي محمد البقاعي الدمشقي كمال الدين. 10/ 451. البقاعي محمد بن محمد البقاعي ثم الدمشقي عماد الدين. 10/ 603. البقاعي محمد بن محمد بن موسى البقاعي الحمادي. 10/ 648. البقّال أحمد بن بندار، أبو ياسر. 5/ 414. ابن البقّال أحمد بن عبد الله بن سهل. 5/ 181. البقّال ثابت بن بندار البقّال. 5/ 420. البقّال علي بن مطر المحجّي الصالحي. 7/ 786. البقّال المعمّر بن علي بن المعمر بن أبي عمامة البغدادي. 6/ 23. البقّال يحيى بن ثابت بن بندار البغدادي أبو القاسم. 6/ 362. ابن البقّال يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي. 7/ 394. البقصي أحمد بن محمد البقصي فتح الدّين. 8/ 5. بقيّ بن مخلد الأندلسي الحافظ الإمام أبو عبد الرحمن. 3/ 318. ابن بقيرة حسن بن أبي بكر بن أحمد القدسي بدر الدّين. 9/ 315. بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي أبو محمد. 2/ 456. البكّائي علي الرّومي الحنفي. 10/ 61. البكائي علي بن عبد الرحمن الكوفي أبو الحسن. 4/ 405. بكار بن أحمد البغدادي أبو عيسى. 4/ 279. بكار بن قتيبة الثقفي البكراوي أبو بكرة. 3/ 297. بكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السيريني. 3/ 109. بكتمر الساقي. 8/ 183. بكتمر السلطان سيف الدين صاحب خلاط. 6/ 487. بكتوت العلائي الأمير الكبير بد الدين المنصوري. 7/ 740. أبو بكر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح المقدسي الأصل ثم الدمشقي. 9/ 246. أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس البعلي. 9/ 440. أبو بكر الأبياري المصري. 10/ 369. بكر بن أحمد بن حفص التنيسي الشعراني. 4/ 175. أبو بكر بن أحمد بن دمسين اليمني أبو العتيق. 8/ 293. أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس المهجمي الأصل ثم المصري زكي الدين. 9/ 329. أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي. 8/ 610.

أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي ابن السراج. 8/ 472. أبو بكر بن أحمد بن محمد بن قاضي شهبة تقي الدّين. 9/ 392. بكر بن أحمد بن مقبل البصري. 4/ 5. أبو بكر بن إسحاق بن خالد الكختاوي، المعروف: بالشيخ باكير النحوي. 9/ 379. أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلوني المصري. 8/ 220. أبو بكر بن إلياس بن محمد بن سعيد الرّسعني. 7/ 747. أبو بكر الأنبابي زين الدين. 9/ 315. أبو بكر البزّار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري. 3/ 387. أبو بكر بن الجدّ محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي. 6/ 470. أبو بكر الخلّال أحمد بن محمد بن هارون البغدادي. 4/ 55. أبو بكر بن أبي خيثمة أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب. 3/ 327. أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن يونس العثماني المراغي ثم المصري. 9/ 177. أبو بكر بن خليل بن عمر بن السلم النابلسي الأصل ثم الصّفدي، المشهور بابن الحوائج كاش، تقي الدين. 9/ 522. أبو بكر بن داود الصالحي الحنبلي الشيخ الكبير. 9/ 90. أبو بكر الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قاضي زرع، تقي الدين. 10/ 130. أبو بكر الرازي محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان. 4/ 406. أبو بكر بن رسلان بن نصير البلقيني. 8/ 390. أبو بكر بن زيد الجراعي تقي الدين. 9/ 505. أبو بكر بن سالم باعلوى. 10/ 625. [أبو بكر بن سليمان بن صالح] الداديخي، شرف الدين. 9/ 65. بكر بن سهل الدمياطي المحدث. 3/ 374. بكر بن سوادة الجذامي المصري. 2/ 122. أبو بكر بن شاذان أحمد بن إبراهيم بن الحسن. 4/ 433. بكر بن شاذان البغدادي أبو القاسم. 5/ 30. أبو بكر الشّريطي، تقي الدين. 10/ 334. أبو بكر بن شهلا الأسمر الشافعي الدمشقي، تقي الدين. 10/ 344. أبو بكر الصديق عبد الله بن [أبي قحافة] عثمان [القرشي التيمي] . 1/ 154. أبو بكر الظاهري المصري، تقي الدين. 10/ 205. أبو بكر بن عبد البر بن محمد الموصلي. 8/ 594. أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموي الأصل ثم المصري، شرف الدين. 9/ 46. أبو بكر بن عبد الكريم الخليصي، الحلبي، الشافعي، تقي الدين، 10/ 461. أبو بكر بن عبد الله با علوي شمس الشموس، القطب الرّباني. 10/ 91.

أبو بكر بن عبد الله بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي. 1/ 374. أبو بكر بن عبد الله الحريري. 8/ 260. أبو بكر بن عبد الله الدهروطي الفقيه الشافعي السليماني. 8/ 409. أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعيدروس. 10/ 57. أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي. 9/ 144. أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن عبد الله المعروف بابن قاضي عجلون الزّرعي الدمشقي الشافعي، تقي الدين أبو الصّدق. 10/ 217. أبو بكر بن عبد الله، المعروف بفغيس اليمنيّ، الشافعي، 10/ 48. أبو بكر بن عبد الله بن قطلوبك. 9/ 144. أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري المدني. 2/ 284. بكر بن عبد الله المزني البصري أبو عبد الله. 2/ 45. أبو بكر بن عبد المنعم البكري الشافعي. 10/ 254. أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني المقدسي. 9/ 69. أبو بكر بن أبي العز النجم ويعرف بابن الحردان. 7/ 732. أبو بكر العلوي الحنفي، المعروف بشيخ زاده، المنلا. 10/ 370. أبو بكر بن علي بن حجة الحموي المعروف بابن حجّة. 9/ 319. أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني العامري ابن قاضي الزّبداني. 9/ 183. أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني المالكي. 8/ 451. أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري. 7/ 527. أبو بكر بن عمر البليما، رضي الدين. 10/ 53. أبو بكر بن عمر بن عرفات القمني. 9/ 293. أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الشافعي رضي الدين القسنطيني. 7/ 757. أبو بكر بن عمر بن محمد الطريني ثم المحلي. 9/ 258. أبو بكر بن عمر بن يونس شمس الدين المعروف بالمزّي. 7/ 645. أبو بكر بن عياش الأسدي الكوفي الخياط. 2/ 430. أبو بكر بن فهد الحنفي المكي تقي الدين. 10/ 377. أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي. 7/ 511. أبو بكر اللّوبياني تقي الدين، الفقيه الشافعي. 9/ 330. أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السعدي ثم الدمشقي. 9/ 69. أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن شيخ الربوة. 9/ 135. أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطرسوسي. 8/ 451.

أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي. 8/ 205. أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح الحلبي الأصل الدمشقي المولد، الصالحي المنشأ، المعروف بابن الحبال. 8/ 466. أبو بكر بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي المقدسي. 9/ 452. أبو بكر بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن الهمامي الخضيري السيوطي. 9/ 415. أبو بكر بن محمد الحمّامي، الصهيوني تقي الدين. 10/ 629. أبو بكر بن محمد الحمصي المنبجي. 9/ 500. أبو بكر بن محمد بن رافع. 8/ 458. أبو بكر بن محمد بن الرضي الصالحي القطان. 8/ 205. أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزي. 8/ 590. أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني. 9/ 495. أبو بكر بن محمد بن صالح الجبلي. 9/ 136. أبو بكر بن محمد بن الصدر البعلي. 9/ 446. أبو بكر بن محمد بن عباس التميمي المعروف بالجوهري، نجم الدين. 7/ 747. أبو بكر بن محمد بن عبد الله اليافعي. 6/ 267. أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حسن العسكري الحصني. 9/ 273. أبو بكر بن محمد العجلوني. 9/ 548. أبو بكر بن محمد العراقي ثم المصري. 8/ 390. بكر بن محمد بن العلاء القشيري البصري المالكي أبو الفضل. 4/ 235. بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري الزرنجري أبو الفضل. 6/ 55. بكر بن محمد بن علي بن محمد بن حيد النيسابوري أبو منصور. 5/ 272. أبو بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام ابن علي بن منصور بن قوام البالسي الأصل الدمشقي المعروف بابن قوام. 8/ 255. أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري. 2/ 90. أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي المعروف بمجد الدين. 8/ 86. أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري. 8/ 536. أبو بكر بن محمد بن قلاوون. 8/ 236. أبو بكر بن محمد بن أبي اللطف المقدسي. 10/ 470. بكر بن محمد المازني النحوي أبو عثمان. 3/ 216. أبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي بكر البلاطنسي، الشافعي، تقي الدين. 10/ 297. بكر بن محمد المروزي الصيرفي الدخمسيني أبو أحمد. 4/ 240.

ابن بكر محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى الأشعري المالقي. 8/ 231. أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقائي المعروف بابن أبي حرمة. 8/ 400. أبو بكر بن محمد بن يوسف القاربي الدمشقي، الشافعي، تقي الدين، أبو بكر. 10/ 370. أبو بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العباسي أبو الفتح المعروف بالمعتضد بالله. 8/ 338. بكر بن مضر المصري. 2/ 337. أبو بكر بن المنذر بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي. 8/ 87. أبو بكر بن أبي موسى الأشعري القاضي. 2/ 16. أبو بكر النجاد أحمد بن سلمان بن الحسن البغدادي. 4/ 251. أبو بكر الهذلي سلمى البصري. 2/ 300. أبو بكر بن هلال بن عباد، عماد الدين. 7/ 637. أبو بكر بن يحيى بن عبد الجليل الفهري ثم الإشبيلي ابن مجبر. 6/ 484. أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي ثم الصالحي. 8/ 482. أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح البدني بن المستأذن. 9/ 177. أبو بكر بن يوسف المزني المعروف بابن الحريري. 8/ 127. ابن بكران محمد بن المظفر الحموي أبو بكر الشامي 5/ 389. البكراوي بكار بن قتيبة الثقفي. 3/ 297. البكراوي عبد القادر بن أحمد القصيري البكراوي. 10/ 488. البكراوي هود بن خليفة الثقفي. 3/ 78. ابن بكروس إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك البغدادي. 7/ 74. ابن بكروس علي بن محمد بن المبارك بن أحمد البغدادي. 6/ 422. البكري أحمد بن عبد الوارث الشافعي. 8/ 397. البكري أبو بكر بن عبد المنعم الشافعي. 10/ 254. البكري أبو بكر المغربي. 5/ 329. البكري الصديقي علي بن جلال الدين محمد الشافعي علاء الدين. 10/ 419. البكري علي بن محمد بن عبد الوارث التيمي. 9/ 92. البكري علي بن يعقوب بن عبد المحسن المصري. 8/ 115. البكري محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن البكري الصديقي. 10/ 632. البكري محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري. 8/ 405. البكري محمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر القرشي البكري الحلبي. 10/ 286. البكري موسى بن زين العابدين بن أحمد بن أبي بكر الرداد البكري. 10/ 176. البكري، المغربي، أبو بكر. 5/ 329. بكلك الخليفتي. 7/ 298. بكير بن عبد الله بن الأشج المدني. 2/ 95.

بكير بن معروف الدامغاني. 2/ 287. ابن اللبل محمد بن محمد بن علي بن نصر. 7/ 89. البلاذري الصغير أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي. 4/ 207. البلاطنسي أبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي بكر الشافعي تقي الدين. 10/ 297. البلاطنسي عبد الحق بن محمد الشافعي زين الدين. 10/ 126. البلاطنسي محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد. 9/ 445. البلاعي داود بن محمد بن إبراهيم بن شداد النجدي الحموي. 9/ 441. بلال بن الحارث المزني. 1/ 270. بلال بن أبي الدرداء. 1/ 365. بلال بن رباح الحبشي. 1/ 171. بلال بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم القادري. 9/ 453. ابن بلال محمد بن محمد العيني. يعرف بابن بلال. 10/ 459. بلال المغيثي الطواشي الحبشي الصالحي أبو الخير. 7/ 779. البلالي محمد بن علي بن جعفر. 9/ 215. ابن بلبان أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي المالكي. 8/ 388. ابن بلبان علي بن بلبان أبو القاسم. 7/ 676. ابن بلبان محمد بن إبراهيم البعلي شمس الدين. 10/ 314. بلبان المنصوري الطباحي، الأمير الكبير سيف الدين. 7/ 797. البلبيسي أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشافعي الخطيب. 9/ 15. البلبيسي عثمان بن عبد الرحمن المخزومي. 9/ 71. البلبيسي محمد بن إبراهيم بن مقبل البلبيسي المقدسي الوفائي. 10/ 313. البلبيسي محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى المصري. 8/ 280. البلبيسي محمد بن محمد بن إبراهيم الإسكندراني. 8/ 453. البلبيسي محمد بن محمد بن عمر الأنصاري. 8/ 557. البلخي إبراهيم بن أحمد المستملي. 4/ 404. البلخي حامد بن محمد بن شعيب. 4/ 48. البلخي الحسن بن شجاع أبو علي. 3/ 202. البلخي حفص بن عبد الرحمن النيسابوري. 2/ 471. البلخي الحكم بن عبد الله. 2/ 471. البلخي زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى. 4/ 170. البلخي سلم بن سالم الزاهد. 2/ 442. البلخي عبد الله بن شوذب البصري. 2/ 254. البلخي عبد الله بن محمد بن علي البلخي. 3/ 401.

البلخي عبد الواحد بن أحمد بن مسرور. 4/ 413. البلخي علي بن الحسن الحنفي أبو الحسن. 6/ 244. البلخي علي بن الفضل بن طاهر بن نصر. 4/ 124. البلخي عمر بن هارون. 2/ 443. البلخي محمد بن سليمان بن حسن المقدسي أبو عبد الله. 7/ 713. البلخي محمد بن عقيل بن الأزهر. 4/ 80. البلخي محمد بن الفضل أبو عبد الله. 4/ 93. البلخي محمد بن محمد بن محمد بن عثمان. 7/ 451. البلعميّ محمد بن عبيد الله الوزير أبو الفضل. 4/ 165. البلقيني أحمد بن محمد بن أبي بكر بن رسلان. 9/ 328. البلقيني أحمد بن محمد بن عمر. 9/ 450. البلقيني أبو بكر بن رسلان بن نصير. 8/ 390. البلقيني رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح. 9/ 47. البلقيني صالح بن عمر. 9/ 454. البلقيني عبد الرحمن بن عمر بن رسلان. 9/ 242. البلقيني عبد العزيز بن مظفر. 9/ 227. البلقيني علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر القاهري. 9/ 506. البلقيني قاسم بن عبد الرحمن بن عمر. 9/ 437. البلقيني محمد بن عمر بن رسلان بن نصير الكناني، أبو اليمن. 8/ 546. البلقيني محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر القاهري. 9/ 524. البلقيني محمد بن محمد بن عمر. 9/ 333. بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي أبو الفتوح. 4/ 393. البلنسي أحمد بن محمد بن عمر القيسي. 7/ 105. البلنسي علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي أبو الحسن. 6/ 353. البلّوطي منذر بن سعيد، أبو الحكم. 4/ 289. البلوي الحسن بن إبراهيم بن أبي خالد. 8/ 222. البلوي محمد بن محمد بن ميمون أبو الحسن. 8/ 513. البلياني الجنيد بن محمد. 9/ 136. ابن بليس بير أحمد بن حمزة. 10/ 419. ابن بليش محمد بن محمد بن محمد العبدري. 8/ 299. ابن بليمان سليمان بن بليمان بن أبي الجيش الإربلي. 7/ 690. ابن البنّا أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي. 6/ 132. ابن البنّا الحسن بن أحمد بن عبد الله الحنبلي البغدادي. 5/ 306. البنّا عبد الحميد بن أحمد بن خولان. 8/ 13.

ابن البنّا علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك العراقي. 7/ 177. ابن البنّا محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله البغدادي. 6/ 46. ابن البنّا يحيى بن الحسن بن أحمد البغدادي. 6/ 161. بنارس، أكبر ملوك الهند. 6/ 492. بنان الحمّال بن محمد بن حمدان بن سعيد أبو الحسن. 4/ 76. البناني ثابت بن أسلم. 2/ 96. البناني محمد بن جابر البنّاني (صاحب الزيج) . 4/ 84. البندار الحسين بن علي بن أحمد بن محمد البغدادي. 5/ 415. ابن البندار عبد الخالق بن هبة الله بن البندار. 6/ 522. بندار العبدي محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان. 3/ 238- 239. البندار محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري أبو بكر. 4/ 311. البندار محمد بن سليمان الدمشقي الرّبعي أبو بكر. 4/ 399. ابن بندار محمود بن الحسين أبو نجيح الطلحي. 6/ 250. ابن بنين عبد الغني بن سليمان المصري. 7/ 531. البندنيجي أحمد بن أحمد بن كرم البغدادي الأزجي. 7/ 111 و 112. البندنيجي تميم بن أحمد بن أحمد الأزجي. 6/ 536. البندنيجي علي بن محمد بن ممدود بن جامع البغدادي. 8/ 199. البندنيجي محمد بن عبد الله بن المبارك البيّع. 7/ 206. ابن البهاء محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلامة الحراني الصالحي. 8/ 615. بهاء الدولة، ابن السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة ابن بويه الديلمي أبو نصر. 5/ 17. بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الأزدي. 7/ 479. بهاء الدين زاده محمد بن بهاء الدين بن لطف الله الصوفي الحنفي. 10/ 421. البهاء الشاعر أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور السلمي البخاري. 7/ 182. بهادر آص المنصوري. 8/ 163. السلطان بهادر بن مظفّر، السلطان. 10/ 357. البهبهائي عمر بن عبد الرحمن بن عمر. 8/ 249. بهرام شاه بن فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي ويعرف بالملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر 7/ 222. بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن الدميري المالكي. 9/ 78. البهراني الحكم بن نافع الحمصي أبو اليمان. 3/ 102. ابن بهروز محمد بن مسعود البغدادي. 7/ 304. بهشتي رمضان المعروف ببهشتي. 10/ 567.

بهلول بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي أبو محمد. 3/ 416. البهنسي عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي الغيث. 9/ 310. البهنسي عبد الوهاب بن الحسن المصري. 7/ 693. البهنسي محمد بن أحمد الدمشقي. 9/ 82. البهنسي محمد بن محمد بن رجب البهنسي. 10/ 60. البهوتي محمد بن أبي العباس أحمد المصري. 10/ 162. البواب أسعد بن بلدرك البغدادي. 6/ 408. ابن البوّاب علي بن هلال. 5/ 71. بوّاب الكاملية أحمد بن أبي بكر بن علي. 9/ 308. البوازيجي عبد الله بن علي بن أحمد بن الزيتوني. 7/ 181. البوتيجي أحمد بن عبد الله الشافعي. 9/ 257. البوراني الحسن بن الربيع البجلي القسري الكوفي. 3/ 99. بوري، أخو السلطان صلاح الدين، مجد الدين. 6/ 436. بوري بن طغتكين السلجوقي تاج الملوك. 6/ 129. ابن البوري هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي أبو القاسم. 6/ 566. البوشنجي إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد. 6/ 184. البوشنجي عبد الرحمن بن محمد الخطيبي. 6/ 246. البوشنجي عبد الرحمن بن محمد بن عفيف. 5/ 332. البوشنجي محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى العبدي، أبو عبد الله. 3/ 380. البوصيري أحمد بن أبي بكر بن قايماز الشافعي. 9/ 340. البوصيري أحمد بن عبد الله بن الحسن الشافعي. 7/ 149. البوصيري حسين بن علي بن سبع المالكي. 9/ 330. البوصيري محمد بن إبراهيم شمس الدين. 9/ 243. البوصيري محمد بن سعيد بن حماد الدلاصي، شرف الدين. 7/ 753. البوصيري هبة الله بن علي بن مسعود الأنصاري الخزرجي المنستيري. 6/ 550. البوصيرية وجيهية بنت علي بن يحيى الأنصارية. 8/ 174. بولص الراهب، المعروف بالحبيس. 7/ 561. ابن بويان أحمد بن عثمان البغدادي. 4/ 234. البويضي عبد الله بن عبد الله بن رسلان البويضي الدمشقي. 10/ 202. البويطي عبد الكريم بن علي. 9/ 520. البويطي يوسف بن يحيى، أبو يعقوب. 3/ 143.

ابن بويه أحمد بن بويه الديلمي (السلطان معز الدولة) . 4/ 290. ابن البياز يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي. 5/ 412. البياسي يوسف بن محمد بن إبراهيم. 7/ 451. البياضي مسعود بن عبد العزيز بن المحسن بن الحسن. 5/ 294. أبو البيان نبأ بن محمد بن محفوظ. 6/ 265. البياني إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني. 10/ 470. البياني قاسم بن أصبغ أبو محمد. 4/ 220. البياني محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم الأموي القرطبي. 4/ 141. بيبرس التركي البندقداري ثم الصالحي السلطان الكبير ركن الدين أبو الفتوح. 7/ 610. بيبرس التركي العديمي. 8/ 59. بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار. 8/ 120. بيبى بنت عبد الصمد بن علي الهرثمية الهروية أم الفضل وأم عزى. 5/ 331. البيت لبدي أحمد الحنبلي شهاب الدين. 9/ 462. البيتليدي عبد الله بن عمر بن محلى بن عبد الحافظ. 8/ 604. البيجوري إبراهيم بن أحمد الشافعي. 9/ 245. ابن البيدق أبو بكر بن محمد العجلوني. 9/ 548. بير أحمد بن حمزة، الشهير بابن بليس الحنفي، الفاضل، المولى. 10/ 419. بير أحمد، المولى، أحد الموالي الرومية. 10/ 325. بير جمال الشيرازي الصوفي. 9/ 495. بير نصع بن جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني. 9/ 459. البيروتي الوليد بن مزيد العذري. 3/ 17. البيري أحمد بن حسين بن حسن بن عمري البيري. 10/ 484. البيري حسين بن حسن بن عمر الحلبي الشافعي الصومي. 10/ 153. البيري محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري. 9/ 269. البيري يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم. 9/ 149. البيساني أحمد بن عبد الرحيم بن علي المصري. 7/ 378. البيساني عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي. 6/ 530. البيضاوي إبراهيم بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله. 9/ 329. البيضاوي عبد الله بن عمر بن محمد بن علي أبو الخير. 7/ 685. البيضاوي عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد. 6/ 188. ابن البيطار عبد الله بن أحمد المالقي العشاب. 7/ 405. ابن البيطار محمد بن عبد الملك بن بونة العبدري المالقي. 6/ 496.

ابن البيطار محمد بن علي بن خالد الشافعي شمس الدين. 9/ 249. البيّع توبة بن علي بن مهاجر التكريتي. 7/ 770. ابن البيع عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي. 5/ 51. البيّع عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي. 7/ 25. البيع محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي. 7/ 206. ابن البيع محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدون الضبي الطهماني النيسابوري الحاكم صاحب «المستدرك» . 5/ 33. البيع محمد بن المبارك بن محمد البغدادي، أبو بكر بن مشق. 7/ 34. ابن البيع محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري الزهري. 7/ 194. ابن البيع يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان الأزجي. 6/ 57. ابن البيكار إبراهيم بن محمد بن علي بن البيكار. 10/ 452. البيكندي أحمد بن علي بن عمر السليماني. 5/ 26. البيكندي عثمان بن علي. 6/ 269. البيكندي محمد بن سلام البيكندي الحافظ. 3/ 117. البيلقاني زكي بن الحسن أبو أحمد. 7/ 614. ابن البيلوني خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي ابن البيلوني الشافعي. 10/ 239. ابن البيلوني محمد بن حسن بن أبي بكر الحلبي. 10/ 135. ابن البيلوني محمد بن شمس الدين محمد بن حسن البابي أبو البركات. 10/ 294. البيلوني محمد بن محمد بن حسن بن البيلوني أبو اليسر. 10/ 482. بيليك الخزندار الظاهري. 7/ 613. البيهقي أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي. 5/ 248. البيهقي عبيد الله بن محمد بن أبي بكر أبو الحسن. 6/ 110. البيهقي الفضل بن محمد بن المسيب الشعراني. 3/ 337.

حرف التاء ابن التاج إبراهيم بن عبد الوهاب بن عبد السلام البغدادي. 9/ 452. تاج الإسلام الحسين بن نصر الموصلي. 6/ 269. تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي. 7/ 75. ابن تاج الأمناء القاسم بن مظفر بن محمد بن ابن عساكر. 8/ 110. التاج بن زين الأمناء الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر. 7/ 524. التاج بن الشيرازي أحمد بن محمد بن هبة الله. 7/ 371. تاج الدين الكندي زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي. 7/ 100. تاج الدين المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي الخراساني. 6/ 461. تاج العارفين الحسن بن عدي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر. 7/ 396. ابن تاج القراء علي بن عبد الرحمن الطوسي أبو الحسن. 6/ 348. تاج بن محمود الأصفهندي العجمي. 9/ 96. التّاذفي محمد بن يحيى بن يوسف الربعي التّادفي. 10/ 492. التّاذفي محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الربعي التادفي. 10/ 449. التاذفي يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن التادفي سبط الأثير بن الشحنة. 10/ 467. التاذفي محمود بن محمد بن أحمد. 7/ 756. التادلي إبراهيم بن محمد بن علي. 9/ 39. التادلي عبد الرحمن بن موسى المغربي المالكي. 10/ 269. تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي البربري الملثم. 6/ 199. أبو تاشفين بن أبي حمو موسى يوسف التلمساني آخر بني عبد الواد. 8/ 586. ابن تامتيت أحمد بن محمد بن الحسن اللّواتي الفاسي، أبو العباس. 7/ 499. ابن التانرايا عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن علي أبو المعالي. 7/ 209. التانئ منصور بن الحسين الأصبهاني. 5/ 220. ابن التّبان عبد الله بن إسحاق القيرواني أبو محمد، شيخ المالكية في المغرب. 4/ 385. ابن التبان عبد الله بن عبد الباقي الواسطي. 6/ 227. التبّاني جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع بن رسلان الثّيري. 8/ 561.

التباني محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف التركماني. 9/ 196. التباني يعقوب بن جلال واسم جلال رسولا، ويسمى أيضا أحمد الرومي الحنفي العجمي. 9/ 265. التبريزي بدل بن أبي المعمر بن إسماعيل. 7/ 314. التبريزي القسطنطيني هداية الله بن بار الحنفي. 10/ 399. التبريزي عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين الأفضلي. 8/ 89. التبريزي عبد الحميد بن عيسى بن عمريه بن يوسف. 7/ 441. التبريزي الكمال التّبريزي العجمي. 10/ 457. التبريزي محبّ الدين، ويقال محب الله. 10/ 463. التبريزي محمد بن عبد الأول أحد موالي الروم الحنفي. 10/ 435. التبريزي محمد بن عبد الوهاب الأبار الخطيب التبريزي. 10/ 561. التبريزي نسيم الدين التبريزي الشيخ. 9/ 211. التبريزي يحيى بن علي بن محمد الشيباني. 6/ 9. التّبسي أحمد بن محمد المغربي التونسي أبو العباس. 10/ 237. التبوذكي موسى بن إسماعيل المنقري البصري. 3/ 106. تبوك بن أحمد بن تبوك السلمي. 4/ 170. تبوك بن الحسن بن الوليد الكلابي أبو بكر. 4/ 412. أخو تبوك عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي. 4/ 507. التتري عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن المقدسي. 8/ 349. تتش بن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق التركي السلجوقي أبو سعيد المعروف ب: السلطان تاج الدولة. 5/ 380. تجني الوهبانية أم عتب. 6/ 414. التجيبي أحمد بن محمد بن مسلم. 3/ 409. التجيبي حرملة بن يحيى المصري. 3/ 198. التجيبي خالد بن أبي عمران التونسي. 2/ 125. التجيبي سليم بن عتر. 1/ 314. التجيبي عبد الرحمن بن مقرب بن عبد الكريم الكندي أسعد الدين. 7/ 382. التجيبي عبد الله بن مالك بن سيف. 4/ 36. التجيبي عيسى بن حماد بن زغبة المصري. 3/ 223. التجيبي محمد بن أحمد بن خلف بن الحاج. 6/ 153. التجيبي محمد بن رمح المصري أبو عبد الله. 3/ 193. التجيبي محمد بن عيسى بن فرج المغامي الطليطلي. 5/ 365. التجيبي محمد بن أبي القاسم أحمد بن محمد القرطبي أبو الوليد. 8/ 91.

التحتاني محمد وقيل محمود بن محمد الرازي. 8/ 355. التدمري إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد. 9/ 295. أبو تراب عبد الباقي بن يوسف المراغي. 5/ 402. تراب بن عمر بن عبيد المصري أبو النعمان. 5/ 128. التّرابي عبد الرزاق التّرابي المصري. 10/ 290. ابن ترجم محمد بن إبراهيم المصري. 7/ 737. ابن الترجمان محمد بن الحسين بن علي الغزي، شيخ الصوفية بديار مصر. 5/ 207. الترقفي عباس الترقفي. 3/ 288. الترك أحمد بن أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني أبو العباس. 6/ 465. تركان [خاتون] بنت مسعود بن قطب الدين مودود بن أتابك زنكي. 7/ 359. التركستاني أحمد بن مسعود بن علي. 7/ 76. ابن التركماني أحمد بن عثمان بن إبراهيم المارديني. 8/ 243. التركماني أيبك الصالحي المعز عز الدين. 7/ 463. التركماني تغري برمش بن يوسف بن عبد الله. 9/ 233. التركماني داود بن يوسف بن عمر. 8/ 100. التركماني سقمان بن أرتق بن أكسب. 5/ 420. التركماني سليمان الموله. 8/ 62. التركماني عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى. 10/ 60. التركماني علي بن طيبغا بن حاجي بك العينتابي. 9/ 332. التركماني ميكائيل بن حسن بن إسرائيل. 8/ 606. التركي آبق الملك المظر محيي الدين صاحب دمشق. 6/ 351. التركي أحمد بن خاص الحنفي. 9/ 121. الترمذي محمد بن أحمد بن جعفر. 3/ 403. الترمذي محمد بن إسماعيل السلمي، أبو إسماعيل. 3/ 330. الترمذي محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي أبو عيسى. 3/ 327. ابن ترمش أحمد بن ترمش الخياط البغدادي. 6/ 544. الترياقي عبد العزيز محمد الهروي أبو نصر. 5/ 354. التريكي محمد بن أحمد بن علي بن الحسن أبو المظفر. 6/ 292. التزمنتي يوسف بن محمد بن أحمد بن المجبر. 9/ 380. التسارسي علي بن زيد بن علي الإسكندراني الخياط أبو الرضا. 7/ 367. ابن التستري أحمد بن عيسى المصري. 3/ 196.

التّستري أحمد بن يحيى بن زهير، أبو جعفر. 4/ 50. التستري سهل بن عبد الله بن يونس. 3/ 342. التستري علي بن أحمد بن علي البصري. 5/ 345. التستري محمد بن أسعد. 8/ 179. التستري نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر. 9/ 147. التستري يزيد بن إبراهيم البصري. 2/ 284. التّسيلي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التّسيلي. 10/ 252. التّسيلي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التّسيلي. 10/ 525. ابن التعاويذي محمد بن عبيد الله أبو الفتح. 6/ 462. التعزي سليمان بن إبراهيم بن عمر الفقيه العلوي. 9/ 247. التّعزي محمد بن محمد بن علي بن إدريس العلوي أبو الطاهر. 9/ 344. تغري بن عبد الله الظاهري نائب الشام. 9/ 164. 9/ 164. ابن تغري بردي يوسف بن تغري بردي الحنفي. 9/ 472. تغري برمش بن عبد الله الحلالي المؤيدي. 9/ 399. تغري برمش بن يوسف بن عبد الله التركماني. 9/ 233. أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي الواسطي. 7/ 763. التغلبي أحمد بن محمد بن سالم بن بهاء الدين الربعي بن صصرى. 8/ 107. التّغلبي الحسن بن أبي الهيجاء بن حمدان. 4/ 304. التّغلبي الحسين بن حمدان. 4/ 33. التّغلبي سالم بن الحسن بن هبة الله «أبو الغنائم- أمين الدين» . 7/ 322. التّغلبي شريف بن سيف الدولة. 4/ 427. التّغلبي عبد الملك بن زيد بن يس الموصلي الدولعي. 6/ 547. التغلبي علي بن محمد بن هارون الدمشقي. 8/ 56. التغلبي عيسى بن سليمان بن رمضان المصري القرافي أبو الروح. 7/ 526. التغلبي محمد بن سالم بن أبي المواهب التغلبي. 7/ 580. التغلبية ست الوزراء بنت أبي الفضل يحيى الدمشقي. 8/ 65. التفتازاني محمد بن عمر الحموي. 9/ 230. التفتازاني مسعود بن عمر بن عبد الله. 8/ 547. التفليسي عمر بن بندار بن عمر أبو الفتح. 7/ 589. التفلسي عمر بن إسماعيل بن محمد النيسابوري أبو بكر. 5/ 354. التفهني عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن الحنفي. 9/ 311. التفهنيّ محمد بن عبد الرحمن بن علي شمس الدين. 9/ 386. ابن تقي أحمد بن محمد بن أحمد الدّميري.

9/ 352. التقي البيع توبة بن علي بن مهاجر التكريتي. 7/ 70. تقي الدين سلامة بن إبراهيم بن سلامة الحداد القباني. 6/ 518. ابن تقي المالكي محمد بن عبد الغني المصري. 10/ 69. ابن التّقي محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد المقدسي الحنبلي. 9/ 215. تقية بنت غيث بن علي الأمنازي. 6/ 436. تقية بنت محمد بن آموسان. 7/ 47. التكريتي عبد الله بن محمد بن علي بن سويد الدمشقي. 8/ 104. التكرتي محمد بن علي بن أبي طالب. 7/ 580. التككي الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي. 6/ 7. الأمير تكين الخاصة. 4/ 106. ابن أبي تكين يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد الملطي. 9/ 64. ابن التلّ محمد بن الحسن الأسدي الكوفي. 2/ 476. التلعفري أحمد بن عبد الرحيم بن حسن الدمشقي القبيباتي. 10/ 81. التّلعفري محمد بن جوهر الصوفي. 7/ 762. التّلّعفري محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة. 7/ 609. التّلمساني محمد بن سليمان بن علي الكاتب شمس الدين. 7/ 708. التلمساني يحيى بن محمد الأصبحي. 9/ 129. التّلمساني أحمد بن يحيى بن أبي بكر. 8/ 415. التلمساني أبو تاشفين بن أبي حمو موسى. 6/ 586. التلمساني سليمان بن علي بن عبد الله بن علي عفيف الدين. 7/ 719. التلمساني محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق العجيسي. 8/ 467. ابن التلميذ هبة الله بن صاعد المصري البغدادي. 6/ 318. ابن تولوا عثمان بن سعيد الفهري. 7/ 685. التلواني علي بن عمر بن حسن بن حسين بن علي بن صالح. 9/ 368. ابن التلولي محمد بن علي بن محمد بن كرم السّلامي. 7/ 80. التّلي عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان الصالحي. 8/ 88. التلي محمد بن أحمد بن تمام بن حسان الصالحي. 8/ 229. التّمار أحمد بن المظفر بن سوسن. 6/ 12. التمار عبد الملك بن عبد العزيز أبو نصر. 3/ 130. التمار محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة. 4/ 245. التمار محمد بن محمد البصري أبو جعفر. 3/ 375. التمار محمد بن يحيى بن أبي سمينة البغدادي. 3/ 178.

التمار يحيى بن المشرف بن علي المصري أبو جعفر. 6/ 127. تمام السّروري بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي أبو طالب. 7/ 505. تمام بن غالب التيّاني القرطبي أبو غالب. 5/ 168. تمّام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرازي ثم الدمشقي. 5/ 73. تمتام محمد بن غالب بن حرب الضبي البصري الحافظ. 3/ 346. تمربغا الرومي الظاهري. 9/ 488. ابن تمريه محمد بن أبي بكر بن محمد. 9/ 324. تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجي الأزجي أبو القاسم. 6/ 536. أبو تميم الجيشاني [عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم من أئمة التابعين] . 1/ 318. تميم بن أبي سعيد الجرجاني أبو القاسم. 6/ 159. تميم بن طرفة الطائي الكوفي. 1/ 376. ابن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي الحموي المجير. 7/ 679. تميم بن المعز بن باديس الحميري أبو يحيى. 6/ 5. التميمي إبراهيم بن إسماعيل الإسكندراني. 7/ 612. التميمي أحمد بن زيد. 8/ 560. التميمي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي المعدّل. 5/ 183. التميمي أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث الأصبهاني. 5/ 150. التميمي أحمد بن محمد بن السري، الكوفي. 4/ 276. التميمي أحمد بن محمد بن الوليد المصري. 4/ 180. التميمي إسحاق بن سويد. 2/ 134. التميمي إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن ممدود الشيرازي. 8/ 308. التميمي الحارث بن محمد بن أبي أسامة البغدادي. 3/ 335. التميمي رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث البغدادي. 5/ 380. التميمي سوّار بن عبد الله بن سوّار العنبري البصري. 3/ 207. التميمي صالح بن أحمد بن حمد الأحنفي. 4/ 442. التميمي عباس بن حسين بن بدر. 8/ 474. التميمي عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي. 4/ 139. التميمي عبد الرحمن بن أحمد البخاري. 5/ 258. التميمي عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد. 7/ 135. التميمي عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التنوري. 3/ 35. التميمي عبد العزيز بن أحمد الدمشقي الكتاني. 5/ 283. التميمي عبد الله بن أحمد بن إسماعيل الإسكندراني. 7/ 683.

التميمي عبد الوهاب بن رزق الله أبو الفضل. 5/ 402. التميمي الفضيل بن عياض المروزي اليربوعي، أبو علي الإمام المشهور. 2/ 399. التميمي محمد بن عبد الرحمن بن سلطان أبو عبد الله. 7/ 754. التميمي محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي أبو الحسين. 5/ 200. التميمي محمد بن علي بن عبد القادر الهمذاني المصري. 8/ 131. التميمي محمد بن القاسم بن معروف الدمشقي أبو علي. 4/ 250. التميمي محمد بن هشام السعدي. 3/ 209. التميمي محمود بن عبد المنعم التميمي الدمشقي. 6/ 550. التميمي منصور بن إسماعيل بن عمر. 4/ 33. التميمي وهب بن مسرة أبو الحزم. 4/ 246. التميمي محمد بن هبة الله بن خلف. 6/ 166. ابن التنبالي يوسف بن محمد المرداوي السعدي. 9/ 503. ابن التنبي محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب، فخر الدين. 7/ 741. تند وبنت حسين بن أويس. 9/ 226. التنكتي [1] نصر بن الحسن الشاشي أبو الفتح. 5/ 370. التنكزي عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا. 9/ 249. التنوخي إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد البعلي ثم الشامي. 8/ 619. التنوخي إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن منجى الحموي. 7/ 498. التنوخي إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله. 7/ 237. التنوخي أحمد بن إسحاق بن بهلول الأنباري. 4/ 85. التنوخي إسحاق بن بهلول الأنباري. 3/ 238. التنوخي أسعد بن عثمان بن المنجى. 7/ 498. التنوخي أسعد بن علي بن محمد المنجى. 9/ 462. التنوخي أسعد بن المنجى بن بركات المعري. 7/ 36. التنوخي إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر الدمشقي. 7/ 590. التنوخي بهلول بن إسحاق بن بهلول بن حسان. 3/ 416. التنوخي سحنون عبد السلام بن سعيد بن حبيب الحمصي ثم المغربي، أبو سعيد. 3/ 182. التنوخي سعيد بن عبد العزيز. 2/ 299. التنوخي شاكر بن عبد الله بن محمد المعري. 6/ 443. التنوخي عبد الرحمن بن سالم التنوخي الواعظ. 6/ 299.

_ [1] في الكتاب: «السكشي» والصواب ما أثبته هنا وقد نبهت على ذلك في موقع الترجمة من الكتاب.

التنوخي عبد المحسن بن حمود الصدر الحلبي. 7/ 382. التنوخي علي بن محمد بن داود القاضي. 4/ 227. التنوخي علي بن المحسن بن علي البغدادي. 5/ 203. التنوخي محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا الحموي الصالحي. 7/ 387. التنوخي المحسن بن علي بن محمد بن داود بن إبراهيم أبو علي. 4/ 446. التنوخي القضاعي جابر بن إبراهيم بن علي الشافعي. 10/ 350. التنوخي محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن. 7/ 21. التنوخي محمد بن محمد بن المنجّى بن عثمان بن أسعد المعري التنوخي الحنبلي، أبو البركات. 8/ 375. التنوخية ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجى. 8/ 73. التنوري عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التميمي. 3/ 35. التنوري عبد الوارث بن سعيد التنوري البصري. 2/ 356. التنسي عبد الله بن أحمد جمال الدين. 9/ 159. التنيسي بسر بن بكر الدمشقي أبو عبد الله محدث تنيس. 3/ 28. التنّيسي بكر بن أحمد بن حفص الشعراني. 4/ 175. التنيسي عبد الله بن يوسف الحافظ. 3/ 90. التنيسي عمرو بن أبي سلمة الفقيه الدمشقي. 3/ 61. التنيسي يحيى بن حسان أبو زكريا. 3/ 44. التهامي أحمد بن عبد الله. 8/ 493. التهامي علي بن محمد أبو الحسن. 5/ 82. التوابيتي أشعث بن سوار الكندي الأفرق. 2/ 158. أبو توبة الربيع بن نافع الحافظ الحلبي. 3/ 189. ابن توبة عبد الجبار بن أحمد بن محمد الأسدي العكبري. 6/ 177. توبة بن علي بن مهاجر التكريتي أبو البقاء، المعروف بالتقي البيع. 7/ 770. التوثي محمد بن أحمد بن محمد بن قيداس التوثي أبو طاهر. 5/ 421. توران شاه بن أيوب بن شاذي، شمس الدولة. 6/ 421. توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب، غياث الدين الملك المعظم. 7/ 417. توران شاه بن صلاح الدين أبو المفاخر. 7/ 505. التوزري عثمان بن محمد بن عثمان أبو عمرو فخر الدين. 8/ 60. التوزري محمد بن سلامة المغربي الكركي. 8/ 624. التوزي أحمد بن علي البغدادي أبو الحسين. 5/ 187. التوقاتي الحنفي المولى. 10/ 197.

التوقاني لطف الله الشهير بمولانا لطفي الرومي. 10/ 34. ابن تولوا عثمان بن سعيد الفهري المصري. 7/ 685. توما الراهب. 8/ 133. ابن تومرت محمد بن عبد الله المصمودي البربري. 6/ 117. التّنسي أبو بكر بن محمد بن قاسم. 8/ 86. التّونسي شعيب بن محمد بن جعفر بن محمد. 8/ 374. التونسي محمد بن أحمد الشاذلي أبو المواهب، الإمام المدقّق. 10/ 16. أبو التياج يزيد بن حميد البصري، صاحب أنس بن مالك. 2/ 124. التياني تمام بن غالب القرطبي أبو غالب. 5/ 168. التيزيني محمد بن محمد بن أبي بكر الدمشقي. 10/ 79. التيملي محمد بن الحسين الكوفي أبو الطيب. 4/ 468، 4/ 469. تيمور لنك. 9/ 96. التيمي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله. 2/ 48. التيمي إبراهيم بن يزيد الكوفي. 1/ 362. التّيمي إسماعيل بن محمد بن الفضل الطلحي الأصبهاني. 6/ 174. التيمي ربيعة بن عبد الله بن الهدير. 1/ 306. التيمي زهرة بن معبد أبو عقيل. 2/ 156. التّيمي سليمان بن طرخان القيسي. 2/ 199. التّيمي سليمان بن عبد الرحمن الشامي. 3/ 153. التّيمي عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله. 1/ 308. التّيمي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق المدني. 2/ 115. التّيمي عبد الله بن محمد بن اللبان الأصبهاني. 5/ 199. التّيمي محمد بن إبراهيم المدني. 2/ 90. التّيمي معمر بن المثنى البصري، أبو عبيدة. 3/ 50. التّيمي النعمان بن عبد السلام أبو المنذر. 2/ 378. التّيمي يحيى بن سعيد بن حيّان، أبو حيان. 2/ 209. ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام أبو العباس تقي الدين، شيخ الإسلام. 8/ 142. ابن تيمية عبد الحليم بن محمد بن الخضر بن محمد بن تيمية أبو محمد. 7/ 19. ابن تيمية عبد الرحمن بن عبد الحليم أبو الفرج. 8/ 262. ابن تيمية عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن علي الحرّاني أبو البركات، صاحب «المنتقي من أحاديث الأحكام» . 7/ 443. ابن تيمية عبد الغني بن محمد الحراني أبو محمد. 7/ 354.

ابن تيمية عبد القاهر بن أبي محمد بن أبي القاسم الحراني. 7/ 583. ابن تيمية عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني. 8/ 136. ابن تيمية علي بن عبد الغني بن الفخر. 8/ 6. ابن تيمية محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر الحراني فخر الدين أبو عبد الله. 7/ 179. ابن تيمية محمد بن عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام الدمشقي. 9/ 327.

حرف الثاء ابن أبي ثابت إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري ابو إسحاق. 4/ 203. ثابت البناني ثابت بن أسلم البناني. 2/ 96. ثابت بن بندار البقّال أبو المعالي. 5/ 420. ثابت بن حزم السرقسطي اللغوي العلّامة. 4/ 65. ثابت بن أسلم البناني. 2/ 96. ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابئ الحراني. 4/ 334. ثابت بن سنان بن قرة أبو الحسن. 3/ 368. ثابت بن قرة بن هارون الحاسب الحكيم الحراني. 3/ 366. ثابت بن محمد بن أبي بكر الخجندي ثم الأصبهاني أبو سعد الصدر علاء الدين. 7/ 321. ثابت بن محمد بن المشيع الجزري المقصاتي أبو بكر. 8/ 59. ثابت بن مشرّف الأزجي أبو سعد. 7/ 150. ثابت بن منصور بن المبارك الكيلي أبو العز. 6/ 152. ثابت بن يزيد الأحول البصري. 2/ 313. ابن ثرثال أحمد بن عبد العزيز بن أحمد. 5/ 50. الثعالبي عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري. 5/ 151. ثعلب أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني العبسي، أبو العبّاس، علّامة الأدب. 3/ 383. أبو ثعلبة الخشني. 1/ 313. الثعلبي حمزة بن علي بن هبة الله الدمشقي البزاز. 6/ 291. الثعلبي زياد بن علاقة الكوفي. 2/ 107. الثعلبي فرج بن قاسم بن أحمد بن لبّ الغرناطي. 8/ 483. الثقفي أحمد بن إبراهيم بن الزبير. 8/ 31. الثقفي أحمد بن محمود الأصبهاني. 5/ 234. الثقفي أسعد بن أحمد بن أبي غانم الأصبهاني. 6/ 545. الثقفي أسيد بن عاصم الأصبهاني. 3/ 297. الثقفي بكّار بن قتيبة البكراوي. 3/ 297. الثقفي جعفر بن عبد الواحد بن أحمد. 6/ 345. الثقفي جعفر بن عبد الواحد الأصبهاني. 6/ 110. الثقفي زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد. 7/ 48. الثقفي زائدة بن قدامة. 1/ 315.

الثقفي زائدة بن قدامة الكوفي أبو الصلت. 2/ 276. الثقفي عبد الرحمن بن أحمد بن عباد الهمذاني. 4/ 62. الثقفي عبد الواحد بن أحمد بن محمد. 6/ 291. الثقفي عبد الوهاب بن عبد المجيد. 2/ 441. الثقفي عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان البغدادي. 4/ 48. الثقفي القاسم بن الفضل بن أحمد أبو عبد الله. 5/ 392. الثقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري أبو علي. 4/ 150. الثقفي محمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني العابد أبو جعفر. 3/ 274. ثقة الملك الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة. 6/ 291. ابن الثلاج عبد الله بن محمد بن الثلاج البغدادي أبو القاسم [1] . 4/ 463. الثلجي محمد بن شجاع بن الثلجي. 3/ 284. الثمانيني عمر بن ثابت أبو القاسم. 5/ 189. أبو الثناء حماد بن هبة الله بن حماد بن الفضل الفضيلي الحرّاني. 6/ 545. ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. 1/ 253. أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي. 3/ 180. ابن أبي ثور الوليد بن عبد الله الهمداني الكوفي. 2/ 332. ثور بن يزيد الكلاعي الحافظ أبو خالد محدث حمص. 2/ 243. الثوري سفيان بن سعيد الفقيه أبو عبد الله. 2/ 274. الثوري سعيد بن مسروق، والد سفيان. 2/ 115. الثوري عمار بن محمد الكوفي. 2/ 365. الثوري مبارك بن سعيد الكوفي أخو سفيان الثوري. 2/ 358. الثوري محمد بن الصلت الثوري ثم البصري الحافظ أبو يعلى. 3/ 132. الثوم أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي. 9/ 77.

_ [1] تنبيه: سقطت لفظة «أبو» من كنيته في أصول الكتاب واستدركتها من «تاريخ الإسلام» للذهبي (حوادث ووفيات السنوات 381- 400 هـ) بتحقيق الدكتور عمر عبد السلام التدمري.

حرف الجيم ابن جابار مكّي بن عبد الله الدينوري أبو بكر. 5/ 295. جابر بن إبراهيم بن علي التنوخي القضاعي الشافعي. 10/ 350. جابر بن زيد، أبو الشعثاء. 1/ 365. جابر بن سمرة السوائي الصحابي. 1/ 291. جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي. 1/ 319. جابر بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي الكاتي أبو عبد الله. 8/ 226. جابر بن محمد بن يونس الحموي ثم الدمشقي بن اللحية أبو الفرج. 6/ 561. جابر بن ياسين البغدادي الحنائي أبو الحسن. 5/ 270. جابر بن يزيد الجعفي. 2/ 122. الجابري عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي. 4/ 321. ابن جابي الأحباس عمر بن محمد بن يحيى العتبي الشاهد. 8/ 116. ابن الجابي أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن الياسوفي أبو العباس. 8/ 509. جابي بن عبادة إبراهيم بن عثمان بن محمد الصالحي الحنبلي. 10/ 129. الجاجرمي إسماعيل بن علي النيسابوري. 5/ 415. الجاجرمي محمد بن إبراهيم أبو حامد. 7/ 103. الجاحظ عمرو بن بحر البصري المعتزلي أبو عثمان. 3/ 231. الجار محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود جلال الدين الملقب ب جار الله، قاضي الحنفية. 8/ 477. جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشيباني المكي. 9/ 164. جار الله بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي، جار الله. 10/ 432. جار الله محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود، جلال الدين، قاضي الحنفية. 8/ 477. ابن أخي جار الله محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري. 8/ 547. الجاربردي أحمد بن الحسن بن يوسف. 8/ 256. الجارحي علي الجارحي المصري نور الدين. 10/ 252. الجارحي محمد بن دغيم الجارحي القاهري الصوفي. 10/ 231. ابن جارة مخلوف بن علي المغربي. 6/ 454. ابن الجارود علي أبو الحسن. 7/ 184.

الجارودي محمد بن أحمد بن عمّار الهروي أبو الفضل. 4/ 82. الجارودي محمد بن أحمد بن محمد الهروي أبو الفضل. 5/ 71. الجارودي محمد بن أحمد بن النضر بن سلمة الأزدي. 3/ 385. جاعان الأمير الكبير سيف الدين. 7/ 779. جاكير محمد بن رستم الكردي الحنبلي. 6/ 499. جالينوس. 1/ 162. ابن جامع أحمد بن إبراهيم السكري. 4/ 269. جامع بن إسماعيل بن غانم بن صائن الدين الأصبهاني. 7/ 275. ابن جامع محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن البناء. 7/ 97. الجامع نوح بن أبي مريم أبو عصمة. 2/ 335. الجامي عبد الرحمن بن أحمد. 9/ 543. جان بردي بن عبد الله الجركسي الغزالي. 10/ 207. جان بلاط بن عبد الله أبو النصر، سلطان مصر، الملك الأشرف. 10/ 41. جان التبريزي، الشافعي، المعروف بميرجان الكبابي. 10/ 301. الجاولي سنجر بن عبد الله الشافعي. 8/ 247. ابن الجباب أحمد بن محمد بن عبد العزيز السعدي المصري. 7/ 416. الجبابيني أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى الأبرودي. 6/ 408. ابن جبار محمد بن حامد الحنبلي. 4/ 285. ابن جبارة علي بن داود بن يحيى بن كامل الزبيري القرشي الأسدي أبو الحسن. 8/ 248. جبارة بن المغلس الحماني الكوفي. 3/ 189. الجبائي أحمد بن حسين بن حسن بن محمد المعروف بابن سعد الدين، القبيباتي، الجبائي. 10/ 484. الجبائي دعوان بن علي بن حماد بن صدقة. 6/ 214. الجبائي عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب البصري. 4/ 106. الجبائي عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج، أبو محمد. 7/ 29. الجبائي محمد بن عبد الوهاب البصري أبو علي. 4/ 18. الجبرتي عبد الرحمن بن عبد الله. 8/ 390. الجبرتي عبد الله بن عبد الله. 8/ 460. الجبرتي محمد النور بن عمر جمال الدين. 10/ 32. الجبري [1] أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم. 4/ 82.

_ [1] كذا في الكتاب «الجبري» والصواب «الحيري» كما أوضحت ذلك في تعليقي على موقع الترجمة من الكتاب.

جبريل بن أحمد بن إسماعيل الكردي، الحلبي، الشافعي أمين الدين. 10/ 238. جبريل بن إسماعيل بن جبريل الشافعي أبو الروح. 7/ 765. جبريل بن صارم بن علي بن سلامة الصعبي أبو الآثار وأبو الأمانة. 7/ 6. ابن أبي الجبل محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، المعروف بابن أبي الجود. 10/ 583. جبلة بن سحيم الكوفي. 2/ 112. الجبلي أبو بكر بن محمد بن صالح. 9/ 136. الجبلي يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي. 9/ 161. ابن جبير محمد بن أحمد الكناني البلنسي. 7/ 110. جبير بن مطعم النوفلي. 1/ 253. جبير بن مطعم. 1/ 266. جبير بن نضير الحضرمي. 1/ 328. الجحدري الصلت بن مسعود. 3/ 177. الجحدري الصّلت بن مسعود. 3/ 177. الجحدري كامل بن طلحة البصري. 3/ 141. الجحدري الفضيل بن الحسين. 3/ 171. جحظة البرمكي أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك الأديب الأخباري أبو الحسن. 4/ 127. أبو جحيفة السوائي وهب [بن عبد الله] السوائي. 1/ 311. الجدري عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن رفيعا. 7/ 634. الجدلي علي بن مجاهد علاء الدين. 8/ 572. الجدلي قيس مسلم الكوفي. 2/ 90. الجدلي معبد بن خالد الكوفي. 2/ 86. الجذامي بكر بن سوادة المصري. 2/ 122. الجذامي حكم بن محمد بن حكم أبو العاص القرطبي. 5/ 201. الجذامي روح بن زنباع. 1/ 347. الجذامي ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف الحداد. 6/ 149. الجذامي عبد الظاهر بن نشوان المصري. 7/ 424. الجذامي علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهوب الأندلسي. 6/ 164. الجذامي محمد بن حسن بن سباع المصري الدمشقي. 8/ 98. الجذامي محمد بن عتاب المالكي أبو عبد الله. 5/ 261. الجذامي يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف. 8/ 25. ابن الجراب إسماعيل بن يعقوب البغدادي. 4/ 240. الجرجرائي محمد بن إدريس بن الحسن بن ذئب. 5/ 79. الجرّاح الحكمي. 2/ 63. جراح زاده مصطفى بن علاء الدين المشتهر بجراح زاده. 10/ 589. ابن الجراح علي بن عبد الرحمن بن هارون البغدادي. 5/ 416.

ابن الجرّاح يحيى بن منصور بن الجراح بن الحسين بن محمد. 7/ 127. الجرّاحي علي بن الحسن البغدادي. 4/ 405. ابن أبي جرادة عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز. 9/ 137. جرادة منصور بن المبارك «أبو المظفر» . 6/ 491. ابن أبي جرادة يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد الحلبي الحنفي. 10/ 438. الجراعي أبو بكر بن زيد. 9/ 505. الجرائدي يعقوب بن بدران بن منصور المصري. 7/ 711. الجرباوي عبد العزيز بن محمد البغدادي. 10/ 27. الجرجاني أحمد بن موسى بن عيسى بن أحمد بن عبد الرحمن. 4/ 370. الجرجاني إسحاق بن إبراهيم بن محمد البحري. 4/ 142، 4/ 201. الجرجاني إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل الإسماعيلي. 5/ 331. الجرجاني تميم بن أبي سعيد أبو القاسم. 6/ 159. الجرجاني تميم بن أبي سعيد أبو القاسم. 6/ 159. الجرجاني عبد الرحيم بن أبي القاسم. 6/ 547. الجرجاني عبد الرحيم بن أبي القاسم. 6/ 547. الجرجاني عبد القاهر بن عبد الرحمن أبو بكر. 5/ 308. الجرجاني عبد الملك بن محمد بن عدي «أبو نعيم» . 4/ 123. الجرجاني علي بن عبد العزيز بن الحسن أبو الحسن. 4/ 353. الجرجاني علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زكريا الزّنجي. 5/ 298. الجرجاني محمد بن سنجر الجرجاني الحافظ أبو عبد الله. 3/ 259. الجرجاني محمد بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي. 5/ 51. الجرجاني محمد بن محمد بن يوسف بن مكي أبو أحمد. 4/ 396. الجرجاني المفضل بن إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني أبو معمر. 5/ 156. الجرجسي يزيد بن عبد ربّه الزّبيدي. 3/ 113. ابن الجرح محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التلمساني. 7/ 489. جرديك بن عبد الله النوري. 6/ 518. الجرشيّ هشام بن الغاز الدمشقي. 2/ 246. الجركسي يوسف بن يحيى الحنفي جمال الدين. 10/ 400. الجرماني محمد بن إبراهيم الدمشقي. 8/ 490. الجرمي قاسم بن يزيد الموصلي. 2/ 442. الجرمي محمد بن الحسين بن محمد المكي أبو سعد. 5/ 400. الجرمي صالح بن إسحاق النحوي. 3/ 115.

الجرهي نعمة الله بن محمد بن عبد الرحيم البكري. 9/ 345. ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز الرومي. 2/ 226. الجريدي محمد بن محمد القيرواني. 9/ 36. جرير بن حازم الأزدي البصري. 2/ 316. جرير بن عبد الحميد الضبي أبو عبد الله. 2/ 404. جرير بن عبد الله البجلي. 1/ 250. جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى التميمي البصري أشعر أهل عصره. 2/ 55. الجريري سعيد بن إياس البصري. 2/ 205. الجزار يحيى بن عبد العظيم المصري. 7/ 636. ابن الجزار يونس بن حسين بن علي بن محمد بن زكريا الزبيري الألواحي. 9/ 358. جزرة صالح بن محمد بن عمرو الأسدي البغدادي. 3/ 396. ابن الجزري أحمد بن محمد بن عيسى الأنصاري. 7/ 622. الجزري أحمد بن يحيى بن محمد بن بدر. 8/ 151. الجزري ثابت بن محمد بن المشيّع المقصاتي. 8/ 59. الجزري خصيف بن عبد الرحمن الحراني. 2/ 183. الجزري زيد بن أبي أنيسة الرهاوي. 2/ 107. الجزري عبد العزيز بن أحمد أبو الحسن. 4/ 489. ابن الجزري علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر. 9/ 151. الجزري علي بن أحمد بن بدر أبو الحسن. 7/ 640. الجزري عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح (ابن عوّه) . 7/ 485. الجزري عمرو بن ميمون بن مهران. 2/ 208. ابن الجزري محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز. 8/ 218. الجزري محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر أبو المعالي. 8/ 446. الجزري محمد بن محمد بن محمد. 9/ 298. الجزري محمد بن محمد بن محمد ... الدمشقي. 9/ 160. الجزري محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود. 8/ 76. الجزري مروان بن شجاع. 2/ 382. الجزري معقل بن عبيد الله. 2/ 294. الجزري موسى بن أعين الحراني. 2/ 347. الجزري موهوب بن عمر. 7/ 557. الجزري نصر الله بن محمد بن محمد الشيباني. 7/ 328. الجزري هلال بن محفوظ أبو النجم. 7/ 81.

الجزري وهبان بن علي بن محفوظ. 7/ 792. الجزولي عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البريري المراكشي. 7/ 49. ابن جزي أحمد بن أبي القاسم بن محمد الكلبي. 8/ 494. الجزيري محمد بن أحمد بن رمضان بن عبد الله الدمشقي. 8/ 319. الجزيري محمد بن عثمان. 9/ 521. الجسور أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي. 5/ 8. ابن الجصّاص أحمد بن يوسف القسطنطيني الحنفي المعروف بابن الجصّاص، شمس الدين. 10/ 300. ابن الجصّاص الحسين الجوهري. 4/ 12. ابن الجصاص علي بن الأنجب بن ما شاء الله. العلوي الحسيني البغدادي. 7/ 374. الجصّاص يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدعاء «أبو يوسف» . 4/ 178. الجعابي محمد بن عمر بن أحمد بن سلم التميمي. 4/ 288. الجعبري إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الربعي. 8/ 171. الجعبري إبراهيم بن معضاد. 7/ 698. الجعبري خليل بن عبد القادر بن عمر الخليلي الشافعي أبو سعيد. 10/ 42. الجعبري عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري. 10/ 270. الجعبري عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد إبراهيم. 10/ 326. جعفر بن آموسان الأصبهاني أبو محمد. 7/ 48. جعفر بن أحمد بن حسين البغدادي أبو محمد الحنبلي السراج المعروف ب: القارئ. 5/ 425. جعفر بن أحمد بن نصر النيسابوري أبو محمد المعروف بالحصيري. 4/ 20. جعفر بن برقان الجزري فقيه الجزيرة وعالمها. 2/ 247. جعفر بن برقان الرقي الكلابي أبو عبد الله. 2/ 253. أبو جعفر بن البلدي. 6/ 359. جعفر بن ثعلب [1] بن جعفر بن الإمام الأدفوي. 8/ 263. جعفر بن الحسن الدرزيجاني. 6/ 26. جعفر بن حيان العطاردي أبو الأشهب. 2/ 293. جعفر بن ربيعة الكندي المصري. 2/ 158. جعفر بن زيد بن جامع الحموي الشامي أبو زيد. 6/ 285. جعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان. 2/ 348. جعفر بن شمس الخلافة بن مختار الأفضلي المصري مجد الملك أبو الفضل. 7/ 176.

_ [1] تنبيه: وقع في بعض المصادر «جعفر بن تغلب» وانظر تعليقي على موضع الترجمة وعلى «الذيل التام على دول الإسلام» (1/ 94- 95) .

جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي. 2/ 216. جعفر بن صارم الدين أبي إسحاق إبراهيم السنهوري المصري الشافعي نور الدين. 10/ 171. جعفر بن أبي طالب الطيار. 1/ 126. جعفر بن عبد الرحيم اليمني. 4/ 523. جعفر بن عبد الله بن أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني أبو منصور. 6/ 376. جعفر بن عبد الله بن فناكي الرازي الراوي أبو القاسم. 4/ 434. جعفر بن عبد الواحد بن أحمد الثقفي أبو البركات. 6/ 345. جعفر بن عبد الواحد الثقفي الأصبهاني أبو الفضل. 6/ 110. جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي العمري الكوفي أبو عون. 3/ 35. جعفر بن علي بن هبة الله الهمداني الإسكندراني المالكي أبو الفضل. 7/ 314. جعفر بن أبي الغيث البعلبكي. 8/ 197. جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات بن حنزابه البغدادي أبو الفضل. 4/ 485. جعفر بن فلاح. 4/ 308. جعفر بن القاسم بن جعفر بن حبيش الربعي أبو الفضل المعروف بابن دبوقا. 7/ 730. جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض التركي الفريابي أبو بكر. 4/ 6. جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدب. 4/ 279. جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ. 3/ 327. جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسيني المصري القباني أبو الفضل المعروف بالضياء. 7/ 759. جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطياليسي البغدادي الحافظ أبو الفضل. 3/ 335. جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني. 8/ 62. جعفر بن محمد القرشي البصري أبو طاهر العباداني. 5/ 404. جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح النسفي المستغفري أبو العباس. 5/ 157. جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخواص الخلدي أبو محمد. 4/ 253. جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي المتوكل على الله أبو الفضل. 3/ 218. أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري. 4/ 203. جعفر بن أبي وحشية أبو بشر. 2/ 106. جعفر بن يحيى الحكاك أبو الفضل. 5/ 362. الجعفري إبراهيم بن أحمد الدمشقي. 8/ 396. الجعفري أحمد بن عمر بن سليمان الجعفري الدمشقي الوفائي. 10/ 138. الجعفري أحمد بن محمد بن عبد القادر المعروف بابن قاضي نابلس. 10/ 337. الجعفري عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النابلسي. 8/ 562.

الجعفري عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النابلسي. 9/ 508. الجعفري عبد الوهاب بن أحمد بن محمد النابلسي. 9/ 356. الجعفري عمر بن عثمان بن موسى الدمشقي. 8/ 392. الجعفري محمد بن عبد القادر النابلسي. 9/ 499. الجعفري محمد بن محمد بن محمود البخاري. 9/ 231. جعفر بن يونس الشبلي دلف بن جحدر الشبلي أبو بكر، الزاهد المشهور. 4/ 189. الجعفي جابر بن يزيد. 2/ 122. الجعفي الحارث بن قيس. 1/ 241. الجعفي حسين بن علي الكوفي. 3/ 13. الجعفي زهير بن معاوية الكوفي أبو خيثمة. 2/ 334. الجعفي عبد الله بن محمد البخاري المسندي. 3/ 135. الجعفي محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي. 5/ 14. الجعفي يحيى بن سليمان الكوفي. 3/ 175. الجعل حسين بن علي البصري. 4/ 373. جعمان أحمد بن جمال الدين محمد الطاهر الشافعي. 10/ 50. ابن جعمان محمد بن إبراهيم بن عبد الله الصوفي. 9/ 426. أبو جعوان أحمد بن محمد بن عباس الدمشقي. 7/ 776. ابن جعوان أحمد بن محمد بن عباس. 7/ 776. ابن جعوان محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر الأنصاري. 7/ 664. الجعيدي محمد الجعيدي الدمشقي. 10/ 507. جقر بن يعقوب الهمذاني أبو سعيد. 6/ 199. جقمق. 9/ 239. جقمق بن عبد الله العلائي الظاهري، الملك الظاهر. 9/ 425. جكن، صاحب خزانة الفتاوى. 10/ 139. ابن الجلاء أحمد بن يحيى. 4/ 31. الجلاب عبد الرحمن بن حمدان الهمذاني. 4/ 227. الجلّابي محمد بن علي بن محمد بن محمد الواسطي المغازلي. 6/ 215. ابن الجلاجلي محمد بن علي بن المبارك كمال الدين أبو الفتوح. 7/ 97. جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان الثيري وقيل: اسمه رسول. 8/ 561. جلال الدين الرومي الحنفي الفاضل. 10/ 299. ابن جلال الدين يعقوب باشا بن خضر بك. 9/ 527. الجلال عبد المنعم بن أحمد الأنصاري المصري. 7/ 753. ابن الجلال عبد بن محمد نائب الحكم الزيتوني. 9/ 372.

الجلالي تغري برمش بن عبد الله المؤيدي. 9/ 399. ابن جلبة الحنبلي [عبد الوهاب بن أحمد بن جلبة الحرّاني الخزاز] الحنبلي القاضي. 5/ 323. جلبي بن إبراهيم بن أحمد الحنفي غرس الدين. 10/ 532. جلبي الفراصوي، حسام الدين، المولى. 10/ 455. جلبي شاه علي جلبي بن قاسم بك. 10/ 519. الجلجولي عمران بن إدريس بن معمر الشافعي. 9/ 54. جلدك التقوي الأمير. 7/ 223. أبو جلنك أحمد الحلبي الشاعر. 7/ 795. الجلودي محمد بن عيسى بن عمرويه النيسابوري. 4/ 370. ابن الجليس محمد بن محمد المصري. 9/ 536. جماز بن شيحة العلوي الحسيني. 8/ 20. ابن جماعة إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد الكناني الحموي المقدسي. 8/ 533. ابن جماعة عبد الرحمن بن جماعة المقدسي الشافعي. 10/ 180. ابن جماعة عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم الشافعي. 8/ 212. ابن جماعة عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني. 8/ 358. ابن جماعة عبد القادر بن عبد العزيز المقدسي الشافعي. 10/ 251. ابن جماعة عبد القادر بن محمد بن منصور الصفدي ابن المصري. 10/ 27. ابن جماعة عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الكناني. 9/ 450. ابن جماعة علي بن محمود بن أبي بكر بن إسحاق الكناني الحموي بن القباني. 9/ 33. ابن جماعة الكناني محمد بن برهان الدين إبراهيم بن جمال الدين المقدسي أبو البقاء. 10/ 15. ابن جماعة محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن حازم الكناني الحموي. 8/ 184. ابن جماعة محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم الشافعي. 9/ 204. ابن جماعة موسى بن عبد الله بن عبد الله الشافعي المقدسي. 10/ 110. الجماعيلي محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي. 7/ 510. الجمال البغدادي عبد الرحمن بن سليمان بن سعد بن سليمان. 7/ 578. الجمال أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي. 7/ 278. الجمال الجزائري عبد الله بن يحيى الغساني. 7/ 657. الجمال الحسين بن إبراهيم الأصبهاني. 5/ 106.

جمال خان، الوزير. 10/ 648. جمال بن خليفة القرماني، الحنفي، جمال الدين. 10/ 26. جمال الدين أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء. 7/ 83. جمال الدين الحاجب، المطروحي. 7/ 779. جمال الدين الدارقوي، إمام الضيائية بدمشق. 8/ 327. جمال الدين بن عطية بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية اللخمي. 8/ 64. جمال الدين بن يغمور الباروقي موسى. 7/ 544. الجمال مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني. 6/ 524. جمال النساء بنت أحمد بن أبي سعد الغراف البغدادية. 7/ 359. الجمالي علي بن أحمد الرومي الحنفي. 10/ 257. الجمالي قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله المصري. 9/ 487. الجمالي محمد بن علاء الدين الجمّالي الحنفي. 10/ 448. جماهر بن محمد بن أحمد أبو الأزهر الأزدي الزملكاني. 4/ 65. جمح بن القاسم أبو العباس. 4/ 335. الجمحي حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان. 2/ 236. الجمحي الربيع بن مسلم البصري. 2/ 299. الجمحي سعيد بن عبد الرحمن المدني. 2/ 343. الجمحي عبد الرحمن بن سابط المكي. 2/ 85. الجمحي عبد الغني العجلوني الأربدي. 10/ 358. الجمحي عبد الله بن محيريز المكي. 1/ 398. الجمحي عبد الله بن معاوية البصري. 3/ 199. الجمحي نافع بن عمر القرشي. 2/ 311. الجمدار عز الدين أزدمر. 7/ 637. ابن أبي جمرة محمد بن أحمد بن عبد الملك الأموي. 6/ 556. ابن جمعة موسى بن محمد بن محمد الأنصاري. 9/ 63. ابن الجمل علي بن مختار بن نصر بن طغان العامري. 7/ 332. جمل يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ. 2/ 442. ابن جملة محمود بن محمد بن إبراهيم. 8/ 347. ابن الجميزي علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم اللخمي المصري. 7/ 425. ابن جميع عبد الوهاب بن زاكي الحراني. 7/ 225. ابن جميع محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغساني الصيداوي. 5/ 13. جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر العذري. 1/ 336.

ابن أبي الجن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني نقيب الأشراف. 7/ 525. الجنابي سليمان بن أبي سعيد القرمطي. 4/ 179. الجنابذي عبد العزيز بن محمود بن المبارك بن الأخضر. 7/ 85. الجناحي محمد بن علي بن أحمد بن سالم شمس الدّين. 10/ 291. جنادة بن أبي أمية الأزدي. 1/ 328. ابن الجناق محمد بن أحمد بن محمد القرشي. 9/ 469. الجنائزي أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي. 8/ 86. الجنبي حصيب أو حصين بن جندب الكوفي. 1/ 359. جندب بن جنادة الغفاري أبو ذر. 1/ 196. جندب بن عبد الله الجركسي قانصوه بن عبد الله الغوري. 10/ 159. أبو جندل بن سهل بن عمرو العامري. 1/ 168. جندل بن محمد العجمي. 7/ 605. ابن الجندي أحمد بن محمد بن عمران البغدادي. 4/ 506. الجندي عبد الله بن علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني. 9/ 184. الجندي علاء الدين طيبرس. 8/ 275. الجندي محمود بن أحمد الحلبي. 8/ 455. الجندي المفضّل بن محمد الجندي أبو سعيد محدث مكّة. 4/ 40. الجنديسابوري محمد بن نوح أبو الحسن. 4/ 110. ابن جنغل محمد بن علي بن عمر بن علي الحلبي المالكي. 10/ 416. جنكزخان طاغية التتار، تمرجين. 7/ 199. الجنة محمد بن عبد القادر بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم الجعفري النابلسي. 8/ 596. الجنيد بن عبد الرحمن المرّي الدمشقي. 2/ 76. الجنيد بن محمد البلياني. 9/ 136. ابن الجنيد محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله الرازي. 4/ 249. الجنيد بن محمد القواريري الخزاز أبو القاسم. 3/ 416. الجنيد بن يعقوب بن الحسن بن الحجاج بن يوسف الجبلي أبو القاسم. 6/ 235. جهار كس ويقال: جركس فخر الدين الصلاحي. 7/ 60. الملك جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني. 9/ 467. جهانكير بن السلطان سليمان بن سليم [شاه] . 10/ 445. ابن جهبل أحمد بن يحيى بن إسماعيل الشافعي الحلبي. 8/ 182. ابن جهبل طاهر بن نصر الله الكلابي الحلبي. 6/ 530. ابن جهضم علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني. 5/ 74. الجهضمي علي بن نصر بن علي. 2/ 398.

الجهضمي نصر بن علي أبو عمرو. 3/ 233. الجهميّ طلحة بن محمد بن يحيى نجم الدين. 10/ 88. الجهمي عبد اللطيف بن محمد بن يحيى. 10/ 56. الجهني عبد الله بن صالح المصري. 3/ 105. الجهني محمد بن صالح بن خلف المصري. 7/ 767. الجهني محمد بن محمد بن محمد الأنصاري. 9/ 423. جهور بن محمد بن جهور أبو الحزم. 5/ 166. ابن جهينة إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة. 4/ 100. أبو الجواب أحوص بن جواب الكوفي. 3/ 52. ابن الجواشني محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي الدمشقي. 8/ 394. ابن جوالق مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم البزار. 6/ 404. الجواليقي إسماعيل بن موهوب بن أحمد، أبو محمد. 6/ 413. الجواليقي الحسن بن إسحاق البغدادي. 7/ 205. الجواليقي عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي. 4/ 33. ابن الجواليقي موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن البغدادي. 6/ 207. الجوبري عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي أبو الحسن. 5/ 123. الجوجري محمد بن شمس الدين محمد المصري. 10/ 84. الجوجري محمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد القاهري. 9/ 522. ابن جوخان محمد بن حماد بن محمد البغدادي. 7/ 79 الجوخي أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف الدمشقي. 9/ 225. ابن أبي الجود محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عيسى بن شرف المعروف بابن أبي الجود وابن أبي الجبل. 10/ 583. الجورتاني محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأصبهاني الحمامي. 6/ 497. الجورجيري محمد بن عمر بن حفص. 4/ 172. الجوزجاني إبراهيم بن يعقوب. 3/ 263. الجوزجاني أحمد بن علي بن العلاء. 4/ 146. الجوزدانية فاطمة بنت أحمد بن القاسم بن عقيل الأصبهانية أم إبراهيم. 6/ 115. الجوزقاني الحسين بن إبراهيم بن جعفر الهمذاني. 6/ 222. الجوزقي محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني. 4/ 474. ابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي التيمي. 6/ 537.

ابن الجوزي علي بن عبد الرحمن أبو الحسن. 7/ 241. الجوزي علي بن محمد بن أبي المجد الدمشقي. 8/ 622. ابن الجوزي يوسف بن عبد الرحمن بن علي. 7/ 494. الجوسقي الخليل بن أحمد الصرصري. 7/ 286. ابن جوصا أحمد بن عمير بن يوسف أبو الحسن. 4/ 99. الجوعي القاسم بن عثمان الدمشقي. 3/ 223. الجوكندادا العزيز بن حسام الدين لاجين. 7/ 540. الجوني عبد الملك بن حبيب، أبو عمران. 2/ 123. الجوني موسى بن سهل، أبو عمران. 4/ 37. جوهر القائد الرومي أبو الحسن، مولى المعز بالله. 4/ 424. الجوهري إبراهيم بن سعيد البغدادي الحافظ. 3/ 216. الجوهري أحمد بن عمر بن علي البغدادي. 9/ 121. الجوهري أحمد بن محمد بن إبراهيم الدمشقي. 7/ 378. الجوهري إسماعيل بن حمّاد التركي اللغوي، صاحب «الصحاح» . 4/ 497. الجوهري إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي. 7/ 252. الجوهري أبو بكر بن محمد بن عباس التميمي. 7/ 747. الجوهري الحسن بن علي الشيرازي البغدادي المقنعي. 5/ 228. الجوهري شريح بن النعمان البغدادي. 3/ 80. الجوهري طاهر بن أحمد بن بابشاذ المصري النحوي. 5/ 297. الجوهري عبد الخالق بن فيروز الهمذاني. 6/ 494. الجوهري عبد الرحمن بن عبد الله المصري. 4/ 427. الجوهري علي بن الجعد الهاشمي البغدادي. 3/ 138. الجوهري محمد بن أحمد بن العباس البغدادي. 4/ 417. ابن الجوهري محمد بن منصور الحلبي ثم المصري. 8/ 94. جوي زاده محمد إلياس الحنفي المولى. 10/ 435. جوي زاده محمد بن محمد بن إلياس المعروف بجوي زاده. 10/ 640. جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن موسك الهكاوي أم الهنا. 8/ 482. جويرية بنت أسماء بن عبيد الضبعي البصري. 2/ 335. جويرية بنت الحارث المصطلقية، أم المؤمنين. 1/ 257. الجويني الخضر بن عبد الله بن أبي الفتح عمر بن علي بن حمويه. 7/ 597.

الجويني عبد الله بن عبد الله بن عمر بن حمويه الدمشقي. 7/ 629. الجويني عبد الله بن عمر بن علي بن محمد الصوفي بن حموية. 7/ 371. الجويني عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه. 5/ 176. الجويني عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي. 5/ 338. الجويني عماد الدين بن عمر بن محمد بن عمر الدمشقي. 7/ 316. الجويني عمر بن علي بن محمد بن علي بن حمويه أبو الفتح. 6/ 426. الجويني محمد بن حمويه أبو عبد الله. 6/ 156. الجويني محمد بن عمر بن علي أبو الحسن. 7/ 137. الجويني موسى بن العباس، أبو عمران. 4/ 125. الجويني يوسف بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمّويه فخر الدين. 7/ 413. الجياني الحسين بن محمد الغساني الأندلسي. 5/ 129. الجياني محمد بن علي بن عبد الله بن ياسر الأنصاري الأندلسي. 6/ 348. الجياني محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي. 7/ 696. الجيدوري صدقة بن سلامة بن حسين بن بدران. 9/ 247. الجيزي الربيع بن سليمان. 3/ 300. جيش بن محمد بن صمصامة الكتاني القائد أبو الفتح. 4/ 482. الجيشاني أبو تميم [عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم] . 1/ 318. ابن أبي الجيش عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر البغدادي. 7/ 615. ابن أبي الجيش محمد بن محمد بن محارب الصريحي المالقي. 8/ 286. ابن الجيعان أحمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني. 9/ 522. ابن الجيعان شاكر بن عبد الغني بن شاكر بن ماجد العلمي القاهري. 9/ 500. جيعانة إبراهيم بن سعيد الشاغوري. 7/ 639. الجيلاني عبد القادر بن عبد الله بن جنكي دوست. 6/ 330. الجيلاني عبد الملك بن أبي نصر البغدادي. 6/ 229. الجيلوني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الشيرازي. 8/ 167. الجيلي أحمد بن صالح بن شافع البغدادي. 6/ 356. الجيلي أحمد بن علي بن الزبير الدمشقي. 8/ 113. الجيلي أسباه مير بن محمد بن نعمان. 7/ 61. الجيلي زياد بن علي بن هارون أبو القاسم. 5/ 404. الجيلي شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله. 5/ 347.

الجيلي صالح بن شافع بن صالح بن حاتم أبو المعالي. 6/ 220. الجيلي عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح. 7/ 18. الجيلي عبد الصمد بن بديل بن الخليل. 6/ 385. الجيلي عمر بن جعفر بن محمد بن سلم أبو الفتح. 4/ 296. الجيلي محمد بن عبد العزيز بن عبد القادر. 8/ 217. الجيلي محمد بن محمود أبو عبد الله. 8/ 111. الجيلي موسى بن الشيخ عبد القادر. 7/ 146.

حرف الحاء حابس الطائي. 1/ 214. حاتم بن إسماعيل المدني. 2/ 387. حاتم الأصم أبو عبد الرحمن. 3/ 168. حاتم بن محبوب الشامي أبو يزيد. 4/ 106. حاتم بن محمد بن الطرابلسي التميمي القرطبي أبو القاسم. 5/ 296. حاتم بن المسلم الحارثي الحوفي أبو الحسن، مرتضى ابن أبي الجود. 7/ 295. الحاتمي محمد بن الحسن بن مظفّر الحاتمي البغدادي أبو علي. 4/ 473. حاجب بن أحمد بن يرحم وهو معمر. 4/ 197. ابن الحاجب الرحال عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي. حاجب بن مالك بن أركين الفرغاني الضرير المحدث. 4/ 32. الحاجي إسماعيل بن محمد بن أحمد. 4/ 493. الحاجري عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل الإربلي. 7/ 272. حاجي جلبي عبد الرحيم بن علي بن المؤيد الرومي المولى. 10/ 364. حاجي خليفة الشيخ عبد الله. 9/ 535. حاجي صفارح خليل بن قاسم الحنفي. 9/ 486. حاجي بن محمد بن قلاوون. 8/ 263. الحارث بن أسد المحاسبي. 3/ 197. الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني أبو فراس. 4/ 300. الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي. 1/ 290. الحارث بن قيس الجعفي. 1/ 241. الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي أبو محمد. 3/ 335. الحارث بن مسكين أبو عمرو. 3/ 230. الحارث بن معاوية الثقفي. 1/ 316. الحارث بن هشام بن المغيرة أخو أبي جهل بن هشام. 1/ 169. حارثة بن سراقة. 1/ 115. الحارثي حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى. 7/ 371. الحارثي الخضر بن شبل بن عبد الدمشقي. 6/ 340. الحارثي عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود المصري. 8/ 177. الحارثي عبد الرحمن منصور البصري أبو سعيد. 3/ 303. الحارثي محمد بن علي بن عطية الحارثي العجمي ثم المكّي أبو طالب صاحب «القوت» . 4/ 460. الحارثي مرتضى بن أبي الجود حاتم بن

المسلم الحوفي. 7/ 295. الحارثي يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد. 8/ 292. حازم بن محمد بن حسين بن حازم النحوي الأنصاري القرطاجني أبو الحسن. 7/ 676. الحازمي إبراهيم بن سرايا الكفرماوي. 8/ 500. الحازمي محمد بن موسى بن عثمان بن حازم زين الدين أبو بكر. 6/ 462. الحاسب محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن خلف. 8/ 484. الحاسب محمد بن محمد بن أحمد بن الصيفي بن العطار. 8/ 405. ابن الحاسب محمد بن محمد بن عبد الله. 8/ 490. الحاسب هبة الله بن الحسين بن أبي شريك. 6/ 250. حاشد بن إسماعيل بن عيسى البخاري. 3/ 268. الحاضري السيد المغربي المالكي. 10/ 357. الحاضري علي بن أحمد بن محمد الصغير الحاضري الأصل الحنفي. 10/ 312. الحاضري محمد بن خليل الحلبي. 9/ 244. الحاضري محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن خليل الحاضري. 10/ 449. حاطب بن أبي بلتعة. 1/ 190. حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي أبو طالب. 7/ 371. حافظ المشرق محمد بن إدريس الحنظلي الرازي. 3/ 321. الحافظي سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني، زين الدين. 7/ 535. الحافظية أرغوان العادلية عتيقة الملك العادل. 7/ 416. الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي. 4/ 415. الحاكم بأمر الله أحمد بن الحسن بن علي القبي. 8/ 6. الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي العباسي. 8/ 296. الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه «صاحب المستدرك» . 5/ 33. حاكي الحنفي مصلح الدين مصطفى. 10/ 286. حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد المروزي أبو أحمد. 4/ 156. ابن حامد أحمد بن محمود بن عبد الله المعروف بابن حامد. 10/ 509. حامد أفندي المفتي، المولى. 10/ 597. حامد بن العباس الوزير. 4/ 59. حامد بن عبد الله العجمي، الحنفي، زين الدين. 10/ 41. حامد بن محمد بن حامد الصفار الأصفهاني أبو عبد الله، نجيب الدين. 6/ 504. حامد بن محمد بن شعيب البلخي المؤدب أبو العباس. 4/ 48.

حامد بن محمود بن حامد بن محمد بن أبي عمر الحراني أبو الفضل المعروف بابن أبي الحجر ويلقب تقي الدين. 6/ 392. الحامض عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي. 4/ 165. ابن الحامض محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن خليفة البغدادي. 7/ 745. حامل كفنه محمد بن يحيى. 3/ 422. الحاملي أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري. 10/ 5. ابن الحباب أحمد بن إسماعيل السعدي. 8/ 97. ابن الحباب عبد القوي بن عبد العزيز بن الحسين التميمي السعدي. 7/ 167. ابن الحباب محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد التميمي المصري. 7/ 790. ابن حبابة عبيد الله بن محمد بن إسحاق البغدادي البزاز المتوثي أبو القاسم. 4/ 478. حباسة نائب المهدي. 4/ 12. الحبال إبراهيم بن سعيد النعماني المصري. 5/ 351. ابن الحبال أبو بكر بن محمد بن أحمد الحلبي. 8/ 466. ابن الحبال محمد بن أحمد بن عبد الله الحراني. 8/ 269. الحبال المعمر بن محمد بن علي الكوفي الخزاز. 5/ 423. ابن الحبال يوسف بن عبد الله بن حاتم بن محمد. 8/ 447. ابن الحبان عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر المري الشروطي. 5/ 123. حبان بن علي العنزي. 2/ 328. ابن حبان محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التّميمي البستي. 4/ 285. ابن حبان محمد بن يحيى الأنصاري المدني، أبو عبد الله. 2/ 93. حبان بن موسى المروزي. 3/ 153. حبان بن هلال البصري الحافظ الثقة أبو حبيب. 3/ 75. الحبتي محمد بن أحمد بن معالي الحنبلي المحدث. 9/ 248. ابن الحجاب شعيب صاحب أنس. 2/ 127. حبشون بن موسى الخلال أبو نصر. 4/ 175. الحبشي بلال المغيثي الطواشي الصالحي أبو الخير. 7/ 779. الحبشي سعيد سلطاني الحبشي. 10/ 592. الحبشي مبارك بن عبد الله الدمشقي القابوني. 10/ 367. الحبشي معاوية بن سلّام بن أبي سلّام ممطور الأسود الحبشي ثم الشامي. 2/ 332. الحبقبق عبد الوهاب علي القرشي الزبيري. 6/ 494. بنت الحبقبق كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر الزبيرية. 7/ 368. الحبكي علي بن زيادة بن عبد الرحمن.

8/ 475. الجبني علي بن محمد الإمام الشيخ. 8/ 81. ابن أبي حبة عبد الوهاب بن هبة الله البغدادي. 6/ 481. ابن الحبوبي حمزة بن علي بن هبة الله الثعلبي. 6/ 291. ابن الحبوبي علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي الثعلبي. 7/ 693. حبيب بن أوس الطائي الحوراني أبو تمام. 3/ 143. حبيب بن أبي ثابت الكوفي. 2/ 87. حبيب بن الحسن القزاز أبو القاسم. 4/ 307. حبيب بن الشهيد البصري. 2/ 208. الحبيب عبد الوارث بن سفيان القرطبي. 4/ 504. حبيب القرماني العمري من جهة الأب البكري من جهة الأم. 10/ 22. ابن حبيب محمد بن عمر بن الحسن. 8/ 439. الحبيبي [1] علي بن محمد المروزي الحبيبي أبو أحمد. 4/ 271. ابن الحبير محمد بن يحيى بن مظفر البغدادي، ابن نعيم، أبو بكر. 7/ 355. ابن الحبير يحيى بن المظفر بن علي بن نعيم البغدادي البدري. 7/ 57- 58. الحبيس بولص الراهب. 7/ 561. ابن حبيش عبد الرحمن بن محمد الأنصاري. 6/ 460. ابن حبيش محمد بن علي بن حبيش البغدادي أبو الحسين. 4/ 307. ابن حبيش محمد بن محمد بن الفضل النهرواني القضاعي. 7/ 790. ابن حبيش هبة الله بن أبي عبد الله بن كامل البغدادي أبو علي. 6/ 349. الحبيشي أحمد بن أبي بكر. 10/ 357. الحبيشي محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن نصر بن عمر بن هلال الحلبي. 10/ 182. ابن الحبيشي يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني. 7/ 632. حجاج بن أرطاة. 2/ 232. ابن الحجاج الحسين بن أحمد بن محمد جعفر البغدادي. 4/ 487. ابن الحجاج عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري. 7/ 590. حجاج بن أبي عثمان الصواف أحد حفاظ البصرة. 2/ 198. حجاج بن محمد المصيصي الأعور. 3/ 32. الحجاج بن منهال البصري الأنماطي السمسار أبو محمد. 3/ 79، 3/ 80. حجاج بن يوسف الشاعر ابن حجاج الثقفي البغدادي أبو محمود. 3/ 263. أبو الحجاج يوسف بن عبد الله بن محمد بن يوسف. 8/ 301. الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي الطائفي. 1/ 377.

_ [1] تنبيه: في الكتاب «الحبيني» وهو خطأ والصواب ما أثبته هنا، وقد نبهت على هذا الخطأ عند موضع الترجمة من الكتاب.

الحجاجي محمد بن محمد بن يعقوب النيسابوري. 4/ 370. الحجار أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي. 8/ 162. الحجّار عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري. 8/ 613. الحجازي أحمد بن الفرج الحمصي، أبو عتبة. 3/ 305. ابن الحجازي أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم التركماني. 8/ 536. الحجازي عبد الله بن نصر أبو محمد. 5/ 347. الحجّام الأسود ياسين المغربي. 7/ 704. الحجاوي عبد الله بن محمد بن عبد الملك. 8/ 369. الحجّاوي موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى الحجاوي. المقدسي. 10/ 472. الحجبي سليمان بن فرج بن سليمان الحنبلي. 9/ 227. الحجبي شيبة بن عثمان العبدري. 1/ 268. الحجبي منصور بن عبد الرحمن العبدري. 2/ 184. ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي بن محمد بن محمد. 9/ 395. ابن أبي الحجر حامد بن محمود بن حامد الحراني. 6/ 392. أخت ابن حجر ست الركب بنت علي بن محمد بن محمد. 8/ 603. حجر بن عدي. 1/ 247. ابن حجر العسقلاني علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد العسقلاني. 8/ 435. ابن حجر الهيتمي أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر. 10/ 542. الحجري عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبد الله الأندلسي، أبو محمد. 6/ 475 و 501. ابن أبي حجلة أحمد بن يحيى بن أبي بكر. 8/ 415. الحجّة محمد بن الفضل بن بختيار بن أبي نصر البعقوبي. 7/ 136. حجة الدين الحقيقي عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري. 7/ 201. ابن حجّة الحموي أبو بكر بن علي بن حجّة. 9/ 319. حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي السعدي الحسباني. 8/ 473. ابن الحداد أحمد بن إبراهيم بن عطية البغدادي المصري. 4/ 281. الحداد أحمد بن سلامة بن إبراهيم الدمشقي. 7/ 628. الحداد أحمد بن السندي البغدادي. 4/ 306. الحداد أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني (أبو الفتح) . 5/ 424. الحداد أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح الصالحي. 7/ 776. الحداد أحمد بن محمد بن ياسين الهروي.

4/ 185. الحدّاد حمد بن أحمد بن الحسن الأصبهاني. 5/ 368. الحدّاد ظافر بن القاسم بن منصور بن خلف الجذامي. 6/ 149، الحداد عبد الباقي بن حمزة بن الحسين أبو الفضل. 5/ 405. الحداد عبد الواحد بن واصل البصري أبو عبيدة. 4/ 515. الحداد مبارك بن حامد بن أبي الفرج. 7/ 600. ابن الحداد محمد بن أحمد بن أبي بكر البيري. 9/ 203. ابن الحداد محمد بن أحمد بن جعفر المصري. 4/ 235. الحداد محمد بن عبد الملك بن ضيفون اللخمي القرطبي. 4/ 501. الحداني القاسم بن الفضل. 2/ 300. الحدّاني نوح بن قيس الطاحي. 2/ 382. الحدثي عمر بن زرارة. 3/ 184. ابن الحدوس المعافى بن إسماعيل بن الحسين الموصلي. 7/ 250. الحديثي محمد بن سحلول الحديثي البقاعي الشافعي. 10/ 322. الحديدي علي بن محمد الحسيني العجلوني البروسوي المعروف بالحديدي. 10/ 282. ابن حديدة عبد الله بن علي بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري. 8/ 482. ابن الحذّاء أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي. 5/ 285. الحذاء أحمد بن محمود بن أحمد الحريمي. 7/ 188. الحذّاء خالد بن مهران البصري الحافظ. 2/ 195. الحذاء عبيدة بن حميد الكوفي الحافظ. 2/ 417. الحذاء كثير بن عبيد المذحجي. 3/ 233. ابن الحذّاء محمد بن يحيى التميمي القرطبي المالكي أبو عبد الله. 5/ 48. الحذاء محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحربي. 6/ 516. الحذاء يحيى بن سليم الطائفي. 2/ 449. أبو حذافة السهمي أحمد بن إسماعيل. 3/ 262. ابن حذلم أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي. 4/ 247. حذيفة بن سعد الأزجي الوزان أبو المعمر الهاطر. 6/ 315. ابن أبي حذيفة محمد بن محمد، أبو علي الدمشقي. 4/ 180. حذيفة بن اليمان العبسي. 1/ 209. الحرازي إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني القحطانيّ الحاتمي. 10/ 234. الحرازي محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن العمري. 8/ 350. الحرازي محمد بن يوسف بن علي إدريس. 8/ 469. الحرالي علي بن أحمد بن الحسن التجيبي المرسي. 7/ 330.

أم حرام بنت ملحان، زوجة عبادة بن الصامت. 1/ 186. الحراني أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمشقي. 8/ 247. الحراني أحمد بن محمد بن محمود بن المعزّ البغدادي. 7/ 331. الحراني إلياس بن حامد بن محمود (تقي الدين) . 6/ 505. الحرني ثابت بن سنان بن قرة الصابئي. 4/ 334. الحرّاني حامد بن محمود بن حامد. 6/ 392. الحراني الحسن بن محمد بن أعين. 3/ 49. الحراني حمد بن أحمد بن محمد بن صديق موفق الدين. 7/ 286- 291. الحرّاني حياة بن قيس. 6/ 442. الحرّاني داود بن رستم بن محمد بن أبي سعيد. 7/ 205. الحراني سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي. 3/ 306. الحراني عبادة بن عبد الغني بن عبادة أبو محمد بن. 8/ 207. الحراني عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية. 7/ 656. الحراني عبد الغني بن محمد بن تيمية أبو محمد. 7/ 354. الحراني عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن الصيقل. 7/ 692. الحراني عبد القادر بن القاهر بن عبد المنعم ناصح الدين. 7/ 292. الحراني عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الحلبي. 9/ 220. الحراني عبد الله بن الحسن بن أحمد الأموي. 3/ 401. الحراني عبد المحسن بن يعيش بن إبراهيم بن يحيى. 7/ 87. الحراني عتاب بن بشير. 2/ 405. الحراني علي بن محمد بن علي العلوي الحسيني. 5/ 160. الحراني عمر بن أسعد بن المنجى بن بركات المؤمل التنوخي المعرّي. 7/ 364. الحراني عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الدمشقي. 8/ 277. الحراني عمر بن محمد بن عمر بن محمود الدمشقي. 8/ 345. الحراني فتيان بن مباح بن حمد بن حمد السلمي. 6/ 361. الحرّاني محمد بن الحسين البغدادي أبو سليمان. 4/ 303. الحراني محمد بن خالد بن إبراهيم أبو القاسم. 8/ 83. ابن الحراني محمد بن سلمان بن عبد الله الشافعي. 9/ 93. الحراني محمد بن سلمة الحرّاني الفقيه. 2/ 421. الحراني محمد بن عبد الله بن العباس، أبو عبد الله. 6/ 316. الحراني محمد بن عبد الوهاب بن منصور أبو عبد الله. 7/ 607.

الحراني محمد بن عماد بن محمد بن حسين. 7/ 271. الحراني محمد بن عمر بن عبد المحمود بن رباط أبو عبد الله. 8/ 91. الحراني محمد بن يوسف بن عبد اللطيف. 8/ 371. الحراني مخلد بن يزيد. 2/ 429. الحراني مسكين بن بكير. 2/ 468. حرب بن إسماعيل الكرماني. 3/ 330. أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي البصري. 2/ 47. حرب بن سريج المنقري البصري البزار أبو سفيان. 2/ 285. ابن حرب محمد بن يحيى بن عمر بن علي الطائي الموصلي. 4/ 220. الحربوي علي بن رشيد بن أحمد بن محمد بن حسيتا. 7/ 32. ابن حربويه علي بن الحسين بن حرب البغدادي. 4/ 93. الحربي أحمد بن غالب بن أحمد بن غالب. 6/ 290. الحربي أحمد بن معالي بن بركة. 6/ 283. الحربي أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد، أبو العباس. 7/ 189. الحربي إسحاق بن الحسن. 3/ 348. الحربي الأعز بن كرم الإسكاف البزّاز. 7/ 364. الحربي الحسن بن محمد بن كيسان. 4/ 304. الحربي ريحان بن تيكان بن موسك الضرير. 7/ 120. الحربي عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي. 5/ 117. الحربي عبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا. 7/ 219. الحربي عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الإسكاف. 6/ 546. الحربي عبد الله بن أبي بكر بن أحمد أبو علي. 7/ 92. الحربي عبد الله بن أبي بكر كتيلة. 7/ 651. الحربي عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب أبو محمد. 7/ 7. الحربي عبد المغيث بن زهير بن علوي. 6/ 452. الحربي علي بن محمد بن أحمد بن كيسان. 4/ 394. الحربي عمر بن عبد الله. 6/ 270. الحربي عمر بن علي البغدادي. 6/ 270. الحربي هبة الله بن عمر بن علي البغدادي. 6/ 540. الحربي هبة الله بن عمر بن كمال الحلاج أبو بكر. 7/ 295. الحربي يحيى بن إسماعيل المزكي. 4/ 502. ابن الحردان أبو بكر بن أبي العز النجم. 7/ 732. الحرستاني حماد بن مالك الأشجعي. 3/ 130. ابن الحرستاني عبد الصمد بن عبد الكريم بن جمال الدين. 7/ 745.

ابن الحرستاني عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري. 7/ 108. ابن الحرستاني عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الأنصاري الدمسقي. 7/ 536. الحرستاني عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر بن محمد الصالحي. 9/ 79. ابن الحرستاني محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الذهبي. 7/ 789. ابن الحرستاني محمد بن عبد الكريم بن أبي القاسم عبد الصمد الأنصاري أبو حامد. 7/ 663. الحرشي أحمد بن عمرو النيسابوري. 3/ 118. الحرضي محمد بن عبد الله بن نشابة الحرضي ثم العريشي. 9/ 34. الحرضي محمد بن منصور النيسابوري. 6/ 239. الحرفوش عبد الله بن سعد بن القاضي المصري. 9/ 17. الحرفي الحسن بن جعفر بن الوضاح البغدادي الحربي السمسار. 4/ 404. حرملة بن يحيى التجيبي المصري الحافظ أبو حفص. 3/ 198. ابن أبي حرمة أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقّاني. 8/ 400. حرمي بن أبي العلاء المكي أحمد بن محمد بن أبي خميصة الشروطي. 4/ 82. حرمي بن عمارة بن أبي حفصة البصري. 3/ 6. ابن حريث محمد بن محمد بن علي البلنسي السبتي. 8/ 106. الحريثي أبو العباس المصري الشافعي. 10/ 371. الحريري أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله. 8/ 318. الحريري أبو بكر بن عبد الله الحريري. 8/ 260. ابن الحريري أبو بكر بن يوسف المزي. 8/ 127. الحريري علي بن أبي الحسن بن منصور أبو محمد. 7/ 399. الحريري علي بن محمد بن علي الدمشقي. 9/ 153. الحريري القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري. 6/ 81. ابن الحريري محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدمشقي. 8/ 153. الحريري محمد بن علي بن أحمد الدمشقي. ابن فستق. 10/ 308. الحريري محمد بن علي الحريري الحلبي المعروف بابن السيوفي، شمس الدين. 10/ 285. الحريري محمد بن علي بن صلاح. 8/ 599. الحريري محمد بن يوسف الأنطاكي الحلبي الحنفي بن الحمصاني شمس الدين. 10/ 410. الحريري منصور بن عبد الرحمن الحريري الشهير بخطيب السقيفة. 10/ 511. الحريري هبة الله بن أحمد بن عمر

البغدادي بن الطبر. 6/ 160. الحريري يحيى بن بشر الكوفي. 3/ 45. حريز بن عثمان بن جبير بن أسعد الرحبي المشرفي الحمصي. 2/ 285. الحريزي أحمد الحريزي. 6/ 255. الحريمي أحمد بن المبارك (أبو السعود) . 6/ 450. الحريمي أحمد بن محمد العطار. 6/ 365. الحريمي أحمد بن محمود بن أحمد الحذاء. 7/ 188. الحريمي عبد الله بن محمد بن الوليد البغدادي. 7/ 380. الحريمي محمد بن علي بن الحسين بن القيم الخزّاز الحريمي الحنبلي أبو بكر. 5/ 348. الحريمي نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني. 6/ 454. الحريمي هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد البغدادي. 6/ 550. الحريمي يحيى بن مقبل بن أحمد بن بركة التيمي. 6/ 479. الحريميّة ياسمين بنت سالم بن علي بن البيطار. 7/ 296. الحزامي إبراهيم بن المنذر المدني. 3/ 166. الحزامي الضحاك بن عثمان المدني. 2/ 243. ابن حزب الله محمد بن محمد بن علي. 8/ 523. ابن حزم أحمد بن سعيد الأندلسي، أبو عمر. 5/ 11. ابن حزم أبو بكر بن محمد بن عمرو الأنصاري. 2/ 90. حزم بن أبي حزم القطعي أبو عبد الله. 2/ 341. ابن حزم عبد الله بن محمد القلعي الأندلسي. 4/ 434. ابن حزم علي بن أحمد بن سعيد الأموي. 5/ 239. الزنجي علي بن محمد بن عبد الله الجرجاني. 5/ 298. حسام الرومي، الحنفي، المعروف بابن الدلّاك، المولى. 10/ 7. الحسامي أحمد الحسامي شهاب الدين الصوفي. 10/ 184. حسان بن تميم الزيات أبو الندى. 6/ 315. حسان بن ثابت الأنصاري الشاعر. 1/ 253. حسان بن سعيد المنيعي أبو علي. 5/ 265. حسان بن محمد القرشي الأموي النيسابوري أبو الوليد. 4/ 257. حسان بن النعمان بن المنذر الغساني. 1/ 327. حسان بن نمير الكلبي عرف بعرقلة. 6/ 365. الحساني سالم بن سعيد بن علوي. 9/ 112. الحساني محمد بن محمد بن علي الحساني. 10/ 482. الحساني مهلهل بن محمد بن يوسف

النابلسي. 7/ 369. ابن الحسباني أحمد بن إسماعيل بن خليفة. 9/ 162. الحسباني أحمد بن حجي الدمشقي. 10/ 48. الحسباني أحمد بن حجي بن موسى الدمشقي الشافعي. 9/ 173. الحسباني إسماعيل بن خليفة بن عبد العالي النابلسي. 8/ 441. الحسباني أيوب بن سعد بن علوي الشاغوري. 9/ 195. الحسباني حجي بن موسى بن أحمد السعدي. 8/ 473. الحسباني عمر بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد السعدي. 9/ 280. الحسباني محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي. 9/ 204. الحسباني محمد بن حجي الشافعي «أبو البقاء» . 8/ 623. حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن علي بن سلامة العجمي المقدسي الصالحي الحنبلي، بدر الدين. 10/ 184. الحسن بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي. 8/ 222. الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون الفارقي أبو علي. 6/ 140. الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني ثم البغدادي أبو علي المعروف ب: ابن أشنانة. 6/ 551. الحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار المصري الصائغ أبو علي. 7/ 353. الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزاز أبو علي. 5/ 122. الحسن بن أحمد بن أنوشروان الرازي ثم الرومي حسام الدين. 7/ 779. الحسن بن أحمد بن جكينا. 6/ 146. حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، المشهور بابن المبرد. 9/ 483. الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد الأصبهاني أبو علي. 6/ 76. حسن بن أحمد بن أبي الحسن بن دويرة البصري أبو علي. 7/ 446. الحسن بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الغني المقدسي. 8/ 390. الحسن بن أحمد بن زفر الإربلي. 8/ 128. الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي القرمطي، ملك القرامطة. 4/ 351. الحسن بن أحمد بن صالح الحلبي السبيعي أبو محمد. 4/ 377- 378. الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني الحلبي السبيعي أبو محمد. 4/ 385. الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي الفارسي أبو علي. 4/ 407. الحسن بن أحمد بن عبد الله الحنبلي البغدادي أبو علي، ابن البنا. 5/ 306. الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن أبي الحديد أبو عبد الله السلمي

الدمشقي الخطيب. 5/ 351. حسن بن أحمد القدسي بدر الدّين المشهور بابن بقيرة. 9/ 315. حسن بن أحمد الكبيسي، ثم الحلبي بدر الدين. 10/ 7. الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن مخلد النيسابوري أبو محمد. 4/ 477. الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم بن جعفر القاسمي السمرقندي أبو محمد. 5/ 396. الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الشيرازي الكشي أبو علي. 5/ 31. الحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري المعاذي أبو عبد الله. 5/ 106. الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي، المعروف بابن هبل الطحان. 8/ 451. الحسن بن أحمد الهمذاني العطار أبو العلاء. 6/ 382. الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري أبو سعيد. 4/ 146. الحسن بن أحمد بن يوسف أبو علي الأوهي. 7/ 238. الحسن بن إسحاق بن زياد حسنويه. 3/ 190. الحسن بن إسحاق بن أبي منصور موهوب بن أحمد البغدادي الجواليقي أبو علي. 7/ 205. الحسن بن أسد الفارقي أبو نصر. 5/ 372. حسن بن إسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن النصيبي، الحلبي، المصري الضرير الشافعي، بدر الدين. 10/ 413. الحسن بن إسماعيل المصري الضرّاب أبو محمد. 4/ 493. الحسن بن الأشيب البغدادي أبو علي. 3/ 46. حسن بن أقبغا بن إيلكان بن خربندا بن أرغون بن هلاكو المغلي، ويعرف بحسن الكبير. 8/ 313. الحسن بن الأكرم العلوي أبو محمد عرف بابن الزاهد. 7/ 359. أبو الحسن بن بحر بن بري القطان البغدادي الحافظ. 3/ 158. أبو الحسن البغدادي، العارف الزاهد القدوة. 4/ 114. حسن بن أبي بكر بن مزهر، بدر الدّين. 10/ 106. الحسن بن بهرام الجنابي القرمطي أبو سعيد. 4/ 9. الحسن البوراني. 3/ 107. حسن بن ثابت بن إسماعيل الزمزميّ المكّي، بدر الدّين. 10/ 141. الحسن بن جعفر بن الوضاح البغدادي الحربي السمسار أبو سعيد. 4/ 404. حسن جلبي بن محمد شاه الفناري، المولى. 10/ 8. الحسن بن الحارث بن الحسن بن خليفة المعروف بابن مسكين. 8/ 47. الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي أبو عبد الله. 5/ 17.

الحسن بن حبيب الدمشقي الحصائري أبو علي. 4/ 204. أبو الحسن الحداد إدريس بن عبد الكريم المقرئ المحدّث. 3/ 388. أبو الحسن بن حذلم أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي. 4/ 247. الحسن بن أبي الحسن البصري أبو سعيد. 2/ 48. حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري المعدل المعروف بنبيه الدين. 8/ 38. الحسن بن الحسين بن حمكان الهمذاني أبو علي. 5/ 30. الحسن بن الحسين النعالي أبو علي المعروف ب: ابن دوما. 5/ 154. حسن بن حسين بن أبي هريرة أبو علي البغدادي. 4/ 240. الحسن (حفيد) الحسن بن الصباح جلال الدين. 7/ 148. حسن الحلبي الشافعي، الشهير بالشيخ حسن الطحينة. 10/ 50. الحسن بن حماد الحضرمي البغدادي أبو علي. 3/ 189. الحسن بن الخضر الأسيوطي أبو علي. 4/ 324. الحسن بن خلف القيرواني بن بليمة أبو علي. 6/ 68. حسن بن داود بن عيسى بن أيوب الملقب بالملك الأمجد. 7/ 577. حسن الدّنجاوي. 10/ 475. الحسن بن ذي النون الواعظ أبو المفاخر. 6/ 229. الحسن بن الربيع البجلي البوراني القسري الكوفي أبو علي. 3/ 99. الحسن بن أبي الربيع الجرجاني الحافظ. 3/ 276. الحسن بن رشيق العسكري المصري أبو محمد. 4/ 378. الحسن بن رشيق القيرواني أبو علي. 5/ 237. الحسن بن زهرة الحسيني أبو علي. 7/ 155. الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي أبو علي. 3/ 25. الحسن بن زيد بن السيد الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد. 2/ 303. الحسن بن سالّار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي. 8/ 458. الحسن بن سالم بن أبي المواهب التّغلبي الدمشقي بهاء الدّين، المعروف بابن صصرى. 7/ 549. حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي أبو علي. 4/ 175. الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المطوعي أبو العباس. 4/ 384. الحسن بن سفيان الشيباني النسوي أبو العباس. 4/ 18. الحسن بن سليمان البصري المعروف بقبيطة أبو علي. 3/ 268. الحسن بن سهل أبو محمد. 3/ 167. الحسن بن سوار البغوي أبو العلاء. 3/ 75. الحسن بن شاور الكناني المعروف بابن

النقيب. 7/ 700. الحسن بن شجاع البلخي الحافظ أبو علي. 3/ 202. حسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي. 8/ 65. الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب العكبري أبو علي. 5/ 143. الحسن بن صافي البغدادي أبو نزار ملك النحاة. 6/ 376. الحسن بن صالح بن حي الهمداني. 2/ 298. الحسن بن صباح. 6/ 95. الحسن بن الصباح البزار الإمام أبو علي. 3/ 227. الحسن بن صباح المخزومي المصري أبو صادق. 7/ 260. أبو الحسن الطبيب. 7/ 417. الحسن بن العباس الأصفهاني. 6/ 329 و 330. الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الفارسي الرامهرمزي أبو محمد. 4/ 311. حسن بن عبد الصّمد السامسوني المولى. 10/ 8. الحسن بن عبد الرحمن بن خلّاد الرامهرمزي. 4/ 320. الحسن بن عبد الرحمن الشافعي المكّي الحناط المعدّل أبو علي. 5/ 311. الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي أبو محمد. 8/ 55. الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربري أبو علي. 7/ 681. الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري أبو أحمد. 4/ 430. حسن بن أبي عبد الله بن صدقة الأزدي الصقلي. 7/ 572. حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الصالحي شرف الدين أبو محمد. 7/ 515. حسن بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة المقدسي. 7/ 751. الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي أبو سعيد. 4/ 367. الحسن بن عبد المجيد العبيدي المصري. 6/ 148. الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن علي بن موسى بن عمران بن إسرافيل النسفي. 5/ 374. الحسن بن عثمان الزيادي أبو حسان. 3/ 192. الحسن بن عدي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر المعروف بتاج العارفين شمس الدين. 7/ 396. الحسن بن عرفة العبدي البغدادي المؤدب أبو علي المحدث المعمر. 3/ 256. حسن بن العزيز عثمان بن العادل الملقب بالملك السعيد. 7/ 505. حسن بن عطية بن فهد العلوي الهاشمي المكي الشافعي، بدر الدين. 10/ 153. الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي أبو علي. 5/ 199.

الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي أبو علي. 5/ 362. حسن بن علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي الشافعي. 8/ 417. الحسن بن علي بن بشار بن العلّاف البغدادي أبو بكر. 4/ 85. حسن بك بن علي بك بن قرا بلوك. 9/ 500. الحسن بن علي البلخي الوخشي أبو علي. 5/ 307. الحسن بن علي الجوهري الشيرازي ثم البغدادي المقنعي أبو محمد. 5/ 228. الحسن بن علي الحلواني الخلّال أبو محمد. 3/ 192. الحسن بن علي بن الخلّال الدمشقي. 8/ 11. الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذاب أبو سعيد. 4/ 92. حسن بن علي بن سرور بن سليمان البرماوي [1] . 8/ 620. الحسن بن علي الشاموخي أبو علي. 5/ 192. الحسن بن علي بن شبيب المعمري الحافظ أبو علي. 3/ 400. الحسن بن علي بن صدقة جلال الدين أبو علي. 6/ 109. الحسن بن علي بن أبي طالب. 1/ 242. الحسين بن علي بن أبي طالب- أبو عبد الله- سبط رسول الله صلّى الله عليه وسلم. 1/ 273. حسن بن علي الطّبراني الشافعي، بدر الدين. 10/ 397. الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة الملقب ثقة الملك. 6/ 291. حسن بن علي بن عبيد بن أحمد بن عبيد بن إبراهيم المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي. 10/ 107. الحسن بن علي بن عفان العامري الكوفي أبو محمد. 3/ 297. حسن بن علي بن عمر الإسعردي. 9/ 124. الحسن بن علي بن عمرو البصري أبو محمد، غلام الزهري. 4/ 421. حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري شرف الدين المعروف بابن الصيرفي. 7/ 781. الحسن بن علي بن أبي القاسم الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي أبو محمد ويعرف ب: النفيس بن البن. 7/ 206. الحسن بن علي القاضي المهذب. 6/ 329. حسن بن علي بن محمد الأبيوردي. 9/ 178. الحسن بن علي بن محمد التميمي البغدادي أبو علي المعروف ابن المذهّب. 5/ 193. الحسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني. 3/ 265. الحسن بن علي أبو محمد الشهير بالبربهاري. 4/ 158.

_ [1] تنبيه: كذا جاءت اللفظة في النسختين «أ» و «ط» من الكتاب وهو تحريف، والصواب «الرمثاوي» كما في «الذيل التام على دول الإسلام» للسخاوي (1/ 394) بتحقيق صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة ومراجعتي، ومن «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 206) .

الحسن بن علي بن المرتضى العلوي الحسيني أبو محمد 7/ 238. الحسن بن علي بن منتصر الفاسي ثم الإسكندراني الكتبي أبو علي. 7/ 529. حسن بن علي المنوفي المصري الدمشقي، الشهير بابن مشعل، بدر الدّين. 10/ 54. حسن بن علي بن النشّابي الوالي عماد الدّين. 7/ 781. الحسن بن علي بن نصر الطوسي الخراساني أبو علي، يعرف بكردوش. 4/ 61. الحسن بن علي النيسابوري الدقّاق أبو علي. 5/ 40. حسن بن علي بن يوسف بدر الدين المعروف بابن هود. 7/ 780. حسن بن علي بن يوسف بن المختار الإربلي الحصكفي الحلبي الشافعي. 10/ 185. الحسن بن عمارة الكوفي أبو محمد قاضي بغداد. 2/ 243. الحسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن سريح بن عمر الدمشقي الأصل الحلبي. 8/ 451. الحسن بن عمر الرقي أبو المليح. 2/ 360. الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل البعلبكي. 8/ 239. حسن بن عمر بن محمد الحلبي، الشافعي، المعروف بابن النّصيبي. 10/ 439. الحسن بن عيسى بن جعفر بن المعتضد، الأمير العباسي أبو محمد. 5/ 180. الحسن بن عيسى بن ما سرجس النيسابوري أبو علي. 3/ 181. حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل، العالم الحنفي. 10/ 209. حسن بن أبي فارس الحفصي الأمير. 9/ 335. الحسن بن القاسم الطبري أبو علي. 4/ 261. الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري المعروف بابن أم قاسم. 8/ 274. الحسن بن القاسم الواسطي أبو علي غلام الهرّاس. 5/ 291. حسن بن قحطبة بن شبيب الطائي. 2/ 360. حسن الكبير حسن بن أقبغا. 8/ 313. الحسن بن المبارك [1] الزّبيدي أبو علي. 7/ 229. أبو الحسن المجبر أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم البغدادي. 5/ 30. الحسن بن محمد بن إبراهيم البغدادي المالكي أبو علي. 5/ 176. الحسن بن محمد بن إبراهيم اليونارتي أبو نصر. 6/ 133. حسن بن محمد بن أحمد بن نجا الإربلي. 7/ 521.

_ [1] تنبيه: في الكتاب (الحسين بن المبارك) وهو خطأ، وما جاء من التخطئة لما في «العبر» في حاشيتي على ترجمته خطأ مني والصواب كما جاء في «العبر» والإحالة على «سير أعلام النبلاء» خطأ مني أيضا إذ ليس للمترجم ترجمة في «سير أعلام النبلاء» وإنما التبس الأمر عليّ بترجمة «الحسين بن المبارك الزّبيدي» المترجم به (22/ 357) ولتمام الفائدة راجع «الجواهر المضيئة» (2/ 78- 79) ومصادره، وأرجو المعذرة من القراء الكرام.

الحسن بن محمد الأزدي المهلّبي أبو محمد. 4/ 274. الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفراييني أبو محمد. 4/ 244. الحسن بن محمد بن إسحاق الباقرحي أبو علي. 6/ 79. الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوبي أبو علي. 7/ 279. الحسن بن محمد بن أعين الحرّاني أبو علي. 3/ 49. حسن بن محمد بن أيوب الحسني، المعروف: بابن النسابة. 9/ 451. حسن بن محمد بن أبي بكر السكاكيني. 8/ 243. الحسن بن محمد بن أبي جعفر البلخي أبو المعالي. 6/ 245. الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري أبو القاسم. 5/ 41. الحسن بن محمد بن الحسن الأداني الراذاني ثم البغدادي أبو علي. 6/ 236. الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري الهندي الصغاني رضي الدين أبو الفضائل. 7/ 431. الحسن بن محمد بن الحسن الخلال البغدادي أبو محمد. 5/ 178. حسن بن محمد بن أبي الحسن بن أبي عبد الله اليونيني البعلي. 8/ 511. الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن حمدون البغدادي أبو سعد. 7/ 60. الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي زين الأمناء أبو البركات. 7/ 217. الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر عبد الوهاب بن زين الأمناء أبو البركات. 7/ 524. حسن بن محمد الرومي الحنفي منلا بدر الدّين. 10/ 228. الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الأصل ثم الدمشقي. 8/ 373. الحسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي المجاور القرشي النابلسي. 8/ 382. حسن بن محمد شاه الفناري. 9/ 485. الحسن بن محمد بن عبد الله الطّيبي. 8/ 239. الحسن بن محمد بن علي العراقي المعروف بأبي أحمد. 9/ 46. الحسن بن محمد بن عمر الجويني أبو علي معين الدّين. 7/ 379. الحسن بن محمد بن الحنفية الهاشمي العلوي. 2/ 10. الحسن بن محمد الداركي أبو علي. 4/ 83. الحسن بن محمد بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي أبو محمد. 8/ 87. الحسن بن محمد الصباح الزعفراني أبو علي. 3/ 264. حسن بن محمد الصفدي. 8/ 110. الحسن بن محمد بن عبد العزيز التككي البغدادي أبو علي. 6/ 7.

الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن. 2/ 311. الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي. 3/ 268. أبو الحسن بن محمد بن العفيف النابلسي. 9/ 196. الحسن بن محمد بن علي الأصفهاني أبو سعيد. 4/ 373. الحسن بن محمد بن علي بن محمد الدربندي البلخي أبو الوليد. 5/ 242. الحسن بن محمد بن كيسان الحربي أبو محمد. 4/ 304. الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك التيمي النيسابوري ثم الدمشقي أبو علي الصدر البكري. 7/ 474. حسن بن محمد المقرئ الصوفي المقدسي الشافعي، المعروف بابن الشّويخ، بدر الدين. 10/ 42. الحسن بن محمد بن النضر بن أبي هريرة أبو علي. 4/ 106. الحسن بن محمد الوركاني أبو المعالي. 6/ 312. الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العباسي أبو محمد المعروف ب: المستضيء بأمر الله. 6/ 414. الحسن بن مسلم الحنبلي الفارسي أبو علي. 6/ 517. الحسن بن مكرم بن حسان أبو علي. 3/ 310. الحسن بن منصور بن محمود بن عبد العزيز الأوزجندي فخر الدين. 6/ 504- 505. حسن بن منصور بن ناصر الزرعي الشافعي. 8/ 495. الحسن بن هانئ الحكمي الأديب أبو نواس. 2/ 451. الحسن بن هبة الله بن محفوظ أبو المواهب المعروف ب: ابن صصرى التغلبي الدمشقي. 6/ 468. الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبي ناصر الدولة. 4/ 304. الحسن بن يحيى بن روبيل الدمشقي الأبّار. 6/ 160. حسن بن يحيى المزلق الدمشقي الشافعي. 10/ 505. الحسن بن يعقوب البخاري العدل أبو الفضل. 4/ 226. حسن، الشهير بابن الينابيعي الحلبي، الشافعي، بدر الدين. 10/ 424. ابن حسنويه أحمد بن علي بن الحسن النيسابوري. 4/ 260. ابن حسنويه بدر الكردي. 5/ 29. حسنويه الحسن بن إسحاق بن زياد. 3/ 190. الحسني إبراهيم بن محمد نقيب الأشراف. 10/ 86. الحسني أحمد بن علي بن محمد الفاسي. 9/ 198. الحسني داود بن بدر الصوفي. 9/ 496. الحسني داود بن محمد بن داود بن عبد الله

الحميري. 8/ 517. الحسني محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي. 8/ 529. الحسني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الفاسي ثم المكي. 8/ 591. الحسني محمد بن حسن بن علي بن قتادة أبو نمي. 8/ 6. الحسني محمد بن محمد بن محمد بن أبي زيد. 6/ 317. الحسنية فاطمة بنت أحمد بن محمد علي بن محمد بن علي. 9/ 154. الحسوي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزبيدي المالكي. 10/ 297. ابن حسيتا علي بن رشيد بن أحمد بن محمد الحربوي. 7/ 32. الحسين بن إبراهيم الجمال الأصبهاني أبو عبد الله. 5/ 106. الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الجوزقاني الهمذاني. 6/ 222. الحسين بن إبراهيم الهذباني الشرف الإربلي أبو عبد الله. 7/ 474. حسين بن أحمد بن إبراهيم الخوارزمي. 10/ 460. حسين بن أحمد بن حسين الموصلي الأصل العزازي الحلبي، الشافعي، المعروف بابن الأطعاني. 10/ 82. ابن أبي الحسين أحمد بن حمزة بن علي بن الحسن السّلمي أبو الحسين بن الموازيني. 6/ 465. الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي أبو عبد الله. 4/ 472. الحسين بن أحمد الكرخي أبو عبد الله. 7/ 28. الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن الحجاج البغدادي أبو عبد الله، المعروف ب: ابن حجاج الأديب. 4/ 487. الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب القادسي البغدادي البزاز أبو عبد الله. 5/ 201. النعالي، الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمامي أبو عبد الله. 5/ 404. الحسين بن أحمد بن محمد القرشي الدمشقي الخطيب أبو نصر المعروف ب: ابن طلاب. 5/ 301. الحسين بن أحمد الهمذاني أبو عبد الله الملقب ب: ابن خالويه. 4/ 378. الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم الأنصار الهروي ابن حزم أبو علي. 4/ 7. الحسين بن إسماعيل المحاملي الضبي البغدادي أبو عبد الله. 4/ 170. الحسين بن بدران بن داود البابصري البغدادي. 8/ 277. الحسين بن أبي بكر بن الحسين الإسكندري المالكي النحوي. 8/ 227. الحسين بن بويه أبو علي ركن الدولة. 4/ 352. الحسين بن الجصاص الجوهري أبو عبد الله. 4/ 12. الحسين بن أبي جعفر أبو علي، عميد الجيوش. 5/ 7.

حسين جلبي متولي تكية السلطان سليم خان بالصالحية بدمشق. 10/ 505. الحسين بن حريث المروزي الحافظ أبو عمار. 3/ 202. الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي أبو عبد الله. 4/ 219. الحسين بن الحسن الرازي أبو معين وقيل: محمد بن الحسين. 3/ 305- 306. حسين بن حسن بن عمر البيري الحلبي الشافعي الصوفي حسام الدين. 10/ 153. الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي الدمشقي بن البن أبو القاسم. 6/ 262. الحسين بن الحسن بن محمد بن حليس الغضائري المخزومي البغدادي أبو عبد الله. 5/ 73. الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الحليمي أبو عبد الله. 5/ 19. الحسين بن الحسن المروزي أبو عبد الله. 3/ 212. الحسين بن الحسين الغوري علاء الدين. 6/ 295. الحسين بن الحسين الفانيدي البغدادي أبو سعد. 5/ 413. الحسين بن الحسين بن المنذر البغدادي أبو القاسم. 5/ 64. الحسين بن حفص الهمداني الكوفي. 3/ 57. الحسين بن حمدان التغلبي. 4/ 33. الحسين بن الخضر النجاري الفشيديزجي أبو علي. 5/ 119. حسين بن داود المصيصي المحتسب أبو علي. المشهور ب سنيد. 3/ 120. حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير. 8/ 192. الحسين بن سعيد بن شنيف أبو عبد الله الأمين. 7/ 78. حسين بن سليمان بن أحمد الأسطواني الصالحي الحنبلي. 10/ 255. حسين بن سليمان بن فزارة الكفري. 8/ 93. الحسين بن صالح بن خيران البغدادي أبو علي. 4/ 103. الحسين بن الصديق بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل، اليمني، الشافعي، بدر الدّين. 10/ 29. الحسين بن صفوان البردعي أبو علي. 4/ 219. حسين الصوفي أبو علي. 9/ 525. الحسين بن الضحاك بن ياسر الشاعر البصري المعروف بالخليع. 3/ 234. حسين بن عبد الرحمن الرّومي الحنفي، حسام الدّين. 10/ 139. حسين بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الكيلاني الحلبي، الحموي عفيف الدّين. 10/ 424. الحسين بن عبد الله البغدادي النجاد الصغير أبو علي. 4/ 319. الحسين بن عبد الله بن الحسن بنعلي بن سينا الرئيس أبو علي. 5/ 132. الحسين بن عبد الله بن الحسين بن يعقوب البجاني المالكي أبو علي. 5/ 106.

أبو الحسين [بن أبي عبد الله بن حمزة] [1] المقدسي. 6/ 250. الحسين بن عبد الله العيدروسي. 10/ 113. الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أبي كامل الأطرابلسي. 5/ 73. حسين بن عزيز القيمري ناصر الدين. 7/ 552. حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس. 9/ 309. الحسين بن علي بن أحمد بن محمد البندار البغدادي أبو عبد الله المعروف ب: ابن البسري. 5/ 415. الحسين بن علي بن إسحاق بن سلام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الشافعي. 8/ 81. الحسين بن علي الأصبهاني الطغرائي أبو إسماعيل الوزير مؤيد الدين. 6/ 68. حسين بن علي البصري، الجعل. 4/ 373. الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير الموصلي. 8/ 321. الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجرباذقاني ابو عبد الله المعروف بابن ماكولا. 5/ 201. حسين بن علي الجعفي الكوفي المقرئ الحافظ. 3/ 13. الحسين بن علي بن الحسين الطبري أبو عبد الله. 5/ 420. الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله البغدادي أبو محمد، ابن رئيس الرّؤساء. 7/ 299. حسين بن علي الحصكفي الشافعي. 10/ 526. الحسين بن علي سبط الخياط البغدادي أبو عبد الله. 6/ 188. حسين بن علي بن سبع المالكي البوصيري. 9/ 330. حسين بن علي بن سيد الكل الأزدي المهلّبي الأسواني. 8/ 212. الحسين بن علي الشحامي النيسابوري أبو علي. 6/ 229. حسين بن علي الشيعي المغربي الوزير أبو القاسم. 5/ 91. الحسين بن علي الصيمري أبو عبد الله. 5/ 168. الحسين بن علي بن العباس بن الفضل بن زكريا بن النضر بن شميل بن سويد النضري الهروي. 5/ 12. الحسين بن علي الكرابيسي الفقيه المتكلم أبو علي. 3/ 222. الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي المصري ثم الدمشقي أبو الطيب. 8/ 304. الحسين بن علي بن محمد البرذعي الهمذاني. 5/ 99. حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي/ المعروف بابن قاضي أذرعات. 9/ 158. حسين بن علي بن محمد بن داود البيضاوي المعروف بالزّمزمي. 9/ 219.

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة من «سير أعلام النبلاء» (20/ 380) .

الحسين بن علي بن محمد بن العماد الكاتب. 8/ 211. الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي النيسابوري أبو أحمد حسينك الحافظ. 4/ 400. الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري أبو علي. 4/ 257. الحسين بن عمر بن باز الموصلي أبو عبد الله. 7/ 176. الحسين بن عمر بن برهان الغزال البغدادي أبو عبد الله. 5/ 65. الحسين بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي شرف الدين. 8/ 433. حسين بن عمر بن محمد النّصيبي الشافعي بدر الدين. 10/ 652. الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي المفسر نزيل نيسابور. 3/ 335. الحسين بن القاسم الوزير. 4/ 113. حسين القرمطي صاحب الشامة. 3/ 382. الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم بن موسى بن عمران الربعي الزبيدي سراج الدّين أبو عبيد الله. 7/ 252. الحسين بن محمد إبراهيم الدمشقي المعدل الصالح «صاحب الأجزاء الحنائيات» أبو القاسم الحنائي. 5/ 253. الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ما سرجس النيسابوري الماسرجسي أبو علي. 4/ 344. حسين بن محمد بن أحمد المروذي المروروذي أبو علي. 5/ 259. الحسين بن محمد الجياني الغسّاني أبو علي. 5/ 129 و 420. الحسين بن محمد بن حاتم الحافظ أبو علي الملقب (عبيد العجل) . 3/ 397. الحسين بن محمد بن حبش الدينوري أبو علي. 4/ 393. الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه الثقفي الدينوري أبو عبد الله. 5/ 74. حسين بن محمد بن حمزة بن أحمد بن علي بن محمد السيد الشريف الحسيني الشافعي الدمشقي. 10/ 529. الحسين بن محمد الزينبي أبو طالب نور الهدى. 6/ 55. الحسين بن محمد الطوسي الرّوذباري أبو علي. 5/ 19. الحسين بن محمد بن عبد الواحد الوني البغدادي أبو عبد الله. 5/ 215. العسكري، الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق أبو عبد الله. 4/ 401. الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي الدباس أبو عبد الله البارع. 6/ 114. الحسين بن محمد بن فهم البغدادي الحافظ أبو علي. 3/ 374. حسين بن محمد بن فيرّه بن حيون الصدفي السرقسطي الأندلسي أبو علي ابن سكّرة. 6/ 70. حسين بن محمد القباني النيسابوري الحافظ أبو علي. 3/ 374.

حسين بن محمد بن محمد القاضي الحنفي وقيل الشافعي، عفيف الدين أبو الطيب. 10/ 66. حسين بن محمد المروذي أبو أحمد. 3/ 68. الحسين بن محمد بن المطبقي البغدادي أبو عبد الله. 4/ 147. الحسين بن مسعود بن محمد بن الفرّاء البغوي أبو محمد. 6/ 79. الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي الحرّاني أبو عروبة. 4/ 89. حسين المكّي المالكي، القاضي الشريف. 10/ 616. الحسين بن منصور السلمي النيسابوري الحافظ أبو علي. 3/ 173. الحسين بن منصور بن محمى الفارسي الحلاج أبو عبد الله. 4/ 41. الحسين بن أبي نصر بن الحسين بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي، المعروف بابن القارص. 7/ 28. الحسين بن نصر الموصلي الجهني بن خميس أبو عبد الله الملقب بتاج الإسلام. 6/ 269. الحسين بن هارون الضّبّي البغدادي أبو عبد الله. 4/ 514. الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد التغلبي الدمشقي بن صصرى أبو القاسم. 7/ 208. الحسين بن واقد المروزي. 2/ 256. الحسين بن الوليد النيسابوري. 3/ 13. الحسين بن يحيى بن أبي الرداد المصري وسمي أيضا محمد. 7/ 155. الحسين بن يحيى المتوثي القطان أبو عبد الله. 4/ 185. الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السري الدجيلي ثم البغدادي أبو عبد الله. 8/ 173. حسين بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسيني السبتي أبو علي. 8/ 297. حسينك الحسين بن علي بن محمد التميمي النيسابوري. 4/ 400. الحسيني إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن العراقي. 8/ 142. الحسيني أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي. 9/ 40. الحسيني أحمد بن عبد الله الرحمن بن محمد بن عبد الله الشيرازي الأيجي. 9/ 537. الحسيني أحمد بن عجلان بن رميثه (أمير مكة) . 8/ 514. الحسيني أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان، الشريف الدمشقي. 9/ 293. الحسيني أحمد بن علي، النّقيب أبو عبد الله. 6/ 382. الحسيني أحمد بن علي بن يحيى الدمشقي. 9/ 43. الحسيني أحمد بن علي بن يحيى الدمشقي. 9/ 43. الحسيني أحمد بن ولي الدين الرومي الشهير بأحمد باشا. 10/ 21. الحسيني أميان بن مانع بن علي بن عطية. 9/ 416. الحسيني جعفر بن محيي الدين محمد بن عدنان. 8/ 62. الحسيني الحسن بن محمد بن شرف شاه الأستراباذي. 8/ 87.

الحسيني حسين بن كمال الدّين محمد بن عز الدّين حمزة بن أحمد بن علي بن محمد السيد الشريف الحسيني. 10/ 529. الحسيني حميد الله بن أفضل الدّين الحنفيّ. 10/ 54. الحسيني عبد الرحمن بن حسين الرّومي الحنفي. 10/ 434. الحسيني عبد الرحمن بن حسين الرّومي الحنفي. 10/ 434. الحسيني عبد الرحمن بن محمد بن محمد الفاسي. 9/ 79. الحسيني علي بن محمد الحسيني العجلوني البروسوي، المعروف بالحديدي علاء الدين. 10/ 282. الحسيني علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الدمشقي. 9/ 202. الحسيني محمد بن أحمد بن محمد الشريف أبو القاسم. 8/ 331. الحسيني محمد بن الحسين الحسيني السّمرقندي. 10/ 642. الحسيني محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري المعروف بشصلي أمير. 10/ 490. الحسيني محمد بن عدنان بن حسن الدمشقي. 8/ 105. الحسيني محمد بن محمد بن زيد العلوي. 5/ 348. الحسيني محمد بن نصير بن علي. 7/ 703. الحسيني ناصر بن الحسن. 6/ 349. الحشيبري محمد بن علي الحشيبري. 10/ 652. ابن حشيش محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني أبو بكر. 4/ 442. ابن حشيش هبة الله بن مسعود. 8/ 160. الحصّار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الداني. 7/ 68. الحصائري الحسن بن حبيب الدمشقي. 4/ 204. ابن الحصري أحمد بن عبد الله بن عبد القادر البغدادي الصالحي الحنفي شهاب الدين. 10/ 402. الحصري علي بن عبد الغني الفهري أبو الحسن. 5/ 381. ابن الحصري محمد بن المبارك بن الحسين أبو البركات. 6/ 355. الحصكفي أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن موسى الحصكفي المعروف بابن المنلا. 10/ 650. الحصكفي حسن بن علي بن يوسف بن المختار الإربلي الحلبي. 10/ 185. الحصكفي حسين بن علي الحصكفي. 10/ 526. الحصكفي علي بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم الموصلي الشافعي. 10/ 189. الحصكفي محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي. 10/ 222. الحصكفي محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي. 10/ 534. الحصكفي يحيى بن سلامة. 6/ 279.

الحصني أبو بكر بن محمد بن شادي. 9/ 495. الحصني أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن. 9/ 273. الحصني عبد المحسن بن عبد الكريم بن ظافر بن رافع الحصري. 7/ 207. الحصني محمد بن الحسن بن محمد الحسني. 9/ 303. الحصني محمد الحصني شمس الدّين. 10/ 295. الحصني مكين الدّين بن عبد العظيم بن أبي الحسن المصري. 7/ 599. حصيب أو حصين بن جندب الجنبي الكوفي أبو ظبيان. 1/ 359. الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب أبو الحسين. 5/ 81. ابن الحصيري أحمد بن محمود البخاري. 7/ 769- 770. الحصيري جعفر بن أحمد بن نصر النيسابوري. 4/ 20. ابن الحصيري محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري. 7/ 319. ابن الحصيري نصر بن محمد بن علي بن البخاري. 7/ 319. ابن الحصيري نصر بن محمد بن علي بن أحمد الهمذاني. 7/ 146. حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي الحافظ. 2/ 158. حصين بن نمير السكوني. 1/ 292. ابن الحصين هبة الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الواحد الشيباني البغدادي. 6/ 127. الحصيني محمد بن مسلّم الحصيني. 10/ 562. الحضرمي أحمد بن أبي بكر الزبيدي. 8/ 508. الحضرمي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل. 7/ 630. الحضرمي بأفضل حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحضرمي. 10/ 567. الحضرمي الحسن بن حماد البغدادي سجادة. 3/ 189. الحضرمي حيوة بن شريح الحمصي. 3/ 109. الحضرمي ربيعة بن الحسن اليمني الصنعاني. 7/ 69. الحضرمي عبد الرحمن بن جبير بن نفير. 2/ 85. الحضرمي عبد الله بن محمد باقشير اليمني الحضرمي. 10/ 462. الحضرمي العلاء بن الحارث الشامي. 2/ 160. الحضرمي علقمة بن مرثد الحضرمي. 2/ 90. الحضرمي محمد بن إسماعيل. 7/ 433. الحضرمي محمد بن الحسن بن سماعة الكوفي. 4/ 9. الحضرمي محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحضرمي أبو عبد الله. 6/ 488. الحضرمي محمد بن هارون أبو حامد. 4/ 110. الحضرمي يعقوب بن إسحاق. 3/ 29.

ابن الحطّاب محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي. 6/ 124- 125. حضرة العطاري محمد بن أسعد بن محمد الطوسي أبو منصور. 6/ 397. الحطّاب محمد بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد الرّعيني. 10/ 408. ابن الحطيئة أحمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي الفاسي. 6/ 314. الحطّيني [1] هياج بن عبيد الحطيني أبو محمد. 5/ 311. ابن الحظيري عبد القادر بن يوسف بن مظفر الدمشقي. 8/ 70. الحفّار هبة الله بن أحمد أبو بكر. 6/ 302. الحفّار هلال بن محمد بن جعفر أبو الفتح. 5/ 76. الحفريّ عمر بن سعد أبو داود. 3/ 14. حفص بن سليمان الغاضري الكوفي. 2/ 357. حفص بن عبد الرحمن البلخي ثم النيسابوري. 2/ 471. حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري أبو عمرو. 3/ 46. حفص بن عمر الأردبيلي أبو القاسم. 4/ 207. حفص بن عمر الحوضي الحافظ أبو عمر. 3/ 115. حفص بن عمر الضرير البصري أبو عمر. 3/ 97. حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان الدوري أبو عمر. 3/ 212. حفص بن غياث بن طلق النخعي أبو عمر. 2/ 440. حفص بن ميسرة الصنعاني. 2/ 360. حفصة بنت سيرين. 2/ 12. حفصة بنت عمر رضي الله عنه، أم المؤمنين. 1/ 229. الحفصي أحمد بن محمد بن أبي العباس. 9/ 131. الحفصي حسن بن أبي فارس الأمير. 9/ 335. الحفصي محمد بن أحمد بن عبيد الله المروزي أبو سهل. 5/ 283. الحفناوي يوسف بن خالد بن أيوب. 9/ 277. الحفّة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل. 8/ 322. الحفيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي أبو زيد. 8/ 528. ابن الحكّار عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي. 8/ 528. ابن الحكّار محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد أبو البركات. 8/ 582. الحكّار محمد بن يوسف بن أبي المجد. 8/ 626. الحكّاك جعفر بن يحيى، أبو الفضل. 5/ 362. الحكري إبراهيم بن عبد الله المصري. 8/ 457.

_ [1] وقعت في متن الكتاب «الخطيبي» وهو خطأ والصواب ما أثبته هنا، وقد نبهت على هذا الخطأ عند موقع الترجمة من الكتاب.

الحكري علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله المصري. 9/ 91. الحكري محمد بن علي المصري. 9/ 325. الحكري مغلطاي بن قليج بن عبد الله. 8/ 337. الحكم بن أبان العدني. 2/ 248. الحكم بن أبي العاص عم عثمان رضي الله عنه. 1/ 193. الحكم بن عبد الله البلخي الفقيه أبو مطيع. 2/ 471. الحكم بن عتيبة بن النهّاس العجلي الكوفي. 2/ 471. الحكم بن عتيبة بن النهّاس العجلي الكوفي. 2/ 75. الحكم بن عتيبة أبو محمد الكندي الكوفي. 2/ 75. حكم بن محمد بن حكم الجذامي أبو العاص القرطبي. 5/ 201. الحكم بن معبد الخزاعي الفقيه. 3/ 401. الحكم بن موسى القنطري البغدادي الحافظ أبو صالح. 3/ 149. الحكم بن نافع البهراني الحمصي الحافظ أبو اليمان. 3/ 102. الحكمي عمارة بن علي بن زيدان المذحجي اليمني. 6/ 387. الحكمي محمد بن عبد الرحمن بن سامة بن كوكب الطائي السّوادي. 8/ 33. الحكيم البغدادي أحمد بن عبد المنعم. 7/ 193. حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي. 1/ 254. أبو حكيم الخبري. 5/ 329. ابن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحموي. 7/ 631. الحكيمي محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب. 4/ 198. الحلّاج الحسين بن منصور بن محمّى الفارسي. 4/ 41. الحلاج هبة الله بن عمر بن كمال الحربي أبو بكر. 7/ 295. الحلالي عبد الرحمن بن محمد القزويني. 9/ 316. ابن الحلاوي أحمد بن محمد بن أبي الوفاء الهزبر. 7/ 473. الحلاوي عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك الهندي. 9/ 101. الحلاوي علي بن عبد الصمد. 8/ 475. الحلاوي غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب. 7/ 727. الحلاوي محمد بن المبارك بن الحسين الحربي. 6/ 472. ابن الحلاوي محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي المأموني. 7/ 89. الحلاوي يوسف بن أحمد أبو المظفر. 7/ 296. ابن حلبس يونس بن ميسرة. 2/ 147. الحلبوني عثمان بن عبد الله الصعيدي. 8/ 32. الحلبي إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن هبة الله الحنفي. 8/ 413.

الحلبي إبراهيم بن رضوان الشافعي. 9/ 389. الحلبي إبراهيم بن عيسى. 8/ 500. الحلبي أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المصري الحسيني. 7/ 750. الحلبي أحمد بن هلال (شهاب الدين) . 9/ 239. الحلبي إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن نصر الدمشقي. 8/ 221. الحلبي الحسين بن عمر بن الحسن. «شرف الدين» . 8/ 433. الحلبي خليل بن محمد بن عبد الله. 8/ 602. الحلبي سعيد بن عبد العزير. 4/ 89. الحلبي سليمان بن محمد بن حميد النيربي الصابوني. 8/ 400. الحلبي سليمان بن مسعود، أبو داود. 7/ 287. الحلبي طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن. 9/ 112. الحلبي عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان. 7/ 189. الحلبي عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم. 8/ 501. الحلبي عبد الكريم بن عبد النور بن منير. 8/ 193. الحلبي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير. 9/ 126. الحلبي علاء الدين بن محمد بن عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب. 8/ 405. الحلبي علي بن خير الدين، الحلبي، الحنفي علاء الدين. 10/ 252. الحلبي علي بن محمد بن إسحاق أبو الحسن. 4/ 507. الحلبي محمد بن سليمان بن معالي ابن المغربي. 7/ 766. الحلبي محمد شفليش شمس الدّين. 9/ 326. الحلبي محمد بن محمد بن محمود الحلبي. 8/ 406. ابن الحلبي محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز. 9/ 129. الحلوائي يوسف بن الحسن بن الحسن بن محمود السّرائي. 9/ 37 و 73. الحلواني أحمد بن علي بن بدران. 6/ 27. الحلواني أحمد بن يحيى. 3/ 410. الحلواني الحسن بن علي الخلّال. 3/ 192. الحلواني عبد الرحمن بن محمد بن علي أبو محمد. 6/ 237. ابن الحلوانية أحمد بن المسلم بن حماد الأزدي. 7/ 560. الحلّي راجح بن إسماعيل. 7/ 217. الحلّي النجيب بن العود «أبو القاسم» . 7/ 637. ابن الحليم محمد بن أسعد بن محمد بن نصر البغدادي. 6/ 361. الحليمي أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الورّاق. 5/ 180. حمّاد بن أسامة الكوفي الحافظ أبو أسامة. 3/ 5.

حماد بن إسحاق بن إسماعيل الفقيه، القاضي أبو إسماعيل. 3/ 287. حماد بن أبي حنيفة. 2/ 344. حماد بن زيد بن درهم الأزدي البصري الضرير أبو إسماعيل. 2/ 354. حماد بن سلمة بن دينار البصري الحافظ. 2/ 296. أبو إسماعيل حمّاد بن أبي سليمان الأشعري. 2/ 89. حماد بن القطان. 8/ 129. حماد بن أبي ليلى الديلمي الكوفي (حمّاد الراوية) . 2/ 253. حمّاد بن مالك الأشجعي الحرستاني. 3/ 130. حماد بن مسعدة. 3/ 6. حماد بن مسلم بن ددّوة الدباس الرحبي أبو عبد الله. 6/ 122. حماد بن هبة الله بن حماد بن الفضل بن الفضيلي الحراني أبو الثناء. 6/ 545. الحمّادي محمد بن محمد بن موسى البقاعي العبّادي. 10/ 648. ابن حمارة أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الأنطاكي. 10/ 423. الحمّال بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد. 4/ 76. الحمّال هارون بن عبد الله الحافظ البغدادي أبو موسى. 3/ 199. حمام بن أحمد القرطبي القاضي أبو بكر. 5/ 107. الحمامي أحمد بن أبي طالب البغدادي الزانكي. 8/ 36. ابن الحمامي أحمد بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس الدينوري. 6/ 406. الحمّامي إسماعيل بن علي بن الحسين النيسابوري. 6/ 261. الحمامي الأنجب بن أبي السعادات البغدادي. 7/ 298. الحمامي علي بن أحمد بن عمر البغدادي أبو الحسن. 5/ 88. الحمامي علي بن يحيى. 7/ 70. الحمامي محمد بن بدر الطولوني. 4/ 341. الحمّامي يوسف المصري المالكي. 10/ 80. الحمّاني جبارة بن المغلّس الكوفي. 3/ 189. الحمّاني عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي. 3/ 9. الحمّاني يحيى بن عبد الحميد الكوفي «أبو زكريا» . 3/ 134. ابن أبي الحمائل محمد السروي شمس الدين. 10/ 259. حمد بن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد أبو الفضل. 5/ 368. حمد بن أحمد بن محمد بن صديق بن صروف الحراني موفق الدين. 7/ 286- 291. حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي أبو سليمان. 4/ 471. حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن معروف الهمذاني الأعمش أبو العلاء. 6/ 50.

حمدان أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري. 3/ 278. ابن حمدان محمد بن أحمد أبو العباس. 4/ 322. ابن حمدون محمد بن الحسن. 6/ 342. ابن حمدون الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد البغدادي. 7/ 60. ابن حمدويه أحمد بن محمد بن أحمد الرزاز. 5/ 305. حمدويه حميد بن مسعدة بن المبارك السامي البصري. 3/ 202. الحمراني أشعث بن عبد الملك. 2/ 210. الحمراوي محمد بن أحمد بن يوسف بن أبي بكر الشهير بابن الحمراوي. 10/ 559. حمزة بن أحمد بن فارس بن كروس السلمي الدمشقي أبو يعلى. 6/ 298. ابن حمزة الحافظ إبراهيم بن محمد بن عمارة. 4/ 278. حمزة بن حبيب التيمي الكوفي الزيات أبو عمارة. 2/ 255. حمزة بن راشد التميمي الدمشقي أبو يعلى المعروف ب: العميد بن القلانسي. 6/ 290. حمزة بن العباس العلوي الأصبهاني أبو محمد. 6/ 89. حمزة بن عبد العزيز بن محمد المهلبي النيسابوري أبو يعلى. 5/ 41. حمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم. 1/ 120. حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي بكر بن علي بن محمد النّاشري اليمني الشافعي. 10/ 197. حمزة بن علي بن حمزة بن فارس بن القبيّطي البغدادي أبو يعلى. 7/ 13. حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله السبكي المالكي أبو يعلى. 8/ 433. حمزة بن علي بن هبة الله الثعلبي الدمشقي البزاز أبو يعلى المعروف ب: ابن الحبوبي. 6/ 291. حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزال الأنصاري الإسكندراني أبو القاسم. 7/ 365. حمزة بن عمرو الأسلمي. 1/ 280. حمزة الكرماني الرّومي الحنفي الصوفي، نور الدّين. 10/ 500. حمزة بن الكيال البغدادي أبو يعلى. 5/ 307. حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق أبو طاهر. 5/ 119. حمزة بن محمد بن العباس الدهقان العقبي أبو أحمد. 4/ 248. حمزة بن محمد بن علي البغدادي أبو يعلى. 6/ 14. حمزة بن محمد بن علي بن العباس الكناني المصري أبو القاسم. 4/ 299. حمزة بن محمد بن عيسى الكاتب. 4/ 13. حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدران أبو يعلى المعروف بابن شيخ السلامية أبو يعلى. 8/ 367. حمزة المولى العالم الرومي الحنفي الشهير، بليس جلبي، نور الدين. 10/ 82.

حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي. 8/ 156. حمزة، نور الدين، المولى الشهير: بأوج باشا الحنفي، المولى. 10/ 371. حمزة بن يوسف الجرجاني المعروف ب: القاسم السهمي. 5/ 128. ابن حمشاد إسحاق بن حمشاد «الزاهد الواعظ» . 4/ 433. ابن حمشاد علي بن محمد بن سختونة النيسابوري. 4/ 206. ابن حمصة علي بن عمر الحراني المصري الصواف. 5/ 184. الحمصي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد. 9/ 464. الحمصي أبو بكر بن محمد المنجبي، أبو الصدق. 9/ 500. الحمصي سالم بن سعادة. 7/ 148. الحمصي عبد الغافر بن سلامة أبو هاشم. 4/ 171. الحمصي عمرو بن عثمان. 3/ 235. الحمصي فارس بن أحمد الضرير أبو الفتح. 5/ 13. الحمصي محمد بن مهاجر. 2/ 326. الحموي أحمد بن إدريس بن محمد بن مزيز. 8/ 182. ابن الحموي أحمد بن أبي بكر بن سليمان الدمشقي. 7/ 699. الحموي أحمد بن تقي الدين أبي بكر بن محمود الحموي الحلبي. 10/ 269. الحموي إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم. 8/ 416. الحموي إسماعيل بن عمر الدمشقي. 8/ 136. الحموي جعفر بن زيد بن جامع الشامي. 6/ 285. الحموي الحجار. 8/ 200. الحموي عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم القاهري. 8/ 544. الحموي عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرنا. 7/ 458. الحموي عثمان بن يوسف الدمشقي. 10/ 56. الحموي علي بن محمد بن حسن الشافعي. علاء الدّين. 10/ 339. الحموي علي بن محمد بن محمد بن الشيخ علوان الحموي. 10/ 593. الحموي محمود بن أبي بكر بن محمود المعري الحموي الحلبي الشافعي. 10/ 266. ابن حمّوية عبد الله بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصوفي. 7/ 371. ابن حمّويه محمد بن المؤيد بن عبد الله بن علي الجويني. 7/ 434. ابن حمّويه المرّار الثقفي الهمذاني «أبو أحمد» . 3/ 243. ابن حمّويه يوسف بن محمد بن عمر بن علي بن محمد الجويني. 7/ 413. حميد بن زنجويه الحافظ أبو أحمد. 3/ 235. أبو حميد الساعدي. 1/ 271.

حميد الطويل واسم أبي حميد تيرويه أحد الثقات التابعين البصريين أبو عبيدة. 2/ 198. حميد بن عبد الرحمن الرؤسي الكوفي. 2/ 417. حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. 1/ 386. حميد بن عبد الله السندي. 10/ 631. حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي، أمير خراسان. 2/ 268. حميد بن مسعدة بن المبارك السامي البصري الثقة المعروف ب: «حمدويه» . 3/ 202. حميد بن قحطبة. 2/ 216. حميد بن هانئ الخولاني المصري. 2/ 197. حميد الله بن أفضل الدين الحسيني الحنفيّ، حميد الدين. 10/ 54. الحميدي إبراهيم بن عبد الله الحميدي. 10/ 541. الحميدي محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الميورقي. 5/ 390. الحميدي يعقوب الحميدي الشهير بآجه خليفة المولى. 10/ 223. الحميدي يوسف بن محمد بن عبد الله. 9/ 223. الحميري زيري بن مناد الصنهاجي. 4/ 309. الحميري علي بن أبي بكر بن محمد بن علي بن شداد اليمني أبو الحسن. 8/ 380. الحميري علي بن عمر الحربي أبو الحسن. 4/ 459. الحميري علي بن محمد بن هارون الكوفي. 4/ 124. الحميري محمد بن عمر بن مبارك الحميري الشهير ببحرق. 10/ 244. حميضة بن أبي نمي الحسني. 8/ 97. ابن حنا علي بن محمد بن سليم المصري. 7/ 624. ابن حنا محمد بن محمد بن علي بن محمد. 8/ 28. الحنّاط أبو بكر بن عياش الأسدي الكوفي. 2/ 430. الحناط الحسن بن عبد الرحمن المكي المعدل. 5/ 311. الحناط عبد ربه بن نافع الكوفي. 2/ 329. الحناط فطر بن خليفة أبو بكر الكوفي. 2/ 244. الحنائي أحمد بن محمد بن إبراهيم الفيشي. 9/ 381. الحنائي عبد بن جابر بن ياسين أبو محمد. 5/ 405. الحنائي عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي. 5/ 8. الحنائي علي بن محمد بن إبراهيم الدمشقي. 5/ 138. الحنّائي محمد بن الحسين بن محمد الدمشقي، أبو طاهر. 6/ 47. حنبل بن إسحاق الحافظ أبو علي. 3/ 307.

حنبل بن عبد الله بن الرصافي المكبر أبو عبد الله. 7/ 24. حنبل بن علي البخاري السجزي أبو جعفر. 6/ 209. ابن الحنبلي إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن الشهير بابن الحنبلي. 10/ 465. الحنبلي أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر. 9/ 458. ابن الحنبلي أحمد بن نجم بن عبد الوهاب. 7/ 210. الحنبلي عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبال الطرابلسي. 9/ 474. ابن الحنبلي عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب السعدي العبادي. 7/ 288. الحنبلي عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر. 7/ 634. الحنبلي عبد العزيز بن جعفر بن أحمد أبو بكر. 4/ 335. ابن الحنبلي عبد الله بن عبد الرحمن بن نجم الزين. 7/ 673. ابن الحنبلي عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب. 7/ 367. الحنبلي عثمان بن أسعد أبو الفتح. 7/ 366. ابن الحنبلي محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن رضي الدّين أبو عبد الله المعروف بابن الحنبلي. 10/ 533. ابن الحنبلي مظفر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد. 6/ 254. ابن الحنبلي يحيى بن عبد الرحمن بن النجم. 7/ 592. ابن حنزابة البغدادي جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات أبو الفضل. 4/ 485. حنش بن عبد الله الصنعاني. 1/ 404. حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي المكي. 2/ 236. الحنفي أحمد بن علي بن أيوب. 8/ 602. الحنفي سليم بن عيسى. 2/ 406. أبو حنيفة النعمان النعمان بن ثابت الكوفي الإمام الكبير. 2/ 229. ابن حنين إبراهيم بن عبد الله. 2/ 11. حنين بن إسحاق النصراني شيخ الأطباء بالعراق. 3/ 265. الحنيني محمد بن الحسين بن أبي الحنين الكوفي. 3/ 321. ابن الحوائج كاش أبو بكر بن خليل بن عمر النابلسي الصفدي. 9/ 522. ابن أبي الحواري أحمد بن أبي الحواري، أبو الحسن. 3/ 211. الحواري عبد الله بن أبي القاسم بن يوسف الأموي. 7/ 545. الحواري أبو القاسم بن يوسف بن أبي القاسم. 7/ 544. ابن حواري نصر الله بن عبد المنعم التنوخيّ. 7/ 595. الحوراني أبو بكر بن عثمان بن خليل المقدسي. 9/ 69. الحوراني علي بن سلطان الشافعي علاء الدين. 10/ 270.

الحوراني عيسى بن بركة بن والي. 7/ 788. الحوراني محمد بن حميد أبو الطيب. 4/ 224. الحوارني محمد بن سليم بن كامل الدمشقي. 9/ 58. الحوراني موسى بن علي الشافعي. 10/ 19. الحوضي حفص بن عمر الحافظ. 3/ 115. ابن حوط الله داود بن سليمان بن داود الأنصاري. 7/ 167. الحوفي علي بن إبراهيم بن سعيد أبو الحسن. 5/ 152. أم الحياء زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر الأنبارية. 7/ 279. حي بن يومن المعافري أبو عشانة. 2/ 86. حياك الله محمد بن محمود بن الحسين بن الحسن الموصلي. 8/ 64. حيان بن خلف بن حسين بن حيان القرطبي أبو مروان. 5/ 296. أبو حيان محمد بن حيان بن محمد بن يوسف الغرناطي ثم المصري. 9/ 93. ابن حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف. 8/ 251. حياة بن قيس الحراني. 6/ 442. ابن حيد بكر بن محمد بن علي بن محمد النيسابوري، الشيخ المؤتمن. 5/ 272. حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر الدهقلي الشيرازي. 8/ 496. حيدرة بن حنش السلطان، صاحب أحور. 10/ 605. حيدرة الشيرازي الرومي. 9/ 212. حيدرة بن علي الأنطاكي المعبر أبو المنجى. 5/ 297. ابن حيدرة لاحق بن أبي الفضل بن علي. 6/ 566. ابن حيدرة محمد بن عبد الصمد بن عبد الله السلمي. 7/ 491. ابن حيدرة محمد بن محمد بن عبد الرحمن الدجوي. 9/ 129. ابن حيدرة هبة بن يحيى بن علي المصري. 6/ 565. الحيري أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي النيسابوري. 5/ 103. الحيري أحمد بن حمدان بن علي بن سنان. 4/ 55. الحيري أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم. 4/ 82. الحيري أحمد بن محمد بن الزاهد سعيد النيسابوري. 4/ 278. الحيري إسماعيل بن أحمد النيسابوري. 5/ 150. الحيري سعيد بن إسماعيل، أبو عثمان، شيخ نيسابور. 3/ 418. الحيري ظريف بن محمد بن عبد العزيز النيسابوري. 6/ 89. الحيري محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري. 4/ 405. الحيشي محمد بن أبي بكر، تقي الدين أبو بكر. 10/ 234.

الحيص بيص سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي شهاب الدين. 6/ 409. ابن حيكا عبد الرحمن بن محمد أبو سعيد. 4/ 397. ابن أبي الحيل محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد، المعروف بابن أبي الجود. 10/ 583. ابن حيوس محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس أبو الفتيان. 5/ 313. ابن حيون محمد بن إبراهيم الأندلسي الحجازي. 4/ 28. ابن حيون هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم أبو الحسين. 5/ 207. ابن حيوة رجاء الكندي الشامي. 2/ 64. حيوة بن شريح الحضرمي الحمصي الحافظ أبو العباس. 3/ 109. حيوة بن شريح أبو زرعة. 2/ 260. ابن حيويه محمد بن العباس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزاز. 4/ 432. ابن حيويه محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري. 4/ 355. حيويه محمد بن يحيى بن موسى الإسفراييني. 3/ 263. حييّ بن هانئ المعافري، أبو قبيل. 2/ 122.

حرف الخاء الخابوري أحمد بن عبد الله بن الزبير الحلبي. 7/ 718. ابن الخابوري محمد بن أبي بكر بن عياش بن عسكر أبو عبد الله. 8/ 370. الخاتون أخت الملك العادل بنت أيوب، أم حسام. 7/ 120. الخاتوني إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني. 10/ 470. الخاتوني محمد بن عيدو الشيخ الصالح الزاهد المعمّر الأردبيلي الحنفي. 10/ 409. خارجة بن حذافة. 1/ 223. خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري المدني. 1/ 404. خارجة بن مصعب السرخسي أبو الحجاج. 2/ 303. الخارفي عبد الله بن نمير الكوفي. 2/ 471. ابن الخازن أحمد بن محمد بن الفضل الدينوري البغدادي. 6/ 93. الخازن عبد العزيز بن دلف بن أبي طالب البغدادي. 7/ 322. ابن الخازندار يحيى بن علي وقيل ابن حسين الحنفي الحلبي. 10/ 318. ابن خازوق أحمد بن محمود بن محمد الحنبلي. 9/ 315. ابن الخاضبة محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي. 5/ 393. ابن خاقان الفتح بن محمد القيسي الإشبيلي أبو نصر. 6/ 176. الخاقاني موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان. 4/ 136. خالد بن برمك وزير السفاح. 2/ 293. خالد بن الحارث البصري أبو عثمان. 2/ 388. خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري. 1/ 246. خالد بن خداش المهلّبي البصري المحدث. 3/ 105. خالد بن سعد الأندلسي القرطبي أبو القاسم. 4/ 276. خالد بن سلمة بن العاص المخزومي الكوفي. 2/ 146. خالد بن عبد الله بن أبي بكر المصري الأزهري الوقّاد، زيد الدين. 10/ 38. خليل الأوسي الرملي، غرس الدين المعروف بابن المدققة. 10/ 60. خالد بن عبد الله القسري الدمشقي الأمير. 2/ 112. خالد بن عبد الله الواسطي الطحان الحافظ. 2/ 354. خالد بن أبي عمران التجيبي التونسي. 2/ 125. خالد بن قاسم العاجلي ثم الحلبي. 9/ 310.

خالد بن محمد بن نصر القيسراني أبو البقاء، موفق الدّين. 6/ 481. خالد بن مخلد القطواني. 3/ 60. خالد بن معدان الكلاعي الحمصي. 2/ 22. خالد بن مهران الحذاء البصري الحافظ. 2/ 195. خالد بن الوليد المخزومي. 1/ 174. خالد بن يزيد المصري الفقيه. 2/ 188. خالد بن يزيد بن معاوية. 1/ 349. خالد بن يوسف بن سعد الزين النابلسي ثم الدمشقي أبو البقاء. 7/ 542. الخالدي منصور بن عبد الله الهروي. 5/ 9. ابن الخالة محمد بن أحمد بن سهل المعدل. 5/ 261. خالوه أحمد بن علي بن بدران. 6/ 27. ابن خالويه الحسين بن أحمد الهمذاني، أبو عبد الله. 4/ 378. الخانكي محمد بن علي بن الضياء المصري. 9/ 521. خباب بن الأرث التميمي. 1/ 216. ابن الخباز أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز الموصلي. 9/ 13. ابن الخباز أحمد بن الحسين بن أحمد الإربلي. 7/ 350. ابن الخباز إسماعيل بن إبراهيم بن سالم. 8/ 16. الخباز المبارك بن أحمد الكندي. 6/ 230. ابن الخباز محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات من ذرية عبادة بن الصامت. 8/ 310. الخباز محمد بن عبد الله بن يحيى بن الوكيل الخباز الدبّاس الكرخي أبو البركات. 5/ 422. الخباز وفاء بن أسعد التركي. 6/ 433. الخباز يحيى بن أسعد بن بوش الأزجي. 6/ 516. ابن الخباز يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري اليلدي. 8/ 395. الخبازي عمر بن محمد بن عمر الخجندي. 7/ 730. الخبازي محمد بن علي بن محمد النيسابوري أبو عبد الله. 5/ 214. الخبري أبو حكيم الخبري. 5/ 329. الخبزأرزّي نصر بن أحمد البصري. 4/ 84. الخبوشاني محمد بن الموفق الصوفي، نجم الدين. 6/ 472. الختلي أحمد بن جعفر بن سلم (أبو بكر) . 4/ 343. الختني يوسف بن عمر. 8/ 170. الخثعمي محمد بن الحسين الكوفي الأشناني، أبو جعفر. 4/ 74. ابن خثيم عبد الله بن عثمان المكي 2/ 147. خجا كمال أحمد بن منلا شيخ المعروف بخجا كمال العجمي اللالائي. 10/ 299. الخجستاني أحمد بن عبد الله. 3/ 291. الخجندي إبراهيم بن أحمد بن محمد

المدني. 9/ 392. الخجندي أحمد بن محمد الأخوي. 9/ 30. الخجندي ثابت بن محمد بن أبي بكر الأصبهاني. 7/ 321. الخجندي عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلبي الأزدي ثم الأصفهاني. 6/ 270. الخجندي علي بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المدني. 9/ 463. الخجندي محمد بن ثابت بن الحسن أبو بكر. 5/ 354. الخجندي محمد بن عبد اللطيف [الخجندي المهلّبي الأزدي ثم الأصفهاني] الشافعي أبو بكر. 6/ 271. الخجندي محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلّبي الأزدي ثم الأصفهاني أبو بكر. 6/ 270. الخجندي يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدين الخجندي. 10/ 493. خداوند خان، صاحب سرت. 10/ 513. خديجة بنت أحمد بن الحسين النهرواني. 6/ 391. خديجة بنت أبي بكر بن عبد الملك الصالحية المعروفة ببنت اللوري. 9/ 47. خديجة بنت عبد الرحمن بن محمد. 8/ 6. خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلية ثم الصالحية. 9/ 31. خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم. 8/ 31. خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي، المعروف بابن البيلوني الشافعي. 10/ 239. خديجة بنت محمد بن علي الشاهجانية. 5/ 256. خديجة بنت يوسف بن غنيمة. 7/ 781. الخرّاز عبد السلام بن عبد الله بن أحمد الخفاف. 7/ 225. الخرّاز أحمد بن عيسى أبو سعيد شيخ الصوفية. 3/ 359. الخرّاز عبد الله بن عون البغدادي أبو محمد. 3/ 149. الخراساني آدم بن أبي إياس البغدادي. 3/ 95. الخراساني إبراهيم بن طهمان. 2/ 286. الخراساني عبد اللطيف الحنفي. 10/ 405. الخراساني عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن الجامي الأحمدي الهمداني. 10/ 404. ابن الخراط عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزي. 9/ 342. الخراساني عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم أبو محمد. 4/ 257. الخراساني عميد بن عبد الله قاضي تمرلنك. 9/ 82. ابن الخراساني محمد بن محمد بن مواهب البغدادي. 6/ 424. الخراساني هاشم بن القاسم أبو النضر. الخراساني هاشم بن القاسم أبو النضر. 3/ 38.

ابن خراش عبد الرحمن بن يوسف المروزي. 3/ 345. ابن الخراط علي بن عثمان. 8/ 214. ابن الخراط محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي. 8/ 153. ابن الخراط محمد بن محمد بن سليمان. 9/ 235. الخرائطي محمد بن جعفر السّامري أبو بكر. 4/ 141. خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو. 8/ 74. ابن خرزاذ عثمان بن عبد الله الأنطاكي 3/ 332. ابن الخرزي محمد بن أحمد بن المبارك الحموي. 9/ 262. ابن خرّشيذ قوله إبراهيم بن عبد الله بن محمد الأصبهاني. 4/ 523. الخرقي أحمد بن عبد الله. 4/ 186. الخرقي عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي. 6/ 474. الخرقي عبد الرحمن بن محمد بن ثابت النابتي مفتي الحرمين. 5/ 321. الخرقي عبد العزيز بن جعفر البغدادي. 4/ 401. الخرقي عبد الله بن أحمد بن أبي الفتح أبو الفتح. 6/ 437. الخرقي عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي أبو القاسم. 4/ 186. الخرقي محمد بن علي بن طالب بن محمد بن زببيا الخرقي البزّار. 6/ 51. الخرقي محمد بن نصر القاشاني أبو بكر. 6/ 454. الخركوشي عبد الملك بن أبي عثمان النيسابوري. 5/ 47. الخرّوبي محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الرّبعي التونسي الخروبي. 10/ 556. الخريبي عبد الله بن داود. 3/ 60. ابن الخريف ضياء بن أحمد بن علي البغدادي النجار. 7/ 15. الخراز أحمد بن أحمد بن علي الحريمي. 6/ 268. الخزاز عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب أبو الفتح. 5/ 327. الخزاز علي بن هاشم بن البريد الكوفي. 2/ 363. الخزاز محمد بن العباس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزاز ابن حيويه أبو عمر. 4/ 432. الخزّاز المعمر بن محمد بن علي الكوفي. 5/ 423. الخزاز يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي. 5/ 15. الخزاعي إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي. 3/ 164. الخزاعي إسحاق بن أحمد أبو محمد. 4/ 39. الخزاعي الحكم بن معبد. 3/ 401. الخزاعي الشهيد أحمد بن نصر. 3/ 140. الخزاعي عبد الله بن أبي زكريا. 2/ 80.

الخزاعي علي بن أحمد بن محمد البلخي أبو القاسم. 5/ 64. الخزاعي قبيصة بن ذؤيب. 1/ 352. الخزاعي قراد عبد الرحمن بن غزوان. 3/ 36. الخزاعي محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي أبو العباس. 3/ 420. الخزاعي محمد بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني. 5/ 51. الخزرجي علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي المالكي. 9/ 154. الخزرجي عمر بن أحمد بن طراد المصري. 8/ 129. الخزرجي محمد بن أحمد بن عبد الله المكي. 8/ 420. الخزرجي محمد بن محمد بن يوسف الدمشقي الحنفي. 10/ 35. الخزرجي محمد بن عبد الرحيم الأنصاري الخزرجي الغرناطي أبو عبد الله ابن الفرس. 6/ 370. ابن خزيمة أحمد بن الفضل، أبو علي. 4/ 248. خزيمة بن ثابت. 1/ 213. خزيمة بن خازم الخراساني الأمير. 3/ 13. ابن خزيمة محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري. 4/ 57. ابن خزيمة محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق السلمي. 4/ 469. خسروشاه بن بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين سلطان غزنة. 6/ 291. ابن الخشاب إبراهيم بن أحمد بن عيسى المصري المخزومي. 8/ 409. الخشاب أحمد الخشاب الدمشقي. 10/ 87. الخشاب أحمد بن عيسى بن جمهور 4/ 234. ابن الخشاب أحمد بن القاسم بن عبد الله البغدادي. 4/ 339. الخشاب أحمد بن يوسف الثقفي. 4/ 485. ابن الخشاب عبد الله بن أحمد بن أحمد بن عبد الله البغدادي أبو محمد. 6/ 365. الخشاب علي بن عساكر بن سرور المقدسي. 6/ 278. الخشّاب محمد بن علي بن عمر بن خالد المصري. 8/ 530. الخشّاب محمد بن علي بن محمد النيسابوري أبو سعيد. 5/ 243. ابن الخشاب محمد بن محمد «أبو الفتح الكاتب» . 6/ 206. الخشاب منير بن أحمد بن الحسن. 5/ 68. الخشاب يحيى بن علي بن الفرج. 6/ 17. الخشبي غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم المدني. 9/ 203. خشقدم خير بك الدوادار. 9/ 488. خشقدم الناصري، السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد. 9/ 467.

الخشنامي نصر الله بن أحمد عثمان النيسابوري. 5/ 421. الخشني محمد بن أسد أبو عبد الله. 4/ 325. الخشني مصعب بن محمد بن مسعود الجياني، أبو ذر. 7/ 27. الخشوعي إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر بركات. 7/ 358. الخشوعي بركات بن إبراهيم الأنماطي. 6/ 545. الخشوعي عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم الدمشقي. 7/ 330. ابن الخشوعي عبد الله بن بركات بن إبراهيم الدمشقي. 7/ 506. ابن خشير محمد بن عمر بن أحمد. 8/ 90. خشيش بن أصرم بن الأسود النسائي أبو عاصم. 3/ 244. ابن خشيش محمد بن عبد الكريم بن خشيش البغدادي أبو سعد. 6/ 9. ابن الخصيب أحمد بن الخصيب، الوزير، أبو العباس. 3/ 281. ابن الخصيب محمد بن الحسن بن أبي الرضا القرشي الدمشقي. 7/ 12. الخصيبي أحمد بن عبيد الله بن أحمد. 4/ 143 و 144. خصيف بن عبد الرحمن الجزري الحراني. 2/ 183. ابن خضر أحمد بن محمد بن عمر الدمشقي. 8/ 494. خضر بن أبي بكر المهراني. 7/ 613. الخضر بن الحسن بن علي الزراري البرهان السنجاري أبو محمد. 7/ 690. الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الدمشقي أبو البركات. 6/ 340. الخضر بن عبد الرحمن بن الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي الدمشقي شمس الدين أبو القاسم. 7/ 797. خضر بك بن عبد الكريم، مولى. 10/ 612. الخضر بن عبد الله بن أبي الفتح عمر بن علي بن القدوة الزاهد ابن حموية الجويني ثم الدمشقي سعد الدين. 7/ 597. الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السروجي المعبّر. 7/ 62. ابن خضر محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي. 9/ 196. ابن الخضر محمد بن محمد بن محمد الزبيري العيزري. 9/ 117. خضر بك بن المولى أحمد باشا الرومي الحنفي. 10/ 172. الخضر بن نصر الإربلي أبو العباس. 7/ 152. الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس الدمشقي أبو طالب. 6/ 430. الخضري عبد الصمد بن خليل. 8/ 350. الخضري محمد بن أحمد المروزي أبو عبد الله. 4/ 395. الخضري محمد بن عيسى أبو عبد الله. 8/ 261.

ابن خضير المبارك بن علي البغدادي الصيرفي. 6/ 342. الخضيريّ سليمان الخضيريّ المصري. 10/ 476. أبو الخطاب علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي. 5/ 329. خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي العجلوني الدمشقي 9/ 484. أبو الخطاب محمد بن أحمد بن أبي سعد. 7/ 33. خطاب بن محمد بن عبد الله الكوكبي الصالحي الحنبلي، زين الدّين. 10/ 39. ابن خطاب محمد بن يوسف التلي الصالحي. 7/ 791. الخطابي فاروق بن عبد الكبير البصري أبو حفص. 4/ 383. الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي. 4/ 261. الخطمي إسحاق بن موسى الأنصاري. 3/ 201. الخطمي موسى بن إسحاق بن موسى. 3/ 413. الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت. 5/ 262. ابن خطيب الأشمونيين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى الهكاري الكردي. 8/ 138. خطيب بيت الآبار محيي الدين بن عبد الله بن عمر. 7/ 793. ابن خطيب بيت الآبار يوسف بن عمر بن يوسف بن يحيى الزّبيدي. 7/ 558. خطيب جامع السقيفة إسماعيل بن محمد بن علي السّيوفي الشافعي عماد الدّين. 10/ 7. ابن خطيب جبرين عثمان بن علي بن عثمان الطائي الحلبي. 8/ 163. ابن خطيب الحديثة حسن بن علي بن سرور بن سليمان الرمثاوي [1] ، الشافعي. 8/ 620. خطيب داريا سليمان بن خلال بن شبل بن فلاح. 8/ 121. ابن خطيب داريا محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب. 9/ 132. ابن خطيب الدهشة محمود بن أحمد بن محمد الهمداني. 9/ 305. ابن خطيب زرع محمد بن علي بن محمد بن محمود السلمي. 9/ 140. ابن خطيب سرمين محمد بن عمر العجلوني أبو بكر. 9/ 22. خطيب السقيفة منصور بن عبد الرحمن الحريري الشهير بخطيب السقيفة. 10/ 511. الخطيب عبد الله بن حسان بن رافع. 7/ 432. الخطيب عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري المالقي القرطبي. 7/ 88. ابن خطيب عذراء إبراهيم بن محمد بن عيسى العجلوني. 9/ 246.

_ [1] تحرفت اللفظة في الكتاب إلى «البرماوي» والصواب ما أثبته هنا. انظر التعليق الذي كتبه عند ذكر اسمه من هذه الفهارس.

ابن خطيب عقربا علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق. 7/ 786. ابن خطيب عين ترما علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد الدمشقي. 8/ 622. ابن خطيب القرافة عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي. 7/ 481. ابن خطيب القلعة يعقوب بن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب الحموي. 8/ 407. خطيب كفر بطنا محمد بن عمر بن عبد الملك الدّينوري الصوفي الشافعي أبو البركات. 7/ 687. ابن الخطيب محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله السلماني الغرناطي لسان الدين. 8/ 422. خطيب مردا محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسي. 7/ 489. ابن خطيب المنصورية يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عبد الله الحموي. 9/ 130. خطيب قنين محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الأسود المنيني أبو بكر. 4/ 125. ابن خطيب الناصرية علي بن محمد بن سعد بن محمد الطائي. 9/ 359. ابن خطيب الناصرية محمد بن سعيد بن محمد بن علي الطائي. 9/ 93. ابن خطيب يبرود محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان الشافعي. 8/ 437. الخطيبي عبيد الله بن علي. 6/ 8. الخطيبي محمد بن مظفر الدين الخلخالي. 8/ 250. الخطيبي هياج بن عبيد، أبو محمد. 5/ 311. ابن خفاجا الصفدي أحمد بن موسى. 8/ 284. الخفاف أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر النيسابوري. 4/ 503. الخفاف أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري. 3/ 421. الخفاف ذاكر بن كامل البغدادي. 6/ 501. الخفاف عبد السلام بن عبد الله بن أحمد الخراز. 7/ 225. الخفاف عبد الوهاب بن عطاء أبو نصر. 3/ 27. الخفاف عطاء بن مسلم. 2/ 417. الخفاف عمر بن الحسين البغدادي أبو القاسم. 5/ 219. ابن الخفاف المبارك بن كامل بن محمد بن الحسين البغدادي. 6/ 221. الخفاف يوسف بن المبارك بن كامل. 7/ 92. ابن الخلّ محمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله أبو الحسن البغدادي. 6/ 272. خلّاد بن خالد الصيرفي الكوفي. 3/ 96. خلاد بن يحيى الكوفي بمكة. 3/ 57. الخلاطي إبراهيم بن محمد الواني. 8/ 191. الخلاطي محمد بن إبراهيم الواني. 8/ 194. الخلاطي محمد بن أحمد بن عثمان. 8/ 27.

الخلّال حبشون بن موسى، أبو نصر. 4/ 175. الخلّال الحسن بن علي الدمشقي. 8/ 11. الخلّال الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي. 5/ 178. ابن الخلّال عبد الله بن الحسن بن محمد البغدادي. 5/ 302. الخلّال علي بن منير بن أحمد المصري. 5/ 178. ابن الخلال محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله القطّان الطائي الداراني. 5/ 84. ابن الخلال يوسف بن محمد المصري. 6/ 363. ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد ... الحضرمي الإشبيلي. 9/ 114. الخلدي جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخواص. 4/ 253. الخلعي علي بن الحسن المصري. 5/ 402. خلف بن أحمد بن محمد بن الليث البخاري. 4/ 520. خلف بن أيوب العامري أبو سعيد. 3/ 70. خلف بن أبي بكر النحريري المالكي. 9/ 195. خلف بن خليفة الكوفي أبو أحمد المعمّر. 2/ 360. خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى الأنصاري القرطبي ابن بشكوال أبو القاسم. 6/ 430. خلف بن عمرو العكبري. 3/ 410. خلف بن القاسم بن سهل الأندلسي أبو القاسم. 4/ 500. خلف بن محمد بن إسماعيل الخيام البخاري أبو صالح. 4/ 324. خلف بن محمد بن خلف الكنري البغدادي أبو الذخر. 7/ 217. خلف بن محمد بن سليمان الأيوبي آخر ملوك الحصن من بني أيوب. 9/ 451. خلف بن محمد الواسطي كردوس الحافظ. 3/ 310. خلف بن هشام البزار أبو محمد. 3/ 135. ابن خلفان خليل بن محمد بن أبي بكر بن غرس الدين الحنبلي ابن خلفان السروجي. 10/ 220. الخلقاني إسماعيل بن زكريا الكوفي. 2/ 333. ابن خلكان أحمد بن محمد بن إبراهيم البرمكي. 7/ 647. ابن خلّكان محمد بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله. 7/ 670. ابن خلكان محمد بن محمد بن علي بن الشمس الإربلي. 8/ 454. الخلوتي يحيى بن بهاء الدين الشرواني. 9/ 455. الخليصي أبو بكر بن عبد الكريم الخليصي. 10/ 461. الخليع الحسين بن الضحاك بن ياسر البصري. 3/ 234. ابن أبي خليفة إبراهيم (علم الدين) . 8/ 32.

خليفة بن خياط العصفري البصري الحافظ أبو عمرو. 3/ 181. ابن خليفة المقدسي إبراهيم بن أحمد بن ناصر الباعوني. 9/ 458. ابن خليفة قاسم بن خليفة 10/ 393. الخليفة المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عباس. 2/ 305. خليل بن إبراهيم بن عبد الله الصّالحي، الحنفي المحدث، أبو الوفاء. 10/ 9. ابن خليل أحمد بن أحمد بن محمد الحاضري الحلبي. 10/ 87. الخليل بن أحمد الجوسقي الصرصري أبو طاهر. 7/ 286. خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع الحمصي الحلبي الشافعي، المشهور بابن النقيب. 10/ 523. خليل بن خليل الفراديسي الصالحي الحنبلي غرس الدين، أبو القاسم. 10/ 33. الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي. 2/ 321. الخليل بن أحمد بن محمد السجزي أبو سعيد. 4/ 413. خليل بن أحمد. المعروف: بابن الغرس المصري. 9/ 361. خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي أبو الصفا. 8/ 343. خليل بن أبي بكر بن محمد بن صديق المراغي أبو الصفا. 7/ 681. خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الراراني أبو سعيد. 6/ 529. خليل بن سيف الدين المعروف بالملك الأشرف صلاح الدين. 7/ 738. خليل بن عبد القادر بن عمر الجعبري الخليلي الشافعي، غرس الدين، أبو سعيد. 10/ 42. الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني الخليلي أبو يعلى. 5/ 199. خليل بن عبد الله البابرتي. 9/ 125. ابن خليل عبد الله بن محمد بن أبي بكر العسقلاني. 8/ 434. خليل بن فرح بن سعيد الإسرائيلي القدسي ثم الدمشقي القلعي. 8/ 526. خليل بن قاسم بن حاجي صفارح الحنفي. 9/ 486. خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي أبو سعيد. 8/ 327. خليل بن محمد بن أبي بكر ابن خلفان غرس الدين، الدمشقي، الحنبلي السروجي. 10/ 220. خليل بن محمد بن عبد الله الحلبي. 8/ 602. خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الأقفهسي المصري. 9/ 219. خليل المصري المالكي. 10/ 378. خليل بن نور الله، المعروف بمنلا خليل الشافعي. 10/ 55. الخليلي أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر. 8/ 482. ابن الخليلي عمر بن عبد العزيز بن الحسن التميمي الداري المصري. 8/ 51.

الخليلي محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري أبو الجود. 10/ 22. الخليلي محمد بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف. 8/ 360. الخليلية خديجة بنة العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر. 9/ 31. خمارويه بن أحمد بن طولون الملك أبو الجيش. 3/ 335. ابن خمرويه محمد بن عبد الله بن محمد الهروي. 4/ 391. خميس بن علي الواسطي الحوزي أبو الكرم. 6/ 44. ابن الخناجري محمد بن محمد الدّيري الأصل الحلبي الشافعي. 10/ 339. ابن خنب محمد بن أحمد البغدادي الدهقان. 4/ 267. خوات بن جبير الأنصاري البدري. 1/ 220. خواجه زاده محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح الحنفي الصوفي. 10/ 25. خواجه عطاء الله المولى. 10/ 568. الخواجا محمد الزاهد البخاري. 9/ 229. الخواجا الكبير محمد بن علي بن أبي بن محمد بن الحلبي ثم الدمشقي الشمس، ويعرف بابن المزلق. 9/ 383. خوارزاده الحنفي محمد بن الحسين البخاري القديدي أبو بكر. 5/ 353. خوارزم شاه أرسلان بن أتز خوارزم شاه. 6/ 374. خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان 6/ 529. خوارزم شاه محمد بن تكش السلطان الكبير علاء الدين. 7/ 136. خوارزم شاه منكوبري بن خوارزم شاه علاء الدين محمد بن خوارزم شاه علاء الدين تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن خوارزم شاه أتز بن محمد الخوارزمي ويعرف بالسلطان جلال الدين. 7/ 229. الخوارزمي أحمد بن آق برس بن يلغان. 9/ 41. الخوارزمي جابر بن محمد بن محمد بن عبد العزيز الكاتي. 8/ 226. الخوارزمي حسين بن أحمد بن إبراهيم الخوارزمي. 10/ 461. الخوارزمي داود بن رشيد أبو الفضل. 3/ 177. الخوارزمي عبد الجبار بن عبد الله المعتزلي صاحب تيمور لنك. 9/ 79. الخوارزمي علي بن عمر بن سلمعان. 9/ 91. الخوارزمي محمد بن العباس الخوارزمي أبو بكر. 4/ 434. الخوارزمي محمد بن محمد بن أبي الفضل. 7/ 76. الخوارزمي محمد بن موسى أبو بكر. 5/ 22. الخوارزمي همام بن أحمد. 9/ 209. الخواري عبد الجبار بن محمد. 6/ 172. الخواري عبد الجبار بن محمد بن أحمد أبو محمد. 6/ 185. ابن خواستي عبد العزيز بن جعفر الفارسي. 5/ 70.

خواهر زاده محمد بن محمود بن عبد الكريم الكردي بدر الدين. 7/ 441- 442. خوروست محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني المجلد أبو بكر. 6/ 67. ابن خولان محمد بن عبد الولي بن أبي محمد البعلي. 8/ 8. ابن خولان محمود بن علي بن عبد الولي البعلي. 8/ 246. الخولاني إبراهيم بن منقذ المصري. 3/ 293. الخولاني بحر بن نصر بن سابق المصري. 3/ 287. الخولاني حميد بن هانئ المصري. 2/ 197. الخولاني عائذ الله بن عبد الله أبو إدريس. 1/ 327. الخولاني عبد الرحمن بن حجيرة. 1/ 341. الخولاني عبد القدوس بن حجاج الحمصي. 3/ 58. الخولاني عبد الولي بن محمد بن الحسن اليمني الشافعي. 9/ 337. الخولاني محمد بن حرب الأبرش الحمصي. 2/ 442. الخونجي محمد بن ناماور أبو عبد الله أفضل الدين. 7/ 409. [خويلد بن عمرو] الخزاعي الكعبي العدوي، أبو شريح. 1/ 296. ابن الخويي أحمد بن الخليل بن سعادة. 7/ 739. الخويي أحمد بن خليل بن سعادة المهلبي. 7/ 320. الخياط أحمد بن ترمش البغدادي. 6/ 544. ابن الخياط أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة. 6/ 87. الخياط إسماعيل بن محمد بن الحسن الأصبهاني. 6/ 37. الخياط عيسى بن سلامة بن سالم الحراني. 7/ 446. الخياط محمد بن أحمد بن عبد الرزاق الشيرازي البغدادي الصفار أبو منصور. 5/ 416. الخياط محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن الأصبهاني. 6/ 91. ابن الخياط محمد بن أبي بكر بن محمد اليمني. 9/ 337. الخياط محمد بن عبد العزيز الخياط البغدادي أبو ياسر. 5/ 411. الخياط محمد بن علي بن محمد بن موسى الحنبلي. 5/ 289. خيّاط السنة زكريا بن يحيى السجزي. 3/ 365. الخيالي أحمد بن موسى، المولى شمس الدين. 9/ 515. الخيام خلف بن محمد بن إسماعيل. 4/ 324. ابن أبي خيثمة أحمد بن زهير بن حرب الحافظ ابن الحافظ أبو بكر النسائي ثم

البغدادي. 3/ 327. أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي. 3/ 157. خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي أبو الحسن. 4/ 183 و 232. أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي. 2/ 334. ابن أبي خيثمة محمد بن أحمد بن زهير بن حرب. 3/ 411. ابن الخير إبراهيم بن محمود بن سالم الأزجي. 7/ 415. أم الخير زينب بنت يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي. 7/ 797. أم الخير ست العرب بنت يحيى بن قايماز الدمشقية الكندية. 7/ 672. ابن خير عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني. 8/ 544. أبو الخير الحموي أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا. 8/ 540. أبو الخير الكليباتي. 10/ 58. خير النساج أبو الحسن البغدادي. 4/ 114. أبو الخير بن نصر، شيخ البلاد الغربية بمصر. 10/ 112. ابن خيرون أحمد بن الحسن البغدادي. 5/ 379. ابن خيرون محمد بن عبد الملك بن الحسن بن محمد البغدادي. 6/ 204. ابن الخيمي محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري المصري. 7/ 686. الخيوفي أحمد بن عمر بن محمد نجم الدين. 7/ 141.

حرف الدال دابة عفّان إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني، ابن ديزيل. 3/ 332. دادا محمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد بن دادا المنتجب. 6/ 253. داداه خليفة إبراهيم بن بخشي بن إبراهيم المشهور بداده خليفة. 10/ 503. داود زاده مصلح الدين المشتهر بداود زاده. 10/ 558. الداديخي [أبو بكر بن سليمان بن صالح] شرف الدين. 9/ 65. الداديخي محمد بن حسين الحلبي الشافعي. 10/ 175. الداراني أبو سليمان الزاهد القدوة العنسي أحد الأبدال. 3/ 28. الداراني علي بن داود القطان أبو الحسن. 5/ 12. الداراني عمير بن هانئ العنسي. 2/ 118. الداراني محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله القطان الداراني ابن الخلال. 5/ 84. الدار أحمد بن محمد بن شنيف أبو الفضل. 6/ 374. الدارقطني علي بن عمر بن أحمد بن مهري بن مسعود البغدادي. 4/ 452. الدارقوي جمال الدين الحنبلي. 8/ 327. الداركي الحسن بن محمد، أبو علي. 4/ 83. الداركي عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو القاسم. 4/ 401. الداركي محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الأصبهاني. 4/ 36. ابن أبي دارم أحمد بن محمد بن السري بن يحيى الكوفي. 4/ 276. الدارمي أحمد بن سعيد بن صخر السرخسي. 3/ 240. الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن التميمي السمرقندي. 3/ 245. الدارمي عثمان بن سعيد السجزي. 3/ 330. الدارمي هناد بن السري الحافظ. 3/ 199. الداري أحمد بن عبد الباري الصعيدي. 7/ 750. الداري عبد العزيز بن الحسين المجد بن الخليل. 7/ 640. ابن داسة محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار أبو بكر. 4/ 245. الدامغاني بكير بن معروف. 2/ 287. الدامغاني جعفر بن عبد الله بن محمد بن علي. 6/ 376. الدامغاني عبد الله بن الحسين بن أحمد بن علي أبو القاسم. 7/ 114. ابن الدامغاني علي بن أحمد بن محمد أبو الحسن. 6/ 453.

الدامغاني علي بن أبي عبد الله الحنفي. 6/ 66. الدامغاني محمد بن علي بن محمد أبو عبد الله. 5/ 343. الداني أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي. 6/ 137 و 238. الداني عثمان بن سعيد القرطبي بن الصيرفي. 5/ 195. دانيال بن منكل المعروف بالضياء. 7/ 760. داود بن إبراهيم بن روزبه البغدادي أبو شيبة. 4/ 51. ابن أبي دواد أحمد بن أبي داود الإيادي أبو عبد الله. 3/ 179. داود بن أحمد بن محمد بن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي أبو البركات، الملقب بزين الدين. 7/ 120. داود بن إسماعيل القلقيني. 8/ 458. داود بن بدر الحسني الصوفي. 9/ 496. داود بن رستم بن محمد بن أبي سعيد الحراني. 7/ 205. داود بن رشيد الخوارزمي أبو الفضل. 3/ 177. أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني صاحب السنن. 3/ 313. داود بن سليمان بن داود الأنصاري أبو سليمان ويعرف بابن حوط الله. 7/ 167. داود بن سليمان القصيري الشافعي. 10/ 289. داود بن عبد الرحمن العطار المكي. 2/ 341. داود بن عبد الله بن كوشيار شرف الدين أبو أحمد. 7/ 781. داود بن علي الأصبهاني ثم البغدادي الإمام أبو سليمان. 3/ 297. داود بن علي بن عبد الله بن عباس. 2/ 151. داود بن عمر الأنطاكي، الطبيب الأكمه. 10/ 610. داود بن عمر بن يوسف الزبيدي المقدسي الآباري العماد أبو المعالي. 7/ 475. داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل الضبي البغدادي. 3/ 130. داود بن عيسى بن خليفة بن أبي هاشم العلوي الحسني. 6/ 487. داود بن قيس المدني الفراء الدباغ. 2/ 277. داود الكردي. 8/ 55. داود الكردي بهاء الدين. 9/ 66. داود بن كمال، المولى. 10/ 433. داود بن المتوكل على الله المعتضد بالله أمير المؤمنين. 9/ 371. داود بن محمد بن إبراهيم بن شداد بن المبارك النجدي الحموي، المعروف: بالبلاعي. 9/ 441. داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحميري. 8/ 517. داود بن محمد بن عبد الله المرداوي أبو سليمان. 8/ 318. داود بن محمد بن محمود بن ماشاذه الأصبهاني أبو إسماعيل. 7/ 18. داود بن المعظم بن العادل صاحب الكرك

صلاح الدين أبو المفاخر المعروف بالملك الناصر. 7/ 475. داود ملك الكرج. 6/ 94. داود بن موسى الغماري المالكي. 9/ 213. داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق الملقب عضد الدولة ألب أرسلان. 5/ 273. داود بن نصير الطائي الكوفي، الزاهد. 2/ 284. داود بن يحيى بن يمان العجلي. 3/ 13. داود بن يوسف بن أيوب. 7/ 260. داود بن يوسف بن عمر التركماني. 8/ 100. الداوودي عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن المظفر البوشنجي. 5/ 287. الداودي فتح الله بن معتصم بن نفيس التبريزي الطبيب. 9/ 180. ابن الدّبّاب محمد بن محمد بن علي البابصري. 7/ 687. الدبابيسي يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني. 8/ 161. ابن الدبّاج علي بن جابر النحوي أبو الحسن. 7/ 407. الدبّاس حماد بن مسلم بن ددوة الرحبي. 6/ 122. الدباس المبارك بن فاخر أبو الكرم. 5/ 427. الدباس محمد بن عبد الله بن أبي السعادات. 7/ 418. الدباس محمد بن عبد الله بن يحيى بن الوكيل الخبّاز الدباس الكرخي أبو البركات. 5/ 422. ابن الدبّاغ يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيرّه الأندلسي الأندي. 6/ 234. الدباهي محمد بن أحمد بن أبي نصر البغدادي. 8/ 50. الدبري إسحاق بن إبراهيم المحدث. 3/ 356. ابن الدّبل سعد بن علي الأنصاري الحلبي الدمشقي. 10/ 425. أبو دبوس إدريس بن عبد الله المؤمني. 7/ 569. الدّبوسي عبد بن عمر بن عيسى الحنفي أبو زيد. 5/ 150. ابن دبوقا جعفر بن القاسم بن جعفر بن حبيش الربعي. 7/ 730. الدبيثي أحمد بن جعفر. 6/ 304. ابن الدبيثي محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي أبو عبد الله. 7/ 324. دبيس الأسدي. 6/ 87. دبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو العز ولد الأمير سيف الدولة الأسدي. 6/ 149. ابن الدبيقي أحمد بن يحيى بن بركة البزّاز. 7/ 91. ابن الدجاجي سعد الله بن نصر بن سعيد «مهذب الدين» . 6/ 352. ابن الدجاجي محمد بن علي البغدادي، أبو الغنائم. 5/ 266. ابن الدجاجية عبد العزيز بن محمد بن الحسن ابن أبيه. 7/ 360.

ابن الدجاجية محمد بن مكي القرشي الصالحي. 7/ 500. الدّجاني أحمد بن علي بن ياسين الدّجاني. 10/ 518. الدجوي إبراهيم بن محمد بن عثمان المصري. 9/ 26. الدجوي محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة. 9/ 129. الدجيلي الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السري البغدادي. 8/ 173. أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي. 4/ 146. عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي أبو سعيد، دحيم. 3/ 208. دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي. 3/ 208. ابن دحية عمر بن حسن بن محمد الجميل بن فرح بن خلف الكلبي الداني السبتي. 7/ 280. الدخان عبد الرحمن بن علي بن محمد الحلبي. 9/ 336. الدخمسيني بكر بن محمد المروزي الصيرفي الدّخمسيني، أبو أحمد. 4/ 240. الدخوار عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي. 7/ 224. دده خليفة كمال الدين المعروف بدده خليفة. 10/ 547. ابن درّاج أحمد بن محمد بن العاص الأندلسي القسطلي. 5/ 104. درّاج بن سمعان المصري القاص أبو السمح. 2/ 114. الدرّاج عثمان بن عمر بن خفيف البغدادي. 4/ 324. دران محمد بن معاذ الحلبي. 3/ 397. الدراوردي عبد العزيز بن محمد المدني. 2/ 398. ابن درباس محمد بن عبد الملك الماراني المصري أبو حامد. 7/ 518. الدربندي الحسن بن محمد بن علي البلخي. 5/ 242. ابن الدرجي إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي. 7/ 650. ابن الدرجي إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي. 7/ 548. أبو الدرداء الخزرجي. 1/ 196. الدّرزي [محمد بن إسماعيل الدّرزي أبو عبد الله] [1] . 5/ 50. الدرزيجاني جعفر بن الحسن. 6/ 26. ابن درستويه عبد الله بن جعفر الفارسي النحوي. 4/ 248. الدرفس محمد بن العباس أبو عبد الرحمن الغساني. 4/ 20. ابن درهم ونصف محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي المشهور بابن درهم ونصف. 10/ 515. الدروسي محمد بن عمر، شمس الدين. 9/ 552.

_ [1] ما بين الحاصرتين أضيف من حاشية التحقيق في الكتاب.

درويش باشا بن رستم باشا الرومي. 10/ 605. ابن دريد محمد بن الحسن بن عتاهية الأزدي البصري. 4/ 106. الدركزيني محمود بن محمد بن محمد. 8/ 242. الدستوائي معاذ بن هشام بن أبي عبد الله. 2/ 476. الدستوائي هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصري. 2/ 245. الدسوقي إبراهيم بن أبي المجد الهاشمي القرشي. 7/ 611. الدسوقي إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الشافعي. 10/ 129. الدشتي أحمد بن محمد بن أبي القاسم. 8/ 59. الدّشطوطي عبد القادر بن محمد الدشطوطي زين الدين. 10/ 180. الدعاء يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي، أبو يوسف. 4/ 178. ابن الدعاس عبد القادر بن أحمد الحمصي زين الدين. 10/ 302. دعبل بن علي الخزاعي أبو جعفر. 3/ 213. دعلج بن أحمد السجزي المعدل أبو محمد. 4/ 270. دعوان بن علي بن حماد بن صدقة الجبائي أبو محمد ويقال له: الجبّي. 6/ 214. ابن الدّعيم محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي. 10/ 40. الدّغولي محمد بن عبد الرحمن الدغولي أبو العباس. 4/ 136. الدقاق أحمد بن عبد الله بن سابور. 4/ 64. دقاق بن تاج الدولة تتش بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي أبو نصر الملقب ب: شمس الملوك. 5/ 415. الدقاق الحسن بن علي النيسابوري. 5/ 40. الدقاق حمزة بن محمد بن طاهر. 5/ 119. الدقاق عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري البغدادي. 5/ 368. الدقاق محمد بن عبد الواحد الأصبهاني أبو عبد الله. 6/ 86. الدقاق محمد بن علي بن حسن بن أبي عثمان. 5/ 355. الدقاق هبة الله الحسن بن هلال البغدادي. 6/ 342. ابن دقماق إبراهيم بن أيدمر الحنفي. 9/ 120. الدقوقي محمود بن علي بن محمود بن مقبل. 8/ 186. ابن دقيق العيد علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن تقي الدين. 8/ 67. ابن دقيق العيد علي بن وهب بن مطيع القشيري. 7/ 565. ابن دقيق العيد محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري. 8/ 11. الدقيقي محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي. 3/ 285.

الدكاري عبد الله بن عبد الله. 9/ 87. الدكالي عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن النقاش. 9/ 200. ابن الدلّال حسام الرّومي الحنفي. 10/ 7. الدّلّال محمد بن سليمان بن فارس الدلال النيسابوري أبو أحمد. 4/ 62. الدلّال محمد بن محبب، أبو همام. 3/ 100. دلف بن جحدر وقيل: جعفر بن يونس الشبلي أبو بكر. 4/ 189. ابن أبي دلف محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد العجلي. 8/ 216. دلويه زياد بن أيوب الطوسي ثم البغدادي. 3/ 238. ابن دلويه عيسى بن غاث بن عبد الله بن سنان أبو موسى. 3/ 324. الدماميني عبد الله بن محمد. 9/ 372. الدماميني محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الإسكندراني. 9/ 60. الدّمراقي محمد بن محمد بن محمد الهندي. 8/ 530. ابن دمرداش محمد بن محمد بن محمود بن مكي. 8/ 108. ابن دمسين أبو بكر بن أحمد اليمني أبو العتيق. 8/ 293. ابن أبي الدم إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم. 7/ 370. الدمشقي أحمد بن علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار. 7/ 577. الدمشقي بسر بن بكر التنيسي. 3/ 28. الدمشقي ربيعة بن يزيد القصير. 2/ 97. الدمشقي رشأ بن نظيف بن ما شاء الله. 5/ 194. الدمشقي زيد بن واقد. 2/ 186. الدمشقي سليمان بن أحمد الواسطي. 3/ 183. الدمشقي صدقة بن خالد الدمشقي. 2/ 357. الدمشقي صعصعة بن سلام. 2/ 427. الدمشقي عبد الرحمن بن أبي الصدق بن داود. 9/ 421. الدمشقي عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. 2/ 248. الدمشقي عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطفيل. 7/ 322. الدمشقي عبد الصادق بن محمد الحنبلي. 9/ 91. الدمشقي علي بن أيبك بن عبد الله. 9/ 20. الدمشقي علي بن أبي حملة المعمر. 2/ 255. الدمشقي علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي أبو الحسن. 7/ 177. الدمشقي عمر بن براق الحنبلي. 9/ 53. الدمشقي هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد السديد أبو محمد. 7/ 147. الدمشقية زينب بنت عثمان بن محمد بن

لؤلؤ. 8/ 621. الدمشقية زينب بنت عمر بن كندي البعلبكية أم محمد. 7/ 782. الدمشقية زينب بنت محمد (ابن العصيدة) بن عثمان بن عبد الرحمن. 8/ 610. الدممي علي بن حسان الجدلي أبو الحسن. 4/ 434. الدمنهوري عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى. 7/ 601. الدمنهوري عمر بن محمد بن علي بن فتوح. 8/ 294. الدمياطي بكر بن سهل. 3/ 374. الدمياطي عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف. 8/ 23. الدّمياطي محمد بن أحمد بن عيسى النجار الشافعي المصري. 10/ 230. الدمياطي محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله شمس الدين. 7/ 741. الدّمياطي محمد بن عبد الكافي المصري، شمس الدين. 10/ 63. الدمياطي محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمر الدمشقي. 8/ 512. الدمياطي يحيى بن محمد بن أحمد. 9/ 491. الدميري محمد بن موسى بن عيسى بن علي. 9/ 118. الدّميري إبراهيم الدّميري المالكي. 10/ 86. الدميري أحمد بن محمد بن أحمد الدميري المعروف بابن تقي. 9/ 352. ابن الدميري بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز. 9/ 78. الدميري عبد الرحمن بن حسن بن محمد. 9/ 550. ابن الدميري عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري. 7/ 752. الدميري عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدّيريني. 7/ 784. الدميري علي بن يوسف بن مكي بن عبد الله المصري. 9/ 52. ابن أبي الدميك محمد بن هشام الحافظ أبو جعفر. 3/ 375. الدنجاوي حسن الدنجاوي. 10/ 475. الدّنجاوي عبيد الدنجاوي البلقيني المصري. 10/ 290. الدنجاوي محمد بن عمر بن عبد الله بن محمد بن غازي الشافعي. 9/ 374. الدنري محمد بن أحمد المالكي. 9/ 270. ابن الدنف محمد بن علي بن عبيد البغدادي. 6/ 77. الدنيسري عبد الرحمن بن عربد الدنيسري أبو الفتوح. 7/ 220. الدنيسري محمد بن عباس بن أحمد الرّبعي عماد الدين أبو عبد الله. 7/ 695. ابن أبي الدنية محمد بن يعقوب بن أبي الفرج البغدادي. 7/ 644. ابن الدهان عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي المهذب. 6/ 443.

الدهان علي بن موسى السعدي المصري. 7/ 557. ابن الدهان المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي. 7/ 97. ابن الدهان محمد بن علي بن شعيب البغدادي. 6/ 496. دهبل بن علي بن منصور بن إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن كاره البغدادي الحريمي الخباز أبو الحسن. 6/ 384. الدهروطي أبو بكر بن عبد الله السليماني. 8/ 409. الدهستاني عمر بن عبد الكريم أبو الفتيان. 6/ 12. الدهقان أحمد بن محمد الخليلي. 5/ 410. الدهقان بشر بن أحمد الإسفراييني. 4/ 377. الدهقلي حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر. 8/ 496. الدهلي سعيد بن عبد الله الحريري. 8/ 278. ابن الدّهن محمد بن علي بن الدّهن الحلبي الشافعي. 10/ 191. الدّهني عمار الدّهني أبو معاوية الكوفي. 2/ 151. الدواحي علي بن الحسن أبو الحسن. 6/ 131. الدّواخلي محمد الدواخلي، شمس الدين. 10/ 330. ابن أبي دواد أحمد بن أبي دواد الإيادي. 3/ 179. الدّوالي موسى بن أحمد اليمني المعروف بالمكشكش. 10/ 36. ابن الدّواليبي علي بن عبد المحسن البغدادي. 9/ 429. ابن الدوامي هبة الله بن الحسن بن هبة أبو المعالي. 6/ 342. الدّورسي محمد بن شمس الدين محمد بن عمر الصالحي الحنبلي. 10/ 223. الدّورسي محمد بن عمر الدمشقي الحنبلي. 10/ 17. الدورقي أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي. أبو عبد الله. 3/ 211. الدورقي يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح العبدي النكريّ. 3/ 239. الدوري حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان. 3/ 212- 213. الدوري عباس بن محمد أبو الفضل. 3/ 302. الدّوري محمد بن عبد الباقي الدوري السّمسار أبو عبد الله. 6/ 67. الدوري محمد بن علي بن نصر بن البل مهذب الدين. 7/ 88. الدوري محمد بن مخلد العطار أبو عبد الله. 4/ 178. الدوري الهيثم بن خلف «أبو محمد» . 4/ 37. ابن دوست أحمد بن محمد بن دوست

النيسابوري. 5/ 744. ابن دوست عثمان بن محمد بن يوسف البغدادي. 5/ 138. ابن دوست محمد بن يوسف العلاف. 4/ 429. الدوشابي عيسى بن أحمد الهاشمي أبو هاشم. 6/ 416. الدولابي محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي. 4/ 52. الدولابي محمد بن الصباح البغدادي البزار المزني مولاهم الدّولابي. 3/ 127. الدولعي محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين التغلبي. 7/ 305. الدؤلي أبو حرب بن أبي الأسود البصري. 2/ 47. ابن دوما الحسن بن الحسين النعالي أبو علي. 5/ 154. الدوني عبد الرحمن بن حمد. 6/ 7. ابن دويرة حسن بن أحمد بن أبي الحسن. 7/ 446. الدويري عبد الله بن أبي يحيى اليماني. 9/ 132. الديباج محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر المدني. 3/ 15. ابن الديبع عبد الرحمن بن علي الشيباني العبدري. 10/ 362. الديبلي محمد بن إبراهيم أبو جعفر محدث مكة. 4/ 116. الديرعاقولي عبد الكريم بن الهيثم أبو يحيى. 3/ 324. ابن الديري عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله العبسي. 9/ 422. ابن الدّيري محمد بن سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح المقدسي شمس الدين. 9/ 264. الدّيري محمد بن محمد الدّيري الحلبي الشافعي شمس الدين ابن الخناجري. 10/ 339. ابن ديزيل إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني، يعرف بدابة عثمان. 3/ 332. الديلمي أحمد بن شيرويه بن شهردار. 7/ 204. الديلمي سعيد بن الحسين بن شنيف بن محمد الدارقزي. 6/ 286. الديلمي شهردار بن شيرويه. 6/ 305. الديلمي شيرويه بن شهردار الهمذاني. 6/ 39. الديلمي عبد الواحد بن شنيف بن محمد بن عبد الواحد. 6/ 141. الديمتوقي عبد الواسع بن خضر. 10/ 365. الدّيموني محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس العجلوني الشافعي. 10/ 441. ابن دينار شعيب بن أبي حمزة الحمصي. 2/ 287. ابن دينار عبد العزيز بن أبي حازم أبو تمام. 2/ 381. ابن دينار محمد بن عبد الله بن دينار النيسابوري، أبو عبد الله. 4/ 206.

ابن دينار محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس العنزي البصري. 3/ 239. الدينوري أحمد بن محمد بن أحمد. 6/ 162. الدينوري أحمد بن منصور الأخباري اليشكري. 4/ 377. الدينوري الحسين بن محمد بن حبش. 4/ 393. الدينوري عبد الله بن محمد بن وهب. 4/ 39. الدينوري علي بن إبراهيم بن علي بن بكروس التميمي أبو الحسن. 7/ 401. الدينوري علي بن عبد الواحد، أبو الحسن. 6/ 105. الدينوري علي بن محمد بن سهل. 4/ 177. الدينوري عمر بن سهل بن إسماعيل أبو حفص. 4/ 172. الدينوري عمر بن عبد الملك الزاهد. 7/ 233. الدينوري عمر بن كرم بن أبي الحسن الحمامي. 7/ 233. الدينوري محمد بن عبد العزيز بن علي الدينوري ثم البغدادي أبو بكر. 6/ 229. الدينوري محمد بن عمر بن عبد الملك أبو البركات. 7/ 687. ابن الديوان أحمد بن محمد المرداوي الصالحي الحنبلي. 10/ 337.

حرف الذال الذارع إبراهيم بن أبي سويد البصري. 3/ 109. الذارع أحمد بن نصر البغدادي (أبو بكر) . 4/ 343. ذاكر بن كامل الخفّاف البغدادي. 6/ 501. أبو ذر أحمد بن عبد الله العجمي. 8/ 457 و 458. أبو ذر عمار بن مخلد التميمي. 4/ 467. أبو ذر محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني الأصبهاني. 5/ 181. ابن ذكوان عبد الله بن أحمد بن بشير أبو عمرو. 3/ 192. الذكواني أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني. 5/ 359. الذكواني محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني. 5/ 96. الذماري يحيى بن الحارث. 2/ 209. ابن ذنين عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان الصدفي الطليطلي. 5/ 120. الذهبي أحمد بن خالد الحمصي. 3/ 68. الذهبي أمة العزيز ابنة محمد بن أحمد بن عثمان. 8/ 495. ابن الذهبي عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد الصالحي. 9/ 19. ابن الذهبي عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق بن أحمد الصالحي. 9/ 18. الذهبي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز. 8/ 613. الذهبي عثمان بن محمد البغدادي. 4/ 185. ابن الذهبي محمد بن إبراهيم الرملي ابن الذّهبي الشافعي. 10/ 120. الذهبي محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي أبو طاهر. 4/ 500. الذهبي محمد بن عثمان بن قايماز التركماني. 8/ 268. الذهلي أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني صاحب المذهب. 3/ 185. الذهلي شجاع بن فارس السّهروردي. 6/ 27. الذهلي علي بن الحسن الأفطس النيسابوري. 3/ 239. الذهلي علي بن حميد أبو الحسن. 5/ 224. الذهلي عمر بن عبيد الله القرطبي الزهراوي. 5/ 230. الذهلي محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي الوكيعي. 4/ 8. الذهلي محمد بن أحمد بن عبد الله أبو الطاهر. 4/ 359. الذهلي محمد بن معمر بن ناصح 4/ 289.

الذهلي محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النيسابوري. 3/ 259. الذهلي منصور بن عبد الله الهروي. 5/ 9. الذهلي يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي. 3/ 288. ذو الثدية. 1/ 225. ذو الحاجب (قائد الفرس) . 1/ 162. ذو الرمة غيلان [بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي] . 2/ 12. ذو الشمالين [عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي] . 1/ 115. ذو القرنين المطاع بن الحسن بن عبد الله بن حمدان. 5/ 137. ذو الكلاع الحميري. 1/ 214. ذو النون بن أحمد بن يوسف السرماري الحنفي يعرف بالفقيه. 8/ 433. ذو النون المصري ثوبان أبو الفيض ويقال الفيض بن إبراهيم. 3/ 206. ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث القرشي العامري أبو الحارث. 2/ 265.

حرف الراء رابعة بنت إسماعيل البصرية العدوية شهيرة الفضل. 2/ 156. راجح بن إسماعيل الحلي ويعرف بالأديب شرف الدين. 7/ 217. ابن راجح محمد بن موسى بن خلف الصالحي. 8/ 83. الرازي إبراهيم يوسف بن خالد الهيسنجاني. 4/ 7. الرازي أحمد بن الحسين بن إسحاق المصري. 4/ 297. الرازي أحمد بن علي الرازي. 4/ 377. الرازي أحمد بن علي بن شهريار. 4/ 73. الرازي أحمد بن الفرات بن خالد. 3/ 259. ابن راجح أحمد بن محمد بن خلف المقدسي الحنبلي. 7/ 331. الرازي إسحاق بن سليمان الكوفي. 2/ 471. ابن رافع أبو بكر بن تقي الدين محمد. 8/ 458. الرازي تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي. 5/ 73. الرازي جعفر بن عبد الله بن فناكي. 4/ 434. الرازي الحسن بن أحمد بن أنوشروان الرومي. 7/ 779. الرازي الحسين بن الحسن وقيل محمد بن الحسين أبو معين. 3/ 305. الرازي سليم بن أيوب بن سليم. 5/ 202. الرازي الصغير أحمد بن الحسين، الحافظ، أبو زرعة. 4/ 400. الرازي عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة الجوهري أبو الفتح. 5/ 291. الرازي عبد الرحيم بن سليمان. 2/ 397. الرازي عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ابن أخي أبي زرعة. 4/ 100. الرازي عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. 4/ 432. الرازي علي بن الحسين بن الجنيد أبو الحسن. 3/ 385. الرازي علي بن محمد بن عمر بن القصار. 4/ 510. الرازي عيسى بن ماهان أبو جعفر. 2/ 277. الرازي محمد بن حميد أبو عبد الله. 3/ 223. الرازي محمد بن زكريا الرازي الطبيب المشهور. 4/ 58. الرّازي محمد بن سعيد بن سابق الرازي. 3/ 78. الرازي محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني، فخر الدين. 7/ 40.

الرازي محمد بن مهران الجمال الحافظ أبو جعفر. 3/ 178. الرازي معلى بن منصور. 3/ 56. الرازي نصير بن يوسف النحوي المقرئ. 3/ 183. الرازي هشام بن عبيد الله الحنفي. 3/ 100. الرازي يحيى بن معاذ. 3/ 260. الرازي يوسف بن الحسين أبو يعقوب. 4/ 25. الراسبي محمد بن سليم الراسبي أبو هلال. 2/ 300. راشد الدين سنان بن سلمان، أبو الحسن. 6/ 483. الراشدي الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربري. 7/ 681. الرّاعي شهاب الدين أحمد. 10/ 219. الراعي المالكي محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل. 9/ 407. رافع بن خديج الأنصاري. 1/ 312. رافع بن الفزاري الحنبلي. 8/ 400. ابن رافع محمد بن رافع القشيري النيسابوري أبو عبد الله. 3/ 209. ابن رافع محمد ابن رافع بن هجرس السلامي أبو المعالي. 8/ 403. رافع بن محمد بن هجرس بن شافع الصميدي السلامي أبو العلاء. 8/ 95. رافع بن المعلّي. 1/ 115. الرافقي العباس بن محمد بن نصر بن السري. 4/ 291. الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الفارسي. 4/ 311 و 320. الرّاميني إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني. 10/ 518. الراميني أحمد بن محمد بن مفلح بن مفرج. 9/ 158. الراميني عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني. 10/ 456. الراميني عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد الدمشقي. 9/ 302. الراميني عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح المقدسي. 9/ 460. الراميني عمر بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي. 10/ 132. ابن راهويه محمد بن إسحاق أبو الحسن القاضي. 3/ 397. راهب قريش أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي. 1/ 374. ابن راهويه إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي النيسابوري. 3/ 172. ابن الراوندي أحمد بن يحيى الملحد. 4/ 7. رباح عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني. 2/ 267. ابن رباح موسى بن علي اللّخمي. 2/ 287. الرباطيّ أحمد بن سعيد الحافظ. 3/ 196. الرّباطي محمد بن عبد الله بن أحمد الرّباطي أبو بكر. 5/ 101. الرّبذي موسى بن عبيدة. 2/ 245.

الربعي أحمد بن محمد بن سالم بن بهاء الدين التغلبي ابن صصرى. 8/ 107. الربعي أوس بن عبد الله، البصري، أبو الجوزاء. 1/ 341. ربعي بن حراش. 2/ 9. الربعي صاعد بن الحسن البغدادي. 5/ 85. الرّبعي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك البغدادي. 7/ 424. الربعي عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي. 7/ 714. الربعي عبد الله بن أحمد بن زبر البغدادي. 4/ 164. الربعي عبد الله بن العلاء بن زبر الدمشقي. 2/ 291. الربعي علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الرشيدي. 9/ 153. الربعي علي بن عبد الكافي الدمشقي. 7/ 587. الربعي علي بن عيسى البغدادي. 5/ 101. الربعي علي بن المظفر بن القاسم النشبي الدمشقي. 7/ 484. الربعي محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرية الإسكندراني. 8/ 436. ابن الربعي محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد بن حامد الهلالي. 8/ 393. الربعي محمد بن سليمان الدمشقي البندار أبو بكر. 4/ 399. الربعي محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الربعي التونسي الخروبي. 10/ 556. الربعي محمد بن يحيى بن يوسف الربعي التّادفي. 10/ 492. الربعي محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الربعي التادفي. 10/ 449. الربيع بن سليمان الجيزي أبو محمد. 3/ 300. أبو الربيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد الطائي اليساطي. 8/ 500. أبو الربيع سليمان بن خليل العسقلاني. 7/ 529. أبو الربيع سليمان بن داود بن سليمان بن محمد بن عبد الحق الحنفي. 8/ 328. الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المصري الفقيه. 3/ 300. الربيع بن صبيح البصري. 2/ 269. ابن ربيع محمد بن يحيى بن عبد الرحمن القرطبي. 8/ 95. الربيع بن مسلم الجمحي البصري. 2/ 299. الربيع بن نافع الحافظ أبو توبة. 3/ 189. ربيع بن يحيى الأشناني البصري. 3/ 109. الربيع بن يونس أبو الفضل. 2/ 320. ربيعة الرأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ المدني. 2/ 159. ربيعة الجرشي. 1/ 287. ربيعة بن الحسن الحضرمي اليمني الصنعاني أبو نزار. 7/ 69. ربيعة خاتون الصاحبة أخت صلاح الدين والعادل. 7/ 379.

ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي. 1/ 306. ابن أبي ربيعة عمر بن عبد الله القرشي المخزومي أبو الخطاب. 1/ 365. ربيعة بن فروخ الفقيه المدني أبو عثمان عالم المدينة ويقال له: ربيعة الرأي. 2/ 159. ربيعة بن يزيد الدمشقي القصير. 2/ 97. رجاء بن حيوة الكندي الشامي أبو المقدام. 2/ 64. أبو رجاء العطاردي 2/ 33. راء بن مرجى السمرقندي الحافظ أبو محمد. 3/ 227. رجّار الفرنجي. 6/ 244. أبو الرجال بن مري المنيني. 7/ 747. ابن رجب أحمد بن رجب بن حسين بن محمد البغدادي. 8/ 396. رجب بن علي بن الحاج أحمد بن محمود اليعفوري، الحموي، الشافعي، العزازي، زين الدين. 10/ 470. ابن الرّجيحي عبد القادر بن محمد بن عمر بن عيسى المزّي. 10/ 68. ابن رحّال علي بن محمد بن يحيى المصري. 7/ 225. الرّحبي حريز بن عثمان بن جبر بن أسعد المشرقي. 2/ 285. الرحبي علي بن يوسف بن حيدرة. 7/ 569. الرحبي يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدين المكي المالكي المغربي. 10/ 323. الرحبي يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعب. 8/ 575. رحمة الله بن عبد الله السّندي الحنفي. 10/ 565 و 631. الرخامي الفضل بن يعقوب الرخامي. 3/ 261. الرخجيّ عيسى بن حامد البغدادي. 4/ 369. الرخي يوسف بن حيدرة أبو الحجاج. 7/ 258. ابن أبي الرداد الحسين بن يحيى المصري. 7/ 155. الردماوي علي بن زيد بن علوان بن صبرة بن مهدي بن حريز الزبيدي. 9/ 152. الرزاز إبراهيم بن دينار بن أحمد. 6/ 294. الرزاز علي بن أحمد بن محمد بن بيان أبو القاسم. 6/ 44. الرزاز علي بن أحمد بن محمد بن داود البغدادي. 5/ 96. ابن الرزاز علي بن محمد المتبولي الحنبلي. 9/ 443. ابن الرزّاز محمد بن عبد الله المتبولي. 9/ 453. الرزّاز محمد بن عمرو بن البختري أبو جعفر. 4/ 209. الرّزجاهي محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الرزجاهي أبو عمرو. 5/ 126. رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث الإمام أبو محمد التميمي البغدادي. 5/ 380.

ابن رزقويه محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البزّاز. 5/ 66. ابن رزمة محمد بن عبد الواحد البغدادي البزّاز أبو الحسين. 5/ 167. ابن رزين أحمد بن محمد بن علي الباشاني. 4/ 106. ابن رزين عبد البر بن محمد. 7/ 752. ابن رزين عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف. 8/ 562. ابن رزين محمد بن الحسن بن موسى العامري الحموي أبو عبد الله. 7/ 642. رزين بن معاوية العبدري الأندلسي السرقسطي أبو الحسن. 6/ 175. الرسام إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف. 9/ 86. ابن الرّسام أحمد بن أبي بكر الحنبلي، أبو العباس. 9/ 367. ابن الرسّام يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري العطار. 8/ 499. رستم (قائد الفرس) . 1/ 162. رستم خليفة الرومي البرسوي الحنفي. 10/ 114. رستم بن علي بن شهريار. 6/ 315. الرسعني أبو بكر بن إلياس بن محمد بن سعيد. 7/ 747. الرسعني عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر. 7/ 529. الرسعني عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال. 7/ 730. الرّسعني القاسم بن اللّيث بن مسرور أبو صالح. 4/ 22. الرسعني المعافى بن سليمان. 3/ 160. الرسعني محمد بن عبد الرزاق أبو الفضائل. 7/ 716. الرسعني هلال بن محفوظ أبو النجم. 7/ 81. رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني. 9/ 47. رسلان [بن يعقوب الجعبري] الدمشقي. 7/ 782. رسول بن عبد الله القيصري ثم الغزي. 9/ 125. رشأ بن نظيف بن ما شاء الله الدمشقي أبو الحسن. 5/ 194. الرشادي محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي. 9/ 22. ابن رشد الحفيد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي. 6/ 522. ابن رشد محمد بن أحمد المالكي أبو الوليد. 6/ 102. ابن رشدين أحمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد المهدي المصري أبو جعفر. 3/ 387. رشدين بن سعد المهري. 2/ 404. الرشيد أحمد بن علي الغساني الأسواني. 6/ 337. الرشيد أحمد بن مفرج بن علي الدمشقي. 7/ 430. رشيد الدين الرقي رشيد بن كامل الرقي.

8/ 47. الرشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي. 7/ 664. الرشيد العراقي إسماعيل بن أحمد بن الحسين. 7/ 440. رشيد بن كامل الرقّي. 8/ 47. الرشيد محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر الحنبلي. 8/ 574. الرشيد النيسابوري محمد بن أبي بكر بن علي الحنفي. 7/ 326. الرشديني عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج المهري المصري. 4/ 137. الرشيدي إبراهيم بن لاجين بن عبد الله المصري. 8/ 271. الرصافي عبيد الله بن أبي زياد الشامي. 2/ 261. الرصافي المكبّر حنبل بن عبد الله، أبو عبد الله. 7/ 24. رضوان بن تتش بن ألب أرسلان السلجوقي. 6/ 27. رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة بن البهاء بن سعيد العتبي. 9/ 401. ابن الرّضي أبو بكر بن محمد الصالحي القطان. 8/ 205. رضي الدين أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الشافعي القسنطيني. 7/ 757. رضي الدين القزويني أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني أبو الخير. 6/ 492. الرضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار المقدسي الملقن. 7/ 300. الرضي محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني المكي. 7/ 762. الرّضي [محمد بن الحسن الأستراباذي] نجم الأئمة «شارح الكافية في النحو» . 7/ 691. ابن الرضي محمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي. 8/ 625. ابن الرطبي أحمد بن سلامة بن عبد الله الكرخي بن مخلد الشافعي. 6/ 132. ابن الرطبي محمد بن عبيد بن سلامة الكرخي أبو عبد الله. 6/ 265. الرعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الإشبيلي. 7/ 23. الرعيني أحمد بن يوسف بن مالك الغرناطي. 8/ 449. الرعيني شريح بن محمد بن شريح الإشبيلي. 6/ 200. الرعيني عيسى بن سليمان بن عبد الله الأندلسي المالقي الرندي. 7/ 272. الرعيني محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي أبو عبد الله. 5/ 330. الرعيني محمد بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد الحطاب. 10/ 408. ابن الرفاء إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني. 7/ 76. الرفاء السّري بن أحمد الكندي الموصلي. 4/ 381. الرفاء علي بن أحمد السامري أبو الحسن. 5/ 12.

الرفّاء عين الزّمان أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح. 6/ 241. الرفاء محمد بن أحمد بن علي المصري. 8/ 555. الرّفّاء محمد بن غالب الأندلسي الأديب أبو عبد الله. 6/ 402. الرفاء بن محمد الهروي أبو حامد. 4/ 291. ابن رفاعة أحمد بن علي بن أحمد الرفاعي البطائحي. 6/ 427. الرفاعي علي بن أحمد بن أبي قيس البغدادي. 4/ 277. الرفاعي محمد بن يزيد الكوفي القاضي أبو هشام. 3/ 226. ابن الرفعة أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع الأنصاري البخاري، نجم الدين. 8/ 41. الرفيع عبد العزيز أبو حامد الجيلي. 7/ 372. رفيع بن مهران الرياحي أبو العالية. 1/ 367. الرقاشي بشر بن المفضل بن لاحق البصري. 2/ 389. الرقّام محمد بن مكي بن أبي المذكّر القرشي الصّقلي. 7/ 791. أبو الرقعمق أحمد بن محمد الأنطاكي، أبو حامد. 4/ 519. الرقي إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي. 8/ 15. الرقّي إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد. 4/ 226. الرقّي جعفر بن برقان الكلابي. 2/ 253. الرقّي الحسن بن عمر أبو المليح. 2/ 360. الرقّي عبد الله بن جعفر الحافظ. 3/ 96. الرقّي عبيد الله بن عمرو أبو وهب. 2/ 357. الرقّي محمد بن عثمان بن حسن بن علي الصالحي. 8/ 484. الرقّي موسى بن جرير أبو عمران المقرئ. 4/ 54. الرقي ميمون بن مهران، أبو أيوب. 2/ 81. الرقي هلال بن العلاء بن هلال أبو عمر. 3/ 331. رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1/ 116. رقية بنت العفيف عبد السلام بن محمد بن مزروع المدنية. 9/ 165. ابن الركاب محمد بن علي بن أحمد بن الغزي الحلبي. 9/ 255. الركاب مسعود بن ناصر السجزي. 5/ 336. ابن أبي ركب مصعب بن محمد بن مسعود الجياني. 7/ 27. الركراكي محمد بن يوسف أبو عبد الله. 8/ 566. ركن الدين منكورس مملوك فلك الدين أخي العادل. 7/ 257. الركن عبد السلام بن عبد الوهاب 7/ 83. ابن الركن محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعري الحلبي. 9/ 56. ابن الرماح علي بن عبد الصمد بن محمد المصري. 7/ 279.

الرمادي إبراهيم بن بشار الزاهد. 3/ 122. الرمادي أحمد بن منصور أبو بكر الحافظ. 3/ 281. الرمادي يوسف بن هارون القرطبي الكندي «أبو رماد» . 5/ 23. الرماني علي بن عيسى النحوي أبو الحسن شيخ العربية. 4/ 442. الرماني يحيى بن دينار أبو هاشم الواسطي. 2/ 95. الرمثاوي [1] حسن بن علي بن سرور بن سليمان الرمثاوي، الشافعي، ابن خطيب الحديثة. 8/ 620. الرمثاوي موسى بن أحمد بن موسى. 9/ 182. رمضان المعروف ببهشتي. 10/ 567. رمضان المعروف بناظرزاده الرومي الحنفي، المولى. 10/ 591. رملة بنت أبي سفيان الأموية أم حبيبة- أم المؤمنين- 1/ 236. الرملي أحمد بن أحمد بن حمزة الرملي. 10/ 525. الرملي أحمد الرملي المنوفي المصري. 10/ 454. الرملي أحمد بن شيبان، أبو عبد المؤمن. 3/ 290. الرملي أحمد بن محمد بن علي الدمشقي. 10/ 171. الرملي علي الرملي، علاء الدين. 10/ 128. الرملي مجير الدين الرملي. 10/ 286. الرملي محمد بن جعفر بن نوح أبو نعيم. 4/ 141. الرملي محمد بن صارم الدين إبراهيم الشافعي ابن الذهبي. 10/ 120. ابن رميثة بركات بن حسن بن عجلان. 9/ 430. رميثة بن محمد بن حسن بن علي بن قتادة الحسني أبو عرادة. 8/ 257. الرميلي مكي بن عبد السلام المقدسي. 5/ 403. الرهاوي أحمد بن سليمان الحافظ أبو الحسين. 3/ 266. ابن الرهاوي أحمد بن محمد بن عمر الدمشقي. 8/ 432. الرهاوي عبد القادر بن عبد الله أبو محمد. 7/ 92. الرهاوي عمر بن إبراهيم بن سليمان الحلبي. 9/ 92. الرهاوي قتادة بن الفضل. 2/ 475. الرّهاوي يحيى المصري الحنفي شرف الدين. 10/ 400. الرهوني يحيى بن عبد الله. 8/ 394. ابن رواج عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الاسكندراني. 7/ 418. ابن رواحة عبد الرحمن بن رواحة بن علي بن الحسين. 8/ 104. ابن رواحة عبد الله بن الحسين بن عبد الله

_ [1] تحرفت اللفظة في الكتاب إلى «البرماوي» والصواب ما أثبته هنا. انظر التعليق الذي كتبته عند ذكر اسمه من هذه الفهارس.

الأنصاري الحموي. 7/ 405. ابن رواحة محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري. 7/ 374. ابن رواحة هبة الله بن محمد الأنصاري الزكي. 7/ 182. الرؤاسي حميد بن عبد الرحمن الكوفي. 2/ 417. الرؤاسي وكيع بن الجراح. 2/ 458. 2/ 417. الرؤاسي وكيع بن الجراح. 2/ 458. رؤبة بن العجاج البصري التميمي السعدي. 2/ 221. الرؤبي إسماعيل بن عمر بن نعمة بن شبيب. 7/ 37. الرؤبي مكّي بن عمر بن نعمة بن يوسف المقدسي. 7/ 296. روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. 2/ 321 و 338. روح بن زنباع الجذامي. 1/ 347. أبو روح سلام بن مسكين البصري. 2/ 299. روح بن عبادة القيسي البصري أبو محمد. 3/ 28. أبو روح الهروي عبد المعز بن محمد بن أحمد. 7/ 144. الروذباري أحمد بن عطاء. 4/ 372. الروذباري الحسين بن محمد الطوسي أبو علي. 5/ 19. الروذباري محمد بن أحمد بن القاسم البغدادي. 4/ 118. الروذراوري عبد المجيد بن أبي الفرج. 7/ 565. الرّوذراوري محمد بن عبد الله بن برزة الروذراوري أبو جعفر. 4/ 323. ابن روزبه داود بن إبراهيم البغدادي. «أبو شيبة» . 4/ 51. ابن الروزبهان محمد بن محمد بن أحمد البغدادي. 5/ 92. ابن الروش علي بن عبد الرحمن الشاطبي أبو الحسن. 5/ 412. الرومي بشرى بن عبد الله «أبو الحسن» . 5/ 154. الرومي الحنفي، المشهور بمنلا خليل المولى. 10/ 114. الرومي عبد الرحمن (عتيق أحمد بن باقا البغدادي) . 7/ 62. الرومي عبد الكريم بن عبد الله الحنفي. 10/ 9. الرومي علي بن موسى بن إبراهيم الحنفي. 9/ 350. الرومي علي بن يوسف بن أحمد الحنفي. 10/ 27. الرومي قوام بن عبد الله. 9/ 115. الرومي محمد بن عثمان بن علي شرف الدين. 7/ 679. الرومي محمد بن المبارك بن عثمان الحلبي. 8/ 625. الرومي مفلح بن أحمد الرّومي ثم البغدادي الوراق أبو الفتح. 6/ 190. الرومي مقبل بن عبد الله الرومي الشافعي. 9/ 36. الرومي ياقوت بن عبد الله، أبو الدّر.

7/ 184. ابن الرّومية أحمد بن محمد بن مفرج بن عبد الله الأموي. 7/ 321. الروياني عبد الواحد بن إسماعيل. 6/ 8. الروياني علي بن حمد بن علي بن عبد الله الطبري. 5/ 354. الروياني محمد بن هارون أبو بكر. 4/ 36. الروياني نصر الله بن عبد الرحمن العجمي البخاري الكجوري. 9/ 299. الرويسوني عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن. 8/ 363. ابن رياح محمد بن محمد بن ناصر الفرّاء. 8/ 491. الرياحي أبو العالية رفيع بن مهران. 1/ 367. الرياشي العباس بن الفرج أبو الفضل. 3/ 257. ابن الرياني عبد بن معالي بن أحمد أبو بكر. 7/ 218. ريحان بن تيكان بن موسك الحربي. 7/ 120. ابن ريحان يعيش [بن ريحان] بن مالك بن هبة الله الأنباري. 7/ 185. ابن ريذة محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن ريذة الأصبهاني أبو بكر. 5/ 182. ابن رئيس الرؤساء الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله البغدادي 7/ 299. الريغي عيسى بن يحيى المغربي. 9/ 261. الريفي علي بن الحسين أبو القاسم. 6/ 9. ابن الرّيفي محمد بن محمد بن أحمد المناوي الجوهري. 9/ 343.

حرف الزاي أخو زاده محمد بن نور الله المشتهر بأخي زاده. 10/ 619. زاذان أبو عمر مولى كندة. 1/ 334. الزاز عبد الرحمن بن أحمد بن زاز بن حميد الأستاذ السرخسي، أبو الفرج. 5/ 407. الزاغولي محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين المروزي. 6/ 312. ابن الزاغوني علي بن عبيد الله بن نصر بن السري. 6/ 133. ابن الزاغوني محمد بن عبيد الله بن نصر أبو بكر. 6/ 272. زاكي بن كامل بن علي القطيعي أبو الفضائل. 6/ 231. الزانكي أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي. 8/ 36. ابن الزاهد الحسن بن الأكرم العلوي. 7/ 359. الزاهد عمر بن عبد النصير بن محمد بن هاشم السهمي القوصي. 8/ 52. الزاهدي أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي. 9/ 335. زاهر بن أحمد السرخسي أبو علي. 4/ 477. زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني. 7/ 48. زاهر بن رستم الأصبهاني ثم البغدادي أبو شجاع. 7/ 70. زاهر بن طاهر الشحامي النيسابوري أبو القاسم. 6/ 168. ابن زايد عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد بن جار الله الشافعي. 10/ 144. زائدة بن قدامة الثقفي. 1/ 315. زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي أبو الصلت. 2/ 276. ابن أبي زائدة يحيى بن زكريا الكوفي. 2/ 366. ابن زبادة يحيى بن سعيد بن هبة الله الواسطي. 6/ 520. زبان [1] بن العلاء أبو عمرو بن العلاء المازني أحد القراء السبعة. 2/ 248. ابن زبان محمد بن حبيب المصري أبو بكر. 4/ 84. ابن زبد عبيد الله بن محمد بن محمد بن محمد البعلبكي. 9/ 259. الزّبداني يحيى بن محمد بن عبد الصمد. 7/ 762. ابن زبر الربعيّ محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة الربعي الدمشقي. 4/ 419. ابن زبر عبد الله بن أحمد الربعي البغدادي.

_ [1] لم يذكره المؤلف باسمه وإنما اكتفى بذكر كنيته التي اشتهر بها وأثبت اسمه من «معرفة القراء الكبار» للذهبي (1/ 100) وانظر ما قيل فيه هناك.

4/ 164. ابن الزبرقان يحيى بن جعفر بن عبد الله البغدادي. 3/ 316. الزبيبي عبد الله بن إبراهيم بن جعفر البغدادي البزار. 4/ 385. زبيد بن الحارث اليامي. 2/ 95. الزبيدي أحمد بن رضي الدين بن علي الناشري اليمني. 9/ 163. الزبيدي أحمد الزبيدي المكي. 10/ 320. الزبيدي أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن بصيص. 8/ 361. الزبيدي أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الرحمن القاضي الشافعي أبو السرور. 10/ 235. الزبيدي أحمد بن موسى بن علي بن الحداد. 8/ 552. الزبيدي الحسن بن المبارك بن محمد بن يحيى الربعي. 7/ 252. الزبيدي داود بن عمر بن يوسف المقدسي الآباري. 7/ 475. الزبيدي الحسين بن المبارك. 7/ 229. الزبيدي علي بن أحمد بن علي الشافعي. 9/ 196. الزبيدي علي بن محمد بن قحر. 9/ 354. الزبيدي محمد بن أحمد الدوالي. 8/ 476. الزبيدي محمد بن حسين بن محمد بن حسين القمّاط. 10/ 32. الزبيدي محمد بن الصّديق الزبيدي. 10/ 643. الزبيدي محمد بن عبد الله بن شوعان الحنفي. 9/ 229. الزبيدي محمد بن الوليد الحمصي القاضي. 2/ 221. الزبيدي مكي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر المقدسي. 7/ 518. الزبيدي منبه بن مصعب بن سعد العشيرة بن مذحج. 4/ 417. الزبيدي يزيد بن عبد ربه الجرجسي. 3/ 113. الزبير بن بكار الأسدي الزبيري الإمام أبو عبد الله. 3/ 252. الزبير بن عبد الواحد بن محمد بن زكريا بن صالح الهمذاني ثم الأسدآباذي أبو عبد الله. 4/ 248. الزبير بن عدي قاضي الري. 2/ 135. الزبير بن العوام القرشي الأسدي. 1/ 207. الزبيري إبراهيم بن حمزة المدني. 3/ 137. الزبيري عبد الواحد بن عبد الرحمن الوركي. 5/ 410. الزبيري عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله القرشي الدمشقي. 6/ 416. الزبيري محمد بن عبد الله الأسدي الكوفي، أبو أحمد. 3/ 15. الزجاج إبراهيم بن محمد السري بن سهل النحوي. 4/ 51. ابن الزجاج عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي. 7/ 684. الزجاجي عبد الرحمن بن إسحاق

النهاوندي. 4/ 219. الزّحلي محمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الغني الشافعي. 10/ 341. زر بن حبيش الأسدي أبو مريم. 1/ 335. الزراتيتي محمد بن علي بن أحمد المقرئ. 9/ 249. ابن الزراد محمد بن أحمد بن أبي بن الهيجاء الصالحي. 8/ 130. زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب. 1/ 369. ابن زرارة محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري. 2/ 99. الزراري الخضر بن الحسن بن علي البرهان البخاري. 7/ 690. الزراري يوسف بن الحسن، بدر الدين البخاري. 7/ 544. ابن زرب محمد بن يبقى القرطبي المالكي أبو بكر. 4/ 429. زربول الأدب طراد السلمي السبنسي. البلنسي. 6/ 148. ابن الزرخوني محمد بن عبد الجليل بن أبي الخير محمد المعروف بابن الزرخوني محب الدين. 10/ 498. زرعة بن إبراهيم [الدمشقي] [1] . 2/ 145. أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي الصغير. 4/ 400. ابن أبي زرعة أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم الزهري بن البرقي. 3/ 297. أبو زرعة حيوة بن شريح. 2/ 260. أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي. 6/ 359. أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي. 3/ 332. أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي الرازي. 3/ 278. ابن أبي زرعة علي بن أبي القاسم الطبري. 6/ 141. ابو زرعة اللفتواني عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني. 7/ 15. أبو زرعة محمد بن إبراهيم الاستراباذي اليمني. 4/ 380. ابن زرعة محمد بن زرعة المصري. 10/ 96. ابن أبي زرعة محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيه. 3/ 228. أبو زرعة محمد بن عثمان الثقفي. 4/ 13. الزرعي إبراهيم بن أحمد بن هلال. 8/ 227. الزرعي أحمد بن موسى أبو العباس. 8/ 336. الزرعي حسن بن منصور بن ناصر. 8/ 495. الزرعي سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو. 8/ 187. الزرعي عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي. 8/ 308. الزرعي عمر بن رافع بن علوان. 7/ 181.

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة من «تاريخ الإسلام» (حوادث ووفيات السنوات 121- 142) بتحقيق الدكتور عمر عبد السلام التدمري.

الزرعي محمد بن شريف بن يوسف بن الوحيد. 8/ 51. الزرعي محمد بن قرموز شمس الدين. 9/ 108. الزرعي محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود. 8/ 455. ابن زرقاني محمد بن محمد بن سعيد الإشبيلي. 7/ 169. الزركراني ألب أرسلان الحسن بن الحسين أبو علي. 6/ 97. الزركشي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد، أبو ذر. 9/ 372. الزركشي محمد بن بهادر بن عبد الله المصري أبو عبد الله. 8/ 572. الزركشي محمد بن عبد الله بن محمد المصري أبو عبد الله. 8/ 384. الزرنجري بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري. 6/ 55. الزرنجري عمر بن بكر بن محمد بن علي الجابري. 6/ 461. الزرندي عبد الرحمن بن علي بن يوسف المدني. 9/ 185 و 260. الزرندي محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف. 8/ 624. الزرندي [1] محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمود بن عبد الله. 8/ 485. ابن زروق أحمد بن أحمد [بن محمد] بن عيسى البرنسي. 9/ 547. الزريراتي عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد البغدادي. 8/ 228. الزريرياتي عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل البغدادي. 8/ 156. ابن زريق أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان. 9/ 349. ابن زريق أحمد بن أبي بكر بن قدامة المقدسي. 9/ 526. ابن زريق أحمد بن عبد الله بن حميد البغدادي. 4/ 485. ابن زريق عبد الرحمن بن أبي بكر المقدسي. 9/ 330. ابن زريق عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني. 6/ 176. ابن زريق المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي الحداد. 6/ 535. ابن زريق محمد بن أبي بكر عبد الرحمن. 9/ 551. ابن زريق محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال أبو عبد الله. 7/ 145. ابن زريق محمد بن زريق الحنبلي. 10/ 112. ابن زريق محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان الحنبلي. 9/ 59. ابن زعب يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى الرحبي. 8/ 575. الزعبي إبراهيم بن أبي بكر بن إسماعيل الحمامي. 7/ 474. الزعفراني أحمد بن مرزوق. 5/ 338.

_ [1] تنبيه: تحرفت ترجمته في متن الكتاب إلى «الزريدي» والصواب «الزرندي» كما في «إنباء الغمر» وقد أشرت إلى ذلك عند التعليق على الترجمة.

الزعفراني الحسن بن محمد الصباح، أبو علي. 3/ 264. ابن الزعفراني شعيب بن يحيى بن أحمد. 7/ 399. الزعفراني محمد بن ليل التّونسي. 10/ 214. الزعفراني محمد بن مرزوق البغدادي. 6/ 92. الزعيفريني أحمد بن يوسف الدمشقي القاهري. 9/ 226 و 279. الزغبي محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله الزّغبي. 10/ 565. ابن زغدان محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التونسي القاهري الصوفي. 9/ 502. زغلش أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي. 9/ 44. زغنش أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيرازي. 8/ 377. ابن الزفتي عبد الله بن عتاب أبو العباس. 4/ 100. زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر أبو الهذيل. 2/ 261. زفرة محمد بن أحمد بن علي. 6/ 172. ابن زقاعة إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الغزي. 9/ 172. ابن الزقاق علي بن عطية اللخمي البلنسي. 6/ 147. ابن زقيقة محمود بن عمر الحانوي الشيباني. 7/ 309. زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاتي المغربي ويعرف باللحياني أبو يحيى. 8/ 136. زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى خت البلخي الشافعي أبو يحيى. 4/ 170. زكريا بن أبي زائدة الهمذاني القاضي والد يحيى. 2/ 223. زكريا بن عدي الكوفي. 3/ 58. زكريا بن علي بن حسان بن علي البغدادي أبو يحيى ويعرف بالعلبي. 7/ 253. زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي القاهري الأزهري الشافعي زين الدين. 10/ 186. زكريا المصري الشافعي زين الدين. 10/ 466. زكريا بن يحيى بن أسد المروزي أبو يحيى. 3/ 300. زكريا بن يحيى الساجي البصري أبو يحيى. 4/ 36. زكريا بن يحيى السجزي الحافظ أبو عبد الرحمن الملقب ب: (خياط السنة) . 3/ 365. زكريا بن يحيى القطفتي أبو يحيى. 7/ 219. زكريا بن يحيى النيسابوري المزكي أبو يحيى. 3/ 418. ابن زكنون علي بن حسين بن عروة المشرقي ثم الدمشقي. 9/ 323. زكي بن الحسن البيلقاني أبو أحمد. 7/ 614. ابن الزكي شمس الدين الجعبري. 9/ 66.

ابن الزكي الطاهر بن محمد القرشي الدمشقي. 7/ 131. ابن الزكي عبد العزيز بن يحيى بن محمد القرشي. 7/ 785. ابن الزكي عبد الكريم بن يحيى أبو محمد. 8/ 261. ابن الزكي عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد القرشي. 8/ 460. ابن الزكي عبد الله بن عبد الرحمن بن سلطان القرشي. 7/ 114. ابن الزكي علي بن محمد بن عبد الله الغزي. الزكي محمد بن عبد الله بن محمد الغزي. 9/ 506. ابن الزكي محمد بن منتجب الدين محمد بن يحيى القرشي أبو المعالي. 6/ 548. ابن الزكي محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي. 6/ 190. الزكي المعري إبراهيم بن عبد الرحمن المغربي البعلي. 7/ 729. ابن الزكي يوسف بن محمد بن يوسف بن أحمد. 8/ 408. ابن الزكي يوسف بن محي الدين يحيى بن محمد بن علي. 7/ 688. زلف نكار محمد بن عبد الكريم الملقب بزلف نكار الرومي القسطنطيني. 10/ 639. الزماني محمد بن يحيى بن فياض البصري. 3/ 215. الزمخشري محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي. 6/ 194. زمرد خاتون بنت الأمير جاولي. 6/ 298. الزمزمي إبراهيم بن علي بن محمد داود البيضاوي. 9/ 446. الزمزميّ حسن بن ثابت بن إسماعيل. 10/ 141. الزمزمي حسين بن علي بن محمد بن داود البيضاوي. 9/ 219. الزمزمي عبد العزيز الزمزمي. 10/ 558. الزمزمي عبد العزيز بن عبد العزيز المكي الزمزمي. 10/ 488. ابن الزمكحل إسماعيل بن عبد الله. 8/ 517. ابن الزملكاني عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي. 7/ 438. ابن الزملكاني عبد الواحد بن خلف بن نبهان. 7/ 432. ابن الزملكاني علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السماكي. 7/ 726. ابن الزملكاني محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان. 8/ 140. ابن أبي زمنين محمد بن عبد الله بن عيسى المري الأندلسي الإلبيري. 4/ 521. ابن أبي الزناد عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني. 2/ 337. أبو الزناد عبد الله بن ذكوان. 2/ 135. ابن زنبور محمد بن عمر بن علي بن خلف الورّاق، أبو بكر. 4/ 508. ابن زنجويه إسماعيل بن علي بن الحسين الرّازي. 5/ 203. الزنجاني سعد بن علي بن محمد بن علي

الحسين. 5/ 307. الزنجاني محمود بن عبيد الله. 7/ 600. ابن زنجويه حميد الحافظ أبو أحمد. 3/ 235. ابن زنجويه محمد بن عبد الملك الحافظ الغزال أبو بكر. 3/ 259. زند بن الجون أبو دلامة. 2/ 273. الزنكلوني أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز. 8/ 220. ابن زهر زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان الإيادي الإشبيلي. 6/ 124. ابن زهر عبد الرحمن بن محمد بن خالد الحمصي. 9/ 443. ابن زهر عبد الملك بن زهر بن عبد الملك الإشبيلي. 6/ 299. ابن زهر محمد بن عبد الملك الإيادي الإشبيلي. 6/ 523. زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي أبو العلاء. 6/ 124. ابن زهر محمد بن محمد بن خالد الحمصي. 9/ 418. ابن زهر محمد بن مروان الإيادي الإشبيلي أبو بكر. 5/ 115. ابن أبي زهر يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف المزي. 8/ 236. ابن زهرا عبد الله بن أبي بكر بن خالد الحمصي. 9/ 454. ابن زهراء أحمد بن علي حسين بن زكريا. 5/ 414. الزهراني بشر بن عمر. 3/ 38. ابن زهرة محمد بن خالد بن موسى الحمصي. 9/ 283. زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر الأنبارية أم الحياء. 7/ 279. ابن زهرة محمد بن علي بن محمد بن الحسن الحلبي. 8/ 453. زهرة بن معبد التيمي أبو عقيل. 2/ 156. ابن أبي زهرة مكي بن نابت الغضاري. 6/ 498. ابن زهرون هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم. 5/ 207. الزهري إبراهيم بن سعد العوفي المدني. 2/ 380. الزهري إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. 1/ 387. الزهري أحمد بن أبي بكر أبو مصعب. 3/ 192. الزهري أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطاب البقاعي. 8/ 577. الزهري إسماعيل بن مكي بن إسماعيل الإسكندراني المالكي. 6/ 441. الزهري سعد بن إبراهيم بن سعد العوفي. 3/ 6. الزهري سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. 2/ 119. الزهري طلحة بن عبد الله بن عوف. 1/ 390. الزهري عامر بن سعد بن أبي وقاص. 2/ 53. الزهري عبد الرحمن بن علي الإشبيلي أبو

محمد. 7/ 101. الزهري عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة. 1/ 359. الزهري عبد الله بن أحمد بن صالح بن أحمد الشافعي. 9/ 18. الزهري عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي العوفي النابلسي. 7/ 701. الزهري عبيد بن عبد الرحمن بن محمد العوفي البغدادي أبو الفضل. 4/ 428. الزهري عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن العوفي الاسكندراني. 7/ 599. ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله بن أخي الزهري المدني. 2/ 259. الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب المدني أبو عمر. 2/ 99. الزهري هارون بن عبد الله العوفي المكي المالكي أبو يحيى. 3/ 149. الزهري يعقوب بن إبراهيم بن سعد العوفي. 3/ 45. الزهري يعقوب بن محمد الزهري المدني. 3/ 61. زهير بن حرب النسائي أبو خيثمة. 3/ 157. زهير بن الحسن السرخسي أبو نصر. 5/ 229. زهير بن محمد التميمي المروزي الخراساني، أبو المنذر. 2/ 284. زهير بن محمد بن علي بن يحيى الأزدي المهلبي المكي ثم القوصي أبو الفضل وأبو العلاء المعروف ب: بهاء الدين. 7/ 476. زهير بن محمد بن قمير المروزي ثم البغدادي. 3/ 257. زهير بن معاوية الجعفي الكوفي أبو خيثمة. 2/ 334. الزهيري أحمد بن محمد بن محمد الصالحي. 10/ 88. الزهيري محمد الزهيري الحنفي نجم الدين. 10/ 285. الزواوي عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس. 7/ 652. الزواوي محمد بن سليمان بن سومر جمال الدين قاضي المالكية بدمشق. 8/ 82. الزواوي يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور. 7/ 226. ابن زوج الحرة محمد بن عبد الواحد أبو الحسن. 5/ 190. زوجة القشيري فاطمة بنت الحسن بن علي الدقاق. 5/ 348. الزوزني أحمد بن محمد بن علي بن محمود. 6/ 183. الزوزني علي بن محمود بن ماخرة 5/ 222. الزيات حمزة بن حبيب التميمي الكوفي. 2/ 255. ابن الزيات عمر بن محمد بن علي البغدادي. 4/ 402. ابن الزيات محمد بن عبد الملك أبو جعفر. 3/ 154. زياد بن أبيه. 1/ 252. زياد الأعجم الشاعر. 2/ 16. زياد بن أيوب الطوسي ثم البغدادي دلّويه

الحافظ أبو هاشم. 3/ 238. زياد بن عبد الرحمن اللخمي شبطون. 2/ 439. ابن زياد عبد الله بن محمد النيسابوري. 4/ 129. زياد بن علاقة الثعلبي الكوفي. 2/ 107. زياد بن علي بن هارون الجيلي أبو القاسم. 5/ 404. زيادة الله بن عبد الله الأغلبي من أمراء القيروان. 4/ 22. الزيادي الحسن بن عثمان أبو حسان. 3/ 192. الزيتوني محمد بن محمد العوفي محيي الدين الزيتوني. 10/ 265. زيد بن أخزم الشهيد لاطائي النبهاني البصري أبو طالب. 3/ 257. زيد بن أرقم الأنصاري. 1/ 291. زيد بن أسلم العدوي الفقيه العابد. 2/ 159. زيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي الحافظ. 2/ 107. زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ الفرضي أبو خارجة. 1/ 237. زيد بن الحباب الكوفي أبو الحسين. 3/ 13. زيد بن حارثة. 1/ 126. زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي أبو اليمن المعروف بالعلامة تاج الدين الكندي. 7/ 100. زيد بن خالد الجهني. 1/ 319. زيد بن صوحان. 1/ 209. أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام. 8/ 232. زيد بن عبد الله بن جعفر اليفاعي اليمني. 6/ 71. زيد بن علي بن أبي بلال العجلي الكوفي أبو القاسم. 4/ 305. زيد بن علي بن الحسين. 2/ 92. زيد بن واقد الدمشقي. 2/ 186. ابن زيدون أحمد بن عبد الله بن أحمد المخزومي. 5/ 264. الزيدي حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد المروزي. 4/ 156. الزيدي عمر بن إبراهيم بن محمد الكوفي أبو البركات. 6/ 200. الزيدي محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني الكوفي أبو الحسن. 4/ 483. الزيدي محمد بن حيدرة بن عمر بن إبراهيم أبو المعمر الحسيني. 6/ 515. زيزي بن مناد الحميري الصنهاجي. 4/ 309. ابن زيلاق محمد بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي. 7/ 527. زين الأمناء الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي. 7/ 217. زين الدور وجيهية بنت علي بن يحيى الأنصارية البوصيرية. 8/ 174. زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي. 10/ 523. زين الدين علي كوجك بن بكتكين التركماني. 6/ 347. زين العابدين بن العجمي الرومي الشافعي. 10/ 326.

زين العباد القيصري الحنفي. 10/ 591. زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي. 6/ 546. زينب بنت إبراهيم القيسي أم الفضل. 7/ 78. زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم المقدسية أم عبد الله. 8/ 221. زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي أم محمد. 8/ 103. زينب بنت (العماد) أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عباس بن جعوان. 9/ 47. زينب بنت جحش الأسدية. 1/ 171. زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1/ 127. زينب بنت سليمان بن رحمة الإسعردي. 8/ 23. زينب الشعرية الحرة أم المؤيد بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري. 7/ 113. زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم ابن تيمية. 8/ 610. زينب بنت عثمان بن محمد بن لؤلؤ الدمشقية. 8/ 621. زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحية أم محمد المعروفة ببنت الواسطي. 7/ 751. زينب بنت عمر بن كندي البعلبكية الدار الدمشقية أم محمد. 7/ 782. زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية، ويعرف أبوها بابن العصيدة. 8/ 610. زينب بنت محمد بن محمد بن علي الغزي الأزهري الشافعي. 10/ 574. زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني أم أحمد. 7/ 706. زينب بنت يحيى بن عز الدين بن عبد السلام السلمية. 8/ 192. زينب بنت يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي أم الخير. 7/ 797. الزينبي عبد الله بن المظفر بن علي العباسي. 7/ 300. الزينبي علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العباسي. 6/ 220. الزينبي محمد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي أبو نصر. 5/ 345. الزينبي محمد بن وشاح أبو علي. 5/ 266. زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية. 8/ 452.

حرف السين السابق محمد بن الخضر بن أبي المهزول. 6/ 192. الساجي زكريا بن يحيى البصري. 4/ 36. الساجي المؤتمن بن أحمد بن علي بن نصر الربعي. 6/ 33. سارة بنت علي بن عبد الكافي السبكي. 9/ 78. ابن الساعاتي علي بن محمد بن رستم الشاعر. 7/ 26. ابن ساعد أحمد بن يحيى بن مخلوف السعدي. 8/ 494. الساعدي أبو أسيد (مالك بن ربيعة) 1/ 220. ابن الساعي علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي السلامي. 7/ 599. ابن سالم أحمد بن محمد بن سالم الزاهد. 4/ 318. سالم الأفطس الحراني الفقيه مولى بني أمية. 2/ 146. سالم بن أبي الجعد الكوفي. 1/ 404. سالم بن الحسن بن هبة الله التغلبي أبو الغنائم المعروف ب: أمين الدين. 7/ 322. سالم بن سالم بن أحمد المقدسي ثم المصري. 9/ 252. سالم بن سعادة الحمصي. 7/ 148. سالم بن سعيد بن علوي الحساني. 9/ 112. ابن سالم العاتكي محمد بن الشيخ علاء الدين علي بن خليل بن أحمد العاتكي. 10/ 277. سالم بن عبد الرزاق بن يحيى المقدسي أبو الرجاء. 7/ 379. سالم بن عبد الله بن عبد الملك الشيباني أبو الفتح. 6/ 276. سالم بن عبد الله بن عمر العدوي المدني. 2/ 40. سالم بن عبد الله الهروي المعروف ب: غويلة. 5/ 160. سالم بن محمد بن سالم العامري اليمني. 7/ 240. ابن سالم محمد بن علي بن خليل بن أحمد العاتكي الدمشقي. 10/ 277. سالم المدني أبو النضر. 2/ 125. ابن سامان إسماعيل بن أحمد بن أسد. 3/ 401. الساماني أحمد بن إسماعيل بن أحمد صاحب ما وراء النهر. 4/ 10. أبو السائب عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي. 4/ 265. السامري إبراهيم بن أحمد بن محمد أحمد بن أبي ثابت. 4/ 203. السامري عبد الله بن الحسن بن حسنون البغدادي. 4/ 458.

ابن السامري عبد الله بن هبة الله بن محمد أبو الفتح. 6/ 236. السامري هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد البغدادي. 6/ 550. السامون محمود بن حسن السامون. 10/ 588. السّاموني حسن بن عبد الصمد. 10/ 8. الساموني محمد بن حسن بن عبد الصمد الرومي. 10/ 134. السامي عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري القرشي أبو محمد. 2/ 412. السامي محمد بن محمد بن عبد الرحمن. 8/ 454. السّانجني إبراهيم بن معقل أبو إسحاق. 3/ 400. السّاوي يوسف بن محمود بن يعقوب المصري. 7/ 413. ابن السائب محمد بن الكلبي الكوفي. 2/ 211. السائب بن يزيد الكلبي. 1/ 360. ابن سباع إبراهيم بن عبد الرحمن الفزاري المصري. 8/ 154. أبو السباع أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى الحفصي. 8/ 590. ابن السبّاك محمد بن علي بن بقاء بن السبّاك. 7/ 448. ابن السباك محمد بن محمد بن الحسن البغدادي. 7/ 317. السبتي أحمد بن محمد. 8/ 542. السبتي حسين بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسيني. 8/ 297. السبتي عبد الله بن أبي جمرة المالكي. 8/ 43. السبتي عبد الله بن محمد المالكي. 10/ 66. السبتي عثمان بن الحسن السبتي. 7/ 293. السبتي محمد بن عبد الحق بن إسماعيل المالكي. 9/ 317. ابن أبي سبرة أبو بكر بن عبد الله بن محمد القرشي العامري المدني. 2/ 284. السبستري أبو الفتح التبريزي. 10/ 479. سبط الأثير ابن الشحنة يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن التادفي سبط الأثير ابن الشحنة. 10/ 467. سبط ابن البارزي محمد بن يوسف بن عبد الكريم. 9/ 524. سبط بحرويه إبراهيم بن منصور السلمي الكراني. 5/ 234. سبط ابن الجوزي يوسف بن قزغلي الهبيري. 7/ 460. سبط ابن حامد محمد بن يعقوب الصفدي الشافعي شمس الدين. 10/ 438. سبط ابن الحبوبي محمد بن محمد بن علي بن الصيرفي. 8/ 106. سبط الخياط الحسين بن علي البغدادي. 6/ 188. سبط الخياط عبد الله بن علي البغدادي أبو محمد. 6/ 210. سبط ابن الدامغاني علي بن محمد بن علي بن

يعيش. 6/ 547. سبط السبكي محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي. 8/ 616. سبط ابن لال هبة الله بن الحسن بن أبي سعيد الهمذاني. 6/ 550. سبط الوزير أحمد باشا الفناري عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي. 10/ 303. ابن سبع البعلي محمد بن عبد القادر بن علي. 8/ 545. ابن السبع علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم. 8/ 581. السبعي عبد الرحيم بن محمود. 8/ 212. ابن سبعين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الإشبيلي المرسي الرموطي. 7/ 573. سبكتكين الملقب ب: نصر الدولة. 4/ 340. السبكي أحمد بن عبد العزيز الشيرازي. 9/ 334. السبكي أحمد بن علي بن عبد الكافي (أبو حامد) . 8/ 388. السبكي حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر. 8/ 433. السبكي سعد بن عبد الله البهائي. 8/ 610. السبكي عبد القادر المصري المجذوب. 10/ 471. السبكي عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف الخزرجي الشافعي. 8/ 192. السبكي عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي. 8/ 417. السبكي عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد. 8/ 519. السبكي علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام أبو الحسن. 8/ 308. السبكي عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي أبو نصر. 8/ 378. السبكي علي بن عبد الوهاب بن علي. 8/ 418. السبكي محمد بن خاص بك الحنفي. 9/ 154. السبكي محمد بن عبد البرّ بن يحيى بن علي بن تمام أبو البقاء. 8/ 437. السبكي محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري. 8/ 245. السبكي محمد بن محمد بن أبي البقاء بن يحيى بن علي بن تمام. 9/ 141. السبكي محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى. 9/ 61. السبكي محمد بن محمد بن عبد اللطيف الأنصاري. 8/ 380. السبكي مفتاح الزيني (والد تقي الدين السبكي) . 8/ 492. السبكي موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله. 9/ 345. السبكية سارة بنت علي بن عبد الكافي السبكي. 9/ 78. سبيع بن المسلم الدمشقي أبو الوحش ويعرف بابن قيراط. 6/ 37. السبيعي الحسن بن أحمد بن صالح الحلبي.

4/ 377، 4/ 378. السبيعي الحسن بن أحمد بن صالح الهمذاني. 4/ 385. السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي. 2/ 119. السبيعي عيسى بن يونس بن أبي إسحاق. 2/ 406. السبيعي يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق. 2/ 259. السبيعي يونس بن أبي إسحاق. 2/ 268. ست الأجناس موفقية بنت عبد الوهاب بن عتيق. 8/ 57. ست الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكية أم أحمد. 8/ 16. ست البهاء بنت الصدر الخجندي أم محمد. 7/ 756. ست الركب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر. 8/ 603. ست العرب بنت محمد بن الفخر علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري. 8/ 357. ست العرب بنت يحيى بن قايماز الدمشقية الكندية أم الخير. 7/ 672. ست الفقهاء بنت إبراهيم بن علي بن الواسطي الصالحية المحدثة. 8/ 128. ست القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير، ابنة أخي الحافظ عماد الدين. 9/ 18. ست الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطراح. 7/ 24. ست الكل بنت أحمد بن محمد بن الزين القسطلانية ثم المكية. 9/ 48. ست الناس كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي. 8/ 169. ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجى التنوخية. 8/ 73. ست الوزراء بنت أبي الفضل يحيى بن محمد بن حمزة التغلبي الدمشقي. 8/ 65. الستوري علي بن الفضل بن إدريس السامري. 4/ 232. السجّاد محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي التميمي السجّاد. 1/ 206. السجزي الخليل بن أحمد بن محمد. 4/ 413. السجزي دعلج بن أحمد، أبو محمد. 4/ 270. السجزي عبد الأول بن عيسى مسند الدنيا. 6/ 275. السجزي عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري. 5/ 194. السجزي أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي المكي. 8/ 392. السجزي مسعود بن ناصر. 5/ 336. السجستاني سهل بن محمد. 3/ 230. السجستاني عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر. 4/ 78. السجستاني محمد بن كرام أبو عبد الله. 3/ 247. السجستاني يحيى بن عمار الشيباني، أبو زكريا. 5/ 116. ابن سحلول محمد بن عبد الرحمن بن يوسف

الحلبي. 9/ 146. السحولي محمد بن عمر بن علي أبو الطيب. 9/ 108. ابن سحمان أحمد بن محمد بن أحمد الشريشي. 8/ 453. ابن سحنون صالح بن إبراهيم بن صالح التنوخي. 8/ 488. سحنون عبد الرحمن بن عبد الحليم 7/ 753. سحنون عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الحمصي أبو سعيد. 3/ 182. ابن سحنون عبد الوهاب بن أحمد أبو محمد. 7/ 745. ابن سحيق أحمد بن يحيى بن أحمد القرطبي. 5/ 221. السخاوي علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد الهمداني. 7/ 385. السخاوي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي القاهري أبو الخير. 10/ 23. ابن سختام علي بن إبراهيم بن نصرويه الغزي الحنفي السمرقندي. 5/ 184. السختياني أيوب بن كيسان، البصري ناصر الدين أبو بكر. 2/ 135. السدوسي قتادة بن دعامة. 2/ 80. السدوسي قرة بن خالد البصري. 2/ 248. السدوسي محارب بن دثار. 2/ 77. السدوسي محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة أبو بكر. 4/ 175. السدوسي محمد بن سواء السدوسي البصري أبو الخطاب. 2/ 398. السدوسي يعقوب بن شيبة. 3/ 275. السدي إسماعيل الكوفي. 2/ 119. السدي الصغير محمد بن مروان الكوفي. 2/ 414. السديد بن مكي بن المسلم بن مكي بن خلف بن علان القيسي الدمشقي. 7/ 448. ابن السراج أحمد بن محمد بن أحمد بن تمام الحنبلي. 8/ 324. ابن السراج أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي. 7/ 499. ابن السراج أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح الدمشقي. 8/ 472. السراج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري. 5/ 91. السراج عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي البغدادي. 6/ 431. السراج محمد بن إبراهيم البغدادي. 4/ 27. ابن السراج محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس. 9/ 33. السراج محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران. 4/ 68. السراج محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري. 4/ 355. ابن السراج محمد بن السري البغدادي. 4/ 79. ابن السراج محمد بن محمد بن نمير أبو بكر. 8/ 262. السراج موسى بن عيسى البغدادي.

4/ 469. سراقة بن مالك بن جعشم المدني. 1/ 181. ابن سراقة محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشاطبي. 7/ 538. السرائي إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان الشافعي. 9/ 26. السرائي أحمد بن ركن الدين بن أبي يزيد الشهير بمولانا زاده. 8/ 542. السرائي أحمد السرائي الحنفي شمس الدين. 10/ 587. السرائي محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمالي [1] السرائي. 8/ 485. السرائي محمود بن قطلوشاه بن عضد الدين. 8/ 412. السرائي يوسف بن الحسن بن الحسن بن محمود الحلوائي. 9/ 37، 9/ 73. ابن السرح أحمد بن عمرو بن السرح. 3/ 229. سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي. 8/ 552. السرخسي أحمد بن عبد الله بن نعيم النعيمي. 4/ 458. السرخسي خارجة بن مصعب، أبو الحجاج. 2/ 303. السرخسي زاهر بن أحمد أبو علي. 4/ 477. السرخسي زهير بن الحسن أبو نصر. 5/ 229. السرخسي عبد الله بن أحمد بن حمويه بن يوسف أبو محمد. 4/ 427. السرخسي عبيد الله بن سعيد اليشكري أبو قدامة. 3/ 190. السرخسي علي بن أحمد بن عمر أبو الحسن. 4/ 417. السرخسي محمد بن إدريس السامي أبو لبيد. 4/ 68. السرقسطي ثابت بن حزم. 4/ 65. السرقسطي الوليد بن بكر الغمري. 4/ 495. السرمري يوسف بن محمد بن مسعود. 8/ 429. سرمس محمد بن حامد بن حمد بن عبد الواحد بن علي الأصبهاني أبو سعيد. 6/ 360. السرميني علي بن حسن السرميني الحلبي الشافعي الفرضي الحيسوب. 10/ 229. السروجي الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع. 7/ 62. السروجي خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان الحنبلي السروجي. 10/ 220. السروجي عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهران. 8/ 562. السروجي محمد بن إبراهيم بن عبد الغني. 8/ 44. السروجي محمد بن أيبك أبو حامد. 8/ 244. ابن سرور أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي. 7/ 377.

_ [1] تنبيه في الكتاب: «الجمال» وأثبت هنا لفظ «إنباء الغمر» مصدر المؤلف، و «الدرر الكامنة» .

السروري تمام بن أبي بكر بن أبي طالب. 7/ 505. سروري مصلح الدين بن شعبان المعروف بسروري. 10/ 519. السري بن أحمد الكندي الموصلي. 4/ 381. ابن السري بشر البصري الأفوه. 2/ 446. ابن السري عمر بن عبد الله بن سليمان اليمني. 6/ 264. السري بن المغلس السقطي البغدادي أبو الحسن. 3/ 240. ابن سريج أحمد بن عمر البغدادي. 4/ 29. ابن سريج الحسن بن عمر بن حسن بن عمر الدمشقي الحلبي. 8/ 451. سريج بن يونس البغدادي أبو الحارث. 3/ 164. سريجا بن محمد بن سريجا الملطي ثم البارودي. 8/ 517. أبو السعادات الهاشمي أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي. 6/ 105. ابن سعادة محمد بن يوسف المرسي. 6/ 361. سعد بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي. 3/ 6. سعد بن إبراهيم الطائي البغدادي. 8/ 603. سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. 2/ 119. سعد بن أحمد بن مكي النيلي. 6/ 505. سعد بن إياس الشيباني الكوفي أبو عمرو. 1/ 393. أبو سعد بن بركات بن حسن بن عجلان. 9/ 535. سعد بن خولة. 1/ 123. سعد بن خيثمة. 1/ 115. سعد الخير عبد الرحمن بن نصر بن علي النابلسي أبو محمد. 7/ 700. سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي البلنسي أبو الحسن. 6/ 210. سعد الدين بن علي الذهبي المصري. 10/ 330. سعد الدين بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنطاكي الحلبي الأنصاري الدمشقي. 10/ 485. سعد الدين بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد النووي. 9/ 78. أبو سعد السمان إسماعيل بن علي الرازي. 5/ 198. سعد بن الصلت الكوفي. 2/ 450. سعد بن عبادة سيد الخزرج. 1/ 162. سعد بن عبد الله البهائي السبكي، مولى أبي البقاء. 8/ 610. ابن سعد عبد الملك بن شعيب بن الليث. 3/ 223. سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي ثم العيني سعد الدين. 9/ 184. سعد بن علي بن الدبل، الأنصاري الحلبي، الدمشقي، الحنفي، سعد الدين. 10/ 425.

سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين الزنجاني أبو القاسم. 5/ 307. سعد بن مالك الأنصاري الخدري أبو سعيد. 1/ 311. ابن سعد محمد بن سعد الحافظ أبو عبد الله، كاتب الواقدي. 3/ 139. سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي أبو الفوارس. 6/ 409. سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد النابلسي الأصل، المقدسي أبو السعادات. 9/ 452. سعد بن معاذ سيد الأوس. 1/ 122. سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري. 1/ 256. سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني. 9/ 220. سعد الله بن مروان الفارقي أبو الفضل. 7/ 730. سعد الله بن نصر بن سعيد المعروف ب: ابن الدجاجي وبابن الحيواني أبو الحسن ويلقب: مهذب الدين. 6/ 352. ابن سعدان محمد بن عبد السلام بن سعدان الدمشقي أبو عبد الله. 5/ 192. سعدان بن نصر الثقفي البغدادي البزاز أبو عثمان. 3/ 281. ابن سعدان هلال بن محمد بن جعفر أبو الفتح. 5/ 76. سعدويه سعيد بن سليمان الواسطي. 3/ 115. ابن سعدويه محمد بن إبراهيم الأصبهاني المزكي أبو سهل. 6/ 156. ابن سعد الدين أحمد بن حسين بن حسن بن محمد المعروف بابن سعد الدين الشامي القبيباتي، الجبائي. 10/ 484. السعدي أحمد بن عبد الأول القزويني المشهور بالسعدي. 10/ 504. السعدي عبد القادر بن لطف الله بن الحسين بن محمد العبادي ابن المحجوب الشافعي. 10/ 446. السعدي أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبادة الأنصاري. 9/ 526. السعدي أحمد بن محمد بن محمد بن عبادة. 9/ 216. السعدي أحمد بن يحيى بن مخلوف بن سري بن فضل الله بن سعد بن ساعد الأعرج السعدي شهاب الدين. 8/ 494. السعدي أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد الدمشقي. 9/ 69. السعدي حجي بن موسى بن أحمد الحسباني. 8/ 473. السعدي عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي. 8/ 178. السعدي عبد الله بن أحمد بن عبد الله الصالحي المقدسي. 8/ 201. السعدي عبد الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي. 7/ 506. السعدي عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني. 2/ 348. السعدي عبد الله بن رفاعة بن غدير المصري. 6/ 330.

السعدي عبد الله بن محمود أبو عبد الرحمن. 4/ 56. السعدي علي بن حجر المروزي أبو الحسن. 3/ 202. السعدي علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر الجذامي. 8/ 84. السعدي محمد بن أحمد بن عيسى السعدي البغدادي. 5/ 185. السعدي محمد بن صلاح بن جلال الملتوي الأنصاري السعدي العبادي المشهور بمنلا مصلح الدين اللاري. 10/ 510. السعدي محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد السعدي المقدسي. 7/ 709. السعدي محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن منصور المقدسي. 7/ 387. السعدي محمد بن محمد بن أبي بكر بن خالد بن إبراهيم المصري. 9/ 552. سعدي بن ناجي بك أخو المولى جعفر جلبي بن ناجي بيك الرومي الحنفي، المولى. 10/ 154. السعدي يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنصاري. 10/ 356. ابن سعفور أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي الصالحي الفامي. 8/ 107. ابن أبي السعود أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم المنوفي. 9/ 458. أبو السعود، الشهير بابن بدر الدين زاده الحنفي. 10/ 378. أبو السعود قاضي مكة المشرفة. 10/ 55. السعودي محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عمر النحريري. 9/ 385. السّعودي محمد بن حسن المعروف بالسّعودي. 10/ 649. سعيد بن أحمد بن الإمام أبي محمد الحسن بن أحمد البغدادي أبو القاسم. 6/ 256. سعيد بن أحمد أبو سعد. 6/ 94. سعيد بن إسماعيل الحيري أبو عثمان. 3/ 418. سعيد بن أوس الأنصاري البصري أبو زيد. 3/ 70. سعيد بن إياس الجريري البصري أبو مسعود محدث البصرة. 2/ 205. سعيد بن أبي أيوب المصري. 2/ 276. سعيد بن بشير البصري الدمشقي. 2/ 303. سعيد بن جبير. 1/ 382. سعيد بن الحسين بن شنيف بن محمد الديلمي الدارقزي أبو عبد الله. 6/ 286. سعيد بن الحسين بن سعيد العباسي المأموني أبو المفاخر. 6/ 423. أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الخدري الأنصاري. 1/ 311. أبو سعيد بن خربندا ابن أرغون بن أبغابن هولاكو القان المغلي. 8/ 198. سعيد بن الخمس الكوفي. 3/ 422. سعيد بن الربيع الهروي البصري أبو زيد. 3/ 55. سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي بكر الأصبهاني الصيرفي الخلال السمسار أبو

الفرج. 6/ 163. سعيد بن زيد القرشي العدوي. 1/ 246. أبو سعيد سعيد بن أبي سعيد المقبري. 2/ 102. سعيد بن سلام المغربي أبو عثمان. 4/ 394. سعيد سلطاني الحبشي الحنفي. 10/ 592. سعيد بن سليمان الواسطي سعدويه. 3/ 115. أبو سعيد السمسار الحسن بن جعفر بن الوضاح البغدادي الحربي الحرفي. 4/ 404. سعيد بن سهل النيسابوري ثم الخوارزمي الفلكي أبو المظفر. 6/ 315. سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية. 1/ 268. سعيد بن عامر الجمحي. 1/ 173. سعيد بن عامر الضبعي البصري أبو محمد. 3/ 41. سعيد بن العباس الهروي المزكي القرشي الرئيس أبو عثمان. 5/ 159. سعيد بن عبد الرحمن الجمحي المدني. 2/ 343. سعيد بن عبد العزيز الحلبي الزاهد أبو عثمان. 4/ 89. سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن المصري أبو علي. 4/ 279. سعيد بن عبد العزيز التنوخي. 2/ 299. سعيد بن عبد الله الدهلي الحريري أبو الخير. 8/ 278. سعيد بن أبي عروبة العدوي أبو النضر الإمام شيخ البصرة وعالمها. 2/ 254. سعيد بن علي الأنصاري البغدادي أبو المعالي المعروف بابن حديدة الوزير معز الدين. 7/ 78. سعيد بن علي بن سعيد البصروي المعروف بالرشيد. 7/ 672. ابن أبي سعيد علي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي. 10/ 339. سعيد بن عمر بن علي البعلي. 8/ 594. سعيد بن فحلون [1] أبو عثمان، محدث الأندلس. 4/ 244. سعيد بن فيروز الطائي أبو البختري. 1/ 340. سعيد بن القاسم بن العلاء البردعي أبو عمر. 4/ 328. سعيد الكاساني الفرغاني. 7/ 782، 7/ 783. سعيد بن كثير بن عفير المصري أبو عثمان. 3/ 119. سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي أبو محمد المعروف بناصح الدين. 6/ 384. سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري النجيرمي أبو عثمان. 5/ 222. سعيد بن محمد الجرمي الكوفي. 3/ 137. سعيد بن محمد بن سعيد بن محمد بن عمر البغدادي أبو منصور المعروف بابن الرزاز. 7/ 121. سعيد بن محمد بن صبيح الحداد الإفريقي

_ [1] تنبيه: تحرفت «فحلون» في الكتاب إلى «مخلوق» والصواب ما أثبته هنا وهو موافق لما جاء في مصادر الترجمة في الكتاب.

المالكي أبو عثمان. 4/ 12. سعيد بن محمد بن عمر البغدادي بن الرزاز أبو منصور. 6/ 220. سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاف أبو القاسم. 7/ 18. سعيد بن محمد بن ياسين البغدادي أبو منصور. 7/ 287. سعيد بن مرجانة صاحب أبي هريرة رضي الله عنه. 1/ 390. سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمد بن سالم الجمحي مولاهم المصري. 3/ 110. سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري. 2/ 115. سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط. 3/ 73. أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي المدني. 1/ 370. سعيد بن المطهر سيف الدين أبو المعالي المعروف بالباخرزي. 7/ 516. أبو سعيد بن المعلي الأنصاري. 1/ 306. سعيد بن منصور الخراساني أبو عثمان. 3/ 126. أبو سعيد المؤدّب محمد [بن مسلم] . 2/ 312. سعيد بن هبة الله أبو الحسن. 5/ 410. سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم المصري. 2/ 151. سعيد بن أبي هند [الفزاري مولاهم المدني] أبو عبد الله. 2/ 16. سعيد بن يربوع المخزومي. 1/ 255. سعيد بن يسار المدني أبو الحباب. 2/ 79. سعيدة بنت عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة. 7/ 359. ابن السفاري يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج. 7/ 793. السفراوي موسى بن إبراهيم بن يحيى الأزدي. 8/ 14. سفرشاه بن عبد الله الرومي. 8/ 603. السفطي محمد بن محمد بن محمد الأنصاري. 9/ 374. سفيان بن الأبرد الكلبي. 1/ 325. أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. 1/ 172. أبو سفيان بن الحارث المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. 1/ 172. سفيان بن حبيب البصري البزاز. 2/ 388. سفيان بن سعيد الثوري الفقيه أبو عبد الله. 2/ 274. أبو سفيان [صخر] بن حرب الأموي، والد معاوية. 1/ 192. سفيان بن العاص الأندلسي الأسدي أبو بحر. 6/ 100. سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي أبو محمد. 2/ 466. السفيري محمد بن زين الدين عمر بن ولي الله الشيخ شهاب الحلبي الشافعي، شمس الدين. 10/ 448. السقا سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي. 9/ 31. ابن السقا عبد الله بن محمد بن عثمان

الواسطي. 4/ 394. السقاف شيخ بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن اليمني. 10/ 403. السقطي السري بن المغلس. 3/ 240. السقطي عبد الخالق بن الحسن بن أبي روبا البغدادي. 4/ 292. السقطي علي بن أحمد بن خليل بن ناصر بن علي بن طيء. 9/ 379. السقطي عمر بن أيوب. 4/ 20. السقطي محمد بن عبد العظيم أبو بكر. 8/ 30. ابن السقطي هبة الله بن المبارك البغدادي أبو البركات. 6/ 42. السقلاطوني يحيى بن يوسف بن بالان الخباز «أبو شاكر» . 6/ 407. سقمان بن أرتق بن أكسب التركماني. 5/ 420. ابن السقيف موسى بن محمد بن نصر البعلبكي. 9/ 236. السكاكري علي بن محمد الشاهد. 8/ 129. السكاكي يوسف بن أبي بكر. 7/ 215. السكاكيني أحمد بن الفخر البعلبكي. 8/ 172. السكاكيني حسن بن محمد بن أبي بكر. 8/ 243. السكاكيني محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني. 8/ 102. السكاكيني محمد بن عبد الله بن عبد القادر الواسطي. 9/ 332. السكاكيني نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد. 7/ 757. السكر أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي. 7/ 6. ابن سكر أحمد بن علي بن محمد العطاردي. 9/ 87. ابن سكر محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام البكري. 9/ 23. سكران بالي الخلوتي المعروف بسكران. 10/ 573. ابن سكرة حسين بن محمد بن فيرة بن حيون الصدفي السرقسطي. 6/ 70. ابن سكرة محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي أبو الحسن. 4/ 455. السكري أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري أبو العباس. 4/ 269. ابن السكري عبد الرحمن بن عبد العلي بن علي المصري. 7/ 200. السكري عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار البغدادي. 5/ 88. ابن السكري علي بن عبد العزيز بن عبد العلي المصري. 8/ 60. السكري علي بن موسى بن عبد الله بن عمر النيسابوري. 5/ 280. السكري عمر بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران. 4/ 359. ابن السكري محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد السبكي. 8/ 445. السكسكي صفوان بن عمرو محدث حمص. 2/ 252.

السكسكي محمد بن عيسى بن عبد الله المصري. 8/ 325. السكشي [1] نصر بن الحسن الشاشي أبو الفتح. 5/ 370. أبو السكن مكي بن إبراهيم البلخي. 3/ 72. السكندري محمد بن أحمد بن علي بن بكر الغيطي السكندري. 10/ 595. السكوني إسحاق بن منصور الكوفي. 3/ 28. السكوني عبد الله بن أبي عبد الله المالكي. السكوني عقبة بن خالد. 2/ 405. السكوني عمرو بن قيس الكندي الحمصي. 2/ 191. السكوني أبو الغيث بن عبد الله بن راشد الكندي الحضرمي. 8/ 321. السكوني محمد بن يحيى بن سليمان المغربي. 8/ 584. السكوني الوليد بن شجاع. 3/ 200. ابن السكيت يعقوب «أبو يوسف» النحوي. 3/ 203. سكينة بنت الشهيد الحسين بن علي واسمها أميمة وقيل أمينة. 2/ 82. ابن سكينة عبد الرزاق بن عبد الوهاب البغدادي. 7/ 300. ابن سكينة عبد السلام بن عبد الرحمن بن الأمين البغدادي. 7/ 219. ابن سكينة عبد الوهاب بن علي البغدادي. 7/ 48. ابن السلار إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن بختيار الصالحي. 8/ 568. ابن السلار أحمد بن محمد بن أبي بكر الصالحي. 9/ 15. ابن السلار إسماعيل بن سليمان بن أيداش. 7/ 238. سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الإربلي المعروف بالكمال. 7/ 587. ابن السلار عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم الدمشقي. 8/ 474. ابن السلار يوسف بن عبد الوهاب بن يوسف بن السلار الشماع. 8/ 617. ابن سلام الجمحي محمد بن سلام الجمحي البصري الأخباري الحافظ أبو عبد الله. 3/ 142. ابن سلام الحسين بن علي بن إسحاق الشافعي. 8/ 81. سلام بن سلام بن سليمان المزني البصري ثم الكوفي. 2/ 328. سلام بن سليم الكوفي أبو الأحوص. 2/ 354. ابن سلام علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن علي بن إسحاق الدمشقي. 9/ 276. ابن سلام محمد بن الحسن بن سالم الدمشقي أبو عبد الله. 7/ 246. سلام بن مسكين البصري أبو روح. 2/ 299. سلام بن أبي مطيع البصري أبو سعيد. 2/ 334.

_ [1] كذا في الكتاب «السكشي» وهو خطأ والصواب «التنكتي» كما نبّهت على ذلك في موضع الترجمة من الكتاب.

سلامش بن بيبرس الصالحي، الملك العادل بدر الدين. 7/ 719. سلامة بن إبراهيم بن سلامة الحداد القباني الدمشقي أبو الحسن وأبو الخير المعروف ب: تقي الدين. 6/ 518. سلامة بن صدقة بن سلامة بن الصولي الحراني موفق الدين أبو الخير. 7/ 217. ابن سلامة علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف المكي السلمي. 9/ 269. ابن سلامة المارديني محمد بن أبي بكر الحلبي الحنفي. 9/ 324. السلامي محمد بن رافع هجرس بن محمد بن شافع العميدي. 8/ 403. السلامي محمد بن ناصر بن محمد بن علي البغدادي أبو الفضل. 6/ 256. السلاوي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الحريري. 9/ 149. السلجوقي أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان. 6/ 374. السلجوقي أرسلان شاه بن طغرل بن محمد. 6/ 405. السلجوقي ألب أرسلان، صاحب حلب. 6/ 37. سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسي الشافعي أبو الفتح. 6/ 95. السلطان الأعظم أحمد بن سنجر معز الدين أبو الحارث. 6/ 268. السلطان شرف الدولة [مسلم بن قريش أبو المكارم] [1] . 5/ 81. ابن سلطان الحرافيش يونس بن محمد، شرف الدين. 10/ 233. سلطان بن محمود البعلبكي. 7/ 365. السلطان الناصر. 8/ 336. سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الدمشقي أبو المكارم. 6/ 155. ابن السلعوس عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد. 9/ 103. ابن السلعوس محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي شمس الدين، الوزير الكامل مدبر الممالك. 7/ 741. السلفي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني الجرواني. 6/ 420. سلم بن سالم البلخي الزاهد. 2/ 442. سلم بن قتيبة. 2/ 475. سلمى الهذلي البصري الأخباري أبو بكر. 2/ 300. سلمان الفارسي. 1/ 209. سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري الأنصاري أبو القاسم. 6/ 56. سلمان بن نجاح القوصي الغمري أبو الربيع. 7/ 229. السلماني عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد والد لسان الدين بن الخطيب. 8/ 225. سلمة بن الأبرش قاضي الري. 2/ 420. سلمة الأكوع الأسلمي. 1/ 311.

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة أضفتها من «سير أعلام النبلاء» (18/ 482) للتوضيح.

سلمة بن دينار المدني الأعرج أبو حازم عالم المدينة وزاهدها وواعظها. 2/ 191. سلمة بن شبيب النيسابوري الحافظ الموثق أبو عبد الرحمن. 3/ 221. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. 1/ 376. سلمة بن كهيل الكوفي. 2/ 93. أم سلمة هند [بنت سهيل المخزومية] أم المؤمنين. 1/ 280. السلمي أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري. 3/ 259. السلمي أحمد بن حمزة بن علي بن الحسن. 6/ 465. السلمي أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد. 5/ 296. السلمي أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال الدمشقي. 4/ 185. السلمي أحمد بن هبة الله بن أحمد الكهفي. 7/ 582. السلمي أحمد بن يوسف النيسابوري. 3/ 278. السلمي إسماعيل بن نجيد النيسابوري. 4/ 343. السلمي تبوك بن أحمد بن تبوك. 4/ 170. السلمي الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد الدمشقي. 5/ 351. السلمي الحسين بن منصور النيسابوري. 3/ 173. السلمي حصين بن عبد الرحمن الكوفي. 2/ 158. السلمي عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل الدمشقي المؤدب. 4/ 340. السلمي عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي الشافعي. 8/ 17. السلمي عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله البغدادي. 7/ 142. السلمي عبد العزيز بن عبد السلام عز الدين. 7/ 522. السلمي عبد الكريم بن حمزة الدمشقي الحداد. 6/ 130. السلمي عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب أبو عمر. 4/ 501. السلمي علي بن أحمد بن عثمان بن محمد المناوي. 9/ 482. السلمي علي بن المسلم بن محمد بن علي الدمشقي. 6/ 168. السلمي عمر بن عبد الله بن رزين النيسابوري. السلمي عمر بن عبد الواحد الدمشقي. 2/ 475. السلمي أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم. 7/ 741. السلمي محمد بن الحسن بن موسى النيسابوري. 5/ 67. السلمي محمد بن طرخان بن أبي الحسن السلمي الدمشقي الصالحي، تقي الدين. 7/ 325. السلمي محمود بن محمد بن عبد الرحيم. 8/ 195. السلمي منصور بن المعتمر الكوفي «أبو

عتاب» . 2/ 147. السلمي هشام بن عمار الإمام أبو الوليد. 3/ 210. السلمي هشيم بن بشير الواسطي أبو معاوية. 2/ 375. السلمية زينب بنت يحيى بن عز الدين بن عبد السلام. 8/ 192. السليحي محمد بن حمير. 2/ 476. السليطي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري. 5/ 103. السليطي محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي النيسابوري أبو الحسن. 4/ 342. أبو السليل عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي. 2/ 311. سليم بن أسود المحاربي الكوفي أبو الشعثاء. 1/ 336. سليم بن أيوب بن سليم الرازي أبو الفتح. 5/ 202. سليم بن جبير أبو يونس مولى أبي هريرة. 2/ 97. سليم بن سليمان، السلطان. 10/ 580. سليم شاه بن شير شاه. 10/ 475. سليم بن عامر الكلاعي الحمصي. 2/ 55. سليم بن عتر التجيبي. 1/ 314. سليم بن عيسى الحنفي، مقرئ الكوفة. 2/ 406. ابن السليم محمد بن إسحاق منذر الأندلسي. 4/ 359. سليم بن أبي يزيد بن محمد السلطان المعظم سليم خان بن عثمان السلطان. 10/ 198. سليمان بن أحمد الدمشقي ثم الواسطي الحافظ. 3/ 183. سليمان بن إبراهيم بن عمر التّعزي الفقيه العلوي. 9/ 247. سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان الأصبهاني الملنجي. 5/ 368. سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني أبو القاسم الطبراني. 4/ 310. سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن الكناني العسقلاني المصري. 8/ 496. سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثم المدني المعروف بالسقا. 9/ 31. سليمان بن أحمد بن أبي عطاف المقدسي. 7/ 219. سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني الإمام أبو داود صاحب «السنن» . 3/ 313. سليمان البحيري المصري المالكي علم الدين. 10/ 83. سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي. 2/ 35. سليمان بن بلال المدني أبو محمد. 2/ 331. سليمان بن بليمان بن أبي الجيش الإربلي شرف الدين المعروف بابن بليمان. 7/ 690. سليمان التركماني الموله. 8/ 62. سليمان بن جعفر الإسنوي المصري أبو الربيع. 8/ 307.

سليمان بن الحاكم بأمر الله أبو الربيع. 8/ 222. سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق. 2/ 115. سليمان بن حرب الأزدي الواشمي البصري الحافظ أبو أيوب. 3/ 110. سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي أبو الفضل. 8/ 66. سليمان بن حيان الكوفي الأحمر أبو خالد. 2/ 413. سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن تمام بن محمد الطائي البساطي أبو الربيع. 8/ 500. سليمان الخضيريّ المصري الشافعي. 10/ 476. سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي القرطبي الباجي أبو الوليد. 5/ 315. سليمان بن خليل العسقلاني أبو الربيع. 7/ 529. أبو سليمان الداراني العنسي أحد الأبدال. 3/ 28. سليمان بن داود. 8/ 175. سليمان بن داود البصري أبو داود الطيالسي. 3/ 25. سليمان بن داود بن سليمان بن محمد بن عبد الحق أبو الربيع. 8/ 328. سليمان بن داود بن سليمان المزي المعروف بالعاشق. 8/ 578. سليمان بن داود الشاذكوني البصري الحافظ أبو أيوب. 3/ 158. سليمان بن داود بن علي الهاشمي العباسي أبو أيوب. 3/ 92. سليمان الرومي، المولى. 10/ 310. سليمان بن أبي سعيد الجنابي أبو طاهر، القرمطي الطاغية. 4/ 179. سليمان خان بن سليم خان السلطان. 10/ 549. سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي مولاهم الحراني أبو داود. 3/ 306. سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي. 6/ 295. سليمان بن صرد الخزاعي. 1/ 290. سليمان الصواف، الشيخ الصالح. 10/ 372. سليمان بن طرخان التيمي القيسي مولاهم أبو المعتمر. 2/ 199. سليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل التميمي الشامي الحافظ أبو أيوب. 3/ 153. سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري ثم البغدادي. 8/ 71. سليمان بن عبد الله بن الفتى النهرواني أبو عبد الله. 5/ 404. سليمان بن عبد الملك الأموي أبو أيوب الخليفة الأموي. 1/ 398. سليمان عبد الناصر الإبشيطي ثم القاهري الصوفي. 9/ 519. سليمان بن أبي العز بن وهيب الأذرعي صدر

الدين أبو الفضل. 7/ 623. سليمان بن علي بن عبد الله بن علي عفيف الدين المعروف بالتلمساني. 7/ 619. سليمان بن علي معين الدين المعروف بالبرواناه. 7/ 614. سليمان ابن عم المنصور. 2/ 195. سليمان بن العماد محمد بن أحمد بن محمد فخر الدين المعروف بابن الشيرجي. 7/ 783. سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو بن عثمان الزرعي. 8/ 187. سليمان بن غازي بن محمد بن أبي بكر بن شادي. 9/ 259، 9/ 258. سليمان بن فرج بن سليمان الحجبي الحنبلي بن المنجّى. 9/ 227. سليمان بن كثير الخزاعي المروزي الأمير. 2/ 148. سليمان بن محمد بن حميد بن محاسن الحلبي ثم النيربي الصابوني. أبو قمر. 8/ 400. سليمان بن محمد بن علي الموصلي أبو الفضل. 7/ 91. سليمان بن مخلد أبو أيوب وزير المنصور وقيل: ابن داود المورياني. 2/ 247. سليمان بن مسعود الحلبي أبو داود. 7/ 287. سليمان بن معبد السنجي المروزي. 3/ 257. سليمان بن المغيرة البصري. 2/ 292. سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي الأعمش أبو محمد. 2/ 217. سليمان بن أبي موسى الأشدق. 2/ 87. سليمان بن موسى بن سالم البلنسي الكلاعي أبو الربيع. 7/ 287. سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباوي المعروف بالزين الحافظي. 7/ 535. سليمان بن نجاح الأندلسي أبو داود. 5/ 412. سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خطيب الهاشمي الجعفري أبو الربيع. 8/ 121. سليمان بن يزيد بن عبد الملك الأموي. 2/ 145. سليمان بن يسار المدني. 2/ 43. سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الياسوفي الدمشقي. 8/ 527. السليمي بشر بن منصور الأزدي البصري. 2/ 357. ابن سماعة محمد بن الحسن بن موسى الحضرمي الكوفي. 4/ 9. ابن سماعة محمد بن سماعة الفقيه القاضي أبو عبد الله. 3/ 154. ابن السماقي عبد الولي بن علي. 7/ 785. ابن السماك عثمان بن أحمد البغدادي. 4/ 235. ابن السماك محمد بن صبيح بن السمّاك الكوفي أبو العباس. 2/ 376. السمان سهيل بن أبي صالح المدني. 2/ 191. السمديسي محمد السمديسي الحنفي شمس الدّين. 10/ 266.

السمذي أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي. 7/ 228. السمندي المبارك بن علي أبو المكارم. 6/ 204. السمرقندي إسماعيل بن أحمد بن عمر. 6/ 184. السمرقندي الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم أبو محمد. 5/ 396. السمرقندي رجاء بن مرجّى، أبو محمد. 3/ 227. السمرقندي عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي. 5/ 54. السمرقندي عبد الله بن أحمد بن عمر أبو محمد. 6/ 80. السمرقندي عثمان بن محمد بن أحمد. 4/ 240. السمرقندي عمر بن محمد بن بجير الهمذاني. 4/ 56. السّمرقندي محمد بن الحسيني السمرقندي. 10/ 642. السمرقندي محمد بن عبد الحيد السمرقندي أبو الفتح. 6/ 348. السمرقندي محمد بن العميد أبو حامد ركن الدين. 7/ 116. سمرة بن جندب الفزاري. 1/ 270. السمسار أحمد بن جعفر بن معبد الأصبهاني، أبو جعفر. 4/ 243. السمسار صبح بن أحمد الحافظ التميمي الأحنفي أبو الفضل المعروف بابن الكوملاذي. 4/ 441. السمسار عبد الرحمن بن محمد الأصبهاني أبو نصر. 5/ 396. ابن السمسار علي بن موسى الدمشقي. 5/ 161. السمسار محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني. 5/ 321. السمسار محمد بن عبد الباقي الدوري أبو عبد الله. 6/ 67. ابن السمسار محمد بن موسى بن الحسين الدمشقي. 4/ 337. السمعاني عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي. 6/ 340. السمعاني محمد بن عبد الجبار السمعاني المروزي. 5/ 219. السمعاني محمد بن منصور بن محمد التميمي المروزي أبو بكر. 6/ 47. السمعاني منصور بن محمد التميمي المروزي، أبو المظفر. 5/ 394. السمعي عبد العزيز بن ثابت بن طاهر البغدادي تاج الدين أبو منصور. 6/ 533. سمكة أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني البلبيسي. 8/ 449. السمناني أحمد بن محمد بن أحمد، أبو المكارم. 8/ 221. السمناني عبد الرحمن بن عمر السمناني أبو مسلم. 5/ 416. السمناني عبد الله بن محمد بن يونس أبو الحسين. 4/ 20. السمهودي علي بن عبد الله بن أحمد بن علي بن عيسى الحسني. 10/ 73.

سمويه إسماعيل بن عبد الله الحافظ. 3/ 287. السميساطي علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقي. 5/ 226. ابن سميع محمود بن سميع الدمشقي أبو الحسن صاحب «الطبقات» . 3/ 263. ابن السمين أحمد بن يوسف بن محمد. 8/ 307. السمين الحلبي أحمد بن يوسف بن محمد. 8/ 307. السمين صدقة بن عبد الله أبو معاوية، من كبار محدثي دمشق. 2/ 294. ابن السمين عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي الوراق. 6/ 481. ابن أبي سمينة محمد بن إسماعيل البصري. 3/ 138. ابن سناء الملك هبة الله بن أبي الفضل جعفر المصري أبو القاسم. 7/ 64. سنان جلبي المولى. 10/ 425. سنان الدين يوسف المعروف بقول سنان الحنفي 9/ 545. سنان بن سلمان أبو الحسن المعروف ب: راشد الدين. 6/ 483. سنان القرماني. 10/ 505. السنباطي أحمد بن عبد الحق بن محمد المصري الشافعي شهاب الدين. 10/ 402. السنباطي أحمد بن عبد العزيز المصري. 10/ 219. السنباطي جلال الدين عبد الله. 9/ 379. السنباطي عبد الحق بن محمد بن عبد الحق القاهري الشافعي. 10/ 248. السنباطي عثمان السنباطي الشافعي. 10/ 310. السنباطي محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر. 8/ 104. السنجبستي إسماعيل بن الحسن، أبو القاسم. 6/ 23. ابن سنبك عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي. 4/ 405. السنجاري أبو بكر بن محمد بن قاسم. 8/ 536. السنجاري الخضر بن الحسن بن علي الزراري البرهان. 7/ 690. السنجاري عبد الله بن علي عمر أبو محمد. 8/ 611، 8/ 621. السنجاري يوسف بن الحسن الزراري، بدر الدين. 7/ 544. سنجر التركي الصالحي علم الدين المعروف بالدواداري. 7/ 783. سنجر شاه بن غازي بن مودود بن أتابك زنكي. 7/ 29. سنجر بن عبد الله الجاولي. 8/ 247. السنجي سليمان بن معبد المروزي. 3/ 257. السنجي محمد بن محمد بن عبد الله المروزي. 6/ 247. ابن سند أحمد بن محمد بن موسى، أبو سعد. 8/ 602. ابن سند محمد بن موسى بن محمد ... أبو

العباس. 8/ 557. السندبيسي عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى. 9/ 407. السندي حميد بن عبد الله السندي. 10/ 631. السندي رحمة الله بن عبد الله السندي. 10/ 565. السندي رحمة الله بن عبد الله السندي. 10/ 631. السندي عبد الله بن سعد الدين المدني السندي. 10/ 593. ابن السندي محمد بن محمد بن رجاء الإسفراييني. 3/ 361. السندي محمود بن محمد السندي. 10/ 628. السندي نجيح بن عبد الرحمن المدني، أبو معشر. 2/ 326. السنفي بن علي السنفي. 10/ 622. سنقر القضائي الزيني. 8/ 27. سنقر المنصوري الأعسر. 8/ 38. سنقة عثمان بن محمد البغدادي السقطي. 4/ 292. السنهوري جعفر بن صارم الدين المصري نور الدين. 10/ 171. ابن سني الدولة محمد بن أحمد بن يحيى الدمشقي. 7/ 641. ابن السني أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الدينوري. 4/ 339. ابن سني الدولة أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي صدر الدين أبو العباس. 7/ 504. سنيد حسين بن داود المصيصي المحتسب. 3/ 120. السنيكي زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري القاهري. 10/ 186. ابن سنينة محمد بن عبد الله بن الحسين. 7/ 126. السهروردي عبد القاهر بن عبد الله محمد بن عمويه أبو النجيب. 6/ 346. السهروردي عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد. 8/ 62. السهروردي عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التميمي البكري. 7/ 268. السهروردي يحيى بن حبش بن أميرك. 6/ 476. سهل بن أحمد الديباجي. 4/ 421. سهل بن بشر الإسفراييني ثم الدمشقي أبو الفرج. 5/ 399. سهل بن بكار البصري. 3/ 127. سهل بن حنيف الأوسي. 1/ 217. سهل بن سعد الساعدي الأنصاري أبو العباس. 1/ 361. سهل بن عبد الله التستري أبو محمد بن يونس. 3/ 342. سهل بن عثمان العسكري الحافظ. 3/ 154. سهل بن محمد السجستاني النحوي المقرئ اللغوي أبو حاتم. 3/ 230. سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي العجلي النيسابوري أبو الطيب. 5/ 26. السهمي عبد الله بن بكر الباهلي البصري أبو

وهب. 3/ 42. السهمي عمر بن عبد النصير بن محمد بن هاشم السهمي القوصي. 8/ 52. سهيل بن بيضاء الفهري. 1/ 129. سهيل بن أبي صالح السمان المدني أبو يزيد. 2/ 191. السهيلي عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلامة الأندلسي. 6/ 445. سهيل بن عمرو والد أبي جندل. 1/ 168. ابن سوادة عبد الله بن أحمد البغدادي. 3/ 361. السوادي محمد بن عبد الرحمن بن سامة بن كوكب الطائي السوادي. 8/ 33. ابن سوار أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر. 5/ 412. سوار بن عبد الله بن سوار التميمي العنبري البصري ابو عبد الله. 3/ 207. أبو السوار العدوي البصري. 2/ 12. السواق محمد بن محمد بن عثمان البغدادي. 5/ 182. ابن السواملي إبراهيم بن محمد العراقي. 8/ 26. السوائي قبيصة بن عقبة الكوفي. 3/ 72. السوائي وهب [بن عبد الله] أبو جحيفة. 1/ 311. سودة بنت زمعة القرشية العامرية، أم المؤمنين. 1/ 179، 1/ 255. سورة بن أبحر الدارمي. 2/ 66. السودي عبد القادر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي. 10/ 265. السودي محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الشهير بعبد الهادي اليمني الشافعي شمس الدين. 10/ 262. السودي محمد بن محمد بن علي السودي. 10/ 265. السوسنجردي أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي. 5/ 11. السوسي أحمد بن محمد بن عبد الغني. 9/ 436. السوسي صالح بن زياد. 3/ 268. السوسي محمد بن عبد العزيز السوسي ثم البصري أبو عبد الله. 6/ 204. السوسي نصر بن أحمد بن مقاتل. 6/ 250. السويدائي أحمد بن شرف الدين حسن أبو العباس الصالحي المقدسي. 9/ 67. سويد بن سعيد الهروي ثم الحدثاني أبو محمد. 3/ 181. سويد بن عبد العزيز الدمشقي. 2/ 441. سويد بن غفلة الجعفي. 1/ 332. ابن سويد محمد بن علي بن أبي طالب. 7/ 580. ابن سويد محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسن المصري، شمس الدين. 10/ 135. ابن سويد محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن سويد. 10/ 135. سويد بن نصر المروزي. 3/ 182. سويدان محمد بن سويدان الحلبي الصوفي. 10/ 501.

السويقي قيس بن محمد بن عاصم الأصبهاني. 6/ 341. سيار بن حاتم العنزي البصري. 2/ 472. سيار [بن وردان الواسطي العنزي] أبو الحكم صاحب الشعبي. 2/ 95. أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد البغدادي أبو بكر. 3/ 274. السياري القاسم بن القاسم بن مهدي، أبو العباس. 4/ 229. ابن سيبخت إبراهيم بن علي أبو الفتح. 4/ 501. سيبويه عمرو بن عثمان الحارثي. 2/ 277. ابن السيبي المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحان. 6/ 565. السيبي يحيى بن أحمد القصري. 5/ 397. السيد أحمد البخاري. 10/ 151. السيد الحاضري المغربي المالكي. 10/ 357. سيد علي العجمي. 9/ 434. ابن سيد الكل حسين بن علي الأزدي المهلبي الأسواني. 8/ 212. ابن سيد الكل هبة الله بن عبد الله القفطي بهاء الدين أبو القاسم. 7/ 767. ابن سيد الناس عبد السلام بن علي بن عمر الزواوي. 7/ 652. ابن سيد الناس محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الإشبيلي. 7/ 517. ابن سيد الناس محمد بن محمد بن محمد اليعمري الأندلسي. 8/ 189. السيد النسابة حسن بن محمد بن أيوب الحسني. 9/ 451. ابن سيده علي بن إسماعيل المرسي أبو الحسن. 5/ 250. السيري علي بن الحسين. 6/ 439. السيدي المبارك بن أنوشتكين بن عبد الله النجمي البغدادي. 7/ 57. السيدي محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي السيدي أبو جعفر. 7/ 412. سيدي محمد وفا محمد بن محمد بن محمد الإسكندري المالكي. 8/ 352. السيرافي أحمد بن مهران، أبو الحسن. 4/ 243. السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان. 4/ 367. السيرافي يوسف بن عيسى. 9/ 131. السيرامي يحيى بن يوسف (وقيل ابن سيف) بن عيسى نظام الدين. 9/ 300. السيرامي علاء الدين بن أحمد بن محمد بن أحمد. 8/ 537. السيرباريك علي بن أبي الفوارس الخياط. 7/ 435. ابن سيرين أنس أخو محمد بن سيرين. 2/ 89. ابن سيرين محمد بن سيرين أبو بكر. 4/ 58. السيريني بكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين. 3/ 109. سيف الدين سيف، وقيل: يوسف بن عيسى السيرافي. 9/ 131.

سيف الدين المنصوري. 7/ 783. سيف بن سليمان المكي. 2/ 236. السيف علي بن الرضا عبد الرحمن بن عبد الجبار المقدسي. 7/ 636. سيفنة إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني. 3/ 332. السيلحيني يحيى بن إسحاق. 3/ 55. السيلي إبراهيم بن عبد الخالق الحنبلي. 9/ 389. السيلي محمد بن محمد السيلي شمس الدين. 9/ 490. ابن سيما علي بن محمود السلمي. 8/ 67. ابن سينا الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي، أبو علي الشيخ الرئيس. 5/ 132. السيناني الفضل بن موسى. 2/ 420. السينكي أحمد بن صالح. 7/ 546. السيواسي أحمد بن عبد الله الحنفي قاضي سيواس. 9/ 13، 9/ 88. السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري أبو الفضل جلال الدين. 10/ 75. السيوفي إسماعيل بن محمد علي، الشافعي. 10/ 7. السيوفي محمد بن عبد الرحمن السيوفي (صاحب ابن سبعين) 8/ 189. ابن السيوفي محمد بن علي الحريري الحلبي الحنفي شمس الدين. 10/ 285.

حرف الشين ابن شابور محمد بن شعيب بن شابور الدمشقي. 2/ 472. ابن شاتيل عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا الدباس أبو الفتح. 6/ 446. ابن شادل محمد بن شادل النيسابوري أبو العباس. 4/ 58. شاذ بن فياض اليشكري البصري أبو عبيدة واسمه هلال. 3/ 115. ابن شاذان أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزاز أبو بكر، والد أبي علي. 4/ 433. شاذان إسحاق بن إبراهيم الفارسي. 3/ 287. شاذان الأسود بن عامر. 3/ 41. ابن شاذان الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البزّاز البغدادي أبو علي. 5/ 122. ابن شاذان محمد بن عبد الله بن عبد العزيز. 4/ 406. الشاذكوني سليمان بن داود البصري الحافظ. 3/ 158. الشاذلي إبراهيم المصري الشاذلي. 10/ 90. الشاذلي علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي. 7/ 481. الشاذلي محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة. 8/ 598. الشاذلي ياقوت الحبشي. 8/ 181. الشاذياخي عبد الوهاب بن شاه النيسابوري. 6/ 176. الشاذياخي محمد بن سهل الشاذياخي أبو نصر. 5/ 355. الشارعي أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان. 8/ 211. الشارعي أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله المالكي. 10/ 6. الشارعي إسماعيل بن صالح بن ياسين. 6/ 529. الشارعي جبريل بن إسماعيل بن جبريل الشارعي أبو الروح. 7/ 765. الشارعي عثمان بن مكي بن عثمان بن إسماعيل السعدي. 7/ 516. ابن شارك أحمد بن محمد الشافعي. 4/ 319. الشارمساحي أحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم. 8/ 432. ابن شاس عبد الله بن نجم الجذامي السعدي. 7/ 123. الشاشي القفال الكبير محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر. 4/ 345. الشاشي محمد بن أحمد بن الحسين أبو بكر المستظهري. 6/ 28.

الشاشي محمد بن علي بن حامد أبو بكر. 5/ 365. الشاشي نصر بن الحسن السكشي. 5/ 370. الشاشي الهيثم بن كليب، أبو سعيد. 4/ 196. الشاطبي عبد الرحمن بن محمد بن مغاور الكاتب. 6/ 475. الشاطبي القاسم بن فيرة بن خلف الرعيني. 6/ 494. الشاطبي محمد بن عبد العزيز بن سعادة الشاطبي أبو عبد الله. 7/ 110. الشاطبي محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي، رضي الدين. 7/ 679. الشاطبي محمد بن عمر الكردي المقرئ. 7/ 224. ابن الشاطر علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام الأنصاري المطعم الفلكي. 8/ 425. الشاغوري إبراهيم بن سعيد جيعانة. 7/ 639. الشاغوري فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي. 7/ 115. شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي أبو محمد. 5/ 347. شافع بن عمر بن إسماعيل. 8/ 228. ابن شافع محمد بن أحمد بن صالح الجيلي البغدادي. 7/ 221. الشافعي أحمد بن عبد المؤمن. 8/ 272. الشافعي محمد بن إدريس المطلبي أبو عبد الله، إمام المذهب الشافعي. 3/ 19. ابن شاقلا إبراهيم بن أحمد البغدادي البزاز. 4/ 373. شاكر بن عبد الغني بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب الشهير. بابن الجيعان. 9/ 500. شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخي المعري ثم الدمشقي أبو اليسر. 6/ 443. شاكر بن أبي الفضل الأسواري الأصبهاني. 6/ 345. ابن شاكر محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن الكتبي الداراني الدمشقي. 8/ 346. الشامكاني فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله. 8/ 511. أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي. 7/ 553. الشاموخي الحسن بن علي المقرئ أبو علي. 5/ 192. الشامي إبراهيم بن الحجاج. 3/ 153. الشامي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الكرم بن الشهيد. 8/ 620. الشامي حاتم بن محبوب. 4/ 106. الشامي عبد الرحمن الشامي. 10/ 302. الشامي محمد شمس الدين. 10/ 353. شامية أمة الحق بنت أبي علي الحسن. 7/ 683. ابن شاهاور عبد الله بن محمد الرازي. 7/ 457. الشاهجانية خديجة بنة محمد بن علي. 5/ 256.

الشاهد عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري. 8/ 192. شاه رخ بن تيمور لنك، القآن معين الدين صاحب سمرقند وبخارى. 9/ 393. شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي. 8/ 510. شاه علي جلبي بن قاسم بك. 10/ 519. شاهين بن عبد الله الجركسي العابد الزاهد. 10/ 433. ابن شاهين عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد البغدادي. 4/ 454. الشاوري علي بن عبد الله الزبيدي اليمني. 8/ 604. شاور بن مجبر بن نزار الهوازني السعدي أبو شجاع. 6/ 351. الشّاوي أحمد بن يحيى اليمني. 9/ 349. الشاوي عبد الرحمن بن أحمد بن علك بن دات. 5/ 359. الشاوي محمد بن حسن الشافعي أبو عبد الله. 10/ 84. شبابة بن سوار المدائني الحافظ. 3/ 32. ابن شبانة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني. 5/ 123. أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضبي القاضي. 2/ 205. الشبشيري محمد بن علي بن سالم الشبشري. 10/ 614. شبطون زياد بن عبد الرحمن. 2/ 439. شبل الدولة كافور الحسامي. 7/ 192. شبل بن عباد قارئ أهل مكة. 2/ 221. الشّبلي دلف بن جحدر. 4/ 189. شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن محمود بن غياث بن سابق بن وثاب النميري الحراني الأديب. 7/ 749. شبيب بن شيبة المنقري البصري. 2/ 285. شبيب [بن يزيد بن نعيم بن قيس بن الصّلت الخارجي المشهور] [1] . 1/ 316. ابن شجاع أحمد بن محمد بن علي بن شجاع القرشي. 8/ 100. أبو شجاع [فنّاخسرو] بن بهاء الدولة أبي نصر الدّيلمي. 5/ 69. شجاع بن جعفر الوراق الواعظ أبو الفوارس. 4/ 279. شجاع أم المتوكل. 3/ 222. شجاع بن فارس الذهلي السهروردي أبو غالب. 6/ 27. شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي أبو الحسن. 6/ 501. شجاع بن معالي البغدادي العرّاد القصباني ابن شرقيني أبو القاسم. 6/ 561. شجاع بن الوليد الكوفي أبو بدر. 3/ 26. شجرة الدر أم خليل. 7/ 463. ابن الشجري هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة أبو السعادات. 6/ 215. ابن الشحّام أحمد بن علي بن محمد. 9/ 446. الشحامي الحسين بن علي النيسابوري. 6/ 229.

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة من «المعارف» لابن قتيبة ص 410 و «وفيات الأعيان» (2/ 454- 458) و «جمهرة أنساب العرب» ص 327.

الشحامي زاهر بن طاهر النيسابوري. 6/ 168. الشحامي طاهر بن محمد المستملي أبو عبد الرحمن. 5/ 345. الشحامي عبد الخالق بن زاهر بن طاهر الشروطي المستملي. 6/ 253. الشحّامي وجيه بن طاهر بن محمد. 6/ 211. ابن شحانة عبد الرحمن بن عمر بن بركات الحراني. 7/ 381. الشّحري عبد الله بن أحمد سرومي الشافعي عفيف الدين. 10/ 357. ابن الشحنة أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي. 8/ 162. ابن الشحنة عبد البر بن محمد أبي الفضل. 10/ 141. ابن الشحنة عبد الرحمن بن محمد الحلبي. 9/ 281. ابن الشحنة محمد بن قاضي القضاة سري الدين عبد البر بن محمد المصري الحنفي. 10/ 415. ابن الشحنة محمد بن محمد بن محمد بن محمد ... الحلبي. 9/ 524. ابن الشحنة محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب. 9/ 169. ابن الشحنة يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن التادفي سبط الأثير. الشخص العزيز نصر بن المظفر الهمذاني «أبو المحاسن البرمكي» . 6/ 254. ابن الشخير مطرف بن عبد الله. 1/ 386. ابن الشخير يزيد بن عبد الله البصري. 2/ 46. شداد بن أوس الأنصاري. 1/ 266. ابن شداد عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي. 1/ 333. ابن شداد محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي. 7/ 677. ابن شداد يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي. 7/ 276. الشذائي أحمد بن نصر البصري. 4/ 392. الشرابيشي محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن علي الشرابيشي الشافعي أبو الفتح. 9/ 338. ابن الشرائحي عبد الله بن إبراهيم بن خليل البعلبكي. 9/ 213. الشربيني محمد بن محمد الشربيني. 10/ 561. الشرجي أحمد بن عبد اللطيف بن عمر الزبيدي. 9/ 143. الشرجي عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر. 9/ 32. شرحبيل بن حسنة الكندي. 1/ 169. شرحبيل بن الكلاع. 1/ 292. ابن شرشير عبد الله بن محمد الناشي الأنباري. 3/ 393. الشرعبي عمر بن معوضة. 10/ 140. الشرف الإربلي الحسين بن إبراهيم الهذباني. 7/ 474. شرف الإسلام الأنصاري عبد الوهاب بن أبي الفرج الحنبلي الشيرازي. 6/ 185. شرف الدولة، سلطان بغداد، ابن السلطان

عضد الدولة الديلمي. 4/ 417. شرف الدين الداديخي. 9/ 65. شرف الصعيدي، شرف الدين. 10/ 131. الشرفي فرج بن عبد الله الحافظي الدمشقي. 8/ 604. الشرقي إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي. 8/ 283. ابن الشرقي أحمد بن محمد بن الحسن، أبو حامد. 4/ 135. ابن الشرقي عبد الله بن محمد بن الحسن أبو محمد. 4/ 147. ابن شرقيني شجاع بن معالي البغدادي العراد القصباني. 6/ 561. الشركسي أنس بن عبد الله والدبرقوق الملك. 8/ 481. الشرواني إسماعيل الحنفي. 10/ 349. الشرواني قنبر بن عبد الله العجمي الأزهري. 9/ 21. الشرواني ولي بن الحسين العجمي الشافعي. 10/ 442. الشرواني يحيى بن بهاء الدين الخلوتي. 9/ 455. الشروطي أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي، الناسخ. 7/ 358. الشروطي أحمد بن محمد بن أبي خميصة أبو عبد الله. 4/ 82. الشروطي عبد الغفار بن شجاع المحلي. 7/ 232. الشروطي علي بن يحيى بن علي الشاطبي الدمشقي. 8/ 101. الشروطي محمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي الدمشقي. 6/ 440. الشروطي هبة الله بن أحمد الواسطي أبو القاسم. 6/ 142. شريح بن الحارث الكندي أبو أمية. 1/ 320. أبو شريح الخزاعي خويلد بن عمرو الكعبي العدوي. 1/ 296. شريح بن محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي أبو الحسن. 6/ 200. شريح بن النعمان البغدادي الجوهري الحافظ. 3/ 80. شريح بن هانئ المذحجي، أبو المقدام. 1/ 323. الشريشي أحمد بن محمد بن أحمد الوائلي البكري. 8/ 85. الشريشي أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوائلي. 8/ 453. الشريشي عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي الاسكندراني. 7/ 234. الشريشي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان الأندلسي. 7/ 685. ابن الشريشي محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الوائلي البكري. 8/ 374. ابن الشريشي محمود بن محمد بن أحمد. 8/ 584. الشريطي أبو بكر الشريطي، تقي الدين. 10/ 334. ابن أبي شريف إبراهيم بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي بكر الشافعي. 10/ 166.

الشريف بركة بركة السيد الشريف المعتقد. 9/ 70. الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي. 5/ 43. شريف بن سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي سعد الدولة أبو المعالي. 4/ 427. السيد الشريف الشافعي. شرف الدين. 10/ 338. الشريف المرتضى علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم أبو طالب. 5/ 168. ابن أبي شريف المقدسي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب. 10/ 166. الشريفي طيبغا عتيق نقيب الأشراف بحلب. 9/ 165. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله. 2/ 346. الششتري محمد بن أحمد بن عثمان المدني. 8/ 497. شصلي أمير محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري المعروف بشصلي أمير. 10/ 490. الشطنوفي محمد بن إبراهيم بن عبد الله شمس الدين. 9/ 289. الشعار أحمد بن بندار، أبو عبد الله. 4/ 306. ابن الشعار المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي أبو البركات. 7/ 460. شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي. 8/ 49. شعبان الصورتاني، الحنبلي، زين الدين. 10/ 33. شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي. 9/ 48. شعبان بن محمد بن داود المصري الآثاري. 9/ 267. شعبان بن محمد بن قلاوون. 8/ 260. الشعباني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. 2/ 255. شعبة أحمد بن جعفر بن مدني بن عيسى ... النسفي الكائني، أبو الليث. 5/ 261. شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي أبو بسطام. 2/ 269. شعبة النسفي أحمد بن جعفر بن مدني بن عيسى بن عدنان بن محمود النسفي الحافظ أبو الليث. 5/ 261. الشعبي عامر بن شراحيل بن معبد أبو عمرو. 2/ 24. أبو الشعثاء جابر بن يزيد. 1/ 365. شعثل أمير الحنفي، المولى. 10/ 439. أبو شعر إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان، المعروف: بأبي شعر. 9/ 367. أبو شعر عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي. 9/ 367. شعرانة محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني. 7/ 272. الشعراني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد النيسابوري. 4/ 248.

الشعراوي أحمد بن نور الدين علي بن شهاب الدين. 10/ 49. الشعراوي عبد الوهاب بن أحمد العشراوي. 10/ 544. الشعرية زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد أم المؤيد. 7/ 113. شعلة محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الموصلي. 7/ 486. ابن شعيب أحمد بن عبد الله التميمي الصقلي. 7/ 548. شعيب بن أيوب الصريفيني أبو بكر. 3/ 268. شعيب بن الحبحاب صاحب أنس. 2/ 127. شعيب بن حرب المدائني الزاهد. 2/ 457. شعيب بن الحسين أبو مدين الأندلسي. 6/ 495. شعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصي. 2/ 287. شعيب بن الليث بن سعد المصري الفقيه. 2/ 471. شعيب بن محمد بن جعفر بن محمد التونسي أبو مدين. 8/ 374. ابن شعيب محمد بن هارون الأنصاري الدمشقي أبو علي. 4/ 280. شعيب بن يحيى بن أحمد بن الزعفراني أبو مدين. 7/ 399. ابن شغبة عبد الملك بن علي الأنصاري البصري أبو القاسم. 5/ 359. الشقاني أبو بكر بن محمد بن يعقوب المعروف بابن أبي حرمة. 8/ 400. ابن شفنين محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي المتوكلي الشريف أبو الكرم. 7/ 361. ابن الشقاق عبد الله بن سعيد أبو محمد. 5/ 125. ابن شقرا محمد بن محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي. 8/ 455. الشقراوي إسحاق بن إبراهيم بن يحيى. 7/ 629. ابن شقير المرجى بن الحسن بن هبة الله بن غزال الواسطي. 7/ 491. ابن شقير نصر الله بن عبد الله بن عبد المنعم بن حواري التنوخي. 7/ 595. ابن الشقيشقة نصر الله بن مظفر بن عقيل الشيباني الصفّار. 7/ 492. شقيق البلخي أبو علي. 2/ 442. ابن شقيق علي بن الحسن. 3/ 72. ابن شكر عبد الله بن علي بن الحسين الدميري. 7/ 177- 184. ابن شكر محمد بن عبد الله بن عثمان البعلي. 9/ 59. ابن شكرويه محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني. 5/ 352. ابن شكم أحمد الشافعي الدمشقي. 10/ 26. ابن شكم محمد بن أحمد الدمشقي. 10/ 134. الشلقامي علي بن عبد الرحمن بن محمد. 9/ 353. الشلمغاني محمد بن علي. 4/ 112.

الشلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الإشبيلي. 7/ 402. الشماخي عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير. 8/ 595. الشماخي محمد بن غياث الدين أحمد كمال الدين الشماخي. 10/ 213. الشماع عمر بن أحمد بن علي الحلبي. 10/ 306. ابن الشماع محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي. 8/ 483. ابن الشماع محمد بن محمد بن علي بن أحمد الحموي. 9/ 445. الشماع يوسف بن عبد الوهاب بن يوسف بن السلار. 8/ 617. ابن شمائل عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله البغدادي. 8/ 213. ابن شمر نوح عثمان بن أحمد بن عثمان الزرعي. 8/ 444. ابن شمر نوح علي بن عثمان بن أحمد بن عمر التغلبي الزرعي. 8/ 418. ابن أبي شمس أحمد بن إبراهيم بن موسى. 5/ 228. شمس الدين البابي. 9/ 66. الشمس عبد الرحمن أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الصالحي. 7/ 713. الشمس العطار أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي البغدادي الصيدلاني. 7/ 113. شمس بن عمر بن آق شمس الدين البرسوي الحنفي، المشهور بشمسي جلبي. 10/ 456. الشمس المقدسي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن قدامة. 7/ 673. شمس الملوك بنت محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب بن الملك العادل الدمشقية. 9/ 48. شمسي جلبي شمس بن عمر بن آق شمس الدين البرسوي. 10/ 456. شملة التركماني. 6/ 393. الشمني أحمد بن محمد بن محمد بن علي. 9/ 464. الشمني محمد بن حسن بن محمد بن محمد بن خلف الله الاسكندري. 9/ 221. ابن شمة عبد الرزاق بن عمر الأصفهاني. 5/ 250. شميم الحلي علي بن الحسن بن عنتر أبو الحسن. 7/ 8. الشنائي محمد بن إبراهيم الشنائي المالكي شمس الدين. 10/ 314. ابن شنبوذ محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت. 4/ 148. الشنبوذي محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفرج. 4/ 473. الشنتريني عبد الله بن أحمد الإشبيلي. 6/ 108. الشنتريني عبد الله بن محمد بن سارة البكري. 6/ 89. الشنشوري عبد الله بن أحمد المصري

الشافعي. 10/ 202. الشنشوري محمد بن عبد الله بن علي الشنشوري. 10/ 578. الشنشي محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله. 8/ 605. ابن شنظير إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي أبو إسحاق. 5/ 12. الشنويهي إبراهيم بن ابي بكر المصري. 9/ 542. الشهاب الحجازي أحمد بن محمد بن علي بن حسن الأنصاري الخزرجي. 9/ 475. شهاب الدين أحمد بن أحمد بن الخليل. 7/ 739. شهاب الدين بن الضعيف [أحمد بن يونس الغزي ثم الحلبي الشافعي] . 9/ 65. شهاب الدين بن علي المحسني. 8/ 32. الشهاب العابر أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النابلسي. 7/ 764. الشهاب القوصي إسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن بن المرجي. 7/ 449. الشهاب المنصوري أحمد بن محمد بن علي السلمي المنصوري. 9/ 518. ابن الشهاب موسى بن محمد بن محمد. 8/ 499. شهدة بنت عمر بن العديم العقيلي. 8/ 38. شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري ثم البغدادي. 6/ 410. [شهر براز بن شيرويه] [1] ملك الفرس. 1/ 129. شهر بن حوشب الأشعري الشامي. 1/ 404. شهردار بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي. 6/ 305. الشهرزوري إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة. 4/ 100. الشهرزوري عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الموصلي. 7/ 383. الشهرزوري القاسم بن مظفر أبو أحمد. 5/ 393. الشهروزوري القاسم بن علي بن القاسم. 6/ 201. ابن الشهروزوري القاسم بن يحيى، أبو الفضائل. 6/ 556. الشهروزوري المبارك بن الحسن البغدادي أبو الكرم. 6/ 258. ابن الشهروزوري محمد بن عبد الله بن القاسم الموصلي. 6/ 403. ابن الشهروزوري محمد بن محمد بن عبد الله. 6/ 471. الشهرستاني محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح. 6/ 246. ابن شهري موسى بن محمد التركماني. 8/ 464. ابن شهيد أحمد بن عبد الملك بن مروان الأشجعي القرطبي. 5/ 125. ابن الشهيد محمد بن إبراهيم بن محمد النابلسي. 8/ 563. ابن الشهيد محمود بن إبراهيم. 8/ 564. الشواء يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة من «العبر» (1/ 11) مصدر المؤلف.

شهاب الدين الكوفي. 7/ 310. ابن الشوا يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان بن البيع الأزجي. 6/ 57. ابن أبي الشوارب أحمد بن محمد بن عبد الله. 5/ 85. ابو الشوارب الحسن بن محمد بن عبد الملك الأموي. 3/ 268. ابن أبي الشوارب علي بن محمد بن عبد الملك الأموي البصري. 3/ 346. الشوبكي محمد بن محمد الشوبكي الحنبلي شمس الدين. 9/ 155. ابن شوذب عبد الله بن عمر بن أحمد بن علي أبو محمد الواسطي. 4/ 226. الشوني علي الشافعي نور الدين. 10/ 366. ابن الشويخ حسن بن محمد المقرئ الصوفي المقدسي. 10/ 42. الشويكي أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي النابلسي، الصالحي، الحنبلي، 10/ 247. الشويكي أحمد بن محمد بن أحمد النابلسي الدمشقي الصالحي الحنبلي. 10/ 325. الشويكي أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي. 8/ 620. الشويكي إسماعيل النحاس الشافعي، عماد الدين. 10/ 5. ابن شيء الله عثمان بن عمر الشيخ المعمر المعروف بابن شيء الله. 10/ 466. شيبان بن فروخ الأبلي. 3/ 164. ابن أم شيبان محمد بن صالح بن علي الهاشمي العباسي العيسوي أبو الحسن. 4/ 375. شيبان النحوي الكوفي أبو معاوية. 2/ 289. الشيباني آدم بن علي الكوفي. 2/ 106. الشيباني أحمد بن سليمان بن محمد البعلبكي. 9/ 13. الشيباني أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الصالحي. 7/ 681. الشيباني أحمد بن محمد بن حنبل. 3/ 185. الشيباني إسحاق بن مرار الكوفي أبو عمرو. 3/ 49 و 64. الشيباني جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم المكي. 9/ 164. الشيباني سالم بن عبد الله بن عبد الملك. 6/ 276. الشيباني سعد بن إياس الشيباني الكوفي أبو عمرو. 1/ 393. الشيباني صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل. 3/ 281. الشيباني الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل. 3/ 58. الشيباني عبد الرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي. 5/ 58. الشيباني عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد المروزي. 8/ 108. الشيباني عبد العزيز بن عبد الملك الدمشقي. 7/ 144. الشيباني عبد القادر المكّي الحنفي. 10/ 220. الشيباني عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم بن أبي المعالي المكي. 9/ 184.

الشيباني علي بن محمد بن محمد بن عقبة. 4/ 233. الشيباني محمد بن عبد الله الكوفي «أبو الفضل» . 4/ 469. الشيباني محمد بن علي بن دحيم الكوفي. 4/ 272. الشيباني يحيى بن عمّار السجستاني «أبو زكريا» . 5/ 116. الشيباني يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد «الوزير عون الدين» . 6/ 319- 327. الشيباني يونس بن بكير الكوفي «أبو بكر» . 2/ 472. ابن أبي شيبة عبد الله بن محمد العبسي الكوفي. 3/ 165. شيبة بن عثمان الحجبي العبدري. 1/ 268. ابن أبي شيبة عثمان بن محمد العبسي الكوفي. 3/ 177. شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب مولى أم سلمة. 2/ 128. الشيبي محمد بن علي بن محمد العبدري جمال الدين أبو المحاسن. 9/ 325. الشيبي يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد. 7/ 197. الشيبيني أحمد الشيبيني المصري. 10/ 453. الشيحي عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي. 5/ 392. شيخ آل عباس الأمير عبد الصمد شيخ آل عباس. 2/ 383. ابن الشيخ أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الدمنهوري. 8/ 508. شيخ بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن السقاف، اليمني. 10/ 403. ابن الشيخ إسكندر أحمد بن إسكندر بن يوسف بن إسكندر الشافعي. 10/ 225. الشيخ أصلم أحمد بن إسحاق بن مجد الدين الأصبهاني. 9/ 28. الشيخ باكير النحوي أبو بكر بن إسحاق بن خالد الكختاوي. 9/ 379. شيخ بستان الرومي يوسف الحميدي. 10/ 80. الشيخ حسن الطحينة حسن الحلبي الشافعي. 10/ 50. ابن الشيخ حسن محمد بن محمد بن حسن المعروف بابن الشيخ حسن. 10/ 467. ابن شيخ الربوة أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز. 9/ 135. الشيخ رسلان أرسلان بن يعقوب الجعبري. 7/ 782. شيخ زاده أبو بكر العلوي الحنفي المنلا. 10/ 370. شيخ زاده عبد الرحمن بن جمال الدين الشهير بشيخ زاده. 10/ 527. شيخ زاده العجمي الحنفي. 9/ 111. الشيخ السديد عبد الله بن علي شرف الدين. 6/ 506. ابن شيخ السلامية حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسن. 8/ 367. ابن شيخ السنيين محمد بن أحمد بن محمد المصري. 9/ 33.

شيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري. 7/ 535. شيخ الصوابية عبد الرحمن زين الدين. 10/ 228. شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني الشافعي. 10/ 620. شيخ بن عبد الله بن العيدروس الشريف اليمني الشافعي. 10/ 131. أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني. 4/ 373. شيخ بن عبد الله المحمودي الملك المؤيد. 9/ 240. الشيخ عبد الله المعروف بحاجي خليفة. 9/ 535. الشيخ عبيد عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن عبد الله البابي. 9/ 336. الشيخ العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي. 7/ 560. الشيخ العفيف عبد الرحمن بن أبي نصر عثمان التميمي. 5/ 100. الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي. 7/ 105. ابن شيخ العوينة علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الموصلي. 8/ 305. ابن الشيخ محمود محمد بن محمود المغلوي الوفائي المعروف بابن الشيخ محمود. 10/ 492. ابن شيخ المعظمية محمد بن محمد بن محمد الغلفي. 9/ 36. الشيخ المؤتمن بكر بن محمد بن علي بن محمد النيسابوري، ابن حيد. 5/ 272. الشيخ نهار عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي. 8/ 460. ابن شيخ الوضوء أحمد بن محمد بن إبراهيم الصفدي. 8/ 609. شيخ الوضوء محمد بن إبراهيم بن يعقوب. 8/ 538. شيخي جلبي محمد المعروف بشيخي جلبي، أحد موالي الروم المولى. 10/ 410. شيذلة عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجيلي. 5/ 408. ابن الشيرازي إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي نصر. 8/ 61. الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي. 5/ 323. الشيرازي أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج. 4/ 471. الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الفارسي. 5/ 57. الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن، أبو بكر. 5/ 47. الشيرازي أحمد بن علي الشيرازي. 6/ 137. الشيرازي أحمد بن علي بن عبد الله النيسابوري (أبو بكر) . 5/ 372. الشيرازي أحمد بن العماد. 8/ 55. ابن الشيرازي أحمد بن محمد بن هبة الله المعدل. 7/ 371. ابن الشيرازي أحمد بن محمد بن محمد بن

هبة الله الشافعي. 8/ 197. الشيرازي أحمد بن منصور بن ثابت. 4/ 421 و 432. الشّيرازي أسد الدين بن معين الدّين الشيرازي. 10/ 645. الشيرازي أسعد بن محمد بن محمود. 9/ 44. الشيرازي بير جمال الصوفي. 9/ 495. الشيرازي حيدرة الرومي. 9/ 212. الشيرازي طاهر بن أسد البغدادي المواقيتي الطباخ. 5/ 416. الشيرازي عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار. 8/ 298. الشيرازي عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب أبو الفضائل. 7/ 150. الشيرازي عبد الملك بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد. 6/ 235. الشّيرازي علي بن محمد العمري الشافعي الشيرازي. 10/ 127. الشيرازي محمد بن أحمد أبو عبد الله. 5/ 178. الشيرازي محمد بن خفيف أبو عبد الله. 4/ 386. ابن الشيرازي محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي. 8/ 573. الشيرازي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي. 6/ 254. ابن الشيرازي محمد بن محمد بن محمد بن مميل الدمشقي. 8/ 111. ابن الشيرازي محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي، أبو الفصل. 7/ 664. ابن الشيرازي محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله أبو نصر. 7/ 304. الشيرازي مسعود بن عبد الله العجمي الشيرازي. 10/ 331. الشيرازي نجم الدين بن عبد الوهاب بن عبد الواحد الأنصاري أبو العلاء. 6/ 469. الشيرازي هبة الله بن عبد الوارث أبو القاسم. 5/ 371. ابن الشيرازي هبة بن محمد بن هبة الله بن جميل البغدادي. 6/ 432. الشيرازي يوسف بن أحمد. 6/ 467. الشيرجي أحمد بن محمد بن سليمان البغدادي. 8/ 343. ابن الشيرجي سليمان بن العماد محمد بن أحمد. 7/ 783. ابن الشيرجي مظفر بن محمد بن إلياس الأنصاري. 7/ 500. شير كوه بن محمد بن شيركوه بن شادي المعروف بالملك المجاهد أسد الدين. 7/ 322. الشيروي عبد الغفار بن محمد بن الحسين بن علي النيسابوري. 6/ 44. شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو الديلمي الهمذاني أبو شجاع. 6/ 39. ابن شيرويه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن القرشي المطلبي. 4/ 26. الشيشري إبراهيم بن حسن النّبيسي الشّيشري. 10/ 98.

ابن الشيشري عبد الله بن إبراهيم الفاضل. 10/ 201. الشيشني أحمد الشيشني المصري الحنبلي. 10/ 130. الشيشني عثمان بن محمد بن وجيه. 8/ 613. الشيشيني علي بن أحمد الحنبلي. 9/ 460. ابن شيطا عبد الواحد بن الحسين بن أحمد. 5/ 217.

حرف الصاد ابن صابر محمد بن أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن السلمي الصوفي. 7/ 325. الصابوني أحمد بن محمد بن حسين بن السندي أبو الفوارس. 4/ 256، 4/ 257. الصابوني إسحاق بن عبد الرحمن النيسابوري. 5/ 234. الصابوني إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري. 5/ 212، 5/ 213. الصابوني عبد الخالق بن عبد الوهاب بن محمد المالكي الخفاف. 6/ 506. ابن الصابوني عبد الوهاب بن محمد المالكي أبو الفتح. 6/ 296. ابن الصابوني علي بن محمود بن أحمد المحمودي الجوّيثي. 7/ 360. ابن الصابوني محمد بن علي بن محمود أبو حامد جمال الدين. 7/ 643. الصابئ إبراهيم بن هلال الحراني. 4/ 437. ابن الصابئ محمد بن إسحاق بن محمد بن هلال بن المحسن البغدادي. 6/ 348. ابن الصاحب أحمد بن محمد بن محمد بن علي. 8/ 516. ابن الصاحب أحمد بن يوسف بن صفي الدين المصري. 7/ 705. الصاحب الأمجد إسماعيل بن محمد بن الصاحب فتح الدين القيسراني عماد الدين. 8/ 198. صاحب أنس إبراهيم بن ميسرة الطائفي. 2/ 146. صاحب تونس إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى. 8/ 373. صاحب الحبشة إسحاق بن داود بن سيف بن أرغد. 9/ 292. الصاحب شرف الدين إسماعيل بن أبي سعد بن علي الشيباني الآمدي. 8/ 21، 8/ 22. صاحب شيراز إبراهيم بن شاه رخ. 9/ 334. الصاحب بن عباد إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني أبو القاسم. 4/ 449. الصاحب علي بن جرير الرقي. 7/ 316. صاحب ماردين أرتق بن ألبي الأرتقي التركماني. 7/ 313. صاحب الموصل أرسلان شاه بن عز الدين بن مودودزنكي. 7/ 46. صاحب ميافارقين أحمد بن مروان بن دوستك الكردي. 5/ 225. ابن الصاحب هبة الله بن علي مجد الدين. 6/ 452 و 458. صار كرز أوغلي زاده محمد المعروف

بصار كرز أوغلي زاده. 10/ 615. صاروجا بن عبد الله المظفري. 8/ 240. ابن صاعد أحمد بن محمد الحنفي، أبو نصر. صاعد بن الحسن الربعي البغدادي أبو العلاء. 5/ 85. صاعد بن سيّار الإسحاقي أبو العلاء. 6/ 100. صاعد بن سيار الكناني أبو العلاء. 5/ 410. صاعد بن محمد البخاري وقيل النيسابوري الحنفي أبو العلاء. 6/ 8. ابن صاعد محمد بن محمد بن سالم القرشي المقدسي. 7/ 746. صاعد بن محمد بن النيسابوري الأستوائي أبو العلاء. 5/ 154. ابن صاعد هبة الله بن التلميذ المصري البغدادي. 6/ 318. ابن صاعد يحيى بن محمد البغدادي «أبو محمد» 4/ 90. الصاعدي محمد بن أحمد بن صاعد النيسابوري. 6/ 136. صاعقة محمد بن عبد الرحيم البغدادي الحافظ البزّاز أبو يحيى. 3/ 247. الصاغاني محمد بن إسحاق أبو بكر البغدادي. 3/ 301. ابن الصافيوني أحمد بن محفوظ بن مهنا بن شكر. 7/ 350. صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي. 8/ 488. صالح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح التميمي الأحنفي. 4/ 442. صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أبو الفضل. 3/ 281. صالح بن إسحاق الجرمي أبو عمر. 3/ 115. صالح بن جلال الحنفي، المولى. 10/ 543. صالح جلبي بن جلال الدين الأماسي الجلدي. 10/ 440. صالح بن خليل بن سالم بن عبد الناصر بن محمد سالم الغزي. 9/ 70. صالح بن زياد السوسي أبو شعيب. 3/ 268. صالح بن السلطان سيف، السلطان ابن السلطان. 10/ 239. صالح بن شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي أبو المعالي. 6/ 220. الصالح بن شجاع بن سيدهم المدلجي المصري أبو التقي. 7/ 437. صالح بن علي الأمير عم المنصور وأمير الشام. 2/ 236. صالح بن عمر البلقيني. 9/ 454. ابن صالح عمر بن رسلان بن نصير. 9/ 80. صالح بن المبارك بن الرخلة الكرخي أبو محمد. 6/ 400. صالح بن محمد بن عمرو الأسدي البغدادي الحافظ الكبير أبو علي الملقب ب (جزرة) . 3/ 396. ابن أبي صالح محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر البغدادي. 7/ 490.

صالح بن مرداس الكلابي، المعروف ب: أسد الدولة. 5/ 98. صالح المري الزاهد، واعظ البصرة. 2/ 331. أبو صالح المؤذّن أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري. 5/ 301. صالح مولى التوءمة المدني. 2/ 107. الصالحاني محمد بن علي بن أبي ذر. 6/ 156. الصالحي إبراهيم بن أحمد بن خضر الحنفي. 9/ 171. الصالحي إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل الواسطي. 7/ 733. الصالحي إسماعيل بن إبراهيم بن شويخ. 7/ 795. الصالحي أبو بكر بن داود الحنبلي. 9/ 90. الصالحي سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الحنبلي أبو الفضل. 8/ 66. الصالحي عمر بن نصر الله الدمشقي الحنفي زين الدين. 10/ 426. الصالحي محمد بن إبراهيم بن غنائم بن المهندس. 8/ 184. الصالحي محمد بن أبي بكر بن علي الصوفي. 8/ 393. الصالحي محمد بن عامر بن أبي بكر الصالي. 7/ 679. الصالحي محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الدمشقي الحنفي قطب الدين أبو عبد الله. 10/ 406. الصالحي محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي بكر المصري. 9/ 360. الصالحية ست الفقهاء بنت إبراهيم بن علي بن الواسطي. 8/ 128. الصامت محمد بن أبي بكر الناشري. 9/ 471. الصامت محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله الصالحي. 8/ 529. الصّاني عبد القادر أو عبيد بن حسن الصاني جمال الدين. 10/ 251. الصائغ إبراهيم بن ميمون. 2/ 134. ابن الصائغ أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد البغدادي. 6/ 412. الصائغ جعفر بن محمد بن شاكر. 3/ 327. الصائغ الحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار. 7/ 353. ابن الصائغ عبد الله بن محمد. 8/ 443. الصائغ عبد الله بن نافع الأسدي الزبيري المدني. 3/ 32، 3/ 75. ابن الصائغ علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد الدمشقي. 8/ 622. ابن الصائغ محمد بن أحمد بن عبد الخالق. 8/ 123. الصائغ محمد بن إسماعيل أبو جعفر. 3/ 320. ابن الصائغ محمد بن باجه السرقسطي. 6/ 169. الصائغ محمد بن الصدّيق جمال الدين.

10/ 140. ابن الصائغ محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي. 8/ 427. الصائغ محمد عبد الرحمن بن ملهم القرشي. 7/ 731. ابن الصائغ محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري أبو المفاخر. 7/ 669. ابن الصائغ محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأموي المرّي. 8/ 281. ابن الصائغ محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق. 8/ 393. الصائغ محمد بن عبد الواحد الأصبهاني أبو سعد. 6/ 447. الصائغ محمد بن علي بن زيد. 3/ 385. الصائغ محمد بن علي بن صدقة بن جلب «أبو البركات» . 6/ 193. ابن الصائغ محمد بن محمد بن عبد القادر الأنصاري. 8/ 216. ابن الصائغ محمد بن محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق الأنصاري. 8/ 160. ابن الصائغ يحيى بن علي بن عبد العزيز. 6/ 173. صائم الدهر محمد بن محمد المليحي. 8/ 592. صباح بن عبد الرحمن العتقي الأندلسي المعمر، أبو الغصن. 3/ 396. ابن الصباغ عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي. 5/ 332. ابن الصباغ علي بن حميد الصعيدي أبو الحسن. 7/ 96. ابن الصباغ علي بن عبد السيد بن أبي نصر الشاهد. 6/ 214. صبح بن أحمد التميمي الأحنفي الهمذاني السّمسار أبو الفضل، ويعرف أيضا بابن الكوملاذي. 4/ 441. الصبري محمد بن يوسف بن علي بن محمود. 8/ 242. الصحاف محمد بن عبد الواحد المديني المصري الأصل. 5/ 418. الصحراوي عبد الرحمان بن عبد الولي. 8/ 121. الصحراوي عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد المقدسي. 7/ 579. [صخر] بن حرب الأموي، أبو سفيان والد معاوية. 1/ 192. أبو صخر كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة. 2/ 36. الصدر البكري الحسن بن محمد بن محمد بن عمروك التميمي النيسابوري. 7/ 474. الصدر الفاضل أحمد بن إبراهيم. 7/ 758. ابن الصدر يحيى بن مقبل بن أحمد بن بركة التيمي الحريمي. 6/ 479. الصدفي عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى. 4/ 249. الصدفي يونس بن عبد الأعلى «أبو موسى» . 3/ 280. ابن صدقة أحمد بن صدقة الشافعي. 10/ 130.

ابن صدقة أحمد بن محمد بن عبد الله البغدادي. 3/ 395. صدقة بن الحسين بن بختيار بن الحداد البغدادي. 6/ 406. صدقة بن خالد الدمشقي. 2/ 357. صدقة بن سلامة بن حسين بن بدران بن إبراهيم بن جملة الجيدوري ثم الدمشقي المقرئ. 9/ 247. ابن صدقة عبد الرحيم بن صدقة المكي. 10/ 108. صدقة بن عبد الله السّمين أبو معاوية. 2/ 294. صدقة بن الفضل المروزي أبو الفضل. 3/ 105 و 119. صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم بن الدلم القرشي الدمشقي أبو القاسم. 5/ 70. ابن صدقة محمد بن صدقة المجذوب. 9/ 413. ابن صدقة محمد بن عبد الرحيم المصري. 10/ 165. ابن صدقة محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي «أبو المكارم» . 7/ 317. ابن صدقة محمد بن علي بن محمد بن الحسن الحراني أبو عبد الله. 6/ 463. صدقة بن منصور بن دبيس الملقب ب: سيف الدولة. 6/ 5. ابن صدقة يحيى بن هبة الله بن الحسن «أبو البركات» . 7/ 310. ابن صديق عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحراني أبو العز. 7/ 479. الصديق بن عبد العليم إقبال القرتبي، رضي الدين. 10/ 107. صديق بن علي بن صديق الأنطاكي. 9/ 125. الصديق بن محمد الحكمي الشهير بالوزيغي، رضي الدين. 10/ 32. الصديقي محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن البكر الصّديقي. 10/ 632. صدي بن عجلان الباهلي أبو أمامة. 1/ 351. الصرام محمد بن عبيد الله النيسابوري أبو الفضل. 5/ 345. الصرخدي علي بن محمد بن يحيى الشافعي. 9/ 52. الصرخدي محمد بن سليمان أبو عبد الله. 8/ 556. الصّرخدي محمود بن عابد التّميمي. 7/ 600. الصرخدي محمود بن محمد بن أحمد بن صالح. 8/ 469. صردر علي بن الحسن بن علي بن الفضل الشاعر. 5/ 279. الصردفي إسحاق بن يوسف بن يعقوب. 5/ 425. الصردفي محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي الريمي. 8/ 555. ابن صصرى الحسن بن سالم بن أبي المواهب التغلبي. 7/ 549. الصرصري إسماعيل بن الحسن. 5/ 16. الصرصري يحيى بن يوسف بن يحيى. 7/ 493.

الصرغتمشي مقبل بن عبد الله الصّرغتمشي. 8/ 606. الصريحي علي بن عبد الرحمن. 9/ 153. الصريحي محمد بن محمد بن محارب المالقي بن أبي الجيش. 8/ 286. صريع الدلاء محمد بن عبد الواحد البصري. 5/ 67. الصريفيني إبراهيم بن محمد بن الأزهر. 7/ 363. الصريفيني شعيب بن أيوب. 3/ 268. الصريفيني عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هزار مرد. 5/ 298. ابن صصرى أحمد بن محمد سالم بن بهاء الدين التغلبي الربعي. 8/ 107. ابن صصرى الحسن بن هبة الله بن محفوظ التغلبي الدمشقي. 6/ 468. ابن صصرى الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن التغلبي. 7/ 208. ابن صصرى علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التغلبي الدمشقي. 7/ 730. ابن صصرى علي بن الحسين بن أحمد التغلبي. 5/ 289. ابن صصرى هبة الله بن محفوظ الدمشقي التغلبي صائن الدين أبو الغنائم. 6/ 349. الصعبي جبريل بن علي بن سلامة «أبو الآثار» . 7/ 6. الصعبي عبد الله بن يحيى. 6/ 276. صعصعة بن سلام الدمشقي. 2/ 427. الصعلوكي سهل بن محمد بن سليمان العجلي النيسابوري. 5/ 26. الصعلوكي محمد بن سليمان العجلي الصعلوكي النيسابوري أبو سهل. 4/ 374. ابن صعوة النفيس بن مسعود بن أبي الفتح بن سعيد السلامي. 6/ 360. الصعيدي شرف الصعيدي شرف الدين. 10/ 131. الصعيدي عمر الصعيدي الحنفي. 10/ 321. الصعيدي محمد بن بركات بن هلال المصري. 6/ 102. الصغاني الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري الهندي. 7/ 431. الصغاني الحسن بن محمد بن الحسن أبو الفضائل. 7/ 431. الصغاني محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي. 8/ 463. ابن صغير علي بن نجم الدين بن عبد الواحد. 8/ 591. الصغير محمد بن محمد بن عبد الله. 9/ 235. الصفّار أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري. 4/ 222. الصفّار إسماعيل بن محمد البغدادي. 4/ 221. الصفّار حامد بن محمد بن حامد الأصفهاني. 6/ 504. الصفّار عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي. 6/ 191. ابن الصفار عبد الله بن أبي حفص عمر بن أحمد النيسابوري. 6/ 561.

الصفار عفّان بن مسلم الأنصاري البصري. 3/ 96. الصفار عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري، أبو حفص. 6/ 278. الصفار القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر النيسابوري. 7/ 145. الصفار محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي. 8/ 98. الصفّار محمد بن السيد بن فارس بن أبي لقمة الأنصاري الدمشقي. 7/ 193. الصفار محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس النيسابوري. 5/ 293. الصفار نصر الله بن مظفر بن عقيل الشيباني. 7/ 492. الصفار محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار أبو عبد الله. 4/ 208. ابن الصفار يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث. 5/ 147. الصفدي أحمد بن بترس. 10/ 194. الصفدي أحمد بن يوسف بن حميد الدمشقي. 10/ 53. الصفدي حسن بن محمد. 8/ 110. الصفدي خليل بن أيبك بن عبد الله. 8/ 343. الصفدي عبد القادر بن محمد بن عمر الشافعي. 10/ 100. الصفدي عبد القادر بن محمد بن منصور بن جماعة بن المصري. 10/ 27. الصفدي عبد الله بن عمر بن سليمان الكناوي الشافعي. 10/ 83. الصفدي علي بن عبد الرحمن بن الحسين الخطيب. 8/ 321. الصفدي عمر بن محمد النيني زين الدين. 9/ 255. الصفدي محمد بن يعقوب الشافعي شمس الدين. 10/ 438. صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجمحي. 1/ 229. صفوان بن بيضاء. 1/ 115. صفوان بن سليم المدني أبو عبد الله الفقيه القدوة. 2/ 147. صفوان بن صالح أبو عبد الملك. 3/ 177. صفوان بن عمرو السكسكي محدث حمص. 2/ 252. صفوان بن عيسى القسام. 2/ 476. ابن الصفراوي عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل الإسكندراني. 7/ 314. ابن الصفراوي محمد بن علي بن حسن الإسكندراني ثم المصري. 7/ 355. الصفري محمد الصفري، شمس الدين. 10/ 614. الصفوري إبراهيم الصفوري برهان الدين. 10/ 324. الصفوري عبد الهادي الدمشقي الشافعي. 10/ 175. الصفوري محمد بن عبد الرحمن الصفوري. 10/ 464. الصفوري نبهان بن عبد الهادي الصفوري الشافعي. 10/ 204. الصفوي محمد بن عبد الله الهندي الدمشقي

الشافعي. 8/ 427. الصفي إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني. 7/ 515. صفية بنت إسماعيل بن محمد بن العز. 9/ 18. صفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية، أم المؤمنين. 1/ 245. صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفراء المنادي أم محمد. 7/ 783. صفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية. 7/ 404. صفية بنت علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي. 7/ 735. ابن الصقال إبراهيم بن أحمد بن محمد الطيبي. 6/ 552. ابن أبي الصقر مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد. 7/ 306. صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر بن ضياء الدين أبو محمد. 7/ 450. الصقري إبراهيم بن ناصر الدين بن الحسام. 9/ 293. الصقلي أحمد بن محمد بن عمر الدمشقي. 8/ 120. الصقلي حسن بن أبي عبد الله بن صدقة الأزدي. 7/ 572. الصقلي عبد الرحمن بن عتيق بن خلف بن الفحام. 6/ 81. الصقلي محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدمشقي. 7/ 526. الصقلي محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف. 8/ 574. ابن الصقلي محمد بن محمد بن محمد الشافعي. 8/ 141. ابن صقير يوسف بن عمر الواسطي. 7/ 319. صلاح الدين ولد الكامل. 8/ 10. صلاح بن علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي. 8/ 561. ابن صلايا محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي. 7/ 490. ابن الصلت الأهوازي أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى. 5/ 53. الصلت بن مسعود الجحدري. 3/ 177. الصلتي محمد بن إبراهيم بن راضي. 8/ 490. ابن صمدون علي بن فاضل بن سعد الله بن الصوري. 7/ 20. ابن الصموت محمد بن أيوب الرقي. 4/ 224. الصمودي محمد بن علي المالكي. 10/ 103. الصميدي رافع بن محمد بن هجرس بن شافع السلامي. 8/ 95. صنجيل، ملك الفرنج. 5/ 422. الصندوقي أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري. 4/ 421. الصنعاني أبو الأشعث الشامي. 2/ 16. الصنعاني حفص بن ميسرة. 2/ 360. الصنعاني حنش بن عبد الله. 1/ 404. الصنعاني عبد الرزاق بن همام أبو بكر،

صاحب «المصنف» . 3/ 55. الصنعاني عبد الملك بن الصباح المسمعي. 2/ 475. الصنعاني عمرو بن دينار الجمحي اليمني أبو محمد. 2/ 115. الصنعاني محمد بن عبد الله، أبو عبد الله. 4/ 383. الصنعاني هشام بن يوسف الصنعاني، قاضي صنعاء. 2/ 458. الصنعاني وهب بن منبه. 2/ 73. الصنهاجي إبراهيم بن عبد الله بن عمر المالكي. 8/ 589. الصنهاجي أحمد بن محمد بن موسى الأندلسي. 6/ 183. الصنهاجي باديس بن منصور بن بلكين. 5/ 38. الصنهاجي محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف المراكشي الإسكندراني. 8/ 84. الصنهاجي محمد بن محمد بن داود، ابن آجروم، صاحب «الأجرومية» . 8/ 112. الصنهاجي يحيى بن محمد المالكي. 8/ 218. الصنوبري أحمد بن محمد بن الحسين الضبي الحلبي أبو بكر. 4/ 185. صهيب بن سنان الرومي. 1/ 217. الصهيوني أبو بكر بن محمد الصهيوني. 10/ 629. الصهيوني عبد القادر بن محمد بن محمد بن قاضي سراسيق الصهيوني. 10/ 481. الصهيوني محمد بن عبد الرحمن الشافعي شمس الدين. 10/ 399. صواب العادلي الخادم ويعرف ب: شمس الدين. 7/ 261. الصواف حجاج بن أبي عثمان. 2/ 198. الصواف عبد الوهاب الدمشقي الشافعي تاج الدين. 10/ 345. ابن الصواف علي بن نصر الله بن عمر القرشي. 8/ 56. الصواف محمد بن أحمد بن الحسن. 4/ 307. ابن الصواف يحيى بن أحمد بن عبد العزيز الجذامي. 8/ 25. ابن صورة محمد بن محمد بن عبد الله بن علي. 8/ 439. الصورتاتي شعبان الحنبلي. 10/ 33. الصوري أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن. 8/ 7. الصوري عبد المحسن بن محمد. 5/ 94. الصوري علي بن عمر بن أحمد بن عبد المؤمن. 8/ 384. الصوري علي بن يوسف الدمشقي الصوري. 7/ 459. الصوري غيث بن علي الأرمنازي أبو الفرج. 6/ 40. الصوري محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصالح. 7/ 728. الصوري محمد بن علي بن عبد الله بن رحيم الساحلي. 5/ 185. الصوري محمد بن المبارك أبو عبد الله.

3/ 71. الصوفي إبراهيم بن عبد ربه. 9/ 483. الصوفي حسين أبو علي. 9/ 525. الصوفي الصغير أحمد بن الحسين بن إسحاق البغدادي. 4/ 19. الصوفي عبد الله الإلهي الحنفي. 9/ 539. الصولي إبراهيم بن العباس البغدادي. 3/ 196. الصولي سلامة بن صدقة بن سلامة الحراني. 7/ 217. الصولي محمد بن يحيى البغدادي أبو بكر. 4/ 192. ابن صياد (صاحب القصة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) . 1/ 142- 150. الصياد أحمد بن أبي الخير اليمني. 8/ 450. ابن الصياد علي بن الحسين بن يوسف موفق الدين أبو الحسن. 7/ 682. ابن الصيدلاني عبد الله بن أحمد بن علي أبو القاسم. 4/ 516. الصيدلاني عبد الواحد بن أبي المطهر القاسم بن الفضل. 7/ 32. الصيدلاني القاسم بن الفضل بن عبد الواحد الأصبهاني. 6/ 369، 6/ 370. الصيدلاني محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني. 7/ 20. الصيدلاني محمد بن الحسن الأصبهاني أبو جعفر. 6/ 377. الصيرفي إبراهيم بن إبراهيم بن أبي بكر الأريحاوي الحلبي برهان الدين. 10/ 377. الصيرفي بكر بن محمد المروزي الدخمسيني. 4/ 240. ابن الصيرفي حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري. 7/ 781. الصيرفي خلاد بن خالد الكوفي. 3/ 96. ابن الصيرفي عثمان بن سعيد القرطبي. 5/ 195. ابن الصيرفي علي بن عثمان بن عمر بن صالح الدمشقي. 9/ 366. ابن الصيرفي عمر بن علاء الدين علي بن عثمان الدمشقي. 10/ 132. الصيرفي محمد بن جعفر الصيرفي أبو بكر. 4/ 192. الصيرفي محمد بن طغريل. 8/ 203. الصيرفي محمد بن عبد الله «أبو بكر» . 4/ 168. الصيرفي محمد بن عبيد الله بن الشخير. 4/ 415. ابن الصيرفي محمد بن علي بن خلف. 5/ 48. ابن الصيرفي محمد بن محمد بن علي سبط ابن الجبوبي. 8/ 106. الصيرفي محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري أبو سعيد. 5/ 107. ابن الصيرفي يعقوب بن أحمد النيسابوري «أبو بكر» . 5/ 284. ابن الصيرفي يوسف بن محمد بن علي بن إبراهيم. 8/ 525. ابن الصيقل عبد اللطيف بن عبد المنعم. 7/ 586.

ابن الصيقل موسى بن سعيد الهاشمي. 7/ 98. الصيمري الحسين بن علي «أبو عبد الله» . 5/ 168.

حرف الضاد الضبعي أحمد بن إسحاق بن أيوب. 4/ 225. الضبعي جعفر بن سليمان. 2/ 348. الضبعي جويرية بن أسماء بن عبيد البصري. 2/ 335. الضبعي سعيد بن عامر البصري. 3/ 41. الضبعي عبد الله بن محمد بن أسماء البصري. 3/ 141. الضبعي نصر بن عمران أبو جمرة، صاحب ابن عباس. 2/ 123. الضبي أحمد بن الحسين بن مروان النيسابوري. 4/ 421. الضبي أحمد بن عبدة. 3/ 205. الضبي أحمد بن يونس الكوفي. 3/ 291. الضبي جرير بن عبد الحميد. 2/ 404. الضبي الحسين بن هارون البغدادي. 4/ 514. الضبي داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل البغدادي. 3/ 130. الضبي عبد السيد بن أحمد. 7/ 354. الضبي عبد الله بن شبيب أبو المظفر. 5/ 222. الضبي عقبة بن مكرم الكوفي. 3/ 199. الضبي عمار بن رزيق الكوفي. 2/ 267. الضبي محمد بن إسماعيل بن أحمد. 9/ 343. الضبي محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي. 2/ 447. الضبي محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم. 4/ 40. الضبي مغيرة بن مقسم. 2/ 151. الضبي موسى بن داود الكوفي. 3/ 80. الضحاك بن عثمان الحزامي المدني. 2/ 243. الضحاك بن فيروز الديلمي الأبناوي. 2/ 76. الضحاك بن مخلد الشيباني أبو عاصم النبيل محدث البصرة. 3/ 58. الضحاك بن مزاحم الهلالي. 2/ 18. الضراب الحسن بن إسماعيل المصري، أبو محمد. 4/ 493. الضرير حفص بن عمر البصري. 3/ 97. الضرير عمرو بن مرة المرادي الكوفي. 2/ 77. الضرير هارون بن معروف أبو علي. 3/ 142. ابن الضريس محمد بن أيوب بن يحيى البجلي الرازي. 3/ 397. ابن الضعيف [أحمد بن يونس الغزي ثم الحلبي] شهاب الدين. 9/ 65. ضمام بن إسماعيل المصري. 2/ 385. ضمرة بن ربيعة [1] . 3/ 8.

_ [1] في بعض المصادر «حمزة بن ربيعة» وهو خطأ.

أبو ضمرة الليثي أنس بن عياض المدني. 2/ 475. ضياء بن أحمد بن علي بن الخريف البغدادي النجار. 7/ 15. الضياء جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسيني. 7/ 759. الضياء دانيال بن منكل الشافعي. 7/ 760. الضياء عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي. 7/ 366. الضياء القزويني محمد بن أبي القاسم بن محمد أبو عبد الله. 7/ 511. ابن ضيفون محمد بن عبد الملك اللخمي القرطبي الحداد. 4/ 501.

حرف الطاء الطائفي إبراهيم بن ميسرة الطائفي، صاحب أنس. 2/ 146. الطائي داود بن نصير الكوفي، الزاهد. 2/ 284. الطارمي عماد بن محمود المنلا. 10/ 345. ابن طاش بصتي محمد البانقوسي الحلبي شمس الدين. 10/ 309. طاشتكين أمير الحاج العراقي ويلقب بمجير الدين المستنجدي أبو سعيد. 7/ 15. طاش كبري زاده أحمد بن مصلح الدين المشتهر بطاش كبري زادة. 10/ 514. الطاطري مروان بن محمد الدمشقي، أبو بكر. 3/ 49. ابن أبي طالب إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري الحافظ. 3/ 400. الطالقاني أحمد بن إسماعيل بن موسى الطالقاني القزويني أبو الخير. 6/ 492. طالوت بن عباد البصري أبو عثمان. 3/ 173. الطامذي عبد الله بن علي الأصبهاني أبو محمد. 6/ 345. ابن أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني أبو حامد. 5/ 37. طاهر بن أحمد بن بابشاذ المصري الجوهري النحوي أبو الحسن. 5/ 297. طاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي المواقيتي الطباخ أبو ياسر. 5/ 416. طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب بن شريح الحلبي. 9/ 112. طاهر بن الحسين. 3/ 35. طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن القواس البغدادي أبو الوفاء. 5/ 326. الطاهر بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي، جمال الدين. 10/ 646. طاهر بن سعد المردغاني كمال الدين. 6/ 110. طاهر بن سهل بن بشر الإسفراييني الدمشقي أبو محمد. 6/ 160. طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي أمير خراسان. 3/ 223. طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري أبو الطيب. 5/ 215. أبو الطاهر بن عبد الله المراكشي المالكي. 9/ 339. الطاهر بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي. 7/ 131. طاهر بن محمد الشحامي المستملي أبو عبد الرحمن. 5/ 345. طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي ثم الهمذاني أبو زرعة. 6/ 359.

طاهر بن مفوز المعافري الشاطبي أبو الحسن. 5/ 359. ابن طاهر المقدسي محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي أبو الفضل. 6/ 30. طاهر بن نصر الله بن جهبل الكلابي الحلبي الملقب مجد الدين. 6/ 530. ابن طاووس أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد أبو المعالي. 7/ 204. ابن طاووس الخضر بن هبة الله بن أحمد الدمشقي. 6/ 430. طاووس بن كيسان اليماني الجندي الخولاني. 2/ 40. ابن طاووس هبة الله بن أحمد بن عبد الله البغدادي. 6/ 187. ابن طاووس هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد السديد. 7/ 147. الطاووسي أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم القزويني. 8/ 20. الطاووسي عزيز بن محمد بن العراقي القزويني. 6/ 563. الطائع لله عبد الكريم بن المطيع لله، الفضل بن المقتدر جعفر، بن المعتضد أحمد بن الموفق العباسي أبو بكر. 4/ 498. الطائفي محمد بن مسلم المكي. 2/ 347. الطائي أحمد بن حرب الموصلي. 3/ 282. الطائي تميم بن طرفة الكوفي. 1/ 376. الطائي حسن بن قحطبة بن شبيب. 2/ 360. الطائي زيد بن أخزم الشهيد النبهاني البصري. 3/ 257. الطائي سعد بن إبراهيم الحنبلي البغدادي. 8/ 603. الطائي سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد البساطي أبو الربيع. 8/ 500. الطائي سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الحراني. 3/ 306. الطائي علي بن حرب الموصلي أبو الحسن. 3/ 282. الطائي محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد المتكلم صاحب الأشعري. 4/ 383. الطائي محمد بن عوف بن سفيان أبو جعفر. 3/ 306. الطائي محمد بن محمد بن علي الهمذاني أبو الفتوح. 6/ 292. الطائي محمد بن الشيخ محيي الدين محمد بن العربي. 7/ 488. الطائي محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الموصلي. 4/ 220. الطائي الهيثم بن عدي الكوفي. 3/ 39. طباخ الصوفية محمد بن محمد بن عيسى بن حسن القاهري. 8/ 91. ابن الطباخ المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله بن محمد البغدادي. 6/ 418. ابن الطباخ يحيى بن أبي الفتح بن عمر الحراني. 7/ 57.

الطباطبي إبراهيم بن أحمد بن عبد الكافي. 9/ 444. ابن الطباع إسحاق بن عيسى البغدادي. 3/ 70. ابن الطباع محمد بن عيسى الحافظ أبو جعفر. 3/ 112. ابن الطبر هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي. 6/ 160. الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب. 4/ 310. ابن طبرزد عمر بن محمد بن معمر الدارقزي. 7/ 49. الطبرخي محمد بن العباس الخوارزمي أبو بكر. 4/ 434. الطبري إبراهيم بن أحمد المقرئ المعدل. 4/ 497. الطبري إبراهيم بن محمد المكي الشافعي. 8/ 103. الطبري أحمد بن صالح المصري. 3/ 222. الطبري أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر. 7/ 743. الطبري أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد. 8/ 324. الطبري الحسن بن القاسم أبو علي. 4/ 261. الطبري الحسين بن علي بن الحسين. 5/ 420. الطبري عبد الكريم بن عبد الصمد القطان. 5/ 338. الطبري عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الله المكي. 8/ 511. ابن الطبري عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن محمد. 7/ 232. الطبري علي بن أبي القاسم بن أبي زرعة. 6/ 141. الطبري طاهر بن عبد الله بن طاهر أبو الطيب. 5/ 215. الطبري محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله. 9/ 167. الطبري محمد بن جرير أبو جعفر. 4/ 53. ابن الطبري محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي. 9/ 139. الطبري محمد بن محمد بن عثمان. 8/ 463. الطبري محمد بن محمد بن محب الدين. 8/ 165. الطبري منصور بن أبي الحسن، أبو الفضل. 6/ 524. الطبسي محمد بن أحمد بن أبي جعفر المحدث. 5/ 352. الطبلاوي محمد بن سالم الطبلاوي. 10/ 506. الطبلني محمد الطبلني شمس الدين. 10/ 538. الطبيب إبراهيم بن ثابت بن قرة. 3/ 367. ابن الطبيز عبد الرحمن بن عبد العزيز الحلبي السراج الرامي. 5/ 154. ابن الطحان أحمد بن إبراهيم بن سالم المنبجي. 8/ 471.

الطحان أحمد بن عمرو بن جابر، أبو بكر. 4/ 182. الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة الحنفي الأزدي الحجري. 4/ 105. الطحان خالد بن عبد الله الواسطي. 2/ 354. الطحان عبد الباقي بن محمد البغدادي. 5/ 157. ابن الطحان عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان. 9/ 373. ابن الطحان محمد بن أيوب بن علي «شمس الدين» . 8/ 203. ابن الطحان يوسف بن أحمد بن سليمان. 8/ 447. الطرابلسي أحمد بن إبراهيم بن خليل. 9/ 508. الطرابلسي أحمد بن حمزة التركي الدمشقي. 10/ 137. ابن الطرابلسي حاتم بن محمد التميمي القرطبي. 5/ 296. الطرابلسي عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن المغربي. 7/ 438. الطرابلسي عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر. 9/ 350. الطرابلسي عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الحنفي. 9/ 202. الطرابلسي علي بن ياسين الحنفي نور الدين. 10/ 351. الطرابلسي محمد بن أحمد بن أبي بكر. 8/ 615. الطرابلسي محمد بن خليل الشافعي. 10/ 121. الطرابلسي محمد بن عبد الله الحلبي الشافعي. 8/ 452. ابن الطراح يحيى بن علي المدبر «أبو محمد» . 6/ 187. طراد السلمي السنبسي البلنسي المعروف بزربول الأدب. 6/ 148. طراد بن محمد علي الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي أبو الفوارس. 5/ 399. الطرازي علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي النيسابوري. 5/ 115. الطرائفي أحمد بن عبدوس العنزي. 4/ 244. الطرائفي عثمان بن عبد الرحمن الحراني. 3/ 13. ابن طرخان إسحاق بن طرخان بن ماضي. 7/ 351. ابن طرخان عمر بن يحيى المعري البعلبكي. 7/ 787. ابن طرخان محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التركي ثم البغدادي أبو بكر. 6/ 67. ابن طرخان محمد بن طرخان بن أبي الحسن السلمي الدمشقي الصالحي، تقي الدين. 7/ 325. ابن طرخان محمد بن عبد الخالق الأموي الإسكندراني. 7/ 703. ابن طرخان معتمر بن سليمان بن طرخان

التيمي أبو محمد. 2/ 398. الطرسوسي أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد. 8/ 451. الطرسوسي عبد الجبار بن أحمد أبو القاسم. 5/ 100. الطرسوسي محمد بن إبراهيم بن مسلم أبو أمية. 3/ 308. الطرسوسي محمد بن إسماعيل الأصبهاني. 6/ 524. الطرسوسي يحيى بن بطريق الدمشقي. 6/ 173. الطرطوشي محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي المالكي أبو بكر. 6/ 102. الطريثيثي أحمد بن علي بن حسين بن زكريا، أبو بكر، ويعرف بابن زهراء. 5/ 414. الطريثيثي مسعود بن محمد بن مسعود. 6/ 432. الطّريني أبو بكر بن عمر بن محمد المحلّي. 9/ 258. الطستي عبد الصمد بن علي الوكيل. 4/ 244. ططر بن عبد الله الظاهري. 9/ 241. الطعماني عيسى بن محمد بن عيسى المروزي. 3/ 388. طغتكين أتابك ظهير الدين. 6/ 108. طغتكين بن أيوب بن شاذي الملقب بسيف الإسلام. 6/ 510. الطغرائي الحسين بن علي الأصبهاني. 6/ 68. طغرل بك شاه بن أرسلان شاه بن طغرل بك بن محمد شاه السلجوقي. 6/ 493. طغريل شهاب الدين الخادم أتابك. 7/ 255. ابن الطفال محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري. 5/ 206. الطفاوي محمد بن عبد الرحمن الطفاوي البصري. 2/ 397. الطفري المبارك بن كامل بن محمد بن الحسين البغدادي. 6/ 221. طفيق أحمد بن الحسن بن أبي بكر الرهاوي. 8/ 413. ابن الطفيل يوسف بن هبة الله بن محمود الدمشقي. 6/ 558. طقتمش خان التركي. 8/ 603. طقطق محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشيرازي. 8/ 485. طقطاي بن منكوتمر بن طغاي بن باطو بن جنكز خان المغلي التتري. 8/ 73. طقطقية [1] المغلي الجنكزخاني دست القفجاق. 8/ 56. ابن طلاب أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب الدمشقي المشغراني أبو الجهم. 4/ 92. ابن طلاب الحسين بن أحمد بن محمد القرشي الدمشقي. 5/ 301. ابن الطلاع محمد بن فرج أبو عبد الله. 5/ 418.

_ [1] تنبيه: كذا في الكتاب وفي بعض المصادر: «طقطاي» وفي بعضها الآخر «طقططاي» .

طلائع بن رزيك الأرمني ثم المصري. 6/ 296. ابن الطلاية أحمد بن أبي غالب بن أحمد البغدادي. 6/ 241. أبو طلحة الأنصاري [زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الخزرجي الأنصاري] . 1/ 200. طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسين بن سليمان العاقولي أبو البركات. 6/ 56. طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري. 1/ 390. طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي. 1/ 206. طلحة بن علي بن الصقر الكتاني البغدادي أبو القاسم. 5/ 112. طلحة بن محمد بن جعفر أبو القاسم. 4/ 422. طلحة بن محمد بن يحيى الجهمي، نجم الدين. 10/ 88. طلحة بن مصرف اليامي الهمداني الكوفي. 2/ 65. طلحة بن مظفر بن غانم بن محمد العلثي أبو محمد تقي الدين. 6/ 512. طلق بن غنام النخعي الكوفي. 3/ 55. الطلمنكي أحمد بن محمد بن عبد الله المعافري. 5/ 147. ابن طليان محمد بن مصطفى بن موسى بن طليان. 10/ 295. طليحة بن خويلد الأسدي. 1/ 175. الطليطلي إبراهيم بن محمد الضرير. 6/ 207. الطنافسي علي بن محمد بن إسحاق الكوفي. 3/ 138. الطنافسي عمر بن عبيد الكوفي. 2/ 385. الطنافسي محمد بن عبيد الأحدب الكوفي. 3/ 29. الطنافسي يعلى بن عبيد، أبو يوسف. 3/ 47. الطنبذي أحمد بن محمد بن عمر بن محمد. 9/ 123. الطنتدائي محمد بن أنس الحنفي. 9/ 128. الطنيخي محمد بن محمود المصري. 10/ 491. طه بن إبراهيم بن أبي بكر الإربلي كمال الدين أبو محمد. 7/ 623. الطهراني محمد بن حماد الرازي. 3/ 303. طهمان عثمان. 1/ 316. الطهماني محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الضبي النيسابوري. 5/ 33. الطواشي علي بن عبد الله اليمني. 8/ 227. الطواويسي محمد بن محمد بن أحمد بن طوق الكاتب. 9/ 24. الطوسي إبراهيم بن إسماعيل العنبري. 3/ 334. الطوسي أحمد بن محمد بن عبد القاهر. 6/ 122. الطوسي أحمد بن محمد الغزالي. 6/ 99. الطوسي أحمد بن مسروق الزاهد. 3/ 415.

الطوسي حاجب بن أحمد بن يرحم. 4/ 197. الطوسي الحسن بن علي بن إسحاق أبو علي. 5/ 362. الطوسي الحسين بن الحسن بن أيوب (أبو عبد الله) . 4/ 219. الطوسي عبد العزيز بن محمد بن علي الدمشقي. 8/ 27. الطوسي عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر البغدادي. 6/ 431. الطوسي عبد الله بن علي بن إسحاق. 5/ 422. الطوسي عبد الله بن علي السراج أبو نصر. 4/ 413. الطوسي محمد بن أحمد بن زهير أبو الحسن. 4/ 83. الطوسي محمد بن أسلم الزاهد. 3/ 192. الطوسي محمد بن الحسن بن أبي جعفر أبو الحسن. 6/ 207. الطوسي محمد بن محمد بن حسن. 7/ 591. الطوسي محمد بن محمد الطوسي الشافعي، أبو النضر. 4/ 237. الطوسي محمد بن محمود بن محمد بن شهاب الدين أبو الفتح. 6/ 534. الطوسي المؤيد بن محمد بن علي بن حسن. 7/ 138. الطوسي نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطار. 4/ 436. الطوسي نصوح الطوسي. 10/ 177. الطوفي سليمان بن عبد القوي الصرصري. 8/ 71. ابن طوق أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي. 5/ 253. ابن طوق أحمد بن محمد بن أحمد الدمشقي الشافعي. 10/ 98. ابن طوق محمد بن محمد بن أحمد بن طوق الطواويسي. 9/ 24. ابن طولون أحمد أبو العباس (السلطان) . 3/ 295. ابن طولون الدمشقي محمد بن علي بن محمد الصالحي الحنفي، المؤرخ. 10/ 428. ابن طولون الزرعي يوسف بن محمد بن علي بن طولون الزرعي الدمشقي الحنفي. 10/ 318. الطوماري عيسى بن محمد البغدادي أبو علي. 4/ 311. طومان باي، سيف الدين، الملك العادل. 10/ 39. طوير الليل محمد بن علي البارنباري. 8/ 82. طويس المغني مولى أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان. 1/ 362. ابن الطويل أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشماع. 10/ 474. الطويل محمد بن علي القاهري كمال الدين. 10/ 307. ابن الطويلة عبد الله بن أبي بكر بن هبة الله البغدادي. 6/ 537.

الطيالسي جعفر بن محمد بن أبي عثمان. 3/ 335. الطيالسي سليمان بن داود البصري الحافظ. 3/ 25. الطيالسي محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي. 4/ 68. الطيالسي هشام بن عبد الملك الباهلي أبو الوليد. 3/ 127. الطيان إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني القفال. 5/ 349. الطيان عبد الحميد بن محمد بن سعد الصالحي. 7/ 360. الطيب بن عفيف الدين عبد الله بن أحمد بن مخرمة اليمني العدني، الشافعي. 10/ 382. أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين بن الحسن. 4/ 282. الطيب يونس بن يوسف الطيب. 10/ 507. طيبرس الجندي. 8/ 275. طيبغا الشريفي عتيق نقيب الأشراف بحلب. 9/ 165. الطيبي أحمد بن بدر بن إبراهيم الشافعي. 10/ 319. الطيبي أحمد الطيبي. 10/ 576. الطيبي أحمد بن أبي المحاسن الطرابلسي. 8/ 79. الطيبي الحسن بن محمد بن عبد الله. 8/ 239. الطيبي عبد العزيز بن محمد بن محمد الخضري. 9/ 49. الطيبي علي بن صالح بن أحمد بن خلف المصري. 8/ 461. طيفور بن عيسى البسطامي العارف الزاهد المشهور أبو يزيد. 3/ 269. الطيماني عبد الله بن محمد بن طيمان المصري. 9/ 166. ابن الطيوري أحمد بن عبد الجبار الصيرفي. 6/ 87. ابن الطيوري المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن قاسم الصيرفي البغدادي. 5/ 426.

حرف الظاء الظافر بالله إسماعيل بن الحافظ لدين الله. 6/ 251. ظافر بن الحسين الأزدي المصري أبو منصور. 6/ 537. ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسماعيل بن سحم الأزدي الإسكندراني المالكي المطرز أبو المنصور. 7/ 371. ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني الجذامي الإسكندري أبو المنصور المعروف ب: الحداد. 6/ 149. الظافري مرجان بن عبد الله الأمير. 10/ 215. ظالم بن سراق أبو صفرة. 1/ 334. ظالم بن عمرو الدؤلي أبو الأسود. 1/ 297 و 396. الظاهري آق سنقر شمس الدين المعروف بالفارقاني. 7/ 622. الظاهري إبراهيم بن شيخ المحمودي الملك المؤيد أبوه. 9/ 232. ابن الظاهري أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي. 7/ 759. الظاهري شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي. 8/ 303. الظاهري عثمان بن أحمد فخر الدين. 8/ 164. ابن الظاهري محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي. 8/ 564. الظاهري محمد بن داود بن علي أبو بكر. 3/ 412. ابن الظريف أحمد بن علي بن إسماعيل البلبيسي. 9/ 135. ظريف بن محمد بن عبد العزيز الحيري النيسابوري أبو الحسن. 6/ 89. الظفري علي بن عقيل بن محمد البغدادي أبو الوفاء. 6/ 58. الظني محمد شمس الدين. 10/ 368. ابن الظهير أحمد بن محمد بن قيس. 8/ 272. ظهير الدين الأردبيلي الحنفي المولى. 10/ 240. ابن الظهير محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري. 9/ 56. ابن ظهيرة إبراهيم بن برهان الدين بن ظهيرة. 10/ 479. ابن ظهيرة إبراهيم بن علي بن محمد بن أحمد المكي القرشي. 9/ 525. ابن ظهيرة أحمد بن ظهيرة بن عطية المخزومي المكي. 8/ 551. ابن ظهيرة أحمد بن محمد بن عبد الله المخزومي. 9/ 258. ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشي المخزومي المكي.

9/ 200. ابن ظهيرة عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية المخزومي. 8/ 570. ابن ظهيرة محمد بن أحمد المخزومي المكي. 9/ 277. ابن ظهيرة محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية المخزومي. 9/ 34. ابن ظهيرة محمد بن أبي السعود بن إبراهيم بن ظهيرة المكي الشافعي. 10/ 203. ابن ظهيرة محمد بن ظهيرة الشافعي. 10/ 343. ابن ظهيرة محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عبد الله المخزومي. 9/ 185. ابن ظهيرة محمد بن علي بن محمد بن محمد بن حسين القرشي. 9/ 503. ابن ظهيرة محمد بن محمد بن حسين بن علي. 9/ 216.

حرف العين عابد [1] جلبي عبد العزيز بن يوسف بن حسين الرومي الحنفي. 10/ 251. العابر محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الجعبري. 9/ 115. ابن عات أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر النقري. 7/ 68. العاتكي علي بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشافعي. 10/ 40. العاتكي محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي. 10/ 498. العاجلي خالد بن قاسم الحلبي. 9/ 310. ابن العادل محمد بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب أبو المعالي. 7/ 301. عارم محمد بن الفضل السدوسي البصري أبو النعمان. 3/ 113. العاشق سليمان بن داود بن سليمان المزي. 8/ 578. أبو العاص بن الربيع لقيط بن الربيع العبشمي ابن أخت خديجة. 1/ 152. ابن أبي عاصم أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل الشيباني. 3/ 364. عاصم بن الحسن العاصمي الكرخي ابو الحسين. 5/ 353. عاصم بن سليمان الأحول. 2/ 195. عاصم بن ضمرة السلولي. 1/ 312. عاصم بن عدي سيد بني العجلان. 1/ 238. عاصم بن علي بن عاصم الواسطي الحافظ أبو الحسن. 3/ 99. عاصم بن عمر بن الخطاب. 1/ 300. عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري. 2/ 89. عاصم بن أبي النجود الكوفي الأسدي مولاهم، أحد القراء السبعة. 2/ 122. العاصمي عاصم بن الحسن الكرخي. 5/ 353. عاصم بن يوسف اليربوعي الكوفي الخياط. 3/ 96. عاقل بن البكير. 1/ 115. العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقاء «المقرئ» . 7/ 59. العاقولي طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد أبو البركات. 6/ 56. ابن العاقولي عبد الله بن محمد بن علي الواسطي. 8/ 152. ابن العاقولي محمد بن محمد بن عبد الله الواسطي البغدادي. 8/ 599. ابن العالي أحمد بن محمد بن منصور البوشنجي. 5/ 94. أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي. 1/ 367.

_ [1] تنبيه: تصحف اسمه في الكتاب إلى «عائد» وذلك من أخطاء الطبع، والصواب ما أثبته هنا.

عامر بن أبي ربيعة. 1/ 201. عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري. 2/ 23. أبو عمرو عامر بن شراحيل بن معبد الشعبي. 2/ 24. عامر بن طاهر العدني اليماني ملك صنعاء. 9/ 460. عامر بن عبد الوهاب سلطان اليمن السلطان الملك الظافر. 10/ 172. ابن أبي عامر محمد بن إبراهيم بن محمد الحنفي المقرئ. 10/ 16. عامر بن أبي موسى الأشعري أبو بردة. 2/ 24. عامر بن واثلة بن الأسقع الكناني الليثي أبو الطفيل. 1/ 403. عامر بن أبي وقاص أخو سعد. 1/ 161. العامري أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الرملي. 9/ 482. العامري أحمد بن علي اليمني. 8/ 120. العامري أشهب بن عبد العزيز. 3/ 24. العامري أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني. 9/ 183. العامري الحسن بن علي بن عفان الكوفي. 3/ 297. العامري خلف بن أيوب أبو سعيد. 3/ 70. العامري زرارة بن أوفى أبو حاجب. 1/ 369. العامري سالم بن محمد بن سالم اليمني. 7/ 240. العامري عبد الله بن محمد بن حسان بن رافع. 7/ 713. العامري عبد اللطيف بن محمد بن الحسين بن رزين. 8/ 48. العامري عثمان بن عبد الله. 8/ 604. العامري علي بن عثام بن علي الكوفي. 3/ 132. العامري عيسى بن أبي الحرم المصري السديد. 7/ 426. العامري محمد بن حسان بن رافع بن سمير. 7/ 398. العامري محمد بن عمرو بن عطاء المدني. 2/ 61. العامري محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر بن عثمان بن جابر الغزي العامري. 10/ 593. العامري يزيد بن الأصم. 2/ 21. ابن عامرية علي بن عبد الله النحريري نور الدين. 9/ 289. العاملي محمد بن بكار بن بلال. 3/ 78. عائذ الله بن عبد الله، أبو إدريس الخولاني. 1/ 327. ابن عائذ يحيى بن مالك الأندلسي «أبو زكريا» . 4/ 416. عائشة الباعونية عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر بنت الباعوني، المعروفة بالباعونية. 10/ 157. عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية. 9/ 54. عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق، أم المؤمنين. 1/ 258.

عائشة بنت الحسن الوركانية الأصبهانية. 5/ 256. عائشة بنت سعد بن أبي وقاص. 2/ 82. عائشة بنت السيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج الدمشقية. 8/ 561. عائشة بنت طلحة التيمية. 2/ 12. عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية. 9/ 165. عائشة بنت علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر الله. العسقلانية الأصل. 9/ 342. عائشة بنت عيسى بن الموفق المقدسي. 7/ 765. عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي محدثة دمشق. 9/ 178. عائشة بنت محمد بن علي بن البل البغدادي. 7/ 366. عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية. 8/ 199. عائشة بنت المستنجد بالله بن المقتفي. 7/ 360. عائشة بنت معمر بن الفاخر الأصبهانية أم حبيبة. 7/ 48. عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر بنت الباعوني. المعروفة بالباعونية. 10/ 157. العبابي يحيى بن أحمد بن حسن. 9/ 338. ابن عباد أبو بكر بن هلال الحنفي «معيد الشبلية» . 7/ 637. ابن عباد الصاحب بن عباد بن العباس الطالقاني. 4/ 449. عباد بن عباد بن المهلب البصري أبو معاوية. 2/ 360. عباد بن العوام الواسطي. 2/ 388. عباد بن محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي أبو عمرو الشهير ب: المعتضد بالله. 5/ 270. ابن عباد محمد بن إسماعيل بن قريش اللخمي الإشبيلي ابو القاسم. 5/ 161. عباد بن منصور الناجي. 2/ 241. عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني الكوفي الحافظ. 3/ 231. العباداني أحمد بن سليمان بن أيوب. 4/ 239. العباداني جعفر بن محمد القرشي البصري. 5/ 404. ابن عبادة الصالحي عبد الكريم بن قطب الدين محمد بن عبادة الصالحي الحنبلي. 10/ 505. عبادة بن الصامت. 1/ 200. عبادة بن عبد الغني بن عبادة الحراني ثم الدمشقي أبو محمد. 8/ 207. ابن عبادة محمد بن محمد السعدي الأنصاري. 9/ 216. عبادة بن علي بن صالح بن عبد المنعم بن مرابع بن نجم بن فضل الله بن فهد بن عمرو الأنصاري، الخزرجي. 9/ 376. عبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية. 2/ 85. العبادي أحمد بن أبي بكر العبادي. 9/ 13.

العباديّ أحمد بن قاسم العبّاديّ. 10/ 636. العبادي عبد القادر بن لطف الله بن الحسين بن محمد السعدي الشافعي ابن المحجوب. 10/ 446. العبّادي عمر بن حسين بن حسن بن علي القاهري الأزهري. 9/ 511. العبادي محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله الهروي أبو عاصم. 5/ 251. العباري محمد بن منصور الإسكندراني أبو القاسم. 7/ 540. العباس بن الأحنف أحد الشعراء المجيدين. 2/ 430. أبو العباس البرمكي أحمد بن عمر بن أحمد بن إبراهيم. 5/ 183. أبو العباس البصير أحمد بن محمد بن الحسين الرازي. 4/ 517. عباس الترقفي، أحد الثقات العباد. 3/ 288. أبو العباس الحريثي المصري الشافعي. 10/ 371. عباس بن حسين بن بدر التميمي. 8/ 474. أبو العباس الشيعي. 3/ 415. العباس بن عبد العظيم العنبري البصري الحافظ أبو الفضل. 3/ 215. العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1/ 194. عباس بن عبد المؤمن بن عباس الكفرماوي الحازمي. 8/ 488. عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني الملك الأفضل صاحب زبيد وتعز. 8/ 443. العباس بن الفرج أبو الفضل الملقب بالرياشي. 3/ 257. العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه النضروي أبو منصور. 4/ 391. أبو العباس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري. 7/ 473. عباس بن محمد الدوري الحافظ أبو الفضل. 3/ 302. العباس بن المتوكل بن المعتضد أمير المؤمنين. 9/ 295. العباس بن محمد بن نصر بن السري أبو الفضل. 4/ 291. العباس بن الوليد بن مزيد العذري البيروتي. 3/ 300. العباس بن يزيد بن أبي حبيب البحراني البصري أبو الفضل الملقب ب (عباسويه) . 3/ 263. عباسويه العباس بن يزيد بن أبي حبيب البحراني البصري. 3/ 263. العباسي إبراهيم بن داود بن أمير المؤمنين المعتضد. 9/ 318. العباسي إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور الأسود. 3/ 108. العباسي أحمد بن الحسن. 9/ 457. العباسي سعيد بن الحسين بن سعيد المأموني. 6/ 423. العباسي عبد القاهر بن عبد السلام أبو الفضل. 5/ 405.

عبثر بن القاسم أبو زبيد الكوفي. 2/ 348. عبد الأحد بن عبد الله الشهير بقرا أوغلي أحمد وقيل عبد الأحد بن عبد الله. 10/ 344. عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني بن فخر الدين بن تيمية الحراني أبو البركات. 8/ 55. عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الهروي الأنصاري أبو ذر. 5/ 164. عبد الأعلى بن حماد النرسي الحافظ. 3/ 170. عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي البصري القرشي أبو محمد. 2/ 412. عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي أبو مسهر. 3/ 90. عبد الله الإلهي الصوفي. 9/ 539. عبد الأول بن عيسى السجزي ثم الهروي الماليني أبو الوقت المعروف بمسند الدنيا. 6/ 275. عبد الأول بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدي المكي. 9/ 468. عبد الباقي بن حمزة بن الحسين الحداد أبو الفضل. 5/ 405. عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله اليماني الأصل المكي أبو المحاسن. 8/ 241. عبد الباقي بن عثمان الهمذاني أبو العز. 7/ 15. عبد الباقي بن علاء الدين العربي الحلبي الحنفي. 10/ 526. عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ أبو الحسين. 4/ 270. عبد الباقي بن محمد البغدادي الطحان أبو القاسم. 5/ 157. عبد الباقي بن محمد بن غالب الأزجي العطار أبو منصور. 5/ 308. عبد الباقي بن يوسف المراغي أبو تراب. 5/ 402. ابن عبد البر عبد الله بن محمد السبكي أبو ذر. 8/ 496. عبد البر بن عمر بن مفلح أبو عبد الله، شمس الدين. 10/ 524. عبد البر بن محمد صدر الدين المعروف بابن رزين. 7/ 752. عبد البر بن محمد أبي الفضل محمد بن الشحنة الحنفي، سري الدين أبو البركات. 10/ 141. ابن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم. 5/ 266. ابن عبد الجبار أحمد بن الحسن بن عبد الجبار. 4/ 29. عبد الجبار بن أحمد الطرسوسي أبو القاسم. 5/ 100. عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي العكبري. 6/ 177. عبد الجبار بن أحمد الهمذاني الأسداباذي المعتزلي أبو الحسن. 5/ 78. عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد بن نصر جلال الدين أبو محمد. 7/ 652. عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السلمي الدمشقي المؤدب أبو هاشم. 4/ 340.

عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة الرازي الجوهري أبو الفتح. 5/ 291. عبد الجبار بن عبد الله المعتزلي الحنفي الخوارزمي عالم الدشث، صاحب تيمورلنك. 9/ 79. عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار البصري ثم المكي العطار أبو بكر. 3/ 223. عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري أبو محمد. 6/ 172 و 185. عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المرزباني المروزي الجراحي أبو محمد. 5/ 65. عبد الجبار بن يوسف البغدادي. 6/ 452. عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الرويسوني. 8/ 363. عبد الجليل بن أبي أسعد الهروي المعدل أبو محمد. 6/ 340. عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني أبو مسعود. 7/ 78. عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني أبو مسعود المعروف بكوتاه. 6/ 277. عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي النابلسي. 7/ 772. عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الإشبيلي المرسي الرقوطي الأصل قطب الدين أبو محمد ويعرف بابن سبعين. 7/ 573. عبد الحق أحمد بن أحمد بن عبد الحق. 10/ 644. ابن عبد الحق أحمد بن عبد الحق بن محمد المالكي المالقي. 8/ 348. ابن عبد الحق أحمد بن علي بن محمد الدمشقي الحنفي. 9/ 29. عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي أبو محمد. 7/ 366. عبد الحق بن أبي سعيد المريني، صاحب فاس السلطان. 9/ 457. عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي أبو الحسين. 6/ 415. عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الإشبيلي الحافظ أبو محمد ويعرف بابن الخراط. 6/ 444. ابن عبد الحق محمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن الدمشقي بن قاضي الحصن. 8/ 420. عبد الحق بن محمد البلاطنسي الشافعي زين الدين. 10/ 126. عبد الحق بن محمد بن عبد الحق السنباطي القاهري، الشافعي. 10/ 248. عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني شهاب الدين أبو المحاسن وأبو أحمد. 7/ 656. عبد الحليم بن علي القسطموني الرومي الحنفي، حليمي. 10/ 172. عبد الحليم بن محمد بن ابي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية أبو محمد بن الشيخ فخر الدين أبو محمد. 7/ 19. عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي الصوفي. 10/ 249. عبد الحميد بن أحمد بن خولان البنا. 8/ 13.

عبد الحميد بن أبي أويس المدني أبو بكر. 3/ 8. عبد الحميد بن بيان الواسطي. 3/ 202. عبد الحميد بن جعفر الأنصاري المدني. 2/ 243. عبد الحميد بن الشرف، القسطموني الرومي الحنفي. 10/ 378. عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي أبو يحيى. 3/ 9. عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الجيلوني الشيرازي. 8/ 167. عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي أبو خازم. 3/ 388. عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي الجماعيلي المعروف بالعماد. 7/ 506. عبد الحميد بن عيسى بن عمريه بن يوسف بن خليل بن عبد الله بن يوسف التبريزي الشافعي المعروف بشمس الدين الخسروشاهي. 7/ 441. عبد الحميد بن مري بن ماضي المقدسي أبو أحمد. 7/ 163. عبد الحميد بن محمد بن سعد الصالحي الطيان. 7/ 360. عبد بن الحميد بن محمد بن سعد الصالحي الطيان. 7/ 360. عبد بن حميد الكشي الحافظ أبو محمد واسمه عبد الحميد. 3/ 227. عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي أبو الفرج. 6/ 245. عبد الخالق بن أسد الدمشقي أبو محمد. 6/ 352. عبد الخالق بن الأنجب بن معمر ضياء الدين أبو محمد المعروف بالبشيري. 7/ 423. عبد الخالق بن الحسن بن أبي روبا السقطي المعدل البغدادي أبو محمد. 4/ 292. عبد الخالق بن زاهر بن طاهر الشحامي الشروطي المستملي أبو منصور. 6/ 253. عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان البعلبكي أبو محمد. 7/ 760. عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي الصفار أبو المعالي. 6/ 191. عبد الخالق بن عبد الوهاب بن محمد الصابوني المالكي الخفاف أبو محمد الضرير. 6/ 506. عبد الخالق بن علي بن الحسين بن الفرات المالكي. 8/ 570. عبد الخالق بن عيسى بن أحمد أبو جعفر. 5/ 302. عبد الخالق بن فيروز الجوهري الهمذاني. 6/ 494. عبد الخالق أبو المعالي محمد بن محمد الشعيبي الإسفرايني. 8/ 543. عبد الخالق الميقاتي الحنفي المصري. 10/ 250. عبد الخالق بن هبة الله بن البندار الحريمي أبو محمد. 6/ 522. عبد الخلاق بن أحمد بن الفرزان. 9/ 382. عبد الدائم بن أحمد بن عبد الدائم المقدسي تاج الدين. 7/ 684. ابن عبد الدائم أحمد بن عبد الدائم بن نعمة. 7/ 567.

عبد الدائم بن الحسين الهلالي الحوراني الدمشقي. 5/ 256. ابن عبد الدائم محمد بن محمد بن محمد الباهلي. 9/ 208. ابن عبد الدائم محمد بن يوسف بن أحمد الحلبي. 8/ 446. ابن عبد ربّه أحمد بن محمد القرطبي. 4/ 146. عبد ربه بن نافع الكوفي الحناط أبو شهاب. 2/ 329. عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي بهاء الدين أبو محمد. 7/ 200. عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبال الحنبلي الطرابلسي. 9/ 474. عبد الرحمن بن إبراهيم بن الدمشقي الصالحي الحنبلي، زين الدين. 10/ 99. عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الدمشقي أبو محمد المعروف بتاج الدين الفركاح. 7/ 721. عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة المقدسي أبو الفرج. 8/ 176. عبد الرحمن بن إبراهيم، محب الدين. 10/ 210. عبد الرحمن الأجهوري المالكي زين الدين. 10/ 476. عبد الرحمن بن أحمد الجامي. 9/ 543. عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد الصالحي المعروف بابن الذهبي. 9/ 19. عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي الرازي أبو الفضل. 5/ 229. عبد الرحمن بن أحمد بن رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي. 8/ 578. عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن غرسية بن الحصار أبو المطرف. 5/ 112. عبد الرحمن بن أحمد الشيرنخشيري. 5/ 101. عبد الرحمن بن أحمد بن عباد الثقفي الهمذاني. 4/ 62. عبد الرحمن بن أحمد بن عباد بن سعيد الهمذاني السراج أبو محمد الملقب: بالإمام عبدوس. 4/ 14. عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار الشيرازي. 8/ 298. عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي أبو طاهر. 6/ 50. عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك المقدسي ثم الصالحي المعروف بالشمس عبد الرحمن ابن الزين. 7/ 713. عبد الرحمن بن أحمد بن علك بن دات الشاوي أبو طاهر. 5/ 359. عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي البغدادي. 8/ 467. عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي. 8/ 153. عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حماد بن تركي بن عبد الله المعري أبو الفرج. 8/ 611.

عبد الرحمن بن أحمد بن محمد البغدادي العمري أبو الحسن. 6/ 546. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج الرشديني المهري المصري أبو محمد. 4/ 137. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن زاز بن حميد الأستاذ السرخسي ثم المروزي أبو الفرج. 5/ 407. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي الوفاء الشاذلي. 9/ 158. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عياش المقرئ الشهير: بابن عياش. 9/ 404. عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي الوسم بن هبة الله بن المقداد القيسي الصقلي الأصل ثم الدمشقي. 8/ 622. عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسماعيل بن أحمد الصالحي المعروف بابن الذهبي الحنبلي. 9/ 18. عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي أبو سعيد. 4/ 249. عبد الرحمن الأساوي، مقدم جيش الخليفة الأمين العباسي. 2/ 445. عبد الرحمن بن إسحاق النهاوندي الزجاجي أبو القاسم. 4/ 219. عبد الرحمن بن الأسعد الغياثي أبو بكر ويعرف ب: الأعزّ البغدادي. 6/ 386. عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي شهاب الدين أبو شامة. 7/ 553. عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. 1/ 251. عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب بن سعد أخو شمس الدين بن قيم الجوزية أبو الفرج. 8/ 370. عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي المعروف بابن زريق. 9/ 330. عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف بن الفحام الصقلي أبو القاسم. 6/ 81. عبد الرحمن بن أبي بكر الخضري السيوطي، أبو الفضل، جلال الدين. 10/ 75. عبد الرحمن بن أبي بكرة. 2/ 12. عبد الرحمن بن تاج الدين العلامي. 7/ 752. عبد الرحمن بن ثوبان الدمشقي الزاهد. 2/ 292. عبد الرحمن بن جامع بن غنيمة بن البناء البغدادي الأزجي الميداني أبو الغنائم. 6/ 450. عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي. 2/ 85. عبد الرحمن بن جماعة المقدسي الشافعي زين الدين. 10/ 180. عبد الرحمن بن الجمال الدين الحنفي، الشهير بشيخ زاده. 10/ 527. عبد الرحمن بن جمال المصري جمال الدين. 9/ 303. عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني. 1/ 341. عبد الرحمن بن الحسن الحلبي بن العجمي أبو طالب. 6/ 330.

عبد الرحمن بن حسن، الشهير بابن القصاب الكردي، الحلبي، الشافعي. 10/ 351. عبد الرحمن بن حسن بن محمد الدميري. 9/ 550. عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى الدمنهوري عماد الدين. 7/ 601. عبد الرحمن بن حسين الرومي الحسيني الحنفي. 10/ 434. عبد الرحمن بن حسين بن الصديق الأهدل اليمني الشافعي، وجيه الدين. 10/ 530. عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللخمي المصري القبابي أبو عمر. 8/ 188. عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل الأموي. 3/ 174. عبد الرحمن بن حمد الدوني أبو محمد. 6/ 7. عبد الرحمن بن حمدان العينتاوي. 8/ 488. عبد الرحمن بن حمدان النصروبي النيسابوري أبو سعد. 5/ 159. عبد الرحمن بن حمدان الهمذاني الجلاب أبو محمد. 4/ 227. عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. 1/ 239. عبد الرحمن الداخل عبد الرحمن بن معاوية. 2/ 331. عبد الرحمن بن رمضان القصار. 10/ 496. عبد الرحمن بن رواحة أبو صالح بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصر بن رواحة الأنصاري الحموي. 8/ 104. عبد الرحمن الرومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي. 7/ 62. عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني. 2/ 337. عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني الإفريقي. 2/ 255. عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي العمري المدني. 2/ 365. عبد الرحمن بن سابط الجمحي المكي. 2/ 85. عبد الرحمن بن سالم التنوخي. 6/ 299. عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي أبو بكر زين القضاة. 6/ 546. عبد الرحمن بن سليمان بن سعد بن سليمان البغدادي أبو محمد المعروف بالجمال البغدادي. 7/ 578. عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي. 9/ 200. عبد الرحمن بن سليمان بن عبد العزيز بن المجلخ الحربي مفيد الدين أبو محمد. 7/ 798. عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل المدني. 2/ 329. عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي، المعروف بأبي شعر. 9/ 367. عبد الرحمن بن سمرة العبشمي. 1/ 244. عبد الرحمن الشامي. 10/ 302. عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري أبو محمد. 4/ 494.

عبد الرحمن بن شريح المعافري أبو شريح. 2/ 299. عبد الرحمن شيخ الصوابية، زين الدين. 10/ 228. عبد الرحمن الصالحي الشافعي زين الدين. 10/ 174. عبد الرحمن بن صخر الدوسي أبو هريرة. 1/ 261. عبد الرحمن بن أبي الصدق بن داود عيسى الدمشقي الصوفي. 9/ 421. عبد الرحمن بن العباس البغدادي أبو القاسم. 4/ 302. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي أبو نصر. 6/ 231. عبد الرحمن بن عبد الجبار المقدسي المعروف بالسيف علي بن الرضى. 7/ 736. عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية أبو الفرج. 8/ 262. عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدكالي أبو القاسم المعروف ب: سحنون. 7/ 753. عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس. 8/ 570. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرجاء بن أبي الأزهر الدمشقي المعروف بابن السلعوس. 9/ 103. عبد الرحمن بن عبد العزيز الحلبي السراج الرامي أبو القاسم المعروف ب: ابن الطبيز. 5/ 154. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي العجائز الأزدي الدمشقي أبو الفهم. 6/ 423. عبد الرحمن بن عبد العلي بن علي المصري ويعرف بابن السكري عماد الدين. 7/ 200. عبد الرحمن بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي أبو سليمان. 7/ 381. عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي بن زياد الغيثي المقصري. 10/ 552. عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلّامة الأندلسي المالقي السهيلي أبو زيد، وأبو قاسم، وأبو الحسن. 6/ 445. عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي المكي. 8/ 595. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرتي أبو محمد. 8/ 390. عبد الرحمن بن عبد الله الجوهري المصري المالكي أبو القاسم. 4/ 427. عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشماخي. 8/ 595. عبد الرحمن بن عبد الله بن الراشد البجلي الدمشقي أبو الميمون. 4/ 249. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري أبو بكر. 6/ 205. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسين بن محمد بن عمر بن زيد عماد الدين النيهي أبو محمد. 6/ 245.

عبد الرحمن بن عبد القارئ. 1/ 328. عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن أبو الفرج المعروف بابن المقير. 7/ 792. عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي. 2/ 270. عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان العباسي، البيروتي، الدمشقي. 10/ 538. عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي. 7/ 189. عبد الرحمن بن عبد الله بن مالك الأنصاري. 2/ 12. عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفري الشافعي صدر الدين. 9/ 19. عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي. 9/ 49. عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن محمد بن علي المصري ثم الدمشقي. 9/ 336. عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. 1/ 325. عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي أبو الفرج المعروف بالكمال الفويرة. 7/ 765. عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل بن عثمان بن يوسف بن حفص الإسكندراني أبو القاسم ويعرف ب: ابن الصفراوي جمال الدين. 7/ 314. عبد الرحمن بن عبد الملك بن الموصلي، الدمشقي، الميداني، الشافعي، زين الدين. 10/ 392. عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي جمال الدين أبو الفرج. 7/ 480. عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلبي الأزدي أبو محمد. 4/ 48. عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي. 8/ 121. عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمذاني أبو الفضل المعروف ب: ابن المعزم. 7/ 70. عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي. 8/ 17. عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي الحرفي أبو القاسم. 5/ 117. عبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الحربي أبو محمد. 7/ 219. عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي. 1/ 308. عبد الرحمن بن عربد الدنيسري أبو الفتوح. 7/ 220. عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن علي بن محمد البغدادي ويعرف ب: ابن التانرايا موفق الدين أبو المعالي. 7/ 209. عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن الفاضل سعد الدين. 7/ 752. عبد الرحمن بن علي بن خلف الفارسكوري. 9/ 113. عبد الرحمن بن علي بن الديبع الشيباني، العبدري، الزبيدي الشافعي، وجيه الدين، أبو محمد. 10/ 362. عبد الرحمن بن علي الزهري الإشبيلي أبو

محمد. 7/ 101. عبد الرحمن بن علي بن صالح المكّودي الفاسي المكّي، أبو زيد. 10/ 9. عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم التفهني. 9/ 311. عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي أبو الفرج. 8/ 580. عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي التتري أبو الفرج. 8/ 349. عبد الرحمن بن علي بن عمر بن علي الأنصاري الأندلسي، المعروف بابن الملقن. 9/ 459. عبد الرحمن بن علي بن أبي العيدروس الشافعي. 10/ 173. عبد الرحمن بن علي بن محمد الحلبي الشريف المعروف بالدخان. 9/ 336. عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيمي البكري البغدادي أبو الفرج، المعروف ب: ابن الجوزي. 6/ 537. عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي الدمشقي الخرقي روى عن ابن الموازيني. 6/ 474. عبد الرحمن بن علي، المعروف بابن المؤيد الأماسي الرومي، الحنفي، المولى. 10/ 154. عبد الرحمن بن علي النيسابوري التاجر المزكي أبو نصر. 5/ 291. عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمود المدني الزرندي. 9/ 185 و 260. عبد الرحمن بن عمر بن بركات بن شحانة الحراني سراج الدين أبو محمد. 7/ 381. عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن عثمان بن محمد العمودي الشافعي. 10/ 509. عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني الشافعي. 9/ 242. عبد الرحمن بن عمر السمناني أبو مسلم. 5/ 416. عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر بن عبد المحسن القبابي ثم المقدسي. 9/ 331. عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم بن علي بن عثمان البصري نور الدين أبو طالب. 7/ 674. عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي شمس الدين أبو الفرج وأبو محمد. 7/ 657. عبد الرحمن بن عمر بن محمود بن محمد المعروف بابن الكركي. 9/ 343. عبد الرحمن بن عمر المصري البزاز النحاس أبو محمد. 5/ 82. عبد الرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي الشيباني أبو القاسم. 5/ 58. عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر بن علي بن عبد الدائم بن الغزالي البغدادي المعروف ب: شهاب الدين. 7/ 116. عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي الإمام الحافظ أبو زرعة. 3/ 332.

عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو. 2/ 256. عبد الرحمن بن العوام أخو الزبير. 1/ 161. عبد الرحمن بن عوف الزهري. 1/ 194. عبد الرحمن بن عيسى بن أبي الحسن علي بن الحسين البزوري البابصري أبو محمد وأبو الفرج. 7/ 24. عبد الرحمن بن غزو النهاوندي العطار أبو مسلم. 5/ 226. عبد الرحمن بن غنم الأشعري. 1/ 320. عبد الرحمن بن أبي الفتح محمد بن علي بن محمد الحلواني أبو محمد. 6/ 237. عبد الرحمن أبو الفرج المعروف جمال الدين. 7/ 495. عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي اليلداني تقي الدين أبو محمد. 7/ 465. عبد الرحمن بن القاسم العتقي أبو عبد الله. 2/ 420. عبد الرحمن بن أبي القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي مجد الدين أبو المجد المعروف بابن العديم. 7/ 624. عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني الفقيه. 2/ 115. عبد الرحمن بن الكازروني المقرئ. 9/ 537. عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري. 2/ 12. عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري. 1/ 340. عبد الرحمن بن مأمون المتولى النيسابوري أبو سعد. 5/ 337. عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرسعني. 7/ 730. عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصالحي أبو الفرج. 8/ 391. عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي الشافعي. 9/ 49. عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه المزكي النيسابوري أبو محمد. 5/ 58. عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز أبو هريرة. 8/ 613. عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن الفرفور الحنفي. 10/ 626. عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الكتبي الدمشقي الحنفي. 10/ 256. عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الرازي أبو محمد. 4/ 139. عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم بن الوليد بن مندة بن بطة بن استندار الفيرزان بن جهان بخت العبدي الأصبهاني أبو القاسم. 5/ 303. عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل القلقشندي. 9/ 253. عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. 1/ 347. عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني أبو مروان الحكم المستنصر بالله. 4/ 352. عبد الرحمن بن محمد البصروي، الحنفي، الشافعي. 10/ 351.

عبد الرحمن بن محمد البوشنجي الخطيبي. 6/ 246. عبد الرحمن بن محمد بن ثابت النابتي الخرقي المعروف ب: مفتي الحرمين. 5/ 321. عبد الرحمن بن محمد بن أبي حامد التبريزي الأفضلي. 8/ 89. عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله أبو منصور. 7/ 163. عبد الرحمن بن محمد بن حيكا العلامة الحنفي ابو سعيد. 4/ 397. عبد الرحمن بن محمد بن حبيش الأنصاري المربي أبو القاسم. 6/ 460. عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن زهر الحمصي. 9/ 443. عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزي الأصل المعروف بابن الخراط. 9/ 342. عبد الرحمن بن محمد السمسار الأصبهاني أبو نصر. 5/ 396. عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا التنكزي. 9/ 247. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار المقدسي الملقن أبو محمد المعروف بالرضي. 7/ 300. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي المعروف بالحفيد، أبو زيد. 8/ 528. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العدناني الشهير بالبرشكي. 9/ 336. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني. 8/ 595. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر البعلي ثم الدمشقي أبو بكر. 8/ 176. عبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام بن أحمد البتروني الطرابلسي الحلبي الشافعي الحنفي، زين الدين. 10/ 560. عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع بن أبي تمام الواسطي أبو طالب. 7/ 167. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن شرف المقدسي عز الدين أبو محمد، وأبو القاسم، وأبو الفرج. 7/ 530. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام أبو زيد. 8/ 232. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأموي المرواني أبو المطرف الناصر لدين الله. 4/ 262. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الديري العبسي المقدسي. 9/ 422. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي السراج النيسابوري أبو القاسم. 5/ 91. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي، أبو ذر. 9/ 372. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران البغدادي أبو مسلم. 4/ 401. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني أبو سعيد المعروف ب: ابن شبانة. 5/ 123. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن تاج

الرئاسة المحلي الزبيري. 9/ 151. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز الشيباني البغدادي أبو منصور ويعرف بابن زريق. 6/ 176. عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله أبو البركات الكمال ابن الأنباري النحوي. 6/ 425. عبد الرحمن بن محمد بن عتاب القرطبي أبو محمد. 6/ 101. عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي. 8/ 178. عبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي. 5/ 332. عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدكالي ثم المصري ابن النقاش. 9/ 200. عبد الرحمن بن محمد بن علي بن يعيش الصدر الأنباري أبو الفرج. 7/ 123. عبد الرحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي أبو المطرف. 5/ 11. عبد الرحمن بن محمد بن فوران المروزي الفوراني أبو القاسم. 5/ 257. عبد الرحمن بن محمد القزويني المعروف بالحلالي. 9/ 316. عبد الرحمن بن محمد المحاربي الحافظ. 2/ 447. عبد الرحمن بن محمد بن محمد الأستراباذي الإدريسي أبو سعد. 5/ 31. عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد بن سلطان بن محمد بن علي القرامزي أبو محمد وأبو الفرج 8/ 175. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي المعروف بابن خير. 8/ 544. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمي الإشبيلي- المعروف بابن خلدون. 9/ 114. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي. 9/ 79. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن ختلو الحلبي بن الشحنة. 9/ 281. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن المظفر البوشنجي الداوودي أبو الحسن. 5/ 287. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السندبيسي. 9/ 407. عبد الرحمن بن محمد بن مغاور الشاطبي الكاتب أبو بكر. 6/ 475. عبد الرحمن بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج. 8/ 518. عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي المعروف ب: ابن ملاح الشط. 6/ 540. عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي الجوبري أبو الحسن. 5/ 123. عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحلبي الأصل. 8/ 501. عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الله الكلسي الحلبي الحنفي، زين الدين، أبو الفرج. 10/ 240.

عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلي أبو الفرج. 8/ 187. عبد الرحمن بن مرهف المصري النّاشري تقي الدين. 7/ 531. عبد الرحمن بن مروان القنازعي القرطبي المالكي أبو المطرف. 5/ 70. عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري أبو الفرج. 8/ 177. عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري. 1/ 359. عبد الرحمن بن مقبل الواسطي، أبو المعالي عماد الدين. 7/ 353. عبد الرحمن بن معاوية الأنصاري المدني أبو الحويرث. 2/ 127. عبد الرحمن بن معاوية بن الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي الدمشقي المعروف بالداخل. 2/ 331. عبد الرحمن بن مقرب بن عبد الكريم التجيبي الكندي الإسكندراني أبو القاسم أسعد الدين. 7/ 382. عبد الرحمن بن مكي الأقفهسي المالكي. 8/ 622. عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي ثم الإسكندراني جمال الدين أبو القاسم. 7/ 438. عبد الرحمن بن مل النهدي أبو عثمان. 1/ 404. عبد الرحمن بن ملجم الخارجي. 1/ 221. عبد الرحمن المناوي المصري. 10/ 404. عبد الرحمن بن منصور الحارثي البصري أبو سعيد. 3/ 303. عبد الرحمن بن مهدي البصري اللؤلؤي أبو سعيد. 2/ 467. عبد الرحمن بن أبي الموالي المدني. 2/ 335. عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملقاوي ابن أخي الشيخ شهاب الدين الشافعي. 9/ 19. عبد الرحمن بن موسى بن عثمان عمر بن عبد الواحد الزناتي البربري أبو تاشفين 8/ 202. عبد الرحمن بن موسى المغربي التادلي المالكي. 10/ 269. عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج بن الحنبلي السعدي العبادي الشيرازي الأصل الدمشقي أبو الفرج. 7/ 288. عبد الرحمن بن أبي نصر عثمان بن القاسم بن معروف التميمي الدمشقي أبو محمد. 5/ 100. عبد الرحمن بن نصر بن علي النابلسي ثم الدمشقي أبو محمد بن أبي القاسم المعروف بسعد الخير. 7/ 700. عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي المعروف بشمس الدين. 7/ 458. عبد الرحمن بن هبة الله المسيري فلك الدين. 7/ 383. عبد الرحمن بن هبة الله الملحاني اليماني. 9/ 221.

عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني. 2/ 80. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي محدث دمشق. 2/ 248. عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري. 1/ 369. عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي أبو القاسم وأبو محمد الأصفوني نجم الدين أبو محمد. 8/ 285. عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن فزارة بن محمد بن يوسف الكفري. 9/ 137. عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان بن قريح بن الطحان. 9/ 373. عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي. 9/ 201. عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المروزي ثم البغدادي الحافظ أبو محمد. 3/ 345. عبد الرحمن بن يوسف بن الكفري. 9/ 126. عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر الفخر البعلبكي أبو محمد. 7/ 706. عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله الجهني نجم الدين المعروف بابن البارزي. 7/ 667. عبد الرحيم بن أحمد التميمي البخاري أبو زكريا. 5/ 258. عبد الرحيم بن أحمد السيد الشريف العباسي الشافعي القاهري، الإسلامبولي. 10/ 486. عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن الترجمان الحلبي. 8/ 501. عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي. 8/ 581. عبد الرحيم بن أحمد الكتامي المالكي المعروف بابن العجوز. 5/ 100. عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم القرشي الأموي الإسنوي المصري. 8/ 383. عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني. 9/ 87. عبد الرحيم بن سليمان الرازي. 2/ 397. عبد الرحيم بن صدقة المكي الشافعي. 10/ 108. عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد بن اليوسفي أبو نصر. 6/ 411. عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي ابن العجمي أبو طالب. 7/ 507. عبد الرحيم بن عبد الكريم بن أبي بكر محمد بن أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي أبو المظفر. 7/ 135. عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين الحموي الأصل القاهري. 8/ 544. عبد الرحيم بن عبد الكريم أبي القاسم بن هوازن القشيري أبو نصر. 6/ 73. عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي مولى الزهريين أبو سعيد. 3/ 360 و 361. عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام الكناني المصري. 8/ 97.

عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل الزريراتي البغدادي أبو محمد. 8/ 228. عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الكمال أبو محمد. 7/ 639. عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري محيي الدين المعروف بابن الدميري. 7/ 752. عبد الرحيم بن علي بن أحمد الأصبهاني الحاجي أبو مسعود. 6/ 359. عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي مهذب الدين ويعرف بالدخوار. 7/ 224. عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محيي الدين أبو علي. 6/ 530. عبد الرحيم بن علي الحموي، المعروف: بابن الآدمي. 9/ 382. عبد الرحيم بن علي بن شيث القرشي جمال الدين. 7/ 206. عبد الرحيم بن علي بن المؤيد، المشهور بحاجي جلبي الرومي القسطنطيني، المولى، عرف بابن المؤيد. 10/ 364. عبد الرحيم بن عمرو بن عثمان الشيباني الدنيسري جمال الدين المعروف بالباجربقي. 7/ 784. عبد الرحيم بن أبي القاسم الجرجاني أبو الحسن. 6/ 547. عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي. 8/ 212. عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهاني أبو الخير. 6/ 377. عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمّوية الأصبهاني. 7/ 7. عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي بن الزجاج عفيف الدين. 7/ 684. عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي اللخمي العسقلاني أبو يحيى. 4/ 397. عبد الرحيم بن محمد الأصبهاني الكاغدي الخطيب أبو الفضائل. 6/ 518. عبد الرحيم بن محمد الأوجافي المصري الشافعي، تقي الدين. 10/ 66. عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الطرابلسي. 9/ 350. عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم علي بن الحسين، المعروف: بابن الفرات. 9/ 393. عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر أبو نصر. 7/ 256. عبد الرحيم بن محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي المعروف بابن يونس. 7/ 579. عبد الرحيم بن محمود السبعي. 8/ 212. عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان بن رومي بن سلمان بن محمد بن سلمان بن صالح بن محمد بن وهبان السلمي الحديثي ثم البغدادي أبو نصر. 7/ 142. عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي. 8/ 94.

عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطفيل الدمشقي أبو القاسم. 7/ 322. عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ثم الدمشقي شهاب الدين. 7/ 701. عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى العجيمي التركماني. 10/ 60. عبد الرزاق بن أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة صدر الدين. 7/ 300. عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الفضل بن العباس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشيباني المروزي الأصل البغدادي. 8/ 108 و 109. عبد الرزاق الترابي المصري. 10/ 290. عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر عز الدين المعروف بالرسعني. 7/ 529. عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي أبو بكر. 7/ 18. عبد الرزاق بن عمر بن شمة الأصفهاني أبو الطيب. 5/ 250. عبد الرزاق بن نصر المسلم الدمشقي النجار. 6/ 446. عبد الرزاق بن همّام العلامة الحافظ الصنعاني أبو بكر. 3/ 55. عبد الرؤوف اليعمري المصري الأزهري. 10/ 480. عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر تقي الدين أبو محمد. 7/ 634. عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن محمد بن أحمد القيلوي. 9/ 430. عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي المقدسي. 7/ 632. عبد السلام بن حرب الملائي الكوفي. 2/ 397، 2/ 398. عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي الإفريقي ثم الإشبيلي أبو الحكم المعروف ب: ابن برّجان. 6/ 185. عبد السلام بن صالح البصري عز الدين المعروف بابن الكبوش. 7/ 614. عبد السلام بن عبد الرحمن بن الأمين علي بن علي بن سكينة علاء الدين الصوفي البغدادي. 7/ 219. عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الحكم بن برجان اللخمي المغربي ثم الإشبيلي أبو محمد. 7/ 219. عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران البغدادي الخفاف الخراز الداهري أبو الفضل. 7/ 225. عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن علي بن تيمية الحراني أبو البركات مجد الدين. 7/ 443. عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الكيلاني ويلقب بالركن. 7/ 83، 7/ 17. عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس زين الدين الواوي أبو محمد. 7/ 652. عبد السلام بن محمد بن عبد السلام الناشري الشافعي، الفقيه الصالح. 10/ 67. عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن

عزاز المصري البصري أبو محمد. 7/ 760. عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار القزويني أبو يوسف. 5/ 381. عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب البصري الجبائي أبو هاشم. 4/ 106. عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن ابي عصرون التميمي الدمشقي شهاب الدين. 7/ 261. عبد السلام بن وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد اليمني الشافعي. 10/ 553. ابن عبد السميع عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع بن أبي تمام الواسطي. 7/ 167. عبد السيد بن أحمد الضبي. 7/ 354. عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي بن الصباع أبو نصر. 5/ 332. عبد الصادق بن محمد الحنبلي الدمشقي. 9/ 91. عبد الصبور بن عبد السلام الهروي أبو صابر. 6/ 269. عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش بن عبد الله البغدادي مجد الدين أبو أحمد وأبو الخير. 7/ 615. عبد الصمد بن بديل بن الخليل الجيلي أبو محمد. 6/ 385. عبد الصمد بن خليل الخضري. 8/ 350. عبد الصمد بن سعيد الكندي أبو القاسم. 4/ 129. عبد الصمد شيخ آل عباس الأمير. 2/ 383، 2/ 384. عبد الصمد بن الصالح المرشد محيي الدين محمد العكاري الحنفي. 10/ 500. عبد الصمد بن عبد الكريم بن جمال الدين بن الحرستاني أبو القاسم. 7/ 745. عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التميمي التنوري أبو سهل. 3/ 35. عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقي أمين الدين أبو اليمن المعروف بابن عساكر. 7/ 692. عبد الصمد بن علي الطستي الوكيل أبو الحسين. 4/ 244. عبد الصمد [بن علي بن عبد الله بن عباس] شيخ آل عباس، الأمير الكبير. 2/ 383. عبد الصمد بن علي بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي أبو الغنائم المعروف ب: ابن المأمون. 5/ 275. ابن عبد الصمد عمر بن مكي زين الدين. 7/ 731. عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الدمشقي أبو القاسم جمال الدين ابن الحرستاني. 7/ 108. ابن عبد الصمد محمد بن موسى بن علي المراكشي. 9/ 236. عبد الصمد بن منصور بن الحسين بن بابك. 5/ 58. عبد الصمد بن النعمان البزاز. 3/ 76. ابن عبد الضيف محمد بن محمد بن عيسى بن محمود. 8/ 360.

عبد الظاهر بن نشوان الجذامي المصري رشيد الدين. 7/ 424. عبد العال المجذوب المصري. 10/ 250. عبد العزيز بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل الدمشقي المولد المصري أبو عمر. 8/ 358. عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي الكتاني أبو محمد. 5/ 283. عبد العزيز بن أحمد الجزري أبو الحسن. 4/ 489. عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدميري الديريني أبو محمد. 7/ 784. عبد العزيز بن أحمد صاحب تونس. 9/ 323. عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الهكاري الكردي ويعرف بابن خطيب الأشمونيين. 8/ 138. عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن سالم بن محمد بن باقا العدل البغدادي أبو بكر صفي الدين. 7/ 239. عبد العزيز بن أحمد بن مسعود بن الناقد البغدادي أبو محمد. 7/ 124. عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم الخشوعي الدمشقي أبو محمد. 7/ 330. عبد العزيز بن ثابت بن طاهر البغدادي المأموني السمعي أبو منصور تاج الدين. 6/ 533. عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي أبو بكر. 4/ 335. عبد العزيز بن جعفر الخرقي البغدادي أبو القاسم. 4/ 401. عبد العزيز بن جعفر بن خواستي الفارسي ثم البغدادي أبو القاسم. 5/ 70. عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار أبو تمام. 2/ 381. عبد العزيز أبو حامد المعروف بالرفيع الجيلي. 7/ 372. عبد العزيز بن الحسين الداري المجد بن الخليل. 7/ 640. عبد العزيز بن الحسين بن هلالة. 7/ 139. عبد العزيز بن دلف بن أبي طالب بن دلف بن القاسم البغدادي عفيف الدين أبو محمد وأبو الفضل. 7/ 322. عبد العزيز بن رفيع المكي ثم الكوفي. 2/ 128. عبد العزيز بن أبي روّاد. 2/ 266. عبد العزيز الزّمزمي المكي. 10/ 558. عبد العزيز بن زين العابدين الحنفي، الشهير بابن أم ولد. 10/ 413. عبد العزيز بن أبي سليمان المدني القاص. 2/ 285. عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي المصري. 8/ 48. عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي الحلبي. 8/ 460. عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عمر العقيلي المعروف: بابن العديم. 9/ 501. عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرناص الحموي. 7/ 458. عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن أبو محمد المعروف بعز الدين.

7/ 522. عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني. 2/ 290. عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان المقدسي عز الدين أبو محمد. 7/ 293. عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الداركي أبو القاسم. 4/ 401. عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد بن جار الله بن زايد بن يحيى بن محيا بن سالم المكي الشافعي المعروف كسلفه بابن زايد. 10/ 144. عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي المصري. 8/ 489. عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي أبو الحسن. 6/ 75. عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني الدمشقي أبو محمد. 7/ 144. عبد العزيز بن عبد المنعم بن أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي الدمشقي أبو نصر. 7/ 590. عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن الصيقل عز الدين أبو العز. 7/ 692. عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي المالكي. 10/ 496. عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بيان القواس الرامي الأستاذ الكفرطابي أبو الفضل. 7/ 478. عبد العزيز بن عبد الوهاب بن أبي الطاهر إسماعيل بن مكي الزهري العوفي الإسكندراني المالكي أبو الفضل المعروف بابن عوف رشيد الدين. 7/ 412. عبد العزيز بن علي بن أحمد النويري ثم المكي العقيلي. 9/ 253. عبد العزيز بن علي الأنماطي أبو القاسم. 5/ 308. عبد العزيز بن علي الخياط الأزجي أبو القاسم. 5/ 194. عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز المكي الزمزمي الشافعي. 10/ 488. عبد العزيز بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أبو فارس المرّيني- صاحب فاس. 8/ 400. عبد العزيز بن علي بن العز بن عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي. 9/ 377. عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري أبو عدي المعروف بابن الإمام. 4/ 427. عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي. 2/ 213. عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة بن حميد بن نباتة بن الحجاج بن مطر بن خالد بن عمرو بن رباح بن سعد التميمي السعدي أبو نصر. 5/ 32، 5/ 31. عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد العلوي، الشهير كسلفه بابن فهد المكي الشافعي عز الدين، أبو الخير، وأبو فارس. 10/ 144. عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحراني بن صديق أبو العز. 7/ 479.

عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي. 8/ 52. عبد العزيز بن محمد الجرباوي البغدادي، عز الدين. 10/ 27. عبد العزيز بن محمد الدراوردي المدني أبو محمد. 2/ 398. عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدجاجية، المعروف بابن أبيه. 7/ 360. عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي شرف الدين المعروف بشيخ الشيوخ. 7/ 535. عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي ثم الدمشقي. 8/ 27. عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر بن الخضري الطيبي. 9/ 49. عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر بن الخضري الطيبي. 9/ 49. عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم الأستغداديزي. 5/ 236. عبد العزيز بن محمد بن النعمان بن محمد بن منصور. 5/ 9. عبد العزيز بن محمد الهروي الترياقي أبو نصر. 5/ 354. عبد العزيز بن محمود بن المبارك الجنابزي ابن الأخضر الحنبلي ثم البغدادي أبو محمد. 7/ 85. عبد العزيز بن المختار البصري الدباغ. 2/ 347. عبد العزيز بن مروان أبو عمر. 1/ 348. عبد العزيز بن مسلم. 2/ 300. عبد العزيز بن مظفر بن أبي بكر البلقيني. 9/ 227. عبد العزيز بن معالي بن غنيمة البغدادي الأشناني أبو محمد، ابن منينا. 7/ 92. عبد العزيز المقدسي الحنفي عز الدّين. 10/ 392. عبد العزيز بن مكي بن كرسا البغدادي أبو محمد. 7/ 360. عبد العزيز بن منصور بن محمد بن وداعة الحلبي. 7/ 562. عبد العزيز بن منيب المروزي الحافظ أبو الدرداء. 3/ 288. عبد العزيز بن يحيى الكناني المكي. 3/ 183. عبد العزيز بن يحيى بن المبارك الربعي البغدادي الزبيدي أبو نصر. 7/ 424. عبد العزيز بن يحيى بن محمد القرشي عز الدين المعروف بابن الزكي. 7/ 785. عبد العزيز بن يوسف بن حسين الرومي، الحنفيّ، الشهير بعايد جلبي. 10/ 251. عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة المنذري الشامي ثم المصري زكي الدين أبو محمد. 7/ 479. عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر المصري زكي الدين المعروف بابن أبي الإصبع. 7/ 458. عبد العليم بن أبي القاسم بن إقبال القربتي، عفيف الدّين، الحنفي. 10/ 50. عبد العليم بن محمد بن حسين القماط اليمني، عفيف الدين. 10/ 126. عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي أبو الحسن. 6/ 152.

عبد الغافر بن سلامة الحمصي أبو هاشم. 4/ 171. عبد الغافر بن محمد بن عبد الغفار الفارسي أبو الحسين. 5/ 205. عبد الغفار بن شجاع المحلي الشروطي. 7/ 232. عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني نجم الدين. 7/ 570. عبد الغفار بن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه النيسابوري الشيروي أبو بكر. 6/ 44. عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي أبو القاسم. 8/ 178. عبد الغفار بن محمد المؤدب البغدادي أبو طاهر. 5/ 138. عبد الغفار المصري الضرير الشافعي زين الدين. 10/ 88. عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي أبو محمد. 7/ 236. عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي المعروف ب: ابن نقطة. 6/ 457. عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الأزدي المصري السمرقندي. 5/ 54. عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري القباني الناسخ المعروف بأثير الدين. 7/ 531. عبد الغني بن عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي المكي. 9/ 296. عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي أبو محمد تقي الدين. 6/ 561. عبد الغني العجلوني، الإربدي الجمحي. 10/ 358. ابن عبد الغني عز الدين الصابوني الحلبي الموازيني. 10/ 157. عبد الغني بن قاسم بن عبد الرزاق بن عياش الهلباوي المقدسي الأصل المصري أبو القاسم. 7/ 143. عبد الغني بن ميرشاه الحنفي المولى. 10/ 648. عبد الغني بن محمد بن تيمية الحراني سيف الدين أبو محمد. 7/ 354. عبد الفتاح بن أحمد بن عادل باشا الحنفي العجمي. 10/ 174. عبد القادر بن أحمد بن الجبرتي الدمشقي، الشافعي، محيي الدين. 10/ 372. عبد القادر بن أحمد الحمصي المعروف بابن الدعّاس، زين الدين. 10/ 302. عبد القادر بن أحمد بن عبد الله الفريابي المدني، المالكي. 10/ 456. عبد القادر بن أحمد علي الفاكهي المكّي الشافعي. 10/ 582. عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم الدمشقي الحنفي المعروف بابن يونس، محيي الدين، أبو المفاخر. 10/ 241. عبد القادر بن أحمد القصيري البكراوي، الشافعي، محيي الدين. 10/ 488. عبد القادر بن أبي بكر بن إبراهيم بن منجك اليوسفي الحنفي زين الدين. 10/ 338.

عبد القادر بن أبي بكر بن سعيد الحلبي الشافعي، المشهور بابن سعيد. 10/ 282. عبد القادر بن حسن الصاني جمال الدين، أبو عبد الله. 10/ 251. عبد القادر بن حسن العجماوي الشافعي محيي الدين. 10/ 497. عبد القادر السبكي المصري المجذوب. 10/ 471. عبد القادر بن شمس الدين القويضي الدمشقي الصالحي الحنفي، زين الدين. 10/ 383. عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي القادري، محيي الدين. 10/ 251، 10/ 326. عبد القادر بن عبد العزيز المعروف بالمعمر الملك أسد الدين. 8/ 202. عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم بن محمد بن حمد بن سلامة بن أبي الفهم الحراني ناصح الدين. 7/ 292. عبد القادر بن عبد الله بن جنكي دوست الجيلاني. 6/ 330. عبد القادر بن عبد الله الرهاوي أبو محمد. 7/ 92. عبد القادر بن عبد الله بن العفيف الحنبلي. 9/ 484. عبد القادر بن عبد اللطيف بن محمد الحسيني الفاسي الأصل المكي الشريف الحسيب النسيب. 9/ 543. عبد القادر «ويدعى محمدا» بن علي بن محمود بن المغلي السليماني ثم الحموي الحنبلي. 9/ 253. عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني، الأصل الدمشقي الحنبلي محيي الدين. 10/ 456. عبد القادر بن القاسم بن أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري العبادي. 9/ 492. عبد القادر بن اللحّام البيروتي الشافعي زين الدين. 10/ 351. عبد القادر بن لطف الله بن الحسين بن محمد بن سليمان بن أحمد الحموي الحلبي، السعدي العبادي الشافعي، محيي الدين، ويعرف بابن المحجوب. 10/ 446. عبد القادر بن محمد بن إبراهيم المقريزي البعلي أبو محمد. 8/ 178. عبد القادر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشريف الحسني الفاسي الأصل المكي. 9/ 261. عبد القادر بن محمد الدشطوطي، زين الدين. 10/ 180. عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي. 8/ 562. عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي، شرف الدين. 9/ 508. عبد القادر بن محمد بن عبد القادر اليوسفي البغدادي أبو طالب. 6/ 81. عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يحيى بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر الكيلاني، الحموي القادري، الشافعي محيي الدين. 10/ 270. عبد القادر بن محمد بن عثمان بن علي

المارديني الحلبي، محيي الدين. 10/ 93. عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني المعروف بالحجار. 8/ 613. عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفراء المعروف بابن القمر، سبط الحافظ الذهبي. 9/ 50. عبد القادر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي. 10/ 265. عبد القادر بن محمد بن عمر بن حبيب الصفدي الشافعي. 10/ 100. عبد القادر بن محمد بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن محمد السودي. 10/ 265. عبد القادر بن محمد بن عمر بن حبيب الصّفدي الشافعي. 10/ 100. عبد القادر بن محمد بن عمر بن عيسى بن سابق بن هلال بن يونس بن يوسف بن جابر بن إبراهيم بن مساعد المزّي ثم الصالحي الحنبلي، المعروف بابن الرجيحي، محيي الدين. 10/ 68. عبد القادر بن محمد بن عرم بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم- بضم النون- النعيمي الدمشقي الشافعي. 10/ 210. عبد القادر بن محمد بن محمد بن محمد بن قاضي سراسيف الصهيوني الطرابلسي الدمشقي الشافعي. 10/ 481. عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن ابي الوفا الحنفي القرشي. 8/ 409. عبد القادر بن محمد بن منصور بن جماعة الصفدي، الدمشقي، الشافعي، الفرضي الحيسوب، ابن المصري، زين الدين. 10/ 27. عبد القادر المكي الشيباني الحنفي. 10/ 220. عبد القادر المنهاجي الشافعي زين الدين. 10/ 102. عبد القادر النّبراوي الحنبلي. 10/ 220. عبد القادر، المعروف بابن النقيب القاهري محيي الدين. 10/ 156. عبد القادر بن يوسف بن مظفر بن الخطيري الدمشقي. 8/ 70. عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني أبو بكر. 5/ 308. عبد القاهر بن عبد السلام العباسي أبو الفضل. 5/ 405. عبد القاهر بن عبد الله محمد بن عمويه السهروردي أبو النجيب. 6/ 346. عبد القاهر بن عبد الله الوأواء الحلبي. 6/ 262. عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن الفوطي البغدادي موفق الدين أبو محمد. 7/ 481. عبد القاهر بن أبي محمد بن أبي القاسم بن تيمية الحراني أبو الفرج. 7/ 583. عبد القدوس بن حجاج الخولاني الحمصي أبو المغيرة. 3/ 58. عبد القوي بن عبد العزيز بن الحسين التميمي السعدي الأغلبي المصري أبو البركات المعروف بالقاضي الأسعد ابن الحباب. 7/ 167. عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي البجائي. 9/ 179. عبد الكافي بن بدر بن حسان الأنصاري الشامي الأصل المصري النجار أبو محمد. 7/ 112.

عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي الدمشقي جمال الدين أبو محمد. 7/ 714. عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري الخزرجي السبكي المصري أبو محمد الشافعي. 8/ 192. عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكر. 3/ 26. عبد الكريم بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي كريم الدين. 10/ 501. عبد الكريم بن الأكرم الدمشقي الحنفي كريم الدين. 10/ 174. عبد الكريم بن حمزة السلمي الدمشقي الحداد أبو محمد. 6/ 130. عبد الكريم، الحنفي، المولى. 10/ 446. عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي ابن الزملكاني كمال الدين عبد الواحد أبو محمد. 7/ 438. عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري. 7/ 279. عبد الكريم زاده محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم. 10/ 555. عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس. 9/ 50. عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطان أبو معشر. 5/ 338. عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الأنصاري الدمشقي العماد بن الحرستاني أبو الفضائل. 7/ 536. عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري، كريم الدين. 10/ 270 و 326. عبد الكريم بن عبد الله الرومي الحنفي، المولى. 10/ 9. عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود الفارسي أبو بكر. 7/ 300. عبد الكريم بن عبد اللطيف بن علي بن أبي اللطف المياهي الشافعي القادري الصوفي الصالح. 10/ 338. عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي. 8/ 193. عبد الكريم بن علي البويطي. 9/ 520. عبد الكريم بن محمد بن عبادة الصالحي الحنبلي كريم الدين. 10/ 505. عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي. 9/ 126. عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن الرافعي أبو القاسم الإمام العلامة. 7/ 189. عبد الكريم بن محمد بن محمد بن نصر الله الحموي ابن المغيزل الصدر شرف الدين. 7/ 765. عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي السمعاني أبو سعد. 6/ 340. عبد الكريم بن محمد بن يوسف المباهي الأموي الدمشقي الشافعي. 10/ 220. عبد الكريم المعروف بتاج الدين. 7/ 495. عبد الكريم بن المؤمل السلمي الكفرطابي ثم

الدمشقي البزاز أبو الفضل. 5/ 405. عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي شهاب الدين أبو الفضائل. 7/ 150. عبد الكريم بن هبة الله بن هبة الله بن السديد المصري. 8/ 113. عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري أبو القاسم. 5/ 275. عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي أبو يحيى. 3/ 324. عبد الكريم بن يحيى بن الزكي أبو محمد. 8/ 261. ابن عبد كويه علي بن يحيى بن جعفر. 5/ 115. عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الحراني ثم الحلبي. 9/ 220. عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز أبو محمد. 4/ 373. عبد الله بن إبراهيم بن جعفر البغدادي البزار الزبيبي أبو الحسين. 4/ 385. عبد الله بن إبراهيم بن خليل البعلبكي المعروف بابن الشرائحي. 9/ 213. عبد الله بن إبراهيم الفاضل، الشهير بابن الشيشري الحنفي. 10/ 201. عبد الله بن إبراهيم بن محمود بن رفيعا الجدري ضياء الدين أبو محمد. 7/ 634. عبد الله بن إبراهيم المغربي الأندلسي الأصيلي أبو محمد. 4/ 493. عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الآبندوني الجرجاني أبو القاسم. 4/ 369. عبد الله بن أبي بن سلول. 1/ 128. عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني أبو عامر. 8/ 621. عبد الله بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر البغدادي أبو محمد المعروف بابن الخشاب. 6/ 365. عبد الله بن أحمد بن أحمد بن محمد المروزي الحلواني البزاز أبو المعالي. 6/ 200. عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني أبو محمد. 4/ 334. عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن المقتدر العباسي أبو جعفر القائم بأمر الله. 5/ 285. عبد الله بن أحمد بن إسماعيل التميمي الإسكندراني السراج بن فارس أبو بكر. 7/ 683. عبد الله بن أحمد بن أشرف، الملك المنصور، صاحب اليمن. 9/ 280. عبد الله بن أحمد باكثير الحضرمي المكي الشافعي. 10/ 188. عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان أبو عمرو. 3/ 192. عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي الصالحي. 7/ 506. عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان التلي الصالحي أبو محمد. 8/ 88. عبد الله بن أحمد التنسي جمال الدين. 9/ 159. عبد الله بن أحمد بن حمويه بن يوسف بن أعين السّرخسي أبو محمد. 4/ 427.

عبد الله بن أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني أبو عبد الرحمن. 3/ 377. عبد الله بن أحمد بن زبر الرّبعي البغدادي أبو محمد. 4/ 164. عبد الله بن أحمد سرومي الشّحري الشافعي عفيف الدين. 10/ 357. عبد الله بن أحمد بن سعد بن منصور بن سعد البزاز الحاجي النيسابوري أبو محمد. 4/ 259. عبد الله بن أحمد بن سوادة الهاشمي مولاهم البغدادي أبو طالب. 3/ 361. عبد الله بن أحمد الشنتريني الإشبيلي أبو محمد. 6/ 108. عبد الله بن أحمد الشنشوري المصري الشافعي، جمال الدين. 10/ 202. عبد الله بن أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب الزّهري الشافعي. 9/ 18. عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عباس بن حامد بن خلف المعروف بابن الناصح. 8/ 313. عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر البشيتي. 9/ 214. عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي الصالحي المقدسي أبو محمد. 8/ 201. عبد الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بابن عبيد الله. 9/ 49. عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة الحميري، الشيباني الهجراني الحضرمي العدني الشافعي. 10/ 30. عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد العراقي الكوفي المعروف بابن الفصيح. 8/ 248. عبد الله بن أحمد بن علي بن الصيدلاني أبو القاسم. 4/ 516. عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السبكي جمال الدين. 8/ 417. عبد الله بن أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني. 9/ 132. عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي أبو محمد. 6/ 80. عبد الله بن أحمد الفاكهي المكي الشافعي النحوي. 10/ 536. عبد الله بن أحمد بن أبي الفتح الأصبهاني الخرقي أبو الفتح. 6/ 437. عبد الله بن أحمد القفال المروزي أبو بكر. 5/ 87. عبد الله بن أحمد اللخمي التونسي الفرياني. 9/ 145. عبد الله بن أحمد المالقي العشاب ضياء الدين. 7/ 405. عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الإسكاف أبو محمد. 6/ 546. عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي ثم البغدادي أبو الفضل. 6/ 431. عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن حمنيس البغدادي السراج أبو محمد. 6/ 431. عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي موفق الدين أبو محمد. 7/ 155.

عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلّس البغدادي الداودي الفقيه أبو الحسن. 4/ 128. عبد الله بن أحمد بن محمد النسائي أبو القاسم. 4/ 431. عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي أبو القاسم. 4/ 93. عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي أبو محمد. 2/ 422. عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني أبو محمد. 4/ 257. عبد الله بن إسحاق القيرواني أبو محمد بن التبان شيخ المالكية في المغرب. 4/ 385. عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي. 4/ 56. عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح أبو محمد. 8/ 362. عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي. 6/ 443. عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن المنصور بن بريه الهاشمي أبو جعفر. 4/ 262. عبد الله بن إسماعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي أبو طالب شمس الدين. 7/ 293. عبد الله (وقيل يحيى) بن إسماعيل بن علي بن داود بن يوسف بن علي بن رسول، صاحب اليمن. 9/ 353. عبد الله الأنطاكي أبو يحيى. 2/ 66. عبد الله بن أنيس الجهني. 1/ 255. عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي. 1/ 351. عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. 1/ 214. عبد الله بن بركات بن إبراهيم الدمشقي أبو محمد المعروف بابن الخشوعي. 7/ 506. عبد الله بن بري المقدسي ثم المصري أبو محمد. 6/ 449. أبو سهل عبد الله بن بريدة الأسلمي. 2/ 76. أبو عبد الله البريدي. 4/ 182. عبد الله بن بسر المازني. 1/ 355، 1/ 388. عبد الله بن أبي بكر بن أحمد بن أحمد بن طليب الحربي أبو علي. 7/ 92. عبد الله بن ابي بكر بن خالد بن زهرا الحمصي. 9/ 454. عبد الله بن بكر السهمي الباهلي البصري أبو وهب. 3/ 42. عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن اليمني الصوفي أبا علوي. 9/ 450. عبد الله بن أبي بكر كتيلة الحربي. 7/ 651. عبد الله بن أبي بكر المبارك بن هبة الله البغدادي بن الطويلة أبو محمد. 6/ 537. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني شيخ مالك والسفيانين. 2/ 156. عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري. 1/ 357. عبد الله بن جابر بن ياسين الحنائي أبو محمد. 5/ 405.

عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس أبو محمد، محدث أصبهان. 4/ 244. عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي الجابري. 4/ 321. عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي أبو محمد. 4/ 248. عبد الله بن جعفر الرقي الحافظ. 3/ 96. عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي. 1/ 326. عبد الله بن جعفر الكثيري، السلطان العادل. 10/ 66. عبد الله بن جعفر بن محمد الورد البغدادي أبو محمد. 4/ 270. عبد الله بن جعفر المخرّمي المدني. 2/ 325. عبد الله بن أبي جعفر المرسي أبو محمد. 6/ 129. عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المديني. 2/ 348. عبد الله بن أبي جمرة، الإمام القدوة. 8/ 43. عبد الله بن أبي جمرة السبتي المالكي. 8/ 43. عبد الله بن الحارث بن جزء الزّبيدي. 1/ 352. عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي. 1/ 347. أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الضبي الطهماني النيسابوري. 5/ 33. عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي. 1/ 301. عبد الله بن حسان بن رافع المعروف بالخطيب العدل. 7/ 432. عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي أبو بكر المعروف بالخطيب المالقي. 7/ 88. عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الأموي الحراني المؤدب أبو شعيب. 3/ 401. عبد الله بن الحسن بن أحمد الهمذاني. 7/ 199. عبد الله بن الحسن بن بندار المديني الأصبهاني أبو محمد. 4/ 279. عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي الأنصاري الدمشقي أبو بكر، العماد بن النحاس. 7/ 457. عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج الجبائي «أبو محمد» . 7/ 29. عبد الله بن حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الصالحي. 8/ 175. عبد الله بن الحسين بن أحمد بن علي بن أبي عبد الله الدامغاني أبو القاسم. 7/ 114. عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء العكبري الأزجي أبو البقاء، محب الدين. 7/ 121. عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد. 8/ 192. عبد الله بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن النضر النضري المروزي أبو العباس. 4/ 299. عبد الله بن الحسين بن حسنون البغدادي السامري أبو أحمد. 4/ 458. عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي عز الدين بن رواحة أبو القاسم.

7/ 405. عبد الله بن الحسين بن علي الكردي الإربلي مجد الدين أبو محمد. 7/ 624. عبد الله بن أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري بن الصفار أبو سعد. 6/ 561. عبد الله بن حنظلة الأنصاري. 1/ 283. عبد الله بن خبّاب. 1/ 217. عبد الله بن الخطيب بن أحمد بن حشيبر اليمني. 10/ 99. عبد الله بن الخلّال بن الحسن بن محمد البغدادي أبو القاسم. 5/ 302. عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرحمن الحرستاني ثم الصالحي. 9/ 79. عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدين البسطامي. 8/ 569. عبد الله بن خليل بن فرح بن سعيد القدسي الأصل الدمشقي البرماوي المعروف بالقلعي. 9/ 296. عبد الله بن خليل بن يوسف المارداني. 9/ 125. عبد الله بن داود الخريبي. 3/ 60. عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني أبو بكر. 4/ 78. عبد الله بن دينار مولى ابن عمر. 2/ 118. عبد الله بن ذكوان أبو الزناد. 2/ 135. عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي. 1/ 201. عبد الله بن رجاء الغداني أبو عمرو. 3/ 96. عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي المصري أبو محمد. 6/ 330. عبد الله بن رواحة الخزرجي. 1/ 126. عبد الله بن الزبير. 1/ 307. عبد الله بن الزبير القرشي أبو بكر. 3/ 92. عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. 2/ 80. عبد الله بن زكريا بن أبي ميسرة أبو يحيى. 3/ 327. عبد الله بن زيد البصري الإمام أبو قلابة الجرمي. 2/ 23. عبد الله بن زيد بن عاصم المازني. 1/ 284. عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري. 1/ 197. عبد الله بن أبي زيد القيرواني أبو محمد. 4/ 477. عبد الله بن زيدان بن بريد البجلي الكوفي أبو محمد. 4/ 65. عبد الله بن عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي الدمشقي أبو طالب شرف الدين بن الزكي القرشي. 7/ 114. عبد الله بن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري أبو بكر. 8/ 43. عبد الله بن سعد بن الحسين بن الهاطر العطار. 6/ 315. عبد الله بن سعد الدين المدني السّندي. 10/ 593. عبد الله بن سعد بن أبي سرح. 1/ 210. عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكي- المعروف بالحرفوش. 9/ 17. عبد الله بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني القرمي ويسمى أيضا ضياء. 8/ 459.

عبد الله بن السعدي العامري. 1/ 258. عبد الله بن سعيد بن الشقاق أبو محمد. 5/ 125. عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني. 8/ 225. عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي الحافظ أبو سعيد الأشج. 3/ 257. عبد الله بن سلام الإسرائيلي حليف الأنصار. 1/ 233. عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الأندلسي أبو محمد. 7/ 91. عبد الله السنباطي. 9/ 376. عبد الله بن سهل الأنصاري المرسي. 5/ 347. عبد الله بن سوار العبدي. 1/ 240. عبد الله بن شبرمة الضبي أبو شبرمة القاضي. 2/ 205. عبد الله بن شبيب الضبي أبو المظفر. 5/ 222. عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي ابن خالة خالد بن الوليد. 1/ 333. عبد الله بن شقيق العقيلي البصري. 2/ 11. عبد الله بن شوذب البلخي ثم البصري. 2/ 254. عبد الله بن شوذب الواسطي المقرئ أبو محمد. 4/ 226. أبو عبد الله الشيعي. 3/ 415. عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم بن أبي المعالي الشيباني المكي. 9/ 184. عبد الله بن صالح الجهني المصري الحافظ أبو صالح. 3/ 105. عبد الله بن صالح العجلي الكوفي. 3/ 55. عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف. 1/ 308. عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي أبو العباس أمير المشرق. 3/ 137. عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني النحوي. 2/ 145. عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية المحاربي الغرناطي أبو بكر. 6/ 546. عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي. 8/ 570. عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي. 1/ 349. عبد الله بن عامر بن كريز العبشمي، أبو عبد الرحمن. 1/ 269. عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي أبو عمران. 2/ 85. عبد الله بن عباس الهاشمي. 1/ 294. عبد الله بن عبدان، عالم همذان. 5/ 160. عبد الله بن عبد الباقي بن التبان الواسطي ثم البغدادي أبو بكر. 6/ 227. عبد الله بن عبد الجبار العثماني الإسكندراني أبو محمد. 7/ 108. عبد الله بن عبد الحكم المصري أبو محمد. 3/ 69. عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي أبو محمد. 8/ 136. عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر الدمشقي أبو المعالي. 6/ 423. عبد الله بن عبد الرحمن بن أصفهان الكردي،

الشافعي. 10/ 480. عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلاح أبو محمد. 7/ 7. عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بأفضل الحضرمي، الفقيه. 10/ 125. عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي السمرقندي الحافظ أبو محمد. 3/ 245. عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي زين الدين. 7/ 299. عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان الصدفي الطليطلي أبو محمد المعروف ب: ابن ذنين. 5/ 120. عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل أبو محمد. 8/ 367. عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي. 8/ 417. عبد الله بن عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي زين الدين. 7/ 673. عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الديباجي العثماني أبو محمد. 6/ 400. عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان المصري محيي الدين. 7/ 735. عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. 2/ 381. عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي جمال الدين أبو موسى. 7/ 230. عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري. 5/ 331. عبد الله بن عبد الله الجبرتي. 8/ 460. عبد الله بن عبد الله الدكّاري المغربي المالكي. 9/ 87. عبد الله بن أبي عبد الله الدمشقي الفرخاوي. 9/ 195. عبد الله بن عبد الله بن رسلان البويضي الدمشقي الشافعي جمال الدين. 10/ 202. عبد الله بن أبي عبد الله السكوني، المالكي جمال الدين. 9/ 19. عبد الله بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس، الشريف. 10/ 361. عبد الله بن عبد الله بن عمر بن حموية الجويني ثم الدمشقي شرف الدين أبو بكر. 7/ 629. عبد الله بن عبد اللطيف ابن أبي بدرون عفيف الدين. 10/ 302. عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري الرزاز المعروف بابن الحجاج أبو عيسى. 7/ 590. عبد الله بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي ثم الصالحي تقي الدين أبو محمد. 7/ 783. عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. 2/ 35. عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي المدني. 2/ 80. عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي أبو محمد المعروف ب: ابن البيع. 5/ 51. عبد الله بن عتاب بن الزفتي أبو العباس. 4/ 100. عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي. 1/ 312.

عبد الله بن عثمان بن خيثم المكي. 2/ 147. عبد الله بن عثمان عبدان المروزي محدث مرو وشيخها. 3/ 99. عبد الله بن عثمان بن عبد العزيز بن جعفر اليونيني. 7/ 132. عبد الله بن [أبي قحافة] عثمان [القرشي التيمي] أبو بكر الصديق. 1/ 154. عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد أبو أحمد ويعرف ب: ابن القطان الجرجاني. 4/ 344 و 6/ 358 [1] . عبد الله بن عروة الهروي الحافظ أبو محمد. 4/ 56. عبد الله بن عطاء بن عبد الله بن أبي منصور بن الحسن بن إبراهيم الإبراهيمي الهروي أبو محمد. 5/ 328. عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي الدمشقي. 2/ 291. عبد الله بن علي بن أحمد بن الزيتوني البوازيجي أبو محمد. 7/ 181. عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري ابن حديدة. 8/ 482. عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري الدقاق البغدادي أبو الفضل. 5/ 368. عبد الله بن علي بن إسحاق الطوسي أبو القاسم. 5/ 422. عبد الله بن علي البغدادي الآبنوسي أبو محمد. 6/ 18. عبد الله بن علي البغدادي أبو محمد سبط الخياط. 6/ 210. عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق الشيبي الدميري صفي الدين أبو محمد ويعرف بابن شكر. 7/ 177. عبد الله بن علي، شرف الدين المعروف بالشيخ السديد. 6/ 506. عبد الله بن علي بن شكر صفي الدين أبو محمد. 7/ 184. عبد الله بن علي الطامذي الأصبهاني أبو محمد. 6/ 345. عبد الله بن علي الطوسي السراج أبو نصر. 4/ 413. عبد الله بن علي أبو القاسم المعروف ب: كركان. 5/ 298. عبد الله بن علي [بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي عم الخليفة أبي جعفر المنصور] [2] . 2/ 214. عبد الله بن علي بن عمر السنجاري، أبو محمد. 8/ 611، 8/ 621. عبد الله بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله الكناني العسقلاني المعروف بابن الجندي. 9/ 184. عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي. 3/ 177. عبد الله بن عمر بن أحمد بن علك المروزي الجوهري أبو عبد الرحمن. 4/ 321. عبد الله بن عمر بن أحمد الواسطي الأصل ثم الغمري ثم المحلّي، المعروف: بالغمري.

_ [1] تنبيه: الصواب في وفاة المؤلف سنة (365) كما ذكر في (4/ 344) وقد وهم- رحمه الله- فكرّر ذكره في وفيات سنة (565) متابعا بذلك ابن الأهدل وقد علقت على ذلك في موضع الترجمة من المجلد الرابع. [2] ما بين الحاصرتين زيادة أثبتها للتوضيح.

9/ 386. عبد الله بن عمر بن سليمان بن عمر بن نصر الكناوي الصّفدي، الشافعي. 10/ 83. عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد مخرمة اليمني الشافعي. 10/ 536. عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك الهندي السعودي الأزهري المعروف بالحلاوي. 9/ 101. عبد الله (ويسمى أيضا عبد السلام) بن عمر بن علي بن محمد بن حموية الجويني الصوفي أبو محمد تاج الدين. 7/ 371. عبد الله بن عمر الأصبهاني أبو رشيد. 6/ 411. عبد الله بن عمر بن أبي بكر المقدسي أبو القاسم سيف الدين. 6/ 468. عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني أبو عبد الرحمن. 2/ 328. عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي. 1/ 310. عبد الله بن عمر بن أبي الرضا الفاروثي أبو بكر. 8/ 26. عبد الله بن عمر بن علي بن عمر بن زيد الحريمي القزاز أبو المنجى. 7/ 299. عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي الدبوسي أبو زيد. 5/ 150. عبد الله بن عمر القواريري البصري الحافظ أبو سعيد. 3/ 165. عبد الله بن عمر بن محلى بن عبد الحافظ البيتليدي. 8/ 604. عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي ناصر الدين أبو الخير. 7/ 685. عبد الله بن عمر موفق الدين المعروف بالورن. 7/ 625. عبد الله بن عمرو بن العاص. 1/ 290. عبد الله بن عمرو المنقري المقعد مولاهم البصري الحافظ أبو معمر. 3/ 110. عبد الله بن عمير الليثي. 1/ 312. عبد الله بن عون الخراز الزاهد البغدادي المحدث أبو محمد. 3/ 149. عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم. 2/ 234. عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. 1/ 241. عبد الله بن عياش الهمداني الكوفي. 2/ 261. عبد الله بن غالب بن تمّام المالكي الهمداني أبو محمد. 5/ 164. أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري. 8/ 32. عبد الله بن القاسم بن المظفر أبو محمد. 6/ 202. عبد الله بن أبي القاسم بن يوسف بن أبي القاسم بن عبد السلام الأموي. 7/ 545. [عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار] الأشعري اليمني أبو موسى. 1/ 235. عبد الله بن كثير الكناني أبو معبد. 2/ 89. عبد الله بن لهيعة الحضرمي أبو عبد الرحمن قاضي مصر. 2/ 336. [عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم] أبو تميم الجيشاني. 1/ 318.

عبد الله بن مالك بن سيف التجيبي أبو بكر. 4/ 36. عبد الله بن المبارك بن الحسن العكبري ويعرف بعسكر. 6/ 140. عبد الله بن المبارك الحنظلي أبو عبد الرحمن. 2/ 361. عبد الله المجذوب المصري. 10/ 310. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس بن نصر النحريري. 9/ 102. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرشيدي. 9/ 102. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد المقدسي الصالحي البزوري العطار أبو محمد المعروف بابن قيم الضيائية. 8/ 329. عبد الله بن محمد بن أحمد بأفضل العدني، الشافعي. 10/ 351. عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني الحلبي. 8/ 18. عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله المقدسي الصالحي. 9/ 48. عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل الصالحي أبو محمد وأبو بكر. 7/ 379. عبد الله بن محمد بن أحمد المدرني الحنفي. 10/ 281. عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي الأكفاني، أبو محمد. 5/ 31. عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي أبو القاسم الشهير ب: الحامض المحدث. 4/ 165. عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي البصري. 3/ 141. عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن سعيد الحلبي ثم المصري ابن الأثير جمال الدين. 8/ 443. عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن الغزال المصري أبو محمد. 6/ 115. عبد الله بن محمد بن الأكفاني أبو محمد. 5/ 31. عبد الله بن محمد البخاري الخوارزمي البافي أبو محمد. 4/ 514. عبد الله بن محمد البطليوسي أبو محمد. 6/ 106. عبد الله بن محمد البطليوسي أبو محمد. 6/ 106. عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن أبي البركات بن مكي بن أحمد الزريراتي ثم البغدادي أبو بكر. 8/ 156. عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل الدمشقي. 8/ 308. عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني بهاء الدين. 8/ 434. عبد الله بن محمد بن الثلاج البغدادي أبو القاسم [1] . 4/ 463. عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان الأصبهاني أبو الشيخ وأبو محمد. 4/ 373. عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني أبو

_ [1] تنبيه: سقطت لفظة «أبو» من كنيته في أصول الكتاب واستدركتها من «تاريخ الإسلام» للذهبي (حوادث ووفيات سنة 381- 400) بتحقيق الدكتور عمر عبد السلام التدمري.

القاسم. 4/ 73. عبد الله بن محمد الجعفي البخاري المسندي الحافظ أبو جعفر. 3/ 135. عبد الله بن محمد بن الجلال نائب الحكم الزيتوني. 9/ 372. عبد الله بن محمد بن حسان بن رافع العامري عماد الدين أبو بكر. 7/ 713. عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي أبو محمد. 4/ 147. عبد الله بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد البغدادي البزاز أبو بكر المعروف ب: ابن النقور. 6/ 357. عبد الله بن محمد بن حميد أبو بكر بن أبي الأسود. 3/ 106. عبد الله بن محمد بن الحنفية الهاشمي المدني أبو هاشم. 1/ 393. عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحموي نجم الدين المعروف بابن الحكيم. 7/ 631. عبد الله بن محمد بن الدماميني. 9/ 372. عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل النيسابوري أبو بكر. 4/ 129. عبد الله بن محمد بن سارة البكري الشنتريني أبو محمد. 6/ 89. عبد الله بن محمد السبتي المالكي شمس الدين. 10/ 66. عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي. 8/ 460. عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني ويقال: الفرهاذاني. 4/ 7. عبد الله بن محمد الشافعي باقشير، اليمني، الحضرمي. 10/ 462. عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري أبو البختري. 3/ 301. عبد الله بن محمد بن شاهاور بن أنوشروان بن أبي النجيب الرازي. 7/ 457. عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أبو بكر. 3/ 165. عبد الله بن محمد بن الصائغ تقي الدين. 8/ 443. عبد الله بن محمد الصنهاجي، أبو محمد الأشيري. 6/ 330. عبد الله بن محمد بن طيمان المصري الطيماني نزيل دمشق. 9/ 166. عبد الله بن محمد بن العباس المكي الفاكهي أبو محمد. 4/ 280. عبد الله بن محمد بن عبد البر السبكي أبو ذر. 8/ 496. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الكناني الحموي المعروف: بابن جماعة. 9/ 450. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني أبو محمد. 3/ 423. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه بن أسد القرشي المطلبي النيسابوري أبو محمد. 4/ 26. عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أبو القاسم. 4/ 83. عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي ابن عليان أبو محمد. 6/ 551.

عبد الله بن محمد بن عبد القادر الأنصاري. 8/ 116. عبد الله بن محمد بن عبد الكريم أبو القاسم بن أخي أبي زرعة الرازي. 4/ 100. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن المقتدر العبّاسي، أبو القاسم. 5/ 373. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث البهنسي. 9/ 310. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري شمس الدين المعروف بابن الأوحد. 7/ 629. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع بن المفسر الدمشقي أبو محمد. 4/ 345. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هزار مرد الصريفيني أبو محمد. 5/ 298. عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجاوي. 8/ 369. عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري بن فار اللبن معين الدين أبو الفضل. 7/ 550. عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السلمي أبو عمر. 4/ 501. عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرازي الصوفي أبو سعيد. 4/ 432. عبد الله بن محمد عبيد الأبيوردي. 9/ 537. عبد الله بن محمد بن عثمان بن السقا الواسطي أبو محمد. 4/ 394. عبد الله بن محمد بن عطاء الأوزاعي شمس الدين. 7/ 594. عبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ أبو علي. 3/ 401. عبد الله بن محمد بن علي بن زياد النيسابوري أبو محمد. 4/ 352. عبد الله بن محمد بن علي بن سويد التغلبي التكريتي ثم الدمشقي. 8/ 104. عبد الله بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي. 8/ 152. عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي أبو العباس السّفّاح. 2/ 161. عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المريّي أبو محمد. 6/ 475، 6/ 501. عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي أبو محمد المعروف ب: ابن الباجي. 4/ 413. عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحرّاني النفيليّ أبو جعفر. 3/ 158. عبد الله بن محمد بن علي الهروي الأنصاري أبو إسماعيل. 5/ 349. عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد المروزي الملقب ب (عبدان) . 3/ 395. عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي صفي الدين النيسابوري أبو البركات. 6/ 252. عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم القلعي الأندلسي أبو محمد. 4/ 434. عبد الله بن محمد بن اللبان التيمي الأصبهاني أبو محمد. 5/ 199.

عبد الله بن محمد بن مالك بن هانئ النيسابوري أبو محمد الملقب ب (عبدوس) . 3/ 346. عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري ثم المكي. 8/ 511. عبد الله بن محمد بن محمد الحسيني النيسابوري جمال الدين. 8/ 418. عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل ثم المكي، المعروف بالنشاوري. 8/ 537. عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك بن عطاء الأصبهاني أبو بكر الملقب ب: القباب. 4/ 379. عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني. 8/ 101. عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام السروجي. 8/ 562. عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن البيضاوي أبو الفتح. 6/ 188. عبد الله بن محمد بن محمد بن الوليد البغدادي الحريمي أبو منصور. 7/ 380. عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفراييني أبو بكر. 4/ 89. عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الراميني ثم الدمشقي. 9/ 302. عبد الله بن محمد المقرئ الصنهاجي الأشيري، كالكريمي أبو محمد. 6/ 330. عبد الله بن محمد بن منازل النيسابوري أبو محمود. 4/ 176. عبد الله بن محمد الميانجي الهمذاني أبو المعالي. 6/ 124. عبد الله بن محمد بن ناجية بن نجية البربري البغدادي أبو محمد. 4/ 6. عبد الله بن محمد الناشي الأنباري أبو العباس المعروف بابن شرشير، الشاعر المتكلم. 3/ 393. عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرصافي ثم الدمشقي كمال الدين أبو محمد. 7/ 751. عبد الله بن محمد النيسابوري المرتعش أبو محمد. 4/ 154. عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي أبو محمد. 8/ 14. عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي عصرون التميمي الحديثي ثم الموصلي أبو سعيد. 6/ 465. عبد الله بن محمد بن هشام الأنصاري المصري. 9/ 416. عبد الله بن محمد بن هلال الحنائي البغدادي أبو بكر. 5/ 8. عبد الله بن محمد الهمداني. 9/ 132. عبد الله بن محمد بن وهب الدينوري أبو محمد. 4/ 39. عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي أبو محمد. 8/ 201. عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي أبو الوليد. 5/ 20.

عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث البخاري أبو محمد. 4/ 219. عبد الله بن محمد بن يونس السّمناني أبو الحسين. 4/ 20. عبد الله بن محمود السعدي أبو عبد الرحمن. 4/ 56. عبد الله بن محيريز الجمحي المكي. 1/ 398. عبد الله المرجاني أبو محمد. 7/ 787. عبد الله بن مرزوق الأصم الهروي أبو الخير. 6/ 28. عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فئر بن الحسن الفارقي الشافعي أبو محمد. 8/ 16. عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي المستعصم بالله أبو أحمد. 7/ 467. عبد الله بن مسعود بن علي الملبي التونسي المعروف بابن القرشية. 9/ 260 و 322. عبد الله بن مسعود الهذلي. 1/ 195. عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل: المروزي الإمام أبو محمد. 3/ 318. عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي المدني القعنبي أبو عبد الرحمن. 3/ 99. عبد الله بن مطيع بن الأسود التيمي. 1/ 308. عبد الله بن مظاهر الأصبهاني. 4/ 22. عبد الله بن المظفر بن أبي القاسم علي بن طراد الزينبي العباسي البغدادي أبو طالب. 7/ 300. عبد الله بن أبي المظفر بن أبي نعيم بن أبي تمام بن الحارث النسفي أبو سعيد. 6/ 110. عبد الله بن معالي بن أحمد بن الرياني أبو بكر. 7/ 218. عبد الله بن معاوية الجمحي البصري. 3/ 199. عبد الله المعروف بشرف الدين. 7/ 495. عبد الله بن مغفل المزني. 1/ 271. عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسي قاضي الديار المصرية. 9/ 234. عبد الله بن المكتفي بالله علي بن المعتضد أحمد العباسي أبو القاسم المستكفي بالله. 4/ 202. عبد الله بن منصور الإسكندراني المعروف بالمكين الأسمر. 7/ 735. عبد الله بن منصور بن عمران الربعي الواسطي أبو بكر المعروف ب: ابن الباقلاني. 6/ 514. عبد الله بن منصور بن الموصلي البغدادي أبو محمد. 6/ 368. عبد الله بن منلا صدر الدين بن منلا كالي الهندي الحنفي. 10/ 456. عبد الله بن منير المروزي الزاهد القانت أبو عبد الرحمن. 3/ 190. عبد الله بن ميمون بن عبد الله الكوفني المالكاني أبو محمد. 6/ 262. عبد الله بن نافع الأسدي الزبيري المدني الفقيه. 3/ 75. عبد الله بن نافع المدني الصائغ الفقيه. 3/ 32.

عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي السعدي المصري أبو محمد المعروف بجمال الدين. 7/ 123. عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر صاحب مجاهد. 2/ 136. عبد الله بن نصر الحجازي أبو محمد. 5/ 347. عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر، أبو بكر. 7/ 199. عبد الله بن نمير الخارفي الكوفي أبو هشام. 2/ 471. عبد الله النهشلي الكوفي أبو بكر. 2/ 295. عبد الله بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن السامري أبو الفتح. 6/ 236. عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن البادرائي نجم الدين أبو محمد. 7/ 464. عبد الله بن الوليد بن سعيد الأنصاري الأندلسي أبو محمد. 5/ 205. عبد الله بن وهب الفهري أبو محمد. 2/ 455. عبد الله بن أبي يحيى الدويري اليماني. 9/ 132. عبد الله بن يحيى الصعبي. 6/ 276. عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري البغدادي أبو محمد. 5/ 88. عبد الله بن يحيى الغساني الجمال الجزائري أبو محمد. 7/ 657. عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين بن البانياسي المعروف بالنظام. 7/ 543. عبد الله بن يزيد المقرئ أبو عبد الرحمن. 3/ 60. عبد الله بن يوسف بن أحمد بن باموية أبو محمد المعروف ب: الأصبهاني. 5/ 53. عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سلمان بن فزارة بن بدر الكفري الدمشقي. 9/ 48. عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري أبو محمد. 8/ 329. عبد الله بن يوسف التنيسي. 3/ 90. عبد الله بن يوسف الجذامي المصري شمس الدين أبو محمد المعروف بابن اللمط. 7/ 499. عبد الله بن يوسف بن عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي المصري الرافضي أبو محمد المعروف ب: العاضد لدين الله. 6/ 368. عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني أبو محمد. 5/ 176. عبد الله بن يونس الأرمني. 7/ 255. عبد الله بن يونس القبري الأندلسي. 4/ 171. عبد اللطيف بن أحمد بن علي الفاسي الشافعي. 9/ 228. عبد اللطيف بن أحمد الفوي الشافعي. 9/ 32. عبد اللطيف بن أبي البركات إسماعيل بن أبي سعد النيسابوري ثم البغدادي. 6/ 534. عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشرجي. 9/ 32. عبد اللطيف بن أبي بكر بن سليمان القاضي بن

القاضي الحلبي الأصل، المصري. 9/ 432. عبد اللطيف الخراساني الحنفي. 10/ 405. عبد اللطيف الرومي، المولى. 10/ 327. عبد اللطيف بن عبد العزيز بن الملك، الشهير: بابن فرشته. 9/ 512. عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن أبي العز بن نعمة أبو الفرج المعروف بابن المرحل. 8/ 244. عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد المجيد بن يوسف السبكي. 8/ 519. عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل الحراني النجيب أبو الفرج. 7/ 586. عبد اللطيف بن عبد المنعم النميري أبو الفرج. 8/ 384. عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن الخراساني الجامي الأحمدي الهمداني. 10/ 404. عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن محمد بن الطبري. 7/ 232. عبد اللطيف بن علم الدين سليمان بن أبي كثير، المكي. 10/ 404. عبد اللطيف بن علي بن نفيس بن بورنداز بن الحسام البغدادي أبو محمد نور الدين. 7/ 424. عبد اللطيف بن محمد بن أحمد بن ممد الحسني الفاسي الأصل المكي. 9/ 405. عبد اللطيف بن محمد بن الأمانة. 9/ 359. عبد اللطيف بن محمد بن الحافظ عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري. 9/ 71. عبد اللطيف بن محمد بن الحسين بن رزين العامري الحموي الأصل المصري أبو البركات. 8/ 48. عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلبي الأزدي ثم الأصفهاني الخجندي. 6/ 270. عبد اللطيف بن محمد بن يحيى الجهمي سراج الدين. 10/ 56. عبد اللطيف بن يوسف البغدادي أبو محمد موفق الدين. 7/ 232. عبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي. 7/ 24. عبد المجيد بن عبد العليم إقبال القربتي الحنفي، عفيف الدين. 10/ 61. عبد المجيد بن أبي الفرج الرّوذراوري اللغوي 7/ 565. عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي أبو الميمون. 6/ 226. عبد المحسن، البغدادي، تقي الدين أبو بكر. 10/ 269. عبد المحسن بن تريك الأزجي البيع أبو الفضل. 6/ 416. عبد المحسن بن حمود الصدر العلامة أمين الدين التنوخي الحلبي. 7/ 382. عبد المحسن بن عبد الله الكريم بن ظافر بن رافع الحصني الحصري المصري أبو محمد. 7/ 207. عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري الحقيقي أبو طالب حجة الدين. 7/ 201.

عبد المحسن بن محمد الصوري. 5/ 94. عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي الشيحي أبو منصور. 5/ 392. عبد المحسن بن يعيش بن إبراهيم بن يحيى الحراني أبو محمد. 7/ 87. عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن شهاب الدين السهروردي. 8/ 62. عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي. 1/ 282. عبد المطلب بن الفضل العباسي البلخي ثم الحلبي أبو هاشم المعروف بالافتخار الهاشمي. 7/ 124. عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد أبو روح الهروي البزاز. 7/ 144. ابن عبد المعطي أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري المكي. 8/ 516. عبد المعطي بن حسن بن عبد الله المكي الحضرمي الشافعي باكثير. 10/ 612. عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي أبو العز. 6/ 452. عبد المغيث بن محمد بن عبد المغيث. 9/ 444. عبد الملك بن أحمد بن أبي حمزة البغدادي الزيات. 4/ 172. عبد الملك بن بكران النهرواني أبو الفرج. 5/ 28. عبد الملك [بن جابر عتيك الأنصاري المدني] قاضي الكوفة. 2/ 42. عبد الملك بن حبيب، أبو عمران الجوني البصري. 2/ 123. عبد الملك بن حبيب مفتي الأندلس. 3/ 174. عبد الملك بن الحسن الإسفراييني أبو نعيم. 4/ 524. عبد الملك بن زهر بن عبد الملك الإشبيلي أبو مروان. 6/ 299. عبد الملك بن زيد بن ياسين التغلبي الموصلي الدولعي ضياء الدين. 6/ 547. عبد الملك بن سراج الأموي القرطبي أبو مروان. 5/ 392. عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الكوفي الحافظ. 2/ 208. عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري. 3/ 223. عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني البصري. 2/ 475. عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي أبو الوفاء. 7/ 367. عبد الملك بن عبد الحميد الميموني الرقي الفقيه أبو الحسن. 3/ 310. عبد الملك بن عبد الرحمن بن رمضان بن حسن الحلبي الشافعي، المعروف بابن القصّاب. 10/ 501. عبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد بن العنيقة الحراني العطار أبو محمد. 7/ 797. عبد الملك بن عبد العزيز التمار الزاهد أبو نصر. 3/ 130.

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي ثم المكي أبو الوليد. 2/ 226. عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون أبو مروان. 3/ 58. عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي بن الزكي الدمشقي. 8/ 460. عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي الكروخي أبو الفتح. 6/ 244. عبد الملك بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي. 6/ 235. عبد الملك بن أبي عثمان الخركوشي النيسابوري أبو سعد. 5/ 47. عبد الملك بن العجمي الحلبي. 7/ 601. عبد الملك بن علي بن شغبة الأنصاري البصري أبو القاسم. 5/ 359. عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن عبد الله بن عبد الباقي بن عبد الله بن أبي المنا البابي المعروف بالشيخ عبيد. 9/ 336. عبد الملك بن عمرو البصري أبو عامر. 3/ 29. عبد الملك بن قريب الباهلي البصري الأصمعي اللغوي الأخباري أبو سعيد. 3/ 76. عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري أبو منصور. 5/ 151. عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري الحافظ أبو قلابة. 3/ 319. عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي أبو القاسم. 5/ 151. عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني أبو المعالي. 5/ 338. عبد الملك بن محمد بن عبد الملك اليعقوبي أبو الكرم. 6/ 258. عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني أبو نعيم. 4/ 123. عبد الملك بن مروان أبو الوليد. 1/ 352. عبد الملك بن مسرة اليحصبي الشنتمري ثم القرطبي أبو مروان. 6/ 269. عبد الملك بن أبي نصر الجيلاني ثم البغدادي. 6/ 229. عبد الملك بن هشام البصري النحوي. 3/ 91. عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد الأنصاري المصري جلال الدين. 7/ 753. عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي ثم المصري. 9/ 103. عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن المظفر الفراوي النيسابوري أبو المعالي. 6/ 475. عبد المنعم بت عبد الله المصري الحنفي. 9/ 32. عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء أبي البركات بت عساكر الدمشقي أبو محمد. 7/ 798. عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد الحراني ثم البغدادي أبو الفرج المعروف ب: ابن كليب. 6/ 534. عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي أبو

الطيب. 4/ 478. عبد المنعم بن علي بن أبي بكر بن مفلح الحنبلي. 9/ 541. عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور بن هبة الله النهري الحراني أبو محمد، نجم الدين. 7/ 7. عبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري أبو المظفر. 6/ 164. عبد المنعم بن محمد بن الحسين بن سليمان الباجسرائي ثم البغدادي أبو محمد. 7/ 94. عبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء البعلبكي ثم الدمشقي أبو المظفر. 7/ 397. عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي الزهري العوفي النابلسي أبو الذكاء. 7/ 701. عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي. 8/ 553. عبد المؤمن بن خلف التميمي النسفي أبو يعلى. 4/ 245. عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي. 8/ 23. عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود بن شمائل البغدادي. 8/ 213. عبد المؤمن بن عبد الغالب بن محمد بن طاهر بن خليفة بن محمد بن حمدان الشيباني البغدادي الوراق أبو محمد. 6/ 501، 6/ 502. عبد المؤمن العنتابي المعروف بمؤمن الحنفي. 9/ 71. عبد المؤمن الكوميّ التلمساني. 6/ 305. عبد المؤمن بن المشرقي. 9/ 373. عبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الدمشقي، شرف الدين. 10/ 481. عبد النبي المغربي المالكي. 10/ 174. عبد النبي بن المهدي ويلقب بالمهدي. 6/ 386. ابن عبد الهادي إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي. 8/ 619. ابن عبد الهادي أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد الصالحي. 8/ 293. ابن عبد الهادي أبو بكر بن أحمد المقدسي. 8/ 610. عبد الهادي بن شرف الإسلام عز الدين. 6/ 470. عبد الهادي الصفوري، الدمشقي الشافعي، الصوفي، ولي الله. 10/ 175. عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي القيسي المصري أبو الفتح. 7/ 583. ابن عبد الهادي محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الجماعيلي الصالحي. 8/ 245. ابن عبد الهادي محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن قدامة. 8/ 371. عبد الهادي اليمني محمد بن علي بن

محمد بن إبراهيم بن محمد السودي. 10/ 262. العبدري رزين بن معاوية الأندلسي السرقسطي. 6/ 175. العبدري عبد الرحمن بن علي بن الديبع الشيباني. 10/ 362. العبدري محمد بن علي بن محمد جمال الدين أبو المحاسن الشيبي. 9/ 325. ابن عبدة محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي النيسابوري السّليطي أبو الحسن. 4/ 342. عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب الفوي الأصل الشهير بابن المرشد. 9/ 331. عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم الهروي المليحي أبو عمر. 5/ 266. عبد الواحد بن أحمد بن محمد الثقفي أبو جعفر. 6/ 291. عبد الواحد بن إدريس المؤمني ابن المأمون أبو محمد. 7/ 360. عبد الواحد بن أحمد بن مسرور البلخي أبو الفتح. 4/ 413. عبد الواحد بن أحمد المعلم الأصبهاني أبو أحمد. 5/ 226. عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري أبو سعيد. 5/ 408. عبد الواحد بن إسماعيل الرّوياني أبو المحاسن. 6/ 8. عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي الحسن الإفريقي ثم المصري. 8/ 501. الشيخ عبد الواحد البصير المقرئ، الوفائي. 9/ 417. عبد الواحد بن الحسين بن أحمد بن شيطا أبو الفتح. 5/ 217. عبد الواحد بن خلف بن نبهان المعروف بالخطيب كمال الدين. 7/ 432. عبد الواحد بن زياد العبدي البصري أبو بشر ويقال: أبو عبيدة. 2/ 343، 389. عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد. 2/ 346. عبد الواحد بن شنيف بن محمد بن عبد الواحد الديلمي البغدادي أبو الفرج. 6/ 141. عبد الواحد بن أبي طاهر محمد بن المسلم بن الحسن بن هلال الأزدي أبو المكارم. 6/ 357. عبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الوركي. 5/ 410. عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي الدمشقي أبو المكارم. 7/ 367. عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيع أبو الفضل. 7/ 25. عبد الواحد بن عبد الله المغربي، المعروف بابن اللوز. 8/ 537. عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري أبو القاسم. 5/ 237. عبد الواحد بن علي القرشي الهكاري الفارقي. 7/ 684. عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلاف

البغدادي أبو القاسم. 5/ 369. عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي بن الحكار. 8/ 528. عبد الواحد بن عمر بن محمد البغدادي بن أبي هاشم أبو طاهر. 4/ 258. عبد الواحد بن غياث المربدي البصري. 3/ 182. عبد الواحد بن محمد التجيبي القبري أبو شاكر. 5/ 239. عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي ثم البغدادي البزاز أبو عمر. 5/ 59. عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي ثم المقدسي الحنبلي أبو الفرج. 5/ 369. عبد الواحد بن أبي المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني الأصبهاني. 7/ 31. عبد الواحد المغربي المالكي. 10/ 365. عبد الواحد بن نصر المخزومي النصيبيني أبو الفرج الشاعر المشهور ب: الببغاء. 4/ 515. عبد الواحد بن واصل الحداد البصري أبو عبيدة. 2/ 416. عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي أبو محمد. 7/ 168. عبد الوارث بن سعيد العنبري التنوري البصري أبو عبيدة. 2/ 356. عبد الوارث بن سفيان القرطبي أبو القاسم ويعرف ب: الحبيب. 4/ 504. عبد الواسع بن خضر، الديمتوقي. 10/ 365. عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الأبهري شمس الدين. 7/ 723. عبد الولي بن علي بن السماقي. 7/ 785. عبد الولي بن محمد بن الحسن الخولاني اليمني الشافعي. 9/ 337. عبد الوهاب بن إبراهيم العرضي الحلبي، الشافعي. 10/ 379. عبد الوهاب بن أحمد، تاج الدين وأمه زينب بنت الباعوني بن نقيب الأشراف. 10/ 189. [عبد الوهاب بن أحمد بن جلبة الحرّاني الخزاز] [1] الحنبلي القاضي. 5/ 323. عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون أبو محمد. 7/ 745. عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي. 10/ 544. عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب البقاعي الفاري. 9/ 242. عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي ثم الحراني الخزاز أبو الفتح. 5/ 327. عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن أبي بكر الأخنائي. 8/ 489. عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن عبد القادر

_ [1] ما بين الحاصرتين لم يرد في الكتاب وأثبته من ترجمة المترجم في «سير أعلام النبلاء» (18/ 560) و «المنهج الأحمد» (2/ 416) تحقيق صديقنا الأستاذ رياض عبد الحميد مراد بإشراف والدنا الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط.

الجعفري النابلسي. 9/ 356. عبد الوهاب بن أحمد بن محمد، شهاب الدين ابن عربشاه الحنفي، تاج الدين. 10/ 9. عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي. 10/ 282. عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي. 8/ 364. عبد الوهاب بن بخت مولى بني مروان. 2/ 66. عبد الوهاب بن بزغش العيبي البغدادي أبو الفتح. 7/ 95. عبد الوهاب بن الحسن الكرماني أبو سعد. 6/ 312. عبد الوهاب بن الحسن المصري البهنسي وجيه الدين. 7/ 693. عبد الوهاب بن الحسن المصري البهنسي وجيه الدين. 7/ 693. عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي أبو الحسين. 4/ 507. عبد الوهاب بن الحسين بن برهان البغدادي الغزال أبو الفرج. 5/ 203. عبد الوهاب بن حمزة بن عمر البغدادي أبو سعد. 6/ 77. عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي المصري تاج الدين أبو محمد. 7/ 555. عبد الوهاب بن داود صاحب اليمن. 9/ 535. عبد الوهاب الدّنجيهي المصري الشافعي، النحوي، تاج الدين. 10/ 256. عبد الوهاب الذاكر المصري، تاج الدين. 10/ 156. عبد الوهاب بن رزق الله بن عبد الوهاب التميمي أبو الفضل. 5/ 402. عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحراني أبو محمد ناصح الدين. 7/ 225. عبد الوهاب بن سبع البعلبكي. 8/ 544. عبد الوهاب بن شاه أبو الفتوح الشاذياخي النيسابوري. 6/ 176. عبد الوهاب بن شرف الإسلام عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي الأصل الأنصاري أبو العلاء نجم الدين. 6/ 469. عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي الأزجي أبو محمد. 6/ 514. عبد الوهاب الصواف الدمشقي الشافعي، تاج الدين. 10/ 345. عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الإسكندراني أبو محمد رشيد الدين ابن رواج المحدث. 7/ 418. عبد الوهاب بن عبد الرحيم بن هبة الله القصار أبو محمد. 4/ 524. عبد الوهاب بن عبد القادر العنّابي الدمشقي، تاج الدين. 10/ 320. عبد الوهاب بن عبد الكريم الرومي الحنفي المولى. 10/ 115. عبد الوهاب بن عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكي. 9/ 80. عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر المري الدمشقي أبو نصر المعروف ب: ابن الحبان الشروطي. 5/ 123. عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي. 2/ 441.

عبد الوهاب بن عبد الولي بن عبد السلام المراغي المصري الإخميمي ثم الدمشقي. 8/ 344. عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر. 3/ 27. عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي أبو نصر. 8/ 378. عبد الوهاب بن علي بن علي البغدادي ضياء الدين بن سكينة أبو أحمد. 7/ 48. عبد الوهاب بن علي القرشي الزبيري الدمشقي الشروطي ويعرف: بالحبقبق. 6/ 494. عبد الوهاب بن علي بن محمد بن موسى الغندجاني أبو أحمد. 5/ 203. عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي أبو محمد. 5/ 112. عبد الوهاب بن عيسى بن ماهان البغدادي ثم المصري. 4/ 373. عبد الوهاب بن أبي الفرج الحنبلي عبد الواحد بن محمد الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي المعروف ب: شرف الإسلام. 6/ 185. عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلي العدوي. 8/ 83. عبد الوهاب القبطي. 8/ 222. عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي أبو البركات. 6/ 191. عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد المقدسي الصحراوي أبو محمد. 7/ 579. عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الحنفي الطرابلسي. 9/ 202. عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة العبدي الأصبهاني أبو عمرو. 5/ 321. عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني. 8/ 519. عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد الفارسي الفامي أبو محمد. 5/ 428. عبد الوهاب بن محمد المكي بن الصابوني أبو الفتح. 6/ 296. عبد الوهاب بن الميداني بن جعفر بن علي أبو الحسين. 5/ 91. عبد الوهاب بن النحاس الحنفي أبو محمد المعروف بالبدر. 6/ 555. عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حية البغدادي الطحان أبو ياسر. 6/ 481. عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلار الدمشقي. 8/ 474. عبد الوهاب بن يونس بن عبد الوهاب العيثاوي الشافعي تاج الدين. 10/ 462. عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي أبو محمد. 4/ 33. عبدان عبد الله بن عثمان المروزي محدّث مرو وشيخها. 3/ 99. عبدان عبد الله بن محمد بن عيسى المروزي 3/ 395. العبدري محمد بن سعدون بن الميورقي العبدري أبو عامر. 6/ 116.

عبدة بن سليمان الكلابي الكوفي. 2/ 405. عبدوس عبد الرحمن بن أحمد بن عباد الهمذاني 4/ 14. عبدوس عبد الله بن محمد بن مالك بن هانئ النيسابوري. 3/ 346. ابن عبدوس بن عبيد الله بن محمد. 5/ 396. عبدوس بن عبيد الله بن محمد بن عبدوس أبو الفتح. 5/ 396. ابن عبدوس الحرّاني علي بن عمر بن أحمد بن عمّار. 6/ 306. ابن عبدوس محمد بن عبد الجبار بن كامل السراج. 3/ 395. العبدوسي موسى بن أحمد بن منصور. 8/ 585. العبدي أحمد بن كثير العبدي الدورقي أبو عبد الله 3/ 211. العبدي أحمد بن محمد، أبو يعلى. 5/ 395. العبدي أحمد بن المعدّل بن غيلان البصري. 3/ 184. العبدي بشر بن الحكم النيسابوري. 3/ 173. العبدي الحسن بن عرفة البغدادي. 3/ 256. العبدي عبد الواحد بن زياد البصري أبو عبيدة. 2/ 343. العبدي عبد الواحد بن زياد، مولاهم البصري أبو بشر. 2/ 389. العبدي عثمان بن عمر بن فارس البصري. 3/ 47. العبدي محمد بن بشر الكوفي. 3/ 15. العبدي محمد بن أحمد بن البراء القاضي. 3/ 385. العبدي محمد بن كثير البصري أبو عبد الله. 3/ 106. العبدي أبو هارون صاحب أبي سعيد الخدري. العبدي يحيى بن بكير. 3/ 45. العبري عبيد الله بن محمد الشريف برهان الدين الحسيني الفرغاني. 8/ 241. العبسي إبراهيم بن عبد الله بن عمر القصار الكوفي. 3/ 327. العبسي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الديري المقدسي. 9/ 422. العبسي عبيد الله بن موسى الكوفي. 3/ 61. العبسي علي بن ظبيان الكوفي القاضي أبو الحسن. 2/ 423. العبشمي أحمد بن أبي بكر الأسدي الشهير جده بالطواشي. 9/ 267. العبشمي معمر بن عبد الواحد بن الفاخر القرشي الأصبهاني. 6/ 355. العبقسي أحمد بن إبراهيم بن أحمد المكي العطار. 5/ 29. ابن أبي عبلة إبراهيم. 2/ 241. ابن عبيدان إبراهيم. 8/ 10. عبيد الدّنجاوي ثم البلقيني، المصري. 10/ 290. عبيد العجل الحسين بن محمد بن حاتم

الحافظ. 3/ 397. عبيد بن غنام بن حفص بن غياث الكوفي أبو محمد. 3/ 411. أبو عبيد القاسم بن سلّام البغدادي. 3/ 111. عبيد بن إبراهيم جمال الدين العبادي المحبوبي. 7/ 241. عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري البغدادي الصيرفي أبو القاسم. 5/ 167. عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي الوراق أبو جعفر المعروف بابن السمين. 6/ 481. عبيد الله بن أحمد بن معروف البغدادي أبو محمد. 4/ 427. عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي أبو السليل. 2/ 311. عبيد الله بن أبي بكرة. 1/ 325. عبيد الله بن جحش. 1/ 236. عبيد الله بن أبي جعفر الليثي مولاهم المصري الفقيه. 2/ 148. عبيد الله بن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي العلّاف. 7/ 785. عبيد الله بن حسين بن دلال الكرخي أبو الحسن. 4/ 220. عبيد الله بن الحسين الفرّاء أبو القاسم. 5/ 299. عبيد الله بن أبي حفص عمر بن شاهين أبو القاسم. 5/ 181. عبيد الله بن زياد. 1/ 292. عبيد الله بن أبي زياد الرصافي الشامي. 2/ 261. عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري السجزي أبو نصر. 5/ 194. عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري أبو قدامة. 3/ 190. عبيد الله بن العباس. 1/ 266. عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي الحافظ. 2/ 365. عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري العوفي البغدادي أبو الفضل. 4/ 428. عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي الحافظ أبو زرعة. 3/ 278. ابن عبيد الله عبد الله بن أحمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي. 9/ 49. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الضرير. 1/ 394. عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. 2/ 35. عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا الدباس بن شاتيل أبو الفتح. 6/ 446. عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي البصري أبو علي. 3/ 46. عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي البصري أبو علي. 3/ 46. عبيد الله بن عبيد الله الأردبيلي الحنفي. 9/ 104. عبيد الله بن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني أبو نعيم. 6/ 91. عبيد الله بن علي الخطيبي. 6/ 8. عبيد الله بن علي بن أبي طالب. 1/ 293. عبيد الله بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء أبو القاسم. 6/ 434.

عبيد الله بن علي بن نصر بن حمرة بن علي بن عبيد الله البغدادي التيمي المعروف بابن المرستانية أبو بكر مجد الدين. 6/ 552. عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني أبو عثمان. 2/ 214. عبيد الله بن عمر بن الخطاب. 1/ 213. عبيد الله بن عمرو الرقي أبو وهب. 2/ 357. عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي شمس الدين. 7/ 673. عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم الفرضي أبو أحمد. 5/ 42. عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة البغدادي البزاز المتوثي أبو القاسم. 4/ 478. عبيد بن محمد الإسعردي. 7/ 735. عبيد الله بن محمد بن أبي بكر البيهقي أبو الحسن. 6/ 110. عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزاز أبو القاسم. 4/ 463. عبيد الله بن محمد الشريف برهان الدين الحسيني الفرغاني، المعروف بالعبري. 8/ 241. عبيد الله بن محمد الفامي النيسابوري أبو الفضل. 4/ 473. عبيد الله بن محمد العيشي البصري الأخباري. 3/ 130. عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري أبو عبد الله. 4/ 463. عبيد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن زيد البعلبكي المعروف بابن زيد. 9/ 259. عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني اللفتواني أبو زرعة. 7/ 15. عبيد الله بن مروان الأموي. 2/ 140. عبيد الله بن المظفر الباهلي الأندلسي. 6/ 252. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري البصري. 3/ 171. عبيد الله بن معمر التيمي. 1/ 195. عبيد الله المهدي والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية. 4/ 114. عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي الحافظ. 3/ 61. الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل. 3/ 276. عبيد الله بن الإمام يحيى بن يحيى الليثي أبو مروان. 3/ 420. عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن جميل الأصبهاني أبو أحمد. 4/ 459. عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي، المولى، سبط الوزير أحمد باشا الفناري. 10/ 303. عبيد الله بن يونس بن أحمد بن عبيد الله بن هبة الله البغدادي الأزجي المعروف بالوزير جلال الدين. 6/ 513. عبيد بن محمد بن عبيد القشيري أبو العلاء. 6/ 57. أبو عبيد بن مسعود والد المختار الكذاب. 1/ 160.

أبو عبيدة بن الجراح. 1/ 166. عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي. 1/ 114. عبيدة بن حميد الكوفي الحذاء الحافظ. 2/ 417. عبيدة السلماني المرادي. 1/ 304. أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي. 1/ 333. العبيدي الحسن بن عبد المجيد المصري. 6/ 148. ابن عبية أحمد بن محمد بن محمد بن المقدسي الأثري. 10/ 37. عتاب بن بشير الحراني. 2/ 405. ابن عتاب عبد الرحمن بن محمد القرطبي. 6/ 106. عتّاب بن ورقاء الرياحي. 1/ 316. العتابي المبارك بن علي بن أبي الجود الوراق. 7/ 194. أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم العنزي. 3/ 52. عتبة بن خيثمة التميمي النيسابوري أبو الهيثم. 5/ 42. عتبة بن عبيد السلمي. 1/ 354. عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي أبو السائب. 4/ 265. عتبة بن الندر السلمي. 1/ 347. عتبة بن أبي وقاص. 1/ 161. العتبي رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة الشافعي المصري. 9/ 401. العتبي محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة الأموي القرطبي. 3/ 243. العتبي محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي. 3/ 132. العتقي صباح بن عيد الرحمن الأندلسي أبو الغصن. 3/ 396. العتقي عبد الرحمن بن القاسم بن خالد أبو عبد الله. 2/ 420. العتكي شعبة بن الحجاج بن الورد الأزدي. 2/ 269. العتكي عمر بن علي الأنطاكي. 4/ 322. عتيق بن أحمد الأزدي الأندلسي الأوريولي أبو بكر. 6/ 262. عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري. 8/ 104. ابن العنيقة عبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد. 7/ 797. العتيقي أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي. 5/ 183. عثام بن علي الكوفي. 2/ 447. العثلي أحمد بن علي بن أحمد. 6/ 11. عثمان بن إبراهيم بن أحمد البرماوي. 9/ 179. عثمان بن إبراهيم بن الحمصي النساخ أبو عمرو. 8/ 44. عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الخالق المريني. 9/ 243. عثمان بن أحمد بن السماك البغدادي الدقاق أبو عمرو. 4/ 235. عثمان بن أحمد بن عثمان الزرعي بن شمر نوح

الشافعي قاضي حلب فخر الدين. 8/ 444. عثمان بن أحمد القرطبي القسطاني أبو عمرو. 5/ 155. عثمان بن أسعد الحنبلي عز الدين أبو الفتح وأبو عمرو. 7/ 366. عثمان بن الأسود المكي. 2/ 233. عثمان الباقلاني البغدادي أبو عمرو. 5/ 12. عثمان بن بلبان المقاتلي. 8/ 84. عثمان بن ثقالة العجلوني. 9/ 171. عثمان بن جني الموصلي النحوي أبو الفتح. 4/ 494. عثمان الحجبي. 1/ 231. عثمان بن الحسن السبتي أبو عمرو. 7/ 293. عثمان الديرناعسي. 7/ 436. عثمان بن سراقة الأزدي. 2/ 185. عثمان بن سعيد بن بشار البغدادي الأنماطي أبو القاسم. 3/ 369. عثمان بن سعيد الدارمي السجزي الحافظ أبو سعيد. 3/ 330. عثمان بن سعيد الفهري المصري معين الدين ابن تولوا. 7/ 685. عثمان بن سعيد القرطبي بن الصيرفي الداني أبو عمرو. 5/ 195. عثمان بن سعيد القيرواني ثم المصري أبو سعيد. 2/ 457. عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أبو الفتح. 6/ 521، 6/ 522. عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادي. 8/ 545. عثمان بن سليمان الصنهاجي. 9/ 247. عثمان السنباطي الشافعي فخر الدين. 10/ 310. عثمان بن شمس الآمدي الدمشقي الحنفي، فخر الدين أبو النور. 10/ 366. عثمان بن طغربك بن سليمان شاه بن عثمان. 8/ 122. عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي القاص. 2/ 253. عثمان بن العادل الأيوبي. 9/ 430. عثمان بن العادل أبي بكر بن أيوب. 7/ 240. عثمان بن عاصم الأسدي أبو حصين سيد بني أسد بالكوفة. 2/ 123. عثمان بن عبد الرحمن الحراني الطرائفي. 3/ 13. عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي تقي الدين بن الصلاح أبو عمرو. 7/ 383. عثمان بن عبد الله بن خرزاذ الأنطاكي الحافظ أبو عمرو. 3/ 332. عثمان بن عبد الله الصعيدي ثم الحلبوني. 8/ 32. عثمان بن عبد الله العامري. 8/ 604. عثمان بن عبد الرحمن المخزومي البلبيسي ثم المصري. 9/ 71. عثمان بن عفان رضي الله عنه. 1/ 201. عثمان بن علي البيكندي أبو عمرو. 6/ 269. عثمان بن علي التلبلي. 9/ 529.

عثمان بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب الطائي الحلبي المعروف بابن خطيب جبرين. 8/ 163، 8/ 214. عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي الدمشقي أبو عمرو. 7/ 481. عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي أبو عمرو. 7/ 405. عثمان بن عمر بن خفيف البغدادي الدارج أبو عمرو. 4/ 324. عثمان بن عمر الشيخ المعمر الحلبي الشافعي المعروف بابن شيء الله. 10/ 466. عثمان بن عمر بن فارس العبدي البصري. 3/ 47. عثمان بن عيسى بن درباس ضياء الدين الكردي الهذباني الماراني ثم المصري أبو عمر. 7/ 14. عثمان بن فار بن مهنا بن عيسى. 8/ 511. عثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي أبو عمرو. 4/ 240. عثمان بن محمد البغدادي السقطي أبو عمرو الملقب ب سنقة. 4/ 292. عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسن الحراني ثم الدمشقي بن المغربل ويعرف قديما بابن سينا. 8/ 391. عثمان بن محمد الذهبي البغدادي أبو الحسين. 4/ 185. عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي الحافظ. 3/ 177. عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن هبة الله بن المسلم الجهني الحموي أبو عمرو المعروف بابن البارزي. 8/ 164. عثمان بن محمد بن عبد العزيز بن أحمد الهنتاتي صاحب المغرب المتوكل على الله أبو عمر. 9/ 532. عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي المزكي أبو عمرو. 5/ 350. عثمان بن محمد بن عثمان التوزري أبو عمرو. 8/ 60. عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر الأنصاري السعدي العبادي. 9/ 50. عثمان بن محمد بن لولو. 8/ 197. عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن عبد الغني. 8/ 497. عثمان بن محمد بن وجيه الشيشيني. 8/ 613. عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست البغدادي أبو عمرو. 5/ 138. عثمان بن مظعون القرشي الجمحي. 1/ 116. عثمان بن مقبل بن قاسم الياسري ثم البغدادي جمال الدين أبو عمر. 7/ 124. عثمان بن مكي بن عثمان بن إسماعيل بن السعدي جمال الدين المعروف بالشارعي. 7/ 516. عثمان بن منكورس مظفر الدين صاحب صهيون. 7/ 516. عثمان بن موسى بن عبد الله الطائي الإربلي الآمدي. 7/ 598.

عثمان بن أبي نصر بن منصور بن هلال البغدادي المسعودي أبو الفتوح وأبو الفرج وأبو عمر ضياء الدين المعروف بابن الوتار. 7/ 315. عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل بن عوف الزهري العوفي الإسكندراني أبو الفتح. 7/ 599. عثمان بن الهيثم مؤذن جامع البصرة. 3/ 96. عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني أبو سعيد. 8/ 168. عثمان بن يوسف الحموي الدمشقي الشافعي، فخر الدين. 10/ 56. العثماني أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك الصرميني. 9/ 77. العثماني عبد الله بن عبد الجبار الإسكندراني أبو محمد. 7/ 108. العثماني عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الديباجي. 6/ 400. العثماني محمد بن علي بن الحسن القرشي أبو المعالي. 6/ 354. العثماني محمد بن عمر بن عبد الغالب أبو عبد الله. 7/ 146. عجيبة بنت محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية. 7/ 412. العجلوني أحمد بن محمد بن عبد الله العرجاني. 8/ 466. العجلوني علي بن محمد الحسيني العجلوني البروسوي المعروف بالحديدي علاء الدين. 10/ 282. العجلوني محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس الديموني الشافعي. 10/ 441. العجلوني محمد بن الطلحة الشافعي البسّامي شمس الدّين العجلوني. 10/ 342. العجلوني محمد بن عبد الله بن مالك بن مكتوم بن نجم الدمشقي. 8/ 385. العجلوني محمد بن شرف الدين موسى بن عيسى الشافعي. 10/ 63. العجلوني أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي. 3/ 266. العجلي أحمد بن المقدام البصري. 3/ 240. العجلي داود بن يمان. 3/ 13. العجلي زيد بن علي بن أبي بلال الكوفي. 4/ 305. العجلي عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار الرازي. 5/ 229. العجلي عبد الله بن صالح الكوفي. 3/ 55. العجلي قاسم بن عيسى، أبو دلف. 3/ 116. العجلي محمد بن نوح. 3/ 91. العجلي يحيى بن اليمان الكوفي «أبو زكريا» . 2/ 413. العجلي يونس بن حبيب «أبو بشر» . 3/ 289. العجماوي عبد القادر بن حسن العجماوي. 10/ 497. ابن العجمي إبراهيم بن صالح. 8/ 166. العجمي إبراهيم العجمي الصوفي. 10/ 333.

العجمي أحمد بن عبد الله الحنبلي. 9/ 121. ابن العجمي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأبلي. 9/ 44. ابن العجمي أحمد بن محمود بن عبد الله القيسري. 9/ 295. العجمي إدريس بن حسام الدّين الرومي الحنفي. 10/ 184. العجمي أمير شريف المكي. 10/ 412. العجمي تاج بن محمود الأصفهندي. 9/ 96. العجمي جندل بن محمد. 7/ 605. العجمي حامد بن عبد الله الحنفي. 10/ 41. العجمي حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل المقدسي الصالحي. 10/ 184. العجمي شيخ زاده الحنفي. 9/ 111. ابن العجمي عبد الرحمن بن الحسن الحلبي. 6/ 330. ابن العجمي عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي. 7/ 507. ابن العجمي عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم الحلبي. 8/ 460. العجمي عبد الفتاح بن أحمد بن عادل باشا الحنفي. 10/ 174. ابن العجمي عبد الملك الحلبي. 7/ 601. ابن العجمي عمر بن إبراهيم بن عبد الله الحلبي. 8/ 436. العجمي عمر بن منصور بن سليمان القرمي. 9/ 127. العجمي محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح الحلبي. 8/ 404. العجمي محمد بن عمر بن إبراهيم الحلبي. 9/ 34. العجمي محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي أبو طالب صاحب «القوت» . 4/ 460. العجمي محمد بن كريم الدين محمد الأيجبي. 10/ 598. ابن العجمي محمد بن مسعود الحافظ. 3/ 221. العجمي علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري. 9/ 351. العجمي محمود الشافعي السيد الشريف. 10/ 411. العجمي محمود بن علي القيصري الرومي. 8/ 617. العجمي مصطفى بن محمد العجمي. 10/ 641. العجمي نصر الله بن محمد العجمي الخلخالي. 10/ 483. العجمي ولي بن الحسين الشرواني الشافعي. 10/ 442. ابن العجوز عبد الرحيم بن أحمد بن الكتامي المالكي. 5/ 100. العجيسي محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التلمساني. 8/ 467. العجيمي أحمد بن أبي بكر بن رسلان الشافعي. 9/ 362. العجيمي عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن

محمود بن موسى، زين الدين المقدسي. 10/ 60. العجيمي محمد بن عبد الماجد. 9/ 229. ابن العجيمي محمد بن محمد بن أحمد المقدسي الشافعي الصّوفي. 10/ 322. ابن عجيمة عمر بن محمد بن أحمد الحنبلي. 9/ 474. ابن عدلان محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن محمود بن لاحق. 8/ 279. العدني الحكم بن أبان. 2/ 248. العدني علي بن محمد بن عيسى بن عطيف. 9/ 916. العدني محمد بن يحيى بن أبي عمر الحافظ أبو عبد الله. 3/ 199. العدني محمد بن يحيى قاضي عدن. 4/ 101. العدوي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري المدني. 2/ 365. العدوي عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عثمان. 2/ 214. العدوي عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن أسامة النصيبي. 7/ 316. العدوي عمر بن حبيب البصري. 3/ 36. العدوي الكذاب الحسن بن علي بن زكريا البصري. 4/ 92. العدوية رابعة بنت إسماعيل البصرية. 2/ 156. عدي بن ثابت الأنصاري. 2/ 77. عدي بن حاتم الطائي. 1/ 292. عدي بن عدي بن عميرة الكندي. 2/ 90. ابن أبي عدي محمد بن إبراهيم البصري المحدث. 2/ 441. عدي بن مسافر بن إسماعيل الشامي ثم الهكاري. 6/ 300. ابن العديم الحنفي إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز العقيلي الحلبي. 8/ 507. ابن العديم عبد الرحمن بن عمر بن أحمد العقيلي الحلبي. 7/ 624. ابن العديم عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عمر العقيلي. 9/ 501. ابن العديم عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله الحنفي. 8/ 52. ابن العديم عمر بن أحمد بن هبة الله العقيلي الحلبي. 7/ 525. ابن العديم محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن أبي جرادة العقيلي. 9/ 207. ابن العديم محمد بن عمر بن أحمد العقيلي الحلبي القرطبي. 7/ 746. العديمي ركن الدين بيبرس التركي. 8/ 59. العذري أحمد بن عمر بن أنس الأندلسي الدلائي. 5/ 337. العذري العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي. 3/ 300. ابن العرّاد مكي بن أبي القاسم بن عبد الله البغدادي. 6/ 516. ابن عراق عبد النافع بن علي عبد الرحمن بن عراق. 10/ 481. ابن عراق علي بن محمد بن علي بن عبد

الرحمن بن عراق. 10/ 489. ابن عراق محمد بن علي بن عبد الرحمن الدمشقي شمس الدين، أبو علي. 10/ 273. العراقي إبراهيم بن منصور بن المسلم. 6/ 529. العراقي أحمد بن الحسين بن أحمد البغدادي. 6/ 480. العراقي أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن. 9/ 251. العراقي أبو بكر بن محمد المصري. 8/ 390. العراقي الحسن بن محمد بن علي. 9/ 46. ابن عراك عمر بن محمد المصري. 4/ 473. عراك بن مالك المدني. 2/ 11. عرب جلبي أحمد بن حمزة الرومي الحنفي. 10/ 401. عرب شاه إبراهيم بن محمد بن أبو إسحاق الإسفراييني. 10/ 417. ابن عربشاه أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم. 9/ 409. ابن عربشاه إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدّين. 10/ 485. ابن عرب شاه عبد الوهاب بن أحمد بن محمد تاج الدين. 10/ 9. ابن عربشاه علي بن أحمد علاء الدين. 10/ 69. ابن عرب محمد بن عمر بن علي الطّنبذي، الشافعي جمال الدين. 9/ 378. العرباض بن سارية السلمي. 1/ 313. العربي عبد الباقي بن علاء الدين. 10/ 526. العربي علي علاء الدين. 10/ 10. ابن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي أبو بكر. 6/ 232. ابن العربي محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي. 7/ 332. ابن العربي محمد ابن الشيخ محيي الدين الحاتمي الطائي سعد الدين. 7/ 488. العرجاني أحمد بن محمد بن عبد الله العجلوني. 8/ 466. العرزمي عبد الملك بن أبي سليمان الكوفي. 2/ 208. العرضي محمد بن علي المعروف بابن هلال الشافعي النحوي العرضي. 10/ 277. ابن عرعرة إبراهيم بن محمد بن الشامي البصري. 3/ 140. عرفة القيرواني المغربي المالكي. 10/ 397. عرفة بن محمد الأرموي الدمشقي الشافعي، زين الدين. 10/ 241. ابن عرفة النحوي إبراهيم بن محمد بن عرفة أبو عبد الله نفطويه. 4/ 122. ابن عرق الموت محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف بن مصال الإسكندراني. 7/ 527. عرقلة حسان بن نمير الكلبي. 6/ 365. العرني القاسم بن الحكم العرني الكوفي. 3/ 43.

أبو عروبة الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي. 4/ 89. ابن عروس أحمد بن عروس المغربي التونسي. 9/ 462. عروة الثقفي. 1/ 129. ابن عروة علي بن الحسين بن عروة المشرقي 9/ 323. عروة بن الزبير بن العوام الأسدي الأموي أبو محمد. 1/ 373. عروة بن مصعب بن الزّبير. 1/ 305. العرياني أحمد بن علي بن محمد بن قاسم. 8/ 441. العرياني عبد الله بن أحمد بن علي. 9/ 132. ابن أبي العزائم إبراهيم بن عبد الله بن محمد الكوفي أبو إسحاق. 4/ 319. ابن العز أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي. 8/ 601. العز أحمد بن العماد بن عبد الهادي المقدسي. 7/ 794. ابن أبي العز أحمد بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس الدينوري. 6/ 406. ابن أبي العز أحمد بن محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي. 6/ 220. أبو العز عبد الباقي بن عثمان الهمذاني. 7/ 15. عز الدين الصابوني الحلبي، المعروف بابن عبد الغني ابن عم أبي بكر بن الموازيني. 10/ 157. عزّ الدّين المازندراني العجمي. 10/ 311. ابن أبي العز علي بن محمد بن محمد الصالحي. 8/ 557. العزّ محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي. 7/ 104. العز النّسابة محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي. 7/ 391. العزازي أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم. 8/ 40. العزازي حسين بن أحمد بن حسين الموصلي الأصل. 10/ 82. ابن عزّون إسماعيل بن عبد القوي الأنصاري. 7/ 564. العزيز بن حسام الدين لاجين الملقب بالجوكندارا. 7/ 540. عزيز بن محمد بن العراقي القزويني ركن الدين أبو الفضل المعروف بالطاووسي. 6/ 563. ابن أخي العزيز محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني. 6/ 541. عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجيلي أبو المعالي المعروف ب: شيذله. 5/ 408. ابن عساكر أحمد بن هبة الله بن أحمد الدمشقي (أبو العباس) المسند. 7/ 778. ابن عساكر إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء. 8/ 47. ابن عساكر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن أبو نصر. 7/ 256. ابن عساكر عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقي. 7/ 692.

ابن عساكر عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء الدمشقي. 7/ 798. ابن عساكر علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي أبو القاسم صاحب «تاريخ دمشق» . 6/ 395. ابن عساكر علي بن القاسم عماد الدين. 7/ 125. ابن عساكر القاسم بن علي بن الحسن أبو محمد. 6/ 564. ابن عساكر القاسم بن مظفر بن محمد بن تاج الأمناء. 8/ 110. ابن عساكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن العز النسابة الدمشقي. 7/ 391. ابن عساكر محمد بن إسماعيل بن عثمان بن مظفر بن هبة الله الدمشقي. 7/ 576. العساكري هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي. 6/ 343. العسّال محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو أحمد. 4/ 258. العسّال محمد بن سعد بن سعيد العسّال أبو البركات. 6/ 43. العسجدي أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المصري. 8/ 315. العسقلاني إبراهيم بن نصر الله بن أحمد الكناني. 9/ 27. العسقلاني أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد الكناني. 9/ 479. العسقلاني أحمد بن علي بن عبد الرحمن المصري البلبيسي. 8/ 449. العسقلاني إسماعيل بن أبي عبد الله الصالحي. 7/ 656. العسقلاني سليمان بن أحمد بن سليمان الكناني المصري. 8/ 496. العسقلاني سليمان بن خليل أبو الربيع. 7/ 529. العسقلاني عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل. 8/ 434. العسقلاني علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح. 8/ 419. العسقلاني عيسى بن أحمد. 3/ 291. العسقلاني محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو الفتح. 8/ 565. العسقلاني محمد بن الحسن بن قتيبة أبو العباس. 4/ 54. العسقلاني محمد بن أبي السّري. 3/ 175. العسقلاني يحيى بن محمد بن علي الكناني. 8/ 592. ابن عساكر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي. 8/ 466. عسكر بن الحصين النخشبي العارف أبو تراب. 3/ 208. ابن عسكر عبد الرحمن بن محمد المالكي البغدادي. 8/ 178. عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن أسامة العدوي النصيبي أبو عبد الرحيم. 7/ 316. عسكر عبد الله بن المبارك بن الحسن العكبري. 6/ 140. العسكري أحمد بن سعد بن محمد الأندرشي

أبو العباس. 8/ 283. ابن العسكري أحمد بن العسكري الصالحي. 10/ 81. العسكري الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد. 4/ 430. العسكري الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق. 4/ 401. العسكري علي بن سعيد أبو الحسن. 6/ 519. العسلقي أحمد بن إبراهيم بن علي. 9/ 86. العسيلي علي بن محمد العسيلي. 10/ 637. العشاب أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي. 8/ 196. العشاري محمد بن علي بن الفتح الحربي أبو طالب. 5/ 223. أبو عشانة حي بن يومن المعافري. 2/ 86. ابن عشاير أحمد بن محمد بن علي بن محمد. 8/ 578. أبو العشائر فراس بن علي بن زين الكناني العسقلاني ثم الدمشقي. 7/ 543. ابن عشائر محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم الحلبي. 8/ 530. العصّار إسحاق بن إبراهيم بن موسى الوزدولي. 3/ 263. ابن العصار علي بن عبد الرحيم السلمي الرقي البغدادي. 6/ 423. العصائدي إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري. 6/ 255. ابن العصبانيّ محمد بن محمد بن إبراهيم الحمصي الدمشقي. 10/ 40. ابن عصبة أحمد البغدادي الحنبلي. 8/ 97. ابن أبي عصرون أحمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي. 7/ 602. ابن أبي عصرون عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد التميمي. 7/ 261. ابن أبي عصرون عبد الله بن محمد بن هبة الله التميمي. 6/ 465. ابن أبي عصرون عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التميمي الدمشقي. 7/ 661. ابن أبي عصرون محمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي. 7/ 754. ابن أبي عصرون محمود بن عبد الرحمن التميمي. 7/ 731. العصفري خليفة بن خياط البصري. 3/ 181. ابن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي النحوي الحضرمي الإشبيلي. 7/ 575. عصمة الدين الخاتون بنت الأمير معين الدين أنر زوجة نور الدين ثم صلاح الدين. 6/ 446. العصمي محمد بن العبّاس بن محمد أبي ذهل العصمي الضّبّي الهروي. 4/ 414. ابن العصياني محمد بن بدر الدين الحمصي. 9/ 304. بنت ابن العصيدة زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية. 8/ 610. عصيفير إبراهيم المصري المجذوب

الصالح. 10/ 348. ابن عصيّة محمد بن المبارك بن عبد الرحمن الكندي الحربي. 7/ 226. عطاء الخراساني. 2/ 156. عطاء بن أبي رباح أبو محمد. 2/ 69. عطاء بن السائب بن مالك الثقفي الكوفي الصالح. 2/ 160. ابن عطاء الله أحمد بن محمد بن عبد الكريم الإسكندري. 8/ 36. عطاء الله، المولى الخواجا. 10/ 568. عطاء بن مسلم الخفاف. 2/ 417. ابن عطاء محمد بن علي الدمشقي أمين الدّين. 9/ 23. ابن عطاء محمد بن النفيس بن محمد بن إسماعيل البغدادي 7/ 206. ابن عطاء يوسف بن عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي. 7/ 763. عطاء بن يزيد الليثي المدني. 2/ 43. عطاء بن يسار المدني. 2/ 19. العطار أحمد بن محمد بن أسد بن قطليشا. 8/ 609. ابن العطار أحمد بن محمد بن علي الدنيسري القاهري. 8/ 569. العطار داود بن عبد الرحمن المكي. 2/ 341. العطار عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار البصري. 3/ 223. العطّار عبد الرحمن بن غزو النهاوندي أبو مسلم. 5/ 226. ابن العطار علي بن إبراهيم بن داود بن سلمان بن سليمان أبو الحسن. 8/ 114. العطار علي بن أبي بكر بن روزبه البغدادي. 7/ 279. ابن العطار علي بن محمود بن علي بن محمود الحراني. 8/ 582. العطار علي بن يوسف بن أبي المكارم المصري. 7/ 520. العطّار محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني أبو بكر. 5/ 284. العطار محمد بن أحمد بن عمارة أبو الحسن. 4/ 125. العطار محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي. 4/ 286. ابن العطار محمد بن محمد بن أحمد بن الصفي الدمشقي. 8/ 405. العطار محمد بن يحيى بن علي القرشي المصري. 7/ 697. ابن العطار نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب الطوسي. 4/ 436. ابن العطار نصر بن منصور الحرّاني. 6/ 278. العطار هشام بن إسماعيل الدمشقي أبو عبد الملك. 3/ 80. ابن العطّار يحيى بن أحمد بن عمر الحموي الكركي. 9/ 406. العطّار يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرح. 7/ 540. ابن العطّار يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري الرسام. 8/ 499.

العطاردي أحمد بن عبد الجبار الكوفي. 3/ 305. العطاردي جعفر بن حيان. 2/ 293. ابن عطية الشّاوري إسماعيل بن أبي بكر. 9/ 321. ابن عطية محمد بن علي الحموي الشافعي شمس الدين. 10/ 436. ابن عطية موسى بن عطية المالكي. 9/ 133. عطية بن سعد العوفي الكوفي. 2/ 62. عطية بن سعيد الأندلسي القفصي أبو محمد. 5/ 51. عفان بن مسلم الأنصاري البصري الصفار أبو عثمان. 3/ 96. ابن عفيجة محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي البيّع. 7/ 206. عفيف الدين بن إبراهيم بن إسحاق بن يحيى بن إسحاق الآمدي ثم الدمشقي. 8/ 440. بنت العفيف رقية بنت عبد السلام بن محمد بن مدروع المدينة. ابن العفيف عبد القادر بن عبد الله الحنبلي. 9/ 484. عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد بن أم هانئ الفارفانية الأصبهانية. 7/ 37. ابن أبي العقب علي بن يعقوب الدمشقي. 4/ 280. عقبة بن خالد السكوني. 2/ 405. عقبة بن عامر الجهني. 1/ 266. عقبة بن مكرم الضبي الكوفي. 3/ 199. عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، أبو مسعود. 1/ 220. عقبة بن مكرم العمي البصري الحافظ أبو عبد الملك. 3/ 199. العقبي حمزة بن محمد بن العباس الدهقان. 4/ 248. ابن عقدة أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الشيعي. 4/ 179. العقيبي عمر زين الدين الحموي. 10/ 414. عقيل [بن علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظّفري] أبو الحسن. 6/ 63. عقيل بن خالد الأيلي مولى بني أمية وصاحب الزهري. 2/ 205. ابن عقيل علي بن عقيل أبو الوفاء 6/ 58. ابن عقيل عقيل بن علي بن عقيل أبو الحسن 6/ 63. ابن عقيل محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي البعلبكي. 8/ 385. ابن عقيل هبة الله [بن علي بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري] أبو منصور. 6/ 65. أبو عقيل يحيى بن المتوكل المدنيّ. 2/ 299. العقيلي أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد القرشي الهاشمي العقيلي النّويري المكّي. 10/ 106. العقيلي عبد الله بن شقيق البصري. 2/ 11. العقيلي محمد بن خريم أبو بكر. 4/ 79. العقيلي محمد بن عمرو أبو جعفر. 4/ 117.

العقيلي يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد الحلبي الحنفي. 10/ 438. ابن العقيمي عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرسعني. 7/ 786. العكاري عبد الصمد بن الصالح المرشد محيي الدين العكّاري. 10/ 500. عكاشة الأسدي. 1/ 135. ابن عكبر أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر. 8/ 191. العكبري الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي. 5/ 143. العكبري عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء الأزجي. 7/ 121. العكبري عبد الواحد بن علي بن برهان. 5/ 237. العكبري عمر بن أحمد بن عثمان البزاز. 5/ 89. العكبري محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الحبار بن توبة الأسدي. 6/ 177. العكبري محمد بن صالح بن ذريح العكبري المحدث، أبو جعفر. 4/ 36. العكبري محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت الدقاق. 4/ 391. ابن العكبري محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الباقي. 6/ 557. العكبري خلف بن عمرو. 3/ 410. العكبري علي بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن. 5/ 293. ابن العكبري محمد بن أحمد بن الحسين البقّال أبو نصر. 5/ 101. العكبري محمد بن محمد بن أحمد الأخباري النديم. 5/ 311. العكبري نصر بن نصر. 6/ 274. العكبري يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور البرزبيني. 5/ 380. عكرمة بن أبي جهل. 1/ 161. عكرمة بن عمار اليمامي. 2/ 266. عكرمة مولى ابن عباس. 2/ 32. العكري محمد بن بشر أبو بكر الزبيري. 4/ 180. العكوك علي بن جبلة الشاعر السمين. 3/ 61. أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري. 5/ 209. العلاء بن الحارث الحضرمي الفقيه الشامي. 2/ 160. العلاء بن الحضرمي. 1/ 175. علاء الدين بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي. 8/ 537. علاء الدين بن إسماعيل. 7/ 521. علاء الدين البخاري محمد بن محمد بن محمد بن محمد العجمي. 9/ 351. علاء الدين الجاكي. 8/ 10. علاء الدين الصرخدي. 9/ 65. علاء الدين بن محمد بن عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي. 8/ 405. العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني أبو شبل. 2/ 186. أبو العلاء العطار الحسن بن أحمد الهمذاني. 6/ 382.

أبو العلاء المأمون إدريس بن السلطان يعقوب. 7/ 237. العلاء بن موسى الباهلي أبو الجهم. 3/ 132. العلائي أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي أبو الخير. 9/ 28. ابن العلّاف الحسن بن علي بن بشار البغدادي. 4/ 85. العلّاف عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد البغدادي. 5/ 369. العلاف عبيد الله بن أحمد بن عمر المقدسي. 7/ 785. العلاف علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي. 6/ 18. ابن العلاف محمد بن علي بن محمد البغدادي أبو طاهر. 5/ 190. العلّاف محمد بن عيسى بن الحسن التميمي. 4/ 237. العلّاف يحيى بن أيوب. 3/ 375. العلامي عبد الرحمن بن تاج الدين. 7/ 752. العلامي عبد الوهاب بن خلف بن بدر المصري (ابن بنت الأعز) . 7/ 555. علان علي بن أحمد بن سليمان الصيقل المصري. 4/ 83. ابن علان علي بن الحسين الحراني. 4/ 289. علّان علي بن عبد الصمد الطيالسي. 3/ 375. ابن علان المسلم بن محمد بن مسلم بن مكي بن خلف. 7/ 644. العلاوي أحمد بن العلاوي. 10/ 500. العلائي أحمد بن خليل بن كيكلدي المقدسي. 9/ 28. العلائي أحمد بن قطلوبغا الحلبي. 8/ 560. العلائي خليل بن كيكلدي بن عبد الله. 8/ 327. العلائي محمد الحنفي المصري بدر الدين. 10/ 353. العلبي زكريا بن علي بن حسان بن علي البغدادي. 7/ 253. العلثي أحمد بن فهد بن الحسين. 7/ 216. العلثي إسحاق بن محمد بن أحمد بن محمد بن غانم. 7/ 285. العلثي طلحة بن مظفر بن غانم بن محمد. 6/ 512. علقمة بن قيس النخعي. 1/ 281. علقمة بن مرثد الحضرمي. 2/ 90. العلقمي إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر. 10/ 636. العلقمي محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر. 10/ 490. ابن علّك عمر بن أحمد بن علي المروزي الجوهري. 4/ 136. العلماويّ محمد بن عبد الغفار بن محمد العلماوي الكردي. 7/ 376. ابن العلم الصّابوني محمد بن علي بن محمود المحمودي. 7/ 580. ابن علم الصفار محمد بن عبد الله بن

عمرويه. 4/ 259. علوان علي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الهيتي الحموي الشافعي الصوفي الشاذلي. 10/ 304. علوي الإسكاف الحنبلي. 6/ 292. العلوي أبو بكر الحنفي المنلا شيخ زاده. 10/ 370. أبا علوي عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن اليمني الصوفي. 9/ 450. العلوي علي بن حمزة الموسوي أبو الحسن. 6/ 312. العلوي موسى بن علي بن أبي طالب الموسوي. 8/ 69. علي بن إبراهيم بن البدرشي المالكي القاهري الأصل. 9/ 484. علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن العطار أبو الحسن. 8/ 114. علي بن إبراهيم بن سعد الأنصاري بن معاذ أبو الحسن. 8/ 401. علي بن إبراهيم بن سعد الحوفي أبو الحسن. 5/ 152. علي بن إبراهيم بن سلمة أبو الحسن. 4/ 241. علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي أبو القاسم المعروف ب النسيب. 6/ 37. علي بن إبراهيم بن علي القضامي الحموي. 9/ 104. علي بن إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن محمد بن بكروس بن سيف التميمي الدينوري أبو الحسن. 7/ 401. علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني البغدادي أبو الحسن. 5/ 206. علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري المعروف بابن الجزري. 9/ 151. علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسان الأنصاري الدمشقي بن الشاطر، ويعرف أيضا بالمطعم الفلكي علاء الدين. 8/ 435. علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدمشقي أبو الحسن المعروف ب: ابن نجية. 6/ 554. علي بن إبراهيم بن نصرويه بن سختام بن هرثمة الغزني الحنفي السمرقندي أبو الحسن. 5/ 184. علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق بن خطيب عقربا. 7/ 786. علي الإثميدي المصري، المالكي. 10/ 447. علي بن أحمد بن الأخرم النيسابوري المديني أبو الحسن. 5/ 408. علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوي ثم المدني ثم المدلجي. 8/ 474. علي بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي الشافعي القرشي. 9/ 422. علي بن أحمد الأصبهاني اللّبّاد أبو الحسين. 6/ 316.

علي بن أحمد بن بدر الجزري ولي الدين أبو الحسن. 7/ 640. علي بن أحمد البغدادي البندار أبو القاسم المعروف ب: ابن البسري. 5/ 316. علي بن أحمد البغدادي المرزبان أبو الحسن. 4/ 353. علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي. 9/ 152. علي بن أحمد بن بيبرس، المعروف بأمير علي بن الحاجب المقري. 9/ 20. علي بن أحمد بن الحسن التجيبي المرسي الحرالي أبو الحسن. 7/ 330. علي بن أحمد بن الحسن بن محمد النعيمي البصري أبو الحسن. 5/ 117. علي بن أحمد الحنفي، علاء الدين. 10/ 79. علي بن أحمد بن حنين الكناني القرطبي أبو الحسن. 6/ 387. علي بن أحمد الراسبي أمير جنديسابور. 4/ 10. علي بن أحمد بن خليل بن ناصر بن علي بن طيء المشهور قديما: بابن السقطي، وأخيرا بابن بصال الإسكندراني الأصل. 9/ 379. علي بن أحمد الرومي الحنفي الجمالي. 10/ 257. علي بن أحمد السامري الرفّاء أبو الحسن. 5/ 12. علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح الأموي أبو محمد. 5/ 239. علي بن أحمد بن سليمان الصيقل المصري أبو الحسن ولقبه علّان المعدل. 4/ 83. علي بن أحمد السميرمي أبو طالب. 6/ 81. علي بن أحمد الشيشيني الحنبلي. 9/ 460. علي بن أحمد بن صاحب قلاع الهكارية أبي الهيجاء الهكاري المشطوب المعروف بالأمير سيف الدين. 6/ 482. علي بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي أبو الحسن. 7/ 786. علي بن أحمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي المالكي. 8/ 614. علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي أبو الخطاب. 5/ 329. علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي. 8/ 21. علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي الصالحي أبو الحسن المعروف بالفخر بن البخاري. 7/ 723. علي بن أحمد بن عثمان بن محمد بن إسحاق السلمي المنادي. 9/ 482. علي بن أحمد ابن عربشاه، علاء الدين. 10/ 69. علي بن أحمد بن علي البصري السقطي التستري أبو علي. 5/ 345. علي بن أحمد بن علي البغدادي المعروف ب: مهذب الدين ابن هبل. 7/ 79. علي بن أحمد بن علي بن سالم الزبيدي الشافعي. 9/ 196. علي بن أحمد بن علي القالي المؤدب أبو

الحسن. 5/ 206. علي بن أحمد بن علي القيسي المصري تاج الدين المعروف بابن القسطلاني. 7/ 556. علي بن أحمد بن علي المارديني. 9/ 248. علي بن أحمد بن علي المصيصي. 4/ 340. علي بن أحمد بن عمر الحمامي البغدادي أبو الحسن. 5/ 88. علي بن أحمد بن عمر السرخسي أبو الحسن. 4/ 417. علي بن أحمد بن أبي قيس الرفاعي البغدادي- أبو الحسن-. 4/ 277. علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز أبو القاسم. 6/ 44. علي بن أحمد بن محمد الخزاعي البلخي أبو القاسم. 5/ 64. علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز البغدادي أبو الحسن. 5/ 96. علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف المكي السلمي المعروف بابن سلامة. 9/ 267. علي بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي. 8/ 544. علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي. 9/ 51. علي بن أحمد بن محمد بن عز الدين الصغير بن عزّ الدين بن محمد الكبير بن خليل الحاضري الأصل الحنفي. 10/ 312. علي بن أحمد بن (أبي عبد الله) محمد بن علي الحنفي أبو الحسن المعروف بابن الدامغاني. 6/ 453. علي بن أحمد بن محمد الكيزواني الحموي، الصوفي، أبو الحسن. 10/ 440. علي بن أحمد بن محمويه اليزدي أبو الحسن. 6/ 263. علي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني المالكي أبو الحسن. 6/ 155. علي بن أحمد الواحدي النيسابوري أبو الحسن. 5/ 291. علي بن أحمد اليمني- الملقب بالأزرق. 9/ 127. علي بن أحمد بن يوسف الأموي الهكاري أبو الحسن. 5/ 370. أبو علي الأسدي بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة. 3/ 366. علي بن إسماعيل الماذرائي أبو الحسن. 4/ 185. علي بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي. 7/ 531. علي بن إسماعيل بن أبي بشر المتكلم البصري الأشعري أبو الحسن. 4/ 129. علي بن إسماعيل بن قريش المخزومي. 8/ 179. علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي. 9/ 374. علي بن إسماعيل المرسي أبو الحسن المعروف ب: ابن سيده. 5/ 250. علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن محمد الدمشقي الشافعي علاء الدين، الشهير بابن عماد الدين، وبابن

الوس. 10/ 531 و 530. علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي. 8/ 158. علي الأشموني، الشافعي الفقيه نور الدين، أبو الحسن. 10/ 229. علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي السلامي أبو طالب المعروف بابن الساعي. 7/ 599. علي بن الأنجب بن ما شاء الله بن الحسين بن عبد الله بن عبد الله العلوي الحسيني البغدادي المأموني أبو الحسن. 7/ 374. علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر. 9/ 20. علي بن أيدغدي التركي الأصل الدمشقي البعلي. 8/ 581. علي بن أيوب الماحوزي- النساج الزاهد. 9/ 51. علي بن أيوب بن منصور بن وزير المقدسي أبو الحسن. 8/ 264. علي البحيري الشافعي، نور الدين. 10/ 345. علي البحيري الشيخ. 10/ 425. علي بن بردوان بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير الكندي البغدادي. 6/ 357. علي البرلسي المجذوب المصري. 10/ 477. علي بن بقا المصري الوراق أبو الحسن. 5/ 218. علي البكائي الرومي الحنفي، علاء الدين. 10/ 61. علي بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي. 9/ 501. علي بن أبي بكر بن حمير اليمني الهمداني أبو الحسن المعروف ب: سراج الدين. 6/ 302. علي بن أبي بكر بن روزبه البغدادي القلانسي العطار أبو الحسن. 7/ 279. علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي. 9/ 105. علي بن أبي بكر بن علي الهروي الأصل الموصلي المولد أبو الحسن. 7/ 90. علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التغلبي الدمشقي علاء الدين أبو الحسن المعروف بابن صصرى. 7/ 730. علي بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن إدريس البعقوبي. 7/ 150. علي بن أبي بكر بن محمد بن علي بن شداد الحميري اليمني أبو الحسن. 8/ 380. علي بن أبي بكر اليمني، الشهير: بالناشري. 9/ 366. علي بن بلبان علاء الدين المقدسي الناصري الكركي أبو القاسم. 7/ 676. علي البندقداري علاء الدين. 7/ 677. علي بن بويه بن فناخسرو الديلمي أبو الحسن. 4/ 204. علي التميمي الشافعي، علاء الدين. 10/ 373. علي بن ثابت بن طالب بن الطالباني البغدادي الأزجي أبو الحسن. 7/ 144.

علي بن جابر النحوي ابن الدبّاج أبو الحسن. 7/ 407. علي بن جابر الهاشمي اليمني. 8/ 123. علي الجارحي المصري، نور الدين. 10/ 252. علي بن الجارود أبو الحسن. 7/ 184. علي بن جبلة الشاعر العكوك السمين. 3/ 61. علي بن جرير الرقي ويعرف بالصاحب جمال الدين. 7/ 316. علي بن الجعد الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري الحافظ أبو الحسن. 3/ 138. علي بن جعفر البغدادي الصقلي بن القطاع أبو القاسم. 6/ 74. علي بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين العلوي الحسيني. 3/ 49. علي بن الجواد محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق العلوي الحسني المعروف بالهادي أبو الحسن. 3/ 242. علي بن الحاكم منصور بن العزيز نزار بن المعز العبيدي المصري الملقب ب: الظاهر لإعزاز دين الله. 5/ 129. علي بن حجر السعدي المروزي الحافظ الإمام أبو الحسن. 3/ 202. علي بن حرب الطائي الموصلي الأخباري أبو الحسن. 3/ 282. علي ابن أبي الحزم القرشي الدمشقي علاء الدين المعروف بابن النفيس. 7/ 701. علي بن حسام الدين. 7/ 210. علي بن حسان الجدلي الدممي أبو الحسن. 4/ 434. علي بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهاس الخزرجي الزبيدي- مؤرخ اليمن. 9/ 145. علي بن الحسن الجراحي البغدادي أبو الحسن. 4/ 405. علي بن الحسن الحنفي البلخي أبو الحسن. 6/ 244. علي بن الحسن بن خلف بن قديد المصري أبو القاسم. 4/ 62. علي بن الحسن الدواحي أبو الحسن. 6/ 131. علي بن الحسن الذهلي النيسابوري الأفطس. 3/ 239. علي بن الحسن الذهلي النيسابوري الأفطس. 3/ 239. علي بن حسن السّرميني، الحلبي، الشافعي، الفرضي الحيسوب. 10/ 229. علي بن الحسن بن شقيق محدث مرو. 3/ 72. علي بن الحسن بن أبي الطيب الباخرزي أبو الحسن. 5/ 288. علي بن الحسن بن علان الحراني أبو الحسن. 4/ 289. علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الكلائي البغدادي الحنبلي المقرئ سبط الكمال عبد الحق. 8/ 410. علي بن الحسن بن علي بن الفضل أبو منصور المعروف ب: صردرّ الشاعر. 5/ 279. علي بن الحسن بن عنتر أبو الحسن المعروف ب: شميم الحلي. 7/ 8.

علي بن الحسن بن قيس البابي الشافعي. 8/ 401. علي بن الحسن المسعودي المؤرخ أبو الحسن. 4/ 242. علي بن حسن بن أبي مشعل الجراعي ثم الدمشقي الشافعي، المشهور بالقيمري. 10/ 398. علي بن الحسن المصري الخلعي أبو الحسن. 5/ 402. علي بن أبي الحسن بن منصور الحريري الدمشقي أبو محمد. 7/ 399. علي بن الحسن بن الموازيني السلمي أبو الحسن. 6/ 75. علي بن الحسن بن بوية الديلمي، فخر الدولة. 4/ 466. علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي أبو القاسم بن عساكر، صاحب «تاريخ دمشق» . 6/ 395، 6/ 396. علي بن الحسن الواسطي. 8/ 184. علي بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن جدا العكبري أبو الحسن. 5/ 293. علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي الفلكي الهمذاني أبو الفضل. 5/ 48. علي بن الحسين بن أحمد بن محمد التغلبي الدمشقي أبو الحسن المعروف بابن صصرى. 5/ 289. علي بن الحسين الأموي الأصبهاني أبو الفرج، صاحب الأغاني. 4/ 292. علي بن الحسين بن بندار الأذني أبو الحسن. 4/ 452. علي بن الحسين بن الجنيد الرازي أبو الحسن. 3/ 385. علي بن الحسين بن حرب بن حربويه البغدادي أبو عبيد. 4/ 93. علي بن الحسين الريفي أبو القاسم. 6/ 9. علي بن الحسين السيري. 6/ 439. علي بن الحسين بن عروة المشرقي ثم الدمشقي المعروف بابن زكنون. 9/ 323. علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزاز أبو الحسن. 5/ 403. علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد الحسيني الأرموي المصري المعروف بابن قاضي العسكر. 8/ 314. علي بن الحسين بن علي بن منصور البغدادي ابن المقير أبو الحسن. 7/ 386. علي بن الحسين بن عمر بن الفراء الموصلي ثم المصري أبو الحسن. 6/ 97. علي بن الحسين الغزنوي الملقب ب: البرهان. 6/ 264. علي بن الحسين الفلكي الهمذاني أبو الفضل. 5/ 128. علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الموصلي أبو الحسن المعروف بابن شيخ العوينة. 8/ 305. علي بن الحسين بن موسى. أبو طالب، الشريف المرتضى. 5/ 168. علي بن الحسين الهاشمي زين العابدين. 1/ 374. علي بن الحسين بن واقد محدث مرو. 3/ 56.

علي بن الحسين بن يوسف بن الصياد موفق الدين أبو الحسن. 7/ 682. علي بن حمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين الطبري الروياني أبو الحسن. 5/ 354. علي بن حمزة الأسدي الكوفي الكسائي أبو الحسن. 2/ 407. علي بن حمزة العلوي الموسوي أبو الحسن. 6/ 312. علي بن حمزة البغدادي أبو الحسن. 6/ 556. علي بن أبي حملة الدمشقي المعمر. 2/ 255. علي بن حميد الذهلي أبو الحسن. 5/ 224. علي بن حميد الصعيدي ابن الصباغ أبو الحسن. 7/ 96. علي الخباز، أحد مشايخ العراق. 7/ 485. علي بن خلف بن خليل بن عطاء الله الغزي. 8/ 553. علي بن خلف بن عبد الملك بن البطال القرطبي أبو الحسن. 5/ 214. علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله الحكري المصري. 9/ 91. علي بن خليل المرصفي، نور الدين. 10/ 242. علي الخوّاص البرلسلي. 10/ 327. علي بن خير الدين، الحلبي، الحنفي علاء الدين. 10/ 252. علي بن داود القطان الداراني أبو الحسن. 5/ 12. علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة الزبيري القرشي الأسدي أبو الحسن. 8/ 248. علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول. 8/ 359. أبو علي الدمشقي محمد بن محمد بن أبي حذيفة. 4/ 180. علي، (المعروف) بالذويب الشيخ. 10/ 384. علي بن رباح اللخمي المصري. 2/ 73. علي بن رشيد بن أحمد بن محمد بن حسيتا الحربوي. 7/ 32. علي بن ربيعة التميمي المصري البزاز أبو الحسن. 5/ 181. علي بن رضوان المصري أبو الحسن. 5/ 226. علي بن رمح بن سنان بن قنا الشافعي. 9/ 254. علي الرملي، علاء الدين. 10/ 128. علي بن زيادة بن عبد الرحمن الحبكي. 8/ 475. علي بن زيد بن جدعان القرشي التيمي البصري الضرير. 2/ 125. علي بن زيد بن علوان بن صبرة بن مهدي بن حريز الردماوي الزبيدي. 9/ 152. علي بن زيد بن علي الإسكندراني الخياط التسارسي أبو الرضا. 7/ 367. علي بن أبي زيد بن محمد بن علي النحوي المعروف بالعضيمي الإستراباذي أبو الحسن. 7/ 125.

علي بن سراج بن أبي الأزهر المصري أبو الحسن. 4/ 38. علي بن سعيد العسكري الحافظ أبو الحسن. 3/ 424. علي بن سعيد بن فاذشاه أبو طاهر الأصبهاني. 6/ 519. علي بن السلار الكردي ثم المصري. 6/ 246. علي بن سلطان الحوراني الشافعي علاء الدين. 10/ 270. علي بن سلطان المصري، الحنفي، نور الدين. 10/ 243. علي بن سليم بن ربيعة أبو الحسن. 8/ 167. علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السعدي. 9/ 510. علي بن سليمان البغدادي النحوي أبو الحسن وهو الأخفش الصغير. 4/ 73. علي بن سودون البشبغاوي القاهري. 9/ 455. علي بن سيف علي بن سليمان اللواتي. 9/ 159. علي شاه بن أبي بكر التبريزي. 8/ 113. علي بن شجاع بن سالم بن علي الهاشمي العباسي المصري أبو الحسن. 7/ 532. علي بن شجاع الشيباني المصقلي أبو الحسن. 5/ 192. علي الشّوني، الشافعي، نور الدين. 10/ 366. علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطيبي ثم المصري. 8/ 461. علي بن صبر اليافعي الشافعي نور الدين. 10/ 605. علي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب. 7/ 178. علي بن صفي الدين أبي القاسم بن محمد بن عثمان بن محمد البصراوي الحنفي. 8/ 138. علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه- أمير المؤمنين-. 1/ 221. علي بن طاهر بن تاج الدين. 9/ 506. علي بن طراد الزينبي العباسي أبو القاسم. 6/ 192. علي بن طيبغا بن حاجي بك التركماني العينتابي. 9/ 332. علي بن ظبيان العبسي الكوفي القاضي أبو الحسن. 2/ 423. علي بن ظهير بن شهاب المصري النور بن الكفتي أبو الحسن. 7/ 714. علي بن عاصم الواسطي أبو الحسن. 3/ 6. علي بن العباس البجلي الكوفي المقانعي أبو الحسن. 4/ 51. علي بن عبد الجبار الهذلي التونسي أبو الحسن المعروف ب: ابن عيذون. 6/ 97. علي بن عبد الحميد الغضائري أبو الحسن. 4/ 66. علي بن عبد الحميد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكير الفنيدي أبو الحسن. 8/ 29. علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي أبو الحسن. 4/ 521.

علي بن عبد الرحمن البغدادي البابصري موفق الدين أبو الحسن. 7/ 439. علي بن عبد الرحمن البكائي الكوفي أبو الحسن. 4/ 405. علي بن عبد الرحمن بن الجوزي أبو الحسن. 7/ 241. علي بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري أبو القاسم المعروف ب: ابن عليك. 5/ 292. علي بن عبد الرحمن بن الحسين الخطيب بن الخطيب العثماني الصفدي. 8/ 321. علي بن عبد الرحمن بن الروش الشاطبي أبو الحسن بن الروش. 5/ 412. علي بن عبد الرحمن الصريحي. 9/ 153. علي بن عبد الرحمن الطوسي ثم البغدادي أبو الحسن المعروف ب: ابن تاج القراء. 6/ 348. علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي أبو الحسن. 8/ 11. علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني. 8/ 596. علي بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الإسكاف شرف الدين. 7/ 584. علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي أبو الحسن. 7/ 785، 7/ 786. علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الكوفي أبو الحسين. 4/ 249. علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الربعي الرشيدي. 9/ 153. علي بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الأصل ثم الدمشقي أبو الحسن. 8/ 571. علي بن عبد الرحمن بن محمد الشلقامي. 9/ 353. علي بن عبد الرحمن بن هارون البغدادي أبو الخطاب بن الجراح. 5/ 416. علي بن عبد الرحيم السلمي ثم البغدادي بن العصار أبو الحسن. 6/ 423. علي بن عبد الرشيد الهمذاني أبو الحسن. 7/ 168. علي بن عبد السيد بن أبي نصر بن الصباغ الشاهد أبو إسماعيل. 6/ 214. علي بن عبد الصمد الحلاوي. 8/ 475. علي بن عبد الصمد الطيالسي ولقبه علّان. 3/ 375. علي بن عبد الصمد بن عبد الجليل الرازي البدر. 7/ 354. علي بن عبد الصمد بن محمد المصري عفيف الدين ابن الرماح. 7/ 279. علي بن عبد العزيز البغوي المحدث أبو الحسن. 3/ 361. علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني أبو الحسن. 4/ 353. علي بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي ابن السكري البصري. 8/ 60. علي بن عبد العزيز بن مردك البرذعي البزاز أبو الحسن. 4/ 466. علي بن عبد العزيز، الشهير بأم ولد زاده المولى. 10/ 579.

علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية. 8/ 6. علي بن عبد الغني الفهري الحصري أبو الحسن. 5/ 381. علي بن عبد القادر المراغي الصوفي. 8/ 519. علي بن عبد الكافي الربعي الدمشقي نجم الدين. 7/ 587. علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسور بن سوار بن سليم السبكي أبو الحسن. 8/ 308. علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء العطار العباسي الهمذاني أبو الكرم. 6/ 498. علي بن عبد الله النحريري نور الدين، الشهير بابن عامرية. 9/ 289. علي بن عبد الله بن إبراهيم العيسوي أبو الحسن. 5/ 79. علي بن عبد الله بن أحمد بن علي بن عيسى الحسني ويعرف بالسمهودي. 10/ 73. علي بن عبد الله بن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي. 8/ 256. علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني أبو الحسن. 5/ 74. علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الجزري سيف الدولة. 4/ 293. علي بن عبد الله الخطيب، الحنبلي علاء الدين، الشهير بعليق. 10/ 42. علي بن أبي عبد الله الحنفي الدامغاني أبو الحسن. 6/ 66. علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري الأندلسي المريي ثم البلنسي أبو الحسن المعروف ب: ابن النعمة. 6/ 369. علي بن عبد الله الشاوري الزبيدي اليمني. 8/ 604. علي بن عبد الله بن عباس أبو محمد جد السفاح. 2/ 71. علي بن عبد الله الطواشي اليمني. 8/ 227. علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي الشاذلي أبو الحسن. 7/ 481. علي بن عبد الله العشاري علاء الدين. 10/ 258. علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي أبو الحسن. 4/ 133. علي بن عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي بن قطرال أبو الحسن. 7/ 438. علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن علي بن إسحاق بن سلام الدمشقي. 9/ 276. علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهوب الأندلسي الجذامي أبو الحسن. 6/ 164. علي بن عبد الله بن أبي مطر المعافري الإسكندراني أبو الحسن. 4/ 208. علي بن عبد اللطيف بن قطب بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد الحسيني القزويني الشافعي، المعروف بقاضي علي. 10/ 398. علي بن عبد المحسن بن الدواليبي البغدادي ثم الدمشقي. 9/ 429. علي بن عبد الواحد، أبو الحسن الدينوري.

6/ 105. علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السماكي الدمشقي علاء الدين أبو الحسن المعروف بابن الزملكاني. 7/ 726. علي بن عبد الوهاب بن علي السبكي. 8/ 418. علي بن عبيد الله بن نصر بن السري بن الزاغوني أبو الحسن. 6/ 133. علي بن عثام بن علي العامري الكوفي. 3/ 132. علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس بن مشرف، التغلبي الزرعي ثم الدمشقي المعروف بابن شمر نوح. 8/ 418. علي بن عثمان بن الخراط. 8/ 214. علي بن عثمان بن عبد القادر بن محمود بن يوسف بن الوجوهي البغدادي شمس الدين أبو الحسن. 7/ 588. علي بن عثمان بن عمر بن صالح الدمشقي الشهير: بابن الصيرفي. 9/ 366. علي بن عثمان بن يحيى الصنهاجي اللمتوني أبو الحسن. 7/ 745 علي بن عثمان بن يعقوب المريني أبو الحسن. 8/ 293. علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي الحسني أبو الحسن. 8/ 597. علي العربي، علاء الدين، المولى. 10/ 10. علي بن أبي العز بن عبد الله الباجرائي أبو الحسن. 6/ 482. علي بن عساكر بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الخشاب. 6/ 278. علي بن عساكر بن المرحب بن العوام البطائحي أبو الحسن. 6/ 401. علي بن عطية اللخمي البلنسي الشهير بابن الزقّاق. 6/ 147. علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري أبو الوفاء. 6/ 58. علي بن علي بن إسفنديار البغدادي نجم الدين. 7/ 616. علي بن علي بن أسمح اليعقوبي. 8/ 43. علي بن علي السنفي المصري الدمشقي الشافعي. 10/ 622. علي بن علي بن عبيد الله الأمين أبو منصور. 6/ 164. علي بن أبي علي بن محمد، السيف الآمدي أبو الحسن. 7/ 253. علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن البخاري البغدادي أبو طالب. 6/ 515. علي بن علي بن يوسف بن خليل النووي، الدمشقي، الشافعي، علاء الدين. 10/ 11. علي بن عمر بن أحمد بن عبد المؤمن الصوري الأصل الصالحي. 8/ 384. علي بن عمر بن أحمد بن عمار بن أحمد بن علي بن عبدوس الحراني أبو الحسن. 6/ 306. علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود البغدادي أبو الحسن. 4/ 452. علي بن عمر البعلي أبو الحسين. 8/ 214.

علي بن عمر بن أبي بكر الواني. 8/ 138. علي بن عمر الحراني ثم المصري الصواف أبو الحسن المعروف ب: ابن حمصة. 5/ 184. علي بن عمر الحربي الحميري البغدادي أبو الحسن. 4/ 459. علي بن عمر الحربي بن القزويني أبو الحسن. 5/ 187. علي بن عمر بن حسن بن حسين بن علي بن صالح التلواني «نور الدين» . 9/ 368. علي بن عمر بن سلمعان الخوارزمي. 9/ 91. علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصالحي النساج المعروف بأبي الهول، أبو الحسن. 8/ 528. علي بن عمر بن فارس الحداد الباجسرائي ثم البغدادي الأزجي أبو الفرج. 7/ 20. علي بن عمر بن قزل التركماني أبو الحسن المعروف بسيف الدين بن المشد. 7/ 483. علي بن عمر البغدادي أبو الحسن بن القصار. 4/ 510. علي بن عمر بن محمد أبو الحسن المعروف بالأهدل. 7/ 22. علي بن عمر بن الملقن- الشافعي. 9/ 104. علي بن عمران اليمني، سراج الدين أبو بكر. 10/ 38. علي بن عنان بن معافس بن رميشة بن أبي نمي الحسيني المكي الشريف. 9/ 296. علي بن عياش الألهاني الحمصي. 3/ 92. علي العياشي. 10/ 447. علي بن عيسى البغدادي الربعي أبو الحسن. 5/ 101. علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الوزير العادل أبو الحسن. 4/ 186. علي بن عيسى الرماني النحوي شيخ العربية أبو الحسن. 4/ 442. علي بن عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري بن القيم. 8/ 44. علي بن عيسى الفهري البسطي. 9/ 202. علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان البغدادي الأزجي القطيعي موفق الدين أبو الحسن. 7/ 598. علي بن غراب الكوفي القاضي. 2/ 382. علي بن فاضل بن سعد الله بن صمدون الصوري ثم المصري أبو الحسن. 7/ 20. أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، شيخ النحو. 4/ 407. أبو علي الفارسي الحسن بن مسلم الحنبلي الزاهد. 6/ 517. علي الفرنثي. 7/ 168. علي بن فضال المجاشعي القيرواني أبو الحسن. 5/ 345. علي بن الفضل بن إدريس السامري أبو الحسن الشهير ب: الستوري. 4/ 232. علي بن الفضل بن طاهر بن نصر البلخي الحافظ أبو الحسن. 4/ 124. علي بن أبي الفوارس الخياط المعروف بالسيرباريك. 7/ 435. علي بن أبي القاسم الإخميمي القاهري، علاء الدين. 10/ 229.

علي بن أبي القاسم بن أبي زرعة الطبري أبو الحسن. 6/ 141. علي بن القاسم بن أبي القاسم بن عساكر أبو القاسم عماد الدين. 7/ 125. علي بن القاضي المنتجب أبو المعالي محمد بن يحيى القرشي أبو الحسن الملقب ب: زكي الدين. 6/ 354. أبو علي القالي إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي صاحب «الأمالي» . 4/ 290. علي القدسي الشافعي، علاء الدين. 10/ 320. علي بن لؤلؤ نور الدين. 9/ 261. علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف أبو الحسن ويعرف بالمعتضد ويقال له أيضا السعيد. 7/ 408. علي بن المبارك بن الحسن الواسطي تقي الدين بن باسويه. 7/ 261. علي بن المبارك بن علي بن الفاعوس البغدادي أبو الحسن. 6/ 105. علي المتقي الهندي بن حسام الدين. 10/ 554. علي بن مجاهد الجدلي. 8/ 572. علي بن المحسن بن علي التنوخي البغدادي أبو القاسم. 5/ 203. علي بن محمد بن إبراهيم بن أحمد الخجندي المدني. 9/ 463. علي بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن. 8/ 229. علي بن محمد بن إبراهيم الحنائي الدمشقي أبو الحسن. 5/ 138. علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجن نقيب الأشراف بهاء الدين أبو الحسن. 7/ 525. علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي الثعلبي الدمشقي شهاب الدين أبو الحسن المعروف بابن الحبوبي. 7/ 693. علي بن محمد بن أحمد الكنجيّ الشافعي الدمشقي. 10/ 311. علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي أبو الحسن. 4/ 394. علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجى علاء الدين. 8/ 444. علي بن محمد بن أحمد بن ميله بن ماشاذه الأصفهاني أبو الحسن. 5/ 74. علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي الوراق أبو الحسن المعروف ب: ابن لؤلؤ. 4/ 410. علي بن محمد بن أحمد اليونيني أبو الحسين. 8/ 8. علي بن محمد بن إسحاق الحلبي أبو الحسن. 4/ 507. علي بن محمد بن إسحاق الطنافسي الكوفي الحافظ أبو الحسن. 3/ 138. علي بن محمد بن إسماعيل الأنطاكي أبو الحسن. 4/ 410. علي بن محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن الناشري الزبيدي. 9/ 145. علي بن محمد بن أقبرس الشافعي. 9/ 442.

علي بن محمد بن بشار البغدادي أبو الحسن، وأبو صالح. 4/ 66. علي بن محمد البغدادي المزين أبو الحسن. 4/ 153. علي بن محمد البكري الصديقي، الشافعي، علاء الدين. 10/ 419. علي بن محمد التهامي أبو الحسن. 5/ 82. علي بن محمد بن البهاء البغدادي. 9/ 550. علي بن محمد الجبني. 8/ 81. علي بن محمد بن حامد اليغنوي أبو الحسن بن النجار. 7/ 70. علي بن محمد بن حبيب البصري أبو الحسن المعروف ب: الماوردي. 5/ 218. علي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي، علاء الدين الشهير بابن أبي سعيد. 10/ 339. علي بن محمد أبو الحسن، الواعظ المصري، وهو بغدادي. 4/ 205. علي بن محمد الحسيني العجلوني البروسوي، المعروف بالحديدي، علاء الدين. 10/ 282. علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي القيرواني أبو الحسن. 5/ 20. علي بن محمد بن علي الدمشقي الحريري. 9/ 153. علي بن محمد بن رستم بن الساعاتي الشاعر بهاء الدين. 7/ 26. علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدث أبو الحسن. 4/ 254. علي بن محمد بن سختونة بن حمشاذ النيسابوري أبو الحسن. 4/ 206. علي بن محمد بن سعد بن محمد بن ناجية الطائي. المعروف: بابن خطيب الناصرية. 9/ 359. علي بن محمد السكاكري الشاهد. 8/ 129. علي بن محمد بن سليم المصري بهاء الدين المعروف بابن حنا. 7/ 624. علي بن محمد بن سهل الدينوري أبو الحسن. 4/ 177. علي بن محمد الشيرازي العمري الشافعي، مظفر الدين. 10/ 127. علي بن محمد الصليحي أبو الحسن. 5/ 317. علي بن محمد بن عباس بن شيبان البعلي، المعروف بابن اللحام. 9/ 52. علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنبلي الآمدي أبو الحسن. 5/ 280. علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي أبو الحسن. 8/ 62. علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر البلقيني القاهري. 9/ 506. علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي المقبري. 8/ 582. علي بن محمد بن عبد الرحيم الموصلي. 10/ 189. علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد الهمذاني السخاوي علم الدين أبو الحسن. 7/ 385. علي بن محمد بن عبد الكريم الفوي. 9/ 261.

علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي أبو الحسين. 5/ 79. علي بن محمد بن عبد الله بن الزكي الغزي. 9/ 501. علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي الجذامي. 8/ 84. علي بن محمد بن عبد الله الجرجاني الزنجي أبو الحسن. 5/ 298. علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم، المعروف بابن السبع. 8/ 581. علي بن محمد بن العطار الشيبي الحموي، المشهور بابن إدريس. 9/ 550. علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري أبو الحسن. 3/ 346. علي بن محمد بن عبد الملك الحميري الكتامي الفاسي القطان أبو الحسن. 7/ 225. علي بن محمد بن عبيد البغدادي البزاز أبو الحسن. 4/ 172. علي بن محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي الحلبي الحنبلي، المعروف بابن الدغيم علاء الدين. 10/ 393. علي بن محمد العسيلي المصري الشافعي نور الدين. 10/ 637. علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي العلاء المصيصي أبو القاسم. 5/ 374. علي بن محمد بن علي بن إسماعيل الأنباري أبو منصور. 6/ 29. علي بن محمد بن علي بن البالسي أبو الحسن. 7/ 537. علي بن محمد بن علي بن بقاء الصالحي الملقن. 7/ 772. علي بن محمد بن علي البكري المراكشي علاء الدين. 7/ 677. علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي المالكي المعافري أبو الحسن. 7/ 32. علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر الحسيني الدمشقي. 9/ 202. علي بن محمد بن علي بن الزيتوني أبو الحسن المعروف ب: البرابدسي. 6/ 470. علي بن محمد بن علي الطبرستاني أبو الحسن المعروف ب: إلكيا الهراسي. 6/ 14. علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق، سعد الدين. 10/ 489. علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم الكناني العسقلاني الحنبلي قاضي دمشق. 8/ 419. علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن مليك الحموي الدمشقي الفقّاعي الحنفي، علاء الدين. 10/ 115. علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشافعي، أبو الفضل. 10/ 283. علي بن محمد بن علي العلوي الحسيني الزيدي الحراني أبو القاسم. 5/ 160. علي بن محمد بن عيسى بن عطيف العدني اليمني. 9/ 516. علي بن محمد بن عيسى اليافعي. 8/ 545. علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي العلاف أبو الحسن. 6/ 18.

علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر المصري، المعروف: بابن الفاكهاني. 9/ 493. علي بن محمد بن علي الموصلي أبو الحسن. 7/ 110. علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي أبو الحسن. 6/ 353. علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن تقي الدين بن دقيق العيد. 8/ 67. علي بن محمد بن علي بن يعيش، سبط ابن الدامغاني. 6/ 547. علي بن محمد بن عمر بن القصار بن عمر الرازي أبو الحسن. 4/ 510. علي بن محمد بن غالب بن محمد الأنصاري. 8/ 123. علي بن محمد بن الفرج بن إبراهيم البزار المعروف ب: ابن أخي نصر العكبري. 5/ 317. علي بن محمد الفهاد. 7/ 432. علي بن محمد القاضي أبو القاسم. 4/ 227. علي بن محمد بن قحر، الزبيدي. 9/ 354. علي بن محمد القليوبي ثم المصري. 8/ 597. علي بن محمد الكاتب البستي أبو الفتح الشاعر المفلق. 4/ 524. علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس الحنبلي البغدادي الفقيه أبو الحسن. 6/ 422. علي بن محمد بن المبارك كمال الدين المعروف بابن الأعمى. 7/ 736. علي بن محمد المتبولي، الشهير بابن الرزاز الحنبلي. 9/ 443. علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان الطرازي البغدادي ثم النيسابوري أبو الحسن. 5/ 115. علي بن محمد بن محمد بن الأخضر الأنباري أبو الحسن. 5/ 370. علي بن محمد بن محمد الشيباني الجرزي عز الدين أبو الحسن ويعرف ب: ابن الأثير. 7/ 241. علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الصالحي. 8/ 557. علي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني أبو الحسن. 4/ 233. علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الكناني الشافعي. 8/ 435. علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد العزيز النويري. 9/ 501. علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي ويعرف بابن الصائغ وابن خطيب عين ترما وبالجوزي. 8/ 622. علي بن محمد بن محمد بن المنجى بن محمد بن عثمان التنوخي. 8/ 622. علي بن محمد بن محمد وضاح بن أبي سعيد محمد بن وضاح كمال الدين أبو الحسن. 7/ 587. علي بن محمد بن محمد بن وفا. 9/ 106. علي بن محمد المدائني البصري الأخباري أبو الحسن. 3/ 111.

علي بن محمد المروزي الحبيني [1] أبو أحمد. 4/ 271. علي بن محمد بن ممدود بن جامع البندنيجي البغدادي أبو الحسن. 8/ 199. علي بن محمد المعروف بابن الآدمي. 9/ 192. علي بن محمد ملك المسلمين بالحبشة. 9/ 248. علي بن محمد المناوي المصري المشهور: بباهو. 9/ 520. علي بن محمد المنشئ. 8/ 200. علي بن محمد بن نبال البغدادي أبو الحسن المعروف بابن نبال. 4/ 416. علي بن محمد بن هارون الحميري الكوفي الفقيه أبو الحسن. 4/ 124. علي بن محمد بن هارون التغلبي الدمشقي أبو الحسن. 8/ 56. علي بن محمد بن هلال الأزدي. 8/ 159. علي بن محمد بن عبد الوارث بن محمد بن عبد الوارث البكري التيمي. 9/ 92. علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقي السميساطي أبو القاسم. 5/ 226. علي بن محمد بن يحيى الصرخدي الشافعي. 9/ 52. علي بن محمد بن يحيى المصري نظام الدين بن رحال العدل. 7/ 225. علي بن محمد بن يوسف بن النبيه، كمال الدين. 7/ 151. علي بن محمود بن أحمد المحمودي الجويثي بن الصابوني أبو الحسن. 7/ 360. علي بن محمود بن أبي بكر بن جماعه الكناني الحموي بن القباني، علاء الدين. 9/ 33. علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلي الحنبلي. 9/ 268. علي بن محمود بن حسن بن نبهان أبو الحسن. 7/ 640. علي بن محمود بن سيما السلمي. 8/ 67. علي بن محمود بن علي بن العطار الحراني. 8/ 582. علي بن محمود بن فرقين، ناصر الدين. 7/ 736. علي بن محمود بن ماخرة الزوزني أبو الحسن. 5/ 222. علي بن محمود بن محمد الهروي الرازي العمري البكري الشهير بمصنفك. 9/ 475. علي بن مختار بن نصر بن طغان العامري المحلي ثم الإسكندراني أبو الحسن المعروف ابن الجمل. 7/ 332. علي بن مخلوف بن ناهض النويري المالكي. 8/ 89. علي بن المديني- علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري الحافظ أبو الحسن. 3/ 159. علي بن مسعود بن أرسلان شاه. 7/ 113. علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي المالكي الخزرجي. 9/ 154.

_ [1] كذا ورد في الكتاب «الحبيني» والصواب «الحبيبي» كما أشرت إلى ذلك في التعليق على الترجمة في موضعها من الكتاب.

علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي أبو الحسن. 8/ 20. علي بن المسلم بن محمد بن علي السلمي الدمشقي أبو الحسن جمال الإسلام. 6/ 168. علي بن مسهر الكوفي أبو الحسن. 2/ 413. علي بن مطر المحجي ثم الصالحي البقال. 7/ 786. علي بن المظفر بن القاسم الربعي النشبي الدمشقي شمس الدين أبو الحسن. 7/ 484. علي بن مظفر الكندي. 8/ 71. علي بن المبارك وقيل: أحمد بن أبي الفضل بن أبي القاسم بن الأحدب الوراق الدارقزي المحولي المعروف بابن غريبة. 6/ 434، 6/ 433. علي بن المعتضد أحمد بن أبي أحمد الموفق بن المتوكل بن المعتصم العباسي المكتفي بالله الخليفة أبو الحسن. 3/ 401. علي بن معصوم بن أبي ذر المغربي. 6/ 263. علي بن المفضل بن علي شرف الدين أبو الحسن اللّخمي المقدسي ثم الإسكندراني. 7/ 87. علي بن مكي بن جراح بن علي البغدادي أبو الحسن. 6/ 482. علي بن مكي بن عبد الله الأزجي أبو الحسن. 6/ 450. علي بن المنجى بن عثمان بن أبي أسعد بن المنجى التنوحي أبو الحسن. 8/ 285. علي بن منير بن أحمد الخلال المصري أبو الحسن. 5/ 178. علي بن موسى بن إبراهيم الرومي الحنفي. 9/ 350. علي بن موسى الدمشقي بن السمسار أبو الحسن. 5/ 161. علي بن موسى الرضا الحسيني أبو الحسن. 3/ 14. علي بن موسى السعدي المصري الدهان أبو الحسن. 7/ 557. علي بن موسى بن عبد الله بن عمر النيسابوري السكري أبو سعد. 5/ 280. علي بن موسى بن محمد بن خلف الأنصاري أبو الحسن ويعرف بابن أرفع رأس. 6/ 519. علي بن موسى المشرع عجيل شمس الدين. 10/ 108. علي، المولى الشهير بقنالي زاده. 10/ 568. علي بن مؤمن بن محمد بن علي النحوي الحضرمي الإشبيلي ابن عصفور أبو الحسن. 7/ 575. علي بن ميمون بن أبي بكر بن علي بن ميمون المزّي. 10/ 117. علي بن ناصر الدين أبي بكر الشهير بابن نقيب الأشراف، علاء الدين، الحنفي الدمشقي. 10/ 68. علي النبتيتي الشافعي. 10/ 211. علي بن ياسين الطرابلسي الحنفي، نور الدين. 10/ 351.

علي بن نجم الدين بن عبد الواحد بن شرف الدين محمد بن صغير، رئيس الأطباء بالديار المصرية. 8/ 591. علي بن نردبك الفخري. 9/ 468. علي بن نصر بن علي الجهضمي. 2/ 398. علي بن نصر بن المبارك العراقي ثم المكي الجلال أبو الحسن ويعرف بابن البناء. 7/ 177. علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري بن الصواف. 8/ 56. علي بن النعمان بن محمد. 4/ 398. علي بن النفيس بن بورنداز البغدادي أبو الحسن. 7/ 191. علي بن الحسين بن محمد العباسي الحنفي الزينبي أبو القاسم. 6/ 220. علي بن هاشم بن البريد الكوفي الخزاز أبو الحسن. 2/ 363. علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللخمي المصري بهاء الدين ابن الجميزي أبو الحسن. 7/ 425. علي بن هبة الله بن عبد السلام البغدادي أبو الحسن. 6/ 200. علي بن هبة الله بن علي العجلي أبو نصر المعروف ب: ابن ماكولا. 5/ 374. علي بن هبة الله بن محمد بن هبة الله الهاشمي أبو تمام. 7/ 368. علي بن هلال بن البواب أبو الحسن. 5/ 71. علي بن هلال بن خميس الواسطي الفاخراني أبو الحسن ويلقب معين الدين. 6/ 502. علي بن وهب بن مطيع بن دقيق العيد القشيري المالكي. 7/ 565. علي بن يحيى بن جعفر بن عبدكويه أبو الحسن. 5/ 115. علي بن يحيى الحمامي. 7/ 70. علي بن يحيى بن علي الشاطبي الدمشقي الشروطي. 8/ 101. علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن البكري المصري أبو الحسن. 8/ 115. علي بن يعقوب بن أبي زهران العماد الموصلي أبو الحسن. 7/ 661. علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي أبو القاسم. 4/ 280. علي بن يوسف بن أحمد الدمشقي العاتكي، الشافعي، الشهير بالبصروي، علاء الدين. 10/ 40. علي بن يوسف بن أحمد الرومي الحنفي، علاء الدين. 10/ 27. علي بن يوسف بن تاشفين. 6/ 188. علي بن يوسف بن حيدرة الرحبي. 7/ 569. علي بن يوسف الدمشقي الصوري أبو الحسن. 7/ 459. علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم البغدادي أبو الحسن المعروف بزين الدين. 7/ 177. علي بن يوسف بن أبي الفوارس القيمري سيف الدين أبو الحسن. 7/ 450. علي بن يوسف القفطي، عرف بالقاضي الأكرم. 7/ 408. علي بن يوسف بن أبي المكارم المصري العطار المعروف بنور الدولة. 7/ 520.

علي بن يوسف بن مكي بن عبد الله الدميري ثم المصري. 9/ 52. ابن عليان عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي. 6/ 551. ابن العليف أحمد بن الحسين بن محمد المكي شهاب الدين. 10/ 195. ابن العليف محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد المكي. 9/ 168. ابن العليق الأعزّ بن فضائل البغدادي البابصري. 7/ 423. عليق علي بن أبي عمرو عبد الله الخطيب. 10/ 42. ابن عليك علي بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري أبو القاسم. 5/ 292. العليمي عمر بن محمد بن عبد الله الدمشقي أبو الخطاب. 6/ 411. العليمي محمد بن عبد الرحمن بن محمد العمري المقدسي. 9/ 469. ابن العماد أحمد بن أبي بكر الحموي الحنبلي. 9/ 505. ابن العماد أحمد بن عماد بن محمد الأقفهسي. 9/ 110. عماد الدين زنكي الأتابك بن آق سنقر التركي. 6/ 209. عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود بن أتابك زنكي. 6/ 518. ابن عماد الدين علي بن إسماعيل بن موسى الشهير بابن الوس. 10/ 531. عماد الدين بن عمر بن محمد بن عمر الجويني ثم الدمشقي. 7/ 316. ابن العماد الكاتب الحسين بن علي بن محمد. 8/ 211. العماد الكاتب محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني. 6/ 541. العماد الماسح إبراهيم بن أحمد بن محمد المقدسي الصالحي. 7/ 778. عماد بن محمود الطارمي المنلا. 10/ 345. العماد المقدسي عبد الحميد بن عبد الهادي. 7/ 506. العماد بن النحاس عبد الله بن الحسن بن الحسين الأنصاري. 7/ 457. ابن العمادي إبراهيم بن حسن بن عبد الرحمن الحلبي الشافعي برهان الدين. 10/ 431. العمادي محمد بن محمد بن مصطفى العمادي. 10/ 584. ابن العمادية منصور بن سليم بن منصور بن فتوح الهمذاني. 7/ 595. عمار الدهني، أبو معاوية الكوفي. 2/ 151. عمار بن رزيق الضبي الكوفي. 2/ 267. ابن عمار محمد أبو بكر المهري الشاعر. 5/ 334. عمار بن محمد الثوري الكوفي. 2/ 365. عمار بن محمد بن مخلد التميمي أبو ذر. 4/ 467. عمار بن ياسر. 1/ 213. ابن عمارة الحسن الكوفي أبو محمد. 2/ 243. [عمارة بن جوين] العبدي أبو هارون، صاحب أبي سعيد الخدري. 2/ 153. عمارة بن خزيمة بن ثابت. 2/ 35.

عمارة بن علي بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني أبو محمد. 6/ 387. عمارة بن غزية المازني المدني. 2/ 191. ابن أبي عمامة المعمّر بن علي بن المعمر بن البقال البغدادي. 6/ 23. عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرسعني جمال الدين المعروف بابن العقيمي. 7/ 786. عمر بن إبراهيم بن سليمان الرهاوي الأصل ثم الحلبي. 9/ 92. عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزمي البغدادي، أبو الآذان. 3/ 380. عمر بن إبراهيم بن عبد الله الحلبي ابن العجمي الشافعي، كمال الدين. 8/ 436. عمر بن أبي إبراهيم القيسي المؤمني المرتضى أبو حفص. 7/ 557. عمر بن إبراهيم الكتاني البغدادي أبو حفص. 4/ 482. عمر بن إبراهيم الكناني الصالحي المعروف بابن الكفتي. 8/ 401. عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن المعتصم بن الواثق بن المستمسك بن الحاكم العباسي. 8/ 520. عمر بن إبراهيم بن محمد الزيدي الكوفي أبو البركات. 6/ 200. عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن أبي جرادة. 9/ 137. عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني المقدسي ثم الصالحي. 9/ 460. عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني الدمشقي الصالحي الحنبلي، نجم الدين. 10/ 132. عمر بن إبراهيم الهروي أبو الفضل. 5/ 124. عمر الأبشيمي الشافعي زين الدين. 10/ 69. عمر بن أحمد بن أحمد المدلجي النشائي المصري أبو حفص. 8/ 80. عمر بن أحمد بن أبي بكر المرعشي، زين الدين. 10/ 321. عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري. 8/ 129. عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي أبو حفص بن شاهين. 4/ 454. عمر بن أحمد بن عثمان العكبري البزاز أبو حفص. 5/ 89. عمر بن أحمد بن علي بن علّك المروزي والجوهري أبو حفص. 4/ 136. عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشماع الحلبي الشافعي، الإمام العلامة المسند المحدث زين الدين. 10/ 306. عمر بن أحمد بن عمر بن مسرور النيسابوري أبو حفص. 5/ 206. عمر بن أحمد المسعودي الهذلي النيسابوري أبو حازم. 5/ 88. عمر بن أحمد بن منصور الصفار النيسابوري أبو حفص. 6/ 278. عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي

الحلبي ابن العديم كمال الدين أبو القاسم. 7/ 525. عمر بن إدريس الأنباري ثم البغدادي أبو حفص. 8/ 349. عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي الهندي. 8/ 391. عمر بن أسعد بن المنجى المعروف بشمس الدين. 7/ 364. عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي البغدادي أبو حفص. 4/ 48. عمر بن إسماعيل بن مسعود الربعي الرشيد الفارقي أبو حفص. 7/ 715. عمر بن إسماعيل المؤدب. 9/ 494. عمر بن إسماعيل بن يوسف اليمني. 6/ 278. عمر بن أيوب السقطي. 4/ 20. عمر بن أيوب الموصلي. 2/ 405. عمر البجائي المغربي المالكي، أبو حفص. 10/ 132. عمر بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران السكري أبو حفص. 4/ 359. عمر بن بدر الموصلي ضياء الدين. 7/ 178. عمر بن براق الدمشقي الحنبلي. 9/ 53. عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد المغربي الأصل البصروي. 9/ 311. عمر بن أبي بكر بن الكامل بن العادل فتح الدين المعروف بالملك المغيث. 7/ 537. عمر بن بكر بن محمد بن علي الجابري الزرنجري. 6/ 461. عمر بن بندار بن عمر التفليسي كمال الدين أبو الفتح. 7/ 589. عمر التنائي المالكي، المصري زين الدين. 10/ 384. عمر بن ثابت الثمانيني أبو القاسم. 5/ 189. عمر بن جعفر البصري المحدث أبو حفص. 4/ 302. عمر بن جعفر بن محمد بن سلم الجيلي أبو الفتح. 4/ 296. عمر بن حبيب العدوي البصري. 3/ 36. عمر بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد السعدي الحسباني الأصل الدمشقي. 9/ 280. عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس المعروف بابن الكتاني. 8/ 205. عمر بن الحسن بن الأشناني أبو الحسين. 4/ 208. عمر بن أبي الحسن علي بن أحمد الأنصاري الأندلسي- المعروف بابن الملقن. 9/ 71. عمر بن حسن بن محمد الجميل بن فرح بن خلف الكلبي الداني ثم السبتي أبو الخطاب ويعرف ب: ابن دحية. 7/ 280. عمر بن حسن بن يزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم المزي. 8/ 444. عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي الخرقي أبو القاسم صاحب «المختصر» . 4/ 186. عمر بن حسين بن حسن بن علي العبادي القاهري الأزهري. 9/ 511. عمر بن الحسين الخفاف البغدادي أبو القاسم. 5/ 219. عمر بن حفص الأزدي. 2/ 242.

عمر بن حفص بن غياث الكوفي. 3/ 102. عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 1/ 177. عمر درويش باشا الوزير. 10/ 580. عمر بن ذر الهمداني الكوفي. 2/ 255. عمر بن رسلان بن نصير بن صالح. 9/ 80. عمر بن زرارة الحدثي. 3/ 184. عمر بن سعد الحفري أبو داود. 3/ 14. عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الحراني ثم الدمشقي أبو حفص. 8/ 277. عمر بن سعد بن أبي وقاص. 1/ 292. عمر السلفي الشافعي. 8/ 445. عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. 2/ 146. عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري أبو حفص. 4/ 172. عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المظفر تقي الدين. 6/ 475. عمر بن شبة النميري البصري أبو زيد. 3/ 274. عمر بن شبيب المسلي الكوفي أبو حفص. 3/ 9. عمر بن الصالح أيوب المعروف بالملك المغيث. 7/ 374. عمر الصعيدي، الحنفي زين الدين. 10/ 321. عمر بن ظفر المغازلي أبو حفص. 6/ 215. عمر العبادي المصري الشافعي سراج الدين. 10/ 385. عمر بن عبد الرحمن بن الحسين ابن القببي، سراج الدين الحنبلي. 8/ 305، 8/ 188. عمر بن عبد الرحمن بن عمر البهبهائي صاحب الكشف على الكشاف. 8/ 249. عمر بن عبد الرحمن القزويني إمام الدين أبو المعالي. 7/ 787. ابن أبي عمر عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الصالحي. 8/ 391. عمر بن عبد الرحمن بن محيصن محمد بن عبد الرحمن بن محيصن، قارئ مكة بعد ابن كثير. 2/ 98. عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن القرشي الزهري أبو حفص. 8/ 188. عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التميمي الداري المصري. 8/ 51. عمر بن عبد العزيز الفيّومي، سراج الدين أبو حفص. 10/ 120. عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي. 2/ 5. عمر بن عبد الكريم الدهستاني أبو الفتيان. 6/ 12. عمر بن عبد الله الحربي أبو حفص. 6/ 270. عمر بن عبد الله بن داود الكفري. 9/ 53. عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي المخزومي أبو الخطاب. 1/ 365. عمر بن عبد الله بن رزين السلمي النيسابوري. 3/ 15. عمر بن عبد الله بن سليمان بن السري اليمني. 6/ 264. عمر بن عبد الله بن علي بن أبي بكر الأديب الشاعر الأسواني. 9/ 254. عمر بن عبد الله بن عمر باعلوى الهندوان. 10/ 606.

عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي عز الدين أبو حفص. 7/ 761. عمر بن عبد الله العيدروس اليمني الشافعي، سراج الدين. 10/ 652. عمر بن عبد الله مولى غفرة. 2/ 208. عمر بن عبد الله الهندي المعروف بالفافا. 9/ 166. عمر بن عبد اللطيف بن أحمد المصري الفيومي الشافعي. 9/ 20. عمر بن عبد المجيد القرشي الميّانشي أبو حفص. 6/ 447. عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين. 8/ 562. عمر بن عبد الملك الدينوري. 7/ 233. عمر بن عبد المنعم بن عمر الطائي الدمشقي أبو حفص المعروف بابن القواس. 7/ 772. عمر بن عبد النصير بن محمد بن هاشم بن عز العرب القرشي السهمي القوصي ثم الإسكندراني أبو حفص المعروف بالزاهد. 8/ 52. عمر بن عبد الواحد السلمي الدمشقي. 2/ 475. عمر بن عبد الوهاب بن خلف العلامي المصري صدر الدين المعروف بابن بنت الأعز. 7/ 640. عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي أبو البركات المعروف بابن البرادعي صفي الدين. 7/ 412. عمر بن عبد الوهاب الناشري اليمني الشافعي، سراج الدين. 10/ 582. عمر بن عبيد الطنافسي الكوفي. 2/ 385. عمر بن عبيد الله الذهلي القرطبي الزهراوي أبو حفص. 5/ 230. عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل المقدسي. 8/ 325. عمر بن عثمان بن موسى الجعفري الدمشقي. 8/ 392. عمر العقيبي، زين الدين، الحموي المعروف بالإسكاف. 10/ 414. عمر بن علي بن أحمد بن الليث الليثي البخاري أبو مسلم. 5/ 298. عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي. 8/ 489. عمر بن علي الحربي البغدادي أبو علي. 6/ 540. عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري الدمشقي أبو المحاسن. 6/ 416. عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري الفاكهي. 8/ 169. عمر الأكبر بن علي بن أبي طالب. 1/ 293. عمر بن علي العتكي الأنطاكي أبو حفص. 4/ 322. عمر بن علي بن عثمان بن عمر بن صالح الشهير بابن الصّيرفي الدمشقي الشافعي. 10/ 132. عمر بن علي بن فارس المصري المعروف بقارئ الهداية أبو حفص. 9/ 276. عمر بن علي بن محمد بن علي بن حمويه الجويني أبو الفتح. 6/ 426.

عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري أبو القاسم المشهور شرف الدين سيدي ابن الفارض. 7/ 261. عمر بن علي المقدمي البصري أبو جعفر. 2/ 417. عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي الأزجي البزار سراج الدين أبو حفص. 8/ 278. عمر بن عمرو بن يونس بن حمزة بن عباس العدوي الإربلي ثم الصالحي ابن القطان. 8/ 475. عمر بن عيسى بن عمر الباريني أبو حفص. 8/ 345. عمر بن قديد الحنفي النحوي. 9/ 393. عمر بن كثير والد الشيخ عماد الدين ابن كثير. 8/ 18. عمر بن كرم بن أبي الحسن الدينوري ثم البغدادي الحمامي أبو حفص. 7/ 233. أم عمر كلثم بنت محمد بن رافع السلامي الدمشقية. 9/ 82. عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي البغدادي أبو القاسم المعروف ب: ابن سبنك. 4/ 405. عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النسفي السمرقندي. 6/ 189. عمر بن محمد بن أحمد بن عجيمة الحنبلي. 9/ 474. عمر بن محمد بن أحمد بن سليمان البالسي ثم الصالحي الملقن. 9/ 54. عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الحنبلي. 9/ 53. عمر بن محمد بن أحمد بن منصور الهندي. 8/ 319. عمر بن محمد بن بجير الهمذاني السمرقندي أبو حفص. 4/ 56. عمر بن محمد بن البزري أبو القاسم. 6/ 316. عمر بن محمد البسطامي البلخي أبو شجاع. 6/ 393. عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي. 8/ 597. عمر بن محمد بن أبي سعد التاجر بدر الدين الكرماني. 7/ 570. عمر بن محمد بن أبي سعد عبد الله بن محمد التميمي الدمشقي ابن أبي عصرون محيي الدين أبو الخطاب. 7/ 611. عمر بن محمد الصفدي ثم النيني. 9/ 255. عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي أبو شجاع. 6/ 341. عمر بن محمد بن عبد الله العليمي الدمشقي أبو الخطاب. 6/ 411. عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التيمي البكري السهروردي شهاب الدين أبو حفص. 7/ 268. عمر بن محمد بن عراك المصري أبو حفص. 4/ 473. عمر بن محمد بن علي بن الزيات البغدادي أبو حفص. 4/ 402. عمر بن محمد بن علي بن فتوح الدمنهوري. 8/ 294.

عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الإشبيلي الشلوبين أبو علي. 7/ 402. عمر بن محمد بن عمر الخجندي الخبازي جلال الدين أبو محمد. 7/ 730. عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي أبو الفتح ابن الأستاذ. 7/ 737. عمر بن محمد بن عمر بن محمود بن أبي بكر الحراني الأصل ثم الدمشقي أبو حفص. 8/ 345. ابن أبي عمر محمد بن محمد بن داود بن حمزة. 8/ 616. عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهاشمي المكي، المعروف: بابن فهد. 9/ 512. عمر بن محمد بن معمر الدارقزي موفق الدين أبو حفص المعروف بابن طبرزد. 7/ 49. عمر بن محمد بن معيبد اليماني الزبيدي. 9/ 519. عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي عز الدين أبو الفتح ويعرف بابن الحاجب الرحال. 7/ 243. عمر بن محمد الوراق المصري سراج الدين. 7/ 753. عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشاهد بن جابي الأحباس. 8/ 116. عمر بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمري. 2/ 233. عمر بن محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي أبو الحسين قاضي القضاة ببغداد. 4/ 147. عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم الكتاني القرشي الملحي الدمشقي أبو حفص. 8/ 554. عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن الوردي المعري الحلبي. 8/ 275. عمر بن معروف الجبرتي، الدمشقي إمام الصابونية. 10/ 379. عمر بن معوضة الشرعبي. 10/ 140. عمر بن مكي بن عبد الصمد زين الدين أبو حفص. 7/ 731. عمر بن منصور بن سليمان القرمي المعروف بالعجمي. 9/ 127. عمر بن منصور بن عبد الله البهادري الحنفي. 9/ 303. أبو عمر مولى كندة زادان. 1/ 334. عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري ابن عوة أبو حفص. 7/ 485. عمر بن نصر الله، الصالحي، الدمشقي، الحنفي زين الدين. 10/ 426. عمر بن هارون البلخي. 2/ 443. عمر بن يحيى بن طرخان المعري ثم البعلبكي. 7/ 787. عمر بن يحيى بن عمر أبو حفص المعروف بالفخر الكرخي. 7/ 727. عمر بن يعقوب بن عثمان الإربلي تقي الدين. 7/ 594. عمر يونس اليمامي أبو حفص. 3/ 15. ابن عمران أحمد بن محمد بن محمد المقدسي الحنفي. 10/ 280.

عمران بن إدريس بن معمر الجلجولي الشافعي. 9/ 54. أبو عمران الجوني عبد الملك بن حبيب. 2/ 123. عمران بن حصين الخزاعي. 1/ 249. عمران بن حطان السدوسي البصري. 1/ 347. عمران بن موسى، محدث جرجان. 4/ 27. العمراني يحيى بن أبي الخير بن سالم اليماني أبو زكريا. 6/ 309. عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية. 1/ 395. عمرو بن بحر الجاحظ البصري المعتزلي أبو عثمان. 3/ 231. عمرو بن الحارث المصري الفقيه. 2/ 221. عمرو بن حريث المخزومي. 1/ 349. عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي. 1/ 252. أبو عمرو الداني عثمان بن سعيد القرطبي. 5/ 195. أبو عمرو الدمشقي الزاهد. 4/ 103. عمرو بن دينار الجمحي اليمني الصنعاني أبو محمد. 2/ 115. عمرو بن رافع بن علوان الزّرعي. 7/ 181. عمرو بن زرارة الكلابي النيسابوري. 3/ 173. عمرو بن سعيد الأشدق. 1/ 300. عمرو بن أبي سلمة التنيسي الفقيه وأصله دمشقي. 3/ 61. عمرو بن سلمة الجرمي البصري. 1/ 349. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. 2/ 83. أبو عمرو بن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن. 7/ 383. عمرو بن العاص أبو عبد الله. 1/ 232. عمرو بن عاصم الكلابي الثقة البصري. 3/ 60. عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي أبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها. 2/ 119. عمرو بن عبيد البصري العابد الزاهد المعتزلي القدري. 2/ 196. عمرو بن عثمان الحمصي. 3/ 235. عمرو بن عثمان الحارثي المعروف ب سيبويه. 2/ 277. عمرو بن عثمان المكي الزاهد أبو عبد الله. 3/ 411. أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري مقرئ البصرة. 2/ 248. عمرو بن علي الباهلي البصري الصيرفي الفلاس الحافظ أبو حفص. 3/ 228. عمرو بن عون الواسطي أبو عثمان. 3/ 106. عمرو بن قيس السكوني الكندي الحمصي. 2/ 191. عمرو بن الليث الصفار ملك خراسان. 3/ 375. عمرو بن محمد العنقزي الكوفي. 2/ 471. عمرو بن محمد الناقد الحافظ البغدادي أبو عثمان. 3/ 149. عمرو بن مرزوق الباهلي مولاهم البصري الحافظ. 3/ 110. عمرو بن مرة المرادي الكوفي الضرير. 2/ 77.

عمرو بن مسلم النيسابوري الزاهد أبو حفص. 3/ 282. عمرو بن أم مكتوم الأعمى. 1/ 162. عمرو بن ميمون الأودي. 1/ 313. عمرو بن ميمون بن مهران الجزري الفقيه. 2/ 208. ابن عمروس محمد بن عبيد الله البغدادي أبو الفضل. 5/ 224. العمري أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلّي. 8/ 273. العمري حبيب القرماني البكري. 10/ 22. العمري عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. 2/ 381. العمري عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم المدني. 2/ 328. العمري عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح. 8/ 104. العمري علي بن محمد الشيرازي العمري الشافعي. 10/ 127. العمري عمر بن محمد بن يزيد بن عبد الله. 2/ 233. العمري محمد بن عبد القادر بن أبي بكر ابن الشحام الحلبي. 10/ 368. العمودي أحمد بن عثمان بن محمد بن عثمان العمودي. 10/ 499. العمودي عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن عثمان بن محمد العمودي. 10/ 509. العمولي أحمد بن محمد بن مكي بن ياسين القرشي المخزومي. 8/ 135. عمي أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود. 8/ 107. العمي عقبة بن مكرم البصري. 3/ 199. عميد بن عبد الله الخراساني قاضي تمرلنك. 9/ 82. ابن العميد محمد بن الحسين بن محمد الكاتب. 4/ 312. عمير بن الحمام. 1/ 115. عمير بن سعيد النخعي أبو يحيى. 2/ 76. [عمير بن عمرو بن نضلة الخزاعي] ذو الشمالين. 1/ 115. عمير بن هانئ العنسي الداراني. 2/ 118. عمير بن أبي وقاص الزهري. 1/ 115. العميري محمد بن علي بن محمد الهروي أبو عبد الله. 5/ 394. العنابي إسماعيل بن محمد بن الأكرم الدمشقي. 10/ 238. العنّابي إسماعيل بن ناصر الدين محمد بن الأكرم الدمشقي. 10/ 238. العنابي عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي. 10/ 320. ابن عنان محمد بن حسن الشافعي. 10/ 163. العنتابي يوسف بن شريكار. 9/ 231. العنبري العباس بن عبد العظيم البصري. 3/ 215. العنبري عبيد الله بن معاذ بن معاذ البصري. 3/ 171. العنبري معلى بن المثنى بن معاذ البصري. 3/ 369.

العنبري يحيى بن محمد، أبو زكريا. 4/ 238. ابن عنتر أبو بكر بن محمد بن أحمد الدمشقي. 8/ 205. العنزي حبّان بن علي. 2/ 328. العنزي سيار بن حاتم البصري. 2/ 472. العنزي محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار البصري أبو موسى. 3/ 239. العنزي مندل بن علي الكوفي. 2/ 304. العنسي إسماعيل بن عياش (أبو عتبة) . 2/ 359. العنقزي عمرو بن محمد الكوفي. 2/ 471. ابن عنقة محمد بن محمد البسكري. 9/ 73. ابن عنين محمد بن نصر الله بن مكارم بن حسن الأنصاري. 7/ 246. العوادي محمد بن عمر التّعزي جمال الدين. 9/ 181. عوانة بن الحكم البصري الأخباري. 2/ 261. أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني. 4/ 80. ابن عوجان محمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف. 10/ 43. العوذي همام بن يحيى البصري. 2/ 287. ابن عوسجة يوسف بن عمر العباسي. 8/ 282. عوض موسى بن الحسين بن مسافر بن الحسن بن محمود الكردي. 10/ 331. عوف الأعرابي البصري. 2/ 210. ابن عوف عبد العزيز بن عبد الوهاب بن إسماعيل الإسكندراني. 7/ 412. عوف بن عفراء. 1/ 115. عوف بن مالك الأشجعي. 1/ 306. العوفي عطية بن سعد الكوفي. 2/ 62. العوفي محمد بن سنان العوفي البصري أبو بكر. 3/ 106. العوفي محمد بن محمد الزيتوني العوفي محب الدين. 10/ 265. العوفي محمد بن محمد بن علي صالح. 10/ 44. ابن عون إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون الدمشقي الحنفي. 10/ 104. عون بن سلام الكوفي. 3/ 138. عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. 2/ 55. ابن عون عمرو الواسطي أبو عثمان. 3/ 106. العونسي محمد بن أبي القاسم بن جميل المالكي. 8/ 69. ابن عوّة عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري. 7/ 485. عويس العالية عيسى بن حجاج السعدي. 9/ 109. ابن عياد يوسف بن عبد الله بن سعيد. 6/ 419. ابن العيّار محمد الحموي النحوي شمس الدين. 9/ 270. عياش بن أبي ربيعة المخزومي. 1/ 161. عياش بن عباس القتباني المصري. 2/ 151.

ابن عياش عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف. 9/ 404. العياشي علي العياشي. 10/ 447. عياض بن غنم الفهري. 1/ 172. عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي أبو الفضل. 6/ 226. العيبي عبد الوهاب بن بزغش البغدادي. 7/ 95. العيثاوي عبد الوهاب بن شرف الدين يونس بن عبد الوهاب العيثاوي. 10/ 462. العيدروس أحمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد الله بن العيدروس. 10/ 513. العيدروس أبو بكر بن عبد الله الشاذلي. 10/ 57. العيدروس الحسين بن عبد الله. 10/ 113. العيدروس شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني. 10/ 620. العيدروس شيخ بن عبد الله بن العيدروس. 10/ 131. العيدروس عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر الشافعي. 10/ 173. العيدروس عبد الله بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله الشريف. 10/ 361. العيدروس عمر بن عبد الله العيدروس. 10/ 652. العيدروس محمد بن أحمد بن أبي بكر باعلوى. 10/ 128. ابن عيذون علي بن عبد الجبار الهذلي التونسي. 6/ 97. عيسى بن إبراهيم الرومي الحنفي الباشا. 10/ 405. عيسى بن إبراهيم بن محمد الماردي أبو الحسن. 8/ 257. عيسى بن أحمد بن إلياس اليونيني. 7/ 459. عيسى بن أحمد العسقلاني الحافظ. 3/ 291. عيسى بن أحمد الهاشمي العباسي البغدادي الهراس الدوشابي أبو هاشم. 6/ 416. عيسى الإربلي بهاء الدين ابن الفخر. 7/ 668. عيسى بن إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي أبو القاسم الملقب ب: الفائز بنصر الله. 6/ 292. عيسى بن أمير خان الحنفي المعروف بسعدي جلبي، المولى. 10/ 373. عيسى بن بركة بن والي الحوراني الصالحي، المجد. 7/ 788. عيسى بن حامد الرخجيّ البغدادي أبو الحسين. 4/ 369. عيسى بن حجاج السعدي المصري المعروف بعويس العالية. 9/ 109. عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني ولقبه رباح. 2/ 267. عيسى بن حماد زغبة التجيبي مولاهم المصري. 3/ 223. عيسى بن دينار الغافقي مفتي الأندلس. 3/ 58. عيسى بن سلامة بن سالم الحراني الخياط أبو الفضل. 7/ 446.

عيسى بن سليمان بن رمضان التغلبي المصري القرافي أبو الروح. 7/ 526. عيسى بن سليمان بن عبد الله الرعيني الأندلسي المالقي الرندي أبو موسى. 7/ 272. عيسى بن سنجر بن بهرام الحاجري حسام الدين أبو يحيى وأبو الفضل. 7/ 272. عيسى بن الشيخ الذهلي. 3/ 293. عيسى بن طلحة بن عبد الله القرشي التيمي. 1/ 405. عيسى بن العادل الحنفي، الملك المعظم سلطان الشام شرف الدين. 7/ 201. عيسى بن عبد الرحمن بن أحمد الهروي ثم السروري الحجازي أبو مكتوم. 5/ 416. عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي. 8/ 94. عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي الشريشي ثم الإسكندراني. 7/ 234. عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربري المراكشي الجزولي أبو موسى. 7/ 49. 7/ 50. عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي الغزي. 8/ 614. عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي أبو القاسم. 4/ 489. عيسى بن علي عم المنصور. 2/ 287. عيسى بن عمر، النحوي. 2/ 223. عيسى بن غاث بن عبد الله بن سنان بن دلويه أبو موسى. 3/ 324. عيسى غنجار البخاري أبو أحمد. 2/ 288. عيسى بن ماهان الرازي أبو جعفر. 2/ 277. عيسى بن محمد البغدادي الطوماري أبو علي. 4/ 311. عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري. 8/ 21. عيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد الشريف الحسيني الأيجي الشافعي الصوفي، قطب الدين أبو الخير. 10/ 427. عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسي. 9/ 312. عيسى بن محمد بن عيسى الطعماني المروزي اللغوي. 3/ 388. عيسى بن مسكين قاضي القيروان. 3/ 402. عيسى بن مصعب بن الزبير. 1/ 305. عيسى بن مكي بن حسين العامري المصري أبو القاسم السديد. 7/ 426. عيسى بن مهنا. 7/ 668. عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي. 2/ 304. عيسى بن مينا الزهري مولاهم المدني أبو موسى. 3/ 97. عيسى الهندي القاضي. 10/ 583. عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد الأنصاري أبو الهدى المعروف بالضياء السبني. 7/ 761. عيسى بن يحيى الريغي المغربي نزيل مكة. 9/ 261. عيسى بن يوسف بن أحمد الغرافي، التقي الأعمى. 7/ 13. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو. 2/ 406.

العيسوي علي بن عبد الله بن إبراهيم أبو الحسن. 5/ 79. العيسوي محمد بن صالح بن علي الهاشمي العباسي العيسوي. 4/ 375. العيشوني محمد بن عبد نسيم. 6/ 411. العيشي أمية بن بسطام البصري. 3/ 141. عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الفقيهة الأصبهانية. 7/ 79. العيشي عبيد الله بن محمد البصري الأخباري. 3/ 130. أبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد البصري الضرير. 3/ 337. العينتابي محمود بن محمد بن عبد الله. 9/ 84. العينتاوي عبد الرحمن بن حمدان. 8/ 488. العيني محمد بن محمد العيني عرف بابن بلال. 10/ 459. العيني محمود بن أحمد بن موسى العينتابي. 9/ 418.

حرف الغين غازي بن داود بن المعظم بن العادل. 8/ 56. غازي بن زنكي بن آق سنقر السلطان سيف الدين. 6/ 228. غازي بن العادل، المعروف بالملك المظفر شهاب الدين. 7/ 402. غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الحلاوي الدمشقي أبو محمد. 7/ 727. غازي بن قرا أرسلان بن غازي بن أرتق بن غازي بن تمرتاش بن غازي بن أرتق التركماني الأرتقي. 8/ 57. الغازي محمد بن إبراهيم بن شعيب أبو الحسين. 4/ 57. غازي، الملك الظاهر شقيق الملك الناصر يوسف. 7/ 516. غازي بن مودود بن أتابك زنكي التركي الأتابكي، سيف الدين. 6/ 423. غازي بن يوسف بن أيوب، الملك الظاهر صاحب حلب. 7/ 102. الغاضري حفص بن سليمان الكوفي. 2/ 357. الغافقي إبراهيم بن أحمد بن عيسى الإشبيلي. 8/ 70. الغافقي اليسع بن عيسى بن حزم. 6/ 413. الغافقي عيسى بن دينار مفتي الأندلس. 3/ 58. الغافقي يحيى بن أيوب. 2/ 287. غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمّام بن عطية المحاربي الغرناطي أبو بكر. 6/ 95. ابن أبي غالب عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزاز أبو القاسم. 4/ 463. غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر المقدسي النابلسي. 7/ 270. غالب بن كاتب بن عمر بن العميد بن غالب القلاني الإتقاني. 8/ 478. ابن غانم أحمد بن محمد الشافعي. 8/ 200. ابن غانم محمد بن سليمان بن حمايل بن علي المقدسي. 7/ 788. غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي أبو القاسم. 6/ 51. غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الخشبي المدني. 9/ 203. الغباري محمد بن أحمد أبو طاهر. 5/ 157. الغبري محمد بن عبيد بن حساب. 3/ 174. الغداني عبد الله بن رجاء أبو عمرو. 3/ 96.

ابن غراب علي الكوفي القاضي. 2/ 382. الغرّابي محمود بن الصفدي. 8/ 499. ابن الغرابيلي محمد بن محمد بن محمد بن مسلم الكركبي. 9/ 312. الغرافي علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني. 8/ 21. الغرافي عيسى بن يوسف بن أحمد، التقي الأعمى «مدرّس الأمينية» . 7/ 13. الغراقي محمد بن أحمد بن خليل المصري. 9/ 181. ابن الغرس خليل بن أحمد المصري. 9/ 361. ابن غرسية عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن الحصار. 5/ 112. الغرناطي إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي المالكي. 8/ 378. الغرناطي يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن محمد. 9/ 94. ابن غريبة علي بن أبي المعالي المبارك. 6/ 433. ابن الغريق محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله العباسي أبو الحسين. 5/ 281. غزالة امرأة شبيب. 1/ 316. الغزال حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس. 7/ 365. الغزّال الزعفراني محمد بن عبد الرحمن بن سهل الأصبهاني أبو عبيد الله. 4/ 337. ابن الغزال عبد الله بن محمد بن إسماعيل المصري. 6/ 115. الغزّال عبد الوهاب بن الحسين بن برهان البغدادي. 5/ 203. الغزال محمد بن أبي بكر بن عبد الله الأصبهاني. 7/ 256. الغزّال محمد بن عبد الملك بن زنجويه الحافظ البغدادي. 3/ 259. الغزالي عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر شهاب الدين. 7/ 116. الغزالي محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي «أبو حامد» . 6/ 18. الغزالي محمد بن محمد بن محمد الطوسي الإمام أبو حامد. 9/ 283. الغزاوي أحمد بن أحمد المالكي. 9/ 212. الغزاوي إسماعيل بن مقبل بن محمد الغزاوي الحنفي. 10/ 281. الغزاوي خطاب بن عمر بن مهنا العجلوني. 9/ 484. الغزنوي الحسن بن سالار بن محمود البغدادي. 8/ 458. الغزنوي علي بن الحسين. 6/ 264. الغزنوي عمر بن إسحاق بن أحمد الهندي. 8/ 391. الغزنوي محمد بن يوسف الحنفي. 6/ 557. الغزي إبراهيم بن عثمان أبو إسحاق. 6/ 112. الغزي أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني الحوارني، الحنفي، الشهاب. 10/ 237.

الغزي أحمد بن رضيّ الدّين أبو المكارم. 10/ 36. الغزي زينب بنت محمد بن محمد بن علي الغزي. 10/ 574. الغزي صالح بن خليل بن سالم بن عبد الناصر بن محمد بن سالم. 9/ 70. الغزي علي بن خلف بن خليل بن عطاء الله. 8/ 553. الغزي عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي. 8/ 614. الغزي محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الشافعي. 8/ 374. الغزي محمد بن خليل بن أبي بكر الحلبي القدسي. 9/ 386. الغزي محمد بن خليل بن العرضي. 9/ 160. الغزي محمد بن رضي الدين أبو الخير. 10/ 36. الغزي محمد بن العباس بن وصيف الغزي أبو بكر. 4/ 391. الغزي محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله رضي الدين الغزي. 10/ 292. الغزي محمد بن محمد بن علي الغزي. 10/ 574. الغزي محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله العامري. 10/ 593. الغسّال المبارك بن الحسين البغدادي أبو الخير. 6/ 44. غسان بن الربيع الأزدي محدث الموصل. 3/ 119. الغساني الحسين بن محمد الجياني أبو علي. 5/ 420. الغساني عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي أبو مسهر. 3/ 90. الغساني محمد بن أحمد صقر. 8/ 497. الغساني محمد بن أحمد بن هارون بن الجندي الدمشقي. 5/ 89. الغسّاني محمد بن العباس أبو عبد الرحمن الدمشقي الدرفس. 4/ 20. الغسّاني محمد بن الفيض أبو الحسن. 4/ 74. الغساني يحيى بن يحيى بن قيس. 2/ 152 الغسولي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصالحي الحجّار أبو علي. 7/ 799. ابن الغسيل عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة. 2/ 329. ابن غصن يوسف بن عبد الرحمن الإشبيلي. 6/ 543. الغضائري الحسين بن الحسن بن محمد بن حليس المخزومي. 5/ 73. الغضائري علي بن عبد الحميد أبو الحسن. 4/ 66. الغضنفر عدة الدولة، ابن الملك ناصر الدولة بن حمدان أبو تغلب. 4/ 359. الغطريفي محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري الجرجاني الرباطي. 4/ 411. الغفاري أحمد بن حازم بن أبي غرزة. 3/ 317. الغفجومي موسى بن عيسى البربري.

5/ 153. الغلابي محمد بن زكريا الأخباري أبو جعفر. 3/ 380. الغلابي المفضل بن غسان الغلابي. 3/ 215. غلام السباك أحمد بن عثمان البغدادي. 4/ 239. ابن غلام الفرس محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد الداني أبو عبد الله. 6/ 238. غلام ابن المني إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي. 7/ 76. غلام الهرّاس الحسن بن القاسم الواسطي «أبو علي» . 5/ 291. ابن غلبون أحمد بن محمد الخولاني القرطبي. 6/ 35. ابن غلبون عبد المنعم بن عبيد الله الحلبي. 4/ 478. الغلفي محمد بن محمد بن محمد بن شيخ المعظمية 9/ 36. الغماري أحمد بن يعقوب المالكي. 8/ 590. الغماري الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام المصري. 8/ 55. الغماري داود بن موسى المالكي. 9/ 213. الغماري محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق. 9/ 35. ابن الغمر مكي بن محمد التميمي. 5/ 92. الغمريّ أحمد بن محمد الصوفي. 10/ 37. الغمري عبد الله بن عمر بن أحمد الواسطي. 9/ 386. الغمري محمد بن أبي العباس أحمد الغمري. 10/ 328. أبو الغنائم ابن محاسن بن أحمد بن مكارم الحراني المعمار المعروف بالكفرطابي. 7/ 757. أبو الغنائم المسلم بن أحمد بن علي المازني النصيبي. 7/ 257. ابن أبي الغنائم المهذب التنوخي. 7/ 711. أبو الغنائم هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي التغلبي الصائن. 6/ 349. غنجار عيسى البخاري أبو أحمد. 2/ 388. غنجار محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان البخاري الحافظ. 5/ 66. الغندجاني عبد الوهاب بن علي بن محمد بن موسى أبو أحمد. 5/ 203. غندر محمد بن جعفر البصري. «أبو عبد الله» . 2/ 429. غندر النجار محمد بن جعفر بن العباس أبو بكر. 4/ 420. الغنوي إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقي. 6/ 220. الغنويّ محمد بن سلطان بن حيّوس الغنوي الدمشقي أبو المكارم. 5/ 284. ابن أبي غنيّة يحيى بن عبد الملك الكوفي. 2/ 406.

الغورجي أحمد بن عبد الصمد الهروي. 5/ 349. الغوري قانصوه بن عبد الله الجركسي الملك الأشرف. 10/ 159. غويلة سالم بن عبد الله الهروي. 5/ 160. غياث الدّين، الشهير بباشا جلبي الرومي الحنفي، المولى. 10/ 213. غياث الدين الغوري محمد بن سام بن حسين أبو الفتح سلطان غزنة. 6/ 556. غياث بن فارس اللخمي أبو الجود. 7/ 33. أبو الغيث. 8/ 61. أبو الغيث بن جميل اليمني. 7/ 442. أبو الغيث بن عبد الله بن راشد السكوني الكندي الحضرمي. 8/ 321. غيث بن علي الصوري الأرمنازي أبو الفرج. 6/ 40. الغيثي عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي بن زياد الغيثي المقصري. 10/ 552. الغيطي محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الغيطي السكندري. 10/ 595. غيلان [بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي ذو الرمّة] الشاعر المشهور. 2/ 12.

حرف الفاء فاتك المجنون الرومي الإخشيذي أبو شجاع. 4/ 265. ابن الفاخر محمد بن معمر القرشي الأصبهاني. 7/ 21. ابن الفاخر معمر بن عبد الواحد القرشي العبشمي الأصبهاني. 6/ 355. الفاخراني علي بن هلال بن خميس الواسطي معين الدين. 6/ 502. الفاخوري يحيى بن عيسى النهشلي الكوفي. 3/ 7. ابن فادشاه أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني الرئيس. 5/ 159. الفارابي محمد بن محمد بن طرخان التركي. 4/ 209. فارس بن أحمد الحمصي الضرير أبو الفتح. 5/ 13. ابن فارس أحمد بن فارس بن زكريا الرازي. 4/ 480. ابن فارس عبد الله بن جعفر بن أحمد أبو محمد محدث أصبهان. 4/ 244. الفارسكوري عبد الرحمن بن علي بن خلف. 9/ 113. الفارسي إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد النيسابوري. 6/ 14. الفارسي عبد العزيز بن جعفر بن خواستي. 5/ 70. الفارسي عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر. 6/ 152. الفارسي عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر. 5/ 205. الفارسي عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن. 7/ 300. الفارسي محمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد الهروي. 5/ 311. الفارسي نصر بن عبد العزيز الشيرازي. 5/ 258. ابن الفارض عمر بن علي بن مرشد الحموي المصري. 7/ 261. الفارضي محمد الفارضي القاهري. 10/ 576. الفارقي الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون. 6/ 140. الفارقي الحسن بن أسد. 5/ 372. الفارقي سعد الله بن مروان. 7/ 730. الفارقي عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فئر. 8/ 16. الفارقي عمر بن إسماعيل بن مسعود الربعي الرشيد. 7/ 715. الفارقي محمد بن عبد الملك أبو عبد الله. 6/ 354. ابن فار اللبن عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري. 7/ 550.

الفارمذي الفضل بن محمد أبو علي. 5/ 333. الفاروثي أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي. 7/ 743. الفاروثي أبو تغلب بن أحمد الواسطي. 7/ 763. الفاروثي عبد الله بن عمر بن أبي الرضا. 8/ 26. فاروق بن عبد الكبير الخطابي البصري أبو حفص. 4/ 383. الفاري عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد البقاعي. 9/ 242. الفازاري محمد بن يخلفتن بن أحمد البربري التلمساني. 7/ 170. الفاسي الحسن بن علي بن منتصر الاسكندراني الكتبي. 7/ 529. الفاسي عبد القادر بن عبد اللطيف بن محمد الحسيني. 9/ 543. الفاسي عبد القادر بن محمد بن أحمد بن محمد المكي. 9/ 261. الفاسي عبد اللطيف بن أحمد بن علي الشافعي. 9/ 228. الفاسي عبد اللطيف بن محمد بن أحمد بن محمد الحسني. 9/ 405. الفاسي قاسم بن علي بن محمد بن علي المالكي. 9/ 138. الفاسي محمد بن أحمد بن علي المكي. 9/ 289. الفاسي محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي أبو عبد الله. 7/ 490. الفاسي محمد بن عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله الحسني المكي. 9/ 244. الفاسي موسى بن عيسى البربري الغفجومي. 5/ 153. الفاشوشة إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي. 7/ 796. الفاشوشة إبراهيم بن شمس الدين الكتبي. 8/ 182. الفاضل عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني. 6/ 530. الفاضلي إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني. 7/ 734. فاطمة بنت إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي أم محمد. 8/ 52. فاطمة بنت أحمد بن السلطان صلاح الدين. 7/ 632. فاطمة بنت أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي المكية، المدنية. 8/ 483. فاطمة بنت أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية الأصبهانية أم إبراهيم. 6/ 115. فاطمة بنت أحمد بن محمد علي الحسنية الحلبية، أم الحسن. 9/ 154. فاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع البغدادية أم الفضل. 5/ 348. فاطمة بنت الحسن بن علي الدقاق،

زوجة القشيري. 5/ 348. فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. 2/ 55. فاطمة بن خليل بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح الشيخة المسندة. 9/ 297. فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكريم. 6/ 564. فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري أم عبد الله. 8/ 32. فاطمة بنت عباس البغدادية أم زينب. 8/ 63. فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان، الشهيرة ببنت قريمزان. 10/ 506. فاطمة بنت علم الدين البرزالي. 8/ 169. فاطمة بنت علي بن أبي البدر. 8/ 44. فاطمة بنت علي بن القاسم بن مؤرخ الشام أبي القاسم ابن عساكر. 7/ 669. فاطمة بنت علي بن المظفر بن زعبل البغدادية النيسابورية أم الخير. 6/ 164. فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1/ 134. فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية وتعرف ببنت الأعمى. 8/ 563. فاطمة بنت محمد بن الحسين بن رواحة أم أحمد. 8/ 74. فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادية أم البهاء. 6/ 201. فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن الهادي المقدسية أم يوسف. 9/ 55. فاطمة بنت يوسف التادفي الحنبلي الحلبي. 10/ 190. ابن الفاعوس علي بن المبارك بن علي البغدادي. 6/ 105. الفافا عمر بن عبد الله الهندي سراج الدين. 9/ 166. ابن الفاكهاني علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر المعري. 9/ 493. الفاكهي أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد الفاكهي الأصل. 10/ 300. الفاكهي عبد القادر بن أحمد علي الفاكهي المكي. 10/ 582. الفاكهي عبد الله بن أحمد الفاكهي. 10/ 536. الفاكهي عبد الله بن محمد بن العباس المكي. 4/ 280. الفاكهي محمد بن أحمد بن علي الفاكهي. 10/ 627. ابن الفالاتي محمد بن علي الدمشقي القوصي. 9/ 461.

الفامي عبد الرحمن بن عبد الجبار. 6/ 231. الفامي، عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب الفارسي. 5/ 428. الفامي عبيد الله بن محمد النيسابوري أبو الفضل. 4/ 473. الفاميّ نصر بن أبي الضوء الزبداني. 8/ 17. الفانيدي الحسين بن الحسين البغدادي. 5/ 413. الفائز صاحب مصر. 6/ 290. أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت. 4/ 501. أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان. 6/ 101. أبو الفتح الخطيب بن ناصر الدين. 10/ 334. أبو الفتح السبستري ثم التبريزي الشافعي. 10/ 479. الفتح بن عبد الله بن محمد البغدادي أبو الفرج. 7/ 203. فتح الله بن معتصم بن نفسي الداودي التبريزي الطبيب. 9/ 180. أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي بن أبي الفوارس. 5/ 66. الفتح بن محمد بن خاقان القيسي الإشبيلي أبو نصر. 6/ 176. أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي السجزي المكي. 8/ 392. الفتوحي [1] محمد بن أحمد بن شهاب الفتوحي [2] 10/ 571. أبو الفتيان بن حيوس محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس بن محمد بن المرتضى بن محمد بن القاسم بن عثمان. 5/ 313. فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الحنفي الدمشقي المعروف بالشاغوري الملقب بالشهاب. 7/ 115. فتيان بن مباح بن حمد بن حمد بن سليمان بن المبارك بن الحسين السلمي الحراني. 6/ 361. ابن فتيان محمد بن فتيان المقدسي أبو الفتح. 10/ 501. الفحّام أحمد بن الوليد البغدادي. 3/ 309. ابن فحلون سعيد بن فحلون أبو عثمان محدث الأندلس. 4/ 244. ابن الفخار محمد بن إبراهيم بن خلف الأنصاري المالقي. 6/ 496. ابن الفخّار محمد بن علي بن أحمد الخولاني والإلبيري. 8/ 300. الفخار محمد بن عمر بن يوسف القرطبي. 5/ 97. الفخر بن البخاري علي بن أحمد بن عبد الواحد السعدي المقدسي الصالحي أبو

_ [1] تصحفت في الكتاب إلى «الفتوجي» بالجيم والصواب ما أثبته هنا، ويعرف المترجم أيضا بابن النجار. [2] تصحفت في الكتاب إلى «الفتوجي» بالجيم والصواب ما أثبته هنا، ويعرف المترجم أيضا بابن النجار.

الحسن. 7/ 723. فخر الدين عثمان [بن أحمد بن الظّاهري] . 8/ 164. الفخر عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البعلبكي. 7/ 706. ابن الفخر عيسى الإربلي بهاء الدين. 7/ 668. ابن الفخر محمد بن عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي شمس الدين المفتي. 7/ 788. الفخر ابن البخاري علي بن أحمد بن عبد الواحد السعدي. 7/ 723. الفخر الفارسي محمد بن إبراهيم الفيروزآبادي أبو عبد الله. 7/ 178. الفخر الكرخي عمر بن يحيى بن عمر. 7/ 727. الفخر الموصلي محمد بن أبي الفرج بن أبي المعالي البغدادي. 7/ 170. أبو الفداء إسماعيل بن علي الدمشقي. 7/ 713. ابن أبي فديك محمد بن إسماعيل بن مسلم الديلي. 2/ 475. الفراء إبراهيم بن أبي الحسن الصالحي. 7/ 778. الفراء إبراهيم بن موسى الرازي الحافظ. 3/ 139. الفراء الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، أبو محمد، صاحب «شرح السنة» . 6/ 79. ابن الفرّاء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمر المرداوي. 7/ 795. ابن الفرّاء إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحراني. 8/ 155. الفرّاء داود بن قيس المدني الدباغ. 2/ 277. الفراء عبيد الله بن الحسين أبو القاسم. 5/ 299. الفراء عبيد الله بن علي بن محمد أبو القاسم. 6/ 434. ابن الفراء علي بن الحسين بن عمر الموصلي. 6/ 97. ابن الفرّاء محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي. 5/ 252. الفراء محمد بن عبد الوهاب العبدي النيسابوري. 3/ 306. الفرّاء محمد بن الفضل بن نظيف المصري. 5/ 155. ابن الفرّاء محمد بن محمد بن الحسين البغدادي «ابن القاضي أبي يعلى» . 6/ 130. ابن الفرّاء محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد. 6/ 135. ابن الفراء محمد بن محمد بن أبي يعلى الكبير البغدادي. 6/ 316. ابن الفرّاء المظفر بن محمد بن محمد بن محمد. 6/ 419. الفراء يحيى بن زياد الكوفي النحوي. 3/ 39. الفرّاء يزيد بن صالح، أبو خالد النيسابوري. 3/ 136.

ابن الفرات أحمد بن عبد الخالق بن علي. 9/ 67. ابن الفرات أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر. 5/ 407. ابن الفرات إسحاق بن الفرات التجيبي. 3/ 24. ابن الفرات عبد الخالق بن علي بن الحسين المالكي. 8/ 570. ابن الفرات عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم. 9/ 393. ابن الفرات محمد بن العباس بن أحمد بن الفرات البغدادي أبو الحسن. 4/ 443. ابن الفرات محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن الحنفي. 9/ 107. فراج الكفل الحنبلي. 9/ 214. الفراديسي إسحاق بن إبراهيم الدمشقي. 3/ 122. الفراديسي خليل بن خالد الصالحي الحنبلي. 10/ 33. فراس بن علي بن زيد الكناني العسقلاني ثم الدمشقي أبو العشائر المعروف بالنجيب. 7/ 543. الفرّاش يحيى بن ياقوت البغدادي. 7/ 98. الفراهيدي الخليل بن أحمد الأزدي. 2/ 321. الفراهيدي مسلم بن إبراهيم البصري القصاب. 3/ 102. الفراوي عبد الله بن محمد بن الفضل النيسابوري. 6/ 252. الفراوي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد النيسابوري. 6/ 475. الفراوي محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي. 6/ 157. الفراوي منصور بن عبد المنعم بن عبد الله (أبو الفتح) . 7/ 64. الفرائضي إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم المقدسي. 9/ 45. الفرائضي أحمد بن القاسم بن نصر «أبو بكر» . 4/ 100. الفربري محمد بن يوسف بن مطر. 4/ 101. فرج بن برقوق بن أنس. 9/ 167. فرج بن عبد الله الحبشي المعروف بالناصح. 7/ 447. فرج بن عبد الله الشرفي الحافظي الدمشقي. 8/ 604. فرج بن قاسم بن أحمد بن لب الثعلبي الغرناطي أبو سعيد. 8/ 483. ابن فرحون إبراهيم بن نور الدين أبي الحسن علي اليعمري. 8/ 608. ابن فرحون محمد بن عبد الله بن محمد اليعمري المدني. 8/ 545. ابن فرحون محمد بن محمد بن عبد الله اليعمري. 9/ 230. الفرخاوي عبد الله بن أبي عبد الله الدمشقي. 9/ 195. ابن الفرزان عبد الخلاق بن أحمد. 9/ 382. الفرزدق [همام بن غالب بن صعصعة

التميمي البصري أبو فراس] الشاعر المشهور. 2/ 55. ابن الفرس محمد بن عبد الرحيم الأنصاري الخزرجيّ الغرناطي أبو عبد الله. 6/ 370. الفرساني محمد بن عبد الجبار الفرساني الأصبهاني أبو العلاء. 5/ 413. ابن فرشته [1] عبد اللطيف بن عبد العزيز بن الملك الحنفي. 9/ 512. الفرضي عبيد الله بن محمد بن أحمد أبو أحمد. 5/ 42. الفرغاني أحمد بن محمد شهاب الدين. 10/ 106. الفرغاني حاجب بن مالك بن أركين. 4/ 32. الفرغاني عبيد الله بن محمد الحسيني. 8/ 241. الفرغاني محمد بن إسماعيل الصوفي. 4/ 175. الفرغاني محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني أبو بكر الإخشيذ. 4/ 188. الفرغاني محمد بن علي بن سالم. 8/ 592. ابن الفرفور أحمد بن محمود بن عبد الله. 10/ 68. ابن الفرفور أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود الدمشقي. 10/ 71. ابن الفرفور عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الفرفور. 10/ 626. ابن الفرفور محمد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود الدمشقي الشافعي. 10/ 315. ابن فرقين علي بن محمود ناصر الدين. 7/ 736. الفركاح عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري. 7/ 721. الفرنثي علي. 7/ 168. الفرهياني عبد الله بن محمد بن سيار. 4/ 7. فروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي. 6/ 431. فروخشاه. 6/ 427. الفروعي محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي. 10/ 417. فروة بن أبي المغراء الكوفي المحدث. 3/ 116. الفروي إسحاق بن محمد المدني. 3/ 119. الفروي إسماعيل بن حاجي. 8/ 552. الفريابي جعفر بن محمد بن الحسن التركي. 4/ 6. الفريابي عبد القادر بن أحمد بن عبد الله الفريابي. 10/ 456. الفريابي محمد بن يوسف. 3/ 59. الفرياني عبد الله بن أحمد اللخمي التونسي. 9/ 145. الفزاري إبراهيم بن عبد الرحمن بن سباع المصري. 8/ 154.

_ [1] تصحفت في موضع الترجمة من الكتاب إلى «قرشته» بالقاف وذلك من أخطاء الطبع، والبعض يرسمها «فرشتا» بالألف آخر الحروف والظن بأن الهاء آخر الحروف أصح لأن الترك غالبا ما ينهون الأسماء والأنساب بالهاء، والله أعلم.

الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي. 2/ 383. الفزاري أحمد بن إبراهيم بن سباع. 8/ 23. الفزاري إسماعيل بن موسى الكوفي الشيعي. 3/ 206. ابن الفزاري رافع الحنبلي. 8/ 400. الفزاري عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفركاح. 7/ 721. الفزاري مروان بن معاوية أبو عبد الله الحافظ. 2/ 429. الفسويّ يعقوب بن سفيان. 3/ 321. ابن فستق محمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحريري. 10/ 308. الفشيديزجي الحسين بن الخضر البخاري أبو علي. 5/ 119. الفصي البعلي محمد بن محمد بن علي الشافعي بهاء الدين. 10/ 346. ابن الفصيح عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد العراقي. 8/ 248. الفصيحي علي بن أبي زيد بن محمد بن علي النحوي الاستراباذي أبو الحسن. 7/ 125. ابن فضالة الأموي محمد بن موسى الدمشقي أبو عمر. 4/ 329. فضالة بن عبيد الأنصاري. 1/ 252. أبو الفضل الأحمدي. 10/ 348. ابن الفضل الأصبهاني مسعود بن الحسن بن القاسم. 6/ 342. الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات بن حنزابة الكاتب أبو الفتح. 4/ 140. الفضل بن الحباب الجمحي البصري أبو خليفة. 4/ 27. الفضل بن الحسين الحميري عفيف الدين الدمشقي البانياسي أبو المجد. 6/ 447. الفضل بن دكين الملائي الحافظ أبو نعيم. 3/ 93. الفضل بن الربيع بن يونس الأمير. 3/ 42. أم الفضل زينب بنت إبراهيم القيسي. 7/ 78. الفضل بن سهل ذو الرياستين. 3/ 10. الفضل بن صالح بن علي العباسي. 2/ 331. الفضل بن العباس الصائغ المروزي أبو بكر. 3/ 301. الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. 1/ 166. الفضل بن عبد الله المحب أبو القاسم. 5/ 313. فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشامكاني. 8/ 511. فضل الله بن أبي الخير الهمذاني. 8/ 81. فضل الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم الشهير بابن مكانس القبطي المصري الشاعر المشهور. 9/ 228. فضل الله بن أبي الفخر بن الصقاعي النصراني الكاتب. 8/ 134. الفضل بن محمد بن عبيد القشيري النيسابوري. 6/ 23. الفضل بن محمد الفارمذي أبو علي. 5/ 333.

الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي الشعراني أبو محمد. 3/ 337. الفضل بن مروان بن ما سرجس. 3/ 232. الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد بن القائم الهاشمي العباسي أبو منصور المعروف ب: المسترشد بالله. 6/ 143. الفضل بن المقتدر بالله أبو القاسم الخليفة العباسي الملقب بالمطيع لله. 4/ 341. الفضل بن موسى السيناني. 2/ 420. الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي أخو جعفر. 2/ 423. الفضل بن يعقوب الرخامي العالم الفاضل. 3/ 261. ابن فضلان محمد بن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي. 7/ 257. ابن فضلان يحيى بن علي بن هبة الله البغدادي. 6/ 524. الفضيل بن الحسين الجحدري. 3/ 171. فضيل بن سليمان النميري. 2/ 357. فضيل بن علي بن أحمد بن محمد الأقصرائي الحنفي. 10/ 313. الفضيل بن عياض التميمي المروزي أبو علي. 2/ 399. الفضيل بن يحيى الهروي الفضيلي أبو عاصم. 5/ 309. الفضيلي حماد بن هبة الله بن الفضل أبو الثناء. 6/ 545. الفضيلي الفضيل بن يحيى الهروي أبو عاصم. 5/ 309. الفضيلي محمد بن إسماعيل الهروي أبو الفضل. 6/ 172. فطر بن خليفة أبو بكر الكوفي الحناط. 2/ 244. ابن فطيس عبد الرحمن بن محمد الأندلسي القرطبي أبو المطرف. 5/ 11. الفقّاعي علي بن محمد بن علي بن مليك الحموي. 10/ 115. الفقاعي يوسف بن نجاح بن موهوب. 7/ 637. فغيس أبو بكر بن عبد الله اليمني. 10/ 48. الفقيه ذو النون بن أحمد بن يوسف. 8/ 433. فقيه اليشبكية إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي. 10/ 268. ابن فلاح محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكندراني. 7/ 557. الفلاس عمرو بن علي الباهلي البصري الصيرفي. 3/ 228. الفلكي علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن الهمذاني. 5/ 48. الفلكي علي بن الحسين الهمذاني أبو الفضل. 5/ 128. الفلوجي حسن بن عيسى بن محمد البغدادي الأصل، العالم الحنفي. 10/ 209. فليح بن سليمان المدني. 2/ 304. فنا خسرو بن الملك ركن الدولة الحسن بن بويه الملقب ب: عضد الدولة. 4/ 389. الفناري أحمد بن المولى علاء الدين الحنفي. 10/ 336.

الفناري حسن جلبي بن محمد شاه. 10/ 8. الفناري حسن بن محمد شاه. 9/ 485. الفناري محمد بن العلامة الحنفي شمس الدين أحمد المولى الرومية. 10/ 437. الفناري محمد بن علي بن يوسف بالي الفناري الإسلامبولي الحنفي. 10/ 232. الفناري محمد بن محمد الفناري الرومي الحنفي زين الدين زين العابدين. 10/ 203. ابن فنجويه الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدينوري. 5/ 74. ابن الفنري محمد بن حمزة بن محمد بن محمد الرومي. 9/ 304. الفندقي موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض النابلسي. 8/ 447. الفندلاوي يوسف بن دوناس المغربي أبو الحجاج. 6/ 222. الفنيدقي علي بن عبد الحميد بن محمد بن أحمد بن بكير أبو الحسن. 8/ 29. الفهاد علي بن محمد. 7/ 432. ابن فهد العلوي حسن بن عطية بن محمد الهاشمي. 10/ 153. ابن فهد عمر بن محمد بن محمد بن محمد الهاشمي المكي. 9/ 512. ابن فهد محمد بن أبي بكر بن محمد الشهاب بن محمود. 9/ 116. ابن فهد محمد بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد الهاشمي المكي الشافعي جار الله. 10/ 432. ابن فهد محمد بن محمد القرشي. 9/ 141. ابن فهد محمود بن سليمان الحلبي. 8/ 124. ابن فهد المكي عبد العزيز بن نجم الدين أبي القاسم الشافعي. 10/ 144. الفهري أبيض بن محمد بن أبيض المصري. 4/ 407. الفهري عبد الله بن وهب أبو محمد. 2/ 455. الفهري عياض بن غنم. 1/ 172. الفهري محمد بن عمر بن محمد بن رشيد أبو عبد الله. 8/ 102. أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السلمي الدمشقي. 7/ 747. أبو الفوارس شجاع بن جعفر الوراق. 4/ 279. أبو الفوارس الصابوني أحمد بن محمد بن حسين السندي. 4/ 256- 257. الفوراني عبد الرحمن بن محمد بن فوران المروزي. 5/ 257. فورجه محمود بن عبد الكريم الأصبهاني أبو القاسم. 6/ 358. ابن فورك محمد بن الحسن الأصبهاني. 5/ 42. فوري أفندي أحمد بن عبد الله. 10/ 564. ابن الفوطي عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد الشيباني المروزي. 8/ 108- 109.

ابن الفوطي عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله البغدادي. 7/ 481. الفوقاني إسماعيل بن زاهر (أبو القاسم) . 5/ 345. الفوّي عبد اللطيف بن أحمد الشافعي. 9/ 32. الفوي علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد المدني. 8/ 474. الفوي علي بن محمد بن عبد الكريم. 9/ 261. ابن الفوي عمر بن علي بن أبي بكر. ابن الفوي مظفر بن أبي منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري. 7/ 419. الفويرة عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي كمال الدين أبو الفرج. 7/ 765. ابن الفويرة محمد بن عبد الرحمن بن محمد السلمي الدمشقي. 7/ 606. الفيجي بركات بن حسين المقرئ. 10/ 38. فيروز الديلمي (قاتل الأسود العنسي) . 1/ 252. الفيروزآبادي إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي جمال الدين. 5/ 323. الفيروزآبادي محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر اللغوي. 9/ 186. فيروز جرد بن بهاء الدولة أبي نصر بن بويه الديلمي الملقب ب: جلال الدولة، سلطان بغداد أبو طاهر. 5/ 167. الفيشي أحمد بن علي بن عثمان المصري. 8/ 593. الفيشي أحمد بن محمد بن إبراهيم الحنائي. 9/ 381. الفيومي أحمد الفيومي شهاب الدين. 10/ 112. الفيومي عمر بن عبد اللطيف بن أحمد المصري. 9/ 20. الفيومي محمد بن جمعة الحنفي. 10/ 94.

حرف القاف القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني. 5/ 20. ابن القابلة المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي أبو النجم. 6/ 398. القابوني نجم بن عبد الله. 9/ 197. القادري بلال بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم. 9/ 453. القادري عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الصوفي. 10/ 326. القادري عبد الكريم بن عبد اللطيف بن أبي اللطف المياهي الشافعي. 10/ 338. القادري قاسم بن زلزل بن أبي بكر. 10/ 352. القادري محمد بن محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد الصّماديّ. 10/ 638. ابن قادس أسعد بن عبد الغني العدوي المصري، أبو الكرم. 7/ 351. القادسي أحمد بن محمد. 7/ 166. القادسي الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب. 5/ 201. ابن القارص الحسين بن أبي نصر بن الحسين بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي. 7/ 28. القاري أبو بكر بن محمد بن يوسف الدمشقي الشافعي. 10/ 370. القارئ جعفر بن أحمد بن حسين البغدادي «أبو محمد الحنبلي» . 5/ 425. قارئ الهداية عمر بن علي بن فارس المصري، أبو حفص. 9/ 276. شاه قاسم بن أحمد الحنفي، الشهير بمنلازاده. 10/ 321. أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني. 8/ 478. القاسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللورقي أبو محمد. 7/ 532. القاسم بن إسماعيل بن محمد الضبي المحاملي أبو عبيد. 4/ 124. قاسم بن أصبغ، ويقال له البياني أبو محمد. 4/ 220. أبو القاسم الأنصاري سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري. 6/ 56. القاسم بن أبي بزة المكي. 2/ 99. قاسم البغدادي الكرماني، القسطنطيني الحنفي، المولى. 10/ 11. القاسم بن أبي بكر بن القاسم بن غنيمة الأمين الإربلي أبو محمد 7/ 641. أبو القاسم بن البن الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي. 6/ 262. القاسم بن جعفر بن عبد الواحد العباسي البصري الهاشمي أبو عمر. 5/ 75. القاسم بن الجلاب. 4/ 415.

ابن أم قاسم الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري. 8/ 274. القاسم بن الحكم العرني الكوفي قاضي همذان. 3/ 43. أبو القاسم الحنّائي الحسين بن محمد بن إبراهيم الدمشقي. 5/ 253. قاسم بن خليفة بن أحمد بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن خليفة شرف الدين، أبو الوفاء، وأبو السعادات. 10/ 393. القاسم بن زكريا المطرز أبو بكر. 4/ 27. قاسم بن زلزل بن أبي بكر القادري. 10/ 352. القاسم بن سلّام البغدادي أبو عبيد. 3/ 111. القاسم السهمي حمزة بن يوسف الجرجاني. 5/ 128. أبو القاسم صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بن الدلم القرشي الدمشقي. 5/ 70. القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي. 2/ 65. قاسم بن عبد الرحمن بن عمر البلقيني. 9/ 437. القاسم بن عبيد الله الوزير ببغداد. 3/ 385. القاسم بن عثمان الدمشقي الزاهد المعروف بالجوعي. 3/ 223. القاسم بن علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي أبو محمد. 6/ 564. القاسم بن علي بن القاسم الشهرزوري. 6/ 201. القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري أبو محمد. 6/ 81. قاسم بن علي بن محمد بن علي الفاسي. 9/ 138. أبو القاسم بن علي بن موسى المشرع. 10/ 112. قاسم بن عمر الزواوي المغربي القيرواني المالكي، شرف الدين. 10/ 213. قاسم بن عيسى العجلي أبو دلف. 3/ 116. القاسم بن الفضل بن أحمد الثقفي أبو عبد الله. 5/ 392. القاسم بن الفضل الحدّاني. 2/ 300. القاسم بن الفضل بن عبد الواحد بن الفضل الأصبهاني الصيدلاني أبو المطهر. 6/ 369- 370. القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرعيني أبو محمد المعروف بالشاطبي. 6/ 494. القاسم بن القاسم بن مهدي السياري أبو العباس. 4/ 229. القاسم بن القاسم الواسطي. 7/ 226. المولى قاسم الشهير بقاضي زاده الحنفي. 9/ 548 قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله الجمالي المصري. 9/ 487. القاسم بن الليث بن مسرور الرسعني العتابي أبو صالح. 4/ 22. قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النويري المالكي. 8/ 614. القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري القرطبي أبو القاسم. 7/ 374.

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني. 2/ 44. قاسم بن محمد بن قاسم الأموي مولاهم القرطبي. 3/ 320. القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي. 8/ 214. القاسم بن أبي المنذر القزويني أبو طلحة. 5/ 55. القاسم بن مظفر الشهرزوري أبو أحمد. 5/ 393 و 6/ 201. القاسم بن مظفر بن محمود بن تاج الأمناء ابن عساكر. 8/ 110. القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي أبو عبد الله. 2/ 342. القاسم بن مخيمرة الهمذاني الكوفي 2/ 62. القاسم بن المفتي أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار النيسابوري أبو بكر. 7/ 145. القاسم بن هبة الله بن محمد بن محمد المدائني بن أبي الحديد أبو المعالي. 7/ 485. القاسم بن يحيى بن الشهرزوري أبو الفضائل. 6/ 556. قاسم بن يزيد الجرمي الموصلي. 2/ 442. أبو القاسم بن يوسف بن أبي القاسم بن عبد السلام الأموي الحواري العوفي. 7/ 544. القاشاني أنوشروان بن خالد الوزير. 6/ 166. ابن القاص أحمد بن أبي أحمد الطبري. 4/ 191. القاص عبد العزيز بن أبي سليمان المدني. 2/ 285. ابن قاضي أذرعات حسين بن علي بن محمد الأذرعي. 9/ 158. القاضي الأعز محمد بن هبة الله بن خلف التّميمي. 6/ 166. القاضي الأكرم علي بن يوسف القفطي. 7/ 408. ابن قاضي الجبل أحمد بن الحسن بن قدامة المقدسي. 8/ 376. ابن قاضي الحصن أحمد بن علي بن محمد. 9/ 29. ابن قاضي الحصن محمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد الدمشقي ابن عبد الحق. 8/ 420. ابن قاضي الزبداني محمد بن الحسن بن محمد بن عمار الحارثي الشافعي. 8/ 421. قاضي زاده أحمد المشتهر بقاضي زاده. 10/ 608. ابن قاضي زرع أبو بكر الدمشقي الشافعي تقي الدين. 10/ 130. ابن قاضي سراسيق عبد القادر بن محمد بن محمد بن قاضي سراسيق الصهيوني. 10/ 481. ابن قاضي شهبة أحمد بن محمد بن عمر الأسدي. 8/ 535. ابن قاضي شهبة أبو بكر بن أحمد بن محمد. 9/ 392.

ابن قاضي شهبة محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن عبد الوهاب الدمشقي. 8/ 476. ابن قاضي شهبة محمد بن يوسف بن محمد بن عمر. 8/ 524. ابن قاضي شهبة يوسف بن محمد بن عمر بن محمد. 8/ 531. ابن القاضي عبد اللطيف بن أبي بكر بن سليمان. 9/ 432. ابن قاضي عجلون أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن الزرعي الدمشقي أبو الصدق. 10/ 217. ابن قاضي عجلون محمد بن تقي الدين أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الشافعي. 10/ 291. ابن قاضي عجلون محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزرعي. 9/ 480. ابن قاضي عجلون محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو اليمن. 10/ 441. ابن قاضي العسكر علي بن الحسين بن علي بن الحسين الأرموي. 8/ 314. القاضي عياض عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل. 6/ 226. قاضي قرم أحمد بن محمد بن عبد المؤمن القرمي. 8/ 480. قاضي كرك نوح أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي. 9/ 77. قاضي اللب محمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن بن محمد السوادي الحنبلي. 8/ 410. ابن قاضي نابلس أحمد بن محمد بن عبد القادر الجعفري الحنبلي. 10/ 337. ابن قاضي نابلس محمد بن محمد بن عبد القادر الجعفري. 9/ 522. قالون عيسى بن مينا الزهري مولاهم المدني. 3/ 97. القالي علي بن أحمد بن علي أبو الحسن. 5/ 206. القان أرياخان. 8/ 198. قانصوه بن عبد الله الجركسي المشهور بالغوري، السلطان الملك الأشرف أبو النصر، وسماه ابن طولون: جندب. 10/ 159. قانصوه مملوك قايتباي، الملك الأشرف. 10/ 34. ابن قانع عبد الباقي بن مرزوق الحافظ أبو الحسين. 4/ 270. القاهري عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم الحموي. 8/ 544. القاهري محمد بن أحمد بن أبي بكر. 9/ 451. القاياتي محمد بن علي بن محمد بن يعقوب. 9/ 390. قايتباي بن عبد الله الجركسي الظاهري الملك الأشرف، أبو النصر. 10/ 12. ابن قايد أحمد بن يحيى الأواني (أبو المعالي) . 7/ 239. القائم أحمد بن محمد بن علي السلمي المنصوري. 9/ 518.

القائم بأمر الله محمد بن المستكفي بالله سليمان بن أحمد. 8/ 209. قايماز المعظمي مجاهد الدين أبو فضيل. 7/ 355. قايماز الملك قطب الدين المستنجدي. 6/ 393. القباب عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك بن عطاء الأصبهاني. 4/ 379. القبابي عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللخمي المصري. 8/ 188. القبابي عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن المقدسي. 9/ 331. القباني حسين بن محمد النيسابوري. 3/ 374. ابن القباني عمر بن عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى. 8/ 305. القبري عبد الله بن يونس الأندلسي. 4/ 171. القبري عبد الواحد بن محمد التجيبي أبو شاكر. 5/ 239. القبيباتي إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحلبي. 9/ 550. القبيباتي أحمد بن عبد الرحيم بن حسن التلعفري. 10/ 81. القبيباتي أحمد بن حسين بن حسن بن محمد المعروف بابن سعد الدين القبيباتي، الجبائي. 10/ 484. القبيباتي محمد بن خليل بن قيصر القبيباتي. 10/ 555. ابن قبيس علي بن أحمد بن منصور الغساني أبو الحسن. 6/ 155. قبيصة بن جابر الأسدي. 1/ 298. قبيصة بن ذؤيب الخزاعي. 1/ 352. قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي أبو عامر. 3/ 72. قبيطة الحسن بن سليمان البصري. 3/ 268. القبيطي حمزة بن علي بن حمزة بن فارس البغدادي. 7/ 13. القبيطي محمد بن علي بن حمزة بن القبيطي الحراني. 7/ 71. أبو قبيل المعافري حييّ بن هانئ. 2/ 122. القتابي المفضل بن فضالة القتابي أبو معاوية. 2/ 363. القتات محمد بن جعفر الكوفي أبو عمر. 4/ 9. قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى العلوي الحسني أبو عزيز. 7/ 135. أبو قتادة الأنصاري السلمي. 1/ 255. قتادة بن دعامة السدوسي، أبو الخطّاب. 2/ 80. قتادة بن الفضل الرهاوي. 2/ 475. قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسي. 1/ 180. القتباني عيّاش بن عبّاس. 2/ 151. قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق. 5/ 242. ابن قتلمش محمد بن سليمان بن قتلمش السمرقندي. 7/ 164. قتيبة بن سعيد الثقفي مولاهم البلخي ثم البغلاني الحافظ أبو رجاء. 3/ 182.

ابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري. 3/ 318. قتيبة بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان النسفي أبو رجاء. 5/ 320. قتيبة بن مسلم. 1/ 389. قثم بن العباس بن عبد المطلب. 1/ 257. أبو قحافة والد أبي بكر الصديق، واسمه عثمان. 1/ 160. القحطاني محمد بن عبد الله بن أبي عامر. 4/ 499. قحطبة بن شبيب الطائي المروزي أحد دعاة بني العباس. 2/ 148. قراتكين بن الأسعد الأزجي أبو الأعز. 6/ 116. ابن قدامة أحمد بن أحمد بن عبيد الله المقدسي. 7/ 698. ابن قدامة أحمد بن محمد. 6/ 304. ابن قدامة عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المقدسي. 7/ 657. ابن قدامة عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي موفق الدين. 7/ 155. ابن قدامة المقدسي أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد المقدسي. 7/ 377. ابن قدامة المقدسي عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر. 8/ 176. القدسي خليل بن فرح بن سعيد الإسرائيلي القلعي. 8/ 526. القدسي عبد الله بن محمد بن أحمد الصالحي. 9/ 48. القدسي علي القدسي الشافعي علاء الدين. 10/ 320. القدسي محمد بن موسى. 8/ 58. القدوري أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر البغدادي. 5/ 131. ابن قديد علي بن الحسن بن خلف المصري. 4/ 62. ابن قديدار محمد بن علي بن موسى الدمشقي. 9/ 317. القديدي محمد بن الحسين البخاري «خواهر زاده» . 5/ 353. قرا أوغلي أحمد وقيل عبد الأحد بن عبد الله وقيل ابن عبد الأحد الحنفي. 10/ 344. القراب إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي الهروي. 5/ 147. ابن قراجا يوسف بن خليل بن عبد الله أبو الحجاج. 7/ 419. قراجلبي محمد بن حسام محيى الدين، المولى. 10/ 448. قراد عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي أبو نوح. 3/ 36. قراسنان يوسف الحنفي «سنان الدين» . 9/ 514. القراصوي حسام الدين القراصوي. 10/ 460. القراطيسي يوسف بن يزيد بن كامل المصري. 3/ 375. القرافي محمد بن شمس الدين محمد المالكي. 10/ 84. ابن قرامرز محمد الرومي الحنفي المولى خسرو، الرومي. 9/ 512.

القرامزي عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد أبو محمد. 8/ 175. قرا يعقوب الرومي يعقوب بن إدريس بن عبد الله النكدي. 9/ 301. قرايوسف بن محمد قرا التركماني السلطان. 9/ 237. قراقوش، بهاء الدين الأبيض. 6/ 540. ابن قرايا الرافضي. 6/ 408. القربتي عبد المجيد بن عبد العليم، إقبال الحنفي. 10/ 61. القرداح أحمد بن محمد بن علي بن أحمد المادح. 9/ 347. القردوسي هشام بن حسان الأزدي الحافظ. 2/ 214. القرشي حسان بن محمد الأموي النيسابوري. 4/ 257. القرشي الحسن بن محمد بن صالح بن محمد المجاور النابلسي بدر الدين. 8/ 382. القرشي سعيد بن زيد العدوي. 1/ 446. القرشي سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز الدمشقي أبو المكارم. 6/ 155. القرشي عبد الرحيم بن علي بن شيث جمال الدين. 7/ 206. القرشي عبد الله بن عبد الرحمن بن شيرويه المطلبي النيسابوري. 4/ 26. القرشي علي بن زيد بن جدعان التيمي البصري الضرير. 2/ 125. القرشي علي بن محمد بن الزبير الكوفي. 4/ 254. القرشي عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم الزهري. 8/ 188. القرشي محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان الدمشقي. 4/ 305. القرشي محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي. 6/ 55. القرشي محمد بن عبد الرحيم بن عباس. 8/ 98. القرشي محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن المقري. 8/ 332. القرشي محمد بن محمد القرشي. 10/ 472. القرشي محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محفوظ الدمشقي. 7/ 304. القرشي ناصر بن الحسين العمري المروزي. 5/ 195. القرشي يحيى بن محمد بن علي الدمشقي. 7/ 570. القرشي يوسف بن إسماعيل بن عثمان بن المعلم الدمشقي. 8/ 62. القرشي عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي البصري أبو محمد. 2/ 412. ابن القرشية عبد الله بن مسعود التونسي. 9/ 322. ابن القرشية عبد الله بن مسعود بن علي الملبي. 9/ 260. القرصلي إبراهيم بن علي القرصلي الحلبي. 10/ 123. القرطاجني حازم بن محمد بن حسين بن حازم الأنصاري. 7/ 676.

القرطبي أحمد بن خالد بن الجباب (أبو عمر) . 4/ 113. القرطبي أحمد بن عبد البصير. 4/ 471. القرطبي أحمد بن علي بن أبي بكر. 6/ 528. القرطبي أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن. 6/ 162. القرطبي حمام بن أحمد القاضي. 5/ 107. القرطبي حيان بن خلف بن حسين بن حيان. 5/ 296. القرطبي خالد بن سعد الأندلسي. 4/ 276. القرطبي عبد الله بن محمد بن هارون الطائي. 8/ 14. القرطبي عبد الله بن محمد بن يوسف أبو الوليد. 5/ 20. القرطبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري. 7/ 374. القرطبي قاسم بن محمد بن قاسم الأموي. 3/ 320. القرطبي محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي. 7/ 584. القرطبي محمد بن أحمد بن علي أبو الحسن. 7/ 391. القرطبي محمد بن أحمد بن محمد أبو الوليد. 8/ 565. القرطبي محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي أبو عبد الله. 4/ 172. القرطبي محمد بن عمر بن لبابة أبو عبد الله. 4/ 71. القرطبي محمد بن عمر المقرئ المالكي أبو عبد الله. 7/ 254. القرطبي يحيى بن سعدون الأزدي أبو بكر. 6/ 372. قرطمة محمد بن علي البغدادي أبو عبد الله. 3/ 379. القرقساني محمد بن مصعب. 3/ 44. ابن قرقول إبراهيم بن يوسف الحموي. 7/ 573. ابن قرقول إبراهيم بن يوسف الوهراني. 6/ 382. ابن قرقين محمود بن علي بن محمود. 7/ 275. القرماني إلياس القرماني الطيبي. 10/ 581. القرماني جمال بن خليفة الحنفي. 10/ 26. القرماني حبيب العمري البكري. 10/ 22. القرماني محمد الحنفي محيى الدين. 10/ 355. القرمطي سليمان بن أبي سعيد الجنابي. 4/ 179. القرمي عبد الله بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني. 8/ 459. القرمي عمر بن منصور بن سليمان العجمي. 9/ 127. القرمي محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني. 8/ 520. القرميسيني إبراهيم بن شيبان أبو إسحاق. 4/ 199. القرني أويس بن عامر المرادي. 1/ 214.

القرني ضمرة بن ربيعة. 3/ 8. ابن قرة ثابت بن سنان. 3/ 368. قرة بن خالد السدوسي البصري صاحب الحسن. 2/ 248. ابن قرة الصابئ ثابت بن سنان. 4/ 334. قرواش بن مقلد بن المسيب، الأمير أبو المنيع معتمد الدولة العقيلي. 5/ 184. القروي عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن الإسكندراني. 8/ 519. ابن القرية أيوب بن القرية. 1/ 342. قريش بن أنس البصري. 3/ 44. قريش بن بدران بن مقلد بن المسيب العقيلي أبو المعالي. 5/ 227. ابن قريش علي بن إسماعيل المخزومي. 8/ 179. ابن قريعة محمد عبد الرحمن بن قريعة البغدادي أبو بكر. 4/ 359. بنت قريمزان فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان. 10/ 506. ابن قرينة محمد بن علاء الدين علي، المحلي المصري الشافعي. 10/ 222. ابن القرية أيوب بن يزيد الفصيح الهلالي. 1/ 342. القزاز حبيب بن الحسن. 4/ 307. القزاز محمد سنان القزّاز البصري أبو الحسن. 3/ 303. القزاز محمد بن يحيى بن المنذر البصري. 3/ 381. القزاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني الحريمي. 6/ 454. القزاز أبو يحيى بن معن بن عيسى المدني. 2/ 468. قزل أرسلان بن إلدكز ملك أذربيجان، وأران وهمذان، وأصبهان. 6/ 476. القزل محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفراء الأشقر. 8/ 462. القزويني أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني أبو الخير رضي الدين. 6/ 492. القزويني أحمد بن عبد الأول القزويني المشهور بالسعدي. 10/ 504. القزويني الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي. 5/ 199. القزويني عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار. 5/ 381. القزويني عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار. 7/ 570. القزويني عبد الله بن محمد بن جعفر أبو القاسم. 4/ 73. ابن القزويني علي بن عمر الحربي أبو الحسن. 5/ 187. القزويني عمر بن عبد الرحمن إمام الدين أبو المعالي. 7/ 787. القزويني القاسم بن أبي المنذر أبو طلحة. 5/ 55. القزويني محمد بن أحمد بن عبد الله المصري. 9/ 139. القزويني محمد بن أحمد بن علي. 5/ 224. القزويني محمد بن الحسين بن أبي المكارم «أبو المجد» . 7/ 179.

القزويني محمد بن محمود بن حسن الأنصاري. 6/ 7. القزويني يحيى بن عبدك. 3/ 304. قسّام الحارثي. 4/ 405. القسّام صفوان بن عيسى. 2/ 476. القسط إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزومي. 2/ 416. القسطاني عثمان بن أحمد القرطبي أبو عمرو. 5/ 155. القسطلاني أحمد بن علي المصري. 7/ 313. القسطلاني أحمد بن محمد بن أبي بكر المصري الشافعي أبو العباس. 10/ 169. ابن القسطلاني علي بن أحمد بن علي القيسي المصري. 7/ 556. ابن القسطلاني محمد بن أحمد بن علي المصري ثم المكي. 7/ 694. القسطلاني مصطفى الرومي الحنفي. 10/ 18. القسطلانية ست الكل بنت أحمد بن محمد بن الزين المكية. 9/ 48. القسطموني عبد الحليم بن علي القسطموني الرومي الحنفي. 10/ 172. القسطنطي أحمد بن يوسف القسطنطي الحنفي المعروف بابن الجصّاص، شمس الدين. 10/ 300. قسطنطين بن أليون طاغية الروم. 2/ 264. القسطنطيني عبد الرحيم بن علي بن المؤيد حاجي حلبي الرومي المولى. 10/ 364. القسطنطيني قاسم البغدادي الكرماني. 10/ 11. القسطنطيني محمد بن سيف الحلبي القسطنطيني. 10/ 478. القسطنطيني محمد بن عبد الكريم الملقب بزلف نكار الرومي القسطنطيني. 10/ 639. القسنطيني أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الشافعي رضي الدين. 7/ 757. ابن قسيط يزيد بن عبد الله الليثي المدني. 2/ 95. قسيم الدولة آق أبو الفتح. 5/ 372. قشتمر، جمال الدين الخليفتي الناصري سلطان بغداد. 7/ 330. القشيري بكر بن محمد بن العلاء البصري. 4/ 235. القشيري عبد الرحيم بن عبد الكريم أبو نصر. 6/ 73. القشيري عبد الكريم بن هوازن النيسابوري. 5/ 275. القشيري عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن النيسابوري. 5/ 331. القشيري عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن النيسابوري. 6/ 164. القشيري عبد الواحد بن أبي القاسم. 5/ 408. القشيري عبيد بن محمد بن عبيد أبو العلاء. 6/ 57. القشيري الفضل بن محمد بن عبيد النيسابوري. 6/ 23. القشيري محمد بن رافع القشيري النيسابوري أبو عبد الله. 3/ 209.

القشيري محمد بن سعيد القشيري الحرّاني أبو علي. 4/ 187. القشيري هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القاسم أبو الأسعد. 6/ 231. القصّاب أيوب بن أبي مسكين، أبو العلاء. 2/ 190. ابن القصاب عبد الرحمن بن حسن الكردي الحبلي الشافعي. 10/ 351. ابن القصّاب عبد الملك بن عبد الرحمن بن رمضان بن حسن الحلي المعروف بابن القصاب. 10/ 501. ابن القصّاب محمد بن علي البغدادي. 6/ 508. القصّار إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني. 4/ 392. القصّار عبد الرحمن بن رمضان. 10/ 496. القصار عبد الوهاب بن عبد الرحيم بن هبة الله أبو محمد. 4/ 524. ابن القصار علي بن عمر البغدادي أبو الحسن الفقيه المالكي. 4/ 510. ابن القصار علي بن محمد بن عمر الرازي الفقيه الشافعي. 4/ 510. القصّار هبة الله بن أحمد الشبلي بن المظفر المؤذن. 6/ 302. القصار يونس بن يحيى «أبو محمد» . 7/ 67. قصير الحنفي، مفتي بخاري. 10/ 313. القصيري إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي المعروف بفقيه اليشبكية. 10/ 268. القصيري داود بن سليمان الشافعي. 10/ 289. القصيري عبد القادر بن أحمد القصيري البكراوي. 10/ 488. القصيري محمود بن مصطفى بن موسى المشهور بابن طليان. 10/ 295. القضاعي جابر بن إبراهيم. 10/ 350. القضاعي محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المصري أبو عبد الله. 5/ 230. القضامي علي بن إبراهيم بن علي الحموي. 9/ 104 و 126. القضائي سنقر الزيني. 8/ 27. ابن القطاع علي بن جعفر البغدادي الصقلي. 6/ 74. القطامي الشاعر المشهور. واختلف في اسمه عمرو بن شييم وقيل عمير بن شييم. 2/ 11. ابن القطان إبراهيم بن عبد الرحمن المدني. 9/ 542. القطان أحمد بن سنان (أبو جعفر) الواسطي. 3/ 259. ابن القطان أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي. 4/ 306. القطان أحمد بن محمد بن عبد الله البغدادي (أبو سهل) . 4/ 261. ابن القطان أحمد بن محمد بن عيسى القرطبي. 5/ 255. القطّان أبو بكر بن محمد بن الرضي الصالحي. 8/ 205.

القطان أبو الحسن بن بحر بن بري البغدادي. 3/ 158. ابن القطان حماد التاجر. 8/ 129. ابن القطان عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني. 4/ 344. القطان علي بن إبراهيم بن سلمة أبو الحسن. 4/ 241. ابن القطان عمر بن عمرو بن يونس بن حمزة العدوي الإربلي ثم الصالحي. 8/ 475. القطان محمد بن أحمد بن شاكر أبو عبد الله. 5/ 48. القطان محمد بن الحسن النيسابوري. 4/ 180. القطان محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل الأزرق البغدادي. 5/ 79. القطان محمد بن حبان الأزهر الباهلي أبو بكر. 4/ 10. القطّان محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله القطان الطائي، ابن الخلال. 5/ 84. ابن القطان محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى. 9/ 155. ابن القطان محمد بن علي بن محمد المشهدي. 9/ 207. ابن القطان محمد بن محمد بن محمد بن علي. 9/ 491. القطان ناصر بن محمد الأصبهاني. 6/ 516. القطّان يحيى بن سعيد البصري. 2/ 468. قطب الدين الأخوين محمد بن عمر التبريزي الشافعي. 8/ 199. قطب الدين محيي الدين محمد بن محمد الحنفي. 10/ 459. قطب شاه سلطان كلكندة. 10/ 614. ابن قطرال علي بن عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي. 7/ 438. قطرب محمد بن المستنير البصري. 3/ 33. قطر الندى بنت الملك خمارويه بن أحمد بن طولون زوجة المعتضد. 3/ 365. قطري بن فجاءة التميمي. 1/ 324. قطز، الملك المظفر سيف الدين، أحد مماليك المعز أيبك التركماني. 7/ 507. القطعة محمد بن عبد الله الحجيني. 9/ 181. القطعي حزم بن أبي حزم. 2/ 341. القطفتي زكريا بن يحيى. 7/ 219. ابن قطلوبغا قاسم بن عبد الله المصري. 9/ 487. ابن قطلوبغا محمد بن محمد بن عمر البكتمري. 9/ 497. ابن قطليشا أحمد بن محمد بن أسد العطار. 8/ 609. ابن قطليشا محمد بن أحمد ب محمد المزي الصحراوي. 8/ 497. ابن قطن مسدّد النيسابوري أبو الحسن. 4/ 9. القطواني خالد بن مخلد. 3/ 60. القطوي أحمد بن محمد الشافعي. 9/ 272. القطيعي إبراهيم بن عبد الرحمن أبو إسحاق الخياط. 7/ 174.

القطيعي أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي. 4/ 367. القطيعي أحمد بن عمر الحسين. 6/ 334. القطيعي إسماعيل بن إبراهيم. 3/ 166. القطيعي زاكي بن كامل بن علي أبو الفضائل. 6/ 231. القطيعي قيصر بن فيروز البواب. 7/ 368. القطيعي علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان الأزجي البغدادي. 7/ 598. القطيعي محمد بن أحمد بن عمر البغدادي. 7/ 294. القطيعي محمد بن حاتم بن ميمون المروزي ثم البغدادي. 3/ 166. ابن القطينة أحمد بن محمد. 8/ 108. القعنبي عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي المدني. 3/ 99. القفال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطيان الأصبهاني. 5/ 349. القفال الشاشي الكبير محمد بن علي بن إسماعيل الفقيه الشافعي أبو بكر. 4/ 345. القفال عبد الله بن أحمد المروزي أبو بكر. 5/ 87. ابن قفرجل أحمد بن المبارك بن عبد الباقي. 6/ 282. القفصي عبد الله بن عبد الرحمن المالكي. 8/ 417. القفصي عطية بن سعيد الأندلسي. 5/ 51. القفصي محمد بن محمد بن محمد الدمشقي. 9/ 83. القفصي محمد بن يوسف بن الصالح الدمشقي المالكي. 8/ 407. القفصي يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي جمال الدين أبو إسحاق. 7/ 654. القفطي هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل بهاء الدين أبو القاسم. 7/ 767. أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري الإمام. 2/ 23. أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي. 3/ 319. ابن قلاقس نصر الله بن عبد الله بن مخلوف الأزهري. 6/ 371. ابن القلانسي إبراهيم بن زين الدين بن أحمد العقيلي. 8/ 103. القلانسي أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي بدر. 8/ 19. ابن القلانسي أحمد بن محمد بن أحمد العقيلي. 8/ 196. ابن القلانسي أحمد بن محمد بن محمد بن القلانسي. 8/ 166. ابن القلانسي أسعد بن العميد بن أبي يعلي التميمي. 6/ 545. القلانسي حمزة بن راشد التميمي الدمشقي. 6/ 290. ابن القلانسي حمزة بن المؤيد. 8/ 156. القلانسي عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم. 8/ 94. القلانسي محمد بن الحسين بن بندار الواسطي أبو العز. 6/ 106.

القلانسي محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم. 8/ 353. ابن القلانسي يحيى بن علي بن محمد بن سعد التميمي. 7/ 665. القلاني غالب بن كاتب بن عمر بن العميد الإتقاني. 8/ 487. ابن قلاوون أحمد بن حسن الصالحي. 8/ 515. قلاوون التركي الصالحي النجمي سيف الدين أبو المعالي وأبو الفتح. 7/ 715. قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش. 5/ 424. قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التركي السلجوقي. 6/ 484. القلعي أحمد بن حمزة الحلبي الحنفي الشافعي. 10/ 401. القلعي عبد الله بن خليل بن فرح بن سعيد القدسي. 9/ 296. القلعي محمد بن خليل القلعي. 10/ 458. القلقشندي أحمد بن علي بن أحمد. 4/ 218. القلقشندي إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد المصري. 8/ 442. القلقشندي أبو بكر بن محمد بن إسماعيل بن علي. 9/ 452. القلقشندي عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل. 9/ 253. القلقشندي علي بن أحمد بن إسماعيل القرشي. 9/ 422. القلقشندي محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد. 9/ 480. القلقشندي محمد بن إسماعيل بن علي المصري. 9/ 128. القلقيني داود بن إسماعيل. 8/ 458. ابن القلوجي محمد بن علي الدمشقي الشافعي شمس الدين. 10/ 421. القليوبي علي بن محمد المصري. 8/ 597. القليوبي محمد بن عبد الله بن أبي بكر. 9/ 146. ابن القماح محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة بن علي بن عقيل. 8/ 230. ابن القماح محمد بن محمد التونسي. 9/ 325. القمّاط عبد العليم بن جمال الدين محمد بن حسين اليمني. 10/ 126. القمّاط محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني. 4/ 322. ابن قماقم أحمد بن محمد الدمشقي الفقاعي. 9/ 122. ابن القمر عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر سبط الحافظ الذهبي. 9/ 50. القمراوي موسى بن محمد. 7/ 434. القمني أبو بكر بن عمر بن عرفات الشافعي. 9/ 293. القمني محمد بن محمد بن محمد المصري. 9/ 94. القمي يعقوب بن عبد الله الأشعري. 2/ 337.

ابن قميرة يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القاسم الأزجي. 7/ 436. ابن قنا علي بن رمح بن سنان الشافعي. 9/ 254. القنازعي عبد الرحمن بن مروان القرطبي أبو المطرف. 5/ 70. قنالي زاده علي بن محمد الشهير. 10/ 568. قنبر بن عبد الله العجمي الشرواني الأزهري الشافعي المعري. 9/ 21. ابن قنبر العجمي محمد بن خليل بن الحاج علي بن أحمد بن ناصر الدين. 10/ 316. قنبل محمد بن عبد الرحمن المخزومي مولاهم المكّي أبو عمر. 3/ 385. القنبيط أحمد بن عمر بن محمود بن سلمان. 8/ 541. ابن قندس أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف البعلي. 9/ 440. القنطري الحكم بن موسى البغدادي. 3/ 149. القنوي محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف الصالحي. 8/ 138. القنيي يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي. 7/ 153. القهستاني محمد بن جمعة بن خلف الأصم أبو قريش. 4/ 69. القهستاني محمد الحنفي المفتي ببخارى. 10/ 430. القواريري الجنيد بن محمد الخزّاز. 3/ 416. القواريري عبد الله بن عمر البصري أبو سعيد. 3/ 165. ابن القواس طاهر بن الحسين بن أحمد البغدادي أبو الوفاء. 5/ 326. ابن القواس عمر بن عبد المنعم بن عمر الطائي الدمشقي. 7/ 772. القوّاس يوسف بن عمر بن مسرور. 4/ 457. ابن قوالح محمد بن علي بن منصور الحلبي. 8/ 445. ابن قوام البالسي محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر. 8/ 350. ابن قوام أبو بكر بن محمد بن عمر البالسي. 8/ 255. قوام الدين يوسف، المولى. 10/ 121. قوام بن عبد الله الرومي. 9/ 115. ابن قوام عبد الله بن محمد بن نصر الرصافي. 7/ 751. ابن قوام محمد بن عمر بن أبي بكر البالسي. 8/ 89. ابن قوام محمد بن محمد بن محمد بن عمر الصالحي. 9/ 62. ابن القواس محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطائي. 7/ 663. ابن القوام محمد بن يوسف بن أبي بكر الجزري. 8/ 77. القوجوي محمد بن محمد القوجوي الرّومي الحنفي. 10/ 252. القوجوي محمد بن مصطفى الحنفي محيي الدين. 10/ 409.

القوصي أحمد بن عبد الوهاب بن داود المحمدي. 9/ 43. القوصي سلمان بن نجاح الغمري. 7/ 229. ابن قوطاس محيى الدّين محمد المولى، الرّومي الحنفي. 10/ 295. ابن القوطية محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن مزاحم الأندلسي. 4/ 362. القوف إبراهيم بن محمد بن خليل سبط ابن العجمي. 9/ 346. قول سنان سنان الدين يوسف الحنفي. 9/ 545. القومساني محمد بن عثمان بن زيرك. 5/ 310. القومسي نوح بن حبيب. 3/ 193. القونوي حسن بن علاء الدين علي بن إسماعيل بن يوسف. 8/ 417. القونوي علي بن إسماعيل بن يوسف. 8/ 158. القونوي محمد بن يوسف بن إلياس. 8/ 523. القونوي محمود بن علي بن إسماعيل بن يوسف. 8/ 320. ابن قيداس محمد بن أحمد بن محمد التوثي أبو طاهر. 5/ 421. ابن قيراط سبيع بن المسلم الدمشقي أبو الوحش. 6/ 37. القيراطي إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر الطائي. 8/ 465. القيراطي محمد بن محمد بن إسماعيل الدمشقي الشافعي. 10/ 96. القيرواني إبراهيم بن عثمان أبو القاسم ابن الوزان. 4/ 244. القيروانيّ عبد الله بن أبي زيد أبو محمد. 4/ 477. القيرواني علي بن فضال المجاشعي أبو الحسن. 5/ 345. القيرواني قاسم بن عمر الزواوي المغربي المالكي. 10/ 213. القيرواني محمد بن سفيان أبو عبد الله. 5/ 80. القيرواني محمد بن محمد الجريدي. 9/ 36. القيرواني النعمان بن محمد بن منصور. 4/ 338. قيس بن أبي حازم الأحمسي البجلي. 1/ 390. قيس بن الربيع الأسدي الكوفي أبو محمد. 2/ 304. قيس بن سعد المكي. 2/ 88. قيس بن محمد بن عاصم السويقي الأصبهاني. 6/ 341. قيس بن مسلم الجدلي الكوفي. 2/ 90. قيس بن المكشوح المرادي. 1/ 214. قيس بن الملوح بن مزاحم مجنون ليلى. 2/ 324. قيس بن يمن بن قيس الصالحي. 8/ 490. ابن القيسراني إسماعيل بن محمد بن فتح الدين. 8/ 198. ابن القيسراني، عبد الله بن محمد بن أحمد الحلبي. 8/ 18.

ابن القيسراني محمد بن نصر بن صغير بن خالد الأديب أبو عبد الله. 6/ 248. القيسراني يحيى بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد. 8/ 299. القيسي أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم الحنفي النحوي. 8/ 273. القيسي أسعد بن المسلم بن مكّي بن علان التاج. 7/ 314. القيسي إسماعيل بن يوسف بن مكتوم. 8/ 70. القيسي روح بن عبادة البصري. 3/ 28. القيسي السديد بن مكي بن المسلم بن مكي الدمشقي. 7/ 448. القيسي عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي الوسم الصقلّي. 8/ 622. القيسي عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي المصري. 7/ 583. ابن أبي قيس علي بن أحمد الرفاعي البغدادي أبو الحسن. 4/ 277. القيسي محمد بن خليل بن فارس الدمشقي. 6/ 254. القيسي محمد بن عبد الله بن خليل اللبلي. 6/ 393. القيسي المقداد بن هبة الله بن علي بن المقداد. 7/ 653. القيسي مكي بن حموش بن محمد بن مختار. 5/ 175. القيسي هدبة بن خالد البصري أبو خالد. 3/ 167. القيسي يوسف بن مكتوم بن أحمد. 7/ 559. قيصر بن فيروز البواب القطيعي أبو محمد. 7/ 368. قيصر هاشم بن القاسم الخراساني أبو النضر. 3/ 38. القيصري رسول بن عبد الله الغزي الحنفي. 9/ 125. القيصري زين العباد القيصري. 10/ 591. القيلوبي الحسن بن محمد بن إسماعيل. 7/ 279. القيلوي عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن محمد. 9/ 430. ابن قيم الجوزية إبراهيم بن محمد بن أبي بكر. 8/ 357. ابن قيم الجوزية إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب الزرعي. 8/ 610. ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي. شمس الدين أبو عبد الله. 8/ 287. ابن القيم الخزاز محمد بن علي بن الحسين الحريمي الحنبلي. 5/ 348. ابن قيم الضيائية عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر المقدسي. 8/ 329. ابن القيم علي بن عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري. 8/ 44. القيمريّ حسين بن عزيز الأمير مقدم الجيوش ناصر الدين. 7/ 552. القيمري علي بن يوسف بن أبي الفوارس سيف الدين. 7/ 450. القيني يحيى بن أحمد بن أحمد بن صفوان. 8/ 386.

حرف الكاف ابن كبن محمد بن سعيد اليمني. 9/ 357. كاتب بن أمير عمر بن غازي أبو حنيفة الإتقاني. 8/ 316. كاتب الأوزاعي الهقل بن زياد الدمشقي. 2/ 354. الكاتب حمزة بن محمد بن عيسى. 4/ 13. الكاتب محمد بن أحمد بن علي البغدادي أبو مسلم. 4/ 520. الكاتب محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم أبو طاهر. 5/ 198. الكاتب محمد بن سليمان بن علي. 7/ 708. الكاتب محمد بن عائذ الدمشقي الكاتب الحافظ أبو عبد الله. 3/ 154. الكاتب محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام. 6/ 256. كاتب الواقدي محمد بن سعد الحافظ أبو عبد الله. 3/ 139. ابن كادش أحمد بن عبيد الله بن محمد السلمي العكبري. 6/ 129. ابن كادش محمد بن عبيد الله بن الحنبلي أبو ياسر. 5/ 413. الكارزيني محمد بن الحسين الفارسي أبو عبد الله. 5/ 182. ابن كاره دهبل بن علي بن منصور البغدادي الحربي الخباز. 6/ 384. ابن كاره لاحق بن علي أخو دهبل البغدادي. 6/ 407. ابن الكازروني عبد الرحمن الحنبلي المقرئ المحدث. 9/ 537. الكازروني محمد بن أسعد الدواني الشافعي الصديقي. 10/ 221. الكازروني محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي النيسابوري. 9/ 23. الكازروني محمد بن عبد الله المدني. 9/ 360. الكازروني منصور بن الحسين بن علي. 9/ 435. كاس محمد بن فندو أبو المظفّر جلال الدّين ملك بنجالة. 9/ 326. الكاساني أحمد بن إسماعيل بن نصر. 6/ 50. ابن كاسب يعقوب بن حميد. 3/ 190. الكاشغري إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي. 7/ 399. الكاغدي عبد الرحيم بن محمد الأصبهاني. 6/ 518. الكاغدي منصور بن نصر السمرقندي. 5/ 118. كافور الحسامي طواشي حسام الدين محمد ويعرف ب: شبل الدولة. 7/ 192.

كافور النبوي. 6/ 157. كافور الحبشي الأسود، الخادم الإخشيذي أبو المسك صاحب الديار المصرية. 4/ 296. كافور الصوابي الصالحي الصفوي الطواشي أبو المسك. 7/ 677. الكافيجي محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي البرعمي. 9/ 488. الكامخي محمد بن أحمد بن محمد أبو عبد الله. 5/ 411. كامل بن طلحة الجحدري البصري. 3/ 141. الكبدي أجلح بن عبد الله أبو جحيفة. 2/ 207. الكبرى أحمد بن عمر بن محمد الخيوقي. 7/ 141. ابن الكبوش عبد السلام بن صالح البصري. 7/ 614. الكبيسي حسن بن أحمد الحلبي. 10/ 7. كتاكت أحمد بن عبد المحسن الدمياطي. 7/ 628. ابن كتامة أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم. 8/ 480. الكتامي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ القرطبي. 4/ 175. الكتامي علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الفاسي. 7/ 225. الكتاني إسحاق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي. 7/ 740. الكتاني إسماعيل بن صارم الخياط العسقلاني ثم المصري. 7/ 535. الكتاني طلحة بن علي بن الصقر البغدادي. 5/ 112. الكتاني عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي. 5/ 283. ابن الكتاني عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس. 8/ 205. الكتاني عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر بن بدر القرشي الملحي الدمشقي. 8/ 554. الكتّاني محمد بن علي بن جعفر أبو بكر. 4/ 117. الكتّاني نصر بن سيار بن صاعد بن سيّار الهروي 6/ 404. كتبغا المغلي المنصوري. 8/ 11. الكتبي أحمد بن إبراهيم الصالحي. 8/ 576. الكتبي عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الكتبي الدمشقي. 10/ 256. الكتبي محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن الداراني الدمشقي. 8/ 346. ابن كثير أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي البغدادي الدورقي أبو عبد الله. 3/ 211. ابن كثير إسماعيل بن عمر بن كثير. 8/ 397. كثير بن أفلح. 1/ 284. كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة أبو صخر. 2/ 36. كثير بن عبيد المذحجي الحذاء. 3/ 233. ابن كثير محمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصري. 9/ 57.

ابن أبي كثير محمد بن جعفر المدني. 2/ 327. ابن أبي كثير المكي عبد اللطيف بن علم الدين سليمان. 10/ 404. كثير بن هشام الكلامي الرقي. 3/ 36. الكثيري بدر بن عبد الله بن جعفر الكثيري «السلطان» . 10/ 560. الكثيري عبد الله بن جعفر السلطان العادل. 10/ 66. ابن كجّ يوسف بن أحمد الدينوري أبو القاسم. 5/ 35. كجك بن محمد بن قلاوون الصالحي. 8/ 258. الكجوري نصر الله بن عبد الرحمن العجمي البخاري الروياني. 9/ 299. الكجي إبراهيم بن عبد الله البصري الحافظ. 3/ 387. ابن الكحال محمد بن إسماعيل الإربلي. 8/ 538. الكختاوي أبو بكر بن إسحاق بن خالد النحوي. 9/ 379. الكديمي محمد بن يونس القرشي السامي. 3/ 362. ابن كر [1] محمد بن عيسى بن حسين أبو عبد الله الحنبلي. 8/ 339. الكرابيسي الحسين بن علي. 3/ 222. الكرابيسي محمد بن بشر البصري النيسابوري. 4/ 414. الكراجكي محمد بن علي أبو الفتح. 5/ 214. الكرادي عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف «الأشقر» . 8/ 545. الكراعي أحمد بن علي بن الحسين المروزي النضري. 5/ 193. أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية. 5/ 266. الكراني محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخباز. 6/ 541. الكرجي محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر أبو الحسن. 6/ 165. الكرجي مكي بن منصور بن علّان. 5/ 400. الكرخي أحمد بن سلامة بن عبد الله بن مخلد الشافعي. 6/ 132. الكرخي أحمد بن المقرب. 6/ 345. الكرخي الحسين بن أحمد «أبو عبد الله» . 7/ 28. الكرخي صالح بن المبارك بن الرخلة. 6/ 400. الكرخي عبيد الله بن حسين بن دلال. 4/ 220. الكرخي المبارك بن المبارك أبو طالب. 6/ 466. الكرخي محمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة. 4/ 936. الكرخي محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي بن نبهان أبو علي. 6/ 51. الكرخي محمد بن المنذر بن طيبان أبو

_ [1] في الكتاب: «ابن كثير كر» وهو من أخطاء الطبع والصواب ما أثبته هنا.

البركات. 5/ 413. الكردري محمد بن عبد الغفار بن محمد بن محمد العلماوي الكردري. 7/ 376. كردوش الحسن بن علي بن نصر الطوسي الخراساني. 4/ 61. الكردي إبراهيم بن عبد الكريم الحلبي. 9/ 340. الكردي جبريل بن أحمد بن إسماعيل الحلبي الشافعي. 10/ 238. الكردي داود الشافعي نجم الدين. 8/ 55. الكردي عبد الرحمن بن يوسف الدمشقي. 9/ 201. الكردي عبد الله بن عبد الرحمن بن أصفهان الكردي. 10/ 480. الكردي محمد بن إبراهيم بن عبد الله القدسي. 9/ 138. الكردي محمد بن عمر الشاطبي المقرئ. 7/ 224. الكردي يوسف بن حسين الشافعي نزيل دمشق. 9/ 74. ابن كرسا عبد العزيز بن مكي البغدادي. 7/ 360. كركان عبد الله بن علي الطوسي. 5/ 298. الكركانجي محمد بن أحمد بن علي أبو نصر. 5/ 360. الكركي إبراهيم بن زين الدين أبي هريرة عبد الرحمن بن شمس الدين القاهري. 10/ 147. الكركي أحمد بن طارق البغدادي. 6/ 504. ابن الكركي عبد الرحمن بن عمر بن محمود. 9/ 343. الكركي محمد بن عبد الله. 8/ 411. الكركي يوسف بن الصفي. 9/ 424. الكرماسني المولى يوسف بن حسين الحنفي. 9/ 549. الكرماني حرب بن إسماعيل. 3/ 330. الكرماني حمزة الكرماني الرومي. 10/ 500. الكرماني عبد الوهاب بن الحسن أبو سعد. 6/ 312. الكرماني قاسم البغدادي القسطنطيني. 10/ 11. الكرماني عمر بن محمد بن أبي سعد التاجر. 7/ 570. الكرماني محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم. 8/ 505. الكرماني مسعود بن برهان الدين محمد. 8/ 270. الكرماني يحيى بن محمد بن يوسف البغدادي. 9/ 300. الكرماني يعقوب الكرماني. 10/ 572. ابن كروس محمد بن عقيل. 7/ 369. كريب بن الصباح الحميري. 1/ 214. كريب مولى ابن عباس. 1/ 394. ابن الكريم الكاتب محمد بن الحسن بن محمد بن علي البغدادي. 7/ 324. كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية أم الكرام. 5/ 266.

كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام القرشية الزبيرية أم الفضل وتعرف ببنت الحبقبق. 7/ 368. الكسائي علي بن حمزة الأسدي الكوفي أبو الحسن. 2/ 407. الكسائي محمد بن إبراهيم النيسابوري. 4/ 452. الكسائي محمد بن أحمد بن الحسن أبو عبد الله. 4/ 249. ابن كسيرات أحمد بن رمضان مهنا الطستخاناه. 8/ 86. كشاجم محمود بن حسين. 4/ 321. كشتية الناصري. 8/ 71. الكشميهني محمد بن عبد الرحمن بن محمد المروزي أبو الفتح. 6/ 248. الكشميهني محمد بن مكي المروزي أبو الهيثم. 4/ 478. ابن الكشك أحمد بن إسماعيل بن محمد الأذرعي. 8/ 608. ابن الكشك أحمد بن محمود. 9/ 315. ابن الكشك أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل الدمشقي. 9/ 319. ابن الكشك إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العز. 8/ 481. ابن الكشك محمود بن أحمد بن إسماعيل. 9/ 119. الكشي الحسن بن محمد بن الليث الشيرازي. 5/ 31. الكشي محمد بن يوسف الجرجاني أبو زرعة. 4/ 483. كعب الأحبار. 1/ 201. كعب بن عجرة الأنصاري الحديبي. 1/ 249. كعب بن عمرو الأنصاري السلمي. 1/ 256. كعب بن مالك الأنصاري السلمي. 1/ 244. الكعبي عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي أبو القاسم. 4/ 93. ابن الكفتي علي بن ظهير بن شهاب المصري أبو الحسن. 7/ 714. ابن الكفتي عمر بن إبراهيم الكناني الصالحي. 8/ 401. الكفرابي [1] أبو الغنائم بن محاسن بن أحمد بن مكارم الحراني. 7/ 757. الكفر بطناوي محمد بن إسماعيل بن سراج. 8/ 566. الكفر بطناوي محمد بن عبد الرحمن بن أبي عبد الله الذهبي. 9/ 59. الكفرسبي يوسف بن محمد «جمال الدين» . 9/ 531. الكفرسوسي محمد بن أحمد بن سليمان الليان. 8/ 615. الكفرسوسي محمد بن عثمان التنوخي أبو الجماهر. 3/ 112. الكفرطابي عبد العزيز بن عبد الوهاب. 7/ 478. الكفرطابي عبد الكريم بن المؤمل البزاز. 5/ 405. الكفرماوي عباس بن عبد المؤمن بن عباس الحازمي. 8/ 488.

_ [1] في «معجم الشيوخ للذهبي» (2/ 425) : «الكفرطابي» .

ابن الكفري أحمد بن الحسين بن سليمان الدمشقي. 8/ 414. الكفري حسين بن سليمان بن فزارة. 8/ 93. الكفري عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الشافعي. 9/ 19. ابن الكفري عبد الرحمن بن يوسف. 9/ 126. الكفري عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن. 9/ 137. الكفري عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين الدمشقي. 9/ 48. الكفري عمر بن عبد الله بن داود. 9/ 53. الكفل حارسي إبراهيم بن حجي الحنبلي. 9/ 352. الكفيري محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله. 9/ 285. الكلاباذي أحمد بن محمد بن الحسين أبو نصر. 4/ 514. الكلاباذي محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء. 7/ 798. الكلابي تبوك بن الحسن بن الوليد. 4/ 412. الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد أخو تبوك. 4/ 507. الكلابي عبدة بن سليمان الكوفي. 2/ 405. الكلابي عمرو بن عاصم البصري. 3/ 60. الكلابي كثير بن هشام الرّقي. 3/ 36. الكلابي محمد بن صالح بن بيهس الكلابي. 3/ 49. الكلاعي بقية بن الوليد الحمصي. 2/ 456. الكلاعي ثور بن يزيد أبو خالد. 2/ 2430. الكلاعي خالد بن معدان الحمصي. 2/ 22. الكلاعي سليم بن عامر الحمصي. 2/ 55. الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم البلنسي. 7/ 287. ابن الكلائي علي بن الحسن بن علي البغدادي. 8/ 410. الكلبي صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى أبو محمد. 7/ 450. الكلبي هشام بن محمد بن السائب الأخباري. 3/ 27. كلثم بنت محمد بن رافع السلامي الدمشقية أم عمر. 9/ 82. كلثم بنت محمد بن محمود بن معبد البعلية. 8/ 436. أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1/ 128. كلثوم بن عياض القشيري. 2/ 96. الكلستاني محمود بن عبد الله. 9/ 25. الكلسي عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحنفي، زيد الدين. 10/ 240. ابن كلف أحمد بن أحمد الباجي الأنطاكي الحلبي شهاب الدّين. 10/ 334. الكلوتاتي أحمد بن عثمان بن محمد 9/ 309. الكلوذاني محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الأزجي. 6/ 45.

الكلواذي محمد بن محفوظ بن محمد بن الحسن بن أحمد أبو جعفر. 6/ 169. ابن كليب عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد الحراني. 6/ 534. الكليباتي أبو الخير. 10/ 58. ابن الكمّاد إبراهيم بن محمد بن هارون المرادي السبتي الحافظ. 7/ 548. الكمال الأحدب. 8/ 19. ابن كمال باشا أحمد بن سليمان الحنفي شمس الدين. 10/ 533. الكمال التبريزي العجمي. 10/ 457. كمال الدين، المعروف بدده خليفة الحنفي المولى. 10/ 547. كمال الدين ابن الشيخ. 7/ 358. كمال الدين بن الملك الكامل بن أيوب أبو بكر. 7/ 408. الكمال سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الإربلي. 7/ 578. الكمال الضرير علي بن شجاع بن سالم بن علي الهاشمي العباسي المصري. 7/ 532. الكمال عبد العزيز بن عبد المنعم الحارثي الدمشقي. 7/ 590. الكمال الحلي أحمد بن علي الضرير. 7/ 586. الكمال المعري إسحاق بن أحمد بن عثمان. 7/ 430. كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي وتسمى ست الناس. 8/ 169. كميل بن زياد النخعي. 1/ 335. ابن كميل محمد بن أحمد بن عمر بن كميل المنصوري. 9/ 382. ابن كناسة محمد بن عبد الله الأسدي الكوفي. 3/ 36. ابن كنانة محمد بن جعفر بن محمد البغدادي. 4/ 311. الكناني إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن جماعة الحموي المقدسي. 8/ 533. الكناني أحمد بن سليمان بن محمد الحوراني الحنفي، الغزي الشهاب. 10/ 237. الكناني أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الإسكندراني. 7/ 149. الكناني أحمد بن محمد بن ناصر بن علي. 9/ 135. الكناني أحمد بن نصر الله بن أحمد الحنبلي العسقلاني. 9/ 44. الكناني إسماعيل بن إبراهيم بن محمد البلبيسي الحنفي. 9/ 30. الكناني أبو بكرب علي بن سالم بن أحمد العامري. 9/ 183. الكناني حمزة بن محمد بن علي بن العباس المصري. 4/ 299. الكناني سليمان بن أحمد بن سليمان العسقلاني المصري. 8/ 496. الكناني صاعد بن سيار. 5/ 410. الكناني عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام المصري. 8/ 97. الكناني عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموي الدمشقي المصري. 8/ 358.

الكناني عبد العزيز بن يحيى المكي. 3/ 183. الكناني علي بن أحمد بن حنين القرطبي. 6/ 387. كوخان سلطان الترك والخطا. 6/ 189. الكناني محمد بن صالح بن إسماعيل. 8/ 498. الكناني أبو معبد عبد الله بن كثير. 2/ 89. الكناني نصر الله بن أحمد بن محمد العسقلاني. 8/ 585. الكناني يحيى بن محمد بن علي العسقلاني. 8/ 592. الكناني يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر. 9/ 37. الكنانية نشوان بنت عبد الله بن علي. 9/ 480. الكنجرودي محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكنجرودي النيسابوري أبو سعد. 5/ 27. الكنجي عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي. 10/ 282. الكنجي محمد بن شهاب الدين أحمد بن محمد الدمشقي. 10/ 260. ابن كندغدي أحمد (شهاب الدين) . 9/ 95. كندفري. 5/ 407. الكندي أحمد بن سليمان بن زبان. 4/ 202. الكندي بشر بن الوليد «أبو الوليد» . 3/ 173. الكندي جعفر بن ربيعة المصري. 2/ 158. الكندي الحكم بن عتيبة الكوفي. 2/ 75. الكندي شريح بن الحارث. 1/ 320. الكندي عبادة بن نسي قاضي طبرية. 2/ 85. الكندي عبد الصمد بن سعيد أبو القاسم. 4/ 129. الكندي عدي بن عدي بن عميرة. 2/ 90. الكندي علي بن بردوان بن زيد بن الحسن البغدادي. 6/ 357. الكندي علي بن مظفر. 8/ 71. الكندي معاوية بن حديج التجيبي. 1/ 250. الكنري خلف بن محمد بن خلف البغدادي. 7/ 217. كهمس بن الحسن البصري. 2/ 225. الكوراني إسماعيل بن علي. 7/ 397. الكواشي أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع الشيباني. 7/ 638. كوتاه عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني. 6/ 277. الكوراني محمد بن محمد بن بهرام. 8/ 24. بنت الكوري بنت اللّوري. 9/ 47. الكوسج إسحاق بن منصور المروزي. 3/ 234. كوسج يحيى بن نور الدّين الشهير بكوسج الأمين. 10/ 516. ابن كوشيار داود بن عبد الله الحنبلي. 7/ 781. الكوفني عبد الله بن ميمون بن عبد الله المالكاني. 6/ 262.

الكوفي أبان بن تغلب القارئ المشهور. 2/ 193. الكوفي إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزائم. 4/ 319. الكوفي أسباط بن محمد القرشي. 2/ 474. الكوفي أوس بن ضمعج. 1/ 312. الكوفي جبلة بن سحيم. 2/ 112. الكوفي حبيب بن أبي ثابت. 2/ 87. الكوفي حماد بن أسامة. 3/ 5. الكوفي خلّاد بن يحيى. 3/ 57. الكوفي خلف بن خليفة «أبو أحمد» . 2/ 360. الكوفي زكريا بن عدي. 3/ 58. الكوفي زيد بن الحباب أبو الحسين. 3/ 13. الكوفي سالم بن أبي جعد. 1/ 404. الكوفي سعد بن الصلت. 2/ 450. الكوفي سعيد بن الخمس. 3/ 224. الكوفي سلمة بن كهيل. 2/ 93. الكوفي سليمان بن حيان الأحمر أبو خالد. 2/ 413. الكوفي شجاع بن الوليد. 3/ 26. الكوفي شيبان النحوي. 2/ 289. الكوفي الصغير هناد بن السّري. 4/ 178. الكوفي عبثر بن القاسم أبو زبيد. 2/ 348. الكوفي عثام بن علي. 2/ 447. الكوفي عمر بن حفص بن غياث. 3/ 102. الكوفي عون بن سلام. 3/ 138. الكوفي محاضر بن المورع. 3/ 32. الكوفي محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان أبو الحسن. 4/ 443. الكوفي محمد بن أبي إسماعيل. 2/ 192. الكوفي يحيى بن آدم «أبو زكريا» . 3/ 18. الككاجي محمد بن شهاب الدين أحمد الحموي. 10/ 120. الكوكاجي محمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن كوجك الحموي. 10/ 459. كوكبوري بن الأمير زين الدين علي كوجك التركماني أبو سعيد ويعرف بالملك مظفر الدين. 7/ 243. الكوكبي خطاب بن محمد بن عبد الله الصالحي. 10/ 39. ابن الكوملاذي صبح بن أحمد الحافظ التميمي الهمذاني السمسار. 4/ 441. الكومي عمر بن محمد بن أبي بكر. 8/ 597. ابن الكويك محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن أحمد الربعي. 8/ 539. ابن الكويك محمد بن محمد بن عبد اللطيف الرّبعي التكريتي أبو الطاهر. 9/ 222. ابن الكويك محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد الربعي أبو الطيب. 9/ 108. ابن الكيال إبراهيم بن قاسم بن محمد الشافعي. 10/ 179. ابن الكيال إبراهيم بن يحيى الدمشقي. 8/ 172.

ابن الكيال بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف الشافعي. 10/ 227. ابن الكيال محمد بن زين الدين بركات شمس الدين. 10/ 322. ابن الكيّال محمد بن محمد بن هارون البزّار. 6/ 542. ابن الكيال نصر الله بن علي. 6/ 472. الكيزواني علي بن أحمد بن محمد الحموي الصوفي أبو الحسن. 10/ 440. كيسان. 1/ 293. ابن كيسان عبد الله بن طاووس اليماني النحوي. 2/ 145. ابن كيسان محمد بن أحمد البغدادي النحوي. 3/ 422. كيقباد بن كيخسرو بن كيقباد بن دقاق السلجوقي. 7/ 563. كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي علاء الدين. 7/ 294. كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي الملك الغالب عز الدين. 7/ 116. الكيلاني حسين بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر عفيف الدين. 10/ 424. الكيلاني عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الركن. 7/ 17 و 83. الكيلاني عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الحموي القادري الشافعي. 10/ 270. الكيلاني محمد بن صالح الكيلاني. 10/ 464. الكيلاني محمد بن علي بن نجم التاجر. 9/ 221. الكيلاني نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر. 7/ 281. كيلجة محمد بن صالح بن عبد الرحمن الأنماطي أبو بكر. 3/ 303. الكيلي ثابت بن منصور بن المبارك. 6/ 152.

حرف اللام ابن لاجين إبراهيم الرشيدي المصري. 8/ 271. ابن لاجين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الرشيدي. 9/ 49. ابن لاجين عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد الرشيدي. 9/ 102. لاحق بن حميد البصري أبو مجلز. 2/ 41. لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي ثم المصري اللبان أبو الكرم. 7/ 512. لاحق بن علي بن كاره، أخو دهبل البغدادي. 6/ 407. لاحق بن أبي الفضل بن علي بن حيدرة. 6/ 566. ابن لال أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. 4/ 514. اللالكائي هبة الله بن الحسن الطبري أبو القاسم. 5/ 92. اللالائي أحمد بن منلا شيخ المعروف خجا كمال العجمي. 10/ 299. ابن لال أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني، أبو بكر. 4/ 514. ابن اللبابة محمد بن عيسى اللخمي الأندلسي أبو بكر. 6/ 33. اللّباد علي بن أحمد الأصبهاني أبو الحسين. 6/ 316. اللبان أحمد بن محمد بن محمد التميمي الأصبهاني. 6/ 536. ابن اللبّان محمد بن أحمد بن عبد المؤمن المصري. 8/ 279. ابن اللبّان محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع. 8/ 420. ابن اللبان محمد بن عبد الرحيم بن أحمد المنهاجي. 9/ 316. ابن اللبان محمد بن عبد الله بن الحسن البصري. 5/ 14. اللبلي أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي. 7/ 204. اللبلي محمد بن عبد الله بن خليل القيسي. 6/ 393. ابن اللبودي محمد بن عبدان الدمشقي شمس الدين. 7/ 169. لبيد بن ربيعة الشاعر العامري. 1/ 230. ابن اللّحام علي بن محمد بن عباس بن شيبان البعلي. 9/ 52. ابن اللتي عبد الله بن عمر بن علي بن عمر الحريمي القزاز. 7/ 299. ابن اللحاس محمد بن محمد بن محمد بن الجبان الحريمي العطار. 6/ 341. أبو لحاف إبراهيم المجذوب المصري. 10/ 333. ابن اللحام البيروتي عبد القادر الشافعي زين

الدين. 10/ 351. اللحياني زكريا بن أحمد بن محمد الهنتاتي المغربي. 8/ 168. ابن اللحية جابر بن محمد بن يونس الحموي. 6/ 561. اللخمي أحمد بن محمد بن عبد الرحيم الأسيوطي. 8/ 535. اللخمي بدر بن الهيثم الكوفي. 4/ 83. اللخمي جمال الدين بن عطية بن إسماعيل بن عبد الوهاب. 8/ 64. اللخمي زياد بن عبد الرحمن شبطون. 2/ 439. اللخمي عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر المصري. 8/ 188. اللخمي عبد الرحيم بن علي بن الحسن البيساني. 6/ 530. اللخمي علي بن رباح المصري. 2/ 73. اللخمي عمر بن علي بن سالم بن صدقة الاسكندري الفاكهي. 8/ 169. اللخمي غياث بن فارس أبو الجود. 7/ 33. اللخمي محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر الأنياري الخطيب أبو طاهر. 5/ 330. اللخمي موسى بن علي بن رباح. 2/ 287. لسان الدين ابن الخطيب محمد بن عبد الله بن سعيد الغرناطي. 8/ 422. لطف الله التوقاني الرومي الشهير بمولانا لطفي. 10/ 34. ابن أبي اللطف محمد بن محمد بن محمد بن أبي اللطف المقدسي. 10/ 631. اللقاني إبراهيم بن محمد بن عمر بن يوسف. 9/ 539. ابن أبي لقمة محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفّار. 7/ 193. لقيط بن الربيع العبشمي أبو العاص بن الربيع ابن أخت خديجة. 1/ 152. اللمتوني علي بن عثمان بن يحيى الصنهاجي. 7/ 745. اللمتوني محمد بن خير بن عمر بن خليفة الإشبيلي أبو بكر. 6/ 416. ابن اللمط عبد الله بن يوسف الجذامي المصري. 7/ 499. ابن لهيعة عبد الله الحضرمي أبو عبد الرحمن. 2/ 336. اللواتي علي بن سيف علي بن سليمان. 9/ 159. اللوبياني موسى بن عمر بن منصور الشامي. 8/ 567. ابن الوتارة أحمد بن علي بن أحمد الموصلي. 7/ 175. اللورقي القاسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي. 7/ 532. اللّوري إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرّعيني الأندلسي أبو إسحاق. 7/ 699. بنت اللّوري خديجة بنت أبي بكر بن عبد الملك الصالحية. 9/ 47. ابن اللوز عبد الواحد بن عبد الله المغربي. 8/ 537.

اللوشي محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي. 8/ 394. لؤلؤ الأرمني الأتابكي، الملك الرحيم مملوك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بدر الدين. 7/ 499. لؤلؤ الحاجب العادلي. 6/ 548. ابن لؤلؤ نور الدين علي. 9/ 261. ابن لؤلؤ الوراق علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي. 4/ 410. اللؤلؤي عبد الرحمن بن مهدي البصري أبو سعيد. 2/ 467. اللؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو البصري. 4/ 183. اللؤلؤي محمد بن محمد الحنبلي. 9/ 474. لوين محمد بن سليمان الأسدي البغدادي ثم المصصي. 3/ 215. الليث بن خالد ابو الحارث. 3/ 183. أبو الليث الرومي، المولى. 10/ 360. الليث بن سعد الفهمي أبو الحارث. 2/ 339. ليث بن أبي سليم. 2/ 199. أبو الليث النسفي أحمد بن جعفر بن مدين النسفي الكائني. أبو الليث الملقب شعبة. 5/ 261. الليثي أحمد بن محمد بن عماره الدمشقي. 4/ 327. الليثي أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني، أبو زيد. 2/ 242. الليثي عبيد الله بن أبي جعفر المصري. 2/ 148. الليثي عبيد الله بن يحيى بن يحيى أبو مروان 3/ 420. الليثي عطاء بن يزيد المدني. 2/ 43. الليثي عمر بن علي بن أحمد بن الليث البخاري. 5/ 298. الليثي محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني. 2/ 208. الليثي أبو واقد اللّيثي، ممن شهد فتح مكة. 1/ 296. الليثي يحيى بن عبد الله بن يحيى القرطبي أبو عيسى (راوي الموطأ) . 4/ 366. الليثي يحيى بن يحيى بن كثير الأندلسي «أبو محمد» . 3/ 160. ليس جلبي حمزة المولى العالم الرومي نور الدين. 10/ 82. ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن. 2/ 222. أبو ليلى والد عبد الرحمن الفقيه. 1/ 213.

حرف الميم ابن ماتي علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد الكوفي. 4/ 249. الماجشون عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني. 2/ 290. الماجشون عبد الملك بن عبد العزيز. 3/ 58. ابن الماجشون يوسف بن بعقوب بن أبي سلمة. 2/ 386. ابن ماجة محمد بن يزيد الإمام الحافظ أبو عبد الله صاحب «السنن» . 3/ 308. ابن المادح محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي البغدادي. 6/ 297. الماذرائي علي بن إسحاق أبو الحسن. 4/ 185. المارداني، عبد الله بن خليل بن يوسف. 9/ 125. المارداني عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان الدمشقي. 8/ 553. الماردي عيسى بن إبراهيم بن محمد أبو الحسن. 8/ 257. المارديني إدريس المارديني القاهري. 10/ 207. المارديني عبد القادر بن محمد بن عثمان الحلبي. 10/ 93. المارديني علي بن أحمد بن علي. 9/ 248. المارديني يوسف بن عبد الله. 9/ 210. المارستاني أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي. 7/ 350. الماروني أبو بكر بن علي بن عبد الملك المالكي. 8/ 451. مارية القبطية أم المؤمنين. 1/ 163. المازري محمد بن علي بن عمر المالكي أبو عبد الله. 6/ 186. المازندراني عزّ الدين المازندراني العجمي. 10/ 311. المازني بكر بن محمد «أبو عثمان» . 3/ 216. المازني عمارة بن غزية المدني. 2/ 191. المازني محمد بن علي المازني شمس الدين الأديب. 8/ 105. المازني محمد بن علي بن يحيى بن سلوان. 5/ 204. ابن ماسرجس المؤمل بن الحسن بن عيسى النيسابوري. 4/ 96. الماسرجسي أحمد بن محمد بن الحسين. 4/ 65. الماسرجسي الحسين بن محمد بن أحمد النيسابوري. 4/ 344. الماسرجسي محمد بن علي بن سهل النيسابوري. 4/ 443. ابن ماسي عبد الله بن إبراهيم بن أيوب

البزاز. 4/ 373. ابن ماشاذه داود بن محمد بن محمود الأصبهاني. 7/ 18. ابن ماشاذه علي بن محمد بن أحمد بن ميله الأصفهاني. 5/ 74. ابن ماشاذه محمد بن أحمد بن ماشاذه الأصبهاني، أبو بكر المقرئ. 6/ 401. ابن ماضي عبد الحميد بن مرّي المقدسي، أبو أحمد الفقيه الحنبلي. 7/ 163. الماكسيني أحمد بن محمد بن عبد الغالب. 9/ 122. الماكسيني مكي بن ريّان بن شبة صائن الدين الماكسيني ثم الموصلي، أبو الحرم، صاحب ابن الخشّاب. 7/ 21. ابن ماكولا الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجرباذقاني، أبو عبد الله. 5/ 201. ابن ماكولا علي بن هبة الله بن علي بن جعفر العجلي الأمير أبو نصر، صاحب «الإكمال» . 5/ 374. المالقي عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي. 7/ 88. مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي البانياسي أبو عبد الله. 5/ 366. مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي الحافظ. 3/ 93. مالك بن أنس الحميري الأصبحي أبو عبد الله. 2/ 350- 354. مالك بن أوس بن الحدثان النصري. 1/ 362. مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي. 1/ 220. مالك بن شبيب. 2/ 66. مالك بن طوق التغلبي. 3/ 265. مالك بن أبي عامر الأصبحي. 1/ 312. مالك بن عبد الواحد المسمعي البصري المحدث أبو غسان. 3/ 139. ابن مالك محمد بن عبد الله الطائي الجياني أبو عبد الله. 7/ 590. مالك بن محمد بن محمد الخراساني الجويني علاء الدين. 7/ 668. مالك بن مغول البجلي الكوفي. 2/ 267. مالك بن نويرة 1/ 135. مالك بن يخامر السكسكي. 1/ 300. المالكي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير. 8/ 560. المالكي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي. 5/ 112. المالكي محمد بن عمار بن محمد. 9/ 368. المالكي محمد بن أبي القاسم بن جميل. 8/ 69. الماليني أحمد بن محمد بن أحمد الهروي أبو سعد. 5/ 65. ابن المأمون عبد الصمد بن علي بن محمد الهاشمي. 5/ 275. ابن المأمون محمد بن الحسن بن الفضل العباسي. 4/ 508. ابن المأمون محمد بن عبيد بن يزيد. 3/ 306. ابن المأمون هارون بن العباس بن محمد العباسي المأموني البغدادي. 6/ 407.

المأموني محمد بن محمد بن أبي المفاخر الجنائزي. 7/ 281. المأموني هارون بن العباس بن محمد العباسي البغدادي. 6/ 407. ماميّة محمد بن أحمد بن عبد الله، المعروف بمامية الرّومي، الشاعر المشهور. 10/ 606. ابن ماهان عبد الوهاب بن عيسى البغدادي. 4/ 473. الماهر أحمد بن عبيد بن فضال الحلبي الموازيني. 5/ 224. الماوردي علي بن محمد بن حبيب البصري. 5/ 218. الماوردي محمد بن الحسن بن علي البصري أبو غالب. 6/ 125. مبارز الدين سنقر الصلاحي. 7/ 164. المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحان ابن السيبي. 6/ 565. المبارك بن أحمد الأزجي الأنصاري أبو المعمر. 6/ 254. المبارك بن أحمد بن أبي البركات اللخمي الإربلي أبو البركات المعروف ب: ابن المستوفي شرف الدين. 7/ 326. المبارك بن أحمد الكندي البغدادي الخباز. 6/ 230. المبارك بن أنوشتكين بن عبد الله النجمي السيدي البغدادي أبو القاسم. 7/ 57. المبارك بقاء بن عمر بن حنّد الأزجي الدقاق. 6/ 561. المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي أبو البركات المعروف بالكمال ابن الشعار. 7/ 460. مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحداد تقي الدين. 7/ 600. المبارك بن الحسن الشهرزوري البغدادي أبو الكرم، مصنف «المصباح في القراءات العشر» . 6/ 258. المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي أبو النجم المعروف ب: ابن القابلة. 6/ 398. المبارك بن الحسين البغدادي الغسال، أبو الخير. 6/ 44. مبارك بن سعيد الثوري الكوفي. 2/ 358. ابن مبارك شاه أحمد بن محمد بن حسين القاهري السيفي يشبك. 9/ 440. المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن قاسم الصيرفي البغدادي أبو الحسين المعروف بابن الطيوري. 5/ 426. مبارك بن عبد الله الحبشي، الدمشقي، القابوني. 10/ 367. ابن المبارك عبد الله الحنظلي المروزي. 2/ 361. المبارك بن علي بن أبي الجود الوراق العتّابي أبو القاسم. 7/ 194. المبارك بن علي بن الحسن بن بندار البغدادي المخرمي أبو سعد. 6/ 66. المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله بن محمد الطباخ البغدادي أبو محمد بن الطباخ. 6/ 418. المبارك بن علي بن خضير البغدادي الصيرفي أبو طالب ابن خضير. 6/ 342.

المبارك بن علي السمذي البغدادي أبو المكارم. 6/ 204. المبارك بن فاخر الدباس أبو الكرم. 5/ 427. مبارك بن فضالة البصري مولى قريش. 2/ 291. المبارك بن كامل بن أبي غالب محمد بن أبي طاهر الحسين بن محمد البغدادي الطفري أبو بكر. 6/ 221. المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي بن زريق الحداد أبو جعفر. 6/ 535. المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي أبو بكر المعروف ب: الوجيه بن الدهان. 7/ 97. المبارك بن المبارك الكرخي أبو طالب. 6/ 466. المبارك بن المبارك بن هبة الله الحريمي العطار أبو طاهر المعروف ب: ابن المعطوش. 6/ 558. المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي، ابن الأثير، صاحب «جامع الأصول» . 7/ 42. المبارك بن محمد بن المعمر الباذرائي أبو المكارم. 6/ 370. مبرمان النحوي محمد بن علي العسكري أبو بكر. 4/ 142. مبشر بن إسماعيل الحلبي أبو إسماعيل. 2/ 476. مبشر بن عبد المنذر. 1/ 115. المبشّر يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي. 8/ 478. المتقي لله إبراهيم بن جعفر بن أحمد المعتضد بالله أحمد أبو إسحاق. 4/ 297. متوجهر بن محمد بن تركانشاه أبو الفضل. 6/ 418. المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر ابن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العباسي. 9/ 116. ابن متويه إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصفهاني أبو إسحاق. 4/ 13. المثنى بن الصباح اليماني. 2/ 225. مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي صاحب الشعبي. 2/ 206. مجاهد بن جبر أبو الحجاج. 2/ 19. المباهي عبد الكريم بن محمد بن يوسف الأموي الدمشقي. 10/ 220. ابن المبرد حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي. 9/ 483. ابن المبرد يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي جمال الدين. 10/ 62. المبرد محمد بن يزيد الأزدي البصري أبو العباس صاحب كتاب «الكامل» . 3/ 356. مبرمان النحوي محمد بن علي العسكري أبو بكر، مصنّف «شرح كتاب سيبويه» . 4/ 142. المبلط إبراهيم بن المبلّط. 10/ 622. ابن المبيض يوسف بن محمد أو ابن أحمد بن المبيض الحمصي الأصل. 10/ 232

المتبولي أحمد بن موسى بن نصير. 9/ 279. المتقي لله إبراهيم بن المقتدر بالله العباسي. 4/ 297. المتقي الهندي علي المتقي بن حسام المتقي الهندي، صاحب «كنز العمال» . 10/ 554. المتنبّي أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي الشاعر المشهور. 4/ 282. المتّوثي الحسين بن يحيى القطان. 4/ 185. المتوثي عبيد الله بن محمد بن إسحاق البغدادي أبو القاسم. 4/ 478. ابن المتوكل يحيى بن صالح [1] الطائي. 2/ 125. المتوكل على الله محمد بن أبي بكر بن سليمان بن أحمد أبو عبد الله أمير المؤمنين. 9/ 116. المتيجي محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى الإسكندراني. 7/ 517. المتولي عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري أبو سعد. 5/ 337. ابن المتيم أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد البغدادي. 5/ 53. أبو المثنى أحمد بن يعقوب. 3/ 410. ابن المثنى محمد بن عبد الله الأنصاري ابن المثنى أبو عبد لله. 3/ 71. المجاصي أحمد بن عبد الخالق بن محمد خلف. 9/ 29. ابن مجاهد أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد. 4/ 128. مجاهد الدين إبراهيم بن أدنبا. 7/ 456. مجاهد الدين قايماز، الخادم الرومي. 6/ 519. ابن المجاهد محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي. 6/ 411. ابن المجاور يوسف بن يعقوب بن محمد بن علي الشيباني. 7/ 728. ابن مجبر أبو بكر بن يحيى بن عبد الجليل الفهري. 6/ 484. ابن المجبر محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي. 7/ 642. ابن المجبّر يوسف بن محمد بن أحمد التزمني. 9/ 380. ابن المجد أحمد بن محمد بن عثمان البكري. 8/ 389. ابن المجد أحمد بن محمد المخزومي، النابلسي. 9/ 444. ابن المجدر محمد بن هارون أبو بكر. 4/ 63. مجد الملك جعفر بن شمس الخلافة بن مختار الأفضلي. 7/ 176. ابن المجلخ عبد الرحمن بن سليمان بن عبد العزيز الحربي. 7/ 798. ابن المجدي أحمد بن رجب بن طيبغا. 9/ 390. المجذوب إبراهيم الزيات. 9/ 440. المجلّد محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني. 6/ 67.

_ [1] وفي اسم أبيه اختلاف انظره في موضع الترجمة.

ابن المجلي أحمد بن علي البغدادي. 6/ 122. مجلّي بن جميع القرشي المخزومي الأرسوفي الأصل المصري أبو المعالي. 6/ 259. المجمعي محمد بن عبد الباقي بن هبة الله بن حسين بن شريف المجمعي الموصلي أبو المحاسن. 6/ 398. مجنون ليلى قيس بن الملوح بن مزاحم العامري. 2/ 324. مجير الدين الرملي. 10/ 286. محارب بن دثار السدوسي. 2/ 77. المحاربي أشعث بن أبي الشعثاء الكوفي. 2/ 106. المحاربي سليمان بن حبيب قاضي دمشق. 2/ 115. المحاربي سليم بن الأسود الكوفي «أبو الشعثاء» . 1/ 336. المحاربي عبد الرحمن بن محمد الحافظ. 2/ 447. المحاربي عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية الغرناطي أبو بكر. 6/ 546. المحاربي غالب بن عبد الرحمن بن غالب الغرناطي. 6/ 95. المحاربي محمد بن القاسم الكوفي أبو عبد الله. 4/ 138. المحاسبي الحارث بن أسد. 3/ 197. محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا التنوخي الحموي ثم الصالحي أبو إبراهيم، ضياء الدين. 7/ 378. أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله اليماني المكي. 8/ 241. محاضر بن المورع الكوفي. 3/ 32. المحاملي أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي. 5/ 77. المحاملي أمة الواحد بنة الحسين بن إسماعيل. 4/ 407. المحاملي الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي. 4/ 170. المحاملي القاسم بن إسماعيل بن محمد الضبي. 4/ 124. المحاملي محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي. 5/ 48. محبّ الدّين التبريزي، ويقال محبّ الله الشافعي، الصوفي. 10/ 463. ابن المحب محمد بن محمد بن أحمد بن محب الدين السعدي المقدسي. 8/ 522. ابن محبوب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب المعري. 8/ 515. ابن محبوب محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الكريم. 8/ 555. المحبوبي إسماعيل بن ينال المروزي. 5/ 106. المحبوبي عبيد الله بن إبراهيم العبادي البخاري. 7/ 241. المحبوبي محمد بن أحمد بن محبوب المروزي أبو العباس. 4/ 245. ابن المحجوب عبد القادر بن لطف الله بن الحسين بن محمد السعدي العبادي الشافعي. 10/ 446.

المحدّث أحمد بن علي بن أبي الفتح الدمشقي. 9/ 68. أبو محذورة الجمحي المؤذن. 1/ 268. المحرقي محمد بن محمد بن محيي الدين. 10/ 64. المحسن بن علي بن محمد بن داود بن إبراهيم بن تميم التنوخي أبو علي. 4/ 446. المحسني شهاب الدين بن علي المسند. 8/ 32. محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني ثم الأزجي أبو الخطاب. 6/ 45. محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن خليفة البغدادي أبو الخطاب المعروف بابن الحامض. 7/ 745. محفوظ بن معتوق البغدادي أبو بكر المعروف بابن البزوري. 7/ 745. المحلي أحمد بن صالح الشافعي. 9/ 363. المحلي أبو بكر بن عمر بن الطريني. 9/ 258. المحلي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن تاج الرئاسة الزبيري. 9/ 151. المحلي محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الشافعي. 9/ 447. المحلي محمد بن علاء الدين علي المصري الشافعي. 10/ 222. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1/ 133. محمد بن أبان المستملي أبو بكر. 3/ 202. المحمد أباذي محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري أبو طاهر. 4/ 198. محمد بن إبراهيم بن أبان السراج البغدادي. 4/ 27. محمد بن إبراهيم (العبد الصالح) الأردستاني أبو بكر. 5/ 120. محمد بن إبراهيم الإستراباذي اليمني أبو زرعة. 4/ 380. محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المناوي القاهري الشافعي. 9/ 55. محمد بن إبراهيم بن إسماعيل المعروف بالحفة. 8/ 322. محمد بن إبراهيم بن الأميوطي. 8/ 124. محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي شمس الدين. 10/ 314. محمد بن إبراهيم البوصيري. 9/ 243. محمد بن إبراهيم بن ترجم المصري أبو عبد الله. 7/ 737. محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي. 8/ 490. محمد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي الجرجاني أبو عبد الله 5/ 51. محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني 2/ 90. محمد بن إبراهيم أبو حامد الملقب ب: الجاجرمي معين الدين. 7/ 103. محمد بن إبراهيم بن حسن النكساري الرومي الحنفي، محيي الدين، المولى. 10/ 14.

محمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد بن دادا النجيب الجرباذقاني أبو جعفر المعروف المنتجب. 6/ 253. محمد بن إبراهيم بن حيون الأندلسي الحجازي أبو عبد الله. 4/ 28. محمد بن إبراهيم الخلاطي الواني. 8/ 194. محمد بن إبراهيم بن خلف الأنصاري المالقي أبو عبد الله المعروف بابن الفخار. 6/ 496. محمد بن إبراهيم الديبلي أبو جعفر، محدث مكة. 4/ 116. محمد بن إبراهيم بن راضي الصلتي. 8/ 490. محمد بن إبراهيم الرملي الشافعي الشهير بابن الذهبي، شمس الدين أبو الفضل. 10/ 120. محمد بن إبراهيم الرومي الحنفي، الشهير بابن الخطيبي، محيي الدين الخطيب، المولى. 10/ 15. محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي الطيالسي. 4/ 68. محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله الكناني الحموي. 8/ 184. محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني المزكي أبو سهل. 6/ 156. محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى العبدي أبو عبد الله. 3/ 380. محمد بن إبراهيم بن شعيب الغازي أبو الحسين. 4/ 57. محمد بن إبراهيم الشّنائي المالكي، شمس الدين. 10/ 314. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التلمساني المالكي بن الجرح أبو عبد الله. 7/ 489. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي ويعرف بابن الشمّاع. 8/ 483. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي أبو عبد الله. 4/ 305. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي. 8/ 258. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن منصور المقدسي أبو بكر، جمال الدين. 6/ 558. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري، الخليلي، الشافعي، شمس الدين. أبو الجود 10/ 22. محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن الجزري. 8/ 218. محمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي. 8/ 44. محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان الصوفي. 9/ 426. محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي بهاء

الدين أبو عبد الله المعروف بابن النحاس. 7/ 772. محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشطّنوفي. 9/ 289. محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي. 9/ 138. محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو عبد الله. 8/ 269. محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن علي بن جماعة الكناني، المقدسي، الشافعي نجم الدين، أبو البقاء. 10/ 15. محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدين علي بن سرور المقدسي شمس الدين أبو بكر وأبو عبد الله. 7/ 616. محمد بن إبراهيم بن أبي عدي البصري المحدث. 2/ 441. محمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد الدمشقي- الشهير بابن عبد الحق الحنفي- ويعرف بابن قاضي الحصن، أمين الدين. 8/ 420. محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني أبو بكر بن المقرئ. 4/ 428. محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي عز الدين المعروف بابن شدّاد. 7/ 677. محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري أبو عبد الله المعروف بالبابشرقي. 7/ 538. محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني أبو ذر. 5/ 181. محمد بن إبراهيم بن علي العطار الأصبهاني أبو بكر. 5/ 284. محمد بن إبراهيم بن غنائم بن المهندس الصالحي. 8/ 184. محمد بن إبراهيم الفيروزآبادي أبو عبد الله المعروف بالفخر الفارسي. 7/ 178. محمد بن إبراهيم الكسائي النيسابوري. 4/ 454. محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل البشتكي. 9/ 282. محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجوزي ثم الدمشقي بن الظهير. 9/ 56. محمد بن إبراهيم بن محمد الحنفي المقرئ، عرف بابن أبي عامر، شمس الدين. 10/ 16. محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي. 2/ 386. محمد بن إبراهيم بن محمد النابلسي الأصل ثم الدمشقي المعروف بابن الشهيد، أبو بكر. 8/ 563. محمد بن المزكي إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو إسحاق. 5/ 130. محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ الطرسوسي أبو أمية. 3/ 308. محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سليمان

الصوفي الإربلي فخر الدين أبو عبد الله. 7/ 281. محمد بن إبراهيم بن مقبل البلبيسي المقدسي، الدمشقي الوفائي الشافعي شمس الدين. 10/ 313. محمد بن إبراهيم المكدش، جمال الدين. 10/ 31. محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري أبو بكر. 4/ 89. محمد بن إبراهيم المواز الإسكندراني المالكي أبو عبد الله. 3/ 333. محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي أبو بكر. 4/ 90. محمد بن إبراهيم بن نصر بن شبيب الأصبهاني أبو بكر. 4/ 27. محمد بن إبراهيم بن يعقوب شيخ الوضوء. 8/ 538. محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المراكشي المصري أبو عبد الله. 8/ 295. محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن المعروف بابن الحنبلي الحنفي الحلبي رضي الدين، أبو عبد الله. 10/ 533. محمد الابرقوهي. 9/ 209. محمد بن أبي بن كعب. 1/ 284. محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي القرشي أبو عبد الله. 6/ 556. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة بن علي بن عقيل أبو المعالي. 8/ 230. محمد بن أحمد بن إبراهيم الشاهد الرازي أبو عبد الله المعروف ب: ابن الخطاب. 6/ 124. محمد بن أحمد بن إبراهيم الشنبوذي أبو الفرج. 4/ 473. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن قدامة المقدسي الصالحي. 8/ 461. محمد بن أحمد بن إبراهيم العسّال أبو أحمد. 4/ 258. محمد بن أحمد بن إبراهيم القراريطي الوزير أبو إسحاق. 4/ 302. محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي شرف الدين المعروف بابن المجبر. 7/ 642. محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب الحكيمي. 4/ 198. محمد بن أحمد بن إبراهيم الطبري المكّي أبو البركات. 8/ 582. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الطبري المكي أبو اليمن. 9/ 127. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف العثماني الديباجي المرعوف بابن المنفلوطي الشافعي، ولي الدين أبو عبد الله. 8/ 402.

محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري الرئيس أبو عبد الله الشهير بابن مخرم. 4/ 302. محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي أبو منصور. 4/ 379. محمد بن أحمد بن إسحاق الأموي المعاوي الأبيوردي أبو المظفر. 6/ 30. محمد بن أحمد بن أسد الهروي الأصل السلامي البغدادي أبو بكر بن البستنبان. 4/ 125. محمد بن أحمد بن إسماعيل بن سمعون البغدادي أبو الحسين. 4/ 467. محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ أبو الحسن. 4/ 148. محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المندائي أبو الفتح. 7/ 33. محمد بن أحمد بن البراء العبدي القاضي أبو الحسن. 3/ 385. محمد بن أحمد البصال أبو عبد الله. 8/ 270. محمد بن أحمد بن أبي بكر البيري بن الحداد. 9/ 203. محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي. 8/ 615. محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصمد بن مرجان الحنبلي شمس الدين أبو عبد الله. 8/ 402. محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله العيدروس باعلولي الشافعي. 10/ 128. محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرية الربعي الإسكندراني. 8/ 436. محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي أبو عبد الله. 7/ 584. محمد بن أحمد بن أبي بكر القاهري. 9/ 451. محمد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي. 9/ 82. محمد بن أحمد البهوتي المصري، الشافعي، بدر الدّين. 10/ 162. محمد بن أحمد التكريتي أبو البركات، ويعرف بالمؤيد. 6/ 565. محمد بن أحمد بن تمام بن حسان التلي ثم الصالحي. 8/ 229. محمد بن أحمد التونسي، الشاذلي، أبو المواهب. 10/ 16. محمد بن أحمد بن جبير الكناني البلنسي. 7/ 110. محمد بن أحمد بن جعفر الترمذي الفقيه الإمام أبو جعفر. 3/ 403. محمد بن أحمد بن جعفر بن الحداد المصري أبو بكر. 4/ 235. محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي الذهلي الوكيعي أبو العلاء. 4/ 8.

محمد بن أحمد بن أبي جعفر المحدث المعروف ب: الطبسي. 5/ 352. محمد بن أحمد بن جعفر المزكي أبو حسان. 5/ 157. محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي الصواف أبو علي. 4/ 307. محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد المقدسي الأصل ثم الدمشقي. 8/ 322. محمد بن أحمد بن الحسن الكسائي أبو عبد الله. 4/ 249. محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجة الأبهري الأصبهاني أبو بكر. 5/ 350. محمد بن أحمد بن الحسين البقال العكبري أبو نصر. 5/ 101. محمد بن أحمد بن الحسين أبو بكر الشاشي المعروف ب: المستظهري. 6/ 28. محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الغطريف الجرجاني الرباطي أبو أحمد الغطريفي. 4/ 411. محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الحافظ الدولابي أبو بشر. 4/ 52. محمد بن أحمد بن حماد الأثرم المقرئ البغدادي أبو العباس. 4/ 198. محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي أبو الحسن. 4/ 443. محمد بن أحمد بن حمدان أبو العباس، أخو أبي عمرو بن حمدان. 4/ 322. محمد بن أحمد بن حمدان بن علي الحيري النيسابوري أبو عمرو. 4/ 405. محمد بن أحمد الخضري المروزي أبو عبد الله. 4/ 395. محمد بن أحمد بن خلف بن الحاج التجيبي القرطبي أبو عبد الله. 6/ 153. [محمد بن] [1] أحمد بن الخليل بن سعادة شمس الدين أبو العباس المعروف بابن الخويي. 7/ 739. محمد بن أحمد بن خليل المصري الغرّاقي. 9/ 181. محمد بن أحمد بن خنب البغدادي الدهقان أبو بكر مسند بخاري. 4/ 267. محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب أبو عبد الله. 3/ 411. محمد بن أحمد الدمزي المالكي. 9/ 270. محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي أبو بكر الأصبهاني. 4/ 49. محمد بن أحمد بن رشد المالكي أبو الوليد. 6/ 102. محمد بن أحمد بن رمضان بن عبد الله الجزيري ثم الدمشقي. 8/ 319. محمد بن أحمد بن زهير الطوسي أبو الحسن. 4/ 83. محمد بن أحمد بن أبي سعد أبو الخطاب. 7/ 33.

_ [1] تنبيه: ما بين الحاصرتين سقط من الكتاب واستدركته من «العبر» (5/ 379) مصدر المؤلف، و «الوافي بالوافيات» (2/ 739) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 247) و «النجوم الزاهرة» (8/ 54) .

محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي، قاضي مكة. 9/ 417. محمد بن أحمد بن سليمان الأذرعي الحنفي. 9/ 297. محمد بن أحمد بن سليمان الكفرسوسي اللبان. 8/ 615. محمد بن أحمد بن سليمان الهروي الإمام أبو العباس. 3/ 391. محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب، المعروف بابن خطيب داريا. 9/ 132. محمد بن أحمد بن سهل الرملي النابلسي الشهيد أبو بكر. 4/ 337. محمد بن أحمد بن سهل المعدل أبو غالب ويعرف بابن الخالة. 5/ 261. محمد بن أحمد بن شاكر القطان أبو عبد الله. 5/ 48. محمد بن أحمد، الشهير بابن شكم الدمشقي الشافعي، نجم الدين. 10/ 134. محمد بن أحمد بن شهاب العلّامة تقي الدين، الفتوحي. 10/ 571. محمد بن أحمد بن الشويكي الصالحي، الحنبلي، شمس الدين. 10/ 385. محمد بن أحمد الشيرازي أبو عبد الله، المعروف بالنذير الواعظ. 5/ 178. محمد بن أحمد بن صاعد النيسابوري الصاعدي أبو سعيد. 6/ 136. محمد بن أحمد بن صالح الجيلي ثم البغدادي المعدل ويعرف ب: فخر الدين بن شافع. 7/ 221. محمد بن أحمد بن صدقة أبو الرضا المعروف بجلال الدين. 6/ 297. محمد بن أحمد بن صقر الغساني. 8/ 497. القاهر بالله، محمد بن المعتضد بالله أحمد بن طلحة بن جعفر العباسي أبو منصور. 4/ 208. محمد بن أحمد بن ظهيرة المخزومي المكي. 9/ 277. محمد بن أحمد بن عادل باشا الحنفي الشهير بالمولى حافظ. 10/ 457. محمد بن أحمد بن العباس الإخميمي المصري أبو الحسين. 4/ 503. محمد بن أحمد بن العباس الجوهري البغدادي أبو جعفر. 4/ 417. محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن الخاضبة البغدادي أبو بكر. 5/ 393. محمد بن أحمد بن عبد الخالق المعروف بابن الصائغ. 8/ 123. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي بن الظاهري. 8/ 564. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن خطيب يبرود الشافعي شمس الدين. 8/ 437. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد بن حامد الهلالي الإسكندراني المالكي بن الربعي. 8/ 393. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، المعروف ابن أبي الجود، ابن أبي الجبل ناصر الدين. 10/ 583. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني الذكواني أبو بكر.

5/ 96. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري. 8/ 538. محمد بن أحمد بن عبد الرزاق الشيرازي البغدادي الصفار الخياط أبو منصور. 5/ 416. محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة الأموي القرطبي الأندلسي الفقيه الملقب بالعتبي. 3/ 243- 244. محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله النويري أبو الفضل. 8/ 502. محمد بن أحمد بن عبد العزيز المرداوي. 9/ 536. محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي البغدادي أبو محمد المعروف ب: ابن المادح. 6/ 297. محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد القلقشندي. 9/ 480. محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد الكرخي أبو علي. 5/ 343. محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي أبو عبد الله المعروف ب: ابن المجاهد. 6/ 411. محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي بن مهاجر. 8/ 572. محمد بن أحمد بن عبد الله الخزرجي المكّي جمال الدين. 8/ 420. محمد بن أحمد بن عبد الله الذهلي أبو الطاهر. 4/ 359. محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي الفرج بن أبي الحسن بن سرايا بن الوليد الحراني أبو عبد الله ويعرف بابن الحبال. 8/ 269. محمد بن أحمد بن عبد الله القزويني ثم المصري. 9/ 139. محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بماميّة الرومي. 10/ 606. محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد، ابن علي الشهير بأفضل السعدي، جمال الدين. 10/ 28. محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الإشبيلي أبو بكر المعروف بابن سيد الناس. 7/ 517. محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي القاشاني أبو زيد. 4/ 385- 386. محمد بن أحمد بن عبد الله بن ورا الأصبهاني أبو الخير. 5/ 352. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الطبري. 9/ 167. محمد بن أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة الأموي القرشي أبو بكر. 6/ 556. محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان المصري. 8/ 279. محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل ثم الصالحي أبو عبد الله. 8/ 245. محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الاسفراييني أبو بكر. 5/ 46. محمد بن أحمد بن عبيد الله الحفصي المروزي أبو سهل 5/ 283.

محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق. 8/ 279. محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي. 8/ 27. محمد بن أحمد بن عثمان الششتري ثم المدني. 8/ 497. محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الأصل القرمي. 8/ 520. محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي المالكي/ المعروف بالوانوغي. 9/ 203. محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الذهبي أبو عبد الله. 8/ 264. محمد بن أحمد بن عثمان البساطي النحوي. 9/ 356. محمد بن أحمد بن أبي العز الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي شمس الدين المعروف بابن النشو. 9/ 21. محمد بن أحمد بن علي بن قدامة المقدسي. 9/ 545. محمد بن أحمد بن علي بن أسد البردعي الأسدي بن حراره. 4/ 255. محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الغيطي السّكندري المصري الشافعي. 10/ 595. محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهواري أبو عبد الله. 8/ 462. محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع الدمشقي بن اللّبان المقرئ شمس الدّين. 8/ 420. محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن التريكي العباسي الهاشمي الحنبلي المعدل أبو المظفّر. 6/ 292. محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الكمال بن النجار. 7/ 708. محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعري ثم الحلبي بن الركن الشافعي. 9/ 56. محمد بن أحمد بن علي السمسار الأصبهاني أبو بكر. 5/ 321. محمد بن أحمد بن علي بن شكرويه أبو منصور الأصبهاني. 5/ 352. محمد بن أحمد بن علي سعد الدين أبو البركات ابن صبر الدين ملك الحبشة. 9/ 75. محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري، المعروف بابن المطرز. 8/ 597. محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن الأبرادي البغدادي أبو الحسن بن أبي البركات. 6/ 287. محمد بن أحمد بن علي بن عمر الإسنوي. 8/ 338. محمد بن أحمد بن علي الفاسي ثم المكي. 9/ 289. محمد بن أحمد بن علي الفاكهي المكي الحنبلي، أبو السعادات. 10/ 627. محمد بن أحمد بن علي القزويني. 5/ 224. محمد بن أحمد بن علي الكاتب البغدادي أبو مسلم. 4/ 520. محمد بن أحمد بن علي الكركانجي أبو نصر. 5/ 360. محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني الحمامي أبو عبد الله الجورتاني. 6/ 497. محمد بن أحمد بن علي المصري المعروف

بالرفاء. 8/ 555. محمد بن أحمد بن علي المصري ثم المكي قطب الدين أبو بكر المعروف بابن القسطلاني. 7/ 694. محمد بن أحمد بن علي ويعرف ب: زفره ويقال: ابن زفرة. 6/ 172. محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي العطار أبو الحسن. 4/ 125. محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي مجد الدين أبو عبد الله الظهير. 7/ 626. محمد بن أحمد بن عمر البابي الحلبي الشافعي، ابن صليلة، نجم الدين. 10/ 407. محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب ابن الحافظ. 8/ 555. محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ثم المصري. 8/ 335. محمد بن أحمد بن عمر القطيعي البغدادي أبو الحسن. 7/ 294. محمد بن أحمد بن عمر بن كميل المنصوري، الشهير: بابن كميل. 9/ 382. محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عمر النحريري، المعروف: بالسعودي. 9/ 385. محمد بن أحمد بن عمر السّبكي المصري بن السكّري بدر الدين. 8/ 445. محمد بن أحمد بن عمرو البصري اللؤلؤي أبو علي. 4/ 183. محمد بن أحمد بن عيسى السعدي البغدادي أبو الفضل. 5/ 185. محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم القيسي السويدي الأصل الدمشقي المعروف بابن مكتوم أبو عبد الله. 8/ 598. محمد بن أحمد بن عيسى النجار الشافعي الدّمياطي المصري، أمين الدّين أبو الجود. 10/ 230. محمد بن أحمد الغمري المصري. 10/ 328. محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي بن السراج، شمس الدّين. 9/ 33. محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي البغدادي المحاملي أبو الحسين. 5/ 48. محمد بن أحمد بن القاسم الروذباري البغدادي أبو علي. 4/ 118. محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر العمري المكري الحرازي. 8/ 350. محمد بن أحمد بن كمال الدّين الشماخي. 10/ 213. محمد بن أحمد الكوكاجي الحموي الدمشقي الحنبلي، عز الدين. 10/ 120. محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي أبو الحسن. 3/ 422. محمد بن أحمد بن ما شاذة الأصبهاني أبو بكر. 6/ 401. محمد بن أحمد بن المبارك الحموي الخرزي. 9/ 262. محمد بن أحمد بن متّ الإشتيخني أبو بكر. 4/ 473.

محمد وقيل: أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل العباسي أبو إسحاق الراضي بالله الخليفة. 4/ 165. محمد بن أحمد بن محبوب المروزي أبو العباس المحبوبي. 4/ 245. محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي، تفتزاني العرب. 9/ 447. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم المصري. 8/ 565. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري البيري. 9/ 269. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد حسنون البغدادي أبو الحسين المعروف بابن النّرسي. 5/ 242. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين الموصلي أبو عبد الله المعروف بشعلة. 7/ 486. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البغدادي البزاز أبو الحسن المعروف بابن رزقويه. 5/ 66. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي أبو الوليد المعروف بابن رشد الحفيد. 6/ 522. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعدان الحنبلي الأزجي أبو المظفر. 6/ 271. محمد بن أحمد بن محمد الحراني ثم الصالحي المعروف بابن البهاء. 8/ 615. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي العقيلي. 9/ 214. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني أبو الفتح. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسني أبو المجد. 8/ 529. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغساني الصيداوي أبو الحسين المعروف ب: ابن جميع. 5/ 13. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التجيبي القرطبي أبو الوليد. 8/ 91. محمد بن أحمد بن محمد بن بهاء الدين بن يعقوب بن حسن بن علي النهرواني الهندي، قطب الدين. 10/ 617. محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني أبو الحسين الأسواري. 4/ 230. محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني المقدر الباغبان أبو الخير 6/ 312. محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندرشي أبو عبد الله المعروف بابن اليتيم. 7/ 169. محمد بن أحمد بن محمد البخاري الملاحمي أبو نصر. 4/ 503. محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي المعروف بابن خضر. 9/ 196. محمد بن أحمد بن محمد بن الجناق القرشي. 9/ 469. محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التونسي ثم القاهري الصوفي، ويعرف بابن زغدان، البرلسي. 9/ 502. محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي أبو عبد الله العز النسابة. 7/ 391.

محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين بن هارون البرداني أبو الحسن. 5/ 299. محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني أبو سعد. 6/ 91. محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزي الصحراوي المعروف بابن قطليشا. 8/ 497. محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني أبو بكر. 4/ 442. محمد بن أحمد بن محمد النّهرواني الهندي المكّي الحنفي، قطب الدّين. 10/ 617. محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل البخاري أبو عبد الله الملقب ب: غنجار الحافظ. 5/ 66. محمد بن أحمد بن محمد الشريف الحسيني أبو القاسم. 8/ 331. محمد بن أحمد بن محمد أبي الصقر اللخمي الأنباري الخطيب أبو طاهر. 5/ 330. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي العكبري أبو الحسن. 6/ 177. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي الحسني الفاسي ثم المكي. 8/ 591. محمد بن أحمد بن محمد عبد الرحيم أبو طاهر الكاتب 5/ 198. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي أبو المكارم. 8/ 69. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوائلي الأندلسي جمال الدين أبو بكر الشريشي. 7/ 685. محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن سعيد بن إمام المشهد الشافعي. 9/ 167. محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن السلمي البغدادي أبو جعفر بن المسلمة. 5/ 280. محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي ابن الهايم. 8/ 605. محمد بن أحمد بن محمد الغباري الحنبلي أبو طاهر. 5/ 157. محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي بن أبي الفوارس أبو الفتح. 5/ 66. محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن مولانا، جلال الدين الخالدي البكشي، ثم السمرقندي، المشهور بمنلا محمد شاه العجمي جلال الدين. 10/ 374. محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام المقدسي أبو عمر. 7/ 50. محمد بن أحمد بن محمد بن قيداس التوثي أبو طاهر. 5/ 421. محمد بن أحمد بن محمد الكامخي أبو عبد الله. 5/ 411. محمد بن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي. 10/ 260. محمد بن أحمد بن محمد الهروي العبادي أبو عاصم. 5/ 251. محمد بن أحمد بن محمد بن أبي محمد القرطبي ثم الغرناطي أبو الوليد. 8/ 565.

محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التلمساني المالكي العجيسي أبو عبد الله. 8/ 467. محمد بن أحمد بن محمد المصري ويعرف بابن شيخ السنيين الحنفي. 9/ 33. محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر الدمشقي. 8/ 565. محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني النيسابوري أبو علي. 4/ 198. محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر البخاري أبو نصر المعروف ب: الملاحمي. 4/ 505. محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد بن علي الهمذاني ثم المصري النجيب أبو عبد الله. 7/ 703. محمد بن أحمد بن محمد بن النجيب بدر الدين. 7/ 716. محمد بن أحمد بن محمد الهروي الجارودي أبو الفضل. 5/ 71. محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج الأموي القرطبي أبو عبد الله. 4/ 422. محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القماط. 4/ 322. محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي المتكلم أبو عبد الله. 4/ 383. محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب أبو بكر المفيد بجر جرايا. 4/ 414. محمد بن أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود بن الفرفور الدمشقي الشافعي. 10/ 315. محمد بن أحمد بن معالي الحبتي- الحنبلي المحدث. 9/ 248. محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم الصالحي. 8/ 138. محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الرشادي. 9/ 22. محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله الكفيري. 9/ 285. محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرقي الأنصاري أبو الحسن. 8/ 566. محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي البغدادي أبو علي. 5/ 138. محمد بن أحمد مؤيد الدين. 7/ 470. محمد بن أحمد بن ناصر بن خليفة المقدسي الناصري الباعوني الدمشقي. 9/ 458. محمد بن أحمد بن نضر الأصبهاني الصيدلاني أبو جعفر. 7/ 20. محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي البغدادي أبو عبد الله. 8/ 50. محمد بن أحمد بن النصر بن سلمة الجارودي الأزدي أبو بكر. 3/ 385. محمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي ثم الدمشقي. 8/ 306. محمد بن أحمد بن نعمة المقدسي شمس الدين. 7/ 662. محمد بن أحمد بن هارون بن الجندي الغساني الدمشقي أبو نصر. 5/ 89. محمد بن أحمد بن أبي بن الهيجاء بن الزراد الصالحي. 8/ 130. محمد بن أحمد بن يحيى الدمشقي نجم الدين

المعروف بابن سني الدولة. 7/ 641. محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السدوسي أبو بكر. 4/ 175. محمد بن أحمد بن يوسف بن أبي بكر الزبيدي، الصفدي الدمشقي، الحنفي، الشهير بابن الحمراوي. 10/ 559. محمد بن إدريس بن الحسن بن ذئب الجرجرائي. 5/ 79. محمد بن إدريس الحنظلي الرازي أبو حاتم الملقب ب (حافظ المشرق) . 3/ 321. محمد بن إدريس الحنفي، الشهير بمعلول أفندي محيي الدين. 10/ 385. محمد بن إدريس السامي السرخسي أبو لبيد. 4/ 68. محمد بن إدريس الشافعي المطلبي أبو عبد الله. 3/ 19. محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المصري المناوي أبو عبد الله. 8/ 351. محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران السراج أبو العباس. 4/ 68. محمد بن إسحاق أبو بكر الصاغاني ثم البغدادي الحافظ. 3/ 301. محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري أبو بكر. 4/ 57. محمد بن إسحاق بن راهويه القاضي أبو الحسن. 3/ 397. محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى البلبيسي المصري. 8/ 280. محمد بن إسحاق بن محمد بن هلال بن المحسن البغدادي أبو الحسن المعروف بابن الصابئ. 6/ 348. محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة العبدي الأصبهاني أبو عبد الله. 4/ 504. محمد بن إسحاق بن منذر بن السليم الأندلسي أبو بكر. 4/ 359. محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني صاحب «السيرة» . 2/ 235. محمد بن أسد الخشني أبو عبد الله. 4/ 325. محمد بن أسد الدين شيركوه، الملقب ب (ناصر الدين) . 6/ 447. محمد بن أسد المديني الزاهد أبو عبد الله. 3/ 394. محمد بن أسعد التستري. 8/ 179. محمد بن أسعد الدواني الكازروني الشافعي الصديقي، جلال الدين. 10/ 221. محمد بن أسعد بن محمد الطوسي أبو منصور المعروف ب: حفدة العطاري. 6/ 397. محمد بن أسعد بن محمد بن نصر البغدادي المعروف بابن الحليم. 6/ 361. محمد بن أسلم الطوسي الزاهد. 3/ 192. محمد بن إسماعيل بن إبراهيم من ذرية عبادة بن الصامت رضي الله عنه المعروف بابن الخباز. 8/ 310. محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري أبو عبد الله. 3/ 252. محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفراء الأشقر، الملقب بالقزل. 8/ 462. محمد بن إسماعيل بن أحمد الضبي. 9/ 343.

محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسي النابلسي أبو عبد الله خطيب مردا. 7/ 489. محمد بن إسماعيل الإربلي بن الكحال. 8/ 538. محمد بن إسماعيل الإسماعيلي، أبو بكر. 3/ 404. محمد بن إسماعيل الأصبهاني الطرسوسي أبو جعفر. 6/ 524. محمد بن إسماعيل الأفلاقي. 8/ 555. محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس البابي ثم الحلبي. 9/ 57. محمد بن إسماعيل الحضرمي. 7/ 433. [محمد بن إسماعيل] [1] الدّرزي [أبو عبد الله] [2] . 5/ 50. محمد بن إسماعيل بن سراج الكفر بطناوي. 8/ 566. محمد بن إسماعيل بن أبي سعد بن علي الشيباني الآمدي ثم المصري أبو عبد الله. 8/ 21. محمد بن إسماعيل السلمي الترمذي الحافظ أبو إسماعيل. 3/ 330. محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري الحافظ المجاهد. 3/ 138. محمد بن إسماعيل الصائغ أبو جعفر. 3/ 320. محمد بن إسماعيل بن عباد بن قريش اللخمي الإشبيلي أبو القاسم. 5/ 161. محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق البغدادي المستملي أبو بكر. 4/ 414. محمد بن إسماعيل بن عبد الله الأنصاري المصري أبو بكر المعروف بابن الأنماطي. 7/ 678. محمد بن إسماعيل بن عثمان الدمشقي المعروف بالمجد بن عساكر. 7/ 576. محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي المصري. 9/ 128. محمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصري ثم الدمشقي. 9/ 57. محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري أبو المعالي. 6/ 203. محمد بن إسماعيل الفرغاني الصوفي أبو بكر. 4/ 175. محمد بن إسماعيل الفضيلي الهروي أبو الفضل. 6/ 172. محمد بن أبي إسماعيل الكوفي. 2/ 196. محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي. 9/ 385. محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون الأزدي الأندلسي الأوبني أبو بكر. 7/ 324. محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس العجلوني، الدّيموني الشافعي. 10/ 441. محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل أبو عبد الله، 6/ 175. محمد بن (المكين أبي الطاهر) إسماعيل بن محمد بن محمود بن عمر التنوخي الإسكندراني المالكي أبو عبد الله. 8/ 34.

_ [1] ما بين الحاصرتين أضيف من حاشية التحقيق في الكتاب. [2] ما بين الحاصرتين أضيف من حاشية التحقيق في الكتاب.

محمد بن إسماعيل بن محمد بن النيسابوري التفلسي أبو بكر. 5/ 354. محمد بن إسماعيل بن محمد بن نصر بن بردس بن اللان البعلبكي. 9/ 282. محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلي أبو إسماعيل. 2/ 475. محمد بن إسماعيل المشرع جمال الدين. 10/ 120. محمد الإشتيتي الرّومي محي الدين. 10/ 380. محمد بن أبي الأشخر اليمني الشافعي جمال الدين. 10/ 623. محمد بن الأشعث الكندي. 1/ 293. محمد الأصبهاني. 8/ 525. محمد إلياس الحنفي، المولى، الشهير بجوي زاده. 10/ 435. محمد بن أميرزا شيخ ابن عم تمرلنك صاحب فارس. 9/ 143. محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصائن النعال أبو الحسن. 7/ 517. محمد بن أنس الحنفي الطنتدائي. 9/ 128. محمد الأنطاكي، المنلا شمس الدين. 10/ 342. محمد الأويسي، البعلي الحنفي شمس الدّين. 10/ 359. محمد بن إياز الحراني ناصر الدين والي دمشق. 7/ 678. محمد بن أيبك السروجي أبو حامد. 8/ 244. محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي الحسباني الأصل الدمشقي. 9/ 204. محمد بن أيوب بن شاذي سيف الدين أبو بكر الملك العادل. 7/ 117. محمد بن أيوب بن الصموت الرقي. 4/ 224. محمد بن أيوب بن علي بن الطحان شمس الدين. 8/ 203. محمد بن أيوب بن محمد بن وهب الأندلسي البلنسي أبو عبد الله المعروف بابن نوح الغافقي. 7/ 62. محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس البجلي الرازي الحافظ أبو عبد الله. 3/ 397. محمد بن باجه السرقسطي أبو بكر عرف بابن الصائغ. 6/ 169. محمد باشا الوزير. 10/ 607. محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. أبو جعفر. 2/ 72. محمد البانقوسي الحلبي، عرف بابن طاش بصتي شمس الدين. 10/ 309. محمد بن بختيار البغدادي أبو عبد الله (الأبله) 6/ 437. محمد بن بدر الأمير الحمامي الطولوني أبو بكر. 4/ 341. محمد بن بدر الدين الحمصي المعروف بابن العصباني. 9/ 304. محمد بن بدير بن بدير المقرئ جمال الدين. 10/ 51. محمد بن بركات صاحب مكّة الشريف، أبو نمي. 10/ 619. محمد بن بركات بن الكيّال، شمس الدين. 10/ 322.

محمد بن بركات بن هلال الصعيدي المصري أبو عبد الله. 6/ 102. محمد بن بركة القنسريني برداعس أبو بكر. 4/ 140. محمد بن بشر البصري ثم النيسابوري الكرابيسي أبو سعيد. 4/ 414. محمد بن بشر الزبيري العكري أبو بكر. 4/ 180. محمد بن بشر العبدي الكوفي الحافظ أبو عبد الله. 3/ 15. محمد البصري أبو عبد الله الصائن. 7/ 673. أبو محمد البطال. 2/ 93. محمد البقاعي الحنفي، أبو البقاء. 10/ 502. محمد البقاعي، الدمشقي، الشافعي كمال الدين. 10/ 451. محمد بن بكار بن بلال العاملي. 3/ 78. محمد بن بكار بن الريان. 3/ 174. محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الجعبري- العابر. 9/ 115. محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان بن النقيب. 8/ 249. محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلبي الصفار. 8/ 98. محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف أبو عبد الله المعروف بالنور البلخي. 7/ 451. محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزبيدي. 8/ 476. محمد بن أبي بكر بن أحمد النحريري. 9/ 128. محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي أبو عبد الله. 8/ 287. محمد بن بكر البرساني. 3/ 15. محمد بن أبي بكر بن بطيخ الدمشقي أبو عبد الله. 7/ 762. محمد بن أبي بكر الحكمي اليمني. 7/ 137. محمد بن أبي بكر الحيشي، تقي الدين أبو بكر. 10/ 234. محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني المكي رضي الدين. 7/ 762. محمد بن أبي بكر بن سليمان بن أحمد العباسي، المتوكل على الله. 9/ 116. محمد بن أبي بكر بن شجرة بن محمد التدمري الأصل الدمشقي أبو عبد الله. 8/ 512. محمد بن أبي بكر الصديق. 1/ 218. محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن، المعروف: بابن زريق الصالحي. 9/ 551. محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة. 9/ 204. محمد بن أبي بكر بن علي الحنفي المعروف بالرشيد النيسابوري. 7/ 326. محمد بن أبي بكر بن علي الصوفي الصالحي. 8/ 393. محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم مولى ثقيف المقدمي البصري أبو عبد الله. 3/ 160.

محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري الأسيوطي. 8/ 469. محمد بن أبي بكر بن عياش بن عسكر أبو عبد الله المعروف بابن الخابوري. 8/ 370. محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة السعدي الأخنائي المصري. 8/ 180. محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني. 8/ 102. محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي الشافعي، قوام الدين. 10/ 182. محمد بن أبي بكر بن محمد الخياط اليمني. 9/ 337. محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة المارديني الحلبي. 9/ 324. محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي المعروف بالرشيد العامري. 7/ 664. محمد بن أبي بكر بن محمد الشهاب بن محمود بن سلمان بن فهد الحلبي. 9/ 116. محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة البصري التمّار أبو بكر. 4/ 245. محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني الغزال أبو رشيد. 7/ 256. محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام البالسي الأصل الدمشقي الأصيل أبو عبد الله. 8/ 350. محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي شمس الدين أبو عبد الله المعروف بالأيكي. 7/ 767. محمد بن أبي بكر بن محمد المقرئ الشهير بابن تمرية. 9/ 324. محمد بن أبي بكر المشهدي المصري الشافعي. 10/ 259. محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي أبو عبد الله المعروف بابن المهيني. 8/ 306. محمد بن أبي بكر الناشري الصامت. 9/ 471. محمد بن بكير الحضرمي البغدادي. 3/ 100. محمد بن بهاء الدين بن لطف الله الصوفي الحنفي، المولى، محيي الدين، الشهير ببهاء الدين زاده. 10/ 421. محمد بن بهادر بن عبد الله. 9/ 285. محمد بن بهادر بن عبد الله. 9/ 285. محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي أبو عبد الله. 8/ 572. محمد بن البهلوان بن إلدكز الأتابك شمس الدين. 6/ 442. محمد بن بوري بن طغتكين جمال الدين. 6/ 173. محمد بن بيبرس ناصر الدين أبو المعالي. 7/ 632. محمد بيك محمد بن عبد الله محيي الدين الحنفي. 10/ 407. محمد بن بير محمد باشا الحنفي، محيي الدّين. 10/ 346. محمد بن تقي الدين أبي بكر بن عبد الله ابن قاضي عجلون الشافعي. 10/ 291. محمد بن ثابت بن الحسن الخجندي أبو بكر. 5/ 354.

محمد بن ثابت بن قيس بن شماس. 1/ 284. محمد بن جابر البتّاني. 4/ 84. محمد بن جابر بن حماد أبو عبد الله. 3/ 328. محمد الجارودي بن أحمد بن عمار الجارودي الهروي أبو الفضل. 4/ 82. محمد بن جحادة الكوفي. 2/ 136. محمد بن جرير الطبري أبو جعفر. 4/ 53. محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي أبو الحسن. 7/ 391. محمد بن جعفر الأدمي القارئ أبو بكر. 4/ 255. محمد بن جعفر البصري ثم البغدادي أبو العلاء. 6/ 438. محمد بن جعفر البغدادي الوراق أبو بكر العلاء. 6/ 438. محمد بن جعفر البغدادي الوراق أبو بكر غندر. 4/ 380. محمد بن جعفر الخرائطي السامري أبو بكر. 4/ 141. محمد بن جعفر الربعي البغدادي أبو بكر المعروف بابن الإمام. 4/ 9. محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين الحسيني المدني أبو جعفر- الملقب بالديباج. 3/ 15. محمد بن جعفر الصيرفي المطيري أبو بكر. 4/ 192. محمد بن جعفر بن العباس غندر النجار أبو بكر. 4/ 420. محمد بن أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي. 2/ 305. محمد بن جعفر بن علي الميماسي أبو بكر. 5/ 167. محمد بن جعفر غندر البصري أبو عبد الله. 2/ 429. محمد بن جعفر القتات الكوفي أبو عمر. 4/ 9. محمد بن جعفر بن أبي كثير المدني. 2/ 327. محمد بن أبي جعفر محمد بن علي الهمذاني الطائي أبو الفتوح. 6/ 292. محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة البغدادي المؤدب أبو بكر. 4/ 311. محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري المعدل أبو عمرو. 4/ 311. محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي أبو الحسن المعروف ب: ابن النجار. 5/ 13. محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملّاس النميري أبو العباس. 4/ 150. محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري البندار أبو بكر. 4/ 311. محمد بن جعفر بن نوح الرملي أبو نعيم. 4/ 141. محمد الجعيدي الدمشقي الشافعي شمس الدين. 10/ 507. محمد بن جقمق. 9/ 380. محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف التركماني الأصل التباني. 9/ 196. محمد بن جمعة بن خلف القهستاني الأصم أبو قريش. 4/ 69.

محمد بن جمعة الفيومي الحنفي بدر الدين. 10/ 94. محمد بن أبي جهم بن حذيفة. 1/ 284. محمد بن جوهر الصوفي المعروف بالتلعفري. 7/ 762. محمد بن أبي حاتم محمود بن حسن الأنصاري القزويني أبو الفرج. 6/ 7. محمد بن حاتم بن ميمون المروزي ثم البغدادي القطيعي أبو عبد الله. 3/ 166. محمد بن حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي الملك المنصور. 9/ 22. محمد بن حاطب بن الحارث الجمحي. 1/ 312. محمد بن حازم بن حامد بن حسن المقدسي شمس الدين أبو عبد الله. 7/ 761. محمد بن حامد بن حمد بن عبد الواحد بن علي بن أبي مسلم الأصبهاني أبو سعيد ويعرف بسرمس. 6/ 360. محمد بن حامد المعروف بابن جبار الحنبلي. 5/ 179. محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي البستي الشافعي أبو حاتم صاحب «الصحيح» . 4/ 285. محمد بن حبان بن الأزهر الباهلي البصري القطان أبو بكر. 4/ 10. محمد بن حجاج بن إبراهيم بن مطرف الأندلسي أبو عبد الله. 8/ 30. محمد بن حجي الحسباني أبو البقاء. 8/ 623. محمد بن حرب الخولاني الأبرش الحمصي. 2/ 442. محمد بن حسام، محيي الدين المولى، المعروف بقراجلبي. 10/ 448. محمد بن حسان، الدمشقي، الشافعي شمس الدين. 10/ 375. محمد بن حسان بن رافع بن سمير العامري أبو عبد الله. 7/ 398. محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري السراج أبو الحسن. 4/ 355. محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي الفامي الباقلاني أبو غالب. 5/ 426. محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي أبو نصر. 6/ 46. محمد بن الحسن الإستراباذي الختن الشافعي أبو عبد الله. 4/ 459. [محمد بن الحسن الاستراباذي] [1] الرضي [2] نجم الأئمة [3] . 7/ 691. محمد بن الحسن الأسدي الكوفي بن التل. 2/ 476. محمد بن حسن الإسكندراني ثم المصري شرف الدين بن الصّفراوي أبو المكارم. 7/ 355. محمد بن الحسن بن إسماعيل الإخميمي، شرف الدين. 7/ 678. محمد بن الحسن الأسيوطي. 9/ 117. محمد بن الحسن بن الحسين السلمي الدمشقي بن الموازيني. 6/ 67.

_ [1] ما بين الحاصرتين لم يرد في الكتاب وأضفته من «كشف الظنون» (2/ 1370) و «الأعلام» (6/ 86) و «معجم المطبوعات العربية» (1/ 940) . [2] يعني رضي الدين. [3] في «الأعلام» : «نجم الدين» .

محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور النيسابوري أبو الحسن. 4/ 289. محمد بن الحسن بن حمدون. 6/ 342. محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري اللغوي أبو بكر. 4/ 106. محمد بن الحسن بن أبي الرضا القرشي الدمشقي أبو المفضل المعروف ب: ابن الخصيب. 7/ 12. محمد شاه بن حسن الرومي الحنفي. 10/ 329. محمد بن الحسن بن سالم بن سلام الدمشقي أبو عبد الله. 7/ 246. محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري ثم الدمشقي. 8/ 98. محمد بن حسن المعروف بالسعودي، الحسيب الشريف. 10/ 649. محمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي الكوفي. 4/ 9. محمد بن حسن الشاوي الشافعي الشيخ الإمام، شمس الدين أبو عبد الله. 10/ 84. محمد بن الحسن الصيدلاني الأصبهاني أبو جعفر. 6/ 377. محمد بن الحسن بن طريف البغدادي الحافظ أبو بكر الأعين. 3/ 183. محمد بن حسن بن عبد الرحيم الصالحي الدقاق. 9/ 58. محمد بن الحسن بن عبد السلام التميمي السفاقسي الأصل الإسكندراني شرف الدين ابن المقدسية أبو بكر. 7/ 459. محمد بن حسن بن عبد الصمد الساموني الرومي الحنفي، محيي الدين. 10/ 134. محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي أبو عبد الله. 8/ 352- 421. محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم. 3/ 282. محمد بن الحسن بن علي الأنطاكي أبو طاهر. 4/ 410. محمد بن الحسن بن علي البصري الماوردي أبو غالب. 6/ 125. محمد بن الحسن أبو علي بن أبي جعفر الطوسي أبو الحسن. 6/ 207. محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي المصري. 9/ 432. محمد بن الحسن بن علي بن عمر القرشي الأموي الأسنائي المصري. 8/ 346. محمد بن حسن بن علي بن قتادة الحسني أبو نمي. 8/ 6. محمد بن حسن، الشهير بابن عنان، الشافعي. 10/ 163. محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم المكي المعروف بابن العليف. 9/ 168. محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون العباسي أبو بكر. 4/ 508. محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني أبو بكر. 5/ 42.

محمد بن الحسن القطان النيسابوري أبو بكر. 4/ 180. محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني أبو العباس. 4/ 54. محمد بن الحسن بن كوثر البربهاري أبو بحر. 4/ 328. محمد بن حسن بن محمد بن أبي بكر الحلبي الشافعي المعروف بابن البيلوني شمس الدين، أبو عبد الله. 10/ 135. محمد بن الحسن بن محمد الحسني الحصني، ابن أخي الشيخ تقي الدين. 9/ 303. محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي ثم البغدادي النقاش أبو بكر. 4/ 271. محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد الداني أبو عبد الله المعروف بابن غلام الفرس. 6/ 238. محمد بن الحسن بن محمد بن علي البغدادي شمس الدين المعروف بابن الكريم الكاتب. 7/ 324. محمد بن الحسن بن محمد الحارثي الشافعي مفتي الشام- المعروف بابن قاضي الزبداني. 8/ 421. محمد بن حسن بن محمد بن محمد بن خلف الله الشمني ثم الإسكندراني. 9/ 221. محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري المحمد أباذي أبو طاهر. 4/ 198. محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي الفاسي أبو عبد الله. 7/ 490. محمد بن الحسن بن مظفر الحاتمي البغدادي أبو علي. 4/ 473. محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطار أبو بكر. 4/ 286. محمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحر بن زعلان العامري أبو جعفر بن إشكاب البغدادي. 3/ 274. محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني أبو عبد الله. 7/ 508. محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي الأزدي أبو الفتح. 4/ 398. محمد بن الحسين البخاري القديدي أبو بكر المعروف ب: خواهر زاده الحنفي. 5/ 353. محمد بن الحسين البرجلاني أبو جعفر. 3/ 174. محمد بن الحسين البغدادي الآجري أبو بكر. 4/ 316. محمد بن الحسين بن بندار القلانسي الواسطي أبو العز. 6/ 106. محمد بن الحسين التيملي الكوفي أبو الطيب. 4/ 468- 469. محمد بن الحسين بن حبيب الوادعي أبو حصين. 3/ 410. محمد بن الحسين الحراني البغدادي أبو سليمان. 4/ 303. محمد بن الحسين الحسيني السمرقندي الشريف الفاضل. 10/ 642. محمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني الكوفي المحدث أبو جعفر. 3/ 321. محمد بن الحسين الخثعمي الكوفي الأشناني أبو جعفر. 4/ 74.

محمد بن حسين الداديخي الحلبي الشافعي شمس الدين. 10/ 175. محمد بن الحسين بن داود العلوي الحسني النيسابوري أبو الحسن. 5/ 9. محمد بن الحسين الرازي الحسين بن الحسن أبو معين. 3/ 305. محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي بن رزين تقي الدين أبو عبد الله. 7/ 642. محمد بن الحسين السجستاني الآبري أبو الحسن. 4/ 337. محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي أبو البركات المعروف بالنفيس. 7/ 374. محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبيد الله الشيباني المزرفي. 6/ 135. محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي أبو السعود. 9/ 34. محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي الحلبي، الحنفي المشهور بابن درهم ونصف [1] . 10/ 515. محمد بن الحسين بن علي الغزي المعروف ب: ابن الترجمان. 5/ 207. محمد بن الحسين الكارزيني الفارسي أبو عبد الله. 5/ 182. محمد بن الحسين بن محمد الجرمي المكي أبو سعد. 5/ 400. محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب المروزي الزاغولي. 6/ 312. محمد بن حسين بن محمد بن حسين القماط الزبيدي، الشافعي. جمال الدين. 10/ 32. محمد بن الحسين بن محمد الحنائي الدمشقي أبو طاهر. 6/ 47. محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي بن الفراء أبو يعلى. 5/ 252. محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان أبو الحسين. 5/ 79. ابن العميد، محمد بن الحسين بن محمد الكاتب أبو الفضل. 4/ 312. محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري المعروف ب: ابن الطفال أبو الحسن. 5/ 206. محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم البسطامي أبو عمر. 5/ 51. محمد بن الحسين بن أبي المكارم القزويني مجد الدين أبو المجد. 7/ 179. محمد بن الحسين بن المكرم البغدادي أبو بكر. 4/ 48. محمد بن الحسين بن موسى السلمي النيسابوري أبو عبد الرحمن. 5/ 67. محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي البغدادي أبو الحسن الشريف الرضي. 5/ 43. محمد بن الحسين بن الهيثم المقومي القزويني أبو منصور. 5/ 360.

_ [1] تنبيه: تحرفت اللفظة في الكتاب إلى «ابن درم ونصف» والصواب ما أثبته هنا فليصحح وفي «درّ الحبب» : «ابن الدريهم» .

محمد الحصني، شمس الدين. 10/ 295. محمد الحكري. 8/ 477. محمد الحلبي المصري شهاب الدين. 10/ 295. محمد بن حماد الطهراني الرازي الحافظ. 3/ 303. محمد بن حماد بن محمد بن جوخان البغدادي أبو بكر. 7/ 79. محمد بن حمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأنصاري الأرتاحي المصري أبو محمد. 7/ 11. محمد بن حمدان الصالحي، الدمشقي الحنفي، عزّ الدين. 10/ 329. محمد بن حمدون بن خالد النيسابوري أبو بكر. 4/ 101. محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد المروزي أبو نصر. 4/ 165. محمد بن حمزة بن أحمد الحسيني الدمشقي الشافعي، الشهير بأبيه كمال الدين. 10/ 271. محمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي الدمشقي الشروطي المعدل أبو عبد الله. 6/ 440. محمد بن حمزة بن محمد بن محمد الرومي بن الفنري. 9/ 304. محمد الحموي النحوي شمس الدين، المعروف بابن العيّار. 9/ 270. محمد بن حمويه الجويني أبو عبد الله. 6/ 156. محمد بن حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد أبو المعمر الحسيني الزيدي الكوفي. 6/ 515. محمد بن حميد البصري المعمري أبو سفيان. 2/ 366. محمد بن حميد الحوراني أبو الطيب. 4/ 224. محمد بن حميد [1] الرازي الحافظ أبو عبد الله. 3/ 223. محمد بن حميد الطوسي. 3/ 65. محمد بن حمير السليمي. 2/ 476. محمد الحنبلي المعروف بابن المصري. 9/ 119. محمد الحنفي الرومي، محيي الدين. 10/ 429. محمد بن حيان بن محمد بن يوسف الغرناطي ثم المصري. 9/ 93. محمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة الكرخي أبو بكر. 4/ 396. محمد بن خاص بك السبكي. 9/ 154. محمد بن خالد بن إبراهيم الحراني أبو القاسم. 8/ 83. محمد بن خالد بن موسى الحمصي/ المعروف بابن زهرة. 9/ 283. محمد بن خذاداذ بن سلامة بن خذاداذ العراقي المأموني المباردي الحداد بن أبي محمد أبو بكر ويعرف بنقاش المبارد. 6/ 271. محمد بن خريم أبو بكر العقيلي. 4/ 79. محمد بن الخضر بن أبي المهزول المعروف بالسّابق. 6/ 192.

_ [1] تحرفت «حميد» في الكتاب إلى «حميد» والصواب ما أثبته هنا.

محمد بن خفيف الشيرازي أبو عبد الله. 4/ 386. محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن وكيع القاضي الأخباري أبو بكر. 4/ 33. محمد بن خلف بن راجح بن زريق المقدسي ثم الدمشقي الإمام أبو عبد الله. 7/ 145. محمد بن خلف بن سعيد بن المرابط الأندلسي أبو عبد الله. 5/ 365. محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي ثم الدمشقي أبو عبد الله. 8/ 374. محمد بن خلف بن المرزبان البغدادي الأخباري أبو بكر. 4/ 49. محمد بن خليل بن أبي بكر الحلبي الأصل الغزّي القدسي. 9/ 386. محمد بن خليل بن الحاج علي بن أحمد بن ناصر الدين محمد بن قنبر العجمي الحلبي شمس الدين. 10/ 316. محمد بن خليل الحوراني ثم الدمشقي المعروف بالأكّال. 7/ 509. محمد بن خليل الطرابلسي الشافعي شمس الدين. 10/ 121. محمد بن خليل بن علي بن عيسى الصّمادي الدمشقي، القادري، شمس الدّين. 10/ 393- 394. محمد بن خليل بن فارس القيسي الدمشقي أبو العشائر. 6/ 254. محمد بن خليل القلعي الدمشقي الشافعي، شمس الدين أبو اللطف. 10/ 458. محمد بن خليل بن قيصر القبيباتي الحنبلي الصوفي. 10/ 555. محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري، المعروف بابن المنصفي. 9/ 58. محمد بن خليل بن محمد العرضي الغزي. 9/ 160. محمد بن خليل بن هلال الحاضري الحلبي. 9/ 244. محمد بن خليل، المولى. 10/ 221. محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الإشبيلي أبو بكر. 6/ 416. محمد بن الدانشمند صاحب ملطية. 6/ 188. محمد بن دانيال. 8/ 50. محمد بن داود بن إلياس البعلي شمس الدين أبو عبد الله. 7/ 635. محمد بن داود البازلي الكردي الحموي الشافعي، شمس الدّين. 10/ 190. محمد بن داود السلجوقي التركي ابن السلطان ألب أرسلان أبو الفتح الملقب ب: السلطان ملكشاه جلال الدولة. 5/ 366. محمد بن داود بن سليمان النيسابوري أبو بكر. 4/ 231. محمد بن داود بن علي الظاهري الفقيه أبو بكر. 3/ 412. محمد بن داود الكاتب أبو عبد الله. 3/ 410. محمد بن داود النسيمي، المنزلاوي. 10/ 17. محمد الداودي المصري، الشافعي المالكي، شمس الدين. 10/ 375. محمد بن دغيم الجارحي القاهري الصوفي أبو السعود. 10/ 231.

محمد الدّمنهوري المصري المالكي، شمس الدين. 10/ 388. محمد الدّواخلي، شمس الدين. 10/ 330. محمد بن رافع القشيري مولاهم النيسابوري الحافظ أبو عبد الله. 3/ 209. محمد بن رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السّلامي، تقي الدين أبو المعالي. 8/ 403. محمد بن رجب البهنسي الحنفي شمس الدين. 10/ 394. محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الأسود المنيني أبو بكر. 5/ 125. محمد بن رستم الكردي الحنبلي جاكير. 6/ 499. محمد بن رضي الدين الغزي، قوام الدين أبو الخير، 10/ 36. محمد بن رمح التجيبي مولاهم المصري الحافظ أبو عبد الله. 3/ 193. محمد بن رمضان، شمس الدين الدمشقي. 10/ 164. محمد الرومي، المولى، محيي الدين الشهير بابن المعمار الحنفي. 10/ 285. محمد الزاهد البخاري الخواجا. 9/ 229. محمد بن زبان بن حبيب المصري أبو بكر. 4/ 84. محمد بن زرعة المصري. 10/ 96. محمد بن زريق الحنبلي الدمشقي الصالحي، تقي الدّين، أبو بكر. 10/ 112. محمد بن زكريا بن الحسين النسفي أبو بكر. 4/ 238. محمد بن زكريا الرازي. 4/ 58. محمد بن زكريا الغلابي الأخباري أبو جعفر. 3/ 380. محمد بن زنبور المكي أبو صالح. 3/ 226. محمد بن زنجويه القشيري النيسابوري. 4/ 13. محمد بن زهير النسائي أبو بكر. 5/ 92. محمد الزهيري الحنفي نجم الدين. 10/ 285. محمد بن زياد بن الأعرابي أبو عبد الله. 3/ 141. محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخباز الكراني أبو عبد الله. 6/ 541. محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان البغدادي أبو عبد الله. 4/ 411. أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي. 8/ 103. محمد بن الزيني، الدمشقي الصالحي الحنفي. 10/ 261. محم بن سابق البغدادي. 3/ 61. محمد بن أبي الساج أمير أذربيجان. 6/ 366. محمد بن سالم الطبلاوي الشافعي ناصر الدين. 10/ 506. محمد بن سالم بن عبد الرحمن بن عبد الجليل- المفتي الحنبلي الدمشقي ثم المصري شمس الدين. 8/ 438. محمد بن سالم بن أبي المواهب التغلبي الدمشقي المعروف بالرئيس عماد الدين. 7/ 580.

محمد بن سالم بن نصر الله بن واصل الحموي أبو عبد الله. 7/ 766. محمد بن سام الغوري شهاب الدين. 7/ 14. محمد بن السائب الكلبي الكوفي أبو النضر. 2/ 211. محمد بن سحلول الحديثي البقاعي الشافعي. 10/ 322. محمد بن سحنون المغربي المالكي. 3/ 283. محمد السّروي، شمس الدين، المشهور بابن الحمائل. 10/ 259. محمد بن السري بن السراج البغدادي أبو بكر. 4/ 79. محمد بن أبي السري العسقلاني. 3/ 175. محمد بن سعد الحافظ أبو عبد الله، كاتب الواقدي. 3/ 139. محمد بن سعد بن سعيد العسال أبو البركات. 6/ 43. محمد بن سعد بن عبد الله الأنصاري المقدسي الأصل ثم الدمشقي، شمس الدين. 7/ 433. محمد بن سعد بن أبي وقاص. 1/ 336. محمد بن سعد الله بن عبد الأحد الحراني ثم الدمشقي أبو عبد الله. 8/ 111. محمد بن سعد بن محمد المقدسي المعروف بابن الديري. 9/ 264. محمد بن سعد الدين بن محمد بن نجم الدين محمد البغدادي. 9/ 155. محمد بن سعد الدين ملك الحبشة. 9/ 312. محمد بن سعدون بن مرجّى الميورقي العبدري أبو عامر. 6/ 116. محمد بن أبي السعود بن إبراهيم بن ظهيرة المكي الشافعي صلاح الدين. 10/ 203. محمد بن أبي السعود، المولى. 10/ 533. محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي ابن نبهان أبو علي. 6/ 51. محمد بن سعيد بن حماد الدلاصي المولد المغربي الأصل البوصيري المنشأ شرف الدّين. 7/ 753. محمد بن سعيد بن سابق الرازي. 3/ 78. محمد بن سعيد، المعروف بابن سعيد محيي الدين. 10/ 284. محمد بن سعيد القشيري الحراني أبو علي. 4/ 187. محمد بن سعيد بن كبن اليمني جمال الدين قاضي عدن. 9/ 357. محمد بن سعيد المرسي المرادي أبو عبد الله. 7/ 39. محمد بن سعيد بن محمد الطائي بن خطيب الناصرية. 9/ 93. محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي النيسابوري ثم الكازروني نسيم الدين أبو عبد الله. 9/ 23. محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي. 7/ 391. محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي أبو عبد الله المعروف بابن الدبيثي. 7/ 324. محمد بن سفيان القيرواني أبو عبد الله. 5/ 80. محمد بن سلام البيكندي الحافظ. 3/ 117. محمد بن سلّام الجمحي البصري الأخباري الحافظ أبو عبد الله. 3/ 142.

محمد بن سلامة التوزري المغربي الكركي أبو عبد الله. 8/ 624. محمد بن سلامة بن جعفر بن علي حكمون المصري القضاعي أبو عبد الله. 5/ 230. محمد بن سلامة الهمذاني الشافعي، العارف بالله. 10/ 79. محمد بن سلطان بن حيّوس الغنوي الدمشقي أبو المكارم. 5/ 284. محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس أبو الفتيان. 5/ 313. محمد بن سلمة الحرّاني الفقيه. 2/ 421. محمد بن سلمان بن عبد الله بن الحراني الشافعي الحموي. 9/ 93. محمد بن سليم الراسبي أبو هلال. 2/ 300. محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي. 9/ 58. محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم الاسكندراني. 8/ 84. محمد بن سليمان الأسدي البغدادي ثم المصّيصي أبو جعفر (لوين) . 3/ 215. محمد بن سليمان ابن قتلمش السمرقندي. 8/ 164. محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي أبو بكر. 3/ 346. محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي جمال الدين أبو عبد الله. 7/ 773. محمد بن سليمان بن حمايل بن علي المقدسي شمس الدين أبو عبد الله المعروف بابن غانم. 7/ 788. محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي. 8/ 168. محمد بن سليمان الدمشقي الربعي البندار أبو بكر. 4/ 399. محمد بن سليمان بن ذكوان البعلبكي المؤدب أبو طاهر. 4/ 317. محمد بن سليمان بن سومر الزواوي. 8/ 82. محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي البرعمي المعروف بالكافيجي 9/ 488. محمد بن سليمان الصرخدي أبو عبد الله. محمد بن سليمان الصرخدي أبو عبد الله. 8/ 556. محمد بن سليمان العجلي الصعلوكي النيسابوري أبو سهل. 4/ 374. محمد بن سليمان بن علي، ابن عم المنصور أمير البصرة. 2/ 334. محمد بن سليمان بن علي الكاتب شمس الدين 7/ 708. محمد بن سليمان بن فارس الدلّال النيسابوري أبو أحمد. 4/ 62. محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدمشقي أبو عبد الله الملقب بالشمس الصقلي. 7/ 526. محمد بن سليمان بن معالي الحلبي بدر الدين ابن المغربي. 7/ 766. محمد بن سماعة الفقيه القاضي أبو عبد الله. 3/ 154. محمد السّمديسي، الحنفي شمس الدين. 10/ 266.

محمد بن سنان العوفي البصري أبو بكر. 3/ 106. محمد بن سنان القزاز البصري أبو الحسن. 3/ 303. محمد بن سنجر الجرجاني الحافظ أبو عبد الله. 3/ 259. محمد بن سهل السراج الشاذياخي أبو نصر. 5/ 355. محمد بن سواء السدوسي البصري أبو الخطاب. 2/ 398. محمد بن سوار بن إسرائيل بن خضر بن إسرائيل الدمشقي نجم الدين. 7/ 626. محمد بن سوار الدمشقي العاتكي الشافعي. 10/ 498. محمد بن سويدان الحلبي الصوفي. 10/ 501. محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفار المعمر أبو المحاسن ويعرف بابن أبي لقمة. 7/ 193. محمد بن سيرين أبو بكر. 2/ 52. محمد بن سيف الحلبي القسطنطيني الشافعي، شمس الدين. 10/ 478. محمد بن شادل النيسابوري أبو العباس. 4/ 58. محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الكتبي الداراني ثم الدمشقي. 8/ 346. محمد الشامي، شمس الدين. 10/ 353. محمد شاه بن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه. 6/ 287. محمد بن شاهنشاه بن بهرام شاه بن فروخ شاه. 7/ 741. محمد بن شجاع بن الثلجي. 3/ 284. محمد بن شريح الرّعيني الإشبيلي أبو عبد الله. 5/ 330. محمد بن شريف بن يوسف بن الوحيد الزرعي. 8/ 51. محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى الضيروطي المصري الشافعي، المشهور بابن عروس. 10/ 398. محمد بن شعيب بن شابور الدمشقي. 2/ 472. محمد بن شفليش الحلبي. 9/ 326. محمد بن الشهاب محمود. 8/ 141. محمد الشبراوي. 9/ 160. محمد، المعروف بشيخي جلبي أحد موالي الروم. 10/ 410. محمد بن صافي البغدادي النقّاش أبو المعالي. 6/ 564. محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني. 8/ 498. محمد بن صالح بن بيهس الكلابي. 3/ 49. محمد بن صالح بن خلف الجهني المصري أبو عبد الله. 7/ 767. محمد بن صالح بن ذريح العكبري المحدث أبو جعفر. 4/ 36. محمد بن صالح بن عبد الرحمن الأنماطي كيلجة. 3/ 303. محمد بن صالح بن علي الهاشمي العباسي العيسوي الكوفي أبو الحسن الملقب ب: ابن أم شيبان. 4/ 375.

محمد بن صالح الكيلاني الشافعي أبو الفتح. 10/ 464. محمد بن الصباح البغدادي البزّاز المزني مولاهم الدولابي أبو جعفر. 3/ 127. محمد بن الصبّاح البغدادي البزاز المزني مولاهم الدولابي أبو جعفر. 3/ 127. محمد بن صبيح بن السماك الكوفي أبو العباس. 2/ 376. محمد بن صدقة المجذوب الصالحي، الدمياطي الأصل. 9/ 413. محمد بن الصّديق الحنفي اليمنى الزّبيدي، جمال الدين. 10/ 643. محمد بن الصّديق الصائغ جمال الدين. 10/ 120. محمد بن الصفري القدسي الشافعي، شمس الدين. 10/ 614. محمد بن صلاح بن جلال الملتوي الأنصاري السعدي العبادي الشافعي منلا مصلح الدين اللاري. 10/ 510. محمد بن الصّلت الثوري ثم البصري الحافظ أبو يعلى. 3/ 132. محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي أبو العباس. 3/ 420. محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي أبو الفضل. 6/ 30. محمد بن طاهر الهندي، ملك المحدّثين جمال الدين. 10/ 601. محمد الطبلنّي، شمس الدين. 10/ 538. محمد بن طرخان بن أبي الحسن السلمي الدمشقي الصالحي تقي الدين. 7/ 325. محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التركي ثم البغدادي أبو بكر. 6/ 67. محمد ططر السلطان الصالح. 9/ 297. محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني أبو بكر الإخشيذ. 4/ 188. محمد بن طغريل الصيرفي. 8/ 203. محمد بن الطلحة الشافعي العجلوني البسامي، شمس الدين. 10/ 342. محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي التّيمي (السجاد) . 1/ 206. محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النّصيبي كمال الدين أبو سالم. 7/ 447. محمد بن طلحة بن مصرّف البامي الكوفي. 2/ 300. محمد الطيب بن إسماعيل مبارز اليمني جمال الدين. 10/ 103. محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكي الأصولي أبو بكر المعروف بابن الباقلاني. 5/ 20- 21. محمد الظني الشافعي، شمس الدين. 10/ 368. محمد بن ظهيرة الشافعي محيي الدين، قاضي القضاة. 10/ 343. محمد بن عائذ الدمشقي الكاتب الحافظ أبو عبد الله. 3/ 154. محمد بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب ناصر الدين أبو المعالي. 7/ 301. محمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني العابد أبو جعفر. 3/ 274.

محمد بن عامر بن أبي بكر الصالحي أبو عبد الله. 7/ 679. محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللخمي الأندلسي أبو القاسم المعروف ب: المعتمد على الله. 5/ 383. محمد بن عباس بن أحمد الربعي الدنيسري عماد الدين أبو عبد الله. 7/ 695. محمد بن العباس بن أحمد ابن الفرات البغدادي أبو الحسن. 4/ 443. محمد بن العباس بن أيوب ابن الأخرم الأصبهاني أبو جعفر. 4/ 6. محمد بن العباس الخوارزمي أبو بكر، ويقال له: الطبرخي. 4/ 434. محمد بن العباس الدرفس أبو عبد الرحمن الدمشقي الغساني. 4/ 20. محمد بن العباس بن محمد بن أبي ذهل العصمي الضبي الهروي أبو عبد الله. 4/ 414. محمد بن العباس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزاز ابن حيّويه أبو عمر. 4/ 432. محمد بن العباس بن نجيح البغدادي البزار أبو بكر. 4/ 241. محمد بن العباس بن وصيف الغزّي أبو بكر. 4/ 391. محمد بن عبد الأول التبريزي المولى. 10/ 435. محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري التبريزي الشافعي الحنفي، شمس الدين، المعروف بشصلي أمير. 10/ 490. محمد بن عبد ان الدمشقي شمس الدين، ابن اللبودي. 7/ 169. محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان ابن البطّي البغدادي أبو الفتح. 6/ 354. محمد بن عبد الباقي الدّوري السمسار الصالح أبو عبد الله. 6/ 67. محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري البغدادي البزّاز أبو بكر. 6/ 177. محمد بن عبد الباقي بن هبة الله بن حسين بن شريف المجمعي الموصلي أبو المحاسن. 6/ 398. محمد بن عبد البرّ بن محمد ابن الشحنة المصري الحنفي، محب الدين. 10/ 415. محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الشافعي بهاء الدين أبو البقاء. 8/ 437. محمد بن عبد الجبّار السمعاني المروزي، أبو منصور. 5/ 219. محمد بن عبد الجبّار الفرساني الأصبهاني أبو العلاء. 5/ 413. محمد بن عبد الجليل بن محمد المعروف بابن الزرخوني المصري، محب الدين. 10/ 498. محمد بن عبد الجليل المقدسي جمال الدين المعروف بالموقاني. 7/ 550. محمد بن عبد الحق بن إسماعيل السبتي المالكي. 9/ 317. محمد بن عبد الحق بن عيسى الخضري أبو عبد الله. 8/ 261.

محمد بن عبد الحميد السمرقندي أبو الفتح. 6/ 348. محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي الملقب بابن الشيرازي. 8/ 573. محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المهلبي. 8/ 101. محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأموي الإسكندراني شرف الدين أبو عبد الله. 7/ 703. محمد بن عبد الخالق بن مزهر الأنصاري الدمشقي أبو عبد الله. 7/ 727. محمد بن عبد الدائم بن عيسى بن فارس البرماوي. 9/ 286. محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة الشاذلي. 8/ 598. محمد بن عبد الرحمن بن أسعد ابن زرارة الأنصاري. 2/ 99. محمد بن عبد الرحمن الأسقع باعلوى اليمني الشافعي. 10/ 121. محمد بن عبد الرحمن البنجديهي الخراساني، التاج المسعودي. 6/ 461. محمد بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد الرعيني الأندلسي الطرابلسي المالكي أبو عبد الله، ويعرف كسلفه بالحطاب. 10/ 408. محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي الأمير أبو عبد الله. 3/ 309. محمد [بن عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله الفاسي] [1] محب الدين أبو عبد الله. محمد بن عبد الرحمن الدّغولي أبو العباس. 4/ 136. محمد بن عبد الرحمن بن سامة بن كوكب الطائي السوادي الحكمي. 8/ 33. محمد بن عبد الرحمن بن سهل الأصبهاني أبو عبيد الله، الغزال الزّعفراني. 4/ 337. محمد بن عبد الرحمن الصّفوري الصالحي، الشافعي، قطب الدين. 10/ 464. محمد بن عبد الرحمن الصهيوني الشافعي، شمس الدين. 10/ 399. محمد بن عبد الرحمن الطفاوي البصري. 2/ 397. محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي الذهبي أبو طاهر المخلّص. 4/ 500. محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله القطان الطائي الداراني أبو بكر المعروف أيضا بابن الخلال. 5/ 84. محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي أبو الحسين. 5/ 200. محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي. 10/ 490. محمد بن عبد الرحمن بن علي، شمس الدين. 10/ 17. محمد بن عبد الرحمن ابن قريعة البغدادي أبو بكر. 4/ 360. محمد بن عبد الرحمن الكفرسوسي الشافعي،

_ [1] ما بين الحاصرتين تكملة من ترجمة أخيه في الكتاب.

أبو عبد الله شمس الدين. 10/ 261. محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى الأنصاري الفقيه أبو عبد الرحمن. 2/ 222. محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي الأصل القاهري المولد، الشافعيّ، شمس الدين، أبو الخير. 10/ 23. محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحضرمي أبو عبد الله. 6/ 488. محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني المروزي أبو الفتح. 6/ 248. محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكنجرودي النيسابوري أبو سعد. 5/ 227. محمد بن عبد الرحمن ابن محيصن، ومنهم من يسميه عمر. 2/ 98. محمد بن عبد الرحمن المخزومي مولاهم المكي أبو عمرو الملقب ب (قنبل) . 3/ 385. محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث ابن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي العامري المدني أبو الحارث. 2/ 265. محمد بن عبد الرحمن الهروي السّامي الحافظ أبو أحمد ويقال: أبو عبد الله. 4/ 7. محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التميمي أبو عبد الله. 7/ 754. محمد بن عبد الرحمن السيوفي. 8/ 189. محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان البرشسي. 9/ 117. محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي بن الصائغ الحنفي النحوي شمس الدين. 8/ 427. محمد بن عبد الرحمن بن أبي عبد الله الذهبي الكفر بطناوي. 9/ 59. محمد بن عبد الرحمن بن علي التفهني. 9/ 386. محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي دلف العجلي القزويني ثم الدمشقي. 8/ 216. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي ابن الطبري. 9/ 139. محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحنبلي المعروف بابن زريق. 9/ 59. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي الرشيد. 8/ 574. محمد بن عبد الرحمن بن محمد العمري العليمي، المقدسي. 9/ 469. محمد بن عبد الرحمن بن محمد السلمي الدمشقي بدر الدين المعروف بابن الفويرة. 7/ 606. محمد بن عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله الفاسي الحسني المكي. 9/ 244. محمد بن عبد الرحمن بن محيصن. عمر بن عبد الرحمن بن محيصن. 2/ 98. محمد بن عبد الرحمن بن ملهم القرشي الدمشقي. 7/ 731. محمد بن عبد الرحمن بن نوح الدمشقي المعروف بابن المقدسي. 7/ 717. محمد بن عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي شمس الدين. 7/ 788. محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الحلبي المعروف بابن سحلول. 9/ 146.

محمد بن عبد الرحيم الأنصاري الخزرجي الغرناطي أبو عبد الله المعروف بابن الفرس. 6/ 370. محمد بن عبد الرحيم بن أحمد المنهاجي المعروف بسبط ابن اللبان. 9/ 316. محمد بن عبد الرحيم البغدادي الحافظ البزّاز ولقبه صاعقة أبو يحيى. 3/ 247. محمد بن عبد الرحيم ابن صدقة، المصري أبو الفتح. 10/ 165. محمد بن عبد الرحيم بن عباس القرشي أبو الفتح. 8/ 98. محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد السعدي المقدسي أبو عبد الله. 7/ 709. محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن الحنفي المعروف بابن الفرات المصري. 9/ 107. محمد بن عبد الرحيم بن عمر الباجربقي. 8/ 116. محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي ثم الهندي أبو عبد الله. 8/ 68. محمد بن عبد الرحيم ابن المميز البعلي الشافعي، شمس الدين. 10/ 316. محمد بن عبد الرزاق الرسعني شمس الدين أبو الفضائل. 7/ 716. محمد بن عبد السلام ابن سعدان الدمشقي أبو عبد الله. 5/ 192. محمد بن عبد السلام الشريف الأنصاري البزّاز أبو الفضل. 5/ 421. محمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله بن أبي سعد ابن أبي عصرون التميمي تاج الدين. 7/ 754. محمد بن عبد السلام الناشري، اليمني، الشافعي، جمال الدين. 10/ 47. محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي المصري أبو عبد الله. 8/ 104. محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة السلمي المعروف بفتح الدين. 7/ 491. محمد بن عبد العزيز الخياط البغدادي أبو ياسر. 5/ 411. محمد بن عبد العزيز بن سعادة الشاطبي أبو عبد الله. 7/ 110. محمد بن عبد العزيز السوسي ثم البصري أبو عبد الله. 6/ 204. محمد بن عبد العزيز بن عبد الله النّيلي أبو عبد الرحمن. 5/ 171. محمد بن عبد العزيز بن عبد القادر الجيلي. 8/ 217. محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله شمس الدين أبو عبد الله المعروف بالدمياطي. 7/ 741. محمد بن عبد العزيز بن علي الدّينوري ثم البغدادي أبو بكر. 6/ 229. محمد بن عبد العزيز [1] بن عمر بن محمد بن فهد جار الله جار الله بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكّي الشافعي. 10/ 432. محمد بن عبد العزيز بن محمد الفارسي ثم الهروي أبو عبد الله. 5/ 311.

_ [1] في الكتاب «جار الله بن عبد العزيز ... » وما أثبته هنا من مصادر ترجمته.

محمد بن عبد العزيز، المشتهر بمعيدزاده. 10/ 587. محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي أبو بكر المعروف بابن نقطة. 7/ 234. محمد بن عبد العظيم بن علي بن السقطي أبو بكر. 8/ 30. محمد بن عبد الغفار بن محمد العلماوي الكردري. 7/ 376. محمد بن عبد الغني، الشهير بابن تقي المالكي المصري، زين الدين. 10/ 69. محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، ويلقب بالعزّ. 7/ 104. محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي زين الدين ابن الحرستاني المعروف بالنحوي. 7/ 789. محمد بن عبد القادر، أحد موالي الرومية. 10/ 491. محمد بن عبد القادر بن أبي بكر. ابن الشّحّام العمري، الحلبي. 10/ 368. محمد بن عبد القادر بن جبريل الغزي. 10/ 221. محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الدمشقي عز الدين أبو المفاخر المعروف بابن الصائغ. 7/ 669. محمد بن عبد القادر بن عثمان الجعفري النابلسي المعروف بالجنة. 8/ 596. محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي. 8/ 545. محمد بن عبد القادر محمد الجعفري النابلسي شمس الدين أبو عبد الله. 9/ 499. محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي المرداوي الصالحي شمس الدين أبو عبد الله. 7/ 789. محمد بن عبد القوي بن محمد بن عبد القوي البجائي ثم المكي. 9/ 402. محمد بن عبد الكافي المصري، الدمياطي شمس الدين. 10/ 63. محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني ابن الأنباري، المعروف ب: سديد الدولة. 6/ 308. محمد بن عبد الكريم بن أحمد الرازي المعروف ب: ابن الوزان عماد الدين. 6/ 548. محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني الأفضل أبو الفتح. 6/ 246. محمد بن عبد الكريم ابن خشيش البغدادي أبو سعد. 6/ 9. محمد بن عبد الكريم، الملقب بزلف نكار الحنفي الرومي القسطنطيني، المولى. 10/ 639. محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المنذري المصري أبو السعود. 7/ 790. محمد بن عبد الكريم بن أبي القاسم عبد الصمد بن الحرستاني الأنصاري الخزرجي محيي الدين أبو حامد. 7/ 663. محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي السيدي أبو جعفر. 7/ 412. محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن قاسم بن العجمي الحلبي. 8/ 404. محمد بن عبد الكريم بن يحيى القيسي الدمشقي

أبو الفضل، المعروف بابن الهادي محتسب دمشق رشيد الدين. 7/ 326. محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف الحاسب. 8/ 484. محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدين الإسكندراني المتيجي. 7/ 517. محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزّاز الشافعي أبو بكر. 4/ 286. محمد بن عبد الله بن إبراهيم ابن عبدة التميمي النيسابوري السّليطي أبو الحسن. 4/ 342. محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن ريذة الأصبهاني أبو بكر. 5/ 182. محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الأصبحي. 8/ 521. محمد بن عبد الله بن أحمد الأرغياني أبو نصر. 6/ 147. محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفّار أبو عبد الله. 4/ 208. محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الرّزجاهي أبو عمرو. 5/ 126. محمد بن عبد الله بن أحمد ذخيرة الدين ولي عهد القائم بأمر الله. 5/ 204. محمد بن عبد الله بن أحمد الرباطي أبو بكر. 5/ 101. محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة الرّبعي الدمشقي أبو سليمان المعروف بابن زبر. 4/ 419. محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله الصالحي المقدسي أبو بكر المعروف بالصامت. 8/ 529. محمد بن عبد الله بن أحمد السوادي الأصل الدمشقي الحنبلي شمس الدين المعروف بقاضي اللّب. 8/ 410. محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري ثم الصلتي. 8/ 503. محمد بن عبد الله الإربلي بدر الدين. 8/ 411. محمد بن عبد الله الأرزكياني. 8/ 490. محمد بن عبد الله الأنصاري بن المثنى أبو عبد الله. 3/ 71. محمد بن عبد الله بن برزة الرّوذراوري أبو جعفر. 4/ 323. محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي. 9/ 146. محمد بن عبد الله ابن تومرت المصمودي البربري. 6/ 117. محمد بن عبد الله الجركسي الظاهري أخو الملك قايتباي. 10/ 12. محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله ابن الجنيد الرازي، ثم الدمشقي أبو الحسين. 4/ 249. محمد بن عبد الله الحجيني، الملقب بالقطعة. 9/ 181. محمد بن عبد الله بن الحسن البصري أبو الحسين، المعروف ب: ابن اللّبان الفرضي. 5/ 14. محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي القاسم ابن صدقة أبو المكارم، شرف الدين. 7/ 317. محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي أبو الحسين، ابن أخي ميمي الدقاق. 4/ 483.

محمد بن عبد الله بن الحسين السّامري أبو عبد الله نصير الدين. ويعرف بابن سنينه. 7/ 126. محمد بن عبد الله بن الحسين البرمكي الهروي الإشكيذاباني، أبو عبد الله ويقال: أبو الفتح. 6/ 497. محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي الجعفي أبو عبد الله، المعروف بالهرواني. 5/ 14. محمد بن عبد الله بن الحسين النّاصحي النيسابوري أبو بكر. 5/ 360. محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدقاق أبو بكر. 4/ 391. محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد البلاطنسي الدمشقي. 9/ 445. محمد بن عبد الله بن خليل القيسي اللبلي أبو عبد الله. 6/ 393. محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد بن يوسف المرداوي. 8/ 498. محمد بن عبد الله بن دينار النيسابوري أبو عبد الله. 4/ 206. محمد بن عبد الله الزبيري الأسدي الكوفي أبو أحمد. 3/ 15. محمد بن عبد الله بن زكريا ابن حيّويه النيسابوري ثم المصري. 4/ 355. محمد بن عبد الله بن أخي الزّهري المدني. 2/ 259. محمد بن عبد الله بن أبي السعادات الدبّاس أبو عبد الله. 7/ 418. محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصّوفي الملقب بالشيرازي، أبو الفتح الهروي. 6/ 254. محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي لسان الدين. 8/ 422. محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي الحافظ أبو جعفر الملقب ب (مطيّن) . 3/ 412. محمد بن عبد الله بن شوعان الزبيدي. 9/ 229. محمد بن عبد الله الشيباني الكوفي أبو الفضل. 4/ 469. محمد بن عبد الله الصفوي الهندي ثم الدمشقي الشافعي. 8/ 427. محمد بن عبد الله الصنعاني النقوي أبو عبد الله. 4/ 383. محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي أبو بكر. 4/ 168. محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي. 3/ 241. محمد بن عبد الله الطرابلسي الحلبي. 8/ 452. محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي المكي. 9/ 185. محمد بن عبد الله بن عابد المعافري أبو عبد الله. 5/ 179. محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني المعافري أبو عامر المنصور الحاجب. 4/ 499. محمد بن عبد الله بن العباس المعدّل الحراني، أبو عبد الله. 6/ 316.

محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري الإمام أبو عبد الله. 3/ 291. محمد بن عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الدمشقي. 9/ 327. محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزرعي ثم الدمشقي المعروف: بابن قاضي عجلون. 9/ 480. محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ابن سعية ابن أبي زرعة الزّهري مولاهم المصري أبو عبيد الله ابن البرقي. 3/ 228. محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر المصري المعروف بالصاحب فتح الدين. 7/ 731. محمد بن عبد الله بن عبد العزيز ابن شاذان الصّوفي الرازي أبو بكر. 4/ 406. محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النميري الوادياشي أبو عامر. 8/ 223. محمد بن عبد الله بن عبد القادر الواسطي السكاكيني. 9/ 332. محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي الصردفي الريمي. 8/ 555. محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني جمال الدين أبو عبد الله العلامة حجّة العرب. 7/ 590. محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن باكويه الشيرازي الصوفي أبو عبد الله. 5/ 144. محمد بن عبد الله بن عثمان [1] بن شكر البعلي. 9/ 59. محمد بن عبد الله بن عمر بن أبي القاسم البغدادي أبو عبد الله. 8/ 29. محمد بن عبد الله بن علي بن خليل العاتكي الدمشقي الشافعي بهاء الدين. 10/ 272. محمد بن عبد الله بن علي الشنشوري المصري، الشافعي. 10/ 578. محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ أبو جعفر. 3/ 193. محمد بن عبد الله بن عمر بن مكي بن عبد الصمد العثماني أبو عبد الله المعروف بابن المرحل. 8/ 208. محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي، المعروف بابن المكي. 9/ 255. محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي، ابن علم الصفّار، أبو بكر. 4/ 259. محمد بن عبد الله بن عيسى المريّ الأندلسي الإلبيري أبو عبد الله، المعروف ب: ابن أبي زمنين. 4/ 521. محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفر الموصلي ابو الفضل المعروف ب: ابن الشهرزوري، كمال الدين. 6/ 403. محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي ابن الأبار أبو عبد الله. 7/ 510. محمد بن عبد الله الكازروني المدني. 9/ 360. محمد بن عبد الله الكركي. 8/ 411. محمد بن عبد الله ابن كناسة الأسدي النحوي الأخباري الكوفي. 3/ 36.

_ [1] تنبيه: ورد اسمه في (9/ 59) : «محمد بن عبد الله بن عثمان» وفي (9/ 60) ترجمة أخرى له باسم «محمد بن عثمان بن عبد الله» وقد ورد في مصادر أخرى بالرسمين أيضا لذا فهرست له في الموضعين.

محمد بن عبد الله بن مالك بن مكنون بن نجم العجلوني الدمشقي أبو عبد الله. 8/ 385. محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي ثم البغدادي البيع أبو منصور، ويعرف بابن عفيجة. 7/ 206. محمد بن عبد الله بن المبارك المخرّمي الحافظ أبو جعفر. 3/ 243. محمد بن عبد الله المتبولي، المشهور بابن الرزاز. 9/ 453. محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المصري المرشدي. 8/ 203. محمد بن عبد الله المجد الإربلي ثم الدمشقي. 8/ 207. محمد بن عبد الله بن محمد بن القيسي الدمشقي. الشهير بابن ناصر الدين صاحب «توضيح المشتبه» . 9/ 354. محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي أبو بكر ابن العربي. 6/ 232. محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي أبو علي إمام بغداد. 6/ 247. محمد بن عبد الله بن محمد بن بصير الأودني أبو بكر. 4/ 456. محمد بن عبد الله بن محمد البلخي الهندواني أبو جعفر. 4/ 328. محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي شمس الدين المعروف بابن النن. 7/ 635. محمد بن عبد الله بن محمد التميمي أبو بكر الأبهري. 4/ 402. محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني المجلد أبو بكر. 6/ 67. محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن البيع الضبي الطهماني النيسابوري. 5/ 33. محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن البيع الضبي الطهماني الحاكم النيسابوري أبو عبد الله. 5/ 33. محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه بن سيّار الهروي أبو الفضل. 4/ 391. محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري أبو عبد الله. 8/ 384. محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي الشيباني أبو بكر. 4/ 474. محمد بن عبد الله بن محمد الزكي الغزي. 9/ 506. محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عباس الخليفة المهدي. 2/ 305. محمد بن عبد الله بن محمد بن قدامة أبو عبد الله. 8/ 371. محمد بن عبد الله بن محمد بن عطية الدمياطي الأصل الدمشقي. 8/ 512. محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المغربي ثم المدني المالكي. 8/ 545. محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السّلمي الأندلسي المرسي شرف الدين أبو عبد الله. 7/ 465. محمد بن عبد الله بن محمد بن لب بن الصائغ الأموي المري محب الدين أبو عبد الله. 8/ 281. محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق ابن الصائغ الدمشقي أبو الغيث. 8/ 393.

محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد الموصلي الأشعري، الشافعي، أبو الوفا. 10/ 140. محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز المرداوي أبو عبد الله. 8/ 522. محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج. 9/ 427. محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي أبو الحسن المعروف بابن سكّرة. 4/ 455. محمد بن عبد الله، محيي الدين، الحنفي الشهير بمحمد بيك. 10/ 407. محمد بن عبد الله ابن المستورد أبو بكر البغدادي. أبو سيّار. 3/ 274. محمد بن عبد الله المصري النحوي بهاء الدين. 10/ 628. محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي. 8/ 32. محمد بن عبد الله بن نشابة الحرضي ثم العريشي. 9/ 34. محمد بن عبد الله ابن نمير الهمذاني الكوفي أبو عبد الرحمن. 3/ 159. محمد بن عبد الله الهاروني الفقيه المالكي أبو جابر. 8/ 426. محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن أبي القاسم علي ابن المسلمة أبو الفرج. 6/ 407. محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي، أبو بكر ابن الجد. 6/ 470. محمد بن عبد الله بن يحيى بن الوكيل الخبّاز الدبّاس الكرخي أبو البركات. 5/ 422. محمد بن عبد الله بن يوسف بن هشام. 8/ 616. محمد بن عبد الله اليونيني. 7/ 439. محمد بن عبد اللطيف [الخجندي المهلّبي الأزدي ثم الأصفهاني] الشافعي أبو بكر (الحفيد) . 6/ 271. محمد بن عبد اللطيف بن محمد المهلبي الأزدي ثم الأصفهاني الخجندي أبو بكر الملقب ب: صدر الدين «الجد» . 6/ 270. محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزرندي. 8/ 624. محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الربعي بن الكويك. 8/ 539. محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري السبكي أبو الفتح. 8/ 245. محمد بن عبد الماجد العجيمي. 9/ 229. محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي أبو عبد الله. 8/ 153. محمد بن عبد الملك الأمير الكبير شمس الدّين، ابن المقدّم. 6/ 454. محمد بن عبد الملك بن إسماعيل بن عبد الملك بن إسماعيل بن علي الأصبهاني. 6/ 523. محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي أبو عبد الله. 4/ 172. محمد بن عبد الملك بن بونة العبدري المالقي المعروف بابن البيطار. 6/ 496

محمد بن عبد الملك بن الحسن بن محمد بن خيرون البغدادي أبو المنصور. 6/ 204. محمد بن عبد الملك بن زنجويه الحافظ البغدادي الغزّال أبو بكر. 3/ 259. محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي الإشبيلي أبو بكر. 6/ 523. محمد بن عبد الملك بن الزيات أبو جعفر. 3/ 154. محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري أبو عبد الله. 3/ 203. محمد بن عبد الملك بن ضيفون اللخمي القرطبي الحداد أبو عبد الله. 4/ 501. محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر بن أسد البغدادي الأسدي أبو سعد. 6/ 7. محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني شرف الدين الأرزوني. 7/ 755. محمد بن عبد الملك الفارقي أبو عبد الله. 6/ 354. محمد بن عبد الملك الماراني المصري كمال الدين أبو حامد المعروف بابن درباس. 7/ 518. محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي أبو بكر. 5/ 207. محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي أبو الحسن. 6/ 165. محمد بن عبد الملك بن مروان الدقيقي الواسطي أبو جعفر. 3/ 285. محمد بن عبد الملك بن أبي مروان بن عبد الله بن محمد بن محمد المرجاني التونسي الأصل الإسكندراني أبو عبد الله. 8/ 469. محمد بن عبد المنعم بن شهاب المؤدب المصري أبو عبد الله. 8/ 25. محمد بن عبد المنعم بن عمار بن هامل بن موهوب الحراني شمس الدين أبو عبد الله. 7/ 583. محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطائي الدمشقي ابن القواس شرف الدين. 7/ 663. محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري ابن الخيمي شهاب الدين. 7/ 686. محمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد الجوجري ثم القاهري. 9/ 522. محمد بن عبد المنعم المنفلوطي المعروف بابن المعين. 8/ 231. محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري الصالحي. أبو عبد الله. 7/ 728. محمد بن عبد نسيم العيشوني. 6/ 411. محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي أبو عبد الله. 7/ 510. محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي العباسي المتوكلي أبو الكرم المعروف بابن شفنين. 7/ 361. محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي المقدسي ضياء الدين أبو عبد الله. 7/ 387.

محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الصائغ أبو سعد. 6/ 447. محمد بن عبد الواحد البصري صريع الدلاء، قتيل الغواشي. 5/ 67. محمد بن عبد الواحد الدقاق الأصبهاني أبو عبد الله. 6/ 86. محمد بن عبد الواحد بن رزمة البغدادي البزاز أبو الحسين. 5/ 167. محمد بن عبد الواحد بن زوج الحرة أبو الحسن. 5/ 190. محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني أبو عبد الله. 7/ 271. محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي ثم الاسكندري، المعروف بابن الهمام. 9/ 437. محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الأخنائي. 9/ 283. محمد بن عبد الواحد المديني المصري أبو مطيع. 5/ 418. محمد بن عبد الواحد المطرز البغدادي أبو عمر. 4/ 241. محمد بن عبدوس واسم عبدوس: عبد الجبار بن كامل السراج. 3/ 395. محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي تقي الدين 7/ 671. محمد بن عبد الولي بن أبي محمد بن خولان البعلي أبو عبد الله. 8/ 8. محمد بن عبد الوهاب الأبار الدمشقي العاتكي الشافعي التبريزي. 10/ 561. محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحباب التميمي. 7/ 790. محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي المعدل الصدر فخر الدين أبو بكر. 7/ 220. محمد بن عبد الوهاب البصري الجبائي أبو علي. 4/ 18. محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم الشهير بعبد الكريم زاده الحنفي. 10/ 555. محمد بن عبد الوهاب العبدي الفراء النيسابوري أبو أحمد. 3/ 306. محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنباري. 9/ 290. محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني شمس الدين أبو عبد الله. 7/ 607. محمد بن عبد الوهاب النيسابوري الثقفي أبو علي. 4/ 150. محمد بن عبد الوهاب بن يوسف الأفقهسي المصري أبو عبد الله. 8/ 231. محمد بن عبدو الشيخ الصالح الزاهد المعمّر الخاتوني الأردبيلي، الحنفي. 10/ 409. محمد بن عبدويه. 6/ 125. محمد بن عبيد اليشكالسي. 9/ 159. محمد بن عبيد بن حساب الغبري. 3/ 174. محمد بن عبيد الضرير. 10/ 214. محمد بن عبيد الطنافسي الأحدب الكوفي الحافظ. 3/ 29. محمد بن أبي عبيد المقرئ الشافعي شمس الدين. 10/ 85. محمد بن عبيد الله بن أحمد الحراني

المسبحي، عزّ الملك، الأمير المختار. 5/ 101. محمد بن عبيد الله البلعمي الوزير أبو الفضل. 4/ 165. محمد بن عبيد الله بن الشخير الصيرفي البغدادي أبو بكر. 4/ 415. محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجى التنوخي أبو المعالي. 8/ 7. محمد بن عبيد الله بن التعاويذي أبو الفتح. 6/ 462. محمد بن عبيد الله بن سلامة بن الرطبي الكرخي أبو عبد الله. 6/ 265. محمد بن عبيد الله الصرام النيسابوري أبو الفضل 5/ 345. محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي أبو عبد الرحمن. 3/ 132. محمد بن عبيد الله بن عمروس البغدادي أبو الفضل. 5/ 224. محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي أبو ياسر. 5/ 413. محمد بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني أبو بكر. 6/ 272. محمد بن عبيد الله بن يزيد بن المنادي أبو جعفر. 3/ 306. محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي الملاحي الأندلسي «أبو القاسم» الغرناطي. 7/ 153. محمد بن عتاب الجذامي مولاهم المالكي أبو عبد الله. 5/ 261. محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي المعروف بابن الدعيم، شمس الدين. 10/ 40. محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي شمس الدين المعروف بابن السلعوس. 7/ 741. محمد بن عثمان التنوخي الكفرسوسي أبو الجماهر. 3/ 112. محمد بن عثمان الثقفي القاضي أبو زرعة. 4/ 13. محمد بن عثمان الجزيري. 9/ 521. محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدمشقي بن الحريري. 8/ 153. محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرقي ثم الصالحي المؤذن. 8/ 484. محمد بن عثمان بن زيرك القومساني أبو الفضل. 5/ 310. محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي الحافظ أبو جعفر. 3/ 413. محمد بن عثمان بن الصفي البصروي. 8/ 111. محمد بن عثمان بن عبد الله [1] بن شكر البعلي، ثم الدمشقي الحنبلي النبحالي. 9/ 60. محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الباقي بن العكبري البغدادي الظفري أبو عبد الله. 6/ 557. محمد بن عثمان بن علي شرف الدين المعروف بالرومي. 7/ 679.

_ [1] تنبيه: مختلف في اسمه فقيل: «محمد بن عثمان بن عبد الله» وقيل: «محمد بن عبد الله بن عثمان» مما أوهم المؤلف فترجم له بالصيغتين في سنة واحدة، والذي ترجح عندي بأن الصواب: «محمد بن عثمان بن عبد الله» والله أعلم وانظر «السحب الوابلة» ص (396) .

محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الأنصاري الدمشقي الكناني. 8/ 101. محمد بن عثمان بن منكورس، ملك صهيون. 7/ 585. محمد بن عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي. 8/ 404. محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي ثم المصري أبو عبد الله. 8/ 117. محمد بن عجلان المدني. 2/ 222. محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي. 8/ 105. محمد أبو العرب. 4/ 183. محمد بن عرب المصري الشافعي محب الدين أبو الفضل. 10/ 84. محمد بن عربشاه بن أبي بكر بن أبي ناصر الهمذاني ثم الدمشقي ناصر الدين أبو عبد الله. 7/ 627. محمد بن عرعرة بن البرند الشامي البصري. 3/ 61. محمد بن عزّ، الشيخ الصالح المجذوب. 10/ 243. محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري البزاز. 8/ 30. محمد بن عزيز الأيلي. 3/ 288. محمد بن عسال الدمشقي بدر الدين. 9/ 34. محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي. 4/ 80. محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي ثم المصري أبو عبد الله. 8/ 159. محمد بن عقيل بن كروس جمال الدين الصدر الرئيس. 7/ 369. محمد بن أبي العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النّصيبي أبو عبد الله. 7/ 755. محمد بن علاء الدين بن يوسف بن علي البصروي، الدمشقي، الشافعي جلال الدين. 10/ 379. محمد بن العلاء الهمداني الحافظ أبو كريب. 3/ 226. محمد العلائي الحنفي المصري بدر الدين. 10/ 353. محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم أبو الفضائل وأبو المعالي. 8/ 291. محمد بن علي بن إبراهيم بن مصعب التاجر الأصبهاني أبو بكر. 5/ 124. محمد بن علي بن أحمد الأدفوي المصري أبو بكر. 4/ 475. محمد بن علي بن أحمد الحريري الدمشقي شمس الدين، الشهير بابن فستق. 10/ 308. محمد بن علي بن أحمد الخولاني يعرف بابن الفخار وبالإلبيري أبو عبد الله. 8/ 300. محمد بن علي بن أحمد الزراتيتي المقرئ إمام الظاهرية البرقوقية. 9/ 249. محمد بن علي بن أحمد بن سالم الجناحي شمس الدين. 10/ 291. محمد بن علي [1] بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم النويري. 9/ 291. محمد بن علي بن أحمد بن الغزي الحلبي المقرئ/ المعروف بابن الركاب. 9/ 255.

_ [1] تنبيه: ويدعى (الخضر بن علي) أيضا.

محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي شمس الدين المعروف بابن الواسطي. 7/ 790. محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي المعروف بابن اليونانية. 8/ 566. محمد بن علي بن أحمد الواسطي المحتسب الكتاني أبو طالب. 6/ 439. محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب الواسطي أبو العلاء. 5/ 155. محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشي القفال الكبير. 4/ 345. محمد بن علي الأصبهاني أبو جعفر. 6/ 308. محمد بن علي، إمام الزيدية. 10/ 70. محمد بن علي البارنباري المصري. 8/ 82. محمد بن علي البغدادي أبو عبد الله. 3/ 379. محمد بن علي البغدادي أبو الفضل مؤيد الدين المعروف بابن القصاب. 6/ 508. محمد بن علي البغدادي الكاتب أبو بكر، الوزير الماذرائي. 4/ 242. محمد بن علي بن بقاء بن السباك البغدادي أبو البقاء. 7/ 448. محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد الحلبي الدمشقي، ويعرف بابن المزلق. 9/ 383. محمد بن علي بن جعفر البلالي. 9/ 215. محمد بن علي بن جعفر الكتاني أبو بكر. 4/ 117. محمد بن علي الجمّالي الحنفي. 10/ 448. محمد بن علي بن حامد الشاشي أبو بكر. 5/ 365. محمد بن علي بن حبيش البغدادي أبو الحسين. 4/ 307. محمد بن علي الحريري الحلبي الحنفي المعروف بابن السيوفي، شمس الدين. 10/ 285. محمد بن علي بن حسن الدقاق بن أبي عثمان أبو الغنائم. 5/ 355. محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكوفي العلوي أبو عبد الله. 5/ 198. محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله الأنفي. 8/ 503. محمد بن علي بن الحسن القرشي العثماني أبو المعالي. 6/ 354. محمد بن علي بن الحسن المصري أبو بكر. 4/ 376. محمد بن أبي علي بن الحسن المصري أبو بكر. 4/ 376. محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الهمذاني أبو جعفر. 6/ 160. محمد بن علي بن حسن بن مقلة أبو علي. 4/ 144. محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي الدمشقي بن الموازيني أبو جعفر. 8/ 34. محمد بن علي بن الحسين بن القيم الخزاز الحريمي أبو بكر. 5/ 348. محمد بن علي الحشيبري، جمال الدين. 10/ 652. محمد بن علي الحكري المصري. 9/ 325. محمد بن علي بن حمزة بن القبيطي الحراني ثم البغدادي أبو الفرج. 7/ 71.

محمد بن علي بن خالد، المعروف بابن البيطار. 9/ 249. محمد بن علي بن خلف بن الصيرفي أبو غالب المعروف بالوزير فخر الملك. 5/ 48. محمد بن علي بن خليل العاتكي الدمشقي الشافعي، الشهير بابن سالم، بهاء الدين. 10/ 277. محمد بن علي بن الدجاجي البغدادي أبو الغنائم. 5/ 266. محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي أبو جعفر. 4/ 272. محمد بن علي الدمشقي ثم القوصي، ويعرف: بابن الفالاتي. 9/ 461. محمد بن علي ابن الدّهن الحلبي الشافعي شمس الدين. 10/ 191. محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني أبو بكر. 6/ 156. محمد بن علي الرضا بن موسى الحسيني الشريف أبو جعفر. 3/ 97. محمد بن علي بن زيد الصائغ محدث مكة. 3/ 385. محمد بن علي بن سالم الشبشيري القاهري الشافعي، ولي الدين. 10/ 614. محمد بن علي بن سالم الفرغاني. 8/ 592. محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي أبو المعالي وأبو عبد الله المعروف بابن إمام المشهد. 8/ 294. محمد بن علي بن سهل الماسرجسي النيسابوري أبو الحسن. 4/ 443. محمد بن علي بن شعيب البغدادي فخر الدين ابن الدهان. 6/ 496. محمد بن علي الشلمغاني. 4/ 112. محمد بن علي الصابوني بن محمود بن أحمد بن علي المحمودي أبو حامد المنعوت بالجمال. 7/ 580. محمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدباس. 5/ 389. محمد بن علي بن صدقة بن جلب أبو البركات الصائع. 6/ 193. محمد بن علي بن صلاح الحريري. 8/ 599. محمد بن علي الصّمودي المالكي، شمس الدين. 10/ 103. محمد بن علي بن الضياء المصري الخانكي. 9/ 521. محمد بن علي بن أبي طالب التاجر التكريتي المعروف بالوجيه ابن سويد. 7/ 580. محمد بن علي بن طالب بن محمد بن زببيا الخرقي البزار أبو الفضل. 6/ 51. محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي بن الحنفية. 1/ 330. محمد بن علي بن الطيب البصري أبو الحسين. 5/ 172. محمد بن علي الطّيب اليمني، الحنفي جمال الدين. 10/ 51. محمد بن علي بن عبد الرحمن، الشهير بابن عراق الدمشقي، شمس الدين، أبو علي. 10/ 273. محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن التقي سليمان المقدسي. 9/ 415.

محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري. 8/ 131. محمد بن علي بن عبد الله بن رحيم الساحلي الصوري أبو عبد الله. 5/ 185. محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي أبو عبد الله والد المنصور والسفاح. 2/ 106. محمد بن علي بن عبد الله بن ياسر الأنصاري الأندلسي الجياني أبو بكر. 6/ 348. محمد بن علي بن عبد الله اليمني شمس الدين أبو القاسم. 8/ 428. محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري أبو المعالي. 8/ 140. محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم المغربي الأصل المصري أبو أمامة المعروف بابن النقاش. 8/ 338. محمد بن علي بن عبيد بن الدنف البغدادي أبو بكر. 6/ 77. محمد بن علي العسكري أبو بكر الشهير بمبرمان النحوي. 4/ 142. محمد بن علي بن عطاء الدمشقي أمين الدين. 9/ 23. محمد بن علي بن عطية الحارثي العجمي ثم المكي أبو طالب. 4/ 460. محمد بن علي بن عطية الحموي الشافعي، شمس الدين. 10/ 436. محمد بن علي بن علوي خرد باعولي. 10/ 471. محمد بن علي بن عمر بن خالد بن الخشاب المصري. 8/ 530. محمد بن علي بن عمر بن علي بن جنغل، الحلبي المالكي. 10/ 416. محمد بن علي بن عمر المالكي المازري أبو عبد الله. 6/ 186. محمد بن علي بن عمر النيسابوري أبو علي. 4/ 201. محمد بن علي بن عمرو بن مهدي النقاش الأصبهاني الحنبلي أبو سعيد. 5/ 75. محمد بن علي بن فارس الواسطي الهذلي أبو الغنائم بن المعلم الملقب نجم الدين. 6/ 507. محمد بن علي بن أبي الفتح بن أسعد بن المنجى الحنبلي. 8/ 301. محمد بن علي بن الفتح الحربي الصالحي العشاري أبو طالب. 5/ 223. محمد بن علي الفناري الحنفي، شمس الدين، المولى. 10/ 437. محمد بن علي بن القاسم بن أبي العز بن الوراق الموصلي أبو عبد الله. 8/ 139. محمد بن علي القاهري الشافعي كمال الدين، الشهير بالطويل. 10/ 307. محمد بن علي بن القلوجي الدمشقي الشافعي، شمس الدين. 10/ 421. محمد بن علي الكراجكي، أبو الفتح. 5/ 214. محمد بن علي الكردي الهذباني حسام الدين أبو علي. 7/ 512. محمد بن علي بن المبارك بن الجلاجلي كمال الدين أبو الفتوح. 7/ 97.

محمد بن علي المازني. 8/ 105. محمد بن علي، المحلي المصري، الشافعي، المعروف بابن قرينة. 10/ 222. محمد بن علي بن محمد السودي، الشهير بعبد الهادي اليمني الشافعي شمس الدين، أبو عبد الله. 10/ 262. محمد بن علي بن محمد البصري أبو الحسن. 5/ 192. محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر العبدري الشّيبي الشافعي قاضي مكة. 9/ 325. محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي محيي الدين أبو بكر. 7/ 332. محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي. 8/ 453. محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة الحراني أبو عبد الله. 6/ 463. محمد بن علي بن محمد الخشاب النيسابوري أبو سعيد. 5/ 243. محمد بن علي بن محمد الدامغاني أبو عبد الله. 5/ 343. محمد بن علي بن محمد بن صالح السلمي الدمشقي أبو عبد الله المعروف ب: المطرّز. 5/ 243. محمد بن علي بن محمد، الشهير بابن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي. 10/ 428. محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن البكري الصديقي. الشافعي الأشعري المصري. شمس الدين. 10/ 632. محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن محمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق العباسي الخطيب أبو الحسين المعروف ب: ابن الغريق. 5/ 281. محمد بن علي بن محمد بن عقيل بن محمد بن الحسن بن علي البالسي ثم المصري. 9/ 73. محمد بن علي بن محمد بن العلّاف البغدادي أبو طاهر. 5/ 190. محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن عبد الكافي البكري بن سكر، الحنفي المصري، شمس الدين أبو عبد الله. 9/ 23. محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن البالسي الدمشقي أبو المعالي. 8/ 51. محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى، المعروف بابن القطان. 9/ 155. محمد بن علي بن محمد بن قاسم القاهري، المعروف بابن المرخم. 9/ 521. محمد بن علي بن محمد بن كرم السلامي المعدل أبو العشائر المعروف بابن التلولي. 7/ 80. محمد بن علي بن محمد البدرشي. 9/ 378. محمد بن علي بن محمد بن محمد بن حسين القرشي، المعروف بابن ظهيرة. 9/ 503. محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الواسطي المغازلي الجلابي أبو عبد الله. 6/ 215.

محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم بن حامد بن عشائر الحلبي. 8/ 530. محمد بن علي بن محمد السلمي المعروف بابن خطيب زرع. 9/ 140. محمد بن علي بن محمد المشهدي بن القطان. 9/ 207. محمد بن علي بن محمد (مهربزد) أبو مسلم الأصبهاني. 5/ 254. محمد بن علي بن محمد بن موسى الخياط الحنبلي أبو بكر. 5/ 289. محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان. 8/ 484. محمد بن علي بن محمد بن نصير الدمشقي ثم القاهري. 9/ 434. محمد بن علي بن محمد النيسابوري الخبازي أبو عبد الله. 5/ 214. محمد بن علي بن محمد الهروي العميري أبو عبد الله. 5/ 394. محمد بن علي بن محمد بن أسباسلار البعلي الحنبلي بدر الدين. 8/ 439. محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي. 9/ 390. محمد بن علي بن محمود بن الصابوني الجمال أبو حامد. 7/ 643. محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الداركي الأصبهاني. 4/ 36. محمد بن علي بن مسعود الطرابلسي المعروف بابن الملاح. 8/ 353. محمد بن علي المصري أبو عبد الله. 8/ 249. محمد بن علي بن المظفر بن القاسم الدمشقي البشتي أبو بكر. 7/ 581. محمد بن علي بن معبد القدسي المعروف بالمدني. 9/ 207. محمد بن علي بن مكي بن ورخز البغدادي أبو عبد الله. 7/ 181. محمد بن علي بن منصور الحلبي ثم الدمشقي ابن قوالح بدر الدين. 8/ 445. محمد بن علي بن منصور بن ناصر الدمشقي 8/ 504. محمد بن علي بن موسى الدمشقي المعروف بابن قديدار. 9/ 317. محمد بن علي بن ميمون الكوفي أبو الغنائم المعروف ب: أبي النرسي. 6/ 47. محمد بن علي بن نجم الكيلاني التاجر. 9/ 221. محمد بن علي بن نصر بن البل الدوري مهذب الدين أبو المظفر. 7/ 88. محمد بن علي بن النعيل، الغزي الشافعي، نجم الدين. 10/ 386. محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب أبو الفتح. 6/ 256. محمد بن علي المعروف بابن هلال الشافعي النحوي العرضي الحلبي شمس الدين. 10/ 277. محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي أبو الفتح. 8/ 11. محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني. 5/ 204.

محمد بن علي بن يعقوب الشافعي النابلسي الأصل نزيل حلب. 9/ 24. محمد بن علي بن يوسف الأنصاري رضي الدين الشاطبي المعروف بالرضي. 7/ 679. محمد بن علي بن يوسف بالي الفناري الإسلامبولي الحنفي. 10/ 232. محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزريدي. 8/ 485. محمد بن علي بن يوسف الذروي الأصل/ المعروف بالمرجاني. 9/ 264. محمد بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر المعروف بالملك المنصور قطب الدين. 7/ 125. محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحراني. 7/ 271. محمد بن عمار بن محمد المالكي. 9/ 368. محمد بن عمار المهري أبو بكر. 5/ 334. محمد بن عمر بن إبراهيم بن العجمي الحلبي الشافعي شمس الدين. 9/ 34. محمد بن عمر بن إبراهيم بن أبي جرادة العقيلي- نزيل القاهرة ابن العديم. 9/ 207. محمد بن عمر بن إبراهيم بن هبة الله البارزي الحموي. 9/ 147. محمد بن عمر بن أحمد بن خشير. 8/ 90. محمد بن عمر بن أحمد بن سلم التميمي البغدادي الجعابي أبو بكر. 4/ 288. محمد بن عمر بن أحمد العقيلي الحلبي الفرضي أبو غانم جمال الدين المعروف بابن العديم. 7/ 746. محمد بن عمر بن أحمد المديني أبو موسى. 6/ 448. محمد بن عمر بن أحمد/ المعروف بالشاب التائب. 9/ 288. محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي، أبو مخرمة، جمال الدين. 10/ 417. محمد بن عمر البحيري، زيد الدين. 10/ 222. محمد بن عمر البقاعي الشافعي المذوخي شمس الدين. 10/ 458. محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام البالسي. 8/ 89. محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن علي الشرابيشي. 9/ 338. محمد بن عمر بن بكير النجار البغدادي أبو بكر. 5/ 158. محمد بن عمر التبريزي الشافعي. 8/ 199. محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب جمال الدين. 8/ 439. محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني أبو عبد الله المشهور بالإمام فخر الدين الرازي. 7/ 40. محمد بن عمر بن حفص الجورجيري. 4/ 172. محمد بن عمر الحموي الأصل، المعروف بالتفتازاني. 9/ 230. محمد بن عمر الدورسي. 9/ 552 و 10/ 17. محمد بن عمر بن رسلان بن نصير الكناني

المصري البلقيني أبو اليمن. 8/ 546. محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم بن القوطية الأندلسي الإشبيلي الأصل القرطبي المولد أبو بكر. 4/ 362. محمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني أبو عبد الله. 7/ 164. محمد بن عمر بن عبد الله بن محمد بن عازي الدنجاوي. 9/ 374. محمد بن عمر بن عبد الملك الدينوري جمال الدين أبو البركات. 7/ 687. محمد بن عمر بن عبد المحمود بن رباطر الحراني أبو عبد الله. 8/ 91. محمد بن عمر العجلوني شرف الدّين أبو بكر المعروف بابن خطيب سرمين. 9/ 22. محمد بن عمر بن علي الجويني أبو الحسن. 7/ 137. محمد بن عمر بن علي بن الحسيني القزويني ثم البغدادي، محب الدّين. 8/ 411. محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الوراق أبو بكر. 4/ 508. محمد بن عمر بن علي السّحولي. 9/ 108. محمد بن عمر بن علي بن الطنبذي، المعروف بابن عرب. 9/ 378. محمد بن عمر العوادي التّغري جمال الدّين. 9/ 181. محمد بن عمر الكردي الشاطبي المقرئ. 7/ 224. محمد بن عمر بن لبابة القرطبي أبو عبد الله. 4/ 71. محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله الحميري، الحضرمي، الشهير ببحرق الشافعي، جمال الدّين. 10/ 244. محمد بن عمر بن محمد النّصيبي الحلبي الشافعي. 10/ 108. محمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري أبو عبد الله. 8/ 102. محمد بن عمر بن محمد بن سليمان بن جعفر القرشي المخزومي الإسكندراني. 9/ 262. محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن قاضي شهبة الدمشقي الأسدي. 8/ 476. محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشيرازي الملقب طقطق. 8/ 485. محمد بن عمر المقرئ القرطبي أبو عبد الله. 7/ 254. محمد بن عمر المقرئ ويعرف بالزين الكردي. 7/ 224. محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد بن عطية بن أحمد بن عطية أبو عبد الله المعروف بابن المرحل. 8/ 74. محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني الواقدي قاضي بغداد أبو عبد الله. 3/ 37. محمد بن عمر بن ولي الله الشيخ شهاب الدين السفيري الحلبي الشافعي شمس الدين. 10/ 448. محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني الزيدي الكوفي أبو الحسن. 4/ 483. محمد بن عمر بن يوسف الأرموي أبو الفضل. 6/ 239.

محمد بن عمر بن يوسف القرطبي بن الفخار أبو عبد الله. 5/ 97. محمد بن أبي عمران المرندي أبو الخير. 5/ 310. محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبيد الله المرزباني أبو عبيد الله. 4/ 444. محمد بن عمرو بن البختري الرزاز أبو جعفر. 4/ 209. محمد بن عمرو بن حزم. 1/ 284. محمد بن عمر بن عطاء العامري المدني. 2/ 61. محمد بن عمرو العقيلي أبو جعفر. 4/ 117. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني. 2/ 208. محمد بن العميد السمرقندي أبو حامد ركن الدين. 7/ 116. محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري، ناصر الدين. 8/ 415. محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحافظ أبو جعفر. 3/ 306. محمد بن عوف المزني الدمشقي أبو الحسن. 5/ 155. محمد بن عيسى بن أحمد بن عبيد الله أبو عمرو القزويني الشهير ب: البتلهي. 4/ 224. محمد بن عيسى بن الحسن التّميمي العلاف. 4/ 237. محمد بن عيسى بن حسين بن كر [1] أبو عبد الله. 8/ 339. محمد بن عيسى بن حيان المدائني. 3/ 311. محمد بن عيسى الدمشقي، الحنفي. شمس الدين. 10/ 84. محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي الإمام أبو عيسى صاحب «السنن» . 3/ 327. محمد بن عيسى بن الطباع الحافظ أبو جعفر. 3/ 112. محمد بن عيسى بن عبد الله السكسكي المصري. 8/ 325. محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي النيسابوري أبو أحمد. 4/ 370. محمد بن عيسى بن فرج التجيبي المغامي الطليطلي أبو عبد الله. 5/ 365. محمد بن عيسى اللخمي الأندلسي أبو بكر المعروف ب: ابن اللبانة. 6/ 33. محمد بن عيسى بن مهنا. 8/ 118. محمد بن عيسى اليافعي الفقيه الشافعي قاضي عدن. 8/ 411. محمد بن غازي بن صلاح الدين ويعرف بالملك العزيز غياث الدين. 7/ 294. محمد بن غازي بن العادل المعروف بالملك الكامل ناصر الدين. 7/ 510. محمد بن غسان بن غافل بن نجاد الحمصي ثم الدمشقي. 7/ 272. محمد بن أبي غالب بن أحمد بن أحمد بن مرزوق بن أحمد الضرير الباقداري أبو بكر. 6/ 417. محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني وجيه الدين ويعرف ب: شعرانة. 7/ 272.

_ [1] تنبيه: في الكتاب «ابن كثير كر» وهو من أخطاء الطبع والصواب ما أثبته هنا.

محمد بن غالب الأندلسي أبو عبد الله المشهور ب: الأديب الرفاء. 6/ 402. محمد بن غالب بن حرب الضبي البصري الحافظ أبو جعفر الملقب ب (تمتام) . 3/ 346. محمد الفارضي القاهري الحنبلي شمس الدين. 10/ 576. محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي أبو عبد الله. 8/ 38. محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف بن مصال الهمداني الإسكندراني ابن عرق الموت أبو بكر. 7/ 527. محمد بن فتيان المقدسي الشافعي أبو الفتح. 10/ 501. محمد بن الفخر المصري المعروف بابن النيدي. 9/ 326. محمد بن الفرج الأزرق أبو بكر. 3/ 337. محمد بن فرج بن الطلاع أبو عبد الله. 5/ 418. محمد بن أبي الفرج بن أبي المعالي الموصلي ثم البغدادي أبو المعالي المعروف بالفخر الموصلي. 7/ 170. محمد الفروخي الكاتب أبو نصر. 6/ 301. محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي النيسابوري الفراوي أبو عبد الله. 6/ 157. محمد بن الفضل بن بختيار بن أبي نصر اليعقوبي ويعرف بالحجة شهاب الدين أبو عبد الله. 7/ 136. محمد بن الفضل البلخي أبو عبد الله. 4/ 93. محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين التغلبي أبو عبد الله المعروف ب: الدولعي. 7/ 305. محمد بن الفضل السدوسي البصري أبو النعمان ويعرف ب (عارم) . 3/ 113. محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري أبو طاهر. 4/ 469. محمد بن الفضل بن محمد الإسفراييني أبو الفتوح. 6/ 194. محمد بن الفضل بن نظيف المصري الفراء أبو عبد الله. 5/ 155. محمد بن فضيل بن غزوان الضبي الكوفي. 2/ 447. محمد بن فطيس بن واصل الغافقي الإلبيري أبو عبد الله. 4/ 95. محمد بن فليح بن سليمان المدني. 2/ 457. محمد بن فندو ملك بنجالة ويلقب بكاس. 9/ 326. محمد بن الفيض الغساني أبو الحسن. 4/ 74. محمد بن القاسم بن بشار النحوي اللغوي الشهير ب: ابن الأنباري أبو بكر. 4/ 152. محمد بن أبي القاسم بن جميل المالكي العونسي. 8/ 69. محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس الصفار النيسابوري أبو بكر. 5/ 293. محمد بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني أبو عبد الله المعروف بالفخر بن تيمية. 7/ 179.

محمد بن القاسم بن خلاد البصري الضرير اللغوي الأخباري أبو العيناء. 3/ 337. محمد بن قاسم الرومي الحنفي المولى. 10/ 341. محمد بن قاسم المالكي جلال الدين. 10/ 317. محمد بن القاسم المحاربي الكوفي أبو عبد الله. 4/ 138. محمد بن قاسم بن محمد بن سيار البياني القرطبي أبو عبد الله. 4/ 155. محمد بن أبي القاسم بن محمد أبو عبد الله المعروف بالضياء القزويني. 7/ 511. محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد الأموي البياني القرطبي أبو عبد الله 4/ 141. محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصقلي. 8/ 574. محمد بن قاسم المصري المالكي جلال الدين. 10/ 191. محمد بن القاسم بن معروف التميمي الدمشقي الأخباري أبو علي. 4/ 250. محمد بن قايتباي، الملك الناصر أبو السعادات. 10/ 33. محمد بن قايماز الطحان الدمشقي. 8/ 13. محمد القدسي الشافعي أبو الفتح. 10/ 308. محمد بن قراموز الرومي. 9/ 512. محمد القرماني، الحنفي، محيي الدين. 10/ 355. محمد بن قرموز الزرعي. 9/ 108. محمد بن قطب الدين الأزنيقي. 9/ 513. محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي. 8/ 233. محمد القهستاني، الحنفي، شمس الدين. 10/ 430. محمد الشهير، بابن قوطاس المولى، الرومي الحنفي. 10/ 295. محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التنوخي الدمشقي. 7/ 21. محمد بن كثير الصنعاني ثم المصيصي أبو يوسف. 3/ 78. محمد بن كثير العبدي البصري المحدث أبو عبد الله. 3/ 106. محمد بن كرام السجستاني الزاهد أبو عبد الله. 3/ 247. محمد بن كعب القرظي الكوفي. 2/ 46. محمد بن ليل الزعفراني التّونسي. 10/ 214. محمد بن المأمون بن البطائحي أبو عبد الله. 6/ 97. محمد بن المبارك بن الحسين بن إسماعيل البغدادي أبو البركات المعروف ب: ابن الحصري. 6/ 355. محمد بن المبارك بن الحسين أبو عبد الله بن أبي السعود الحلاوي الحربي. 6/ 471. محمد بن المبارك الصوري أبو عبد الله. 3/ 71. محمد بن المبارك بن عبد الرحمن الكندي الحربي أبو الرضا ويعرف بابن عصية. 7/ 226. محمد بن المبارك بن عثمان الحلبي الرومي الأصل. 8/ 625.

محمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد أبو الحسن المعروف بابن الخلّ. 6/ 272. محمد بن المبارك بن محمد بن مشّق البغدادي البيع أبو بكر. 7/ 34. محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار العنزي البصري أبو موسى. 3/ 239. محمد بن محبّب الدلال أبو همام. 3/ 100. محمد بن محرز ركن الدين وقيل: جمال الدين الوهراني أبو عبد الله. 6/ 417. محمد بن محفوظ بن محمد بن الحسن بن أحمد الكلواذي أبو جعفر. 6/ 169. محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشاطبي ابن سراقة محيي الدين أبو بكر. 7/ 538. محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الجزري أبو المعالي. 8/ 446. محمد بن محمد بن إبراهيم البلبيسي الإسكندراني الأصل. 8/ 453. محمد بن محمد بن إبراهيم بهاء الدين أبو عبد الله المعروف بابن خلكان. 7/ 670. محمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن كوجك الحموي، الحنفي، ثم الحنبلي، عرف بالكوكاجي نظام الدين. 10/ 459. محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمداني البغدادي البزاز أبو طالب. 5/ 182. محمد بن محمد بن أحمد بن الصفي ابن العطار الدمشقي الحنفي الحاسب، ناصر الدين. 8/ 405. محمد بن محمد بن أحمد الغزي رضي الدين أبو الفضل. 10/ 292. محمد بن محمد بن أحمد، الشهير بابن العجيمي المقدسي، الشافعي، الصّوفي، شمس الدين. 10/ 322. محمد بن محمد بن أحمد بن المحبّ عبد الله السعدي المقدسي. 9/ 270. محمد بن محمد بن أحمد الوائلي البكري أبو عبد الله المعروف بابن الشريشي. 8/ 374. محمد بن محمد بن أحمد العكبري الأخباري النديم أبو منصور. 5/ 311. محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني ثم الدمشقي. 7/ 557. محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحاكم النيسابوري الكرابيسي أبو أحمد. 4/ 415. محمد بن محمد بن أحمد بن الروزبهان البغدادي أبو الحسن. 5/ 92. محمد بن محمد بن أحمد بن طوق الطواويسي الكاتب بدر الدين. 9/ 24. محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله السعدي المقدسي. 9/ 270. محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الآدمي. 8/ 583. محمد بن محمد بن أحمد بن مالك الإسكافي أبو بكر. 4/ 276. محمد بن محمد بن أحمد بن محب الدين السعدي المقدسي المعروف بابن المحب. 8/ 522. محمد بن محمد بن أحمد بن محمود النابلسي. 9/ 82.

محمد بن محمد بن أحمد المناوي الجوهري، المعروف بابن الريفي شمس الدين. 9/ 343. محمد بن محمد بن أحمد المنهاجي. 9/ 388. محمد بن محمد بن أحمد بن المهتدي الهاشمي الخطيب أبو الغنائم. 6/ 92. محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي المرغياني. 8/ 574. محمد بن محمد بن إسماعيل الشيخ الإمام القيراطي، الدمشقي الشافعي، شمس الدين. 10/ 96. محمد بن أبي محمد الأقصرائي. 8/ 600. محمد بن محمد بن الياس، المعروف بجوي زاده الحنفي، محيي الدين. 10/ 640. محمد بن محمد الأيجي العجمي الشافعي الصالحي، شمس الدين، أبو النعمان. 10/ 598. محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضرير. 9/ 63. محمد بن محمد البقاعي الأصل الدمشقي الحنفي، عماد الدين. 10/ 603. محمد بن محمد بن بقية بن علي أبو الطاهر الوزير الملقب ب: نصير الدولة. 4/ 364. محمد بن محمد بن أبي بكر بن خالد بن إبراهيم السعدي المصري. 9/ 552. محمد بن محمد بن أبي بكر الشيخ، العلامة الموقت التّيزيني الدّمشقي، الحنفي، شمس الدين. 10/ 79. محمد بن محمد بن أبي بكر الصوفي زين الدين أبو الفتح. المعروف: بالأبيوردي. 7/ 565. محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدماميني ثم الاسكندراني. 9/ 60. محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف، المقدسيّ، الشافعيّ، الشهير بابن عوجان كمال الدين أبو المعالي. 10/ 43. محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المقّري أبو عبد الله. 8/ 332. محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الكوراني أبو عبد الله. 8/ 24. محمد بن محمد البروي الطوسي أبو حامد. 6/ 370. محمد بن محمد التمار البصري أبو جعفر. 3/ 375. محمد بن محمد التّونسي، الملقّب بمغشوش شمس الدين. 10/ 386. محمد بن محمد الجريدي القيرواني. 9/ 36. محمد بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني الخزاعي أبو الفضل. 5/ 51. محمد بن محمد بن الجليس المصري. 9/ 536. محمد بن محمد بن جهير الثعلبي أبو نصر المعروف ب: فخر الدولة. 5/ 355. محمد بن محمد الجوجري المصري الشافعي، أمين الدين. 10/ 84- 85.

محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني أبو عبد الله المشهور ب: العماد الكاتب ويعرف بابن أخي العزيز. 6/ 541. محمد بن محمد بن أبي حذيفة الدمشقي أبو علي. 4/ 180. محمد بن محمد بن أبي حرب بن النرسي أبو الحسن. 7/ 210. محمد بن محمد بن حسن البابيّ، الحلبي، الشهير كأبيه بابن البيلوني، شمس الدين، أبو البركات. 10/ 294. محمد بن محمد بن الحسن البغدادي أبو الفضل ويعرف بابن السبّاك. 7/ 317. محمد بن محمد بن حسن بن البيلوني الحلبي، شمس الدين أبو اليسر. 10/ 482. محمد بن محمد بن حسن الشافعي الدمشقي، شمس الدين، المعروف بابن الشيخ حسن. 10/ 467. محمد بن محمد بن حسن الطوسي نصير الدين أبو عبد الله. 7/ 591. محمد بن محمد بن الحسين البغدادي أبو الحسين المعروف ب: ابن الفراء. 6/ 130. محمد بن محمد بن حسين بن علي ابن ظهيرة المخزومي المكي قاضي مكة. 9/ 216. محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن الفراء. 6/ 135. محمد بن محمد بن حسين المخزومي البرقي. 9/ 234. محمد بن محمد بن حمدون السلمي النيسابوري أبو بكر. 5/ 235. محمد بن محمد الحنفي، محيي الدين، المعروف بابن قطب الدين. 10/ 459. محمد بن محمد بن خالد بن زهر الحمصي. 9/ 418. محمد بن محمد بن الخشاب الكاتب أبو الفتح. 6/ 206. محمد بن محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد الصّمادي الدمشقي القادري الشافعي، شمس الدين أبو مسلم. 10/ 638. محمد بن محمد بن داود البازلي. 10/ 175. محمد بن محمد بن داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي. 8/ 592 و 616. محمد بن محمد بن داود الصنهاجي أبو عبد الله. 8/ 112. محمد بن محمد الدّيري الأصل الحلبي الشافعي، المعروف بابن الخناجري ووالده بابن عجل شمس الدين. 10/ 339. محمد بن محمد بن رجاء بن السندي الإسفراييني أبو بكر. 3/ 361. محمد بن محمد بن رجب البهنسي الدمشقي الحنفي، شمس الدين وقيل نجم الدين. 10/ 602. محمد بن محمد بن رستم الإسعردي المعروف بنور الدين. 7/ 491. محمد بن محمد الرومي المصري الحنفي. 10/ 265. محمد بن محمد الزيتوني العوفي محب الدين. 10/ 265. محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني أبو المعالي المعروف ب السيد المرتضى، ذو

الشرفين. 5/ 348. محمد بن محمد بن سالم بن صاعد القرشي المقدسي المعروف ب: جمال الدين. 7/ 746. محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن ابن الأعمى أبو عبد الله. 8/ 583. محمد بن محمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلي أبو الحسين ويعرف ب: ابن زرقون. 7/ 169. محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصغاني. 8/ 463. محمد بن محمد بن سليمان بن الباغندي أبو بكر. 4/ 63. محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي ثم البغدادي الباغندي أبو بكر. 4/ 13. محمد بن محمد بن سليمان بن الخراط الحموي الموقع. 9/ 235. محمد بن محمد بن سمعان النيسابوري المذكر أبو منصور. 4/ 432. محمد بن محمد السّندي الطبيب، شهاب الدين. 10/ 628. محمد بن محمد السيلي شمس الدين. 9/ 490. محمد بن أبي محمد الشافعي. 8/ 428. محمد بن محمد الشربيني القاهري الشافعي. 10/ 561. محمد بن محمد الشويكي. 9/ 155. محمد بن محمد بن صابر البخاري أبو عمرو. 4/ 376. محمد بن محمد بن صالح بن البهارية الهاشمي أبو يعلى. 6/ 40. محمد بن محمد بن أبي الطاهر بن محمد بن بيان الأنباري ثم المصري الملقب ب: الأثير. 6/ 534. محمد بن محمد بن طرخان التركي الفارابي أبو نصر. 4/ 209. محمد بن محمد الطوسي الشافعي أبو النضر. 4/ 237. محمد بن محمد بن عبادة السعدي الأنصاري قاضي قضاة دمشق. 9/ 216. محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي. 7/ 664. محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن علي بن تمام السبكي الخزرجي. 9/ 61. محمد بن محمد بن عبد الحميد بن آدم الفزاري أبو علي. 4/ 303. محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهي الحنبلي المصري. 9/ 35. محمد بن محمد بن عبد الدائم البرماوي. 9/ 256. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسن المصري ويعرف بابن سويد شمس الدين. 10/ 135. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة الدجوي. 9/ 129. محمد بن محمد بن عبد الرحمن السامي أبو الفضل. 8/ 454.

محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هشام النحوي المصري الحنفي محيي الدين. 10/ 51. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي أبو الخطاب. 8/ 616. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني القاهري. 9/ 524. محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله الزّغبي. 10/ 565. محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي البعلبكي أبو ذر. 8/ 385. محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الربعي التونسي الخروبي أبو الفتح. 10/ 556. محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي الخطيب أبو علي. 6/ 77. محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله بن أبي نصر المعروف بابن البطائني. 8/ 311. محمد بن محمد بن عبد القادر أحد موالي الروم، المولى الحنفي، المعروف بابن معلول. 10/ 634. محمد بن محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصائغ الدمشقي أبو اليسر. 8/ 216. محمد بن محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي، المعروف، بابن قاضي نابلس. 9/ 522. محمد بن محمد بن عبد القادر الأنصاري الدمشقي أبو اليسر. 8/ 160. محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي بن النصيبي المعروف بالضياء. 7/ 762. محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي الشافعي نزيل دمشق شمس الدين. 8/ 406. محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد الصغير، الطبيب المشهور. 9/ 235. محمد بن محمد بن عبد الله الأزدري أبو منصور. 5/ 59. محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب الحنبلي. 8/ 490. محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة البغدادي أبو جعفر. 4/ 245. محمد بن محمد بن عبد الله السنجي المروزي أبو طاهر. 6/ 247. محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن قاضي عجلون، أبو اليمن. 10/ 441. محمد بن محمد بن عبد الله بن الفرفور الدمشقي الحنفي، بدر الدين. 10/ 202. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد التبريزي الأيجي الشيرازي الحسني الحسيني. 9/ 494. محمد بن محمد بن عبد الله بن الشهرزوري أبو حامد، محيي الدين. 6/ 471. محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن صورة الشافعي صلاح الدين. 8/ 439. محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي جمال الدين أبو عبد الله المعروف بالبدر. 7/ 696.

محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي أبو المكارم المعروف بابن العاقولي. 8/ 599. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري. 9/ 230. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود بلقب جار الله ويقال له الجار. 8/ 477. محمد بن محمد بن عبد الله بن مؤذن الزنجبيلية. 9/ 208. محمد بن محمد بن عبد الله بن النفاخ بن بدر الباهلي البغدادي أبو الحسن. 4/ 70. محمد بن محمد بن عبد اللطيف الربعي التكريتي أبو الطاهر. 9/ 222. محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود الربعي أبو الطيب، المعروف بابن الكويك. 9/ 108. محمد بن محمد بن عبد اللطيف أبي الفتح بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري السبكي أبو المعالي. 8/ 380. محمد بن محمد بن عبد الملك بن صالح إسماعيل بن العادل بن أيوب الدمشقي. 8/ 531. محمد بن محمد بن عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي الأصل، ثم المصري. 9/ 428. محمد بن محمد بن عبيد، نجم الدين. 10/ 467. محمد بن محمد بن عثمان البارزي. 9/ 235. محمد بن محمد بن عثمان بن أبي بكر الطبري. 8/ 463. محمد بن محمد بن عثمان السواق البغدادي البندار أبو منصور. 5/ 182. محمد بن محمد بن عثمان بن موسى الآمدي ثم المكي أبو عبد الله. 8/ 322. محمد بن محمد بن العربي الحاتمي الطائي، سعد الدين. 7/ 488. محمد بن محمد بن أبي العز الأذرعي. 8/ 106. محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي فخر الدين المعروف بابن التّنبي. 7/ 741. محمد بن محمد بن علوان الحموي الشافعي شمس الدين. 10/ 593. محمد بن محمد بن علي بن أحمد الحموي ثم الحلبي يعرف بابن الشّماع. 9/ 445. محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن خلّكان الإربلي الأصل ثم الدمشقي. 8/ 454. محمد بن محمد بن علي الأنصاري الحمصي الدمشقي. 8/ 624. محمد بن محمد بن علي بن إدريس العلوي التعزي. 9/ 344. محمد بن محمد بن علي البابصري جمال الدين أبو الفضل المعروف بابن الدباب. 7/ 687. محمد بن محمد بن علي حريث القرشي البلنسي ثم السبتي أبو عبد الله. 8/ 106. محمد بن محمد بن علي الحساني شمس الدين، أبو الطيّب. 10/ 482. محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي. 8/ 523.

محمد بن محمد بن علي الزيات البابصري البغدادي أبو الفضل. 7/ 683. محمد بن محمد بن علي الصيرفي سبط ابن الحبوبي. 8/ 106. محمد بن محمد بن علي بن صالح العوفي شمس الدين، أبو الفتح. 10/ 44. محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري المالكي، شمس الدين. 9/ 35. محمد بن محمد بن علي الغزي الأزهري الشافعي. 10/ 574. محمد بن محمد بن علي الفصي البعلي الشافعي، بهاء الدين. 10/ 346. محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي، المقدسي، شمس الدين. 10/ 222. محمد بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي. 10/ 265. محمد بن محمد بن علي بن محمد حنّا. 8/ 28. محمد بن محمد بن علي بن نصر بن البل الدوري أبو عبد الله. 7/ 89. محمد بن محمد بن علي النويري المكي، قاضي مكة وخطيبها. 9/ 406. محمد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي الزينبي أبو نصر. 5/ 345. محمد بن محمد بن علي بن علي بن همام أبو الفتح. 8/ 250. محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري. 8/ 491. محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسي. 8/ 557. محمد بن محمد بن عمر البلقيني. 9/ 333. محمد بن محمد بن عمر الدّورسي الصالحي، الخبلي. 10/ 223. محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الدمشقي الصّالحي الحنفي، قطب الدين أبو عبد الله. 10/ 406. محمد بن محمد بن عمر الصوفي أبو عبد الله المعروف بالمجد الإسفراييني. 7/ 419. محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمري القاهري. 9/ 497. محمد بن محمد بن عنقه البسكري. 9/ 73. محمد بن محمد بن عيسى الأقصرائي. 8/ 394. محمد بن محمد بن عيس بن حسن القاهري. 8/ 91. محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضيف بن أبي عبد الله الأنصاري البعلبكي أبو الفضل. 8/ 360. محمد بن محمد العيني الأصل الحلبي الحنفي شمس الدّين أبو عبد الله، عرف بابن بلال. 10/ 459. محمد بن محمد، الشهير بابن الغرس المصري. 10/ 265. محمد بن محمد بن أبي فارس صاحب تونس. 9/ 338. محمد بن محمد بن الفراء البغدادي الصغير أبو يعلى. 6/ 316. محمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي. 7/ 71.

محمد بن محمد بن الفضل بن محمد النهرواني القضاعي الحموي ويعرف بابن حبيش. 7/ 790. محمد بن محمد الفناري الرومي الحنفي زين الدين، وقيل زين العابدين. 10/ 203. محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي، المصري، الحنبلي. 10/ 69. محمد بن محمد القرافي المالكي، بدر الدين. 10/ 84. محمد بن محمد القرشي الدمشقي نجم الدين. 10/ 472. محمد بن محمد بن القماح التونسي. 9/ 325. محمد بن محمد القوجوي الرومي الحنفي، المولى محيي الدين. 10/ 252. محمد بن محمد الكردي/ المشهور بابن البزازي. 9/ 265. محمد بن محمد اللؤلؤي الحنبلي. 9/ 474. محمد بن محمد بن محارب الصريحي المالقي بن أبي الجيش أبو عبد الله. 8/ 286. محمد بن محمد بن محب الدين الطبري. 8/ 165. محمد بن محمد بن محب الدين المحرقي، ولي الدين. 10/ 64. محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن فضل بن عميرة الغزي. عفيف الدين. 10/ 449. محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز أبو الحسن. 5/ 97. محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي، العثماني، الشافعي، نجم الدين. 10/ 386. محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي زين الدين، أبو حامد الإمام. 6/ 18. محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن الإمام اليعمري الأندلسي الإشبيلي المصري المعروف بابن سيد الناس. 8/ 189. محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين المالكي. 9/ 60. محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل المغربي الأندلسي ويعرف بالراعي المالكي. 9/ 407. محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني المطرز أبو سعد. 6/ 13. محمد بن محمد بن محمد الأعزازي. 10/ 516. محمد بن محمد بن محمد البردعي الحنفي. 10/ 215. محمد بن محمد بن محمد بن بليش العبدري الغرناطي أبو عبد الله. 8/ 299. محمد بن محمد بن محمد بن الجبان بن اللحاس الحريمي العطار أبو المعالي. 6/ 341. محمد بن محمد بن محمد بن جهير أبو منصور المعروف ب: عميد الدولة. 5/ 406. محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم بن أبي الفتح القلانسي أبو الحرم. 8/ 353. محمد بن محمد بن محمد بن الحسن. المعروف: بابن أمير حاج الحلبي. 9/ 490.

محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة. 8/ 364. محمد بن محمد بن محمد بن الخضر الزّبيري العيزري الغزي الشافعي شمس الدين. 9/ 117. محمد بن محمد بن محمد بن الخيضري الدمشقي الشافعي. 10/ 395. محمد بن محمد بن محمد بن الدمشقي القفصي. 9/ 83. محمد بن محمد بن محمد بن أبي زيد الحسني البصري العلوي الشريف أبو طالب. 6/ 317. محمد بن محمد بن محمد المعروف بن أبي زيد الحسني البصري العلوي الشريف أبو طالب. 6/ 317. محمد بن محمد بن محمد المعروف بسيدي محمد وفا الإسكندري. 8/ 352. محمد بن محمد بن محمد الصالحي عرف بالمنبجي الحنبلي شمس الدين أبو عبد الله. 8/ 406. محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الصقلي. 8/ 141. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر بن عثمان بن جابر الغزي العامري، القرشي الشافعي بدر الدين. 10/ 593. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فهد القرشي الهاشمي المكي. 9/ 141. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن علي بن تمام السبكي. 9/ 141. محمد [بن محمد بن محمد بن عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي الأصل ثم المصري الحنبلي] [1] شرف الدين. 9/ 428. محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي الدمشقي. 8/ 605. محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الحنفي المعروف بالنظام البلخي. 7/ 451. محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي بن شيخ المعظمية. 9/ 36. محمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن محمد الجهني الأنصاري. 9/ 324. محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المالكي- شيخ الإسلام بالمغرب. 9/ 61. محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي/ المعروف بابن اليونانية. 9/ 168. محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد المصري، المعروف: بابن القطان. 9/ 491. محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي المقدسي الشافعي. 10/ 534. محمد بن محمد بن محمد القرشي الدمشقي شمس الدين. 10/ 472. محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النويري القاهري. 9/ 427.

_ [1] تنبيه: ما بين الحاصرتين أكملته من ترجمة والده في الكتاب (9/ 427- 428) وذكر السخاوي في «الضوء اللامع» (9/ 236) بأن وفاته كانت سنة (854) .

محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن الفقيه أبي بكر بن قوام الصالحي. 9/ 62. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراقي الهندي. 8/ 530. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسن المصري القمني. 9/ 94. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدايم الباهي. 9/ 208. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنعم بن عمران بن حجاج الأنصاري السقطي. 9/ 374. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف المعروف بابن الجزري. 9/ 298. محمد بن محمد بن محمد ابن أبي اللطف المقدسي الشافعي، شمس الدين. 10/ 631. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمال السرائي الأصل الدمشقي، أبو حامد، وأبو المجد، وأبو الفياض. 8/ 485. محمد بن محمد بن محمد ... البخاري العجمي. 9/ 351. محمد بن محمد بن محمد بن محمد ... الغزالي محيي الدين أبو حامد ابن الإمام. 9/ 283. محمد بن محمد بن محمد ... ابن الجزري. 9/ 160. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشهاب غازي الحلبي، المعروف: بابن الشحنة. 9/ 524. محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن الشحنة محمود/ الشهير بالشحنة التركي الأصل الحلبي. 9/ 169. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود الكركي بن الغرابيلي. 9/ 312. محمد بن محمد بن محمد بن محمود الحنفي، المولى، أبو السعود. 10/ 584. محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي المنبجي. أ/ 498. محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي، المولى، أبو السعود. 10/ 584. محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي المؤقت. 9/ 62. محمد بن محمد بن محمش أبو طاهر. 5/ 60. محمد بن محمد بن محمد بن مميل بن الشيرازي الدمشقي أبو نصر. 8/ 111. محمد بن محمد بن محمد النحريري، المعروف بابن أمين الحكم. 9/ 230. محمد بن محمد بن محمود بن أحمد الرومي البابرتي. 8/ 504. محمد بن محمد بن محمود الجعفري البخاري. 9/ 231. محمد بن محمد بن محمود الحلبي بدر الدين. 8/ 406. محمد بن محمد بن محمود بن قاسم بن البرازلي البغدادي أبو عبد الله. 8/ 194. محمد بن محمد بن محمود بن مكي المعروف بابن دمرداش. 8/ 108. محمد بن محمد بن مشرف بن منصور بن محمود الزرعي. 8/ 455.

محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني أبو الفتوح. الوثّابي. 7/ 275. محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي البغدادي أبو شجاع المعروف ب: ابن المقرون. 6/ 542. محمد بن محمد بن أبي المفاخر سعيد بن حسين العباسي النيسابوري ثم المصري الجنائزي المأموني أبو بكر. 7/ 281. محمد بن محمد بن مقلد المقدسي الحنفي. 9/ 60- 63. محمد بن محمد المليحي المعروف بصائم الدهر. 8/ 592. محمد بن محمد بن المنجى بن عثمان بن أسعد التنوخي المعري أبو البركات. 8/ 375. محمد بن محمد المنصوري المصري. 9/ 537. محمد بن محمد بن مواهب بن الخراساني البغدادي أبو العز. 6/ 424. محمد بن محمد بن موسى البقاعي الحمادي الشافعي. 10/ 648. محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي. 8/ 605. محمد بن محمد بن النابلسي. 9/ 477. محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل الفراء الحمصي ثم الحلبي، المعروف بابن رياح. 8/ 491. محمد بن محمد بن النجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري ابن النحاس. 8/ 574. محمد بن محمد النحريري المصري، المالكي، ولي الدين. 10/ 64. محمد بن محمد النظاري، جمال الدين. 10/ 146. محمد بن محمد بن نمير بن السراج أبو بكر. 8/ 262. محمد بن محمد بن هارون البغدادي ثم الحلّي البزّار أبو عبد الله المعروف بابن الكيّال. 6/ 542. محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي، العماد بن الشيرازي أبو الفضل. 7/ 664. محمد بن محمد الياسوفي الدمشقي الشافعي بدر الدين. 10/ 109. محمد بن محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي السلاوي ويعرف بابن شقرا. 8/ 455. محمد بن محمد بن يحيى القرشي أبو المعالي الملقب محيي الدين المعروف بابن الزكي. 6/ 548. محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي النيسابوري أبو الحسين. 4/ 370. محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي ثم الدمشقي بن الجواشني. 8/ 394. محمد بن محمد بن يوسف الخزرجي، الدمشقي الحنفي، الصالحي، قاضي القضاة نور الدين أبو الفضل المعروف بابن منعة. 10/ 35. محمد بن محمد بن يوسف المرداوي. 8/ 492. محمد بن محمد بن يوسف بن مكي الجرجاني أبو أحمد. 4/ 396.

محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي ني الحسيني المكي. 9/ 63. محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي- المحدث الفاضل أبو موسى. 8/ 429. محمد بن محمود، إمام منكلي بغا. 8/ 492. محمد بن محمود بن بون الخوارزمي/ المعروف بالمعيد. 9/ 155. محمد بن محمود الجيلي أبو عبد الله. 8/ 111. محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي محب الدين بن النجار أبو عبد الله. 7/ 392. محمد بن محمود بن الحسين بن الحسن الموصلي المعروف ب «حياك الله» . 8/ 64. محمد بن محمود بن خليل: المعروف بابن أجا. 9/ 498. محمد بن محمود الطنبخي المصري الشافعي. 10/ 491. محمد بن محمود بن عبد الكريم الكردي المعروف بخواهر زاده بدر الدين. 7/ 441. محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري، ابن أخي جار الله. 8/ 547. محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي المراتبي تقي الدين أبو عبد الله. 7/ 398. محمد بن محمود بن محمد البالسي. 9/ 375. محمد بن محمود بن محمد الحنفي برهان الدين المعروف بالنسفي. 7/ 672. محمد وقيل محمود بن محمد الرازي القطب المعروف بالتحتاني أبو عبد الله. 8/ 355. محمد بن محمود بن محمد بن شهاب الدين الطوسي أبو الفتح. 6/ 534. محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي شمس الدين الأصفهاني أبو عبد الله. 7/ 710. محمد بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المنصور ناصر الدين. 7/ 670. محمد بن محمود المعروف بالشيخ نور الدين. 8/ 356. محمد بن محمود المغلوي الوفائي الحنفي، المولى المعروف بابن الشيخ محمود. 10/ 492. محمد بن مسلّم المغربي التونسي الحصيني المالكي الحنفي، شمس الدّين. 10/ 562. محمد بن مصطفى بن حسن المولى الرومي الحنفي، شمس الدين. 10/ 79. محمد بن مصطفى القوجوي الحنفي محي الدين. 10/ 409. محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البرسوي، الحنفي، الصوفي، خواجه زاده. 10/ 25. محمد بن مفتي كرمان الشافعي محيي الدين. 10/ 317. محمد بن مكية النابلسي الشافعي شمس الدين. 10/ 375.

محمد بن موسى بن عيسى العجلوني الدمشقي الصالحي الشافعي. 10/ 63. محمد بن مخلد العطار الدوري أبو عبد الله. 4/ 178. أبو محمد المخلدي الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن. 4/ 477. محمد بن مراد خان. 9/ 516. محمد بن مرزوق الزعفراني البغدادي أبو الحسن. 6/ 92. محمد بن مروان بن الحكم. 2/ 10. محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي أبو بكر. 5/ 115. محمد بن مروان السدي الصغير الكوفي. 2/ 414. محمد بن مزّاح الأزدي أبو عبد الله. 6/ 206. محمد بن المزكي أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري المزكي أبو بكر. 5/ 317. محمد بن المستنير البصري المعروف ب قطرب. 3/ 33. محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير محمد بن القائم العباسي أبو عبد الله المعروف ب: المقتفي لأمر الله. 6/ 288. محمد بن مسعود بن بهروز البغدادي أبو بكر. 7/ 304. محمد بن مسعود الحافظ ابن العجمي. 3/ 221. محمد بن مسعود أبو المعالي. 6/ 402. محمد بن مسعود المقرئ المالكي، صلاح الدين. 8/ 411. محمد [بن مسلم] ، أبو سعيد المؤدب الجزري. 2/ 312. محمد بن مسلم الطائفي المكي. 2/ 347. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني أبو بكر. 2/ 99. محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة أبو عبد الله الحافظ. 3/ 301. محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الزيني الصالحي أبو عبد الله. 8/ 130. محمد بن مسلمة الأنصاري البدري. 1/ 234. محمد بن المسيب الأرغياني، الإسفنجي. 4/ 75. محمد بن المسيب العقيلي الأمير أبو الذواد. 4/ 469. محمد بن مصعب القرقساني. 3/ 44. محمد بن مطرف المدني أبو غسان. 2/ 288 و 2/ 312. محمد بن المظفر بن بكران الحموي أبو بكر الشامي. 5/ 389. محمد بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب. 7/ 138. محمد بن مظفر الدين الخلخالي ويعرف بالخطيبي. 8/ 250. محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى البغدادي: أبو الحسين. 4/ 420. محمد بن معاذ درّان الحلبي. 3/ 397. محمد بن أبي المعالي عبد الله بن عبد

الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الصوفي أبو طالب بن صابر الدمشقي. 7/ 325. محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع بن البناء أبو النجيب نور الدين أبو عبد الله. 7/ 97. محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز بن الحلبي. 9/ 129. محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي المأموني ابن الحلاوي عماد الدين أبو بكر. 7/ 89. محمد بن معاوية الضرير الكوفي أبو معاوية. 2/ 446. محمد بن معاوية بن عبد الرحمن الأموي المرواني القرطبي أبو بكر المعروف بابن الأحمر. 4/ 305. محمد المعروف بصار كرز أوغلي زاده الحنفي الرومي. 10/ 615. محمد بن المعلم المنذري. 8/ 218. محمد بن المعروف بابن الببائي، تقي الدين ابن قاضي ببا. 8/ 280. محمد بن معمر بن الفاخر القرشي الأصبهاني أبو عبد الله المعروف ب: مخلص الدين. 7/ 21. محمد بن معمر بن ناصح الذهلي أبو مسلم. 4/ 289. محمد بن معن بن محمد بن صمادح التجيبي الأندلسي أبو يحيى الشهير ب: المعتصم. 5/ 360. محمد المغربي الأندلسي. 8/ 223 و 9/ 344. و9/ 344. محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني أبو عبد الله. 8/ 340. محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم الضبي أبو الطيب. 4/ 40. محمد بن مقاتل المروزي. 3/ 120. محمد بن مقبل بن فتيان بن مطر النهرواني ابن المنّي سيف الدين أبو المظفر. 7/ 426. محمد بن المقر الأشرف العالي حسن كلي «الأمير» . 8/ 456. محمد بن مكتوم البعلي شمس الدين. 7/ 642. محمد بن مكرم بن علي الأنصاري «ابن منظور» . 8/ 49. محمد بن مكي بن أبي الرجاء بن علي بن الفضل الأصبهاني المليحي. 7/ 79. [محمد بن مكحول البيروتي] [1] بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ أبو عبد الرحمن. 4/ 110. محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري أبو الحسين. 5/ 258. محمد بن مكي العراقي الرافضي. 8/ 505. محمد بن مكي القرشي الصالحي بهاء الدين المعروف بابن الدجاجية. 7/ 500. محمد بن مكي الكشميهني المروزي أبو الهيثم. 4/ 478. محمد بن مكي بن أبي المذكور القرشي الصقلي الرقام. 7/ 791. محمد بن ميكال اليمني بدر الدين. 8/ 455.

_ [1] كذا في الكتاب «محمد بن مكحول البيروتي» والصواب «مكحول البيروتي» كما في مصادر ترجمته.

محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك بن ميكائيل بن سلجوق التركي غياث الدين أبو شجاع. 6/ 49. محمد بن المنجى بن عثمان بن أسعد بن المنجى التنوخي الدمشقي أبو عبد الله. 8/ 118. محمد بن المنذر بن طيبان الكرخي أبو البركات. 5/ 413. محمد بن المنذر الهروي أبو عبد الرحمن. 4/ 20. محمد بن منصور الإسكندراني العباري أبو القاسم. 7/ 540. محمد بن منصور الحرضي النيسابوري. 6/ 239. محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري. 8/ 94. محمد بن منصور الكندري أبو نصر عميد الملك. 5/ 243. محمد بن منصور بن محمد التميمي المروزي السمعاني أبو بكر تاج الإسلام. 6/ 47. محمد بن المنكدر التّيمي المدني السيد الجليل. 2/ 128. محمد بن المنهال البصري الضرير الحافظ أبو جعفر. 3/ 142. محمد بن المنهال البصري العطار (أخو حجاج بن منهال) . 3/ 142. محمد بن مهاجر الحمصي. 2/ 326. محمد بن مهران الرازي الجمال الحافظ أبو جعفر. 3/ 178. محمد بن مهلهل بن بدران الأنصاري سعد الدين أبو الفضل. 7/ 599. محمد بن مورمة البخاري. 9/ 234. محمد بن موسى بن الحسين بن السمسار الدمشقي أبو العباس. 4/ 337. محمد بن موسى بن خلف بن راجح الصالحي. 8/ 83. محمد بن موسى الخوارزمي أبو بكر. 5/ 22. محمد بن موسى بن طلحة التيمي. 1/ 317. محمد بن موسى بن عثمان بن حازم المعروف بالحازمي الملقب زين الدين أبو بكر. 6/ 462. محمد بن موسى [1] الضجاعي، جمال الدين. 10/ 165. محمد بن موسى بن علي بن عبد الصمد بن محمد بن عبد الله المراكشي الأصل ثم المكي. 9/ 236. محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري. 9/ 118. محمد بن موسى بن فضالة الأموي الدمشقي أبو عمر. 4/ 329. محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي النيسابوري أبو سعيد. 5/ 107. محمد بن موسى بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليونيني. 8/ 353. محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم أبو العباس. 8/ 557. محمد بن موسى بن النعمان التلمساني ابن النعمان أبو عبد الله. 7/ 670.

_ [1] تحرفت «موسى» إلى «موي» في الكتاب والصواب ما أثبته هنا.

محمد بن الموفق الصوفي الخبوشاني نجم الدين. 6/ 472. محمد بن موسى القدسي. 8/ 58. محمد بن المؤيد بن عبد الله بن علي بن حمويه الجويني الصوفي سعد الدين. 7/ 434. محمد بن ميمون المروزي السكري أبو حمزة. 2/ 300. محمد بن الناسخ، صدر الدين. 10/ 359. محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي العباسي أبو نصر ويعرف بالظاهر بأمر الله. 7/ 192. محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر البغدادي السلامي أبو الفضل. 6/ 256. محمد بن ناماور أبو عبد الله المعروف ب: أفضل الدين الخونجي. 7/ 409. محمد بن نصر الخرقي القاشاني أبو بكر. 6/ 454. محمد بن نصر بن صغير بن خالد الأديب بن القيسراني أبو عبد الله. 6/ 248. محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محفوظ القرشي الدمشقي شرف الدين. 7/ 304. محمد بن نصر الله بن بصاقة الدمشقي. 8/ 574. محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح البغدادي محيي الدين أبو نصر. 7/ 490. محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل الميورقي الحميدي أبو عبد الله. 5/ 390. محمد بن نصر الله بن مكارم بن حسن بن عنين الأنصاري الدمشقي أبو المحاسن. 7/ 246. محمد بن نصر المروزي الإمام أبو عبد الله. 3/ 397. محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي ابن صلايا تاج الدين أبو المكارم. 7/ 490. محمد بن نصير الدمشقي الميداني الضرير شمس الدين. 10/ 175. محمد بن نصير بن علي الحسيني. 7/ 703. محمد بن نصير المدني أبو عبد الله. 4/ 28. محمد بن النضر بن الأخرم الربعي أبو الحسن. 4/ 224. محمد بن النضر الموصلي النحاس أبو الحسين. 4/ 420. محمد بن النعمان بن محمد بن منصور أبو عبد الله. 4/ 478. محمد بن النفيس بن محمد بن إسماعيل بن عطاء البغدادي أبو الفتح. 7/ 206. محمد بن نوح الجنديسابوري أبو الحسن. 4/ 110. محمد بن نوح العجلي. 3/ 91. محمد النور بن عمر الجبرتي، جمال الدين. 10/ 32. محمد بن نور الله المشتهر بأخي زاده المولى. 10/ 619. محمد بن هارون البغدادي بن المجدر أبو بكر. 4/ 63. محمد بن هارون الحضرمي أبو حامد. 4/ 110.

محمد بن هارون الرشيد بن المهدي العباسي أبو إسحاق (المعتصم) الخليفة العباسي. 3/ 127. محمد بن هارون الروياني أبو بكر. 4/ 36. محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي أبو علي. 4/ 280. محمد بن هارون بن محمد بن الرشيد العباسي أمير المؤمنين أبو إسحاق. 3/ 250. محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل الهاشمي العباسي الدمشقي أبو عبد الله. 7/ 791. محمد بن هانئ أبو الحسن، وأبو القاسم. 4/ 329. محمد بن هبة الله بن خلف التميمي. 6/ 166. محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري الزهري أبو المحاسن ويعرف بابن البيع. 7/ 194. محمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج. 7/ 56. محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي شمس الدين بن الشيرازي أبو نصر. 7/ 304. محمد بن هبة الله بن مكرم البغدادي أبو جعفر. 7/ 169. محمد بن هذيل بن عبيد الله البصري العلّاف أبو الهذيل. 3/ 165. محمد بن هشام التميمي السعدي. 3/ 209. محمد بن هشام بن أي الدميك الحافظ أبو جعفر. 3/ 375. محمد بن هشام بن ملاس النميري الدمشقي أبو جعفر. 3/ 301. محمد بن الهيثم الحافظ أبو الأحوص. 3/ 328. محمد بن واسع الأزدي. 2/ 97. محمد بن وشاح الزينبي أبو علي. 5/ 266. محمد بن وضاح الأندلسي أبو عبد الله. 3/ 362. محمد بن ولي الدين، الحنفي الحلبي شمس الدين، الشهير بأبيه. 10/ 358. محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي القاضي. 2/ 221. محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي المالكي الطرطوشي أبو بكر. 6/ 102. محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي أبو بكر. 4/ 429. محمد بن يحيى بن إبراهيم مندة بن الوليد بن سندة بن بطة ابن استنداد واسمه فيرازان بن جهاربخت العبدي ابن مندة. 4/ 6. محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن خليل الحاضري الأصل الحلبي القاهري الحنفي حميد الدين. 10/ 449. محمد بن يحيى البغدادي أبو بكر الصولي. 4/ 192. محمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الغني الزّحلي، الشافعي. 10/ 341. محمد بن يحيى التميمي القرطبي المالكي أبو عبد الله المعروف بابن الحذاء. 5/ 84. محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري المدني أبو عبد الله. 2/ 93.

محمد بن يحيى المعروف بحامل كفنه. 3/ 422. محمد بن يحيى بن سليمان السكوني المغربي. 8/ 584. محمد بن يحيى بن سليمان المروزي أبو بكر. 3/ 420. محمد بن يحيى بن أبي سمينة البغدادي التمار الحافظ أبو جعفر. 3/ 178. محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع القرطبي أبو عبد الله. 8/ 95. محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي النيسابوري أبو عبد الله. 3/ 259. محمد بن يحيى بن عبد الله بن الطولقي المالكي شمس الدين. 10/ 223. محمد بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاتي أبو عبد الله. 7/ 608. محمد بن يحيى العدني، قاضي عدن. 4/ 101. محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الدمشقي أبو المعالي. 6/ 190. محمد بن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي أبو عبد الله بن فضلان محيي الدين. 7/ 257. محمد بن يحيى بن علي القرشي المصري العطار جمال الدين أبو صادق. 7/ 397. محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن الوزير عون الدين بن هبيرة. 7/ 716. محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي بكر المصري الصالحي. 9/ 360. محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني الحافظ أبو عبد الله. 3/ 199. محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي أبو جعفر. 4/ 220. محمد بن يحيى بن فضل الله، كاتب السر. 8/ 259. محمد بن يحيى بن فياض الزماني البصري. 3/ 215. محمد بن يحيى بن محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير المقدسي ثم الصالحي. 8/ 323. محمد بن يحيى بن محمد.. الأشعري المالقي أبو عبد الله ويعرف بابن بكر. 8/ 231. محمد بن يحيى، محيي الدين النيسابوري العلامة أبو سعد. 6/ 249. محمد بن يحيى بن مظفر البغدادي المعروف بابن الحبير، ابن نعيم القاضي أبو بكر. 7/ 355. محمد بن يحيى بن المنذر القزاز البصري أبو سليمان. 3/ 381. محمد بن يحيى بن موسى الإسفراييني الملقب ب (حيويه) . 3/ 263. محمد بن يحيى بن ياقوت الإسكندراني أبو الحسن. 7/ 410. محمد بن يحيى بن يوسف الربعي التّادفي الحلبي الحنبلي الحنفي. 10/ 492. محمد بن يخلفتن بن أحمد البربري التلمساني الفازاري. 7/ 170. محمد بن يزيد الأزدي البصري المبرد أبو العباس المبرد. 3/ 356. محمد بن يزيد الكوفي القاضي الرفاعي أبو هشام. 3/ 226.

محمد بن يزيد بن ماجة الإمام الحافظ أبو عبد الله. 3/ 308. محمد جلبي بن أبي يزيد بن مراد بن أورخان بن عثمان السلطان. 9/ 249. محمد بن يزيد الواسطي. 2/ 405. محمد بن يسير البعلبكي، المعروف بابن الأقرع الحنبلي الأعجوبة. 8/ 623. محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الحلبي محيي الدين أبو عبد الله المعروف بابن النحاس. 7/ 755. محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر الفيروزآبادي اللغوي، صاحب «القاموس» . 9/ 186. محمد بن يعقوب الرومي الحنفي محيي الدين الشهير باجه زاده. 10/ 176. محمد بن يعقوب الصفدي الشافعي، شمس الدين، سبط ابن حامد. 10/ 438. محمد بن يعقوب بن علي الجندي الحموي الدمشقي بن تميم المعروف بالمجير. 7/ 679. محمد بن يعقوب بن أبي الفرج البغدادي شهاب الدين أبو سعد المعروف بابن أبي الدنية. 7/ 644. محمد بن يعقوب بن المتوكل العباسي أخو أمير المؤمنين. 9/ 498. محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني أبو عبد الله. 4/ 237. محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي أبو عبد الله. 7/ 80. محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأصم الأموي أبو العباس الأصم. 4/ 245. محمد بن أبي يعلى الهاشمي الشريف أبو القاسم. 4/ 317. محمد بن يوسف بن أحمد الباعوني الشافعي، بهاء الدين. 10/ 70. محمد بن يوسف بن أحمد بن الرضي عبد الرحمن الدمشقي. 8/ 625. محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي. 8/ 446. محمد بن يوسف الأزدي الغرناطي الأندلسي المهلبي ابن مسدي أبو بكر. 7/ 543. محمد بن يوسف الاسكندراني المالكي. 9/ 83. محمد بن يوسف بن إسماعيل المقدسي. 7/ 791. محمد بن يوسف بن إلياس القونوي. 8/ 523. محمد بن يوسف الجرجاني الكشّي أبو زرعة. 4/ 483. محمد بن يوسف الحريري الأنطاكي الحلبي، الحنفي، ابن الحمصاني شمس الدين. 10/ 410. محمد بن يوسف بن خطاب التلي الصالحي. 7/ 791. محمد بن يوسف الدمشقي الحنفي شمس الدين. 10/ 352. محمد بن يوسف الركراكي أبو عبد الله. 8/ 566. محمد بن يوسف بن سعادة المرسي. 6/ 361.

محمد بن يوسف بن الصالح الدمشقي المالكي القفصي شمس الدين. 8/ 407. محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الربعي الحلبي التادفي الشافعي. 10/ 449. محمد بن يوسف بن عبد الكريم، سبط ابن البارزي. 9/ 524. محمد بن يوسف العلاف أبو بكر المعروف بابن دوست. 4/ 429. محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازي. 8/ 469. محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني. 8/ 505. محمد بن يوسف القطان الأعرج النيسابوري أبو أحمد. 5/ 116. محمد بن يوسف بن بشر الهروي أبو عبد الله. 4/ 173. محمد بن يوسف بن أبي بكر بن هبة الله الجزري ثم المصري أبو عبد الله ويعرف بابن المحوجب. 8/ 77. محمد بن يوسف الحنفي الغزنوي بهاء الدين أبو الفضل. 6/ 557. محمد بن يوسف بن سعيد بن مسافر بن جميل البغدادي الأزجي أبو عبد الله. 7/ 375. محمد بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن سعد الله بن مسعود الخليلي. 8/ 360. محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللوشي الغرناطي. 8/ 694. محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري ثم المصري شمس الدين أبو عبد الله. 8/ 76. محمد بن يوسف بن عبد اللطيف الحراني ثم المصري أبو عبد الله. 8/ 371. محمد بن يوسف بن علي بن محمود الصبري أبو المعالي. 8/ 242. محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي النّفري أثير الدين أبو حيان نحوي عصره. 8/ 251. محمد بن يوسف الفريابي الحافظ أبو عبد الله. 3/ 59. محمد بن يوسف بن أبي المجد الحكار. 8/ 126. محمد بن يوسف بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة. 8/ 524. محمد بن يوسف بن محمد بن قائد الملقب موفق الدين الإربلي أصلا ومنشأ البحراني أبو عبد الله. 6/ 467. محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم. 8/ 69. محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يداس الإشبيلي البرزالي أبو عبد الله. 7/ 318. محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني شهاب الدين التلعفري. 7/ 609. محمد بن يوسف بن مطر الفربري أبو عبد الله صاحب البخاري وراوي صحيحه. 4/ 101. محمد بن يوسف بن يعقوب الإربلي ثم الدمشقي أبو الفضل أبو عبد الله. 8/ 21. محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزدي مولاهم البغدادي أبو عمر. 4/ 102.

محمد بن يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العباسي محيي الدين ابن زيلاق. 7/ 527. محمد بن يونس القرشي السامي البصري الحافظ أبو العباس. 3/ 362. محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الإربلي أبو حامد عماد الدين. 7/ 63. محمد بن يونس بن يوسف ابن المنقار، المولوي، شمس الدين. 10/ 342. ابن المحمّرة أحمد بن صلاح بن محمد الشافعي. 9/ 341. ابن محمش أبو طاهر محمد بن محمد الزيادي الشافعي. 5/ 60. محمود بن إبراهيم. 8/ 564. محمود بن إبراهيم بن سفيان بن مندة العبدي الأصبهاني أبو الوفاء. 7/ 272. محمود أحد الموالي الرومية، الشهير ببدر الدين الأصفر. 10/ 380. محمود بن أحمد، المشتهر بابن برزان. 10/ 588. محمود بن أحمد الحلبي الجندي. 8/ 455. محمود بن أحمد بن عبد السيد بن الحصيري البخاري جمال الدين أبو المحامد. 7/ 319. محمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر القرشي البكري الحلبي الشافعي نور الدين. 10/ 286. محمود بن أحمد بن محمد الهمداني/ المعروف بابن خطيب الدهشة. 9/ 305. محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العنتابي الأصل، المصري، المعروف بالعيني. 9/ 418. محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحربي الحذاء أبو البركات ويقال أبو الثناء. 6/ 516. محمود بن إسماعيل الأصبهاني الصيرفي الأشقر أبو منصور. 6/ 75. محمود بن إسماعيل بن أبي بكر بن أيوب. 7/ 711. محمود الإيديني، المعروف بخواجه قيني. 10/ 516. محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء البخاري الكلاباذي شمس الدين أبو العلاء. 7/ 798. محمود بن أبي بكر بن محمود قاضي القضاة المعرّي، الأصل الحموي، الحلبي، الشافعي نور الدين. 10/ 266. محمود بن بوري بن طغتكين. 6/ 170. محمود بن جلال الدين الرومي الحنفي، بدر الدين. 10/ 318. محمود بن حسن السّامون الحنفي المولى. 10/ 588. محمود بن الحسين بن بندار الطلحي أبو نجيح. 6/ 250. محمود بن حسين كشاجم. 4/ 321. محمود الدماغ المعروف بالشجاع. 7/ 110. محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي المدني. 1/ 398. ابن محمود الرومي الحنفي الشهير بابن المجلد. 10/ 210.

محمود بن زنكي بن آق سنقر أبو القاسم المعروف ب: نور الدين الملك العادل. 6/ 378. محمود بن سبكتكين سيف الدولة بن الأمير ناصر الدولة ابن منصور السلطان أبو القاسم. 5/ 107. محمود بن سلطان شاه بن أرسلان بن محمد الخوارزمي. 6/ 487. محمود بن السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي الملقب مغيث الدين. 6/ 126. محمود بن سليمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي أبو الثناء. 8/ 124. محمود بن سميع الدمشقي الحافظ أبو الحسن. 3/ 263. محمود شاه بن لطيف شاه صاحب كجرات. 10/ 474. محمود بن شمس الدين الأقصرائي. 9/ 250. محمود بن الصفدي الغرابي. 8/ 499. محمود بن عابد التميمي المعروف بالتاج الصرخدي. 7/ 600. محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي الأصبهاني أبو الثناء. 8/ 281. محمود بن عبد الرحمن بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي. 7/ 431. محمود بن عبد الكريم الأصبهاني أبو القاسم المعروف ب: فورجة. 6/ 358. محمود بن عبد الله الأبطالي. 8/ 506. محمود بن عبد الله المعروف بالكلستاني السرائي بدر الدين. 9/ 25. محمود بن عبد المنعم التميمي الدمشقي. 6/ 550. محمود بن عبيد الله بدر الدين المولى. 10/ 317. محمود بن عبيد الله الزنجاني ظهير الدين أبو الثناء. 7/ 600. محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد برهان الدين أبو الثناء المعروف بالبرهان المراغي. 7/ 653. محمود بن عثمان بن علي المشهور باللامعي الحنفي، المولى. 10/ 330. محمود بن عثمان بن مكارم النعال البغدادي الأزجي أبو الثناء وأبو الشكر المعروف ب: ناصر الدين. 7/ 71. محمود العجمي الشافعي، السيد الشريف. 10/ 411. محمود بن علي بن إسماعيل بن يوسف التبريزي القونوي الأصل المصري أبو الثناء. 8/ 320. محمود بن علي بن أبي طالب التميمي الأصفهاني أبو طالب. 6/ 467. محمود بن علي بن عبد الولي بن خولان البعلي أبو الثناء. 8/ 246. محمود بن علي بن محمود بن قرقين الدمشقي شمس الدين. 7/ 275. محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدقوقي ثم البغدادي. 8/ 186. محمود بن علي القيصري الرومي المعروف

بالعجمي. 8/ 617. محمود بن عمر الحانوتي عرف بابن زقيقة الشيباني الحكيم الفاضل سديد الدين أبو الثناء. 7/ 309. محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري أبو القاسم. 6/ 194. محمود غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي. 8/ 18. محمود بن غيلان المروزي الحافظ أبو أحمد. 3/ 178. محمود بن القاسم بن محمد ... المهلبي الهروي الأزدي أبو عامر. 5/ 376. محمود بن القاهر. 7/ 166. محمود بن قطلوشاه، السرائي الحنفي بن عضد الدين. 8/ 412. محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي. 1/ 390. محمود بن لطيف شاه صاحب كجرات. 10/ 474. محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي أبو القاسم مجير الدين. 6/ 508. محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف الدمشقي أبو الثناء. 8/ 347. محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن محمد الحمصي الدمشقي الشافعي، الشهير بابن العصباني، نورد الدين. 10/ 40. محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن هلال الدولة عمر بن منير الحارثي الدمشقي. 9/ 83. محمود بن محمد بن أحمد شرف الدين التاذفي. 7/ 756. محمود بن محمد بن أحمد بن صالح الصرخدي. 8/ 469. محمود بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الشريشي أبو البقاء. 8/ 584. محمود بن محمد التركي الخاقان. 6/ 297. محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم القرافي. 8/ 112. محمود بن محمد الرومي الحنفي، بدر الدين. 10/ 85. محمود بن محمد بن عبد الرحيم السلمي. 8/ 195. محمود بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن أحمد محب الدين. 10/ 451. محمود بن محمد بن عبد الله العينتابي. 9/ 84. محمود بن محمد بن محمد بن محمود الدركزيني القرشي الطالبي. 8/ 242. محمود بن محمد بن محمود بن خليل ابن أجا التدمري القاهري الحنفي المعروف بابن أجا، محب الدين أبو الثناء. 10/ 191. محمود بن محمد بن محمود بن محمد بن عمر شاهنشاه الحموي. 7/ 773. محمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل الحلبي المولد، المشهور بابن طليان. 10/ 295. محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي. 8/ 531.

محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الكلابي الأمير عز الدولة. 5/ 290. ابن المحوجب محمد بن يوسف بن أبي بكر الجزري. 8/ 77. أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي. 2/ 358. ابن محيصن محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ومنهم من يسميه عمر. 2/ 98. محيي الدين الشهير بأخوين الحنفي. 9/ 549. محيي الدين الإسكليبي الحنفي. 10/ 589. محيي الدين الشهير بابن الإمام المولى. 10/ 547. محيي الدين بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي أبو بكر المعروف بابن خطيب بيت الآبار. 7/ 793. محيي الدين بن محمود بن أحمد بن إسماعيل بن العز الحنفي بن الكشك. 9/ 119. محيي الدين المقدسي، إمام المسجد الأقصى. 10/ 175. المخارقي يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني القنيي. 7/ 153. ابن مخرم محمد بن أحمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري. 4/ 302. مخرمة عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد مخرمة. 10/ 536. مخرمة بن نوفل الزهري. 1/ 255. مخلد بن جعفر الفارسي الدقاق الباقرحي أبو علي. 4/ 376. مخلد بن الحسين الأزدي المهلّبي البصري. 2/ 421. مخلد بن يزيد الحراني. 2/ 429. مخلص الشيخ الصالح محيي السنة. 10/ 343. مخلوف بن علي بن جارة أبو القاسم المغربي ثم الاسكندراني. 6/ 454. المخرمي إبراهيم بن أبي الحسن علي بن صدقة أبو إسحاق. 8/ 36. المخرمي إبراهيم بن عبد الله أبو إسحاق. 4/ 21. المخرمي محمد بن عبد الله بن المبارك. 3/ 243. أبو مخرمة محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي. 10/ 417. المخرمي عبد الله بن جعفر المدني. 2/ 325. المخرمي المبارك بن علي بن الحسن بن بندار البغدادي. 6/ 66. المخزومي إبراهيم بن أحمد بن عيسى المصري بن الخشاب. 8/ 409. المخزومي أحمد بن محمد بن عبد الله بن ظهيرة. 9/ 258. المخزومي أحمد بن ملاعب. 3/ 313. المخزومي إسماعيل بن إبراهيم بن قريش. 7/ 744. المخزومي أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة. 9/ 144. المخزومي جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث العمري. 3/ 35.

المخزومي الحسن بن صباح المصري. 7/ 260. المخزومي خالد بن سلمة بن العاص الكوفي. 2/ 146. المخزومي ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد القرشي المكي. 9/ 200. المخزومي محمد بن عمر بن محمد بن سليمان بن جعفر القرشي. 9/ 262. المخزومي يحيي بن عبد الله بن بكير. 3/ 143. ابن مخلد أحمد بن بقي الأندلسي. 4/ 127. ابن مخلد محمد بن محمد بن إبراهيم البزّاز. 5/ 917. مخلص الدين إسماعيل بن قرناص الحموي. 7/ 515. المخلّص محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي الذهبي أبو طاهر. 4/ 500. المخلطي أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي. 6/ 36. ابن المخيلي يوسف بن عبد المعطي بن منصور بن نجا الغساني. 7/ 375. المدائني أحمد بن محمد بن عمرو الخامي. 4/ 221. المدائني شبابة بن سوار الحافظ. 3/ 32. المدائني شعيب بن حرب. 2/ 457. المدائني علي بن محمد البصري الأخباري. 3/ 111. المدائني القاسم بن هبة الله بن محمد بن محمد أبو المعالي. 7/ 485. المدائني محمد بن عيسى بن حيان. 3/ 311. المدبّر يحيى بن علي بن الطرّاح «أبو محمد» . 6/ 187. المدرني عبد الله بن محمد بن أحمد الحنفي المدرني. 10/ 281. ابن المدققة خليل الأوسي الرملي، غرس الدين. 10/ 60. المدلجي شجاع بن محمد بن سيدهم. 6/ 501. المدلجي الصالح بن شجاع بن سيدهم المصري. 7/ 437. المدلجي عمر بن أحمد النشائي المصري. 8/ 80. المدني إبراهيم بن عبد الله بن حنين. 2/ 11. المدني إبراهيم بن عبد الله [بن معبد] بن عباس الهاشمي. 2/ 11. المدني بسر بن سعيد الزاهد. 1/ 404. المدني بشير بن يسار. 2/ 11. المدني حاتم بن إسماعيل. 2/ 387. المدني سلمة بن دينار الأعرج. 2/ 191. المدني سليمان بن بلال أبو محمد. 2/ 331. المدني سليمان بن يسار «أبو أيوب» . 2/ 43. المدني صفوان بن سليم أبو عبد الله. 2/ 147. المدني عبد الحميد بن أبي أويس. 3/ 8. المدني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أبو شبل. 2/ 186.

المدني محمد بن عجلان. 2/ 222. المدني محمد بن علي بن معبد القدسي. 9/ 207. المدني محمد بن فليح بن سليمان. 2/ 457. المدني محمد بن مطرف أبو غسان. 2/ 288- 312. المدني محمد بن نصير أبو عبد الله. 4/ 28. المدني موسى بن عقبة بن ربيعة بن أبي عياش الأسدي. 2/ 192. المدني الوليد بن كثير. 2/ 236. مدين بن علي خليفة الأشموني. 9/ 529. أبو مدين شعيب بن الحسين الأندلسي. 6/ 495. المديني عبد الله بن الحسن بن بندار الأصبهاني. 4/ 279. المديني علي بن أحمد ابن الأخرم النيسابوري. 5/ 408. ابن المديني علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي. 3/ 159. المديني محمد بن أسد أبو عبد الله. 3/ 394. المديني محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد أبو عبد الله. 7/ 271. المديني محمد بن عمر بن أحمد أبو موسى. 6/ 448. المديني مرشد بن يحيى بن القاسم. 6/ 92. المذحجي شريح بن هاني. 1/ 323. المذكر محمد بن علي بن عمر النيسابوري أبو علي. 4/ 201. ابن المذهب الحسن بن علي بن محمد التميمي البغدادي. 5/ 193. المذوخي محمد بن عمر البقاعي. 10/ 458. ابن المرابط محمد بن خلف بن سعيد الأندلسي. 5/ 365. المراتبي محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي. 7/ 398. المراتبي منصور بن أحمد بن محمد الخلّال. 7/ 393. ابن المراحلي إبراهيم بن محمد بن محمد بن سليمان البعلي. 9/ 436. مراد بن أورخان. 8/ 567. المرادي إبراهيم بن عيسى الأندلسي المصري الدمشقي. 7/ 568. المرادي الربيع بن سليمان المصري. 3/ 300. المرادي محمد بن سعيد المرسي المرادي أبو عبد الله. 7/ 39. المرادي النضر بن عبد الجبار المصري «أبو الأسود» . 3/ 94. المرار بن حمويه الثقفي الهمذاني الفقيه أبو أحمد. 3/ 243. المراغي أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد العثماني المصري. 9/ 177. المراغي خليل بن أبي بكر بن محمد بن صديق. 7/ 681. المراغي عبد الباقي بن يوسف أبو تراب. 5/ 402.

المراغي علي بن عبد القادر الصوفي. 8/ 519. المراغي محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن. 7/ 653. المراكشي أبو الطاهر بن عبد الله المالكي. 9/ 339. المراكشي علي بن محمد بن علي البكري. 7/ 677. المراكشي محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المصري. 8/ 295. المربدي عبد الواحد بن غياث البصري. 3/ 182. مرتضى الدولة بن لؤلؤ الجراحي. 5/ 99. المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري. 4/ 154. المرجى بن الحسن بن هبة الله بن غزال الواسطي ابن شقير عفيف الدين أبو الفضل. 7/ 491- 492. مرجان بن عبد الله الظافري الأمير. 10/ 215. ابن مرجان محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصمد. 8/ 402. المرجاني عبد الله بن محمد. 7/ 787. المرجاني محمد بن عبد الملك بن أبي مروان بن عبد الله الإسكندراني. 8/ 469. المرجاني محمد بن علي بن يوسف الذروي. 9/ 264. مرحبا محمد وقيل مصطفى المولى. 10/ 411. ابن المرحل أحمد بن عبد العزيز بن يوسف. 8/ 515. ابن المرحّل عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن نعمه. 8/ 244. ابن المرحل محمد بن عبد الله بن عمر بن مكي العثماني. 8/ 208. ابن المرحل محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد بن عطية أبو عبد الله. 8/ 74. ابن المرخم محمد بن علي بن محمد بن قاسم القاهري. 9/ 521. المرداوي أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمود. 8/ 508. المرداوي أحمد بن محمد الصالحي الحنبلي المعروف بابن الديوان. 10/ 337. المرداوي أحمد بن يوسف. 9/ 390. المرداوي حسن بن علي بن عبيد بن أحمد الدمشقي الصالحي. 10/ 107. المرداوي داود بن محمد بن عبد الله. 8/ 318. المرداوي علي بن أحمد بن محمد الصالحي. 9/ 51. المرداوي علي بن سليمان بن أحمد بن محمد السعدي. 9/ 510. المرداوي محمد بن أحمد بن عبد العزيز. 9/ 536. المرداوي محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي الصالحي. 7/ 789. المرداوي محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد بن يوسف. 8/ 498. المرداوي محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود أبو عبد الله. 8/ 522.

المرداوي محمد بن محمد بن يوسف. 8/ 492. المرداوي يوسف بن ماجد بن عبد الخالق. 8/ 486. المرداوي يوسف بن محمد بن عبد الله بن محمد. 8/ 371. مرداويج الديلمي. 4/ 112. ابن مردويه أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى الأصبهاني. 5/ 419. ابن مردويه أحمد بن موسى الأصبهاني. 5/ 57. مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة الديلمي البويهي السلطان أبو كاليجار. 5/ 180. ابن المرزبان علي بن أحمد البغدادي أبو الحسن 4/ 353. ابن المرزبان محمد بن خلف البغدادي الأخباري. 4/ 49. المرزباني عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح. 5/ 65. المرزباني محمد بن عمران بن موسى بن سعيد أبو عبيد الله. 4/ 444. المرزوقي يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق الجبلي. 9/ 161. المرسي أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة. 6/ 168. المرسي عبد بن أبي جعفر أبو محمد. 6/ 129. المرسي محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي الأندلسي. 7/ 465. المرسي محمد بن يوسف بن سعادة. 6/ 361. ابن المرشد عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد الفوي. 9/ 331. مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري أبو صادق. 6/ 92. المرشدي أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر المكي. 9/ 288. المرشدي عبد الأول بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المكي. 9/ 469. المرشدي عبد الغني بن جلال الدين عبد الواحد بن إبراهيم المكي. 9/ 296. المرشدي محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم. 8/ 203. المرصفي علي بن خليل المرصفي نور الدين. 10/ 242. المرعشلي أحمد بن أبي بكر بن صالح الحلبي. 9/ 467. المرعشي عمر بن أحمد بن أبي بكر زين الدين. 10/ 321. المرغياني محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي. 8/ 574. المرقعاتي أحمد بن المبارك. 6/ 391. المرندي محمد بن أبي عمران أبو الخير. 5/ 310. ابن مرة عمرو المرادي الكوفي الضرير. 2/ 77. مروان بن أبي حفصة الشاعر اليمامي. 2/ 372. مروان بن الحكم. 1/ 289. مروان بن شجاع الجزري. 2/ 382.

مروان المجذوب. 10/ 442. مروان بن محمد [بن عبد الملك بن مروان بن الحكم] الجعدي، آخر خلفاء بني أمية. 2/ 138. مروان بن محمد الطاطري الدمشقي أبو بكر. 3/ 49. مروان بن معاوية الفزاري الكوفي أبو عبد الله. 2/ 429. المرّوذي أحمد بن محمد بن الحجاج. 3/ 313. المروذي حسين بن محمد بن أحمد المروروذي. 5/ 259. المروذي حسين بن محمد أبو علي. 3/ 68. المروزي أحمد بن سيار. 3/ 290. المروزي أحمد بن علي بن الحسين النضري الكراعي. 5/ 193. المروزي أحمد بن علي بن سعيد، قاضي حمص. 3/ 386. المروزي إسحاق بن إبراهيم بن كامجرا. 3/ 205. المروزي حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد. 4/ 156. المروزي حبّان بن موسى. 3/ 153. المروزي الحسين بن حريث. 3/ 202. المروزي الحسين بن الحسن، أبو عبد الله. 3/ 212. المروزي الحسين بن واقد. 2/ 256. المروزي زكريا بن يحيى بن أسد. 3/ 300. المروذي زهير بن محمد التّميمي الخراساني، أبو المنذر. 2/ 284. المروزي زهير بن محمد بن قمير البغدادي. 3/ 257. المروزي سويد بن نصر. 3/ 182. المروزي صدقة بن الفضل أبو الفضل. 3/ 105- 119. المروزي عبد العزيز بن منيب أبو الدرداء. 3/ 288. المروزي عبد الله بن عثمان (عبدان) . 3/ 99. المروزي عبد الله بن عمر بن أحمد بن علك الجوهري. 4/ 321. المروزي عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد. 3/ 395. المروزي عبد الله بن منير أبو عبد الرحمن. 3/ 190. المروزي الفضل بن العباس الصائغ. 3/ 301. المروزي محمد بن أحمد بن عبد الله القاشاني. 4/ 385. المروزي محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد أبو نصر. 4/ 165. المروزي محمد بن مقاتل. 3/ 120. المروزي محمد بن ميمون السكري أبو حمزة. 2/ 300. المروزي محمد بن نصر الإمام أبو عبد الله. 3/ 397. المروزي محمد بن يحيى بن سليمان أبو بكر. 3/ 420.

المروزي محمود بن غيلان أبو أحمد. 3/ 178. المروروذي أحمد بن عامر بن بشر الشافعي. 4/ 327. المري محمد بن عبد الله بن عيسى الأندلسي الإلبيري. 4/ 521. المرّي محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأموي. 8/ 281. المري موسى بن عامر الدمشقي. 3/ 248. المريسي بشر المريسي الفقيه. 3/ 90. مريم بنت أحمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأذرعي. 9/ 84. مريم بنت أحمد بن حاتم البعلبكية. 7/ 492. مريم بنت عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن. 8/ 319. المريني عثمان بن يعقوب بن عبد الحق. 8/ 168. المريي عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي. 6/ 75. المريي عبد الله بن محمد بن علي الحجري. 6/ 175- 501. المزجاجي أحمد بن علي المزجاجي. 10/ 495. المزجدالي أحمد بن عمر صفي الدّين. 10/ 112. ابن مزداد أحمد بن المظفر بن أحمد الواسطي العطار. 5/ 184. ابن المزرع يموت العبدي البصري. 4/ 22. المزرفي محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبيد الله الشيباني. 6/ 135. ابن مزروع محمد بن مسلم بن مالك بن جعفر الزيني الصالحي. 8/ 130. المزكي إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري. 4/ 328. المزكي عبد الرحمن بن علي النيسابوري. 5/ 291. المزكي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن بالويه النيسابوري. 5/ 58. المزكي عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي. 5/ 350. المزكي محمد بن أحمد بن جعفر. 5/ 157. المزكي محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري. 5/ 317. المزكي يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري. 5/ 76. المزكي يحيى بن إسماعيل الحربي. 4/ 502. المزلق حسن بن يحيى المزلق الدمشقي. 10/ 505. ابن المزلق محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد الحلبي شمس الدين. 9/ 383. المزني إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المصري. 3/ 278. المزني إياس بن معاوية بن قرة الليثي «القاضي» . 2/ 94. المزني بكر بن عبد الله البصري. 2/ 45. المزني سلام بن سلام بن سليمان البصري ثم الكوفي. 2/ 328.

المزنيّ أبو بكر بن عمر بن يونس. 7/ 645. المزي أبو بكر بن محمد بن الزكي. 8/ 590. المزني محمد بن عوف الدمشقي أبو الحسن. 5/ 155. المزني معاوية بن قرّة المزني البصري. 2/ 68. ابن مزهر محمد بن أحمد بن محمد الدمشقي الشافعي. 8/ 565. ابن مزهر محمد بن عبد الخالق الأنصاري. 7/ 727. ابن مزير إدريس بن محمد التنوخي الحموي. 7/ 740. المزين علي بن محمد البغدادي. 4/ 153. مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري المصري. 9/ 209. ابن المستأذن أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني. 9/ 177. المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف. 6/ 414. المستظهر بالله العباسي أحمد بن المقتدي بالله بن محمد أبو العباس العباسي. 6/ 54. المستظهري محمد بن أحمد بن الحسين أبو بكر الشاشي. 6/ 28. المستعرب أقطاي الصالحي الأتابك. 7/ 586. المستعصمي ياقوت «جمال الدين» . 7/ 773. المستعلي بالله أحمد بن المستنصر. 5/ 410. المستعين بالله العباسي أحمد بن المعتصم محمد بن الرشيد. 3/ 236. المستغفري جعفر بن محمد بن المعتز النسفي. 5/ 157. المستملي أحمد بن المبارك الحافظ. 3/ 348. المستملي رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة العتبي. 9/ 401. المستملي محمد بن أبان أبو بكر. 3/ 202. المستنصر بالله أحمد بن إبراهيم بن علي المريني صاحب فاس. 8/ 589- 590. المستنصر بالله الحكم عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني أبو مروان. 4/ 352. ابن المستورد محمد بن عبد الله بن المستورد البغدادي أبو بكر. 3/ 274. ابن المستوفي المبارك بن أحمد بن أبي البركات اللخمي الإربلي. 7/ 326. المسدد بن علي الأملوكي أبو المعمر. 5/ 155. مسدد بن قطن النيسابوري أبو الحسن. 4/ 9. مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل بن سرندل بن غرندل بن ماسك بن المستورد الأسدي. 3/ 133. ابن مسدي محمد بن يوسف الأزدي الغرناطي الأندلسي المهلبي. 7/ 543. ابن مسرور عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري. 5/ 206. مسروق الأجدع الهمداني. 1/ 285.

مسعر بن كدام الهلالي الكوفي الأحول الحافظ أبو سلمة. 2/ 252. مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين، الشهير ب: السلطان علاء الدولة. 6/ 38. مسعود بن أحمد بن مسعود أبو محمد وأبو عبد الرحمن. 8/ 53. مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود الأتابكي أبو الفتح المعروف بالسلطان الملك القاهر عز الدين. 7/ 113. مسعود بن الحسن بن الرئيس المعتمد أبي عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني أبو الفرج. 6/ 342. أبو مسعود الدمشقي إبراهيم بن محمد بن عبيد. 4/ 523، 5/ 9. مسعود بن شجاع الأموي الدمشقي أبو الموفق، البرهان الحنفي. 6/ 558. مسعود بن عبد العزيز بن المحسن بن الحسن بن عبد الرزاق البياضي أبو جعفر. 5/ 294. مسعود بن عبد الله العجمي الشيرازي المنلا. 10/ 331. مسعود بن عبد الله المغربي. 10/ 599. مسعود بن علي بن النادر البغدادي أبو الفضل. 6/ 472. مسعود بن عمر بن عبد الله. 8/ 547. مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار الأنطاكي النحوي نزيل دمشق. 9/ 170. مسعود بن محمد بن شرف الدين الكرماني أبو محمد. 8/ 270. مسعود بن محمد بن مسعود الطريثيثي أبو المعالي. 6/ 432. مسعود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك السلجوقي أبو الفتح. 6/ 239. مسعود بن محمود بن سبكتكين. 5/ 163. مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخياط الجمال أبو الحسن. 6/ 524. مسعود بن مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر المعروف بالسلطان عز الدين. 6/ 488. مسعود بن ناصر السجزي الركاب أبو سعيد. 5/ 336. المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي. 2/ 270. المسعودي علي بن أبي الحسن أبو الحسن. 4/ 242. مسكين بن بكير الحراني أبو عبد الرحمن. 2/ 468. ابن مسكين الحسن بن الحارث بن الحسن بن خليفة. 8/ 47. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي أبو عمرو. 3/ 102. المسلم بن أحمد بن علي المازني النصيبي ثم الدمشقي أبو الغنائم. 7/ 257. مسلم البطين صاحب سعيد بن جبير. 2/ 55. مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم بن أحمد بن النحاس البزار البغدادي المأموني أبو عبد الله بن أبي البركات ويعرف بابن جوالق. 6/ 404. مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري. 3/ 270.

مسلم بن خالد الزنجي أبو خالد. 2/ 358. أبو مسلم الخولاني اليمني. 1/ 281. مسلم بن عقبة. 1/ 286. مسلم بن عمرو الباهلي. 1/ 305. [مسلم بن قريش أبو المكارم] [1] السلطان شرف الدولة. 5/ 81. المسلم بن محمد بن المسلم بن مكي بن خلف القيسي الدمشقي شمس الدين أبو الغنائم. 7/ 644. مسلم بن الملك أبي المعالي قريش بن بدران بن مقلد العقيلي أبو المكارم، المعروف: بالملك شرف الدولة. 5/ 343. مسلم بن يسار البصري. 1/ 405. ابن مسلم يوسف بن سعيد الحافظ أبو يعقوب. 3/ 303. ابن مسلمة أحمد بن مفرج. 7/ 430. ابن المسلمة الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله. 7/ 299. مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي. 2/ 93. ابن المسلمة محمد بن أحمد بن محمد بن عمر السلمي البغدادي. 5/ 280. ابن المسلمة محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفّر بن أبي القاسم، أبو الفرج، 6/ 407. مسلمة بن مخلد الأنصاري. 1/ 282. المسلي عمر بن شبيب الكوفي. 3/ 9. المسمعي مالك بن عبد الواحد البصري. 3/ 139. مسند الدنيا عبد الأول بن عيسى السجزي ثم الهروي الماليني. 6/ 275. أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي. 3/ 90. المسور بن مخرمة النوفلي. 1/ 287. المسيب بن رافع الكوفي. 2/ 35. المسيب بن زهير أكبر قواد المأمون. 3/ 6. المسيب بن نجبة الفزاري. 1/ 290. المسيب بن واضح الحمصي. 3/ 215. مسيلمة الكذاب. 1/ 151. ابن المشد علي بن عمر بن قزل التركماني أبو الحسن. 7/ 483. مشرف الدولة السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة ابن السلطان عضد الدولة الديلمي. 5/ 84. ابن مشعل حسن بن علي المنوفي المصري. 10/ 54. المشغراني أحمد بن الحسين بن أحمد الدمشقي. 4/ 92. ابن مشق محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيع. 7/ 34. مشكدانة عبد الله بن عمر بن أبان. 3/ 177. المشهدي محمد بن أبي بكر المشهدي المصري الشافعي. 10/ 259. المصري أحمد بدر الدين العباسي المصري. 10/ 625. المصري أحمد بن سالم النحوي. 7/ 546.

_ [1] ما بين الحاصرتين زيادة أضفتها من «سير أعلام النبلاء» (18/ 482) للتوضيح.

المصري أحمد بن علي بن هاشم. 9/ 197. المصري أحمد بن القاسم بن الريان اللّكّي. 4/ 318. المصري أحمد بن لؤلؤ، شهاب الدين أبو العباس. 8/ 366. المصري أصبغ بن الفرج. 3/ 114. المصري خالد بن يزيد. 2/ 188. المصري سعيد بن أبي أيوب. 2/ 276. المصري شعبان بن علي بن إبراهيم. 9/ 48. المصري شعيب بن الليث بن سعد. 2/ 471. المصري ضمام بن إسماعيل. 2/ 385. المصري عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد. 9/ 336. ابن المصري عبد القادر بن محمد بن منصور بن جماعة الصفدي. 10/ 27. المصري عبد الله بن عبد الحكم أبو محمد. 3/ 69. المصري علي بن رضوان أبو الحسن. 5/ 226. المصري علي بن محمد أبو الحسن. 4/ 205. المصري محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم. 8/ 565. ابن المصري محمد الحنبلي شمس الدين 9/ 119. المصري محمد بن عبد الله المصري. 10/ 628. المصري محمد بن علي أبو عبد الله. 8/ 249. مصطفى بن أحمد الصدري القونوي الشهير بابن وفاء الحنفي. 9/ 540. مصطفى بن خليل (والد صاحب الشقائق) ، مصلح الدين المولى. 10/ 296. مصطفى الرومي الحنفي، الشهير بابن البركي. 10/ 133. مصطفى بن علاء الدين المشتهر بجرّاح زاده الحنفي. 10/ 589. مصطفى القسطلاني الرومي، الحنفي، مصلح الدين. 10/ 18. مصطفى بن محمد العجمي الحلبي الدمشقي الشافعي. 10/ 641. مصطفى بن يوسف بن صالح البرماوي: المعروف: بخواجه زاده. 9/ 532. مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام. 2/ 259. مصعب بن الزّبير. 1/ 304. مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري. 2/ 20. مصعب بن عبد الله بن مصعب الأسدي الزبيري المدني أبو عبد الله. 3/ 167. مصعب بن محمد بن مسعود الجياني الخشني أبو ذر ويعرف أيضا بابن أبي ركب. 7/ 27. مصعب بن المقدام الكوفي. 3/ 16. المصقلي علي بن شجاع أبو الحسن. 5/ 192. مصلح الدين، المشتهر بداود زاده الحنفي. 10/ 558.

مصلح الدين الشهير ببستان الحنفي. 10/ 563. مصلح الدين السلطان جهانكير. 10/ 562. مصلح الدين بن شعبان، المعروف بسروري الحنفي. 10/ 519. مصلح الدين المشتهر بمعلم زاده الحنفي. 10/ 575. مصلح الدين مصطفى المشهور بحاكي الحنفي. 10/ 286. مصلح الدين مصطفى أحمد الصدري القونوي الشهير بابن وفاء. 9/ 540. مصلح الدين بن المولى محيي الدين المشتهر بابن المعمار الحنفي. 10/ 538. المصمودي محمد بن عبد الله بن تومرت البربري. 6/ 117. مصنّفك علي بن محمود بن محمد بن مسعود الرّازي. 9/ 475. المصيصي علي بن أحمد بن علي. 4/ 340. المصيصي علي بن محمد بن علي بن أحمد أبو القاسم. 5/ 374. المصيصي محمد بن كثير الصغاني أبو يوسف. 3/ 78. المصيصي نصر الله بن محمد بن عبد القوي اللاذقي. 6/ 215. ابن أبي المضاء عبد المنعم بن محمد بن محمد البعلبكي الدمشقي. 7/ 397. المطاع بن الحسن بن عبد الله بن حمدان أبو المطاع الملقب بذي القرنين. 5/ 137. ابن المطبقي الحسين بن محمد البغدادي. 4/ 147. ابن مطر محمد بن جعفر بن محمد النيسابوري المعدل. 4/ 311. المطرز القاسم بن زكريا أبو بكر. 4/ 27. ابن المطرز محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي المصري البزاز. 8/ 598. المطرز محمد بن عبد الواحد البغدادي، أبو عمر. 4/ 241. المطرز محمد بن علي بن محمد بن صالح السلمي أبو عبد الله. 5/ 243. المطرز محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني «أبو سعد» . 6/ 13. مطرّف بن طريف الكوفي الزاهد. 2/ 200. أبو المطرف عبد الرحمن بن مروان القنازعي القرطبي. 5/ 70. مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري البصري. 1/ 386. ابن مطرف محمد بن أحمد بن منعة القنوي ثم الصالحي. 8/ 138. ابن مطروح يحيى بن عيسى بن إبراهيم المصري. 7/ 427. المطروحي الأمير جمال الدين الحاجب. 7/ 779. المطري أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المدني. 9/ 225. المطعم عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي. 8/ 94. المطعم الفلكي علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام الأنصاري بن الشاطر. 8/ 435. المطلبي إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان. 3/ 171.

المطهر بن عبد الواحد البزاني الأصبهاني أبو الفضل. 5/ 321. المطوعي الحسن بن سعيد بن جعفر العبّاداني. 4/ 384. ابن مطير إبراهيم بن محمد بن عيسى اليمني. 8/ 396. المطيري محمد بن جعفر الصّيرفي أبو بكر. 4/ 192. المطيع لله، الفضل بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي الخليفة أبو القاسم. 4/ 341. مطيّن محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي. 3/ 412. المظفر بن إبراهيم بن البرتي أبو منصور. 7/ 56. مظفر بن إبراهيم بن جماعة بن علي بن شامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق العيلاني موفق الدين أبو العز. 7/ 194. مظفر بن أبي بكر بن مظفر بن علي الجوسقي ثم البغدادي تقي الدين أبو الميامن. 7/ 671. المظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني أبو القاسم. 4/ 338. مظفر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي أبو منصور الدمشقي. 7/ 566. مظفر بن عبد الملك بن عتيق الفهري الاسكندراني أبو منصور بن الفوي. 7/ 419. المظفر بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن جهير بن أبي القاسم أبو نصر. 6/ 254. مظفر بن محمد بن إلياس الأنصاري الدمشقي ابن الشيرجي الصدر نجم الدين. 7/ 500. المظفر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء أبو منصور. 6/ 419. مظفر بن مدرك الخراساني ثم البغدادي أبو كامل. 3/ 38. مظلوم ملك المولى أحمد المشتهر بمظلوم ملك. 10/ 611. معاذ بن أسد المروزي. 3/ 106. معاذ بن جبل. 1/ 167. معاذ بن الحارث الأنصاري أبو حليمة. 1/ 284. معاذ بن مسلم الكوفي النحوي. 2/ 399. معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى. 2/ 450. معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي. 2/ 476. معاذة [بنت عبد الله] العدوية الفقيهة. 2/ 11. المعاذي الحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري. 5/ 106. المعافري أحمد بن محمد عبد الله بن أبي عيسى. 5/ 147. المعافري طاهر بن مفوز الشاطبي أبو الحسن. 5/ 359. المعافري عبد الرحمن بن شريح. 2/ 299.

المعافري علي بن عبد الله بن أبي مطر الاسكندراني. 4/ 208. المعافري علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي أبو الحسن. 7/ 32. المعافري محمد بن عبد الله بن عابد. 5/ 179. المعافري محمد بن عبد الله بن أبي عامر. 4/ 499. المعافى بن إسماعيل بن الحسين الموصلي أبو محمد ويعرف بابن الحدوس. 7/ 250. المعافى بن زكريا القاضي النهرواني الجريري أبو الفرج ويعرف بابن طرارا. 4/ 483. المعافى بن سليمان الرسعني. 3/ 160. المعافى بن عمران الأزدي أبو مسعود. 2/ 385. أبو المعالي الحسن بن محمد بن أبي جعفر البلخي. 6/ 245. أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي الدمشقي. 6/ 423. أبو المعالي علي بن محمد بن يحيى القرشي العثماني. 6/ 354. معاوية بن حديج الكندي التجيبي. 1/ 250. معاوية بن أبي سفيان. 1/ 270. معاوية بن سلام بن ممطور الحبشي الشامي الدمشقي. 2/ 312- 332. معاوية بن صالح الحافظ الأشعري الدمشقي أبو عبيد الله. 3/ 276. معاوية بن عبيد الله بن يسار الأشعري أبو عبد الله. 2/ 326. معاوية بن عمرو الأزدي البغدادي أبو عمرو الحافظ المجاهد. 3/ 69. معاوية بن قرة المزني البصري. 2/ 68. معاوية بن هشام بن عبد الملك أبو شاكر. 2/ 88. معاوية بن يزيد بن معاوية. 1/ 287. المعاوي محمد بن أحمد بن إسحاق الأموي المعاوي الأبيوردي. 6/ 30. أبو معاوية الضرير محمد بن معاوية الكوفي. 2/ 446. معبد الجهني (صاحب الطائفة القدرية) . 1/ 327. معبد بن خالد الجهني (الصحابي) . 1/ 302. معبد بن خالد الجدلي الكوفي القاض. 2/ 86. معبد بن كعب بن مالك. 2/ 12. المعتز بالله محمد بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي أبو عبد الله. 3/ 246. المعتزلي عمرو بن عبيد البصري 2/ 196. المعتصم محمد بن هارون الرشيد أبو إسحاق الخليفة العباسي. 3/ 127. ابن المعتمد إبراهيم بن محمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي. 10/ 20. المعتمد على الله، أحمد بن المتوكل على الله جعفر العباسي. 3/ 326. المعتمد على الله محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللّخمي الأندلسي أبو القاسم. 5/ 383. معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي الحافظ أبو محمد. 2/ 398.

معد بن الظاهر علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بن المعز العبيدي أبو تميم المعروف ب: المستنصر بالله. 5/ 376. ابن معدان محمد بن أحمد بن راشد الثقفي الأصبهاني. 4/ 49. معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد اليمني. 10/ 520. معروف الكرخي أبو محفوظ. 2/ 478. معروف بن مشكان. 2/ 293. المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي أبو العلاء. 5/ 209. المعري عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حماد بن تركي بن عبد الله. 8/ 611. المعري محمود بن أبي بكر بن محمود المعري الحموي الحلبي نور الدين. 10/ 266. المعز بن باديس بن منصور بن بلكين الحميري الصنهاجي. 5/ 230. معز الدولة البويهي أحمد بن بويه الديلمي. 4/ 290. معز الدين أحمد سنجر أبو الحارث السلطان الأعظم. 6/ 268. المعز لدين الله، معز بن المنصور إسماعيل بن القائم ابن المهدي العبيدي أبو تميم. 4/ 347. ابن المعزم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمذاني. 7/ 70. أبو معشر المنجم. 3/ 302. ابن المعطوش المبارك بن المبارك بن هبة الله الحريمي العطار أبو طاهر. 6/ 558. ابن معطي يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي. 7/ 226. معقل بن سنان الأشجعي. 1/ 283. معقل بن عبيد الله الجزري. 2/ 294. ابن معقل محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم الأموي. 4/ 245. معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي. 1/ 221. ابن المعلم إسماعيل بن عثمان القرشي. 8/ 61. المعلم عبد الواحد بن أحمد الأصبهاني. 5/ 226. معلم زاده مصلح الدين المشتهر بمعلم زاده. 10/ 575. ابن المعلّم محمد بن علي بن فارس بن علي نجم الدين أبو الغنائم. 6/ 507. ابن المعلم محمد بن محمد بن النعمان البغدادي. 5/ 72. ابن المعلّم يوسف بن إسماعيل بن عثمان القرشي الدمشقي. 8/ 62. معلى بن أسد البصري. 3/ 91. معلى بن المثنى بن معاذ العنبري البصري المحدث. 3/ 369. معلى بن منصور الرازي الفقيه. 3/ 56. ابن معلول محمد بن محمد بن عبد القادر، المعروف بابن معلول. 10/ 634. ابن المعمار محمد الرّومي، المولى، الحنفي. 10/ 285. ابن المعمار مصلح الدّين بن المولى محي الدين المشتهر بابن المعمار. 10/ 538. معمر بن أحمد بن محمد بن زياد أبو منصور

الأصبهاني. 5/ 92. معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري الحافظ أبو عروة صاحب الزهري. 2/ 244. معمر بن سليمان الرقي. 2/ 421. أبو معمر عبد الله بن عمرو المنقري المقعد البصري. 3/ 110. معمر بن عبد الواحد بن الفاخر القرشي العبشمي الأصبهاني أبو أحمد. 6/ 355. المعمر بن علي بن المعمر بن أبي عمامة البقال البغدادي أبو سعد. 6/ 23. معمر بن المثنى التيمي البصري أبو عبيدة. 3/ 50. المعمر بن محمد بن علي الكوفي الخزاز الحبال أبو البقاء. 5/ 423. المعمري الحسن بن علي بن شبيب الحافظ. 3/ 400. المعمري محمد بن حميد البصري أبو سفيان. 2/ 366. معن بن زائدة الشيباني الأمير بسجستان. 2/ 237. ابن المعوج منصور بن أحمد بن محمد المراتبي الخلّال. 7/ 393. معوذ بن عفراء. 1/ 115. المعولي مهدي بن ميمون البصري. 2/ 332. المعيد محمد بن محمود بن بون الخوارزمي. 9/ 155. معيد زاده محمد بن عبد العزيز المشتهر بمعيدزاده. 10/ 587. المعيري أحمد بن عيسى بن موسى بن جميل. 9/ 14. معين الدين الحسن بن محمد بن عمر الجويني. 7/ 379. المعين القرشي إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن القاضي الزكي. 7/ 542. ابن المعين محمد بن عبد المنعم المنفلوطي. 8/ 231. ابن معين يحيى بن معين البغدادي «أبو زكريا» الحافظ. 3/ 155. المغاري أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق 7/ 706. المغاري عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزاق. 8/ 21. المغازلي عمر بن ظفر. 6/ 215. المغامي يوسف بن يحيى الأندلسي. 3/ 370. ابن أبي المغراء فروة الكوفي المحدث. 3/ 116. ابن المغربل عثمان بن محمد بن أبي بكر حسن الحراني. 8/ 391. المغربي أحمد بن شقير التونسي. 10/ 59. المغربي أحمد بن منصور بن خلف. 5/ 253. المغربي إسماعيل بن عبد الله المالكي. 9/ 45. المغربي إسماعيل بن عمر. 9/ 131. المغربي الحسن بن عبد الله بختيار البربري. 7/ 681. المغربي سعيد بن سلّام أبو عثمان. 4/ 394.

المغربي علي بن معصوم بن أبي ذر. 6/ 263. ابن المغربي محمد بن سليمان بن معالي الحلبي. 7/ 766. المغربي مسعود بن عبد الله بن المغربي. 10/ 599. المغربي يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدّين الرّحبي المكّي. 10/ 323. المغربي يعقوب بن عبد الله. 8/ 486. المغفّلي أحمد بن عبد الله بن محمد الهروي المزني. 4/ 290. ابن المغلّس عبد الله بن أحمد بن محمد البغدادي. 4/ 128. مغلطاي بن قليج عبد الله الحكري. 8/ 337. المغلوي محمد بن محمود الوفائي المعروف بابن الشيخ محمود. 10/ 492. المغلي أويس بن حسين بن حسن بن أقيغا التبريزي. 8/ 417. ابن المغلي عبد القادر بن علي بن محمود السليماني. 9/ 253. ابن المغلي علي بن محمود بن أبي بكر الحنبلي. 9/ 268. ابن مغيث يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس. 6/ 167. المغيثي بلال المغيثي الحبشي الطواشي الأمير الكبير. 7/ 779. المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، أبو سفيان، ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم. 1/ 127. المغيرة بن سلمة المخزومي. 2/ 477. المغيرة بن شعبة الثقفي. 1/ 245. المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي أبو هاشم. 2/ 388. مغيرة بن مقسم الضّبيّ الكوفي. 2/ 151. ابن المغيزل عبد الكريم بن محمد بن محمد بن نصر الله الحموي. 7/ 765. مفتاح الزيني السبكي. 8/ 492. مفتي الحرمين عبد الرحمن بن محمد بن ثابت النابتي الخرقي. 5/ 321. مفتي كرمان محمد الشافعي محيي الدّين. 10/ 317. ابن مفرّج أحمد بن عبد الله بن بدر العامري الغزي الشافعي. 9/ 224. ابن مفرّج أحمد بن مظفر بن أبي محمد النابلسي. 8/ 318. ابن مفرّج محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى الأموي القرطبي. 4/ 422. ابن مفرّج محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد. 9/ 427. ابن مفرّج محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم الغافقي الملاحي الأندلسي الغرناطي، أبو القاسم. 7/ 153. ابن مفرّج محمد بن مفلح بن محمد المقدسي الصالحي الراميني. 8/ 340. ابن مفرّج يحيى بن علي بن عبد الله بن علي. 7/ 540. المفضل بن إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الإسماعيلي الجرجاني أبو معمر. 5/ 156. المفضل بن غسان الغلابي. 3/ 215.

المفضل بن فضالة القتباني أبو معاوية. 2/ 363. المفضل بن محمد الجندي أبو سعيد، محدث مكة. 4/ 40. ابن مفلح إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد الحنبلي. 10/ 111. ابن مفلح إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني. 10/ 518. ابن مفلح إبراهيم بن محمد بن عبد الله الحنبلي. 9/ 507. ابن مفلح إبراهيم بن محمد بن محمد الكفل حارسي. 9/ 479. ابن مفلح أحمد بن عبد الله الأنصاري المقدسي. 7/ 433. مفلح بن أحمد الرّومي ثم البغدادي الورّاق أبو الفتح. 6/ 190. ابن مفلح أبو بكر بن محمد بن مفلح المقدسي. 9/ 246. مفلح أبو صالح صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي. 4/ 173. ابن مفلح عبد البرّ بن زين الدّين عمر بن مفلح. 10/ 524. ابن مفلح عبد الرحمن بن محمد. 8/ 518. ابن مفلح عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الرّاميني. 10/ 456. ابن مفلح عبد الكريم بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي. 10/ 501. ابن مفلح عبد المنعم بن علي بن أبي بكر. 9/ 541. ابن مفلح علي بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد الحنبلي. 9/ 501. ابن مفلح محمد بن يحيى بن محمد بن سعد المقدسي. 8/ 323. ابن مفلح إبراهيم بن محمد بن مفرج الراميني. 9/ 40. ابن مفلح يحيى بن سالم البغدادي أبو زكريا. 7/ 73. المفيد محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب أبو بكر. 4/ 414. المقابري يحيى بن أيوب البغدادي «أبو زكريا» . 3/ 155. مقاتل بن سليمان الأزدي مولاهم أبو الحسن الخراساني المفسّر. 2/ 228. المقاتلي عثمان بن بلبان المقاتلي. 8/ 84. المقانعي علي بن العباس البجلي الكوفي أبو الحسن. 4/ 51. المقبري سعد بن أبي سعيد «أبو سعد» . 2/ 102. المقبري علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي. 8/ 582. ابن مقبل عبد الرحمن الواسطي، أبو المعالي عماد الدين. 7/ 353. مقبل بن عبد الله الرومي الشافعي. 9/ 36. مقبل بن عبد الله الصرغتمشي. 8/ 606. المقتدي بالله عبد الله بن محمد عبد الله بن أحمد إسحاق بن المقتدر العباسي أبو القاسم. 5/ 373. المقداد بن الأسود. 1/ 198. المقداد بن أبي القاسم هبة الله بن علي بن المقداد نجيب الدين القيسي أبو المرهف. 7/ 653.

المقدام بن معدي كرب الزبيدي الكندي. 1/ 354. المقدسي إبراهيم بن إسماعيل النقيب النابلسي الحنبلي. 9/ 39. المقدسي إبراهيم بن عبد الحافظ بن عبد الحميد. 8/ 87. المقدسي إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن نوح الدمشقي. 8/ 99. المقدسي أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر. 8/ 127. المقدسي أحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور. 7/ 705. المقدسي أحمد بن أحمد بن نعمة (شرف الدين) . 7/ 742. المقدسي أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا المصري السويدائي. 9/ 67. المقدسي أحمد بن حسين بن أرسلان. 9/ 362. المقدسي أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي. 9/ 28. المقدسي أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل الحراني. 7/ 775. المقدسي أحمد بن شرف الدّين (حسن) أبو العباس الصالحي السويدائي. 9/ 67. المقدسي أحمد بن أبي الطاهر بن أبي الفضل. 7/ 735. المقدسي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المقدسي. 7/ 712. المقدسي أحمد بن عبيد الله بن قدامة (الشيخ شرف الدين) . 7/ 100. المقدسي أحمد بن محمد بن إبراهيم. 8/ 55. المقدسي أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة. 9/ 29. المقدسي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد المقدسي. 9/ 69. المقدسي أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله الصالحي. 7/ 794. المقدسي أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة الصالحي. 8/ 303. المقدسي أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة. 8/ 151. المقدسي أحمد بن أبي المكارم بن شكر بن نعمة. 7/ 175. المقدسي إسماعيل بن عمر بن أبي بكر أبو إسحاق. 7/ 99. المقدسي أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني. 9/ 69. المقدسي أبو بكر بن المنذر بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة. 8/ 87. المقدسي الحسن بن أحمد بن الحسن بن عبد الله. 8/ 390. المقدسي حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد. 7/ 515. المقدسي حسن بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة. 7/ 751. المقدسي الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة. 8/ 373. المقدسي أبو الحسين [بن أبي عبد الله بن حمزة] . 6/ 250.

المقدسي سالم بن سالم بن أحمد المصري. 9/ 252. المقدسي سالم بن عبد الرزاق بن يحيى «أبو الرجاء» . 7/ 379. المقدسي سلطان بن إبراهيم بن المسلم الشافعي. 6/ 95. المقدسي سليمان بن أحمد بن أبي عطاف. 7/ 219. المقدسي سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الصالحي الحنبلي أبو الفضل. 8/ 66. المقدسي سيف الدين عبد الله بن عمر بن أبي بكر. 6/ 468. المقدسي عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي. 7/ 772. المقدسي عبد الدائم بن زيد الدين بن عبد الدائم. 7/ 684. المقدسي عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن. 7/ 200. المقدسي عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر. 8/ 153. المقدسي عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد 9/ 200. المقدسي عبد الرحمن بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي. 7/ 381. المقدسي عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي. 7/ 480. المقدسي عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن. 8/ 580. المقدسي عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن التتري. 8/ 349. المقدسي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد أبو القاسم. 7/ 530. المقدسي عبد الرحمن بن نوح بن محمد. 7/ 458. المقدسي عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة الكمال. 7/ 639. المقدسي عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي. 7/ 632. المقدسي عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان. 7/ 293. المقدسي عبد العزيز بن علي بن العز بن عبد العزيز البغدادي. 9/ 377. المقدسي عبد الغني بن عبد الواحد بن علي الجماعيلي. 6/ 561. المقدسي عبد الله بن حسن بن عبد الغني الصالحي. 8/ 175. المقدسي عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد أبو موسى. 7/ 230. المقدسي عبد الله بن عبد الولي بن جبارة أبو محمد. 7/ 783. المقدسي عبد الله بن محمد بن أحمد بن قدامة الصالحي. 7/ 379. المقدسي عبد الله بن محمد بن يوسف بن نعمة. 8/ 201. المقدسي عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي. 5/ 369. المقدسي علي بن أحمد بن محمد بن سليمان الصالحي. 8/ 544.

المقدسي علي بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي. 7/ 531. المقدسي علي بن أيوب بن منصور أبو الحسن. 8/ 264. المقدسي علي بن بلبان الناصري الكركي أبو القاسم. 7/ 676. المقدسي علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النابلسي. 8/ 11. المقدسي علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر أبو الحسن. 7/ 785. المقدسي علي بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الدمشقي أبو الحسن. 8/ 571. المقدسي علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشافعي. 10/ 283. المقدسي علي بن المفضل بن علي اللخمي الاسكندراني. 7/ 87. المقدسي عمر بن عبد الله بن عمر بن عوص عز الدين. 7/ 761. المقدسي عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل. 8/ 325. المقدسي عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي. 9/ 53. المقدسي غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر النابلسي. 7/ 270. المقدسي محمد بن إبراهيم بن عساكر النابلسي. 7/ 270. المقدسي محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن منصور. 6/ 558. المقدسي محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر. 8/ 269. المقدسي محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدين علي بن سرور. 7/ 616. ابن المقرئ محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني أبو بكر. 4/ 428. المقدسي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الصالحي. 8/ 461. المقدسي محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد الدمشقي. 8/ 322. المقدسي محمد بن أحمد بن سعيد قاضي مكة. 9/ 417. المقدسي محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد. 9/ 545. المقدسي محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض. 8/ 335. المقدسي محمد بن أحمد بن نعمة شمس الدين. 7/ 662. المقدسي محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام أبو عمر. 7/ 50. المقدسي محمد بن حازم بن حامد بن حسن أبو عبد الله. 7/ 761. المقدسي محمد بن سليمان بن حمزة بن عمر بن أبي عمر الصالحي. 8/ 168. ابن المقدسي محمد بن عبد الرحمن بن نوح الدمشقي. 7/ 717. المقدسي محمد بن عبد الولي بن جبارة. 7/ 671. المقدسي محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله السعدي. 9/ 270. المقدسي محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله السعدي. 9/ 270. المقدسي محمد بن محمد بن مقلد الحنفي. 9/ 60.

المقدسي محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي. 8/ 429. المقدسي محمد بن يحيى بن محمد بن سعد بن مفلح. 8/ 323. المقدسي محمد بن يوسف بن إسماعيل. 7/ 791. المقدسي نجم الدين بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قدامة الصالحي. 7/ 712. المقدسي نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود. 5/ 396. المقدسي هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرج جمال الدين الاسكندراني أبو البركات. 5/ 179. المقدسي يحيى بن محمد بن سعد. 8/ 102. المقدسي يحيى بن يوسف. 8/ 204. المقدسي يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر أبو المحاسن. 8/ 606. المقدسي يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني الصالحي. 9/ 494. المقدسي يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور. 7/ 349. المقدسية آسية بنت عبد الواحد. 7/ 358. المقدسية زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم. 8/ 221. المقدسية فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد أم يوسف. 9/ 55. ابن المقدسية محمد بن الحسن بن عبد السلام التميمي السفاقسي. 7/ 459. المقدسية هدية بنت عبد الحميد بن محمد. 7/ 792. ابن المقدم محمد بن عبد الملك الأمير الكبير شمس الدين. 6/ 454. ابن المقدم نوح بن عبد الملك بن محمد. 7/ 792. المقدمي عمر بن علي البصري. 2/ 417. المقدمي محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم مولى ثقيف البصري. 3/ 160. ابن المقرون محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي أبو شجاع. 6/ 542. المقرئ أحمد بن يوسف المالكي. 10/ 6. المقريزي أحمد بن علي بن عبد القادر البعلي. 9/ 370. المقريزي عبد القادر بن محمد بن إبراهيم البعلي. 8/ 178. ابن مقسم محمد بن الحسن بن يعقوب البغدادي العطار. 4/ 286. مقسم مولى بن عباس. 2/ 10. المقصاتي إبراهيم بن يوسف الرافضي. 8/ 243. ابن مقلد محمد بن محمد المقدسي. 9/ 63. مقلد بن المسيب بن رافع العقيلي الملقب ب: حسام الدولة. 4/ 489. ابن مقلة محمد بن علي بن حسن أبو علي، صاحب الحظ المنسوب. 4/ 144. المقوم يحيى بن حكيم البصري الحافظ أبو سعيد. 3/ 255.

المقومي محمد بن الحسين بن الهيثم القزويني. 5/ 360. ابن المقير عبد الرحمن بن عبد الله أبو الفرج. 7/ 792. ابن المقير علي بن الحسين بن علي بن منصور أبو الحسن. 7/ 386. أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد الأزدي. 7/ 367. أبو المكارم عبد الواحد بن محمد بن المسلم الأزدي. 6/ 357. أبو المكارم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي. 8/ 69. ابن أبي المكارم محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم الحلبي. 8/ 530. ابن مكانس عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم. 8/ 570. ابن مكانس عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم. 9/ 50. ابن مكانس فضل الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق القبطي المصري 9/ 228. ابن مكتوم أحمد بن عبد القادر بن أحمد القيسي الحنفي النحوي. 8/ 273. ابن مكتوم أحمد بن محمد بن عبد الله العجلوني. 8/ 458. ابن مكتوم محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم القيسي السويدي. 8/ 598. مكحول البيروتي محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروتي. 4/ 110. مكحول مولى بني هذيل أبو عبد الله. 2/ 66. المكدش محمد بن إبراهيم جمال الدين. 10/ 31. مكرم بن أحمد القاضي البغدادي البزاز أبو بكر. 4/ 242. ابن المكرم محمد بن الحسين البغدادي. 4/ 48. مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند القرشي الدمشقي المعروف بابن أبي الصفر نجم الدين أبو المفضل. 7/ 306. ابن مكرم محمد بن هبة الله البغدادي أبو جعفر. 7/ 169. المكشكش موسى بن أحمد اليمني الدّوالي. 10/ 36. المكشوت أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد أنوشروان التبريزي. 8/ 193. المكناسي عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي. 10/ 496. المكودي عبد الرحمن بن علي بن صالح الفاسي المكي. 10/ 9. ابن المكوشة أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد التبريزي. 8/ 193. ابن المكوي أحمد بن عبد الملك الاشبيلي. 5/ 8. مكي بن إبراهيم البلخي الحافظ أبو السكن. 3/ 72. المكي أحمد بن سالم بن ياقوت المؤذن. 8/ 440. المكي أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي. 6/ 283. مكي بن ريان بن شبة الماكسيني أبو الحرم صائن الدين. 7/ 21.

المكي سيف بن سليمان المكي. 2/ 236. مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي أبو محمد. 5/ 175. مكي بن عبدان التميمي النيسابوري أبو حاتم. 4/ 136. مكي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل الزبيدي المقدسي ثم العقرباني أبو الحرم. 7/ 518. مكي بن عبد السلام بن الرميلي المقدسي أبو القاسم. 5/ 403. المكي عبد العزيز بن رفيع الكوفي. 2/ 128. مكي بن عبد الله الدينوري أبو بكر المعروف ب: ابن جابار. 5/ 295. المكي عثمان بن الأسود. 2/ 233. مكي بن عمر بن نعمة ... المقدسي أبو الحرم. 7/ 296. المكي عمرو بن عثمان الزاهد أبو عبد الله. 3/ 411. مكي بن أبي القاسم بن عبد الله بن معالي بن عبد الباقي ابن العراد البغدادي المأموني أبو إسحاق ويقال: أبو الحزم. 6/ 516. ابن المكي محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي. 9/ 255. مكي بن محمد بن الغمر التميمي الدمشقي أبو الحسن. 5/ 92. مكي بن محمد بن هبيرة البغدادي أبو جعفر. 6/ 371. مكي بن منصور بن محمد بن علان الرئيس السلار الكرجي أبو الحسن. 5/ 400. مكي بن نابت بن أبي زهرة الحنبلي الغضاري. 6/ 498. مكين الدين بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري أبو الحسن. 7/ 599. المكين عبد الله بن منصور الاسكندراني. 7/ 735. ابن المكين محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي. 8/ 34. ابن مكين محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل. 9/ 60. ابن مكية أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم النابلسي. 10/ 48. المكية فاطمة بنت أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن المدنية. 8/ 483. ابن ملّاح الشط عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي. 6/ 540. ابن الملاح محمد بن علي بن مسعود الطرابلسي. 8/ 353. الملاحمي محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر البخاري. 4/ 505. الملاحمي محمد بن أحمد بن محمد البخاري أبو نصر. 4/ 503. ابن ملّاس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام النميري. 4/ 150. ابن ملّاس محمد بن هشام النميري الدمشقي أبو جعفر. 3/ 301. ابن ملاعب داود بن أحمد بن محمد بن منصور الأزجي. 7/ 120. الملائي عبد السلام بن حرب الكوفي. 2/ 397- 398.

الملائي الفضل بن دكين أبو نعيم. 3/ 93. الملنجي سليمان بن إبراهيم بن محمد الأصبهاني. 5/ 368. الملتوي محمد بن صلاح بن جلال الملتوي الأنصاري السّعدي العبادي المشهور بمنلا مصلح الدّين اللاري. 10/ 510. ابن ملجم عبد الرحمن بن ملجم الخارجي. 1/ 221. الملحاني عبد الرحمن بن اليماني. 9/ 221. الملطي سريجا بن محمد بن سريجا البارودي. 8/ 517. الملطي يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين. 9/ 64. الملقن إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصوفي. 8/ 607. ابن الملقن عبد الرحمن بن علي بن عمر الأنصاري. 9/ 459. ابن الملقن علي بن عمر الشافعي. 9/ 104. الملقن علي بن محمد بن علي بن بقاء الصالحي. 7/ 772. الملقن عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي الصالحي. 9/ 54. ابن الملقن عمر بن علي بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندلسي. 9/ 71. ابن ملك عبد اللطيف بن عبد العزيز بن الملك الحنفي، الشهير بابن فرشته. 9/ 512. الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز. 8/ 202. الملك الأشرف أحمد بن العادل (سليمان) الأيوبي صاحب حصن كيفا. 9/ 314. الملك الأشرف جان بلاط بن عبد الله أبو النصر. 10/ 41. الملك [الأشرف] موسى بن [الملك] العادل، مظفّر الدين أبو الفتح. 7/ 306. الملك الأكمل أحمد بن الفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي. 6/ 128. الملك الرحيم، أبو نصر بن الملك أبي كاليجار. ابن الملك سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة ابن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي. 5/ 220. الملك الصالح الأيوبي أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين. 7/ 437. الملك العادل محمد بن أيوب بن شاذي سيف الدين أبو بكر. 7/ 117. الملك العادل محمود بن زنكي بن آق سنقر نور الدين أبو القاسم. 6/ 378. الملك العادل طومان باي سيف الدين. 10/ 39. الملك العزيز أبو منصور بن الملك جلال الدولة بن بويه. 5/ 187. الملك العزيز محمد بن غازي بن صلاح الدين غياث الدين. 7/ 294. ملك الفرس [شهر براز بن شيرويه] [1] . 1/ 129. الملك الكامل محمد بن غازي بن العادل ناصر الدين. 7/ 510. الملك المسعود أقسيس بن الكامل. 7/ 210.

_ [1] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» 1/ 11 مصدر المؤلف.

الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن نجم الدين أيوب الأيوبي. 6/ 545. الملك المنصور إبراهيم بن شير كوه بن محمد. 7/ 396. الملك المؤيد أحمد بن نيال العلائي الظاهري. 6/ 532. الملك الناصر أحمد بن إسماعيل بن عباس صاحب اليمن. 9/ 257. الملك الناصر محمد بن قايتباي أبو السعادات. 10/ 33. ملك النحاة الحسن بن صافي البغدادي (أبو نزار) . 6/ 376. الملكاوي إبراهيم بن محمد بن راشد. 9/ 67. الملكاوي أحمد بن راشد بن طرخان الدمشقي. 9/ 42. الملكاوي عبد الرحمن بن موسى بن راشد. 9/ 19. ملكة بنت الشريف عبد الله بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي. 9/ 36. ممدود الذهبي البغدادي المجاب الدعوة. 6/ 433. ابن ملة إسماعيل بن محمد الأصبهاني. 6/ 39. ابن ملوك الوراق أحمد بن محمد بن عبد الملك البغدادي. 6/ 122. ابن ملي أحمد بن محسن الأنصاري البعلبكي. 7/ 777. ابن المليجي إسماعيل بن هبة الله بن علي. 7/ 651. المليحي محمد بن محمد تاج الدين المعروف بصائم الدهر. 8/ 592. المليحي محمد بن مكي بن علي بن الفضل الأصبهاني. 7/ 79. ابن مليك علي بن محمد بن علي الحموي الدمشقي الفقاعي. 10/ 115. ابن أبي مليكة عبد الله بن عبيد الله القرشي التيمي. 2/ 80. ممطور الحبشي الأسود أبو سلام. 2/ 16. مموس إبراهيم بن محمد بن يعقوب الهمذاني. 4/ 136. ابن المنادي أحمد بن محمد بن جعفر البغدادي. 4/ 197. المنازي أحمد بن يوسف السليكي. 5/ 173. المناوي إبراهيم المناوي. 10/ 549. المناوي أحمد بن محمد بن إبراهيم. 8/ 578. المناوي عبد الرحمن المصري. 10/ 404. المناوي محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم السلمي القاهري. 9/ 55. المناوي محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن. 8/ 258. المناوي محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي. 8/ 351. المناوي يحيى بن محمد بن محمد. 9/ 406. المناوي يحيى بن محمد بن محمد بن محمد «أبو زكريا» . 9/ 463.

المنبجي محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الأسمري. 8/ 538. المنبجي محمد بن محمد بن محمد الصالحي. 8/ 406. المنبجي محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصالحي. 8/ 498. المنبجيّ نصر بن سليمان. 8/ 95. منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذجح الزبيدي أبو بكر. 4/ 417. منتجب الدولة، لؤلؤ الشراوي، نائب دمشق. 5/ 15. المنتجب بن أبي العز بن رشيد الهمذاني أبو يوسف. 7/ 393. المنتجب محمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد بن دادا النجيب دادا الجرباذقاني. 6/ 253. المنتصر بالله محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي أبو جعفر. 3/ 224. المنتوف عبد الله بن عياش الهمداني الكوفي. 2/ 261. ابن المنجي أحمد بن محمد بن محمد. 9/ 68. أبو المنجى حيدرة بن علي الأنطاكي المعبر. 5/ 297. المنجى بن عثمان بن أسعد بن المنجى التنوخي الدمشقي أبو البركات. 7/ 756. ابن المنجى علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد. 8/ 444. ابن المنجى علي بن محمد بن محمد التنوخي. 8/ 622. ابن المنجى علي بن المنجى بن عثمان بن أسعد التنوخي. 8/ 285. ابن المنجى محمد بن عثمان بن أسعد التنوخي أبو المعالي. 8/ 7. ابن المنجى محمد بن علي بن أبي الفتح بن أسعد الحنبلي. 8/ 301. ابن المنجّى محمد بن محمد التنوخي المعري الحنبلي أبو البركات. 8/ 375. ابن المنجى محمد بن المنجى بن عثمان بن أسعد التنوخي. 8/ 118. منجاب بن الحارث الكوفي. 3/ 142. ابن منجك أحمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي. 10/ 125. المنجّم هارون بن علي الفاضل البغدادي. 3/ 44. المنجنيقي إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب. 4/ 21. المنجنيقي يعقوب بن صابر، نجم الدين. 7/ 211. المندائي محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي. 7/ 33. مندل بن علي العنزي الكوفي. 2/ 304. ابن مندة عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق الأصبهاني أبو القاسم. 5/ 303. ابن مندة عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق العبدي الأصبهاني. 5/ 321. ابن مندة محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي. 4/ 504. ابن مندة محمد بن يحيى بن إبراهيم مندة العبدي. 4/ 6.

ابن مندة محمود بن إبراهيم بن سفيان العبدي الأصبهاني. 4/ 272. ابن مندة يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق العبدي. 6/ 52. ابن مندويه عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني أبو مسعود. 7/ 78. منذر بن سعيد البلوطي أبو الحكم. 4/ 289. المنذر بن مالك العبدي، أبو نضرة. 2/ 46. المنذري إسماعيل بن ظفر بن أحمد بن إبراهيم النابلسي. 7/ 351. المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله الشامي زكي الدين. 7/ 479. المنذري محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المصري. 7/ 790. المنذري محمد بن المعلم. 8/ 218. المنزلاوي أحمد بن محمد بن داود الشافعي شهاب الدين. 10/ 412. المنزلاوي عبد الحليم بن مصلح الصوفي. 10/ 249. المنزلاوي محمد بن داود النسيمي المنزلاوي. 10/ 17. المنستيري هبة الله بن علي بن سعود الأنصاري الخزرجي البوصيري أبو القاسم. 6/ 550. منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغا بن منشا موسى ملك التكرور. 8/ 531. المنشاوي عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام المصري. 8/ 97. ابن المنصفي محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الحريري. 9/ 58. ابن منصور أحمد بن علي بن منصور الحنفي الدمشقي. 8/ 472. منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي أبو الحسن. 4/ 33. المنصور إسماعيل بن القائم بن المهدي. 4/ 222. منصور بن أبي الحسن الطبري الصوفي أبو الفضل. 6/ 524. منصور بن الحسين التانئ. 5/ 220. منصور بن الحسين بن علي الكازروني. 9/ 435. منصور بن الحسين المفسر أبو نصر. 5/ 116. منصور بن سليم بن منصور بن فتوح وجيه الدين. 7/ 595. منصور بن السند بن الدباغ الإسكندراني النحاس أبو علي. 7/ 410. المنصور العباسي الأسود إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي. 3/ 108. منصور بن عبد الرحمن الحريري الدمشقي الشافعي، الشهير بخطيب السقيفة. 10/ 511. منصور بن عبد الرحمن العبدري الحجي المكي. 2/ 184. منصور بن عبد الله الخالدي الذهلي الهروي أبو علي. 5/ 9. منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القاسم. 7/ 64.

منصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد المراتبي الخلال بن المعوج أبو غالب. 7/ 393. منصور بن المبارك الواعظ أبو المظفر الملقب ب: جرادة. 6/ 491. منصور بن محمد بن أحمد بن حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي العباسي أبو جعفر المعروف بالمستنصر بالله. 7/ 361. منصور بن محمد التميمي المروزي السمعاني أبو المظفر. 5/ 394. ابن منصور محمد بن النعمان بن محمد أبو عبد الله. 4/ 478. منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العباسي أبو جعفر. 6/ 165. منصور بن المستعلي بالله أحمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر ابن الحاكم العبيدي أبو علي. 6/ 120. منصور بن المعتمر السلمي الكوفي الحافظ أبو عتاب. 2/ 147. منصور بن نزار العزيز بالله بن المعز العبيدي أبو علي. 5/ 61. منصور بن نصر السمرقندي الكاغدي أبو الفضل. 5/ 118. المنصوري بيبرس الخطائي الدويدار. 8/ 120. المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرومي. 8/ 171. ابن منظور محمد بن مكرّم بن علي الأنصاري الرّويفعي، صاحب «لسان العرب» . 8/ 49. ابن منعة محمد بن عبد الله البغدادي. 8/ 32. ابن منعة محمد بن محمد بن يوسف الخزرجي. 10/ 35. ابن منعة يوسف بن محمد بن موسى بن يونس. 8/ 79. ابن المنفلوطي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف العثماني الديباجي. 8/ 402. المنفلوطي محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري. 8/ 11. ابن المنقار محمد بن يونس بن يوسف المولوي، شمس الدين. 10/ 342. ابن المنقار يوسف بن يونس بن يوسف الحلبي الدمشقي الصالحي جمال الدين. 10/ 359. ابن منقذ أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد الشيزري. 6/ 459. المنقذي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني. 7/ 750. المنقري حرب بن سريج البصري. 2/ 285. المنقري شبيب بن شيبة البصري. 2/ 285. المنقي أحمد بن طلحة البغدادي. 5/ 98. المنكدري أحمد بن محمد بن عمر التيمي الحجازي. 4/ 70. منكلي بغا بن عبد الله الشمسي. 8/ 407. منكوبري بن محمد بن تكش بن أرسلان بن أتسز بن محمد الخوارزمي، السلطان جلال الدين، خوارزم شاه. 7/ 229.

منكوتمر، أخو أبغا بن هولاكو المغلي. 7/ 654. منكورس، الأمير ركن الدين، مملوك فلك الدين أخي العادل. 7/ 257. ابن المنلا أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن حسين بن يوسف بن موسى الحصكفي. 10/ 650. منلا بدر الدين حسن بن محمد الرومي الحنفي. 10/ 228. منلا خليل خليل بن نور الله الشافعي. 10/ 55. منلا خليل الرومي الحنفي المولى. 10/ 114. منلا زاده أحمد بن عثمان الخطابي. 10/ 5. ابن منلا كالي عبد الله بن منلا صدر الدين بن منلاكالي. 10/ 456. منلا مصلح الدين محمد بن صلاح بن جلال الملتوي الأنصاري السّعدي العبادي. 10/ 510. منلا موسى موسى بن الحسن. الكردي اللألاني. 10/ 246. المنهاجي عبد القادر المنهاجي الشافعي. 10/ 102. منهاج الدين الرومي. 8/ 549. المنهاجي محمد بن محمد بن أحمد. 9/ 388. المنوفي أحمد المنوفي شهاب الدين. 10/ 207. المنوفي حسن بن علي المصري الشهير بابن مشعل. 10/ 54. المهتدي بالله محمد بن هارون بن محمد بن الرشيد أبو إسحاق الخليفة العباسي. 3/ 250. ابن المنّي محمد بن مقبل بن فتيان بن مطر النهرواني. 7/ 426. ابن المني نصر بن فتيان بن مطر النهرواني. 6/ 455. منير بن أحمد بن الحسن بن منير الخشاب المصري أبو العباس. 5/ 68. ابن المنير أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي. 7/ 666. ابن منير أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح. 6/ 241. ابن المنير البعلي محمد بن عبد الرحيم الشافعي شمس الدين. 10/ 316. ابن المنير عبد اللطيف بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور. 9/ 71. ابن منير محمود بن محمد بن إبراهيم. 9/ 83. المنيري أحمد المنيري المصري الشافعي. 10/ 281. ابن منيع أحمد بن الأزهر بن سليط النيسابوري. 3/ 276. ابن منيع محمد بن محمد بن محمد الصالحي الوراق محب الدين. 9/ 62. المنيعي حسان بن سعيد. 5/ 265. ابن منينا عبد العزيز بن معالي بن غنيمة البغدادي الأشناني. 7/ 92. المنيني أبو الرجال بن مري. 7/ 747. المنيني محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الأسود أبو بكر. 5/ 125.

ابن أبي المهاجر إسماعيل بن عبد الله الدمشقي. 2/ 134. ابن مهاجر محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي. 8/ 572. ابن المهتار محمد بن يوسف بن محمد. 8/ 69. ابن المهتار يوسف بن محمد بن عبد الله. 7/ 687. ابن المهتدي محمد بن محمد بن أحمد بن الهاشمي أبو الغنائم. 6/ 92. مهجع مولى عمر. 1/ 115. المهجمي أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس. 9/ 329. المهدي أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين (أبو جعفر) . 3/ 387. المهدي محمد بن عبد الله بن محمد علي بن عبد الله بن عباس. 2/ 305. ابن المهدي محمد بن محمد بن عبد العزيز الخطيب. 6/ 77. مهدي بن ميمون المعولي البصري. 2/ 332. المهذب الحسن بن علي القاضي. 6/ 329. ابن مهران عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله البغدادي. 4/ 401. المهذب بن علي بن قنيدة الأزجي الخياط أبو نصر. 7/ 212. المهذب بن أبي الغنائم التنوخي. 7/ 711. ابن مهران إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الاسفراييني أبو إسحاق. 5/ 90. المهراني خضر بن أبي بكر. 7/ 613. المهراني عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن. 9/ 87. المهراني هبة الله بن القاسم بن عطاء النيسابوري. 6/ 121. المهرواني يوسف بن محمد الهمذاني. 5/ 294. المهري رشدين بن سعد. 2/ 404. المهلّب بن أحمد بن أبي صفرة الأندلسي الأسدي أبو القاسم. 5/ 167. المهلّب بن أبي صفرة الأزدي. 1/ 334. المهلّبي أحمد بن علي بن معقل الحمصي. 7/ 396. المهلّبي الحسن بن محمد الأزدي. 4/ 274. المهلّبي حمزة بن عبد العزيز بن محمد النيسابوري. 5/ 41. المهلبي خالد بن خداش البصري. 3/ 105. المهلّبي عباد بن عباد بن المهلب البصري أبو معاوية. 2/ 360. المهلّبي عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن خالد الأزدي. 4/ 48. المهلّبي عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف الأزدي الأصفهاني. 6/ 270. ابن المهندس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي. 9/ 44. ابن المهندس أحمد بن محمد بن إسماعيل. 4/ 449. ابن المهندس أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيرازي. 10/ 65.

مهلهل بن بدران بن يوسف بن عبد الله بن رافع الحساني النابلسي الأصل المصري الحنبلي الأمير الأجل أبو منصور. 7/ 369. مهنا بن عيسى بن مهنا الطائي. 8/ 195. مهيار بن مرزويه الديلمي أبو الحسن. 5/ 144. ابن المهيني محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي. 8/ 306. المواز محمد بن إبراهيم الاسكندراني المالكي. 3/ 333. ابن الموازيني أحمد بن حمزة بن علي السلمي أبو الحسين. 6/ 465. الموازيني علي بن الحسن السلمي أبو الحسن. 6/ 75. ابن الموازيني محمد بن الحسن بن الحسين السلمي الدمشقي. 6/ 67. ابن الموازيني محمد بن علي بن حسين السلمي. 8/ 34. ابن أبي الموالي عبد الرحمن المدني. 2/ 335. المواهبي إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن الأقصرائي القاهري الشافعي الحنفي المواهبي برهان الدين أبو الطيب. 10/ 52. ابن أبي الموت أحمد بن محمد المكي. 4/ 269. المؤتمن بن أحمد بن علي بن نصر الربعي البغدادي ويعرف ب: الساجي. 6/ 33. المؤدّب عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السلمي الدمشقي. 4/ 340. المؤدّب محمد بن عبد المنعم بن شهاب المصري. 8/ 25. مودود صاحب الأندلس. 6/ 34. مودود السلطان قطب الدين الأعرج أتابك زنكي. 6/ 358. مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة. 5/ 186. ابن مؤذن الزّنجبيلية محمد بن محمد بن عبد الله الحنفي شمس الدين. 9/ 208. مورق العجلي. 2/ 11. موسى بن إبراهيم بن يحيى بن علوان بن محمد الأزدي السقراوي ثم الصالحي أبو إبراهيم. 8/ 14. موسى بن أحمد بن شيخ السلامية. 8/ 181. موسى بن أحمد بن محمد النشادري أبو القاسم. 6/ 109. موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي. 8/ 585. موسى بن أحمد بن موسى الرمثاوي ثم الدمشقي. 9/ 182. موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجّاوي المقدسي الصالحي الحنبلي، شرف الدين. 10/ 472. موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان السبكي. 9/ 345. موسى بن أحمد النحلاوي الحلبي الأردبيلي الشافعي، شرف الدين. 10/ 103. موسى بن أحمد اليمني، الدّوالي، المعروف بالمكشكش. 10/ 36.

موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي أبو بكر. 3/ 413. موسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي البصري. 3/ 106. أبو موسى الأشعري [عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار] الأشعري اليمني. 1/ 235. موسى بن أعين الجزري الحراني أبو سعيد. 2/ 347. موسى بن بغا الكبير. 3/ 277. موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي، شرف الدين. 10/ 381. موسى بن جرير الرقي أبو عمران. 4/ 54. موسى بن الحسن، المعروف بمنلا موسى الكردي. 10/ 246. موسى بن الحسين، الملقب بعوض بن مسافر بن الحسن بن محمود الكردي. 10/ 331. موسى بن داود الضبي الكوفي أبو عبد الله. 3/ 80. موسى بن زين العابدين بن أحمد بن أبي بكر الرداد البكري الصديق الشافعي كمال الدين. 10/ 176. موسى بن سعيد الهاشمي البغدادي أبو إسماعيل. 7/ 98. موسى بن سهل الجوني أبو عمران. 4/ 37. موسى بن سهل بن كثير الوشاء. 3/ 324. موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، 2/ 21. موسى بن عبد الغفار المالكي، شرف الدين. 10/ 85. موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي أبو نصر. 7/ 146. موسى بن عبد الله بن عبد الله الشهير بابن جماعة المقدسي الشافعي. 10/ 110. موسى بن العادل مظفر الدين أبو الفتح، الملك [الأشرف] . 7/ 306. موسى بن عامر المري الدمشقي. 3/ 248. موسى بن العباس الجويني أبو عمران. 4/ 125. موسى بن عبد المنعم الضجاعي، اليمني، كمال الدين. 10/ 36. موسى بن عبيدة الربذي. 2/ 245. موسى بن عطية المالكي. 9/ 133. موسى بن عقبة المدني صاحب المغازي. 2/ 192. موسى بن علي الحوراني، الشافعي، شرف الدين. 10/ 19. موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري. 2/ 287. موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي أبو الفتح. 8/ 69. موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري أبو المظفر. 5/ 370. موسى بن عمر بن منصور اللوبياني الشامي. 8/ 567. موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري الغفجومي الفاسي أبو عمران. 5/ 153. موسى بن عيسى السراج البغدادي أبو القاسم. 4/ 469. موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض

الحنبلي الفندقي النابلسي أبو البركات. 8/ 447. موسى الكاظم بن جعفر الصادق أبو الحسن. 2/ 377. موسى بن كعب التيمي المروزي. 2/ 193. موسى بن محمد بن شهري التركماني. 8/ 464. موسى بن محمد بن عبد الله أبو الحسين اليونيني. 8/ 131. موسى بن محمد القمراوي. 7/ 434. موسى بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري الشافعي. 9/ 63. موسى بن محمد بن محمد بن محمود أبو البركات. 8/ 499. موسى بن محمد المعروف بالوجيه النفري. 7/ 757. موسى بن محمد بن نصر البعلبكي/ المعروف بابن السقيف. 9/ 236. موسى بن مسعود النهدي البصري أبو حذيفة. 3/ 98. موسى بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين شير كوه الملقب بالملك الأشرف مظفر الدين. 7/ 539. موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني. 8/ 575. موسى بن نصير أبو عبد الرحمن. 1/ 390. موسى الهادي بن المهدي الخليفة أبو محمد. 2/ 314. موسى بن هارون بن عبد الله البغدادي البزاز الحافظ أبو عمران. 3/ 399. موسى بن وردان المصري. 2/ 81. موسى بن الوزير عبد الله بن يحيى بن خاقان البغدادي الخاقاني أبو مزاحم. 4/ 136. موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي الكمال بن يونس أبو الفتح. 7/ 356. الموصلي إبراهيم بن أحمد بن حسين المالكي. 9/ 162. الموصلي إبراهيم بن ماهان التميمي النديم. 2/ 402. الموصلي إبراهيم بن محمد بن حسين المصري. 9/ 157. الموصلي إسحاق بن إبراهيم النديم. 3/ 161. الموصلي أبو بكر بن عبد البر بن محمد. 8/ 594. الموصلي الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد. 8/ 321. الموصلي الحسين بن عمر بن باز. 7/ 176. الموصلي سليمان بن محمد بن علي. 7/ 91. الموصلي الشيباني أحمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الله الموصلي الشيباني. 10/ 183. الموصلي عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الدمشقي. 7/ 701. الموصلي عبد الله بن أسعد بن علي المهذب ابن الدهان. 6/ 443. الموصلي علي بن يعقوب بن أبي زهران العماد. 7/ 661.

ابن الموصلي عبد الله بن منصور البغدادي. 6/ 368. الموصلي علي بن الحسين بن عمر بن الفراء أبو الحسن. 6/ 97. الموصلي علي بن محمد بن علي الموصلي. 7/ 110. الموصلي علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله. 8/ 20. الموصلي عمر بن أيوب. 2/ 405. الموصلي عمر بن بدر. 7/ 178. الموصلي محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي. 4/ 398. الموصلي محمد بن النضر النحاس أبو الحسين. 4/ 420. الموصلي محمد بن عبد الباقي بن هبة الله بن حسين بن شريف المجمعي أبو المحاسن. 6/ 398. الموصلي محمد بن عبد الله بن عمار، أبو جعفر. 3/ 193. الموصلي محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان. 8/ 406. الموصلي ياقوت بن عبد الله، أمين الدين أبو الدّر، الكاتب المجيد. 7/ 148. الموصلي يونس بن محمد بن منعة. 6/ 439. الموصلية زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن. 8/ 452. موفق الدين خالد بن محمد بن نصر القيسراني «أبو البقاء» . 6/ 481. الموفق طلحة أبو أحمد ويقال: محمد بن المتوكل. 3/ 323. موفقية بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية. 8/ 57. الموقاني محمد بن عبد الجليل المقدسي. 7/ 550. الموقري الوليد بن محمد البلقاوي. 2/ 366. مولانازاده أحمد بن ركن الدين بن أبي يزيد السرائي. 8/ 542. مولانا لطفي التوقاني لطف الله الرومي الحنفي. 10/ 34. ابن المولد إبراهيم بن أحمد بن محمد الرقي أبو الحسن. 4/ 226. المولى أحمد المشتهر بقاضي زاده الملقب بشمس الدين. 10/ 608. المولى أحمد المشتهر بمظلوم ملك. 10/ 611. المولى حافظ محمد بن أحمد بن عادل حافظ الدين. 10/ 457. المولى حليمي عبد الحليم بن علي القسطموني الرومي الحنفي. 10/ 172. المولى خسرو محمد بن قرامرز الرومي الحنفي. 9/ 512. المولى سنان المولى يوسف أحد أفاضل الروم. 10/ 604. مولى غفرة عمر بن عبد الله. 2/ 208. المولى محمد وقيل مصطفى الشهير بمرحبا. 10/ 411. مؤمل بن إسماعيل. 3/ 33. مؤمل بن إهاب الحافظ أبو عبد الرحمن. 3/ 244.

المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ما سرجس النيسابوري الرئيس أبو الوفاء. 4/ 96. مؤمل بن محمد بن علي البالسي ثم الدمشقي أبو المرجى. 7/ 627. مؤمن الحنفي عبد المؤمن العينتابي. 9/ 71. مؤنس الخادم الملقب بالمظفر. 4/ 110. موهوب بن عمر الجزري ثم المصري صدر الدين. 7/ 557. موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن البغدادي أبو منصور بن الجواليقي. 6/ 207. المؤيد أبي به بن عبد الله السنجري. 6/ 376. مؤيد الدولة ابن الصوفي الدمشقي. 6/ 254. ابن المؤيد عبد الرحمن بن علي الأماسي الحنفي. 10/ 154. ابن المؤيد عبد الرحيم بن علي حاجي جلبي الرومي المولى. 10/ 364. المؤيد محمد بن أحمد التكريتي أبو البركات. 6/ 565. المؤيد محمد الألوسي. 6/ 309. المؤيد بن محمد بن علي بن حسن رضي الدين الطوسي أبو الحسن. 7/ 138. ميان عبد الصمد الهندي. 10/ 598. ميان الهندي وجيه الدين. 10/ 646. الميانجي أحمد بن طاهر النجم، أبو عبد الله. 4/ 318. الميانجي عبد الله بن محمد الهمذاني. 6/ 124. الميانجي يوسف بن القاسم، أبو بكر. 4/ 402. الميانشي عمر بن عبد المجيد القرشي. 6/ 447. المياهي عبد الكريم بن عبد اللطيف بن علي ابن أبي اللطف الشافعي القادري. 10/ 338. ميخائيل الأسلمي. 8/ 526. ميخائيل بن توفيل طاغية الروم. 3/ 256. الميداني أحمد بن محمد النيسابوري. 6/ 94. ابن الميداني عبد الوهاب بن جعفر بن علي. 5/ 91. الميداني محمد بن أحمد بن محمد بن معقل النيسابوري. 4/ 198. الميداني محمد بن نصير الدمشقي الضرير. 10/ 175. ميرجان الكبابي جان التبريزي الشافعي. 10/ 301. ميرشاه عبد الغني بن ميرشاه. 10/ 648. الميقاتي عبد الخالق الميقاتي الحنفي المصري. 10/ 250. ابن ميكال إسماعيل بن عبد الله بن محمد. 4/ 328. ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التركماني. 8/ 606. الميماسي محمد بن جعفر بن علي، أبو بكر. 5/ 167. ابن أخي ميمي الدّقاق محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي. 4/ 483. ابن ميمون أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة الأموي. 4/ 524.

ميمون بن عمر الإفريقي المالكي أبو عمر. 4/ 102. ميمون بن مهران الرقي أبو أيوب. 2/ 81. ميمونة بنت الحارث الهلالية- أم المؤمنين- 1/ 219- 248. الميموني عبد الملك بن عبد الحميد الرقي. 3/ 310. الميورقي محمد بن سعدون بن مرجّى الميورقي العبدري أبو عامر. 6/ 116. الميورقيّ يوسف بن عبد العزيز. 6/ 111. الميهنتي أسعد بن أبي النصر بن الفضل. 6/ 132.

حرف النون النابتي عبد الرحمن بن محمد بن ثابت الخرقي مفتي الحرمين. 5/ 321. النابلسي إبراهيم بن فلاح. 9/ 359. النابلسي أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم. 7/ 784. النابلسي أحمد بن نعمة بن أحمد. 7/ 552. النابلسي إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم النابلسي. 10/ 630. النابلسي إسماعيل بن خليفة بن عبد العالي الحسباني. 8/ 441. النابلسي أيوب بن نعمة الدمشقي الكحال. 8/ 163. النابلسي الحسن بن محمد بن صالح بن محمد المجاور القرشي النابلسي بدر الدين. 8/ 382. النابلسي أبو الحسن بن محمد بن العفيف. 9/ 196. النابلسي خالد بن يوسف بن سعد الزين أبو البقاء. 7/ 542. النابلسي سعد بن محمد بن عبد الله المقدسي. 9/ 452. النابلسي عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي. 7/ 480- 481. النابلسي محمد بن أحمد بن سهل الرملي الشهيد. 4/ 337. النابلسي محمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد الدمشقي. 8/ 306. النابلسي محمد بن علي بن يعقوب الشافعي. 9/ 24. النابلسي محمد بن محمد بن أحمد بن محمود النابلسي شمس الدين. 9/ 82. النابلسي محمد بن محمد بن الإمام. 9/ 477. ابن النابلسي يوسف بن الحسن بن بدر الدمشقي أبو المظفر. 7/ 585. ابن ناجي بيك سعيد بن ناجي بيك أخو المولى جعفر جلبي. 10/ 154. الناجي عباد بن منصور. 2/ 241. الناشري أحمد بن رضي الدين بن علي الزبيدي اليمني. 9/ 163. الناشري أحمد بن محمد بن علي بن أبي بكر. 9/ 425. الناشري حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي بكر اليمني. 10/ 197. الناشري عبد الرحمن بن مرهف المصري. 7/ 531. النّاشري عبد السلام بن محمد بن عبد السلام الشافعي الفقيه. 10/ 67. الناشري علي بن أبي بكر اليمني. 9/ 366. الناشري علي بن محمد بن إسماعيل بن أبي

بكر الزبيدي. 9/ 145. النّاشري عمر بن عبد الوهاب النّاشري. 10/ 582. النّاشري محمد بن عبد السلام اليمني. 10/ 47. الناشيّ عبد الله بن محمد الأنباري ابن شرشير. 3/ 393. ابن الناصح أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الصالحي. 8/ 487. ابن الناصح أحمد بن محمد بن محمد المصري. 9/ 68. ابن الناصح عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن. 8/ 313. ابن الناصح عبد الله بن محمد بن عبد الله بن شجاع. 4/ 345. الناصح فرج بن عبد الله الحبشي. 7/ 447. الناصحي محمد بن عبد الله بن الحسين النيسابوري. 5/ 360. ابن ناصر الإسكاف أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد أبو العباس بن أبي البركات الحربي. 7/ 189. ناصر بن إسماعيل النوقاني أبو علي. 5/ 346. ناصر بن الحسن بن الحسيني المصري أبو الفتوح، الشريف الخطيب. 6/ 349. ناصر بن الحسين العمري المروزي القرشي أبو الفتوح. 5/ 195. ناصر الدين محمد بن أسد الدين شير كوه. 6/ 447. ناصر بن عبد العزيز بن ناصر الأغماتي أبو الفتوح. 7/ 258. ابن ناصر الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد القيسي. 9/ 354. ناصر بن أبي الفضل الهيتي الصالحي. 8/ 133. ناصر بن محمد الأصبهاني القطان أبو الفتح. 6/ 516. ابن ناصر محمد بن علي بن منصور الدمشقي. 8/ 504. الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن الهاشمي. 7/ 172. ناصر بن مهدي الوزير نصير الدين العجمي. 7/ 139. ابن ناظر الجيش عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحلبي. 8/ 501. ناظر زاده المولى رمضان الرومي الحنفي. 10/ 591. ابن ناظر الصحابية أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل. 9/ 384. نافع بن جبير بن مطعم النوفلي. 1/ 398. نافع الديلمي مولى عبد الله بن عمر أبو عبد الله. 2/ 81. نافع بن عمر الجمحي القرشي المكي. 2/ 311. نافع بن أبي نعيم أبو عبد الرحمن. 2/ 312. نافع بن يزيد المصري. 2/ 304. ابن الناقد عبد العزيز بن أحمد بن مسعود البغدادي. 7/ 124. الناقد عمرو بن محمد البغدادي. 3/ 149. النامي أحمد بن محمد الدارمي المصيصي. 4/ 517.

التائب محمد بن عمر بن أحمد، أبو العباس. 9/ 288. نبأ بن محمد بن محفوظ القرشي أبو البيان. 6/ 265. ابن نباتة عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل الفارقي. 4/ 397. ابن نباتة عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد التميمي السعدي. 5/ 31- 32. ابن نباتة محمد بن محمد بن محمد بن الحسن. 8/ 364. ابن نبال عبد الله بن المبارك بن الحسن العكبري ويعرف بعسكر. 6/ 140. ابن نبال علي بن محمد البغدادي. 4/ 416. النبحالي محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر البعلي. 9/ 60. النبتيتي علي النّبتيتي الشافعي. 10/ 211. النّبراوي أحمد بن محيي الدين عبد القادر النبراوي المصري. 10/ 183. النّبراوي عبد القادر النبراوي الحنبلي. 10/ 220. ابن نبهان إبراهيم بن محمد بن نبهان الرّقّي الغنوي أبو إسحاق. 6/ 220. نبهان بن عبد الهادي الصفوري الشافعي. 10/ 204. ابن نبهان علي بن محمود بن حسن. 7/ 640. ابن نبهان محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي أبو علي. 6/ 51. ابن نبهان محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر. 8/ 484. النبيسي إبراهيم بن حسن الشّيشري النّبيسي. 10/ 98. نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري المعدل. 8/ 38. ابن النبيه علي بن محمد بن يوسف. 7/ 151. النجاد أحمد بن سلمان بن الحسن البغدادي. 4/ 251. النجاد الصغير الحسين بن عبد الله البغدادي، أبو علي. 4/ 319. ابن نجاد محمد بن غسان بن غافل الحمصي. 7/ 272. ابن أبي النجاد يونس بن يزيد الأيلي. 2/ 241. النجار أحمد بن سلامة بن أحمد الحراني. 7/ 404. ابن النّجار سليمان بن حمزة القرشي. 7/ 437. النجّار عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدمشقي. 6/ 446. النجار عبد الكافي بن بدر بن حسان الأنصاري. 7/ 112. ابن النجار علي بن محمد بن حامد اليغنوي. 7/ 70. ابن النجار [1] محمد بن أحمد بن شهاب الدين الفتوحي. 10/ 571.

_ [1] تنبيه: هذا اللقب لم يشر إليه في ترجمة المترجم في الكتاب وإنما أضفته من مصادر ترجمته المذكورة في حاشية الترجمة ولأنه اشتهر به.

ابن النجار محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الكمال. 7/ 708. ابن النجار محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي. 5/ 13. النجار محمد بن عمر بن بكير النجار أبو بكر البغدادي. 5/ 158. النجاشي (ملك الحبشة) . 1/ 128. نجدة الخارجي الحروري. 1/ 298. النجدي داود بن محمد بن إبراهيم بن شدّاد الحموي البلاعي. 9/ 441. ابن النجم أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمر. 8/ 387. نجم الدين بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي. 7/ 712. نجم الدين أيوب بن شادي الدويني. 6/ 375. نجم بن عبد الله القابوني. 9/ 197. ابن النجم يحيى بن عبد الرحمن. 7/ 592. النجمي آقوش جمال الدين المعروف بالنجيبي. 7/ 622. النجمي ألب أرسلان الحسن بن الحسين الزركراني. 6/ 97. النجيب بن العود بن الحلي أبو القاسم. 7/ 637. ابن النجيب محمد بن أحمد بن محمد سبط إمام الكلّاسة. 7/ 716. النجيب محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمذاني المصري. 7/ 703. نجيب بن ميمون الواسطي ثم الهروي أبو سهل. 5/ 391. نجيح بن عبد الرحمن المدني السندي أبو معشر. 2/ 326. ابن نجيح محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر الحراني. 8/ 111. ابن نجيح محمد بن العباس بن نجيح البغدادي البزار أبو بكر. 4/ 241. النجيرمي يوسف بن يعقوب البصري. 4/ 383. ابن نجيم زين الدّين بن إبراهيم بن محمد بن محمد الشهير بابن نجيم. 10/ 523. ابن نجية عبد الله بن محمد بن ناجية البربري. 4/ 6. ابن نجية علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري. 6/ 554. ابن النحاس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الدمشقي. 6/ 157. ابن النحاس أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري. 7/ 582. النحاس عبد الرحمن بن عمر المصري البزاز. 5/ 82. النحاس أحمد بن محمد إسماعيل. 4/ 203. ابن النحّاس أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح المصري. 4/ 406. ابن النّحاس إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي. 8/ 41. ابن النّحاس أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم الحلبي. 7/ 778.

ابن النّحاس عبد الله بن الحسن بن الحسين الأنصاري. 7/ 457. ابن النحاس محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي. 7/ 772. ابن النحّاس محمد بن محمد بن نصر الله الأنصاري. 8/ 574. ابن النحاس محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي. 7/ 755. النحاس منصور بن السند بن الدباغ الاسكندراني. 7/ 410. النحريري أحمد بن عبد الله المالكي. 9/ 43. النحريري خلف بن أبي بكر المالكي. 9/ 195. النحريري عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس. 9/ 102. النحريري علي بن عبد الله النحريري نور الدين، الشهير بابن عامرية. 9/ 289. النحريري محمد بن أبي بكر بن أحمد. 9/ 128. النّحريري محمد بن فتح الدين المصري المالكي. 10/ 64. النّحلاوي موسى بن أحمد النّحلاوي الحلبي الأردبيلي الشافعي. 10/ 103. النحوي عمر بن قديد الحنفي. 9/ 393. النحوي يحيى بن يعمر البصري. 2/ 124. النخشبي أحمد بن علي بن مسلم البغدادي. 3/ 379. النخشبي عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم. 5/ 236. النخشبي عسكر بن الحصين «أبو تراب» . 3/ 208. النخعي إبراهيم بن الأشتر. 1/ 305. النخعي إبراهيم بن يزيد أبو عمران. 1/ 387. النخعي أحمد بن محمد بن رميح النسوي. 4/ 297. النخعي الأسود بن يزيد أبو عبد الرحمن. 1/ 313 و 393. النخعي حجاج بن أرطاة. 2/ 232. النخعي حفص بن غياث بن طلق. 2/ 440. النخعي شريك بن عبد الله الكوفي. 2/ 346. النخعي طلق بن غنام الكوفي. 3/ 55. النخعي عبيد بن غنام بن حفص بن غياث الكوفي. 3/ 411. النخعي علقمة بن قيس النخعي. 1/ 281. النخعي عمير بن سعيد أبو يحيى. 2/ 76. نخوة بنت محمد بن عبد القاهر بن النصيبي. 8/ 96. ابن النرسي أحمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي. 7/ 222. النرسي عبد الأعلى بن حماد الحافظ. 3/ 170. ابن النرسي محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد حسنون. 5/ 242. النرسي محمد بن علي بن ميمون الكوفي النّرسي أبو الغنائم المعروف بأبيّ. 6/ 47. ابن النرسي محمد بن محمد بن أبي حرب. 7/ 210. نزار بن المعز بالله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدي العبيدي أبو

منصور المعروف ب: العزيز بالله. 4/ 461. القائم بأمر الله، نزار بن المهدي عبيد الله الدعي الباطني أبو القاسم. 4/ 189. النساج علي بن أيوب الماحوزي الزاهد. 9/ 51. النساخ عثمان بن إبراهيم الحمصي أبو عمرو. 8/ 44. النسائي أحمد بن أبي خيثمة (زهير) بن حرب البغدادي. 3/ 327. النسائي أحمد بن شعيب بن علي [1] ، أبو عبد الرحمن. 4/ 15. النسائي خشيش بن أصرم بن الأسود. 3/ 244. النسائي عبد الله بن أحمد بن محمد أبو القاسم. 4/ 431. النسائي محمد بن زهير أبو بكر. 5/ 92. النسفي إبراهيم بن معقل السانجني. 3/ 400. النسفي أحمد بن جعفر بن مدني الكائني (أبو الليث) . 5/ 261. النسفي الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن علي. 5/ 374. النّسفي شعبة «أحمد» بن جعفر بن مدني. 5/ 261. النّسفي عبد المؤمن بن خلف التّميمي. 4/ 245. النسفي عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل السمرقندي. 6/ 189. النّسفي قتيبة بن محمد بن محمد بن عثمان أبو رجاء. 5/ 320. النّسفي محمد بن زكريا بن الحسين أبو بكر. 4/ 238. النّسفي محمد بن محمود بن محمد الحنفي برهان الدين. 7/ 672. النسفي هناد بن إبراهيم. 5/ 281. النسوي أحمد بن محمد بن رميح النخعي. 4/ 297. النسوي إسحاق بن سعد بن الحافظ الحسن بن سفيان. 4/ 397. النسوي الحسن بن سفيان الشيباني. 4/ 18. النسيب علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي. 6/ 37. نسيم الدين التبريزي. 9/ 211. نسيم الدين قاضي مكة الحنفي. 10/ 215. النسيمي محمد بن داود النّسيمي المنزلاوي. 10/ 17. ابن نشابة محمد بن عبد الله بن نشابة الحرضي ثم العريشي. 9/ 34. النشادري موسى بن أحمد بن محمد. 6/ 109. نشانجي زاده المولى أحمد بن محمد. 10/ 600. النشاوري عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري. 8/ 537. النّشائي أحمد بن عمر بن أحمد بن مهدي. 8/ 312. ابن النشو محمد بن أحمد بن أحمد بن أبي العز الأذرعي. 9/ 21.

_ [1] وفي بعض المراجع: «أحمد بن علي بن شعيب» .

ابن نشوان أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد. 9/ 123- 199. نشوان بنت عبد الله بن علي الكنانية ثم المصرية أم عبد الله. 9/ 480. ابن نشوان عبد الله بن عبد الظاهر المصري. 7/ 735. النشيلي أحمد النشيلي المصري الشافعي. 10/ 319. نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود المقدسي النابلسي أبو الفتح. 5/ 396. نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني أبو الحسن. 4/ 178. نصر بن أحمد البصري الخبز أرزّي. 4/ 84. ابن أبي نصر أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي أبو علي. 5/ 183. نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر البزاز أبو الخطاب. 5/ 409. نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي ثم الدمشقي. 6/ 250. ابن أبي نصر إسماعيل بن محمد بن محمد بن يوسف المروذي القاشاني. 6/ 551. أبو نصر البغدادي هبة بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عمر. 5/ 391. نصر بن الحسن التنكتي [1] الشاشي أبو الفتح. 5/ 370. نصر بن حمدان أبو السرايا. 4/ 111. نصر بن خلف السلطان أبو الفضل. 6/ 313. أبو النصر الساماني أحمد بن إسماعيل بن أحمد. 4/ 10. نصر بن أبي السعود بن مظفر بن الخضر ابن بطة اليعقوبي الضرير تاج الدين أبو القاسم. 7/ 394. نصر بن سليمان المنبجي أبو الفتح. 8/ 95. نصر بن سيار بن صاعد بن سيار الكتاني الهروي أبو الفتح. 6/ 404. نصر بن أبي الضوء الزبداني الفامي أبو الفتح. 8/ 17. ابن نصر عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد جلال الدين أبو محمد. 7/ 652. أبو نصر عبد الرحمن بن محمد الأصبهاني السمسار. 5/ 396. نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني. 7/ 281. نصر بن عبد العزيز الفارسي الشيرازي أبو الحسين. 5/ 258. نصر بن عقيل بن نصر الإربلي أبو القاسم. 7/ 153. ابن أخي نصر العكبري علي بن محمد بن الفرج البزار. 5/ 317. نصر بن علي الجهضمي أبو عمرو. 3/ 233. نصر بن عمران الضبعيّ أبو جمرة. 2/ 123. أبو نصر الغازي أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني. 6/ 162. نصر بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي أبو الفتح ابن المنّي الشهير: بناصح الإسلام. 6/ 455.

_ [1] في متن الكتاب: «السكشي» وهو خطأ، والصواب ما أثبته هنا، وقد نبهت على ذلك في موقع الترجمة من الكتاب.

نصر بن القاسم أبو الليث البغدادي الفرائضي. 4/ 71. نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطار بن أبي نصر الطوسي أبو الفضل. 4/ 436. نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج أحمد بن الحصري الهمذاني البغدادي برهان الدين أبو الفتح. 7/ 146. نصر بن المظفر الهمذاني البرمكي أبو المحاسن ويعرف ب: الشخص العزيز. 6/ 254. نصر بن منصور الحراني المعروف ب: ابن العطار. 6/ 278. نصر بن منصور بن الحسن النميري أبو المرهف وأبو الفتح. 6/ 485. أبو نصر النرسي أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي. 5/ 61. نصر بن نصر العكبري أبو القاسم. 6/ 274. ابن نصر الله أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد البغدادي. 9/ 364. نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التستري. 9/ 147. نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري أبو الفتح. 8/ 585. نصر الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل/ المعروف بالشيخ نصر الله العجمي البخاري الكجوري. 9/ 299. نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني الحريمي القزاز أبو السعادات. 6/ 454. نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن قلاقس الأزهري الإسكندري أبو الفتوح. 6/ 371. نصر الله بن عبد المنعم بن حواري التنوخي شرف الدين (اشتهر بابن شقير) . 7/ 595. نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي النيسابوري. 5/ 421. نصر الله بن مظفر بن عقيل الشيباني الدمشقي الصفار ابن الشقيشقة نجيب الدين أبو الفتح. 7/ 492. نصر الله بن علي بن الكيال أبو الفتح. 6/ 472. نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السكاكيني أبو الفتح. 7/ 757. نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي ثم اللاذقي ثم الدمشقي أبو الفتح. 6/ 215. نصر الله بن محمد العجمي الخلخالي الشافعي. 10/ 483. نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري أبو الفتح ضياء الدين بن الأثير. 7/ 328. ابن نصر الله نصر الله بن أحمد بن محمد العسقلاني. 8/ 585. نصر الله بن هبة الله بن بصاقة. 7/ 435. ابن نصر الله يوسف بن أحمد البغدادي المصري. 9/ 523. النصرآباذي إبراهيم بن محمد بن محمويه النيسابوري. 4/ 356. النصراني يحيى بن سعيد. 6/ 309. النصروبي عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري. 5/ 159.

النصري مالك بن أوس بن الحدثان. 1/ 362. نصع بن جهان بير نصع بن جهان. 9/ 459. نصوح الطوسي. 10/ 177. النصيبي أحمد بن الليث نصر بن محمد. 4/ 463. ابن النّصيبي أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي. 7/ 735. النصيبي أحمد بن يوسف بن خلّاد العطار. 4/ 307. النصيبيني إسحاق بن سيار. 3/ 307. النّصيبي حسن بن إسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن الحلبي ... 10/ 413. النصيبي حسين بن عمر بن محمد النصيبي الشافعي. 10/ 652. النصيبي محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النّصيبي، كمال الدين أبو سالم، 7/ 447. النصيبي محمد بن أبي العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري. 7/ 755. النّصيبي محمد بن عمر بن محمد بن محمد الحلبي الشافعي. 10/ 108. ابن النصيبي حسن بن جلال الدين عمر بن محمد الحلبي الشافعي. 10/ 439. ابن النّصيبي محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي. 7/ 762. النصيبي نخوة بنت محمد بن عبد القاهر. 8/ 96. نصير بن يوسف الرازي النحوي المقرئ. 3/ 183. ابن النضر أحمد بن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري أبو الفضل. 3/ 379. النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازني. 3/ 16. النضر بن عبد الجبار المرادي المصري أبو الأسود. 3/ 94. أبو نضرة العبدي المنذر بن مالك. 2/ 46. النضروي العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه. 4/ 391. النضري الحسين بن علي بن العباس بن الفضل الهروي. 5/ 12. النضري عبد الله بن الحسين بن الحسن بن أحمد المروزي. 4/ 299. ابن النظام أحمد بن محمد بن محمد الزهري القوصي. 8/ 441. النظام عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين بن البانياسي. 7/ 543. النظاري محمد بن محمد جمال الدين. 10/ 146. النعال محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي. 7/ 517. النّعالي الحسن بن الحسين أبو علي. 5/ 154. النّعالي الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمامي. 5/ 404. النعمان بن بشير الأنصاري. 1/ 287. النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة، الإمام الكبير. 2/ 229. النعمان بن عبد السلام التيمي أبو المنذر. 2/ 378.

نعمان بن فخر بن يوسف الحنفي. 9/ 217. النعمان بن محمد بن منصور القيرواني أبو حنيفة. 4/ 338. النعمان بن مقرن المزني. 1/ 175. ابن النعمان محمد بن موسى التلمساني. 7/ 670. ابن نعمة إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد المنعم. 8/ 202. ابن نعمة عبد الله بن محمد بن يوسف المقدسي. 8/ 201. ابن نعمة علي بن أحمد بن عبد الدائم المقدسي. 7/ 786. ابن نعمة علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري الأندلسي. 6/ 396. نعمة بنت علي بن يحيى بن الطراح. 7/ 24. نعمة الله بن محمد بن عبد الرحيم البكري الجرهمي. 9/ 345. أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني. 5/ 149. نعيم بن حماد الخزاعي المروزي الفرضي الحافظ. 3/ 133- 135. نعيم بن حماد الفارض الأعور أبو عبد الله. 3/ 133. أبو نعيم عبيد الله بن الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني. 6/ 91. ابن نعيم محمد بن يحيى بن مظفر البغدادي، أبو بكر ابن الحبير. 7/ 355. نعيم بن الهيصم الهروي. 3/ 134. النعيمي عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد الدمشقي الشافعي. 10/ 210. النعيمي علي بن أحمد بن الحسن بن محمد البصري. 5/ 117. النعيمي يحيى بن عبد القادر بن محمد النعيمي. 10/ 561. النفري موسى بن محمد. 7/ 757. نفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الواسطي أبو عبد الله النحوي الشهير. 4/ 122. ابن نفيس أحمد بن سعيد بن أحمد المصري. 5/ 225. النفيس إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدفة الحراني. 7/ 759. النفيس بن البن الحسن بن علي بن الحسين الأسدي. 7/ 206. ابن النفيس علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي. 7/ 701. النّفيس محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري. 7/ 374. النفيس بن مسعود بن أبي الفتح بن سعيد بن علي أبو محمد بن المعروف ب: ابن صعوة السلامي. 6/ 360. نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد بن الحسن بن علي ابن أبي طالب الحسنية. 3/ 43. نفيسة البزازة واسمها أيضا: فاطمة بنت محمد بن علي البغدادية. 6/ 349. نفيع بن الحارث أبو بكرة. 1/ 250. النفيلي عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني. 3/ 158. نقاش المبارد محمد بن خذاداذ بن سلامة العراقي. 6/ 272.

النقاش محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي البغدادي. 4/ 271. النقّاش محمد بن صافي البغدادي النقاش أبو المعالي. 6/ 564. النقاش محمد بن علي بن الحسن المصري المحدّث، أبو بكر. 4/ 375. ابن النقاش محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى المغربي. 8/ 338. النقاش محمد بن علي بن عمرو بن مهدي أبو سعيد. 5/ 75. النقري أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عاث. 7/ 68. النقشواني أبو الهدى بن محمود الحنفي المنلا. 10/ 324. ابن نقطة عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي. 6/ 457. ابن نقطة محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي أبو بكر. 7/ 234. نقفور ملك الروم. 2/ 439. ابن النقور أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزاز. 5/ 301. ابن النقور عبد الله بن محمد بن أحمد البغدادي البزاز. 6/ 357. النقوي محمد بن عبد الله الصنعاني «أبو عبد الله» . 4/ 383. ابن النقيب أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي. 8/ 342. ابن النقيب أحمد بن علي المقدسي. 9/ 175. ابن نقيب الأشراف علي بن السيد ناصر الدين الحنفي. 10/ 68. ابن النقيب الحسن بن شاور الكناني. 7/ 700. ابن النقيب خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع المشهور بابن النّقيب. 10/ 523. ابن النقيب عبد القادر المعروف بابن النقيب القاهري. 10/ 156. نقيب المتعممين أحمد بن أبي بكر البغدادي. 8/ 79. ابن النقيب محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن. 8/ 249. النكري يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح العبدي الدورقي. 3/ 239. النكساري محمد بن إبراهيم بن حسن الرومي. 10/ 14. النمراوي عبد العزيز عبد الجليل المصري. 8/ 48. ابن النمط أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي. 5/ 131. أبو نمي محمد بن بركات أبو نمي. 10/ 619. ابن نمير الأنصاري محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح المقدسي. 7/ 433. نمير بن أوس الأشعري. 2/ 93. ابن نمير محمد بن عبد الله بن نمير الهمذاني الكوفي أبو عبد الرحمن. 3/ 159. النميري أحمد بن حمدان بن شبيب بن وثاب. 7/ 748.

النميري شبيب بن حمدان الحراني. 7/ 749. النميري عبد اللطيف بن عبد المنعم. 8/ 384. النميري عمر بن شبة البصري. 3/ 274. النميري فضيل بن سليمان. 2/ 357. النميري نصر بن منصور بن الحسن، أبو المرهف. 6/ 485. ابن النّن محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي. 7/ 635. ابن النهاس الحكم بن عتيبة العجلي الكوفي. 2/ 75. نهالي بن عبد الله الرومي الحنفي المولى الفاضل. 10/ 192. النهدي عبد الرحمن بن مل أبو عثمان. 1/ 404. النهدي مالك بن إسماعيل الكوفي. 3/ 93. النهدي موسى بن مسعود البصري. 3/ 98. النهرجوري إسحاق بن محمد، أبو يعقوب. 4/ 168. النهرواني إبراهيم بن دينار بن أحمد الرزاز. 6/ 294. النهرواني خديجة بنت أحمد بن الحسين. 6/ 391. النهرواني سليمان بن عبد الله بن الفتى. 5/ 404. النهرواني عبد الملك بن بكران. 5/ 28. النهرواني محمد بن أحمد بن محمد بن بهاء الدين بن يعقوب الهندي، قطب الدين. 10/ 617. النهرواني محمد بن أحمد بن محمد بن خان بهاء الدين بن يعقوب بن حسن بن علي النهرواني الهندي. 10/ 617. النهرواني المعافي بن زكريا الجريري. 4/ 483. النهري عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور بن هبة الله الحراني. 7/ 7. النهشلي أبو بكر الكوفي وجزم ابن حبّان بأن اسمه «عبد الله» . 2/ 295. النهشلي يحيى بن عيسى الكوفي الفاخوري. 3/ 7. النيهي عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن. 6/ 245. النواجي محمد بن حسن بن علي بن عثمان المصري. 9/ 432. أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي 2/ 451. النواوي يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النواوي محيي الدين أبو زكريا. 7/ 618. النوبختي إسحاق بن إسماعيل. 4/ 111. النوبندجاني أحمد بن محمد بن أبي المختار. 6/ 188. نوح بن حبيب القومسي الحافظ. 3/ 193. نوح بن عبد الملك بن محمد بن المقدم. 7/ 792. ابن نوح الغافقي محمد بن أيوب بن محمد بن وهب الأندلسي (أبو عبد الله) . 7/ 62. نوح بن قيس الحدّاني الطاحي البصري. 2/ 382. نوح بن أبي مريم الفقيه أبو عصمة. 2/ 533.

نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني أبو القاسم. 4/ 469. ابن نور أحمد بن علي بن أحمد النحوي. 8/ 204. النور البلخي محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف أبو عبد الله. 7/ 451. أبو النور التونسي المالكي. 10/ 194. نور الدين عبد اللطيف بن علي بن نفيس بن بورنداز بن الحسام البغدادي. 7/ 424. نور الدين بن عين الملك الصالحي. 10/ 343. نور الهدى الحسين بن محمد المزيني أبو طالب. 6/ 55. النوري إسماعيل بن سودكين. 7/ 404. النوقاني ناصر بن إسماعيل. 5/ 346. نوشتكين الرضواني، مولى ابن رضوان المرسي. 6/ 234. النوري سعد الدين بن يوسف بن إسماعيل. 9/ 78. النووي علي بن علي بن يوسف بن خليل الدمشقي. 10/ 11. النووي يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام محيي الدين أبو زكريا. 7/ 618. النويري أحمد بن علي بن أحمد المكي. 9/ 257. النويري أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز. 8/ 609. النويري أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد القرشي الهاشمي العقيلي. 10/ 106. النويري أحمد بن محمد بن محمد بن علي الغزي. 9/ 495. النويري عبد العزيز بن علي بن أحمد المكي العقيلي. 9/ 253. النويري علي بن أحمد بن عبد العزيز المكي. 8/ 614. النويري علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد العزيز. 9/ 501. النويري علي بن مخلوف بن ناهض المالكي. 8/ 89. النويري قاسم بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن. 8/ 502. النويري محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز المكي العقيلي. 9/ 214. النويري محمد بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القائم. 9/ 291. النويري محمد بن محمد بن علي، قاضي مكة. 9/ 406. النويري محمد بن محمد بن القاهري. 9/ 427. ابن النّيدي محمد بن القمر المصري. 9/ 326. النيسابوري إبراهيم بن أبي طالب الحافظ. 3/ 400. النيسابوري إبراهيم بن محمد بن سفيان. 4/ 39. النيسابوري إبراهيم بن هانئ. 3/ 281.

النيسابوري أحمد بن إبراهيم بن موسى أبو سعد. 5/ 228. النيسابوري أحمد بن حرب. 3/ 157. النيسابوري أحمد بن عمرو الحرشي. 3/ 118. النيسابوري أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي. 5/ 127. النيسابوري أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه. 4/ 417. النيسابوري أحمد بن محمد (أبو الحسين) . 4/ 269. النيسابوري أحمد بن محمد بن سعيد الحيري. 4/ 278. النيسابوري أحمد بن محمد بن يحيى. 4/ 168. النيسابوري أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفاف. 3/ 421. النيسابوري أحمد بن نعيم الصوفي. 5/ 247. النيسابوري إسحاق بن إبراهيم البشتي. 4/ 19. النيسابوري إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك. 6/ 163. النيسابوري إسماعيل بن أحمد بن محمد البغدادي. 6/ 209. النيسابوري إسماعيل بن أبي القاسم. 6/ 159. النيسابوري بكر بن محمد بن علي بن محمد. 5/ 272. النيسابوري الحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي. 3/ 181. النيسابوري الحسن بن محمد بن حبيب. 5/ 41. النيسابوري الحسين بن علي بن يزيد بن داود. 4/ 257. النيسابوري الحسين بن الوليد. 3/ 13. النيسابوري حفص بن عبد الله السلمي. 3/ 46. النيسابوري زكريا بن يحيى المزكي. 3/ 418. النيسابوري سعيد بن سهل الخوارزمي الفلكي. 6/ 315. النيسابوري سلمة بن شبيب. 3/ 221. النيسابوري صاعد بن محمد الأستوائي. 5/ 154. النيسابوري عبد الله بن محمد بن زياد. 4/ 352. النيسابوري عبد الله بن محمد بن محمد الحسيني. 8/ 418. النيسابوري عبد الله بن محمد بن منازل. 4/ 176. النيسابوري عبد اللطيف بن أبي البركات البغدادي. 6/ 534. النيسابوري عتبة بن خيثمة التميمي أبو الهيثم. 5/ 42. النيسابوري عمرو بن زرارة الكلابي. 3/ 173. النيسابوري عمرو بن مسلم الزاهد. 3/ 282. النيسابوري محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر شيخ الحرم. 4/ 89.

النيسابوري محمد بن إسماعيل الفارسي، أبو المعالي. 6/ 203. النيسابوري محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدل. 4/ 311. النيسابوري محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور. 4/ 289. النيسابوري محمد بن الحسين بن داود العلوي الحسني. 5/ 9. النيسابوري محمد بن حمدون بن خالد أبو بكر. 4/ 101. النيسابوري محمد بن داود بن سليمان، أبو بكر. 4/ 231. النيسابوري محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي. 7/ 391. النيسابوري محمد بن عبد الله بن دينار، أبو عبد الله. 4/ 206. النيسابوري محمد بن علي بن عمر أبو علي. 4/ 201. النيسابوري محمد بن محمد بن حمدون السلمي، أبو بكر. 5/ 235. النيسابوري محمد بن محمد بن سمعان، المذكر. 4/ 432. النيسابوري محمد بن محمود بن عبد الله ابن أخي جار الله. 8/ 547. النيسابوري محمد بن يحيى أبو سعد. 6/ 249. النيسابوري مسعود بن محمد بن مسعود الطريثيثي. 6/ 432. النيسابوري مكي بن عبدان التميمي. 4/ 136. النيسابوري موسى بن عمران الأنصاري. 5/ 370. النيسابوري يحيى بن إبراهيم بن محمد. 5/ 76. النيسابوري يحيى بن بكر التميمي. 3/ 120. النيسابوري يحيى بن زكريا الأعرج أبو زكريا. 4/ 37. النيسابوري يحيى بن محمد العنبري. 4/ 238. النيسابوري يحيى بن منصور «أبو محمد» . 4/ 472. النيسابوري يزيد بن صالح الفراء، أبو خالد. 3/ 136. النيسابوري يعقوب بن أحمد الصيرفي، أبو بكر. 5/ 284. النيلي سعد بن أحمد بن مكّي. 6/ 505. النّيلي محمد بن عبد العزيز بن عبد العزيز بن عبد الله النيلي أبو عبد الرحمن. 5/ 117. النيني عمر بن محمد الصفدي. 9/ 255.

حرف الهاء ابن الهاد يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي المدني. 2/ 188. ابن الهادي محمد بن عبد الكريم بن يحيى القيسي الدمشقي أبو الفضل. 7/ 326. هارون الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور بن عبد الله الخليفة العباسي. 2/ 428. هارون بن العباس بن محمد العباسي المأموني البغدادي أبو محمد بن المأمون. 6/ 407. هارون بن عبد الله البغدادي البزاز الحافظ المعروف بالحمّال أبو موسى. 3/ 199. هارون بن عبد الله الزهري العوفي المكي المالكي أبو يحيى. 3/ 149. أبو هارون [عمارة بن جوين] العبدي صاحب أبي سعيد الخدري. 2/ 153. هارون بن علي المنجّم الفاضل البغدادي. 3/ 44. هارون بن محمد بن الرشيد بن المهدي العبّاسي، أبو جعفر، وقيل أبو القاسم الواثق بالله. 3/ 150. هارون بن موسى بن شريك المعروف بالأخفش مقرئ أهل دمشق. 3/ 385. هارون بن معروف الضرير أبو علي. 3/ 142. الهاروني محمد بن عبد الله الهاروني. المالكي. 8/ 426. هاشم بن القاسم الخراساني أبو النضر قيصر. 3/ 38. هاشم بن عبد الله البعلي. 8/ 170. هاشم بن عتبة بن أبي وقاص. 1/ 214. الهاشمي إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى. 4/ 135. الهاشمي أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباسي المتوكلي أبو السعادات. 6/ 105. الهاشمي أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود العباسي. 7/ 291. الهاشمي سليمان بن داود بن علي العباسي. 3/ 92. الهاشمي طراد بن محمد بن علي العباسي الزينبي. 5/ 399. الهاشمي عبد اللطيف بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. 1/ 382. الهاشمي علي بن جابر اليمني. 8/ 123. الهاشمي علي بن هبة الله بن محمد أبو تمام. 7/ 368. الهاشمي القاسم بن جعفر بن عبد الواحد أبو عمر. 5/ 75. الهاشمي محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العباسي الدمشقي. 7/ 791. ابن الهاطر عبد الله بن سعد بن الحسين

العطار. 6/ 315. ابن هامل محمد بن عبد المنعم بن عمار بن موهوب الحراني. 7/ 583. ابن هانئ الطائي أحمد بن محمد الأثرم. 3/ 266. ابن هانئ محمد بن الحسن أبو القاسم الأندلسي. 4/ 329. ابن الهايم أحمد بن محمد بن علي السلمي المنصوري. 9/ 518. ابن الهائم أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري المقدسي. 9/ 163. ابن الهايم محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي. 8/ 605. ابن الهبارية محمد بن محمد بن صالح الهاشمي. 6/ 40. ابن هبل الطحان الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي. 8/ 451. ابن هبل علي بن أحمد بن علي البغدادي. 7/ 79. هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري أبو الأسعد. 6/ 231. هبة الله بن أحمد الحفار أبو بكر. 6/ 302. هبة الله بن أحمد الشّبلي بن المظفر القصار المؤذن. 6/ 302. هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاووس البغدادي أبو محمد إمام جامع دمشق. 6/ 187. هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي أبو القاسم المعروف ب: ابن الطبر. 6/ 160. هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي أبو محمد المعروف بابن الأكفاني. 6/ 120. هبة الله بن أحمد الواسطي الشروطي أبو القاسم. 6/ 142. هبة الله بن الحسن بن أحمد البغدادي أبو القاسم المعروف بالأشقر. 7/ 295. هبة الله بن الحسن بن أبي سعيد الهمذاني أبو القاسم سبط ابن لال. 6/ 550. هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي أبو القاسم. 5/ 92. هبة الله بن الحسن بن المعروف بهبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي العساكري ب: الصائن. 6/ 343. هبة الله بن الحسن بن هبة الله أبو المعالي المعروف بابن الدوامي عز الكفاة. 7/ 402. هبة الله الحسن بن هلال الدقاق البغدادي. 6/ 342. هبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب. 6/ 250. هبة الله بن الحسين بن يوسف وقيل: أحمد المعروف ب: البديع الأسطرلابي. 6/ 170. هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس السديد الدمشقي أبو محمد. 7/ 147. هبة الله بن سلامة بن أبي القاسم البغدادي. 5/ 60.

هبة الله بن سهل السيدي البسطامي ثم النيسابوري أبو محمد. 6/ 170. هبة الله بن صاعد المصري البغدادي بن التلميذ أبو الحسن. 6/ 318. هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم أبو القاسم المعروف بابن البارزي. 8/ 209. هبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري البغدادي أبو الحسن. 5/ 400. هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القفطي بهاء الدين أبو القاسم. 7/ 767. هبة الله بن أبي عبد الله بن كامل بن حبيش البغدادي أبو علي. 6/ 349. هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد السامري ثم البغدادي الحريمي ثم الأزجي أبو غالب. 6/ 550. هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي أبو القاسم. 5/ 371. هبة الله بن علي بن سعود الأنصاري الخزرجي المنستيري أبو القاسم البوصيري. 6/ 550. هبة الله بن علي بن الصاحب مجد الدين. 6/ 452 و 458. هبة الله [بن علي بن عقيل] أبو منصور. 6/ 65. هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عمر أبو نصر البغدادي. 5/ 391. هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن الشجري أبو السعادات. 6/ 215. هبة الله بن عمر بن كمال الحلاج الحربي أبو بكر. 7/ 295. هبة الله بن أبي الفضل جعفر بن سناء الملك المصري أبو القاسم. 7/ 64. هبة الله بن القاسم بن عطاء النيسابوري أبو سعد المهراني. 6/ 121. هبة الله بن كامل المصري التنوخي أبو القاسم. 6/ 389. هبة الله بن المبارك البغدادي أبو البركات ابن السقطي. 6/ 42. هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي التغلبي الصائن أبو الغنائم. 6/ 349. هبة الله بن محمد بن أحمد بن البغدادي أبو الغنائم. 5/ 179. هبة الله بن محمد الأنصاري ابن رواحة، ويعرف بالزكي. 7/ 182. هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرّج جمال الدين المقدسي ثم الاسكندراني أبو البركات ويعرف بابن الواعظ. 7/ 436. هبة الله بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري أبو محمد. 6/ 565. هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي الشافعي المعروف بابن البوري أبو القاسم. 6/ 566. هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحسين الشيباني البغدادي أبو القاسم المعروف ب: ابن الحصين. 6/ 127. هبة الله بن محمد بن علي البغدادي أبو البركات ابن البخاري. 6/ 98. هبة الله بن محمد بن هبة الله بن جميل البغدادي أبو محمد المعروف بابن الشيرازي. 6/ 432. هبة الله بن مسعود بن حشيش. 8/ 160.

هبة الله [بن علي ابن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري] . 6/ 65. ابن هبيرة محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن الوزير عون الدين. 7/ 716. ابن هبيرة مكي بن محمد بن هبيرة البغدادي. 6/ 371. الهجيمي إبراهيم بن علي البصري. 4/ 269. هداية الله بن بار علي التبريزي القسطنطيني، الحنفي. 10/ 399. أبو الهدى بن محمود النقشواني الحنفي، المنلا. 10/ 324. هدبة بن خالد القيسي البصري أبو خالد. 3/ 167. هدية بنت عبد الحميد بن محمد المقدسية الصالحية. 7/ 792. هدية بنت علي بن عسكر الهراس أم محمد. 8/ 57. الهدباني يعقوب بن محمد بن حسن الإربلي. 7/ 403. الهذباني عثمان بن عيسى بن درباس الكردي الماراني. 7/ 14. أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس. 2/ 261. أبو الهذيل العلاف محمد بن هذيل بن عبيد الله البصري. 3/ 165. الهذلي عبد الله بن عتبة بن مسعود. 1/ 312. الهذلي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الضرير. 1/ 394. الهذلي أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود. 1/ 333. الهذلي عمر بن أحمد المسعودي النيسابوري أبو حازم. 5/ 88. الهذلي القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن مسعود أبو عبد الله. 2/ 344. الهذلي يوسف بن علي بن جبارة المغربي. 5/ 282. ابن الهراس أحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري (أبو الفضل) . 7/ 119. الهراس هدية بنت علي بن عسكر أم محمد. 8/ 57. الهرّاوي مساعد بن ساري بن مسعود المصري. 9/ 209. الهروي إبراهيم بن عبد الله الحافظ. 3/ 201. الهروي أحمد بن عبد الصمد الغورجي. 5/ 349. الهروي أحمد بن عبد الله بن محمد المزني. 4/ 290. الهروي أحمد بن أبي عمران. 4/ 517. الهروي أحمد بن محمد بن محمد، أبو عبيد. 5/ 8. الهروي أحمد بن نجدة. 3/ 410. الهروي أسعد بن علي بن الموفق. 6/ 229. الهروي الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم الأنصاري. 4/ 7. الهروي الرفاء بن محمد أبو حامد. 4/ 291.

الهروي سعيد بن الربيع البصري. 3/ 55. الهروي سعيد بن العباس المزكي القرشي. 5/ 159. الهروي سويد بن سعيد الحدثاني، أبو محمد. 3/ 181. الهروي شمس الدين بن عطاء الرازي. 9/ 194. الهروي عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري أبو ذر. 5/ 164. الهروي عبد الجليل بن أبي أسعد. 6/ 340. الهروي عبد الصبور بن عبد السلام أبو صابر. 6/ 269. الهروي عبد العزيز بن محمد الترياقي أبو نصر. 5/ 354. الهروي عبد الله بن عروة أبو محمد 4/ 56. الهروي عبد الله بن عطاء بن عبد الله بن أبي منصور الإبراهيمي. 5/ 328. الهروي عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري. 5/ 349. الهروي عبد الله بن مرزوق الأصم أبو الخير. 6/ 28. الهروي عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكرخي. 6/ 244. الهروي عبد الواحد بن أحمد المليحي. 5/ 266. الهروي علي بن أبي بكر بن علي أبو الحسن. 7/ 90. الهروي عمر بن إبراهيم أبو الفضل. 5/ 124. الهروي عيسى بن عبد الرحمن بن أحمد السروي الحجازي. 5/ 416. الهروي الفضيل بن يحيى الفضيلي أبو عاصم. 5/ 309. الهروي القاسم بن سلام البغدادي. 3/ 111. الهروي محمد بن أحمد بن الأزهر أبو منصور 4/ 379. الهروي محمد بن أحمد بن سليمان أبو العباس. 3/ 391. الهروي محمد بن أحمد بن عمار الجارودي أبو الفضل. 4/ 82. الهروي محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله العبادي أبو عاصم. 5/ 251. الهروي محمد بن العباس بن محمد بن أبي ذهل الضبي. 4/ 414. الهروي محمد بن عبد الرحمن الهروي السّامي الحافظ أبو أحمد، ويقال أبو عبد الله. 4/ 7. الهرواني محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي. 5/ 14. الهروي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي. 6/ 254. الهروي محمد بن عبد الله بن محمد ضميرويه. 4/ 391. الهروي محمد بن المنذر أبو عبد الرحمن. 4/ 20. الهروي محمد بن يوسف بن بشر. 4/ 173.

الهروي نجيب بن ميمون الواسطي. 5/ 391. الهروي نعيم بن الهيصم. 3/ 134. الهروي هزار سب بن عوض أبو الخير. 6/ 78. الهروي يحيى بن منصور. 3/ 391. الهروي يحيى بن منصور «أبو سعيد» . 3/ 365. هرثمة بن أعين. 2/ 474. الهرثمية بيبى بنت عبد الصمد بن علي الهروية «أم الفضل» . 5/ 331. هر قل ملك الروم. 1/ 173. هزار سب بن عوض الهروي أبو الخير. 6/ 78. الهزّاني أحمد بن محمد بن بكر أبو روق. 4/ 174. الهسنجاني إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرازي. 4/ 7. هشام بن إسماعيل الدمشقي العطار أبو عبد الملك. 3/ 80. ابن هشام الأنصاري عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام أبو محمد. 8/ 329. هشام بن حسان الأزدي القردوسي الحافظ. 2/ 214. هشام بن الداخل عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني. 2/ 358. هشام بن سعد، مولى بني مخزوم. 2/ 276. هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة البغدادي ثم الأصبهاني المعدّل أبو مسلم. 7/ 45. هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصري الدستوائي. 2/ 245. هشام بن عبد الملك الباهلي الطيالسي أبو الوليد. 3/ 127. هشام بن عبد الملك اليزني الحمصي الحافظ أبو التقى. 3/ 235. هشام بن عبد الملك الأموي أبو الوليد. 2/ 102. هشام بن عبيد الله الرازي الحنفي. 3/ 100. هشام بن عروة بن الزبير الفقيه أحد حفاظ الحديث. 2/ 212. هشام بن عمار السلمي الإمام أبو الوليد. 3/ 210. هشام بن الغاز الجرشي الدمشقي متولي بيت المال للمنصور. 2/ 246. هشام بن محمد بن السائب الكلبي الأخباري. 3/ 27. ابن هشام محمد بن عبد الله بن يوسف. 8/ 616. ابن هشام النحوي محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله المصري. 10/ 51. هشام بن يوسف الصنعاني. 2/ 458. هشيم بن بشير السلمي الواسطي أبو معاوية. 2/ 375. هفتكين التركي الشرابي. 4/ 371. الهقل بن زياد الدمشقي، كاتب الأوزاعي. 2/ 354. هلال بن العلاء بن هلال الرقي أبو عمر. 3/ 331.

هلال بن المحسن بن إبراهيم بن زهرون ابن حيون الصابئ الحرّاني أبو الحسين. 5/ 207. هلال بن محفوظ الرسعني الجزري أبو النجم. 7/ 81. هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفار أبو الفتح. 5/ 76. همام بن أحمد الخوارزمي. 9/ 209. همام بن منبه اليماني صاحب أبي هريرة. 2/ 136. همام بن يحيى العوذي البصري. 2/ 287. همايون بن بابور، السلطان. 10/ 483. أم الهنا بنت محمد الشيخة المباركة بنت ناصر الدين البدراني، المصريّة. 10/ 73. هنّاد بن إبراهيم النسفي أبو المظفر. 5/ 281. هناد بن السري الحافظ القدوة الدارمي الكوفي أبو السري. 3/ 199. هناد بن السري بن يحيى الكوفي الصغير. 4/ 178. هند [بنت سهيل المخزومية] المعروفة بأم سلمة أم المؤمنين. 1/ 280. [ابن] هنفري (أحد قواد الفرنج) . 6/ 408. هود بن خليفة الثقفي البكراوي البصري الأصم. 3/ 78. الهوّاري محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الأعمى. 8/ 462. ابن أبي هريرة الحسن بن محمد بن النضر «أبو علي» . 4/ 106. الهكاري أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الصرخدي. 8/ 196. الهكاري أحمد بن محمد بن أبي الزهر بن عطية. 8/ 324. الهكاري عبد الواحد بن علي القرشي الفارقي. 7/ 684. الهكاري عدي بن مسافر بن إسماعيل الشامي. 6/ 300. الهكاري علي بن أحمد بن يوسف الأموي. 5/ 370. الهكاري محمد بن عبد الله بن أحمد الصلتي. 8/ 503. ابن هلال محمد بن علي الشافعي النحوي العرضي الحلبي شمس الدين ابن هلال. 10/ 277. ابن هلالة عبد العزيز بن الحسين. 7/ 139. الهلالي إبراهيم بن محمد بن سليمان الدمشقي الحنفي. 10/ 104. الهلالي سفيان بن عيينة أبو محمد الكوفي. 2/ 466. الهلالي الضحاك بن مزاحم. 2/ 18. الهلالي عبد الدائم بن الحسين الحوراني الدمشقي. 5/ 256. الهلباوي عبد الغني بن قاسم بن عبد الرزاق المصري. 7/ 143. [همام بن غالب بن صعصعة التميمي البصري أبو فراس] الفرزدق الشاعر المشهور. 2/ 55. ابن الهمام محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي. 9/ 437. الهمامي أبو بكر بن محمد بن أبي بكر

الخضيري السيوطي، والد الحافظ جلال الدين. 9/ 415. همايون بن بابور السلطان. 10/ 483. الهمداني أحمد بن محمد بن حمزة نجم الدين. 7/ 776. الهمداني أحمد بن معين الدين المالكي. 8/ 100. الهمداني أسباط بن نصر الكوفي. 2/ 327. الهمداني جعفر بن علي بن هبة الله الاسكندراني. 7/ 314. الهمداني الحارث بن عبد الله الكوفي. 1/ 290. الهمداني الحسن بن صالح بن حي. 2/ 298. الهمداني الحسين بن حفص الكوفي. 3/ 57. الهمداني سعد بن علي بن إسماعيل الحنفي. 9/ 184. الهمداني سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل. 9/ 220. الهمداني عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم الكوفي الدمشقي. 8/ 581. الهمداني عبد الله بن غالب بن تمام المالكي. 5/ 164. الهمداني عبد الله بن محمد. 9/ 132. الهمداني عمر بن ذر الكوفي. 2/ 255. الهمداني محمد بن عبد الحميد بن محمد المهلبي. 8/ 101. الهمداني محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البغدادي. 5/ 182. ابن همام محمد بن محمد بن علي العسقلاني. 8/ 250. الهمداني مسروق بن الأجدع. 1/ 285. الهمداني الوليد بن أبي ثور بن عبد الله. 2/ 332. الهمداني الوليد بن القاسم. 3/ 17. الهمداني يونس بن إدريس بن يوسف الحلبي ثم الدمشقي. 10/ 177. الهمذاني أحمد بن علي بن أحمد، أبو بكر بن لال. 4/ 514. الهمذاني أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد البديع. 4/ 512. الهمذاني أحمد بن محمد بن أحمد، أبو غالب. 6/ 23. الهمذاني الحسن بن الحسين بن حمكان. 5/ 30. الهمذاني الزبير بن عبد الواحد بن محمد الأسد أباذي. 4/ 248. الهمذاني زكريا بن أبي زائدة. 2/ 223. الهمذاني عبد الله بن الحسن بن أحمد. 7/ 199. الهمذاني علي بن عبد الرشيد أبو الحسن. 7/ 168. الهمذاني علي بن الحسين الفلكي أبو الفضل. 5/ 128. الهمذاني علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء العطار. 6/ 498. الهمذاني القاسم بن مخيمرة الكوفي. 2/ 62.

الهمذاني مجالد بن سعيد الكوفي صاحب الشعبي. 2/ 206. الهمذاني محمد بن سلامة الشافعي. 10/ 79. الهمذاني محمد بن عربشاه بن أبي ناصر الدمشقي. 7/ 627. الهمذاني المنتجب بن أبي العز بن رشيد. 7/ 393. الهمداني يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مليك. 2/ 130. الهمذاني يوسف بن أيوب أبو يعقوب. 6/ 181. أم الهنا جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن الهكاري. 8/ 482. الهنتاتي محمد بن يحيى بن عبد الواحد أبو عبد الله. 7/ 608. الهنتاتي محمد بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى. 8/ 262. الهندواني عمر بن عبد الله بن عمر باعلوى الهندوان. 10/ 606. الهندواني محمد بن عبد الله بن محمد البلخي. 4/ 628. الهندي الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري الصغاني. 7/ 431. الهندي عمر بن محمد بن أحمد بن منصور. 8/ 319. الهندي عيسى الهندي القاضي. 10/ 583. الهندي محمد بن أحمد بن محمد بن بهاء الدين بن يعقوب النهرواني، قطب الدين. 10/ 617. الهندي محمد طاهر الهندي، الملقب بملك المحدّثين. 10/ 601. الهوازني شاور بن مجير بن نزار السعدي. 6/ 351. ابن هود حسن بن علي بن أبي الحجاج يوسف. 7/ 780. الهوريني علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن. 8/ 596. أبو الهول علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الصالحي النساج. 8/ 528. ابن هولاكو أحمد المغلي. 7/ 666. ابن هولاكو أبغا بن هولاكو بن قاآن [1] ، ملك التتار وابن ملكهم. 7/ 639. هولاكو بن قولي قان بن جنكز خان المغلي. 7/ 550. هيّاج بن عبيد الحطيني [2] أبو محمد. 5/ 311. الهيتي ناصر بن أبي الفضل الصالحي. 8/ 133. أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري. 1/ 172. الهيثم بن جميل البغدادي الحافظ. 3/ 61. الهيثم بن خلف الدوري أبو محمد. 4/ 37. الهيثم بن عدي الطائي الكوفي الأخباري المؤرخ أبو عبد الرحمن. 3/ 39.

_ [1] اختلفت المصادر في رسم هذه اللفظة فبعضهم رسمها «قاآن» وبعضهم رسمها «القان» وانظر «معجم المصطلحات والألقاب التاريخية» لصديقي الأستاذ مصطفى الخطيب ص (157) . [2] تنبيه: وقعت في متن الكتاب «الخطيبي» وهو خطأ والصواب ما أثبته هنا، وقد نبهت على هذا الخطأ في موضع الترجمة من الكتاب.

الهيثم بن كليب الشاشي الحافظ أبو سعيد. 4/ 196. أبو الهيجاء مقدم الأكراد ويعرف بالسمين. 6/ 519. الهيتي إسماعيل بن نور بن قمر الصالحي. 7/ 719. الهيتي علوان بن علي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الشاذلي. 10/ 304. الهيثمي علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر. 9/ 105.

حرف الواو الواثق بالله هارون بن محمد بن الرشيد بن المهدي العباسي، أبو جعفر وقيل أبو القاسم. 3/ 150. واثلة بن الأسقع الليثي. 1/ 349. الواحدي علي بن أحمد النيسابوري. 5/ 291. الوادياشي محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النميري. 8/ 223. ابن وارة محمد بن مسلم بن عثمان أبو عبد الله الحافظ. 3/ 301. ابن واسع محمد الأزدي. 2/ 97. ابن الواسطي إبراهيم بن علي بن أحمد الصالحي. 7/ 733. الواسطي أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الحزامي. 8/ 45. الواسطي أحمد بن محمد بن الأنجب بن الكسار. 7/ 771. الواسطي جعفر بن محمد بن الحكم. 4/ 279. الواسطي خلف بن محمد كردوس. 3/ 310. الواسطي خميس بن علي الحوزي. 6/ 44. بنت الواسطي زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحية. 7/ 751. الواسطي عاصم بن علي بن عاصم الحافظ. 3/ 99. الواسطي عباد بن العوام. 2/ 388. الواسطي عبد الحميد بن بيان. 3/ 202. الواسطي عبد الرحمن بن أحمد بن علي البغدادي. 8/ 467. الواسطي علي بن الحسن. 8/ 184. الواسطي علي بن عاصم أبو الحسن. 3/ 6. الواسطي علي بن عبد الله بن مبشر. 4/ 133. الواسطي القاسم بن القاسم. 7/ 226. ابن الواسطي محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي. 7/ 790. الواسطي محمد بن علي بن أحمد المحتسب الكتاني. 6/ 439. الواسطي محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب أبو العلاء. 5/ 155. الواسطي محمد بن يزيد. 2/ 405. الواسطي محمود بن المبارك. 6/ 508. الواسطي نجيب بن ميمون الهروي. 5/ 391. الواسطي هبة الله بن أحمد الشروطي أبو القاسم. 6/ 142. الواسطي وهب بن بقية «وهبان» 3/ 178. الواسطي يحيى بن دينار أبو هاشم الرماني. 2/ 95.

الواسطي يزيد بن هارون، أبو خالد. 3/ 33. واسع بن حيان الأنصاري. 1/ 284. واصل الأحدب. 2/ 90. ابن واصل أحمد، أبو العباس الأمير. 4/ 510. واصل بن عبد الرحمن البصري. 2/ 241. واصل بن عطاء المعتزلي المتكلم. 2/ 136. ابن واصل محمد بن سالم بن نصر الله الحموي. 7/ 766. ابن الواعظ هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرج جمال الدين المقدسي الإسكندراني أبو البركات. 7/ 436. ابن واقد علي بن الحسين. 3/ 56. أبو واقد اللّيثي، ممن شهد فتح مكة. 1/ 296. الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني. 3/ 37. الوانوغي محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي المالكي. 9/ 203. الواني علي بن عمر بن أبي بكر. 8/ 138. الوأواء عبد القاهر بن عبد الله الحلبي. 6/ 262. الوائلي أحمد بن محمد بن أحمد الشريشي البكري. 8/ 85. ابن الوتار عثمان بن أبي نصر بن منصور البغدادي المسعودي. 7/ 315. ابن وثاب أحمد بن حمدان بن شبيب النميري. 7/ 748. الوثابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني أبو الفتوح. 7/ 275. وثيمة بن موسى الوشاء. 3/ 171. ابن وجه الجنة يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزار أبو بكر. 5/ 15. ابن الوجوهي علي بن عثمان بن عبد القادر بن محمود البغدادي. 7/ 588. وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي أبو بكر. 6/ 211. وجيهية بنت علي بن يحيى بن علي بن سلطان الأنصارية البوصيرية. 8/ 174. الوحاظي يحيى بن صالح. 3/ 103. ابن أبي وحشية إياس صاحب سعيد بن جبير. 2/ 106. الوخشي الحسن بن علي البلخي. 5/ 307. أبو وداعة عبد العزيز بن منصور بن محمد الحلبي. 7/ 562. الوداعي محمد بن الحسين بن حبيب أبو حصين. 3/ 410. الوراق أحمد بن الفرج بن راشد بن محمد المدني. 6/ 261. الوارق عبد المؤمن بن عبد الغالب بن محمد الشيباني البغدادي. 6/ 501. الورّاق علي بن بقا المصري أبو الحسن. 5/ 218. الوراق عمر بن محمد المصري. 7/ 753. الورّاق محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملي. 4/ 414. الورّاق محمد بن جعفر البغدادي أبو بكر غندر. 4/ 380.

الواسطي محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني أبو عبد الله. 8/ 352- 421. الورّاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري. 4/ 340. ابن الوراق محمد بن علي بن القاسم بن أبي العز أبو عبد الله. 8/ 139. الورّاق محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي المؤقت. 9/ 62. الوراق مفلح بن أحمد الرومي ثم البغدادي الورّاق أبو الفتح. 6/ 190. ابن ورخز محمد بن علي بن مكي البغدادي أبو عبد الله. 7/ 181. أبو الورد البصري. 1/ 316. ابن الورد وهيب. 2/ 246. ابن وردان إسماعيل بن داود المصري. 4/ 85. ابن وردان موسى المصري. 2/ 81. ابن الوردي عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس المعري الحلبي. 8/ 275. ورش عثمان بن سعيد القيرواني ثم المصري أبو سعيد شيخ الإقراء في الديار المصرية. 2/ 457. الورغمي محمد بن محمد بن محمد بن عرفة التونسي. 9/ 61. ورق جلبي أحمد ورق جلبي. 10/ 453. ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي. 2/ 276. الوركاني الحسن بن محمد «أبو المعالي» . 6/ 312. الورن عبد بن عمر موفق الدين. 7/ 625. ابن الوزان محمد بن عبد الكريم بن أحمد الرازي. 6/ 548. الوزير ابن الفرات. 4/ 10. الوزيري إبراهيم بن إسحاق بن المظفر المصري. 4/ 672. الوزيغي الصديق بن محمد الحكمي. 10/ 32. ابن الوس علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن محمد الشهير بابن عماد الدين. 10/ 530، 531. الوشاء أحمد بن العزيز بن الجعد البغدادي. 4/ 10. الوشاء موسى بن سهل بن كثير. 3/ 324. الوشاء وثيمة بن موسى. 3/ 171. وصيف التركي. 3/ 241. ابن وضاح علي بن محمد بن محمد بن أبي سعيد. 7/ 587. الوضاح مولى يزيد بن عطاء أبو عوانة. 2/ 344. ابن أبي الوفاء. إبراهيم بن علي بن يوسف الحسيني. 9/ 518. ابن وفاء أحمد بن محمد بن محمد الشاذلي المكي. 9/ 144. وفاء بن أسعد التركي الخباز أبو الفضل. 6/ 433. ابن وفاء الحنفي مصطفى بن أحمد الصدري القونوي الشهير بابن وفاء الحنفي المولى، مصلح الدين. 9/ 540. ابن أبي الوفا عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الشاذلي. 9/ 158.

ابن أبي الوفا عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله القرشي. 8/ 409. ابن وفا علي بن محمد بن محمد. 9/ 106. الوفائي أحمد بن عمر بن سليمان الجعفري الدمشقي. 10/ 138. الوفائي عبد الواحد البصير. 9/ 417. الوفائي محمد بن إبراهيم بن مقبل البلبيسي المقدسي الدمشقي. 10/ 313. الوفائي محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد. 9/ 385. ابن وقاص محمد بن عمرو بن علقمة الليثي المدني. 2/ 208. وكيع بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان. 2/ 458. ابن وكيع الشاعر. 4/ 496. وكيع محمد بن خلف بن حيان بن صدقة القاضي. 4/ 33. ابن الوكيل أحمد بن موسى بن علي. 8/ 542. وكيل أبي صخرة أحمد بن عبد الله البغدادي النحاس. 4/ 135. ابن الوكيل محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد ابن عطية أبو عبد الله. 8/ 74. ابن ولاد أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري. 4/ 80. ابن أم ولد عبد العزيز بن زين العابدين الحنفي. 10/ 413. أم ولدزاده علي بن عبد العزيز. 10/ 579. ولي بن الحسين العجمي الشّرواني الشافعي. 10/ 442. الوليد بن أبان الأصبهاني أبو العباس. 4/ 54. الوليد بن بكر الغمر الأندلسي السرقسطي أبو العباس. 4/ 495. الوليد بن أبي ثور بن عبد الله الهمداني الكوفي. 2/ 332. أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي القرطبي الباجي. 5/ 315. الوليد بن شجاع السكوني الحافظ الكوفي. 3/ 200. الوليد بن عبد الملك بن مروان أبو العباس الخليفة الأموي. 1/ 388. الوليد بن عبيد الطائي المنبجي البحتري أبو عبادة. 3/ 348. الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب. 1/ 287. الوليد بن القاسم الهمداني الكوفي. 3/ 17 الوليد بن كثير المدني. 2/ 236. ابن الوليد محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الكرخي. 5/ 343. الوليد بن محمد بن الموقري البلقاوي. 2/ 366. الوليد بن مزيد العذري البيروتي. 3/ 17. الوليد بن مسلم الدمشقي أبو العباس. 2/ 447. الوليد بن معاوية بن مروان الأموي. 2/ 145. أبو الوليد النيسابوري حسان بن محمد القرشي. 4/ 257. الوني الحسين بن محمد بن عبد الواحد البغدادي. 5/ 215.

ابن وهاس علي بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الخزرجي الزبيدي. 9/ 145. وهبان وهب بن بقية الواسطي. 3/ 178. ابن وهب أحمد بن عبد الرحمن المصري. 3/ 277. وهب بن بقية الواسطي ويقال له: وهبان أيضا. 3/ 178. وهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري الحافظ أبو العباس. 3/ 33. وهب الخير أبو جحيفة وهب [بن عبد الله] السوائي. 1/ 311. وهب [بن عبد الله] السوائي أبو جحيفة ويقال له: وهب الخير، صاحب شرطة علي. 1/ 311. وهب بن كيسان المدني المؤدب. 2/ 119. وهب بن مسرة التميمي أبو الحزم، مسند الأندلس. 4/ 246. أبو عبد الله بن وهب بن منبه الصنعاني. 2/ 73. وهب بن وهب القرشي المدني القاضي أبو البختري. 2/ 477. ابن وهبان عبد الوهاب بن أحمد الدمشقي الحنفي. 8/ 364. وهبان بن علي بن محفوظ الجزري أبو الكرم. 7/ 792. الوهراني محمد بن محرز ركن الدين. 6/ 417. وهيب بن خالد البصري أبو بكر. 2/ 293. وهيب بن الورد الولي الشهير صاحب المواعظ والحقائق. 2/ 246.

حرف الياء ابن أبي اليابس عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الديباجي. 6/ 400. الياسري عثمان بن مقبل بن قاسم البغدادي. 7/ 124. ياسمين بنت سالم بن علي بن البيطار الحريمية أم عبد الله. 7/ 296. الياسوفي أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن أبو العباس، المعروف بابن الجابي. 8/ 509. الياسوفي سليمان بن يوسف بن مفلح. 8/ 527. الياسوفي محمد بن محمد الياسوفي الدمشقي. 10/ 109. ياسين الشافعي شيخ المدرسة البيبرسية. 10/ 61. ياسين المغربي، الحجام الأسود. 7/ 704. ياغي أرسلان بن الداشمند. 6/ 319. اليافعي أبو بكر بن محمد بن عبد الله. 6/ 267. اليافعي عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد المكي. 8/ 595. اليافعي عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح اليمني. 8/ 362. اليافعي عبد الوهاب بن عبد الله بن أسعد المكي. 9/ 80. اليافعي علي بن صبر نور الدين. 10/ 605. اليافعي علي بن محمد بن عيسى. 8/ 545. اليافعي محمد بن عيسى الشافعي. 8/ 411. ياقوت الحبشي الشاذلي. 8/ 181. ياقوت الرومي. عتيق ابن البخاري أبو الدر. 6/ 222. ياقوت بن عبد الله الرّومي أبو الدّر الملقب مهذب الدين. 7/ 184. ياقوت بن عبد الله الموصلي أبو الدر. 7/ 148. ياقوت المستعصمي جمال الدين. 7/ 773. اليامي أحمد بن بديل الكوفي. 3/ 258. اليامي زبيد بن الحارث. 2/ 95. اليامي طلحة بن مصرف الهمداني الكوفي. 2/ 65. الياميّ محمد بن طلحة بن مصرّف اليامي الكوفي. 2/ 300. ابن اليتيم محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندرشي. 7/ 169. اليحصبي عبد الله بن عامر الدمشقي أبو عمران. 2/ 85. اليحصبي عبد الملك بن مسرة الشنتمري القرطبي. 6/ 269. يحيى بن آدم الكوفي المقرئ أبو زكريا.

3/ 18. يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي بن البياز أبو الحسين. 5/ 412. يحيى بن إبراهيم بن قاسم بن الكيال محيي الدين. 10/ 388. يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدين الخجندي المدني الحنفي. 10/ 493. يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري المزكي أبو زكريا. 5/ 76. يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي أبو زكريا. 8/ 262. يحيى بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيني المالكي أبو زكريا. 8/ 386. يحيى بن أحمد بن حسن العبابي المصري. 9/ 338. يحيى بن أحمد بن حسن بن عثمان الزرعي الشهير بالأخنائي الشافعي، محيي الدين. 10/ 97. يحيى بن أحمد السيبي القصري أبو القاسم. 5/ 397. يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي. 8/ 25. يحيى بن إسحاق الحضرمي. 2/ 161. يحيى بن إسحاق السيلحيني. 3/ 55. يحيى بن أسعد بن بوش الأزجي الحنبلي الخباز أبو القاسم. 6/ 516. يحيى بن إسماعيل الحربي المزكي أبو زكريا. 4/ 502. يحيى بن إسماعيل [1] بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن رسول صاحب اليمن. 9/ 353. يحيى بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد القيسراني. 8/ 299. يحيى بن أكثم القاضي المروزي ثم البغدادي أبو محمد. 3/ 193. يحيى بن أيوب العلّاف المصري. 3/ 375. يحيى بن أيوب الغافقي المصري. 2/ 287. يحيى بن أيوب المقابري البغدادي أبو زكريا. 3/ 155. يحيى بن بشر الحريري الكوفي. 3/ 127. يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد العقيلي الحلبي، الحنفي، المعروف بابن أبي جرادة. 10/ 438. يحيى بن بكير العبدي قاضي كرمان. 3/ 45. يحيى بن بطريق الطرسوسي ثم الدمشقي. 6/ 173. يحيى بن بهاء الدين الشرواني، الخلوتي السيد. 9/ 455. يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الحميري أبو طاهر. 6/ 43. يحيى بن ثابت بن بندار البغدادي أبو القاسم البقال. 6/ 362. يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان البغدادي أبو بكر. 3/ 316. يحيى بن جعفر أبو الفضل. 6/ 394. يحيى بن الحارث الذماري. 2/ 209.

_ [1] تنبيه: في الكتاب «عبد الله وقيل يحيى بن إسماعيل» ففهرست له في الاسمين لتمام الفائدة.

يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي، شهاب الدين. 6/ 476. يحيى بن حسان التنيسي أبو زكريا. 3/ 44. يحيى بن الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي أبو عبد الله. 6/ 161. يحيى بن الحسين الأواني أبو زكريا. 7/ 45. يحيى بن حكيم البصري المقوم الحافظ أبو سعيد. 3/ 255. يحيى بن حماد البصري الحافظ. 3/ 73. يحيى بن حمزة الحضرمي البتلهيّ أبو عبد الرحمن. 2/ 378. يحيى بن خالد بن برمك البرمكي. 2/ 417. يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليماني أبو زكريا. 6/ 309. يحيى [بن دينار] الرماني الواسطي أبو هاشم. 2/ 95. يحيى الذاكر، محيي الدين. الشيخ الصالح. 10/ 473. يحيى بن الربيع أبو علي مجد الدين. 7/ 45. يحيى الرّهاوي، المصري الحنفيّ، شرف الدين. 10/ 400. يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي الحافظ. 2/ 366. يحيى بن زكريا النيسابوري الأعرج أبو زكريا. 4/ 37. يحيى بن زكرويه القرمطي. 3/ 376. يحيى بن زياد الكوفي النحوي الفراء. 3/ 39. يحيى بن سالم بن مفلح البغدادي أبو زكريا. 7/ 73. يحيى بن سعدون الأزدي القرطبي أبو بكر. 6/ 372. يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ، لقبه جمل. 2/ 442. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني الفقيه أبو سعيد. 2/ 200. يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي أبو حيّان. 2/ 209. يحيى بن سعيد القطان البصري أبو سعيد. 2/ 468. يحيى بن سعيد النصراني. 6/ 309. يحيى بن سعيد بن هبة الله بن زيادة الواسطي ثم البغدادي قوام الدين. 6/ 520. يحيى بن سلام الحصكفي الخطيب. 6/ 279. يحيى بن سليم الطائفي الحذاء. 2/ 449. يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي المقرئ الحافظ أبو سعيد. 3/ 175. يحيى بن سيف يحيى بن يوسف بن عيسى السيرامي. 9/ 300. يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي محيي الدين أبو زكريا. 7/ 618. يحيى بن صالح الوحاظي. 3/ 103. يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي الحافظ أبو زكريا. 3/ 134. يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزاز أبو بكر المعروف ب: ابن وجه الجنة. 5/ 15. يحيى بن عبد الرحمن بن النجم بن الحنبلي

الشيخ سيف الدين. 7/ 592. يحيى بن عبد العظيم المصري جمال الدين أبو الحسين المعروف بالجزّار. 7/ 636. يحيى بن عبد القادر بن محمد النعيمي الشافعي، الفقيه، محيي الدين. 10/ 561. يحيى بن عبدك القزويني. 3/ 304. يحيى بن عبد الله البابلتي الحراني أبو سعيد. 3/ 91. يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري أبو زكريا. 3/ 143. يحيى بن عبد الله الرهوني. 8/ 394. يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن زكريا الغرناطي. 9/ 94. يحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى الليثي القرطبي أبو عيسى. 4/ 366. يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الكوفي. 2/ 406. يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي زين الدين أبو الحسين. 7/ 226. يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحاق بن مندة العبدي الأصبهاني أبو زكريا. 6/ 52. يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان بن عبد الله بن الشوا البيع الأزجي أبو القاسم. 6/ 57. يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدين الرّحبي المكّي المالكي ويعرف كأبيه بالمغربي، أبو زكريا. 10/ 323. يحيى بن علي (وقيل ابن حسين) المعروف بابن الخازندار الحنفي الحلبي أبو زكريا. 10/ 318. يحيى بن علي بن الطراح المدبر أبو محمد. 6/ 187. يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي زكي الدين أبو الفضل المعروف بابن الصائغ. 6/ 173. يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي الأموي النابلسي ثم المصري الرشيد العطار أبو الحسين. 7/ 540. يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي البغدادي عماد الدين أبو بكر المعروف بابن البقال. 7/ 394. يحيى بن علي بن الفرح المصري الخشاب أبو الحسين. 6/ 17. يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله البغدادي أبو القاسم المعروف ب: جمال الدين. 6/ 524. يحيى بن علي بن محمد بن سعد التميمي الدمشقي المحيي ابن القلانسي أبو الفضل. 7/ 665. يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي الخطيب أبو زكريا. 6/ 9. يحيى بن أبي علي منصور بن الجراح بن الحسين بن محمد بن داود أبو الحسين تاج الدين. 7/ 127. يحيى بن عمار الشيباني السجستاني أبو زكريا. 5/ 116. يحيى بن عمر بن أحمد بن عمر الحموي

الأصل، الكركي ويعرف بابن العطار. 9/ 406. يحيى بن عيس بن إبراهيم بن مطروح المصري جمال الدين أبو الحسين. 7/ 427. يحيى بن عيسى النهشلي الكوفي الفاخوري. 3/ 7. يحيى بن أبي الفتح بن عمر بن الطباخ الحراني أبو زكريا. 7/ 57. يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل. 2/ 125. يحيى بن مالك بن عائذ الأندلسي أبو زكريا. 4/ 416. يحيى بن المبارك اليزيدي المقرئ النحوي اللغوي. 3/ 9. يحيى بن المتوكل المدني أبو عقيل. 2/ 299. يحيى بن محمد بن أحمد الدمياطي ثم القاهري. 9/ 491. يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد الحارثي الكوفي. 8/ 292. يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي. 9/ 490. يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد الشيباني عون الدين أبو المظفر الوزير. 6/ 319. يحيى بن محمد التلمساني الأصبحي. 9/ 129. يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوفي- اليماني الشافعي. 9/ 161. يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري اليلدي الحموي ابن الخباز. 8/ 395. يحيى بن محمد بن سعد المقدسي. 8/ 102. يحيى بن محمد بن سلطان الحنفي محي الدين. 10/ 103. يحيى بن محمد بن صاعد البغدادي أبو محمد. 4/ 90. يحيى بن محمد الصنهاجي المالكي. 8/ 218. يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزبداني محيي الدين المعروف بابن العدل. 7/ 762. يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني. 8/ 592. يحيى بن محمد العنبري أبو زكريا النيسابوري. 4/ 238. يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف بن عبد السلام المناوي المصري. 9/ 463. يحيى بن محمد بن محمد المناوي، المصري. 9/ 406. يحيى بن محمد بن مسعود بن عثمان بن محمد، المتوكل على الله صاحب المغرب. 9/ 536. يحيى بن محمد بن يوسف الكرماني البغدادي. 9/ 300. يحيى بن محمود بن سعد الثقفي الأصبهاني أبو الفرج. 6/ 463. يحيى بن المشرف بن علي المصري التمار أبو جعفر. 6/ 127. يحيى بن المظفر بن علي بن نعيم البغدادي البدري صفي الدين أبو زكريا المعروف بابن الحبير. 7/ 57.

يحيى بن أبي المعالي محمد بن أبي الحسن علي بن منتجب الدين أبي المعالي القرشي الدمشقي محيي الدين أبو الفضل. 7/ 570. يحيى بن مقبل بن أحمد بن بركة بن عبد الملك التيمي القرشي الحريمي البغدادي أبو طاهر المعروف بابن الصدر. 6/ 479. يحيى المنبجي. 7/ 617. يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني ويعرف بابن الحبيشي جمال الدين أبو زكريا. 7/ 632. يحيى بن منصور القاضي النيسابوري أبو محمد. 4/ 272. يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي الحافظ. 3/ 288. يحيى بن معاذ الرازي الزاهد. 3/ 260. يحيى بن معين البغدادي أبو زكريا. 3/ 155. يحيى بن منصور الهروي أبو سعد. 3/ 391. أبو يحيى بن معن بن عيسى المدني القزاز. 2/ 468. يحيى بن منصور الهروي الحافظ أبو سعيد. 3/ 365. يحيى بن نجاح بن مسعود بن عبد الله اليوسفي أبو البركات. 6/ 389. يحيى بن نصر بن أبي القاسم بن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي ابن قميرة المؤتمن أبو القاسم. 7/ 436. يحيى بن نور الدين الشهير بكوسج الأمين الحنفي. 10/ 516. يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي أبو البركات. 7/ 310. يحيى بن وثاب الكوفي. 2/ 21. يحيى بن ياقوت البغدادي الفراش. 7/ 98. يحيى بن يحيى بن بكر التميمي النيسابوري. 3/ 120. يحيى بن يحيى بن قيس الغساني. 2/ 152. يحيى بن يحيى بن كثير الفقيه الليثي أبو محمد. 3/ 160. يحيى بن يعلى التيمي الكوفي أبو المحيا. 2/ 358. يحيى بن يعمر النحوي البصري. 2/ 124. يحيى بن اليمان العجلي الكوفي الحافظ أبو زكريا. 2/ 413. يحيى بن يوسف بن بالان الخباز السقلاطوني أبو شاكر. 6/ 407. يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن التادفي الحنبلي القادري سبط الأثير بن الشحنة نظام الدين. 10/ 467. يحيى بن يوسف بن عيسى السيرامي الأصل. 9/ 300. يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي المعروف بالمبشر. 8/ 478. يحيى بن يوسف المقدسي. 8/ 204. يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري أبو زكريا. 7/ 493. يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زغب الرحبي. 8/ 575. اليربوعي أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي. 3/ 121. اليربوعي بدل بن المحبر. 3/ 74.

اليربوعي عاصم بن يوسف الكوفي الخياط. 3/ 96. اليزدي علي بن أحمد بن محمويه أبو الحسن. 6/ 263. اليزدي محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني. 5/ 51. اليزني هشام بن عبد الملك الحمصي الحافظ أبو التقي. 3/ 235. اليزني يزيد بن عبد الله. 1/ 359. يزيد بن إبراهيم التستري ثم البصري. 2/ 284. يزيد بن الأصم العامري ابن خالة ابن عباس. 2/ 21. يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. 2/ 321- 329. يزيد بن أبي حبيب الأزدي أبو رجاء فقيه مصر وشيخها ومفتيها. 2/ 124. يزيد بن حميد البصري أبو التياح صاحب أنس. 2/ 124. يزيد الرشك. 2/ 129. يزيد بن رومان المدني. 2/ 129. يزيد بن زريع العيشي وقيل التيمي البصري أبو معاوية. 2/ 366. يزيد بن أبي زياد الكوفي. 2/ 184. يزيد بن أبي سفيان. 1/ 168. يزيد بن صالح الفراء النيسابوري أبو خالد. 3/ 136. يزيد بن عبد ربه الزبيدي الجرجسي الثبت. 3/ 113. يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مليك الهمداني. 2/ 130. يزيد بن عبد الصمد أبو القاسم. 3/ 320. يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني الفقيه. 2/ 188. يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري. 2/ 46. يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي المدني. 2/ 95. يزيد بن عبد الله اليزني أبو الخير. 1/ 359. يزيد بن عبد الملك بن مروان. 2/ 28. يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع. 2/ 212. يزيد بن عبيد (أبو وجزة السعدي) . 2/ 129. يزيد بن عطاء اليشكري الواسطي أبو خالد. 2/ 347. يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أبو خالد أمير العراقين لمروان. 2/ 148. يزيد بن القعقاع أبو جعفر قارئ المدينة الزاهد العابد. 2/ 126. أبو يزيد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان مرادخان بن محمد خان بن بايزيد خان بن مراد خاد بن أورخان بن عثمان خان، السلطان الأعظم. 10/ 123. يزيد بن مرثد الغنوي. 2/ 384. يزيد بن أبي مسلم الثقفي. 2/ 18. يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. 1/ 286. يزيد بن المهلّب. 2/ 17. يزيد بن هارون الواسطي الحافظ أبو خالد. 3/ 33. يزيد بن الوليد بن عبد الملك. 2/ 116.

يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي الفقيه. 2/ 153. اليزيدي يحيى بن المبارك. 3/ 9. ابن يسار معاوية بن عبيد الله الأشعري. 2/ 326. يسار المكي مولى ثقيف أبو نجيح. 2/ 47. اليشكالسي محمد بن عبيد. 9/ 159. اليشكري أحمد بن منصور الدينوري. 4/ 377. اليشكري شاذ بن فياض البصري. 3/ 115. اليشكري ورقاء بن عمر الكوفي. 2/ 276. اليشكري يزيد بن عطاء الواسطي. 2/ 347. اليعفوري رجب بن علي بن أحمد بن محمود اليعفوري العزازي. 10/ 470. يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العكبري البرزبيني أبو علي. 5/ 380. يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني. 3/ 45. يعقوب بن إبراهيم بن كثير ... العبدي النكري الدورقي البغدادي الحافظ أبو يوسف. 3/ 239. يعقوب بن إبراهيم الكوفي القاضي أبو يوسف. 2/ 367. يعقوب بن أحمد الصيرفي النيسابوري أبو بكر. 5/ 284. يعقوب بن إدريس بن عبد الله الشهير بقرا يعقوب الرومي النكدي. 9/ 301. يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني. 4/ 80. يعقوب بن إسحاق الحضرمي. 3/ 29. يعقوب أفندي الكرماني الحنفي. 10/ 572. يعقوب بن بدران بن منصور المصري تقي الدين الجرائدي. 7/ 711. يعقوب بن جلال [1] الرومي العجمي التباني الأصل المصري المولد. 9/ 265. يعقوب بك بن حسن بك، سلطان العراقين. 9/ 540. يعقوب بن حميد بن كاسب المحدث. 3/ 190. يعقوب الحميدي، الشهير بآجه خليفة، المولى. 10/ 223. يعقوب باشا بن المولى خضر بن جلال الدين الحنفي. 9/ 527. يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ. 3/ 321. يعقوب بن السّكّيت النحوي البغدادي أبو يوسف. 3/ 203. يعقوب بن شيبة السدوسي البصري الحافظ. 3/ 275. يعقوب بن صابر المنجنيقي ويعرف بنجم الدين. 7/ 211. يعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التيمي. 1/ 284. يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدعاء أبو يوسف الشهير ب: الجصاص. 4/ 178. يعقوب بن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب بن

_ [1] تنبيه: ويعرف «جلال» ب «رسولا» وب «أحمد» أيضا.

خطيب القلعة الحموي. 8/ 407. يعقوب بن عبد الرحمن القارئ المدني. 2/ 364. يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي. 2/ 337. يعقوب بن عبد الله المغربي. 8/ 486. يعقوب بن عيسى الأقصرائي ثم الدمشقي. 8/ 559. يعقوب بن الليث الصفّار. 3/ 283. يعقوب بن محمد بن حسن الهدباني الإربلي. 7/ 403. يعقوب بن محمد الزهري المدني الفقيه الحافظ. 3/ 61. يعقوب بن الملك العادل ويلقب بالملك المعز. 7/ 460. يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي الملقب بأمير المؤمنين المنصور أبو يوسف. 6/ 525. يعقوب بن يوسف أبو الفرج. 4/ 40. يعقوب بن يوسف بن كلس أبو الفرج. 4/ 422. اليعقوبي عبد الملك بن محمد بن عبد الملك. 6/ 258. اليعقوبي علي بن علي بن أسمح. 8/ 43. اليعقوبي نصر بن أبي السعود بن مظفّر بن الخضر بن بطة. 7/ 394. أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس السلمي. 6/ 298. أبو يعلى حمزة بن الكيال البغدادي. 5/ 307. أبو يعلى الصغير محمد بن محمد بن الفرّاء البغدادي. 6/ 316. يعلى بن عبيد الطنافسي الكوفي أبو يوسف. 3/ 47. أبو يعلى الموصلي أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي. صاحب «المسند الكبير» و «المسند الصغير» . 4/ 35. اليعمري إبراهيم بن نور الدين أبي الحسن علي بن فرحون ... 8/ 608. اليعمري عبد الرؤوف اليعمري المصري. 10/ 480. اليعمري محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون. 9/ 230. يعيش بن ريحان بن مالك بن هبة الله بن ريحان الأنباري ثم البغدادي أبو المكارم. 7/ 185. ابن يعيش عبد الرحمن بن محمد بن علي الصدر الأنباري. 7/ 123. يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي المعروف بالموفق. 7/ 394. ابن يعيش يعيش بن علي الأسدي الحلبي. 7/ 394. اليغنوي علي بن محمد بن حامد بن النجار. 7/ 70. اليفاعي زيد بن عبد الله بن جعفر اليمني. 6/ 71. يلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري. 8/ 364. يلبغا بن عبد الله السالمي الظاهري. 9/ 142.

اليلداني عبد الرحمن بن أبي الفهم الدمشقي. 7/ 465. اليمامي عكرمة بن عمار. 2/ 266. اليمامي عمر بن يونس. 3/ 15. اليمامي مروان بن أبي حفصة. 2/ 372. اليماني أحمد بن عبد الصمد أبو القاسم. 8/ 478. اليماني عمر بن محمد بن معيبد الزبيدي. 9/ 519. اليماني المثنى بن الصباح. 2/ 225. اليماني همام بن منبه صاحب أبي هريرة رضي الله عنه. 2/ 136. اليمني إسماعيل بن عباس بن علي بن المؤيد. 9/ 45. اليمني جعفر بن عبد الرحيم. 4/ 523. اليمني عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن الصوفي. 9/ 450. اليمني علي بن أبي بكر بن حمير أبو الحسن. 6/ 302. اليمني عمر بن إسماعيل بن يوسف. 6/ 278. اليمني أبو الغيث بن جميل. 7/ 442. اليمني محمد بن أبي بكر الحكمي. 7/ 137. اليمني محمد بن علي بن عبد الله، أبو القاسم. 8/ 428. يموت ابن المزرّع العبدي البصري الأخباري أبو بكر. 4/ 22. ابن الينابيعي حسن الحلبي الشافعي بدر الدين. 10/ 424. ابن يهود الدمشقي أحمد بن يهود الدمشقي الطرابلسي. 9/ 212. يوسف بن إبراهيم بن جملة ... المحجي الدمشقي الصالحي أبو المحاسن. 8/ 210. يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي. 9/ 64. يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصالحي الحجار الغسولي أبو علي. 7/ 799. يوسف بن أحمد بن الحلاوي أبو المظفر. 7/ 296. يوسف بن أحمد بن سليمان المعروف بابن الطحان. 8/ 447. يوسف بن أحمد الشيرازي. 6/ 467. يوسف بن أحمد بن غازي بن أخي الملك العادل سليمان. 9/ 210. يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي أبو المحاسن. 8/ 606. يوسف بن أحمد بن كجّ الدينوري أبو القاسم. 5/ 35. يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري. 9/ 148. يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني المقدسي ثم الصالحي. 9/ 494. يوسف بن أحمد بن نصر الله البغدادي الأصل ثم المصري. 9/ 523. يوسف الأردبيلي. 8/ 456. يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي. 2/ 259. أبو يوسف الأزدي. 2/ 96.

يوسف بن إسكندر بن محمد بن محمد الحلبي الحنفي، المشهور والده بالخواجا ابن الجق [1] جمال الدين، أبو المحاسن. 10/ 233. يوسف بن إسماعيل الأنبابي. 9/ 237. يوسف بن إسماعيل بن عثمان بن المعلّم القرشي الدمشقي تقي الدّين [2] . 8/ 62. يوسف بن إسماعيل بن علي المعروف بالشواء شهاب الدين الكوفي. 7/ 310. يوسف بن الأشرف برسباي العزيز. 9/ 456. يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني الأصل أبو المظفر المعروف بالسلطان صلاح الدين الملك الناصر. 6/ 488. يوسف بن أيوب الهمذاني أبو يعقوب. 6/ 181. يوسف بن أبي بكر السكاكي. 7/ 215. يوسف بن تاشفين أبو يعقوب. 5/ 427. يوسف بن تغري بردي، الحنفي، صاحب «المنهل الصافي» . 9/ 472. يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القفصي جمال الدين أبو إسحاق. 7/ 654. يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي ابن المبرد الصالحي الحنبلي جمال الدين. 10/ 62. يوسف بن الحسن بن بدر الدمشقي أبو المظفر المعروف بابن النابلسي. 7/ 585. يوسف بن الحسن الزّراري بدر الدين السنجاري. 7/ 544. يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عبد الله بن خطيب المنصورية الحموي. 9/ 130. يوسف بن الحسن الجنابي أبو يعقوب صاحب هجر. 4/ 356. يوسف بن الحسن بن الحسن بن محمود السّرائي ثم التبريزي الحلاوي ويعرف بالحلوائي. 9/ 37 و 73. يوسف بن الحسين الرازي أبو يعقوب. 4/ 25. يوسف بن حسين الكردي الشافعي نزيل دمشق. 9/ 74. يوسف بن حسين الكرماسني الحنفي المولى. 9/ 549. يوسف الحمّامي المصري المالكي، جمال الدين. 10/ 80. يوسف الحميدي الشهير بشيخ بستان الرومي الحنفي العالم الفاضل. 10/ 80. يوسف بن حيدرة أبو الحجاج ويعرف ب: الرضي الرخي. 7/ 258. يوسف بن خالد بن أيوب الحفناوي. 9/ 277. يوسف بن خضر بك بن جلال الدين. 9/ 526. يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله أبو الحجاج. 7/ 419. يوسف بن دوناس الفندلاوي المغربي أبو الحجاج. 6/ 222.

_ [1] كذا في الكتاب «ابن الجق» وانظر حاشيتي عليه. [2] تم التعريف به في الحاشية ونقلت بطاقة الفهرسة عنها، فتنبه.

يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي بهاء الدين ابن شداد أبو العز. 7/ 276. يوسف بن سعيد البناء الأزجي البعلي. 7/ 12. يوسف بن سعيد بن مسلم الحافظ أبو يعقوب. 3/ 303. يوسف بن سليمان الأعلم أبو الحجاج. 5/ 411. يوسف بن شريكار العنتابي المقري. 9/ 231. يوسف بن الصفي الكركي ثم القاهري. 9/ 424. يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي أبو المحاسن المعروف ب: محيي الدين بن الجوزي. 7/ 494. يوسف بن عبد الرحمن بن غصن الإشبيلي أبو الحجاج. 6/ 543. يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزهر أبو الحجاج. 8/ 236. يوسف بن عبد العزيز الميورقي أبو الحجاج. 6/ 111. يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيرة اللخمي الأندلسي الأندي أبو الوليد المعروف ب: ابن الدباغ. 6/ 234. يوسف بن عبد الله بن حاتم بن محمد بن يوسف الشهير بابن الحبال. 8/ 447. يوسف بن عبد الله الحسني الأرميوني الشافعي، جمال الدين. 10/ 464. يوسف بن عبد الله بن سعيد الأندلسي أبو عمر المعروف بابن عياد. 6/ 419. يوسف بن عبد الله المارديني. 9/ 210. يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي أبو عمر. 5/ 266. يوسف بن عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي أبو المحاسن المعروف بابن عطاء. 7/ 763. يوسف بن عبد الله بن محمد ... المقدسي ثم الدمشقي أبو الحجاج. 8/ 301. يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي. 8/ 132. يوسف بن عبد المعطي بن منصور بن نجا الغساني الإسكندراني أبو الفضل المعروف بالجمال بن المخيلي. 7/ 375. يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي تقي الدين أبو عبد الله. 7/ 349. يوسف بن عبد المؤمن أبو يعقوب. 6/ 433. يوسف بن عبد الوهاب بن يوسف بن السلار الشماع. 8/ 617. يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتاني. 9/ 37. يوسف بن عدي الكوفي. 3/ 149. يوسف بن البكّالي الرومي الحنفي، المولى، سنان الدين. 10/ 375. يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي أبو القاسم. 5/ 282. يوسف بن علي بن كوجك زين الدين. 6/ 472.

يوسف بن عمر الختني. 8/ 170. يوسف بن عمر بن رسول. 7/ 746. يوسف بن عمر بن صقير الواسطي. 7/ 319. يوسف بن عمر بن عوسجة العباسي. 8/ 282. يوسف بن عمر بن مسرور القواس البغدادي. 4/ 457. يوسف بن عمر بن يوسف بن يحيى الزبيدي ضياء الدين أبو الطاهر. 7/ 558. يوسف بن عمرو بن يسار الأزرق أبو يعقوب. 3/ 184. يوسف بن عيسى السيرافي. 9/ 131. يوسف بن القاسم الشافعي أبو بكر الميانجي. 4/ 402. أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم الكوفي صاحب أبي حنيفة. 2/ 367. يوسف بن القباقبي، مجد الدين. 8/ 9. يوسف قراسنان الحنفي المولى سنان الدين. 9/ 514. يوسف القراسوي الحنفي حسام الدين. 10/ 460. يوسف بن فرغلي التركي ثم البغدادي الهبيري أبو المظفر. 7/ 460. يوسف القميني المولّه. 7/ 500. يوسف بن لؤلؤ المعروف بالبدر. 7/ 644. يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي. 8/ 486. يوسف بن ماهك المكي. 2/ 68. يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف البغدادي أبو الفتوح. 7/ 12. يوسف بن المتوكل على الله أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفر. 9/ 508. يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن جعفر الأنصاري المعروف بابن الصيرفي. 8/ 525. يوسف بن محمد. 3/ 168. يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي أبو الحجاج. 7/ 451. يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنصاري، السّعدي. 10/ 356. يوسف بن محمد بن أحمد بن المجبر التزمنتي. 9/ 380. يوسف بن محمد بن أحمد بن المقتدي العباسي أبو المظفر المعروف ب: المستنجد بالله. 6/ 362. يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود أبو المحاسن. 8/ 371. يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري العطار. 8/ 499. يوسف بن محمد بن عبد الله الحميدي. 9/ 223. يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي مجد الدين المعروف بابن المهتار. 7/ 687. يوسف بن محمد بن علي ابن طولون الزّرعي، الدمشقي، الحنفي. 10/ 318. يوسف بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمّويه الجويني. 7/ 413. يوسف بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد

الوهاب بن محمد ابن ذؤيب بن مشرف بن قاضي شهبة الأسدي أبو المحاسن. 8/ 531. يوسف بن محمد بن غازي بن صلاح الدين ويلقب بالملك الناصر صلاح الدين. 7/ 518. يوسف بن محمد الكفرسبي. 9/ 531. يوسف بن محمد (أو ابن أحمد) الشهير بابن المبيّض الحمصي الأصل المقدسي ثم الدمشقي الشافعي، جمال الدين أبو المحاسن. 10/ 232. يوسف بن محمد بن المرداوي السعدي، المعروف: بابن التنبالي. 9/ 503. يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السرمري الحنبلي جمال الدين أبو المظفر. 8/ 429. يوسف بن محمد المصري المعروف بابن الخلال موفق الدين. 9/ 363. يوسف بن محمد المهرواني الهمذاني أبو القاسم. 5/ 294. يوسف، المعروف: بقول سنان الحنفي سنان الدين. 9/ 545. يوسف بن محمد بن موسى بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي. 8/ 79. يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسي المستنصر بالله أبو يعقوب. 7/ 165. يوسف بن محمد بن يوسف ... ابن الزكي القرشي الدمشقي الشافعي أبو المحاسن. 8/ 408. يوسف بن محمد بن يوسف الخطيب أبو القاسم. 5/ 294. يوسف بن محمود بن يعقوب المصري المعروف بالساوي. 7/ 413. يوسف بن معالي الأطرابلسي ثم الدمشقي الكتاني البزار. 6/ 509. يوسف المعروف بقول سنان المولى سنان الدين. 9/ 545. يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي. 7/ 559. يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين ابن عبد الله الملطي. 9/ 64. يوسف المولى المشتهر بالمولى سنان. 10/ 604. يوسف بن ناصر نجم الدين. 7/ 774. يوسف بن نجاح بن موهوب الفقاعي. 7/ 637. يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الدمشقي المعروف بابن السفاري. 7/ 793. يوسف بن هارون القرطبي الكندي الرمادي أبو رماد. 5/ 23. يوسف بن هبة الله بن محمود الدمشقي أبو يعقوب المعروف بابن الطفيل. 6/ 558. يوسف بن يحيى البويطي أبو يعقوب. 3/ 143. يوسف بن يحيى الجركسي الحنفي جمال الدين 10/ 400. يوسف بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي الدمشقي ابن الزكي بهاء الدين أبو الفضل. 7/ 688.

يوسف بن يحيى المغامي الأندلسي أبو عمرو. 3/ 370. يوسف بن يزيد بن كامل القراطيسي المصري أبو يزيد. 3/ 375. يوسف بن يعقوب الأزدي القاضي أبو محمد. 3/ 414. يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول التنوخي الانباري الأزرق أبو بكر. 4/ 166. يوسف بن يعقوب البصري النجيرمي أبو يعقوب. 4/ 383. يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المدني. 2/ 386. يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني أبو يعقوب. 8/ 25. يوسف بن يعقوب بن محمد بن علي الشيباني الدمشقي نجم الدين أبو الفتح المعروف بابن المجاور. 7/ 728. يوسف بن يونس بن يوسف ابن المنقار الحلبي، الدمشقي، الصالحي، جمال الدين. 10/ 359. اليوسفي عبد الخالق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي، أبو الحسين. 6/ 415. اليوسفي عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف. 6/ 50. اليوسفي عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد أبو نصر. 6/ 411. اليوسفي عبد القادر بن أبي بكر بن إبراهيم ابن منجك اليوسفي الحنفي. 10/ 338. اليوسفي عبد القادر بن محمد بن عبد القادر البغدادي. 6/ 81. اليوسفي يحيى بن نجاح بن مسعود بن عبد الله. 6/ 389. اليونارتي الحسن بن محمد بن إبراهيم. 6/ 133. ابن اليونانية محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي. 8/ 566. ابن اليونانية محمد بن محمد بن محمد بن علي البعلبكي. 9/ 168. يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدبابيسي. 8/ 161. يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي. 8/ 133. ابن يونس أحمد بن موسى الموصلي شرف الدين، صاحب «شرح التنبيه» . 7/ 174. يونس بن إدريس بن يوسف الحلبي الدمشقي الشافعي الصوفي الهمداني شرف الدين. 10/ 177. يونس بن أبي إسحاق السبيعي. 2/ 268. يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن محمد بن علي الشيبي أبو الوليد الجمال المصري. 7/ 197. يونس بن بكير الشيباني الكوفي أبو بكر. 2/ 472. يونس بن حبيب العجلي مولاهم الأصبهاني أبو بشر. 3/ 289. يونس بن حبيب النحوي. 2/ 371. يونس بن حسين بن علي بن محمد بن زكريا الزبيري ابن الجزار الألواحي. 9/ 358.

يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري الإمام أبو موسى. 3/ 280. ابن يونس عبد الرحيم بن محمد بن منعة الموصلي. 7/ 579. ابن يونس عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم محيي الدين أبو المفاخر. 10/ 241. يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث أبو الوليد، ويعرف ب: ابن الصفار. 5/ 147. يونس بن عبد المجيد بن علي الأرمنتي. 8/ 125. يونس بن عبيد شيخ البصرة. 2/ 188. يونس بن محمد البغدادي المؤدب الحافظ. 3/ 45. ابن يونس علي بن عبد الرحمن بن أحمد الصدفي أبو الحسن. 4/ 521. يونس بن محمد، شرف الدين المعروف: بابن سلطان الحرافيش. 10/ 233. يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله بن مغيث القرطبي أبو الحسن. 6/ 167. يونس بن محمد بن منعة الإمام رضي الدين الموصلي. 6/ 439. يونس بن ممدود بن العادل ويعرف ب: مظفر الدين. 7/ 368. ابن يونس موسى بن يونس بن محمد بن منعة الموصلي. 7/ 356. يونس بن ميسرة بن حلبس المقرئ الأعمى. 2/ 147. يونس بن يحيى الهاشمي البغدادي القصار أبو محمد. 7/ 67. يونس بن يزيد الأيلي صاحب الزهري. 2/ 241. يونس بن يوسف الطّيب. 10/ 507. يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي القنيي. 7/ 153. اليونيني أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز الصالحي. 7/ 775. اليونيني حسن بن محمد بن أبي الحسن البعلي. 8/ 511. اليونيني عبد الله بن عثمان بن عبد العزيز بن جعفر. 7/ 132. اليونيني علي بن محمد بن أحمد أبو الحسين. 8/ 8. اليونيني عيسى بن أحمد بن إلياس. 8/ 459. اليونيني محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى. 7/ 508. اليونيني محمد بن عبد الله اليونيني. 7/ 439. اليونيني محمد بن موسى بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله. 8/ 353. اليونيني موسى بن محمد بن عبد الله. 8/ 131.

فهرس البلده والأماكن

فهرس البلده والأماكن حرف الألف أب. 10/ 126، 146. آبر. 4/ 337. أبرقوه. 8/ 9. أبزار. 4/ 340. أبشية الملق. 10/ 343. إبشيط. 9/ 504. الأبطح. 1/ 271، 2/ 401، 8/ 242. الأبلّة. 1/ 153، 3/ 256، 258. الأبلق (قصر بيبرس بدمشق) : 7/ 610، 611. أبناس. 9/ 12. أبندون. 4/ 369. أبهر أصبهان. 4/ 497، 5/ 350. أبهر زنجان. 4/ 402، 5/ (7/ 723) . أبيات حسين. 8/ 396، 9/ 34، 321، 10/ 30. أبيار. 10/ 369. أبين. 8/ 561. أبيورد [1] : 6/ 30، 32، 262، 263، 488، 7/ 565. الأتابكية (مدرسة بالشام) : 8/ 187، 554. 9/ 61، 160، 10/ 20، 271. الأتابكية (مدرسة في صالحية دمشق) : 10/ 411، 505. الأتابكية (مدرسة بحلب) : 8/ 405. الأتابكية البرانية (مدرسة بحلب) : 10/ 309، 324. أترار. 4/ 212. إتقان. 8/ 317. الأجرع: 6/ 444. أجنادين. 1/ 153. أحد: 1/ 120، 137، 156، 180، 251، 255، 312، 403، 2/ 100، 369، 10/ 304. الأحساء: 4/ 351، 6/ 467. الأحقاف. 9/ 152. أحمد أباد: 10/ 106، 136، 583، 592، 613، 621، 626، 647، 653. أحواف السودان: 7/ 22. أحور. 10/ 605. أحيلين. 7/ 454. إخميم: 3/ 207. 4/ 503، 8/ 126، 352.

_ [1] وتسمى أيضا (أباورد) و (باورد) .

أدرنة: 8/ 567. 9/ 434، 485، 486، 512، 533. 10/ 113، 125، 134، 155، 201، 215، 282، 286، 296، 310، 317، 327، 372، 374، 434، 346، 455، 460، 539، 563، 536، 570، 586، 530، 591، 604، 619. أدفو: 4/ 475. أذربيجان: 1/ 176، 187، 360. 2/ 43، 45، 62، 63، 64، 66، 69، 93، 122، 384، 422، 3/ 101، 128، 366، 4/ 97، 207، 208، 219، 255، 265، 318، 328، 448، 5/ 208، 236، 310، 354، 6/ 124، 143، 166، 375، 398، 405، 421، 442، 476، 477، 489، 493، 7/ 5، 78، 91، 129، 179، 222، 230، 247، 320، 456، 516، 550، 686، 719، 739، 8/ 158، 205، 345، 433، 510، 601، 9/ 14، 97، 98، 500، 10/ 190، 199. أذرعات. 3/ 383، 7/ 623، 8/ 479، 9/ 158. أذنة. 2/ 236، 3/ 70، 112، 221، 4/ 452، 7/ 594، 10/ 221، 360، 374. أران. 4/ 97، 6/ 268، 476، 489، 8/ 251. إربل: 5/ 393. 6/ 201، 202، 203، 347، 412، 439، 472، 544، 7/ 13، 120، 129، 130، 152، 153، 182، 213، 228، 234، 243، 246، 251، 278، 281، 284، 289، 314، 326، 327، 329، 490، 498، 624، 647، 650، 8/ 611، 9/ 310. أرتاح. 5/ 228. أرجان. 4/ 312، 434، 5/ 17، 193، 6/ 224. 8/ 113. أرجيش. 7/ 28. أردبيل: 1/ 348. 2/ 62، 63، 64، 3/ 168، 4/ 208، 8/ 456. أردستان. 5/ 53، 120. الأردن: 1/ 162، 166. 2/ 148. أرزة: 7/ 134. أرزن. 7/ 5. أرزنجان. 9/ 430، 10/ 98. أرسوف. 5/ 541. أرض الإسلام. 7/ 29. أرض الأقيرع. 10/ 342. أرض البلقاء. 1/ 400، 7/ 779. الأرض الحجازية. 10/ 201. أرض الروم [1] : 1/ 232، 365، 370، 2/ 48، 66، 128، 343، 359. أرض العقيق. 6/ 339. الأرض المقدسة. 7/ 51، 9/ 381. أرغيان. 6/ 147، 148.

_ [1] وقد يرد ذكرها ب (بلاد الروم) أو ب (الروم) اختصارا.

أرمنت. 8/ 125. إرمينية: 1/ 348، 360، 2/ 43، 66، 93، 117، 207، 213، 384. 3/ 128، 168، 366، 4/ 97، 273، 7/ 230، 375. أريحا 10/ 103. آزاد. 3/ 88. الأزبكية بالقاهرة. 10/ 310، 400. الأزد. 8/ 198. أزرنجان. 9/ 90. أزمورة. 7/ 50. أزنيق [1] . 9/ 527، 533، 10/ 374، 458، 503. الأزهر. 4/ 426. 9/ 118، 374، 10/ 165، 187، 228، 367، 455، 486، 596. أسبيجاب. 3/ 128. استدار. 10/ 516. الاستدارية الكبرى: 9/ 142. استراباذ. 5/ 201. أستغداديزة: 5/ 236. أستوا: 5/ 277. إسحاقية إسكوب (مدرسة) : 10/ 295، 296. أسدآباذ. 4/ 226. الأسدية [2] : 8/ 140، 219، 268، 327، 418، 9/ 23، 25، 10/ 296. أسروشنة. 4/ 189. اسطنبول: انظر إسلامبول. إسعرد. 7/ 222. إسفرايين. 3/ 263، 4/ 80، 244، 5/ 91، 222، 552، 6/ 245، 263، 10/ 417. أسكدار. 9/ 513. الإسكندرية: 1/ 184، 186، 2/ 80، 156، 299، 964، 4/ 10، 12، 29، 190، 208، 349، 5/ 410، 6/ 20، 68، 102، 104، 111، 125، 139، 151، 233، 238، 246، 337، 339، 400، 401، 413، 421، 437، 446، 488، 498، 526، 531، 546، 562، 566، 7/ 62، 69، 100، 127، 142، 169، 177، 223، 271، 317، 355، 367، 407، 426، 451، 473، 480، 481، 482، 483، 560، 583، 635، 653، 666، 670، 684، 735، 764، 8/ 11، 12، 21، 25، 33، 34، 45، 53، 136، 157، 174، 177، 180، 181، 218، 224، 248، 251، 266، 272، 278، 279، 280، 315، 316، 361، 365، 373، 372، 393، 401، 435، 436، 440، 460، 484، 526، 539، 576، 9/ 16، 95، 61، 73، 88، 141، 214، 221، 223،

_ [1] هي بلدة من بلاد الرّوم. [2] وهي مدرسة ببروسا.

236، 262، 263، 268، 273، 296، 298، 318، 327، 346، 368، 372، 392، 426، 432، 456، 466، 468، 488، 523، 10/ 13، 41، 44، 88، 161، 163. إسكوب: 10/ 285. إسلامبول [1] : 9/ 516، 17، 7/ 719، 10/ 32، 460، 471. الإسماعيلية. 7/ 316. أسنا. 7/ 405، 768، 8/ 383. أسوارية. 4/ 231. أسوان. 4/ 475، 6/ 328، 7/ 777، 8/ 114، 9/ 254. أسيوط: 4/ 324، 7/ 427، 8/ 104، 469. إشبيلية: 4/ 329، 362، 418، 5/ 84، 155، 161، 162، 264، 270، 272، 334، 384، 6/ 90، 200، 232، 233، 430، 433، 526، 7/ 27، 92، 332، 402، 407. الأشبونة: 5/ 268. إشتيت. 10/ 380. إشتيخن. 4/ 473. الأشرفية: 7/ 728، 8/ 48، 9/ 19، 213، 376، 391، 439، 487، 497، 222، 331. الأشرفية (من مدارس تعز) : 9/ 136. أشياحيج: 3/ 128. أشير. 4/ 309، 5/ 38، 6/ 330. أصاب. 10/ 56، 88. أصبهان [2] : 1/ 269، 2/ 32، 259، 261، 378، 3/ 57، 100، 191، 122، 192، 215، 281، 291، 298، 364، 387، 401، 4/ 8، 13، 54، 79، 80، 83، 112، 126، 134، 172، 231، 244، 246، 249، 258، 279، 280، 289، 306، 310، 316، 352، 401، 402، 442، 451، 485، 505، 523، 5/ 51، 52، 53، 57، 92، 115، 117، 134، 144، 149، 181، 198، 200، 201، 222، 229، 236، 255، 301، 321، 328، 336، 339، 348، 352، 354، 364، 366، 367، 368، 374، 392، 400، 401، 405، 418، 424، 6/ 8، 30، 31، 32، 50، 52، 80، 91، 92، 133، 141، 155، 156، 166، 174، 181، 187، 205، 210، 215، 247، 261، 263، 270، 271، 288، 312، 314، 329، 330، 346، 352، 355، 358، 411، 420، 437، 464، 467، 468، 476، 497، 504، 508، 509، 529، 541، 560، 562، 564، 7/ 15، 30، 31، 47، 69،

_ [1] وقد يرد ذكرها ب (اسلامبول) أيضا وتعرف أيضا ب (إستانبول) وب (اصطنبول) وكانت فيما مضى عاصمة الخلافة العثمانية. [2] يقال لها: أصبهان وأصفهان وكلاهما صواب.

71، 77، 79، 93، 99، 104، 198، 201، 231، 234، 271، 288، 318، 363، 378، 388، 392، 457، 474، 710، 8/ 9، 33، 43، 56، 59، 98، 141، 185، 188، 198، 285، 510، 525، 568، 623. إصطخر: 4/ 147، 188، 195، 384، 451. أطرابلس المغرب [1] : 4/ 95. أطم بني مغالة: 1/ 143. اعزاز. 10/ 516. الأعلاب: 1/ 131. أعمال مصر: 4/ 348. أغمات. 5/ 383، 385، 386، 387. إفريقية: 1/ 186، 237، 240، 319، 391، 404، 2/ 73، 97، 125، 242، 247، 252، 312، 3/ 409، 4/ 309، 325، 329، 347، 348، 349، 393، 448، 503، 5/ 38، 51، 180، 231، 6/ 5، 43، 219، 7/ 81، 226، 452، 482، 676، 757، 8/ 60، 232، 251، 333، 555، 590. إفليل: 5/ 184. الإقبالية. 7/ 504. 8/ 158، 375، 454. الأقحوانة. 5/ 99. الأقصى. 10/ 16، 10/ 182، 7/ 118، 9/ 14، 16، 10/ 182، 251، 518. أقصرا: 7/ 116. الأقطار الحجازية: 9/ 347، 425. إقليم الترك: 3/ 268. إقليم الخروب. 10/ 556. إقليم الغربية: 10/ 542. الإقليم المصري. 10/ 644. البيرة. 4/ 96، 5/ 541، 7/ 260، 506، 582، 597، 786، 8/ 275، 450، 9/ 148، 203، 238، 269. الألجيهية: 10/ 153. الألموت. 6/ 49، 95، 7/ 59، 148، 309. ألوس. 6/ 309. أم البهم. 5/ 319. أم الحسن. 10/ 220. أم القرى. 7/ 393. أماسية. 9/ 90، 10/ 11، 22، 134، 140، 154، 155، 197، 198، 247، 253، 288، 341، 344، 372، 414، 440، 541، 548. الأمجدية: 8/ 303، 9/ 122. آمد: 3/ 293، 4/ 247، 5/ 280، 281، 299، 396، 6/ 8، 7/ 9، 70، 71، 222، 253، 301، 412، 427، 490، 8/ 22، 247، 9/ 292، 314، 324، 10/ 511، 649. آمل: 3/ 108، 4/ 53، 264، 5/ 215، 6/ 141، 142.

_ [1] وتعرف الآن: ب (طرابلس الغرب) وهي عاصمة ليبيا الآن. وسترد أيضا تحت رسم (طرابلس المغرب) .

الأمينية (مدرسة) : 6/ 168، 474. 7/ 13، 197، 372، 416، 468، 602، 641، 648، 727، 8/ 107، 166، 379، 418، 545، 10/ 365. أناضول [1] . 10/ 563، 569. أنبابة: 9/ 237. الأنبار: 1/ 228، 2/ 153، 159، 161، 394، 435، 3/ 393، 4/ 164، 72، 143، 181، 430، 5/ 7، 6/ 261، 426. أندة: 6/ 234. الأندلس: 1/ 362، 365، 389، 391، 2/ 88، 143، 162، 331، 358، 427، 439، 3/ 58، 160، 174، 309، 320، 397، 420، 424، 4/ 61، 71، 95، 98، 113، 134، 141، 172، 220، 244، 246، 262، 276، 291، 309، 329، 352، 362، 363، 410، 416، 418، 422، 495، 503، 524، 641، 5/ 8، 11، 20، 23، 24، 25، 70، 85، 86، 97، 104، 112، 129، 153، 161، 162، 164، 175، 184، 202، 239، 240، 251، 255، 264، 267، 268، 285، 289، 296، 297، 316، 330، 334، 337، 344، 347، 365، 370، 382، 383، 387، 390، 392، 413، 418، 420، 428، 526، 6/ 33، 74، 139، 102، 106، 124، 167، 176، 232، 233، 234، 267، 305، 430، 433، 446، 500، 525، 7/ 63، 68، 81، 101، 102، 105، 1685، 172، 173، 204، 219، 238، 280، 287، 402، 407، 451، 452، 532، 573، 575، 590، 8/ 93، 224، 251، 254، 301، 331، 468، 9/ 71. أنزار: 9/ 101. أنطاكية: 1/ 160، 163، 3/ 61، 153، 205، 363، 382، 4/ 184، 227، 229، 296، 306، 308، 410، 5/ 343، 399، 6/ 27، 266، 7/ 91، 560، 10/ 246، 334، 356، 410، 423، 485، 610. الأنفة: 10/ 31. أنقرة: 2/ 359، 10/ 21، 296، 457. أنماط: 3/ 80. أنيشة. 7/ 287. الأهرام. 6/ 541. الأهواز: 1/ 165، 317، 2/ 202، 245، 247، 451، 462، 3/ 48، 114، 157، 158، 191، 262، 266، 338، 358، 376، 413، 4/ 16، 33، 43، 97، 134، 135، 142، 181، 225، 227، 228، 328، 478، 510، 5/ 49، 52،

_ [1] وقد يرد ذكرها في الكتاب ب (أناضولي) أيضا.

97، 193، 199، 203، 208، 376، 6/ 224، 541، 554. أوانا: 6/ 236. أودنة: 4/ 456. أوربة. 1/ 342. أوريولة: 6/ 262. الأوزاع: 2/ 258، 259. أوه. 7/ 238. أياثلوغ. 9/ 532. آيا صوفيا. 9/ 513، 516، 518، 10/ 15، 341، 380، 446، 458. إيالة دمشق. 10/ 605. إيج: 8/ 298. إيذج. 4/ 447. أبرقوه: 8/ 9. إيلاق. 5/ 283. أيلة: 3/ 228، 5/ 259، 9/ 13. الإينالية: 8/ 583. الإيوان الشرقي: 7/ 533. الإيوان القبلي: 7/ 533.

حرف الباء الباب. 2/ 22، 9/ 57، 64، 342، 407، 531. باب إبراهيم. 10/ 160. باب أبرز. 4/ 229، 6/ 159، 202. باب الأبواب. 2/ 48، 207. باب الأزج: 4/ 336، 5/ 248، 380، 381، 408، 6/ 136، 193، 235، 264، 385، 485، 7/ 490. باب أصبهان. 6/ 127. باب الله. 10/ 484. باب الأنبار. 2/ 463، 3/ 9. باب أنطاكية. 10/ 229. باب البحر. 7/ 407، 9/ 521، 525. باب بدر. 4/ 499. باب البريد. 5/ 35، 7/ 36، 400، 8/ 62، 150، 10/ 128، 311، 319، 367، 394. باب البصرة. 7/ 25. باب البرقوقية. 9/ 106. باب البلد. 7/ 5. باب البيت. 4/ 81. باب تدمر. 9/ 418. باب توما. 6/ 349، 7/ 626، 10/ 511. باب الجابية. 7/ 704، 8/ 163، 10/ 27، 500، 605. باب جيرون. 8/ 296، 10/ 394. باب الحديد: 1/ 360، 2/ 375، 463، 10/ 149. باب حرب. 3/ 126، 416. 4/ 148، 468، 5/ 38، 307، 348، 6/ 26، 47، 92، 135، 179، 194، 208، 271، 272، 276، 284، 315، 384، 404، 506، 516، 533، 552، 7/ 25، 32، 57، 58، 62، 77، 80، 83، 89، 95، 113، 117، 123، 124، 127، 163، 181، 186، 188، 189، 205، 285، 393، 394، 419، 425، 439، 588، 655، 8/ 20. باب حزورة. 9/ 26. باب حماة. 7/ 6. باب الخزر. 2/ 87. باب الخضر. 10/ 559. باب الخوخة. 5/ 361. باب الدريبة. 10/ 106. باب الرحمة. 8/ 328. باب زويلة. 6/ 252، 296، 8/ 457، 9/ 240، 241، 10/ 6، 161، 201، 240، 333. باب الساعات. 7/ 35. باب سطحا. 8/ 132، 188، 448. باب السلاح. 7/ 308.

باب السلامة. 6/ 522. باب سهام. 10/ 198، 646. باب السيوطي. 10/ 170. باب الشاغور. 10/ 639. باب شرقي. 4/ 173، 6/ 304، 7/ 51. الباب الشريف. 10/ 511. باب الشعرية. 9/ 314، 10/ 477، 492. باب الشماسية. 4/ 26. باب الشعير. 2/ 256. الباب الصغير. 1/ 171، 2/ 112، 186، 4/ 212، 5/ 369، 397، 6/ 186، 223، 236، 265، 377، 396، 547، 7/ 116، 221، 578، 608، 764، 8/ 23، 81، 121، 154، 311، 357، 404، 437، 442، 477، 536، 557، 580، 9/ 99، 274، 10/ 37، 42، 51، 53، 54، 87، 97، 105، 169، 183، 233، 241، 261، 279، 281، 284، 833، 300، 320، 345، 360، 361، 389، 398، 407، 411، 422، 442، 501، 559. باب الطاق. 4/ 484، 6/ 29. باب طراد. 7/ 57. باب العامة. 3/ 104. باب العمرة. 9/ 26. باب عمورية [1] . 3/ 104. باب العيد. 9/ 209. باب الفتوح. 10/ 328. باب الفراديس. 2/ 259، 6/ 340، 454، 7/ 107، 511، 519، 666، 9/ 42، 10/ 27، 113، 117، 121، 234، 280، 297، 317، 366، 375، 425، 442، 455، 457، 486، 584، 607. باب الفرج. 7/ 110، 572. 8/ 150، 9/ 191، 10/ 113. باب القاهرة. 6/ 311. باب القرافة. 5/ 115، 7/ 561، 9/ 201، 10/ 79. باب قربت. 10/ 51. باب قنسرين. 10/ 103، 470، 10/ 63. باب الكرخ. 2/ 256. باب الكعبة. 3/ 41، 82. باب الكوفة. 4/ 122. باب كيسان. 8/ 407، 9/ 377. باب اللّان. 2/ 87. باب المراتب. 6/ 130. باب المصلى. 7/ 35. باب المعلاة. 8/ 285، 9/ 389، 10/ 77، 277، 307 [2] . باب المقام. 8/ 164، 345، 480، 10/ 416، 432، 439. باب مقبرة حرب. 6/ 482. باب المقشرة. 10/ 79. باب المؤيدية. 10/ 233.

_ [1] ويعرف الآن ب (باب العامة) المتقدم ذكره قبل قليل. [2] تحرفت في موضعها من الكتاب إلى (باب المعلى) فلتصحح.

باب النسر. 6/ 491. باب النصر. 6/ 447، 7/ 308، 416، 514، 8/ 260، 308، 370، 496، 586، 9/ 67، 73، 115، 173، 191، 269، 297، 371، 10/ 41، 259، 308، 330، 375، 382، 393، 413، 466. باب النوبيّ. 5/ 222، 6/ 556، 7/ 75، 98. باب النيرب. 9/ 46. باب هندوان. 4/ 329. بابل. 4/ 446. بابليون. 4/ 439. باجة. 5/ 387، 6/ 89. باجرّا. 6/ 482. باجسرا. 6/ 344، 7/ 94. باخرز. 5/ 289، 7/ 516. باخمرا: 2/ 205. بادرايا. 5/ 113، 7/ 464. البادرائية (مدرسة) . 8/ 154، 7/ 464، 578، 722، 8/ 154، 183، 197، 214، 264، 454، 500، 575، 584، 585، 9/ 33، 116، 304. البادية. 3/ 76، 4/ 491، 5/ 99، 239، 9/ 152. بادية السماوة. 4/ 282. بادية الصين. 7/ 199. بارق. 8/ 108. بارنبار. 9/ 290. بارين. 8/ 345. باف. 4/ 514. باقدارى. 6/ 417. باقرحا. 4/ 376، 6/ 79. باكو. 9/ 456، 10/ 213. بالس. 6/ 35، 251، 351، 7/ 511. بالي كسرى. 10/ 421. بانياس. 6/ 110، 166، 267، 314، 412، 490، 7/ 60، 240، 505. باهة. 9/ 35. باورد. 9/ 178. بثق النهروان. 6/ 231. البثنية. 3/ 383، 7/ 545. بجانة الأندلس. 5/ 106. بجاية. 6/ 117، 139، 444، 7/ 81، 517، 653، 9/ 114، 131، 179، 260، 338. البحراوية. 10/ 292. بحر رشيد. 9/ 129. بحر الروم. 8/ 141. البحر الشامي. 6/ 418. بحر الظلمات. 10/ 161. بحر عيذاب. 8/ 285. بحر القلزم [1] . 5/ 202، 6/ 125. البحر المحيط. 4/ 347، 348. بحر النيل. 9/ 159، 10/ 275. بحر الهند. 6/ 442. البحرين. 1/ 265، 291، 343، 345، 2/ 121، 3/ 358، 359، 416، 4/ 60، 134، 351، 7/ 467.

_ [1] يعرف الآن ب (البحر الأحمر) .

بحيرآباذا. 6/ 156. البحيرة. 7/ 355. بحيرة طبرية. 10/ 397. بخارى: 1/ 255، 353، 2/ 428، 3/ 401، 4/ 101، 267، 329، 376، 401، 432، 456، 457، 467، 469، 514، 520، 5/ 26، 64، 66، 79، 119، 131، 132، 133، 144، 151، 173، 208، 212، 258، 283، 322، 337، 354، 411، 6/ 55، 181، 196، 269، 398، 461، 517، 558، 7/ 33، 129، 135، 241، 256، 332، 377، 433، 490، 9/ 97، 393، 10/ 28، 151، 313، 336، 405، 417، 430. بدر: 1/ 114، 116، 120، 137، 156، 196، 198، 200، 220، 221، 246، 251، 256، 269، 278، 281، 285، 302، 2/ 100، 203، 204، 3/ 20، 5/ 141، 8/ 184، 10/ 349، 597. البدرية: 6/ 159، 7/ 58. بدليس: 10/ 350. برابدس: 6/ 470. براذان: 6/ 470. براذان: 6/ 499. برج: 6/ 51. البرج الأحمر: 10/ 333. برج خشب: 7/ 417. برج الطارمة: 7/ 503. برجان: 2/ 439. بيرحى: 1/ 200. برداس. 6/ 284. بردان. 5/ 419. البردان. 5/ 299. بردعة. 2/ 255، 4/ 219، 328، 10/ 457. بردويل. 8/ 91. بردى. 7/ 38. برذعة. 1/ 184، 348، 2/ 63، 375. برزبين. 5/ 380. برزة. 6/ 544، 7/ 497، 8/ 32، 10/ 47، 565. برسا. 9/ 486، 512، 513، 533، 542، 548، 549، 10/ 539. برسبا. 8/ 122. برسة. 10/ 575، 598، 619. بر الشام. 10/ 456، 10/ 500. البرّ الشرقي. 7/ 414. برصا. 8/ 223، 9/ 202، 334، 344. برصه. 9/ 304. برشك. 8/ 232. البر الغربي. 7/ 414. برقان. 5/ 121. برقة. 3/ 276، 10، 330، 349. 509، 5/ 213، 7/ 367. البرقوقية (مدرسة) . 8/ 514، 9/ 249، 357، 360، 391، 447، 454، 523، 10/ 222، 385.

بركة الحاج. 10/ 39، 307، 562، 327. بركة الفيل. 10/ 148. بركة المؤيدية. 9/ 504. البرلس. 7/ 129، 10/ 477. برمة. 9/ 180. بروجرد. 5/ 419. بروسا. 4/ 434، 10/ 21، 25، 54، 61، 80، 82، 85، 115، 118، 122، 137، 140، 154، 172، 174، 176، 206، 210، 215، 227، 232، 284، 289، 325، 331، 366، 373، 378، 411، 433، 434، 435، 441، 460. بروسة. 8/ 326، 10/ 526، 563، 569، 591. بزور. 7/ 25. البزورية. 8/ 143. بسا فسا. 5/ 222. بساط. 8/ 500. بست. 1/ 239، 4/ 285، 471، 5/ 107. البستان. 1/ 311. بستان الأعسر. 8/ 318. بستان بصارو. 7/ 416. بستان موسى. 2/ 464. بستان مؤنسة. 2/ 463. بسر. 7/ 400. بسطام. 5/ 126، 399، 6/ 194، 315، 9/ 475، 476. بسكرة. 9/ 73. بشام. 10/ 520. بشت. 4/ 19، 7/ 581. بشرى. 7/ 29. البشرية (مدرسة) . 7/ 375، 8/ 229. بشيت. 9/ 214. البشيرية (مدرسة) . 8/ 350. البصرة. 1/ 11، 160، 188، 205، 206، 235، 245، 249، 270، 271، 292، 297، 323، 330، 335، 336، 345، 346، 365، 369، 371، 396، 397، 404، 405، 2/ 12، 17، 24، 33، 41، 46، 48، 51، 52، 80، 92، 94، 97، 118، 121، 124، 127، 129، 134، 135، 153، 155، 183، 188، 190، 195، 198، 202، 203، 205، 214، 234، 241، 245، 248، 251، 261، 269، 275، 280، 293، 300، 312، 317، 318، 322، 334، 335، 344، 354، 357، 366، 380، 383، 389، 398، 428، 441، 450، 462، 474، 475، 476، 477، 3/ 6، 14، 15، 16، 27، 29، 36، 47، 57، 58، 71، 75، 79، 96، 99، 100، 102، 106، 115، 132، 140، 141، 142، 146، 153، 157، 165، 174، 186، 194، 205، 208،

218، 233، 237، 238، 240، 245، 256، 294، 295، 298، 308، 313، 338، 339، 340، 355، 358، 364، 397، 414، 4/ 18، 33، 35، 36، 37، 42، 48، 55، 97، 102، 108، 135، 157، 168، 171، 175، 181، 185، 196، 198، 225، 228، 239، 270، 318، 327، 383، 398، 412، 446، 454، 460، 464، 510، 517، 5/ 16، 30، 75، 81، 96، 115، 144، 168، 180، 192، 218، 222، 229، 299، 329، 359، 395. 6/ 81، 83، 85، 318، 421، 427، 483، 538، 7/ 446، 674، 675، 8/ 33، 576، 9/ 298، 309، 310، 334. بصرى. 3/ 383، 392، 7/ 308، 454، 551، 8/ 18، 111، 9/ 112. البطائح. 4/ 423، 510، 6/ 427. البطحاء. 6/ 388، 10/ 124. بطليوس. 4/ 509، 5/ 344، 6/ 106، 107. البطيحة. 3/ 262، 273. بعقوبا. 7/ 137، 354. بعلبك. 1/ 160، 2/ 258، 441، 3/ 382، 6/ 148، 170، 210، 330، 351، 391، 431، 454، 466، 490، 7/ 117، 133، 134، 135، 146، 188، 223، 255، 308، 366، 372، 373، 417، 432، 437، 438، 439، 503، 509، 513، 544، 625، 635، 670، 696، 729، 741، 755، 778، 8/ 7، 8، 32، 38، 39، 54، 78، 116، 132، 195، 246، 261، 265، 325، 360، 371، 448، 505، 544، 545، 566، 602، 9/ 34، 149، 183، 201، 236، 282، 297، 298، 367، 374، 446، 10/ 145، 316، 317، 346، 359، 453. بغداد. 2/ 200، 207، 210، 212، 213، 220، 231، 235، 243، 259، 273، 289، 299، 310، 312، 314، 326، 333، 337، 343، 351، 358، 360، 366، 375، 376، 377، 380، 382، 406، 411، 416، 422، 423، 434، 435، 440، 441، 450، 451، 455، 461، 462، 477، 478، 3/ 5، 6، 8، 9، 12، 20، 21، 31، 34، 36، 37، 38، 39، 41، 42، 45، 55، 56، 57، 68، 75، 76، 81، 84، 89، 90، 96، 97، 99، 102، 105، 108، 110، 115، 123، 124، 125، 130، 132، 134، 135، 138، 139، 140، 142، 143، 149 ص،

الصفحة: 154، 157، 164، 165، 166، 173، 174، 177، 178، 179، 181، 183، 185، 186، 192، 196، 201، 205، 206، 207، 209، 215، 222، 226، 227، 232، 236، 241، 243، 246، 258، 262، 264، 265، 270، 273، 275، 276، 281، 284، 288، 294، 296، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 305، 306، 308، 310، 313، 318، 319، 327، 334، 337، 340، 341، 346، 348، 353، 355، 356، 358، 366، 367، 369، 370، 371، 374، 375، 377، 379، 383، 385، 386، 388، 393، 396، 401، 403، 406، 410، 411، 412، 413، 415، 416، 417، 419، 420، 421، 423، 424، 425، 4/ 5، 6، 7، 10، 13، 15، 20، 27، 29، 31، 37، 38، 39، 41، 42، 43، 46، 47، 48، 53، 56، 63، 64، 70، 73، 74، 82، 83، 85، 91، 92، 97، 104، 106، 107، 108، 110، 112، 113، 118، 121، 122، 126، 128، 129، 134/ 135، 137، 139، 146، 147، 4/ 148، 154، 158، 163، 166، 167، 168، 174، 175 ص، 178، 179، 181، 182، 184، 185، 186، 190، 191، 192، 196، 198، 199، 204، 208، 209، 210، 212، 217، 218، 219، 220، 221، 225، 227، 228، 229، 234، 235، 236، 239، 240، 244، 248، 249، 253، 254، 256، 260، 261، 262، 268، 270، 273، 274، 276، 279، 290، 291، 292، 296، 298، 299، 305، 307، 312، 328، 334، 337، 352، 358، 359، 360، 365، 368، 369، 371، 373، 374، 376، 377، 378، 381، 383، 389، 391، 392، 401، 404، 407، 409، 412، 415، 417، 423، 424، 429، 437، 438، 442، 443، 445، 446، 452، 453، 459، 460، 461، 464، 466، 467، 469، 483، 488، 489، 493، 495، 497، 507، 508، 511، 514، 515، 516، 523، 5/ 10، 11، 12، 14، 17، 28، 29، 30، 33، 36، 37، 46، 59، 60، 64، 76، 79، 81، 84، 86، 90، 92، 93، 97، 101، 103، 113، 114، 115، 119، 121، 132، 151، 153، 154، 160، 166، 197، 168، 171، 172 ص،

الصفحة: 178، 179، 184، 185، 187، 188، 194، 201، 210، 211، 215، 216، 218، 219، 221، 222، 223، 224، 226، 228، 229، 232، 233، 234، 237، 244، 248، 249، 253، 256، 258، 563، 274، 277، 278، 281، 283، 297، 301، 304، 305، 315، 316، 322، 323، 324، 327، 328، 329، 330، 332، 336، 338، 339، 343، 344، 345، 347، 348، 360، 366، 367، 368، 369، 373، 374، 376، 380، 381، 392، 393، 394، 397، 402، 403، 404، 405، 408، 409، 413، 419، 420، 426، 427، 428، 6/ 9، 10، 12، 14، 18، 22، 26، 28، 30، 37، 44، 45، 47، 49، 59، 70، 76، 79، 80، 83، 87، 91، 100، 101، 102، 111، 112، 113، 115، 116، 125، 126، 128، 133، 137، 144، 145، 146، 150، 152، 154، 159، 166، 169، 171، 173، 174، 175، 181، 182، 184، 186، 187، 189، 191، 192، 193، 194، 196، 203، 205، 206، 209، 210، 212، 214، 215، 216، 218، 222، 229 ص، 232، 233، 235، 236، 239، 244، 246، 247، 250، 251، 255، 256، 261، 263، 269، 270، 271، 272، 275، 276، 280، 287، 289، 299، 302، 304، 306، 308، 316، 319، 320، 327، 328، 330، 335، 336، 341، 344، 345، 346، 347، 348، 351، 352، 354، 355، 360، 364، 366، 370، 371، 372، 374، 383، 384، 385، 392، 396، 398، 399، 401، 403، 406، 409، 410، 412، 415، 416، 417، 420، 426، 432، 434، 439، 446، 452، 454، 457، 465، 466، 467، 468، 469، 470، 471، 480، 282، 485، 493، 498، 500، 502، 504، 505، 515، 516، 519، 522، 529، 530، 533، 534، 535، 536، 541، 546، 547، 554، 556، 557، 559، 561، 7/ 6، 7، 8، 9، 16، 18، 19، 20، 30، 31، 32، 36، 39، 45، 49، 54، 56، 58، 62، 63، 70، 71، 72، 73، 78، 80، 82، 85، 86، 87، 88، 89، 91، 93، 94، 97، 99، 104، 105، 111، 112، 113، 124، 125، 126، 137، 140، 142، 143 ص،

الصفحة: 144، 145، 147، 150، 153، 155، 156، 157، 158، 163، 167، 168، 169، 170، 171، 174، 175، 179، 180، 184، 187، 189، 194، 199، 200، 214، 217، 219، 220، 221، 225، 229، 231، 233، 234، 236، 239، 243، 251، 253، 257، 259، 268، 269، 270، 276، 280، 285، 286، 288، 289، 290، 291، 292، 293، 297، 299، 308، 316، 323، 325، 328، 330، 332، 343، 349، 354، 356، 363، 364، 365، 367، 368، 370، 374، 377، 378، 379، 380، 382، 388، 392، 393، 394، 395، 398، 402، 418، 420، 425، 426، 431، 432، 439، 444، 446، 450، 451، 455، 456، 462، 464، 468، 470، 471، 474، 476، 481، 486، 490، 493، 494، 495، 505، 506، 513، 514، 525، 530، 532، 545، 560، 567، 579، 583، 587، 588، 592، 593، 600، 615، 616، 626، 633، 646، 651، 652، 653، 654، 655، 671، 673، 674، 675، 683، 685، 687، 694، 710، 718 ص، 726، 728، 733، 746، 770، 771، 777، 786، 788، 8/ 15، 19، 20، 21، 26، 29، 31، 33، 43، 44، 45، 50، 53، 55، 72، 85، 89، 109، 110، 111، 119، 133، 139، 152، 153، 156، 157، 168، 171، 174، 180، 186، 194، 198، 199، 213، 214، 217، 228، 229، 257، 267، 277، 284، 292، 305، 313، 317، 343، 349، 350، 356، 397، 403، 408، 411، 417، 429، 458، 466، 474، 475، 506، 536، 543، 552، 576، 579، 599، 600، 9/ 11، 25، 32، 37، 44، 74، 98، 99، 100، 102، 103، 121، 147، 150، 186، 187، 227، 237، 238، 267، 280، 300، 307، 313، 316، 325، 326، 364، 377، 429، 430، 459، 10/ 27، 199، 404، 469، 516، 603. البقاع. 7/ 133، 9/ 735، 781، 436، 218، 243، 509، 10/ 238. البقشية. 7/ 63. البقيع. 1/ 193، 196، 202، 203، 275، 2/ 73، 202، 216، 234، 353، 6/ 298، 308، 7/ 761، 8/ 111، 131، 608، 9/ 276، 445، 545، 10/ 25، 325، 559.

البكتوتية (مدرسة) ، بمرعش. 10/ 591. البكرية (مدرسة) . 7/ 795. بوشنج. 5/ 287، 328. بلاد الإسلام. 10/ 217، 551. بلاد الأعجام. 10/ 119. بلاد إفريقية. 6/ 441. بلاد الأكراد. 7/ 423. بلاد بجاية. 6/ 263. بلاد البربر. 9/ 334. بلاد بني جبر. 10/ 239. بلاد التتر. 9/ 488. بلاد الترك. 4/ 6، 498، 5/ 47، 274، 282، 9/ 71. بلاد الجبل الجبل. 4/ 91، 199، 466، 7/ 235. بلاد الجركس. 9/ 16، 348. بلاد الجريد. 9/ 395. بلاد الجزيرة. 7/ 380. بلاد الحبشة. 10/ 279. البلاد الحجازية. 9/ 289. البلاد الحلبية. 8/ 480، 9/ 79. بلاد الخطا. 6/ 189، 190، و 9/ 101. بلاد الدشت. 8/ 603. بلاد الديلم. 4/ 191. بلاد ربيعة. 4/ 498. بلاد الروس. 7/ 140، 8/ 593. بلاد الروم. 1/ 351. 2/ 415، 223، 3/ 79، 81، 179، 232، 4/ 21، 192، 207، 216، 5/ 227، 366، 6/ 421، 7/ 185، 673، 8/ 133، 306، 9/ 99، 160، 298، 431، 434، 486، 512، 539، 10/ 10، 28، 119، 122، 127، 151، 199، 202، 215، 220، 253، 284، 321، 331، 334، 386، 401، 433، 441، 444، 503، 590. البلاد الرومية. 9/ 75، 10/ 450، 589. بلاد سراي. 8/ 543. بلاد سيس. 7/ 549، 594، 8/ 15. بلاد الشام. 4/ 296، 5/ 73، 6/ 40، 7/ 72، 370، 456، 718، 739، 8/ 209، 222، 342، 431، 589، 9/ 64، 137، 174، 232، 267، 301، 346، 437، 425، 431، 10/ 118، 161، 173، 217، 386، 398، 421، 462، 463، 481، 483، 488، 598. البلاد الشرقية المشرق. 8/ 537، 9/ 11، 186، 288. البلاد الشمالية. 8/ 545، 9/ 39، 130. بلاد الصين. 9/ 101. البلاد الصفدية. 9/ 175. بلاد العجم. 5/ 325، 7/ 190، 475، 8، 128، 428، 9/ 299، 340، 350، 405، 476، 486، 534، 539، 10/ 27، 98، 122، 173، 201، 240، 295، 240، 365، 434، 589.

البلاد العراقية. 9/ 104. بلاد العرب. 10/ 5، 119، 198، 589. البلاد الغربية من أعمال مصر. 10/ 112. بلاد الغوري. 6/ 488. بلاد فارس فارس. 4/ 282، 313، 7/ 349، 685، 10/ 510، 685. بلاد الفرنج. 6/ 490. بلاد القدس. 6/ 490، 10/ 392. بلاد بن قرمان. 9/ 301. بلاد قرمان. 10/ 26. بلاد القفجاق. 7/ 166. بلاد القيقان. 1/ 240. بلاد كابل. 4/ 471. بلاد المشرق. 7/ 477، 9/ 220. بلاد مصر. 10/ 173، 7/ 608، 8/ 222، 342، 9/ 267، 346. بلاد مضر. 4/ 498. بلاد المغرب المغرب. 4/ 348، 7/ 573، 8/ 621، 9/ 149. بلاد النصارى. 10/ 124. بلاد النوبة. 3/ 336، 6/ 364. بلاد هراة. 9/ 539. بلاد الهند. 8/ 463، 9/ 12، 220، 10/ 105، 136. بلاد اليمن. 6/ 309. 9/ 72، 337. بلاساغون. 4/ 212. بلاطنس. 6/ 490، 9/ 134. البلاعة. 9/ 441. بلبيس. 6/ 49، 311، 350، 7/ 716، 8/ 124، 141، 206، 9/ 71، 211، 387، 10/ 306، 636. بلخ. 1/ 235. 2/ 417، 427، 471، 3/ 70، 169، 177، 211، 260، 291، 358، 399، 401، 4/ 80، 94، 219، 329، 5/ 64، 233، 307، 355، 362، 395، 401، 6/ 112، 114، 133، 183، 247، 341، 7/ 17، 8/ 122، 9/ 70/ 97، 404. البلد الأمين. 9/ 290. بلد الجبال. 6/ 112. البلد الحرام. 9/ 188، 290، 10/ 5. بلد الخليل. 8/ 171، 172. بلد الروم. 7/ 363. بلش. 8/ 348. البلقاء. 2/ 72، 366. بلقين. 10/ 290. بلقينة. 9/ 80. بلنجر. 2/ 87. بلنسية. 5/ 20، 239، 268، 6/ 106، 107، 369، 370، 419، 7/ 68، 105، 167، 287، 679. بنج ديه القرى الخمس. 6/ 313، 461. بنجالة. 9/ 326. بندر الديو. 10/ 357. بند نيجين. 7/ 112. البذندون. 3/ 277. البهائية (مدرسة) . 8/ 179.

البهائية الرسلانية (مدرسة) . 9/ 386. بهرزان. 2/ 22. بهسنا. 6/ 374. بهنسا. 7/ 265، 733، 9/ 98، 380. بوازيج. 7/ 181. بواط. 1/ 137. بورة. 6/ 566. بورصة. 8/ 122. بورين. 7/ 270. بوشنج. 5/ 94، 6/ 276، 7/ 363. بوصير. 2/ 138، 6/ 503. بولاق. 9/ 15، 440. بيّاسة. 7/ 81، 451. بيّانة. 4/ 220. البيبرسية (مدرسة) . 8/ 459، 9/ 26، 114، 125، 153، 159، 269. البيت (الكعبة) . 9/ 325. بيت الآبار. 7/ 474، 558، 792. البيت الحرام. 1/ 382، 2/ 8، 5/ 188، 6/ 503، 9/ 552، 10/ 139. بيت سوا. 7/ 60. بيت روحا. 9/ 339. البيت الشريف. 10/ 465، 469. بيت فار. 6/ 300، 9/ 243. بيت الكاتب. 10/ 447. بيت لهيا. 4/ 224، 7/ 240، 640، 8/ 385، 458، 466. بيت المقدس. 1/ 200، 366، 398، 2/ 156، 157، 247، 254، 269، 4/ 106، 188، 189، 5/ 47، 121، 259، 266، 401، 6/ 556، 7/ 97، 118، 238، 276، 289، 304، 305، 310، 349، 363، 545، 638، 8/ 103، 152، 306، 429، 520، 521، 526، 569، 570، 600، 9/ 44، 69، 70، 128، 139، 164، 176، 268، 331، 377، 385، 387، 392، 396، 431، 469، 484، 488، 496، 511، 523، 545، 551، 10/ 13، 14، 23، 43، 74، 91، 110، 166، 182، 192، 223، 235، 283، 306، 313، 323، 334، 335، 427، 389، 410، 433، 489، 497، 519، 535، 588، 612، 638. بيت هرمس. 6/ 503. بئر أم معبد. 5/ 319. بئر جامع دمشق. 6/ 470. بئر زمزم. 10/ 12، 141. بئر معونة. 1/ 121. بئر ميمون. 2/ 261، 262. بيرة الفرات. 10/ 153. بيروت. 2/ 258، 259، 472، 6/ 14، 490، 510، 8/ 524، 9/ 183، 317، 10/ 117، 208، 274، 275، 351، 489. بيسان. 7/ 503، 8/ 566، 9/ 132. البيضاء. 2/ 62، 7/ 685. بيكند. 5/ 26.

بيلقان. 7/ 130، 614. البيمارستان الأرغوني. 10/ 439. البيمارستان السليمي. 10/ 299. البيمارستان القيمري. 9/ 421، 10/ 359. البيمارستان المستنصري. 9/ 262. البيمارستان المنصوري. 9/ 138. البيمارستان المنصوري بالقاهرة. 10/ 64. البيمارستان النوري. 9/ 123، 10/ 202، 365، 368، 505. بين السورين. 4/ 433، 9/ 246، 10/ 260، 547. بين القصرين. 7/ 533، 715، 8/ 5، 514، 537، 543، 555، 9/ 17، 277، 349، 396، 10/ 86، 133، 156، 219، 244، 354. بيهق. 5/ 249.

حرف التاء تادلة. 9/ 39. تاذف. 7/ 756. تاهرت. 2/ 438، 4/ 310، 503، 5/ 33. التبانة. 8/ 561، 9/ 104. تبالة. 1/ 127. تبريز. 5/ 164، 7/ 129، 171، 308، 686، 739، 8/ 18، 89، 199، 241، 256، 576، 589، 9/ 37، 41، 43، 9774، 102، 119، 131، 150، 151، 187، 237، 283، 307، 10/ 199، 240، 299، 301، 321، 326، 333، 434، 435، 457. التبريزية. 10/ 379. تبوك. 1/ 128، 244، 349، 7/ 667، 8/ 36، 201. تبنين. 7/ 240. تجيب. 3/ 198. تحت الساعات. 7/ 400، 491، 730. التخت السلطاني. 10/ 640، 641. تدمر. 2/ 108، 4/ 317، 7/ 322، 668، 726، 8/ 527. التدمرية. 8/ 357. تدمير. 5/ 334. ترابلس طرابلس الشام. 8/ 300. تربة ابن أبي شامة. 7/ 407. تربة ابن الصاحب. 8/ 480. تربة ابن محب الدين. 10/ 218. تربة أبي الطيب. 7/ 764. تربة الأتابك يشبك. 10/ 149. التربة الأشرفية. 7/ 182، 553، 8/ 86. 10/ 357. تربة الأشرف [1] . 9/ 488. تربة الإمام أحمد. 7/ 283، 8/ 228، 229. تربة أم الصالح. 7/ 653، 717، 734، 8/ 86، 140، 474، 9/ 57، 10/ 168. تربة الأمير تنم. 9/ 164. تربة أولاد ملوك [2] . 10/ 246. تربة باب الصغير. 7/ 250، 10/ 291، 505، 564. تربة باب الفراديس. 10/ 206، 329. التربة البرقوقية. 10/ 353، 367. تربة بكتمر الساقي. 8/ 573. تربة بني الزكي بقاسيون. 7/ 489.

_ [1] ورد ذكرها في الكتاب مرة ب (تربة الأشرف) ومرة ب (التربة الأشرفية) فآثرت إثبات الأولى في الفهرس. [2] كذا في كتابنا و «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» للطبّاخ (5/ 411) وحقها أن تكون (تربة أولاد الملوك) .

تربة تاج الدين بن عطاء. 8/ 434. تربة تقي الدين توبة. 7/ 758. تربة الجلال السيوطي. 10/ 207. تربة الجورة بالميدان. 10/ 220. تربة الحافظ عبد الغني. 7/ 761. تربة الخشابين. 10/ 103. تربة دجاجة. 10/ 330. التربة الركنية. 9/ 330. تربة السبكيين. 8/ 374، 438، 497، 10/ 339، 384، 392. تربة السلطان إينال. 10/ 302. تربة الشافعي. 4/ 496، 7/ 227، 8/ 351. تربة شمس الدولة. 7/ 409. تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. 6/ 17، 200، 426. تربة الشيخ أبي عمر. 8/ 16، 17، 40، 67، 88، 168، 175، 176، 269، 377، 616. تربة الشيخ أرسلان. 10/ 344، 595. تربة الشيخ إسماعيل الجبرتي. 10/ 121. تربة الشيخ تقي الحصني. 10/ 484. تربة الشيخ موفق الدين. 7/ 734، 8/ 87، 372، 378. تربة الصحراء. 10/ 14. تربة الصلاحية. 10/ 259. تربة الصوفية. 7/ 431، 8/ 308. تربة الطبريين. 10/ 543. تربة الطويل. 10/ 149. تربة العادل كتبغا. 8/ 180. تربة العرب. 10/ 626. تربة الفضيل بن عياض. 4/ 358. تربة فيروز. 10/ 375. تربة القابون التحتاني. 10/ 368. تربة قاسيون. 7/ 206. تربة القاضي. 9/ 28. تربة القاضي فخر الدين. 8/ 76. تربة القضاة الناشريين بزبيد. 10/ 32. تربة القلندرية. 10/ 407. تربة ماملا. 9/ 276، 287. تربة المجاورين. 10/ 214. تربة المرجاني. 10/ 48. تربة الملك الكامل. 7/ 374. تربة الملك الناصر. 9/ 357. تربة موسى الحاجب. 10/ 416. تربة يونس. 8/ 481. تركستان. 5/ 548، 9/ 70. ترمذ. 3/ 403، 4/ 397، 5/ 395. ترنجة. 6/ 531. ترياق. 5/ 354. تريم. 10/ 29، 91، 114، 122، 128، 173، 174، 188، 361، 453، 514، 541، 567، 606، 620، 625. تزمنت. 9/ 380. تسارس. 7/ 367. تستر. 1/ 169، 213، 6/ 224، 225، 7/ 168، 363، 8/ 179، 313، 9/ 227. تعز. 8/ 101، 321، 443، 9/ 45،

136، 166، 178، 253، 321، 336، 344، 366، 10/ 20، 36، 83، 106، 125، 106، 125، 264، 282، 499. التغرمشية. 10/ 282. تفتازان. 8/ 547. تفليس. 2/ 213، 3/ 168، 5/ 171، 293، 354، 6/ 94. تفهن. 9/ 311. تكة قبر الإمام أحمد. 6/ 220، 453. التكرور. 8/ 531، 10/ 477. تكريت. 1/ 170، 6/ 375، 489، 7/ 181، 8/ 539، 576، 588، 9/ 310. تكية السلطان سليم بالصالحية. 10/ 505. التكية السليمية بدمشق. 10/ 196، 197، 299، 463، 551. التل الأعفر. 7/ 609. تل توبة. 4/ 492، 5/ 357، 6/ 481. تل حران. 6/ 266. تل حمدون. 8/ 15. تل الزعقة. 7/ 466. تل الصافية. 6/ 490. تلفيتا. 4/ 405. تلمسان. 6/ 199، 418، 496، 7/ 408، 8/ 202، 232، 297، 332، 333، 401، 415، 467، 586، 587، 9/ 114، 248، 323. تل ناشر. 7/ 498. تلوانة. 9/ 368. التنعيم. 4/ 135. التنكزية (مدرسة) . 8/ 471. تنيس. 3/ 28، 191، 205، 4/ 22، 376، 8/ 564. تهامة [1] . 1/ 131، 5/ 318، 320، 9/ 11، 187. توث. 5/ 421. توريز. 7/ 198، 9/ 17. توزر. 8/ 60. توقات. 9/ 89. تومين. 5/ 162. تونس. 4/ 453، 5/ 510، 6/ 220، 7/ 517، 608، 610، 676، 787، 8/ 14، 196، 232، 262، 373، 457، 468، 566، 590، 9/ 62، 88، 119، 248، 260، 297، 323، 326، 338، 386، 462، 502، 538، 10/ 581. تيرة. 10/ 287. تيماء. 1/ 338، 339، 3/ 118. تينمل. 6/ 118.

_ [1] تذكر في الكتاب تارة ب (تهامة) وتارة ب (تهامة اليمن) .

حرف الثاء الثابتية. 10/ 379. الثمان (مدارس) [1] . 9/ 528، 546. 10/ 61، 122، 134، 140، 154، 155، 171، 213، 227، 257، 286، 296، 301، 318، 327، 329، 335، 341، 344، 347، 360، 366، 372، 373، 376، 380، 405، 411، 435، 436، 448، 455، 458، 460، 490، 491، 492، 522، 600. الثغر [2] . 3/ 112، 208، 296، 6/ 454، 548، 7/ 595، 8/ 52، 116، 136، 142، 169، 359، 382، 9/ 83، 220، 223، 442، 10/ 14. ثغر أرمينية. 2/ 216. ثغر دمياط. 9/ 374، 442، 523، 10/ 13، 14. ثغر رشيد. 10/ 14. ثغر رودس. 8/ 249. ثغور الروم. 7/ 260. ثغر المصيصة. 2/ 383. ثغر حامد. 8/ 533. الثغور. 2/ 195، 4/ 304، 464. الثغور الشامية. 3/ 290. ثمانين. 5/ 189. ثوري. 7/ 38، 416.

_ [1] تنبيه: ورد ذكرها في الكتاب تارة ب (الثمان) وتارة ب (إحدى الثمان) وتارة ب (الثمانية) وفي بعض الأحيان ب (الثماني) وهي مدارس شهيرة كانت بمدينة بروسا من أرض السلطنة العثمانية. [2] تنبيه: تارة يرد ذكرها ب (الثغر) وتارة ب (ثغر الإسكندرية) .

حرف الجيم الجابية. 1/ 314، 334، 2/ 10. جاجرم. 5/ 415، 7/ 103. جادعثر. 1/ 131. الجاروخية. 7/ 167، 392، 504. جالوت. 7/ 513. جام. 5/ 543، 10/ 405. جامع الجبل. 7/ 51. جسر ثورا. 7/ 192. جلنجان. 10/ 513. الجبل (قاسيون) . 9/ 283. جامع ابن الرفعة. 8/ 565. جامع ابن طولون. 4/ 426، 8/ 76، 158، 178، 368، 379، 383، 467، 477، 565، 9/ 72، 201، 252، 289، 333. جامع ابن عبد اللطيف. 7/ 282. جامع ابن عبد المطلب. 7/ 368. جامع أبي أيوب الأنصاري. 10/ 289. جامع أحمد باشا. 10/ 567. جامع الأرموي [1] . 9/ 246. الجامع الأزهر. 8/ 37، 48، 117، 206، 351، 481، 506، 514، 615، 9/ 21، 71، 103، 179، 181، 194، 210، 261، 262، 291، 325، 376، 387، 420، 502، 10/ 49، 105، 147، 149، 156، 160، 185، 248، 402، 404، 491، 542، 614. الجامع بالإسكندرية. 9/ 263. جامع أصبهان. 5/ 115، 352، 6/ 174. جامع أصلم. 8/ 474. جامع الأطروش. 10/ 157، 282، 399. جامع الأفرم. 8/ 26، 106، 162، 367، 585، 9/ 302، 10/ 6، 467. جامع الأقمر. 8/ 253. جامع آمد. 5/ 173. الجامع الأموي [2] . 1/ 353، 389، 402، 2/ 64، 147، 331، 3/ 177، 192، 5/ 12، 35، 89، 226، 257، 407، 6/ 186، 187، 265، 356، 7/ 30، 35، 106، 107، 184، 224، 258، 303، 320، 361، 364، 381، 450، 547، 552، 584، 608، 756، 776، 788، 8/ 15، 23، 56، 70، 117، 136، 137، 140،

_ [1] انظر «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» لابن المبرد، ص 160. [2] تنبيه وردت الإشارة إليه في الكتاب بصيغ مختلفة منها (الأموي) و (الجامع الأموي) و (جامع دمشق) و (الجامع) فآثرت إثباتها في جميع المواطن تحت اسم (الجامع الأموي) لأنه الأشهر من بين أسمائه.

142، 144، 150، 158، 223، 281، 291، 299، 319، 322، 343، 347، 357، 370، 375، 390، 406، 418، 420، 454، 457، 470، 473، 506، 536، 552، 553، 556، 565، 572، 585، 598، 607، 618، 9/ 25، 33، 40، 54، 61، 77، 92، 99، 115، 119، 123، 152، 179، 197، 199، 208، 217، 224، 227، 239، 240، 243، 247، 255، 270، 271، 324، 339، 366، 446، 10/ 13، 20، 42، 48، 49، 79، 87، 97، 109، 121، 126، 128، 132، 137، 150، 168، 169، 171، 174، 183، 195، 196، 209، 217، 223، 227، 233، 235، 238، 256، 269، 271، 272، 279، 283، 299، 301، 308، 311، 319، 322، 329، 334، 341، 342، 357، 365، 366، 367، 370، 379، 380، 388، 392، 394، 395، 398، 422، 424، 442، 463، 492، 498، 500، 502، 504، 505، 519، 529، 535، 559، 576، 594، 602، 603، 605، 630، 634. جامع باب البحر. 10/ 164. جامع بردبك بدمشق. 10/ 112. جامع البصرة. 2/ 271، 3/ 96. جامع بعلبك. 7/ 134. جامع بغداد. 8/ 411. جامع بيت الأنبار. 7/ 308. جامع تغري بردي. 9/ 52. جامع تنكز. 8/ 247، 249، 488. الجامع التنكزي. 10/ 281. جامع التوبة [1] . 7/ 259، 260، 7/ 308، 8/ 294، 392. جامع العقيبة جامع التوبة. 7/ 308. 8/ 121. جامع الجبل (جامع الحنابلة) . 7/ 51، 146، 380، 786، 9/ 529، 10/ 69، 99، 337، 599. جامع الجديد بالصالحية. 6/ 447، 10/ 6، 384. الجامع الجديد [2] . 10/ 113، 463. جامع جراح. 7/ 308، 8/ 23، 291، 357، 442، 554، 558، 9/ 204، 10، 105، 272، 431، 504، 631. جامع الجند. 5/ 318. جامع الجوزة. 10/ 228، 455، 458. جامع الحاكم. 4/ 523. 5/ 62، 7/ 426، 8/ 193، 206، 220، 244، 351، 434، 547، 9/ 33،

_ [1] ذكر مرة باسم (جامع التوبة) ومرة باسم (جامع العقيبة) . [2] تنبيه: عرّفه المؤلف في (10/ 113) بأنه المعروف الآن بجامع المعلّق.

10/ 59. جامع حران. 6/ 392، 7/ 583. جامع حرستا. 7/ 184، 308. الجامع (حماة) جامع حماة. 8/ 164. جامع حمص. 3/ 233. جامع الخطيري. 8/ 312، 9/ 15. جامع الخليفة. 5/ 158. جامع الخندق. 8/ 189. جامع دار القز. 6/ 286. جامع درويش باشا بدمشق. 10/ 580، 605. جامع دمرداش. 10/ 501. جامع ذي أشرق. 5/ 425. جامع راشدة. 5/ 62. جامع الرصافة. 5/ 67. جامع الروضة. 10/ 13. جامع الزاهد. 9/ 483. جامع زبيد. 9/ 263، 10/ 51. جامع زيرك. 9/ 540. جامع سر من رأى. 3/ 168. جامع السقيفة بباب توما بدمشق. 10/ 7. 10/ 511. جامع السلطان. 7/ 282، 8/ 468، 9/ 549. جامع السلطان محمد بقسطنطينية. 10/ 7، 15، 444، 609. جامع الشحر. 10/ 126. جامع الصالح. 6/ 296، 8/ 189، 206، 439، 477، 501. الجامع الصالحي (ظاهر القاهرة) . 8/ 250. الجامع الضروي بحلب. 10/ 423. جامع الطواشي بحلب. 10/ 153. الجامع الظافري. 6/ 252. الجامع الظاهري. 7/ 614. الجامع العتيق. 7/ 73، 693، 9/ 84. جامع عجلون. 9/ 171. جامع عدن. 9/ 178. جامع عسقلان. 5/ 121. جامع العطار بطرابلس. 10/ 481. جامع عمرو بن العاص بمصر. 3/ 21، 7/ 263، 692، 8/ 280، 334، 9/ 122، 152، 302، 316، 369، 10/ 232، 254. الجامع العمري. 10/ 169. جامع عيسى. 10/ 169. جامع عيسى. 10/ 175. جامع غرناطة. 8/ 483. جامع [الغمري] . 9/ 387، 388، 483، 10، 77، 230، 252، 330، 354، 367، 491، 544، 545. جامع الفردوس. 10/ 445. جامع القابون. 8/ 114. جامع قاسم باشا. 10/ 527. جامع القبيبات. 8/ 114. الجامع القديم. 4/ 498. جامع القرافة. 4/ 461. جامع قرطبة. 6/ 153. جامع القصب. 10/ 88. جامع القصر ببغداد. 6/ 46، 47، 63، 105، 211، 270، 327. جامع القلعة. 10/ 63، 291.

الجامع الكبير بمصر. 10/ 13. الجامع الكبير في بروسا. 10/ 206. الجامع الكبير بحلب [1] . 8/ 508. 9/ 32، 56، 64، 96، 165، 337، 10/ 50، 55، 135، 191، 295، 312، 295، 318، 331، 368، 393، 448، 459، 489، جامع كريم الدين [2] . 9/ 275. جامع كريم الدّين [3] . 9/ 275. جامع مؤمن. 9/ 84. جامع المؤيدي. 9/ 211، 240، 241. جامع المارداني. 8/ 429. الجامع المجاهدي. 6/ 519. جامع محمود. 10/ 133. جامع المزاز. 6/ 275. جامع المزة. 7/ 184. جامع مصر. 1/ 388، 4/ 21، 461، 6/ 501، 535. الجامع المظفري. 7/ 389، 561، 7/ 698، 726، 786، 8/ 107، 128، 269، 303، 318، 322، 391، 545، 9/ 158، 215، 349، 10/ 337، 392، 429. جامع المعلّق [4] . 10/ 113. جامع المقسم. 10/ 164. جامع المقياس. 7/ 583. جامع الملك بالحسينية. 10/ 133. جامع المنصور. 2/ 422، 4/ 208، 251، 262، 373، 5/ 21، 60، 139، 158، 190، 281، 303، 326، 6/ 47، 63، 134، 236، 7/ 49، 350، 8/ 43. جامع منكلي بغا. 9/ 96. الجامع المنيعي. 5/ 265. جامع المهدي. 6/ 24. جامع المهمندار. 10/ 499. جامع ميافارقين. 5/ 173. جامع ميدان الحصا. 10/ 338. جامع الميدان، بمصر. 10/ 455. جامع الناصري. 10/ 515. جامع النجار. 8/ 434. الجامع النوري. 6/ 359. جامع نيسابور. 6/ 185. جامع يلبغا. 8/ 406. جامع يونس. 9/ 343. الجانب الشرقي [5] . 3/ 414، 4/ 102، 164، 191، 369، 445، 461. جانب الطور. 2/ 333. الجانب الغربي [6] . 2/ 435، 4/ 47، 163، 7/ 80، 198، 579. جبّى. 4/ 18. الجبابين. 6/ 408.

_ [1] تنبيه: ورد ذكره في الكتاب ب (الجامع الكبير) و (جامع حلب) فجمعت بين الاسمين هنا تقريبا للفائدة. [2] قلت: ويعرف ب (الجامع الكريمي) و (جامع القبيبات) ويعرف الآن ب (جامع الدقاق) وهو في آخر حي الميدان من دمشق إلى جانب الطريق العام. انظر «منادمة الأطلال» لبدران ص 387. [3] قلت: ويعرف ب (الجامع الكريمي) و (جامع القبيبات) ويعرف الآن ب (جامع الدقاق) وهو في آخر حي الميدان من دمشق إلى جانب الطريق العام. انظر «منادمة الأطلال» لبدران ص 387. [4] انظر (الجامع الجديد) . [5] يعني الجانب الشرقي من مدينة بغداد. [6] يعني الجانب الغربي من مدينة بغداد.

الجبال. 3/ 253، 336، 4/ 25، 132، 202، 225، 470، 5/ 132، 6/ 202، 293. جبال إرمينية. 3/ 102. جبال البربر. 9/ 39. جبال حمدة. 9/ 381. جبال دربند شروان. 7/ 130. جبال رضوى. 1/ 332. جبال طغماج. 7/ 118، 131. جبال الظنيّين. 7/ 778. جبانة الباب الصغير. 10/ 274. جبانة العبّاد. 6/ 496. جبرين. 8/ 163، 164، 214، 484. الجبل. 4/ 134، 460، 5/ 29، 407، 7/ 262، 9/ 466. جبل أبي قبيس. 1/ 306. جبل الأعلى. 10/ 350. الجبل الأقرع. 9/ 134. جبل بني هلال. 7/ 162. الجبل الجودي. 5/ 189. جبل جوشن. 6/ 243، 10/ 307. جبل حلوان. 7/ 561. الجبل [1] . 7/ 545. جبل سمرقند جبل سميراء. جبل سميراء [2] . 1/ 175. جبل سنير. 4/ 405. جبل طارق. 1/ 391. جبل عاملة. 10/ 611. جبل عرفات. 7/ 245. جبل غمارا. 10/ 117. جبل قاسيون. 6/ 304، 7/ 54، 106، 107، 134، 187، 192، 210، 248، 255، 325، 377، 378، 379، 387، 461، 511، 515، 519، 562، 659، 751، 775، 776، 783، 789، 791، 798، 8/ 159، 303، 10/ 47. جبل قاف. 10/ 44. جبل قرطبة. 4/ 363. جبل لبنان. 7، 256، 365. جبل مسور. 5/ 318. جبل المقطّم. 4/ 521، 10/ 434. جبل نابلس. 8/ 29، 264. جبل هكار. 6/ 301. جبلة. 4/ 310، 6/ 264، 490، 7/ 562، 8/ 78، 511، 9/ 134، 136. الجبة. 7/ 29. جبة طرابلس. 7/ 30. جبة عسال. 8/ 488. جبيل. 5/ 414، 6/ 491. الجحفة. 2/ 114.

_ [1] كان يعرف قديما ب (جبل حوران) ويعرف الآن ب (جبل العرب) . [2] في الكتاب «جبل سمرقند» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» . (3/ 255- 256) و «الكامل في التاريخ» (2/ 317) و «مختصر تاريخ دمشق» (11/ 315) وانظر «معجم ما استعجم» (3/ 757) ويعود الفضل في تنبيهي على هذا الخطأ لصديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح نفع الله تعالى به.

جدة. 1/ 229، 3/ 214، 5/ 202، 8/ 400، 9/ 184، 345، 503، 10، 162، 319، 350، 391، 404، 423، 450. الجزع. 6/ 507. جرب. 10/ 461. جرباذقان. 5/ 201، 374. جرثومة. 1/ 355. جرجان. 1/ 176، 393، 2/ 282، 305، 344، 428، 3/ 15، 108، 191، 214، 273، 4/ 27، 134، 142، 193، 231، 353، 355، 369، 384، 392، 406، 459، 483، 507، 5/ 94، 103، 121، 132، 144، 156، 201، 216، 222، 229، 376، 415، 6/ 19، 7، 103، 9/ 97. جرجانية خوارزم. 6/ 198، 7/ 377. جرجرايا. 4/ 414، 5/ 79، 130. الجرعة. 1/ 199. الجرف. 1/ 198. جروا آن. 6/ 420. جروان. 9/ 368. جرود. 7/ 258. الجزائر. 7/ 119، 248. الجزع. 6/ 88. الجزيرة (في مصر) . 6/ 337. الجزيرة. 1/ 290، 360، 2/ 10، 69، 81، 90، 107، 138، 145، 195، 201، 247، 268، 284، 294، 334، 357، 463، 3/ 186، 276، 284، 314، 341، 4/ 15، 33، 80، 89، 110، 134، 182، 231، 246، 279، 285، 337، 380، 389، 401، 402، 403، 420، 520، 5/ 299، 343، 366، 6/ 166، 201، 268، 280، 398، 468، 482، 496، 7/ 21، 82، 93، 117، 143، 144، 179، 217، 235، 247، 303، 318، 513، 529، 530، 550، 557، 558، 589، 694، 759، 792، 8، 50، 85، 9/ 37، 74، 334. جزيرة ابن عمر. 4/ 446، 6/ 316، 7/ 29، 43، 654، 9/ 316. الجزيرة جزيرة أقور. 3/ 368. جزيرة الأندلس. 6/ 89، 91. الجزيرة الخضراء الأندلس. 1/ 391. جزيرة زيلع. 9/ 76. جزيرة العرب. 10/ 161. الجزيرة الفراتية. 3/ 367. جزيرة الفيل. 9/ 378. جزيرة قبرس قبرص. 7/ 428، 9/ 348. جزين. 7/ 637. الجسر (ببغداد) . 3/ 172. جسر أبي عبيد. 1/ 160. الجسر الأبيض. 7/ 133، 797، 9/ 251، 10/ 339، 425. الجسر الأسفل. 2/ 396. الجسر الأعلى. 2/ 396.

الجسر الأوسط. 2/ 396. جسر باب الفراديس. 7/ 666. الجسر الجديد. 4/ 47. جسر الشريعة. 8/ 471، 9/ 17. جسر المجامع. 8/ 407. جسر نيل مصر. 3/ 131. جسرين. 3/ 121. جعبر. 7/ 535، 8/ 171. الجقمقية، قرب الأموي. 10/ 366. جلا. 9/ 34. جلد، من أعمال أماسية. 10/ 440. جلولاء. 1/ 561، 2/ 25، 4/ 223. جمّاعيل. 6/ 304، 7/ 51، 105، 145، 155، 674. الجمالية (مدرسة) . 9/ 197، 466، 10/ 35. جمحى من قرى إربد. 10/ 358. الجمدارية. 9/ 164. جمرة العقبة. 3/ 130. جنابذ. 7/ 86. جنابة. 3/ 358، 4/ 60، 351. الجناح الأخضر من بلاد المغرب. 10/ 238. الجند. 1/ 201، 2/ 41، 69، 4/ 524، 6/ 71. الجند. 1/ 168. جند. 5/ 247. جنديسابور. 3/ 283، 4/ 10. جنزة. 6/ 168، 172. جنوة. 4/ 121. الجهة الشامية. 9/ 348، 10/ 104. جوبر. 5/ 123، 8/ 100، 176. جوخى. 1/ 396، 4/ 412. جورتان. 6/ 497. الجوزجان. 2/ 109. جوزق. 4/ 474. الجوزية (مدرسة) . 8/ 287، 288، 373، 619، 9/ 58، 82. جوسية. 3/ 202. الجون. 8/ 219. الجوهرية (مدرسة بدمشق) . 9/ 132، 10/ 35، 603. جوين. 5/ 176، 6/ 156. جيّان. 5/ 129، 5/ 420، 7/ 27، 451، 590. جيحون. 4/ 101، 346، 5/ 274، 7/ 129. الجيدور. 9/ 171. جيرون. 6/ 253، 7/ 305، 538. الجيزة. 3/ 300. جيزة مصر الجيزة. 3/ 391، 4/ 38، 349، 424، 425، 6/ 120، 7/ 235، 9/ 194، 300، 401، 10/ 290، 477. جيلان [1] . 6/ 331، 335.

_ [1] ورد ذكره في الكتاب بعدة صيغ، منها: (جبل قاسيون) و (جبل الصالحية) و (الجبل) لذا لزم التنبيه. ورد ذكرها بعدة صيغ في الكتاب على النحو التالي (جبل) (جيلان) (كيلان) فآثرت ذكرها ب (جيلان) لأنه الأشهر.

حرف الحاء الحاجبية (مدرسة) . 6/ 563، 10/ 338، 385، 450. حارة الجعافرة. 7/ 788. حارة السكة. 10/ 119. الحارثية. 8/ 53. حاجر. 7/ 311. الحافظية. 7/ 416. الحامدة. 4/ 268. الحائط الشمالي. 7/ 565. حبراص. 8/ 336. الحبشة. 1/ 125، 241، 169، 221، 326، 235، 236، 2/ 74، 138، 4/ 441، 6/ 125، 7/ 390، 9/ 75، 248، 292، 312، 334. حبكة [1] . 8/ 475. الحجاز. 1/ 165، 308، 313، 321، 343، 377، 378، 388، 2/ 69، 92، 96، 101، 202، 226، 246، 284، 316، 354، 399، 411، 432، 450، 466، 474، 3/ 52، 253، 270، 271، 314، 416، 4/ 15، 39، 57، 73، 79، 80، 90، 117، 179، 188، 231، 246، 269، 296، 349، 374، 443، 483، 498، 5/ 29، 61، 65، 115، 149، 177، 194، 259، 277، 304، 330، 390، 392، 394، 6/ 20، 50، 160، 212، 233، 270، 355، 490، 507، 7/ 97، 179، 248، 275، 318، 392، 445، 454، 545، 744، 8/ 88، 122، 165، 183، 251، 262، 357، 345، 397، 506، 520، 9/ 11، 34، 85، 88، 113، 116، 147، 225، 233، 298، 332، 417، 476، 525، 535، 10/ 57، 63، 152، 191، 197، 212، 270، 342، 402، 428، 543. الحجازية بجامع حلب (مدرسة) . 10/ 135، 191، 294. حجر إسماعيل. 10/ 13. الحجر الحجر الأسود. 3/ 41، 5/ 69، 10/ 160. الحجر. 1/ 288، 309. الحجرة الشريفة. 6/ 381. 10/ 25، 10/ 385، 432. الحجرة النبوية. 10/ 76. الحجرة المقدسة. 1/ 372.

_ [1] من قرى حوران تتبع الآن محافظة السويداء.

الحجرية (مدرسة) . 10/ 374. الحجون. 2/ 9، 393. الحدث. 3/ 382، 4/ 232. الحديث الأشرفية (دار حديث) . 9/ 40. الحديبية. 1/ 137، 156، 169، 225، 232، 251، 280، 308، 311، 316. الحديثة. 5/ 221. 6/ 309، 7/ 726، 8/ 527، 620. حران. 1/ 69، 2/ 132، 421، 3/ 222، 306، 367، 368، 369، 4/ 89، 210، 251، 289، 374، 5/ 160، 229، 323، 327، 328، 338، 360، 414، 6/ 35، 307، 392، 412، 413، 427، 441، 469، 481، 490، 546، 7/ 7، 8، 20، 57، 87، 93، 94، 144، 469، 481، 490، 546، 7/ 7، 8،. 20، 57، 87، 93، 94، 144، 179، 180، 182، 198، 200، 207، 208، 211، 219، 225، 234، 243، 245، 246، 261، 280، 285، 291، 292، 293، 301، 302، 306، 333، 354، 363، 364، 365، 366، 380، 381، 392، 404، 412، 427، 443، 444، 445، 446، 480، 497، 564، 567، 577، 583، 587، 607، 633، 651، 656، 718، 733، 749، 8/ 55، 83، 91، 136، 143، 155، 262. حربا. 7/ 32. الحربية. 5/ 188، 6/ 241. الحرة. 1/ 147، 278، 286، 372. الحرة الشرقية، في المدينة المنورة. 7/ 454. حرة واقم. 1/ 283، 285. الحردة. 1/ 131. حرس. 8/ 455. حرستا. 2/ 409، 10/ 566. حرض. 9/ 34، 144، 146. الحرم. 2/ 80، 399، 466، 3/ 361، 4/ 94، 168، 5/ 74، 164، 182، 307، 312، 6/ 418، 447، 498، 7/ 64، 762، 8/ 377، 555، 9/ 26، 225، 291، 10/ 188، 334، 350، 559، 408. حرم الخليل. 9/ 422، 542، 10/ 42. الحرم الشريف. 7/ 598، 8/ 552، 9/ 179، 257، 425، 10/ 404، 525. حرم القدس. 9/ 422. الحرم النبوي الشريف. 6/ 548، 9/ 140. الحرمان. 1/ 287، 2/ 359، 431، 437، 3/ 372، 4/ 11، 269، 334، 486، 5/ 10، 29، 109، 176، 234، 244، 249، 261، 265، 278، 291، 321، 325، 338، 339، 340، 342، 344، 363، 397، 420، 424، 6/ 268، 421، 7/ 303، 575، 672، 8/ 75، 165، 359، 506، 9/ 118، 213، 231 ص،

الصفحة: 323، 405، 428، 439، 445، 467، 10/ 23، 10/ 74، 77، 91، 106، 124، 136، 148، 195، 200، 201، 248، 269، 275، 306، 370، 433، 439، 450، 485، 492، 505، 543، 550، 553، 559، 565، 581. حروراء. 1/ 224. الحسا. 8/ 86، 10/ 351. حسبان. 8/ 557. الحسينية. 7/ 533، 614، 7/ 699، 8/ 95، 9/ 277، 10/ 133، 163. الحصن. 9/ 273. حصن الأبلق. 4/ 40. حصن الأكراد. 5/ 572، 6/ 266، 7/ 546، 560، 783. حصن بلي. 3/ 423. حصن البحراء. 2/ 108. حصن صافيتا. 6/ 328. حصن الصفصاف. 2/ 415، 358. حصن الصقالبة. 2/ 415. حصن الطائف. 1/ 250. حصن عكا. 7/ 572. حصن غومشك. 2/ 91. حصن قرة. 3/ 70. حصن القطاسين. 2/ 47. حصن كيفا. 6/ 280، 459، 7/ 237، 411، 412، 427، 8/ 621، 9/ 102، 259، 314، 430، 451، 7/ 715. حصن المرقب. 7/ 715. حصن منصور. 7/ 402. حصن الهارونية. 4/ 251. حش كوكب. 1/ 202. الحضر. 4/ 84. الحضرة النبوية. 9/ 417. حضرموت. 1/ 168، 6/ 490، 7/ 630، 9/ 450، 10/ 29، 91، 188، 453، 461، 462، 522، 560، 625، 627. حفنا. 9/ 277. حكمه. 8/ 33. الحلاوية. 10/ 233، 423. حلب. 1/ 163، 2/ 286، 417، 3/ 191، 363، 376، 4/ 66، 140، 167، 181، 182، 184، 185، 220، 237، 268، 293، 296، 378، 381، 397، 427، 434، 436، 518، 5/ 9، 99، 129، 209، 227، 228، 273، 290، 313، 324، 343، 355، 372، 380، 6/ 27، 37، 79، 82، 87، 100، 154، 170، 209، 210، 213، 242، 243، 250، 266، 330، 349، 350، 354، 378، 382، 391، 403، 412، 425، 427، 432، 436، 464، 466، 471، 476، 479، 480، 481، 490، 518، 545، 549، 7/ 13 ص،

الصفحة: 39، 74، 90، 102، 103، 109، 117، 124، 148، 150، 155، 163، 164، 178، 182، 189، 213، 214، 232، 233، 235، 242، 253، 255، 276، 277، 280، 284، 294، 299، 312، 314، 318، 328، 329، 364، 380، 382، 395، 408، 416، 419، 420، 421، 433، 437، 448، 451، 460، 462، 464، 490، 497، 498، 502، 503، 504، 505، 511، 512، 513، 519، 525، 534، 535، 558، 589، 591، 602، 637، 641، 656، 678، 718، 733، 735، 749، 754، 756، 764، 794، 795، 797، 8/ 20، 24، 25، 27، 33، 38، 47، 59، 69، 75، 116، 133، 140، 151، 157، 158، 163، 164، 166، 167، 214، 234، 237، 241، 250، 266، 276، 283، 299، 316، 343، 345، 382، 387، 391، 393، 400، 401، 404، 406، 407، 409، 413، 418، 419، 431، 433، 439، 444، 447، 450، 451، 452، 453، 455، 458، 471، 479، 480، 485، 495، 503، 504، 507، 515، 525، 529، 530، 537، 540 ص، 572، 573، 576، 578، 591، 602، 608، 9/ 11، 14، 20، 22، 24، 32، 37، 40، 41، 46، 47، 52، 53، 57، 63، 64، 65، 68، 71، 72، 81، 83، 84، 86، 88، 89، 92، 93، 94، 96، 98، 102، 110، 111، 113، 131، 134، 135، 137، 146، 147، 148، 150، 154، 164، 165، 169، 170، 177، 184، 185، 199، 202، 207، 209، 211، 220، 235، 236، 245، 249، 255، 256، 268، 269، 278، 284، 292، 295، 315، 316، 324، 326، 336، 342، 343، 346، 347، 359، 360، 364، 367، 379، 389، 390، 400، 417، 418، 431، 432، 437، 490، 498، 506، 541، 10/ 5، 6، 10، 23، 41، 55، 66، 74، 87، 93، 94، 98، 103، 108، 123، 127، 142، 144، 145، 153، 155، 157، 159، 160، 161، 175، 177، 178، 180، 182، 185، 186، 191، 192، 194، 200، 203، 205، 208، 209، 229، 233، 234، 238، 239، 241، 246، 259، 267، 268، 269، 278، 282، 284، 286، 294، 296، 301، 303 ص،

الصفحة: 306، 307، 308، 311، 313، 315، 316، 318، 320، 321، 323، 324، 325، 331، 332، 334، 340، 350، 351، 352، 357، 360، 371، 374، 375، 377، 379، 387، 393، 398، 399، 400، 402، 405، 407، 409، 414، 415، 416، 423، 424، 425، 427، 431، 432، 433، 438، 439، 440، 441، 442، 444، 445، 446، 448، 449، 450، 451، 452، 453، 456، 459، 460، 461، 464، 465، 467، 469، 470، 471، 475، 478، 481، 483، 484، 485، 489، 490، 492، 493، 494، 496، 497، 503، 506، 509، 510، 511، 512، 515، 516، 526، 532، 533، 534، 538، 544، 548، 560، 562، 575، 579، 589، 608، 615، 619، 649، 650. حلبية أدرنة. 10/ 296. الحلة الحلة السيفية. 6/ 5. الحلة. 6/ 143، 149، 303، 345، 497، 542، 9/ 150، 310. حلق الواد. 10/ 581. حلوان. 1/ 269، 2/ 445، 462، 3/ 179، 4/ 91. حلي. 8/ 400، 9/ 168. حماة. 3/ 382، 5/ 211، 6/ 210، 219، 266، 391، 403، 405، 432، 436، 466، 475، 476، 490، 556، 7/ 5، 24، 117، 138، 254، 262، 330، 370، 397، 405، 441، 503، 513، 521، 535، 536، 560، 572، 631، 642، 667، 680، 746، 762، 766، 670، 773، 788، 790، 792. 8/ 11، 52، 131، 164، 172، 173، 179، 182، 185، 188، 191، 200، 209، 223، 248، 345، 346، 364، 374، 489، 508، 541، 572، 584، 590، 619، 9/ 11، 33، 83، 93، 104، 130، 147، 177، 185، 236، 262، 268، 269، 281، 319، 320، 321، 342، 344، 346، 367، 423، 441، 457، 506، 537، 550، 10/ 115، 119، 145، 175، 191، 207، 208، 241، 266، 270، 275، 304، 306، 331، 332، 415، 424، 436، 437، 446، 470، 471، 492، 593، 652. حمام الدودحين. 10/ 157. حمام القيشاني. 10/ 605. حمام النائب. 8/ 171. حمّام نور الدين. 7/ 500، 7/ 501،

8/ 143، 619. حمراء حمراء الأسد. 1/ 137. حمران. 2/ 210. الحمرية. 10/ 211. حمرين. 2/ 91. حمزة (مدينة بالمغرب) . 6/ 382. حمص. 1/ 160، 200، 214، 278، 328، 351، 354، 355، 356، 388، 2/ 104، 116، 191، 221، 235، 242، 252، 359، 476، 3/ 58، 59، 92، 103، 202، 306، 348، 382، 383، 386، 4/ 129، 184، 282، 301، 304، 310، 5/ 156، 399، 6/ 210، 251، 266، 286، 303، 344، 450، 391، 403، 420، 443، 444، 447، 466، 490، 7/ 120، 134، 187، 207، 310، 322، 396، 428، 513، 518، 519، 539، 639، 642، 654، 678، 715، 769، 8/ 116، 164، 168، 171، 250، 261، 262، 264، 382، 393، 454، 492، 503، 567، 584، 624، 9/ 34، 100، 111، 236، 283، 292، 346، 418، 441، 464، 10/ 208، 303، 306. الحميريّة. 9/ 166. الحميمة. 2/ 72. الحنبلية (مدرسة) . 7/ 150، 8/ 137، 278. حنين. 1/ 127، 138، 158، 172، 194، 229. الحوز. 6/ 44. حوران. 1/ 162، 287، 373، 3/ 68، 383، 392، 7/ 387، 400، 545، 9/ 273، 10/ 493. حوش الإمام الشافعي، بمصر. 10/ 507. حوش زاوية الشيخ أبو بكر بن داود. 9/ 177. حوش السلطان برقوق. 10/ 434. حوش الشيخ محيي الدين. 10/ 406. حوش الصوفية. 8/ 583، 9/ 73. حوش عبد بن وهب بالقرافة. 10/ 133. حوش قوصون خارج القرافة. 10/ 79. حوف. 5/ 153. الحولة. 9/ 98. حوارى. 7/ 544. الحويزة. 9/ 227. الحيرة. 2/ 113، 220، 394، 3/ 55، 419، 4/ 154، 6/ 330. حيس. 10/ 50. حيفا. 6/ 490. حيلان. 7/ 497.

حرف الخاء الخابور. 7/ 322. الخارجية. 4/ 492. خان الحنفية. 5/ 192. خان الخليلي. 9/ 300، 10/ 214. خان الزنجاري. 7/ 259، 308. خان السبيل. 9/ 274. خان شيخون. 8/ 541. خان غباغب. 9/ 32. خان يونس. 10/ 200. الخانقاه الأسدية. 7/ 723. خانقاه أم الملك الصالح، بحلب. 10/ 489. خانقاه بشتاك الناصري. 9/ 282. الخانقاه البيبرسية. 8/ 220، 545، 9/ 254، 396. الخانقاه الجاولية. 8/ 578. الخاتونية (مدرسة) . 6/ 558، 7/ 731، 8/ 139، 420، 520، 10/ 603. الخانقاه الدويدارية. 8/ 258. الخانكاه السرياقوسية. 9/ 521، 10/ 596. خانقاه سعيد السعداء. 7/ 617، 8/ 543، 9/ 142، 10/ 302. الخانكاه السميساطية. 5/ 226، 8/ 520، 10/ 308. الخانقاه الشبلية. 7/ 457. الخانقاه الشهابية. 8/ 325. الخانقاه الصالحية. 9/ 74. الخانقاه الصلاحية. 8/ 482، 9/ 341، 10/ 156. خانقاه الطاحون. 7/ 783. خانقاه طقز دمر. 8/ 574. خانكاه الطواويس. 5/ 415. الخانقاه الطيبرسية. 8/ 206. خانقاه القرافة. 8/ 281. خانقاه قوصون. 8/ 596. خانقاه كريم الدين. 8/ 573. الخانقاه المجاهدية. 7/ 456. الخانقاه الناصرية. 9/ 146. الخانقاه النجمية. 8/ 504. خبر. 5/ 329. الختل. 4/ 343. خجندة. 5/ 354، 7/ 312. خراسان. 1/ 188، 190، 191، 257، 258، 269، 289، 319، 334، 335، 345، 351، 371، 377، 389، 2/ 18، 32، 41، 45، 49، 51، 64، 76، 79، 109، 124، 132، 183، 226، 237، 268، 286، 300، 303، 387، 407، 425، 426، 428، 436، 440، 442، 461، 463، 3/ 10، 12،

الصفحة: 15، 16، 35، 65، 69، 130، 155، 167، 168، 169، 182، 192، 208، 214، 223، 234، 253، 254، 260، 262، 266، 267، 273، 282، 314، 341، 358، 375، 380، 398، 399، 401، 420، 421، 424، 4/ 9، 15، 18، 42، 58، 70، 73، 79، 94، 96، 123، 134، 168، 201، 219، 225، 234، 236، 245، 249، 257، 262، 279، 285، 290، 297، 299، 337، 343، 345، 357، 370، 374، 380، 401، 403، 405، 443، 469، 470، 477، 498، 503، 5/ 15، 26، 34، 50، 65، 87، 107، 132، 134، 144، 149، 163، 171، 177، 193، 194، 213، 222، 227، 229، 233، 236، 244، 248، 249، 258، 260، 265، 272، 275، 280، 287، 301، 304، 307، 330، 333، 343، 345، 348، 360، 366، 370، 371، 372، 395، 420، 6/ 13، 19، 30، 33، 44، 50، 112، 113، 114، 128، 143، 156، 157، 160، 168، 202، 220، 236، 256، 263، 266، 267، 268، 289، 293، 376، 383، 475، 508، 530، 555 ص، 7/ 6، 17، 125، 129، 135، 138، 143، 213، 222، 234، 235، 247، 257، 308، 318، 365، 384، 392، 434، 451، 465، 474، 565، 719، 739، 798، 9/ 178، 475، 543، 10/ 199، 221، 345، 366، 417، 430. الخربة. 6/ 347. خربة روحا. 9/ 218، 509. خرت برت. 5/ 174، 9/ 64، 10/ 359. خرتنك. 3/ 255. خرشنة. 2/ 63، 4/ 300. خرق. 5/ 321. خركوش. 5/ 47. خرميثن. 5/ 133. الخزر. 2/ 39، 48، 5/ 366. خسروجرد. 5/ 249. خسروشاه. 7/ 441. خشن. 4/ 325. الخشابية [بمصر] . 9/ 454، 10/ 399، 402، 507. الخطا: انظر بلاد الخطا. خلاط. 5/ 174، 6/ 460، 476، 487، 7/ 5، 23، 69، 117، 120، 210، 216، 302، 306، 307، 402، 8/ 589. الخليل. 7/ 621، 8/ 73، 248، 457، 488، 585، 9/ 78، 236، 268، 396، 470، 510، 545، 551، 10/ 14، 22.

الخلخال. 8/ 251. الخلد. 2/ 256، 261، 435، 4/ 253. خلكان. 7/ 650. الخليج (قرب الزاوية الحمراء) . 10/ 244. خليص. 8/ 216. خم. 5/ 378. الخندق. 1/ 121، 122، 137، 311. خواجا أبغار. خوار. 6/ 172، 185. خوارزم. 1/ 282، 3/ 341، 388، 389، 391، 4/ 434، 435، 514، 5/ 121، 246، 360، 395، 6/ 157، 196، 247، 530، 7/ 141، 142، 173، 213، 247، 376، 8/ 548. الخوارزمية «بدمشق» . 10/ 342، 429. الخواصين. 2/ 102. خواف. 5/ 424. خوركنباته. 10/ 552. خوزستان. 4/ 42. 5/ 170، 221، 376، 6/ 224. خوي. 7/ 320، 739. الخيارة. 7/ 770. خيبر. 1/ 121، 124، 137، 138، 249، 265، 313. الخيزرانية. 4/ 190. الخيف. 4/ 513. خيوق. 7/ 141.

حرف الدال داران. 3/ 29. دابق. 2/ 183، 186. داديخ. 10/ 175. دارك. 4/ 401. دار آل عمر بن الخطاب دار العشرة. 6/ 381. دار الإبراهيمي. 7/ 416. دار الأخرم. 5/ 64. دار الأمير طرخان (مدرسة) . 6/ 244. دار الايتاخ. 1/ 78. دارباجور. 3/ 249. دار البطيخ. 6/ 226، 8/ 119. دار التفاح. 8/ 457. دار جوزة. 6/ 474. دار الحديث. 8/ 17، 7/ 384، 658، 10/ 178. دار الحديث بأدرنة. 9/ 527، 10/ 10، 326، 335، 414. دار الحديث بالسفح. 7/ 231. دار الحديث الأشرفية. 7/ 537، 553، 688، 712، 750، 8/ 30، 74، 237، 308، 373، 379، 554، 9/ 215، 366، 10/ 168، 531، 630. دار الحديث الأنصارية [1] . 10/ 527. دار الحديث السليمانية [2] . 10/ 604، 619. دار الحديث البهائية. 9/ 210. دار الحديث التنكزية. 8/ 143. دار الحديث بجامع الصالح. 8/ 189. دار الحديث السكرية. 7/ 657. دار الحديث في حلب. 7/ 364. دار الحديث الظاهرية. 7/ 700، 734، 8/ 183، 317. دار الحديث الكاملية. 7/ 538، 587، 694، 8/ 12، 9/ 396. دار الحديث بالمدينة المنورة. 10/ 326. دار حديث منبج. 7/ 364. دار الحديث المهاجرية. 7/ 175. دار الحديث الموصلية. 6/ 504، 7/ 530. دار الحديث النورية. 6/ 564. 7/ 308، 585، 620، 8/ 85، 114، 215، 403. دار الخلافة. 3/ 246، 293، 4/ 44، 184، 423، 5/ 181، 191، 217، 417، 7/ 6، 166، 490. دار الذهب. 9/ 98. داريا. 1/ 171، 2/ 23، 469، 3/ 29، 5/ 13، 6/ 418، 8/ 121، 614،

_ [1] تقع في قصبة أبي أيوب الأنصاري. [2] ورد ذكرها مرة ب (دار الحديث السليمانية) ومرة ب (دار حديث السلطان سليمان) .

9/ 98، 132، 254، 282. دار السعادة. 10/ 208، 505، 519. دار السلطنة. 4/ 260، 412، 5/ 166، 10/ 608. دار الشجرة. 4/ 26. دار الشريف المرتضى. 5/ 81. دار الضرب. 4/ 446، 7/ 547، 10/ 93. دار الطعم. 7/ 440. دار العباس. 4/ 270. دار العدل بحلب. 10/ 229، 282. دار العدل بمصر. 8/ 19، 22، 81، 260، 342، 382، 547، 616، 9/ 55، 81، 103، 225، 243، 280، 350، 386، 552. دار العقيقي. 5/ 15، 7/ 611. دار علكان. 3/ 419. دار العلم. 4/ 433، 523، 6/ 553. دار الفتح. 6/ 526. دار الفيلة. 4/ 336. دار قايماز. 7/ 308. دار القرآن. 2/ 298. دار القراء، بقسطنطينية. 10/ 444. دار قرواش. 4/ 490. دار القزّ. 6/ 374. دار القطن. 4/ 452. دار الكتب. 5/ 54. دار الملك الصالح. 7/ 623. دار الملك الظاهر. 7/ 622. دار المملكة. 4/ 391، 423، 499. دار النحر. 4/ 114. دار النّدوة. 1/ 254، 10/ 146. دار الهجرة. 4/ 76. دار الوكالة. 7/ 770. الدامغان. 3/ 191، 5/ 395. دانية. 5/ 86، 195، 251، 268، 6/ 139. دبسة. 2/ 343. دبوسيّة. 5/ 151. دبيثا. 6/ 304، 7/ 324. دبيل 3/ 329. الدجاجية (مدرسة) . 10/ 506. دجلة. 1/ 346، 2/ 275، 464، 3/ 161، 4/ 70، 167، 190، 199، 412، 5/ 16، 228، 232، 6/ 10، 12، 322، 520، 7/ 16، 71، 455، 743. دجوة. 9/ 26، 129. دجيل. 1/ 333، 340، 6/ 261، 290، 7/ 17، 25، 88، 239، 8/ 174. الدخوارية. 8/ 175. الدرب (موضع في مصر) . 9/ 330. درب أبي خلف. 5/ 132. درب البقالين. 7/ 296. درب الجب. 7/ 77. درب دينار. 7/ 185، 214. درب الروم. 10/ 225. درب الزعفران. 3/ 265. درب السامري. 7/ 369. درب السلسلة. 4/ 164.

درب سليمان. 4/ 187. درب الشاكرية. 6/ 553. درب الصفصاف. 2/ 404. درب القراطيس. 3/ 417. درب المصيصة. 3/ 70. درب النقاشة. 6/ 156. الدربند. 5/ 242، 7/ 278، 624. درزيجان. 6/ 26. دركزين. 8/ 242. الدرويشية. 10/ 630. دست القفجاق. 8/ 56. دستوا. 2/ 245. دسوق. 10/ 477. الدشت. 8/ 589، 601، 9/ 25، 79. دشتى. 8/ 59. دشطوط. 10/ 180. الدقاقين. 10/ 175. دقوقا. 7/ 137، 171، 298. الدكادك. 1/ 136. دكالة. 7/ 753، 9/ 200. الدكن. 10/ 475، 648. دكة قبر الإمام أحمد. 6/ 63، 64، 211. دلاص. 6/ 246. دلاية. 5/ 337. دلجة. 10/ 386. دلّي [1] . 8/ 68، 391، 9/ 12، 10/ 427. الدماغية (مدرسة) . 7/ 110، 740. دمشق. 1/ 136، 159، 171، 196، 211، 223، 270، 282، 287، 289، 352، 365، 400، 2/ 68، 80، 85، 87، 93، 96، 102، 112، 115، 117، 145، 152، 185، 209، 214، 241، 247، 248، 258، 259، 287، 294، 331، 378، 379، 383، 386، 429، 442، 445، 469، 496، 497، 3/ 49، 57، 70، 71، 73، 74، 75، 78، 79، 89، 90، 108، 116، 121، 122، 127، 153، 210، 212، 215، 263، 293، 320، 335، 336، 337، 364، 371، 376، 382، 385، 4/ 13، 16، 17، 31، 92، 100، 106، 135، 143، 146، 170، 171، 182، 186، 188، 189، 191، 203، 209، 212، 220، 224، 235، 239، 248، 249، 296، 303، 305، 308، 317، 335، 338، 359، 365، 371، 386، 395، 403، 405، 424، 482، 485، 486، 496، 507، 5/ 8، 13، 15، 73، 91، 99، 121، 123، 137، 144، 154، 156، 183، 184، 194، 200، 223، 226، 227، 229، 258، 296، 297، 301، 315، 323، 351، 360، 369، 379، 380 ص،

_ [1] وتعرف الآن ب (دلهي) وهي عاصمة دولة الهند المعاصرة.

الصفحة: 392، 396، 397، 399، 415، 422، 534، 535، 6/ 20، 30، 34، 37، 80، 89، 92، 108، 110، 112، 129، 148، 155، 166، 169، 170، 173، 184، 190، 215، 219، 222، 226، 242، 251، 253، 254، 265، 298، 299، 311، 314، 315، 340، 342، 347، 348، 349، 351، 354، 356، 357، 376، 377، 378، 379، 380، 386، 391، 396، 403، 404، 408، 416، 417، 421، 425، 427، 431، 432، 447، 453، 454، 459، 461، 463، 464، 466، 471، 474، 477، 480، 481، 489، 490، 498، 504، 509، 510، 511، 518، 521، 522، 524، 526، 528، 533، 534، 541، 547، 549، 550، 554، 556، 558، 559، 561، 7/ 17، 24، 30، 35، 36، 38، 46، 49، 51، 60، 78، 93، 99، 104، 109، 113، 116، 118، 120، 133، 143، 144، 145، 149، 150، 157، 162، 163، 169، 178، 182، 184، 187، 192، 200، 203، 204، 206، 207، 208، 210، 213، 221، 223، 224، 225، 227، 229، 231 ص، 234، 243، 247، 248، 249، 250، 253، 254، 258، 259، 261، 285، 286، 288، 290، 291، 292، 297، 301، 302، 303، 205، 306، 308، 309، 314، 316، 318، 319، 320، 324، 326، 328، 329، 331، 340، 348، 349، 354، 358، 363، 365، 367، 368، 369، 371، 372، 376، 378، 379، 380، 381، 384، 385، 387، 388، 390، 391، 393، 395، 396، 397، 398، 400، 405، 406، 411، 412، 413، 416، 419، 420، 425، 427، 428، 432، 433، 437، 438، 440، 441، 444، 448، 449، 451، 456، 457، 460، 462، 464، 465، 470، 474، 476، 478، 479، 480، 485، 488، 489، 491، 492، 493، 498، 503، 505، 506، 512، 513، 515، 518، 519، 523، 529، 536، 537، 540، 542، 545، 546، 547، 548، 549، 551، 552، 553، 559، 562، 565، 566، 570، 571، 572، 578، 582، 583، 584، 586، 588، 589، 590، 591، 593، 594، 595، 602، 608، 611، 616، 617 ص،

الصفحة: 618، 623، 624، 626، 632، 333، 638، 639، 640، 641، 643، 645، 646، 647، 651، 653، 654، 655، 656، 657، 663، 666، 671، 672، 673، 678، 682، 684، 685، 688، 690، 696، 697، 700، 708، 711، 714، 716، 718، 623، 726، 727، 730، 731، 733، 737، 740، 742، 746، 747، 749، 752، 757، 758، 762، 763، 764، 767، 769، 770، 775، 777، 779، 780، 782، 783، 784، 788، 790، 791، 794، 496، 8/ 7، 16، 17، 20، 22، 23، 25، 26، 27، 30، 32، 34، 35، 36، 39، 44، 45، 46، 47، 49، 50، 52، 53، 56، 59، 60، 64، 65، 67، 70، 72، 74، 77، 81، 82، 83، 84، 86، 87، 89، 90، 91، 92، 93، 94، 95، 96، 98، 99، 101، 102، 106، 108، 110، 112، 113، 115، 116، 117، 119، 122، 123، 124، 127، 128، 131، 132، 133، 136، 137، 138، 143، 150، 151، 152، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 162، 163، 166، 168، 169، 171، 172، 174، 177، 178، 179 ص، 180، 181، 182، 183، 184، 189، 191، 195، 196، 197، 198، 203، 206، 209، 210، 213، 214، 216، 217، 218، 219، 221، 222، 226، 228، 231، 234، 240، 241، 244، 246، 247، 248، 250، 259، 260، 564، 265، 266، 267، 270، 274، 275، 278، 279، 283، 284، 291، 292، 294، 295، 299، 304، 305، 306، 311، 312، 315، 316، 317، 325، 327، 342، 343، 344، 346، 347، 355، 358، 364، 375، 382، 390، 393، 394، 396، 397، 402، 404، 405، 406، 407، 413، 414، 415، 418، 419، 420، 421، 422، 429، 432، 434، 435، 436، 437، 438، 439، 440، 441، 442، 443، 444، 451، 454، 455، 456، 457، 460، 463، 466، 468، 471، 472، 474، 475، 479، 480، 481، 482، 484، 487، 488، 490، 494، 495، 496، 499، 502، 503، 504، 505، 506، 508، 510، 512، 519، 520، 523، 524، 526، 530، 531، 532، 542، 544، 546، 552، 553، 554 ص،

الصفحة: 557، 558، 562، 563، 564، 565، 566، 568، 570، 572، 573، 575، 577، 579، 580، 581، 583، 584، 585، 589، 590، 592، 594، 596، 597، 602، 605، 607، 609، 611، 614، 615، 618، 619، 621، 622، 623، 624، 626، 9/ 11، 12، 19، 21، 22، 25، 28، 33، 39، 40، 41، 42، 43، 45، 48، 49، 51، 54، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 62، 63، 64، 67، 68، 70، 72، 73، 74، 78، 79، 80، 82، 83، 85، 86، 87، 91، 94، 95، 98، 99، 100، 102، 104، 108، 112، 113، 117، 122، 123، 124، 125، 130، 132، 135، 136، 137، 139، 142، 147، 149، 155، 157، 158، 159، 160، 162، 163، 164، 166، 169، 170، 171، 175، 176، 177، 178، 182، 183، 185، 191، 192، 195، 197، 199، 201، 203، 209، 213، 216، 217، 219، 220، 224، 225، 228، 237، 240، 241، 244، 245، 246، 247، 248، 249، 251، 253، 254، 255، 260، 262، 263، 264، 268، 271، 274، 280، 281، 286 ص، 288، 292، 293، 294، 296، 298، 308، 312، 315، 319، 324، 327، 330، 335، 336، 339، 346، 347، 348، 354، 366، 370، 377، 393، 396، 405، 413، 417، 423، 424، 426، 427، 442، 455، 460، 462، 484، 490، 494، 503، 505، 506، 507، 508، 509، 510، 523، 526، 531، 548، 550، 10/ 5، 6، 10، 21، 23، 27، 33، 36، 37، 42، 47، 48، 49، 51، 54، 56، 61، 68، 72، 79، 81، 84، 86، 87، 93، 94، 97، 98، 104، 105، 108، 110، 112، 115، 117، 119، 120، 121، 125، 129، 130، 132، 137، 139، 140، 141، 142، 145، 159، 165، 166، 168، 169، 174، 175، 178، 180، 183، 186، 202، 203، 205، 206، 207، 208، 209، 210، 214، 217، 218، 222، 223، 225، 227، 232، 233، 234، 235، 238، 239، 241، 260، 265، 268، 269، 270، 271، 272، 274، 275، 276، 280، 281، 282، 284، 285، 286، 291، 293، 298، 299، 301، 302، 306، 308، 313، 315 ص،

الصفحة: 316، 317، 320، 322، 323، 325، 326، 327، 330، 334، 337، 338، 342، 344، 345، 346، 350، 352، 353، 357، 358، 360، 361، 365، 367، 368، 373، 377، 382، 384، 386، 387، 389، 394، 395، 396، 397، 399، 400، 402، 404، 405، 406، 407، 411، 412، 414، 415، 421، 422، 423، 424، 425، 427، 429، 436، 438، 440، 441، 442، 445، 447، 448، 452، 455، 456، 462، 463، 464، 467، 470، 472، 479، 481، 483، 484، 489، 492، 493، 497، 498، 500، 501، 502، 504، 505، 507، 508، 519، 524، 531، 532، 533، 535، 544، 556، 557، 559، 564، 569، 576، 578، 580، 588، 589، 592، 598، 599، 600، 602، 604، 606، 611، 613، 614، 631، 638، 639، 640، 641، 645، 648، 650. الدماغية. 8/ 160، 216، 9/ 42. دمامين. 9/ 372. دماوند. 4/ 190. دمر. 10/ 238. دمنهور. 7/ 235، 601، 8/ 555. دمنهور الوحش. 10/ 153. دمياط. 3/ 172، 394، 4/ 9، 6/ 337، 566، 7/ 46، 119، 128، 129، 140، 141، 411، 414، 415، 611، 8/ 24، 74، 206، 432، 466، 469، 9/ 121، 157، 273، 290، 318، 432، 10/ 250، 275، 371، 412، 507. دميرة. 7/ 752، 9/ 53، 118. دمما. 4/ 434. دنيسر. 7/ 220، 695. دهستان. 6/ 530، 7/ 136. الدهشة. 8/ 568. دهليز السلطان. 7/ 411. الدهناء. 4/ 380. الدواخل. 10/ 330. الدور. 2/ 435، 463، 7/ 88. الدوران. 7/ 423. دوعان. 10/ 520، 521. الدولعيّة. 5/ 547، 7/ 305، 708. دومة [1] . 3/ 121، 10/ 209. دومة الجندل. 1/ 122، 137، 215. دون. 6/ 7، 359. دويرة حمد [2] . 7/ 776، 8/ 128.

_ [1] ورد رسمها في الموطن الثاني من الكتاب (دوما) بالألف الممدودة آخر الحروف، والصواب (دومة) بالتاء المربوطة وهي البلدة الكبيرة الشهيرة قرب دمشق وقد خرج منها ومن قضائها علماء أفاضل في الزمن الغابر والزمن الحاضر. انظر «معجم البلدان» (2/ 486) . [2] وتعرف أيضا ب (خانقاه الدويرة) . انظر «الدارس في تاريخ المدارس» . (2/ 146) .

دويرة الصوفية. 5/ 67. دوين. 6/ 311، 375، 488. ديار بكر. 3/ 293، 415، 4/ 134، 251، 291، 5/ 173، 206، 225، 6/ 280، 490، 7/ 8، 70، 430، 8/ 85، 433، 576، 621، 9/ 98، 500، 10/ 350. ديار ربيعة. 3/ 128، 415، 5/ 227. الديار الرومية. 10/ 444. الديار الشامية. 3/ 295، 7/ 623، 8/ 32، 124، 9/ 241. الديار المصرية [1] . 1/ 171، 2/ 339، 3/ 75، 119، 230، 291، 295، 296، 297، 329، 394، 4/ 116، 281، 296، 304، 308، 330، 347، 349، 359، 398، 458، 475، 485، 5/ 82، 100، 155، 192، 196، 207، 230، 379، 6/ 76، 81، 97، 125، 259، 296، 490، 536، 550، 7/ 33، 38، 117، 127، 211، 248، 302، 355، 373، 386، 404، 424، 425، 427، 428، 482، 508، 542، 544، 588، 564، 577، 586، 589، 601، 607، 617، 623، 640، 651، 682، 702، 714، 748، 752، 753، 772، 8/ 12، 32، 35، 75، 99، 117، 123، 124، 126، 137، 159، 177، 178، 180، 185، 187، 193، 206، 216، 220، 272، 335، 336، 339، 368، 369، 383، 385، 402، 456، 510، 534، 546، 558، 591، 607، 9/ 12، 21، 25، 27، 36، 44، 64، 78، 91، 105، 111، 127، 169، 176، 181، 192، 205، 234، 236، 241، 242، 252، 269، 277، 281، 294، 325، 342، 347، 348، 357، 364، 377، 396، 416، 419، 423، 425، 428، 432، 443، 460، 463، 479، 480، 497، 499، 505، 511، 520، 521، 523، 524، 538، 545، 552، 10/ 75، 84، 145، 158، 166، 167، 307، 314، 378، 450، 532. ديار العرب. 10/ 247. ديار مضر. 4/ 134، 5/ 227. الديار اليمنية. 10/ 646. ديبل. 4/ 116. دير أبي سلامة. 7/ 551. دير الجاثليق. 1/ 304. دير الجماجم. 1/ 340، 383. الدير (دير الحنابلة بالصالحية) : 6/ 304، 7/ 53، 54، 55، 8/ 67، 10/ 258.

_ [1] وردت أيضا بصيغة (ديار مصر) ، وآثرت إثبات الرسم الوارد هنا لأنه الأشهر.

دير سمعان. 2/ 5، 9. دير العاقول. 4/ 282، 6/ 56، 239. دير عبدون. 3/ 408. دير مرّان. 3/ 121. دير ناعس. 7/ 436، 509. دير هند. 2/ 26. ديرين. 7/ 784. الديلم. 2/ 437. الدينور. 1/ 176، 3/ 319، 4/ 6، 47، 91، 495، 511، 5/ 93، 155، 305، 6/ 128، 421، 7/ 363، 687.

حرف الذال ذات أذاخر [1] . 1/ 311. ذات حج. 10/ 63. ذرع. 8/ 108. الذهبيون (حي بدمشق) . 7/ 646. ذو أشرق. 6/ 302. ذوال. 7/ 138. ذو الحليفة. 8/ 334. ذو سفال. 6/ 310. ذو شعبين. 2/ 24. ذو طوى بئر طوى. 2/ 257. ذو الكلاع. 4/ 265. ذو مرخ. 2/ 373. ذو المروة. 2/ 447. ذيبين. 7/ 443.

_ [1] وتعرف ب (ثنية أذاخر) .

حرف الراء رأس العين. 3/ 160، 4/ 33، 6/ 490، 7/ 82، 144، 280، 302، 427، 529، 716، 8/ 546، 588. رابغ. 8/ 433. الراذكان. 5/ 362. راذان. 6/ 236. راران. 6/ 529. رافعان. 7/ 191. الرافقة. 2/ 419، 6/ 485. رامهرمز. 3/ 284، 4/ 447. راوند. 4/ 8. الرباط. 7/ 450. رباط أبي البيان. 7/ 304. رباط بن الأمير. 7/ 588. رباط الشيخ علي الخباز. 7/ 494. رباط العباس. 10/ 102، 108. الرباط الناصري. 7/ 628، 8/ 26، 60، 85، 255، 454. الربذة. 1/ 373، 2/ 205، 3/ 193. ربض هرثمة. 2/ 419. الرّبوة. 6/ 223، 7/ 330، 8/ 172، 214، 524، 9/ 135، 10/ 47، 565. رحبان. 7/ 138. رحبة الخلد. 2/ 435. الرحبة. 3/ 376، 4/ 76، 5/ 113، 255، 392، 6/ 100، 272، 7/ 322، 539، 726، 8/ 385، 595، 9/ 529. الرحبة (رحبة مالك بن طوق) . 3/ 265، 6/ 269. الرحبية. 8/ 489. الرخجية. 4/ 369. الرخ. 7/ 258. ردما. 9/ 152. رزجاه. 5/ 126. الرستن. 4/ 182. رشيد. 10/ 13، 493. الرصافة (رصافة الشام) . 2/ 103، 110، 221. الرصافة (رصافة بغداد) . 2/ 234، 3/ 207، 4/ 313. الرصد. 6/ 103. الرصيف. 7/ 759. رقادة. 4/ 116. الرقة. 2/ 21، 356، 357، 391، 410، 411، 419، 435، 436، 445، 3/ 81، 149، 268، 331، 336، 376، 4/ 22، 76، 181، 187، 191، 278، 485، 6/ 427،

485، 490، 7/ 208، 302، 427، 8/ 15. الرقتان. 3/ 68. الرقمتان. 6/ 88. الرقيطا. 7/ 6. الركز. 10/ 111. الركن. 2/ 467. ركن الحطيم (الحطيم) . 2/ 60. الركن اليماني. 5/ 47، 6/ 503. الركنية. 8/ 108، 246، 249، 9/ 276. رمادة. 5/ 23. الرملة. 1/ 153، 200، 3/ 7، 387، 244، 251، 4/ 17، 22، 31، 73، 140، 182، 308، 321، 351، 359، 422، 5/ 121، 255، 258، 405، 7/ 779، 8/ 168، 458، 499، 584، 9/ 29، 44، 57، 63، 195، 236، 362، 363، 396، 469، 470، 499، 523، 10/ 60، 168، 410. الرميلة. 9/ 386، 399. رندة. 5/ 384. الرها. 4/ 251، 440، 6/ 5، 49، 210، 490، 7/ 93، 208، 243، 302، 427، 480، 8/ 588، 601، 9/ 94، 10/ 99. الرواحية. 7/ 114، 150، 431، 458، 572، 717، 8/ 108، 140، 281، 292، 9/ 96. رواق الغزر. 8/ 313. رواق المغاربة بالجامع الأزهر. 10/ 16. رودس. 9/ 425، 10/ 299، 321. روذراور. 7/ 565. الروضة الشريفة. 8/ 131، 9/ 177، 417. الروضة (مقبرة في صالحية دمشق) . 7/ 263، 8/ 329، 378، 522، 9/ 39، 40، 303، 349، 427، 441، 490، 508، 511، 529، 536، 10/ 21، 69، 100، 111، 121، 139، 170، 189، 337، 385، 392، 472. الروضة (بمصر) . 9/ 107. روضة المقياس بمصر. 10/ 76، 78، 199. روض مهنّا. 8/ 506. رويان. 9/ 299. رويسون. 8/ 364. الروم (بلاد) [1] . 3/ 75، 5/ 236، 6/ 484، 7/ 332، 349، 550، 614، 710، 8/ 44، 50، 216، 223، 589، 603، 9/ 11، 82، 84، 186، 187، 202، 213، 265، 304، 344، 476، 543، 10/ 8، 61، 76، 94، 14، 119، 123، 124، 155، 160، 161، 174، 196، 197، 221، 257،

_ [1] ورد ذكرها بأشكال مختلفة (بلاد الروم) و (الروم) و (بلاد النصارى) فآثرت ذكرها جميعا تحت رسم (بلاد الرّوم) لأنه الأشهر منها.

275، 281، 288، 295، 301، 303، 316، 317، 320، 322، 325، 330، 333، 336، 349، 350، 357، 366، 387، 394، 399، 402، 408، 412، 427، 436، 439، 445، 457، 469، 483، 487، 488، 489، 517، 530، 532، 599، 648. روم إيلي. 10/ 155، 563، 569، 584، 598، 608. رومية. 2/ 133. الري. 1/ 184، 408، 2/ 234، 404، 407، 420، 437، 444، 462، 3/ 65، 66، 108، 149، 179، 191، 308، 341، 397، 4/ 7، 25، 27، 71، 72، 73، 100، 134، 138، 231، 234، 243، 312، 313، 352، 353، 365، 451، 466، 381، 510، 5/ 93، 97، 129، 155، 166، 232، 233، 236، 380، 381، 6/ 30، 172، 185، 359، 409، 421، 476، 493، 508، 548، 7/ 40، 77، 136، 166. الريحانية (مدرسة) . 10/ 285، 603. الريدانية. 10/ 307. ريغة. 9/ 262. ريمة. 8/ 555.

حرف الزاي الزاب. 2/ 138. الزادمان. 6/ 398. زاغولة. 6/ 313. الزاوية. 8/ 185. زاوية إبراهيم المواهبي. 10/ 260. زاوية ابن قوام. 8/ 20. زاوية أبي الحمائل بمصر. 10/ 348. زاوية السيد البخاري. 10/ 563. زاوية الحريري. 7/ 400. زاوية الحطاب بمصر. 10/ 338. الزاوية الحلاوية. 10/ 291. الزاوية الحمراء. 10/ 243، 244، 260. زاوية الدومي. 8/ 162. زاوية الست زينب. 9/ 67. زاوية سيدي محمد المنير. 10/ 426. زاوية السيوفي. 8/ 46. زاوية الشافعي. 8/ 368. زاوية الشيخ أبي بكر بن داود بسفح قاسيون. 10/ 368. زاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح بالقاهرة. 10/ 328. زاوية الشيخ شجاع، بأدرنة. 10/ 590. زاوية الشيخ شمس الدين الدمياطي بدمياط. 10/ 371. زاوية الشيخ عبد الكريم الحافي بحلب. 10/ 246. زاوية الشيخ عبد الوهاب الشعراوي بالقاهرة. 10/ 357. زاوية الشيخ عدي. 6/ 301. زاوية الشيخ عمر المجرد. 8/ 585. زاوية المالكية. 7/ 406. زاوية محمد الخوام بالصالحية. 10/ 64. زاوية المحيوي الرجيحي بدمشق. 10/ 100. زاوية مصطفى باشا بقسطنطينية. 10/ 572. الزبداني. 7/ 115، 763، 8/ 17، 421، 524، 538، 604، 9/ 173، 175، 183، 10/ 111. زبطرة. 3/ 105. زبيد. 1/ 168، 235، 4/ 417، 5/ 192، 318، 6/ 125، 490، 7/ 211، 303، 631، 8/ 293، 321، 443، 493، 497، 517، 552، 556، 561، 595، 9/ 32، 76، 163، 186، 187، 192، 196، 229، 303، 321، 322، 354، 10/ 5، 30، 32، 47، 48، 51، 53، 61، 65، 67، 71، 104، 108، 121، 126، 146، 140، 162، 165، 179، 236، 237، 244، 325، 327، 357، 362، 363، 390، 417، 481، 530، 553، 582، 646.

زرع. 7/ 182، 629، 726، 8/ 168، 187، 9/ 140، 10/ 130. زرنجري. 6/ 55، 461. زرند. 9/ 185. الزط. 3/ 128. الزعفرانية. 3/ 265، 8/ 218. الزعيفرية. 8/ 467. زقاق الخانقاه. 7/ 164. زقاق سبتة. 6/ 500. زقاق القناديل. 4/ 16، 7/ 625. الزلاقة. 5/ 344. زمخشر. 6/ 198. زمزم. 5/ 246، 312. زملكا. 7/ 279، 432، 438، 8/ 140. زنجان. 4/ 402، 6/ 7، 346، 421، 238. زنكلون [1] . 8/ 220. الزنجبيلية. 9/ 208. الزهراء. 4/ 262، 263، 264. الزوراء. 4/ 448. زوزن. 5/ 222، 6/ 183. الزويزانية. 8/ 70. الزيدية. 10/ 235. زيلع. 10/ 65، 92، 136، 237. الزينبية. 10/ 282، 332، 7/ 63.

_ [1] ويقال لها أيضا (سنكلوم) وهي في بلاد الشرقية من أعمال الديار المصرية.

حرف السين السابقية (مدرسة) . 8/ 474. سابور. 1/ 185. ساحل بولاق. 9/ 525. ساحل الشام. 4/ 452، 6/ 490، 7/ 562، 8/ 78. الساحل (ساحل مصر) . 9/ 73. سارية. 4/ 459. السّاطرون. 4/ 84. السّاقة. 7/ 6. ساقية أبي شعرة. 10/ 50. سامر. 10/ 31. سامراء [1] . 3/ 95، 177، 179، 207، 236، 237، 249، 273، 282، 292، 293، 303، 313، 340، 380، 406، 4/ 190، 204، 442، 458، 5/ 45، 6/ 499، 512، 7/ 126، 127، 285، 683. سانجن. 3/ 400. سانية. 4/ 330. ساوة. 5/ 155، 292، 6/ 359. سبتة. 1/ 391، 4/ 262، 347، 348، 5/ 164، 344، 381، 382، 383، 384، 6/ 226، 227، 501، 526، 7/ 489، 573، 8/ 70، 232، 9/ 183، 245. سبخة بردويل. 6/ 49. السّبن. 7/ 761. سبيل الجوخي. 10/ 82. الستارين. 4/ 380. سرة الفرات. 10/ 409. سجستان. 1/ 190، 231، 239، 241، 244، 323، 325، 326، 347، 2/ 226، 237، 239، 3/ 264، 283، 4/ 78، 97، 147، 337، 470، 5/ 52، 108، 194، 6/ 245، 313، 7/ 93. سجلماسة. 3/ 377، 4/ 115، 116، 347، 384. سجن باب الشام. 3/ 125. سحنة. 5/ 364. سخاو. 7/ 386. سدرة. 1/ 370. السّراة. 5/ 315. سراة بني شبابة. 5/ 416. سراي. 8/ 485، 589، 10/ 587. سرت. 1/ 513. سرخس. 3/ 10، 11، 167، 190، 5/ 229، 6/ 13، 23، 132، 488، 8/ 548.

_ [1] ورد اسمها في بعض المواضع من الكتاب: (سرّ من رأى) فأدرجته تحت رسم (سامراء) نظرا لشهرته الآن.

السرداب. 3/ 265، 282. سردانية. 1/ 353. سردد. 7/ 443. السّررات. 5/ 318. السرسوي. 10/ 331. سرف. 1/ 219. سرقسطة. 4/ 495. سرماري. 8/ 433. سرّ من رأى. انظر سامراء. سرمين. 8/ 393، 9/ 22، 64، 102، 10/ 424. السّروات. 5/ 164. سروج. 4/ 221، 6/ 82، 427، 490، 7/ 302، 427. سرياقوس. 9/ 146، 396. السرياقوسية. 10/ 426. سطرا. 7/ 758، 8/ 139. سعسع. 8/ 407، 10/ 389. سعيد السعداء (مدرسة) . 8/ 376، 477، 547، 9/ 116، 215، 269. السفاحية (مدرسة) . 10/ 294، 448. سفاقس. 9/ 145، 381. سفح قاسيون. 7/ 37، 56، 100، 104، 151، 168، 200، 225، 231، 271، 321، 364، 365، 377، 378، 380، 381، 389، 399، 433، 434، 457، 490، 501، 530، 561، 566، 568، 578، 579، 584، 629، 637، 657، 658، 671، 674، 678، 679، 687، 7/ 712، 714، 726، 745، 751، 756، 758، 790، 8/ 11، 14، 16، 20، 40، 46، 60، 104، 118، 167، 175، 180، 197، 210، 245، 246، 286، 301، 302، 303، 311، 318، 319، 322، 323، 324، 325، 347، 350، 356، 358، 360، 372، 373، 380، 384، 422، 438، 454، 482، 512، 513، 9/ 429، 10/ 47، 69، 99، 209، 247، 429، 463. سفح المقطم. 7/ 11، 27، 37، 143، 197، 207، 239، 429، 480، 526، 556. سفري حصار. 9/ 527. سفوان. 2/ 34. سقاية سيدنا العباس. 10/ 12، 141. سقبا. 3/ 121، 10/ 275. السقيفة. 10/ 511. السكة. 8/ 162. سكة بني حرام. 6/ 85. سكة حبّين. 4/ 271. سكة سكش. 5/ 370. سكة صالح. 4/ 108. سكنة العزيزية. 10/ 457. سلا. 6/ 306، 526. السلام. 2/ 262. السّلامية (مدرسة) . 8/ 181، 277، 367.

السلطانية (مدرسة) . 8/ 80، 140، 198، 251، 601، 10/ 423. سلطانية أماسيا (مدرسة) . 10/ 213. سلطانية برسا (مدرسة) . 9/ 515، 528، 533، 10/ 61، 257، 295، 301، 407. سلع. 1/ 194، 6/ 389. سلمون. 9/ 383. سلمية. 3/ 382، 4/ 114، 116، 189، 7/ 497، 8/ 118، 195، 268. السليمانية. 7/ 271، 10/ 341، 588، 648. السليمية، بصالحية دمشق. 10/ 366، 428. السماكين. 4/ 326. السماوة. 3/ 392، 10/ 10. سمرقند. 1/ 282، 364، 2/ 66، 87، 401، 3/ 255، 398، 4/ 93، 94، 245، 285، 286، 413، 469، 5/ 31، 64، 118، 151، 261، 275، 348، 359، 370، 395، 6/ 50، 181، 7/ 129، 130، 8/ 548، 549، 9/ 12، 70، 97، 100، 101، 220، 229، 309، 393، 403، 404، 539، 10/ 28، 336، 371، 417، 480. سمعان. 9/ 83. سمهود. 10/ 73. سميساط. 4/ 72، 5/ 226، 6/ 35، 7/ 178، 260، 328، 329. السميساطية (مدرسة) . 6/ 315، 7/ 97. سميراء. 4/ 334. السن. 3/ 242. سنباط. 8/ 105، 10/ 248. سنج. 6/ 247. سنجار. 5/ 393، 6/ 49، 203، 359، 427، 454، 466، 490، 518، 7/ 125، 154، 329، 412، 530، 544، 8/ 218، 611، 621، 9/ 17، 237. سنجبست. 6/ 23. السّند. 1/ 231، 2/ 76، 317، 321، 3/ 85، 128، 4/ 116، 470، 5/ 57، 6/ 530، 7/ 140، 211. سندبون، بمصر. 10/ 399. السّندية. 4/ 298، 360. سنهور. 10/ 292. سنكية من أعمال الشرقية بمصر. 10/ 186. سهام. 7/ 138. سهرورد. 6/ 27، 346، 7/ 268. سهفنة. 6/ 276. السهم السهم الأعلى. 8/ 107، 10/ 100، 428. السّهيل. 6/ 446. السواحل. 6/ 548. السواد. 1/ 153، 3/ 31، 6/ 319، 8/ 33. سواد بغداد. 6/ 214، 7/ 32. سوادق. 7/ 130. سواد واسط. 6/ 502.

سواكن. 10/ 144. السّوادن. 1/ 232، 2/ 161. سودة شعنب قرب صنعاء. 10/ 262. سور بغداد. 3/ 236. سور تونس. 4/ 116. سور طوس. 4/ 140. سور كلواذى. 7/ 495. سورية. 1/ 358. السّوس. 1/ 169، 4/ 10، 5/ 81، 6/ 119. السّوس الأدنى. 1/ 393. السّوس الأقصى. 1/ 357. سوسنجرد. 5/ 11. سوسة. 4/ 223. سوق أمير الجيوش. 9/ 387. سوق الأهواز. 4/ 446. سوق باب البريد. 10/ 299. سوق البزوريين. 8/ 98. سوق التبن. 5/ 191. سوق جقمق. 8/ 83، 9/ 239، 10/ 531. سوق الجملون بالقاهرة. 10/ 160. سوق الحريريين. 8/ 618. سوق الخواصين. 6/ 382. سوق الخيل [1] . 8/ 6 و 150 و 244. سوق درويش باشا قرب الأموي. 10/ 128. سوق الذراع. 10/ 223. سوق الذهب. 8/ 222. سوق الرصيف «قرب الجامع الأموي» . 10/ 128. سوق الريحانيين. 6/ 335. سوق السلطان. 7/ 450. سوق السيوفيين. 8/ 618. سوق العطش. 4/ 256. سوق عكاظ. 1/ 142. سوق الفاكهة. 7/ 448. سوق القمح. 7/ 501. سوق القواسين. 8/ 618. سوق الكتب. 8/ 222. سوق الليل. 9/ 307. سوق المدرسة النظامية. 7/ 419. سوق النحاسين. 8/ 618. سوق نهر الدجاج. 5/ 50. سوق الوراقين. 8/ 222. سوق يحيى. 4/ 191. سولاق. 1/ 299. السّويداء. 1/ 363، 3/ 191، 9/ 67. السّويس. 8/ 129، 9/ 354. سويقة حاتم بحلب. 10/ 267. سويقة الصاحب. 9/ 384. سويقة كوم الريش. 8/ 64. سيارة. 9/ 76. السّيب. 4/ 512. السيبائية (مدرسة) . 10/ 225، 602. سيحون. 5/ 354، 7/ 321. سير. 6/ 310. سيراف. 4/ 369، 510، 512. سيس. 2/ 236، 6/ 373، 374، 7/ 13، 733، 8/ 464.

_ [1] الموضع الأول في القاهرة ووهبت حين عرّفت به في موضعه الثاني والثالث بدمشق، لذا لزم التنبيه.

سينكة. 7/ 547. السيفية (مدرسة) . 8/ 48، 140، 10/ 296. سيلان. 6/ 270. السيلة. 9/ 490. السّيلحين. 3/ 55. سيما. 10/ 152. سينان. 2/ 420. سيواس. 6/ 484، 8/ 589، 9/ 13، 14، 89. سيوط. 9/ 415. السّيوفية (مدرسة) . 6/ 555.

حرف الشين شاذلة. 7/ 482. الشّاذياخ (اسم نيسابور القديم) . 3/ 68، 5/ 355. الشارع الأعظم، قرب باب زويلة. 10/ 6. شارع العباس (بغداد) . 4/ 468. شارع عمرو الرومي (بغداد) . 4/ 445. شارع المنصور. 5/ 132. شارمساح. 8/ 432. الشّاش. 1/ 370، 3/ 268، 4/ 212، 346، 415، 5/ 283، 6/ 50، 7/ 783. شاطئ دجلة. 2/ 256. شاطئ الفرات. 2/ 419. شاطئ النيل. 8/ 206. شاطبة. 5/ 268، 6/ 362، 7/ 105، 110، 439. الشاغور. 7/ 351، 9/ 275، 10/ 394. الشافعي (مقام الشافعي) . 9/ 141. شامكان. 8/ 511. شاموخ. 5/ 192. الشام. 1/ 64، 134، 153، 154، 164، 166، 168، 169، 171، 172، 194، 200، 211، 215، 228، 246، 247، 270، 313، 320، 322، 325، 327، 328، 333، 345، 346، 347، 356، 363، 371، 379، 388، 398، 2/ 23، 24، 39، 54، 59، 62، 63، 66، 85، 87، 138، 145، 153، 183، 192، 201، 236، 247، 257، 258، 282، 284، 293، 299، 332، 339، 343، 354، 356، 359، 456، 457، 466، 469، 3/ 7، 49، 90، 183، 186، 208، 253، 265، 270، 302، 303، 308، 314، 332، 335، 343، 348، 371، 376، 387، 391، 392، 396، 419، 4/ 13، 15، 22، 23، 31، 57، 63، 79، 89، 90، 99، 100، 108، 110، 129، 134، 135، 140، 143، 150، 171، 174، 175، 182، 183، 188، 199، 203، 210، 231، 232، 246، 249، 279، 280، 282، 285، 288، 292، 302، 308، 337، 344، 345، 349، 351، 357، 359، 370، 371، 372، 373، 380، 401، 402، 403، 408، 420، 434، 435، 454، 461، 509، 519، 520، 5/ 13، 54، 61، 65، 78، 94، 99، 104 ص،

الصفحة: 116، 126، 129، 161، 162، 174، 184، 185، 198، 199، 202، 205، 211، 224، 226، 237، 307، 330، 356، 367، 369، 371، 374، 378، 390، 393، 396، 410، 546، 6/ 13، 33، 79، 89، 102، 110، 130،، 168، 169، 185، 201، 232، 233، 243، 266، 268، 289، 322، 337، 347، 351، 386، 396، 411، 414، 421، 422، 426، 452، 459، 465، 483، 485، 490، 496، 519، 528، 545، 548، 556، 7/ 8، 32، 58، 63، 65، 81، 97، 100، 109، 117، 134، 136، 140، 143، 158، 163، 164، 173، 179، 187، 197، 200، 201، 206، 208، 213، 216، 217، 235، 247، 251، 254، 258، 270، 276، 299، 302، 303، 310، 318، 321، 332، 333، 356، 368، 380، 384، 389، 390، 392، 403، 419، 441، 445، 449، 461، 477، 497، 503، 508، 518، 528، 532، 537، 539، 544، 550، 562، 566، 567، 571، 578، 589، 595، 602، 610، 613، 623، 634، 646، 648، 658، 666، 669 ص، 676، 694، 699، 721، 733، 738، 739، 740، 751، 754، 770، 775، 777، 782، 794، 798، 8/ 7، 10، 11، 34، 35، 40، 48، 50، 63، 66، 73، 110، 113، 119، 140، 144، 156، 172، 180، 185، 186، 187، 206، 211، 213، 215، 217، 221، 224، 234، 236، 237، 239، 247، 255، 265، 291، 295، 304، 306، 308، 311، 317، 321، 339، 343، 344، 355، 372، 378، 379، 381، 382، 385، 387، 388، 403، 412، 421، 428، 438، 450، 454، 471، 473، 474، 479، 485، 489، 490، 506، 512، 533، 534، 540، 563، 564، 566، 576، 592، 594، 595، 600، 607، 613، 622، 9/ 11، 16، 18، 22، 25، 29، 39، 43، 44، 55، 83، 92، 98، 111، 119، 120، 135، 141، 152، 158، 165، 196، 197، 202، 205، 225، 236، 239، 240، 244، 247، 251، 256، 281، 288، 290، 298، 313، 315، 317، 319، 341، 347، 351، 355، 364، 367، 374، 375، 377، 383، 386، 446 ص،

الصفحة: 469، 501، 10/ 37، 39، 41، 57، 63، 65، 69، 81، 93، 119، 132، 191، 200، 203، 208، 212، 222، 271، 275، 290، 291، 301، 315، 382، 394، 402، 427، 433، 519، 557، 564، 591، 594، 599، 623، 634. الشامية (مدرسة) . 7/ 643، 669، 742، 8/ 203، 470، 490، 577، 9/ 79، 304، 10/ 467، 598، 645. الشامية (بلاد) . 9/ 186، 329. الشامية (البرّانية) . 6/ 226، 7/ 114، 305، 663، 8/ 17، 85، 140، 197، 208، 210، 250، 304، 309، 432، 437، 442، 454، 473، 476، 509، 565، 9/ 123، 243، 366، 10/ 11، 27، 217، 271، 313، 368، 370، 389، 402، 422، 481، 594، 630. الشامية الجوانية. 7/ 754، 8/ 246، 352، 421، 422، 9/ 42، 330، 10/ 20، 445، 529، 594. الشاميتان (الجوانية، والبرانية) . 8/ 379، 381، 10/ 271. شاه دز (قلعة الباطنية) . 5/ 424. شبرا. 5/ 153. شبريس. 10/ 45. شبك العبيد. 9/ 345. شبليّة الشبلية (مدرسة) . 4/ 190. 7/ 637، 672، 8/ 214، 219، 10/ 19. الشبلية الجوانية. 10/ 35. الشحر. 10/ 66، 126، 226، 357، 358، 403. شذا. 4/ 392. شذونة. 7/ 685. شرافات. 9/ 496. الشّرجة. 1/ 131. 9/ 143. الشرف الأعلى القبلي. 7/ 400، 8/ 394، 10/ 359. الشرف الشمالي. 7/ 120، 223. الشّرف القبلي. 7/ 731. الشرق. 3/ 357، 9/ 114، 334. الشرقية من الديار المصرية. 5/ 153، 10/ 186، 251، 384، 442. شروان. 10/ 213. شريش. 7/ 385. الشريفية (مدرسة) . 8/ 76، 124، 158، 417، 565، 9/ 454. شطنوف. 9/ 289. شعب بني هاشم. 1/ 133. الشّغر. 6/ 490. شغر بكاس. 9/ 134. شقّان. 8/ 400. شقبا، مكان بين هيت والأنبار. (بالعراق) . 4/ 490. شقحب. 8/ 234، 235.

شقرا. 7/ 629. الشّقيف. 6/ 490، 7/ 60، 560. شلمغان. 4/ 113. شماخي. 9/ 455، 456، 10/ 213. الشماسية. 4/ 97. شمنّة. 9/ 221. شنترين. 5/ 268، 6/ 89. الشّهابيّة (مدرسة) . 1/ 247. الشهباء (حلب) . 6/ 354. شهر زور. 2/ 121، 5/ 393، 6/ 441، 490، 7/ 228، 243. شهرستان. 6/ 247. الشهيد (قرية) . 8/ 174. الشوبك. 6/ 490، 7/ 326، 8/ 248، 602، 10/ 311. شوف الأكراد. 6/ 300. شوني، (من قرى طند تا بمصر) . 10/ 366. الشونيزية (مقبرة) . 3/ 299، 418، 4/ 254، 438، 5/ 172، 6/ 124، 192، 222، 276، 463، 8/ 110. الشّويكة. 8/ 114، 10/ 47. الشويكة من بلاد نابلس. 10/ 325. شبام. 10/ 521. شيخلو. 10/ 572. الشيخونية (مدرسة) . 8/ 379، 395، 459، 468، 560، 586، 597، 617، 9/ 25، 55، 112، 132، 138، 141، 206، 266، 289، 330، 357، 376، 379، 386، 391، 439، 488، 497، 519، 10/ 148، 252. شبرابسيون. 8/ 500. شيراز. 2/ 450، 3/ 286، 4/ 30، 204، 205، 282، 408، 489، 5/ 69، 70، 180، 323، 329، 429، 6/ 30، 509، 7/ 321، 686، 8/ 26، 167، 179، 308، 510، 568، 576، 9/ 43، 100، 136، 186، 298، 299، 325، 334، 345، 495، 10/ 122، 155، 215. شير نخشير. 5/ 101. شيزر. 5/ 211، 6/ 266، 267، 7/ 683. الشيشر «قرية من بلاد العجم» . 10/ 98.

حرف الصاد الصابونية [1] . 10/ 320، 322، 378، 379. الصاحبية (مدرسة) [2] . 7/ 88، 289، 8/ 175. الصاحبة (مدرسة) . 7/ 733، 9/ 40، 385، 551. الصادرية (مدرسة) [3] . 6/ 244، 352، 361، 8/ 175. الصّارمية (مدرسة) . 8/ 352. صاغان. 1/ 351. الصاغة. 8/ 568، 9/ 119. الصالحية [4] . 7/ 17، 164، 192، 203، 240، 243، 414، 416، 449، 640، 650، 663، 708، 775، 8/ 26، 87، 102، 162، 153، 178، 212، 240، 250، 312، 322، 323، 329، 340، 349، 367، 371، 372، 375، 377، 384، 393، 447، 522، 585، 611، 622، 9/ 13، 19، 39، 40، 42، 48، 49، 55، 59، 82، 95، 151، 158، 178، 200، 215، 359، 360، 429، 460، 474، 508، 510، 511، 526، 529، 536، 545، 551، 10/ 6، 19، 33، 35، 68، 70، 82، 84، 111، 119، 132، 134، 145، 161، 189، 200، 223، 228، 261، 270، 275، 318، 325، 338، 350، 359، 384، 392، 405، 406، 427، 428، 441، 456، 479، 505، 598، 599، 602. الصالحية بمصر. 10/ 13، 86. صانية. 10/ 251. صالحان. 5/ 181. صبرة. 4/ 348، 6/ 6. الصّبيبة. 7/ 505، 506. الصحابية (مدرسة) . 9/ 384. صحراء سنجار. 4/ 194. صحراء عيذاب. 7/ 483. صحراء القاهرة [5] . 9/ 480، 10/ 13، 83، 149، 367، 385. صخرة بيت المقدس. 5/ 255، 401،

_ [1] مدرسة بدمشق. [2] مدرسة بدمشق. [3] مدرسة بدمشق. [4] ويقال لها أيضا (صالحية دمشق) ، وقد سّماها به المؤلف في مواطن مختلفة من الكتاب ولكنني آثرت رسم (الصالحية) لأنها المقصود ب (صالحية دمشق) أو (صالحية الشام) إذا أطلق اسمها في كتب التاريخ والتراجم. [5] وتعرف أيضا ب (الصحراء) وب (صحراء مصر) .

7/ 118، 271، 10/ 321، 501. الصدرية (مدرسة) [1] . 6/ 245، 8/ 7، 288، 357، 375. الصراة [2] . 4/ 143، 314، 6/ 10. صراي. 9/ 98. صرخد. 6/ 351، 522، 7/ 160، 329، 432، 434، 438، 8/ 11. صردف. 5/ 425. صرصر. 5/ 17، 7/ 286، 493، 494، 8/ 71. الصرغتمشية (مدرسة) [3] . 8/ 395، 468، 504، 543، 599، 605، 615، 9/ 65، 311، 10/ 10. صريفين. 5/ 298، 7/ 363. صعد. 9/ 176. صعدة. 8/ 455، 517، 561. الصعيد الأعلى [4] . 7/ 405. صعيد مصر. 2/ 259، 4/ 106، 324، 475، 503، 5/ 129، 6/ 328، 337، 351، 7/ 408، 429، 565، 585، 767، 777، 784، 8/ 73، 125، 126، 135، 188، 263، 264، 344، 9/ 141، 263، 292، 385، 10/ 135، 180، 290، 348. الصّغد. 1/ 355، 4/ 473، 9/ 149. الصفا. 1/ 307، 2/ 9، 393، 4/ 17، 9/ 191، 307. صفد. 4/ 373، 6/ 267، 490، 7/ 546، 549، 8/ 110، 240، 283، 284، 285، 321، 322، 343، 407، 475، 488، 499، 538، 9/ 11، 142، 246، 278، 469، 522، 10/ 33، 66، 101، 102، 194، 195، 306، 342، 359، 438. صفّوريّا. 10/ 324. الصّفّة. 1/ 349. صفّة الدّعّاء بقاسيون. 10/ 68. صفة الدعاء بالرّوضة بدمشق. 10/ 139، 337، 392. صفين. 1/ 211، 217، 269، 290، 303، 331، 396، 397، 7/ 511. صقلّية. 4/ 102، 5/ 238، 6/ 74، 186، 219، 244، 8/ 141. الصّلاحية. 9/ 287، 10/ 259. صلاحية زبيد. 9/ 143. الصلاحية (بالقدس) . 7/ 163، 8/ 55، 183، 264، 327، 416، 442، 534، 9/ 14، 163، 164، 293، 10/ 16، 180، 389. الصلاحية (بمصر) . 9/ 386، 406، 10/ 596. الصلت. 10/ 496. الصّمّان. 4/ 380 الصمصامية (مدرسة) . 10/ 505. صنعاء. 1/ 167، 2/ 41، 73، 74،

_ [1] مدرسة بدمشق. [2] الصراة: نهر في العراق. «القاموس المحيط» (صري) . [3] مدرسة في مصر. [4] وهو بمصر أيضا.

458، 3/ 356، 5/ 319، 8/ 517، 9/ 460، 10/ 70، 262. صنعاء دمشق. 1/ 404، 6/ 298. صهيون. 6/ 490، 7/ 585. الصوابية (مدرسة) [1] . 10/ 228. صور. 4/ 372، 373، 413، 5/ 202، 203، 214، 396، 397، 6/ 9، 40، 93، 7/ 546، 8/ 611، 621. صيدا. 4/ 317، 371، 6/ 14، 490، 510، 8/ 524. الصين. 4/ 53، 6/ 210، 7/ 111، 118، 131، 173، 8/ 26.

_ [1] مدرسه بصالحية دمشق

حرف الضاد ضريح أبي أيوب الأنصاري. 10/ 471. ضريح الشافعي. 4/ 217، 10/ 168. ضريح الشيخ حماد بباب الصغير. 10/ 214. ضريح سيدنا بلال في باب الصغير. 10/ 241. ضريح الشيخ رسلان. 9/ 335، 10/ 316، 502. ضريح الشيخ محيي الدين بن عربي. 10/ 519، 556. الضريح النبوي الشريف. 4/ 486. الضيائية (مدرسة) [1] . 7/ 584، 709، 8/ 325، 327، 329، 378، 530، 9/ 31، 58، 105، 10/ 39. ضيروط. 10/ 399.

_ [1] مدرسة بدمشق.

حرف الطاء الطائف. 1/ 127، 131، 138، 158، 193، 294، 350، 378، 380، 2/ 80، 3/ 219، 8/ 503، 506، 9/ 140، 187، 188، 191، 337، 10/ 441. طابة. 9/ 188. الطابران. 6/ 19. الطاحون، خارج باب الفراديس. 10/ 607. طارم. 10/ 345. طاش كبري. 9/ 486، 10/ 296. الطّالقان. 1/ 358، 4/ 451. طامذ. 6/ 346. طبرستان. 1/ 268، 2/ 192، 282، 303، 437، 3/ 46، 101، 108، 118، 172، 191، 264، 4/ 134، 191، 262، 434، 470، 6/ 8، 331، 9/ 97. طبريّة. 1/ 162، 2/ 85، 3/ 176، 392، 4/ 182، 220، 262، 310، 5/ 99، 6/ 35، 490، 7/ 399. طبس. 5/ 352، 7/ 363. طبلاوي. 9/ 529. طبلنة. 10/ 538. الطّبيبرسية (مدرسة) . 8/ 159. طحا. 4/ 106. طخارستان. 2/ 436، 3/ 128. طراز. 4/ 328. طرخان. 1/ 358. الطرخانية (مدرسة) . 6/ 361، 7/ 228، 229. طرسوس. 3/ 80، 81، 89، 111، 132، 190، 221، 302، 363، 382، 4/ 156، 191، 239، 278، 281، 296، 452، 6/ 309، 10/ 159. طرابلس [1] . 3/ 415، 5/ 9، 39، 422، 6/ 43، 242، 243، 266، 311، 7/ 29، 546، 560، 705، 715، 778، 796، 8/ 39، 47، 74، 79، 85، 168، 211، 219، 221، 250، 300، 315، 353، 366، 370، 406، 407، 438، 444، 489، 500، 505، 545، 566، 584، 614، 9/ 11، 43، 91، 134، 198، 201، 212، 278، 294، 295، 315، 342، 348، 441، 446، 550، 10/ 121، 125، 137، 208، 359، 387، 399، 408، 450، 459، 481، 538.

_ [1] وتعرف ب (طرابلس الشام) وهي الآن في شمال لبنان على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

طرابلس المغرب [1] . 1/ 176، 240، 3/ 266، 6/ 220، 373، 8/ 136. طرطوشة. 6/ 102. طريثيث. 5/ 246، 6/ 432. طريف. 8/ 232، 224، 225. طشانة. 5/ 162. الطّف. 1/ 274. طلمنكة. 5/ 147. طليطلة. 1/ 392، 4/ 524، 5/ 221، 337، 6/ 433، 503. طنبذا. 9/ 123. طندتا طنطا. 7/ 603، 604، 605، 8/ 533، 10/ 366، 404، 477. طنجة. 1/ 391، 2/ 311، 5/ 382، 8/ 590. طنزة. 6/ 280. طواحين الأشنان. 7/ 554، 595. الطواشية. 8/ 15. الطواقية. 10/ 559. طوانة. 1/ 348، 355، 3/ 81، 89. الطّور. 2/ 157، 119. طوس. 2/ 431، 436، 461، 3/ 14، 334، 380، 4/ 415، 5/ 333، 345، 362، 424، 425، 6/ 13، 19، 132، طوفا. 8/ 71، طوقات. 10/ 326. الطيبرسية (مدرسة) . 8/ 124، 314، 9/ 73. الطّيب. 6/ 552. طيبة. 8/ 187، 9/ 270، 445، 458، 10/ 195.

_ [1] وتعرف الآن ب (طرابلس الغرب) وهي عاصمة ليبيا وتقدم ذكرها تحت رسم (أطرابلس) .

حرف الظاء الظاهرية [1] . 7/ 611، 715، 777، 8/ 48، 82، 106، 166، 260، 312، 337، 347، 453، 509، 563، 9/ 25، 32، 74، 86، 113، 131، 132، 249، 276، 376، 10/ 463، 500. ظاهرية برقوق. 9/ 60. الظاهرية الجديدة. 8/ 543، 583، 10/ 156. الظاهرية الجوانية. 8/ 140، 422، 563، 10/ 228، 392. الظاهرية [2] . 7/ 643، 9/ 295، 10/ 207. ظفار. 7/ 69. الظفرية. 6/ 64، 557. ظهر الكعبة. 2/ 126.

_ [1] وتعرف أيضا بالظاهرية البرانية وقد ذكرها المؤلف بالصيغتين. [2] يقال لها «الظاهرية» و «الظاهرية القديمة» وهي في مدينة القاهرة بمصر.

حرف العين العابدة. 1/ 311. العادلية (مدرسة) . 7/ 197، 504، 532، 589، 688، 740، 8/ 180، 379، 577، 9/ 122، 10/ 506، 379، 564. العادلية الصغرى (مدرسة) . 7/ 595، 8/ 140، 292، 598، 9/ 243. العادلية الكبرى (مدرسة) . 10/ 630. عارة. 10/ 268. العاشورية. 7/ 773. العالمية. 8/ 175. عانة. 3/ 181، 7/ 154. عبّادان. 3/ 157، 208، 4/ 239. عجلون. 8/ 168، 455، 9/ 22، 170، 246، 480، 10/ 19، 26، 71، 134، 145، 272، 283، 298، 342، 367، 370، 394، 441، 496. العجم [1] . 3/ 245، 7/ 30، 271، 409، 8/ 242، 9/ 237، 431، 10/ 124، 139، 155، 199، 202، 336، 368، 457. عدن. 1/ 131، 168، 235، 4/ 101، 5/ 318، 6/ 125، 371، 7/ 440، 614، 747، 8/ 270، 362، 411، 561، 9/ 187، 330، 357، 358، 10/ 29، 30، 31، 52، 65، 71، 90، 93، 125، 151، 215، 244، 245، 351، 361، 383، 417، 418، 652. عدوة المغرب. 4/ 329، 5/ 385، 7/ 280، 333، 8/ 227. عذراء. 9/ 246. العذراوية (مدرسة) . 7/ 669، 717، 8/ 74، 140، 208، 304، 379، 420، 513، 9/ 123، 199، 276، 10/ 308. العذيب. 2/ 92، 6/ 339، 363، 8/ 108. العراقان المصران الكوفة والبصرة. 1/ 252، 258، 313، 314، 2/ 10، 93، 122، 437، 4/ 240، 9/ 238، 500، 540. العراق. 1/ 153، 154، 159، 211، 215، 217، 244، 245، 256، 269، 270، 273، 287، 290، 293، 296، 304، 320، 335، 343، 349، 377، 378، 379، 387، 388، 2/ 7، 18، 39، 49، 92، 113، 135، 154، 201،

_ [1] وتعرف ب (بلاد العجم) ولكنها تذكر ب (العجم) اختصارا.

226، 234، 249، 273، 284، 296، 311، 347، 352، 362، 409، 451، 459، 467، 3/ 5، 6، 65، 81، 104، 112، 120، 144، 160، 172، 179، 181، 253، 258، 265، 270، 273، 284، 303، 308، 314، 363، 387، 391، 396، 399، 403، 409، 416، 419، 4/ 9، 10، 15، 48، 57، 63، 70، 79، 80، 89، 90، 123، 128، 129، 144، 146، 151، 154، 158، 167، 168، 172، 182، 199، 202، 220، 225، 228، 231، 232، 239، 241، 246، 251، 258، 279، 280، 282، 285، 304، 310، 334، 344، 345، 367، 370، 374، 380، 386، 389، 402، 403، 407، 420، 434، 443، 467، 479، 483، 498، 507، 519، 5/ 7، 13، 17، 31، 37، 52، 57، 61، 65، 69، 85، 88، 98، 115، 116، 123، 129، 130، 131، 149، 168، 174، 182، 185، 189، 194، 198، 205، 217، 221، 231، 233، 236، 261، 272، 284، 289، 307، 345، 366، 371، 374، 390، 395، 399، 407، 410، 412، 595، 6/ 5، 13، 18، 33، 50، 55، 126، 127، 132، 144، 160، 177، 184، 202، 210، 211، 220، 229، 256، 263، 267، 270، 272، 289، 291، 293، 311، 342، 345، 347، 354، 362، 410، 411، 426، 454، 455، 457، 468، 499، 514، 530، 534، 552، 558، 7/ 33، 48، 49، 76، 85، 92، 97، 114، 129، 130، 143، 155، 157، 172، 179، 230، 233، 247، 268، 280، 286، 314، 318، 361، 365، 436، 444، 445، 471، 472، 538، 603، 644، 651، 676، 684، 514، 550، 719، 743، 765، 798، 8/ 26، 62، 117، 132، 152، 153، 156، 157، 158، 180، 186، 205، 213، 228، 506، 510، 576، 568، 595، 599، 9/ 43، 88، 97، 111، 150، 152، 186، 220، 237، 288، 298، 309، 377، 551. عراق العجم. 4/ 352، 5/ 242، 6/ 442، 9/ 237، 10/ 199. عراق العرب. 9/ 237. العرج. 3/ 17. عرفات عرفة [1] . 1/ 188، 254، 309،

_ [1] ورد ذكرها في الكتاب ب (عرفة) و (عرفات) وقد أدرجت مواطن ذكرها تحت اسم (عرفة) .

2/ 350، 4/ 486، 5/ 359، 403، 6/ 12، 266، 454، 7/ 245، 246، 450، 792، 8/ 112، 9/ 188، 10/ 12، 203، 212، 384، 424، 477، 551. العرقوب. 9/ 509. العرقون. 9/ 218. عريش. 9/ 34. العريش. 3/ 392، 5/ 162، 10/ 130. عزاز. 5/ 9، 9/ 22. العزية (مدرسة) . 7/ 63، 326، 8/ 506، 10/ 359. العزية البرانية. 8/ 394، 10/ 285. العزيزية (مدرسة) . 7/ 109، 131، 254، 532، 785، 688، 8/ 379، 458، 10/ 271. عسالق عرب. 9/ 86. عسقلان. 2/ 111، 233، 360، 3/ 20، 95، 4/ 371، 5/ 95، 6/ 252، 405، 490، 7/ 399. عسقلان (محلة ببلخ) . 3/ 291. العسكر. 6/ 20. عسكر مكرم. 4/ 126، 369، 430، 431، 447، 6/ 224، 225. عسكر المهدي [1] . 2/ 477. العسيلة. 6/ 142. عشارة. بلدة قريبة من الدير. 10/ 258. العصرونية [2] . 7/ 500، 602، 788، 8/ 69، 140، 166، 9/ 22، 10/ 393، 448، 450. العصرونية (بحلب) . 10/ 483. عصرونية حماة. 10/ 471. العفيفية. 8/ 321. العقاب. 7/ 68، 69، 81. العقبة. 1/ 220، 255، 319، 5/ 16. عقبة أيله. 9/ 145، 147. عقبة باب المعلاة. 8/ 359. عقربا. 7/ 379، 786، 8/ 66، 9/ 209. العقيبة. 7/ 124، 259، 309، 8/ 129، 10/ 415. العقيبة الصغرى. 9/ 296. العقيق. 6/ 217، 507، 7/ 123. عقيلة. 9/ 115. عكا. 4/ 373، 5/ 407، 414، 6/ 76، 452، 468، 472، 482، 518، 540، 7/ 141، 243، 546، 634، 8/ 219. عكبرا. 3/ 307، 328، 4/ 191، 464، 5/ 143، 144، 299، 317، 374، 376، 6/ 135، 512، 7/ 285، 394. العلائية (مدرسة بالموصل) . 7/ 63. العلائية قرب أذنه. 10/ 360. علث. 6/ 512، 7/ 285. العلاقمة. 10/ 636. العمادية (مدرسة) . 6/ 340، 8/ 160، 211، 216، 393، 10/ 331.

_ [1] محلة ببغداد وتعرف أيضا بالرّصافة. انظر «مراصد الاطلاع» (2/ 941) . [2] مدرسة بدمشق.

عمارة محمود باشا. 10/ 478. عمارة المصلى. 7/ 184. عمان. 1/ 335، 343، 345، 347، 4/ 26، 5/ 153، 7/ 213. العمر. 2/ 435. العمرية (مدرسة) . 10/ 217. عمواس. 1/ 166، 169. عمورية. 3/ 104. عموريّة. 1/ 357، 3/ 104، 128، 129. العنابة. 10/ 174، 238. عواجة. 7/ 138. العونية. 7/ 120، 121. العونية. 8/ 305. عيذاب. 8/ 80. عينتا. 8/ 489. عين تاب عينتاب. 7/ 437، 8/ 405، 433، 562، 606، 9/ 71، 84، 237، 418، 10/ 324. عين ترما. 8/ 622. عين التمر. 1/ 153، 327، 2/ 52، 3/ 52. عين جالوت. 7/ 503، 519، 549. عين حنين. 9/ 425. عين دارا. 7/ 230. عين زربة. 3/ 216، 4/ 268. عين القصارين. 10/ 605. عين القيّارة. 6/ 269. عين الكرش. 7/ 192، 416. عين اللؤلؤة، خارج دمشق. 10/ 293. عينات. 10/ 625. العينية. 8/ 552. عيون القصب. 8/ 183، 9/ 13، 27. عيون فاسريا قرب دوما. 10/ 209. عيون مكة. 9/ 307.

حرف الغين الغابة. 1/ 194. الغار. 5/ 11. غباغب. 9/ 21. الغدير. 5/ 11. غدير خم. 4/ 273، 5/ 377. غرّابة. 8/ 499. الغراق. 8/ 21. الغرب. 9/ 368. الغربية. 8/ 206، 9/ 180، 10/ 292، 343، 8/ 500. غرناطة. 6/ 226، 496، 8/ 31، 43، 93، 222، 223، 231، 232، 252، 281، 286، 297، 299، 300، 301، 348، 378، 426، 468، 483، 494، 9/ 114، 115، 317، 407. الغزالية (مدرسة) . 6/ 168، 215، 340، 432، 547، 7/ 305، 474، 537، 742، 767، 10/ 379. غزة. 1/ 134، 3/ 19، 20، 5/ 396، 6/ 114، 267، 490، 7/ 358، 456، 503، 552، 783، 784، 8/ 247، 248، 477، 553، 9/ 11، 59، 60، 117، 125، 149، 156، 172، 224، 232، 236، 273، 346، 396، 446، 495، 506، 10/ 13، 34، 145، 200، 222، 237، 281، 432. غزنة. 5/ 107، 109، 163، 186، 236، 247، 365، 6/ 38، 133، 268، 291، 556، 7/ 14، 40، 247، 431. غلافقة. 1/ 131. غلطة. 9/ 513. غندجان. 5/ 203. الغور. 6/ 295، 7/ 716. غورة. 5/ 349. الغور الشامي. 9/ 133. الغورية. 10/ 147. غوطة دمشق. 3/ 29، 153، 154، 8/ 150، 10/ 275، 452. غيل باوزير. 10/ 188.

حرف الفاء فاراب. 4/ 212، 498. فارس. 1/ 188، 190، 217، 269، 343، 374، 2/ 25، 202، 280، 334، 3/ 48، 273، 374، 4/ 80، 108، 109، 111، 134، 135، 204، 205، 212، 246، 310، 341، 369، 386، 389، 397، 409، 454، 5/ 13، 17، 69، 144، 229، 371، 6/ 243، 7/ 230، 9/ 98، 143، 10/ 520. الفارسية. 6/ 517، 7/ 300، 301، 8/ 465، 10/ 594. الفارقانية. 7/ 781. فارمذ. 5/ 333. فاروث. 7/ 743، 8/ 26. فاس. 2/ 438، 4/ 347، 348، 6/ 233، 393، 519، 7/ 27، 80، 81، 439، 602، 8/ 102، 112، 224، 293، 332، 395، 400، 401، 586، 587، 590، 621، 9/ 114، 149، 198، 243، 457. فاشان. 4/ 386. الفاضلية (مدرسة) . 7/ 279، 557، 8/ 80، 96، 403، 406، 563. فامية. 6/ 266، 7/ 560. فالة. 5/ 170. الفانبيهية بالرميلة. 9/ 386. فخّ. 2/ 438. الفخرانية. 6/ 502. الفخرية (مدرسة) . 8/ 135، 314، 316، 9/ 246. الفرات. 1/ 211، 346، 3/ 222، 336، 4/ 434، 490، 6/ 505، 7/ 411، 497، 502، 503، 511، 582، 8/ 15، 9/ 41. الفراديس. 10/ 652. فراوة. 6/ 157. فربر. 4/ 101، 5/ 274. فرخا. 9/ 195. الفردوس، بحلب. 10/ 489. الفردوس (دار الخليفة المقتدر) . 4/ 26. الفرع. 1/ 373. فرغانة. 1/ 355، 370، 2/ 39، 64، 3/ 108، 4/ 61، 188. فريانة. 9/ 145. فسا [1] . 4/ 409، 5/ 222. الفسطاط. 3/ 191. فشيديزة. 5/ 119. فلسطين. 1/ 186، 200، 347، 2/ 101، 138، 3/ 8، 208، 302، 4/ 54، 141، 182، 265، 321،

_ [1] وتعرف ب (بسا) أيضا.

5/ 99، 255، 9/ 214، 362. الفلكية. 7/ 653، 688. فم رشيد. 6/ 560. فم الصلح. 4/ 412. الفنارية. 10/ 334. فنرى. 8/ 625. فنزاوة. 10/ 238. فوّة. 6/ 560. فيد. 2/ 458، 8/ 543. الفيّوم. 2/ 138، 4/ 10، 266، 6/ 522، 8/ 100، 9/ 245، 305، 391.

حرف القاف قابس. 4/ 330. القابون. 6/ 477، 8/ 108، 117، 9/ 197، 10/ 367. القادسية. 1/ 161، 2/ 474، 3/ 237. قارة. 7/ 546، 10/ 496. القاسمية. 7/ 715. قاسيون. 6/ 299، 447، 460، 468، 470، 474، 511، 544، 550، 7/ 60، 107، 133، 146، 157، 162، 175، 233، 254، 258، 291، 322، 325، 348، 359، 367، 386، 432، 441، 489، 623، 641، 660، 698، 708، 713، 733، 739، 770، 771، 780، 8/ 51، 90، 94، 107، 130، 160، 201، 230، 304، 371، 391، 440، 462، 487، 9/ 177، 308، 511، 551، 10/ 62، 68، 121، 139، 329، 334، 337، 343، 403، 425، 427، 464، 479، 599، 645. قاشان. 3/ 191، 406، 4/ 8، 7/ 166. القاطول. 3/ 237، 238. قاف. 10/ 302. قالي قلا. 4/ 291، 5/ 206. القاهرة. 3/ 43، 296، 4/ 116، 326، 347، 350، 425، 439، 523، 5/ 64، 129، 130، 410، 6/ 238، 246، 252، 337، 350، 375، 400، 413، 540، 7/ 14، 27، 60، 200، 239، 281، 293، 302، 306، 314، 317، 370، 378، 406، 412، 449، 451، 498، 523، 537، 538، 557، 561، 566، 583، 586، 589، 601، 632، 678، 679، 681، 682، 684، 685، 693، 698، 699، 701، 710، 715، 727، 735، 738، 740، 747، 748، 759، 761، 767، 773، 777، 787، 794، 8/ 13، 18، 24، 28، 30، 39، 42، 45، 49، 53، 61، 63، 72، 76، 91، 96، 99، 105، 116، 135، 138، 141، 158، 159، 160، 162، 163، 164، 178، 180، 185، 187، 189، 190، 193، 206، 208، 211، 212، 231، 241، 243، 244، 246، 248، 250، 254، 257، 258، 263، 269، 270، 271، 272، 274، 278، 279، 280، 281، 291، 295، 306 ص،

الصفحة: 314، 337، 339، 342، 344، 346، 352، 353، 360، 364، 367، 369، 370، 371، 374، 379، 381، 383، 384، 388، 391، 392، 409، 411، 415، 418، 419، 428، 434، 438، 439، 443، 446، 452، 454، 459، 460، 461، 466، 467، 468، 477، 480، 481، 482، 496، 501، 504، 506، 513، 515، 524، 530، 537، 538، 540، 542، 543، 545، 547، 550، 552، 561، 564، 566، 570، 572، 574، 578، 581، 583، 586، 592، 593، 599، 600، 603، 607، 608، 611، 615، 617، 619، 621، 622، 623، 624، 625، 9/ 12، 14، 15، 17، 20، 26، 27، 28، 29، 30، 32، 43، 53، 57، 60، 61، 63، 65، 70، 71، 73، 79، 80، 81، 83، 84، 87، 88، 89، 95، 103، 104، 106، 108، 110، 112، 113، 114، 117، 118، 119، 121، 122، 124، 125، 126، 129، 131، 132، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 143، 147، 148، 150، 152، 153، 155، 158، 159، 162، 163، 166، 169، 173، 176 ص، 177، 178، 179، 180، 183، 185، 186، 197، 199، 201، 202، 203، 207، 209، 210، 213، 215، 218، 220، 221، 222، 228، 230، 231، 233، 235، 240، 242، 244، 248، 249، 250، 252، 253، 254، 255، 256، 263، 264، 265، 266، 269، 276، 277، 278، 281، 287، 288، 289، 290، 291، 293، 294، 295، 296، 297، 300، 301، 302، 303، 304، 307، 309، 311، 312، 313، 315، 316، 317، 319، 323، 325، 326، 327، 329، 331، 332، 333، 338، 340، 341، 342، 343، 344، 345، 346، 349، 351، 353، 355، 357، 358، 360، 364، 365، 366، 367، 368، 370، 371، 373، 374، 375، 377، 378، 380، 381، 382، 384، 385، 387، 389، 390، 391، 393، 396، 401، 405، 406، 407، 409، 413، 415، 418، 419، 420، 422، 424، 427، 428، 430، 431، 432، 436، 437، 442، 443، 466، 472، 473، 480، 481، 487، 488، 490، 493، 495، 503، 505، 506 ص،

الصفحة: 520، 521، 523، 524، 538، 542، 544، 545، 547، 551، 552، 10/ 14، 23، 43، 54، 63، 64، 66، 67، 68، 69، 72، 73، 76، 79، 80، 83، 84، 85، 86، 93، 102، 106، 108، 109، 110، 118، 120، 136، 142، 145، 147، 148، 150، 158، 160، 166، 167، 169، 170، 174، 184، 185، 187، 192، 195، 205، 207، 214، 217، 218، 219، 220، 223، 233، 237، 240، 248، 252، 254، 266، 268، 273، 277، 278، 282، 284، 291، 295، 300، 302، 306، 308، 310، 315، 323، 326، 328، 330، 345، 367، 378، 382، 385، 386، 388، 389، 391، 396، 399، 402، 410، 421، 423، 432، 448، 449، 459، 466، 468، 481، 487، 492، 493، 526، 532، 569، 577، 593، 594، 597، 634. قايات. 9/ 390. قايتباي. 9/ 466. قبا. 1/ 137. قباب. 8/ 188. القباب الكبرى. 9/ 331. قبة باب المعلاة. 8/ 165. قبة بيبرس. 9/ 153، 8/ 565. القبة البيبرسية. 8/ 363. قبة جركس. 6/ 447. القبة الخضراء المنصورية. 4/ 298. قبة الدّيلم. 7/ 579. قبة الشافعي. 5/ 115، 7/ 478، 562. 8/ 141، 10/ 13. قبة الشيخ جوهر، بعدن. 10/ 383. قبة الصالح. 9/ 439. قبة الصخرة. 5/ 47. قبة العباس. 9/ 329. قبة العيدروس بعدن. 10/ 215، 652. القبة الغربية قبة المال. 2/ 331. القبة الغورية. 10/ 167. قبة المارستان بين القصرين. 10/ 133. القبة المنصورية. 8/ 48، 206، 271، 9/ 127. قبة النسر. 6/ 480، 10/ 422. قبرس. 1/ 186، 187، 2/ 415، 7/ 779، 8/ 357، 373، 9/ 134، 272، 279، 10/ 566. القبيبات. 8/ 594، 555. قبر ابن العربي. 10/ 490. قبر ابن مليك (بباب الفراديس) . 10/ 607. قبر أبي أيوب الأنصاري. 10/ 19. قبر الإمام أحمد دكة الإمام أحمد. 5/ 303، 6/ 163، 360، 7/ 588، 671. قبر بشر بن الحارث. 4/ 253. قبر السّقطي. 4/ 254.

قبر سيدي بلال الحبشي. 10/ 54، 345، 529. قبر الخليل. 8/ 287. القبر الشريف. 10/ 553. قبر الشيخ رسلان. 7/ 626. قبر الشيخ عبد القادر الكيلاني. 6/ 514. قبر الشيخ موفق الدين. 7/ 708. قبر عاتكة. 9/ 166، 10/ 175، 379. قبر معروف الكرخي. 7/ 75. القبجاق. 8/ 73. القبيبات. 9/ 275. قتندة. 6/ 71. القجماسية. 10/ 281. القدس. 3/ 374، 4/ 310، 512، 5/ 396، 397، 399، 403، 407، 422، 572، 6/ 20، 30، 35، 49، 167، 283، 354، 452، 490، 530، 549، 559، 7/ 17، 32، 119، 163، 208، 255، 384، 481، 525، 552، 621، 683، 701، 740، 749، 753، 774، 783، 8/ 39، 55، 57، 103، 114، 152، 160، 183، 185، 188، 189، 203، 212، 216، 240، 241، 248، 264، 303، 316، 327، 328، 381، 397، 441، 442، 457، 458، 473، 477، 483، 484، 495، 512، 534، 537، 558، 576، 594، 602، 9/ 14، 15، 29، 69، 77، 79، 84، 108، 112، 125، 149، 163، 176، 185، 236، 253، 287، 293، 312، 315، 316، 331، 346، 363، 373، 418، 442، 446، 470، 494، 499، 508، 10/ 5، 15، 16، 37، 42، 43، 44، 60، 81، 83، 145، 152، 166، 180، 183، 185، 208، 311، 321، 342، 386، 534، 631، 632. قديد. 1/ 182، 2/ 127، 5/ 353. قدم الشام. 9/ 115. القدموس. 6/ 110. قراباغ. 9/ 98، 99. قرى العرب. 9/ 29. القرافة. 4/ 11، 496، 5/ 62، 402، 6/ 296، 314، 330، 339، 495. 522، 532، 563، 7/ 179، 262، 481، 524، 617، 629، 637، 671، 789، 8/ 13، 33، 38، 39، 43، 48، 53، 63، 64، 68، 76، 105، 116، 121، 135، 136، 178، 183، 190، 192، 203، 206، 220، 230، 259، 281، 313، 352، 434، 347، 460، 574، 9/ 68، 107، 144، 241، 414، 416، 437، 10/ 63، 69، 72، 77، 133، 254، 477. القرافة الصغيرة. 3/ 278، 5/ 114، 7/ 14، 478، 562، 8/ 160، 385،

573، 10/ 169. قرصه «من أعمال القصير» . 10/ 123. قرطاجنة الأندلس. 7/ 676. قرطبة. 2/ 331، 3/ 362، 423، 4/ 146، 220، 289، 291، 325، 362، 410، 418، 2/ 427، 4/ 509، 521، 5/ 8، 24، 147، 161، 162، 166، 175، 179، 184، 264، 267، 268، 384، 411، 420، 6/ 100، 102، 372، 461، 471، 528، 7/ 92، 170، 278، 374، 439. قرقشندة. 2/ 339. قرقوب. 4/ 478. قرقيسا. 1/ 247. قرمان. 8/ 122، 605. القرم. 8/ 459، 480، 481، 593، 9/ 202، 348. القرمية. 9/ 202. قرميسين. 4/ 199. قرن الحارة. 8/ 553. قريكجة من قرى أماسية. 10/ 288. القرية. 8/ 18. القرية الجبال. 8/ 218. قرية الجبل قرية النخل الصالحية. 6/ 304. قرية حبيب النجار. 10/ 610. قرية الظاهر. 10/ 496. قرية الفيجة. 8/ 219، 10/ 36. قرية القابون، من غوطة دمشق. 10/ 452. قرية قبر. 9/ 51. قرية المصباح. 10/ 56. قزوين. 3/ 78، 138، 304، 4/ 241، 6/ 421، 493، 7/ 129، 190، 191، 723، 8/ 167، 180، 10/ 398. قسطانة. 5/ 155. قسطلة. 5/ 104. القسطنطينية. 1/ 160، 245، 246، 393، 399، 2/ 93، 292، 3/ 79، 176، 382، 4/ 281، 300، 5/ 173، 366، 7/ 5، 81، 757، 9/ 476، 477، 513، 516، 533، 539، 540، 549، 10/ 8، 9، 11، 19، 26، 54، 55، 80، 114، 115، 127، 152، 154، 155، 174، 193، 201، 213، 227، 253، 257، 289، 295، 329، 336، 347، 366، 372، 373، 378، 386، 405، 407، 421، 435، 437، 444، 446، 447، 448، 455، 458، 460، 471، 478، 487، 490، 491، 500، 517، 532، 539، 563، 568، 569، 573، 574، 580، 587، 588، 598، 600، 604، 607، 608، 609، 612، 650، 651. قسطموني. 9/ 486، 548، 10/ 171، 373. قسم من أرض حضرموت. 10/ 462.

القصاعين. 7/ 508، 657، 8/ 526، 580. القصاعية. 10/ 202، 228، 241، 500، 578، 602. القصبة. 10/ 156. قصبة أسكليب. 10/ 588. قصبة أسيارية. 10/ 569. قصبة بركي. 10/ 568. قصبة تيرة. 10/ 563. قصبة جورلي. 10/ 567، 568. قصبة ديزه. 10/ 567. قصبة سما. 9/ 529. قصبة صوفية. 10/ 591. قصبة صونا. 10/ 603. قصبة قاسم باشا. 10/ 520. قصبة كليبولي. 10/ 519. قصبة كونيك. 10/ 114. القصر. 4/ 446. القصر الأبلق. 9/ 98. قصر إشبيلية. 5/ 163. قصر البحر. 4/ 461. القصر البحري. 5/ 129. قصر جعفر. 2/ 463. قصر الجعفري. 3/ 221. قصر حجاج. 7/ 309، 432. قصر الذهب. 4/ 461. قصر الرّمّان. 2/ 95. قصر الزهراء. 4/ 263، 264. قصر المنصور. 2/ 192. القصرين. 9/ 143. قصطموني: انظر (قسطموني) . القصير. 10/ 123، 209، 268، 480. قطر اليمن اليمن. 6/ 302. قطفتا. 7/ 219. قطنا. 9/ 98. قطية. 7/ 504، 9/ 273. قطيعة الدقيق. 4/ 367. القفجاق. 7/ 130. قفصة. 5/ 51. قفط. 7/ 408، 767. قلاع الشام. 6/ 483. قلاع الهكّارية. 6/ 482. قلعة الأجراف. 3/ 128. قلعة إربل. 7/ 246، 327. قلعة البيرة. 7/ 597، 729. قلعة الألموت. 5/ 410. قلعة إيلال. 7/ 118. قلعة برجين. 7/ 136. قلعة بشير. 7/ 423. قلعة بصرى. 8/ 139. قلعة بعلبك. 6/ 375، 7/ 134، 513. قلعة بني حماد. 6/ 263. قلعة بيت السرير. 2/ 91. قلعة الجبل. 6/ 400. قلعة القاهرة (الجبل) . 6/ 540، 7/ 441، 464، 542، 561، 8/ 6، 35، 222، 239، 336، 342، 396، 493، 564، 624، 9/ 17، 249، 373، 400، 10/ 41، 69، 93، 102، 107، 161، 280، 333.

قلعة جعبر. 6/ 210، 7/ 416. قلعة حصن الأكراد. 6/ 356. قلعة حلب. 6/ 356، 549، 7/ 294، 505، 10/ 286، 189. القلعة (بحماة) . 8/ 407، 540، 10/ 446. قلعة حمص. 6/ 544. قلعة خفتيد. 7/ 274. القلعة (قلعة دمشق) . 6/ 110، 148، 251، 381، 522، 7/ 101، 245، 304، 308، 320، 409، 417، 503، 614، 666، 677، 8/ 127، 137، 149، 150، 274، 527، 530، 554، 555، 602، 9/ 99، 157، 272، 281، 455، 10/ 178، 208، 291، 315، 316، 320، 352، 557. قلعة رباح. 5/ 162. قلعة الروم. 7/ 729. قلعة الشبابانير بالهند. 10/ 106. قلعة (شغر بكاس) . 9/ 134. قلعة الشقيف. 7/ 331، 523. قلعة شيزر. 6/ 459. قلعة الصّبيبة. 7/ 240. قلعة صرخد. 7/ 758، 9/ 171. قلعة صهيون. 7/ 516. قلعة عزار. 6/ 395. قلعة الكرك. 7/ 632. قلعة لؤلؤة. 3/ 79. قلعة الهتاخ. 5/ 225. قلعة يافا. 7/ 560. قلندرخانة بالقسطنطينية. 10/ 155، 429. القلندرية (بباب الصغير) . 8/ 292، 10/ 97، 501، 564. القليجية. 7/ 197، 779، 8/ 106، 405، 9/ 18. قليوب. 10/ 250، 251، 477. القليوبية. 8/ 272. قم. 2/ 337، 3/ 191، 406، 4/ 97، 7/ 166. القيامة (كنيسة) . 6/ 167. قمراء. 7/ 434. قمن. 9/ 293. قمولة. 8/ 135. قناء. 7/ 96. قناة العوني. 10/ 115، 458. قناطر السباع. 8/ 365. قنسرين. 4/ 182، 247، 10/ 359. القنطرة. 6/ 540، 10/ 251. قنطرة أمير حسين. 10/ 243. قنطرة السّباع. 9/ 343. قنطرة السد بطريق مصر العتيقة. 10/ 334. قنطرة سنقر. 10/ 91. قنطرة قديدار. 9/ 440، 10/ 96. قنطرة قيدار. 10/ 163. القنيطرة. 10/ 218. القنيّة. 7/ 153، 154. قهستان. 10/ 430. قوجه إيلي. 10/ 210. قوص. 6/ 338، 7/ 68، 8/ 73، 76،

77، 7/ 177، 206، 449، 565، 710، 767، 8/ 12، 13، 125، 126، 138، 209، 222، 236، 263، 285، 296، 490، 9/ 43. القوصية. 7/ 405، 8/ 126. قومس. 6/ 315. قومسان. 5/ 310. قوملة. 10/ 491. قونوة. 8/ 158. قونية. 5/ 424، 6/ 188، 484، 7/ 116، 8/ 122، 9/ 89، 476، 10/ 597. القيروان. 3/ 179، 3/ 182، 244، 283، 370، 402، 4/ 12، 22، 102، 116، 223، 224، 348، 493، 520، 5/ 129، 153، 165، 175، 195، 238، 382، 390، 6/ 5، 238، 418. قيسارية. 1/ 170، 2/ 43، 3/ 59، 4/ 310، 6/ 490، 8/ 18. قيصرية. 9/ 89، 10/ 421، 591. قيلويه. 9/ 430. القيمازية (مدرسة) . 7/ 626، 8/ 171. القيمرية. 5/ 36، 7/ 752، 7/ 777، 8/ 474، 10/ 565. القيمرية الجوانية. 10/ 368. القيمرية الكبرى. 10/ 392، 398.

حرف الكاف كابل. 1/ 235، 2/ 67. كازرون. 9/ 23، 186. كازوا. 10/ 440. كاسان. 7/ 782، 6/ 50. كاشغر. 5/ 366، 7/ 399. كافا. 8/ 593. الكاملية (مدرسة بدمشق) . 10/ 42، 60، 234، 256. الكاملية (بمصر) . 7/ 293، 479، 540، 8/ 384، 9/ 413، 414. الكاملية بين القصرين (بمصر) . 10/ 17، 22، 145، 211. الكبش. 8/ 222، 365. كتامة. 4/ 115. كتيبة رأس الماء. 10/ 394. كجرات من بلاد الهند. 10/ 105، 136، 139، 255، 346، 357، 427، 474، 573، 601، 628. كجور. 9/ 299. كرّان. 6/ 541. كربلاء. 1/ 273، 332. الكرج. 6/ 359، 489. الكرخ كرخ بغداد. 2/ 371، 3/ 114، 116، 117، 4/ 202، 326، 430، 433، 4/ 510، 5/ 46، 64، 168، 187، 191، 201، 216، 353، 400، 6/ 165، 217، 218، 270، 589. كرخ جدان. 6/ 265. كردر. 7/ 376. كرد كوه. 7/ 148. الحائط الشمالي. 7/ 622. كركانج. 5/ 360. الكرك. 4/ 493، 6/ 459، 490، 548، 7/ 118، 208، 320، 326، 441، 474، 476، 528، 537، 545، 633، 681، 760، 769، 774، 8/ 35، 47، 63، 100، 124، 185، 234، 239، 240، 258، 624، 9/ 14، 16، 51، 108، 182، 312. كرك نوح. 6/ 504، 9/ 77. كرماسي. 10/ 446. كرمان. 1/ 269، 1/ 317، 2/ 121، 387، 462، 3/ 41، 45، 369، 5/ 180، 236، 246، 352، 6/ 42، 113، 163، 7/ 136، 7/ 230، 8/ 298، 510، 568، 9/ 334، 539، 10/ 317. كرة الأرض. 4/ 194، 195. كرة النحاس (في طاش كبري) . 9/ 486، 487.

كروخ. 6/ 244. كري. 10/ 139. كشّ. 1/ 329، 4/ 483، 9/ 97. كشميهن. 4/ 478. الكعبة. 1/ 133، 134، 255، 268، 287، 288، 308، 309، 2/ 40، 171، 180، 266، 269، 275، 393، 4/ 94، 351، 513، 5/ 20، 286، 6/ 288، 388، 7/ 262، 598، 8/ 359، 9/ 398، 425، 452، 467، 518، 10/ 12، 152، 420. كفر بطنا. 3/ 121، 7/ 233، 568، 687، 8/ 613، 9/ 60. كفرتوثا. 3/ 367. الكفر. 7/ 60. كفر طاب. 6/ 266، 9/ 183. كفر عامر. 8/ 604، 9/ 183. كفر كنا. 10/ 83. كفر لبد. 9/ 417. كفل حارس. 9/ 479. كفه (من بلاد الروم) . 10/ 251. كلاباذ. 4/ 514. الكلاسة. 6/ 528، 533، 7/ 624، 688، 716، 8/ 27، 432، 556، 10/ 261، 10/ 357، 365، 457. كليرجة. 9/ 263. الكلتاوية (مدرسة) بحلب. 10/ 324. كلستان. 8/ 548، 9/ 25. كلكندة. 10/ 614. كلواذى. 2/ 463، 6/ 45، 169. كمران. 6/ 125. الكناسة. 2/ 92. كناكر، قرية من قرى وادي العجم بمحافظة دمشق. 10/ 394. الكنباتية بمكة. 10/ 106. كنباية. 10/ 106، 9/ 220، 10/ 136. كنجة. 6/ 128، 7/ 171. كنجرود جنزرود. 5/ 227. كندر. 5/ 246. كنّر. 7/ 217. كنيسة القيامة. 4/ 512. كنيسة مريم. 7/ 503. كنيسة اليهود بالقدس الشريف. 10/ 13. الكهف. 7/ 107. كهف جبريل بقاسيون. 10/ 329، 339، 429. كواشة. 7/ 638. كوتاهية. 10/ 408. كوران. 7/ 552. كورداباذ. 3/ 419. الكوفة. 1/ 160، 175، 184، 199، 205، 216، 217، 221، 222، 225، 230، 235، 245، 250، 268، 273، 274، 287، 293، 302، 308، 311، 312، 313، 316، 319، 320، 323، 332، 334، 340، 345، 346، 351، 371، 374، 384، 404، 2/ 9، 21، 24، 25، 42، 48، 55، 58،

65، 75، 77، 78، 87، 89، 92، 113، 119، 122، 123، 132، 138، 147، 153، 158، 202، 203، 207، 208، 217، 222، 223، 231، 236، 237، 251، 255، 275، 298، 317، 318، 338، 354، 357، 365، 366، 369، 380، 396، 399، 401، 406، 408، 409، 423، 430، 440، 441، 446، 447، 450، 465، 470، 471، 474، 3/ 13، 14، 15، 25، 26، 60، 72، 90، 93، 94، 96، 134، 157، 160، 166، 186، 222، 226، 258، 308، 319، 323، 328، 355، 378، 379، 392، 410، 412، 4/ 39، 64، 72، 73، 76، 100، 116، 124، 135، 179، 220، 261، 272، 277، 285، 334، 389، 405، 410، 443، 489، 490، 514، 5/ 7، 14، 15، 60، 77، 96، 103، 143، 144، 198، 208، 229، 255، 299، 423، 6/ 47، 201، 291، 421، 7/ 98، 246، 8/ 292. كوفن. 6/ 262. كوكب. 6/ 490. كوم الأفراح. 10/ 89. كوم الجارح. 10/ 231، 232. كونابذ. 7/ 86. كوهور. 7/ 431. كيش. 7/ 213. كيل جيل. 6/ 152.

حرف اللام لابتا. 2/ 76. اللاذقية. 6/ 266، 490، 9/ 134. لارندة. 9/ 301. لالا [1] . 10/ 299. اللّبادين القبلية. 8/ 222. لبلة. 7/ 204. لفتوان. 7/ 15. لحج. 8/ 561. اللجون. 7/ 758، 9/ 53. لبنان. 7/ 373. لواء حميد. 10/ 569. لواء مغنيسيا. 10/ 568. لورقة. 7/ 532.

_ [1] من أعمال تبريز.

حرف الميم مئذنة فيروز. 7/ 676. مئذنة الشحم، بدمشق. 10/ 447. المئذنة الشرقية. 8/ 15، 222. ماء زمزم. 10/ 77. ماترسام مابرسام. 3/ 123. ماجدة. 2/ 292. ماردين. 6/ 79، 440، 7/ 153، 220، 222، 313، 423، 497، 798، 8/ 22، 57، 518، 537، 588، 589، 601، 611، 621، 9/ 17، 37، 74، 237، 276، 278، 324، 10/ 94، 99، 122، 334. المارستان بدمشق. 8/ 117، 140. المارستان الصغير بدمشق. 8/ 20، 46، 7/ 584. المارستان العضدي. 4/ 389، 6/ 553. المارستان (القميري) . 7/ 414، 450. المارستان المنصوري. 7/ 702، 8/ 428، 429، 538. المارستان النوري. 7/ 120، 384، 584، 630، 8/ 70، 112، 9/ 43. مازر. 6/ 186. مازندار. 6/ 12، 315، 7/ 118. مازندران. 4/ 459، 7/ 136، 139. ماسبذان. 2/ 309. ماغوصة قبرص. 9/ 348. ماله. 2/ 101. مالقة. 6/ 446، 7/ 167، 8/ 95، 286. مالكان. 6/ 262. المالكية. 6/ 296. مالين. 5/ 65. ماكسين. 7/ 21، 322. ما وراء النهر. 1/ 360، 2/ 388، 428، 3/ 358، 396، 401، 4/ 10، 41، 178، 196، 219، 245، 271، 279، 345، 346، 457، 473، 514، 5/ 99، 107، 118، 157، 236، 247، 348، 353، 366، 6/ 55، 183، 190، 268، 296، 411، 530، 555، 7/ 111، 118، 124، 142، 222، 230، 241، 247، 221. المبرك. 1/ 247. متّوث. 4/ 478. متيجة. 7/ 517،. مجدل معوش. 10/ 275، 481، 489. مجلس القصب «خارج دمشق» . 10/ 436. مجنة باب سهام (مقبرة) . 10/ 126. مجنة باب القرتب (مقبرة) . 10/ 107. محراب الحنابلة. 8/ 322، 390، 9/ 91، 10/ 228، 256.

المحراب الشريف. 10/ 493. محراب المالكية. 8/ 92. المحصّب. 1/ 311. محكمة الصالحية النجمية، بالقاهرة. 10/ 492. محكمة الصالحية. 10/ 606. محكمة القسمة. 10/ 584. المحكمة الكبرى. 10/ 557. المحلة. 8/ 105، 138، 432، 9/ 362، 10/ 371. محلة أبي الهيثم. 10/ 542. محلة الجوز. 6/ 538. محلة الشبلية. 10/ 19. المحلة العونية. 6/ 422. محلة قصر الجنيد قرب الشويكة. 10/ 47. محلة القيمرية بدمشق. 10/ 398. المحلة الكبرى. 9/ 387، 388، 10/ 330. محمد أباذ. 4/ 198. المحوّل. 2/ 256، 6/ 434. المختارة. 3/ 290، 295. المخلاف. 8/ 560. المدائن. 1/ 162، 2/ 92، 133، 276، 366، 4/ 168، 448، 490، 5/ 7، 203، 394، 6/ 244. مدرسة إبراهيم باشا بأدرنة. 10/ 361. مدرسة إبراهيم باشا بالقسطنطينية. 10/ 174. مدرسة ابن ولي الدين. 10/ 411. مدرسة أبي أيوب الأنصاري. 10/ 11، 213، 289، 344، 360، 372، 401، 411، 454، 586، 598. مدرسة الشيخ أبي عمر 7/ 733، 8/ 491، 9/ 227، 421، 429، 441، 510، 551، 10/ 6، 19، 33، 39، 99، 189، 256، 291، 325، 338، 397، 428، 10/ 463. مدرسة أبي يزيد خان بأدرنة. 10/ 327، 407. مدرسة أبي يزيد بأماسية. 10/ 140. مدرسة الأتابكية. 7/ 758. مدرسة أحمد باشا في بروسا. 10/ 80، 174، 206، 215. مدرسة أدرنة. 10/ 114. المدارس الأربعة السليمانية. 10/ 551. مدرسة أزنيق. 9/ 485، 10/ 355، 372. مدرسة إسكوب. 10/ 361، 418. مدرسة الأشرف بالتبانة. 9/ 104. المدرسة الأشرفية. 9/ 349. مدرسة ألب أرسلان. 5/ 274. مدرسة أماسية. 10/ 344. مدرسة أم الأشرف. 8/ 550، 9/ 103. المدرسة الأمينية. 8/ 382. مدرسة ايتمش. 8/ 600. المدرسة البادرائية بدمشق. 10/ 141. مدرسة بالي كبرى. 10/ 380. المدرسة البانياسية. 7/ 777. مدرسة (برسباي) . 9/ 350. المدرسة البشيرية. 8/ 191. مدرسة بصرى. 8/ 111.

مدرسة بني العطار. 7/ 293. المدرسة البهائية. 9/ 43. مدرسة بيري باشا. 10/ 411. المدرسة البيضاء بأنقرة. 10/ 296. المدرسة التقوية. 7/ 163، 600، 688، 8/ 556، 9/ 151، 10/ 138، 271، 297، 389، 594، 634، 635. المدارس الثمان. 9/ 527، 548، 10/ 9، 11، 18، 55، 114، 127، 206، 253، 514، 549. مدرسة جاروخ. 6/ 509. مدرسة الجسر الأبيض. 9/ 251. مدرسة جمال الدين الإستادار. 9/ 357. مدرسة الجمالية. 9/ 291. المدرسة الجنبلاطية بالقاهرة خارج باب النصر. 10/ 41. مدرسة جند بك، في بروسا. 10/ 434. مدرسة الجوزية بدمشق. 7/ 495، 8/ 83، 156. المدرسة الجوهرية الحنفية. 7/ 747. مدرسة الحاجبية، بالصالحية. 10/ 428. مدرسة الحسامي. 10/ 156. المدرسة الحسامية. 8/ 105. المدرسة الحسامية بأدرنة. 10/ 569. المدرسة الحلبية. 9/ 512. المدرسة الحنبلية. 6/ 185، 8/ 83، 367. مدرسة الحنفية السيفية. 6/ 252. المدرسة الخاتونية. 6/ 298. مدرسة خضر باشا بحلب. 10/ 503. مدرسة خواجة خير الدين القسطنطينية. 10/ 409. مدرسة داود باشا بالقسطنطينية. 10/ 329، 414. المدرسة الرواحية. 7/ 182، 384، 618، 10/ 178، 506. المدرسة الزجاجية. 5/ 372. مدرسة زين الدين الأستادار. 9/ 497. المدرسة السادحية (بحلب) . 8/ 504. المدرسة السفاحية بجامع حلب. 10/ 135. المدرسة السكرية (بدمشق) . 8/ 580. مدرسة السلطان بايزيد. مدرسة السلطان بأماسية. 10/ 289، 341، 372، 592. مدرسة السلطان حسن (بالقاهرة) . 8/ 367، 376، 439، 592. مدرسة السلطان سليمان بدمشق. 10/ 549، 551، 592. مدرسة السلطان محمد ببروسا. 10/ 140. مدرسة السلطان مراد في بروسا. 10/ 35، 54، 82، 137، 154، 172. مدرسة السلطان الملك الأشرف (بمصر) . 8/ 382. مدرسة السّلفي. (بالإسكندرية) . 6/ 566. السميساطية (بدمشق) . 7/ 371، 419، 8/ 199، 229، 506، 9/ 45، 159، 10/ 27، 53، 166، 314، 425، 479، 486. مدرسة الشافعي. 6/ 473، 7/ 556، 643، 710، 8/ 379.

المدرسة الشافعية (بالقرافة في مصر) . 8/ 437. مدرسة ست الشام. 7/ 384. المدرسة السيبائية (بدمشق) . 10/ 171. مدرسة الشامية بدمشق. 7/ 259، 10/ 134، 175. مدرستا الشاميتين (بدمشق) . 8/ 74. مدرسة الشبلية (بدمشق) . 10/ 19. المدرسة الشرفية بحلب. 10/ 331، 481. المدرسة الشمسية بالقاهرة. 9/ 387. المدرسة الشمسية بحلب. 10/ 267. مدرسة الشهابية (بحلب) . 10/ 515. مدرسة الشيخ عبد القادر (ببغداد) . 6/ 482، 7/ 85. مدرسة الصاحبة (بدمشق) . 7/ 378، 789. المدرسة الصارمية (بدمشق) . 10/ 27. مدرسة الصالحية. 7/ 243، 556، 7/ 601، 9/ 505، 520. المدرسة الصالحية بالقاهرة. 8/ 178. المدرسة الصدرية (بدمشق) . 7/ 498، 8/ 177. مدرسة صرغتمش (بمصر) . 9/ 311. مدرسة الصلاحية (بدمشق) . 9/ 19. المدرسة الصلاحية. (بالقدس) . 10/ 110 مدرسة صلاح الدين (بالقدس) 6/ 530. المدرسة الظاهرية بدمشق. 7/ 737، 8/ 355. مدرسة الظاهر برقوق بمصر. 9/ 147، 179، 300. المدرسة الظاهرية بمصر. 7/ 533. المدرسة الظاهرية القديمة «بين القصرين» . 10/ 219. المدرسة العادلية (بدمشق) . 10/ 500. مدرسة الوزير علي باشا بقسطنطينية. 10/ 154، 458. مدرسة علي بك بأدرنة. 10/ 335، 366. مدرسة عون الدين (ببغداد) . 7/ 252. مدرسة عيسى بك ببروسا. 10/ 210. مدرسة العيني (بمصر) . 9/ 497. المدرسة العينية بالقاهرة. 10/ 170. المدرسة الغورية بمصر. 10/ 167. مدرسة الغوري بمصر. 10/ 252. المدرسة الفخرية (بالقاهرة) . 9/ 384. مدرسة القدس الشريف. 10/ 213. مدرسة الوزير قاسم باشا (بلاد الروم) . 10/ 336. المدرسة القصاعية (بدمشق) . 10/ 63. مدرسة الكشك (بدمشق) . 7/ 650. مدرسة كليبولي. 10/ 251. مدرسة الكمال (بالموصل) . 7/ 276. المدرسة المأمونية (ببغداد) . 7/ 94. المدرسة المؤيدية بثغر رودس. 8/ 249. المدرسة المؤيدية (بالقاهرة) . 9/ 255، 360، 374، 377، 407، 447، 10/ 150، 222، 233، 333. الماردانية (بدمشق) . 10/ 209، 359، 10/ 425. المدرسة المالكية (بدمشق) . 9/ 328، 10/ 505.

المدرستان المتجاورتان بأدرنة. 10/ 372. المجاهدية (مدرسة) . 10/ 20. المجاهدية (ببغداد) . 8/ 229. المدرسة المجيدية. 7/ 768. المدرسة المحمدية. 5/ 238. مدرسة الوزير محمود باشا. 10/ 286، 295، 360، 373. المجاهدية بتعز. 9/ 321. المجاهدية في ثغر رودس. 8/ 249. المدرسة المجاهدية الحجازية. 8/ 228. المدرسة المجاهدية بدمشق. 6/ 340، 432، 7/ 109، 588، 688، 261، مدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية. 10/ 448. مدرسة مرادخان ببروسا. 10/ 325. مدرسة مرجان ببغداد. 8/ 411. المدرسة المرشدية بدمشق. 10/ 35. المدرسة المستنصرية. 7/ 251، 257، 353، 361، 399، 419، 439، 599، 644، 675، 765، 798، 8/ 26، 31، 43، 132، 152، 153، 178، 194، 228، 343، 349، 599. المدرسة المسرورية (بدمشق) . 8/ 295، 309، 432، 554. المدرسة المسمارية. 7/ 36، 365، 367، 566، 788، 8/ 7، 118، 177، 193، 375. مدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية. 10/ 127، 193، 347. مدرسة مظفر الدين في طاش كبري. 9/ 486. المدرسة المعزية. 7/ 463، 768، 8/ 76، 77، 159. المدرسة المعظمية. 7/ 203، 8/ 106، 9/ 36. المدرسة المعينية. 6/ 352، 7/ 326، 10/ 54. مدرسة مغنيسا. 10/ 224، 372. المدرسة المقدسية البرانية بدمشق. 10/ 285. المدرسة المقدمية. 6/ 454، 7/ 373، 666، 8/ 139، 9/ 136، 10/ 238، 594، 602. مدرسة الملك بالقاهرة. 8/ 212. مدرسة مناسبتر بمدينة بروسا. 10/ 28. المدرسة المنصورية. 4/ 223، 349، 6/ 6، 8/ 84، 123، 178، 235، 253، 316، 402، 429، 477، 617، 9/ 52، 55، 94، 103، 113، 130، 138، 359، 365، 439، 497. المدرسة المنكدمرية. 8/ 206. مدرسة مولانا خسرو. 10/ 411. مدرسة المولى الكوراني بالقسطنطينية. 10/ 213. مدرسة المولى يكان ببروسا. 10/ 174. المدرسة الناصرية. 7/ 384، 9/ 13، 10/ 156. المدرسة النظامية النظامية نظامية بغداد.

6/ 20، 70، 132، 182، 7/ 63. مدرسة النورية. 10/ 505. المدينة (قرية فوق الأنبار) . 6/ 261. المدينة المنورة. 1/ 113، 116، 128، 129، 133، 145، 146، 148، 162، 168، 193، 198، 200، 205، 206، 209، 217، 221، 229، 234، 238، 242، 255، 259، 261، 271، 273، 275، 286، 287، 292، 311، 312، 332، 345، 348، 352، 353، 361، 363، 365، 369، 371، 372، 373، 374، 377، 390، 394، 398، 403، 2/ 6، 7، 19، 36، 37، 43، 44، 54، 72، 75، 81، 82، 90، 91، 99، 104، 118، 119، 126، 127، 128، 135، 145، 146، 147، 151، 159، 191، 200، 201، 202، 212، 205، 204، 216، 212، 245، 256، 259، 302، 310، 311، 312، 328، 331، 336، 350، 351، 352، 353، 356، 362، 377، 380، 381، 387، 388، 389، 411، 425، 437، 463، 475، 477، 3/ 14، 17، 20، 32، 43، 52، 58، 97، 155، 156، 166، 186، 192، 243، 4/ 11، 53، 195، 389، 468، 486، 5/ 353، 377، 378، 6/ 298، 350، 375، 403، 490، 548، 7/ 48، 123، 146، 255، 289، 313، 325، 393، 454، 618، 667، 703، 8/ 8، 20، 103، 111، 122، 129، 130، 131، 176، 210، 271، 291، 319، 338، 366، 409، 411، 454، 457، 459، 463، 468، 475، 485، 498، 511، 543، 608، 609، 624، 9/ 11، 30، 31، 70، 73، 74، 87، 88، 113، 136، 149، 177، 185، 187، 191، 195، 213، 220، 229، 230، 234، 260، 272، 276، 291، 298، 332، 360، 405، 416، 417، 504، 505، 544، 545، 547، 10/ 13، 24، 25، 30، 43، 73، 74، 124، 141، 145، 195، 221، 237، 248، 255، 273، 275، 277، 300، 325، 326، 408، 423، 427، 432، 456، 464، 483، 485، 490، 493، 494، 496، 497، 539، 558، 600، 612، 615، 616، 631، 637، 643. مدينة بابك. 3/ 101، 128. مدينة بروسا. 10/ 127. مدينة الروم. 4/ 281. مدينة الزاب المسيلة. 4/ 329. مدينة السلام. 4/ 187.

مدينة سنجار سنجار. 6/ 201. مدينة الصلح. 3/ 48. مدينة المنصور. 3/ 173، 4/ 85، 102، 298، 514، مذحج (أكمة باليمن) . 4/ 417. مذوخا، من عمل البقاع. 10/ 458. مرّ. 1/ 219. مراغة. 6/ 35، 143، 146، 149، 166، 477، 7/ 129، 171، 172، 222، 550، 8/ 109، 344، 345. مراكش. 3/ 383، 5/ 344، 385، 427، 428، 6/ 117، 176، 184، 393، 433، 446، 496، 501، 524، 525، 526، 7/ 50، 92، 168، 205، 238، 360، 439، 569، 8/ 293، 401، 9/ 114، 339. مرّان. 2/ 196. المراوعة. 10/ 646. المرج. 8/ 150. مرجام. 10/ 112. مرج دابق. 2/ 237، 10/ 161، 200، 207. مرج دمشق. 1/ 117. مرجة دمشق. 7/ 611، 10/ 116، 605. مرج الديباج. 1/ 159. مرج الصفّر. 8/ 10. مرج عذراء. 6/ 247. مردا. 7/ 175، 489، 490، 727، 745، 788، 789، 8/ 11، 14، 29، 56، 87، 91، 104، 107، 127، 128، 130، 133، 151، 166، 172، 175، 196، 202، 203، 205، 221، 229، 508، 9/ 264، 390، 474، 510، 536، 10/ 337. مرزيقون. 10/ 527. مرسية. 5/ 168، 250، 251، 334، 6/ 460، 7/ 332. المرشدية (مدرسة) . 10/ 209، 285. مرعش. 4/ 199، 10/ 591. المرقب. 9/ 348. مرند. 5/ 310. مرو. 1/ 281، 364، 2/ 76، 125، 256، 271، 335، 362، 387، 420، 421، 462، 465، 3/ 16، 56، 68، 72، 73، 99، 105، 119، 123، 178، 179، 186، 290، 399، 4/ 56، 218، 230، 231، 240، 245، 271، 299، 321، 386، 395، 478، 5/ 101، 176، 195، 219، 222، 233، 257، 274، 283، 321، 337، 360، 394، 395، 407، 421، 6/ 48، 114، 132، 181، 229، 245، 246، 247، 341، 348، 487، 488، 7/ 135، 388، 392، 441. مرو الرّوذ. 1/ 335، 2/ 79، 3/ 69، 399، 219، 327، 5/ 243، 246،

265، 337، 6/ 79، 461. المروة. 4/ 17. مريسيع. 1/ 137. المريّة. 5/ 167، 315، 337، 361، 365، 6/ 91، 177، 184، 168. المزاز بدمشق. 10/ 93. مزار جام. 8/ 547. مزار سيدي حبيب [1] . 10/ 610، 611. مزار سيدي بلال الحبشي في باب الصغير. 10/ 51. المزرفة. 6/ 135. المزّة. 2/ 469، 7/ 169، 250، 755، 767، 8/ 55، 112، 177، 237، 357، 523، 524، 534، 538، 498، 9/ 200، 264، 565. المسجد الأقصى. 5/ 401، 8/ 416، 521، 9/ 175، 276، 382، 494، 10/ 110، 168، 501، 534، 8/ 617، 7/ 762. مسجد الآجرة. 7/ 94. مسجد أبي الدرداء. 7/ 308. مسجد أبي صالح. 4/ 173، 6/ 304، 7/ 51. مسجد أبي الفضل. 6/ 538. مسجد بن جردة. 5/ 417. مسجد الأقصاب. 10/ 228. مسجد الأنباريين. 5/ 46. مسجد إيلياء. 7/ 393. مسجد الباشورة. 10/ 214، 467. مسجد بني حرام. 6/ 82. مسجد البياطرة. 7/ 754. مسجد التاريخ. 7/ 35. مسجد الجند. 1/ 167. مسجد الجند. 5/ 425. مسجد الجوزة. 8/ 622. مسجد الحسين. 8/ 399. مسجد الحنابلة [2] . 7/ 200، 707، 8/ 8. مسجد الحنابلة بنابلس. 8/ 202. المسجد الحرام. 1/ 373، 5/ 69، 2/ 296، 3/ 112، 229، 8/ 552، 9/ 186، 233، 262، 318، 405، 518، 545، 10/ 12، 106، 160، 319، 402. مسجد خاتون. 6/ 245. مسجد الخيف. 9/ 425، 428، 10/ 12. مسجد دار البطيخ. 6/ 559. مسجد الذبان. 8/ 208، 10/ 68. مسجد الرأس. 7/ 511، 8/ 120. مسجد الرّصافة. 2/ 265، 3/ 189. مسجد الرماحين. 7/ 716، 8/ 83. مسجد الزيدي. 7/ 214. مسجد ساوية. 7/ 510. مسجد سوق الأحد. 5/ 156. مسجد الشريف أبي جعفر. 5/ 347. مسجد الشهرزوري. 8/ 407. مسجد الشونيزية. 4/ 154، 155. مسجد الفوّارة. 7/ 184. مسجد فلوس. 7/ 318.

_ [1] حبيب النجار. [2] في صالحية دمشق.

مسجد الطالع بالدقاقين. 10/ 175. مسجد عبد الله. 5/ 155. مسجد عز الدين. 8/ 616. مسجد العفيف. 10/ 350. مسجد العناتبة بحلب. 10/ 123. مسجد القدم [1] . 8/ 352، 421، 9/ 324. مسجد القصب. 7/ 308. مسجد الكوفة. 1/ 316، 393. مسجد الماشكي. 7/ 676. مسجد المشتهى. 7/ 263. مسجد النارنج. 8/ 19، 10/ 132. مسجد ناصر الدين. 9/ 308، 10/ 99. المسجد النبوي [2] . 1/ 165، 284، 372، 2/ 222، 269، 5/ 255، 7/ 455، 8/ 131، 9/ 515، 542، 545، 10/ 489. مسجد الوزير. 7/ 151. مسجد يانس. 8/ 356. مسدار. 2/ 91. مسطبة السلطان بالقابون. 10/ 209. المسعى. 2/ 132، 328. مسكن. 4/ 476. المسمارية (مدرسة) . 7/ 289. المسناة. 2/ 148. السّند. 2/ 154، 4/ 362. المسيلة [3] . 4/ 329، 5/ 238. مشان البصرة. 6/ 84، 85. المشرق. 3/ 172، 4/ 120، 282، 330، 418، 5/ 71، 86، 101، 195، 267، 316، 340، 468، 6/ 177، 210، 224، 233، 234، 526، 7/ 110، 142، 249، 332، 399، 577، 8/ 232، 233، 251، 252، 298، 467، 468، 547، 9/ 336، 10/ 117، 160. المشرقان. 7/ 612. المشعر الحرام. 4/ 513. مشغرى. 4/ 92. مشهد أبي حنيفة. 7/ 76. مشهد الإمام مالك بالبقيع. 10/ 25. مشهد الإمام محمد بن خزيمة. 5/ 415. مشهد الحسين [4] . 7/ 137، 710، 760، 8/ 60، 75، 294، 314، 9/ 328. مشهد زين العابدين. 5/ 35. المشهد الشرقي بالجامع الأموي. 10/ 233، 370. مشهد الشيخ أحمد الصياد بزبيد. 10/ 140. مشهد علي بن الحسين. 6/ 432، 7/ 750. المشهد الفاطمي. 7/ 579. مشهد الفقيه أبي بكر بن علي الحداد. 10/ 107. مصانع البرمكي والريان (مجمع مياه) . 5/ 16. المصبرا. 7/ 138.

_ [1] قرب دمشق. [2] وردت الإشارة إليه بصيغ مختلفة آثرت إيرادها جميعا تحت رسم (المسجد النبوي) . [3] مدينة الزاب. [4] ورد ذكره في الكتاب أيضا ب (المشهد الحسيني) ولكنني أدرجته تحت رسم (مشهد الحسين) لأنه أشهر.

مصر. 1/ 92، 162، 174، 210، 218، 223، 232، 266، 282، 289، 300، 307، 314، 318، 336، 338، 341، 343، 348، 352، 359، 366، 388، 391، 2/ 6، 24، 32، 36، 82، 86، 95، 97، 122، 124، 138، 143، 145، 148، 193، 195، 220، 260، 268، 269، 287، 329، 336، 337، 340، 356، 363، 437، 456، 457، 3/ 19، 21، 24، 25، 43، 57، 69، 90، 91، 93، 114، 128، 131، 150، 151، 175، 183، 184، 188، 198، 207، 222، 230، 244، 253، 281، 296، 300، 302، 303، 305، 308، 314، 319، 320، 335، 336، 337، 347، 376، 377، 386، 391، 392، 393، 396، 398، 402، 409، 422، 4/ 6، 8، 10، 13، 15، 16، 17، 21، 29، 34، 35، 37، 38، 40، 51، 57، 63، 71، 73، 75، 76، 78، 79، 80، 90، 93، 105، 106، 110، 113، 114، 119، 129، 134، 135، 164، 168، 174، 175، 177، 181، 186، 188، 189، 191، 205، 217، 221، 224، 231، 235، 236، 237، 240، 242، 243 ص، الصفحة: 246، 249، 257، 265، 266، 269، 270، 271، 280، 284، 285، 288، 291، 307، 310، 313، 326، 337، 338، 341، 344، 345، 348، 349، 350، 351، 357، 370، 371، 372، 380، 405، 413، 420، 422، 424، 425، 426، 433، 439، 440، 441، 452، 461، 478، 479، 482، 485، 486، 489، 493، 501، 507، 519، 520، 521، 522، 523، 5/ 10، 13، 29، 50، 54، 61، 62، 65، 68، 73، 78، 82، 91، 99، 102، 113، 114، 116، 120، 128، 129، 138، 147، 162، 165، 175، 185، 194، 195، 196، 198، 205، 218، 221، 224، 226، 229، 258، 266، 267، 273، 297، 307، 318، 338، 360، 370، 371، 374، 376، 381، 390، 392، 399، 402، 410، 413، 6/ 10، 13، 30، 49، 74، 75، 92، 95، 117، 121، 139، 148، 190، 222، 226، 232، 233، 234، 251، 268، 290، 291، 311، 314، 329، 337، 350، 372، 375، 386، 387، 388، 400، 411، 414، 415، 421، 422، 423، 59 ص،

الصفحة: 461، 470، 476، 482، 483، 490، 496، 498، 503، 504، 506، 518، 521، 522، 528، 531، 533، 534، 535، 536، 546، 548، 554، 556، 562، 564، 7/ 11، 20، 37، 47، 50، 51، 59، 62، 65، 88، 93، 97، 99، 102، 113، 118، 143، 145، 155، 173، 176، 178، 179، 194، 197، 207، 217، 227، 231، 234، 235، 239، 251، 253، 262، 280، 283، 289، 290، 293، 296، 303، 313، 314، 317، 318، 326، 349، 355، 366، 379، 380، 381، 382، 386، 388، 390، 392، 403، 405، 406، 409، 417، 420، 424، 427، 428، 436، 438، 449، 454، 456، 462، 463، 464، 471، 474، 476، 490، 503، 506، 507، 512، 513، 514، 515، 523، 524، 526، 528، 530، 531، 533، 537، 544، 547، 548، 556، 557، 558، 560، 562، 566، 569، 571، 586، 589، 593، 603، 604، 610، 613، 616، 617، 623، 624، 625، 629، 641، 643، 646، 648، 652، 655، 660، 676، 681 ص، الصفحة: 688، 692، 693، 694، 695، 710، 719، 720، 726، 727، 735، 738، 740، 746، 752، 757، 758، 759، 764، 767، 773، 777، 783، 787، 791، 792، 794، 797، 798، 8/ 5، 6، 7، 11، 12، 20، 22، 25، 28، 29، 32، 33، 35، 38، 39، 41، 42، 43، 44، 48، 49، 50، 53، 56، 61، 63، 64، 68، 69، 72، 74، 77، 78، 83، 84، 89، 91، 95، 97، 99، 100، 101، 103، 104، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 120، 124، 125، 129، 131، 132، 138، 140، 145، 151، 153، 157، 158، 159، 161، 163، 164، 170، 178، 179، 190، 192، 200، 204، 206، 211، 217، 224، 229، 234، 235، 241، 248، 251، 255، 257، 259، 261، 265، 274، 278، 285، 294، 296، 304، 310، 312، 317، 320، 326، 330، 331، 334، 338، 339، 352، 359، 363، 365، 367، 368، 370، 376، 378، 379، 381، 382، 384، 387، 400، 401، 404، 405، 407، 411، 434، 435، 436، 438، 439، 440، 441، 442 ص،

الصفحة: 445، 449، 457، 459، 461، 463، 467، 472، 474، 484، 487، 490، 491، 494، 496، 504، 505، 506، 509، 510، 513، 514، 527، 533، 534، 542، 544، 557، 558، 563، 566، 572، 573، 576، 579، 584، 589، 591، 592، 594، 595، 597، 602، 609، 9/ 11، 16، 18، 25، 30، 35، 41، 44، 46، 51، 52، 53، 55، 58، 65، 69، 72، 73، 85، 92، 102، 110، 118، 120، 125، 138، 139، 141، 144، 145، 148، 152، 155، 165، 167، 171، 172، 179، 183، 185، 186، 187، 194، 196، 198، 199، 201، 205، 211، 213، 214، 220، 226، 227، 249، 255، 262، 277، 280، 288، 289، 290، 292، 293، 294، 297، 298، 302، 304، 308، 310، 318، 320، 327، 330، 339، 342، 347، 350، 351، 357، 369، 373، 379، 391، 396، 397، 409، 413، 414، 417، 418، 423، 432، 437، 447، 455، 468، 469، 473، 485، 489، 502، 530، 547، 10/ 8، 10، 16، 22، 36، 41، 44، 57 ص، الصفحة: 59، 60، 72، 77، 80، 81، 83، 93، 94، 112، 119، 124، 130، 131، 132، 142، 149، 153، 156، 159، 160، 161، 163، 167، 169، 181، 191، 197، 200، 201، 203، 205، 207، 211، 212، 220، 231، 242، 243، 250، 252، 253، 254، 257، 260، 265، 271، 274، 280، 283، 290، 291، 315، 321، 328، 333، 343، 345، 348، 350، 351، 352، 366، 367، 370، 371، 375، 384، 385، 387، 388، 400، 401، 402، 407، 413، 419، 426، 427، 433، 443، 435، 438، 444، 452، 455، 458، 467، 470، 476، 477، 480، 491، 506، 507، 511، 535، 536، 539، 542، 544، 561، 571، 576، 578، 591، 593، 596، 597، 598، 600، 611، 623، 625، 634، 640، 644، 648. مصطبة الطحينة بجامع حلب «الكبير» . 10/ 50. مصلى حولان. 8/ 542. المصلى ظاهر دمشق. 7/ 35، 432، 8/ 19. المصنع. 7/ 164. المصّيصة. 2/ 190، 421، 3/ 303،

4/ 278، 281، 296، 5/ 374، 7/ 594. مضايا. 10/ 111. المطبق [1] . 2/ 401. مطبوس. 10/ 88. مطخشارش. 8/ 251. المعافر. 5/ 425. معان. 8/ 327. معبد ذي النون المصري. 7/ 179. معدن النّقرة. 5/ 299. معرّة النّعمان. 2/ 5، 3/ 382، 5/ 114، 173، 209، 210، 211، 399، 6/ 193، 210، 266، 7/ 237، 572. معرّة صرمين. 9/ 77. المعظم. 10/ 456. المعلّى. 7/ 602. المعلاة. 8/ 80، 552، 597، 9/ 179، 199، 216، 236، 258، 261، 262، 405، 526، 10/ 196، 222، 292، 319، 323، 358، 391، 538، 543. مغارة الدم. 7/ 53، 107. مغامة. 5/ 365. المغرب. 1/ 319، 342، 353، 365، 391، 2/ 24، 32، 48، 94، 96، 99، 125، 143، 198، 247، 257، 311، 331، 411، 438، 439، 3/ 55، 179، 184، 205، 266، 281، 357، 366، 377، 402، 4/ 10، 29، 41، 85، 102، 114، 116، 120، 189، 222، 263، 330، 347، 385، 422، 461، 477، 509، 5/ 23، 33، 39، 61، 100، 101، 107، 153، 162، 180، 195، 230، 231، 267، 340، 344، 428، 6/ 97، 107، 176، 177، 199، 305، 330، 373، 382، 414، 433، 490، 495، 496، 503، 531، 7/ 80، 92، 142، 165، 168، 205، 333، 360، 371، 402، 408، 473، 482، 499، 517، 557، 569، 602، 720، 753، 8/ 14، 25، 102، 169، 202، 224، 225، 251، 262، 590، 9/ 11، 39، 61، 73، 114، 200، 262، 297، 532، 536، 10/ 6، 160، 238، 386، 397، 398، 477، 562. المغرب الأدنى. 9/ 11. المغرب الأقصى. 9/ 11. المغرب الأوسط. 9/ 11. المغربان. 7/ 612. المغس. 7/ 759، 9/ 314. مغنيسا. 10/ 10، 414. المغيربية. 10/ 605. مفارش الرز. 10/ 342. مقابر باب توما. 7/ 789.

_ [1] سجن من سجون بني العباس.

مقابر باب الرحمة 381. مقابر باب النصر. 8/ 24، 7/ 682. مقام إبراهيم الخليل ببرزة. 10/ 47. المقام الإبراهيمي، خارج باب المقام بحلب. 10/ 432. مقام سيدي أحمد البدوي. 10/ 366، 542. المقام بقلعة حلب. 10/ 286. المقام، بحلب. 10/ 401. مقام الحنفية بمكة. 9/ 156. مقام السيدة زينب. 10/ 466. مقام الشافعي. 9/ 391، 463، 10/ 213، 254، 10/ 399. مقام الشيخ أحمد الحرّار بالقرافة الصغرة. 10/ 169. المقام [1] . 2/ 467، 9/ 127، 128، 10/ 77. مقبرة أبي بكر غلام الخلال. 6/ 214. مقبرة أبي عامر. 8/ 606. مقبرة الإمام أحمد. 5/ 181، 183، 198، 223، 6/ 77، 135، 141، 237، 290، 349، 368، 353، 385، 390، 409، 413، 419، 434، 479، 486، 550، 7/ 19، 99، 123، 210، 218، 221، 292، 394، 415، 598، 8/ 29، 118، 133، 157، 214، 343، 349، 350، 356. مقبرة باب حرب. 6/ 26، 29، 37، 57، 131، 227، 236، 261، 450، 451، 536، 7/ 87، 771، 8/ 278. مقبرة باب السريجة بدمشق. 10/ 120. مقبرة باب سهام. 10/ 51. مقبرة باب الصغير. 6/ 215، 222، 7/ 722، 8/ 117، 156، 176، 207، 227، 247، 266، 291، 292، 295، 306، 598، 10/ 49، 88، 129، 132، 141، 178، 202، 210، 214، 219، 223، 228، 272، 370، 380، 395، 445، 602، 631. مقبرة باب الفراديس. 5/ 374، 9/ 356، 10/ 48، 56، 262، 451، 455، 456، 557. مقبرة باب المعلاة. 8/ 363. مقبرة الجوزة بمحلة الميدان. 10/ 176. مقابر الحجاج، بحلب. 10/ 459. مقبرة الحسين. 5/ 341. مقبرة الحمرية بدمشق. 10/ 180. مقبرة الحيرة. 3/ 420. مقبرة الخيزران. 2/ 212، 235، 4/ 368، 5/ 33. مقبرة الرباط. 5/ 353. مقبرة الرحبي بحلب. 10/ 194. مقبرة الروضة بدمشق. 7/ 591، 8/ 341، 467، 519، 9/ 158. مقبرة زبيد. 7/ 631، 10/ 36. مقبرة سيدي علي الهروي، خارج باب المقام بحلب. 10/ 439.

_ [1] بالكعبة المشرفة.

مقبرة السيد علي، بالهزازة في حلب. 10/ 393. مقبرة الشاذلية. 9/ 503. مقبرة الشيخ رسلان. 7/ 789، 9/ 158، 10/ 174، 255، 294. مقبرة الشيخ موفق الدين. 8/ 602. مقابر الصالحين بحلب. 10/ 286، 332، 375، 393، 489، 534. مقابر الصّوفيّة. 6/ 432، 7/ 164، 319، 371، 384، 583، 632، 653، 731، 8/ 27، 83، 137، 150، 164، 177، 179، 183، 221، 238، 254، 261، 264، 331، 342، 346، 384، 399، 474، 475، 558، 577، 9/ 115، 329، 366، 371. مقبرة الطبري. 6/ 698. مقبرة القبيبات بدمشق. 10/ 140. مقبرة قر بنيسابور. 4/ 151. مقابر قريش. 2/ 330، 371، 6/ 409. مقبرة القلاس. 9/ 501. مقبرة قنطرة بردان. 4/ 74. مقبرة كلع. 5/ 25. مقابر المرداويين (مقبرة) . 8/ 88. مقبرة المرادوة. 8/ 318. مقبرة المزرعة. 10/ 61. مقبرة المعافى بن عمران. 8/ 140. مقبرة معروف الكرخي. 7/ 220، 351. مقبرة الملكية. 4/ 461. مقبرة النخلة غربي سوق صاروجا (بدمشق) . 10/ 11. مقبرة الوردية. 6/ 171. مقرى. 6/ 511. المقس. 9/ 12. المقصورة بالجامع الأموي. 7/ 546، 10/ 370، 422. المقطّم. 3/ 337، 4/ 237، 6/ 555، 7/ 113، 262، 268، 296، 409، 589. المقياس. 10/ 201. مكتب جاروخ. 7/ 354. مكتب عز الدين، بدمشق. 10/ 397. مكة المكرمة. 1/ 123، 127، 133، 134، 146، 149، 158، 169، 195، 205، 206، 219، 230، 251، 259، 274، 286، 287، 296، 305، 308، 311، 321، 345، 371، 383، 399، 403، 2/ 9، 20، 31، 32، 69، 70، 71، 80، 82، 88، 89، 98، 103، 115، 127، 132، 152، 196، 201، 204، 205، 221، 225، 228، 251، 262، 266، 269، 271، 277، 293، 302، 303، 311، 312، 321، 328، 336، 350، 358، 362، 387، 392، 393، 401، 446، 448، 461، 466، 3/ 10، 15، 17، 19، 20، 21، 33، 41، 57، 60، 92، 99، 110، 112، 120، 127 ص،

الصفحة: 130، 132، 149، 156، 173، 181، 186، 190، 192، 194، 199، 208، 212، 221، 229، 249، 251، 252، 262، 266، 269، 271، 277، 293، 308، 320، 327، 361، 379، 385، 4/ 11، 16، 17، 39، 40، 53، 70، 81، 101، 116، 117، 153، 175، 195، 216، 217، 220، 270، 280، 296، 357، 358، 359، 386، 389، 401، 402، 416، 460، 464، 468، 483، 493، 501، 517، 5/ 82، 103، 164، 175، 194، 195، 198، 229، 244، 249، 266، 299، 312، 316، 318، 322، 329، 338، 339، 353، 362، 377، 415، 420، 6/ 12، 71، 95، 102، 117، 125، 129، 175، 179، 180، 196، 197، 198، 244، 264، 387، 409، 411، 418، 447، 452، 487، 490، 498، 503، 544، 7/ 11، 59، 67، 75، 98، 135، 146، 147، 177، 201، 211، 234، 245، 293، 296، 302، 303، 310، 313، 325، 366، 367، 372، 374، 391، 399، 431، 432، 450، 474، 480، 524، 543، 556، 575، 598، 599، 602 ص، 654، 691، 692، 694، 707، 731، 743، 744، 8/ 6، 9، 30، 32، 36، 50، 60، 61، 80، 97، 101، 103، 106، 138، 152، 165، 177، 213، 241، 258، 285، 288، 290، 319، 320، 322، 324، 327، 338، 351، 355، 362، 363، 365، 366، 386، 389، 390، 392، 393، 417، 434، 439، 443، 454، 463، 466، 467، 469، 478، 484، 502، 503، 506، 511، 514، 515، 516، 519، 521، 526، 531، 534، 537، 542، 551، 552، 569، 570، 574، 579، 592، 597، 600، 605، 609، 614، 615، 620، 624، 9/ 11، 15، 18، 22، 23، 24، 35، 36، 44، 48، 51، 80، 86، 113، 118، 129، 131، 136، 138، 139، 140، 141، 143، 144، 145، 154، 156، 157، 166، 167، 168، 178، 179، 181، 182، 184، 185، 186، 187، 189، 191، 192، 196، 198، 199، 200، 204، 213، 215، 216، 219، 220، 221، 225، 231، 233، 234، 236، 247، 248، 253، 257، 258، 261، 262، 264، 267، 269 ص،

الصفحة: 283، 287، 288، 290، 297، 298، 303، 316، 318، 322، 325، 327، 329، 331، 333، 337، 339، 344، 345، 351، 357، 405، 406، 417، 430، 435، 436، 445، 449، 452، 492، 493، 494، 495، 515، 516، 518، 524، 526، 544، 9/ 63، 69، 70، 10/ 34، 43، 52، 77، 82، 102، 106، 114، 121، 124، 125، 135، 139، 145، 152، 162، 169، 177، 178، 182، 186، 188، 189، 190، 193، 195، 196، 203، 215، 216، 220، 221، 222، 235، 237، 240، 241، 246، 248، 277، 283، 292، 300، 302، 311، 319، 323، 325، 342، 345، 349، 350، 358، 368، 370، 377، 384، 389، 391، 396، 400، 401، 402، 404، 408، 423، 427، 432، 433، 441، 445، 449، 450، 466، 475، 479، 482، 485، 490، 510، 511، 525، 526، 531، 538، 542، 543، 551، 554، 558، 559، 562، 565، 582، 589، 593، 600، 612، 616، 617، 627، 631، 638، 646، 652. ملّالة. 6/ 117. ملطية. 1/ 150، 2/ 188، 3/ 105، 262، 4/ 21، 70، 6/ 188، 319، 484، 7/ 116، 8/ 15، 234، 9/ 57، 64، 348، 10/ 160. الملقة. 10/ 161. ملقونية. 2/ 415. ملنجة. 5/ 368. مليح. 5/ 266، 9/ 360. مملكة أبي سعيد. 8/ 298. الممالك الإسلامية. 10/ 450. مملكة الروم. 9/ 89، 10/ 313. المملكة الشامية. 9/ 545. مملكة قرمان. 9/ 89. مملكة المسلمين بالهند. 9/ 100. مملكة المغرب. 9/ 335. مملكة المغل. 9/ 98. منى. 1/ 309، 2/ 350، 3/ 20، 6/ 454، 7/ 59، 8/ 242، 285، 9/ 188، 191، 262، 316، 396، 425. منى الخيف. 4/ 513. منارة الإسكندرية. 2/ 356. المنارة الشرقية. 5/ 13، 6/ 156. منارة العروس. 8/ 435. المنارة الغربية. 7/ 13. منارة القرون. 5/ 366. منازجرد. 4/ 291، 5/ 174. منازكرد. 5/ 174، 6/ 476. منال العز. 6/ 535.

المناوات بمصر. 10/ 404. منبج. 4/ 395، 5/ 259، 10/ 294. المنجمية. 6/ 375. المنزلة. 10/ 249، 250، 412، 449، 493. منزلة حاجر. 8/ 278. المنشار. 10/ 47، 565. المنشية. 8/ 97. المنصورة. 2/ 316، 512، 7/ 411، 413، 414، 477، 611، 9/ 383. منعرج اللوى. 3/ 197. منفلوط. 8/ 432. منكلي بغا. 8/ 492. منواث. 4/ 373. منورقة. 1/ 357. المنوفية. 9/ 368، 529. منوف. 10/ 343، 453. منوف العليا. 10/ 207. المنيحة (من قرى غوطة دمشق) . 10/ 368. منين. 5/ 126، 7/ 606، 747. منية أم صالح. 9/ 360. منية بني خصيب [1] . 7/ 585، 8/ 389. منية شلقان. 4/ 424. منية الصيادين. 4/ 424. منية القائد. 8/ 258. منية مرشد. 8/ 504. المهجم. 5/ 319، 7/ 147، 8/ 32، 121، 455، 9/ 330. المهدية. 3/ 377، 4/ 114، 116، 223، 224، 329، 348، 5/ 238، 6/ 6، 43، 117، 139، 187، 219، 527، 7/ 81. المهمندار. 10/ 465. مؤتة. 1/ 126، 137. مور. 9/ 34. موزع باليمن. 10/ 65، 104. الموصل. 1/ 169، 292، 343، 2/ 63، 121، 122، 138، 152، 260، 385، 413، 442، 3/ 46، 119، 143، 147، 153، 157، 292، 4/ 84، 91، 97، 112، 121، 167، 174، 199، 291، 359، 374، 377، 381، 406، 469، 489، 490، 492، 495، 5/ 7، 86، 179، 185، 189، 227، 253، 299، 315، 316، 323، 328، 357، 360، 6/ 100، 143، 154، 199، 201، 202، 203، 209، 210، 228، 239، 269، 308، 358، 359، 372، 374، 375، 380، 383، 391، 399، 403، 423، 427، 431، 441، 464، 466، 471، 481، 488، 505، 519، 520، 546، 547، 556، 7/ 8، 11، 22، 43، 44، 63، 73، 79، 93، 105 ص،

_ [1] تحرفت في هذا الموضع من الكتاب إلى (منية ابن خصيب) ونبهت على ذلك في حاشية الصفحة وفاتني تصحيحها في المتن فمعذرة من القراء الكرام.

الصفحة: 107، 113، 130، 137، 144، 148، 153، 166، 174، 176، 179، 213، 214، 217، 242، 250، 276، 278، 285، 288، 294، 305، 327، 328، 329، 350، 357، 363، 382، 384، 395، 397، 456، 463، 468، 474، 488، 521، 527، 530، 567، 579، 589، 593، 609، 634، 648، 784، 8/ 65، 79، 86، 87، 139، 140، 216، 305، 588، 594، 611، 621، 9/ 17، 46، 47، 237، 310. موغان. 7/ 129. موقان. 3/ 95. الموقّر. 2/ 366. ميافارقين. 4/ 247، 398، 5/ 64، 91، 172، 187، 225، 355، 372، 6/ 8، 28، 79، 140، 280، 441، 476، 490، 7/ 117، 230، 382، 402، 510، 511، 550. ميانج. 4/ 402. ميانة. 4/ 318، 6/ 124. الميدان [1] . 6/ 431، 7/ 184، 245، 9/ 164، 10/ 125، 176، 214، 220، 270، 272، 392، 395، 456، 531. ميدان زياد. 6/ 94. ميدان عنتاب. 8/ 434. ميزاب الرحمة، في الكعبة. 10/ 469. ميسان. 2/ 52. ميضأة العنبرانية، بجامع دمشق. 10/ 395. الميطور. 7/ 107، 368. الميقات. 8/ 278. الميمون. 9/ 292. مينة الأمل. 9/ 333. مينة بني سلسيل. 9/ 383. مينة عقبة بالجيزة. 9/ 401. مينة عمر. 9/ 387. ميهنة. 6/ 132، 133. ميورقة. 1/ 357، 5/ 390، 6/ 267.

_ [1] ويعرف ب (ميدان الحصى) أيضا وقد ورد بالصيغتين بالكتاب ولكنني آثرت إدراج الصيغتين تحت رسم (الميدان) لأنه الأشهر الآن.

حرف النون نابلس. 5/ 396، 6/ 482، 536، 544، 559، 7/ 35، 175، 200، 208 270، 349، 450، 481، 510، 674، 746، 762، 764، 772، 8/ 11، 87، 168، 189، 202، 266، 382، 458، 489، 495، 496، 562، 585، 596، 9/ 195، 253، 268، 356، 381، 382، 389، 417، 444، 484، 499، 501، 508، 523، 10/ 145، 311، 325، 375. ناحية دلاص. 7/ 754. الناحية الغربية [1] . 2/ 161. ناحية مضر. 3/ 191. الناصرة. 9/ 175. الناصرية (مدرسة) . 7/ 504، 546، 715، 8/ 85، 121، 260، 379، 504، 554، 555، 598، 9/ 46، 93، 151. الناصرية (مدرسة) . 9/ 256، 10/ 603. الناصرية (مدرسة) البرانية. 8/ 350، 10/ 645. الناصرية (مدرسة) الجوانية. 8/ 197، 8/ 432، 563. الناصرية الحسنية (مدرسة) . 9/ 270. الناعمة. 7/ 240. نبتيت. 10/ 211. نبيس. 10/ 98. نجد. 1/ 175، 3/ 144، 6/ 88، 7/ 151، 656، 10/ 37. نجران. 1/ 252. النجف. 3/ 166. النجمية. 8/ 468. النجيبية (مدرسة) . 7/ 648، 8/ 422، 572. نجيرم. 4/ 383، 5/ 222. النحاسين. 4/ 326. نخعون. 7/ 778. النّرس. 7/ 757. نسا. 3/ 387، 4/ 15، 18، 285، 297، 406، 432، 5/ 229، 6/ 488، 547. نسف [2] . 1/ 329، 3/ 400، 5/ 236، 7/ 70. النسيمية. 10/ 17. نشا. 8/ 312. نصراباذ. 4/ 356. نصيبين. 1/ 122، 2/ 121، 183، 3/ 292، 307، 4/ 199، 326، 5/ 121، 515، 6/ 268، 427، 490، 7/ 448، 8/ 589.

_ [1] يعني الجهة الغربية من بغداد. [2] وتعرف أيضا ب (نخشب) .

النّفّر. 7/ 757. النظامية [1] (مدرسة) . 5/ 234، 253، 324، 332، 339، 355، 405، 6/ 28، 101، 113، 200، 207، 270، 271، 346، 370، 425، 467، 493، 508، 509، 564، 7/ 45، 97، 126، 170، 184، 185، 257، 276، 282، 355، 356، 392، 464، 8/ 569، 599، 9/ 186. نظامية أصبهان (مدرسة) . 5/ 354. نظامية بغداد (مدرسة) . 6/ 20، 132. النظامية مدرسة بزبيد. 9/ 321. نظامية هراة (مدرسة) . 5/ 365. النّعمانية. 4/ 283، 5/ 98. النّعير [2] . 10/ 173. النفيسية (مدرسة) . 7/ 759، 8/ 71، 215. نكدة. 9/ 301. نمرة. 10/ 12. نهاوند. 1/ 174، 176، 3/ 416، 5/ 364، 6/ 205، 7/ 363. نهر أبي فطرس. 2/ 148. نهربانياس. 6/ 299. نهربردى. 10/ 605. نهر البصرة. 1/ 188. نهر تيرى. 2/ 462، 463. نهر جعفر. 6/ 508. نهر جيحون. 1/ 255، 2/ 79، 220، 3/ 403. نهر الحسا. 9/ 345. نهر الزم. 2/ 69. نهر السّدون. 3/ 88. نهر الشريعة. 7/ 716. نهر طابق. 4/ 70. نهر عيسى. 2/ 220، 4/ 248، 7/ 124، 300. نهر الفرات. 9/ 56. نهر ماحون. 6/ 492. نهر مصر نيل مصر نهر النيل. 4/ 489. نهر الملك. 6/ 255. نهر الهند. 5/ 366. نهر يزيد. 4/ 308، 6/ 447. نهر واله من إقليم الكجران. 10/ 139. النهروان. 1/ 217، 225، 2/ 462، 4/ 484، 10/ 438. النوبة. 6/ 421. النوبهار. 2/ 427. نورة. 7/ 46. النورية (مدرسة) . 6/ 558، 7/ 63، 319، 524، 8/ 87، 139. نوقان. 5/ 345، 346، 364. النويدرة. 10/ 111. النويرة. 8/ 502. النيرب. 6/ 222، 7/ 308، 396، 745، 7/ 792، 8/ 400، 9/ 281. نيسابور. 2/ 286، 287، 3/ 46، 68، 120، 132، 173، 179، 191،

_ [1] مدرسة ببغداد. [2] شعب من شعاب تريم في اليمن.

الصفحة: 196، 201، 202، 234، 260، 271، 272، 284، 288، 291، 335، 348، 374، 398، 399، 400، 404، 413، 418، 419، 420، 421، 4/ 16، 19، 23، 31، 44، 62، 75، 78، 82، 96، 151، 176، 198، 219، 225، 226، 238، 244، 245، 257، 286، 269، 328، 340، 344، 355، 356، 357، 374، 386، 392، 394، 397، 401، 406، 415، 433، 435، 474، 483، 497، 498، 502، 517، 524، 5/ 26، 27، 47، 51، 52، 53، 60، 67، 74، 91، 94، 103، 116، 121، 128، 130، 131، 149، 150، 154، 157، 176، 177، 196، 213، 215، 216، 222، 229، 233، 243، 246، 249، 250، 251، 266، 277، 278، 283، 289، 292، 305، 325، 328، 333، 336، 338، 339، 341، 349، 350، 351، 352، 365، 370، 392، 394، 395، 402، 414، 415، 424، 6/ 19، 30، 52، 80، 91، 94، 147، 148، 174، 183، 220، 231، 247، 252، 297، 348، 360، 374، 376، 432، 7/ 45، 86، 93، 103، 135، 145، 187، 231، 258، 363، 388، 392، 446، 457، 516، 570، 581، 8/ 511. النيل. 2/ 138، 4/ 440، 441، 6/ 505، 7/ 417، 463، 8/ 352، 9/ 26، 9/ 129، 144، 194، 375، 10/ 161، 434، 367، 471. النّيل بلدة على الفرات. 4/ 489. نيه. 6/ 245.

حرف الهاء الهاشمية. 2/ 159، 192، 2/ 200، 237. الهامة. 6/ 403، 404. الهبير. 4/ 60، 380. هجر. 4/ 9، 60، 81، 134، 179، 356، 7/ 467. الهجران 10/ 30، 417، 418. هراة. 1/ 335، 2/ 226، 3/ 112، 157، 364، 399، 4/ 18، 106، 185، 219، 231، 291، 319، 378، 380، 391، 414، 415، 432، 458، 474، 494، 513، 5/ 14، 60، 65، 94، 116، 121، 147، 222، 236، 304، 328، 349، 354، 365، 394، 400، 410، 6/ 30، 80، 91، 133، 160، 183، 184، 185، 209، 212، 231، 244، 276، 312، 340، 377، 521، 546، 7/ 40، 42، 93، 135، 144، 363، 388، 392، 8/ 547، 9/ 97، 101، 220، 334، 403، 404، 476، 543، 10/ 27، 215، 321، 366. الهرث. 6/ 508. هرش. 1/ 286. هرقلة. 1/ 317، 2/ 391، 415، 416، 436. الهرمان. 4/ 266. هرمز هرموز 8/ 568، 9/ 220، 10/ 86، 279. هزارسب. 3/ 388. هسنجان. 4/ 7. همذان. 1/ 176، 2/ 445، 462، 3/ 43، 89، 106، 157، 179، 258، 4/ 91، 227، 265، 377، 441، 480، 483، 514، 5/ 29، 56، 57، 132، 134، 135، 160، 224، 294، 304، 305، 310، 365، 396، 6/ 7، 8، 40، 68، 133، 143، 144، 166، 175، 270، 288، 359، 364، 421، 432، 464، 468، 476، 498، 502، 504، 508، 509، 513، 519، 563، 564، 7/ 7، 30، 77، 93، 118، 136، 142، 166، 201، 238، 331، 370، 388، 565، 639، 8/ 18، 180، 601، 9/ 543. الهند. 1/ 235، 241، 345، 365، 389، 2/ 269، 4/ 41، 42، 193، 305، 328، 362، 470، 520، 5/ 90، 107، 108، 163، 6/ 24،

38، 125، 132، 376، 490، 492، 530، 531، 7/ 14، 136، 211، 230، 247، 603، 8/ 391، 392، 496، 511، 618، 9/ 100، 186، 263، 351، 10/ 139، 144، 160، 161، 162، 245، 246، 357، 371، 427، 552، 613، 621، 626، 627، 628. هونين. 7/ 240. هيت. 2/ 362، 363، 3/ 376، 383، 392، 4/ 72، 76، 184، 448، 490، 5/ 369. الهياطلة. 5/ 366.

حرف الواو الوادي [1] . 6/ 508. وادي ابن راشد، بحضرموت. 10/ 453. وادي إلياس. 9/ 171. وادي بردى. 7/ 60، 8/ 162. وادي بزاعا. 5/ 173. وادي بني سالم. 9/ 276. وادي التيم. 9/ 218، 509. وادي السباع. 1/ 207. وادي سردد. 10/ 32. وادي سليط. 3/ 309. وادي سهام. 10/ 31، 32. وادي العجم. 10/ 394. وادي الغضا. 6/ 88، 7/ 183. وادي القرى. 1/ 366، 390، 2/ 127. وادي مصر. 5/ 259. واركلان. 4/ 393. واسط. 1/ 346، 386، 2/ 81، 95، 112، 146، 148، 190، 222، 408، 445، 462، 470، 3/ 6، 48، 157، 237، 268، 273، 277، 286، 295، 307، 308، 388، 414، 4/ 50، 97، 113، 121، 122، 128، 134، 137، 157، 158، 168، 174، 181، 186، 225، 227، 341، 359، 366، 394، 510، 5/ 48، 115، 166، 208، 291، 299، 6/ 44، 45، 83، 152، 215، 304، 316، 376، 383، 427، 466، 472، 508، 520، 541، 552، 7/ 25، 45، 57، 73، 80، 85، 187، 199، 234، 324، 363، 426، 450، 464، 743، 8/ 21، 33، 45، 9/ 186، 227، 310. واشجرد. 3/ 169. واقصة. 5/ 16. الوجه البحري. 7/ 317، 740، 9/ 12، 180، 368. الوجه الشرقي. 9/ 331. الوجه القبلي. 7/ 523، 9/ 35. الوجيهية. 7/ 36. وخش. 5/ 307، ودان. 1/ 137. الورّاقين [2] . 9/ 328. ورثان. 2/ 45. ورش. 8/ 63. وركان. 6/ 312. وركة. 5/ 411. وطأة الكوفة. 4/ 194. ونا. 9/ 385.

_ [1] وادي العقيق. [2] محلة في القاهرة.

وهران. 6/ 418. ولاية أناضولي. 9/ 539، 10/ 85، 114، 155، 232، 253، 604، 619. ولاية آبدين. 10/ 568. ولاية رملي. 9/ 540. ولاية روم إيلي. 10/ 18، 28، 232، 380. ولاية شروان. 9/ 455، 456، ولاية قرمان. 10/ 581.

حرف الياء يابرة. 5/ 107. الياسريّة. 7/ 124. يافا. 6/ 480، 490، 510، 7/ 560. يافع. 6/ 277، 8/ 363. يبرود. 8/ 414، 437، 476، 538، 9/ 152، 173، 175. اليرموك. 1/ 161، 193، 230. يزد. 9/ 43، 220. اليشبكية [1] . 10/ 268، 467. يعقوبا. 7/ 394. يغنى. 7/ 70. يفاعة. 6/ 71. يلبغا [2] . 10/ 291. يلدا. 7/ 465. اليمامة. 1/ 151، 251، 291، 343، 371، 2/ 258، 3/ 338، 4/ 134. اليمن. 1/ 131، 167، 201، 209، 266، 287، 313، 343، 345، 371، 381، 2/ 24، 32، 73، 74، 76، 115، 201، 208، 227، 239، 244، 245، 248، 259، 269، 348، 437، 3/ 20، 56، 87، 186، 191، 276، 278، 4/ 40، 80، 113، 114، 175، 232، 241، 297، 310، 418، 509، 5/ 317، 318، 319، 371، 425، 6/ 71، 125، 268، 276، 328، 338، 339، 371، 373، 386، 414، 421، 422، 490، 494، 498، 510، 512، 545، 7/ 117، 147، 210، 211، 247، 267، 303، 325، 442، 548، 603، 614، 744، 746، 8/ 68، 100، 165، 200، 242، 247، 249. اليمن. 8/ 293، 359، 361، 363، 380، 396، 450، 455، 476، 508، 517، 520، 545، 555، 561، 618، 9/ 11، 34، 86، 136، 145، 152، 168، 178، 187، 189، 190، 191، 225، 231، 236، 253، 257، 263، 280، 288، 290، 296، 298، 334، 337، 345، 353، 366، 396، 426، 506، 519، 535، 543، 10/ 5، 25، 37، 51، 57، 58، 65، 66، 70، 83، 88، 99، 111، 125، 136، 144، 160،

_ [1] مدرسة بحلب. [2] مسجد من المساجد القديمة في ساحة المرجة بدمشق هدم منذ سنوات لإعادة بنائه بأسلوب جديد وإلحاق مجمع تجاري ضخم به ولا يزال المشروع قيد الإنجاز بإشراف وزارة الأوقاف.

161، 162، 172، 237، 249، 262، 361، 363، 402، 403، 417، 433، 461، 481، 537، 620، 626. ينبع. 8/ 258، 409، 463، 9/ 165، 204، 298، 332. يونارت. 6/ 133.

§1/1